اعلم أن الأسماء جمع اسم، وهو كلمة وضعتها العرب بإزاء مسمى، متى أطلقت فهم منها ذلك المسمى، فعلى هذا لابد من مراعاة أربعة أشياء:

الاسم والمسمى- بفتح الميم- المسمى- بكسرها- والتسمية. فالاسم: هو اللفظ الموضوع على الذات لتعريفها أو تخصيصها عن غيرها كلفظ: زيد.

والمسمّى: هو الذات المقصود تمييزها بالاسم، كشخص زيد. والمسمّى: هو الواضع لذلك اللفظ. والتسمية: هى اختصاص ذلك اللفظ بتلك الذات.

والوضع: تخصيص لفظ بمعنى إذا أطلق أو أحسّ فهم ذلك المعنى.

واختلفوا، هل الاسم عين المسمى أو غيره؟ وهى مسألة طويلة تكلم الناس فيها قديما وحديثا. فذهب قوم إلى أن الاسم عين المسمى. واستدلوا عليه بقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) والتسبيح إنما هو للرب جل وعلا، فدل على أن اسمه هو هو.

وأجيب، بأنه أشرب معنى سبح (اذكر) فكأنه

قال: اذكر اسم ربك الأعلى، كقوله تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٢) وقد أشرب معنى اذكر (سبح) ، عكس الأول.

قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ (٣) أى سبح ربك.

والإشراب جار فى لغتهم، يشربون معنى فعل فعلا.

واستشكل على معنى كونه هو المسمى إضافته إليه، فإنه يلزم منه إضافة الشىء إلى نفسه. و

أجيب: بأن الاسم هنا بمعنى التسمية، والتسمية غير الاسم، لأن التسمية هى اللفظ بالاسم، والاسم هو اللازم للمسمى فتغايرا.

__________

(١) سورة الأعلى: ١.

(٢) سورة الإنسان: ٢٥.

(٣) سورة آل عمران: ٤١.

واحتج من قال بأن الاسم عين المسمى أيضا بقوله تعالى: بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى (١) ثم

قال: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (٢) فنادى الاسم فدل على أنه المسمى.

وجوابه: أن المعنى: يا أيها الغلام الذى اسمه يحيى، ولو كان الاسم عين المسمى لكان من

قال: النار، احترق لسانه، ومن

قال: العسل، ذاق حلاوته.

وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وقد سمى اللّه تعالى نبينا صلى اللّه عليه وسلم- بأسماء كثيرة فى القرآن العظيم وغيره من الكتب السماوية، وعلى ألسنة أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام-.

ثم إن أشهر أسمائه- صلى اللّه عليه وسلم-: محمد، وبه سماه جده عبد المطلب وذلك أنه لما قيل له: ما سميت ولدك؟ ف

قال: محمدا، فقيل له: كيف سميته باسم ليس لأحد من آبائك وقومك؟

فقال: لأنى أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم. وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب- كما ذكر حديثها على القيروانى العابر فى كتابه (البستان) -

قال: كان عبد المطلب قد رأى فى المنام كأن سلسلة من فضة قد خرجت من ظهره، لها طرف فى السماء، وطرف فى الأرض، وطرف فى المشرق وطرف فى المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها.

فقصها، فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق وأهل المغرب، ويحمده أهل السماء وأهل الأرض، فلذلك سماه محمدا، مع ما حدثته به أمه آمنة حين قال لها: إنك حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وضعتيه فسميه محمدا.

وعن ابن عباس- رضى اللّه عنهما-: لما ولد النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عق عنه عبد المطلب وسماه محمدا فقيل له: يا أبا الحارث، ما حملك على أن سميته محمدا،

__________

(١) سورة مريم: ٧.

(٢) سورة مريم: ١٢.

ولم تسمه باسم آبائه؟

قال: أردت أن يحمده اللّه فى السماء، ويحمده الناس فى الأرض.

وعن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه

قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-:

(إن لى أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد وأنا الماحى الذى يمحو اللّه بى الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى، وأنا العاقب) (١) رواه الشيخان.

وقد روى: (على قدمى) بتخفيف الياء وبالإفراد، وبالتشديد على التثنية. قال النووى فى شرح مسلم: معنى الروايتين: يحشرون على أثرى وزمانى ورسالتى.

وفى رواية نافع بن جبير عند البخارى فى تاريخه الصغير والأوسط، والحاكم فى مستدركه وصححه، وأبى نعيم فى الدلائل وابن سعد: أنه دخل على عبد الملك بن مروان، ف

قال: أتحصى أسماء رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- التى كان جبير بن مطعم يعدها؟

قال: نعم، هى ستة، فذكر الخمسة التى ذكرها محمد ابن جبير، وزاد: الخاتم (٢) .

وفى حديث حذيفة (أحمد، ومحمد، والحاشر، والمقفى، ونبى الرحمة) (٣) .

ولفظ رواية أبى نعيم (هى ستة: محمد، وأحمد، وخاتم، وحاشر، وعاقب، وماح، فأما الحاشر، فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدى عذاب شديد، وأما العاقب: فإنه أعقب الأنبياء، وأما ماح: فإن اللّه عز وجل محا به سيئات من اتبعه) .

وذكر بعضهم: أن العدد ليس من قول النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وإنما ذكره الراوى بالمعنى.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٢٥٣٢) فى المناقب، باب: ما جاء فى أسماء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم-، ومسلم (٢٣٥٤) فى الفضائل، باب: فى أسمائه- صلى اللّه عليه وسلم-.

(٢) أخرجه أحمد فى (مسنده) (٤/ ٨١ و ٨٣) ، والحاكم فى (مستدركه) (٢/ ٦٦٠) ، والطبرانى فى (الكبير) (٢/ ١٢٠) .

(٣) أخرجه أحمد فى (مسنده) (٥/ ٤٠٥) .

وفيه نظر: لتصريحه فى الحديث: (إن لى خمسة أسماء) (١) . والذى يظهر أنه أراد إن لى خمسة أسماء أختص بها لم يتسم بها أحد قبلى، أو مشهورة فى الأمم الماضية لا أنه أراد الحصر فيها، وبهذا يجاب عن الاستشكال الوارد، وهو أن المقرر فى علم المعانى أن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، ولكن ورود الروايات بما هو أكثر يدل على أنه ليس حصرا مطلقا، فالطريق فى ذلك أن يحمل على حصر مقيد كما ذكر واللّه أعلم.

وروى النقاش (٢) عنه- عليه الصلاة والسلام-: لى فى القرآن سبعة أسماء: محمد، وأحمد، ويّس، وطّه، والمزمل، والمدثر، وعبد اللّه (٣) .

وقد جاءت من ألقابه- صلى اللّه عليه وسلم- وسماته فى القرآن عدة كثيرة، و [قد] تعرض جماعة لتعدادها وبلغوا بها عددا مخصوصا. فمنهم من بلغ تسعة وتسعين، موافقة لعدد أسماء اللّه الحسنى الواردة فى الحديث.

قال القاضى عياض: وقد خصه اللّه تعالى بأن سماه من أسمائه الحسنى بنحو من ثلاثين اسما.

وقال ابن دحية (٤) فى كتابه (المستوفى) : إذا فحص عن جملتها من الكتب المتقدمة والقرآن والحديث وفّى الثلاثمائة، انتهى.

__________

(١) هو لفظ حديث البخارى (٣٥٣٢) المتقدم قبل حديثين.

(٢) هو: شيخ القراء، أبو بكر، محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلى ثم البغدادى النقاش، كان واسع الرحلة، له مصنفات، إلا أنه يكذب فى الحديث، والغالب عليه القصص، ولذا قال عنه الخطيب، فى حديثه مناكير بأسانيد مشهورة، مات سنة (٣٥١ هـ) .

(٣) قلت: النقاش ..... فى الحديث، وعلى ذلك فلا حجة فى قوله، وبخاصة أنه انفرد ببعض الأسماء كيس وطه والمزمل والمدثر، وإن كان الأخيران صفتين له.

(٤) هو: أبو الخطاب، عمر بن الحسن بن على بن محمد، ابن دحية الكلبى، أديب مؤرخ حافظ للحديث من أهل بلنسية بالأندلس، إلا أنه رحل إلى مراكش والشام والعراق وخراسان واستقر بمصر، إلا أنه كان كثير الوقيعة فى العلماء والأئمة فأعرض عنه معاصروه من كلامه، كما كذبوه فى انتسابه إلى دحية، وقالوا: إن دحية الكلبى لم يعقب، توفى بالقاهرة سنة (٦٣٣ هـ) .

ورأيت فى كتاب (أحكام القرآن) للقاضى أبى بكر بن العربى: قال بعض الصوفية: للّه تعالى ألف اسم وللنبى- صلى اللّه عليه وسلم- ألف اسم (١) ، انتهى.

والمراد الأوصاف: فكل الأسماء التى وردت أوصاف مدح، وإذا كان كذلك، فله- صلى اللّه عليه وسلم- من كل وصف اسم، ثم إن منها ما هو مختص به أو الغالب عليه، ومنها ما هو مشترك، وكل ذلك بيّن بين بالمشاهدة لا يخفى، وإذا جعلنا له من كل وصف من أوصافه اسما بلغت أوصافه ما ذكر، بل أكثر، والذى رأيته فى كلام شيخنا فى (القول البديع) ، والقاضى عياض فى (الشفا) وابن العربى فى (القبس) ، والأحكام له، وابن سيد الناس، وغيرهم يزيد على الأربعمائة، وقد سردتها مرتبة على حروف المعجم، وهى:

الأبر باللّه، الأبطحى، أتقى الناس، الأجود، أجود الناس، الأحد، الأحسن وأحسن الناس، أحمد، أحيد- بضم أوله وكسر المهملة ثم ياء تحتانية-. الآخذ بالحجزات، آخذ الصدقات، الآخر، الأخشى للّه، أذن خير، أرجح الناس عقلا، أرحم الناس بالعباد، الأزهر: وهو النير المشرق الوجه، أشجع الناس، الأصدق فى اللّه، أطيب الناس ريحا، الأعز الأعلى، الأعلم باللّه، أكثر الناس تبعا، الأكرم، أكرم الناس، أكرم ولد آدم، المص، إمام الخير، إمام الرسل، إمام المتقين، إمام النبيين، الإمام، الآمر والناهى، الآمن أمنة أصحابه، الأمين، الأمى، أنعم اللّه، الأول، أول شافع، أول المسلمين، أول المؤمنين، أول من تنشق عنه الأرض.

