سنه صلى اللّه عليه وسلم حين
زواجه
قال ابن
هشام : فلما بلغ رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم خمساً وعشرين سنة، تزوج
خديجة بنتَ خويلد بن أسد ابن عبد العُزَّى بن قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لُؤَي
بن غالب ، فيما حدثني غيرُ واحد من أَهل العلم عن أبى عَمرو المدني.
قال ابن إسحاق : وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ، ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه ، بشيء تجعله لهم ، وكانت قريش قوماً تِجاراً، فلما بلغها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما بلغها: من صدق حديثه ، وعظمِ أمانته ، وكرم أخلاقه ، بعثت إليه ، فعرضت عليه أن يخرجَ في مال لها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضَلَ ما كانت تُعطي غيرَه من التجار، مع غلام لها يقال له : مَيْسَرة، فقبله رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم منها وخرج في مالها ذلك ، وخرج معه غلامُها ميسرة، حتى قدم الشام.
حديثه - صلى اللّه عليه وسلم مع الراهب
فنزل رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم في ظلِّ شجرةٍ قريباً من صومعة راهب من الرهبان ، فاطَّلع الراهبُ إلى ميسرة،
فقال له : مَنْ هذا الرجل الذي نزل تحتَ هذه الشجرة؟ قال له ميسرة : هذا رجل من قريش من أهل الحرم ، فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قطُّ إلا نبيٌّ.
ثم باع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم سلعتَه التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتريَ ، ثم أقبل قافلا إلى مكةَ، ومعه ميسرةُ، فكان ميسرةُ - فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرة، واشتد الحرُّ، يرَى ملكين يظلَّانه من الشمس - وهو يسير على بعيره ، فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به ، فأضعف أو قريباً. وحدَّثها ميسرة عن قول الراهب ، وعما كان يرى من إظلالِ الملكين إياه.
وكانت خديجةُ امرأةً حازمةً شريفة لبيبة، مع ما أراد اللّه بها من كرامته ،
فلما أخبرها ميسرة مما أخبرها به ، بعثت إلى رسول اللّه- صلى اللّه
عليه وسلم فقالت له فيما يزعمون : يا ابنَ عمّ ، إني قد
رغبت فيك لقرابتك وسِطَتِكَ في قومِك
وأمانتك ، وحسنِ خُلقك ، وصدق حديثك ، ثم عرضتْ عليه نفسَها، وكانت خديجةُ يومئذ أوسطَ نساء قريش
نسباً، وأعظمهنَّ شرفاً، وأكثرهن مالا، كُلُّ قومِها كان حريصاً على ذلك منها لو
يقدُرُ عليه.
وهى خديجة بنت خُوَيْلد بن أسَد بن عبد العُزَّى بن قصَي بن كلاب بن مُرَّة
بن كعب بن لُؤَي ابن غالب بن فِهْر.
وأمها: فاطمةُ بنتُ زائدةَ بنِ الأصمِّ بن رواحة بن حَجَر بن عبد ابن
مَعِيص بن عامر بن لُؤَي بن غالب بن فهر.
وأمُّ فاطمة : هالةُ بنتُ عبد مناف بن الحارث بن عَمرو بن مُنْقِذ ابن
عَمرو بن مَعيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فِهْر.
وأم هالة : قِلابةُ بنتُ سُعَيْد بن سَعْد بن سَهْم بن عَمرو بن هُصَيْص
ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر.
الرسول - صلى اللّه عليه وسلم يتزوج من خديجة بعد استشارة أعمامه
فلما قالت ذلك لرسولِ اللّه - صلى اللّه عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامِه ، فخرج معه عمه حمزةُ بنُ عبد
المطلب - رحمه اللّه - حتى دخل على خُوَيْلد ابن أسَد
فخطبها إليه ، فتزوجها.
قال ابن هشام : وأصدقها رسولُ اللّه – صلى اللّه عليه وسلم عشرين بَكْرة، وكانت أولَ امرأة تزوجها رسول اللّه – صلى اللّه عليه وسلم ولم يتزوجْ عليها غيرَها حتى ماتت ، رضى اللّه عنها.
