البحر
الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا
يُفْسِدُهُ]
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ:
يَعْنِي: الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مُتَسَاوِيَانِ،
وَفِي الْعِبَادَاتِ مُتَغَايِرَانِ وَقَوْلُهُ: مَطْلُوبَ بِالنَّصْبِ
عَلَى الْحَالِيَّةِ وَقَوْلُهُ: هُوَ الْفَسَادُ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ
خَبَرُ إنَّ يَعْنِي أَنَّ الْعَقْدَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْفَسْخِ فَاسِدٌ،
وَغَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ صَحِيحٌ، وَاَلَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا
بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) إنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الْغَايَةِ
لِصِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَمْ
يُفْطِرْ الَّذِي هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ
الِاسْتِدْلَال عَلَى عَدَمِ الْفِطْرِ فِيمَا ذَكَرَهُ فَقَطْ لَا فِيمَا
عَطَفَ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ: أَوْ احْتَلَمَ أَوْ
أَنْزَلَ بِنَظَرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ الْجَمَاعَةِ) قَالَ فِي
النَّهْرِ: الْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ،
وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا
فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ» لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ
بِالصَّوْمِ اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ فِطْرِهِ يَلْزَمُهُ
الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا، وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِمْ: إذَا ثَبَتَ
هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْجِمَاعِ دَلَالَةً؛ إذْ
لَفْظُ أَفْطَرَ يَعُمُّ مَا إذَا كَانَ بِالْجِمَاعِ أَيْضًا
(قَوْلُهُ: فَسَدَ صَوْمُهُ فِي الصَّحِيحِ)
(2/291)
وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَذْكُرَهُ إنْ
كَانَ شَيْخًا؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الصَّائِمُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ
فَالسُّكُوتُ عَنْهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلِأَنَّ الشَّيْخُوخَةَ
مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ، وَإِنْ كَانَ شَابًّا يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ
يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛
لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ وَيُكْرَهُ
تَرْكُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، وَلَوْ بَدَأَ
بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ
يُفْطِرْ، وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ
الْقَضَاءُ ثُمَّ قِيلَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هَذَا إذَا
لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ
حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ نَزَعَ
ثُمَّ أَدْخَلَ، وَلَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ
النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا
نَظِيرُ مَا قَالُوا لَوْ أَوْلَجَ ثُمَّ قَالَ لَهَا: إنْ جَامَعْتُك
فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ نَزَعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ، وَلَمْ
يَتَحَرَّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَا تُعْتَقُ، وَإِنْ
حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ
الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ لِلْأَمَةِ الْعُقْرُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا كَذَا
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ أَصْبَحَ
يَوْمَ الشَّكِّ مُتَلَوِّمًا ثُمَّ أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ
مِنْ رَمَضَانَ وَنَوَى صَوْمًا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ، وَفِي الْبَقَّالِيِّ النِّسْيَانُ قَبْلَ النِّيَّةِ كَمَا
بَعْدَهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ قُيِّدَ بِالنَّاسِي؛ لِأَنَّهُ
لَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ بِالنَّاسِي، وَلَنَا أَنَّهُ لَا
يَغْلِبُ وُجُودَهُ وَعُذْرُ النِّسْيَانِ غَالِبٌ، وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ
مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَالْإِكْرَاهُ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ
فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمُقَيَّدِ وَالْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْأَدَاءِ
بِالرَّأْسِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَيْثُ يَقْضِي الْمُقَيَّدُ لَا
الْمَرِيضُ
وَأَمَّا حَدِيثُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» فَهُوَ مِنْ بَابِ
الِاقْتِضَاءِ، وَقَدْ أُرِيدَ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ فَلَا حَاجَةَ
إلَى إرَادَةِ الدُّنْيَوِيِّ؛ إذْ هُوَ لَا عُمُومَ لَهُ كَمَا عُرِفَ فِي
الْأُصُولِ، وَحَقِيقَةُ الْخَطَأِ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ
الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْجِنَايَةَ كَالْمَضْمَضَةِ تَسْرِي
إلَى الْحَلْقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ
هُنَا أَنَّ الْمُخْطِئَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ، وَغَيْرُ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ
وَالنَّاسِي عَكْسُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُخْطِئُ
غَيْرَ ذَاكِرٍ لِلصَّوْمِ وَغَيْرَ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ لَكِنَّهُ فِي
حُكْمِ النَّاسِي هُنَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُؤَاخَذَةُ
بِالْخَطَأِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَتَمَامُهُ
فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَمِمَّا أُلْحِقَ بِالْمُكْرَهِ النَّائِمُ إذَا
صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَا يُفْطِرُ، وَكَذَا النَّائِمَةُ إذَا جَامَعَهَا
زَوْجُهَا، وَلَمْ تَنْتَبِهْ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ
أَنَّ رَجُلًا رَمَى إلَى رَجُلٍ حَبَّةَ عِنَبٍ فَدَخَلَتْ حَلْقَهُ،
وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَمَا عَنْ نُصَيْرِ بْنِ
يَحْيَى فِيمَنْ اغْتَسَلَ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لَمْ يَفْسُدْ
اهـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
ظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْفَسَادِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ
الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ النِّصَابِ (قَوْلُهُ:
وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إنْ كَانَ شَيْخًا إلَخْ) قَالَ فِي
الْفَتْحِ وَمَنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا إنْ رَأَى لَهُ قُوَّةً
تُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ بِلَا ضَعْفٍ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ
يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَالِ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ،
وَلَوْ أَكَلَ يَتَقَوَّى عَلَى سَائِرِ الطَّاعَاتِ يَسَعُهُ أَنْ لَا
يُخْبِرَهُ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنْ كَانَ شَابًّا ذَكَّرَهُ
أَوْ شَيْخًا لَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ جَرَى
عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِي السِّرَاجِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ إنْ رَأَى
فِيهِ قُوَّةَ أَنْ يُتِمَّ الصَّوْمَ إلَى اللَّيْلِ ذَكَّرَهُ وَإِلَّا
فَلَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ
لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ، وَلَوْ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً وَالنَّفَلِ
فِي أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ أَوَّلًا
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الصَّائِمُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ) قَالَ
بَعْضُ الْفُضَلَاءِ تَعْلِيلُهُ بِذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّفْرِقَةِ
بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا
يَفْعَلُهُ مَعْصِيَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَا النَّوْمُ عَنْ صَلَاةٍ كَمَا
صَرَّحُوا أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّهَرُ إذَا خَافَ فَوْتَ الصُّبْحِ لَكِنَّ
النَّاسِيَ أَوْ النَّائِمَ غَيْرُ قَادِرٍ فَسَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُمَا
لَكِنْ وَجَبَ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ حَالَهُمَا تَذْكِيرُ النَّاسِي،
وَإِيقَاظُ النَّائِمِ إلَّا فِي حَقِّ الضَّعِيفِ عَنْ الصَّوْمِ
مَرْحَمَةً لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ)
لَيْسَ الْإِنْزَالُ شَرْطًا فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ
لِبَيَانِ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ قِيلَ إلَخْ نَبَّهَ
عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى
هَذَا) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: يَعْنِي فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ
أَمَّا إفْسَادُ الصَّوْمِ فَيَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْمُكْثِ
فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَقَّالِيِّ: النِّسْيَانُ
قَبْلَ النِّيَّةِ كَمَا بَعْدَهَا) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي
مَسْأَلَةِ الْمُتَلَوِّمِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الصَّائِمِ،
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ نَقَلَ التَّصْحِيحَ عَقِبَ
مَسْأَلَةِ الْمُتَلَوِّمِ فَقَالَ بَعْدَ مَا رَمَزَ لِبَعْضِ
الْمَشَايِخِ: وَالصَّحِيحُ فِي النِّسْيَانِ قَبْلَ النِّيَّةِ أَنَّهُ
كَمَا بَعْدَهَا اهـ.
وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ رَمَضَانَ مُعَيَّنٌ لِلصَّوْمِ بِتَعْيِينِ
الشَّارِعِ فَإِذَا أَكَلَ الْمُتَلَوِّمُ نَاسِيًا فِيهِ لَا يَضُرُّهُ،
وَإِنْ كَانَ قَبْلَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ
رَمَضَانِيَّتُهُ وَكَانَ هُوَ مُتَلَوِّمًا فِي مَعْنَى الصَّائِمِ صَارَ
كَأَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ النِّيَّةِ بِخِلَافِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ لَوْ
أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى النَّفَلَ
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَيِّنًا
لِلصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ
لَا حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ النِّسْيَانُ وَلِذَا
قَالَ فِي السِّرَاجِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ إذْ
لَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى
الصَّوْمَ لَمْ يُجْزِهِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَحَقِيقَةُ الْخَطَأِ أَنْ يَقْصِدَ إلَخْ) قَالَ فِي
النَّهْرِ: وَفِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْمُخْطِئِ مَنْ فَسَدَ صَوْمُهُ
بِفِعْلِهِ الْمَقْصُودِ دُونَ قَصْدِ الْفَسَادِ كَمَنْ تَسَحَّرَ عَلَى
ظَنِّ عَدَمِ الْفَجْرِ أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ
فِي الْفَجْرِ وَرَمَضَانَ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّسَحُّرَ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ
لَوْ جَامَعَ عَلَى هَذَا الظَّنِّ فَهُوَ مُخْطِئٌ اهـ.
قُلْت: بَلْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي السِّرَاجِ وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ
التَّكَلُّفِ لِتَصْوِيرِ الْخَطَأِ فِي الْجِمَاعِ بِمَا إذَا بَاشَرَهَا
مُبَاشَرَةً فَاحِشَةً فَتَوَارَتْ حَشَفَتُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي
النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْخَطَأِ جَائِزَةٌ) أَيْ
عَقْلًا كَمَا
(2/292)
خِلَافُ الْمَذْهَبِ، وَفِي فَتَاوَى
قَاضِي خَانْ: النَّائِمُ إذَا شَرِبَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَلَيْسَ هُوَ
كَالنَّاسِي؛ لِأَنَّ النَّائِمَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ وَإِذَا ذَبَحَ لَمْ
تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ، وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ مَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ) أَيْ لَا يُفْطِرُ
لِحَدِيثِ السُّنَنِ «لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ، وَلَا مَنْ احْتَلَمَ،
وَلَا مَنْ احْتَجَمَ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْجِمَاعُ صُورَةً
لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ حَقِيقَةً، وَلَا مَعْنَى لِعَدَمِ الْإِنْزَالِ عَنْ
شَهْوَةِ الْمُبَاشَرَةِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي
فَتَاوِيهِ بِأَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلَمَّا
خَشِيَ أَخْرَجَ فَأَنْزَلَ بَعْدَ الصُّبْحِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ،
وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِلَامِ لِوُجُودِ صُورَةِ الْجِمَاعِ مَعْنًى
قَالُوا الصَّائِمُ إذَا عَالَجَ ذَكَرَهُ حَتَّى أَمْنَى يَجِبُ عَلَيْهِ
الْقَضَاءُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ والولوالجية
وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَصَحَّحَهُ
فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِصِيغَةِ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي قَوْلُ أَبِي
بَكْرٍ لِعَدَمِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ
الْمُبَاشَرَةَ الْمَأْخُوذَةَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ أَعَمُّ مِنْ
كَوْنِهَا مُبَاشَرَةَ الْغَيْرِ أَوَّلًا بِأَنْ يُرَادَ مُبَاشَرَةٌ هِيَ
سَبَبُ الْإِنْزَالِ سَوَاءٌ كَانَ مَا بُوشِرَ مِمَّا يُشْتَهَى عَادَةً
أَوْ لَا وَلِهَذَا أَفْطَرَ بِالْإِنْزَالِ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ
وَالْمَيْتَةِ وَلَيْسَا مِمَّا يُشْتَهَى عَادَةً وَأَمَّا مَا نُقِلَ
عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِالْإِنْزَالِ فِي
الْبَهِيمَةِ فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ
زَلَّةٌ مِنْهُ وَهَلْ يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ خَارِجَ
رَمَضَانَ إنْ أَرَادَ الشَّهْوَةَ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ» ، وَإِنْ أَرَادَ تَسْكِينَ
الشَّهْوَةِ يُرْجَى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَبَالٌ كَذَا فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي رَمَضَانَ لَا يَحِلُّ
مُطْلَقًا أَطْلَقَ فِي النَّظَرِ فَشَمِلَ مَا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِهَا
أَوْ فَرْجِهَا كَرَّرَ النَّظَرَ أَوْ لَا وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ فَأَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ لِوُجُودِ مَعْنَى
الْجِمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ لِعَدَمِ
الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهِ أَوْ قَبَّلَ
بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ
أَدْبَرَ عَلَى السَّبَبِ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى
-
وَاللَّمْسُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالْمُصَافَحَةُ وَالْمُعَانَقَةُ
كَالْقُبْلَةِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى
كَمَالِ الْجِنَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا
الْعُقُوبَةُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِجَبْرِ الْفَائِتِ، وَهُوَ قَدْ
حَصَلَ فَكَانَتْ زَاجِرَةً فَقَطْ وَلِهَذَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ،
وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْجِمَاعَ
وَالْإِنْزَالَ، وَيُكْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ
بِمُفْطِرٍ وَرُبَّمَا يَصِيرُ فِطْرًا بِعَاقِبَتِهِ فَإِنْ أَمِنَ
اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ وَأُبِيحَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ اُعْتُبِرَ
عَاقِبَتُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ وَالْمُبَاشَرَةُ كَالْقُبْلَةِ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ
وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ
غَالِبٌ لِلْإِنْزَالِ، وَجَزَمَ بِالْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ
خِلَافِ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَيَشْهَدُ لِلتَّفْصِيلِ
الْمَذْكُورِ فِي الْقُبْلَةِ الْحَدِيثُ مِنْ تَرْخِيصِهِ لِلشَّيْخِ
وَنَهْيِهِ الشَّابَّ، وَالتَّقْبِيلُ الْفَاحِشُ كَالْمُبَاشَرَةِ
الْفَاحِشَةِ، وَهُوَ أَنْ يَمْضُغَ شَفَتَيْهَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ
الدِّرَايَةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَبَّلَهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ
قَبَّلَتْهُ وَوَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ، وَلَمْ تَرَ بَلَلًا فَسَدَ
صَوْمُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي وُجُوبِ
الْغُسْلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْمُرَادُ بِاللَّمْسِ اللَّمْسُ
بِلَا حَائِلٍ فَإِنْ مَسَّهَا وَرَاءَ الثِّيَابِ فَأَمْنَى فَإِنْ وَجَدَ
حَرَارَةَ جِلْدِهَا فَسَدَ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَسَّتْ زَوْجَهَا
فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ
وَقِيلَ: إنْ تَكَلَّفَ لَهُ فَسَدَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ أَيْضًا، وَفِي
الذَّخِيرَةِ وَلَوْ مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ فَأَنْزَلَ لَا يَفْسُدُ
صَوْمُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ
عَمِلَتْ الْمَرْأَتَانِ عَمَلَ الرِّجَالِ مِنْ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ
إنْ أَنْزَلَتَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلَا فَلَا
غُسْلَ، وَلَا قَضَاءَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ جُنُبًا لَا
يَضُرُّهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ أَوْ ادَّهَنَ أَوْ احْتَجَمَ
أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ قَبَّلَ) أَيْ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الِادِّهَانَ
غَيْرُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ، وَلِعَدَمِ وُجُودِ الْمُفْطِرِ صُورَةً
وَمَعْنًى وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا مِنْ الْمَسَالِكِ فَلَا
يُنَافِيهِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، وَوَجَدَ بَرْدَهُ
فِي كَبِدِهِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الدُّخُولَ فِي الْمَاءِ
وَالتَّلَفُّفَ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ
الضَّجَرِ فِي إقَامَةِ الْعِبَادَةِ لَا؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ
الْإِفْطَارِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ
وَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَلِذَا سُئِلَ - تَعَالَى
- عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ تَسْكِينَ الشَّهْوَةِ) أَيْ الشَّهْوَةِ
الْمُفْرِطَةِ الشَّاغِلَةِ لِلْقَلْبِ، وَكَانَ عَزَبًا لَا زَوْجَةَ
لَهُ، وَلَا أَمَةَ أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى
الْوُصُولِ إلَيْهَا لِعُذْرٍ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ) هِيَ أَنْ
يُعَانِقَهَا، وَهُمَا مُتَجَرِّدَانِ، وَيَمَسَّ فَرْجُهُ فَرْجَهَا قَالَ
فِي الذَّخِيرَةِ: وَهَذَا مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ
الْمُبَاشَرَةَ إذَا بَلَغَتْ هَذَا الْمَبْلَغَ تُفْضِي إلَى الْجِمَاعِ
غَالِبًا اهـ. تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ تَكَلَّفَ لَهُ فَسَدَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ:
يَنْبَغِي تَرْجِيحُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِي سَبَبِيَّةِ
الْإِنْزَالِ تَأَمَّلْ
(2/293)
الِاحْتِجَامُ غَيْرُ مُنَافٍ أَيْضًا،
وَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلصَّائِمِ إذَا
كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الصَّوْمِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَخَافُهُ فَلَا
بَأْسَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا الِاكْتِحَالُ، وَأَطْلَقَهُ
فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ
أَوْ لَا وَكَذَا لَوْ بَزَقَ فَوَجَدَ لَوْنَهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ
الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أَثَرُهُ لَا عَيْنُهُ كَمَا لَوْ ذَاقَ
شَيْئًا، وَكَذَا لَوْ صُبَّ فِي عَيْنِهِ لَبَنٌ أَوْ دَوَاءٌ مَعَ
الدُّهْنِ فَوَجَدَ طَعْمَهُ، أَوْ مَرَارَتَهُ فِي حَلْقِهِ لَا يَفْسُدُ
صَوْمُهُ كَهَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ
وَالظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ مَصَّ الْهِلَيلَجَ وَجَعَلَ يَمْضُغُهَا
فَدَخَلَ الْبُزَاقُ حَلْقَهُ، وَلَا يَدْخُلُ عَيْنُهَا فِي جَوْفِهِ لَا
يَفْسُدُ صَوْمُهُ فَإِنْ فَعَلَ هَذَا بِالْفَانِيدِ أَوْ السُّكْرِ
يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى لَوْ
أَفْطَرَ عَلَى الْحَلَاوَةِ فَوَجَدَ طَعْمَهَا فِي فَمِهِ فِي الصَّلَاةِ
لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ
عَلَيْهَا
(قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ، وَهُوَ ذَاكِرٌ
لِصَوْمِهِ) يَعْنِي لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الذُّبَابَ لَا يُسْتَطَاعُ
الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَشَابَهُ الدُّخَانُ وَالْغُبَارُ لِدُخُولِهِمَا
مِنْ الْأَنْفِ إذَا طَبَّقَ الْفَمَ قُيِّدَ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
وَصَلَ لِحَلْقِهِ دُمُوعُهُ أَوْ عَرَقُهُ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ أَوْ
مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ فَسَدَ صَوْمُهُ لِتَيَسُّرِ طَبْقِ الْفَمِ وَفَتْحِهِ
أَحْيَانَا مَعَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الدُّخُولِ، وَإِنْ ابْتَلَعَهُ
مُتَعَمِّدًا أَلْزَمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَاعْتِبَارُ الْوُصُولِ إلَى
الْحَلْقِ فِي الدَّمْعِ وَنَحْوِهِ مَذْكُورٌ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ،
وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ تَقْيِيدِ الْفَسَادِ
بِوِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَنَفْيِ
الْفَسَادِ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ
مُلُوحَتَهَا فَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَالتَّعْلِيلُ فِي الْمَطَرِ
بِمَا ذَكَرْنَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ مِنْ
التَّعْلِيلِ بِإِمْكَانِ أَنْ تَأْوِيَهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ فَإِنَّهُ
يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسَافِرَ الَّذِي لَا يَجِدُ مَا يَأْوِيهِ لَيْسَ
حُكْمُهُ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا نَزَّلَ الدُّمُوعَ مِنْ عَيْنَيْهِ إلَى فَمِهِ
فَابْتَلَعَهَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ
وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ تَلَذَّذَ
بِابْتِلَاعِ الدُّمُوعِ يَجِبُ الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَغُبَارُ
الطَّاحُونَةِ كَالدُّخَانِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: الدَّمُ إذَا
خَرَجَ مِنْ الْأَسْنَانِ وَدَخَلَ الْحَلْقَ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ
لِلْبُزَاقِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لِلدَّمِ فَسَدَ،
وَكَذَا إنْ اسْتَوَيَا احْتِيَاطًا ثُمَّ قَالَ الصَّائِمُ إذَا دَخَلَ
الْمُخَاطُ أَنْفَهٌ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ اسْتَشَمَّهُ وَدَخَلَ حَلْقَهُ
عَلَى تَعَمُّدٍ مِنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ
رِيقِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى كَفِّهِ ثُمَّ يَبْتَلِعَهُ فَيَكُونَ
عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا الْمُخَاطُ
وَالْبُزَاقُ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ فَاسْتَشَمَّهُ
وَاسْتَنْشَقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ
ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ أَفْطَرَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ
عَلَى إطْلَاقِهِ فَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى
أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ بُزَاقَ غَيْرِهِ كَفَّرَ لَوْ صَدِيقَهُ وَإِلَّا
لَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ
(قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ) أَيْ لَا يُفْطِرُ؛
لِأَنَّهُ قَلِيلٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَجُعِلَ
بِمَنْزِلَةِ الرِّيقِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ بِالْقِلَّةِ مَعَ
أَنَّ الْكَثِيرَ مُفْسِدٌ مُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ لِمَا أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَبْقَى
بَيْنَ الْأَسْنَانِ، وَهُوَ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ عَلَى رَأْيِ
الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَوْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْتَلِعَهُ مِنْ غَيْرِ
رِيقٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الدَّبُوسِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ
الْهُمَامِ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا
ابْتَلَعَهُ أَوْ مَضَغَهُ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ ابْتِلَاعَهُ أَوْ لَا كَمَا
فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقُيِّدَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ
ثُمَّ ابْتَلَعَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً أَوْ
حَبَّةَ حِنْطَةٍ مِنْ خَارِجٍ لَكِنْ تَكَلَّمُوا فِي وُجُوبِ
الْكَفَّارَةِ وَالْمُخْتَارُ الْوُجُوبُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ،
وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَضَغَهَا
حَيْثُ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى إلَّا إذَا كَانَ قَدْرَ
الْحِمَّصَةِ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَفْسُدُ، وَفِي الْكَافِي فِي
السِّمْسِمَةِ قَالَ إنْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ إلَّا إنْ وَجَدَ
طَعْمَهَا فِي حَلْقِهِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا حَسَنٌ
جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضْغَهُ
وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِمَا فِي الْكَافِي، وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ
يَوْمًا وَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: مَاذَا
تَقُولُونَ فِي صَائِمِ رَمَضَانَ إذَا ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً وَاحِدَةً
كَمَا هِيَ أَيُفْطِرُ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَكَلَ
كَفًّا مِنْ سِمْسِمٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَابْتَلَعَ كَمَا هِيَ
قَالُوا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا) كَذَا فِي الْفَتْحِ
ثُمَّ قَالَ: فَالْأَوْلَى عِنْدِي الِاعْتِبَارُ بِوُجُودِ أَنَّ
الْمُلُوحَةَ لِصَحِيحِ الْحِسِّ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي أَكْثَرَ
مِنْ ذَلِكَ، وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ دَخَلَ دَمْعُهُ أَوْ
عَرَقُ جَبِينِهِ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ يُوَافِقُ
مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ عَلَّقَ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَلْقِ وَمُجَرَّدُ
وِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ دَلِيلٌ ذَلِكَ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْقَطْرَةِ
وَالْقَطْرَتَيْنِ لَا فِطْرَ أَمَّا فِي الْأَكْثَرِ فَإِنْ وَجَدَ
الْمُلُوحَةَ فِي جَمِيعِ الْفَمِ وَاجْتَمَعَ شَيْءٌ كَثِيرٌ
وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَعْلِيقِ
الْحُكْمِ عَلَى وِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ فِي جَمِيعِ الْفَمِ؛ إذْ لَا
شَكَّ أَنَّ الْقَطْرَةَ وَالْقَطْرَتَيْنِ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَعَلَيْهِ
يُحْمَلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَتَدَبَّرْ اهـ.
وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ الْقَطْرَةُ لِقِلَّتِهَا لَا
يَجِدُ طَعْمَهَا فِي الْحَلْقِ لِتَلَاشِيهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ
(قَوْلُهُ: لِمَا أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَبْقَى) قَالَ فِي النَّهْرِ:
مَمْنُوعٌ إذْ قَدَّرَ الْمُفْطِرُ مِمَّا يَبْقَى، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ
الشَّارِحُ الْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ الْقَلِيلُ اهـ.
فَلْيُتَأَمَّلْ.
(2/294)
نَعَمْ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَ
بِالْأُولَى أَمْ بِالْأَخِيرَةِ قَالُوا لَا بَلْ بِالْأُولَى قَالَ
الْحَاكِمُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ فَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ
الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ إذَا ابْتَلَعَهَا
كَمَا هِيَ اهـ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَذَكَرَ
قَبْلَهَا، وَإِذَا ابْتَلَعَ حَبَّةَ الْعِنَبِ إنْ مَضَغَهَا قَضَى
وَكَفَّرَ، وَإِنْ ابْتَلَعَهَا كَمَا هِيَ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا
ثُفْرُوقُهَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِالِاتِّفَاقِ،
وَإِنْ كَانَ مَعَهَا ثُفْرُوقُهَا قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: عَلَيْهِ
الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ أَبُو سُهَيْلٍ: لَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ مَعَ ذَلِكَ عَادَةً
وَأَرَادَ بِالثُّفْرُوقِ هَا هُنَا مَا يَلْتَزِقُ بِالْعُنْقُودِ مِنْ
حَبِّ الْعِنَبِ وَثُقْبَتُهُ مَسْدُودَةٌ بِهِ، وَإِنْ ابْتَلَعَ
تُفَّاحَةً رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ
ثُمَّ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَهُوَ
قَدْرُ الْحِمَّصَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَكَلَ بَعْضَ لُقْمَةٍ
وَبَقِيَ الْبَعْضُ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَشَرَعَ فِيهَا وَابْتَلَعَ
الْبَاقِيَ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ مَا لَمْ تَبْلُغْ مِلْءَ الْفَمِ
وَقَدْرَ الْحِمَّصَةِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الصَّوْمِ
(قَوْلُهُ أَوْ قَاءَ وَعَادَ لَمْ يُفْطِرْ) لِحَدِيثِ السُّنَنِ «مَنْ
ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ
اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَوْدَ لِيُفِيدَ أَنَّ
مُجَرَّدَ الْقَيْءِ بِلَا عَوْدٍ لَا يُفْطِرُ بِالْأَوْلَى وَأَطْلَقَهُ
فَشَمِلَ مَا إذَا مَلَأ الْفَمَ أَوْ لَا، وَفِيمَا إذَا عَادَ وَمَلَأَ
الْفَمَ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ
وُجُودِ الصُّنْعِ وَلِعَدَمِ وُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ، وَهُوَ
الِابْتِلَاعُ، وَكَذَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ بَلْ
النَّفْسُ تَعَافُهُ.
(قَوْلُهُ، وَإِنْ أَعَادَهُ أَوْ اسْتَقَاءَ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ
حَدِيدًا قَضَى فَقَطْ) أَيْ أَعَادَ الْقَيْءَ أَوْ قَاءَ عَامِدًا
وَابْتَلَعَ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ، وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً
فَسَدَ صَوْمُهُ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ،
وَأَطْلَقَ فِي الْإِعَادَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ،
وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا
يَفْسُدُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ شَرْعًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَلَا بُدَّ
مِنْ التَّقْيِيدِ بِمِلْءِ الْفَمِ وَأَطْلَقَ فِي الِاسْتِقَاءِ فَشَمِلَ
مَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَلَا يُفْطِرُ
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي
كَافِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ: وَإِنَّمَا لَمْ
يُقَيِّدْ الِاسْتِقَاءَ بِالْعَمْدِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا
قَدَّمَهُ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُفْطِرُ
وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ ذِكْرَ الْعَمْدِ مَعَ الِاسْتِقَاءِ
تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْعَمْدِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ
الْعَمْدَ يُخْرِجُ النِّسْيَانَ إنْ مُتَعَمِّدًا لِفِطْرِهِ لَا
مُتَعَمِّدًا لِلْقَيْءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ الْمَسَائِلِ اثْنَا
عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَوْ
اسْتَقَاءَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَمْلَأَ الْفَمَ
أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَمَّا إنْ عَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ
أَعَادَهُ أَوْ خَرَجَ، وَلَمْ يُعِدْهُ، وَلَا عَادَ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّ
صَوْمَهُ لَا يَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمِيعِ إلَّا فِي
مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْإِعَادَةِ بِشَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ، وَفِي
الِاسْتِقَاءِ بِشَرْطِ مِلْءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَعَهَا تَفْرُوقُهَا إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ
يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ وَصَلَ تَفْرُوقُهَا إلَى الْجَوْفِ أَوَّلًا
أَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ وَصَلَ اللُّبُّ أَوَّلًا تَجِبُ
الْكَفَّارَةُ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالتُّفْرُوقِ هَا هُنَا إلَخْ) قَالَ
الرَّمْلِيُّ عَنْ الْقَامُوسِ: التُّفْرُوقُ بِالضَّمِّ قِمْعُ
الثَّمَرَةِ أَوْ مَا يَلْتَزِقُ بِهِ قِمْعُهَا جَمْعُهُ تَفَارِيقُ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْخُرُوجِ شَرْعًا) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مِلْءِ
الْفَمِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ
بِخِلَافِ مَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَ الْخَارِجِ،
وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ كَمَا فِي السِّرَاجِ
الْوَهَّاجِ أَحَدُهُمَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعَادَ
أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ لَمْ يُفْطِرْ إجْمَاعًا أَمَّا
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ
مِلْءِ الْفَمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْإِدْخَالِ،
وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَ مَلْءَ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ
قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْطَرَ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ مِلْءُ الْفَمِ فَكَانَ خَارِجًا، وَمَا كَانَ
خَارِجًا إذَا أَدْخَلَهُ جَوْفَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ:
قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الصُّنْعُ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ
مِلْءِ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
لِمَا مَرَّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُفْطِرُ لِمَا مَرَّ
وَالرَّابِعَةُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَعَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ شَيْءٌ
مِنْهُ مِقْدَارَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْطَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ
صُورَةُ الْفِطْرِ، وَهُوَ الِابْتِلَاعُ بِصُنْعِهِ، وَلَا مَعْنَاهُ؛
لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ، وَلِأَنَّهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ
الِاحْتِرَازُ عَنْ خُرُوجِهِ فَكَذَا عَنْ عَوْدِهِ فَجُعِلَ عَفْوًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ الِاسْتِقَاءَ بِالْعَمْدِ إلَى
قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ
وَالصَّوَابُ وُجُودُهُ (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ الْمَسَائِلِ
اثْنَا عَشْرَ إلَخْ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَالْحَاصِلُ
أَنَّهَا تَتَفَرَّعُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ
قَاءَ أَوْ اسْتِقَاءَ وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَمْلَأَ الْفَمَ أَوْ دُونَهُ
وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ خَرَجَ أَوْ عَادَ وَكُلٌّ إمَّا
ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ أَوْ لَا، وَلَا فِي فِطْرٍ فِي الْكُلِّ عَلَى
الْأَصَحِّ إلَّا فِي الْإِعَادَةِ وَالِاسْتِقَاءِ بِشَرْطِ الْمِلْءِ
مَعَ التَّذَكُّرِ لَكِنْ صَحَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَدَمَ الْفِطْرِ
بِإِعَادَةِ الْقَلِيلِ وَعَوْدِ الْكَثِيرِ فَتَنَبَّهْ، وَهَذَا فِي
غَيْرِ الْبَلْغَمِ أَمَّا هُوَ فَغَيْرُ مُفْسِدٍ مُطْلَقًا خِلَافًا
لِأَبِي يُوسُفَ فِي الصَّاعِدِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْإِعَادَةِ بِشَرْطِ مِلْءِ
الْفَمِ، وَفِي الِاسْتِقَاءِ بِشَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ) هَكَذَا فِي بَعْضِ
النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا سَقَطَ قَوْلُهُ: وَفِي الِاسْتِقَاءِ وَكَانَ
يُغْنِيهِ عَلَى الْأُولَى أَنْ يَقُولَ فِي الْإِعَادَةِ أَوْ
الِاسْتِقَاءِ بِشَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ فِيهِمَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى
قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُخْتَارِ لَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا
عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَقَوْلُهُ: وَأَنَّ وُضُوءَهُ يُنْتَقَضُ إلَّا
فِيمَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَنَّ صَوْمَهُ
لَا يَفْسُدُ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الصَّوَابُ، وَفِي بَعْضِ
النُّسَخِ، وَفِي أَنَّ وُضُوءَهُ يُنْتَقَضُ فِيمَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ
الْفَمَ بِزِيَادَةِ فِي وَإِسْقَاطِ
(2/295)
الْفَمِ، وَأَنَّ وُضُوءَهُ يَنْتَقِضُ
إلَّا فِيمَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَفِي
الظَّهِيرِيَّةِ مِنْهَا لَوْ قَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَمْ
تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَعَادَهُ إلَى جَوْفِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ
عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ وَعَنْ
مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ، وَإِنْ تَقَيَّأَ فِي صَلَاتِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ
مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِلْءُ الْفَمِ
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ فَصْلِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ قَاءَ إنْ
كَانَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ يَبْنِي إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَإِنْ
تَقَيَّأَ لَا يَبْنِي، وَهَذَا إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَإِنْ كَانَ
أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبِنَاءِ
اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي أَنْوَاعِ الْقَيْءِ وَالِاسْتِقَاءِ فَشَمِلَ مَا إذَا
اسْتَقَاءَ بَلْغَمًا مِلْءَ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِنَاءً
عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ
هُنَا أَحْسَنُ وَقَوْلُهُمَا فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِهِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ
الْفِطْرَ إنَّمَا أُنِيطَ بِمَا يَدْخُلُ أَوْ بِالْقَيْءِ عَمْدًا مِنْ
غَيْرِ نَظَرٍ إلَى طَهَارَةٍ وَنَجَاسَةٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلْغَمِ
وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَتَعْبِيرِي بِالِاسْتِقَاءِ فِي الْبَلْغَمِ أَوْلَى مِمَّا فِي
الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْقَيْءِ كَمَا لَا يَخْفَى،
وَلَوْ اسْتَقَاءَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ مِلْءَ فِيهِ لَزِمَهُ
الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ أَوْ غَدْوَةٍ ثُمَّ نِصْفِ
النَّهَارِ ثُمَّ عَشِيَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ كَذَا فِي خِزَانَةِ
الْأَكْمَلِ وَتَعْبِيرِي بِالِاسْتِقَاءِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ
بِالْقَيْءِ كَمَا فِي الشَّرْحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ اتِّحَادُ السَّبَبِ لَا الْمَجْلِسِ كَمَا فِي نَقْضِ
الْوُضُوءِ وَأَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحَ كَمَا فِي النَّقْضِ،
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْخِزَانَةِ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ
بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَأَمَّا إذَا ابْتَلَعَ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ،
وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْحَصَاةِ وَالْحَدِيدِ فَلِوُجُودِ صُورَةِ
الْفِطْرِ، وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ إيصَالُ مَا فِيهِ
نَفْعُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ فَقَصُرَتْ الْجِنَايَةُ، وَهِيَ لَا
تَجِبُ إلَّا بِكَمَالِهَا فَانْتَفَتْ
وَفِي الْقُنْيَةِ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى
بِتُرَابٍ أَوْ مَدَرٍ لِأَجْلٍ الْمَعْصِيَةِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
زَجْرًا لَهُ وَكَتَبَ غَيْرُهُ نَعَمْ الْفَتْوَى عَلَى ذَلِكَ وَبِهِ
أَفْتَى أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالِابْتِلَاعِ دُونَ
الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ مَا يَأْتِي فِيهِ الْمَضْغُ،
وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْحَصَاةِ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُتَغَذَّى
بِهِ، وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالدَّقِيقِ عَلَى
الْأَصَحِّ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ وَالْمِلْحِ إلَّا إذَا اعْتَادَ
أَكْلَهُ وَحْدَهُ، وَلَا فِي النَّوَاةِ وَالْقُطْنِ وَالْكَاغِدِ
وَالسَّفَرْجَلِ إذَا لَمْ يُدْرِكْ، وَلَا وَهُوَ مَطْبُوخٌ، وَلَا فِي
ابْتِلَاعِ الْجَوْزَةِ الرَّطْبَةِ، وَيَجِبُ لَوْ مَضَغَهَا أَوْ مَضَغَ
الْيَابِسَةَ لَا إنْ ابْتَلَعَهَا، وَكَذَا يَابِسُ اللَّوْزِ
وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ إنْ ابْتَلَعَهُ لَا يَجِبُ، وَإِنْ مَضَغَهُ
وَجَبَتْ كَمَا يَجِبُ فِي ابْتِلَاعِ اللَّوْزَةِ الرَّطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا
تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ بِخِلَافِ الْجَوْزَةِ، وَابْتِلَاعُ التُّفَّاحَةِ
كَاللَّوْزَةِ، وَالرُّمَّانَةُ وَالْبَيْضَةُ كَالْجَوْزَةِ، وَفِي
ابْتِلَاعِ الْبِطِّيخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْخَوْخَةِ الصَّغِيرَةِ
وَالْهَلِيلَجَةِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، وَتَجِبُ
بِأَكْلِ اللَّحْمِ النِّيء، وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً مُنْتِنًا لَا إنْ
دَوَّدَ فَلَا تَجِبُ
وَاخْتُلِفَ فِي الشَّحْمِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ الْوُجُوبَ
وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَلَوْ كَانَ قَدِيدًا وَجَبَ بِلَا
خِلَافٍ، وَتَجِبُ بِأَكْلِ كُلِّ الْحِنْطَةِ وَقَضْمِهَا لَا إنْ مَضَغَ
قُمْحَةً لِلتَّلَاشِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
إلَّا وَعَلَيْهَا كَتَبَ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ: لَا وَجْهَ
لِاسْتِثْنَائِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ
مِنْهَا) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ أَيْ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ ثُمَّ إنَّ
النُّسَخَ هُنَا مُخْتَلِفَةٌ، وَالصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِمَا رَأَيْته
فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ هُنَا هَكَذَا لَوْ قَاءَ
أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَعَادَهُ
إلَى جَوْفِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ وَمَا قَبْلُ يَجِبُ مِنْ
قَوْلِهِ وَأَطْلَقَ فِي أَنْوَاعِ الْقَيْءِ وَالِاسْتِقَاءِ فَشَمِلَ مَا
إذَا اسْتَقَاءَ بَلْغَمًا مِلْءَ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِنَاءً عَلَى
الِاخْتِلَافِ فِي انْتِفَاضِ الطَّهَارَةِ
وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُنَا أَحْسَنُ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ مَحَلُّهُ بَعْدَ تَمَامِ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ:
وَتَعْبِيرِي بِالِاسْتِقَاءِ إلَخْ) مَوْجُودٌ فِي مَوْضِعَيْنِ
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْبَلْغَمِ وَالثَّانِي بَعْدَ
عِبَارَةِ الْخِزَانَةِ، وَهَذَا الثَّانِي سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ
وَالْأَصْوَبُ وُجُودُهُ؛ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عَبَّرَ بِالْقَيْءِ
فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
اتِّحَادُ السَّبَبِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عَلَى
قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ لِمَا أَنَّهُ يُفْطِرُ
عِنْدَهُ بِمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ
اعْتِبَارُ السَّبَبِ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ
اهـ.
