قال ابن إسحاق : فلما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يصيب أصحابَه من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانه من اللّه ومن عمه أبي طالب ، وأنه لا يقدر أن يمنعَهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم : لو خرجتم إلى أرضِ الحبشة فإن بها مَلَكا لا يُظْلَم عنده أحدٌ ، وهي أرضُ صدقٍ ، حتى يجعلَ اللّه لكم فرجاً مما أنتم ؛ فخرج عند ذلك المسلمون من أصحابِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أرضِ الحبشة، مخافة الفتنة، وفراراً إلى اللّه بدينهم ، فكانت أولَ هجرة كانت فى الِإسلام

أوائل المهاجرين إلى الحبشة

وكان أولَ من خرج من المسلمين من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لُؤَي بن غالب بن فهر: عثمانُ بن عفان بن أبى العاص.بن أمية، معه امرأته رقية بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

ومن بنى عبد شمس بن عبد مناف : أبو حُذَيفة بن عُتبة بن ربيعة ابن عبد شمس ، معه امرأته : سَهْلة بنت سُهَيْل بن عَمرو، أحد بني عامر بن لُؤَي ، وَلَدت له بأرض الحبشة محمدَ بن أبي حُذَيفة. ومن بني أسد بن عبد العُزى بن قصي : الزبير بن العوام بن خُوَيلد بن أسد. ومن بني عبد الدار بن قصى: مُصْعَب بن عُمير بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار. ومن بنى زهرة بن كلاب : عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زُهرة. ومن بنى مخزوم بن يقظة بن مرة: أبو سَلَمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبداللّه بن عُمر بن مخزوم ، ومعه امرأته : أم سَلَمة بنت أبى أمية بن المغيرة بن عبداللّه بن عُمر بن مخزوم. ومن بني جمَح بن عمرو ابن هُصيْص بن كعب : عثمان بن مظعون بن حبيب بن وَهْب بن حُذافة بن جمَح. ومن بنى عدي بن كعب : عامر بن ربيعة، حليف آل الخطاب ، من عَنز بن وائل - معه امرأتُه ليلى بنت أبي حَثْمة ابن حذافة بن غانم بن عامر بن عبداللّه بن عوف بن عبيد بن عُوَيج ابن عدي بن كعب. ومن بني عامر بن لؤي : أبو سَبْرة بن أبى رُهْم بن عبد العُزى بن أبى قيْس بن عبد وُد بن نصر بن مالك ابن حِسْل بن عامر،

ويقال : بل أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ابن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر

ويقال : هو أول من قدمها. ومن بنى الحارث بن فهر: سُهَيْل ابن بيضاء، وهو سُهَيْل ابن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث ، فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة، فيما بلغني.

قال ابن هشام : وكان عليهم عثمانُ بن مظعون ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم.

قال ابن إسحاق : ثم خرج جعفرُ بن أبى طالب رضى اللّه عنه ، وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة، فكانوا بها، منهم من خرج بأهله معه ، ومنهم من خرج بنفسه لا أهلَ له معه.

المهاجرون من بني هاشم

ومن بني هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر: جعفر ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، معه امرأتُه أسماء بنت عُمَيْر بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خَثْعم ، ولدت له بأرض الحبشة: عبدَاللّه بن جعفر، رجل.

المهاجرون من بنى أمية

ومن بنى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف : عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، معه امرأته : رقيةُ ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وعَمرو بن سعيد بن العاص ابن أمية، معه امرأته : فاطمة بنت صفوان بن أمية بن مُحَرِّث بن شِق بن رَتَبة بن مُخْدِج الكنانى، وأخوه خالد بن سعيد بن العاص ابن أمية، معه امرأته أمَيْنة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة ابن سبيع بن جُعْثُمة بن سعد بن مُلَيْح بن عمرو، من خزاعة.

قال ابن هشام : ويقال هُمَيْنة بنت خلف.

قال ابن إسحاق : ولدت له بأرض الحبشة سعيد بن خالد، وأمَةَ بنت خالد، فتزوج أمةَ بعد ذلك الزبيرُ بن العوام ، فولدت له عمرو ابن الزبير، وخالد بن الزبير.

