بسم اللّه الرحمن الرحيم

قال حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ‏:‏

قال ‏:‏ حدثنا زياد بن عبداللّه البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ‏:‏

وكان جميع ما غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة ، منها غزوة ودان ، وهي غزوة الأبواء ، ثم غزوة بواط ، من ناحية رضوى ، ثم غزوة العشيرة ، من بطن ينبع ، ثم غزوة بدر الأولى ، يطلب كرز بن جابر ، ثم غزوة بدر الكبرى ، التي قتل اللّه فيها صناديد قريش ، ثم غزوة بني سليم ، حتى بلغ الكدر ، ثم غزوة السويق ، يطلب أبا سفيان بن حرب ، ثم غزوة غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ، ثم غزوة بحران ، معدن بالحجاز ، ثم غزوة أحد ، ثم غزوة حمراء الأسد ، ثم غزوة بني النضير ، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ، ثم غزوة بدر الآخرة ، ثم غزوة دومة الجندل ، ثم غزوة الخندق ، ثم غزوة بني قريظة ، ثم غزوة بني لحيان من هذيل ، ثم غزوة ذي قرد ، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ، ثم غزوة الحديبية ، لا يريد قتالا ، فصده المشركون ‏.‏

ثم غزوة خيبر ، ثم غزوة القضاء ، ثم غزوة الفتح ، ثم غزوة حنين ، ثم غزوة الطائف ، ثم غزوة تبوك ‏.‏

قاتل منها في تسع غزوات ‏:‏ بدر ، وأحد ، والخندق ، وقريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف ‏.‏

ذكر جملة السرايا والبعوث

وكانت بعوثه صلى اللّه عليه وسلم وسراياه ثمانيا وثلاثين ، من بين بعث وسرية ‏:‏ غزوة عبيدة بن الحارث أسفل من ثنية ذي المروة ، ثم غزوة حمزة بن عبدالمطلب ساحل البحر ، من ناحية العيص ؛ وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة عبيدة ، وغزوة سعد بن أبي وقاص الخرار ، وغزوة عبداللّه بن جحش نخلة ، وغزوة زيد بن حارثة القردة ، وغزوة محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف ، وغزوة مرثد بن أبي مرثد الغنوي الرجيع ، وغزوة المنذر بن عمرو بئر معونة ، وغزوة أبي عبيدة بن الجراح ، ذا القصة ،من طريق العراق ‏.‏

وغزوة عمر بن الخطاب تربة من أرض بني عامر ، وغزوة علي بن أبي طالب اليمن ، وغزوة غالب بن عبداللّه الكلبي ،كلب ليث ، بالكديد ، فأصاب بني الملوح ‏.‏

غزوة غالب بن عبداللّه الليثي بني الملوح

وكان من حديثها أن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ،حدثني عن مسلم بن عبداللّه بن خبيب الجهني ، عن المنذر عن جندب بن مكيث الجهني ،

قال ‏:‏

بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غالب بن عبداللّه الكلبي ، كلب بن عوف ابن ليث ، في سرية كنت فيها ، وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح ، وهم بالكديد ، فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك ، وهو ابن البرصاء الليثي ، فأخذناه ، فقال ‏:‏

إني جئت أريد الإسلام ما خرجت إلا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؛ فقلنا له ‏:‏ إن تك مسلماً فلن يضيرك رباط ليلة ، وإن تك على غير ذلك كنا قد استوثقنا منك ، فشددناه رباطاً ثم خلفنا عليه رجلا من أصحابنا أسود ، وقلنا له ‏:‏ إن عازك فاحتز رأسه ‏:‏

ما فعله ابن مكيث في هذه الغزوة

قال ‏:‏ ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئة لهم ، فخرجت حتى أتى تلا مشرفا على الحاضر ، فأسندت فيه ، فعلوت على رأسه ، فنظرت إلى الحاضر ، فواللّه إني لمنبطح على التل ، إذ خرج رجل منهم من خبائه ، فقال لامرأته ‏:‏ إني لأرى على التل سواداً ما رأيته في أول يومي ، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئاً ، لا تكون الكلاب جرت بعضها ‏.‏

قال ‏:‏ فنظرت ، فقالت ‏:‏ لا ، واللّه ما أفقد شيئاً ، قال فناوليني قوسي وسهمين ، فناولته ،

قال ‏:‏ فأرسل سهماً فواللّه ما أخطأ جنبي ، فأنزعه ، فأضعه ، وثبت مكاني ،

قال ‏:‏ ثم أرسل الآخر ، فوضعه في منكبي ، فأنزعه فأضعه ، وثبت مكاني ، فقال لامرأته ‏:‏ لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك ، لقد خالطه سهماي ، لا أبا لك ، إذا أصبحت فابتغيهما ، فخذيهما ، لا يمضغهما علي الكلاب ‏.‏

قال ‏:‏ ثم دخل ‏.‏

غنائم المسلمين في هذه الغزوة

قال ‏:‏ وأمهلناهم ، حتى إذا اطمأنوا وناموا ، وكان في وجه السحر ، شننا عليهم الغارة ،

قال ‏:‏ فقتلنا واستقنا النعم ، وخرج صريخ القوم فجاءنا دهم لا قبل لنا به ، ومضينا بالنعم ، ومررنا بابن البرصاء وصاحبه ‏.‏ فاحتملناهما معنا ؛

قال ‏:‏ وأدركنا القوم ، حتى قربوا منا ،

قال ‏:‏ فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد ، فأرسل اللّه الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى ، من غير سحابة نراها ، ولا مطر ، فجاء بشيء ليس لأحد به قوة ، ولا يقدر على أن يجاوزه ، فوقفوا ينظرون إلينا ، وإنا لنسوق نعمهم ، ما يستطيع منهم رجل أن يجيز إلينا ، ونحن نحدوها سراعاً ، حتى فتناهم ، فلم يقدروا على طلبنا ‏.‏

قال ‏:‏ فقدمنا بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏.‏

شعار المسلمين في هذه الغزوة

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني رجل من أسلم ، عن رجل منهم ‏:‏

أن شعار أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان تلك الليلة ‏:‏ أمت أمت ‏.‏ فقال راجز من المسلمين وهو يحدوها ‏:‏

أبى أبو القاسم أن تعزبي * في خضل نباته مغلولب

صفرا أعاليه كلون المذهب *

قال ابن هشام ‏:‏ويروى ‏:‏ ‏(‏ كلون الذهب ‏)‏ تم خبر الغزاة ، وعدت إلى ذكر تفاصيل السرايا والبعوث ‏.‏