البر، البارقليط، الباطن، البرهان، بشر، بشرى عيسى، البشير، البصير، البليغ، بالغ البيان، البينة.

التالى، التذكرة، التقى، التنزيل، التهامى.

ثانى اثنين.

الجبار، الجد، الجواد، جامع.

__________

(١) قلت: ولا أعلم مستندا للقائلين بذلك، ولو كان فى ذلك مزية لأخبرنا بها خير الناس.

حاتم، حزب اللّه، الحاشر، الحافظ، الحاكم بما أراه اللّه، الحامد، حامل لواء الحمد، الحائد لأمته عن النار، الحبيب، حبيب الرحمن، حبيب اللّه، الحجازى، الحجة البالغة، حجة اللّه على الخلائق، حرز الأميين، الحرمى، الحريص على الإيمان، الحسيب الحفيظ، الحق، الحكيم، الحليم، حماد، حمطايا أو قال حمياطا، حمعسق، حفى، الحمد، الحنيف، الحى.

الخبير، خاتم النبيين خاتم المرسلين، الخاتم، الخازن لمال اللّه، الخاشع، الخاضع، الخالص، خطيب الأنبياء، خطيب الأمم، خطيب الوافدين على اللّه، الخليل، خليل الرحمن، خليل اللّه، الخليفة، خير الأنبياء، خير البرية، خير خلق اللّه، خير العالمين طرّا، خير الناس، خير هذه الأمة، خيرة اللّه.

دار الحكمة، الداعى إلى اللّه، دعوة إبراهيم، دعوة النبيين، دليل الخيرات.

الذاكر، الذكر، ذكر اللّه، ذو الحوض المورود، ذو الخلق العظيم، ذو الصراط المستقيم، ذو القوة، ذو مكانة، ذو عزة، ذو فضل، ذو المعجزات، ذو المقام المحمود، ذو الوسيلة.

الراضع، الراضى، الراغب، الرافع، راكب البراق، راكب البعير، راكب الجمل، راكب الناقة، راكب النجيب، الرحمة، رحمة الأمة، رحمة العالمين، رحمة مهداة، الرحيم، الرسول، رسول الراحة، رسول الرحمة، رسول اللّه، رسول الملاحم، الرشيد.

الرفيع الذكر، رافع الرتب، رفيع الدرجات، الرقيب، روح الحق، روح القدس، الرؤف، ركن المتواضعين.

الزاهد، زعيم الأنبياء، الزكى، الزمزمى، زين من وافى القيامة.

السابق، السابق بالخيرات، سابق العرب، الساجد، سبيل اللّه، السراج المنير، السراط المستقيم، السعيد، سعد اللّه، سعد الخلائق، السميع، السلام، السيد، سيد ولد آدم، سيد المرسلين، سيد الناس، سيد الكونين، سيد الثقلين، سيف اللّه المسلول.

الشارع، الشافع، الشاكر، الشاهد، الشكور، الشكار، الشمس، الشهيد.

الصابر، الصاحب، صاحب الآيات، صاحب المعجزات، صاحب البراهين، صاحب البيان، صاحب التاج، صاحب الجهاد، صاحب الحجة، صاحب الحطيم، صاحب الحوض المورود، صاحب الخاتم، صاحب الخير، صاحب الدرجة العالية الرفيعة، صاحب الرداء، صاحب الأزواج الطاهرات، صاحب السجود للرب المحمود، صاحب السرايا، صاحب السلطان، صاحب السيف، صاحب الشرع، صاحب الشفاعة الكبرى، صاحب العطايا، صاحب العلامات الباهرات، صاحب العلو والدرجات، صاحب الفضيلة، صاحب الفرج، صاحب القضيب، صاحب القضيب الأصغر، صاحب قول لا إله إلا اللّه، صاحب القدم، صاحب الكوثر، صاحب اللواء، صاحب المحشر، صاحب المدينة، صاحب المغفر، صاحب المغنم، صاحب المعراج، صاحب المظهر المشهود، صاحب المقام المحمود، صاحب المنبر، صاحب المئزر، صاحب النعلين، صاحب الهراوة، صاحب الوسيلة، الصادع بما أمر، الصادق، الصبور، الصدق، صراط اللّه، صراط الذين أنعمت عليهم، الصراط المستقيم، الصفوح، الصفوح عن الزلات، الصفوة، الصفى، الصالح.

الضارب بالحسام المثلوم، الضحاك، الضحوك.

طاب طاب، الطاهر، الطبيب، طسم، طس، طه، الطيب.

الظاهر، الظفور، من الظفر وهو الفوز.

العابد، العادل، العظيم، العافى، العاقب، العالم، علم الإيمان، علم اليقين، العالم بالحق، العامل، عبد اللّه، العبد، العدل، العربى، العروة الوثقى، العزيز، العفو، العطوف، العليم، العلى، العلامة، عين العز، عبد الكريم، عبد الجبار، عبد الحميد، عبد المجيد، عبد الوهاب،

عبد القهار، عبد الرحيم، عبد الخالق، عبد القادر، عبد المهيمن، عبد القدوس، عبد الغياث، عبد الرزاق، عبد السلام، عبد المؤمن، عبد الغفار.

الغالب، الغفور، الغنى، الغنى باللّه، الغوث، الغيث، الغياث.

الفاتح، الفارقليط- وقيل بالباء، وتقدم-، الفارق، فاروق، الفتاح.

الفجر، الفرط، الفصيح، فضل اللّه، فواتح النور.

القاسم، القاضى، القانت، قائد الخير، قائد الغر المحجلين، القائل، القائم، القتال، القتول، قثم، القثوم، قدم صدق، القرشى، القريب، القمر، القيم، ومعناه: الجامع الكامل، وصوابه بالمثلاثة بدل الياء، القوى.

كافة الناس، الكفيل، الكامل فى جميع أموره، الكريم، كهيعص.

اللسان.

الماجد، ماذماذ، المؤمل، الماحى، المأمون، المانع، الماء العين، المبارك، المبتهل، المبرأ، المبشر، مبشر اليائسين، المبعوث بالحق، المبعوث، المبلغ، المبيح، المبين، المتين، المتبتل، المتبسم، المتربص، المتضرع، المتقى، المتلو عليه، المتهجد، المتوسط، المتوكل، المتثبت، مجاب، مجيب، المجتبى، المجبر، المحرض، المحرم، المحفوظ، المحلل، محمد، المحمود، المخبر، المختار، المخصوص بالشرف، المخصوص بالعز، المخصوص بالمجد، المخلص، المدثر، المدنى، مدينة العلم، المذكر، المذكور، المرتضى، المرتل، المرسل، المرتجى، المرحوم، المرتفع الدرجات، المرء- وهو الرجل الكامل المروءة-، المزكى، المزمل، المسبح، المستغفر، المستغنى، المستقيم، المسرى به، المسعود، المسلّم، المسلّم المشاور، المشفع، المشفوع، المشفع، المشهود، المشير، المصباح، المصارع، المصافح، مصحح الحسنات، المصدوق، المصطفى، المصلح، المصلى عليه، المطاع، المطهر، المظهر، المطلع، المطيع، المظفر، المعزز، المعصوم، المعقب، المعلّم، معلم أمته، المعلّم، المعلن، المعلى، المفضال، المفضل، المفتاح، مفتاح الجنة، المقتصد، المقتفى: يعنى قفا النبيين، المقدّس، المقرى، المقسط، المقسم، المقصوص عليه، المقفى، وقيل بزيادة تاء

بعد القاف كما تقدم، مقيل العثرات، مقيم السنة بعد الفترة، المكرم، المكتفى، المكين، المكى، الملاحمى، ملقى القرآن، الممنوح، المنادى، المنتظر، المنجى، المنذر، المنزل عليه، المنحمنا، المصنف، المنصور، المنيب، المنير، المهاجر، المهتدى، المهدى، المهداة، المهيمن، المؤتى جوامع الكلم، الموحى إليه، الموصل، الموقر، المولى، المؤمن المؤيّد، الميسّر.

النابذ، الناجز، الناس لقوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ (١) . المفسر به- عليه السّلام-، الناسخ، الناشر، الناصح، الناضر، الناطق بالحق، الناهى، نبى الأحمر، نبى الأسود، نبى التوبة، نبى الحرمين، نبى الراحة، نبى الرحمة، النبى الصالح، نبى اللّه نبى المرحمة، نبى الملحمة، نبى الملاحم، النبى، النجم، النجم الثاقب، نجى اللّه، النذير، النسيب، نصيح، ناصح، النعمة، نعمة اللّه، النقيب، النقى، النور، نور الأمم أى الهادى لها الذى أوصلها نور اللّه الذى لا يطفأ.

الهادى، هدى، هدية اللّه، الهاشمى.

الوجيه، الواسط، الواسع، الواصل الواضح، الواعد، الواعظ، الورع، الوسيلة، الوفى، الوافى، ولى الفضل، الولى.

اليثربى، بس.

وكنيته المشهورة أبو القاسم، كما جاء فى عدة أحاديث صحيحة.

ويكنى بأبى إبراهيم، كما جاء فى حديث أنس فى مجىء جبريل إليه- عليهما الصلاة والسلام-، وقوله السلام عليك يا أبا إبراهيم (٢) . وبأبى الأرامل، فيما ذكره ابن دحية.