المهاجرون من بنى أسد

ومن حلفائهم ، من بنى أسد بن خُزَيمة: عبداللّه بن جَحْش بن رِئاب بن يَعْمر بن صَبْرة بن مرة بن كبير ابن غَنْم بن دُودان بن أسد؛ وأخوه عُبَيْد اللّه بن جَحْش ، معه امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية. وقيس بن عبداللّه ، رجل من بنى أسد بن خُزَيمة، معه امرأته بركة بنت يسار، مولاة أبى سفيان ابن حرب بن أمية؛ ومعيقيب بن أبي فاطمة. وهؤلاء آل سعيد بن العاص ، سبعة نفر.

قال ابن هشام : مُعَيْقيب من دوس.

المهاجرون من بني عبد شمس

قال ابن إسحاق : ومن بنى عبد شمس بن عيد مناف أبو حُذيفة بن عُتبة بن ربيعة بن عبد شمس؛ وأبو موسى الأشعري ، واسمه عبداللّه بن قيس ، حليف آل عُتبة بن ربيعة، رجلان.

المهاجرون من بني نَوْفل

ومنِ بنى نَوْفل بن عبد مناف : عُتبة ابن غَزْوان بن جابر بن وهب بنِ نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عِكرمة بن خصَفَة، بن قيس بن عَيْلان ، حليف لهم ، رجل.

المهاجرون من بني أسد

ومن بني أسد بن عبد العُزَّى بن قصى : الزبير بن العوام بن خُوَيْلد بن أسد، والأسْوَد بن نَوْفل بن خُوَيلد بن أسد، ويزيد بن زَمْعة بن الأسْوَد بن المطلب بن أسد. وعُمر بن أمية بن الحارث بن أسد، أربعة نفر.

المهاجرون من بني عبد بن قُصي : ومن بنى عبد بن قُصى: طُلَيب بن عُمَيْر بن وهب بن أبى كبير بن عبد بن قصى، رجل.

المهاجرون من بني عبد الدار بن قصى : ومن بنى عبد الدار ابن قُصى : مُصعَب بن عُمَيْر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وسُوَيْبط بن حرملة بن مالك بن عُمَيْلة بن السبَّاق بن عبد الدار، وجَهْم بن قَيْس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، معه امرأته : أم حَرْملة بنت عبد الأسْود بن جُذيمة بن أقْيش ابن عامر بن بَيَاضة بن سُبيع بن جُعْثمة بن سعد بن مُلَيح بن عمرو، من خزاعة؛ وابناه : عَمرو بن جَهْم وخُزيمة بن جَهْم. وأبو الرُّوم بن عُمَير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار؛ وفِراس بن النضْر بن الحارث بن كَلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار، خمسة نفر.

المهاجرون من بني زهرة : ومن بنى زُهرة بن كلاب : عبد الرحمن بن عوف بن عبْد عَوْف بن عبد بن الحارث بن زُهرة وعامر بن أبى وقَّاص وأبو وقَّاص مالك بن أهَيْب بن عبد مناف ابن زُهرة والمطَّلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث ابن زُهْرة، معه امرأته رملة بنت أبى عوف بن ضُبَيْرة بن سعيد بن سعد بن سهم ، وَلدت له بأرض الحبشة : عبدَاللّه بن المطلب.

المهاجرون من بنى هذيل : ومن حلفائهم من هُذَيل : عبداللّه ابن مسعود بن الحارث بن شَمْخ بن مخزوم بن صَاهلة بن كاهل ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هُذَيل : وأخوه : عُتبة بن مسعود.

المهاجرون من بهراء: ومن بهراء: المِقْداد بن عَمرو بن ثعلبة ابن مالك بن ربيعة بن ثُمامة بن مطرود بن عَمرو بن سعد بن زُهَير بن لُؤَي بن ثعلبة بن مالك بن الشَّريد بن أبى أهْوز بن أبى فائش بن دُرَيم بن القَيْن بن أهود بن بهراء بن عَمرو بن الحاف ابن قضاعة.

قال ابن هشام : ويقال هزل بن فاس بن ذَر، ودَهِير بن ثَوْر.

قال ابن إسحاق : وكان يقال له المقداد بن الأسود بن عبد يغوث ابن وهب بن عبد مناف بن زُهرة، وذلك أنه تبناه فى الجاهلية وحالفه ، ستة نفر.

الهاجرون من بنى تيم : ومن بني تَيْم بن مرة : الحارث بن خالد بن صخر بن عَامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم ، معه امرأته : رَيْطة بنت الحارث بن جَبَلَة بن عامر بن كعب بن سعد بن تَيْم ، ولدت له بأرض الحبشة: موسى بن الحارث وعائشة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث وفاطمة بنت الحارث. وعَمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم ، رجلان.

