البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي

[بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]
(قَوْلُهُ إذَا كَانَ التَّعَذُّرُ أَعَمَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: حَيْثُ أَرَادَ بِهِ الْحَقِيقِيَّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ التَّعَسُّرُ لِمَا قَدْ عَلِمْت. اهـ.
قُلْت وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَنْ أُرِيدَ بِهِ حَقِيقَتَهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي أَيْ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ سَقَطَ لَا يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّعَسُّرُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ بِمَشَقَّةٍ وَعَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ مَا لَا يُمْكِنُ أَصْلًا فَهُوَ غَيْرُهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرَ مَا أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ أَعْنِي الْأَعَمَّ مِنْ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ بِمَعْنَى التَّعَسُّرِ كَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَإِنْ أُرِيدَ مِنْهُ مَا هُوَ الْأَصَحُّ أَيْ بِأَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ بِالْقِيَامِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّعَسُّرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُتَّكِئًا) أَيْ عَلَى خَادِمٍ لَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ قُلْت وَيُشْكِلُ هَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ بِالْغَيْرِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئَهُ وَلَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ غَيْرُهَا لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَنَقَلَ عَنْ التَّجْنِيسِ هُنَاكَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا لَوْ وَجَدَ قَوْمًا يَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا أَنَّهُ يَخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ زِيَادَةَ الْوَجَعِ فِي قِيَامِهِ وَلَا يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ الْوَجَعِ فِي الْوُضُوءِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْغَيْرِ غَيْرَ الْخَادِمِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مَا يُوَضِّحُهُ فَرَاجِعْهُ.

(2/121)


إحْدَى يَدَيْهِ وَتَخَافُ خُرُوجَ الْوَقْتِ تُصَلِّي بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدَ ضَرَرٌ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْوَلَدِ مُمْكِنٌ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَمَا لَوْ خَافَ مِنْ الْعَدُوِّ إنْ صَلَّى قَائِمًا أَوْ كَانَ فِي خِبَاءٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ فِيهِ وَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ الطِّينِ وَالْمَطَرِ أَنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا وَمَنْ بِهِ أَدْنَى عِلَّةٍ وَهُوَ فِي طَرِيقٍ فَخَافَ إنْ نَزَلَ عَنْ الْمَحْمَلِ لِلصَّلَاةِ بَقِيَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ عَلَى مَحْمَلِهِ وَكَذَا الْمَرِيضُ الرَّاكِبُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّزُولِ وَلَا عَلَى مَنْ يُنْزِلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى مَنْ يُنْزِلُهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْجَمَاعَةِ يَعْجَزُ عَنْ الْقِيَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَيُصَلِّي قَاعِدًا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ.

(قَوْلُهُ وَمُومِيًا إنْ تَعَذَّرَ) أَيْ يُصَلِّي مُومِيًا وَهُوَ قَاعِدٌ إنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَقَدْ كَانَ كَيْفِيَّةُ الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْتَبِهًا عَلَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ بَعْضُ الِانْحِنَاءِ أَمْ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ إلَى أَنْ ظَفِرْت بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى الرِّوَايَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمُومِيَ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ شَيْئًا ثُمَّ لِلسُّجُودِ جَازَ وَلَوْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَائِدَ وَأَلْصَقَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهَا وَوَجَدَ أَدْنَى الِانْحِنَاءِ جَازَ عَنْ الْإِيمَاءِ وَإِلَّا فَلَا وَمِثْلُهُ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ إذَا كَانَ بِجَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ عُذْرٌ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَقْرِيبُ الْجَبْهَةِ إلَى الْأَرْضِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ وَهَذَا نَصٌّ فِي بَابِهِ اهـ.
ثُمَّ إذَا صَلَّى الْمَرِيضُ قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ كَيْفَ يَقْعُدُ أَمَّا فِي حَالِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَحَالِ الرُّكُوعِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْلِسُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا وَإِنْ شَاءَ مُتَرَبِّعًا وَإِنْ شَاءَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ
وَقَالَ زُفَرُ يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عُذْرَ الْمَرَضِ أَسْقَطَ عَنْهُ الْأَرْكَانَ فَلَأَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْهَيْئَاتِ أَوْلَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّجْنِيسِ والولوالجية الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْسَرَ عَلَى الْمَرِيضِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ الْأَيْسَرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ مِنْ جَرْحٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ وَمَنْ صَلَّى وَبِجَبْهَتِهِ جُرْحٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَجْزِهِ الْإِيمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَنْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى أَنْفِهِ لَمْ يَجْزِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ بِحَلْقِهِ جِرَاحٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ وَيَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ اهـ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَعَذُّرَ أَحَدِهِمَا كَافٍ لِلْإِيمَاءِ بِهِمَا وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الرُّكُوعَ يَسْقُطُ عَمَّنْ يَسْقُطُ عَنْهُ السُّجُودُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الرُّكُوعِ اهـ.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ دُونَ السُّجُودِ وَكَأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ وَفِي الْقُنْيَةِ أَخَذَتْهُ شَقِيقَةٌ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ يُومِئُ (قَوْلُهُ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ) أَيْ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَأَخَذَ حُكْمَهُمَا وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ «إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ» وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ فَلْيَجْعَلْ سُجُودَهُ رُكُوعًا وَرُكُوعَهُ إيمَاءً وَالرُّكُوعَ أَخْفَضَ مِنْ الْإِيمَاءِ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَعْلُ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى لَوْ سَوَّاهُمَا لَا يَصِحُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْفِضْ رَأْسَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي حَقِّهِ الْإِيمَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ فَإِنْ لَمْ يَخْفِضْ فَهُوَ حَرَامٌ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَأَمَّا نَفْسُ الرَّفْعِ الْمَذْكُورِ فَمَكْرُوهٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ فَقَالَ إنْ قَدَرْتَ أَنْ تَسْجُدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/122)


عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ وَإِلَّا فَأَوْمِ بِرَأْسِك وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ دَخَلَ عَلَى أَخِيهِ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي وَيُرْفَعُ إلَيْهِ عُودٌ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ فَنَزَعَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَقَالَ هَذَا شَيْءٌ عَرَضَ لَكُمْ الشَّيْطَانُ أَوْمِ بِسُجُودِك وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى ذَلِكَ مِنْ مَرِيضٍ فَقَالَ أَتَتَّخِذُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً اهـ.
وَاسْتَدَلَّ لِلْكَرَاهَةِ فِي الْمُحِيطِ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَأَرَادَ بِخَفْضِ الرَّأْسِ خَفْضَهَا لِلرُّكُوعِ ثُمَّ لِلسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى لَوْ سَوَّى لَمْ يَصِحَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ رَفَعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُخْفِضَ بِرَأْسِهِ لِسُجُودِهِ أَكْثَرَ مِنْ رُكُوعِهِ ثُمَّ يَلْزَقُهُ بِجَبِينِهِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَاءُ وَالسُّجُودُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَرْفُوعِ لَيْسَ بِالْإِيمَاءِ إلَّا إذَا حَرَّكَ رَأْسَهُ فَيَجُوزُ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ لَا لِوُجُودِ السُّجُودِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ اهـ.
وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ قُيِّدَ بِكَوْنِ فَرْضِهِ الْإِيمَاءَ لِعَجْزِهِ عَنْ السُّجُودِ إذْ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فَسَجَدَ عَلَيْهِ قَالُوا إنْ كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثُمَّ إذَا وُجِدَ الْإِيمَاءُ فَهُوَ مُصَلٍّ بِالْإِيمَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ لَا بِالسُّجُودِ حَتَّى لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَنْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِهِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقُعُودُ أَوْمَأَ مُسْتَلْقِيًا أَوْ عَلَى جَنْبِهِ) لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ وَالتَّخَيُّرُ بَيْنَ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى الْقَفَا وَالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَنْبِ جَوَابُ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَفِي الْقُنْيَةِ مَرِيضٌ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ وَصَلَّى وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِلْقَاءِ قِيلَ يَجُوزُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِلْقَاءُ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ اهـ.
وَهَذَا الْأَظْهَرُ خَفِيٌّ وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِلْقَاءَ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ وَهُوَ جَوَابُ الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ السَّابِقِ وَلِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي الْآيَةِ وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ يَحْصُلُ بِهِ وَلِهَذَا يُوضَعُ فِي الْحَدِّ هَكَذَا لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ فَأَمَّا الْمُسْتَلْقِي يَكُونُ مُسْتَقْبِلَ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ رِجْلَاهُ فَقَطْ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ فِي الْمَرِيضِ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَاعِدًا فَعَلَى الْقَفَا يُومِئُ إيمَاءً» وَلِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ فَرْضٌ وَذَلِكَ فِي الِاسْتِلْقَاءِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ هُوَ تَحْرِيكُ الرَّأْسِ فَإِذَا صَلَّى مُسْتَلْقِيًا يَقَعُ إيمَاؤُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنْبِ يَقَعُ مُنْحَرِفًا عَنْهَا وَلَا يَجُوزُ الِانْحِرَافُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ
وَقِيلَ إنَّ الْمَرَضَ الَّذِي كَانَ بِعِمْرَانَ بَاسُورٌ فَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَالْمُرَادُ فِي الْآيَةِ الِاضْطِجَاعُ يُقَالُ فُلَانٌ وَضَعَ جَنْبَهُ إذَا نَامَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا بِخِلَافِ الْوَضْعِ فِي اللَّحْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَيِّتِ فِعْلٌ يَجِبُ تَوْجِيهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِيُوضَعَ مُسْتَلْقِيًا فَكَانَ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْوَضْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ]
(قَوْلُهُ هَذَا شَيْءٌ عَرَضَ لَكُمْ الشَّيْطَانُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ مَجْمَعِ الدِّرَايَةِ هَذَا مَا عَرَضَ لَكُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ وَعِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا مَا عَرَضَ لَكُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ) أَقُولُ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَوْضُوعَةً عَلَى الْأَرْضِ وَكَانَ يَسْجُدُ عَلَيْهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ «أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كَانَتْ تَسْجُدُ عَلَى مُرَقَّعَةٍ مَوْضُوعَةٍ بَيْنَ يَدَيْهَا لِعِلَّةٍ كَانَتْ بِهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ» اهـ.
وَهَذَا يُفِيدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْكَرَاهَةُ فِيمَا إذَا رَفَعَهُ شَخْصٌ آخَرُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَعَدَمُهَا فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ رَأَيْت الْقُهُسْتَانِيَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْءٌ يَسْجُدُ عَلَيْهِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مَرْفُوعٍ مَوْضُوعٍ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُكْرَهْ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى دُكَّانٍ دُونَ صَدْرِهِ يَجُوزُ كَالصَّحِيحِ لَكِنْ لَوْ زَادَ يُومِئُ وَلَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ رَفَعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ أَخَذَ بِيَدِهِ عُودًا أَوْ حَجَرًا وَوَضَعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يَخْفِضْ رَأْسَهُ
(قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثُمَّ إذَا وَجَدَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ الشَّارِحُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضُوعُ يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ كَانَ سُجُودًا وَإِلَّا فَإِيمَاءً اهـ.
وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ خَفْضَ الرَّأْسِ بِالرُّكُوعِ لَيْسَ إلَّا إيمَاءً وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السُّجُودُ دُونَ الرُّكُوعِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْضُوعُ مِمَّا يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ اهـ.
وَأَجَابَ عَنْهُ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ خَفْضَ الرَّأْسِ إلَخْ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ جَعَلَ خَفْضَ الرَّأْسِ لِلرُّكُوعِ مِنْ الصَّحِيحِ رُكُوعًا وَمِنْ الْمَرِيضِ إيمَاءً. اهـ.
قُلْت بَلْ مَا ذَكَرَهُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ الرُّكُوعِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ وَعَنْ الْحَاوِي الرُّكُوعُ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ وَأَمَّا مَا فِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ فِي شَرْحِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي مَحَلِّهِ وَسَيَأْتِي مَا يُوَضِّحُهُ فَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا إذَا وَجَدَ أَدْنَى انْحِنَاءِ الظَّهْرِ لِيَكُونَ رُكُوعًا حَقِيقَةً فَالثَّمَرَةُ صِحَّةُ اقْتِدَاءِ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بِهِ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ.