تعريف ببعض الغزوات

قال ابن إسحاق ‏:‏

وغزوة على بن أبي طالب رضى اللّه عنه بني عبداللّه بن سعد من أهل فدك ،وغزوة أبي العوجاء السلمي أرض بني سليم ، أصيب بها هو وأصحابه جميعاً ، وغزوة عكاشة بن محصن الغمرة ، وغزوة أبي سلمة بن عبدالأسد قطنا ، ماء من مياه بني أسد ، من ناحية نجد ، قتل بها مسعود بن عروة ، وغزوة محمد بن مسلمة أخي بني حارثة ، القرطاء من هوزان ، وغزوة بشير بن سعد بني مرة بفدك ، وغزوة بشير بن سعد ، ناحية خيبر ، وغزوة زيد بن حارثة الجموم ، من أرض بني سليم ، وغزوة زيد بن حارثة ، جذام من أرض خشين ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏عن نفسه والشافعي عن عمرو بن حبيب عن ابن إسحاق من أرض حسمى ‏.‏

غزوة زيد بن حارثة إلى جذام

قال ابن إسحاق ‏:‏

وكان من حديثهما كما حدثني من لا أتهم ، عن رجال من جذام ، كانوا علماء بها ، أن رفاعة بن زيد الجذامي ، لما قدم على قومه من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام ، فاستجابوا له ، لم يلبث أن قدم دحية ابن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم ، حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليه معه تجارة له ، حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم ، يقال له ‏:‏ شنار أغار على دحية بن خليفة الهنيد بن عوص ، وابنة عوص بن الهنيد الضلعيان ‏.‏

والضليع ‏:‏ بطن من جذام ، فأصابا كل شيء كان معه ، فبلغ ذلك قوما من الضبيب ، رهط رفاعة بن زيد ، ممن كان أسلم وأجاب ، فنفروا إلى الهنيد وابنه ، فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال ، حتى لقوهم ، فاقتتلوا ، وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضفاري ثم الضلعي ، فقال ‏:‏

أنا ابن لبنى ، ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم ، فأصاب ركبته ؛ فقال ‏:‏ حين أصابه ‏:‏خذها وأنا ابن لبنى ، وكانت له أم تدعى لبنى ، وقد كان حسان بن ملة الضبيني قد صحب دحية بن خليفة قبل ذلك ، فعلمه أم الكتاب ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ويقال ‏:‏ قرة بن أشقر الضفاري ، وحيان بن ملة ‏.‏

انتصار المسلمين

قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني من لا أتهم عن رجال من جذام قال فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه ، فردوه على دحية ، حتى قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبره خبره ، واستسقاه دم الهنيد وابنه ، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليهم زيد بن حارثة ، وذلك الذي هاج غزوة زيد جذام ، وبعث معه جيشا ، وقد وجهت غطفان من جذام ووائل ، ومن كان من سلامان ، وسعد بن هذيم ، حين جاءهم رفاعة بن زيد ، بكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى نزلوا الحرة ‏:‏

حرة الرجلاء ، ورفاعة بن زيد بكراع ربة ، لم يعلم ، ومعه ناس من بني الضبيب ، وسائر بني الضبيب ، بوادي مدان ، من ناحية الحرة ، مما يسيل مشرقاً ، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج ، فأغار بالماقص من قبل الحرة ، فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس ، وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏من بني الأجنف ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ في حديثه ‏:‏

ورجلا من بني الخصيب فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان ركب نفر منهم ، وكان فيمن ركب معهم حسان بن ملة ، على فرس لسويد بن زيد ، يقال لها ‏:‏ العجاجة وأنيف بن ملة على فرس لملة يقال لها ‏:‏ رغال ، وأبو زيد بن عمرو ، على فرس يقال لها ‏:‏ شمر ، فانطلقوا ، حتى إذا دنوا من الجيش ، قال أبو زيد وحسان لأنيف بن ملة ‏:‏ كف عنا وانصرف ، فإنا نخشى لسانك ، فوقف عنهما ، فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتوثب ، فقال ‏:‏

لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين ، فأرخى لها حتى أدركهما ، فقالا له ‏:‏ أما إذا فعلت ما فعلت فكف عنا لسانك ، ولا تشأمنا اليوم ، فتواصوا أن لا يتكلم منهم إلا حسان بن ملة ، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضهم من بعض ، إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه

قال ‏:‏ بوري أو ثوري ، فلما برزوا على الجيش ، أقبل القوم يبتدرونهم ، فقال لهم حسان ‏:‏ إنا قوم مسلمون ، وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم ، فأقبل يسوقهم ‏.‏

فقال أنيف ‏:‏ بوري فقال حسان ‏:‏ مهلا ، فلما وقفوا على زيد بن حارثة ، قال حسان ‏:‏ إنا قوم مسلمون ، فقال له زيد ‏:‏ فاقرءوا أم الكتاب ، فقرأها حسان ، فقال زيد بن حارثة ‏:‏ نادوا في الجيش إن اللّه قد حرم علينا ثغرة القوم التي جاءوا منها إلا من ختر ‏.‏

قدوم جذام على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏:‏

وإذا أخت حسان بن ملة ، وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى ، فقال له زيد ‏:‏ خذها وأخذت بحقويه ، فقالت أم الفزر الضلعية ‏:‏ أتنطلقون ببناتكم ، وتذرون أمهاتكم ‏؟‏

فقال أحد بني الخصيب ‏:‏ إنها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم ، فسمعها بعض الجيش ، فأخبر بها زيد بن حارثة ، فأمر بأخت حسان ، ففكت يداها من حقويه ، وقال لها ‏:‏ اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم اللّه فيكن حكمه ‏.‏

فرجعوا ، ونهي الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاؤوا منه ، فأمسوا في أهليهم ، واستعتموا ذودا لسويد بن زيد ، فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد ، وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة ، أبو زيد بن عمرو ،وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد ، وبرذع بن زيد ، وثعلبة بن زيد ، ومخرمة بن عدي ، وأنيف بن ملة ، وحسان بن ملة ، حتى صبحوا رفاعة بن زيد بكراع ربة ، بظهر الحرة ، على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة ‏:‏

إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرها كتابك الذي جئت به ‏!‏ فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ، فجعل يشد عليه رحله ، وهو يقول ‏:‏

هل أنت حي أو تنادي حيا *

ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول ، مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال ، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد ، نظر إليهم رجل من الناس ، فقال ‏:‏ لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنهن وهن قيام ، فلما دخلوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم بيده ‏:‏

أن تعالوا من وراء الناس ، فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق ، قام رجل من الناس ، فقال ‏:‏ يا رسول اللّه ، إن هؤلاء قوم سحرة ، فرددها مرتين ، فقال ‏:‏ رفاعة بن زيد رحم اللّه من لم يحذنا في قومه هذا إلا خيراً ‏.‏

ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي كان كتبه له فقال ‏:‏ دونك يا رسول اللّه قديما كتابه ، حديثاً غدره ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏

اقرأه يا غلام ، وأعلن ، فلما قرأ كتابه استخبره ، فأخبروهم الخبر ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ كيف اصنع بالقتلى ‏؟‏ ‏(‏ ثلاث مرات ‏)‏ ‏.‏ فقال رفاعة ‏:‏ أنت يا رسول اللّه أعلم ، لا نحرم عليك حلالاً ولا نحلل لك حراماً ‏.‏

