بسم اللّه الرحمن
الرحيم
قال حدثنا أبو محمد
عبدالملك بن هشام :
قال : حدثنا زياد
بن عبداللّه البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي :
وكان جميع ما غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة
، منها غزوة ودان ، وهي غزوة الأبواء ، ثم غزوة بواط ، من ناحية رضوى ، ثم غزوة
العشيرة ، من بطن ينبع ، ثم غزوة بدر الأولى ، يطلب كرز بن جابر ، ثم غزوة بدر
الكبرى ، التي قتل اللّه فيها صناديد قريش ، ثم غزوة بني سليم ، حتى بلغ الكدر ،
ثم غزوة السويق ، يطلب أبا سفيان بن حرب ، ثم غزوة غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ، ثم
غزوة بحران ، معدن بالحجاز ، ثم غزوة أحد ، ثم غزوة حمراء الأسد ، ثم غزوة بني
النضير ، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ، ثم غزوة بدر الآخرة ، ثم غزوة دومة الجندل ،
ثم غزوة الخندق ، ثم غزوة بني قريظة ، ثم غزوة بني لحيان من هذيل ، ثم غزوة ذي قرد
، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ، ثم غزوة الحديبية ، لا يريد قتالا ، فصده
المشركون .
ثم غزوة خيبر ، ثم غزوة
القضاء ، ثم غزوة الفتح ، ثم غزوة حنين ، ثم غزوة الطائف ، ثم غزوة تبوك .
قاتل منها في تسع غزوات
: بدر ، وأحد ، والخندق ، وقريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف
.
وكانت بعوثه صلى اللّه عليه وسلم وسراياه ثمانيا وثلاثين ، من بين بعث وسرية : غزوة عبيدة بن الحارث أسفل من ثنية ذي المروة ، ثم غزوة حمزة بن عبدالمطلب ساحل البحر ، من ناحية العيص ؛ وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة عبيدة ، وغزوة سعد بن أبي وقاص الخرار ، وغزوة عبداللّه بن جحش نخلة ، وغزوة زيد بن حارثة القردة ، وغزوة محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف ، وغزوة مرثد بن أبي مرثد الغنوي الرجيع ، وغزوة المنذر بن عمرو بئر معونة ، وغزوة أبي عبيدة بن الجراح ، ذا القصة ،من طريق العراق .
وغزوة عمر بن الخطاب تربة من أرض بني عامر ، وغزوة علي بن أبي طالب اليمن ، وغزوة غالب بن عبداللّه الكلبي ،كلب ليث ، بالكديد ، فأصاب بني الملوح .
وكان من حديثها أن
يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ،حدثني عن مسلم بن عبداللّه بن خبيب الجهني ،
عن المنذر عن جندب بن مكيث الجهني ،
قال :
بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غالب بن عبداللّه
الكلبي ، كلب بن عوف ابن ليث ، في سرية كنت فيها ، وأمره أن يشن الغارة على بني
الملوح ، وهم بالكديد ، فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك ، وهو ابن
البرصاء الليثي ، فأخذناه ، فقال :
إني جئت أريد الإسلام
ما خرجت إلا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
؛ فقلنا له : إن تك مسلماً فلن يضيرك رباط ليلة ، وإن تك على غير ذلك كنا قد
استوثقنا منك ، فشددناه رباطاً ثم خلفنا عليه رجلا من أصحابنا أسود ، وقلنا له :
إن عازك فاحتز رأسه :
قال : ثم سرنا
حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئة لهم
، فخرجت حتى أتى تلا مشرفا على الحاضر ، فأسندت فيه ، فعلوت على رأسه ، فنظرت إلى
الحاضر ، فواللّه إني لمنبطح على التل ، إذ خرج رجل منهم من خبائه ، فقال لامرأته
: إني لأرى على التل سواداً ما رأيته في أول يومي ، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين
منها شيئاً ، لا تكون الكلاب جرت بعضها .
قال : فنظرت ،
فقالت : لا ، واللّه ما أفقد شيئاً ، قال فناوليني قوسي وسهمين ، فناولته ،
قال : فأرسل
سهماً فواللّه ما أخطأ جنبي ، فأنزعه ، فأضعه ، وثبت مكاني ،
قال : ثم أرسل
الآخر ، فوضعه في منكبي ، فأنزعه فأضعه ، وثبت مكاني ، فقال لامرأته : لو كان
ربيئة لقوم لقد تحرك ، لقد خالطه سهماي ، لا أبا لك ، إذا أصبحت فابتغيهما ،
فخذيهما ، لا يمضغهما علي الكلاب .
قال : ثم دخل .
قال : وأمهلناهم ، حتى إذا اطمأنوا وناموا ، وكان في وجه السحر ، شننا عليهم الغارة ،
قال : فقتلنا واستقنا النعم ، وخرج صريخ القوم فجاءنا دهم لا قبل لنا به ، ومضينا بالنعم ، ومررنا بابن البرصاء وصاحبه . فاحتملناهما معنا ؛
قال : وأدركنا القوم ، حتى قربوا منا ،
قال : فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد ، فأرسل اللّه الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى ، من غير سحابة نراها ، ولا مطر ، فجاء بشيء ليس لأحد به قوة ، ولا يقدر على أن يجاوزه ، فوقفوا ينظرون إلينا ، وإنا لنسوق نعمهم ، ما يستطيع منهم رجل أن يجيز إلينا ، ونحن نحدوها سراعاً ، حتى فتناهم ، فلم يقدروا على طلبنا .
قال : فقدمنا بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
قال ابن
إسحاق
: وحدثني رجل من أسلم ، عن رجل منهم :
أن شعار أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان تلك الليلة : أمت
أمت . فقال راجز من المسلمين وهو يحدوها :
أبى أبو
القاسم أن تعزبي * في خضل نباته مغلولب
صفرا
أعاليه كلون المذهب *
قال ابن
هشام
:ويروى : ( كلون الذهب ) تم خبر الغزاة ،
وعدت إلى ذكر تفاصيل السرايا والبعوث .
قال ابن
إسحاق
:
وغزوة على بن أبي طالب رضى اللّه عنه بني عبداللّه بن سعد
من أهل فدك ،وغزوة أبي العوجاء السلمي أرض بني سليم ، أصيب بها هو وأصحابه جميعاً
، وغزوة عكاشة بن محصن الغمرة ، وغزوة أبي سلمة بن عبدالأسد قطنا ، ماء من مياه
بني أسد ، من ناحية نجد ، قتل بها مسعود بن عروة ، وغزوة محمد بن مسلمة أخي بني
حارثة ، القرطاء من هوزان ، وغزوة بشير بن سعد بني مرة بفدك ، وغزوة بشير بن سعد ،
ناحية خيبر ، وغزوة زيد بن حارثة الجموم ، من أرض بني سليم ، وغزوة زيد بن حارثة ،
جذام من أرض خشين .
