البحر
الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي [بَابُ الْأَذَانِ]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ]
(قَوْلُهُ: أَوْ كُسُوفٍ) فِيهِ أَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا مَذْهَبُنَا تَأَمَّلْ، وَأَمَّا
خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَهِيَ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ
[الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ]
(بَابُ الْأَذَانِ)
(1/267)
هُوَ لُغَةً الْإِعْلَامُ وَمِنْهُ قَوْله
تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] وَشَرْعًا
إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَسَبَبُهُ الِابْتِدَائِيُّ
أَذَانُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ
وَإِقَامَتُهُ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إمَامًا بِالْمَلَائِكَةِ وَأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ
رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ
فِي الْمَنَامِ وَهُوَ مَشْهُورٌ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ
وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَلَكِ فَقِيلَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ غَيْرُهُ،
كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْبَقَائِيُّ دُخُولُ الْوَقْتِ وَدَلِيلُهُ
الْكِتَابُ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:
9] وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَصِفَتُهُ سَتَأْتِي وَرُكْنُهُ
الْأَلْفَاظُ الْمَخْصُوصَةُ وَكَيْفِيَّتُهُ مَعْلُومَةٌ، وَأَمَّا
سُنَنُهُ فَنَوْعَانِ سُنَنٌ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ وَسُنَنٌ فِي صِفَاتِ
الْمُؤَذِّنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَسَيَأْتِي، وَأَمَّا الثَّانِي فَأَنْ
يَكُونَ رَجُلًا عَاقِلًا ثِقَةً عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَأَوْقَاتُ
الصَّلَاةِ فَأَذَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ وَلَا
مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُعَادُ وَيَشْهَدُ لَهُ
الْحَدِيثُ «وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» وَصَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ
أَذَانِ الْفَاسِقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ عَالِمًا أَوْ
غَيْرِهِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي كَوْنِهِ خِيَارًا أَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَى
الْأَذَانِ أَجْرًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُؤَذِّنِ وَلَا لِلْإِمَامِ
لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى
الْأَذَانِ أَجْرًا» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يُشَارِطْهُمْ عَلَى شَيْءٍ
لَكِنْ عَرَفُوا حَاجَتَهُ فَجَمَعُوا لَهُ فِي وَقْتٍ شَيْئًا كَانَ
حَسَنًا وَيَطِيبُ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ
شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يُهْدُوا إلَيْهِ،
كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ
أَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا فَيَجُوزُ أَخْذُ
الْأَجْرِ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ وَالْمُفْتِي كَمَا
صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان
الْمُؤَذِّنُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا
يَسْتَحِقُّ ثَوَابَ الْمُؤَذِّنِينَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَفِي
أَخْذِ الْأَجْرِ أَوْلَى. اهـ.
وَقَدْ يُمْنَعُ لِمَا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لِلْجَهَالَةِ
الْمُوَقَّعَةِ فِي الْغَرَرِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي وَهَلْ
يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ الْمُقَدَّرَ فِي الْوَقْفِ لِلْمُؤَذِّنِ لَمْ
أَرَهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهُ فِيمَنْ يُوَلِّي
وَيُرَتِّبُ لِلْأَذَانِ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَمْ
الْإِمَامَةُ قِيلَ بِالْأَوَّلِ لِلْآيَةِ {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33] فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ
بِالْمُؤَذِّنِينَ وَلِلْحَدِيثِ «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ قِيلَ
أَطْوَلُ النَّاسِ رَجَاءً يُقَالُ طَالَ عُنُقِي إلَى وَعْدِك أَيْ
رَجَائِي وَقِيلَ أَكْثَرُ النَّاسِ اتِّبَاعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛
لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُمْ كُلُّ مَنْ يُصَلِّي بِأَذَانِهِمْ يُقَالُ
جَاءَنِي عُنُقٌ مِنْ النَّاسِ أَيْ جَمَاعَةٌ وَقِيلَ أَعْنَاقُهُمْ
تَطُولُ حَتَّى لَا يُلْجِمَهُمْ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ
إعْنَاقًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ إسْرَاعًا فِي
السَّيْرِ وَقِيلَ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا
أَئِمَّةً وَلَمْ يَكُونُوا مُؤَذِّنِينَ وَهُمْ لَا يَخْتَارُونَ مِنْ
الْأُمُورِ إلَّا أَفْضَلَهَا وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ
وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ إنَّ
بَعْضَ الْعُلَمَاءِ اخْتَارَ الْإِمَامَةَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ أَخَافُ إنْ تَرَكْت الْفَاتِحَةَ أَنْ يُعَاتِبَنِي الشَّافِعِيُّ
وَإِنْ قَرَأْتُهَا مَعَ الْإِمَامِ أَنْ يُعَاتِبَنِي أَبُو حَنِيفَةَ
فَاخْتَرْت الْإِمَامَةَ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ.
اهـ.
وَقَدْ كُنْت أَخْتَارُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ قَبْلَ
الِاطِّلَاعِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَاخْتَارَ
الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
وَقَوْلُ عُمَرَ لَوْلَا الْخِلِّيفَى لَأَذَّنْت لَا يَسْتَلْزِمُ
تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ مُرَادُهُ لَأَذَّنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا
مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ
الْمُؤَذِّنُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا
عُلِمَ مِنْ إخْبَارِهِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مَهِيبًا
وَيَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ النَّاسِ وَيَزْجُرُ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ
الْجَمَاعَاتِ وَلَا يُؤَذِّنُ لِقَوْمٍ آخَرِينَ إذَا صَلَّى فِي
مَكَانِهِ وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي مَوْضِعٍ عَالٍ وَالْإِقَامَةُ عَلَى
الْأَرْضِ وَفِي أَذَانِ الْمَغْرِبِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْمَكَانُ الْعَالِي فِي أَذَانِ
الْمَغْرِبِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ
وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ أَسْمَعَ
لِلْجِيرَانِ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَلَا يُجْهِدَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ
يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَوِلَايَةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَنْ بَنَى
الْمَسْجِدَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1/268)
وَالْقَوْمُ كَارِهُونَ لَهُ وَكَذَا
الْإِمَامَةُ إلَّا أَنَّ هَهُنَا اسْتَثْنَى الْفَاسِقَ اهـ. يَعْنِي فِي
الْإِمَامَةِ.
(قَوْلُهُ: سُنَّ لِلْفَرَائِضِ) أَيْ سُنَّ الْأَذَانُ لِلصَّلَوَاتِ
الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَوِيَّةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ
الْوَاجِبِ حَتَّى أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْوُجُوبَ وَلِهَذَا
قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ
قَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِهِ لَا عَلَى وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ
الْمُقَاتَلَةَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ
اسْتِخْفَافِهِمْ بِالدِّينِ بِخَفْضِ أَعْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ
مِنْ إعْلَامِ الدِّينِ كَذَلِكَ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وُجُوبَهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلَا
يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ أَهْلُ
بَلْدَةٍ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ إذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُمْ
وَلَمْ يُضْرَبُوا وَلَمْ يُحْبَسُوا وَاسْتُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي
مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ صَلَّوْا فِي
الْحَضَرِ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ
أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَأَثِمُوا. اهـ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمَقْرُونَةَ بِعَدَمِ التَّرْكِ
مَرَّةً لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ
يَفْعَلْهُ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ لَا الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ
بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَالظَّاهِرُ كَوْنُهُ
عَلَى الْكِفَايَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ فِي بَلَدٍ سَقَطَتْ
الْمُقَاتَلَةُ عَنْ أَهْلِهَا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ وَاحِدٌ
فِي بَلَدٍ سَقَطَ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ
الْبَلْدَةِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ إظْهَارُ أَعْلَامِ الدِّينِ وَلَوْ
لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكِفَايَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ سُنَّةً فِي
حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا
كَمَا سَيَأْتِي وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْإِثْمِ عَلَى تَرْكِهِ لَا يَدُلُّ
عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ
وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ
إذَا تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ
النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَلَّ الْإِثْمَ مَقُولٌ
بِالتَّشْكِيكِ بَعْضُهُ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي
الرِّوَايَةِ بِالسُّنِّيَّةِ حَيْثُ قَالَ أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَفِي
غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ؛ لِأَنَّ
السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ فِي حَقِّ لُحُوقِ
الْإِثْمِ لِتَارِكِهِمَا. اهـ.
وَخَرَجَ بِالْفَرَائِضِ مَا عَدَاهَا فَلَا أَذَانَ لِلْوِتْرِ وَلَا
لِلْعِيدِ وَلَا لِلْجَنَائِزِ وَلَا لِلْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ
وَالتَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ؛ لِأَنَّهَا اتِّبَاعٌ
لِلْفَرَائِضِ وَالْوِتْرُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عِنْدَهُ لَكِنَّهُ
يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَى بِأَذَانِهِ لَا لِأَنَّ
الْأَذَانَ لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: بِلَا تَرْجِيعٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ وَهُوَ أَنْ
يَخْفِضَ بِالشَّهَادَتَيْنِ صَوْتَهُ، ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَرْفَعَ بِهِمَا
صَوْتَهُ «؛ لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ لَا يُرَجِّعُ وَأَبُو مَحْذُورَةَ
رَجَّعَ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّعْلِيمِ»
كَمَا كَانَ عَادَتُهُ فِي تَعْلِيمِ أَصْحَابِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِعْلَامُ وَلَا يَحْصُلُ بِالْإِخْفَاءِ
فَصَارَ كَسَائِرِ كَلِمَاتِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ
التَّرْجِيعَ عِنْدَنَا مُبَاحٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ) قَالَ فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ بِصُورَةِ نَقْلِ الْخِلَافِ
وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِوَجْهٍ فَإِنَّ
الْمُقَاتَلَةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ وَعَدَمِ الْقَهْرِ
لَهُمْ وَالضَّرْبُ وَالْحَبْسُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قَهْرِهِمْ فَجَازَ
أَنْ يُقَاتَلُوا إذَا امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْأَمْرِ بِالْأَذَانِ
وَلَمْ يُسَلِّمُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِذَا قُوتِلُوا فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ
ضُرِبُوا وَحُبِسُوا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ إلَخْ) أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ
الْفَتْحِ السَّابِقِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلْدَةٍ
بِحَيْثُ لَوْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ
ثَبَتَ عَدَمُ الْإِنْكَارِ عَلَى أَهْلِ بَلْدَةٍ تَرَكُوهُ لَا عَلَى
وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ تَرْكِهِ لِوَاحِدٍ مِنْ
أَهْلِ بَلْدَةٍ جَوَازُ تَرْكِهِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ
الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا اتَّسَعَتْ أَطْرَافُهَا كَمِصْرِ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَحَلَّةٍ سَمِعُوا الْأَذَانَ وَلَوْ
مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى يَسْقُطُ عَنْهُمْ لَا إنْ لَمْ يَسْمَعُوا.