وبأبى المؤمنين، فيما ذكره غيره.

واعلم أنه لا سبيل لنا أن نستوعب شرح جميع هذه الأسماء الشريفة،

__________

(١) سورة النساء: ٥٤.

(٢) أخرجه الحاكم فى (مستدركه) (٢/ ٦٠٤) ، وأبو نعيم فى (دلائل النبوة) (١/ ١٦٤) .

إذ فى ذلك تطويل يفضى بنا إلى العدول عن عرض الاختصار، فلنذكر من ذلك ما يفتح اللّه تعالى به مما يدل على سواه. وباللّه تعالى أستعين.

فأول ذلك ما له- عليه الصلاة والسلام- من معنى الحمد الذى هو اسمه المنبىء عن ذاته، الذى سائر أسماء أوصافه راجعة إليه، وهو فى المعنى واحد، وله فى الاشتقاق صيغتان:

الاسم المبنى صيغته على صيغة (أفعل) المنبئة عن الانتهاء إلى غاية ليس وراءها منتهى، وهو اسمه (أحمد) .

والاسم المبنى على صيغة (التفعل) المنبئة عن الت..... والتكثير إلى عدد لا ينتهى له الإحصاء وهو اسمه (محمد) .

قال السهيلى: (محمد) منقول من الصفة، فالحمد فى اللغة هو الذى يحمد حمدا بعد حمد، ولا يكون (مفعّل) مثل: مضرب، وممدح، إلا لمن تكرر منه الفعل مرة بعد أخرى.

وأما (أحمد) وهو اسمه- عليه الصلاة والسلام- الذى سمى به على لسان عيسى وموسى، فإنه منقول أيضا من الصفة التى معناها التفضيل، فمعنى (أحمد) أحمد الحامدين لربه، وكذلك هو فى المعنى، لأنه يفتح عليه فى المقام المحمود بمحامد لم تفتح على أحد قبله، فيحمد ربه بها، ولذلك يعقد له لواء الحمد.

قال: وأما (محمد) فمنقول من صفة أيضا، وهو فى معنى (محمود) .

ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، فالمحمد هو الذى حمد مرة بعد مرة، كما أن المكرّم من أكرم مرة بعد أخرى، وكذلك الممدح ونحو ذلك. فاسم (محمد) مطابق لمعناه، واللّه سبحانه وتعالى سماه به قبل أن يسمى به، علم من أعلام نبوته- عليه الصلاة والسلام-، إذ كان اسمه صادقا عليه، فهو صلى اللّه عليه وسلم- محمود فى الدنيا بما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة.

وهو محمود فى الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد، كما يقتضيه اللفظ.

ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد، حمد ربه فنبأه وشرفه، فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذى هو محمد، فذكره عيسى فقال اسْمُهُ أَحْمَدُ (١) وذكره موسى حين قال له ربه: تلك أمة أحمد، ف

قال: اللّهم اجعلنى من أمة أحمد. فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد، لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث كان محمدا أيضا بالفعل. وكذلك فى الشفاعة، يحمد ربه بالمحامد التى يفتحها عليه، فيكون أحمد الحامدين لربه، ثم يشفع فيحمد على شفاعته.

فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر فى الذكر والوجود، وفى الدنيا والآخرة، تلح لك الحكمة الإلهية فى تخصيصه بهذين الاسمين.

انتهى.

وقال القاضى عياض: كان- عليه الصلاة والسلام- أحمد قبل أن يكون محمدا، كما وقع فى الوجود، لأن تسميته أحمد وقعت فى الكتب السالفة، وتسميته محمدا وقعت فى القرآن، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس.

انتهى.

وهذا موافق لما قال السهيلى، وذكره فى فتح البارى وأقره عليه، وهو يقتضى سبقية اسمه أحمد، خلافا لما ادعاه ابن القيم (٢) .

وذكر ابن القيم فى اسمه (أحمد) أنه قيل فيه إنه بمعنى (مفعول) ويكون التقدير: أحمد الناس، أى أحق الناس وأولاهم أن يحمد، فيكون محمدا فى المعنى، لكن الفرق بينهما: أن محمدا هو الكثير الخصال التى يحمد عليها، وأحمد: هو الذى يحمد أفضل مما يحمد غيره، فمحمد فى الكثرة والكمية، وأحمد فى الصفة والكيفية، فيستحق من الحمد أكثر مما يستحق غيره، أى أفضل حمد حمده البشر، فالاسمان واقعان على المفعول.

قال: وهذا أبلغ فى مدحه وأكمل معنى، فلو أريد معنى الفاعل لسمى

__________

(١) سورة الصف: ٦.

(٢) قاله فى (زاد المعاد) (١/ ٨٩) .

(الحماد) أى الكثير الحمد، فإنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان أكثر الناس حمدا لربه، فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه لكان الأولى به الحماد، كما سميت بذلك أمته. وأيضا فإن هذين الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التى لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمد.

وقال القاضى عياض- فى باب تشريفه تعالى له- عليه الصلاة والسلام- بما سماه به من أسمائه الحسنى-: أحمد بمعنى أكبر، من حمد، وأجل: من حمد.

ثم إن فى اسمه (محمد) خصائص:

منها: كونه على أربعة أحرف ليوافق اسم اللّه تعالى اسم محمد، فإن عدد الجلالة على أربعة أحرف كمحمد.

ومنها: أنه قيل: إن مما أكرم اللّه به الآدمى أن كانت صورته على شكل كتب هذا اللفظ، فالميم الأول رأسه، والحاء جناحاه، والميم سرته والدال رجلاه. قيل: ولا يدخل النار من يستحق دخولها- أعاذنا اللّه منها- إلا ممسوخ الصورة إكراما لصورة اللفظ.

حكاهما ابن مرزوق، والأول: ابن العماد فى كتاب كشف الأسرار.

ومنها: أنه تعالى اشتقه من اسمه (المحمود) كما قال حسان بن ثابت:

أغر عليه للنبوة خاتم ... من اللّه من نور يلوح ويشهد

وضم الإله اسم النبى إلى اسمه ... إذا قال فى الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد

وأخرج البخارى فى تاريخه الصغير من طريق على بن زيد

قال: كان أبو طالب يقول:

وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد

وقد سماه اللّه تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بألفى ألف عام، كما ورد من حديث أنس بن مالك، من طريق أبى نعيم فى مناجاة موسى.

وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار

قال: إن اللّه أنزل على آدم عصيّا بعدد الأنبياء والمرسلين. ثم أقبل على ابنه شيث ف

قال: أى بنى، أنت خليفتى من بعدى، فخذها بعمارة التقوى، والعروة الوثقى، وكلما ذكرت اللّه فاذكر إلى جنبه اسم محمد، فإنى رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش، وأنا بين الروح والطين، ثم إنى طفت السماوات فلم أر فى السماوات موضعا إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه، وإن ربى أسكننى الجنة فلم أر فى الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه، ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين، وعلى ورق قصب آجام الجنة، وعلى ورق شجرة طوبى، وعلى ورق سدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب، وبين أعين الملائكة، فأكثر ذكره فإن الملائكة تذكره فى كل ساعاتها.

بدا مجده من قبل نشأة آدم ... فأسماؤه فى العرش من قبل تكتب

وروينا فى جزء الحسن بن عرفة من حديث أبى هريرة عنه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال:

لما عرج بى إلى السماء ما مررت بسماء إلا وجدت- أى علمت- اسمى فيها مكتوبا: محمد رسول اللّه، وأبو بكر خلفى.

ووجد على الحجارة القديمة مكتوب: محمد تقى مصلح أمين. ذكره فى الشفاء.

وعلى الحجر بالخط العبرانى: باسمك

اللّهم ، جاء الحق من ربك بلسان عربى مبين، لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، وكتبه موسى بن عمران. وذكره ابن ظفر فى (البشر) عن معمر عن الزهرى.

وشوهد- كما ذكره فى الشفاء- فى بعض بلاد خراسان مولود ولد على أحد جنبيه مكتوب: لا إله إلا اللّه، وعلى الآخر: محمد رسول اللّه.

وببلاد الهند ورد أحمر مكتوب عليه بالأبيض: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه.

وذكر العلامة ابن مرزوق عن عبد اللّه بن صوحان: عصفت بنا ريح، ونحن فى لجج بحر الهند، فأرسينا فى جزيرة، فرأينا فيها وردا أحمر زكى الرائحة طيب الشم وفيه مكتوب بالأبيض، لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، ووردا أبيض مكتوب عليه بالأصفر: براءة من الرحمن الرحيم إلى جنات نعيم، لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه.

وفى تاريخ ابن العديم عن على بن عبد اللّه الهاشمى الرقى: أنه وجد ببعض قرى الهند وردة كبيرة طيبة الرائحة سوداء، عليها مكتوب بخط أبيض:

لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق. قال فشككت فى ذلك وقلت: إنه معمول، فعمدت إلى وردة لم تفتح فكان فيها مثل ذلك، وفى البلد منه شىء كثير وأهل تلك القرية يعبدون الحجارة، لا يعرفون اللّه تعالى.

وقال عبد اللّه بن مالك: دخلت بلاد الهند، فسرت إلى مدينة يقال لها: نميلة- أو ثميلة. فرأيت شجرة كبيرة تحمل ثمرا كاللوز، له قشر. فإذا كسرت ثمرته خرج منها ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بالحمرة: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، وأهل الهند يتبركون بها ويستسقون بها إذا منعوا الغيث. حكاه القاضى أبو البقاء بن الضياء فى منسكه.

وفى كتاب روض الرياحين لليافعى عن بعضهم أنه وجد ببلاد الهند شجرة تحمل ثمرا كاللوز، له قشر إذا كسر خرجت منه ورقة خضراء طرية مكتوب فيها بالحمرة: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه. كتابة جلية وهم يتبركون بها.