قال ابن
هشام
:عن نفسه والشافعي عن عمرو بن حبيب عن ابن إسحاق من أرض حسمى .
قال ابن إسحاق :
وكان من حديثهما كما حدثني من لا أتهم ، عن رجال من جذام ، كانوا علماء بها ، أن رفاعة بن زيد الجذامي ، لما قدم على قومه من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام ، فاستجابوا له ، لم يلبث أن قدم دحية ابن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم ، حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليه معه تجارة له ، حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم ، يقال له : شنار أغار على دحية بن خليفة الهنيد بن عوص ، وابنة عوص بن الهنيد الضلعيان .
والضليع : بطن من جذام ، فأصابا كل شيء كان معه ، فبلغ ذلك قوما من الضبيب ، رهط رفاعة بن زيد ، ممن كان أسلم وأجاب ، فنفروا إلى الهنيد وابنه ، فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال ، حتى لقوهم ، فاقتتلوا ، وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضفاري ثم الضلعي ، فقال :
أنا ابن لبنى ، ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم ، فأصاب ركبته ؛ فقال : حين أصابه :خذها وأنا ابن لبنى ، وكانت له أم تدعى لبنى ، وقد كان حسان بن ملة الضبيني قد صحب دحية بن خليفة قبل ذلك ، فعلمه أم الكتاب .
قال ابن هشام :ويقال : قرة بن أشقر الضفاري ، وحيان بن ملة .
قال ابن
إسحاق
: حدثني من لا أتهم عن رجال من جذام قال فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه ،
فردوه على دحية ، حتى قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم ، فأخبره خبره ، واستسقاه دم الهنيد وابنه ، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليهم زيد بن حارثة ، وذلك
الذي هاج غزوة زيد جذام ، وبعث معه جيشا ، وقد وجهت غطفان من جذام ووائل ، ومن كان
من سلامان ، وسعد بن هذيم ، حين جاءهم رفاعة بن زيد ، بكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى نزلوا الحرة :
حرة الرجلاء ، ورفاعة
بن زيد بكراع ربة ، لم يعلم ، ومعه ناس من بني الضبيب ، وسائر بني الضبيب ، بوادي
مدان ، من ناحية الحرة ، مما يسيل مشرقاً ، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية
الأولاج ، فأغار بالماقص من قبل الحرة ، فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس ، وقتلوا
الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف .
قال ابن
هشام
:من بني الأجنف .
قال ابن
إسحاق
: في حديثه :
ورجلا من بني الخصيب
فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان ركب نفر منهم ، وكان فيمن ركب معهم
حسان بن ملة ، على فرس لسويد بن زيد ، يقال لها : العجاجة وأنيف بن ملة على فرس
لملة يقال لها : رغال ، وأبو زيد بن عمرو ، على فرس يقال لها : شمر ، فانطلقوا
، حتى إذا دنوا من الجيش ، قال أبو زيد وحسان لأنيف بن ملة : كف عنا وانصرف ،
فإنا نخشى لسانك ، فوقف عنهما ، فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتوثب ،
فقال :
لأنا أضن بالرجلين منك
بالفرسين ، فأرخى لها حتى أدركهما ، فقالا له : أما
إذا فعلت ما فعلت فكف عنا لسانك ، ولا تشأمنا اليوم ، فتواصوا أن لا يتكلم منهم
إلا حسان بن ملة ، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضهم من بعض ، إذا أراد
أحدهم أن يضرب بسيفه
قال : بوري أو
ثوري ، فلما برزوا على الجيش ، أقبل القوم يبتدرونهم ، فقال
لهم حسان : إنا قوم مسلمون ، وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم ، فأقبل
يسوقهم .
فقال أنيف : بوري
فقال حسان : مهلا ، فلما وقفوا على زيد بن حارثة ، قال حسان : إنا قوم مسلمون
، فقال له زيد : فاقرءوا أم الكتاب ، فقرأها
حسان ، فقال زيد بن حارثة : نادوا في الجيش إن اللّه قد حرم علينا ثغرة القوم
التي جاءوا منها إلا من ختر .
قال ابن
إسحاق
:
وإذا أخت حسان بن ملة ،
وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى ، فقال له زيد : خذها وأخذت بحقويه ، فقالت أم الفزر الضلعية :
أتنطلقون ببناتكم ، وتذرون أمهاتكم ؟
فقال أحد بني الخصيب
: إنها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم ، فسمعها بعض الجيش ، فأخبر بها زيد
بن حارثة ، فأمر بأخت حسان ، ففكت يداها من حقويه ، وقال لها : اجلسي مع بنات
عمك حتى يحكم اللّه فيكن حكمه .
فرجعوا ، ونهي الجيش أن
يهبطوا إلى واديهم الذي جاؤوا منه ، فأمسوا في أهليهم ، واستعتموا ذودا لسويد بن
زيد ، فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد ، وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد
تلك الليلة ، أبو زيد بن عمرو ،وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد ،
وبرذع بن زيد ، وثعلبة بن زيد ، ومخرمة بن عدي ، وأنيف بن ملة ، وحسان بن ملة ،
حتى صبحوا رفاعة بن زيد بكراع ربة ، بظهر الحرة ، على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة :
إنك لجالس تحلب المعزى
ونساء جذام أسارى قد غرها كتابك الذي جئت به ! فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ، فجعل
يشد عليه رحله ، وهو يقول :
هل أنت
حي أو تنادي حيا *
ثم غدا وهم معه بأمية
بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول ، مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة
ثلاث ليال ، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد ، نظر إليهم رجل من الناس ،
فقال : لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنهن وهن قيام ، فلما دخلوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم بيده
:
أن تعالوا من وراء
الناس ، فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق ، قام رجل من الناس ، فقال : يا رسول اللّه
، إن هؤلاء قوم سحرة ، فرددها مرتين ، فقال : رفاعة بن زيد رحم اللّه من لم
يحذنا في قومه هذا إلا خيراً .
ثم دفع رفاعة بن زيد
كتابه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي
كان كتبه له فقال : دونك يا رسول اللّه قديما كتابه ، حديثاً غدره ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
اقرأه يا غلام ، وأعلن
، فلما قرأ كتابه استخبره ، فأخبروهم الخبر ، فقال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم : كيف اصنع بالقتلى ؟ ( ثلاث مرات ) . فقال رفاعة : أنت يا رسول اللّه
أعلم ، لا نحرم عليك حلالاً ولا نحلل لك حراماً .