قُلْت: مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ التَّفْرِيعُ لَكَانَ
يَنْبَغِي اعْتِبَارُ اتِّحَادِ السَّبَبِ وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيعِ
الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ
مُرَادَهُ مَا قُلْنَا قَوْلُهُ بَعْدُ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ
فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا ابْتَلَعَ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا الْقَضَاءُ
فَقَطْ إذَا ابْتَلَعَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْمِلْحُ إلَّا إذَا اعْتَادَ
أَكْلَهُ وَحْدَهُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ وَقِيلَ يَجِبُ فِي
قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ كَمَا فِي
النَّهْرِ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ
وَجَعَلَهُ الْمُخْتَارَ وَنَقَلَهُ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْمُبْتَغَى
وَنَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اخْتِيَارَ الْوُجُوبِ مِنْ
غَيْرِ ذِكْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ
اعْتِمَادُهُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ مَنْ اعْتَادَ أَكْلَهُ وَبَيْنَ مَنْ
لَمْ يَعْتَدْ (قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ)
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْأَقْيَسُ فِي الْهَلِيلَجَةِ الْوُجُوبُ؛
لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِهَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ
الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ بِوُجُوبِهَا بِأَكْلِ الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ
(قَوْلُهُ: لَا إنْ مَضَغَ قَمْحَةً لِلتَّلَاشِي) أَيْ لَا تَجِبُ
الْكَفَّارَةُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْفَسَادُ فَهُوَ ثَابِتٌ لَوْ وَجَدَ
طَعْمَهَا فِي حَلْقِهِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْكَافِي وَالْفَتْحِ.
(2/296)
وَلَا تَجِبُ بِأَكْلِ الشَّعِيرِ إلَّا
إذَا كَانَ مَقْلِيًّا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَتَجِبُ بِالطِّينِ
الْأَرْمَنِيِّ، وَكَذَا بِغَيْرِهِ عَلَى مَنْ يَعْتَادُ أَكْلَهُ
كَالْمُسَمَّى بِالطِّفْلِ لَا عَلَى مَنْ لَا يَعْتَادُهُ، وَلَا بِأَكْلِ
الدَّمِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ أَكَلَ وَرَقَ الشَّجَرِ فَإِنْ
كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ كَوَرَقِ الْكَرْمِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَوَرَقِ الْكَرْمِ
إذَا عَظُمَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أَكَلَ
قُشُورَ الرُّمَّانِ بِشَحْمَتِهَا أَوْ ابْتَلَعَ رُمَّانَةً فَلَا
كَفَّارَةَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَكَلَ مَعَ الْقِشْرِ،
وَلَوْ أَكَلَ قِشْرَ الْبِطِّيخِ إنْ كَانَ يَابِسًا وَكَانَ بِحَالٍ
يُتَقَذَّرُ مِنْهُ فَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ طَرِيًّا لَا
يُتَقَذَّرُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
وَإِنْ أَكَلَ كَافُورًا أَوْ مِسْكًا أَوْ زَعْفَرَانًا فَعَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ وَإِذَا أَكَلَ لُقْمَةً كَانَتْ فِي فِيهِ وَقْتَ
السَّحَرِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ لَا رِوَايَةَ لَهَا فِي الْأُصُولِ
قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: إنْ كَانَتْ لُقْمَةَ غَيْرِهِ لَا
كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لُقْمَتَهُ فَابْتَلَعَهَا مِنْ
غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ هُوَ
الصَّحِيحُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا إنْ بَرَدَتْ فَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهَا
صَارَتْ مُسْتَقْذَرَةً، وَإِنْ لَمْ تَبْرُدْ وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهَا قَدْ
تَخْرُجُ لِأَجْلِ الْحَرَارَةِ ثُمَّ تَدْخُلُ ثَانِيًا كَذَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا
غِذَاءً أَوْ دَوَاءً قَضَى وَكَفَّرَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ) أَمَّا
الْقَضَاءُ فَلِاسْتِدْرَاكِ الْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ، وَأَمَّا
الْكَفَّارَةُ فَلِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا
لَمْ يُنْزِلُ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ شِبَعٌ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ
يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، وَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ بِدُونِهِ، وَهُوَ عُقُوبَةٌ
مَحْضَةٌ فَمَا فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى، وَشَمِلَ الْجِمَاعَ
فِي الدُّبُرِ كَالْقُبُلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ
بِالِاتِّفَاقِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ
لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَإِنَّمَا ادَّعَى أَبُو حَنِيفَةَ النُّقْصَانَ
فِي مَعْنَى الزِّنَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ فَسَادِ الْفِرَاشِ بِهِ، وَلَا
عِبْرَةَ بِهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ
جُومِعَ لِيُفِيدَ بَعْدَ التَّنْصِيصِ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى
الْمَفْعُولِ بِهِ الطَّائِعِ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا إلَى أَنَّ
الْمَحَلَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَالِ فَلَا
تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لَوْ جَامَعَ بَهِيمَةً أَوْ مَيْتَةً وَلَوْ
أَنْزَلَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا
تُشْتَهَى فَظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ وُجُوبُ
الْكَفَّارَةِ بِوَطْئِهَا
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا
فِي الْغُسْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِوَطْئِهَا إلَّا بِالْإِنْزَالِ
كَالْبَهِيمَةِ، وَجَعَلُوا الْمَحَلَّ لَيْسَ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَالِ،
وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا، وَفِي الْقُنْيَةِ
فَأَمَّا إتْيَانُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَلَا رِوَايَةَ
فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَقُيِّدَ بِالْعَمْدِ
لِإِخْرَاجِ الْمُخْطِئِ وَالْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ فَسَدَ
صَوْمُهُمَا لَا تَلْزَمُهُمَا الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ حَصَلَتْ
الطَّوَاعِيَةُ فِي وَسَطِ الْجِمَاعِ بَعْدَمَا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ
بِالْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا حَصَلَتْ بَعْدَ الْإِفْطَارِ كَمَا
فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: إلَّا إذَا كَانَ
الْإِكْرَاهُ مِنْهَا فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا، وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ: الْمَرْأَةُ إذَا أَكْرَهَتْ زَوْجَهَا فِي رَمَضَانَ
عَلَى الْجِمَاعِ فَجَامَعَهَا مُكْرَهًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ
الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ فِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
وُصُولِهِ إلَى الْمَسْلَكِ الْمُعْتَادِ؛ إذْ لَوْ وَصَلَ مِنْ غَيْرِهِ
فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَأَشَارَ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ
قَوْلِهِ كَأَكْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ
الْكَفَّارَةِ إلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِإِفْسَادِ
صَوْمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إلَى أَنَّ الْمَحَلَّ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَشَارَ
قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْإِشَارَةِ بَعْدَ ظَاهِرٍ اهـ وَأَجَابَ
عَنْهُ الرَّمْلِيُّ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ
مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى
لِقَوْلِهِ عَلَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْوُجُوبِ إلَخْ اهـ.
وَكَانَ مُرَادُهُ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمَفْعُولِ بِهِ الطَّائِعَ غَيْرُ
مُسْتَفَادٍ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ نَصَّ
عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَمْدًا
مُخْرِجٌ لِلْمُكْرَهِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَا مُرَادُهُ
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي
الْفَرْجِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ الْمُشْتَهَاةِ
الَّتِي لَا يُمْكِنُ افْتِضَاضُهَا لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهَا إذْ لَا
إدْخَالَ بِدُونِ افْتِضَاضٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ
الْكَفَّارَةُ لَوْ جَامَعَ بَهِيمَةً أَوْ مَيْتَةً إلَخْ) قَالَ
الرَّمْلِيُّ: اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْكَفَّارَةِ يُوهِمُ وُجُوبَ
الْقَضَاءِ وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ
لِمَا أَنَّ جِمَاعَ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ بِلَا إنْزَالٍ غَيْرُ
مُفْسِدٍ لِلصَّوْمِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ
أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ بَلْ، وَلَا نَقْضَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ
يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَلِابْنِ
مَلَكٍ وَتَوْفِيقِ الْعِنَايَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا
الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الْوَجْهُ
يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا، وَحَكَى الْإِجْمَاعَ
فِيهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقِيلَ لَا تَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ
الْوَجْهُ وَعَلَّلَ لَهُ بِمَا هُنَا، وَقَالُوا فِي الْغُسْلِ:
الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ إفْضَاءٍ فَهِيَ
مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا، وَإِلَّا فَلَا بَقِيَ لَوْ وَطِئَ
الصَّغِيرُ امْرَأَتَهُ هَلْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَمْ أَرَهُمْ
صَرَّحُوا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ فِي الْغُسْلِ أَنَّهَا
تَجِبُ، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ:
غُلَامٌ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ جَامَعَ امْرَأَتَهُ الْبَالِغَ عَلَيْهَا
الْغُسْلُ لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ مُوَارَاةُ الْحَشَفَةِ بَعْدَ
تَوَجُّهِ الْخِطَابِ، وَلَا غُسْلَ عَلَى الْغُلَامِ لِانْعِدَامِ
الْخِطَابِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ بَالِغًا، وَالْمَرْأَةُ
صَغِيرَةً فَالْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ، وَجِمَاعُ الْخَصِيِّ يُوجِبُ
الْغُسْلَ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ لِمُوَارَاةِ الْحَشَفَةِ
اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ إلَى قَوْلِهِ وَأَشَارَ) يُوجَدُ فِي
بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ
إلَخْ)
(2/297)
تَامٍّ قَطْعًا حَتَّى لَوْ صَامَ يَوْمًا
مِنْ رَمَضَانَ، وَنَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَا يَلْزَمُهُ
الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي هَذَا
الصَّوْمِ شُبْهَةً، وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ
رَمَضَانَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ ثُمَّ أَفْطَرَ يَنْبَغِي أَنْ لَا
تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ كَذَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ
فَأَكَلَ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ لَا كَفَّارَةَ مُطْلَقًا، وَبِهِ أَخَذَ
أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِطُلُوعِهِ فَقَالَ: إذَا لَمْ
أَكُنْ صَائِمًا آكُلُ حَتَّى أَشْبَعَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ أَكْلَهُ
الْأَوَّلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَكْلَهُ الْآخَرَ بَعْدَ
الطُّلُوعِ فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ جَمَاعَةً وَصَدَّقَهُمْ لَا
كَفَّارَةَ
وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَدْلًا كَانَ
أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ فِي مِثْلِ هَذَا لَا
تُقْبَلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ
أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا فَلَمْ تَحِضْ الْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ
كَمَا لَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ مَرَضِهِ أَوْ أَفْطَرَ
بَعْدَ إكْرَاهِهِ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ عُفِيَ
عَنْهُ أَوْ شَرِبَ بَعْدَ مَا قُدِّمَ لِيَقْتُلَ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ،
وَلَمْ يَقْتُلْ وَمِمَّا يُسْقِطُهَا حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا بَعْدَ
إفْطَارِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَذَا مَرَضُهَا وَكَذَا مَرَضُهُ
بَعْدَ إفْطَارِهِ عَمْدًا بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ نَفْسَهُ بَعْدَ
إفْطَارِهِ عَمْدًا فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ
سَافَرَ بَعْدَ إفْطَارِهِ عَمْدًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ
مَا لَوْ أَصْبَحَ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ فَإِنَّهَا
تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إذَا صَارَ فِي آخِرِ النَّهَارِ
عَلَى صِفَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ يُبَاحُ لَهُ
الْفِطْرُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ،
وَلَوْ جَامَعَ مِرَارًا فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ وَاحِدٌ، وَلَمْ يُكَفِّرْ
كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ،
وَهُوَ يَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ فَلَوْ جَامَعَ وَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ
مَرَّةً أُخْرَى فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ
لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَوَّلِ
وَلَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَإِنْ لَمْ
يُكَفِّرْ لِلْأُولَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا
فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ قَالَ فِي
الْأَسْرَارِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَلَوْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ فَأَعْتَقَ ثُمَّ فِي آخَرَ فَأَعْتَقَ ثُمَّ
كَذَلِكَ ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الرَّقَبَةُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ لَا
شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ يُجْزِئُهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ
الثَّالِثَةُ فَعَلَيْهِ إعْتَاقُ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَا
يُجْزِئُ عَمَّا تَأَخَّرَ، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا
فَعَلَيْهِ وَاحِدَةٌ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّتْ
الْأُولَى تَنْزِيلًا لِلْمُسْتَحِقِّ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ، وَلَوْ
اسْتَحَقَّتْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ دُونَ الثَّانِيَةِ أَعْتَقَ
وَاحِدَةً لِلثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَفَتْ عَنْ الْأُولَى
وَالْأَصْلُ أَنَّ الثَّانِيَ يُجْزِئُ عَمَّا قَبْلَهُ لَا عَمَّا
بَعْدَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْبَدَائِعِ وَأَفَادَ
بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ مُرَتَّبَةٌ فَالْوَاجِبُ
الْعِتْقُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا
لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَرْوِيِّ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ فَلَوْ
أَفْطَرَ يَوْمًا فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ بَطَلَ مَا قَبْلَهُ وَلَزِمَهُ
الِاسْتِقْبَالُ سَوَاءٌ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَوْ لَا وَكَذَا فِي
كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ لِلنَّصِّ عَلَى التَّتَابُعِ إلَّا
لِعُذْرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ عَادَةً لَا تَحِيضُ
فِيهِمَا لَكِنَّهَا إذَا تَطَهَّرَتْ تُصَلِّي بِمَا مَضَى فَإِنْ لَمْ
تُصَلِّ اسْتَقْبَلَتْ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكَذَا صَوْمُ
كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُتَتَابِعٌ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ بِخِلَافِ قَضَاءِ
رَمَضَانَ وَصَوْمِ الْمُتْعَةِ وَكَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَكَفَّارَةِ
جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ
كَفَّارَةٍ شُرِعَ فِيهَا عِتْقٌ فَإِنَّ صَوْمَهُ مُتَتَابِعٌ، وَمَا لَمْ
يُشْرَعْ فِيهَا عِتْقٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِذَا
وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ يَنْوِي
أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ جَازَ، وَإِنْ كَانَا
مِنْ رَمَضَانَيْنِ يَنْوِي قَضَاءَ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ
يَنْوِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ
وَالصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ، وَلَوْ صَامَ الْفَقِيرُ إحْدَى وَسِتِّينَ
لِلْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ لِلْقَضَاءِ جَازَ ذَلِكَ
كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى
الْقَضَاءَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ
الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
أَيْ الْآتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْعَوَارِضِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّهَارِ لَا يَكُونُ صَائِمًا عِنْدَ
الشَّافِعِيِّ وَبِهَذِهِ الشُّبْهَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ الدَّلِيلِ
انْدَرَأَتْ الْكَفَّارَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِنِيَّةٍ مِنْ
النَّهَارِ جَائِزٌ فَيَكُونُ جَانِيًا عَلَى صَوْمٍ صَحِيحٍ اهـ.
ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ
مَرَضِهِ) جَعَلَهُ مُشَبَّهًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ
مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ،
وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قُلْت:
لَكِنْ صَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُقُوطَ
الْكَفَّارَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَشَبَّهَهُمَا بِمَنْ أَفْطَرَ،
وَأَكْبَرُ ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ
(قَوْلُهُ: وَمِمَّا يُسْقِطُهَا حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا بَعْدَ
إفْطَارِهَا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي
نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ حَاضَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ مَرِضَتْ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ سَقَطَ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا اهـ.
وَهَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى وَلَعَلَّ الصَّوَابَ سَقَطَ
عَنْهَا بِضَمِيرِ الْمَرْأَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ
بِالتَّشْبِيهِ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمَسِيسَ فِي
أَثْنَائِهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مُطْلَقًا
عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِلْآيَةِ بِخِلَافِ
كَفَّارَةِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ فِيهِمَا إلَّا
الْفِطْرُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَتَأَمَّلْ فَقَدْ زَلَّتْ
بَعْضُ الْأَقْدَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ رَمْلِيٌّ
(2/298)
فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ
الَّذِي يَصُومُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ يَبْدَأُ بِالْقَضَاءِ،
وَفِيهِ إشْكَالٌ لِلْمُحَقِّقِ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ
نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَالتَّطَوُّعَ كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي
التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ
وَالْفَرْضَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا عِنْدَهُ، وَلَوْ
نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةَ الظِّهَارِ كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ
اسْتِحْسَانًا
وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ تَطَوُّعًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي
الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ مَنْ
أَكَلَ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ عِيَانًا عَمْدًا شُهْرَةً يُقْتَلُ؛
لِأَنَّهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْلَالِ اهـ.