قال: فحدثت بذلك أبا يعقوب الصباء

فقال: ما استعظم هذا، كنت صيادا على نهر الأبلة فاصطدت سمكة، على جنبها الأيمن: لا إله إلا اللّه، وعلى جنبها الأيسر: محمد رسول اللّه، فلما رأيتها قذفتها فى الماء احتراما لها.

وعن بعضهم- مما ذكره ابن مرزوق فى شرحه لبردة الأبوصيرى- أنه أتى بسمكة فرأى فى إحدى شحمتى أذنها لا إله إلا اللّه، وفى الآخرى:

محمد رسول اللّه.

وعن جماعة: أنهم وجدوا بطيخة صفراء فيها خطوط شتى بالأبيض خلقة، ومن جملة الخطوط كتب بالعربى فى أحد جنبيها: اللّه، وفى الآخر:

عز أحمد، بخط بين لا يشك فيه عالم بالخط.

وأنه وجد سنة تسع أو قال: سنة سبع- بالموحدة- وثمانمائة حبة عنب مكتوب فيها بخط بارع بلون أسود: محمد.

وفى كتاب (النطق المفهوم) لابن طغربك السياف، عن بعضهم أنه رأى فى جزيرة شجرة عظيمة لها ورق كبير طيب الرائحة، مكتوب فيه بالحمرة والبياض فى الخضرة كتابة بينة واضحة خلقة ابتدعها اللّه بقدرته، فى الورقة ثلاثة أسطر،

الأول: لا إله إلا اللّه،

والثانى: محمد رسول اللّه،

والثالث: إن الدين عند اللّه الإسلام.

قال ابن قتيبة: ومن أعلام نبوته- صلى اللّه عليه وسلم- أنه لم يسم قبله أحد باسمه (محمد) صيانة من اللّه تعالى لهذا الاسم، كما فعل بيحيى، إذ لم يجعل له من قبل سميا، وذلك أنه تعالى سماه به فى الكتب المتقدمة، وبشر به الأنبياء، فلو جعل اسمه مشتركا فيه لوقعت الشبهة، إلا أنه لما قرب زمنه وبشر أهل الكتاب بقربه سمى قوم أولادهم بذلك رجاء أن يكون هو هو، واللّه أعلم حيث يجعل رسالته:

ما كل من زار الحمى سمع الندا ... من أهله أهلا بذاك الزائر

ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء.

وقد عدهم القاضى عياض: ستة،

ثم قال: لا سابع لهم.

وذكر أبو عبيد اللّه بن خالويه فى كتاب (ليس) ، والسهيلى فى (الروض) : أنه لا يعرف فى العرب من تسمى محمدا قبل النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إلا ثلاثة.

قال الحافظ ابن حجر: وهو حصر مردود، والعجب أن السهيلى متأخر الطبقة عن عياض، ولعله لم يقف على كلامه.

قال: وقد جمعت أسماء من تسمى بذلك فى جزء مفرد فبلغوا نحو العشرين، مع تكرير فى بعضهم، ووهم فى بعض، فيتلخص منهم خمسة عشر نفسا:

وأشهرهم: محمد بن عدى بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمى السعدى. ومنهم: محمد بن أحيحة- بضم الهمزة وفتح المهملة- ابن الجلاح- بضم الجيم وتخفيف اللام آخره مهملة- الأوسى.

ومحمد بن أسامة بن مالك بن حبيب بن العنبر.

ومحمد بن البراء-

وقيل: البر- بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة البكرى العتوارى.

ومحمد بن الحارث بن حديج بن حويص.

ومحمد بن حرماز بن مالك اليعمرى.

ومحمد بن حمران بن أبى حمران، ربيعة بن مالك الجعفى المعروف بالشويعر.

ومحمد بن خزاعى بن علقمة بن حرابة السلمى، من بنى ذكوان.

ومحمد بن خولى الهمدانى.

ومحمد بن سفيان بن مجاشع.

ومحمد بن اليحمد الأزدى.

ومحمد بن يزيد بن عمرو بن ربيعة.

ومحمد بن الأسيدى.

ومحمد الفقيمى. ولم يدركوا الإسلام إلا الأول ففى سياق خبره ما يشعر بذلك، وإلا الرابع فهو صحابى جزما (١) .

__________

(١) الرابع فى ترتيبه هو: محمد بن البراء الكنانى، حيث ذكره الحافظ ابن حجر فى (الإصابة) (٦/ ٣٢٩) .

وفيمن ذكره عياض: محمد بن مسلمة الأنصارى. وليس ذكره بجيد، فإنه ولد بعد النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بأزيد من عشرين سنة، لكنه قد ذكر تلو كلامه المتقدم: محمد بن محمد- الماضى- فصار من عنده ستة لا سابع لهم.

انتهى.

وأما اسمه- عليه الصلاة والسلام- (محمود) فاعلم أن من أسماء اللّه تعالى الحميد، ومعناه: المحمود، لأنه تعالى حمد نفسه، وحمده عباده، وقد سمى الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- بمحمود، وكذا وقع اسمه فى زبور داود.

وأما (الماحى) ففسر فى الحديث بمحو الكفر، ولم يمح الكفر بأحد من الخلق ما محى بالنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، فإنه بعث وأهل الأرض كلهم كفار، ما بين عابد أوثان ويهود ونصارى ضالين وصابئة ودهرية لا يعرفون ربا ولا معادا، وبين عباد الكواكب وعباد النار، وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء ولا يقرون بها، فمحاها برسوله، حتى أظهر دينه على كل دين، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار، وسارت دعوته مسير الشمس فى الأقطار، ولما كانت البحار هى الماحية للأدران كان اسمه- عليه الصلاة والسلام- فيها الماحى.

وأما (الحاشر) ففسر أيضا فى الحديث بأنه الذى يحشر الناس على قدمه، أى يقدمهم وهم خلفه، وقيل على سابقته،

وقيل: قدامه وحوله، أى يجتمعون إليه فى القيامة. وقد كان حشره لأهل الكتاب: إخراجه لهم من حصونهم وبلادهم. من دار هجرته إلى حيث أذاقهم اللّه من شدة الحشر ما شاء فى دار الدنيا إلى ما اتصل لهم بذلك فى برزخهم.

وهو أول من تنشق عنه الأرض فيحشر الناس على أثره، وإليه يلجئون فى محشرهم،

وقيل: على سببه.

وأما (العاقب) فهو الذى جاء عقب الأنبياء، فليس بعده نبى، لأن العاقب هو الآخر، أى: عقب الأنبياء،

وقيل: وهو اسمه- عليه الصلاة والسلام- فى النار، فإذا جاء- لحرمة شفاعته- خمدت النار وسكنت، كما روى أن قوما من حملة القرآن يدخلونها فينسيهم اللّه تعالى ذكر محمد صلى اللّه عليه وسلم- حتى يذكرهم جبريل، فيذكرونه فتخمد النار وتنزوى عنهم.

وأما (المقفى) فكذلك، أى: قفا آثار من سبقه من الرسل، وهى لفظة مشتقة من (القفو) ي

قال: قفاه يقفوه إذا تأخر عنه، ومنه قافية الرأس، وقافية البيت، فالمقفى المقفى: الذى قفا من قبله من الرسل فكان خاتمهم وآخرهم.

وأما (الأول) فلأنه أول النبيين خلقا- كما مر- وكما أنه أول فى البدء فهو أول فى العود، فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة، وهو أول شافع وأول مشفع، كما كان فى أوليات البدء فى عالم الذر أول مجيب، إذ هو أول من

قال: بلى، إذ أخذ ربه الميثاق على الذرية الآدمية، فأشهدهم على أنفسهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ (١) فهو- صلى اللّه عليه وسلم- الأول فى ذلك كله على الإطلاق.

وأما (الآخر) فلأنه آخر الأنبياء فى البعث كما فى الحديث.

وأما (الظاهر) فلأنه ظهر على جميع الظاهرات ظهوره، وظهر على الأديان دينه، فهو الظاهر فى وجوه الظهور كلها.

وأما (الباطن) فهو المطلع على بواطن الأمور بواسطة ما يوحيه اللّه تعالى إليه.

وأما (الفاتح الخاتم) ففى حديث الإسراء عن أبى هريرة من طريق الربيع ابن أنس قوله تعالى له: (وجعلتك فاتحا وخاتما) . وفى حديث أبى هريرة رضى اللّه عنه- أيضا وفى الإسراء، قوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (وجعلنى فاتحا وخاتما) (٢) . فهو الذى فتح اللّه به باب الهدى بعد أن كان مرتجّا، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا، وفتح أمصار الكفر، وفتح به أبواب الجنة، وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح، والدنيا والآخرة، والقلوب والأسماع والأبصار والإبصار.

__________

(١) سورة الأعراف: ١٧٢.

(٢) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (١/ ٦٩) ضمن حديث طويل جدّا وقال رواه البزار ورجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال عن أبى العالية أو غيره فتابعيه مجهول.

وقد يكون المراد: المبدأ المقدم فى الأنبياء، والخاتم لهم، كما قال- عليه الصلاة والسلام-: (كنت أول النبيين فى الخلق وآخرهم فى البعث) (١) .

وأما (الرؤف الرحيم) ففى القرآن لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢) وهو فعول من الرأفة، وهى أرق من الرحمة، قاله أبو عبيدة، والرحيم فعيل من الرحمة، وقيل رؤف بالمطيعين رحيم بالمذنبين.

وأما (الحق المبين)

فقال تعالى: حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٣) .

وقال تعالى: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٤) .

وقال تعالى: قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ (٥) .

وقال تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ (٦) .

قيل [المراد] : محمد- عليه السّلام-، وقيل القرآن، ومعناه هنا ضد الباطل، والمتحقق صدقه وأمره، والمبين البين أمره ورسالته، أو المبين عن اللّه ما بعثه به، كما

قال تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (٧) .