المهاجرون من في مخزوم : ومن بنى مخزوم بن يقظة بن مرة : أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبداللّه بن عُمر بن مخزوم ، ومعه امرأته. أم سَلَمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبداللّه بن عمر ابن مخزوم ، ولدت له بأرض الحبشة : زينبَ بنت أبى سلمة، واسم أبي سلمة عبداللّه ، واسم أم سلمة : هند. وشَمَّاس بن عثمان بن الشَّرِيد ابن سُوَيْد بن هَرْمِى بن مخزوم.

خبر الشماس

قال ابن هشام : واسم شَمَّاس : عثمان ، وإنما سُمى شماسا، لأن شماسا من الشمامسة قَدِم مكة في الجاهلية، وكان جميلا فعجب الناس من جماله ، فقال عتبة بن ربيعة، وكان خال شماس : أنا آتيكم بشماس أحسن منه ، فجاء بابن أخته عثمان بن عثمان ، فسمى شماسا، فيما ذكر ابن شهاب وغيره.

قال ابن إسحاق : وهَبَّار بن سفيان بن عبد الأسَد بن هلال بن عبداللّه بن عُمر بن مخزوم ، وأخوه عبداللّه بن سفيان : وهشام بن أبى حذيفة بن المغيرة بن عبداللّه بن مخزوم ،. وسلمة بن هشام بن المغيرة بن عبداللّه بن عُمر بن مخزوم ؛ وعَيَّاش بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عبداللّه بن عمر بن مخزوم.

المهاجرون من حلفاء بني مخزوم؛ ومن حلفائهم ، مُعَتِّب بن عَوْف بن عامر بن الفضل بن عفيف بن كُلَيب بن حَبشية ابن سلول ابن كعب بن عمرو، من خزاعة، وهو الذي يقال له : عَيْهامة، ثمانية نفر.

قال ابن هشام : ويقال حُبْشية ابن سلول ، وهو الذي يقال له معتِّب ابن حمراء.

المهاجرون من بني جُمح : ومن بني جُمح بن عَمرو بن هُصَيْص ابن كعب : عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جُمَح وابنه السائب بن عثمان : وأخواه قُدامة بن مظعون ، وعبداللّه ابن مظعون؛ وحاطب بن الحارث بن مَعْمَر بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جُمَح ، معه امرأته : فاطمةُ بنت المجلَّل بن عبداللّه بن أبى قيس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر: وابناه : محمد ابن حاطب ، والحارث بن حاطب ، وهما لبنت المجلَّل؛ وأخوه حطاب ابن الحارث ، معه امرأته فُكَيهة بنت يسار؛ وسفيان بن معمر بن حبيب ابن وهب بن حُذافة بن جُمَح ، معه ابناه جابر بن سفيان ، وجُنادة ابن سفيان ، ومعه امرأته حَسنة، وهى أمهما، وأخوهما من أمهما شَرَحْبيل ابن حسنة، أحد الغوث.

قال ابن هشام : شرحبيل بن عبداللّه أحد الغَوث بن مُرّ، أخى تميم بن مر.

قال ابن إسحاق : وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حُذافة ابن جُمَح ، أحد عشر رجلا.

المهاجرون من بني سهم : ومن بنى سَهْم بن عمرو بن هُصَيْص ابن كعب ، خنَيْس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ وعبداللّه بن الحارث بن قَيْس بن عَدِي بن سعد بن سهل ، وهشام ابن العاص بن وائل بن سعد بن سهم.

قال ابن هشام : العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم.

قال ابن إسحاق : وقَيْس بن حُذافة بن قَيْس بن عَدِي بن سعد ابن سهم ، وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وعبداللّه بن حُذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، والحارث ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، ومَعْمَر بن الحارث بن قَيْس ابن عدي بن سعد بن سهم؛ وبِشر بن الحارث بن قَيْس بن عَدِي ابن سعد بن سهم ، وأخ له من أمه من بني تميم ، يقال له : سعيد ابن عمرو، وسعيد بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم؛ والسَّائب بن الحارث بن قَيْس بن عدي بن سعد بن سهم. وعُمَيْر ابن رِئاب بن حُذيفة بن مُهَشم بن سعد بن سهم. ومَحْمِية بن جَزْء، حليف لهم ، من بنى زبيد، أربعة عشر رجلا.