(قَوْلُهُ: وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْإِثْمِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ
الْمَذْكُورُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ فِي
سَائِرِ السُّنَنِ وَبِهَذَا يَبْطُلُ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْإِثْمَ إلَخْ) لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ هُنَا
لَكِنْ سَيَجْزِمُ بِهِ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ مُسْتَنِدًا إلَى شَرْحِ
الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْفَرَائِضِ إلَخْ) قَالَ
الرَّمْلِيُّ أَيْ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَنْذُورَةِ
وَرَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ يُسَنُّ الْأَذَانُ
لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي أَذَانِ الْمَوْلُودِ وَالْمَهْمُومِ
وَالْمَفْزُوعِ وَالْغَضْبَانِ وَمَنْ سَاءَ خُلُقُهُ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ
بَهِيمَةٍ وَعِنْدَ مُزْدَحِمِ الْجَيْشِ وَعِنْدَ الْحَرِيقِ قِيلَ
وَعِنْدَ إنْزَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ قِيَاسًا عَلَى أَوَّلِ خُرُوجِهِ
لِلدُّنْيَا لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِنْدَ
تَغَوُّلِ الْغِيلَانِ أَيْ عِنْدَ تَمَرُّدِ الْجِنِّ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ
فِيهِ أَقُولُ: وَلَا بُعْدَ فِيهِ عِنْدَنَا.
(قَوْلُهُ: وَأَبُو مَحْذُورَةَ رَجَعَ بِأَمْرِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا
اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي
الْهِدَايَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِحِكْمَةٍ
رُوِيَتْ فِي قِصَّتِهِ وَهِيَ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ يُبْغِضُ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ
الْإِسْلَامِ بُغْضًا شَدِيدًا فَلَمَّا أَسْلَمَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ فَلَمَّا بَلَغَ
كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ خَفَضَ صَوْتَهُ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ فَدَعَاهُ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَرَكَ
أُذُنَهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ وَامْدُدْ بِهَا صَوْتَك إمَّا لِيُعْلِمَهُ
أَنَّهُ لَا حَيَاءَ مِنْ الْحَقِّ أَوْ لِيَزِيدَهُ مَحَبَّةً لِلرَّسُولِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَكْرِيرِ كَلِمَاتِ
الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَتِهِمْ إلَخْ) قَالَ
فِي النَّهْرِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى، أَمَّا التَّرْجِيعُ
بِمَعْنَى التَّغَنِّي
(1/269)
فِيهِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ
لَكِنْ ذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ
بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنُ وَلَا التَّطْرِيبُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
التَّرْجِيعَ هُنَا لَيْسَ هُوَ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ بَلْ هُوَ
التَّغَنِّي وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى ابْنِ سَعْدٍ فِي
الطَّبَقَاتِ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةُ مُؤَذِّنِينَ: بِلَالٌ وَأَبُو مَحْذُورَةَ
وَعَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِذَا غَابَ بِلَالٌ أَذَّنَ أَبُو
مَحْذُورَةَ وَإِذَا غَابَ أَبُو مَحْذُورَةَ أَذَّنَ عَمْرٌو» قَالَ
التِّرْمِذِيُّ أَبُو مَحْذُورَةَ اسْمُهُ سَمُرَةُ بْنُ مُعِيرٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَحْنٌ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ لَحْنٌ أَيْ تَلْحِينٌ وَهُوَ
كَمَا فِي الْمُغْرِبِ التَّطْرِيبُ وَالتَّرَنُّمُ يُقَالُ لَحَّنَ فِي
قِرَاءَتِهِ تَلْحِينًا طَرَّبَ فِيهَا وَتَرَنَّمَ، وَأَمَّا اللَّحْنُ
فَهُوَ الْفِطْنَةُ وَالْفَهْمُ لِمَا لَا يَفْطِنُ لَهُ غَيْرُهُ وَمِنْهُ
الْحَدِيثُ «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» وَفِي
الصِّحَاحِ اللَّحْنُ الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ وَالتَّلْحِينُ
التَّخْطِئَةُ وَالْمُنَاسِبُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ
وَلِهَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ بِالتَّغَنِّي بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى
تَغْيِيرِ كَلِمَاتِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِيهِ
وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَغَنٍّ، كَذَا فِي
الْخُلَاصَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى لَكِنْ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ مَطْلُوبٌ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا
وَقَيَّدَهُ الْحَلْوَانِيُّ بِمَا هُوَ ذِكْرٌ فَلَا بَأْسَ بِإِدْخَالِ
الْمَدِّ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّلْحِينَ
هُوَ إخْرَاجُ الْحَرْفِ عَمَّا يَجُوزُ لَهُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ نَقْصٍ
مِنْ الْحُرُوفِ أَوْ مِنْ كَيْفِيَّاتِهَا وَهِيَ الْحَرَكَاتُ
وَالسَّكَنَاتُ أَوْ زِيَادَةُ شَيْءٍ فِيهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا
يَحِلُّ سَمَاعُ الْمُؤَذِّنِ إذَا لَحَّنَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَدَلَّ
كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي الْقِرَاءَةِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى
قِرَاءَةً وَسَمَاعًا وَقَيَّدَهُ بِالتَّلْحِينِ؛ لِأَنَّ التَّفْخِيمَ
لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ اللُّغَتَيْنِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ
وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ تَغْلِيظُ اللَّامِ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى
وَهُوَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ وَذَكَرَ
فِي الْكَافِي خِلَافًا فِيهِ بَيْنَ الْقُرَّاءِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ
بِكَرَاهَةِ الْخَطَأِ فِي إعْرَابِ كَلِمَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ
بَعْدَ فَلَاحِ أَذَانَ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ
مَرَّتَيْنِ) «لِحَدِيثِ بِلَالٍ حَيْثُ ذَكَرَهَا حِينَ وُجِدَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَائِمًا فَلَمَّا انْتَبَهَ
أَخْبَرَهُ بِهِ فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك» وَهُوَ
لِلنَّدْبِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مَا أَحْسَنَ هَذَا، وَإِنَّمَا خُصَّ
الْفَجْرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ
الْإِعْلَامِ دُونَ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَهَا مَكْرُوهٌ
أَوْ نَادِرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ النَّوْمُ مُشَارِكًا لِلصَّلَاةِ فِي
أَصْلِ الْخَيْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِبَادَةً كَمَا إذَا كَانَ
وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ أَوْ لِأَنَّ
النَّوْمَ رَاحَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةُ رَاحَةٌ فِي الْآخِرَةِ
فَتَكُونُ الرَّاحَةُ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَ
فَلَاحٍ أَذَانَ الْفَجْرِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ مَحِلَّهَا
بَعْدَ الْأَذَانِ بِتَمَامِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ هَكَذَا فِي
الْمُسْتَصْفَى.
(قَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْأَذَانِ فِي كَوْنِهِ
سُنَّةَ الْفَرَائِضِ فَقَطْ وَفِي عَدَدِ كَلِمَاتِهِ وَفِي تَرْتِيبِهَا
لِحَدِيثِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ أَذَّنَ مَثْنَى
مَثْنَى وَأَقَامَ مَثْنَى مَثْنَى وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي
مَحْذُورَةَ «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ تِسْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ
عَشَرَةَ كَلِمَةً» ، وَإِنَّمَا قَالَ تِسْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً لِأَجْلِ
التَّرْجِيعِ وَإِلَّا فَالْأَذَانُ عِنْدَنَا خَمْسَ عَشَرَةَ كَلِمَةً
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَعْمَلْ بِمَجْمُوعِهِ الْفَرِيقَانِ فَإِنَّ
الشَّافِعِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِتَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ
وَالْحَنَفِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِالتَّرْجِيعِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ
الْإِقَامَةَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى إيتَارِ صَوْتِهَا بِأَنْ يَحْدُرَ فِيهَا
كَمَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ لِيُوَافِقَ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ النَّصِّ
الْغَيْرِ الْمُحْتَمَلِ لَا إيتَارُ أَلْفَاظِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِإِيتَارِ التَّكْبِيرِ بَلْ هُوَ
مَثْنَى فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ
تَوَاتَرَتْ الْآثَارُ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ
حَتَّى مَاتَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ أَذَّنَ رَجُلٌ وَأَقَامَ آخَرُ
بِإِذْنِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْأَوَّلُ يُكْرَهُ
وَهَذَا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَجَوَابُ الرِّوَايَةِ
أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا فِي
الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا نَكْرَهُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَمَا ذَكَرَهُ
ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَرْضَ
بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا فِيهِ نَظَرٌ
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالْأَفْضَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فَلَا يَحِلُّ فِيهِ فَفِي الْقُرْآنِ أَوْلَى. اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ
قُلْتُ: وَفِي الْمَنْبَعِ قَالَ: فَإِنْ قُلْتُ: ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّهُ
لَا تَرْجِيعَ فِي الْأَذَانِ لَكِنْ لَوْ رَجَّعَ هَلْ يَكُونُ الْأَذَانُ
مَكْرُوهًا قُلْتُ: مَا رَأَيْت إطْلَاقَ الْكَرَاهَةِ عَلَيْهِ غَيْرَ
أَنَّ فِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى
مَسْأَلَةِ كَرَاهَةِ التَّلْحِينِ فَقَالَ وَلِهَذَا يُكْرَهُ
التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُنَاسِبُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ)
مُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ التَّطْرِيبُ وَالتَّرَنُّمُ وَبِالثَّالِثِ
الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ. (قَوْلُهُ: فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَهُ
بِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِلَالٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَاَلَّذِي فِي الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا
أَنَّهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -
(1/270)
أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ
وَلَوْ أَقَامَ غَيْرُهُ جَازَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِقَامَةَ آكَدُ فِي
السُّنِّيَّةِ مِنْ الْأَذَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَلِهَذَا قَالُوا يُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلْمُسَافِرِ دُونَ الْأَذَانِ،
وَقَالُوا إنَّ الْمَرْأَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ وَفِي الْخُلَاصَةِ
وَالْإِقَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ وَفِي الْقُنْيَةِ ذَكَرَ فِي
الصَّلَاةِ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتَئِذٍ
لَا تُسَنُّ إعَادَةُ الْإِقَامَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْمِثْلِيَّةِ
تَحْوِيلُ وَجْهِهِ بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ فِيهَا كَالْأَذَانِ
وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا كَهُوَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ إلَّا
أَنَّ الْإِقَامَةَ أَخْفَضُ مِنْهُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَقَوْلُ
الشَّارِحِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ وَيَزِيدُ
بَعْدَ فَلَاحِهَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) لِحَدِيثِ أَبِي
مَحْذُورَةَ وَفِي رَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ أَكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ
يَمْشِيَ فِي إقَامَتِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا انْتَهَى الْمُؤَذِّنُ
إلَى قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ إنْ شَاءَ أَتَمَّهَا فِي مَكَانِهِ وَإِنْ
شَاءَ مَشَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ إمَامًا كَانَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ
غَيْرَهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ غَيْرَ
الْإِمَامِ أَتَمَّهَا فِي مَوْضِعِ الْبِدَايَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ
وَدَخَلَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ إلَى أَنْ يَقُومَ
الْإِمَامُ فِي مُصَلَّاهُ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَنْتَظِرُ
الْمُؤَذِّنُ وَلَا الْإِمَامُ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ
أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شِرِّيرًا وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ
فَيُعْذَرُ وَقِيلَ يُؤَخَّرُ.