فقال أبو زيد بن عمرو ‏:‏ أطلق لنا يا رسول اللّه من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه ‏.‏

فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ صدق أبو زيد ، اركب معهم يا علي ‏.‏ فقال له رضى اللّه عنه ‏:‏ إن زيدا لن يطيعني يا رسول اللّه ،

قال ‏:‏ فخذ سيفي هذا ، فأعطاه سيفه ، فقال علي ‏:‏ ليس لي يا رسول اللّه راحلة أركبها ، فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ، يقال له ‏:‏ مكحال ‏.‏

فخرجوا فإذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر ، يقال لها ‏:‏ الشمر ، فأنزلوه عنها ‏.‏

فقال ‏:‏ يا علي ، ما شأني ‏؟‏ فقال ‏:‏ مالهم ،عرفوه فأخذوه ، ثم ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين ، فأخذوا ما في أيديهم ، حتى كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرحل ، فقال أبو جعال حين فرغوا من شأنهم ‏:‏

وعاذلة ولم تعذل بطب * ولولا نحن حش بها السعير

تدافع في الأسارى بابنتيها * ولا يرجى لها عتق يسير

ولو وكلت إلى عوص وأوس * لحار بها عن العتق الأمور

ولو شهدت ركائبنا بمضر * تحاذر أن يعل بها المسير

وردنا ماء يثرب عن حفاظ * لربع إنه قرب ضرير

بكل مجرب كالسيد نهد * على أقتاد ناجية صبور

فدى لأبي سليمى كل جيش * بيثرب إذ تناطحت النحور

غداة ترى المجرب مستكينا * خلاف القوم هامته تدور

قال ابن هشام ‏:‏قوله ‏:‏ ‏(‏ ولا يرجى لها عتق يسير ‏)‏ وقوله ‏:‏ ‏(‏ عن العتق الأمور ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏

تمت الغزاة ، وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث

غزوة زيد الطرف

قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطرف من ناحية نخل ، من طريق العراق ‏.‏

غزوة زيد بن حارثة بني فزارة

وغزوة زيد بن حارثة أيضا وادي القرى ، لقي به بني فزارة ، فأصيب بها ناس من أصحابه ، وارتث زيد من بين القتلى ، وفيها أصيب ورد بن عمرو بن مداش ، وكان أحد بني سعد بن هذيل ، أصابه أحد بني بدر ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏سعد بن هذيم ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما قدم زيد بن حارثة إلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة ، فلما استبل من جراحته بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى ، وأصاب فيهم ، وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، وأسرت أم قرفة ، فاطمة بنت ربيعة بن بدر ، كانت عجوزاً كبيرة عند مالك بن حذيفة بن بدر ، وبنت لها ،وعبداللّه بن مسعدة ، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة ، فقتلها قتلاً عنيفاً ، ثم قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بابنة أم قرفة ،وبابن مسعدة ‏.‏

وكانت بنت أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع ، كان هو الذي أصابها ، وكانت في بيت شرف من قومها ، كانت العرب تقول ‏:‏ ‏(‏ لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت ‏)‏ فسألها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سلمة ، فوهبها له ، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب ، فولدت له عبدالرحمن بن حزن ‏.‏

فقال قيس بن المسحر في قتل مسعدة ‏:‏

سعيت بورد مثل سعي ابن أمه * وإني بورد في الحياة لثائر

كررت عليه المهر لما رأيته * على بطل من آل بدر مغاور

فركبت فيه قعضبيا كأنه * شهاب بمعراة يذكى لناظر

غزوة عبداللّه بن رواحة لقتل اليسير بن رزام

وغزوة عبداللّه ابن رواحة خيبر مرتين ، إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ويقال بن رازم ‏.‏

وكان من حديث اليسير بن رزام أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فبعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبداللّه بن رواحة في نفر من أصحابه ، منهم عبداللّه بن أنيس ، حليف بني سلمة ، فلما قدموا عليه كلموه ، وقربوا له ، وقالوا له ‏:‏ إنك إن قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استعملك وأكرمك ، فلم يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود ، فحمله عبداللّه بن أنيس على بعيره ‏.‏

حتى إذا كان بالقرقرة من خيبر ، على ستة أميال ، ندم اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ففطن به عبداللّه بن أنيس وهو يريد السيف ، فاقتحم به ، ثم ضربه بالسيف ، فقطع رجله ، وضربه اليسير بمخرش في يده من شوحط فأمه ، ومال كل رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله ، إلا رجلا واحدا أفلت على رجليه ، فلما قدم عبداللّه بن أنيس على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، تفل على شجته ، فلم تقح ولم تؤذه ‏.‏

غزوة ابن عتيك خيبر

غزوة عبداللّه بن عتيك خيبر ، فأصاب بها أبا رافع بن أبي الحقيق ‏.‏

غزوة عبداللّه بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي

وغزوة عبداللّه بن أنيس خالد بن سفيان بن نبيح ، بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليه وهو بنخلة أو بعرنة ، يجمع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس ليغزوه ، فقتله ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ،

قال ‏:‏ قال عبداللّه بن أنيس ‏:‏

دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال ‏:‏ إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني ، وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فاقتله ‏.‏

قلت ‏:‏ يا رسول اللّه ، انعته لي حتى أعرفه ‏.‏

قال ‏:‏ إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان ، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة ‏.‏

قال ‏:‏ فخرجت متوشحاً سيفي ، حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلا ، وحيث كان وقت العصر ، فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من القشعريرة ، فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة ، فصليت وأنا أمشى نحوه وأومي برأسي ‏.‏

فلما انتهيت إليه ،

قال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ قلت ‏:‏ رجل من العرب ، سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاءك لذلك ‏.‏

قال ‏:‏ أجل إني لفي ذلك ،

قال ‏:‏ فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف ، فقتلته ثم خرجت ، وتركت ظعائنه منكبات عليه ، فلما قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرآني ،

قال ‏:‏ أفلح الوجه ؛ قلت ‏:‏ قد قتلته يا رسول اللّه ،

قال ‏:‏ صدقت ‏.‏

الرسول يهدي عصا لابن أنيس

ثم قام بي فأدخلني بيته فأعطاني عصا ، فقال ‏:‏ أمسك هذه العصا عندك يا عبداللّه بن أنيس ،

قال ‏:‏ فخرجت بها على الناس ، فقالوا ‏:‏ ما هذه العصا ‏؟‏ قلت ‏:‏ أعطانيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأمرني أن أمسكها عندي ، قالوا ‏:‏ أفلا ترجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتسأله لم ذلك ‏؟‏

قال ‏:‏ فرجعت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقلت ‏:‏ يا رسول اللّه ، لم أعطيتني هذه العصا ‏؟‏

قال ‏:‏ آية بيني وبينك يوم القيامة ‏.‏ إن أقل الناس المتحضرون يومئذ ،

قال ‏:‏ فقرنها عبداللّه بن أنيس بسيفه ، فلم تزل معه حتى مات ، ثم أمر بها فضمت في كفنه ، ثم دفنا جميعا ‏.‏