وأما (المؤمن)

فقال تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّه وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨) . أى يصدق، وقال- صلى اللّه عليه وسلم-:

(أنا أمنة لأصحابى) (٩) فهذا بمعنى المؤمن.

وأما (المهيمن)

فقال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ

__________

(١) لم أجده.

(٢) سورة التوبة: ١٢٨.

(٣) سورة الزخرف: ٢٩.

(٤) سورة الحجر: ٨٩.

(٥) سورة يونس: ١٠٨.

(٦) سورة الأنعام: ٥.

(٧) سورة النحل: ٤٤.

(٨) سورة التوبة: ٦١.

(٩) صحيح: أخرجه مسلم (٢٥٣١) فى فضائل الصحابة، باب: بيان أن بقاء النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أمان لأصحابه، من حديث أبى موسى الأشعرى- رضى اللّه عنه-.

يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ (١) . قال ابن الجوزى فى زاد المسير- إن ابن نجيح روى عن مجاهد (ومهيمنا عليه)

قال: محمد مؤتمن على القرآن،

قال:فعلى قوله فى الكلام تقدير محذوف، كأنه

قال: وجعلناك يا محمد مهيمنا عليه، وسماه العباس بن عبد المطلب فى شعره مهيمنا فى قوله:

حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندق علياء تحتها النطق

وروى: ثم اغتدى بيتك المهيمن، قيل أراد: يا أيها المهيمن، القتبى والإمام أبو القاسم القشيرى.

وأما (العزيز) فمعناه: جلالة القدر، أو الذى لا نظير له، أو المعز لغيره، وقد استدل القاضى عياض لهذا الاسم بقوله تعالى: وَللّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ (٢) . أى فجائز أن يوصف النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بالعزيز والمعز، لحصول العز له. ولقائل أن يقول: هذا اللفظ أيضا للمؤمنين لشمول العطف إياهم، فلا اختصاص للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والغرض اختصاصه، قال اليمنى: وعجبت من القاضى كيف خفى عليه مثل هذا: ويجاب: باختصاصه- عليه الصلاة والسلام- برتبة من العزة ليست لغيره واللّه أعلم.

وأما (العالم) و (العليم) و (العلم) و (معلم أمته) فقد

قال تعالى:

وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (٣) .

و قال: وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٤) .

وأما (الخبير) فمعناه: المطلع على كنه الشىء، العالم بحقيقته،

وقيل: المخبر،

قال اللّه تعالى: الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥) . قال القاضى بكر بن العلاء فيما ذكره فى الشفاء-: المأمور بالسؤال غير النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والمسئول

__________

(١) سورة المائدة: ٤٨.

(٢) سورة المنافقون: ٨.

(٣) سورة النساء: ١١٣.

(٤) سورة البقرة: ١٥١.

(٥) سورة الفرقان: ٥٩.

الخبير هو النبى- صلى اللّه عليه وسلم-.

وقال غيره: بل السائل النبى- صلى اللّه عليه وسلم- والمسئول اللّه عز وجل، فالنبى- صلى اللّه عليه وسلم- خبير بالوجهين المذكورين، قيل لأنه- عليه الصلاة والسلام- عالم على غاية من العلم بما أعلمه اللّه من مكنون علمه، وعظيم معرفته، مخبر لأمته بما أذن فى إعلامهم به. انتهى.

وأما (العظيم) فقال اللّه تعالى فى شأنه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (١) .

ووقع فى أول سفر من التوراة عن إسماعيل: وسيلد عظيما لأمة عظيمة. فهو صلى اللّه عليه وسلم- عظيم وعلى خلق عظيم.

وأما (الشاكر) و (الشكور) فقد وصف- صلى اللّه عليه وسلم- نفسه بذلك ف

قال: (أفلا أكون عبدا شكورا) أى: أأترك تهجدى فلا أكون عبدا شكورا؟! والمعنى: أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا، فكيف أتركه؟ وعلى هذا فتكون (الفاء) للسببية. وقال القاضى عياض: شكورا أى: معترفا بنعم ربى، عالما بقدر ذلك، مثنيا عليه، مجهدا نفسى فى الزيادة من ذلك، لقوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (٢) .

وأما (الشكار) فهو أبلغ من شاكر، وفى حديث ابن ماجه أنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان من دعائه: (رب اجعلنى لك شكارا) (٣) .

وأما (الكريم) و (الأكرام) و (أكرم ولد آدم) فسماه اللّه تعالى به فى

قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤) . أي محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، وليس المراد به جبريل، لأنه تعالى لما

قال: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذكر بعده أنه ليس بقول

__________

(١) سورة القلم: ٤.

(٢) سورة إبراهيم: ٧.

(٣) صحيح: أخرجه الترمذى (٣٥٥١) فى الدعوات، باب: فى دعاء النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والنسائى فى (الكبرى) (١٠٤٤٣) ، وابن ماجه (٣٨٣٠) فى الدعاء، باب: دعاء رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، وابن حبان فى (صحيحه) (٩٤٨) ، والحاكم فى (مستدركه) (١/ ١٧٠) ، من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما- .

(٤) سورة الحاقة: ٤٠.

شاعر ولا كاهن، والمشركون لم يكونوا يصفوا جبريل بذلك، فتعين أن يكون المراد بالرسول الكريم هنا محمدا- صلى اللّه عليه وسلم-، كما سيأتى- إن شاء اللّه تعالى- بيانه فى مقصد آى التنزيل. وقال- عليه السّلام-: (أنا أكرم ولد آدم) (١) .

وأما (الولى) و (المولى) فقال- عليه الصلاة والسلام-: (أنا ولى كل مؤمن) (٢) .

وأما (الأمين) فقد كان- عليه الصلاة والسلام- يعرف به، وشهر به قبل النبوة وبعدها، وهو أحق العالمين بهذا الاسم، فهو أمين على وحيه ودينه، وهو أمين من فى السماء والأرض.

وأما (الصادق) و (المصدوق) فقد ورد فى الحديث تسميته بهما، ومعناهما غير خفى، وكذلك (الأصدق) . وروى أنه- عليه الصلاة والسلام- لما كذبه قومه حزن فقال له جبريل: إنهم يعلمون أنك صادق.

وأما (الطيب) و (ماذ ماذ) - بميم ثم ألف ثم ذال معجمة منونة، ثم ميم ثم ألف ثم ذال معجمة- كذا رأيته لبعض العلماء، ونقل العلامة الحجازى فى حاشيته على الشفاء عن السهيلى: ضم الميم وإشمام الهمزة ضمة بين الواو والألف ممدود، و

قال: نقلته عن رجل أسلم من علماء بنى إسرائيل، وقال معناه: طيب طيب، ولا ريب أنه- صلى اللّه عليه وسلم- أطيب الطيبين، وحسبك أنه كان يؤخذ من عرقه ليتطيب به، فهو- صلى اللّه عليه وسلم- طيب اللّه الذى نفحه فى الوجود، فتعطرت به الكائنات وسمت، واغتذت به القلوب فطابت، وتنسمت به الأرواح فنمت.

وأما (الطاهر) و (المطهر) و (المقدس) أى المطهر من الذنوب، كما

قال تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّه ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ (٣) . أو الذى يتطهر به من

__________

(١) أخرجه الترمذى (٣٦١٠) فى المناقب، باب: فى فضل النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، من حديث أنس- رضى اللّه عنه- .

(٢) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (٥/ ١٦٦) من حديث زيد بن أرقم- رضى اللّه عنه-.

(٣) سورة الفتح: ٢.

الذنوب، ويتنزه بأتباعه عنها، كما

قال اللّه تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ (١)

و قال: وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (٢) أو يكون مقدسا بمعنى مطهرا من الأخلاق الذميمة والأوصاف الدنية.

وأما (العفو) و (الصفوح) فمعناهما واحد، وقد وصفه اللّه تعالى بهما فى القرآن والتوراة والإنجيل، كما فى حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاصى عند البخارى (ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح) وأمره تعالى بالعفو

فقال: خُذِ الْعَفْوَ (٣)

و قال: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ (٤) .

وأما (العطوف) فهو الشفوق، وسمى به- عليه الصلاة والسلام- لكثرة شفقته على أمته، ورأفته بهم.

وأما (النور)

فقال تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّه نُورٌ (٥) قيل: محمد صلى اللّه عليه وسلم- وقيل القرآن، فهو نور اللّه الذى لا يطفأ.

وأما (السراج) فسماه اللّه تعالى به فى قوله: وَسِراجاً مُنِيراً (٦) .

لوضوح أمره، وبيان نبوته، وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به، فهو نيّر فى ذاته منير لغيره، فهو السراج الكامل فى الإضاءة، ولم يوصف بالوهاج كالشمس، لأن المنير الذى ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج.

وأما (الهادى) فبمعنى الدلالة والدعاء،

قال اللّه تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧) وقال تعالى فيه: وَداعِياً إِلَى اللّه بِإِذْنِهِ (٨) .

__________

(١) سورة البقرة: ١٢٩.

(٢) سورة المائدة: ١٦.

(٣) سورة الأعراف: ١٩٩.

(٤) سورة المائدة: ١٣.

(٥) سورة المائدة: ١٥.

(٦) سورة الأحزاب: ٤٦.

(٧) سورة الشورى: ٥٢.

(٨) سورة الأحزاب: ٤٦.

وأما (البرهان)

فقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ (١) قيل: هو محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، وقيل معجزاته وقيل القرآن.

وأما (النقيب) فروى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- لما مات نقيب بنى النجار أبو أمامة أسعد بن زرارة وجد عليه- صلى اللّه عليه وسلم- ولم يجعل عليهم نقيبا بعده،

و قال: أنا نقيبكم فكانت من مفاخرهم، والنقيب هو شاهد القوم وناظرهم وضمينهم.