(قَوْلُهُ: وَيَتَرَسَّلُ فِيهِ وَيَحْدُرُ فِيهَا) أَيْ يَتَمَهَّلُ فِي
الْأَذَانِ وَيُسْرِعُ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدُّهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ
كَلِمَتَيْ الْأَذَانِ بِسَكْتَةٍ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لِلتَّوَارُثِ
وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ لِبِلَالٍ «إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِك وَإِذَا أَقَمْت
فَاحْدُرْ» فَكَانَ سُنَّةً فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ
مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَالتَّرَسُّلُ بِحَالِهِ أَلْيَقُ وَمِنْ
الْإِقَامَةِ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَدْرُ بِحَالِهِ أَلْيَقُ
وَفُسِّرَ التَّرَسُّلُ فِي الْفَوَائِدِ بِإِطَالَةِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ
وَالْحَدْرُ قِصَرُهَا وَإِيجَازُهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ جَعَلَ
الْأَذَانَ إقَامَةً يُعِيدُ الْأَذَانَ وَلَوْ جَعَلَ الْإِقَامَةَ
أَذَانًا لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ دُونَ
الْإِقَامَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ
تَرَسَّلَ فِيهِمَا أَوْ حَدَرَ فِيهِمَا أَوْ تَرَسَّلَ فِي الْإِقَامَةِ
وَحَدَرَ فِي الْأَذَانِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ
وَتَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ لَا يَضُرُّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ
وَالْإِعَادَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان أَذَّنَ وَمَكَثَ سَاعَةً،
ثُمَّ أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ فَظَنَّهَا أَذَانًا فَصَنَعَ كَالْأَذَانِ
فَعَرَفَ يَسْتَقْبِلُ الْإِقَامَةَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِقَامَةِ
الْحَدْرُ فَإِذَا تَرَسَّلَ تَرَكَ سُنَّةَ الْإِقَامَةِ وَصَارَ
كَأَنَّهُ أَذَّنَ مَرَّتَيْنِ. اهـ.
لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ جَعَلَ الْأَذَانَ إقَامَةً لَا
يَسْتَقْبِلُ وَلَوْ جَعَلَ الْإِقَامَةَ أَذَانًا يَسْتَقْبِلُ؛ لِأَنَّ
فِي الْإِقَامَةِ التَّغَيُّرَ وَقَعَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِسُنَّتِهَا وَهُوَ الْحَدْرُ وَفِي الْأَذَانِ
التَّغَيُّرُ مِنْ آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِسُنَّتِهِ فِي أَوَّلِهِ
وَهُوَ التَّرَسُّلُ فَلِهَذَا لَا يُعِيدُ. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ يُفِيدُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِجَعْلِ الْأَذَانِ إقَامَةً أَنَّهُ أَتَى فِيهِ
بِقَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ فَلْيَكُنْ هُوَ
الْمُرَادُ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَتَصِيرُ مَسْأَلَةً أُخْرَى
غَيْرَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْكَافِي وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُسَكِّنُ
كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَكِنْ فِي الْأَذَانِ يَنْوِي
الْحَقِيقَةَ وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ فِيهِ نَظَرٌ) ؛
لِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَى ذَلِكَ بَلْ هِيَ فِي
غَيْرِهِ أَيْضًا وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا مِثْلُهُ
فِي خَمْسَةٍ السُّنِّيَّةُ لِلْفَرَائِضِ وَالْعَدَدُ وَالتَّرْتِيبُ
وَتَحْوِيلُ الْوَجْهِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ لَكِنْ فِي النَّهْرِ الْأَوْلَى
أَنْ تَكُونَ الْمُمَاثَلَةُ فِي السُّنِّيَّةِ وَعَدَمِ التَّرْجِيعِ
وَاللَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا قَالَ وَبِهِ
يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ
فَكَانَ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ
يُقَالُ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ وَيَسْتَدِيرُ فِي صَوْمَعَتِهِ
شُرُوعٌ فِيمَا اُخْتُصَّ بِهِ الْأَذَانُ فَكَذَا مَا عَطَفَهُ عَلَيْهِ
بِقَوْلِهِ وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَذَلِكَ يَنْفِي
الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَلَا يُرَدُّ مَا ذُكِرَ
فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَرَّتَيْنِ) أَيْ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالتَّرَسُّلِ
أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُرَادُ مِمَّا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ هُوَ
الْمُرَادُ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ يُعَادُ عَلَى مَا
فِيهَا لَا عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ
الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى جَعَلَ
الْأَذَانَ إقَامَةً عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ تَرَكَ
التَّرَسُّلَ فِيهِ فَيُعِيدُ لِفَوَاتِ تَمَامِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ
وَعَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ لَفْظَ الْإِقَامَةِ فَلَا
يُعِيدُ لِوُجُودِ التَّرَسُّلِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ نَعَمْ لَوْ
جَعَلَ الْإِقَامَةَ أَذَانًا لَا يُعِيدُهُ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
وَيُعِيدُهُ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا
جَاءَتْ عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلرَّاجِحِ السَّابِقِ وَبِهَذَا
تَتَّفِقُ النُّقُولُ ثُمَّ الْإِعَادَةُ إنَّمَا هِيَ أَفْضَلُ فَقَطْ
كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْأَذَانِ يَنْوِي
الْحَقِيقَةَ) لَا دَخْلَ لِذِكْرٍ يَنْوِي هُنَا وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ
الشَّارِحِ وَنَصُّهَا وَيُسَكِّنُ كَلِمَاتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ شَيْئَانِ يُجْزَمَانِ كَانُوا لَا
يُعْرِبُونَهُمَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ يَعْنِي عَلَى الْوَقْفِ
لَكِنْ فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةً وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ.
اهـ.
وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَمَا فِي
الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ فِي الْمُبْتَغَى: وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ، فَفِيهِ
نَظَرٌ لِأَنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الْمُبْتَغَى يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ
مِنْهُ تَكْبِيرُ الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ وَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ
بِالرَّفْعِ يَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْجَزْمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَالتَّسْمِيعُ جَزْمٌ»
اهـ. بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ ثُمَّ فِي اللَّفْظِ مَجَازٌ وَالْمُرَادُ
أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ مُسَكَّنًا بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ
(1/271)
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْمُبْتَغَى
وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي
التَّكْبِيرَاتِ إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالرَّفْعِ وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَهُ
بِالْجَزْمِ وَإِنْ كَرَّرَ التَّكْبِيرَ مِرَارًا فَالِاسْمُ الْكَرِيمُ
مَرْفُوعٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَذِكْرُ أَكْبَرَ فِيمَا عَدَا الْمَرَّةِ
الْأَخِيرَةِ بِالرَّفْعِ وَفِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ هُوَ بِالْخِيَارِ
إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالرَّفْعِ وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالْجَزْمِ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ) أَيْ بِالْآذَانِ
وَالْإِقَامَةِ لِفِعْلِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ
وَلِلتَّوَارُثِ عَنْ بِلَالٍ وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَيُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، كَذَا فِي
الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِمَا فِي
الْمُحِيطِ وَإِذَا انْتَهَى إلَى الصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ حَوَّلَ
وَجْهَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَلَا يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ لِأَنَّهُ فِي
حَالَةِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَةِ
لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِنَبِيِّهِ بِالرِّسَالَةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ
يَكُونَ مُسْتَقْبِلًا، فَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالْفَلَاحُ دُعَاءٌ إلَى
الصَّلَاةِ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ الدَّاعِي أَنْ يَكُونَ مُقْبِلًا عَلَى
الْمَدْعُوِّينَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ سُنِّيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ مَا إذَا
أَذَّنَ رَاكِبًا فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ الِاسْتِقْبَالُ، بِخِلَافِ مَا
إذَا كَانَ مَاشِيًا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُوَالَاةِ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ
مُعَظَّمٌ كَالْخُطْبَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ كُلَّ كَلَامٍ فَلَا يَحْمَدُ
لَوْ عَطَسَ هُوَ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ
السَّلَامَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ لَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ فِي نَفْسِهِ وَكَذَا
لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي أَوْ الْقَارِئِ أَوْ الْخَطِيبِ
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُتَغَوِّطَ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ فِي الْحَالِ
وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَنْ فِي
الْحَمَّامِ إذَا كَانَ بِمِئْزَرٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا سَلَّمَ
عَلَى الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ قَالُوا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ.
اهـ.
وَمِثْلُهُ ذُكِرَ فِي سَلَامِ الْمُكَدِّي وَلَوْ تَكَلَّمَ الْمُؤَذِّنُ
فِي أَذَانِهِ اسْتَأْنَفَهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي
الْخُلَاصَةِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَسِيرٍ لَا يَلْزَمُهُ
الِاسْتِقْبَالُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّنَحْنُحُ فِي الْأَذَانِ
مَكْرُوهٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِتَحْصِيلِ الصَّوْتِ وَفِي الْخُلَاصَةِ
وَكَذَا فِي الْإِقَامَةِ وَإِنْ قَدَّمَ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ
شَيْئًا بِأَنْ قَالَ أَوَّلًا أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،
ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ
يُعِيدَ الْأَوَّلَ. (قَوْلُهُ: وَيَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا
بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِفِعْلِ بِلَالٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ
فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ سُنَّةَ
الْأَذَانِ فَلَا يَتْرُكُهُ خِلَافًا لِلْحَلْوَانِيِّ لِعَدَمِ
الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ
الْأَذَانِ فَلَا يُخِلُّ الْمُنْفَرِدُ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى قَالُوا
فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ. اهـ.
وَقَيَّدَ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ
لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَلَا أَمَامَهُ لِحُصُولِ
الْإِعْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ
وَقَوْلُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ يَعْنِي
أَنَّهُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا بِالصَّلَاةِ وَشِمَالًا بِالْفَلَاحِ وَهُوَ
الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ بِالْيَمِينِ
وَالشِّمَالِ وَالْفَلَاحَ كَذَلِكَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ
الْأَوْجَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَقَيَّدَ بِالِالْتِفَاتِ؛
لِأَنَّهُ لَا يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ
بِلَالٍ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا أَذَّنَّا أَوْ أَقَمْنَا أَنْ لَا نُزِيلَ أَقْدَامَنَا
عَنْ مَوَاضِعِهَا» وَأَطْلَقَ فِي الِالْتِفَاتِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ
بِالْأَذَانِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْغُنْيَةِ أَنَّهُ يُحَوِّلُ فِي
الْإِقَامَةِ أَيْضًا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يُحَوِّلُ فِيهَا؛
لِأَنَّهَا لِإِعْلَامِ الْحَاضِرِينَ بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ
إعْلَامٌ لِلْغَائِبِينَ، وَقِيلَ يُحَوِّلُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ
مُتَّسِعًا. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَدِيرُ فِي صَوْمَعَتِهِ) يَعْنِي إنْ لَمْ
يَتِمَّ الْإِعْلَامُ بِتَحْوِيلِ وَجْهِهِ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ
فَإِنَّهُ يَسْتَدِيرُ فِي الْمِئْذَنَةِ لِيَحْصُلَ التَّمَامُ
وَالصَّوْمَعَةُ الْمَنَارَةُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مُتَعَبَّدُ الرَّاهِبِ
ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِئْذَنَةٌ، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ
كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ بِحَوْلِ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ
يَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ يَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ فَإِذَا
رَآهُ أَذَّنَ وَفِي الْقُنْيَةِ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ فَتَعْوِي
الْكِلَابُ فَلَهُ ضَرْبُهَا إنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِضَرْبِهِ
وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْخُلَاصَةِ.
وَمِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا؛
لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَة بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَعَلَّ
وَجْهَهُ أَنَّ كَوْنَهُ خَطَا بِالْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ بِهِ لَا
يَخُصُّ أَهْلَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ بَلْ يَعُمُّ الْجَمِيعَ
وَحِينَئِذٍ فَاخْتِصَاصُ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالشِّمَالِ
بِالْفَلَاحِ تَحَكُّمٌ، قَالَ الرَّمْلِيُّ لَكِنَّ الصَّحِيحَ هُوَ
الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ، كَذَا فِي الْغَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يُحَوِّلُ إلَخْ) قَالَ فِي
النَّهْرِ الثَّانِي أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ فِي
زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِئْذَنَةٌ) قَالَ فِي
شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَفِي أَوَائِلِ السُّيُوطِيّ: إنَّ أَوَّلَ
مَنْ رَقِيَ مَنَارَةَ مِصْرَ لِلْأَذَانِ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَامِرٍ
الْمُرَادِيُّ وَفِي عِرَافَتِهِ بَنِي سَلِمَةَ الْمَنَائِرَ لِلْأَذَانِ
بِأَمْرِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ
بِالسَّنَدِ إلَى أُمِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَانَ بَيْتِي أَطْوَلَ بَيْتٍ
حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ فَوْقَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا
أَذَّنَ إلَى أَنْ بَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ،
وَقَدْ رُفِعَ لَهُ شَيْءٌ فَوْقَ ظَهْرِهِ
(1/272)
إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ لَيْسَتْ بِأَذَانٍ
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ فَضِيلَةٌ وَإِنْ
تَرَكَهَا لَا يَأْثَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مِنْ لَمْ يُجِبْ الْأَذَانَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ»
فَمَعْنَاهُ الْإِجَابَةُ بِالْقَدَمِ لَا بِاللِّسَانِ فَقَطْ، وَفِي
الْمُحِيطِ يَجِبُ عَلَى السَّامِعِ لِلْأَذَانِ الْإِجَابَةُ وَيَقُولُ
مَكَانَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
وَمَكَانَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ
يَشَأْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ ذَلِكَ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَسْبِيحٍ وَلَا تَهْلِيلٍ وَكَذَا إذَا قَالَ
الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يَقُولُ صَدَقْت وَبَرَرْت
وَلَا يَقْرَأُ السَّامِعُ وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا
يَشْتَغِلُ بِشَيْءٍ سِوَى الْإِجَابَةِ وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ يَقْرَأُ
يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَيُجِيبُ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْإِجَابَةُ
بِالْقَدَمِ لَا بِاللِّسَانِ حَتَّى لَوْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَلَمْ
يَمْشِ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يَكُونُ مُجِيبًا وَلَوْ كَانَ فِي
الْمَسْجِدِ حِينَ سَمِعَ الْأَذَانَ لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ وَفِي
الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ فَسَمِعَ الْأَذَانَ لَا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّهُ
أَجَابَهُ بِالْحُضُورِ وَلَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ
وَيُجِيبُ لَعَلَّهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ وَاجِبَةٌ لِظَاهِرِ
الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا
سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» إذْ لَا تَظْهَرُ
قَرِينَةٌ تَصْرِفُ عَنْهُ بَلْ رُبَّمَا يَظْهَرُ اسْتِنْكَارُ تَرْكِهِ؛
لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ وَالتَّشَاغُلَ عَنْهُ
وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ لَا يُجِيبُ وَلَا
بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِالدُّعَاءِ عِنْدَهُمَا وَفِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ إنَّ إجَابَةَ الْإِقَامَةِ مُسْتَحَبَّةٌ وَفِي غَيْرِهِ
أَنَّهُ يَقُولُ إذَا سَمِعَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ أَقَامَهَا اللَّهُ
وَأَدَامَهَا وَفِي التَّفَارِيقِ إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرُ
مِنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَالْحُرْمَةُ
لِلْأَوَّلِ وَسُئِلَ ظَهِيرُ الدِّينِ عَمَّنْ سَمِعَ فِي وَقْتٍ مِنْ
جِهَاتٍ مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ إجَابَةُ أَذَانِ مَسْجِدِهِ بِالْفِعْلِ
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إذْ مَقْصُودُ
السَّائِلِ أَيُّ مُؤَذِّنٍ يُجِيبُ بِاللِّسَانِ اسْتِحْبَابًا أَوْ
وُجُوبًا وَاَلَّذِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ]
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ:
يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ بِاللِّسَانِ اتِّفَاقًا عَلَى قَوْلِ
الْإِمَامِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ وَأَنْ تَجِبَ
بِالْقَدَمِ اتِّفَاقًا فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَمِنْ الْجُمُعَةِ
حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ وَبِاللِّسَانِ أَيْضًا عَلَى
الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْوَاجِبُ إنَّمَا هُوَ السَّعْيُ لَا
إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ سَمِعَ
الْأَذَانَ وَهُوَ يَقْرَأُ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْأَوَّلِ
لِلْإِجَابَةِ لَا عَلَى الثَّانِي، وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ
وَالتُّحْفَةِ بِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يُسَلِّمُ وَلَا يَشْتَغِلُ
بِمَا سِوَى الْإِجَابَةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عِنْدَ
الْأَذَانِ فَمَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إجْمَاعًا
اسْتِدْلَالًا بِاخْتِلَافِهِمْ فِي كَرَاهَتِهِ عِنْدَ أَذَانِ
الْخُطْبَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا كَرِهَهُ لِإِلْحَاقِ هَذِهِ
الْحَالَةِ بِحَالَةِ الْخُطْبَةِ فَكَانَ هَذَا اتِّفَاقًا عَلَى أَنَّهُ
لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ مَمْنُوعٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ
قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ بِالْقَدَمِ مُشْكِلٌ؛
لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ
وَفِي الْمَسْجِدِ إذْ لَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الذَّهَابِ دُونَ الصَّلَاةِ
وَمَا فِي شَهَادَاتِ الْمُجْتَبَى سَمِعَ الْأَذَانَ وَانْتَظَرَ
الْإِقَامَةَ فِي بَيْتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُخَرَّجٌ عَلَى
قَوْلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ سَأَلْت شَيْخَنَا الْأَخَ عَنْ هَذَا
فَلَمْ يُبْدِ جَوَابًا. اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ
السَّلَفِ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَدَمِ
تَكَرُّرِهَا كَمَا هُوَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَإِذَا فَرَغَ
فَمَنْ تَخَلَّفَ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ
عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْجَمَاعَةِ فَيَجِبُ السَّعْيُ
إلَيْهَا عِنْدَ وَقْتِهَا وَذَلِكَ بِالْأَذَانِ كَمَا فِي السَّعْيِ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَجِبُ بِالْأَذَانِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ لَا لِذَاتِهِ
فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كُلٍّ
مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ تَكْرَارَ
الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مَكْرُوهٌ، قَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ
وَالْغُرَرِ وَفِي الْكَافِي وَلَا تُكَرَّرُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي
عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لَنَا أَنَّا أُمِرْنَا بِتَكْثِيرِ
الْجَمَاعَةِ وَفِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ
تَقْلِيلُهَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا عَرَفُوا أَنَّهُمْ تَفُوتُهُمْ
الْجَمَاعَةُ يَتَعَجَّلُونَ لِلْحُضُورِ فَتَكْثُرُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي
الْمِفْتَاحِ إذَا دَخَلَ الْقَوْمُ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ
كُرِهَ جَمَاعَةٌ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَلَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ
وِحْدَانًا بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ
فَاسْتَخْلَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - فَرَجَعَ بَعْدَمَا صَلَّى فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَهُ وَجَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ
بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي
الْمَسْجِدِ لَمَا تَرَكَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ.
اهـ.
فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ السَّعْيِ بِالْقَدَمِ
ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ يَلْزَمُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ تَفْوِيتُ
الْجَمَاعَةِ أَوْ إعَادَتُهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ، فَإِنْ
قُلْتُ: مُقْتَضَى مَا قُلْتُهُ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ قَوْلَ
الْحَلْوَانِيِّ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا وَغَيْرُهُ
قُلْتُ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بِأَهْلِهِ فَقَدْ أَتَى بِفَضِيلَةِ
الْجَمَاعَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ هُنَاكَ وَسَنَذْكُرُ عَنْ الْقُنْيَةِ
أَنَّهُ الْأَصَحُّ، فَإِنْ قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ أَحَدَ
الْمَحْذُورَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتهمَا قُلْت: لَا بَلْ يَلْزَمُ؛
لِأَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ وَسَيَأْتِي
فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ
أَحْيَانًا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ قَالَ لَا وَيَكُونُ
بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ أَنَّ الظَّاهِرَ
أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ
بِالْقَدَمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَقَدْ اتَّضَحَ الْحَالُ
وَطَاحَ الْإِشْكَالُ. (قَوْلُهُ: فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَخْ)
الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُمَاثَلَةِ هَهُنَا الْمُشَابَهَةُ فِي
مُجَرَّدِ الْقَوْلِ لَا فِي صِفَتِهِ كَرَفْعِ الصَّوْتِ. اهـ. سَيِّدُ
زَادَهْ
(1/273)
يَنْبَغِي إجَابَةُ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ
كَانَ مُؤَذِّنَ مَسْجِدِهِ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ سَمِعَ
الْأَذَانَ نُدِبَ لَهُ الْإِجَابَةُ أَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ
وَفِي الْقُنْيَةِ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَمْشِي فَالْأَوْلَى أَنْ
يَقِفَ سَاعَةً وَيُجِيبَ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ فَمَا عَمِلَ بَعْدَهُ فَهُوَ حَرَامٌ وَكَانَتْ
تَضَعُ مِغْزَلَهَا وَإِبْرَاهِيمُ الصَّائِغُ يُلْقِي الْمِطْرَقَةَ مِنْ
وَرَائِهِ وَرَدَّ خَلَفٌ شَاهِدًا لِاشْتِغَالِهِ بِالنَّسِيجِ حَالَةَ
الْأَذَانِ وَعَنْ السَّلْمَانِيِّ كَانَ الْأُمَرَاءُ يُوقِفُونَ
أَفْرَاسَهُمْ لَهُ وَيَقُولُونَ كُفُّوا. اهـ.