فقال أبو زيد بن عمرو
: أطلق لنا يا رسول اللّه من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه .
فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : صدق أبو زيد ، اركب
معهم يا علي . فقال له رضى اللّه عنه : إن
زيدا لن يطيعني يا رسول اللّه ،
قال : فخذ سيفي
هذا ، فأعطاه سيفه ، فقال علي : ليس لي يا رسول اللّه راحلة أركبها ، فحملوه على
بعير لثعلبة بن عمرو ، يقال له : مكحال .
فخرجوا فإذا رسول لزيد
بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر ، يقال لها : الشمر ، فأنزلوه عنها .
فقال : يا علي ، ما
شأني ؟ فقال : مالهم ،عرفوه فأخذوه ، ثم ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين ،
فأخذوا ما في أيديهم ، حتى كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرحل ، فقال أبو جعال
حين فرغوا من شأنهم :
وعاذلة
ولم تعذل بطب * ولولا نحن حش بها السعير
تدافع في
الأسارى بابنتيها * ولا يرجى لها عتق يسير
ولو وكلت
إلى عوص وأوس * لحار بها عن العتق الأمور
ولو شهدت
ركائبنا بمضر * تحاذر أن يعل بها المسير
وردنا
ماء يثرب عن حفاظ * لربع إنه قرب ضرير
بكل مجرب
كالسيد نهد * على أقتاد ناجية صبور
فدى لأبي
سليمى كل جيش * بيثرب إذ تناطحت النحور
غداة ترى
المجرب مستكينا * خلاف القوم هامته تدور
قال ابن
هشام
:قوله : ( ولا يرجى لها عتق يسير ) وقوله
: ( عن العتق الأمور ) عن غير ابن إسحاق
.
تمت الغزاة ، وعدنا إلى
تفصيل ذكر السرايا والبعوث
قال ابن إسحاق : وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطرف من ناحية نخل ، من طريق العراق .
وغزوة زيد بن حارثة
أيضا وادي القرى ، لقي به بني فزارة ، فأصيب بها ناس من أصحابه ، وارتث زيد من بين
القتلى ، وفيها أصيب ورد بن عمرو بن مداش ، وكان أحد بني سعد بن هذيل ، أصابه أحد
بني بدر .
قال ابن
هشام
:سعد بن هذيم .
قال ابن
إسحاق
: فلما قدم زيد بن حارثة إلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة ،
فلما استبل من جراحته بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى ، وأصاب فيهم ، وقتل قيس بن
المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، وأسرت أم قرفة ، فاطمة
بنت ربيعة بن بدر ، كانت عجوزاً كبيرة عند مالك بن حذيفة بن بدر ، وبنت لها ،وعبداللّه
بن مسعدة ، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة ، فقتلها قتلاً
عنيفاً ، ثم قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
بابنة أم قرفة ،وبابن مسعدة .
وكانت بنت أم قرفة
لسلمة بن عمرو بن الأكوع ، كان هو الذي أصابها ، وكانت في بيت شرف من قومها ، كانت
العرب تقول : ( لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت )
فسألها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سلمة ،
فوهبها له ، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب ، فولدت له عبدالرحمن بن حزن .
فقال قيس بن المسحر في
قتل مسعدة :
سعيت
بورد مثل سعي ابن أمه * وإني بورد في الحياة لثائر
كررت
عليه المهر لما رأيته * على بطل من آل بدر مغاور
فركبت
فيه قعضبيا كأنه * شهاب بمعراة يذكى لناظر
وغزوة عبداللّه ابن
رواحة خيبر مرتين ، إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام .
قال ابن
هشام
:ويقال بن رازم .
وكان من حديث اليسير بن
رزام أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم ، فبعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم عبداللّه بن رواحة في نفر من أصحابه ، منهم عبداللّه بن أنيس ، حليف
بني سلمة ، فلما قدموا عليه كلموه ، وقربوا له ، وقالوا له : إنك إن قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استعملك وأكرمك ، فلم
يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود ، فحمله عبداللّه بن أنيس على بعيره .
حتى إذا كان بالقرقرة
من خيبر ، على ستة أميال ، ندم اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ففطن به عبداللّه بن
أنيس وهو يريد السيف ، فاقتحم به ، ثم ضربه بالسيف ، فقطع رجله ، وضربه اليسير
بمخرش في يده من شوحط فأمه ، ومال كل رجل من أصحاب رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله ، إلا رجلا واحدا أفلت
على رجليه ، فلما قدم عبداللّه بن أنيس على رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم ، تفل على شجته ، فلم تقح ولم تؤذه .
غزوة عبداللّه بن عتيك خيبر ، فأصاب بها أبا رافع بن أبي الحقيق .
غزوة عبداللّه بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي
وغزوة عبداللّه بن أنيس خالد بن سفيان بن نبيح ، بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليه وهو بنخلة أو بعرنة ، يجمع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس ليغزوه ، فقتله .
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ،
قال : قال عبداللّه بن أنيس :
دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني ، وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فاقتله .
قلت : يا رسول اللّه ، انعته لي حتى أعرفه .
قال : إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان ، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة .
قال : فخرجت متوشحاً سيفي ، حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلا ، وحيث كان وقت العصر ، فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من القشعريرة ، فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة ، فصليت وأنا أمشى نحوه وأومي برأسي .
فلما انتهيت إليه ،
قال : من الرجل ؟ قلت : رجل من العرب ، سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاءك لذلك .
قال : أجل إني لفي ذلك ،
قال : فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف ، فقتلته ثم خرجت ، وتركت ظعائنه منكبات عليه ، فلما قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرآني ،
قال : أفلح الوجه ؛ قلت : قد قتلته يا رسول اللّه ،
قال : صدقت .
ثم قام بي فأدخلني بيته
فأعطاني عصا ، فقال : أمسك هذه العصا عندك يا عبداللّه بن أنيس ،
قال : فخرجت بها
على الناس ، فقالوا : ما هذه العصا ؟ قلت : أعطانيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأمرني أن أمسكها
عندي ، قالوا : أفلا ترجع إلى رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم فتسأله لم ذلك ؟
قال : فرجعت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقلت : يا رسول اللّه
، لم أعطيتني هذه العصا ؟
قال : آية بيني
وبينك يوم القيامة . إن أقل الناس المتحضرون يومئذ ،
قال : فقرنها
عبداللّه بن أنيس بسيفه ، فلم تزل معه حتى مات ، ثم أمر بها فضمت في كفنه ، ثم
دفنا جميعا .