أولاده - صلى اللّه عليه وسلم من خديجة
قال ابنُ إسحاق : فولدت لرسولِ اللّه- صلى اللّه عليه وسلم ولدَه كُلَّهم إلا إبراهيم : القاسمَ ، وبه كان يُكْنَى - صلى اللّه عليه وسلم ، والطاهرَ والطيب ، وزينبَ ورقيةَ، وأمَ كلثوم ، وفاطمةَ، عليهم السلام.
قال ابن هشام
: أكبر بنيه : القاسمُ ، ثم الطيبُ ، ثم الطاهرُ، وأكبر بناته : رقيةُ، ثم زينبُ ، ثم أمُّ
كلثوم ، ثم فاطمةُ.
قال ابن
إسحاق : فأما القاسم ، والطيب ، والطاهر فهلكوا في الجاهلية.
وأما بناتُه : فكلُّهنَّ أدركْنَ الإسلامَ ، فأسلمن وهاجرنَ معه
صلى اللّه عليه وسلم.
قال ابن
هشام :
وأما إبراهيمُ فأمه : ماريةُ القبطيةُ. حدثنا عبد اللّه بنُ وهب
عن ابن لَهِيعة،
قال : أمّ إبراهيم : مارية سرية النبي - صلى
اللّه عليه وسلم التي أهداها إليه المقوقس
من حَفْن من كورة أنْصِنَا.
ورقة يتنبأ له - صلى اللّه عليه وسلم بالنبوة :
قال ابن
إسحاق : وكانت خديجة بنت خويلد قد. ذكرت لورقة بنِ نَوْفل بن أسَد
بن عبد العُزَّى - وكان ابنَ عمها، وكان نصرانيّاً قد تتبع الكتبَ ، وعَلِمَ من
عِلْمِ الناس - ما ذكر لها غلامُها ميسرة من قول الراهب ، وما كان يرى منه إذ كان
الملكان يظلانه ، فقال ورقة : لئن كان هذا حقاً يا خديجة، إن محمداً لنبى هذه
الأمة، وقد عرفتُ أنه كائنٌ لهذه الأمة نبي يُنتظر، هذا زمانُه ، أو كما قال.
شعر لورقة : فجعل ورقة
يستبطيء الأمرَ ويقول : حتى متى؟ فقال ورقة في ذلك :
لَجِجْتُ
وكنتُ في الذكرى لَجوجا لِهَمّ طالما
بعثَ النَّشيجَا
ووصفٍ
من خديجةَ بعدَ وصف فقد طال انتظاري يا
خديجَا
ببطنِ
المَكَّتَيْنِ على رجائي حديثك أن أرى
منه خُروجَا
بما خَبَّرْتنا من قول قس من الرُهبان
أكره أن يعوجا
بأن
محمداً سيسود فينا ويخصِمُ من يكونُ له
حجيجا
ويظهرُ
في البلادِ ضياءُ نورٍ يُقيمُ به البريةَ
أن تموجا
فيلْقَى
من يحاربُه خَساراً ويلقى من يسالمه
فُلوجَا
فيا
ليتي إذا ما كان ذَاكمْ شَهِدْتُ فكنتُ
أوَّلَهم وُلوجَا
وُلوجا
في الذي كرهتْ قريشٌ ولو عجَّت بمكتِها
عجيجَا
أرَجِّى
بالذي كرِهوا جميعاً بمن يختار مَنْ
سَمَكَ لبروجَا
وهل
أمرُ السَّفالةِ غيرُ كُفر إلى ذي العرشَ
إن سفلواعُروجَا
فإن
يبقوا وَأبقَ تكنْ أمورٌ يَضُجُّ
الكافرون لها ضَجيجَا
وإن
أهلكْ فكلُّ فتى سَيَلْقَى من الأقدارِ
مَتْلَفةً حَرُوجَا