المهاجرون من بني عدي : ومن بنى عدي بن كعب : مَعْمر ابن عبداللّه بن نَضْلَة بن عبد العُزَّى بن حُرْثان بن عَوْف بن عُبَيد ابن عُوَيْج بن عدي وعُروة بن عبد العُزَّى بن حُرْثان بن عوف بن عُبَيد بن عُوَيج بن عَدِيّ ، وعدي بن نَضْلَة بن عبد العُزى بن حُرْثان ابن عَوْف بن عُبَيد بن عُوَيج بن عدي ، وابنه النعمان بن عَدِيِّ ، وعامر ابن ربيعة، حليف لآل الخطاب ، من عنز بن وائل ، معه امرأته ليلى بنت أبي حَثْمَة بن غانم. خمسة نفر.

المهاجرون من بنى عامر: ومن بنى عامر بن لؤي : أبو سَبْرة ابن أبى رُهْم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد وُد بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، معه امرأته : أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو ابن عبد شمس بن عبد وُد بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، وعبداللّه بن مَخْرَمة بن عبد العُزى بن أبي قيس بن عبد وُد بن نصر ابن مالك بن حِسْل بن عامر، وعبداللّه بن سُهَيل بن عَمرو بن عبد شمس بن عبد وُد بن مالك بن حِسْل بن عامر، وسَلِيط بن عَمرو ابن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، وأخوه السكران بن عمرو، معه : امرأته سَوْدَة بنت زَمْعَة بن قَيْس ابن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، ومالك بن زَمْعَة بن قَيْس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، معه : امرأته عمرة بنت السَّعْدي بن وَقْدان ابن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، وحاطب بن عَمرو بن عبد شمسِ بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حِسْل بن عامر، وسعد بن خولة، حليف لهم ، ثمانية نفر.

قال ابن هشام : سعد بن خَولة من اليمن.

المهاجرون من بني الحارث :

قال ابن إسحاق : ومن بنى الحارث ابن فِهْر: أبو عُبَيْدة بن الجراح ، وهو عامر بن عبداللّه بن الجراح بن هلال بن أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث بن فِهر، وسُهَيل ابن بيضاء، وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث ، ولكن أمه غلبت على نسبه ، فهو ينسب إليها، وهى دعد بنت جحدم ابن أمية من ظرب بن الحارث بن فِهْر، وكانت تدعى بيضاء، وعمرو ابن أبي سَرْح بن ربيعة بن هلال بن أهَيب بن ضَبَّة بن الحارث ، وعياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ،

ويقال : بل ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة، وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبيِ شداد بن ربيعة بن مالك بن ضَبة بن الحارث ، وعثمان بن عبد غنْم بن زهير بن أبى شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضَبة بن الحارث ، وسعد بن عبد قيس ابن لَقيط بن عامر بن أميهّ بن ظَرَب بن الحارث ، والحارث بن عبد قَيْس بن لَقيط بن عامر بن أمية بن ظَرَب بن الحارث بن فهر. ثمانية نفر..

عدد مهاجري الحبشة : فكان جميع من لحق بأرض الحبشة، وهاجر إليها من المسلمين ، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغاراً وولدوا بها، ثلاثة وثمانين رجلا، إن كان عمار بن ياسر فيهم ، وهو يُشَك فيه.

شعر عبداللّه بن الحارث في هجرة الحبشة : وكان مما قيل من الشعر فى الحبشة أن عبداللّه بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، حين أمنوا بأرض الحبشة، وحمدوا جوار النجاشي وعبدوا اللّه لا يخافون على ذلك أحداً، وقد أحسن النجاشىُّ جوارَهم حين نزلوا به

قال :

يا راكباً بَلِّغَنْ عني مُغَلْغَلةـً  من كان يرجو بلاغَ اللّه والدينِ
كلًّ امرئٍ من عبادِ اللّه مضطهد      ببطن مكةَ مقهورٍ ومفتونِ
أنا وجدنا بلادَ اللّه واسعـةً    تُنجي من الذلِّ والمَخْزاةِ والهونِ
فلا تقيموا على ذلِّ الحياةِ وخِز   يٍ في  المماتِ وعيبٍ غيرِ مأمونِ
إنا تبعنا رسولَ اللّه واطَّرحوا   قولَ  النبيِّ وعالوا في الموازينِ
فاجعل عذابَك في القومِ الذين بَغَوْا  وعائذاً بك أن يغلوا فيطغونى

وقال عبداللّه بن الحارث أيضاً، يذكر نفى قريش إياهم من بلادهم ، ويعاتب بعض قومه فى ذلك :