قال ابن
هشام
:وقال عبداللّه ابن أنيس في ذلك :
تركت ابن
ثور كالحوار وحوله * نوائح تفري كل جيب مقدد
تناولته
والظعن خلفي وخلفه * بأبيض من ماء الحديد مهند
عجوم
لهام الدارعين كأنه * شهاب غضى من ملهب متوقد
أقول له
والسيف يعجم رأسه * أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد
أنا ابن
الذي لم ينزل الدهر قدره * رحيب فناء الدار غير مزند
وقلت له
خذها بضربة ماجد * حنيف على دين النبي محمد
وكنت إذا
هم النبي بكافر * سبقت إليه باللسان وباليد
تمت الغزاة ، وعدنا إلى
خبر البعوث .
قال ابن إسحاق : وغزوة زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، و عبداللّه بن رواحة ، مؤتة من أرض الشام ، فأصيبوا بها جميعا ، وغزوة كعب بن عمير الغفاري ، ذات أطلاح إلى أرض الشام ، أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم .
وكان من حديثهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثه إليهم ، فأغار
عليهم ، فأصاب منهم أناساً ، وسبى منهم أناساً .
فحدثني عاصم بن عمر بن
قتادة : أن عائشة قالت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا رسول اللّه ، إن
علي رقبة من ولد إسماعيل .
قال : هذا سبي
بني العنبر يقدم الآن فنعطيك منهم إنسانا فتعتقينه .
قال ابن
إسحاق
: فلما قدم بسبيهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
، ركب فيهم وفد من بني تميم ، حتى قدموا على رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم ، منهم ربيعة بن رفيع ، وسبرة بن عمرو ، والقعقاع بن
معبد ، ووردان بن محرز ، وقيس بن عاصم ، ومالك بن عمرو ، والأقرع بن حابس ، وفراس
بن حابس .
فكلموا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم ، فأعتق بعضاً ،
وأفدى بعضاً ، وكان ممن قتل يومئذ من بني العنبر: عبداللّه ، وأخوان له بنو وهب
، وشداد بن فراس ، وحنظلة بن دارم .
وكان ممن سبى من نسائهم
يومئذ ، أسماء بنت مالك ، وكاس بنت أري ، ونجوة بنت نهد ، وجميعة بنت قيس ، وعمرة
بنت مطر .
فقالت في ذلك اليوم سلمى بنت عتاب :
لعمري لقد لاقت عدي بن جندب * من الشر مهواة شديدا كئودها
تكفنها الأعداء من كل جانب * وغيب عنها عزها وجدودها
شعر الفرزدق في ذلك :
قال ابن هشام :وقال الفرزدق في ذلك :
وعند رسول اللّه قام ابن حابس * بخطة سوار إلى المجد حازم
له أطلق الأسرى التي في حباله * مغللة أعناقها في الشكائم
كفى أمهات الخالفين عليهم * غلاء المفادي أو سهام المقاسم
وهذه الأبيات في القصيدة له ، وعدي بن جندب من بني العنبر ، والعنبر ابن عمرو بن تميم .
قال ابن
إسحاق
: وغزوة غالب بن عبداللّه الكلبي - كلب ليث - أرض بني مرة ، فأصاب بها مرداس بن
نهيك ، حليفا لهم من الحرقة ، من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ، ورجل من الأنصار .
قال ابن
هشام
:الحرقة فيما حدثني أبو عبيدة :
قال ابن
إسحاق
: وكان من حديثه عن أسامة بن زيد
قال :
أدركته أنا ورجل من
الأنصار ، فلما شهرنا عليه السلاح ،
قال : أشهد أن لا
إله إلا اللّه ،
قال : فلم ننزع
عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم ، أخبرناه خبره ، فقال : يا أسامة من لك بلا إله إلا اللّه ؟
قال : قلت : يا
رسول اللّه ، إنه إنما قالها تعوذا بها من القتل ،
قال : فمن لك بها
يا أسامة ؟
قال : فوالذي
بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني كنت
أسلمت يومئذ ، وإني لم أقتله .
قال : قلت :
أنظرني يا رسول اللّه ، إني أعاهد أن لا أقتل رجلاً يقول : لا إله إلا اللّه
أبداً ،
قال : تقول بعدي
يا أسامة ؟ قال قلت بعدك .
وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من أرض بني عذرة ، وكان من حديثه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى الشام ، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت امرأة من بلي ، فبعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك ، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلسل ، وبذلك سميت تلك الغزوة ، غزوة ذات السلاسل .
فلما كان عليه خاف ، فبعث إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستمده ، فبعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين ، فيهم أبو بكر وعمر ، وقال لأبي عبيدة حين وجهه :
لا تختلفا ، فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه ، قال له عمرو : إنما جئت مدداً لي ؛ قال أبو عبيدة : لا ، ولكنى على ما أنا عليه ، وأنت على ما أنت عليه .
وكان أبو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً ، هيناً عليه أمر الدنيا ، فقال له عمرو : بل أنت مدد لي ، فقال أبو عبيدة : يا عمرو ، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لي : لا تختلفا ، وإنك إن عصيتني أطعتك ،
قال : فإني الأمير عليك ، وأنت مدد لي ،
قال : فدونك . فصلى عمرو بالناس .
قال : وكان من
الحديث في هذه الغزاة ، أن رافع بن أبي رافع الطائي ، وهو رافع بن عميرة ، كان
يحدث - فيما بلغني - عن نفسه ،
قال : كنت امرأ
نصرانياً وسميت سرجس ، فكنت أدل الناس وأهداهم بهذا الرمل ، كنت أدفن الماء في بيض
النعام بنواحي الرمل في الجاهلية ، ثم أغير على إبل الناس ن فإذا أدخلتها الرمل
غلبت عليها ، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه ، حتى أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض
النعام فأستخرجه ، فأشرب منه ، فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات
السلاسل ؛
قال : فقلت :
واللّه لأختارن لنفسي صاحبا ،
قال :
فصحبت أبا بكر ،
قال : فكنت معه
في رحله ،
قال : وكانت عليه
عباءة له فدكية ، فكان إذا نزلنا بسطها ، وإذا ركبنا لبسها ، ثم شكها عليه بخلال
له ،
قال : وذلك الذي
له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفاراً : نحن نبايع ذا العباءة ! .