وأما (الجبار) فسمى به فى مزامير داود، فى قوله فى مزمور أربعة وأربعين. تقلد أيها الجبار سيفك، فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، لأنه الجبار الذى جبر الخلق بالسيف على الحق، وصرفهم عن الكفر جبرا، قال القاضى عياض: وقد نفى اللّه تعالى عنه جبرية التكبر التى لا تليق به ف

قال: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ (٢) .

وأما (الشاهد) و (الشهيد) فسماه اللّه بهما فى قوله: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً (٣) أى على من بعثت إليهم بتصديقهم وتكذيبهم، ونجاتهم وضلالهم.

وقوله: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (٤) روى أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالبهم اللّه ببينة التبليغ- وهو أعلم بهم- إقامة للحجة على المنكرين، فيؤتى بأمة محمد- صلى اللّه عليه وسلم- فيشهدون، فتقول الأمم:

من أين عرفتهم؟ فيقولون علمنا ذلك بإخبار اللّه فى كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق، فيؤتى بمحمد- صلى اللّه عليه وسلم- فيسأل عن حال أمته، فيشهد بعدالتهم، وهذه الشهادة وإن كانت لهم لما كان الرسول كالرقيب المهيمن على أمته عدى ب (على) وقدمت الصلة للدلالة على اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم. قاله البيضاوى.

__________

(١) سورة النساء: ١٧٤.

(٢) سورة ق: ٤٥.

(٣) سورة الأحزاب: ٤٥.

(٤) سورة البقرة: ١٤٣.

وأما (الناشر) فسمى به لأنه نشر الإسلام وأظهر شرائع الأحكام.

وأما (المزمل) فأصله المتزمل، فأدغمت التاء فى الزاى وسمى به، لما روى أنه- عليه الصلاة والسلام- كان يفرق من جبريل ويتزمل بالثياب أول ما جاءه،

وقيل: أتاه وهو فى قطيفة، وقال السدى معناه، يا أيها النائم،

قال: وكان متلفقا فى ثياب نومه، وعن ابن عباس: يعنى المتزمل بالقرآن، وعن عكرمة بالنبوة.

وقيل من الزمل، بمعنى الحمل، ومنه الزاملة، أى: المتحمل بأعباء النبوة، وعلى هذا يكون التزمل مجازا.

وقال السهيلى: ليس (المزمل) باسم من أسمائه يعرف به، وإنما هو مشتق من حالته التى كان التبس بها حالة الخطاب، والعرب إذا قصدت الملاطفة، بالمخاطب بترك المعاتبة نادوه باسم مشتق من حالته التى هو عليها، كقول النبى- صلى اللّه عليه وسلم- لعلى- رضى اللّه عنه- وقد نام ولصق جنبه بالتراب- قم أبا تراب إشعارا بأنه ملاطف له، فقوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) فيه تأنيس وملاطفة.

وأما ما روى عن عائشة أنها

قالت: كان متزملا مرطا طوله أربعة عشر ذراعا، نصفه على وأنا نائمة ونصفه عليه، فكذب صراح، لأن نزول يا أيها المزمل بمكة فى أول مبعثه، ودخوله بعائشة كان بالمدينة.

وأما (المدثر) فأصله: المتدثر، فأدغمت التاء فى الدال. روى أنه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يمينى وشمالى. فلم أر شيئا فنظرت فوقى فإذا هو على عرش بين السماء والأرض) - يعنى الملك الذى ناداه- (فرعبت فرجعت إلى خديجة فقلت دثرونى دثرونى) ، فنزل جبريل و

قال: يا أيها المدثر (٢) . وعن عكرمة: يا أيها المدثر بالنبوة وأثقالها قد تدثرت هذا الأمر فقم به.

__________

(١) سورة المزمل: ١.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٤٩٢٢) فى التفسير، باب: سورة المدثر، ومسلم (١٦١) فى الإيمان، باب: بدء الوحى إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، من حديث جابر- رضى اللّه عنه-.

وقيل: ناداه بالمزمل والمدثر فى أول أمره، فلما شرع خاطبه اللّه تعالى بالنبوة والرسالة.

وأما (طّه) فروى النقاش (١) عنه- عليه الصلاة والسلام-: لى فى القرآن سبعة أسماء فذكر منها طّه.

وقيل: هو اسم اللّه، وقيل معناه: يا رجل،

وقيل: يا إنسان.

وقيل: يا طاهر يا هادى يعنى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وهو مروى عن الواسطى، وقيل معناه: يا مطمع الشفاعة للأمة، ويا هادى الخلق إلى الملة،

وقيل: الطاء فى الحساب بتسعة والهاء بخمسة وذلك أربعة عشر فكأنه

قال: يا بدر، وهذه من محاسن التأويل، لكن المعتمد أنهما من أسماء الحروف.

وأما (يس) فحكى أبو محمد مكى أنه روى عنه- صلى اللّه عليه وسلم- أنه

قال: لى عند ربى عشرة أسماء ذكر منها (يس) . وقد قيل معناه: يا إنسان بلغة طىء، وقيل بالحبشية، وقيل بالسريانية، وأصله كما قاله البيضاوى وابن الخطيب وغيرهما: يا أنيسين: فاقتصر على شطره لكثرة النداء به وقيل ياسين. لكن تعقب بأنه لا يعلم أن العرب قالوا فى تصغيره أنيسين، وأن الذى نقل عنهم فى تصغيره أنيسيان، بياء بعدها ألف، وبأن التصغير من التحقير الممتنع فى حق النبوة لنصهم على أن التصغير لا يدخل فى الأسماء المعظمة شرعا.

ويأتى مزيد بيان لذلك إن شاء اللّه تعالى فى الفصل الرابع من النوع الخامس من أنواع المقصد السادس. وعن ابن الحنفية: معناه يا محمد، وعن أبى العالية: يا رجل، وعن أبى بكر الوراق: يا سيد البشر، وعن جعفر الصادق:

يا سيد مخاطبة له- عليه الصلاة والسلام-، وفيه من تعظيمه على تفسير أنه يا سيد ما فيه.

وأما (الفجر) فقال ابن عطاء فى

قوله تعالى: وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) الفجر محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، لأن منه تفجر الإيمان.

__________

(١) تقدم القول فيه، أنه ..... الحديث، وإن كان إماما فى القراآت.

(٢) سورة الفجر: ١، ٢.

وهو تأويل غريب لم ير لغيره، والصواب أنه الفجر المفسر بالصبح فى

قوله تعالى: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١) .

وأما (القوى) فقال اللّه تعالى: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢) قيل محمد، وقيل جبريل- عليهما الصلاة والسلام-، وسيأتى فى المقصد السادس ما فى ذلك.

وأما ما قاله ابن عطاء فى قوله: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (٣) أقسم بقوة قلب حبيبه محمد- صلى اللّه عليه وسلم- حيث حمل الخطاب والمشاهدة ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله، فلا يخفى ما فيه.

وأما (النجم) فعن جعفر بن محمد بن الحسين فى تفسير

قوله تعالى:

وَالنَّجْمِ (٤) أنه محمد- صلى اللّه عليه وسلم- إِذا هَوى إذا نزل من السماء ليلة المعراج. وحكى السلمى فى قوله: تعالى وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٥) أن النجم هنا أيضا محمد- صلى اللّه عليه وسلم-.

والصحيح: أن المراد به النجم على ظاهره، وسمى به- عليه السّلام- لأنه يهتدى به فى طرق الهدى كما يهتدى بالنجم.

وأما (الشمس) فسمى بها- صلى اللّه عليه وسلم- لكثرة نفعه، وعلو رفعته، وظهور شريعته، وجلالة قدره وعظم منزلته، لأنه لا يحاط بكماله، حتى لا يسع الرائى له أن ينظر إليه ملء عينيه إجلالا له، كما أن الشمس فى الرتبة أرفع من غالب الكواكب لأنها فى السماء السادسة والانتفاع بها أكثر من غيرها، كما لا يخفى، ولا يدركها البصر لكبر جرمها، وأيضا فلما كان سائر

__________

(١) سورة التكوير: ١٨.

(٢) سورة التكوير: ٢٠.

(٣) سورة ق: ١.

(٤) سورة النجم: ١.

(٥) سورة الطارق: ١- ٣.

الكواكب تستمد من نورها ناسب تسميته- عليه الصلاة والسلام- بها، لأن نور الأنبياء مستمد من نوره (١) .

وأما (النبى) و (الرسول) فمن خصائصه- عليه الصلاة والسلام- أنه خاطبه تعالى بهما فى القرآن دون سائر أنبيائه.

ثم إن النبوءة بالهمز مأخوذة من النبأ، وهو الخبر، وقد لا يهمز تسهيلا. أى أن اللّه أطلعه على غيبه وأعلمه أنه نبيه، فيكون نبيّا منبأ، أو يكون مخبرا عما بعثه اللّه به ومنبئا بما أطلعه اللّه عليه. وبغير الهمزة يكون مشتقّا من النبوة وهو ما ارتفع من الأرض، أى أن له رتبة شريفة ومكانة عند اللّه منيفة. قال الشيخ بدر الدين الزركشى فى شرح البردة. وكان نافع يقرأ:

النبىء- بالهمز- فى جميع القرآن. والاختيار تركه.

وهو لغة النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وقد جاء فى الحديث أن رجلا

قال: يا نبىء اللّه- يعنى بالهمز- فقال له: (لست نبىء اللّه، ولكنى نبى اللّه) (٢) فأنكر الهمز لأنه لم يكن من لغته- عليه الصلاة والسلام-.

وقال الجوهرى والصاغانى: إنما أنكر لأن الأعرابى أراد: يا من خرج من مكة إلى المدينة، ي

قال: نبأت من أرض إلى أرض إذا خرجت منها إلى أخرى.