شعر ابن أنيس في قتله ابن نبيح

قال ابن هشام ‏:‏وقال عبداللّه ابن أنيس في ذلك ‏:‏

تركت ابن ثور كالحوار وحوله * نوائح تفري كل جيب مقدد

تناولته والظعن خلفي وخلفه * بأبيض من ماء الحديد مهند

عجوم لهام الدارعين كأنه * شهاب غضى من ملهب متوقد

أقول له والسيف يعجم رأسه * أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد

أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره * رحيب فناء الدار غير مزند

وقلت له خذها بضربة ماجد * حنيف على دين النبي محمد

وكنت إذا هم النبي بكافر * سبقت إليه باللسان وباليد

تمت الغزاة ، وعدنا إلى خبر البعوث ‏.‏

بعض غزوات أخر

قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، و عبداللّه بن رواحة ، مؤتة من أرض الشام ، فأصيبوا بها جميعا ، وغزوة كعب بن عمير الغفاري ، ذات أطلاح إلى أرض الشام ، أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم ‏.‏

غزوة عيينة بن حصن بني تميم

وكان من حديثهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثه إليهم ، فأغار عليهم ، فأصاب منهم أناساً ، وسبى منهم أناساً ‏.‏

فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏:‏ أن عائشة قالت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ يا رسول اللّه ، إن علي رقبة من ولد إسماعيل ‏.‏

قال ‏:‏ هذا سبي بني العنبر يقدم الآن فنعطيك منهم إنسانا فتعتقينه ‏.‏

سبي وقتلى بني العنبر

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما قدم بسبيهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ركب فيهم وفد من بني تميم ، حتى قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، منهم ربيعة بن رفيع ، وسبرة بن عمرو ، والقعقاع بن معبد ، ووردان بن محرز ، وقيس بن عاصم ، ومالك بن عمرو ، والأقرع بن حابس ، وفراس بن حابس ‏.‏

فكلموا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم ، فأعتق بعضاً ، وأفدى بعضاً ، وكان ممن قتل يومئذ من بني العنبر‏:‏ عبداللّه ، وأخوان له بنو وهب ، وشداد بن فراس ، وحنظلة بن دارم ‏.‏

وكان ممن سبى من نسائهم يومئذ ، أسماء بنت مالك ، وكاس بنت أري ، ونجوة بنت نهد ، وجميعة بنت قيس ، وعمرة بنت مطر ‏.‏

شعر سلمى في ذلك

فقالت في ذلك اليوم سلمى بنت عتاب ‏:‏

لعمري لقد لاقت عدي بن جندب * من الشر مهواة شديدا كئودها

تكفنها الأعداء من كل جانب * وغيب عنها عزها وجدودها

شعر الفرزدق في ذلك ‏:‏

قال ابن هشام ‏:‏وقال الفرزدق في ذلك ‏:‏

وعند رسول اللّه قام ابن حابس * بخطة سوار إلى المجد حازم

له أطلق الأسرى التي في حباله * مغللة أعناقها في الشكائم

كفى أمهات الخالفين عليهم * غلاء المفادي أو سهام المقاسم

وهذه الأبيات في القصيدة له ، وعدي بن جندب من بني العنبر ، والعنبر ابن عمرو بن تميم ‏.‏

غزوة غالب بن عبداللّه أرض بني مرة

قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة غالب بن عبداللّه الكلبي - كلب ليث - أرض بني مرة ، فأصاب بها مرداس بن نهيك ، حليفا لهم من الحرقة ، من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ، ورجل من الأنصار ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏الحرقة فيما حدثني أبو عبيدة ‏:‏

أسامة بن زيد يقتل مرداس

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من حديثه عن أسامة بن زيد

قال ‏:‏

أدركته أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السلاح ،

قال ‏:‏ أشهد أن لا إله إلا اللّه ،

قال ‏:‏ فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أخبرناه خبره ، فقال ‏:‏ يا أسامة من لك بلا إله إلا اللّه ‏؟‏

قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول اللّه ، إنه إنما قالها تعوذا بها من القتل ،

قال ‏:‏ فمن لك بها يا أسامة ‏؟‏

قال ‏:‏ فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني كنت أسلمت يومئذ ، وإني لم أقتله ‏.‏

قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أنظرني يا رسول اللّه ، إني أعاهد أن لا أقتل رجلاً يقول ‏:‏ لا إله إلا اللّه أبداً ،

قال ‏:‏ تقول بعدي يا أسامة ‏؟‏ قال قلت بعدك ‏.‏

غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل

وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من أرض بني عذرة ، وكان من حديثه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى الشام ، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت امرأة من بلي ، فبعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك ، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلسل ، وبذلك سميت تلك الغزوة ، غزوة ذات السلاسل ‏.‏

فلما كان عليه خاف ، فبعث إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستمده ، فبعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين ، فيهم أبو بكر وعمر ، وقال لأبي عبيدة حين وجهه ‏:‏

لا تختلفا ، فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه ، قال له عمرو ‏:‏ إنما جئت مدداً لي ؛ قال أبو عبيدة ‏:‏ لا ، ولكنى على ما أنا عليه ، وأنت على ما أنت عليه ‏.‏

وكان أبو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً ، هيناً عليه أمر الدنيا ، فقال له عمرو ‏:‏ بل أنت مدد لي ، فقال أبو عبيدة ‏:‏ يا عمرو ، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لي ‏:‏ لا تختلفا ، وإنك إن عصيتني أطعتك ،

قال ‏:‏ فإني الأمير عليك ، وأنت مدد لي ،

قال ‏:‏ فدونك ‏.‏ فصلى عمرو بالناس ‏.‏

وصية أبي بكر رافع بن أبي رافع

قال ‏:‏ وكان من الحديث في هذه الغزاة ، أن رافع بن أبي رافع الطائي ، وهو رافع بن عميرة ، كان يحدث - فيما بلغني - عن نفسه ،

قال ‏:‏ كنت امرأ نصرانياً وسميت سرجس ، فكنت أدل الناس وأهداهم بهذا الرمل ، كنت أدفن الماء في بيض النعام بنواحي الرمل في الجاهلية ، ثم أغير على إبل الناس ن فإذا أدخلتها الرمل غلبت عليها ، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه ، حتى أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه ، فأشرب منه ، فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ؛

قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ واللّه لأختارن لنفسي صاحبا ،

قال ‏:‏

فصحبت أبا بكر ،

قال ‏:‏ فكنت معه في رحله ،

قال ‏:‏ وكانت عليه عباءة له فدكية ، فكان إذا نزلنا بسطها ، وإذا ركبنا لبسها ، ثم شكها عليه بخلال له ،

قال ‏:‏ وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفاراً ‏:‏ نحن نبايع ذا العباءة ‏!‏ ‏.‏

قال ‏:‏ فلما دنونا من المدينة قافلين ،

قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا أبا بكر ، إنما صحبتك لينفعني اللّه بك ، فانصحنى ، وعلمنى ،