أبتْ كَبِدي ، لا أكْذِبَنْكَ ، قتالَهم   عليَّ وتأباه علىَّ أناملى
وكيف قتالي معَشراً أدَّبوكمُ  على الحق أن لا تأشِبوه بباطلِ
نفتهمْ عبادُ الجنِّ من حُرِّ أرضِهم   فأضْحَوْا على أمر شديدِ البلابلِ
فإن تكُ كانت فى عَدِي أمانةٌ   عديّ بن سعد عن تُقًى
أو تواصلِ
فقد كنت أرجو أن ذلك فيكمُ   بحمدِ الذي لا يُطَّبِي بالجعائل.
وبُدِّلت شِبلاً شبْلَ كل خبيئةٍ   بذي فَجَر مأوَى الضِّعافِ الأراملِ

وقال عبداللّه بن الحارث أيضاً:

وتلك قريشٌ تجحَدُ اللّه حقَّه كما   جحدت عاد ومدينُ والحِجْرُ
فإن أنا لم أبرِقْ فلا يَسَعَنَّنــى   من الأرضِ برٌّ ذو فضاءٍ ولا بحرُ
بأرضٍ بها عَبد الِإلهَ محمـــدٌ   أبيِّنُ ما فى النفسِ إذ بلغ النَّقْرُ

فسمي عبداللّه بن الحارث - يرحمه اللّه - لبيته الذي

قال :

" المُبْرِ ق ".

وقال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حُذافة ابن جُمَح ، وهو ابن عمه وكان يؤذيه في إسلامه ، وكان أمية شريفا فى قومه في زمان ذلك :

أتَيْمَ بنَ عمرو للذي جاء بغضُه   ومن دونه الشَّرمان والبرك اكتع
أأخرجتنى من بطنِ مكةَ آمنـاً   وأسكنتنى في صرحِ بيضاء ِتقذع
تَريشُ نبالاً لا يواتيك ريشُهـا   وتَبْري نبالاً ريشُها لكَ أجمعُ
وحاربتَ أقواما كراماً أعــزَّةً   أهلكتَ أقواماً بهم كنتَ تَفْزعُ
ستعلم إن نابتْك يوماً مُلِمــَّةٌ   وأسلمك الأوباشُ ما كنتَ تصنعُ

وتَيْم بن عمرو، الذي يدعو عثمان ، جمحُ ، كان اسمه تَيْما.

إرسال قريش إلى الحبشة في طلب المهاجرين إليها

من أرسلتهما قريش في طلب المهاجرين

قال ابن إسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها داراً ومَراراً، ائتمروا بينَهم أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جَلْدَين إلى النجاشي ، فيردهم عليهم ، ليفتنوهم في دينهم ، ويخرجوهم من دارِهم ، التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها؛ فبعثوا عبدَاللّه بن أبى ربيعة، وعَمرو بن العاص بن وائل ، وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته ، ثم بعثوهما إليه فيهم.

شعر أبي طالب للنجاشي : فقال أبو طالب ، حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوهما فيه ، أبياتا للنجاشى يحضه على حسنِ جوارِهم والدفع عنهم :

ليتَ شِعْري كيفَ فى النأيِ جعفرٌ وعمرو وأعداءُ العدو الأقاربُ
وهل نالت افعالُ النجاشىِّ جفـراً وأصحابَه
أو عاق ذلك شاغبُ
تعلَّم أبيتَ اللعنَ ، أنك ماجـدٌ   كريم فلا يَشْقَى لديك المُجانِبُ
تعلَّمِ بأن اللّه زادك بَسْطــةً   واسبابَ خير كلُّها بك لاَزِبُ
وأنك فيْض ذو سِجالٍ غزيرةٍ   ينال الأعادي نفعَها والأقاربُ

من أرسلتهما قريش في طلب المهاجرين

قال ابن إسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها داراً ومَراراً، ائتمروا بينَهم أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جَلْدَين إلى النجاشي ، فيردهم عليهم ، ليفتنوهم في دينهم ، ويخرجوهم من دارِهم ، التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها؛ فبعثوا عبدَاللّه بن أبى ربيعة، وعَمرو بن العاص بن وائل ، وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته ، ثم بعثوهما إليه فيهم.