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ أَعْنِي ذَنْبَ الْإِفْطَارِ عَمْدًا لَا
يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْكِيرِ؛ وَلِهَذَا
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ عُرِفَ أَنَّ
التَّوْبَةَ غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَتَبِعَهُ
الشَّارِحُونَ وَشَبَّهَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِجِنَايَةِ السَّرِقَةِ
وَالزِّنَا حَيْثُ لَا يَرْتَفِعَانِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ بَلْ
يَرْتَفِعَانِ بِالْحَدِّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ
الِارْتِفَاعِ عَدَمُهُ ظَاهِرًا أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ
فَيَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ بِدُونِ تَكْفِيرٍ؛ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا
يَرْتَفِعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ كَمَا
صَرَّحُوا بِهِ، وَأَمَّا الْقَاضِي بَعْدَ مَا رُفِعَ الزَّانِي إلَيْهِ
لَا يَقْبَلُ مِنْهُ التَّوْبَةَ بَلْ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ، وَقَدْ
صَرَّحَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ
بِارْتِفَاعِهِ بِدُونِ تَكْفِيرٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ -
تَعَالَى - وَعَبَّرَ بِمَنْ الْمُفِيدَةِ لِلْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ مَنْ
جَامَعَ أَوْ جُومِعَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ
وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ
وَالْعَبْدِ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْوُجُوبِ عَلَى
الْجَارِيَةِ فِيمَا لَوْ أَخْبَرَتْ سَيِّدَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
عَالِمَةً بِطُلُوعِهِ فَجَامَعَهَا مَعَ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ
وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ: إذَا لَزِمَ الْكَفَّارَةُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَهُوَ
مُوسِرٌ بِمَالِهِ الْحَلَالِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَبَعَةٌ لِأَحَدٍ
يُفْتِي بِإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
سَلَّامٍ: يُفْتَى بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ
الْكَفَّارَةِ الِانْزِجَارُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ إفْطَارُ شَهْرٍ
وَإِعْتَاقُ رَقَبَةٍ فَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ بِالْإِنْزَالِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَيْ
فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ كَالْفَخِذِ وَالْإِبْطِ وَالْبَطْنِ
لِانْعِدَامِ الْجِمَاعِ صُورَةً وَفَسَدَ صَوْمُهُ لِوُجُودِهِ مَعْنًى
كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّقْبِيلِ وَعَمَلِ
الْمَرْأَتَيْنِ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْفَرْجُ
قُبُلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَوْلُهُ
الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ كِلَاهُمَا فَرْجٌ يَعْنِي فِي الْحُكْمِ اهـ.
بِلَفْظِهِ يَعْنِي لَا فِي اللُّغَةِ (قَوْلُهُ وَبِإِفْسَادِ صَوْمٍ
غَيْرِ رَمَضَانَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ فِي إفْسَادِ صَوْمٍ غَيْرِ أَدَاءِ
رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ
لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ لَا قِيَاسًا؛
إذْ هُوَ مُمْتَنِعٌ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَا
دَلَالَةً؛ لِأَنَّ إفْسَادَ غَيْرِهِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَلُزُومُ
إفْسَادِ الْحَجِّ النَّفْلِ وَالْقَضَاءِ بِالْجِمَاعِ لَيْسَ إلْحَاقًا
بِإِفْسَادِ الْحَجِّ الْفَرْضِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ ابْتِدَاءً لِعُمُومِ
نَصِّ الْقَضَاءِ وَالْإِجْمَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ أُقْطِرَ فِي أُذُنِهِ
أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ، وَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ
دِمَاغِهِ أَفْطَرَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْفِطْرُ مِمَّا
دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي
مُسْنَدِهِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ الِاسْتِقَاءِ أَوْ الْفِطْرِ
فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعُودُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَلَّ حَتَّى لَا
يُحِسَّ بِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنْ قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّ
الْخَارِجَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ أَصْلًا إلَّا فِي الِاسْتِقَاءِ،
وَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ كُلٌّ مِنْهُمَا
يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ قُلْتُ لَا
يُرَدُّ؛ لِأَنَّ إفْسَادَهُمَا الصَّوْمَ بِاعْتِبَارِ مُنَافَاتِهِمَا
الْأَهْلِيَّةَ لَهُ شَرْعًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ
الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ بَعْدَ النِّيَّةِ لَا
يُفْسِدَانِ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُنَافِيَانِ أَهْلِيَّةَ
الْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا يُنَافِيَانِ النِّيَّةَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ،
وَالرَّاوِيَةُ بِالْفَتْحِ فِي احْتَقَنَ وَاسْتَعَطَ أَيْ وَضَعَ
الْحُقْنَةَ فِي الدُّبُرِ وَصَبَّ السَّعُوطَ، وَهُوَ الدَّوَاءُ فِي
الْأَنْفِ وَبِالضَّمِّ فِي أُقْطِرَ وَالْجَائِفَةُ اسْمٌ لِجِرَاحَةٍ
وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ وَالْآمَّةُ الْجِرَاحَةُ وَصَلَتْ إلَى أُمِّ
الدِّمَاغِ وَأَطْلَقَ فِي الْإِقْطَارِ فِي الْأُذُنِ فَشَمِلَ الْمَاءَ
وَالدُّهْنَ، وَهُوَ فِي الدُّهْنِ بِلَا خِلَافٍ
وَأَمَّا الْمَاءُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَيَرْتَفِعُ
بِالتَّوْبَةِ بِدُونِ تَكْفِيرٍ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ تَسْقُطَ
الْكَفَّارَةُ بِالتَّوْبَةِ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا اللُّزُومِ
كَلَامُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ إيجَابَ الْإِعْتَاقِ مُعَرِّفًا
لِعَدَمِ تَكْفِيرِ التَّوْبَةِ لِلذَّنْبِ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ لَوْ
كَفَّرَتْهُ لَمْ يَجِبْ مَالٌ فَالظَّاهِرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُدُودِ
وَالْكَفَّارَاتِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا
يَرْتَفِعُ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَشِّي مِسْكِينٍ قَيَّدَهُ فِي
بَحْرِ الْكَلَامِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَزْنِيِّ بِهَا زَوْجٌ
فَإِنْ كَانَ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ لِكَوْنِهِ حَقَّ عَبْدِهِ فَلَا
بُدَّ مِنْ إبْرَائِهِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: بِالْوُجُوبِ عَلَى الْجَارِيَةِ)
أَيْ وُجُوبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ الْفِطْرِ فِيهِ) أَيْ فِي الِاسْتِقَاءِ (قَوْلُهُ:
حَتَّى لَا يَحُسَّ بِهِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ
مَخْصُوصًا بِحَدِيثِ الِاسْتِقَاءِ (قَوْلُهُ: وَبِالضَّمِّ فِي أَقْطَرَ)
قَالَ
(2/299)
فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ عَدَمَ
الْإِفْطَارِ بِهِ سَوَاءٌ دَخَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَدْخَلَهُ وَصَرَّحَ
الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ مُطْلَقًا عَلَى
الْمُخْتَارِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْفِطْرُ صُورَةً، وَلَا
مَعْنًى لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ
بِوُصُولِهِ إلَى الدِّمَاغِ، وَجَعَلَ السَّعُوطَ كَالْإِقْطَارِ فِي
الْأُذُنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
أَنَّهُ إنْ خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يُفْسِدُ، وَإِنْ صَبَّ
الْمَاءَ فِي أُذُنِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ
إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ وَرَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَبِهَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْغُسْلِ، وَهُوَ صَائِمٌ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ
فِي أُذُنِهِ، وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ
فَلَوْ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْغُسْلِ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ وَوَصَلَ
إلَى الدِّمَاغِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.
وَلَوْ شَدَّ الطَّعَامَ بِخَيْطٍ وَأَرْسَلَهُ فِي حَلْقِهِ وَطَرَفُ
الْخَيْطِ فِي يَدِهِ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ إلَّا إذَا انْفَصَلَ،
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الصَّائِمَ إذَا اسْتَقْصَى فِي
الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ الْمِحْقَنَةِ فَهَذَا أَقَلُّ مَا
يَكُونُ، وَلَوْ كَانَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ، وَالِاسْتِقْصَاءُ لَا يُفْعَلُ؛
لِأَنَّهُ يُورِثُ دَاءً عَظِيمًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَدْخَلَ
خَشَبَةً أَوْ نَحْوَهَا وَطَرَفًا مِنْهَا بِيَدِهِ لَمْ يَفْسُدْ
صَوْمُهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
اسْتِقْرَارَ الدَّاخِلِ فِي الْجَوْفِ شَرْطٌ لِفَسَادِ الصَّوْمِ،
وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي اسْتِهِ أَوْ أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ
فِي فَرْجِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأُصْبُعُ
مُبْتَلَّةً بِالْمَاءِ أَوْ الدُّهْنِ فَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ لِوُصُولِ
الْمَاءِ أَوْ الدُّهْنِ وَقِيلَ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَشَتْ الْفَرْجَ
الدَّاخِلَ فَسَدَ صَوْمُهَا وَالصَّائِمُ إذَا أَصَابَهُ سَهْمٌ وَخَرَجَ
مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَلَوْ بَقِيَ النَّصْلُ
فِي جَوْفِهِ يَفْسُدُ صَوْمُهُ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ: وَإِنْ بَقِيَ
الرُّمْحُ فِي جَوْفِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا
يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ
مَا فِيهِ صَلَاحُهُ
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَأَمَّا الْوَجُورُ فِي الْفَمِ فَإِنَّهُ
يُفْسِدُ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى جَوْفِ الْبَدَنِ مَا هُوَ
مُصْلِحٌ لِلْبَدَنِ فَكَانَ أَكْلًا مَعْنًى لَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ
الْكَفَّارَةُ لِانْعِدَامِ الْأَكْلِ صُورَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي
السَّعُوطِ وَالْوَجُورِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ اسْتَعَطَ لَيْلًا فَخَرَجَ
نَهَارًا لَا يُفْطِرُ، وَأَطْلَقَ الدَّوَاءَ فَشَمِلَ الرَّطْبَ
وَالْيَابِسَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ لَا لِكَوْنِهِ رَطْبًا
أَوْ يَابِسًا وَإِنَّمَا شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ هُوَ
الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ
لَمْ يَصِلْ لَمْ يَفْسُدْ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْيَابِسَ وَصَلَ فَسَدَ
صَوْمُهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ
يَقِينًا أَحَدَهُمَا وَكَانَ رَطْبًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُفْطِرُ
لِلْوُصُولِ عَادَةً وَقَالَا لَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، فَلَا يُفْطِرُ
بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَابِسًا، وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَا
فِطْرَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَوْلُهُ: إلَى جَوْفِهِ
عَائِدٌ إلَى الْجَائِفَةِ وَقَوْلُهُ إلَى دِمَاغِهِ عَائِدٌ إلَى
الْآمَّةِ، وَفِي التَّحْقِيقِ أَنَّ بَيْنَ الْجَوْفَيْنِ مَنْفَذًا
أَصْلِيًّا فَمَا وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّأْسِ يَصِلُ إلَى جَوْفِ
الْبَطْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَعَطَ
لَيْلًا، وَوَصَلَ إلَى الرَّأْسِ ثُمَّ خَرَجَ نَهَارًا لَا يَفْسُدُ
كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ
عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ أَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهِ.
(قَوْلُهُ، وَإِنْ أُقْطِرَ فِي إحْلِيلِهِ لَا) أَيْ لَا يُفْطِرُ
أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَاءَ وَالدُّهْنَ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا
لِأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ
وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ أَمْ لَا، وَهُوَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ فِيهِ عَلَى
التَّحْقِيقِ فَقَالَا: لَا، وَوُصُولُ الْبَوْلِ مِنْ الْمَعِدَةِ إلَى
الْمَثَانَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فِي النَّهْرِ قِيلَ: الصَّوَابُ قُطِّرَ؛ لِأَنَّ أَقْطَرَ لَمْ يَأْتِ
مُتَعَدِّيًا يُقَالُ: أَقَطَرَ الشَّيْءَ حَانَ لَهُ أَنْ يُقْطِرَ
بِخِلَافِ قَطَّرَ فَإِنَّهُ جَاءَ مُتَعَدِّيًا، وَلَازِمًا
وَبِالتَّضْعِيفِ مُتَعَدٍّ لَا غَيْرُ وَأَمَّا الْإِقْطَارُ بِمَعْنَى
التَّقْطِيرِ فَلَمْ يَأْتِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ
فَسَادُ مَا قِيلَ إنَّ أَقَطَرَ عَلَى لَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ؛
لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى أَنْ يَجِيءَ الْإِقْطَارُ مُتَعَدِّيًا، وَلَا
صِحَّةَ لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حَقَّهُ أَنْ يُقْرَأَ
عَلَى لَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ لِتَتَّفِقَ الْأَفْعَالُ
وَتَنْتَظِمَ الضَّمَائِرُ فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ وَأَقُولُ: فِي الْمُغْرِبِ:
قَطَّرَ الْمَاءَ صَبَّهُ تَقْطِيرًا أَوْ قَطَّرَهُ وَأَقْطَرَهُ لُغَةٌ،
وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ يَتَخَرَّجُ كَلَامُهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ
بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِمَا مَرَّ وَلِلْمَفْعُولِ،
وَنَائِبُ الْفَاعِلِ هُوَ قَوْلُهُ: فِي أُذُنِهِ أَيْ وَجَدَ إقْطَارًا
فِي أُذُنِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَقِيَ الرُّمْحُ فِي جَوْفِهِ) عِبَارَةُ
قَاضِي خَانْ، وَإِنْ بَقِيَ الزَّجُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا
تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ
الْفِعْلُ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ
الِاسْتِنْجَاءِ السَّابِقَةِ، وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا أَدْخَلَ خَشَبَةً
وَغَيَّبَهَا حَيْثُ يُفْطِرُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ
يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ أَعْنِي صُورَةَ الْفِطْرِ، وَهُوَ
الِابْتِلَاعُ، وَلَا مَعْنَاهُ، وَهُوَ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ لِمَا
ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى الْمِحْقَنَةِ يُوجِبُ دَاءً
عَظِيمًا، قَالَ: وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ
الصُّورَةِ بِالِابْتِلَاعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوْلَى
تَفْسِيرُهَا بِالْإِدْخَالِ بِصُنْعِهِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ الْإِمَامُ
قَاضِي خَانْ الْفَسَادَ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ أُذُنَهُ بِأَنَّهُ
مُوَصِّلٌ إلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ
كَمَا لَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً وَغَيَّبَهَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ اهـ.
نَعَمْ يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى تَعْلِيلِ الْوَلْوَالِجِيِّ لِعَدَمِ
الْفَسَادِ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ أُذُنَهُ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا
كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ الْإِفْطَارُ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى
الدِّمَاغِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ فَإِنَّهُ إذَا فَسَدَ مَعَ عَدَمِ
الْقَصْدِ فَكَيْفَ لَا يَفْسُدُ فِي الْإِقْطَارِ وَالسَّعُوطِ مَعَ
الْقَصْدِ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا فِي
الشُّرُوحِ، وَإِذَا عَارَضَ مَا فِي الْفَتَاوَى مَا فِي الشُّرُوحِ
يُعْمَلُ بِمَا فِي الشُّرُوحِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ
كَمَا مَرَّ وَالْهِدَايَةُ مَعْدُودَةٌ مِنْ الْمُتُونِ، وَهِيَ
مُقَدَّمَةٌ عَلَى الشُّرُوحِ فَأَيْنَ الْمُعَارَضَةُ.
(2/300)
بِالتَّرَشُّحِ، وَمَا يَخْرُجُ رَشْحًا
لَا يَعُودُ رَشْحًا كَالْجَرَّةِ إذَا سُدَّ رَأْسُهَا وَأُلْقِيَ فِي
الْحَوْضِ يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا ذَكَرَهُ
الْوَلْوَالِجِيُّ وَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: هَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا
لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالطِّبِّ
وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ أَمَّا مَا دَامَ فِي
قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَلَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي
الْخُلَاصَةِ وَعَارَضَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا فِي خِزَانَةِ
الْأَكْمَلِ لَوْ حَشَا ذَكَرَهُ بِقُطْنَةٍ فَغَيَّبَهَا أَنَّهُ يَفْسُدُ
كَاحْتِشَائِهَا وَأَطَالَ فِيهِ وَصَحَّحَ فِي التُّحْفَةِ قَوْلَ أَبِي
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنْ
رَجَّحَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَقُيِّدَ
بِالْإِحْلِيلِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ
الْإِقْطَارَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ يُفْسِدُ الصَّوْمَ بِلَا خِلَافٍ
عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ
أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
بِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْحُقْنَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ فرشته
الْإِحْلِيلُ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَمَخْرَجُ اللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ، وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ) لِمَا فِيهِ
مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ، وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِعَدَمِ
الْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ
الذَّوْقَ بِعُذْرٍ لَا يُكْرَهُ كَمَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَنْ
كَانَ زَوْجُهَا سَيِّئَ الْخُلُقِ أَوْ سَيِّدُهَا لَا بَأْسَ بِأَنْ
تَذُوقَ بِلِسَانِهَا وَلَيْسَ مِنْ الْأَعْذَارِ، وَالذَّوْقُ عِنْدَ
الشِّرَاءِ لِيُعْرَفَ الْجَيِّدُ مِنْ الرَّدِيءِ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا
ذَكَرَهُ فِي الْوَلْوَالِجِيِّ وَتَبِعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
، وَفِي الْمُحِيطِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ كَيْ لَا
يُغْبَنَ وَالْمَضْغُ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ
يَمْضُغَ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ
غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا يَصُومُ، وَلَمْ تَجِدْ طَبِيخًا، وَلَا لَبَنًا
حَلِيبًا لَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا
الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ فَالْمَضْغُ أَوْلَى وَأَطْلَقَ
فِي الصَّوْمِ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ
الْكَرَاهَةَ فِي الْفَرْضِ أَمَّا فِي الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا
يُكْرَهُ الذَّوْقُ وَالْمَضْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِيهِ مُبَاحٌ
لِلْعُذْرِ وَغَيْرِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ
وَتَبِعَهُ فِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ
بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْإِفْطَارَ فِي التَّطَوُّعِ لَا
يَحِلُّ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَمَا كَانَ تَعْرِيضًا لَهُ عَلَيْهِ
يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَأَمَّا عَلَى
رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَمُسَلَّمٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا شَاذَّةٌ
(قَوْلُهُ: وَمَضْغُ الْعَلْكِ) أَيْ وَيُكْرَهُ مَضْغُهُ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ عَلَى الْفَسَادِ
وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا
فَرْقَ بَيْنَ عِلْكٍ وَعِلْكٍ فِي أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَإِنَّمَا
يُكْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْبَيَانِ،
وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَيَّدُوهُ بِأَنْ يَكُونَ أَبْيَضَ، وَقَدْ مَضَغَهُ
غَيْرُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضُغْهُ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ أَسْوَدَ
مُطْلَقًا يُفْطِرُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْضُغْهُ غَيْرُهُ
يَتَفَتَّتُ فَيَتَجَاوَزُ شَيْءٌ مِنْهُ حَلْقَهُ، وَإِذَا مَضَغَهُ
غَيْرُهُ لَا يَتَفَتَّتُ إلَّا أَنَّ الْأَسْوَدَ يَذُوبُ بِالْمَضْغِ
فَأَمَّا الْأَبْيَضُ لَا يَذُوبُ وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ
وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ كَلَامَ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ
مُحَمَّدٍ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ
الْوُصُولِ فَإِذَا فَرَضَ فِي بَعْضِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةَ الْوُصُولِ
مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ
كَالْمُتَيَقِّنِ اهـ.
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعُمُومُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْعِلْكُ لِغَيْرِ
الصَّائِمِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ تَرْكُهُ إلَّا لِعُذْرٍ
مِثْلِ أَنْ يَكُونَ فِي فَمِهِ بَخَرٌ اهـ.
وَأَمَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُنَّ فِعْلُهُ؛
لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْلَى
الْكَرَاهَةُ لِلرِّجَالِ إلَّا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَعْنِي
التَّشَبُّهَ يَقْتَضِيهَا فِي حَقِّهِمْ خَالِيًا عَنْ الْمُعَارِضِ،
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ صَائِمٌ عَمِلَ عَمَلَ الْإِبْرَيْسَمِ
فَأَدْخَلَ الْإِبْرَيْسَمَ فِي فِيهِ فَخَرَجَتْ خُضْرَةُ الصَّبْغِ أَوْ
صُفْرَتُهُ أَوْ حُمْرَتُهُ، وَاخْتَلَطَتْ بِالرِّيقِ فَاخْضَرَّ الرِّيقُ
أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ فَابْتَلَعَهُ، وَهُوَ ذَاكِرٌ صَوْمَهُ
فَسَدَ صَوْمُهُ، وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ
لِلصَّائِمِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِغَيْرِ الْوُضُوءِ، وَلَا
بَأْسَ بِهِ لِلْوُضُوءِ وَكُرِهَ الِاغْتِسَالُ وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى
الرَّأْسِ وَالِاسْتِنْقَاعُ فِي الْمَاءِ وَالتَّلَفُّفُ بِالثَّوْبِ
الْمَبْلُولِ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ الضَّجَرِ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ
مَاءً مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَهُوَ صَائِمٌ» وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي التُّحْفَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ)
قَالَ الرَّمْلِيُّ: تَقَدَّمَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ
قَالَ: وَمُحَمَّدٌ تَوَقَّفَ فِيهِ، وَقِيلَ هُوَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ هُوَ
الْأَظْهَرُ وَمَا تَأَخَّرَ عَلَى خِلَافِ الْأَظْهَرِ.
(قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الصَّوْمِ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: كَذَا
أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ فَشَمِلَ
النَّفَلَ لِمَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ فِيهِ الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى
الْمَذْهَبِ، وَمَنْ قَيَّدَهُ بِالْفَرْضِ كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ
الْحَلْوَانِيِّ وَنَفْيُ كَرَاهَةِ الذَّوْقِ فِي النَّفْلِ إنَّمَا هُوَ
عَلَى رِوَايَةِ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فِي النَّفْلِ بِلَا عُذْرٍ
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يُمْكِنُ أَنْ
يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ فِي النَّفْلِ وَكُرِهَ فِي الْفَرْضِ
إظْهَارًا لِتَفَاوُتِ الْمَرْتَبَتَيْنِ.
(2/301)
ضَعْفِ بِنْيَتِهِ وَعَجْزِ بَشَرِيَّتِهِ
فَإِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ ضَعِيفًا لَا إظْهَارَ الضَّجَرِ.
(قَوْلُهُ لَا كُحْلٌ وَدُهْنُ شَارِبٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ يَجُوزُ أَنْ
تَكُونَ الْفَاءُ مِنْهُمَا مَفْتُوحَةً فَيَكُونَانِ مَصْدَرَيْنِ مِنْ
كَحَلَ عَيْنَهُ كَحْلًا وَدَهَنَ رَأْسَهُ دَهْنًا إذَا طَلَاهُ
بِالدُّهْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُومًا وَيَكُونَ مَعْنَاهُ،
وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ كَذَا فِي
الْعِنَايَةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ
وَالدَّالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهَا لِمَا أَنَّهُ نَوْعُ ارْتِفَاقٍ
وَلَيْسَ مِنْ مَحْظُورِ الصَّوْمِ، وَقَدْ «نُدِبَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَإِلَى
الصَّوْمِ فِيهِ» ، وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا
قَصَدُوا بِهِ التَّدَاوِيَ دُونَ الزِّينَةِ وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ
الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ
عَمَلَ الْخِضَابِ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ
بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَهُوَ الْقُبْضَةُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى
الْكَفِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحْفُوا
الشَّوَارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى» فَمَحْمُولٌ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ
أَنْ يَأْخُذَ غَالِبَهَا أَوْ كُلَّهَا كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ
الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ
الرِّوَايَاتِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا، وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا
يَفْعَلُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَالْمُخَنَّثَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمْ
يُبِحْهُ أَحَدٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي
النِّهَايَةِ بِوُجُوبِ قَطْعِ مَا زَادَ عَلَى الْقُبْضَةِ بِالضَّمِّ
وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ
بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ وَقَصْدِ الزِّينَةِ فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ
لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارِ
النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا، وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ
وَشَهَامَتِهَا وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا، وَقَالُوا بِالْخِضَابِ
وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ
ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدٍ مَطْلُوبٍ
فَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفَتًا إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: لُبْسُ
الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ لَا يَتَكَبَّرُ؛ لِأَنَّ
التَّكَبُّرَ حَرَامٌ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَمَا كَانَ
قَبْلَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَسِوَاكٌ وَقُبْلَةٌ إنْ أَمِنَ) أَيْ لَا يُكْرَهَانِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقُبْلَةِ وَأَمَّا السِّوَاكُ فَلَا بَأْسَ بِهِ
لِلصَّائِمِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ وَالْمَبْلُولَ
وَغَيْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي
لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَعِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ»
لِتَنَاوُلِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
أَحْكَامُهُ فِي سُنَنِ الطَّهَارَةِ فَارْجِعْ إلَيْهَا وَلَمْ
يَتَعَرَّضْ لِسُنَّةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ، وَلَا شَكَّ فِيهِ كَغَيْرِ
الصَّائِمِ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ)
اعْلَمْ أَنَّ لِفَسَادِ الصَّوْمِ أَحْكَامًا بَعْضُهَا يَعُمُّ
الصِّيَامَاتِ كُلَّهَا وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ
فَاَلَّذِي يَعُمُّ الْكُلَّ الْإِثْمُ إذَا أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛
لِأَنَّهُ أَبْطَلَ عَمَلَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِبْطَالُ الْعَمَلِ
مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا
أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ
وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لَا يَأْثَمُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِعُذْرٍ
فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْإِثْمِ
وَالْمُؤَاخَذَةِ؛ فَلِهَذَا ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ كَذَا فِي
مُخْتَصَرِ الْبَدَائِعِ وَأَخَّرَهَا؛ لِأَنَّهَا حَرِيَّةٌ
بِالتَّأْخِيرِ وَالْعَوَارِضُ جَمْعُ عَارِضٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كُلُّ
مَا اسْتَقْبَلَك قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:
24] وَهُوَ السَّحَابُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُك وَالْعَارِضُ النَّابُ
أَيْضًا وَالْعَارِضَانِ شِقَّا الْفَمِ وَالْعَارِضُ الْخَدُّ يُقَالُ
أَخَذَ مِنْ عَارِضَيْهِ مِنْ الشَّعْرِ وَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ أَيْ آفَةٌ
مِنْ كِبَرٍ أَوْ مِنْ مَرَضٍ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ
شَمْسِ الْعُلُومِ وَهِيَ هُنَا ثَمَانِيَةٌ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ
وَالْإِكْرَاهُ وَالْحَبَلُ وَالرَّضَاعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِ قَطْعِ مَا زَادَ
إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِ أَعِزَّاءِ الْمَوَالِي
أَنَّ قَوْلَ النِّهَايَةِ: يُحَبُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَلَا
بَأْسَ بِهِ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ
وَاسْتِعْمَالُهُمْ فِي مِثْلِهِ يُسْتَحَبُّ اهـ.
وَكَأَنَّهُ لِهَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ لَمْ يُعَوِّلْ
عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ مَعَ شِدَّةِ مُتَابَعَتِهِ
لِلنَّهْرِ وَقَالَ مُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ
الْوُجُوبُ عَلَى الثُّبُوتِ اهـ.
قُلْتُ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَفْعَلُ لِتَطْوِيلِ
اللِّحْيَةِ إلَخْ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ
تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقُبْلَةِ) أَيْ تَحْتَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَوْ
احْتَلَمَ
[فَصْلٌ فِي عَوَارِضِ الْفِطْر فِي رَمَضَان]
(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ) .
(قَوْلُهُ وَهِيَ هُنَا ثَمَانِيَةٌ إلَخْ) نَظَمَهَا الْمَقْدِسِيَّ فِي
بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقَالَ
سَقَمٌ وَإِكْرَاهٌ وَحَمْلٌ وَسَفَرْ ... رَضْعٌ وَجُوعٌ وَعَطَشٌ
وَكِبَرٌ
انْتَهَى. وَالْأَوْلَى إنْشَادُهُ خَالِيًا مِنْ الضَّرُورَةِ هَكَذَا:
مَرَضٌ وَإِكْرَاهٌ رَضَاعٌ ... وَالسَّفَر حَبَلٌ كَذَا عَطَشٌ وَجُوعٌ
وَالْكِبَرْ
وَيُزَادُ تَاسِعٌ وَهُوَ قِتَالُ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْغَازِيَ إذَا
خَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْقِتَالِ لَهُ الْفِطْرُ وَلَوْ مُقِيمًا كَمَا
يَأْتِي قَرِيبًا وَقَدْ زِدْت ذَلِكَ فَقُلْت
حَبَلٌ وَإِرْضَاعٌ وَإِكْرَاهٌ سَفَرْ ... مَرَضٌ جِهَادٌ جُوعُهُ عَطَشٌ
كِبَرْ
قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ السَّفَرَ مِنْ
الثَّمَانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ إنَّمَا يُبِيحُ عَدَمَ
الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَمِنْهَا كِبَرُ السِّنِّ وَفِي عُرُوضِهِ فِي
الصَّوْمِ لِيَكُونَ مُبِيحًا لِلْفِطْرِ مَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْلَى
(2/302)
وَالْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَكِبَرُ السِّنِّ
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ
الْفِطْرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ
عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَإِنَّهُ
أَبَاحَ الْفِطْرَ لِكُلِّ مَرِيضٍ لَكِنْ الْقَطْعُ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ
الْفِطْرِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَتَحَقُّقُ الْحَرَجِ
مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ إبْطَاءِ الْبُرْءِ أَوْ إفْسَادِ
عُضْوٍ ثُمَّ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ وَالِاجْتِهَادُ
غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ
أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ
الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ فَلَوْ بَرَأَ مِنْ الْمَرَضِ لَكِنْ
الضَّعْفُ بَاقٍ وَخَافَ أَنْ يَمْرَضَ سُئِلَ عَنْهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ
فَقَالَ الْخَوْفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي
التَّبْيِينِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ
فَهُوَ كَالْمَرِيضِ وَمُرَادُهُ بِالْخَشْيَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا
أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْخَوْفِ إيَّاهَا وَأَطْلَقَ الْخَوْفَ ابْنُ
الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَرَادَ الْوَهْمَ حَيْثُ قَالَ لَوْ
خَافَ مِنْ الْمَرَضِ لَا يُفْطِرُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَمَةُ إذَا
ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ جَازَ لَهَا
الْفِطْرُ وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى
الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلِ الْحَثِيثِ إذَا
خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ وَقَالُوا الْغَازِي إذَا
كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي شَهْرِ
رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ يُفْطِرُ قَبْلَ
الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ امْتِثَالِ
أَمْرِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ ذَلِكَ يُعْجِزُهَا عَنْ إقَامَةِ
الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ
الْفَرَائِضِ. أَطْلَقَ فِي الْمَرَضِ فَشَمِلَ مَا إذَا مَرِضَ قَبْلَ
طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَمَا شَرَعَ بِخِلَافِ السَّفَرِ
فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْشَأَ السَّفَرَ فِيهِ
وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ وَهُوَ عُذْرٌ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ
كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَشَارَ بِاللَّامِ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ
بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لَكِنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَالصَّوْمُ
عَزِيمَةٌ فَكَانَ أَفْضَلَ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ فَالْإِفْطَارُ
وَاجِبٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَوْ صَامَ
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا وَإِذَا
أَفْطَرَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَصُومُ وَيُصَلِّي
قَاعِدًا جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ
لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى فَأَكَلَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ يَعْنِي فِي يَوْمِ
النَّوْبَةِ لَا بَأْسَ فَإِنْ لَمْ يُحَمَّ فِيهِ كَانَ عَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا
فَلَمْ تَحِضْ كَانَ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ الْإِفْطَارِ فِي
يَوْمٍ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَهَذَا إذَا أَفْطَرَ
بَعْدَمَا نَوَى الصَّوْمَ وَشَرَعَ فِيهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَنْوِ كَانَ
عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَضِيعٌ مَبْطُونٌ يُخَافُ مَوْتُهُ مِنْ هَذَا
الدَّوَاءِ وَزَعَمَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الظِّئْرَ إذَا شَرِبَتْ دَوَاءَ
كَذَا بَرِئَ الصَّغِيرُ وَتَمَاثَلَ وَتَحْتَاجُ الظِّئْرُ إلَى أَنْ
تَشْرَبَ ذَلِكَ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ إذَا قَالَ
ذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ الْحُذَّاقُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا لَدَغَتْهُ
حَيَّةٌ فَأَفْطَرَ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ قَالُوا إنْ كَانَ ذَلِكَ
يَنْفَعُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ الْأَطِبَّاءَ
الْحُذَّاقَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي هَذَا مَحْمُولٌ
عَلَى الطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ كَمُسْلِمٍ شَرَعَ فِي
الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَوَعَدَ لَهُ كَافِرٌ إعْطَاءَ الْمَاءِ
فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لَعَلَّ غَرَضَهُ إفْسَادُ الصَّلَاةِ
عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ. اهـ.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ
بِالْكَافِرِ فِيمَا عَدَا إبْطَالَ الْعِبَادَةِ؛ لِمَا أَنَّهُ عَلَّلَ
قَبُولَ قَوْلِهِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ إفْسَادَ
الْعِبَادَةِ لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
أَنْ يُرَادَ بِالْعَوَارِضِ مَا يُبِيحُ عَدَمَ الصَّوْمِ لِيَطَّرِدَ فِي
الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَمَةُ إذَا ضَعُفَتْ
إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ ضَعُفَ
عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ
وَيُطْعِمَ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ اهـ.
وَأَقُولُ: هَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ فِيهَا أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ
وَعَلَى هَذَا الْحَصَادُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ
عَلَيْهِ مَعَ الصَّوْمِ وَيَهْلَكُ الزَّرْعُ بِالتَّأْخِيرِ لَا شَكَّ
فِي جَوَازِ الْفِطْرِ وَالْقَضَاءِ إذَا أَدْرَكَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِلْأَمَةِ أَنْ
تَمْتَنِعَ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ
وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ لَهَا إطَاعَتُهُ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ
الثَّانِي، تَأَمَّلْ.
وَلَكِنْ مُقْتَضَى مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ
الْأَوَّلُ حَيْثُ قَالَ صَائِمٌ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ حَتَّى
أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ لَا
تَلْزَمُهُ وَبِهِ أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ
إذَا أَجْهَدَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ تَحْتَ قَهْرِ
الْمَوْلَى وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ
يَجُوزُ لَهَا إطَاعَتُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ وَلَهَا
مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ إنْ أَمْكَنَهَا
وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا
فَعَلَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ فِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ: وَقِيلَ: لَا، وَلَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ
يُقَاتِلُ أَهْلَ الْحَرْبِ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقِتَالُ لَا يُكَفِّرُ.
وَالْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى أَنَّ
الْقِتَالَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ الْإِفْطَارِ لِيَتَقَوَّى بِخِلَافِ
الْمَرَضِ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقَاتِلَ مُحْتَاجٌ إلَى تَقْدِيمِ الْأَكْلِ
فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ قَبْلَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْعُذْرِ بِخِلَافِ
الْمَرِيضِ فَلِذَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يُوجَدْ عُذْرُهُ
بَعْدَ الْأَكْلِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ
الْجَامِعِ سُقُوطَهَا عَنْهُ أَيْضًا وَكَذَا عَمَّنْ ظَنَّتْ أَنَّهُ
يَوْمُ حَيْضِهَا (قَوْلُهُ: بَرِئَ الصَّغِيرُ وَتَمَاثَلَ) قَالَ فِي
الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ م ث ل تَمَاثَلَ الْعَلِيلُ قَارَبَ الْبُرْءَ
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ إلَخْ)
قَالَ فِي
(2/303)
بِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الطِّبِّ لَا
يَجُوزُ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ لِلْخَبَّازِ أَنْ يَخْبِزَ
خَبْزًا يُوصِلُهُ إلَى ضَعْفٍ مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ بَلْ يَخْبِزُ نِصْفَ
النَّهَارِ وَيَسْتَرِيحُ فِي النِّصْفِ قِيلَ لَهُ لَا يَكْفِيهِ
أُجْرَتُهُ أَوْ رِبْحُهُ فَقَالَ هُوَ كَاذِبٌ وَهُوَ بَاطِلٌ بِأَقْصَرِ
أَيَّامِ الشِّتَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَلِلْمُسَافِرِ وَصَوْمُهُ أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ
جَازَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ
الْمَشَقَّةِ فَجُعِلَ فِي نَفْسِهِ عُذْرًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ؛
لِأَنَّهُ قَدْ يَخِفُّ بِالصَّوْمِ فَشَرَطَ كَوْنَهُ مُفْضِيًا إلَى
الْحَرَجِ وَإِنَّمَا كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]
وَلِأَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ فِيهِ الْأَدَاءُ
أَوْلَى وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْقَصْرُ فِي الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ
وَاجِبٌ حَتَّى يَأْثَمَ بِالْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ هُوَ
الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهُمْ لَهُ رُخْصَةً إسْقَاطُ مَجَازٍ، وَقَوْلُ
صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ تَسَامُحٌ وَلَوْ
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَوْمُهُمَا أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُمَا لَكَانَ
أَوْلَى لِشُمُولِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ
الصَّوْمَ إنْ ضَرَّهُ بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ
الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» قَالَهُ لِرَجُلٍ صَائِمٍ يُصَبُّ عَلَيْهِ
الْمَاءُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ فِي
مِصْرٍ أَوْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِأَنَّهُ
اجْتَمَعَ فِي الْيَوْمِ الْمُبِيحُ وَهُوَ السَّفَرُ وَالْمُحَرِّمُ
وَهُوَ الْإِقَامَةُ فَرَجَّحْنَا الْمُحَرِّمَ احْتِيَاطًا وَصَرَّحَ فِي
الْخُلَاصَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّوْمِ إنْ أَجْهَدَهُ وَأَطْلَقَ الضَّرَرَ
وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِضَرَرِ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضُرَّهُ
الصَّوْمُ لَكِنْ كَانَ رُفَقَاؤُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ
وَالنَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ كَذَا فِي
الْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَالِ كَضَرَرِ
الْبَدَنِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ
جَائِزٌ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ خِلَافًا لِعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَذَا
فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالسَّفَرُ الَّذِي يُبِيحُ
الْفِطْرَ هُوَ الَّذِي يُبِيحُ الْقَصْرَ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا قَدْ
ثَبَتَتْ رُخْصَتُهُ
وَأَطْلَقَ السَّفَرَ فَشَمِلَ سَفَرَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ لِمَا
عُرِفَ وَأَرَادَ بِالضَّرَرِ الضَّرَرَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ
الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ خَوْفَ الْهَلَاكِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ
فَالْإِفْطَارُ فِي مِثْلِهِ وَاجِبٌ لَا أَنَّهُ أَفْضَلُ كَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ نُصْحُ
الْمُسْلِمِ كُفْرٌ فَأَنَّى يَتَطَبَّبُ بِهِمْ اهـ.