قال ‏:‏ لو لم تسألني ذلك لفعلت ‏.‏

قال ‏:‏ آمرك أن توحد اللّه ، ولا تشرك به شيئاً ، وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، وتغتسل من الجنابة ، ولا تتأمر على رجل من المسلمين أبداً ‏.‏

قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا أبا بكر ، أما أنا واللّه فأني أرجو أن لا أشرك باللّه أحد أبداً ،

وأما الصلاة فلن أتركها أبداً إن شاء اللّه

وأما الزكاة فإن يك لي مال أؤدها إن شاء اللّه ،

وأما رمضان فلن أتركه أبداً إن شاء اللّه ،

وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء اللّه تعالى ،

وأما الجنابة فسأغتسل منها إن شاء اللّه ‏.‏

وأما الإمارة ، فإني رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا بها ، فلم تنهاني عنها ‏؟‏

قال ‏:‏ إنك إنما استجهدتني لأجهد لك ، وسأخبرك عن ذلك ‏:‏

إن اللّه عز وجل بعث محمداً صلى اللّه عليه وسلم بهذا الدين ، فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه طوعاً وكرهاً ، فلما دخلوا فيه كانوا عواذ اللّه وجيرانه ، وفي ذمته ، فإياك لا تخفر اللّه في جيرانه ، فيتبعك اللّه في خفرته ، فإن أحدكم يخفر جاره ، فيظل ناتئا عضله ، غضباً لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير ، فاللّه أشد غضباً لجاره ،

قال ‏:‏ ففارقته على ذلك ‏.‏

قال ‏:‏ فلما قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأمر أبو بكر على الناس ،

قال ‏:‏ قدمت عليه ، فقلت له ‏:‏ يا أبا بكر ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين ‏؟‏

قال ‏:‏ بلى ، وأنا الآن أنهاك عن ذلك ؛

قال ‏:‏ فقلت له ‏:‏ فما حملك على أن تلي أمر الناس ‏؟‏

قال ‏:‏ لا أجد من ذلك بداً ، خشيت على أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم الفرقة ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏

أخبرني يزيد بن أبي حبيب ، أنه حدث عن عوف بن مالك الأشجعي ،

قال ‏:‏ كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عمرو بن العاص ، إلى ذات السلاسل ،

قال ‏:‏ فصحبت أبا بكر وعمر ، فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها ، وهم لا يقدرون على أن يعضوها ، وقال ‏:‏ وكنت امرأ لبقاً جازراً ،

قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ،

قال ‏:‏ فأخذت الشفرتين فجزأتها مكاني ، وأخذت منها جزءاً ، فحملته إلى أصحابي ، فاطبخناه فأكلناه ‏.‏

فقال لي أبو بكر وعمر رضي اللّه عنهما ‏:‏ أني لك هذا اللحم يا عوف ‏؟‏

قال ‏:‏ فأخبرتهما خبره ، فقالا ‏:‏ واللّه ما أحسنت حين أطعمتنا هذا ، ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما من ذلك ؛

قال ‏:‏ فلما قفل الناس من ذلك السفر ، كنت أول قادم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

قال ‏:‏ فجئته وهو يصلي في بيته ،

قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ،

قال ‏:‏ أعوف بن مالك ‏؟‏

قال ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ، بأبي أنت وأمي ،

قال ‏:‏ أصاحب الجزور ‏؟‏ ولم يزدني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك شيئاً ‏.‏

غزوة ابن أبي حدرد بطن إضم وقتل محلم بن جثامة عامر بن الأضبط الأشجعي

قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني يزيد بن عبداللّه بن قسيط عن القعقاع بن عبداللّه بن أبي حدرد عن أبيه عبداللّه ابن أبي حدرد ،

قال ‏:‏ بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين ، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ، ومحلم بن جثامة بن قيس ، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم ‏.‏

مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي ، على قعود له ، ومعه متيع له ، ووطب من لبن ،

قال ‏:‏ فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة ، فقتله لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ، وأخذ متيعه ،

قال ‏:‏ فلما قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأخبرناه الخبر ، نزل فينا ‏:‏ ‏(‏ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا ‏)‏ إلى أخر الآية ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏قرأ أبو عمرو بن العلاء ‏(‏ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ‏)‏ لهذا الحديث

من اختصم في دم ابن الأضبط

قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ،

قال ‏:‏ سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث ، عن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده ، وكانا شهدا حنيناً مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

قال ‏:‏ صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الظهر ثم عمد إلى ظل شجرة ، فجلس تحتها ، وهو بحنين ، فقام إليه الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، يختصمان ، في عامر بن الأضبط الأشجعي ‏:‏ عيينة يطلب بدم عامر ، وهو يومئذ رئيس غطفان ، والأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة ، لمكانه من خندف ، فتداولا الخصومة عند رسول اللّه صلى للّه عليه وسلم ، ونحن نسمع فسمعنا ، عيينة بن حصن ، وهو يقول ‏:‏ واللّه يا رسول اللّه ، لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرقة مثل ما أذاق نسائي ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، يقول ‏:‏ بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ، وهو يأبى عليه ، إذ قام رجل من بني ليث ، يقال له ‏:‏ مكيثر قصير مجموع -

قال ابن هشام ‏:‏مكيل - فقال ‏:‏

واللّه يا رسول اللّه ما وجدت لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها ، فنفرت أخرها ، اسنن اليوم ، وغير غداً ،

قال ‏:‏ فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده فقال ‏:‏ بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ،

قال ‏:‏ فقبلوا الدية ‏.‏

قال ‏:‏ ثم قالوا ‏:‏ أين صاحبكم هذا يستغفر له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏؟‏

قال ‏:‏ فقام رجل آدم ضرب طويل ، عليه حلة له ، قد كان تهيأ للقتل فيها ، حتى جلس بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له ‏:‏ ما اسمك ‏؟‏

قال ‏:‏ أنا محلم بن جثامة ،

قال ‏:‏ فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده

ثم قال ‏:‏ اللّهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ، ثلاثا ‏.‏

قال ‏:‏ فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه ،

قال ‏:‏ فأما نحن فنقول فيما بيننا ‏:‏ إنا لنرجو أن يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد استغفر له ،

وأما ما ظهر من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهذا ‏.‏

من دلائل نبوته صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني من لا أتهم ،عن الحسن البصري

قال ‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين جلس بين يديه ‏:‏ أمنته باللّه ثم قتلته ‏!‏ ثم قال له المقالة التي قال ؛

قال ‏:‏ فواللّه ما مكث محلم بن جثامة إلا سبعاً حتى مات ، فلفظته ، والذي نفس الحسن بيده ، الأرض ، ثم عادوا له ، فلفظته الأرض ، ثم عادوا فلفظته ، فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين ، فسطحوه بينهما ، ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه ‏.‏

قال ‏:‏ فبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شأنه ، فقال ‏:‏ واللّه إن الأرض لتطابق على من هو شر منه ولكن اللّه أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم منه ‏.‏