قال : فلما دنونا
من المدينة قافلين ،
قال : قلت : يا
أبا بكر ، إنما صحبتك لينفعني اللّه بك ، فانصحنى ، وعلمنى ،
قال : لو لم
تسألني ذلك لفعلت .
قال : آمرك أن
توحد اللّه ، ولا تشرك به شيئاً ، وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة ، وتصوم
رمضان ، وتحج البيت ، وتغتسل من الجنابة ، ولا تتأمر على رجل من المسلمين أبداً
.
قال : قلت : يا
أبا بكر ، أما أنا واللّه فأني أرجو أن لا أشرك
باللّه أحد أبداً ،
وأما الصلاة فلن
أتركها أبداً إن شاء اللّه
وأما الزكاة فإن
يك لي مال أؤدها إن شاء اللّه ،
وأما رمضان فلن
أتركه أبداً إن شاء اللّه ،
وأما الحج فإن أستطع
أحج إن شاء اللّه تعالى ،
وأما الجنابة
فسأغتسل منها إن شاء اللّه .
وأما الإمارة ،
فإني رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم إلا بها ، فلم تنهاني عنها ؟
قال : إنك إنما
استجهدتني لأجهد لك ، وسأخبرك عن ذلك :
إن اللّه عز وجل بعث
محمداً صلى اللّه عليه وسلم بهذا الدين ، فجاهد
عليه حتى دخل الناس فيه طوعاً وكرهاً ، فلما دخلوا فيه كانوا عواذ اللّه وجيرانه ،
وفي ذمته ، فإياك لا تخفر اللّه في جيرانه ، فيتبعك اللّه في خفرته ، فإن أحدكم
يخفر جاره ، فيظل ناتئا عضله ، غضباً لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير ، فاللّه أشد
غضباً لجاره ،
قال : ففارقته
على ذلك .
قال : فلما قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأمر أبو بكر على الناس ،
قال : قدمت عليه
، فقلت له : يا أبا بكر ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين ؟
قال : بلى ، وأنا
الآن أنهاك عن ذلك ؛
قال : فقلت له
: فما حملك على أن تلي أمر الناس ؟
قال : لا أجد من
ذلك بداً ، خشيت على أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم
الفرقة .
قال ابن
إسحاق
:
أخبرني يزيد بن أبي
حبيب ، أنه حدث عن عوف بن مالك الأشجعي ،
قال : كنت في
الغزاة التي بعث فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
عمرو بن العاص ، إلى ذات السلاسل ،
قال : فصحبت أبا
بكر وعمر ، فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها ، وهم لا يقدرون على أن يعضوها ،
وقال : وكنت امرأ لبقاً جازراً ،
قال : فقلت :
أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم ؟ قالوا : نعم ،
قال : فأخذت
الشفرتين فجزأتها مكاني ، وأخذت منها جزءاً ، فحملته إلى أصحابي ، فاطبخناه
فأكلناه .
فقال لي أبو بكر وعمر رضي اللّه عنهما : أني لك هذا اللحم
يا عوف ؟
قال : فأخبرتهما
خبره ، فقالا : واللّه ما أحسنت حين أطعمتنا هذا ، ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما
من ذلك ؛
قال : فلما قفل
الناس من ذلك السفر ، كنت أول قادم على رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم ،
قال : فجئته وهو
يصلي في بيته ،
قال : فقلت :
السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ،
قال : أعوف بن
مالك ؟
قال : قلت :
نعم ، بأبي أنت وأمي ،
قال : أصاحب
الجزور ؟ ولم يزدني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
على ذلك شيئاً .
قال ابن
إسحاق
: حدثني يزيد بن عبداللّه بن قسيط عن القعقاع بن عبداللّه بن أبي حدرد عن أبيه
عبداللّه ابن أبي حدرد ،
قال : بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى إضم في نفر من
المسلمين ، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ، ومحلم بن جثامة بن قيس ، فخرجنا حتى
إذا كنا ببطن إضم .
مر بنا عامر بن الأضبط
الأشجعي ، على قعود له ، ومعه متيع له ، ووطب من لبن ،
قال : فلما مر
بنا سلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة ، فقتله لشيء
كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ، وأخذ متيعه ،
قال : فلما قدمنا
على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأخبرناه
الخبر ، نزل فينا : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم
في سبيل اللّه فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض
الحياة الدنيا ) إلى أخر الآية .
قال ابن
هشام
:قرأ أبو عمرو بن العلاء ( ولا تقولوا لمن ألقى
إليكم السلام لست مؤمنا ) لهذا الحديث
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ،
قال : سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث ، عن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده ، وكانا شهدا حنيناً مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،
قال : صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الظهر ثم عمد إلى ظل شجرة ، فجلس تحتها ، وهو بحنين ، فقام إليه الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، يختصمان ، في عامر بن الأضبط الأشجعي : عيينة يطلب بدم عامر ، وهو يومئذ رئيس غطفان ، والأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة ، لمكانه من خندف ، فتداولا الخصومة عند رسول اللّه صلى للّه عليه وسلم ، ونحن نسمع فسمعنا ، عيينة بن حصن ، وهو يقول : واللّه يا رسول اللّه ، لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرقة مثل ما أذاق نسائي ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، يقول : بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ، وهو يأبى عليه ، إذ قام رجل من بني ليث ، يقال له : مكيثر قصير مجموع -
قال ابن هشام :مكيل - فقال :
واللّه يا رسول اللّه ما وجدت لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها ، فنفرت أخرها ، اسنن اليوم ، وغير غداً ،
قال : فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده فقال : بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ،
قال : فقبلوا الدية .
قال : ثم قالوا : أين صاحبكم هذا يستغفر له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟
قال : فقام رجل آدم ضرب طويل ، عليه حلة له ، قد كان تهيأ للقتل فيها ، حتى جلس بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له : ما اسمك ؟
قال : أنا محلم بن جثامة ،
قال : فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده
ثم قال : اللّهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ، ثلاثا .
قال : فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه ،
قال : فأما نحن فنقول فيما بيننا : إنا لنرجو أن يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد استغفر له ،
وأما ما ظهر من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهذا .
قال ابن
إسحاق
: فحدثني من لا أتهم ،عن الحسن البصري
قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين جلس بين يديه :
أمنته باللّه ثم قتلته ! ثم قال له المقالة
التي قال ؛
قال : فواللّه ما
مكث محلم بن جثامة إلا سبعاً حتى مات ، فلفظته ، والذي نفس الحسن بيده ، الأرض ، ثم عادوا له ، فلفظته الأرض ،
ثم عادوا فلفظته ، فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين ، فسطحوه بينهما ، ثم رضموا عليه
الحجارة حتى واروه .