وتكلم جماعة من القراء فى هذا الحديث: وقد رواه الحاكم فى المستدرك عن أبى الأسود عن أبى ذر، و

قال: صحيح على شرط الشيخين، وفيما قاله نظر فإن فيه حسينا الجعفى، كذا قاله بعضهم وليس من شرطهما. ورواه أبو عبيد: حدثنا محمد بن سعد عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين أن رجلا ... الحديث، وهذا منقطع. انتهى.

والرسول: إنسان بعثه اللّه إلى الخلق بشريعة مجددة يدعو الناس إليها.

__________

(١) قلت: فى هذا الكلام نظر، وبخاصة أن هذا الاسم لم يثبت أصلا.

(٢) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (٢/ ٢٥١) ، من حديث أبى ذر- رضى اللّه عنه-، وصححه، إلا أن الحافظ الذهبى تعقبه قائلا: بل ....... لم يصح.

واختلف هل هما بمعنى أو بمعنيين؟

فقال بالأول قوم مستدلين بقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ (١) فأثبت لهما معا الإرسال. وعلى هذا فلا يكون النبى إلا رسولا، ولا الرسول إلا نبيّا.

وقال آخرون بالثانى: وأنهما يجتمعان فى النبوة التى هى الاطلاع على الغيب والإعلام بخواص النبوة أو الرفعة بمعرفة ذلك وحوز درجتها، وافترقا فى زيادة الإرسال.

وحجتهم من الآية نفسها: التفريق بين الاسمين، إذ لو كانا شيئا واحدا لما حسن تكرارهما فى الكلام البليغ، ويكون المعنى: وما أرسلنا من نبى إلى أمة، أو نبى ليس بمرسل إلى أحد.

وذهب آخرون: إلى أن الرسول: من جاء بشرع مبتدأ، ومن لم يأت به نبى غير رسول وإن أمر بالإبلاغ والإنذار.

والصحيح: أن كل رسول نبى، وليس كل نبى رسولا.

نعم نوزع فى هذا بأنه كلام يطلقه من لا تحقيق عنده، فإن جبريل عليه الصلاة والسلام- رسول، وغيره من الملائكة المكرمين بالرسالة رسل لا أنبياء. فالانفصال عنه: بأن يقيد الفرق بين الرسول والنبى، بالرسول البشرى.

ثم إن النبوة والرسالة ليستا ذاتا للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، ولا وصف ذات بل تخصيص اللّه إياه بذلك خلافا للكرامية.

وقال القرافى، كما نقله عنه ابن مرزوق: يعتقد كثير أن النبوة مجرد الوحى، وهو باطل، لحصوله لمن ليس بنبى كمريم وليست نبية على الصحيح، مع أنه تعالى يقول: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا (٢) الآية، وأَنَّ اللّه

__________

(١) سورة الحج: ٥٢.

(٢) سورة مريم: ١٧.

يُبَشِّرُكَ (١) وفى مسلم: بعث اللّه تعالى ملكا لرجل على مدرجته وكان خرج فى زيارة أخ له فى اللّه تعالى، وقال له: إن اللّه يعلمك أنه يحبك لحبك لأخيك فى اللّه (٢) وليس بنبوة، لأنها عند المحققين: إيحاء اللّه لبعض بحكم إنسانى يختص به كقوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (٣) فهذا تكليف يختص به فى الوقت، فهذه نبوة لا رسالة، فلما نزل قُمْ فَأَنْذِرْ (٤) كانت رسالة لتعلق هذا التكليف بغيره أيضا، فالنبى كلف بما يخص به، والرسول بذلك، وتبليغ غيره، فالرسول أخص مطلقا، انتهى.

وهل نبينا- صلى اللّه عليه وسلم- رسول الآن؟ قال أبو الحسن الأشعرى (٥) : هو صلى اللّه عليه وسلم- فى حكم الرسالة، وحكم الشىء يقوم مقام أصل الشىء، ألا ترى أن العدة تدل على ما كان من أحكام النكاح، ويأتى لذلك مزيد بيان- إن شاء اللّه تعالى-.

وأما (المذكر)

فقال تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٦) .

وأما (البشير) و (المبشر) و (النذير) و (المنذر)

فقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٧) أى مبشرا لأهل طاعته بالثواب، وقيل بالمغفرة، ونذيرا لأهل معصيته بالعذاب،

وقيل: محذرا من الضلالات.

__________

(١) سورة آل عمران: ٤٥.

(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٢٥٦٧) فى البر والصلة، باب: فى فضائل الحب فى اللّه، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-.

(٣) سورة العلق: ١.

(٤) سورة المدثر: ٢.

(٥) هو: إمام المتكلمين، أبو الحسن، على بن إسماعيل بن أبى بشر الأشعرى اليمانى البصرى، كان معتزليّا، فلما برع فيه، كرهه وتبرأ منه، ثم أخذ يرد على المعتزلة ويهتك عوراتهم، فعرف بمذهبه، ثم كان فى آخر حياته على عقيدة أهل السنة والجماعة حتى مات عليها سنة (٣٢٤ هـ) .

(٦) سورة الغاشية: ٢١.

(٧) سورة الأحزاب: ٤٥.

وأما (المبلغ)

فقال تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (١) .

وأما (الحنيف)

فقال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً (٢) كذا قاله بعضهم.

وأما (نبى التوبة) فلأن الأمم رجعت لهدايته- عليه السّلام- بعد ما تفرقت بها الطرق إلى الصراط المستقيم.

وأما (رسول الرحمة) و (نبى الرحمة) و (نبى المرحمة) فقال اللّه تعالى:

وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (٣)

وقال تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤) . فبعثه تعالى رحمة لأمته، ورحمة للعالمين وروى البيهقى مرفوعا (إنما أنا رحمة مهداة) (٥) فرحم اللّه تعالى به الخلق مؤمنهم وكافرهم، وهذا الاسم من أخص أسمائه.

وقد كان حظ آدم من رحمته سجود الملائكة له تعظيما إذ كان فى صلبه، ونوح: خروجه من السفينة سالما، وإبراهيم: كانت النار عليه بردا وسلاما إذ كان فى صلبه، فرحمته- عليه الصلاة والسلام- فى البدء والختام والدوام لما أبقى اللّه له من دعوة الشفاعة، ولما كانت نبوته رحمة دائمة مكرّرة مضاعفة اشتق له من الرحمة اسم الرحمة.

وأما (نبى الملحمة والملاحم) وهى الحروب، فإشارة إلى ما بعث به من القتال والسيف، ولم يجاهد نبى وأمته قط ما جاهد- صلى اللّه عليه وسلم- وأمته، والملاحم التى وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يعهد مثلها قبله، فإن أمته يقاتلون الكفار فى الأقطار على تعاقب الأعصار حتى يقاتلون الأعور الدجال.

__________

(١) سورة المائدة: ٦٧.

(٢) سورة الروم: ٣٠.

(٣) سورة الأنبياء: ١٠٧.

(٤) سورة التوبة: ١٢٨.

(٥) صحيح: أخرجه ابن سعد، والحكيم عن أبى صالح مرسلا، والحاكم فى المستدرك عنه [أى عن أبى صالح] عن أبى هريرة كما فى (صحيح الجامع) (٢٣٤٥) .

وأما (صاحب القضيب) فهو السيف، كما وقع مفسرا به فى الإنجيل فال: معه قضيب من حديد يقاتل به، وأمته كذلك. وقد يحمل على أنه القضيب الممشوق الذى كان يمسكه.

وأما (صاحب الهراوة) فهى فى اللغة: العصا، وقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- يمسك فى يده القضيب كثيرا، وكان يمشى بين يديه بالعصا، وتغرز له فى الأرض فيصلى إليها، قال القاضى عياض: وأراها العصا المذكورة فى حديث الحوض: أذود الناس عنه بعصاى لأهل اليمن (١) . أى لأجلهم ليتقدموا، فلما كان- صلى اللّه عليه وسلم- راعيا للخلق سائقا لجميعهم إلى مواردهم كان صاحب الهراوة يرعى بها أهل الطواعية، وصاحب السيف يقد به من لا تزيده الحياة إلا شرّا.

وأما (الضحاك) - بالمعجمة- فهو الذى يسيل دماء العدو فى الحروب لشجاعته (٢) .

وأما (صاحب التاج) فالمراد به العمامة، ولم تكن حينئذ إلا للعرب، والعمائم تيجانها.

وأما (صاحب المغفر) فهو- بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء- زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، كان- صلى اللّه عليه وسلم- يلبسه فى حروبه.

وأما (قدم صدق) فقال قتادة والحسن وزيد بن أسلم فى

قوله تعالى:

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (٣) هو محمد- صلى اللّه عليه وسلم- يشفع لهم، وعن أبى سعيد الخدرى: هى شفاعة نبيهم محمد- صلى اللّه عليه وسلم- هو شفيع صدق عند ربهم، وعن سهل بن عبد اللّه: هى سابقة رحمة أودعها فى محمد- صلى اللّه عليه وسلم-.

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٢٣٠١) فى الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا- صلى اللّه عليه وسلم- وصفاته، من حديث ثوبان- رضى اللّه عنه-.

(٢) قلت: وهو معنى بعيد، ولماذا لا يكون بمعنى الضحك فى وجوه المؤمنين، غير عابس لهم، ولا مقطب ولا غضوب، ولا فظ، كما قال ذلك ابن القيم فى (زاد المعاد) (١/ ٩٦) .

(٣) سورة يونس: ٢.

وأما (نعمة اللّه) فقال سهل فى

قوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه لا تُحْصُوها (١)

قال: نعمته بمحمد- صلى اللّه عليه وسلم-،

و قال: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّه ثُمَّ يُنْكِرُونَها (٢) . يعنى يعرفون أن محمدا نبى ثم يكذبونه، وهذا مروى عن مجاهد والسدى وقال به الزجاج (٣) .