وَأَمَّا الْحَوْقَلَةُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ فَهُوَ وَإِنْ خَالَفَ
ظَاهِرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ»
لَكِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مُفَسَّرٌ لِذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْجَمْعَ بَيْنَ
الْحَوْقَلَةِ وَالْحَيْعَلَةِ عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ
فِي بَعْضِ الصُّوَرِ طَلَبُهَا صَرِيحًا فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى إذَا
قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ
وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ لَا يَتِمُّ إذْ لَا مَانِعَ
مِنْ صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْمُجِيبِ بِهِمَا دَاعِيًا لِنَفْسِهِ
مُحَرِّكًا مِنْهَا السَّوَاكِنَ مُخَاطَبًا لَهَا، وَقَدْ أَطَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامَ فِيهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي
غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ سَامِعَ الْحَيْعَلَةِ لَا يَقُولُ مِثْلَ
مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ وَمَا
يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ فَذَاكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ. لِأَنَّهُ
كَيْفَ يُنْسَبُ فَاعِلُهُ إلَى الْجَهْلِ مَعَ وُرُودِهِ فِي بَعْضِ
الْأَحَادِيثِ وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الْمُخَصَّصَ
الْأَوَّلَ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا لَا يُخَصَّصُ بَلْ يُعَارَضُ أَوْ
يُقَدَّمُ الْعَامُّ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ
السُّلُوكِ مَنْ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَدْعُو نَفْسَهُ، ثُمَّ
يَتَبَرَّأُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ لِيَعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي أُمَامَةَ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنْ لَا
يَسْبِقَ الْمُؤَذِّنَ بَلْ يَعْقُبُ كُلَّ جُمْلَةٍ مِنْهُ بِجُمْلَةٍ
مِنْهُ. اهـ.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ
السَّامِعُ هَلْ يُجِيبُ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ طَالَ
الْفَصْلُ لَا يُجِيبُ وَإِلَّا يُجِيبُ وَفِي الْمُجْتَبَى فِي
ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ لَا يُجِيبُ فِي الصَّلَاةِ
وَاسْتِمَاعِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَثَلَاثِ خُطَبٍ الْمَوْسِمِ
وَالْجِنَازَةِ وَفِي تَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمِهِ وَالْجِمَاعِ
وَالْمُسْتَرَاحِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالتَّغَوُّطِ، قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ لَا يُثْنِي بِلِسَانِهِ وَكَذَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لَا
يَجُوزُ أَذَانُهُمَا وَكَذَا ثَنَاؤُهُمَا. اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالثَّنَاءِ الْإِجَابَةُ وَكَذَا لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ
عِنْدَ الْأَكْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ
جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ
رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ
مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا
الَّذِي وَعَدْته حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي
الْمُجْتَبَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ
وَانْتَظَرَ الْإِقَامَةَ فِي بَيْتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْعَلْ أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك
فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ بِقَرِينَةِ
التَّعْلِيلِ فَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ حَسَنًا وَكَذَا لَوْ
جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ تَرْكُ السُّنَّةِ كَيْفَ
يَكُونُ حَسَنًا قُلْنَا: لِأَنَّ الْأَذَانَ مَعَهُ أَحْسَنُ فَإِذَا
تَرَكَهُ بَقِيَ الْأَذَانُ حَسَنًا، كَذَا فِي الْكَافِي فَالْحَسَنُ
رَاجِعٌ إلَى الْأَذَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي
الْإِعْلَامِ؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ يَبْدَأُ مِنْ مَخَارِجِ النَّفَسِ
فَإِذَا سَدَّ أُذُنَيْهِ اجْتَمَعَ النَّفَسُ فِي الْفَمِ فَخَرَجَ
الصَّوْتُ عَالِيًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى
وَهِيَ رُبَّمَا لَمْ يَسْمَعْ إنْسَانٌ صَوْتَهُ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ
أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَسْتَدِلُّ بِأُصْبُعَيْهِ عَلَى أَذَانِهِ وَلَا
يُسْتَحَبُّ وَضْعُ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ فِي الْإِقَامَةِ لِمَا
قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِقَامَةَ أَخْفَضُ مِنْ الْأَذَانِ. (قَوْلُهُ:
وَيُثَوِّبُ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ وَالتَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى
الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَمِنْهُ الثَّيِّبُ؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا
عَائِدٌ إلَيْهَا وَالثَّوَابُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ عَمَلِهِ تَعُودُ
إلَيْهِ وَالْمَثَابَةُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُودُونَ إلَيْهِ وَوَقْتُهُ
بَعْدَ الْأَذَانِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان وَفَسَّرَهُ
فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ الْأَذَانِ قَدْرَ
عِشْرِينَ آيَةً، ثُمَّ يَثُوبُ، ثُمَّ يَمْكُثُ كَذَلِكَ، ثُمَّ يُقِيمُ
وَهُوَ نَوْعَانِ قَدِيمٌ وَحَادِثٌ فَالْأَوَّلُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ
النَّوْمِ وَكَانَ بَعْدَ الْأَذَانِ إلَّا أَنَّ عُلَمَاءَ الْكُوفَةِ
أَلْحَقُوهُ بِالْأَذَانِ وَالثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ إلَخْ) أَقُولُ:
مَنْ كَانَ يَقُولُ بِالْجَمْعِ مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ سُلْطَانُ
الْعَارِفِينَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ
فِي كِتَابِهِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي
أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ إلَخْ) سَبَقَهُ إلَيْهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ
الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ حَيْثُ قَالَ
فَلَوْ سَكَتَ حَتَّى فَرَغَ كُلُّ الْأَذَانِ ثُمَّ أَجَابَ قَبْلَ
فَاصِلٍ طَوِيلٍ كَفَى فِي أَصْلِ سُنَّةِ الْإِجَابَةِ كَمَا هُوَ
ظَاهِرٌ. اهـ.
(1/274)
أَحْدَثُهُ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ بَيْنَ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى
الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي التَّثْوِيبِ فَأَفَادَ أَنَّهُ
لَيْسَ لَهُ لَفْظٌ يَخُصُّهُ بَلْ تَثْوِيبُ كُلِّ بَلَدٍ عَلَى مَا
تَعَارَفُوهُ إمَّا بِالتَّنَحْنُحِ أَوْ بِقَوْلِهِ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ
أَوْ قَامَتْ قَامَتْ؛ لِأَنَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْلَامِ،
وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا تَعَارَفُوهُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَحْدَثَ
النَّاسُ إعْلَامًا مُخَالِفًا لِمَا ذُكِرَ جَازَ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى
وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَخُصُّ صَلَاةً بَلْ هُوَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِزِيَادَةِ غَفْلَةِ النَّاسِ
وَقَلَّمَا يَقُومُونَ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَعِنْدَ
الْمُتَقَدِّمِينَ هُوَ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ
الْجُمْهُورِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِمَا
رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَأَى مُؤَذِّنًا يُثَوِّبُ فِي الْعِشَاءِ فَقَالَ
أَخْرِجُوا هَذَا الْمُبْتَدِعَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ
مِثْلُهُ وَلِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مِنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا
مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَخُصُّ شَخْصًا
دُونَ آخَرَ فَالْأَمِيرُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛
لِأَنَّ النَّاسَ سَوَاسِيَةٌ فِي أَمْرِ الْجَمَاعَةِ وَخَصَّ أَبُو
يُوسُفَ الْأَمِيرَ وَكُلَّ مَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِمَصَالِحِ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ بِنَوْعِ إعْلَامٍ
بِأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ حَيَّ عَلَى
الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ
وَاخْتَارَهُ قَاضِي خان وَغَيْرُهُ لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ الْمَلَكِ أَنَّ
أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَعَابَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فَقَالَ أُفٍّ
لِأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ يَخُصُّ الْأُمَرَاءَ بِالذِّكْرِ وَالتَّثْوِيبِ
وَمَالَ إلَيْهِمْ وَلَكِنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا
خَصَّ أُمَرَاءَ زَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِأُمُورِ
الرَّعِيَّةِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَشْغُولًا بِالظُّلْمِ وَالْفِسْقِ فَلَا
يَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ الْمُرُورُ عَلَى بَابِهِ وَلَا التَّثْوِيبُ لَهُمْ
إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّصِيحَةِ كَمَا فِي
السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُثَوِّبِ هُوَ
الْمُؤَذِّنُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مَعْزِيًّا لِلْمُلْتَقِطِ لَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْجَاهِ
حَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ سِوَى الْمُؤَذِّنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْضَالٌ
لِنَفْسِهِ (فَرْعٌ)
فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلشَّافِعِيَّةِ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ فِي
الْأَذَانِ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالزِّيَادَةُ فِي
الْأَذَانِ مَكْرُوهَةٌ. اهـ. وَقَدْ سَمِعْنَاهُ الْآنَ عَنْ
الزَّيْدِيَّةِ بِبَعْضِ الْبِلَادِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ وَيَجْلِسُ
الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ
إلَّا فِي الْمَغْرِبِ فَلَا يُسَنُّ الْجُلُوسُ بَلْ السُّكُوتُ مِقْدَارَ
ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ مِقْدَارِ ثَلَاثِ
خُطُوَاتٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَفْصِلُ أَيْضًا فِي
الْمَغْرِبِ بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ قَدْرَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ بَيْنَ
الْخُطْبَتَيْنِ وَهِيَ مِقْدَارُ أَنْ تَتَمَكَّنَ مَقْعَدَتُهُ مِنْ
الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ فِي مَوْضِعِهِ
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَصْلَ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ
مَكْرُوهٌ إجْمَاعًا لِحَدِيثِ بِلَالٍ «اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك
وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ» غَيْرَ أَنَّ
الْفَصْلَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِالسُّنَّةِ أَوْ مَا يُشْبِهُهَا
لِعَدَمِ كَرَاهِيَةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَهَا وَفِي الْمَغْرِبِ كُرِهَ
التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ فَلَا يَفْصِلُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ الْجِلْسَةُ
تُحَقِّقُ الْفَصْلَ كَمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا يَقَعُ الْفَصْلُ
بِالسَّكْتَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجَدُ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَلَمْ
تُعَدَّ فَاصِلَةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْفَصْلَ بِالسَّكْتَةِ
أَقْرَبُ إلَى التَّعْجِيلِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَكَانُ هُنَا مُخْتَلِفٌ؛
لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارَةِ
وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا النَّغْمَةُ وَالْهَيْئَةُ
بِخِلَافِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ لِاتِّحَادِ الْمَكَانِ وَالْهَيْئَةِ
فَلَا يَقَعُ الْفَصْلُ إلَّا بِالْجِلْسَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ
فَعَلَ الْمُؤَذِّنُ كَمَا قَالَا لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ وَلَوْ فَعَلَ
كَمَا قَالَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا يَعْنِي أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي
الْأَفْضَلِيَّةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
التَّحَوُّلُ لِلْإِقَامَةِ إلَى غَيْرِهِ مَوْضِعَ الْأَذَانِ وَهُوَ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعُلِمَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ قَدْرَ أَدَاءِ
رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ
التَّأْخِيرَ الْقَلِيلَ لَا يُكْرَهُ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ
أَقَلُّ مِنْ قَدْرِهِمَا إذَا تَوَسَّطَ فِيهِمَا لِيُتَّفَقَ كَلَامُ
الْأَصْحَابِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - مِقْدَارَ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَثْبُتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ
عِشْرِينَ آيَةً، ثُمَّ يُثَوِّبُ وَإِنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
بَيْنَ الْأَذَانِ وَالتَّثْوِيبِ فَحَسَنٌ وَفِي الظُّهْرِ يُصَلِّي
بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: سَوَاسِيَةٌ) أَيْ سَوَاءٌ تَقُولُ هُمَا فِي هَذَا الْأَمْرِ
سَوَاءٌ وَإِنْ شِئْت سَوَآنِ وَهُمْ سَوَاءٌ لِلْجَمْعِ وَهُمْ أَسَوَاءٌ
وَهُمْ سَوَاسِيَةٌ أَيْ أَشْبَاهٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مِثْلُ
ثَمَانِيَةٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الصِّحَاحِ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ
أُفٍّ لِأَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشُّغْلِ
وَالْبَشَرُ لَا يَخْلُو عَنْ التَّغَيُّرِ وَالظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ تَابَ
وَإِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَابَ، كَذَا فِي الدِّرَايَةِ
[جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ
اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيُثَوِّبُ وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، أَمَّا
الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّثْوِيبَ لِإِعْلَامِ الْجَمَاعَةِ وَهُمْ فِي
الْمَغْرِبِ حَاضِرُونَ لِضِيقِ وَقْتِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ
التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ فَيُكْتَفَى بِأَدْنَى الْفَصْلِ احْتِرَازًا
عَنْهُ. اهـ.