قال : فبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شأنه ، فقال : واللّه
إن الأرض لتطابق على من هو شر منه ولكن اللّه أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما
أراكم منه .
قال ابن
إسحاق
: وأخبرنا سالم أبو النضر ، أنه حدث أن عيينة بن حصن وقيسا حين قال الأقرع بن
حابس وخلا بهم ، يا معشر ، قيس منعتم رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم قتيلاً يستصلح به الناس ، أفأمنتم أن يلعنكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيلعنكم اللّه بلعنته
، أو أن يغضب عليكم فيغضب اللّه عليكم بغضبه ؟ واللّه الذي نفس الأقرع بيده
لتسلمنه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،
فليصنعن فيه ما أراد ، أو لآتين بخمسين رجلاً من بني تميم يشهدون باللّه كلهم :
لقتل صاحبكم كافراً ، ما صلى قط . فلأطلن دمه . فلما سمعوا ذلك قبلوا الدية
.
قال ابن
هشام
: محلم في هذا الحديث كله عن غير ابن إسحاق ، وهو محلم بن جثامة بن قيس الليثي
.
وقال ابن إسحاق : ملجم فيما حدثناه زيادة عنه .
قال ابن إسحاق : وغزوة ابن أبي حدرد الأسلمي الغابة .
وكان من حديثها فيما بلغني عمن لا أتهم ،عن ابن أبي حدرد ،
قال : تزوجت امرأة من قومي ، وأصدقتها مائتي درهم
قال : فجئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أستعينه على نكاحي ؛ فقال : وكم أصدقت ؟ فقلت : مائتي درهم يا رسول اللّه ،
قال : سبحان اللّه لوكنتم تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتم ، اللّه ما عندي ما أعينك به .
قال : فلبثت أياما وأقبل رجل من بني جشم ، يقال له : رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة ، في بطن عظيم من بني جشم ، حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة ، يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكان ذا اسم في جشم وشرف ،
قال : فدعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورجلين معي من المسلمين ، فقال : أخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم .
قال : وقدم لنا شارفاً عجفاء ، فحمل عليها أحدنا واللّه ما قدمت به ضعفاً حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم ، حتى استقلت وما كادت ،
ثم قال : تبلغوا عليها واعتقبوها .
قال :فخرجنا
ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف ، حتى إذا جئنا قريباً من الحاضر عُشَيْشِيّة مع
غروب الشمس .
قال : كمنت في
ناحية ، وأمرت صاحبي ، فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ، وقلت لهما : إذا
سمعتماني قد كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي ،
قال : فواللّه
إنا لكذلك ننتظر غرة القوم ، أو أن نصيب منهم شيئا .
قال : وقد غشينا
الليل حتى ذهبت فحمة العشاء ، وقد كان لهم راع قد سرح في هذا البلد ، فأبطأ عليهم
حتى تخوفوا عليه .
قال : فقام
صاحبهم ذلك رفاعة بن قيس ، فأخذ سيفه فجعله في عنقه ،
ثم قال : واللّه
لأتبعن أثر راعينا هذا ، ولقد أصابه شر ، فقال له
نفر ممن معه : واللّه لا تذهب نحن نكفيك ،
قال : واللّه لا
يذهب إلا أنا ، قالوا : فنحن معك ،
قال : واللّه لا
يتبعني أحد منكم .
قال : وخرج حتى
يمر بي .
قال : فلما
أمكنني نفحته بسهمي ، فوضعته في فؤاده ،
قال : فواللّه ما
تكلم ووثبت عليه فاحتززت رأسه .
قال : وشددت في
ناحية العسكر ، وكبرت ، وشد صاحباي وكبرا .
قال : فواللّه ما
كان إلا النجاء ممن فيه عندك ، عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم ، وما
خف معهم من أموالهم .
قال : واستقنا
إبلا عظيمة ، وغنما كثيرة ، فجئنا بها إلى رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم
قال : وجئت برأسه
أحمله معي ،
قال : فأعانني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة
عشر بعيراً في صداقي ، فجمعت إلى أهلي .
قال ابن
إسحاق
: وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح ،
قال : سمعت رجلاً
من أهل البصرة يسأل عبداللّه بن عمر بن الخطاب
، عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم ،
قال : فقال عبداللّه
: سأخبرك إن شاء اللّه عن ذلك بعلم : كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مسجده ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبدالرحمن بن عوف
، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو سعيد الخدري ، وأنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
إذ أقبل فتى من الأنصار
، فسلم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم
جلس ، فقال : يا رسول اللّه ، صلى اللّه عليك ، أي
المؤمنين أفضل ؟ فقال : أحسنهم خلقاً
قال : فأي
المؤمنين أكيس ؟
قال : أكثرهم
ذكراً للموت ، وأحسنهم استعداداً له ، قبل أن ينزل به أولئك الأكياس ، ثم سكت
الفتى ، وأقبل علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
، فقال : يا معشر المهاجرين ، خمس خصال إذا نزلن بكم ، وأعوذ باللّه أن تدركوهن
، إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع ،
التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أخذوا
بالسنين ، وشدة المؤنة ، وجور السلطان ، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم ، إلا منعوا
القطر من السماء ، فلولا البهائم ما مطروا ، وما نقضوا عهد اللّه وعهد رسوله إلا
سلط عليهم عدو من غيرهم ، فأخذ بعض ما كان في أيديهم ، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب اللّه
، وتجبروا فيما أنزل اللّه إلا جعل اللّه بأسهم بينهم .
ثم أمر عبدالرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثة عليها ، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء ، فأدناه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منه ، ثم نقضها ، ثم عممه بها ، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ،
ثم قال : هكذا يا ابن عوف فاعتم ، فإنه أحسن وأعرف ، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه ، فحمد اللّه تعالى وصلى على نفسه ،
ثم قال : خذه يا ابن عوف ، اغزوا جميعا في سبيل اللّه ، فقاتلوا من كفر باللّه ، لاتغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، فهذا عهد اللّه ، وسيرة نبيه فيكم ، فأخذ عبدالرحمن بن عوف اللواء .
قال ابن هشام :فخرج إلى دومة الجندل .
قال ابن
إسحاق
: وحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده عبادة بن
الصامت ،
قال : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية إلى سيف البحر ،
عليهم أبو عبيدة بن الجراح ، وزودهم جرابا من تمر ، فجعل يقوتهم إياه ، حتى صار
إلى أن يعده عليهم عداً ،
قال : ثم نفد
التمر ، حتى كان يعطي كل رجل منهم كل يوم تمرة ،
قال : فقسمها
يوماً بيننا ،
قال : فنقصت تمرة
عن رجل فوجدنا فقدها ذلك اليوم .