دية ابن الأضبط

قال ابن إسحاق ‏:‏ وأخبرنا سالم أبو النضر ، أنه حدث أن عيينة بن حصن وقيسا حين قال الأقرع بن حابس وخلا بهم ، يا معشر ، قيس منعتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قتيلاً يستصلح به الناس ، أفأمنتم أن يلعنكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيلعنكم اللّه بلعنته ، أو أن يغضب عليكم فيغضب اللّه عليكم بغضبه ‏؟‏ واللّه الذي نفس الأقرع بيده لتسلمنه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فليصنعن فيه ما أراد ، أو لآتين بخمسين رجلاً من بني تميم يشهدون باللّه كلهم ‏:‏ لقتل صاحبكم كافراً ، ما صلى قط ‏.‏ فلأطلن دمه ‏.‏ فلما سمعوا ذلك قبلوا الدية ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ محلم في هذا الحديث كله عن غير ابن إسحاق ، وهو محلم بن جثامة بن قيس الليثي ‏.‏

وقال ابن إسحاق ‏:‏ ملجم فيما حدثناه زيادة عنه ‏.‏

غزوة ابن أبي حدرد لقتل رفاعة بن قيس الجشمي

قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة ابن أبي حدرد الأسلمي الغابة ‏.‏

وكان من حديثها فيما بلغني عمن لا أتهم ،عن ابن أبي حدرد ،

قال ‏:‏ تزوجت امرأة من قومي ، وأصدقتها مائتي درهم

قال ‏:‏ فجئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أستعينه على نكاحي ؛ فقال ‏:‏ وكم أصدقت ‏؟‏ فقلت ‏:‏ مائتي درهم يا رسول اللّه ،

قال ‏:‏ سبحان اللّه لوكنتم تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتم ، اللّه ما عندي ما أعينك به ‏.‏

قال ‏:‏ فلبثت أياما وأقبل رجل من بني جشم ، يقال له ‏:‏ رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة ، في بطن عظيم من بني جشم ، حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة ، يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكان ذا اسم في جشم وشرف ،

قال ‏:‏ فدعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورجلين معي من المسلمين ، فقال ‏:‏ أخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم ‏.‏

قال ‏:‏ وقدم لنا شارفاً عجفاء ، فحمل عليها أحدنا واللّه ما قدمت به ضعفاً حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم ، حتى استقلت وما كادت ،

ثم قال ‏:‏ تبلغوا عليها واعتقبوها ‏.‏

ما استعان به ابن أبي حدرد من هذه الغزوة في زواجه

قال ‏:‏فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف ، حتى إذا جئنا قريباً من الحاضر عُشَيْشِيّة مع غروب الشمس ‏.‏

قال ‏:‏ كمنت في ناحية ، وأمرت صاحبي ، فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ، وقلت لهما ‏:‏ إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي ،

قال ‏:‏ فواللّه إنا لكذلك ننتظر غرة القوم ، أو أن نصيب منهم شيئا ‏.‏

قال ‏:‏ وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء ، وقد كان لهم راع قد سرح في هذا البلد ، فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه ‏.‏

قال ‏:‏ فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قيس ، فأخذ سيفه فجعله في عنقه ،

ثم قال ‏:‏ واللّه لأتبعن أثر راعينا هذا ، ولقد أصابه شر ، فقال له نفر ممن معه ‏:‏ واللّه لا تذهب نحن نكفيك ،

قال ‏:‏ واللّه لا يذهب إلا أنا ، قالوا ‏:‏ فنحن معك ،

قال ‏:‏ واللّه لا يتبعني أحد منكم ‏.‏

قال ‏:‏ وخرج حتى يمر بي ‏.‏

قال ‏:‏ فلما أمكنني نفحته بسهمي ، فوضعته في فؤاده ،

قال ‏:‏ فواللّه ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت رأسه ‏.‏

قال ‏:‏ وشددت في ناحية العسكر ، وكبرت ، وشد صاحباي وكبرا ‏.‏

قال ‏:‏ فواللّه ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك ، عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم ، وما خف معهم من أموالهم ‏.‏

قال ‏:‏ واستقنا إبلا عظيمة ، وغنما كثيرة ، فجئنا بها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قال ‏:‏ وجئت برأسه أحمله معي ،

قال ‏:‏ فأعانني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيراً في صداقي ، فجمعت إلى أهلي ‏.‏

غزوة عبدالرحمن بن عوف إلى دومة الجندل

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح ،

قال ‏:‏ سمعت رجلاً من أهل البصرة يسأل عبداللّه بن عمر بن الخطاب ، عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم ،

قال ‏:‏ فقال عبداللّه ‏:‏ سأخبرك إن شاء اللّه عن ذلك بعلم ‏:‏ كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مسجده ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبدالرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو سعيد الخدري ، وأنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏.‏

إذ أقبل فتى من الأنصار ، فسلم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم جلس ، فقال ‏:‏ يا رسول اللّه ، صلى اللّه عليك ، أي المؤمنين أفضل ‏؟‏ فقال ‏:‏ أحسنهم خلقاً

قال ‏:‏ فأي المؤمنين أكيس ‏؟‏

قال ‏:‏ أكثرهم ذكراً للموت ، وأحسنهم استعداداً له ، قبل أن ينزل به أولئك الأكياس ، ثم سكت الفتى ، وأقبل علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا معشر المهاجرين ، خمس خصال إذا نزلن بكم ، وأعوذ باللّه أن تدركوهن ، إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع ، التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أخذوا بالسنين ، وشدة المؤنة ، وجور السلطان ، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم ، إلا منعوا القطر من السماء ، فلولا البهائم ما مطروا ، وما نقضوا عهد اللّه وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم ، فأخذ بعض ما كان في أيديهم ، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب اللّه ، وتجبروا فيما أنزل اللّه إلا جعل اللّه بأسهم بينهم ‏.‏

إلباسه صلى اللّه عليه وسلم العمامة لابن عوف

ثم أمر عبدالرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثة عليها ، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء ، فأدناه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منه ، ثم نقضها ، ثم عممه بها ، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ،

ثم قال ‏:‏ هكذا يا ابن عوف فاعتم ، فإنه أحسن وأعرف ، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه ، فحمد اللّه تعالى وصلى على نفسه ،

ثم قال ‏:‏ خذه يا ابن عوف ، اغزوا جميعا في سبيل اللّه ، فقاتلوا من كفر باللّه ، لاتغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، فهذا عهد اللّه ، وسيرة نبيه فيكم ، فأخذ عبدالرحمن بن عوف اللواء ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏فخرج إلى دومة الجندل ‏.‏

غزوة أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده عبادة بن الصامت ،

قال ‏:‏ بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية إلى سيف البحر ، عليهم أبو عبيدة بن الجراح ، وزودهم جرابا من تمر ، فجعل يقوتهم إياه ، حتى صار إلى أن يعده عليهم عداً ،