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مُنَافٍ لِقَوْلِ
الْكُلِّ أَنَّهُ يُثَوِّبُ فِي الْكُلِّ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ
إسْمَاعِيلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ مِنْ
اسْتِثْنَائِهِ الْمَغْرِبَ فِي التَّثْوِيبِ وَبِهِ جَزَمَ فِي غُرَرِ
الْأَذْكَارِ وَالنِّهَايَةِ وَالْبُرْجُنْدِيِّ وَابْنِ مَلَكٍ
وَغَيْرِهَا
(1/275)
رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
نَحْوَ عَشْرِ آيَاتٍ وَالْعِشَاءُ كَالظُّهْرِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ
فَلْيَجْلِسْ قَدْرَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا أَنَّهُ يَجْلِسُ
بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا
يَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ مُرَاعَاةُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ رَآهُمْ
اجْتَمَعُوا أَقَامَ وَإِلَّا انْتَظَرَهُمْ وَلَعَلَّهُ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَهُ
لِهَذَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ. (قَوْلُهُ: وَيُؤَذِّنُ
لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةٌ لِلصَّلَاةِ لَا
لِلْوَقْتِ فَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ تُقْضَى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ
لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حِينَ نَامُوا
عَنْ الصُّبْحِ وَصَلُّوهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ» وَهُوَ
الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي
شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلِهَذَا
يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ إنْ كَانَتْ صَلَاةً يُجْهَرُ فِيهَا
وَإِلَّا خَافَتَ بِهَا، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الضَّابِطَ عِنْدَنَا
أَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَدَاءً كَانَ أَوْ قَضَاءً يُؤَذَّنُ لَهُ وَيُقَامُ
سَوَاءٌ أَدَّى مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّ أَدَاءَهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ
مَكْرُوهٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. اهـ.
وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ مَا تُؤَدِّيه النِّسَاءُ أَوْ
تَقْضِيه لِجَمَاعَتِهِنَّ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ
أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً وَهَذَا
يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَرَكَهُمَا
لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةُ حَالَ شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالَ
الِانْفِرَادِ أَوْلَى أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَضَاهَا فِي بَيْتِهِ
أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى الْحَلْوَانِيِّ
أَنَّهُ سُنَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْبُيُوتِ دُونَ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ
فِيهِ تَشْوِيشًا وَتَغْلِيظًا. اهـ.
وَإِذَا كَانُوا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا تُقْضَى فِي
الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّكَاسُلِ فِي إخْرَاجِ
الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا فَالْوَاجِبُ الْإِخْفَاءُ فَالْأَذَانُ
لِلْفَائِتَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَحُكْمُ الْأَذَانِ
لِلْوَقْتِيَّةِ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلُ الْبَابِ سُنَّ
لِلْفَرَائِضِ وَسَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ
تَرْكُهُمَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ
السُّنَّةُ فِي الْأَدَاءِ إنَّمَا هُوَ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ
بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ لَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ
الشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ وَيُؤَذِّنُ
لِلْفَائِتَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَقْتِيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا صَلَّاهَا
فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا
قَدَّمْنَاهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَتَحَرَّرَ مِنْ
هَذَا أَنَّ الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِلْأَدَاءِ فِي الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ
يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَدَاءِ
وَكِلَاهُمَا فِي بَيْتِهِ لَا فِي الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي فِيهِ
زِيَادَةُ إيضَاحٍ آخِرَ الْبَابِ وَهَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِأَذَانِ
الْفَائِتَةِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْجَمَاعَةِ
يَرْفَعُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي
الصَّحْرَاءِ يَرْفَعُ لِلتَّرْغِيبِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ فِي رَفْعِ
صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلَا
جِنٌّ وَلَا مَدَرٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَإِنْ كَانَ
فِي الْبَيْتِ لَا يَرْفَعُ وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لِأُولَى الْفَوَائِتِ وَخُيِّرَ فِيهِ لِلْبَاقِي)
أَيْ فِي الْأَذَانِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِمَا رَوَى
أَبُو يُوسُفَ بِسَنَدِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حِينَ شَغْلَهُمْ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ
عَنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَضَاهُنَّ عَلَى
الْوَلَاءِ وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُنَّ» وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ وَلَهُ التَّرْكُ
لِمَا عَدَا الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ
حُضُورٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ
الْبَاقِيَ بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ قَالَ الرَّازِيّ إنَّهُ قَوْلُ
الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ فِي الظَّاهِرِ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ
وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ إنَّمَا هُوَ حُكْمُ الْفَوَائِتِ صَرِيحًا فَكَيْفَ يُحْمَلُ
عَلَى الْوَاحِدَةِ وَكَيْفَ يَصِحُّ مَعَ هَذَا الْحَمْلِ أَنْ يُقَالَ
يُؤَذِّنُ لِأُولَى الْفَوَائِتِ وَيُخَيَّرُ فِيهِ لِلْبَاقِي قَيَّدَ
بِالْفَائِتَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَاسِدَةِ إذَا أُعِيدَتْ فِي
الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ الْأَذَانُ وَلَا الْإِقَامَةُ وَلِهَذَا
قَالَ فِي الْمُجْتَبَى قَوْمٌ ذَكَرُوا فَسَادَ صَلَاةٍ صَلَّوْهَا فِي
الْمَسْجِدِ فِي الْوَقْتِ قَضَوْهَا بِجَمَاعَةٍ فِيهِ وَلَا يُعِيدُونَ
الْأَذَانَ وَلَا الْإِقَامَةَ وَإِنْ قَضَوْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ
قَضَوْهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَفِي
الْمُسْتَصْفَى التَّخْيِيرُ فِي الْأَذَانِ لِلْبَاقِي إنَّمَا هُوَ إذَا
قَضَاهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا قَضَاهَا فِي مَجَالِسَ
فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ كِلَاهُمَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهَذَا يَقْتَضِي إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ فَتْحِ
الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَدَاءِ) أَيْ لِأَنَّ
أَذَانَ الْحَيِّ يَكْفِيهِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ:
فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ كَذَلِكَ زَائِدَةٌ لَا
مَعْنَى لَهَا فَالْوَاجِبُ إسْقَاطُهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ
كَانَ فِي الْبَيْتِ لَا يَرْفَعُ) يُنْظَرُ مَا عِلَّةُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ
فِي رَفْعِ صَوْتِهِ زِيَادَةَ سَمَاعٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ
سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ مِنْ
قَوْلِهِ وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ إلَخْ مَا قَدْ يُفِيدُ شُمُولَ الْبَيْتِ
تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْبَاقِيَ بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ) أَيْ
وَلَا يَكُونُ مُخَيَّرًا لِلْأَذَانِ فِي الْبَاقِي. (قَوْلُهُ: فِي
غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ
يَقْضُونَهَا فِي مَسْجِدٍ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا
بِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا تُقْضَى فِي الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ
إظْهَارِ التَّكَاسُلِ فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ
فَتَأَمَّلْ
(1/276)
وَلَا يُؤَذِّنُ قَبْلَ وَقْتٍ وَيُعَادُ
فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْت إذَا أَذَّنَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ
الْإِعْلَامُ بِالْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ بِلَا خِلَافٍ فِي غَيْرِ
الْفَجْرِ وَعَبَّرَ بِالْكَرَاهَةِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالظَّاهِرُ
أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، وَأَمَّا فِيهِ فَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ
وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ بِلَالًا
يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ
مَكْتُومٍ» وَوَقْتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ ذَهَابِ نِصْفِ
اللَّيْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالسُّنَّةُ عِنْدَهُ أَنْ
يُؤَذِّنَ لِلصُّبْحِ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ
وَالْأُخْرَى عَقِبَ طُلُوعِهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُؤَذِّنُ فِي الْفَجْرِ قَبْلَهُ لِمَا
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
قَالَ يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» قَالَ فِي
الْإِمَامِ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَلِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ «كَانَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ وَيُخَفِّفُهُمَا» وَيُحْمَلُ مَا
رَوَوْهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَعْتَمِدُوا عَلَى أَذَانِهِ
فَإِنَّهُ يُخْطِئُ فَيُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى
الِاحْتِرَاسِ عَنْ مِثْلِهِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَانِ
التَّسْحِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ كَمَا
قَالَهُ فِي الْإِمَامِ فَلِذَا قَالَ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَالتَّذْكِيرُ
الْمُسَمَّى فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالتَّسْبِيحِ لِيُوقِظَ النَّائِمَ
وَيَرْجِعَ الْقَائِمُ كَمَا قِيلَ إنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا حِزْبَيْنِ
حِزْبًا مُجْتَهِدِينَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَحِزْبًا فِي الْأَخِيرِ
وَكَانَ الْفَاصِلُ عِنْدَهُمْ أَذَانُ بِلَالٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا
رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ
أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيُوقِظَ نَائِمَكُمْ وَيَرْقُدَ
قَائِمُكُمْ فَلَوْ أَوْقَع بَعْضَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ
وَبَعْضَهَا فِي الْوَقْتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ وَعَلَيْهِ
اسْتِئْنَافُ الْأَذَانِ كُلُّهُ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ
الْإِقَامَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا تَصِحُّ بِالْأَوْلَى كَمَا صَرَّحَ
بِهِ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَنَّهُ مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ، لَكِنْ بَقِيَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَقَامَ فِي الْوَقْتِ
وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى فَوْرِهِ هَلْ تَبْطُلُ إقَامَتُهُ لَمْ أَرَهُ فِي
كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ تَبْطُلُ
وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقُنْيَةِ حَضَرَ
الْإِمَامُ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ بِسَاعَةٍ أَوْ صَلَّى سُنَّةَ
الْفَجْرِ بَعْدَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا. اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
يُؤَذَّنُ لِلْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِهِ وَفِي الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ
حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَفِي الصَّيْفِ يُبْرِدُ وَفِي الْعَصْرِ
يُؤَخِّرُهُ مَا لَمْ يَخَفْ تَغْيِيرَ الشَّمْسِ وَالْعِشَاءُ يُؤَخَّرُ
قَلِيلًا بَعْدَ ذَهَابِ الْبَيَاضِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ
الْمُحْدِثِ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ
وَالسَّكْرَانِ) ، أَمَّا أَذَانُ الْجُنُبِ فَمَكْرُوهٌ رِوَايَةً
وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ إلَيْهِ
وَإِقَامَتُهُ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ قَيَّدَ بِالْجُنُبِ؛ لِأَنَّ
أَذَانَ الْمُحْدِثِ لَا يُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ
الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ
لَهُ دُخُولُ الْوَقْتِ وَتَرْتِيبُ كَلِمَاتِهِ كَمَا تَرَتَّبَتْ
أَرْكَانُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ هُوَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً فَاشْتُرِطَ لَهُ
الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا
بِالشَّبَهَيْنِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ» ، وَأَمَّا إقَامَةُ
الْمُحْدِثِ فَلِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا مُتَّصِلَةً بِصَلَاةِ مَنْ
يُقِيمُ وَيُرْوَى عَدَمُ كَرَاهَتُهَا كَالْأَذَانِ وَالْمَذْهَبُ
الْأَوَّلُ، وَأَمَّا أَذَانُ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ
رَفْعِ صَوْتِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ
لَا يَوْثُقُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَلَا
يَلْزَمُ أَحَدًا فَلَمْ يُوجَدْ الْإِعْلَامُ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ
فَلِتَرْكِ سُنَّةِ الْأَذَانِ مِنْ الْقِيَامِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ
مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَذَّنَ
لِنَفْسِهِ قَاعِدًا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى
الْإِعْلَامِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ كَرَاهَتُهُ مُضْطَجِعًا بِالْأَوْلَى
وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلِعَدَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[الْأَذَانُ قَبْلَ الْوَقْتِ]
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِيهِ إلَخْ) أَيْ فِي الْفَجْرِ. (قَوْلُهُ:
وَيُحْمَلُ مَا رَوَوْهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ:
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَيَعْلَمُ بِهِ
أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا
حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَذَانَهُ وَنَهَاهُمْ عَنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ
وَاعْتِبَارِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ
أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ
نَامَ يَعْنِي نَفْسَهُ أَيْ أَنَّهُ أَذَّنَ فِي حَالِ النَّوْمِ
وَالْغَفْلَةِ وَكَانَ يَبْكِي وَيَطُوفُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَقُولُ
لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ
جَبِينِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُعَاتَبَةِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ تَبْطُلُ وَإِلَّا
فَلَا) تَابِعْهُ فِي النَّهْرِ فَقَالَ ظَاهِرُ مَا فِي الْقُنْيَةِ
أَنَّهَا لَا تُعَادُ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي فِيمَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ
أَوْ وُجِدَ بَيْنَهُمَا مَا يُعَدُّ قَاطِعًا كَأَكْلٍ وَنَحْوِهِ. اهـ.