شعر أبي طالب للنجاشي : فقال أبو طالب ، حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوهما فيه ، أبياتا للنجاشى يحضه على حسنِ جوارِهم والدفع عنهم :

ليتَ شِعْري كيفَ فى النأيِ جعفرٌ وعمرو وأعداءُ العدو الأقاربُ
وهل نالت افعالُ النجاشىِّ جفـراً وأصحابَه
أو عاق ذلك شاغبُ
تعلَّم أبيتَ اللعنَ ، أنك ماجـدٌ   كريم فلا يَشْقَى لديك المُجانِبُ
تعلَّمِ بأن اللّه زادك بَسْطــةً   واسبابَ خير كلُّها بك لاَزِبُ
وأنك فيْض ذو سِجالٍ غزيرةٍ   ينال الأعادي نفعَها والأقاربُ

حديث أم سلمة عن الرسولين اللذين أرسلتهما قريش للنجاشي

قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم الزهريّ عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

قالت : لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خيرَ جار: النجاشىَّ، أمِنَّا على ديننا، وعبدنا اللّه تعالى لا نُؤْذَي ولا نسمعُ شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا، ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جَلْدَينِ؛ وأن يهدوا للنجاشى هدايا مما يستظرِف من متاعِ مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدَم ، فجمعواله أدَماً كثيراً، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبداللّه بن أبى ربيعة، وعمرو ابن العاص ، وأمروهما بأمرهم ، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم ، ثم قدما إلى النجاشي هداياه ، ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم.

قالت : فخرجا حتى قدما على النجاشي ، ونحن عندَه بخير دار، عند خيرِ جارٍ ، فلم يبقَ من بطارقته بطريقٌ إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشى، وقالا لكل بطريق منهم : إنه قد ضوَى إلى بلد الملك منا غلمان سُفهاء، فارقوا دينَ قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدَع ، لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك ، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم ، فإن قومهم أعلَى بهم عيناً ، وأعلم بما عابوا عليهم؛ فقالوا لهما: نعم.

ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلماه فقالا

له : أيها الملك ، إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دينَ قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه ، لا نعرفه نحنُ ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم لتردَّهم إليهم ، فهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه.

قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبداللّه بن أبى ربيعة وعمرو ابن العاص من أن يسمع كلامَهم النجاشىُّ.

قالت : فقالت بطارقته حوله : صَدَقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمْهم إليهما. فليردَّاهم إلى بلادهم وقومهم.

قالت : فغضب النجاشي ،

ثم قال : لاهَا اللّه ، إذن لا أسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومِهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارَهم ما جاوروني.

الحوار الذي دار بين المهاجرين والنجاشي

قالت : ثم أرسل إلى أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، قال بعضُهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه؛

قالوا: نقول واللّه ما علمنا، وما أمرنا به نبينا صلى اللّه عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن.

فلما جاءوا، وقد دعا النجاشي أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله سألهم

فقال لهم : ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا في ديني ، ولا في دين أحد من هذه المِلل ؟

قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبى طالب ،

فقال له : أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام ، ونأكلُ الميتةَ، ونأتي الفواحشَ، ونقطع الأرحام. ونسيء الجوار ويأكل القويُّ منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث اللّه إلينا رسولاً منا، نعرف نسبَه وصدقَه

وأمانته وعفافَه ، فدعانا إلى اللّه لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارةِ والأوثانِ وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلةِ الرَّحمِ وحسنِ الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد اللّه وحده ، لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام

قالت : فعدد عليه أمور الِإسلام فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من اللّه ، فعبدنا اللّه وحدَه ، فلم نشرك به شيئاً، وحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومُنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة اللّه تعالى، وأن نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ؛ ورغبنا في جوارِك ، ورجونا أن لا نُظلَم عندك أيها الملك.

قالت : فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن اللّه من شىء؟

قالت : فقال له جعفر: نعم ؛ فقال له النجاشي: فاقرأه على؛

قالت :

فقرأ عليه صدراً من : "كهيعص "

قالت : فبكى واللّه النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفَهم ، حين سمعوا ما تلا عليهم.

ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مِشكاةٍ واحدة، انطلِقَا، فلا واللّه لا أسلمهم إليكما، ولا يُكَادون.

رأي المهاجرين في عيسى أمام النجاشيٍ :

قالت : فلما خرجا من عنده ، قال عمرو بن العاص : واللّه لآتينه غدا عنهم بما استأصل به خَضرَاءَهم.

قالت : فقال له عبداللّه بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا : لا تفعل فإن لهم أرحاماً، وإن كانوا قد خالفونا؛

قال : واللّه لأخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عَبْدٌ.