قال ‏:‏ ثم نفد التمر ، حتى كان يعطي كل رجل منهم كل يوم تمرة ،

قال ‏:‏ فقسمها يوماً بيننا ،

قال ‏:‏ فنقصت تمرة عن رجل فوجدنا فقدها ذلك اليوم ‏.‏

قال ‏:‏ فلما جهدنا الجوع ، أخرج اللّه لنا دابة من البحر ، فأصبنا من لحمها وودكها ، وأقمنا عليها عشرين ليلة ، حتى سمنا وابتللنا ، وأخذ أميرنا ضلعا من أضلاعها ، فوضعها على طريقه ، ثم أمر بأجسم بعير معنا ، فحمل عليه أجسم رجل منا ،

قال ‏:‏ فجلس عليه ،

قال ‏:‏ فخرج من تحتها وما مست رأسه ‏.‏ قال فلما قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخبره خبرها ، وسألناه عما صنعنا في ذلك من أكلنا إياه ، فقال رزق رزقكموه اللّه ‏.‏

بعث عمرو بن أمية الضمري لقتال أبي سفيان بن حرب وما صنع في طريقه

قال ابن هشام ‏:‏

ومما لم يذكره ابن إسحاق من بعوث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسراياه بعث عمرو بن أمية الضمري ، بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما حدثني من أثق به من أهل العلم ، بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه إلى مكة ، وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب ، وبعث معه جبار صخر الأنصاري ، فخرجا حتى قدما مكة ، وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ، ثم دخلا مكة ليلاً ‏.‏

فقال جبار لعمرو ‏:‏ لو أنا طفنا بالبيت ، وصلينا ركعتين ‏؟‏ فقال عمرو ‏:‏ إن القوم إذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم ، فقال ‏:‏ كلا ، إن شاء اللّه ‏.‏ فقال عمرو ‏:‏ فطفنا بالبيت ، وصلينا ، ثم خرجنا نريد أبا سفيان ، فواللّه إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلى رجل من أهل مكة فعرفني ، فقال عمرو بن أمية ‏:‏ واللّه إن قدمها إلا لشر ؛ فقلت لصاحبي ‏:‏ النجاء ، فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في جبل ، وخرجوا في طلبنا ، حتى إذا علونا الجبل ، يئسوا منا ، فرجعنا ، فدخلنا كهفا في الجبل ، فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا ‏.‏

فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يقود فرسا له ويخلي عليها ، فغشينا ونحن في الغار ، فقلت ‏:‏ إن رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا ‏.‏

قال ‏:‏ ومعي خنجر قد أعددته لأبي سفيان ، فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة ، وصاح صيحة أسمع أهل مكة ، وأرجع فأدخل مكاني ، وجاءه الناس يشتدون وهو بأخر رمق ، فقالوا ‏:‏ من ضربك ‏؟‏ فقال ‏:‏ عمرو بن أمية ، وغلبه الموت ، فمات مكانه ‏.‏ ولم يدلل على مكاننا ، فاحتملوه ‏.‏

فقلت لصاحبي ‏:‏ لما أمسينا النجاء ؛ فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة ، فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدي ؛ فقال أحدهم ‏:‏ واللّه ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية ، لولا أنه بالمدينة ، لقلت ‏:‏ هو عمرو بن أمية ‏.‏

قال ‏:‏ فلما حاذى الخشبة شد عليها ، فأخذها فاحتملها ، وخرجا شداً ، وخرجوا وراءه ، حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة في الجرف ، فغيبه اللّه عنهم ، فلم يقدروا عليه ،

قال ‏:‏ وقلت لصاحبي ‏:‏ النجاء النجاء ، حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه ، فإني سأشغل عنك القوم ، وكان الأنصاري لا رجلة له ‏.‏

قال ومضيت حتى أخرج على ضجنان ، ثم أويت إلى جبل ، فأدخل كهفا ، فبينا أنا فيه إذ دخل علي شيخ من بني الديل أعور ، في غنيمة له ، فقال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ فقلت ‏:‏ من بني بكر ، فمن أنت ‏؟‏

قال ‏:‏ من بني بكر ، فقلت ‏:‏ مرحبا فاضطجع ، ثم رفع عقيرته ، فقال ‏:‏

ولست بمسلم ما دمت حيا * ولا دان لدين المسلمينا

فقلت في نفسي ‏:‏ ستعلم ، فأمهلته حتى إذا نام أخذت قوسي ، فجعلت سيتها في عينه الصحيحة ، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم ، ثم خرجت النجاء ، حتى جئت العرج ، ثم سلكت ركوبة ، حتى إذا هبطت النقيع ، إذا رجلان من قريش من المشركين ، كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة ينظران ويتحسسان ، فقلت ‏:‏ استأسرا ، فأبيا ، فأرمي أحدهما بسهم فأقتله ، واستأسر الآخر ، فأوثقه رباطا ، وقدمت به المدينة ‏.‏

سرية زيد بن حارثة إلى مدين

قال ابن هشام ‏:‏وسرية زيد بن حارثة إلى مدين ‏.‏

ذكر ذلك عبداللّه بن حسن بن حسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم رضوان اللّه ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين ، ومعه ضميرة ، مولى علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه ، وأخ له ،

قالت ‏:‏ فأصاب سبياً من أهل ميناء ، وهي السواحل ، وفيها جماع من الناس ، فبيعوا ففرق بينهم ، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه سلم وهم يبكون ، فقال ‏:‏ ما لهم ‏؟‏ فقيل ‏:‏ يا رسول اللّه فرق بينهم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ لا تبيعوهم إلا جميعا ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏أراد الأمهات والأولاد ‏.‏

سرية سالم بن عمير لقتل أبي عفك

قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك ، أحد بني عمرو بن عوف ثم بني عبيدة ، وكان قد نجم نفاقه ، حين قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحارث ابن سويد بن صامت ، فقال ‏:‏

لقد عشت دهرا وما إن أرى * من الناس دارا ولا مجمعا

أبر عهودا وأوفى لمن * يعاقد فيهم إذا ما دعا

من أولاد قيلة في جمعهم * يهد الجبال ولم يخضعا

فصدعهم راكب جاءهم * حلال حرام لشتى معا

فلو أن بالعز صدقتم * أو الملك تابعتم تبعا

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ من لي بهذا الخبيث ، فخرج سالم بن عمير ، أخو بني عمرو بن عوف ، وهو أحد البكائين ، فقتله ‏؟‏ فقالت أمامة المزيرية في ذلك ‏:‏

تكذب دين اللّه والمرء أحمدا * لعمرو الذي أمناك أن بئس ما يمني

حباك حنيف أخر الليل طعنة * أبا عفك خذها على كبر السن

غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان

وغزوة عمير بن عدي الخطمي عصماء بنت مروان ، وهي من بني أمية بن زيد ، فلما قتل أبو عفك ، نافقت فذكر عبداللّه بن الحارث بن الفضيل ، عن أبيه ،