أَقُولُ: وَكَذَا ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُجْتَبَى فِي الْقَوْلَةِ
السَّابِقَةِ أَنَّهَا لَا تُعَادُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَهَذَا
أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ وَكَأَنَّ مَعْنَى
قَوْلِهِ لَمْ أَرَهُ أَيْ صَرِيحًا تَأَمَّلْ.
[أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ
وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ]
(قَوْلُهُ: فَلِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ رَفْعِ صَوْتِهَا) قَالَ فِي
النَّهْرِ وَلَوْ خَفَضَتْهُ أَخَلَّتْ بِسُنَّةِ الْأَذَانِ. (قَوْلُهُ:
فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا
يَقْتَضِي ثُبُوتَهَا وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ وَلَمْ أَرَ
لَهُمْ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا جَاهِلٌ بِالْأَوْقَاتِ تَقِيٌّ
وَعَالِمٌ بِهَا فَاسِقٌ أَيُّهُمَا، وَقَدْ قَالُوا فِي الْإِمَامَةِ:
إنَّ الْفَاسِقَ أَوْلَى مِنْ الْجَاهِلِ وَعَكَسُوا ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ
وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ
كَالْإِمَامَةِ
(1/277)
الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي
الْفَاسِقِ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ سُكْرُهُ مِنْ مُبَاحٍ فَلَا يَكُونُ
فَاسِقًا فَلِذَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى كَرَاهَةِ
أَذَانِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ بِالْأَوْلَى
لِمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِإِعَادَةِ أَذَانِ مَنْ
كُرِهَ أَذَانُهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ قَالُوا يُعَادُ أَذَانُ الْجُنُبِ لَا
إقَامَتُهُ عَلَى الْأَشْبَهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ
كَمَا فِي الْمُجْتَبَى؛ لِأَنَّ تَكْرَارَهُ مَشْرُوعٌ كَمَا فِي أَذَانِ
الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لِإِعْلَامِ الْغَائِبِينَ فَتَكْرِيرُهُ مُفِيدٌ
لِاحْتِمَالِ عَدَمِ سَمَاعِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ تَكْرَارِ الْإِقَامَةِ
إذْ هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ إعَادَةِ إقَامَةِ
الْمُحْدِثِ بِالْأَوْلَى وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْإِعَادَةَ
لِأَذَانِ الْجُنُبِ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ
لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ الْأَذَانُ وَالصَّلَاةُ وَصَرَّحَ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ بِاسْتِحْبَابِ إعَادَتِهِ وَصَرَّحَ قَاضِي خان بِأَنَّهُ
تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا
فَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ أَذَانِ الْجُنُبِ تَحْرِيمِيَّةٌ
لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَتْ إعَادَتُهُ مُسْتَحَبَّةٌ وَيُعَادُ
أَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ
وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى أَذَانِ
هَؤُلَاءِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ فَرُبَّمَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ
الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فَيُؤَدِّي إلَى
تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ أَوْ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْمُؤَدَّى أَوْ
إيقَاعُهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ فِي الْجُنُبِ
وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْهَضَ فِسْقُهُ وَصَرَّحَ بِكَرَاهَةِ
أَذَانِ الْفَاسِقِ وَلَا يُعَادُ فَالْإِعَادَةُ فِيهِ لِيَقَعَ عَلَى
وَجْهِ السُّنَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا وُجِدَتْ فِي
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ إذَا غَشِيَ عَلَى
الْمُؤَذِّنِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ مَاتَ أَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ فَذَهَبَ
وَتَوَضَّأَ أَوْ حُصِرَ فِيهِ وَلَا مُلَقِّنَ أَوْ خَرِسَ يَجِبُ
الِاسْتِقْبَالُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان مَعْنَاهُ
فَإِنْ حُمِلَ الْوُجُوبُ عَلَى ظَاهِرِهِ اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ
نَفْسِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَاسْتِقْبَالُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ
فِيهِ وَتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ إتْمَامِهِ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ إذَا
شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَطَعَ تَبَادَرَ إلَى ظَنِّ السَّامِعِينَ أَنَّ
قَطْعَهُ لِلْخَطَأِ فَيَنْتَظِرُونَ الْأَذَانَ الْحَقَّ، وَقَدْ تَفُوتُ
بِذَلِكَ الصَّلَاةُ فَوَجَبَ إزَالَةُ مَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ
مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَذَانٌ أَصْلًا حَيْثُ لَا يَنْتَظِرُونَ بَلْ
يُرَاقِبُ كُلٌّ مِنْهُمْ وَقْتَ الصَّلَاةِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُنَصِّبُونَ
لَهُمْ مُرَاقِبًا إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ
فِيمَنْ ذَكَرْنَاهُمْ آنِفًا إلَّا الْجُنُبَ، كَذَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ
بِمَعْنَى الثُّبُوتِ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَإِذَا غُشِيَ عَلَيْهِ فِي
أَذَانِهِ أَوْ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ
فَالْأَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْأَذَانِ وَكَذَا صَرَّحَ بِالِاسْتِحْبَابِ
فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْقُنْيَةِ
وَقَفَ فِي الْأَذَانِ لِتَنَحْنُحٍ أَوْ سُعَالٍ لَا يُعِيدُ وَإِنْ
كَانَتْ الْوَقْفَةُ كَثِيرَةً يُعِيدُ. اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ إعَادَةَ أَذَانِ الْمَرْأَةِ وَالسَّكْرَانِ
مُسْتَحَبَّةٌ فَصَارَ الْحَاصِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْعَدَالَةَ
وَالذُّكُورَةَ وَالطَّهَارَةَ صِفَاتُ كَمَالٍ لِلْمُؤَذِّنِ لَا
شَرَائِطُ صِحَّةٍ فَأَذَانُ الْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجُنُبِ صَحِيحٌ
حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُؤَذِّنُ مَعْلُومَ وَظِيفَةِ الْأَذَانِ
الْمُقَرَّرَةِ فِي الْوَقْفِ وَيَصِحُّ تَقْرِيرُ الْفَاسِقُ فِيهَا وَفِي
صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْمَرْأَةِ فِي الْوَظِيفَةِ تَرَدُّدٌ لَكِنْ ذُكِرَ
فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا لَمْ يُعِيدُوا أَذَانَ الْمَرْأَةِ
فَكَأَنَّهُمْ صَلُّوا بِغَيْرِ أَذَانٍ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِمْ
الْإِعَادَةُ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا
يَصِحَّ أَذَانُ الْفَاسِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَبُولِ خَبَرِهِ
وَالِاعْتِمَادِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ إعَادَتُهُ مُسْتَحَبَّةً) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ
لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ
الْإِعَادَةَ مَقَامٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان
مَعْنَاهُ) أَيْ فِيهَا مَعْنَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ
حَمْلَ الْوُجُوبِ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْجُنُبُ)
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ هَذَا وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِيهِمْ
إنْ عَلِمَ النَّاسُ حَالَهُمْ وَجَبَتْ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لِيَقَعَ
فِعْلُ الْأَذَانِ مُعْتَبَرًا وَعَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لَمْ يَبْعُدْ
وَعَكْسُهُ فِي الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّتِهِ) أَقُولُ: قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ أَذَانُ الْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ
وَلَوْ أَذَّنَتْ لِلْقَوْمِ أَجْزَأَهُمْ حَتَّى لَا يُعَادَ لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ وَكَذَا يُكْرَهُ أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي
يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا حَتَّى لَا يُعَادَ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا
يَعْقِلُ فَلَا يُجْزِئُ وَيُعَادُ؛ لِأَنَّ مَا يَصْدُرُ لَا عَنْ عَقْلٍ
لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَصَوْتِ الطُّيُورِ وَيُكْرَهُ أَذَانُ الْمَجْنُونِ
وَالسَّكْرَانِ وَهَلْ يُعَادُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحَبُّ إلَيَّ
أَنْ يُعَادَ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ أَذَانُ الْفَاسِقِ
إلَخْ) كَذَا فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعَادُ، وَقَدْ
صَرَّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُكْرَهُ
وَلَا يُعَادُ وَكَذَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ عَنْ الْفَتَاوَى
الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ اعْلَمْ
أَنَّ إعَادَةَ أَذَانِ الْجُنُبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَجْنُونِ
وَالسَّكْرَانِ وَالصَّبِيِّ وَالْفَاجِرِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَاعِدِ
وَالْمَاشِي وَالْمُنْحَرِفِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ
مُعْتَدٍّ بِهِ وَقِيلَ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ إلَّا
أَنَّهُ نَاقِصٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ. اهـ.