قال : فلما جهدنا
الجوع ، أخرج اللّه لنا دابة من البحر ، فأصبنا من لحمها وودكها ، وأقمنا عليها
عشرين ليلة ، حتى سمنا وابتللنا ، وأخذ أميرنا ضلعا من أضلاعها ، فوضعها على طريقه
، ثم أمر بأجسم بعير معنا ، فحمل عليه أجسم رجل منا ،
قال : فجلس عليه
،
قال : فخرج من
تحتها وما مست رأسه . قال فلما قدمنا على رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم أخبره خبرها ، وسألناه عما صنعنا في ذلك من أكلنا إياه
، فقال رزق رزقكموه اللّه .
قال ابن
هشام
:
ومما لم يذكره ابن
إسحاق من بعوث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وسراياه بعث عمرو بن أمية الضمري ، بعثه رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم فيما حدثني من أثق به من أهل العلم ، بعد مقتل خبيب بن عدي
وأصحابه إلى مكة ، وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب ، وبعث معه جبار صخر الأنصاري ،
فخرجا حتى قدما مكة ، وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ، ثم دخلا مكة ليلاً .
فقال جبار لعمرو : لو
أنا طفنا بالبيت ، وصلينا ركعتين ؟ فقال عمرو : إن القوم إذا تعشوا جلسوا
بأفنيتهم ، فقال : كلا ، إن شاء اللّه . فقال عمرو : فطفنا بالبيت ، وصلينا
، ثم خرجنا نريد أبا سفيان ، فواللّه إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلى رجل من أهل مكة
فعرفني ، فقال عمرو بن أمية : واللّه إن قدمها إلا لشر ؛ فقلت لصاحبي : النجاء
، فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في جبل ، وخرجوا في طلبنا ، حتى إذا علونا الجبل ،
يئسوا منا ، فرجعنا ، فدخلنا كهفا في الجبل ، فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها
دوننا .
فلما أصبحنا غدا رجل من
قريش يقود فرسا له ويخلي عليها ، فغشينا ونحن في الغار ، فقلت : إن رآنا صاح بنا
فأخذنا فقتلنا .
قال : ومعي خنجر
قد أعددته لأبي سفيان ، فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة ، وصاح صيحة أسمع أهل مكة
، وأرجع فأدخل مكاني ، وجاءه الناس يشتدون وهو بأخر رمق ، فقالوا : من ضربك ؟
فقال : عمرو بن أمية ، وغلبه الموت ، فمات مكانه . ولم يدلل على مكاننا ،
فاحتملوه .
فقلت لصاحبي : لما
أمسينا النجاء ؛ فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة ، فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة
خبيب بن عدي ؛ فقال أحدهم : واللّه ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية ،
لولا أنه بالمدينة ، لقلت : هو عمرو بن أمية .
قال : فلما حاذى
الخشبة شد عليها ، فأخذها فاحتملها ، وخرجا شداً ، وخرجوا وراءه ، حتى أتى جرفا
بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة في الجرف ، فغيبه اللّه عنهم ، فلم يقدروا عليه ،
قال : وقلت لصاحبي
: النجاء النجاء ، حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه ، فإني سأشغل عنك القوم ، وكان
الأنصاري لا رجلة له .
قال ومضيت حتى أخرج على
ضجنان ، ثم أويت إلى جبل ، فأدخل كهفا ، فبينا أنا فيه إذ دخل علي شيخ من بني
الديل أعور ، في غنيمة له ، فقال : من الرجل ؟ فقلت : من بني بكر ، فمن أنت
؟
قال : من بني بكر
، فقلت : مرحبا فاضطجع ، ثم رفع عقيرته ، فقال :
ولست
بمسلم ما دمت حيا * ولا دان لدين المسلمينا
فقلت في نفسي : ستعلم
، فأمهلته حتى إذا نام أخذت قوسي ، فجعلت سيتها في عينه الصحيحة ، ثم تحاملت عليه
حتى بلغت العظم ، ثم خرجت النجاء ، حتى جئت العرج ، ثم سلكت ركوبة ، حتى إذا هبطت
النقيع ، إذا رجلان من قريش من المشركين ، كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة
ينظران ويتحسسان ، فقلت : استأسرا ، فأبيا ، فأرمي أحدهما بسهم فأقتله ، واستأسر
الآخر ، فأوثقه رباطا ، وقدمت به المدينة .
قال ابن هشام :وسرية زيد بن حارثة إلى مدين .
ذكر ذلك عبداللّه بن حسن بن حسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم رضوان اللّه ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين ، ومعه ضميرة ، مولى علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه ، وأخ له ،
قالت : فأصاب سبياً من أهل ميناء ، وهي السواحل ، وفيها جماع من الناس ، فبيعوا ففرق بينهم ، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه سلم وهم يبكون ، فقال : ما لهم ؟ فقيل : يا رسول اللّه فرق بينهم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لا تبيعوهم إلا جميعا .
قال ابن هشام :أراد الأمهات والأولاد .
قال ابن
إسحاق
: وغزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك ، أحد بني عمرو بن عوف ثم بني عبيدة ، وكان
قد نجم نفاقه ، حين قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
الحارث ابن سويد بن صامت ، فقال :
لقد عشت
دهرا وما إن أرى * من الناس دارا ولا مجمعا
أبر
عهودا وأوفى لمن * يعاقد فيهم إذا ما دعا
من أولاد
قيلة في جمعهم * يهد الجبال ولم يخضعا
فصدعهم
راكب جاءهم * حلال حرام لشتى معا
فلو أن
بالعز صدقتم * أو الملك تابعتم تبعا
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : من لي بهذا الخبيث
، فخرج سالم بن عمير ، أخو بني عمرو بن عوف ، وهو أحد البكائين ، فقتله ؟ فقالت
أمامة المزيرية في ذلك :
تكذب دين
اللّه والمرء أحمدا * لعمرو الذي أمناك أن بئس ما يمني
حباك
حنيف أخر الليل طعنة * أبا عفك خذها على كبر السن
وغزوة عمير بن عدي
الخطمي عصماء بنت مروان ، وهي من بني أمية بن زيد ، فلما قتل أبو عفك ، نافقت فذكر
عبداللّه بن الحارث بن الفضيل ، عن أبيه ،
قال : وكانت تحت
رجل من بني خطمة ، يقال له يزيد بن زيد ، فقالت تعيب الإسلام وأهله :
باست بني
مالك والنبيت * وعوف وباست بني الخزرج
أطعتم
أتاويَّ من غيركم * فلا من مراد ولا مذحج
ترجونه
بعد قتل الرءوس * كما يرتجي مرق المنضج
ألا أنف
يبتغي غرة * فيقطع من أمل المرتجي
قال فأجابها حسان بن
ثابت فقال :
بنو وائل
وبنو واقف * وخطمة دون بني الخزرج
متى ما
دعت سفها ويحها * بعولتها والمنايا تجي
فهزت فتى
ماجدا عرقه * كريم المداخل والمخرج
فضرجها
من نجيع الدماء * بعد الهدو فلم يحرج
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين بلغه ذلك : ألا
أخذ لي من ابنة مروان ؟ فسمح ذلك من قول رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي ، وهو عنده ، فلما أمسي من تلك
الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها ، فقال : ثم أصبح مع رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا رسول اللّه ، إني قد قتلتها .