قالت : ثم غدا عليه من الغد

فقال : أيها الملك ، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً، فأرسِلْ إليهم فسلْهم عما يقولون فيه.

قالت : فأرسل إليهم ليسألهم عنه.

قالت : ولم ينزل بنا مثلها قطُّ. فاجتمع القوم ،

ثم قال بعضهم لبعض : ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه ؟

قالوا: نقول واللّه ما قال اللّه ، وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن.

قالت : فلما دخلوا عليه ، قال لهم : ماذا تقولون في عيسى ابن مريم ؟

قالت : فقال جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاءنا به نبيُّنا صلى اللّه عليه وسلم : هو عبد اللّه ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول

قالت : فضرب النجاشى بيده إلى الأرض فأخذ منها عُوداً،

ثم قال : واللّه ما عدا عيسى ابن مريم ما قلتَ هذا العودَ.

قالت : فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال؛

فقال : وإن نخرتم واللّه ، اذهبوا فأنتم شيوم بأرضى والشيوم : الآمنون من سبَّكم غَرِم ،

ثم قال : من سبكم غَرِم ،

ثم قال : من سبكم غَرِم. ما أحبُّ أن لي دَبراً من ذهب ، وأنى آذيت رجلاً منكم.

قال ابن هشام : ويقال دبري من ذهب ،

ويقال : فأنتم سيوم. والدبر بلسان الحبشة : الجبل - ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، فواللّه ما أخذ اللّه من الرِّشْوَة حين ردَّ علىَّ ملكَي ، فآخذ الرِّشوة فيه ، وما أطاع الناس فىَّ فأطيعهم فيه.

قالت : فخرجا من عنده مَقْبوحَيْن مردوداً عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار، مع خير جار.

المهاجرون يفرحون بانتصار النجاشي :

قالت : فواللّه إنا لعلى ذلك ، إذا نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه.

قالت : فواللّه ما علمتُنا حَزِنَّا حزناً قطًّ كان أشدَّ علينا من حزن حزناه عند ذلك ، تخوّفاً أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي ، فيأتى رجل لا يعرف من حقِّنا ما كان النجاشيُّ يعرف منه.

قالت : وسار إليه النجاشىُّ، وبينهما عَرضُ النيل ،

قالت : فقال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله وسلم : مَنْ رجل يخرج حتى يحضرَ وقيعةَ القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت. فقال الزبير بن العوام. أنا.

قالوا: فأنت. وكان من أحدث القوم سِنّاً.

قالت : فنفخوا له قربةً فجعلها في صدره ، ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقَى القوم ، ثم انطلق حتى حضرهم.

قالت : فدعونا اللّه تعالى للنجاشىِّ بالظهور على عدوِّه ، والتمكين له في بلاده.

قالت : فواللّه إنا لعلَى ذلك متوقعون لما هو كائن ، إذ طلع الزبيرُ وهو يسعَى، فلمع بثوبه وهو يقول : ألا أبشروا، فقد ظفر النجاشىُّ، وأهلك اللّه عدوَّه ، ومكَّن له في بلاده.

قالت : فواللّه ما علمتنا فَرِحنا فرحةً قط مثلَها

قالت : ورجع النجاشيُّ ، وقد أهلك اللّه عدوَّه ، ومكن له في بلاده ، واستوثق عليه أمرُ الحبشة فكنا عنده في خير مَنْزِل ، حتى قَدِمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بمكة.

قصة تملك النجاشي على الحبشة

قتل أبي النجاشي وتملك عمه :

قال ابن إسحاق : قال الزهري. فحدثت عروة بن الزبير حديث أبى بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

فقال : هل تدري ما قوله : ما أخذ اللّه مني الرِّشْوَة حين رد علىَّ ملكي ، فاخذ الرِّشوة فيه ، وما أطاع الناس فيَّ فأطيع الناس فيه ؟

قال : قلت : لا،

قال : فإن عائشة أمّ المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه ، ولم يكن له ولد إلا النجاشي ، وكان للنجاشى عم ، له من صلبه اثنا عشر رجلا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة، فقالت الحبشةُ بينها: لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام ، وإن لأخيه من صلبه اثني عشر رجلا، فتوارثوا ملكَه من بعده ، بقيت الحبشةُ بعدَه دهراً، فَغَدَوْا على أبي النجاشي فقتلوه ، وملَّكوا أخاه ، فمكثوا على ذلك حينا.