فَقَدْ صَرَّحَ بِإِعَادَةِ أَذَانِ الْفَاجِرِ أَيْ الْفَاسِقِ لَكِنْ فِي
كَوْنِ أَذَانِهِ مُعْتَدًّا بِهِ نَظَرٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ
عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِدُخُولِ
الْأَوْقَاتِ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ وَالصَّبِيُّ
فَالْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِأَذَانِهِمْ أَصْلًا وَلَا يَصِحُّ
تَقْرِيرُهُمْ فِي وَظِيفَةِ الْأَذَانِ لِعَدَمِ حُصُولِ فَائِدَتِهِ،
وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُهُ بِالِاعْتِدَادِ بِهِ مِنْ جِهَةِ قِيَامِ
الشَّعَائِرِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْمُقَاتَلَةِ بِتَرْكِهِ وَعَدَمِ
الْإِثْمِ بِهِ
(1/278)
عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ
لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الشَّارِحُ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطَ صِحَّةٍ
فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ
وَالْمَعْتُوهِ أَصْلًا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ فَأَذَانُهُ
صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ
أَذَانَ الْبَالِغِ أَفْضَلُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي
الْمَجْمَعِ وَيُكْرَهُ أَذَانُ الصَّبِيِّ وَيُجْزِئُ وَأَطْلَقَهُ
فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةِ الْأَذَانِ، وَأَمَّا
الْإِسْلَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطَ صِحَّةٍ فَلَا يَصِحُّ
أَذَانُ كَافِرٍ عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ لَكِنْ هَلْ يَكُونُ
بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا قَالَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ
السِّيَرِ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الذِّمِّيِّ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ
وَيُقِيمُ كَانَ مُسْلِمًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَذَانُ فِي السَّفَرِ أَوْ
الْحَضَرِ، وَإِنْ قَالُوا سَمِعْنَاهُ يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا
شَيْءَ حَتَّى يَقُولُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ، فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ فَهُوَ
مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً
لَهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا إلَّا إذَا صَارَ
عَادَةً لَهُ مَعَ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ فِي الْعِيسَوِيَّةِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْسَبُونَ
إلَى أَبِي عِيسَى الْيَهُودِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ يَعْتَقِدُونَ
اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إلَى الْعَرَبِ فَهَذَا لَا يَصِيرُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا، وَأَمَّا
غَيْرُهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِنَفْسِ الْأَذَانِ.
وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا
ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْأَذَانِ لَا يُعَادُ أَذَانُهُ وَلَوْ
أُعِيدَ فَهُوَ أَفْضَلُ.
(قَوْلُهُ: لَا أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى
وَالْأَعْرَابِيِّ) أَيْ لَا يَكْرَهُ أَذَانُ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ
قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَيَكُونُ مُلْزِمًا
فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَفِي الْخُلَاصَةِ
وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ، وَأَمَّا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى
فَإِنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَهُ وَفِي النِّهَايَةِ وَمَتَى
كَانَ مَعَ الْأَعْمَى مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ
يَكُونُ حِينَئِذٍ تَأْذِينُهُ وَتَأْذِينُ الْبَصِيرِ سَوَاءً، وَإِنَّمَا
كُرِهَتْ إمَامَتُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْفِرُونَ مِنْ الصَّلَاةِ
خَلْفَهُمْ أَوْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ فَلَا
يَتَفَرَّغُ لِلْعِلْمِ كَالْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي
الْأَذَانِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى الْعِلْمِ وَيَنْبَغِي أَنَّ
الْعَبْدَ إنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ
وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا
بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ
يَحْتَاجُ إلَى مُرَاعَاةِ الْأَوْقَاتِ وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) أَيْ تَرْكُ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ
الْحُوَيْرِثِ «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْتِقَالَ مِنْ
عِنْدِهِ قَالَ لَنَا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا
وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لَهُمَا
وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا مُتَرَافِقِينَ إلَى اسْتِحْضَارِ أَحَدٍ عُلِمَ
أَنَّ الْمُنْفَرِدَ أَيْضًا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي
خُصُوصِ الْمُنْفَرِدِ أَحَادِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
«يَعْجَبُ رَبُّك مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ يُؤَذِّنُ
بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اُنْظُرُوا إلَى
عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ يَخَافُ مِنِّي
قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» وَعَنْ سَلْمَانَ
الْفَارِسِيِّ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ فَيْءٍ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ
فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَلْيَتَيَمَّمْ، فَإِنْ
أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَاهُ وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ
مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ لَمْ
يَنْحَصِرْ فِي الْإِعْلَامِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِعْلَانِ
بِهَذَا الذِّكْرِ نَشْرُ الذِّكْرِ لِلَّهِ وَدِينِهِ فِي أَرْضِهِ
وَتَذْكِيرِ الْعِبَادِ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِينَ لَا يُرَى
شَخْصُهُمْ فِي الْفَلَوَاتِ مِنْ الْعِبَادِ قَيَّدَ بِتَرْكِهِمَا؛
لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْأَذَانَ وَأَتَى بِالْإِقَامَةِ لَا يُكْرَهُ
لِأَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْ عَكَسَ يُكْرَهُ كَمَا
فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ.
(قَوْلُهُ: لَا لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ
تَرْكُهُمَا لَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُقِيمَ إذَا صَلَّى
بِدُونِهِمَا حَقِيقَةً فَقَدْ صَلَّى بِهِمَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ
الْمُؤَذِّنَ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِيهِمَا فَيَكُونُ
فِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَقَدْ صَلَّى بِدُونِهِمَا
حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَمْ
يُؤَذَّنْ فِيهِ أَصْلًا لِتِلْكَ الصَّلَاةِ، كَذَا فِي الْكَافِي
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَذِّنُوا فِي الْحَيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ]
(قَوْلُهُ: وَفِي النِّهَايَةِ وَمَتَى كَانَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى جَوَابٍ
آخَرَ عَنْ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ لَا
يُؤَذِّنُ حَتَّى يَسْمَعَ النَّاسَ يَقُولُونَ أَصْبَحْت أَصْبَحْت، وَفِي
مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَكَانَ مَعَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَنْ يَحْفَظُ
عَلَيْهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ تَأْذِينُهُ
وَتَأْذِينُ الْبَصِيرِ سَوَاءً، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ كَذَلِكَ لَا يَحِلُّ
أَذَانُهُ إلَّا بِإِذْنِ مُسْتَأْجِرِهِ
(1/279)
فَإِنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِلْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ صُرِّحَ
بِهِ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ سَقَطَ
عَنْ الْبَاقِينَ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ فِي الْمُصَلِّي فِي
بَيْتِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ فِي مَنْزِلٍ
وَاكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ، وَقَدْ أَسَاءُوا فَفَرَّقَ
بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالتَّقْيِيدُ
بِالْبَيْتِ لَيْسَ احْتِرَازًا بَلْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا
صَلَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا بَلْ
لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ دَخَلَ
مَسْجِدًا لِيُصَلِّيَ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ وَلَا يُقِيمُ وَإِنْ
أَذَّنَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَصَلَّوْا يُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ أَنْ
يُؤَذِّنُوا وَيُعِيدُوا الْجَمَاعَةَ وَلَكِنْ يُصَلُّوا وِحْدَانًا
وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى الطَّرِيقِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنُوا
فِيهِ وَيُقِيمُوا اهـ
وَفِي الْخُلَاصَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَذَّنُوا فِي
الْمَسْجِدِ عَلَى وَجْهِ الْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ
غَيْرُهُمْ، ثُمَّ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ قَوْمٌ وَعَلِمُوا
فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِالْجَمَاعَةِ عَلَى وَجْهِهَا وَلَا عِبْرَةَ
لِلْجَمَاعَةِ الْأُولَى وَالتَّقْيِيدُ بِالْمِصْرِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا
أَيْضًا بَلْ الْقَرْيَةُ كَالْمِصْرِ إنْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ مَسْجِدٌ
فِيهِ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَسْجِدٌ فَحُكْمُهُ
حُكْمُ الْمُسَافِرِ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ فِي
حَقِّ أَهْلِ الْمَسْجِدِ يُكْرَهُ تَرْكُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَذَانًا أَوْ
إقَامَةً، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَكُونَانِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً.
(قَوْلُهُ: وَنَدْبًا لَهُمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
لِلْمُسَافِرِ وَالْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ لِيَكُونَ
الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ
وَلَوْ أَذَّنَ الْمُسَافِرُ رَاكِبًا فَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ
كَرَاهَةٍ وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْتٌ لَهُ
مَسْجِدٌ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَيَتْرُكَ الْإِقَامَةَ.
(قَوْلُهُ: لَا لِلنِّسَاءِ) أَيْ لَا يُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا
إقَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ قَيَّدَ
بِالنِّسَاءِ أَيْ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ
الْمُنْفَرِدَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَظَاهِرُ مَا
فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهَا لَا تُقِيمُ أَيْضًا، وَأَشَارَ إلَى
أَنَّ الْعَبِيدَ لَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ
سُنَنِ الْجَمَاعَةِ وَجَمَاعَتُهُمْ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَلِهَذَا لَمْ
يُشْرَعْ التَّكْبِيرُ عَقِبَهَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ذَكَرَهُ
الشَّارِحُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)
وَهِيَ جَمْعُ شَرْطٍ عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ، وَأَمَّا
الشَّرَائِطُ فَوَاحِدُهَا شَرِيطَةٌ، كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ
مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ فِي اللُّغَةِ فَمَنْ عَبَّرَ هُنَا
بِالشَّرَائِطِ فَمُخَالِفٌ لِلُّغَةِ كَمَا عَرَفْت وَلِلْقَاعِدَةِ
التَّصْرِيفِيَّةِ فَإِنَّ فَعَائِلَ لَمْ يُحْفَظْ جَمْعًا لِفَعْلٍ
بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ
بِالْفَرَائِضِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ فَرِيضَةٌ
كَصَحَائِفَ جَمْعُ صَحِيفَةٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ، كَذَا
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا فِي الصِّحَاحِ الشَّرْطُ مَعْرُوفٌ
وَالشَّرَطُ بِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ وقَوْله تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ
أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] أَيْ عَلَامَاتُهَا وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا
يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ،
وَقَدْ قَسَّمَ الْأُصُولِيُّونَ الْخَارِجَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْحُكْمِ
إلَى مُؤَثِّرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ
الدَّلَالَةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ
بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ لَيْسَ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى بَلْ أَصْلُهُ
وَأَنَّهُ بِوَاوِ الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَذِّنُوا
فَتَكُونُ الْوَاوُ سَقَطَتْ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ إلَخْ) لَوْ أَخَّرَهُ إلَى
الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ
الْمُنْفَرِدَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ
الرَّمْلِيُّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيُؤَذِّنُ
لِلْفَائِتَةِ أَنَّ تَرْكَهُمَا هُوَ السُّنَّةُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ
بَلْ جَعَلَهُ أَوْلَوِيًّا فَرَاجِعْهُ |