وأما (الصراط المستقيم) فقال أبو العالية والحسن البصرى فى تفسير سورة الفاتحة: هو رسول اللّه وخيار أهل بيته وأصحابه. حكى الماوردى ذلك فى تفسير صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (٤) عن عبد الرحمن بن زيد.

وأما (العروة الوثقى) فحكى أبو عبد الرحمن السلمى عن بعضهم فى تفسير

قوله تعالى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى (٥) الآية، أنه محمد- صلى اللّه عليه وسلم-.

وأما (ركن المتواضعين) فلأنه عمادهم، وقد ظهر عليه- صلى اللّه عليه وسلم- من التواضع ما لم يظهر على غيره، فكان يرقع القميص، ويخصف النعل، ويقم البيت.

ووقع فيما ترجموه من كتاب شعياء مما يدل صريحا فى البشارة برسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: ولا يميل إلى الهوى، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة ال.....ة بل يقوى الصديقين، وهو ركن المتواضعين، وهو نور اللّه الذى لا يطفأ.

وأما (قثم) و (قثوم) - بالقاف والمثلاثة- ففسره القاضى عياض بالجامع للخير، وقال ابن الجوزى مشتق من القثم، وهو الإعطاء ي

قال: قثم له من العطاء يقثم، إذا أعطاه، وقد كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أعظم الخلق ندى وأسخاهم يدا.

__________

(١) سورة النحل: ١٨.

(٢) سورة النحل: ٨٣.

(٣) هو: نحوى زمانه، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن السّرى الزجاج البغدادى، له (معانى القرآن) وغير ذلك، مات سنة (٣١١ هـ) .

(٤) سورة الفاتحة: ٦.

(٥) سورة البقرة: ٢٥٦.

وأما (البارقليط) و (الفارقليط) - بالموحدة. وبالفاء بدلها، وفتح الراء والقاف. وبسكون الراء مع فتح القاف. وفتح الراء مع سكون القاف. وبكسر الراء وسكون القاف غير منصرف للعجمة والعلمية- فوقع فى إنجيل يوحنا، ومعناه: روح الحق. وقال ثعلب (١) الذى يفرق بين الحق والباطل، وفى نهاية ابن الأثير، فى صفته- عليه السّلام-، أن اسمه فى الكتب السالفة (فارق ليطا) أى يفرق بين الحق والباطل،

قال: ومنه الحديث: محمد فرق بين الناس، أى يفرق بين المؤمنين والكافرين بتصديقه وتكذيبه.

وأما (حمطايا) - فبفتح الحاء المهملة وسكون الميم- قال الهروى:

أى حامى الحرم، وقال ابن الأثير فى حديث كعب أنه قال فى أسماء النبى صلى اللّه عليه وسلم- فى الكتب السالفة: محمد وأحمد وحمياطا- يعنى بالحاء المهملة ثم ميم ساكنة فمثناة تحتية فألف فطاء مهملة فألف-. قال أبو عمرو: سألت بعض من أسلم من اليهود عنه

فقال: معناه يحمى الحرم من الحرام، ويوطئ الحلال.

وأما (أحيد) - وهو بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة. كذا وجدته فى بعض نسخ الشفاء المعتمدة. والمشهور ضبطه بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وبفتح المثناة التحتية، وفى نسخة بفتحها وكسر الحاء وسكون المثناة- فقال النووى فى كتابه تهذيب الأسماء واللغات: عن ابن عباس

قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (اسمى فى القرآن محمد، وفى الإنجيل أحمد، وفى التوراة أحيد، وإنما سميت أحيد لأنى أحيد عن أمتى نار جهنم) (٢) .

وأما (المنحمنا) وهو بضم الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد النون الثانية المفتوحة، مقصور، وضبطه بعضهم بفتح الميمين، فمعناه بالسريانية محمد.

__________

(١) هو: إمام النحو، أبو العباس، أحمد بن يحيى بن يزيد الشيبانى، مولاهم البغدادى، صاحب (الفصيح والتصانيف) ، مات سنة (٢٩١ هـ) .

(٢) انظر (تذكرة ال.......ات) للفتنى (٨٦) و (الفوائد المجموعة) للشوكانى (٣٥٩) .

وأما (المشفح) - وهو بضم الميم وبالشين المعجمة وبالفاء المشددة المفتوحتين ثم حاء مهملة، وروى بالقاف بدل الفاء- ففى كتاب شعيا فى البشارة به- عليه السّلام-: يفتح العيون العور، والآذان الصم ويحيى القلوب، وما أعطيه لا أعطيه أحدا، مشفع يحمد اللّه حمدا جديدا، وهو بلغتهم السريانية الحمد.

وأما (مقيم السنة) ففى كتاب الشفاء: قال داود- عليه الصلاة والسلام-:

اللّهم ابعث لنا محمدا يقيم السنة بعد الفترة.

وأما (المبارك) فمبدأ الكون ونماؤه كائن من بركته المستمدة من بركة اللّه، ومن كمال بركته نبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام القليل ببركته حتى أشبع الجيش الكثير، وغير ذلك مما لمسه أو باشره، كما سيأتى ذلك- إن شاء اللّه تعالى- فى مقصد معجزاته.

وأما (المكين) فهو- صلى اللّه عليه وسلم- المكين بعلو مكانته عند ربه تعالى، ومن ذلك أن قرن سبحانه ذكره بذكره فما أذن باسم أحد سواه، ولا قرن اسم أحد مع اسمه إلا إياه، فأعلن له فى السابقة على ساق العرش وأذن به فى اللاحقة على منار الإيمان.

وأما (الأمى) فهو من أخص أسمائه،

وقال تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا (١) ، فهو تعالى يقرئه ما كتبه بيده، وما خطته أقلامه العلمية فى ألواح قدسه الأقدسية، فيغنيه بذلك عن أن يقرأ ما تكتب الخلق.

وأما (المكى) فقد كان بداية ظهوره- عليه الصلاة والسلام- فى الأرض فى مكة، التى هى حرم اللّه، وهى مدد البركة ومنشأ الهدى، فهو- صلى اللّه عليه وسلم- مكى الإقامة ومبدأ النبوة، ومكى الإعادة، وكان من آية ذلك توجيه لها حيثما توجه، فهو- صلى اللّه عليه وسلم- المكى الذى لم يبرح وجودا وقصدا، والمرء

__________

(١) سورة الشورى: ٥٢.

حيث قصده لا حيث جسمه، حتى كان من شرعه أن يوجه الميت للكعبة.

ومن أومأ لشىء فهو لما أومأ إليه، ولذلك صحت الصلاة إيماء.

وأما (المدنى) فلأن المدينة دار هجرته وإقامته لا رحلة له عنها، وخصت تربتها بأن ضمت أعضاءه المقدسة.

وأما (عبد الكريم) فذكر الحسين بن محمد الدامغانى فى كتابه (شوق العروس وأنس النفوس) نقلا عن كعب الأحبار أنه

قال: اسم النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عند أهل الجنة عبد الكريم، وعند أهل النار عبد الجبار، وعند أهل العرش عبد الحميد، وعند سائر الملائكة عبد المجيد، وعند الأنبياء عبد الوهاب، وعند الشياطين عبد القهار، وعند الجن عبد الرحيم، وفى الجبال عبد الخالق، وفى البر عبد القادر وفى البحر عبد المهيمن، وعند الحيتان عبد القدوس، وعند الهوام عبد الغياث، وعند الوحوش عبد الرزاق، وعند السباع عبد السلام، وعند البهائم عبد المؤمن، وعند الطيور عبد الغفار، وفى التوراة موذ موذ، وفى الإنجيل طاب طاب، وفى الصحف عاقب، وفى الزبور فاروق، وعند اللّه طه ويس، وعند المؤمنين محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، وكنيته أبو القاسم لأنه يقسم الجنة بين أهلها (١) .

وأما (عبد اللّه) فسماه اللّه تعالى به فى أشرف مقاماته

فقال: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (٢) .

وقال: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (٣) .

وقال: الْحَمْدُ للّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ (٤) . فذكره بالعبودية فى مقام إنزال الكتاب عليه والتحدى بأن يأتوا بمثله.

وقال تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ (٥) فذكره فى مقام

__________

(١) ........

(٢) سورة البقرة: ٢٣.

(٣) سورة الفرقان: ١.

(٤) سورة الكهف: ١.

(٥) سورة الجن: ١٩.

الدعوة إليه،

وقال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (١) ،

و قال: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ (٢) ولو كان له اسم أشرف منه لسماه به فى تلك الحالات العلية.

ولما رفعه اللّه تعالى إلى حضرته السنية، ورقاه إلى أعلى المعالى العلوية، ألزمه- تشريفا له- اسم العبودية، وقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- يجلس للأكل جلوس العبد، وكان يتخلى عن وجوه الترفعات كلها فى ملبسه ومأكله ومبيته ومسكنه إظهارا لظاهر العبودية فيما يناله العيان، صدقا عما فى باطنه من تحقيق العبودية لربه تحقيقا لمعنى وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ (٣) .

ولما خير بين أن يكون نبيّا ملكا، أو نبيّا عبدا، اختار أن يكون نبيّا عبدا، فاختار ما هو الأتم، وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يقول كما فى الصحيح: (لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى، ولكن قولوا عبد اللّه ورسوله) (٤) فاستثبت ما هو ثابت له، وأسلم للّه ما هو له لا لسواه، وليس للعبد إلا اسم العبد، ولذا كان (عبد اللّه) أحب الأسماء إلى اللّه تعالى.

__________

(١) سورة الإسراء: ١.

(٢) سورة النجم: ١٠.

(٣) سورة الزمر: ٣٣.

(٤) صحيح: أخرجه البخارى (٣٤٤٥) فى أحاديث الأنبياء، باب: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها، من حديث عمر- رضى اللّه عنه-.