فقال : نصرت اللّه ورسوله يا عمير ، فقال : هل علي شيء من شأنها يا رسول اللّه
؟ فقال : لا ينتطح فيها عنزان .
فرجع عمير إلى قومه ،
وبنو خطمة يومئذ كثير موجهم في شأن بنت مروان ، ولها يومئذ بنون خمسة رجال ، فلما
جاءهم عمير بن عدي من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم ،
قال : يا بني
خطمة ، أنا قتلت ابنة مروان ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، فذلك اليوم أول ما عز
الإسلام في دار بني خطمة ، وكان يستخفي بإسلامهم فيهم من أسلم ، وكان أول من أسلم
من بني خطمة عمير بن عدي ، وهو الذي يدعى القارئ ، و عبداللّه بن أوس ، وخزيمة بن
ثابت ، وأسلم يوم قتلت ابنة مروان ، رجال من بني خطمة ، لما رأوا من عز الإسلام
.
بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه
قال :
خرجت خيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخذت رجلا من بني حنيفة لا يشعرون من هو ، حتى أتوا به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال :
أتدرون من أخذتم ؟ هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا إساره ، ورجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أهله ، فقال : اجمعوا ما كان عندكم من طعام ، فابعثوا به إليه ، وأمر بلقحته أن يغذى عليه بها ويراح ، فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ، ويأتيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيقول : أسلم يا ثمامة ، فيقول : إيها يا محمد ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت ، فمكث ما شاء اللّه أن يمكث .
ثم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم يوما : أطلقوا ثمامة ، فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع ، فتطهر فأحسن طهوره ، ثم أقبل فبايع النبي صلى اللّه عليه وسلم على الإسلام ، فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام ، فلم ينل منه إلا قليلاً ، وباللقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا ، فعجب المسلمون من ذلك ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين بلغه ذلك :
مم تعجبون ؟ أمن رجل أكل أول النهار في معي كافر ، وأكل أخر النهار في معي مسلم ، إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وإن المسلم يأكل في معي واحد .
قال ابن هشام :
فبلغني أنه خرج معتمراً ، حتى إذا كان ببطن مكة ، لبى فكان أول من دخل مكة يلبي ، فأخذته قريش ، فقالوا : لقد اجترأت علينا ، فلما قدموه ليضربوا عنقه ، قال قائل منهم : دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم ، فخلوه ، فقال الحنفي في ذلك :
ومنا الذي لبى معلنا بمكة معلنا * برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم
وحدثت أنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أسلم : لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ، ولقد أصبح وهو أحب الوجوه إلي ، وقال في الدين والبلاد مثل ذلك .
ثم خرج معتمراً ، فلما قدم مكة قالوا : أصبوت يا ثمام ؟ فقال : لا ، ولكنى اتبعت خير الدين ، دين محمد ، ولا واللّه لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم خرج إلى اليمامة ، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً ، فكتبوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنك تأمر بصلة الرحم ، وإنك قد قطعت أرحامنا ، وقد قتلت الأباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل .
وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علقمة بن مجزز .
لما قتل وقاص بن مجزز
المدلجي يوم ذي قرد ، سأل علقمة بن مجزز رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم أن يبعثه في آثار القوم ، ليدرك ثأره فيهم .
فذكر عبدالعزيز بن محمد
عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن أبي سعيد الخدري ،
قال : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علقمة بن مجزز - قال
أبو سعيد الخدري : وأنا فيهم - حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق ،
أذن لطائفة من الجيش ، واستعمل عليهم عبداللّه بن حذافة السهمي ، وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكانت فيه دعابة ،
فلما كان ببعض الطريق أوقد ناراً ، ثم قال للقوم
:
أليس لي عليكم السمع
والطاعة ؟ قالوا : بلى ، قال أفما أنا آمركم بشيء إلا فعلتموه ؟ قالوا :
نعم ،
قال : فإني أعزم
عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ،
قال : فقام بعض
القوم يحتجز ، حتى ظن أنهم واثبون فيها ، فقال : لهم اجلسوا ، فإنما كنت أضحك
معكم ، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
بعد أن قدموا عليه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم : من أمركم بمعصية منهم فلا تطيعوه .
وذكر محمد بن طلحة أن
علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيدا .
حدثني بعض أهل العلم ،
عمن حدثه ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبدالرحمن ،
قال : أصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة محارب وبني
ثعلبة ، عبداً يقال له : يسار فجعله رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم في لقاح له كانت ترعى في ناحية الجماء ، فقدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نفر من قيس كبة من
بجيلة ، فاستوبئوا ، وطلحوا ، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لو خرجتم إلى
اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها ، فخرجوا إليها .
فلما صحوا وانطوت
بطونهم ، عدوا على راعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
يسار ، فذبحوه ، وغرزوا الشوك في عينيه ، واستاقوا اللقاح ، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر
، فلحقهم فأتى بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
مرجعه من غزوة ذي قرد ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم .
وغزوة علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه إلى اليمن غزاها مرتين .
قال ابن هشام :قال أبو عمرو المدني :
بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ، وبعث خالد بن الوليد في جند أخر ، وقال : إن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب .
وقد ذكر ابن إسحاق بعث خالد بن الوليد في حديثه ، ولم يذكره في عدة البعوث والسرايا ، فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعة وثلاثين .
وهو آخر البعوث
قال ابن
إسحاق
: وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أسامة
بن زيد بن حارثة إلى الشام ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم ، من أرض
فلسطين ، فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون .
قال ابن
هشام
:وهو أخر بعث بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
.