[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةُ]
(قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ إلَخْ) قُلْت هَذَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا يُنَاسِبُ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ تَأَمَّلْ

(2/123)


عَلَى الْجَنْبِ وَأَطْلَقَ فِي تَعَذُّرِ الْقُعُودِ فَشَمِلَ التَّعَذُّرَ الْحُكْمِيَّ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَكِنْ بَزَغَ الْمَاءُ مِنْ عَيْنَيْهِ فَأَمَرَهُ الطَّبِيبُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ أَيَّامًا عَلَى ظَهْرِهِ وَنَهَاهُ عَنْ الْقُعُودِ وَالسُّجُودِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ وَيُصَلِّيَ بِالْإِيمَاءِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَعْضَاءِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ صَلَّى مُضْطَجِعًا عَلَى قَفَاهُ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَرَأْسُهُ إلَى الْمَشْرِقِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْمَغْرِبِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَلْقِي أَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ إنْ قَدَرَ حَتَّى لَا يَمُدُّ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ يَجْعَلُ وِسَادَةً تَحْتَ رَأْسِهِ حَتَّى يَكُونَ شَبَهَ الْقَاعِدِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِلْقَاءِ تَمْنَعُ الْأَصِحَّاءَ عَنْ الْإِيمَاءِ فَكَيْفَ بِالْمَرْضَى وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَيَانِ الْبَدَلِ لِلْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بَدَلَ لَهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا فَيُصَلِّي بِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ
وَفِي الْمُجْتَبَى قِيلَ فِي الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ يَجِبُ تَحْرِيكُ الشَّفَةِ وَاللِّسَانِ كَتَلْبِيَةِ الْحَجِّ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ إلَّا قَوْلَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَأْتِي بِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَلَا يُكَرِّرُهَا بِخِلَافِ التَّحِيَّاتِ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُكَرِّرُهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِكَوْنِ الْقُعُودِ مُقَدَّرًا اهـ.
وَأَشَارَ بِسُقُوطِ الْأَرْكَانِ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَى سُقُوطِ الشَّرَائِطِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا بِالْأَوْلَى فَلَوْ كَانَ وَجْهُ الْمَرِيضِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحْوِيلِ إلَيْهَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ يُصَلِّي كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا ذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُرْءِ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّرَائِطِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْأَرْكَانِ وَثَمَّةَ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فَهَاهُنَا أَوْلَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ وَجَدَ أَحَدًا يُحَوِّلُهُ فَلَمْ يَأْمُرْهُ وَصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ بِقُوَّةِ الْغَيْرِ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ وَوَجَدَ أَحَدًا يُحَوِّلُهُ إلَى مَكَان طَاهِرٍ ثُمَّ قَالَ مَرِيضٌ مَجْرُوحٌ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُبْسَطُ تَحْتَهُ شَيْءٌ إلَّا تَنَجَّسَ مِنْ سَاعَتِهِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَنَجَّسْ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ يَزْدَادُ مَرَضُهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنْهُ الْوُضُوءُ أَوْ التَّيَمُّمُ وَلَهُ جَارِيَةٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تُوَضِّئَهُ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَطَاعَةُ الْمَالِكِ وَاجِبَةٌ إذَا عَرِيَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُوَضِّئَهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ إلَّا إذَا تَبَرَّعَتْ فَهُوَ إعَانَةٌ عَلَى الْبِرِّ وَالْعَبْدُ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَوَضَّأَ يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُوَضِّئَهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْمَرِيضَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَتَعَاهَدَهَا لِأَنَّ الْمُعَاهَدَةَ إصْلَاحُ الْمِلْكِ وَإِصْلَاحُ الْمِلْكِ عَلَى الْمَالِكِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ حُرَّةٌ فَكَانَ إصْلَاحُهَا عَلَيْهَا اهـ.
وَفِي التَّجْنِيسِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُتَوَضِّئٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ وَقَدْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ مَا صَلَّى بِالْإِيمَاءِ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ وَإِنَّمَا يُعِيدُ لِأَنَّ الْعُذْرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُصَلِّي الْمَاشِي وَهُوَ يَمْشِي وَلَا السَّابِحُ وَهُوَ يَسْبَحُ فِي الْبَحْرِ وَلَا السَّائِفُ وَهُوَ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مُنَافِيَةٌ لِلصَّلَاةِ وَلِهَذَا «شُغِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاتِهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لِأَجْلِ الْقِتَالِ ثُمَّ قَالَ الْغَرِيقُ فِي الْبَحْرِ إذَا حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ إنْ وَجَدَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَوْ كَانَ مَاهِرًا فِي السِّبَاحَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَاهِرًا فِي السِّبَاحَةِ يُعْذَرُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ» اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ مَرِيضٌ لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ إلَّا بِأَصْوَاتٍ مِثْلَ أُوهْ وَنَحْوِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَوْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَلَّى صَلَاةَ الْأَخْرَسِ ثُمَّ انْطَلَقَ لِسَانُهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا أُخِّرَتْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ إلَى الْقُدْرَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ أُخِّرَتْ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُفِيقًا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يَفْهَمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ اهـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَرَأْسُهُ إلَى الْمَشْرِقِ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي بِلَادِهِمْ كَبُخَارَى وَمَا وَالَاهَا مِمَّا هُوَ جِهَةُ الْمَشْرِقِ فَإِنَّ قِبْلَتَهُمْ تَكُونُ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَأَمَّا فِي بِلَادِنَا الشَّامِيَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَلْ إذَا اضْطَجَعَ عَلَى قَفَاهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ يَكُونُ رَأْسُهُ إلَى الشِّمَالِ وَالْمَغْرِبُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَشْرِقُ عَنْ يَسَارِهِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ فَمَنْ كَانَ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى عَكْسِ مَا قَالَهُ (قَوْلُهُ وَفِي التَّجْنِيسِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَحْبُوسُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ آخِرُ الْكَلَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً) اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِهِ.

(2/124)


وَذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَقَاضِي غَنِيٍّ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ السُّقُوطُ عَنْ الْكَثْرَةِ لَا الْقِلَّةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَجَزَمَ بِهِ الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ التَّجْنِيسِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَصَحَّحَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ أَيْ عُذْرِ السُّقُوطِ وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ بِقَبُولِ عُذْرِ التَّأْخِيرِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَاسْتَشْهَدَ قَاضِي خَانْ بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَرِجْلَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ وَرَدَّهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى السُّقُوطِ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَجْزَ مُتَّصِلٌ بِالْمَوْتِ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا أَفْطَرَا فِي رَمَضَانَ وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ يُوهِمُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ عَدَمُ السُّقُوطِ مُطْلَقًا وَالسُّقُوطُ مُطْلَقًا وَالتَّفْصِيلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْفَوَائِتَ إذَا كَانَتْ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا كَثُرَتْ وَزَادَتْ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا قَوْلَانِ وَلِأَنَّ قَاضِي خَانْ صَحَّحَ التَّفْصِيلَ فِي الْفَتَاوَى وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ صَحَّحَ عَدَمَ السُّقُوطِ مُطْلَقًا فِيمَا إذَا بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ أَمَّا إذَا مَاتَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْقَى اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ مَحِلَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ فِي مَرَضِهِ عَلَى الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ أَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ عَجْزِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ يَجِبُ مُوسِعًا لِتَظْهَرَ فَائِدَتُهُ فِي الْإِيصَاءِ بِالْإِطْعَامِ عَنْهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ هَذَا الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَقْضِي إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهُوَ يَعْقِلُ قَضَى إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَقَلَّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ فَهُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا فِدْيَةَ فِي الصَّلَاةِ حَالَةَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَلَوْ كَانَ يَشْتَبِهُ عَلَى الْمَرِيضِ أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ أَوْ السَّجَدَاتِ لِنُعَاسٍ يَلْحَقُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ وَلَوْ أَدَّاهَا بِتَلْقِينِ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُومِ بِعَيْنِهِ وَقَلْبِهِ وَحَاجِبِهِ) وَقَالَ زُفَرُ يُومِئُ بِحَاجِبِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِعَيْنَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِعَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ بِحَاجِبِيهِ وَقَلْبِهِ وَيُعِيدُ إذَا صَحَّ وَالصَّحِيحُ مَذْهَبُنَا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَابْنِ عُمَرَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ وَلِأَنَّ فَرْضَ السُّجُودِ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ دُونَ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ وَالْحَاجِبِ فَلَا يُنْقَلُ إلَيْهَا كَالْيَدِ وَاعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ وَالْحَجِّ حَيْثُ لَا يَنْتَقِلَانِ إلَى الْقَلْبِ بِالْعَجْزِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمَرِيضُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[لَمْ يَقْدِرْ المصلي الْمَرِيض عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ]
(قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي التَّبْيِينِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الطَّهَارَةِ تَرْجِيحَ الْوُجُوبِ بِلَا طَهَارَةٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بَعْدَ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ مَحَلَّهُ إلَخْ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَيُوجَدُ زِيَادَةٌ فِي بَعْضِهَا وَنَصُّهَا وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى يَجِبَ الْإِيصَاءُ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَخْ قَالَ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ إلَخْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ غَلَطٌ وَاَلَّذِي فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ إذَا سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ بِحُكْمِ الْعَجْزِ فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتَ الْقَضَاءِ وَأَمَّا إذَا بَرِئَ وَصَحَّ فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ إلَى آخِرِ مَا فِيهَا فَهَذَا وَارِدٌ عَلَى بَحْثِ الْكَمَالِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ.
قُلْت لَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُخَالَفَةُ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنَّ نَصَّ كَلَامِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ التَّبْيِينِ السَّابِقَةَ هَكَذَا وَمَنْ تَأَمَّلَ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ فِي الْأُصُولِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَجْنُونَ يُفِيقُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ وَلَوْ سَاعَةً يَلْزَمُهُ قَضَاءُ كُلِّ الشَّهْرِ وَكَذَا الَّذِي جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَقْضِي وَفِيمَا دُونَهَا يَقْضِي انْقَدَحَ فِي ذِهْنِهِ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْمَرِيضِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِيصَاءُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ وَسُقُوطُهُ إنْ زَادَ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَجَبَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
كَلَامُ الْفَتْحِ فَأَنْتَ تَرَاهُ مَاشٍ عَلَى مَا صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ غَيْرَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا دُونَ الْأَكْثَرِ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِهِ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الْمُؤَلِّفُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَعَدَمُ كَرَاهَةِ الْقُعُودِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ الْمُحَشِّيِّ وَأَثْبَتْنَاهُ تَبَعًا لَهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَاقِطٌ وَعَلَيْهِ ظُهُورُ الْمَعْنَى تَأَمَّلْ اهـ. مُصَحِّحُهُ.

(2/125)


لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ اهـ.
فَعَلَى هَذَا حَقِيقَةُ الْإِيمَاءِ إنَّمَا هِيَ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا الْقِيَامُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) لِأَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى السَّجْدَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ وَإِذَا كَانَ لَا يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا لِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِالسُّجُودِ وَلَا تُرَدُّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ ثَمَّةَ سُقُوطُ الْقِيَامِ بِسَبَبِ سُقُوطِ السُّجُودِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً بَلْ هِيَ دُعَاءٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَإِنْ أَوْمَأَ بِالسُّجُودِ قَائِمًا لَمْ يُجْزِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ وَأَقْيَسُ كَمَا لَوْ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ جَالِسًا لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْإِيمَاءِ بِهِمَا قَائِمًا وَقَاعِدًا كَمَا لَا يَخْفَى وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ إنْ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ قَائِمًا لَا يَسِيلُ جُرْحُهُ وَإِنْ رَكَعَ وَسَجَدَ يَسِيلُ جُرْحُهُ يُصَلِّي قَائِمًا وَيُومِئُ لِلرُّكُوعِ ثُمَّ يَجْلِسُ وَيُومِئُ لِلسُّجُودِ لِيَكُونَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الطَّهَارَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ وَصَلَّى قَائِمًا هَكَذَا وَيُومِئُ إيمَاءً لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ لِلسُّجُودِ جَالِسًا أَقْرَبُ إلَى حَقِيقَةِ السُّجُودِ اهـ. وَأَوْمَأَ بِالْهَمْزِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ مَرِضَ فِي صَلَاتِهِ يُتِمُّ بِمَا قَدَرَ) يَعْنِي قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ مُومِئًا إنْ تَعَذَّرَ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى حَالَةِ الْإِيمَاءِ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا تَجُوزُ بِدُونِهِمَا وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ إذَا بَنَى كَانَ بَعْضُ الصَّلَاةِ كَامِلًا وَبَعْضُهَا نَاقِصًا وَإِذَا اسْتَقْبَلَ كَانَتْ كُلُّهَا نَاقِصَةً فَلَأَنْ يُؤَدِّيَ بَعْضَهَا كَامِلًا أَوْلَى وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَصَحَّ بَنَى وَلَوْ كَانَ مُومِيًا لَا) أَيْ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ فَصَحَّ لَا يَبْنِي لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ بِالْمُومِئِ فَكَذَا الْبِنَاءُ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا سَبَقَ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ افْتَتَحَهَا بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْإِيمَاءِ جَازَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا يَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُومِئُ مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ حَالَةَ الْقُعُودِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ.

(قَوْلُهُ وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أَعْيَا) أَيْ تَعِبَ لِأَنَّهُ عُذْرٌ أُطْلِقَ فِي الشَّيْءِ فَشَمِلَ الْعَصَا وَالْحَائِطَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ إلَّا إذَا عَجَزَ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ أَعْيَا لِأَنَّ الِاتِّكَاءَ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ كَرَاهَتُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَدَمُ كَرَاهَةِ الْقُعُودِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَهُ.

[صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ]
(قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ) يَعْنِي صَلَّى فَرْضًا قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ أَسَاءَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُتْرَكُ وَلَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا دَوَرَانُ الرَّأْسِ وَهُوَ كَالْمُحَقَّقِ الْآنَ أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِقَلْبِهِ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَرْبُوطَةِ وَالْمَرْبُوطَةُ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمَرْبُوطَةِ بِالشَّطِّ أَمَّا إذَا كَانَتْ مَرْبُوطَةً فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ فَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ الرِّيحُ يُحَرِّكُهَا شَدِيدًا فَهِيَ كَالسَّائِرَةِ وَإِلَّا فَكَالْوَاقِفَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الْمَرْبُوطَةِ فِي الشَّطِّ مُطْلَقًا وَفِي الْإِيضَاحِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً فِي الشَّطِّ وَهِيَ عَلَى قَرَارِ الْأَرْضِ فَصَلَّى قَائِمًا جَازَ لِأَنَّهَا إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ طَأْطَأَةِ الرَّأْسِ لَا تَكُونُ رُكُوعًا وَإِلَّا لَسَمَّوْهُ رُكُوعًا وَاقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ فَلَا بُدَّ فِي الرُّكُوعِ مِنْ انْحِنَاءٍ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَهُوَ إيمَاءٌ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ صَلَّى قَاعِدًا إذْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لِلْقِرَاءَةِ فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا. اهـ.
قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ افْتِرَاضُ التَّحْرِيمَةِ قَائِمًا أَيْضًا وَلَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي عِنْدِي مِنْ فَتَاوَى وَشُرُوحٍ وَغَيْرِهَا بَلْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى سُقُوطِ رُكْنِيَّةِ الْقِيَامِ وَإِنْ شَرْعِيَّتُهُ لِلتَّوَصُّلِ إلَى السُّجُودِ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا جَوَّزُوا اقْتِدَاءَ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بِالْقَاعِدِ وَمِمَّنْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ صَلَّى قَاعِدًا يُومِئُ إيمَاءً الْقُدُورِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ الْهِدَايَةِ وَكِتَابِهِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَهِيَ عِبَارَةُ الْكَرْخِيِّ أَيْضًا كَمَا فِي السِّرَاجِ بَلْ يَلْزَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَسْقُطَ الرُّكُوعُ عَنْهُ إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ قَائِمًا كَالْقِرَاءَةِ مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ وَبَعْدَ هَذَا فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مَنْقُولًا فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِنْ كَانَ قَالَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ وَتَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ فَالْفَرْقُ جَلِيٌّ لَا يَخْفَى فَلْيُرَاجِعْ.

(قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْإِشَارَةِ نَظَرٌ قُلْت

(2/126)


اسْتَقَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً وَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ فَهِيَ كَالدَّابَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَرَّتْ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَالَةٍ يُدَوِّرُ رَأْسَهُ لَوْ قَامَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا قَاعِدًا وَأَرَادَ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا أَنْ تَكُونَ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِالْإِيمَاءِ لَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ فَلَوْ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَتَانِ مَقْرُونَتَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُمَا بِالِاقْتِرَانِ صَارَتَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتَا مُنْفَصِلَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ تَخَلُّلَ مَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَالْمُقْتَدُونَ عَلَى الْحَدِّ وَالسَّفِينَةُ وَاقِفَةٌ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ طَرِيقٌ أَوْ مِقْدَارُ نَهْرٍ عَظِيمٍ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ وَمِثْلَ هَذَا النَّهْرِ يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَطْلَالِ السَّفِينَةِ يَقْتَدِي بِالْإِمَامِ فِي السَّفِينَةِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَامَ الْإِمَامِ لِأَنَّ السَّفِينَةَ كَالْبَيْتِ وَاقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ عَلَى السَّطْحِ بِمَنْ هُوَ فِي الْبَيْتِ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمَامَ الْإِمَامِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُهُ كَذَا هَاهُنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ اسْتِقْبَالَ وَجْهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِوَجْهِهِمْ الْقِبْلَةَ كُلَّمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَيْهَا كَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ قَضَى وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا اسْتَوْعَبَ الْإِغْمَاءَ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَيُحْرَجُ فِي الْأَدَاءِ وَإِذَا قَصُرَتْ قُلْت فَلَا حَرَجَ وَالْكَثِيرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَالْجُنُونِ كَالْإِغْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ الْجُنُونُ يُنَافِي شَرْطَ الْعِبَادَاتِ وَهِيَ النِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا لِلْحَرَجِ وَمَا لَا يَمْتَدُّ طَارِئًا جُعِلَ كَالنَّوْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَارِضٌ يَمْنَعُ فَهْمَ الْخِطَابِ زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ إذْ هُوَ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ لَهُ حَتَّى وَرِثَ وَمَلَكَ وَكَانَ أَهْلًا لِلثَّوَابِ كَأَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ فَجُنَّ فِيهِ مُمْسِكًا كُلَّهُ صَحَّ فَلَا يَقْضِي لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اهـ.
قَيَّدَ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُسْقِطُ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ نَامَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَقْضِي لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اهـ.
قَيَّدَ بِالْجُنُونِ وَلَيْلَةً غَالِبًا فَلَا يَحْرَجُ فِي الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَمْتَدُّ عَادَةً وَقَيَّدَهُ بِدَوَامِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُفِيقُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ مِثْلُ أَنْ يَخِفَّ عَنْهُ الْمَرَضُ عِنْدَ الصُّبْحِ مَثَلًا فَيُفِيقَ قَلِيلًا ثُمَّ يُعَاوِدَهُ فَيُغْمَى عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْإِفَاقَةُ فَيَبْطُلُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حُكْمِ الْإِغْمَاءِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّهُ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ أَطْلَقَ فِي الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِسَبَبِ فَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا امْتَدَّ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْخَوْفَ بِسَبَبِ ضَعْفِ قَلْبِهِ وَهُوَ مَرَضٌ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِالْخَمْرِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ شُرْبِ الْبَنْجِ أَوْ الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ فِي الْأَوَّلِ وَإِنْ طَالَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ وَلِهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَسْقُطُ أَيْضًا فِي الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ لِأَنَّ الْعُذْرَ إذَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ إذَا كَثُرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا كَمَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَزَالَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَالْعَارِضُ وَالْأَصْلِيُّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ إذَا كَثُرَ وَعَدَمِهِ إذَا قَلَّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْأَصْلِيُّ كَالصِّبَا فَلَا قَضَاءَ مُطْلَقًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ فِي تَسْوِيَةِ الْجُنُونِ بِالْإِغْمَاءِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا بِتَقْيِيدِ قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ مُومِيًا بِالْحَالِ السَّابِقَةِ أَيْ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا مُومِيًا فَتَدَبَّرْهُ.

[لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ تَعِبَ فِي الصَّلَاةِ]
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً وَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا) وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ فِيهَا إذَا كَانَتْ سَائِرَةً مَعَ إمْكَانِ الْخُرُوجِ إلَى الْبَرِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْجِدِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْجِدُّ شَاطِئُ النَّهْرِ اهـ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَمَا فِي ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ عَلَى الْمُنْيَةِ.

(قَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ عَارِضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ لَا وُرُودَ لِمَا ذُكِرَ أَصْلًا نَعَمْ يُرَدُّ ظَاهِرًا مَا إذَا كَانَ بِسَبَبِ فَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَيُجَابُ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْقَرِيبَ ضَعْفُ الْقَلْبِ وَهُوَ مَرَضٌ لَيْسَ مِنْ صُنْعِ الْعِبَادِ

(2/127)


فَرْقًا فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى مَضَى رَمَضَانُ كُلُّهُ ثُمَّ أَفَاقَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَوْ جُنَّ قَبْلَ رَمَضَانَ وَأَفَاقَ بَعْدَمَا مَضَى شَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَكْثَرِيَّةَ مِنْ حَيْثُ الصَّلَوَاتُ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ سِتٌّ فَأَكْثَرُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ أَيْضًا الْعِبْرَةُ لِلزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَأَفَاقَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ إذَا أَفَاقَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)
كَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِسُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَجْدَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ صَلَاةُ الْمَرِيضِ بِعَارِضٍ سَمَاوِيٍّ كَالسَّهْوِ وَأَلْحَقَتْهَا الْمُنَاسِبَةَ بِهِ فَتَأَخَّرَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ضَرُورَةً، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ بَيَانًا سَبَبَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ أَيْضًا لِمَا أَنَّ التِّلَاوَةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلسَّمَاعِ أَيْضًا كَانَ ذِكْرُهَا مُشْتَمِلًا عَلَى السَّمَاعِ مِنْ وَجْهٍ فَاكْتُفِيَ بِهِ، وَفِي إضَافَةِ السُّجُودِ إلَى التِّلَاوَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَتَبَهَا أَوْ تَهَجَّاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودٌ، وَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِالْهِجَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَشَرَائِطُهَا شَرَائِطُ الصَّلَاةِ إلَّا التَّحْرِيمَةَ؛ لِأَنَّهَا لِتَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَرُكْنُهَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الرُّكُوعِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ مِنْ الْإِيمَاءِ لِلْمَرِيضِ أَوْ كَانَ رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ وَتَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ الْإِيمَاءُ عَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوهُ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ أَمْرٌ دَائِمٌ بِمَنْزِلَةِ التَّطَوُّعِ فَكَانَ فِي اشْتِرَاطِ النُّزُولِ لَهُ حَرَجٌ بِخِلَافِ الْفَرْضِ وَالْمَنْذُورِ، وَمَا وَجَبَ مِنْ السَّجْدَةِ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَمَا وَجَبَ عَلَى الدَّابَّةِ يَجُوزُ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَجَبَتْ تَامَّةً فَلَا تَسْقُطُ بِالْإِيمَاءِ، وَلَوْ تَلَاهَا عَلَى الدَّابَّةِ فَنَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ فَأَدَّاهَا بِالْإِيمَاءِ جَازَ وَيُفْسِدُهَا مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا كَمَا لَوْ وُجِدَتْ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِتَمَامِ الرُّكْنِ، وَهُوَ الرَّفْعُ، وَلَمْ يَحْصُلْ بَعْدَهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ حَصَلَ قَبْلَ هَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَالْعِبْرَةُ عِنْدَهُ لِلْوَضْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْسِدَهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهَا تُفْسَدُ عَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فِي الْقَهْقَهَةِ، وَكَذَا مُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ لَا تُفْسِدُهَا كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَوْ نَامَ فِيهَا لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ كَالصُّلْبِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَحْكَامِهَا.

(قَوْلُهُ تَجِبُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً) أَيْ تَجِبُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ بِسَبَبِ تِلَاوَةِ آيَةٍ مِنْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ آيَةً فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً وَهِيَ: الْأَعْرَافُ فِي آخِرِهَا وَالرَّعْدُ وَالنَّحْلُ وَبَنِي إسْرَائِيلَ وَمَرْيَمُ وَالْأُولَى مِنْ الْحَجِّ وَالْفُرْقَانُ وَالنَّمْلُ والم تَنْزِيلُ وص وحم السَّجْدَةُ وَالنَّجْمُ وَالِانْشِقَاقُ وَالْعَلَقُ هَكَذَا كُتِبَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَهِيَ أَرْبَعٌ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَعَشْرٌ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ وَاجِبَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فَالْأَحْسَنُ فِي التَّعْبِيرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِالْخَمْرِ أَوْ بِالْبَنْجِ وَعَلَّلَ لَهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ وَعَلَّلَ لَهَا فَكَانَ ذِكْرُهَا أَخِيرًا بِمَنْزِلَةِ جَوَابٍ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ تَرْتِيبٌ حَسَنٌ
(قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ) قَالَهُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَجِبُ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجِبُ مُحَرَّفٌ عَنْ لَا يُحْسَبُ بِالسِّينِ قَبْلَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَا يَعُدُّ مِنْ السِّتِّ.