الحبشة تبيع النجاشي : ونشأ النجاشى مع عمه ، وكان لبيبا حازما من الرجال ، فغلب على أمر عمه ، ونزل منه بكل منزِلة، فلما رأت الحبشةُ مكانَه منه قالت بينها: واللّه لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه ، وإنا لنتخوف أن يملِّكه علينا، وإن ملَّكه علينا ليقتلنا أجمعين ، لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه. فمشَوْا إلى عمه

فقالوا: إما أن تقتل هذا الفتى،

وإما أن تخرجه من بين أظهرنا، فإنا قد خِفناه على أنفسنا؛

قال : ويلكم ! قتلت أباه بالأمس ، وأقتله اليوم ! بل أخرجه من بلادكم.

قالت : فخرجوا به إلى السوق ، فباعوه من رجل من التجار بست مئة درهم؛ فقذفه في سفينة فانطلق به ، حتى إذا كان العشىّ من ذلك اليوم ، هاجت سحابةٌ من سحائبِ الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها، فأصابته صاعقة فقتلته.

قالت : ففزعت الحبشة إلى ولده ، فإذا هو مُحمَّق ، ليس فى ولده خير، فمرج على الحبشة أمرُهم.

تولية النجاشي الملك : فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك ، قال بعضهم لبعض : تَعلَّموا واللّه أن مَلِكَكم الذي لا يقيم أمرَكم غيرُه للذي بعتم غَدوةً، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه الآن

قالت : فخرجوا في طلبه ، وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه ، فأخذوه منه؛ ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج ، وأقعدوه على سرير الملك ، فملَّكوه.

حديث التاجر الذي اشتراه : فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه ،

فقال : إما أن تعطوني مالي ،

وإما أن أكلمه فى ذلك ؟

قالوا: لا نعطيك شيئا،

قال : إذن واللّه أكلمه؛

قالوا: فدونَك وإياه.

قالت : فجاءه فجلس بين يديه ،

فقال : أيها الملك ، ابتعتُ غلاما من قوم بالسوق بست مئة درهم ، فأسلموا إليَّ غلامى وأخذوا دراهمى، حتى إذا سرت بغلامى أدركونى، فأخذوا غلامي ، ومنعونى دراهمى.

قالت : فقال لهم النجاشي : لتُعْطُنَّه دراهمه ، أو ليضعن غلامُه يدَه في يده ، فليذهبن به حيث شاء؛

قالوا: بل نعطيه دراهمه

قالت : فلذلك يقول : ما أخذ اللّه منى رِشوة حين ردَّ علىّ ملكي ، فاخذ الرِّشوةَ فيه ، وما أطاع الناس فيَّ فأطيع الناس فيه.

قالت : وكان ذلك أول ما خُبر من صلابته في دينه ، وعدله في حكمه.

قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير، عن عائشة،

قالت : لما مات النجاشى، كان يتحدث أنه لا يزال يُرَى على قبره نور.

إسلام النجاشي والصلاة عليه وخروج الحبشة عليه

قال ابن إسحاق : وحدثني جعفر بن محمد، عن أبيه ،

قال : اجتمعت الحبشةُ فقالوا للنجاشى : إنك قد فارقت دينَنا، وخرجوا عليه. فأرسل إلى جعفر وأصحابه ، فهيأ لهم سُفناً،

وقال : اركبوا فيها وكونوا كما أنتم ، فإذا هُزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم ، وإن ظفرت فاثبتوا ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه : هو يشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأن محمداً عبده ورسوله ، ويشهد أن عيسى ابن مريم عبدُه ورسولُه وروحُه ، وكلمته ألقاها إلى مريم؛ ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن ، وخرج إلى الحبشة، وصفّوا له؛

فقال : يا معشر الحبشة، ألست أحقَّ الناس بكم ؟ قالوا. بلى؛

قال : فكيف رأيتم سيرتي فيكم ؟ قالوا. خير سيرة؛

قال : فما لكم ؟

قالوا: فارقت دينَنا، وزعمت أن عيسى عبدٌ ؛

قال : فما تقولون أنتم في عيسى؟

قالوا: نقول هو ابن اللّه ؛ فقال النجاشي، ووضع يده على صدره على قبائه : هو يشهد أن عيسى ابن مريم ، لم يزد على هذا شيئاً، وإنما يعني ما كتب ، فرضوا وانصرفوا. فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم ؛ فلما مات النجاشي صلى اللّه عليه وسلم عليه ، واستغفر له.