قال ‏:‏ وكانت تحت رجل من بني خطمة ، يقال له يزيد بن زيد ، فقالت تعيب الإسلام وأهله ‏:‏

باست بني مالك والنبيت * وعوف وباست بني الخزرج

أطعتم أتاويَّ من غيركم * فلا من مراد ولا مذحج

ترجونه بعد قتل الرءوس * كما يرتجي مرق المنضج

ألا أنف يبتغي غرة * فيقطع من أمل المرتجي

قال فأجابها حسان بن ثابت فقال ‏:‏

بنو وائل وبنو واقف * وخطمة دون بني الخزرج

متى ما دعت سفها ويحها * بعولتها والمنايا تجي

فهزت فتى ماجدا عرقه * كريم المداخل والمخرج

فضرجها من نجيع الدماء * بعد الهدو فلم يحرج

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين بلغه ذلك ‏:‏ ألا أخذ لي من ابنة مروان ‏؟‏ فسمح ذلك من قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي ، وهو عنده ، فلما أمسي من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها ، فقال ‏:‏ ثم أصبح مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا رسول اللّه ، إني قد قتلتها ‏.‏ فقال ‏:‏ نصرت اللّه ورسوله يا عمير ، فقال ‏:‏ هل علي شيء من شأنها يا رسول اللّه ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا ينتطح فيها عنزان ‏.‏

فرجع عمير إلى قومه ، وبنو خطمة يومئذ كثير موجهم في شأن بنت مروان ، ولها يومئذ بنون خمسة رجال ، فلما جاءهم عمير بن عدي من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

قال ‏:‏ يا بني خطمة ، أنا قتلت ابنة مروان ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، فذلك اليوم أول ما عز الإسلام في دار بني خطمة ، وكان يستخفي بإسلامهم فيهم من أسلم ، وكان أول من أسلم من بني خطمة عمير بن عدي ، وهو الذي يدعى القارئ ، و عبداللّه بن أوس ، وخزيمة بن ثابت ، وأسلم يوم قتلت ابنة مروان ، رجال من بني خطمة ، لما رأوا من عز الإسلام ‏.‏

أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإسلامه

بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه

قال ‏:‏

خرجت خيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخذت رجلا من بني حنيفة لا يشعرون من هو ، حتى أتوا به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال ‏:‏

أتدرون من أخذتم ‏؟‏ هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا إساره ، ورجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أهله ، فقال ‏:‏ اجمعوا ما كان عندكم من طعام ، فابعثوا به إليه ، وأمر بلقحته أن يغذى عليه بها ويراح ، فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ، ويأتيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيقول ‏:‏ أسلم يا ثمامة ، فيقول ‏:‏ إيها يا محمد ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت ، فمكث ما شاء اللّه أن يمكث ‏.‏

ثم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم يوما ‏:‏ أطلقوا ثمامة ، فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع ، فتطهر فأحسن طهوره ، ثم أقبل فبايع النبي صلى اللّه عليه وسلم على الإسلام ، فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام ، فلم ينل منه إلا قليلاً ، وباللقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا ، فعجب المسلمون من ذلك ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين بلغه ذلك ‏:‏

مم تعجبون ‏؟‏ أمن رجل أكل أول النهار في معي كافر ، وأكل أخر النهار في معي مسلم ، إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وإن المسلم يأكل في معي واحد ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏

فبلغني أنه خرج معتمراً ، حتى إذا كان ببطن مكة ، لبى فكان أول من دخل مكة يلبي ، فأخذته قريش ، فقالوا ‏:‏ لقد اجترأت علينا ، فلما قدموه ليضربوا عنقه ، قال قائل منهم ‏:‏ دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم ، فخلوه ، فقال الحنفي في ذلك ‏:‏

ومنا الذي لبى معلنا بمكة معلنا * برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم

وحدثت أنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أسلم ‏:‏ لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ، ولقد أصبح وهو أحب الوجوه إلي ، وقال في الدين والبلاد مثل ذلك ‏.‏

ثم خرج معتمراً ، فلما قدم مكة قالوا ‏:‏ أصبوت يا ثمام ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا ، ولكنى اتبعت خير الدين ، دين محمد ، ولا واللّه لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم خرج إلى اليمامة ، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً ، فكتبوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ إنك تأمر بصلة الرحم ، وإنك قد قطعت أرحامنا ، وقد قتلت الأباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل ‏.‏

سرية علقمة بن مجزز

وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علقمة بن مجزز ‏.‏

لما قتل وقاص بن مجزز المدلجي يوم ذي قرد ، سأل علقمة بن مجزز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يبعثه في آثار القوم ، ليدرك ثأره فيهم ‏.‏

فذكر عبدالعزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن أبي سعيد الخدري ،

قال ‏:‏ بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علقمة بن مجزز - قال أبو سعيد الخدري ‏:‏ وأنا فيهم - حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق ، أذن لطائفة من الجيش ، واستعمل عليهم عبداللّه بن حذافة السهمي ، وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكانت فيه دعابة ، فلما كان ببعض الطريق أوقد ناراً ، ثم قال للقوم ‏:‏

أليس لي عليكم السمع والطاعة ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بلى ، قال أفما أنا آمركم بشيء إلا فعلتموه ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ،

قال ‏:‏ فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ،

قال ‏:‏ فقام بعض القوم يحتجز ، حتى ظن أنهم واثبون فيها ، فقال ‏:‏ لهم اجلسوا ، فإنما كنت أضحك معكم ، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد أن قدموا عليه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ من أمركم بمعصية منهم فلا تطيعوه ‏.‏

وذكر محمد بن طلحة أن علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيدا ‏.‏

سرية كرز بن جابر لقتل البجليين الذين قتلوا يسارا

حدثني بعض أهل العلم ، عمن حدثه ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبدالرحمن ،

قال ‏:‏ أصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة ، عبداً يقال له ‏:‏ يسار فجعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في لقاح له كانت ترعى في ناحية الجماء ، فقدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نفر من قيس كبة من بجيلة ، فاستوبئوا ، وطلحوا ، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ لو خرجتم إلى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها ، فخرجوا إليها ‏.‏

فلما صحوا وانطوت بطونهم ، عدوا على راعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسار ، فذبحوه ، وغرزوا الشوك في عينيه ، واستاقوا اللقاح ، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر ، فلحقهم فأتى بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرجعه من غزوة ذي قرد ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ‏.‏

غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن

وغزوة علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه إلى اليمن غزاها مرتين ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏قال أبو عمرو المدني ‏:‏

بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ، وبعث خالد بن الوليد في جند أخر ، وقال ‏:‏ إن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب ‏.‏

وقد ذكر ابن إسحاق بعث خالد بن الوليد في حديثه ، ولم يذكره في عدة البعوث والسرايا ، فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعة وثلاثين ‏.‏

بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين

وهو آخر البعوث

قال ابن إسحاق ‏:‏ وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم ، من أرض فلسطين ، فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏وهو أخر بعث بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏.‏