قَالَ مُحَشِّيهِ وَأَيَّدَهُ شَيْخُنَا بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الدُّرِّ
الْمَنْثُورِ لِلْعَلَّامَةِ السُّيُوطِيّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خَلَا كَافِرٌ بِمُسْلِمٍ إلَّا عَزَمَ عَلَى
قَتْلِهِ» (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ لِلْخَبَّازِ إلَخْ)
قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى يَدْخُلُ
فِيهِ الْخَبَّازُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ هُوَ كَاذِبٌ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ
فَإِنَّ طُولَ النَّهَارِ وَقِصَرَهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكِفَايَةِ
فَقَدْ يَظْهَرُ صِدْقُهُ فِي قَوْلِهِ لَا يَكْفِينِي فَيُفَوَّضُ إلَيْهِ
حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ تَأَمَّلْ اهـ.
وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ
عَنْ الْمُحْتَرِفِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ
بِحِرْفَتِهِ يَلْحَقُهُ مَرَضٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى
تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ قَبْلَ أَنْ يَمْرَضَ
فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَنْعِ وَكَذَا حَكَاهُ عَنْ أُسْتَاذِهِ
الْوَبَرِيِّ وَإِذَا لَمْ يَكْفِهِ عَمِلَ نِصْفَ النَّهَارِ
وَيَسْتَرِيحُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِأَقْصَرِ
أَيَّامِ الشِّتَاءِ اهـ.
قُلْت وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى عَلَى مَا
يَأْتِي مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْهُ لِاشْتِغَالِهِ
بِالْمَعِيشَةِ وَيُقَرِّبُهُ إطْلَاقُ قَوْلِهِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ
وَيُطْعِمَ تَأَمَّلْ وَانْظُرْ إذَا كَانَ أَجَرَ نَفْسَهُ فِي الْعَمَلِ
مُدَّةً مَعْلُومَةً هَلْ لَهُ الْفِطْرُ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ
وَالظَّاهِرُ نَعَمْ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِفَسْخِ
الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الظِّئْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ
بِالْعَقْدِ فَيَحِلُّ لَهَا الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ
فَيَكُونُ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى، تَأَمَّلْ.
وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْتَرِفِ بِأَنْ يُقَالَ
إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ
الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ
مِنْ النَّاسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ بِالْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ
مُحْتَاجًا إلَى الْعَمَلِ يَعْمَلُ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ
حَتَّى لَوْ أَدَّاهُ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ إلَى الْفِطْرِ حَلَّ لَهُ إذَا
لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَدِّيهِ إلَى
الْفِطْرِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: فَجَعَلَ نَفْسَهُ عُذْرًا أَيْ نَفْسَ السَّفَرِ عُذْرًا
وَإِنْ عَرَا) عَنْ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِيهِ غَالِبًا،
وَالنَّادِرُ كَالْعَدَمِ فَأُنِيطَتْ الرُّخْصَةُ بِنَفْسِ السَّفَرِ
وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِ فِيهِ
إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي
قَرِيبًا فِي كَلَامِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحِيطِ حَيْثُ عَلَّقَ
كَرَاهَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي مِصْرٍ أَوْ دُخُولِهِ إلَى
مِصْرِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَ مِصْرِهِ وَغَيْرِ مِصْرِهِ فَعَلَّقَ
الْكَرَاهَةَ فِي مِصْرِهِ عَلَى الدُّخُولِ وَفِي غَيْرِ مِصْرِهِ عَلَى
الْإِقَامَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا يَذْكُرُهُ عَنْ
الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ الْمُبِيحَ لِلْفِطْرِ هُوَ
الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ
وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا
فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ
مِصْرًا غَيْرَ مِصْرِهِ وَيَنْوِيَ فِيهِ الْإِقَامَةَ أَوْ يَدْخُلَ
مِصْرَهُ مُطْلَقًا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَرْجِيحًا
لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ
دُخُولُهُ الْمِصْرَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا سَيَأْتِي
فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ
إلَخْ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ
تَمَحَّضَ فِيهِ الْمُبِيحُ. نَعَمْ بَعْدَ إقَامَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ
إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي هَذَا مَا ظَهَرَ لِي،
تَأَمَّلْ.
لَكِنْ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ
ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ الْمَذْكُورَةَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ
رَأْيِهِ أَنَّهُ يَتَّفِقُ دُخُولُهُ الْمِصْرَ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ
فَلَا بَأْسَ بِالْفِطْرِ فِيهِ اهـ.
ذَكَرَ ذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ضَرَرَ
الْمَالِ كَضَرَرِ الْبَدَنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَلَّلَ فِي الْفَتَاوَى
أَفْضَلِيَّةَ الْإِفْطَارِ
(2/304)
فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهُ مَا إذَا
أُكْرِهَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَإِنَّ الْإِفْطَارَ وَاجِبٌ وَلَا
يَسَعُهُ الصَّوْمُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْطَارِ فَقُتِلَ
يَأْثَمُ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا فَأُكْرِهَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ
لَهُ الْفِطْرُ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ
الْإِفْطَارِ حَتَّى قُتِلَ يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ
حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَأَثَرُ الرُّخْصَةِ بِالْإِكْرَاهِ فِي سُقُوطِ
الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ لَا فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى
الْكُفْرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ أُكْرِهَ
بِقَتْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ لَتُفْطِرَنَّ أَوْ
لَأَقْتُلَنَّ وَلَدَك فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَقَوْلِهِ
لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ وَلَدَك فَصَارَ كَتَهْدِيدِهِ
بِالْحَبْسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
الْمُسَافِرُ إذَا تَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ
فَدَخَلَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ قَالَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قِيَاسًا؛
لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عِنْدَ الْأَكْلِ حَيْثُ رَفَضَ سَفَرَهُ بِالْعَوْدِ
إلَى مَنْزِلِهِ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَا عَلَيْهِمَا) أَيْ وَلَا قَضَاءَ
عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ إذَا مَاتَا قَبْلَ الصِّحَّةِ
وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَضَاءُ
قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ
وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِقَدْرِهِ وَهُوَ
مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ لِوُجُودِ الْإِدْرَاكِ
بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ
وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ
وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
إلَّا بِقَدْرِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ
بِأَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ فَصَحَّ
يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَضَاءُ مَا صَحَّ فِيهِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ
النَّذْرَ سَبَبٌ فَظَهَرَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْخَلَفِ وَفِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا
أَدْرَكَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ قَبْلَ الصِّحَّةِ
لِيَظْهَرَ فِي الْإِيصَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ
يَذْكُرْ أَدَاةَ التَّعْلِيقِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْمُكَلَّفِ مَا
أَمْكَنَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الصِّحَّةِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ
الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْخِلَافَ نَشَئُوا
بَعْدَ الطَّحَاوِيِّ بِكَثِيرٍ مِنْ الزَّمَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ
الْخِلَافَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ
جَهْلَ الْإِنْسَانِ لَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ
ذَكَرَهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ
لِأَوْصَافِهِ الْجَمِيلَةِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ
مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ،
وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
بِمُوَافَقَةٍ (قَوْلُهُ: أَيْ وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرِيضِ
وَالْمُسَافِرِ) أَرْجَعَ فِي النَّهْرِ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ إلَى
الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَإِلَيْهِ يُومِئُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَهُوَ
أَظْهَرُ فِي التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ قَيَّدَ بِهِ أَيْ
بِمَوْتِهَا عَلَى السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا عَلَى مَا
ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُوصَفَانِ
حَقِيقَةً بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ)
قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي رِوَايَةً وَدِرَايَةً إذْ لُزُومُ الْكُلِّ
مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ تُوجَدْ وَالْكُتُبُ
الْمُعْتَمَدَةُ نَاطِقَةٌ بِخِلَافِ مَا قَالَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ
بِاسْتِحَالَةِ نَقْلِ غَيْرِ الْمَذْهَبِ وَتَرْكِ الْمَذْهَبِ وَبِهَذَا
انْدَفَعَ مَا يَأْتِي عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لِيَظْهَرَ فِي
الْإِيصَاءِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَلْزَمُهُ وَقَوْلُهُ؛
لِأَنَّهُ أَيْ النَّذْرَ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ) أَيْ النَّذْرَ وَهُوَ
قَوْلُ الْمَرِيضِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ
فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إذَا بَرِئْت (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ
الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ
مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ
بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَفَصَّلَ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ
إنْ لَمْ يَصُمْ الْيَوْمَ الَّذِي صَحَّ فِيهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ وَإِنْ
صَامَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ إلَخْ) هَكَذَا
فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا اضْطِرَابٌ وَعَلَى هَذِهِ
النُّسْخَةِ يَجِبُ إبْدَالُ الصَّحِيحِ بِالْمَرِيضِ وَفِي بَعْضِ
النُّسَخِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ
مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
وَلَوْ صَامَ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِمَا بَقِيَ
مِنْ الشَّهْرِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا نَذَرَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ
الصِّحَّةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا
صَحَّ يَوْمًا لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَفْصِيلَ الطَّحَاوِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ
كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْمَارِّ وَلِذَا رَدُّوا عَلَيْهِ هَذَا
وَفِي السِّرَاجِ رَجُلٌ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَأَقَامَ أَيَّامًا
قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ قَبْلَ رَجَبٍ ثُمَّ مَاتَ ذَكَرَ فِي
الْفَتَاوَى أَنَّ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ بِشَهْرٍ كَامِلٍ وَذَكَرَ
الْحَاكِمُ أَنَّهُ يُوصِي بِقَدْرِ مَا قَدَرَ وَذَكَرَ فِي الْكَرْخِيِّ
أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ رَجَبٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلَانِ
رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا وَالثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ
إلْزَامَ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مُحَالٌ وَلِذَا لَا يُوصِي إذَا لَمْ
يَقْدِرْ عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَهُمَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ
أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ مُلْزِمٌ فَجَازَ الْفِعْلُ عَقِيبَهُ وَإِنَّمَا
التَّأْخِيرُ لِتَسْهِيلِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ
وَلَهُمَا وَعَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى أَنَّ اللُّزُومَ إذَا لَمْ
يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ يَظْهَرُ فِي خَلَفِهِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا نَذَرَ شَهْرًا غَيْرَ مُعِينٍ ثُمَّ
أَقَامَ بَعْدَ النَّذْرِ أَيَّامًا قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ فَلَمْ
يَصُمْ فَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ عَلَى
كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لِقَدْرِ مَا قَدَرَ،
وَجْهُ قَوْلِهِمَا عَلَى طَرِيقِ الْحَاكِمِ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ صَالِحٌ
لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّذْرِ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ جُعِلَ
كَالْقَادِرِ عَلَى الْجَمِيعِ فَوَجَبَ الْإِيصَاءُ وَعَلَى طَرِيقَةِ
الْفَتَاوَى النَّذْرُ مُلْزِمٌ فِي الذِّمَّةِ السَّاعَةَ وَلَا
يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْأَدَاءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا صَامَ مَا
أَدْرَكَ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ
(2/305)
مَاتَ بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا يَلْزَمُهُ
الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا
صَحَّ وَفَصَّلَ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ إنْ لَمْ يَصُمْ الْيَوْمَ الَّذِي
صَحَّ فِيهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ وَإِنْ صَامَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
كَالْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ إذَا صَحَّ يَوْمًا فَصَامَهُ ثُمَّ مَاتَ لَا
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِالصَّوْمِ تَعَيَّنَ أَنَّهُ
لَا يَصِحُّ فِيهِ قَضَاءُ يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَصُمْهُ
حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْكُلُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى قَوْلِ
الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ مَا قَدَرَ فِيهِ صَالِحٌ لِقَضَاءِ الْيَوْمِ
الْأَوَّلِ وَالْوَسَطِ وَالْأَخِيرِ فَلَمَّا قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ
الْبَعْضِ فَكَأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْكُلِّ إلَيْهِ أَشَارَ فِي
الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ
أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ
قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ
أَدَاءُ الْأَصْلِ فَلَا يَجِبُ أَدَاءُ الْبَدَلِ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى
نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فَعَاشَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ
ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ الشَّهْرَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ
مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ
(قَوْلُهُ: وَيُطْعِمُ وَلِيُّهُمَا لِكُلِّ يَوْمٍ كَالْفِطْرَةِ
بِوَصِيَّةٍ) أَيْ يُطْعِمُ وَلِيُّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ عَنْهُمَا
عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَدْرَكَاهُ كَصَدَقَةٍ الْفِطْرِ إذَا أَوْصَيَا بِهِ؛
لِأَنَّهُمَا لَمَّا عَجَزَا عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّتِهِمَا
الْتَحَقَا بِالشَّيْخِ الْفَانِي دَلَالَةً لَا قِيَاسًا فَوَجَبَ
عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَا فِيهِ عِدَّةً مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ وَيُطْعِمُ وَلِيُّ
مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ لَكَانَ أَشْمَلَ؛ لِأَنَّ هَذَا
الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ وَلَا مَنْ أَفْطَرَ
لِعُذْرٍ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا وَوَجَبَ
الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بَلْ أَرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ
التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَدْخُلُ وَصِيُّهُمَا
وَأَرَادَ بِتَشْبِيهِهِ بِالْفِطْرَةِ كَالْكَفَّارَةِ التَّشْبِيهَ مِنْ
جِهَةِ الْمِقْدَارِ بِأَنْ يُطْعِمَ عَنْ صَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ
صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا
التَّشْبِيهَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ كَافِيَةٌ هُنَا وَلِهَذَا
عَبَّرَ بِالْإِطْعَامِ دُونَ الْإِيتَاءِ دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ
فَإِنَّ الرُّكْنَ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَلَا تَكْفِي الْإِبَاحَةُ
وَقَيَّدَ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْمُرْ لَا يَلْزَمُ
الْوَرَثَةَ شَيْءٌ كَالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ
تَعَالَى وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِيصَاءِ لِيَتَحَقَّقَ الِاخْتِيَارُ
إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَشْرَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ
تِرْكَتِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الْعَشْرِ بِالْعَيْنِ
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي مَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ
صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ
تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا
كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ الْوَارِثُ
بِالْإِطْعَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْإِيصَاءُ بِالْبَاقِي وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ وَمِثْلُهُ لَوْ نَذَرَ
لَيْلًا صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَمَاتَ فِي اللَّيْلِ لَا يَجِبُ
الْإِيصَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَيَجِبُ عَلَى
الثَّانِي وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ رَجَبٍ ثُمَّ أَقَامَ
أَيَّامًا وَلَمْ يَصُمْ فَقَدْ مَرَّ اهـ.
مَا فِي السِّرَاجِ مُلَخَّصًا وَبِهِ عُلِمَ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ
النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُطْلَقِ ثُمَّ قَالَ فِي السِّرَاجِ مَرِيضٌ
لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ ثُمَّ دَخَلَ وَهُوَ
مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ بَعْدَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَمْ يَصُمْ ثُمَّ
مَرِضَ وَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ أَمَّا عَلَى
طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى فَظَاهِرٌ وَكَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ؛
لِأَنَّ بِخُرُوجِ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ وَصِحَّتِهِ بَعْدَهُ وَجَبَ
عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ مُطْلَقٍ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ فِيهِ وَجَبَ
عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ كَمَا فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ
إذَا بَقِيَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ وَلَمْ
يَصُمْ ثُمَّ مَاتَ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَكَانَ أَشْمَلَ إلَخْ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَنْ
أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فَوُجُوبُهَا عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ
الْفَصْلَ مَعْقُودٌ لِلْعَوَارِضِ (قَوْلُهُ: بَلْ أَرَادَ بِالْوَلِيِّ)
كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِدُونِ بَلْ (قَوْلُهُ:
وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إلَخْ) كَذَا فِي
الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ قَالَ فِي الشرنبلالية أَقُولُ: لَا يَصِحُّ
تَبَرُّعُ الْوَارِثِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ
الْوَاجِبَ فِيهَا ابْتِدَاءُ عِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلَا يَصِحُّ
إعْتَاقُ الْوَارِثِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَالصَّوْمُ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ
الْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا يَأْتِي اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ مُعْتَرِضًا عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ
وَالزَّيْلَعِيِّ وَادَّعَى أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ وَهَمَ فِي فَهْمِ
كَلَامِهِمْ الْكَافِي وَعِبَارَةُ الْكَافِي عَلَى مَا فِي شَرْحِ
الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى مُعْسِرٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ
وَعَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لَمْ تَجُزْ الْفِدْيَةُ كَمُتَمَتِّعٍ عَجَزَ
عَنْ الدَّمِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ وَلَا بَدَلَ
لِلْبَدَلِ فَإِنْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ صَحَّ مِنْ ثُلُثِهِ
وَصَحَّ التَّبَرُّعُ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ
الْإِعْتَاقَ بِلَا إيصَاءٍ إلْزَامُ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا
إلْزَامَ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ انْتَهَتْ وَأَنْتَ خَبِيرٌ
بِأَنَّهَا نَصٌّ فِيمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ
فِي الْعَزْمِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي كَلَامِ الْكَافِي هُوَ
الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا وَلَمَّا وَقَعَ فِي سِيَاقِ كَلَامِهِ ذِكْرُ
كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ وَهُمَا قَدْ اشْتَرَكَا فِي مَسْأَلَةِ
الْإِعْتَاقِ ذَهَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَسَاقَ
كَلَامَهُ عَلَى تَعَلُّقِ الْمَسْأَلَةِ بِهِمَا وَقَالَ مَا قَالَ اهـ.
فَبَعِيدٌ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ
وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ
يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ
هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَاكَ فِي الْحَيِّ وَمَا هُنَا فِيمَا
إذَا تَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَلِيُّ فَيَصِحُّ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْأَصْلِ
لِعَدَمِ إمْكَانِ الْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ كَمَا
بَسَطَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الدُّرَرِ وَفِي
الْإِمْدَادِ فِي فَصْلِ إسْقَاطِ الصَّلَاةِ وَلَزِمَ عَلَيْهِ يَعْنِي
مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ الْوَصِيَّةُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ
فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ وَأَوْصَى بِفِدْيَةِ مَا
عَلَيْهِ مِنْ صِيَامِ فَرْضٍ وَكَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَتْلِ
خَطَإٍ وَظِهَارٍ وَجِنَايَةٍ عَلَى إحْرَامٍ وَقَتْلِ مُحْرِمٍ صَيْدًا
وَصَوْمِ مَنْذُورٍ فَيُخْرِجُ عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ ثُلُثِ مَا تَرَكَ
اهـ.
فَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الْإِيصَاءِ بِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَلَا
مَانِعَ مِنْ التَّوْفِيقِ
(2/306)
وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ
التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ
لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَشَارَ بِالْوَصِيَّةِ إلَى أَنَّهُ
مُعْتَبَرٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ
وَإِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَالصَّوْمِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِهِ
تَعَالَى بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَهَمَّ وَيُؤَدِّي عَنْ كُلِّ وِتْرٍ
نِصْفَ صَاعٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَذَا فِي غَايَةِ
الْبَيَانِ وَيُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ عَلَى الصَّحِيحِ
وَإِلَى أَنَّ سَائِرَ حُقُوقِهِ تَعَالَى كَذَلِكَ مَالِيًّا كَانَ أَوْ
بَدَنِيًّا عِبَادَةً مَحْضَةً أَوْ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ كَصَدَقَةِ
الْفِطْرِ أَوْ عَكْسَهُ كَالْعَشْرِ أَوْ مُؤْنَةً مَحْضَةً
كَالنَّفَقَاتِ أَوْ فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَإِلَى
أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَصُومُ عَنْهُ وَلَا يُصَلِّي لِحَدِيثِ
النَّسَائِيّ «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ
أَحَدٍ» وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِمَا أَدْرَكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ إذْ لَوْ مَاتَا قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ لِمَا
قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَوْ أَوْصَيَا بِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُمَا؛ لِأَنَّ
صِحَّتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُجُوبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ
وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ
الِاعْتِكَافَ ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ
مِنْ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ أَدَائِهِ فَوَقَعَ
الْقَضَاءُ بِالْإِطْعَامِ كَالصَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ كَذَا ذَكَرَهُ
الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً فَإِنْ أَوْصَى
يُطْعِمُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْ كُلِّ وَاجِبٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ
وَمَا كَانَ عِبَادَةً مَالِيَّةً كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهُ
الْقَدْرَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْهُمَا
كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُحِجُّ عَنْهُ رَجُلًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ
(قَوْلُهُ: وَقَضَيَا مَا قَدَرَا بِلَا شَرْطِ وِلَاءٍ) أَيْ لَا
يُشْتَرَطُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَاَلَّذِي فِي قِرَاءَةِ
أُبَيٍّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ
لَا يُزَادُ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي
كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ فَيُزَادُ كَذَا فِي
النِّهَايَةِ وَالْكَافِي لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ وَأَشَارَ
بِإِطْلَاقِهِ إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ
فِيهِ مُطْلَقٌ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ
وَمَعْنَى التَّرَاخِي عَدَمُ تَعَيُّنِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لِلْفِعْلِ
فَفِي أَيِّ وَقْتٍ شَرَعَ فِيهِ كَانَ مُمْتَثِلًا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ
بِالتَّأْخِيرِ وَيَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي
زَمَانٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْأَدَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلِهَذَا لَهُ
التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَأْخِيرُ
الْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ وَلِهَذَا إذَا أَخَّرَ قَضَاءَ
رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ آخَرُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا تَجِبُ
خَلَفًا عَنْ الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يُوجَدْ لِقُدْرَتِهِ
عَلَى الْقَضَاءِ وَلِهَذَا قَالَ (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ قَدَّمَ
الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ لَا
يَقْبَلُ غَيْرَهُ وَيَصُومُ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ
قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يُبَاحُ
التَّأْخِيرُ إلَّا بِعُذْرٍ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ
أَوْ النَّفْسِ) أَيْ لَهُمَا الْفِطْرُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَلِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ
الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحَامِلِ
وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» قَيَّدَ بِالْخَوْفِ بِمَعْنَى غَلَبَةِ الظَّنِّ
بِتَجْرِبَةٍ أَوْ إخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ كَمَا فِي
الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ
تَخَفْ لَا يُرَخَّصُ لَهَا الْفِطْرُ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ إفْطَارُهُ
بِسَبَبِ خَوْفِ هَلَاكِ ابْنِهِ فِي الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ فِي
الْإِكْرَاهِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْحَقُّ فَلَا يُعْذَرُ
لِصِيَانَةِ نَفْسِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَهُنَاكَ
فَرْقٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي النِّهَايَةِ وَأَطْلَقَ الْمُرْضِعَ وَلَمْ
يُقَيِّدْهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالظِّئْرِ
وَأَمَّا الظِّئْرُ فَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ
وَأَمَّا الْأُمُّ فَلِوُجُوبِهِ دِيَانَةً مُطْلَقًا وَقَضَاءً إذَا كَانَ
الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَرْضَعُ مِنْ غَيْرِهَا
وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ
بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لَا الْأُمُّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ
غَيْرَهَا وَإِنَّمَا قَالَ إذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ وَلَمْ يَقُلْ
كَالْقُدُورِيِّ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا؛
لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْمُسْتَأْجَرَ إذْ لَا وَلَدَ لَهَا كَذَا قِيلَ،
وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ وَلَدُهَا مِنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ
الْمُضَافَ يَعُمُّ سَوَاءٌ كَانَ مُضَافًا لِمُفْرَدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا
صَرَّحُوا بِهِ فَيَشْمَلُ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ وَاَلَّذِي
أَرْضَعَتْهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهَا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا
مَجَازًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
بِمَا مَرَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي
حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْأَقْصَرِ أَيْ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُمْ
بِالْقَتْلِ قَتْلُ الصَّيْدِ لَا قَتْلُ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ إطْعَامٌ اهـ.
فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ كَيْ يَظْهَرَ الْحَقُّ.
(قَوْلُهُ: وَهُنَاكَ فَرْقٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي النِّهَايَةِ) وَهُوَ
أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ مَأْمُورَةٌ بِصِيَانَةِ الْوَلَدِ
مَقْصُودًا وَلَا يَتَأَتَّى بِدُونِ الْإِفْطَارِ عِنْدَ الْخَوْفِ
فَكَانَتْ مَأْمُورَةً أَيْضًا بِالْإِفْطَارِ وَالْأَمْرُ بِهِ مَعَ
الْكَفَّارَةِ الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى الزَّجْرِ عَنْهُ لَا
يَجْتَمِعَانِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ غَيْرُ
مَأْمُورٍ قَصْدًا بِصِيَانَةِ غَيْرِهِ بَلْ نَشَأَ الْأَمْرُ هُنَاكَ
مِنْ ضَرُورَةِ حُرْمَةِ الْقَتْلِ وَالْحُكْمُ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ
الْأَمْرِ الْقَصْدِيِّ وَالضِّمْنِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ
وَلَدُهَا مِنْ الرَّضَاعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ
هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ أَرْضَعَتْهُ وَالْحُكْمُ أَعَمُّ مِنْ
ذَلِكَ فَإِنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَوْ خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ
جَازَ لَهَا الْفِطْرُ
(2/307)
لُغَةً وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ
وَالْمُرْضِعُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَالْحَامِلُ هِيَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَالْمُرْضِعُ هِيَ
الَّتِي لَهَا اللَّبَنُ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي أَحَدِهِمَا
كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ
لَا الْحَادِثَةِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ
إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ وَغَدًا كَذَا فِي
غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْحَامِلَ
وَالْمُرْضِعَ إذَا مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَزُولَ خَوْفُهُمَا عَلَى
الْوَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ
كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ
لِلْقَضَاءِ شَرَائِطُ مِنْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْقَضَاءِ وَهُوَ
بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ فَعَلَى هَذَا إذَا
زَالَ الْخَوْفُ أَيَّامًا لَزِمَهُمَا بِقَدْرِهِ بَلْ وَلَا خُصُوصِيَّةَ
فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ زَوَالِهِ لَا
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَيَدْخُلُ الْمُكْرَهُ وَالْأَقْسَامُ الثَّمَانِيَةُ
الْمُتَقَدِّمَةُ.
. (قَوْلُهُ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي وَهِيَ يَفْدِي فَقَطْ) أَيْ لَهُ
الْفِطْرُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ
الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِعَدَمِ وُرُودِ
نَصٍّ فِيهِمْ وَوُرُودِهِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَهُوَ الَّذِي كُلَّ
يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَسُمِّيَ بِهِ إمَّا؛ لِأَنَّهُ
قَرُبَ مِنْ الْفَنَاءِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ وَإِنَّمَا
لَزِمَتْهُ بِاعْتِبَارِ شُهُودِهِ لِلشَّهْرِ حَتَّى لَوْ تَحَمَّلَ
الْمَشَقَّةَ وَصَامَ كَانَ مُؤَدِّيًا وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ
لِأَجْلِ الْحَرَجِ وَعُذْرُهُ لَيْسَ بِعَرَضِ الزَّوَالِ حَتَّى يُصَارَ
إلَى الْقَضَاءِ فَوَجَبَ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ
بُرٍّ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَصَدَقَةِ
الْفِطْرِ لَكِنْ يَجُوزُ هُنَا طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ
مُشْبِعَتَانِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كَذَا فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ
وَلَا يَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَنْ
تَمْلِيكٍ. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَيُحْمَلُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ
عَلَى الْفِدْيَةِ فِي الْحَجِّ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَبْطُلُ
حُكْمُ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ
فِي الصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِيَخْرُجَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا
قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَوَاتُ الْمُؤَدَّاةُ
بِالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ خَلِيفَةَ التَّيَمُّمِ مَشْرُوطٌ بِمُجَرَّدِ
الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ لَا بِقَيْدِ دَوَامِهِ وَكَذَا خَلْفِيَّةُ
الْأَشْهُرِ عَنْ الْإِقْرَاءِ فِي الِاعْتِدَادِ مَشْرُوطٌ بِانْقِطَاعِ
الدَّمِ مَعَ سِنِّ الْيَأْسِ لَا بِشَرْطِ دَوَامِهِ حَتَّى لَا تَبْطُلَ
الْأَنْكِحَةُ الْمَاضِيَةُ بِعَوْدِ الدَّمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي
الْحَيْضِ وَفِي الْكَافِي وَشَرْطُ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ
كَمَا فِي الْيَمِينِ وَفِي صَوْمِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَغَيْرِهَا قَدْ
تَخَلَّفَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا لَمْ
يُدْرِكْ عِدَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ
الْفَانِيَ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي
التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ لَكِنْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ
بِصِيغَةِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى
الْجَزْمُ بِهِ لِاسْتِفَادَتِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَلَعَلَّهَا لَيْسَتْ
صَرِيحَةً فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلَمْ يَجْزِمُوا بِهَا
وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ
بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَجَازَتْ عَنْ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ
وَالنَّذْرِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ
لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَيُفْطِرَ؛ لِأَنَّهُ
اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى
الْإِطْعَامِ لِعُسْرَتِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ
يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي
الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا
مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ
وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ
مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ
لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛
لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ
الْمَصِيرُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ
مِنْ الْمَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ
أَذًى وَلَمْ يَجِدْ نُسُكًا يَذْبَحُهُ وَلَا ثَلَاثَةَ آصُعَ حِنْطَةٍ
يُفَرِّقُهَا عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَهُوَ فَانٍ لَا يَسْتَطِيعُ
الصِّيَامَ فَأَطْعَمَ عَنْ الصِّيَامِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ
وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ تَصَدَّقَ الشَّيْخُ الْفَانِي بِاللَّيْلِ عَنْ
صَوْمِ الْفِدْيَةِ يُجْزِئُهُ وَفِي فَتَاوَى أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ إنْ
شَاءَ أَعْطَى الْفِدْيَةَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ بِمَرَّةٍ وَإِنْ شَاءَ
أَعْطَاهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا اللَّبَنُ إلَخْ) قَالَ فِي
النَّهْرِ الْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي شَأْنُهَا الْإِرْضَاعُ وَإِنْ لَمْ
تُبَاشِرْ وَالْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةً
ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ وَهَذَا الْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِي الْكَشَّافِ وَبِهِ
انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ
التَّاءِ فِي أَحَدِهِمَا إلَخْ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ
(2/308)
فِي آخِرِهِ بِمَرَّةٍ وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ لَوْ أَعْطَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ
لِمَسَاكِينَ يَجُوزُ قَالَ الْحَسَنُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَإِنْ أَعْطَى
مِسْكِينًا صَاعًا عَنْ يَوْمَيْنِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُجْزِئُهُ كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ
الْيَمِينِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ اسْتِشْهَادًا لِكَوْنِ
الْبَدَلِ لَا بَدَلَ لَهُ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إذَا كَانَ
جَمِيعُ رَأْسِهِ مَجْرُوحًا فَرَبَطَ الْجَبِيرَةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ
أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنْ
الْغُسْلِ وَالْبَدَلُ لَا بَدَلَ لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ أَنْ
يَمْسَحَ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ هُنَا أَصْلٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا بَدَلٌ
عَنْ غَيْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَيَقْضِي)
أَيْ لَهُ الْفِطْرُ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِهِ وَإِذَا أَفْطَرَ قَضَى إنْ
كَانَ نَفْلًا قَصْدِيًّا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ
وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ
الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَلِهَذَا
اخْتَارَهَا الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ الدَّلَالَةَ
تَضَافَرَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ أَوْجَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَلْ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ أَوْ لَا قِيلَ نَعَمْ
وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا
كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا
غَيْرِهِمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ
لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى
بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ وَإِنْ
كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ
يُصَحِّحْ شَيْئًا كَمَا تَرَى وَفِي الْكَافِي وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا
عُذْرٌ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ
أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ أَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ قَالُوا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْظُرُ
فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ مِمَّنْ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ
حُضُورِهِ وَلَا يَتَأَذَّى بِتَرْكِ الْإِفْطَارِ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ
شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا
الْبَابِ إنَّهُ إنْ كَانَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ الْقَضَاءَ يُفْطِرُ
دَفْعًا لِلْأَذَى عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثِقُ لَا
يُفْطِرُ وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ الْإِفْطَارِ أَذَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
وَفِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا
التَّفْصِيلِ. اهـ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءِ
رَمَضَانَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ رَمَضَانَ.
اهـ.
وَلِهَذَا لَا يُفْطِرُ لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ
لَيُفْطِرَنَّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي النِّهَايَةِ الْأَظْهَرُ أَنَّ
الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ
امْرَأَتِهِ إنْ لَمْ يُفْطِرْ إنْ نَفْلًا أَفْطَرَ وَإِنْ قَضَاءً لَا
وَالِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ فِيهِمَا وَلَا يُحْنِثُهُ وَإِذَا
قُلْنَا بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ فِي التَّطَوُّعِ تَكُونُ عُذْرًا فِي
حَقِّ الضَّيْفِ وَالْمُضِيفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَأَطْلَقَ
فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِطْرُهُ عَنْ قَصْدٍ
أَوْ لَا بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ فِي
أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدْنَا النَّفَلَ
بِكَوْنِهِ قَصْدِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ
عَلَيْهِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا
وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُتِمَّهُ فَإِنْ أَفْطَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَذَا
فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي
التَّجْنِيسِ بِأَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَيْهِ سَاعَةٌ مِنْ حِينِ ظَهَرَ
بِأَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ مَضَى سَاعَةٌ ثُمَّ أَفْطَرَ
فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى عَلَيْهِ سَاعَةٌ صَارَ
كَأَنَّهُ نَوَى فِي هَذِهِ السَّاعَةِ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ
صَارَ شَارِعًا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ
إذَا نَوَى الصَّوْمَ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى لَا
تَصِحَّ نِيَّتُهُ عَنْ الْقَضَاءِ يَصِيرُ صَائِمًا وَإِنْ أَفْطَرَ
يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ ابْتِدَاءً وَهَذِهِ
تَرِدُ إشْكَالًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَظْنُونِ. اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَا بَقِيَ لَمْ
يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا شَرَعَ فِي
صَوْمِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي خِلَالِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَوْ لِلْأَجِيرِ
أَوْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ مَنْ
لَهُ حَقٌّ فِيهِ وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَهُ وَفِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ وَابْنَةُ الرَّجُلِ وَقَرَابَتُهُ تَتَطَوَّعُ بِدُونِ
إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَوَّتُ حَقُّهُ. اهـ.
وَقَيَّدَ فِي الْمُحِيطِ والولوالجية كَرَاهَةَ صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِأَنْ
يَضُرَّ بِالزَّوْجِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ بِأَنْ كَانَ
صَائِمًا أَوْ مَرِيضًا فَلَهَا أَنْ تَصُومَ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ
وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَارَ شَارِعًا) الْمُرَادُ
بِهِ قَبْلَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ
بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
الْقَضَاءُ إذَا قَطَعَهُ سِوَاهٌ قَطَعَهُ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ
سَاعَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ
(2/309)
الْوَلَدِ وَالْأَمَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ
لَهُمْ الصَّوْمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ؛
لِأَنَّ مَنَافِعَهُمْ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ
فَإِنَّ مَنَافِعَهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلزَّوْجِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ
الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ
أَوْ بَانَتْ مِنْهُ وَيَقْضِي الْعَبْدُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ
أُعْتِقَ وَقَيَّدَ كَرَاهَةَ صَوْمِ الْأَجِيرِ أَيْضًا بِكَوْنِ
الصَّوْمِ يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ فِي الْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانَ لَا
يَضُرُّ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ بِغَيْرِ إذْنِهِ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالُوا يُبَاحُ الْفِطْرُ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ
أَيْ لَا يَمْنَعُ صَوْمُ النَّفْلِ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ وَفِي النَّظْمِ
الْأَفْضَلُ أَنْ يُفْطِرَ لِلضِّيَافَةِ، وَلَا يَقُولَ: أَنَا صَائِمٌ؛
لِئَلَّا يَقِفَ عَلَى سِرِّهِ أَحَدٌ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا
يَصُومُ الْمَمْلُوكُ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى إلَّا إذَا
كَانَ غَائِبًا وَلَا ضَرَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ. اهـ.
وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ
تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ قَالُوا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا
وَالْأَجِيرُ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْخِدْمَةُ وَكَذَا فِي الصَّلَوَاتِ
كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ
وَالصَّلَاةَ سَوَاءٌ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إطْلَاقُ مَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَضُرُّ
بِبَدَنِ الْمَرْأَةِ وَيُهْزِلُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ الْآنَ
يَطَؤُهَا وَالْعَبْدُ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى فَلَيْسَ لَهُ
الصَّوْمُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا
فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي
الْعِبَادَاتِ إلَّا فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا،
وَفِي الْقُنْيَةِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ عَنْ كُلِّ مَا
كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ جِهَتِهَا كَالتَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ وَالْيَمِينِ
دُونَ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ تَعَالَى كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَكَذَا
الْعَبْدُ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ
كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالصَّوْمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَرْأَةِ بِهِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إفْسَادَ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ
فِيهَا مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَيْسَ
بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ كَمَا
أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ
وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا) فَالْإِمْسَاكُ قَضَاءٌ لِحَقِّ الْوَقْتِ
بِالتَّشَبُّهِ وَعَدَمُ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ
عَلَيْهِمَا فِيهِ وَأَطْلَقَ الْإِمْسَاكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ
لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلدَّلِيلِ
وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ وَاجِبًا
وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَفْطَرَا فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ أَوْ صَامَاهُ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ؛
لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ أَدَاءً
وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ فَلَا يَجِبُ،
وَقَيَّدَ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ
وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي آخِرِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ
قِيَاسُ زُفَرَ وَفَرَّقَ أَئِمَّتُنَا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ
بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ
فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ
هُوَ السَّبَبُ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ. قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ: الْوَاجِبُ
الْمُؤَقَّتُ قَدْ يَكُونُ الْوَقْتُ فِيهِ سَبَبًا لِلْمُؤَدَّى وَظَرْفًا
لَهُ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ سَبَبًا وَمِعْيَارًا وَهُوَ مَا يَقَعُ
فِيهِ مُقَدَّرًا بِهِ كَوَقْتِ الصَّوْمِ تَسَاهُلٌ؛ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ
السَّبَبَ تَمَامُ الْوَقْتِ فِيهِمَا، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ ثُمَّ عَلَى
مَا بَانَ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُرَادِ قَدْ يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ لَا
يَجِبَ الْإِمْسَاكُ فِي نَفْسِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ؛
لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِلْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَزِمَ سَبْقُ الْوُجُوبِ
عَلَى السَّبَبِ؛ لِلُزُومِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ فَالْإِيجَابُ فِيهِ
يَسْتَدْعِي سَبَبًا سَابِقًا وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلَوْ لَمْ
يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ لَزِمَ كَوْنُ مَا ذَكَرُوهُ فِي وَقْتِ الصَّلَوَاتِ
مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تُضَافُ إلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ
يُؤَدِّ عَقِيبَهُ انْتَقَلَتْ إلَى مَا يَلِي ابْتِدَاءَ الشُّرُوعِ
فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ تَقَرَّرَتْ
السَّبَبِيَّةُ فِيهِ وَاعْتُبِرَ حَالُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَهُ تَكَلُّفٌ
مُسْتَغْنًى عَنْهُ إذْ لَا دَاعِيَ لِجَعْلِهِ مَا يَلِيهِ دُونَ مَا
يَقَعُ فِيهِ. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ السَّبَبَ تَمَامُ
الْوَقْتِ مُسَلَّمٌ لَوْ سَكَتُوا وَهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا
يُمْكِنُ جَعْلُ كُلِّ الْوَقْتِ سَبَبًا فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرُوا أَنَّ
السَّبَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ مِنْ جُزْءٍ إلَى جُزْءٍ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ
عَلَى مَا بَانَ إلَى آخِرِهِ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ شَمْسِ
الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لِلَّيَالِيِ
وَالْأَيَّامِ فَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ بِاللَّيْلَةِ فَالْإِمْسَاكُ
إنَّمَا وَجَبَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ سَبْقِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ
وَعِنْدِي أَنَّ إحَالَةَ الْمَنْعِ عَلَى الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ عَلَى
عَدَمِهِ أَوْلَى لِلْقَطْعِ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ لَا يُهْزِلُهَا فَلَمْ
يَبْقَ إلَّا مَنْعُهُ عَنْ وَطْئِهَا وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ فَإِنْ
انْتَفَى بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا جَازَ.
(2/310)
السَّبَبِ عَلَيْهِ وَهُوَ اللَّيْلُ
وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ
خَاصَّةٌ بِالْأَيَّامِ وَأَنَّ اللَّيَالِيَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي
السَّبَبِيَّةِ فَلِأَنَّ لُزُومَ تَقَدُّمِ السَّبَبِ إنَّمَا هُوَ
عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ فَلَا
وَالصَّوْمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ مِعْيَارٌ لَهُ مُقَدَّرٌ بِهِ
يَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ
يَكُونَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ خَالِيًا عَنْ الصَّوْمِ لِيَكُونَ
سَبَبًا مُتَقَدِّمًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ
سَبَبًا لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ فَلَزِمَ فِيهِ مُقَارَنَةُ
السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي
الصَّوْمِ مُقَارِنٌ لِلْمُسَبَّبِ صَاحِبُ كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ
أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ بِخِلَافِ وَقْتِ
الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ ظَرْفٌ فَأَمْكَنَ تَقَدُّمُ السَّبَبِ عَلَى
الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ شَرَعَ فِي الْجُزْءِ
الْأَوَّلِ سَقَطَ اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ السَّبَبِ وَجُوِّزَتْ
الْمُقَارَنَةُ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ سَبَبًا
وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ
السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ الْيَوْمُ الْكَامِلُ لَا الْجُزْءُ مِنْهُ
وَلَا شَكَّ فِي الْمُقَارَنَةِ عَلَى هَذَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ
بِالْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ فِي
آخِرِ النَّهَارِ بِصِفَةٍ لَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ
عَلَيْهَا لَلَزِمَهُ الصَّوْمُ فَعَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ كَالْحَائِضِ
وَالنُّفَسَاءِ تَطْهُرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ
وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ وَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ
بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ الْأَكْلِ وَاَلَّذِي أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ
خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ اسْتَبَانَ
أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ
قَدْ غَرَبَتْ أَوْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ وَمَنْ
لَمْ يَكُنْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ كَمَا
فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ثُمَّ قِيلَ الْحَائِضُ تَأْكُلُ
سِرًّا لَا جَهْرًا وَقِيلَ تَأْكُلُ سِرًّا وَجَهْرًا وَلِلْمَرِيضِ
وَالْمُسَافِرِ الْأَكْلُ جَهْرًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيَّرَ
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عِبَارَةَ هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ كُلُّ مَنْ
تَحَقَّقَ بِصِفَةٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَوْ قَارَنَ ابْتِدَاءُ
وُجُودِهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ بِحَيْثُ لَوْ
كَانَتْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ
فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا. قَالَ وَقُلْنَا
كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ وَلَمْ نَقُلْ مَنْ صَارَ بِصِفَةٍ إلَى آخِرِهِ
يَعْنِي كَمَا فِي النِّهَايَةِ لِيَشْتَمِلَ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فِي
نَهَارِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الصَّيْرُورَةَ لِلتَّحَوُّلِ وَلَوْ
لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُفَادُ بِهِمَا فِيهِ.
اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَمْ
يَدْخُلْ تَحْتَ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ
يَتَجَدَّدْ لَهُ حَالَةٌ بَعْدَ فِطْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا
قَبْلَهُ وَكَلِمَةُ صَارَ تُفِيدُ التَّحَوُّلَ مِنْ حَالَةٍ إلَى
أُخْرَى بِخِلَافِ تَحَقَّقَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا هَرَبَ مِنْهُ
وَقَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ غَيَّرَ صَارَ إلَى تَحَقَّقَ أَتَى
بِكَلِمَةِ لَوْ الْمُفِيدَةِ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ الْمُفِيدَةِ
أَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً أَوَّلَ الْيَوْمِ فَلَا
يَشْمَلُ كَلَامُهُ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فَلْيُتَأَمَّلْ فَظَهَرَ مِنْ
هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَوَّلِهِ كَمَنْ
أَكَلَ عَمْدًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الضَّابِطِ أَصْلًا عَلَى كُلٍّ
مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَدْرَجُوهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ
يَدْخُلْ تَحْتَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُكْمَهُ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ
تَشَبُّهًا فَهُوَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ بَيَانُ الْأَحْكَامِ
وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ أَوْلَى وَهِيَ أَمَّا وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ
تَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي صَوْمِ
رَمَضَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ
مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَوْ كَانَ
عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لَا
يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَالْكَافِرِ إذَا
أَسْلَمَ وَالْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ وَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ
وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ وَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ
الصَّوْمُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْأَهْلِيَّةِ ثُمَّ
تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ بِأَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ
أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ
رَمَضَانَ أَوْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ
ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ طَالِعٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ
الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا. اهـ.
فَقَدْ جَعَلَ لِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ أَصْلَيْنِ وَجَعَلَ بَعْضَ
الْفُرُوعِ مُخَرَّجَةً عَلَى أَصْلٍ وَبَعْضَهَا عَلَى آخَرَ فَلَا
إيرَادَ أَصْلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ صَبِيٌّ بَلَغَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَصْرَانِيٌّ
أَسْلَمَ وَنَوَيَا الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ
صَوْمُهُمَا عَنْ الْفَرْضِ غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ صَائِمًا
عَنْ التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ فِي
حَقِّهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَجُوزُ صَوْمُهُ عَنْ
الْفَرْضِ وَقِيلَ جَوَابُهُ فِي الْكَافِرِ كَذَلِكَ، إلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ) سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ.
(2/311)
أَشَارَ فِي الْمُنْتَقَى ثُمَّ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ إذَا
أَفَاقَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ
شَيْئًا وَنَوَى الصَّوْمَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ
إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ وَالْمَرَضُ لَا
يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّبَا وَالْكُفْرِ
وَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلصَّوْمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ
وَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ صَحَّ) إنْ نَوَى قَبْلَ انْتِصَافِ
النَّهَارِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ
وَلَا صِحَّةَ الشُّرُوعِ أَطْلَقَ الصَّوْمَ فَشَمِلَ الْفَرْضَ
الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ وَالنَّفَلَ وَحَيْثُ
أَفَادَ صِحَّةَ صَوْمِ الْفَرْضِ لَزِمَ عَلَيْهِ صَوْمُهُ إنْ كَانَ
فِي رَمَضَانَ لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ أَلَا
تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ ثُمَّ
سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِقَامَةِ
فَهَذَا أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمُبِيحِ وَكَذَا لَوْ
نَوَى الْمُسَافِرُ الصَّوْمَ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا لَا
يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِفْطَارَ
وَإِنَّمَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ
بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ الصِّحَّةَ مَعَ نِيَّةِ
الْمُنَافِي فَمَعَ عَدَمِهَا أَوْلَى وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِفْطَارِ
لَا عِبْرَةَ بِهَا حَتَّى لَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ وَلَمْ
يُفْطِرْ لَا يَكُونُ مُفْطِرًا وَكَذَا لَوْ نَوَى التَّكَلُّمَ فِي
الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ وَيَقْضِي بِإِغْمَاءٍ سِوَى يَوْمٍ حَدَثَ فِي لَيْلَتِهِ)
؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا
فَيَصِيرُ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ لَا فِي الْإِسْقَاطِ وَإِنَّمَا
لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ وَهُوَ
الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ إذْ الظَّاهِرُ وُجُودُهَا
مِنْهُ وَيَقْضِي مَا بَعْدَهُ لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ
بَيْنَ أَنْ يَحْدُثَ الْإِغْمَاءُ فِي اللَّيْلِ أَوْ فِي النَّهَارِ
فِي أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ
الْمُصَنِّفُ حُدُوثَهُ فِي لَيْلَتِهِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ مَا إذَا
حَدَثَ فِي الْيَوْمِ بِالْأَوْلَى لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ وَهُوَ
لَيْسَ بِمُغْمًى عَلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَوْ
كَانَ فِي شَعْبَانَ قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَإِلَى
أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ
أَوْ مُسَافِرًا قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ
النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ) أَيْ يَقْضِيهِ
إذَا فَاتَهُ بِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ وَهُوَ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَ
الشَّهْرَ وَالْمُمْتَدُّ هُوَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الشَّهْرَ وَهُوَ
مُسْقِطٌ لِلْحَرَجِ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ
وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ وَالْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ وَفِي
الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ وَهُوَ صَيْرُورَتُهُ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهٍ
لَا يُحْرَجُ فِي أَدَائِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَوْعِبِ فَإِنَّهُ
يُحْرَجُ فِي أَدَائِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَالْإِغْمَاءُ لَا
يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً فَلَا حَرَجَ وَإِلَّا كَانَ رُبَّمَا
يَمُوتُ فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ
الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ وَالْعَارِضَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ
مَجْنُونًا الْتَحَقَ بِالصَّبِيِّ فَانْعَدَمَ الْخِطَابُ بِخِلَافِ
مَا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ
الْمُتَأَخِّرِينَ وَدَخَلَ تَحْتَ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ مَا إذَا
أَفَاقَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ
أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ
خِلَافًا لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ حَمِيدِ الدِّينِ
الضَّرِيرِ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي آخِرِ
يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَصَحَّحَهُ فِي
النِّهَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ
كَاللَّيْلِ اعْلَمْ أَنَّ الْجُنُونَ يُنَافِي النِّيَّةَ الَّتِي
هِيَ شَرْطُ الْعِبَادَاتِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ
مُطْلَقًا لِلْحَرَجِ وَمَا لَا يَمْتَدُّ جُعِلَ كَالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ
الْجُنُونَ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ إذْ هُوَ بِالذِّمَّةِ
وَهِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ آدَمِيَّتِهِ حَتَّى وَرِثَ
وَمَلَكَ وَكَانَ أَهْلًا لِلثَّوَابِ كَأَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ
بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَجُنَّ فِيهِ مُمْسِكًا كُلَّهُ صَحَّ فَلَا
يَقْضِي لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ وَصَحَّ إسْلَامُهُ تَبَعًا
وَإِذَا كَانَ الْمُسْقِطُ الْحَرَجَ لَزِمَ اخْتِلَافُ الِامْتِدَادِ
الْمُسْقِطِ فَقُدِّرَ فِي الصَّلَاةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ
سِتًّا وَهُوَ أَقْيَسُ لَكِنَّهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ أَوْ مُسَافِرًا قَضَاهُ كُلَّهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَذَا
قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمُسَافِرٍ يَضُرُّهُ الصَّوْمُ
أَمَّا مَنْ لَا يَضُرُّهُ فَلَا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ حَمْلًا
لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ صَوْمَهُ
أَفْضَلُ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ قَصْدَ صَوْمِ الْغَدِ فِي
اللَّيَالِيِ مِنْ الْمُسَافِرِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ مَمْنُوعٌ فِيمَا
إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَهَذَا إذَا لَمْ
يَذْكُرْ أَنَّهُ نَوَى أَمْ لَا أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى
فَلَا شَكَّ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فَلَا
شَكَّ فِي عَدَمِهَا (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ
بَيْنَهُمَا) أَيْ قَالَ إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ثُمَّ أَفَاقَ فِي
بَعْضِ الشَّهْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَرَوَى هِشَامٌ
عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقِيَاسِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ
وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَأُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا مَضَى مِنْ
الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ لَا يُفَارِقُ الْعَارِضَ
فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ
مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى
كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي مَوَاهِبِ
الرَّحْمَنِ وَأَلْزَمْنَاهُ بِالْقَضَاءِ لَوْ أَفَاقَ بَعْضَهُ
وَلَمْ نُسْقِطْهُ إلَّا فِي الْأَصْلِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ.
لَكِنْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَجَوَابُ
الْكِتَابِ مُطْلَقًا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ نَصَّ
عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ
وَالظَّهِيرِيَّةِ) أَيْ صَحَّحَا مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا
فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمِعْرَاجِ وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ
(2/312)
أَقَامَا الْوَقْتَ مُقَامَ الْوَاجِبِ
كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَفِي الصَّوْمِ بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ
لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَفِي الزَّكَاةِ بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْلِ
وَأَبُو يُوسُفَ جَعَلَ أَكْثَرَهُ كَكُلِّهِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ
فَقَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ كَالْجُنُونِ الْمُمْتَدِّ وَإِذَا عَقَلَ
تَأَهَّلَ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ إلَّا الْإِيمَانَ وَأَمَّا
النَّائِمُ فَلِكَوْنِ النَّوْمِ مُوجِبًا لِلْعَجْزِ لَزِمَ تَأْخِيرُ
خِطَابِ الْأَدَاءِ لَا أَصْلِ الْوُجُوبِ وَلِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ
إذَا زَالَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَلَمَّا كَانَ لَا يَمْتَدُّ غَالِبًا
لَمْ يَسْقُطْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ
وَالْإِغْمَاءُ فَوْقَهُ وَإِنْ امْتَدَّ فِي الصَّلَوَاتِ بِأَنْ
زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ جُعِلَ عُذْرًا مُسْقِطًا لَهَا دَفْعًا
لِلْحَرَجِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي
الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ شَهْرًا نَادِرٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي
إيجَابِهِ حَرَجٌ بِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَعْذَارَ أَرْبَعَةٌ صِبًا
وَجُنُونٌ وَإِغْمَاءٌ وَنَوْمٌ وَقَدْ عُلِمَ أَحْكَامُهَا وَاَللَّهُ
الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
(قَوْلُهُ: وَبِإِمْسَاكٍ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَفِطْرٍ) أَيْ يَجِبُ
الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ
الْعِبَادَةِ وَلَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَمَّا هِبَةُ
النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِدُونِ
نِيَّتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَفِي غَايَةِ
الْبَيَانِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَقْضِي
الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِي لَيْلَتِهِ لِوُجُودِ
النِّيَّةِ مِنْهُ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ لِهَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا
لَا يَنْوِي شَيْئًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْأَكْلَ فِي
رَمَضَانَ فَلَمْ يَكُنْ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى عَزِيمَةِ الصَّوْمِ.
اهـ.
وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ
تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ
النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ
أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالِهِ بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ
الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ
الْإِفَاقَةِ فَبُنِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ
وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ وَأَشَارَ بِوَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ إلَى
عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَوْ أَكَلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إنْ أَكَلَ
بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ
الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ
كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ
تَسَحَّرَ يَظُنُّهُ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ أَوْ أَفْطَرَ
كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَقَضَى وَلَمْ
يُكَفِّرْ كَأَكْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا وَنَائِمَةٌ
وَمَجْنُونَةٌ وُطِئَتَا) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ
أَهْلًا لِلُّزُومِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ
فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ قَضَاءً
لِحَقِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ وَإِنَّمَا وَجَبَ
الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ
أَصْلَ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا الْمُتَأَخِّرُ
وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَالْكَافِرِ
إذَا أَسْلَمَ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ أَيْضًا
لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمَا أَوَّلَ
الْجُزْءِ مِنْ الْيَوْمِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَكَذَا لَوْ تَسَحَّرَ
وَهُوَ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَوْ أَفْطَرَ
ظَانًّا زَوَالَ الْيَوْمِ فَبَانَ خِلَافُهُ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ
قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ أَوْ نَفْيًا
لِلتُّهْمَةِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ
بِالْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا كَفَّارَةَ فِي
هَاتَيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ جِنَايَةُ
عَدَمِ التَّثْبِيتِ إلَى أَنْ يَسْتَيْقِنَ لَا جِنَايَةُ
الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ
الْإِثْمِ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ لَا إثْمَ
فِيهِ وَالْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ فِيهِ إثْمَ
تَرْكِ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثْبِيتِ حَالَةَ
الرَّمْيِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَرَادَ بِالظَّنِّ فِي
قَوْلِهِ ظَنَّهُ لَيْلًا التَّرَدُّدَ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ
وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَوْ لَا فَيَدْخُلُ
الشَّكُّ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ لَوْ ظَهَرَ طُلُوعُ الْفَجْرِ
عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ ظَنَّ وَالْأَفْضَلُ لَهُ
أَنْ يَتَسَحَّرَ مَعَ الشَّكِّ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْفَجْرُ
طَالِعٌ تَيَقُّنَ الطُّلُوعِ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ
وَلَوْ شَكَّ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ أَوْ مُتَغَيِّمَةٍ فِي طُلُوعِ
الْفَجْرِ يَدَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك»
وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُخْبِرْهُ رَجُلٌ عَدْلٌ فِي أَشْهَرِ
الرِّوَايَاتِ
وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا غَلَبَ عَلَى
ظَنِّهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. اهـ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَوْ
شَكَّ فَتَسَحَّرَ ثُمَّ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَفْسُدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَمَشَى عَلَيْهِ مُصَحِّحًا لَهُ فِي نُورِ
الْإِيضَاحِ.
(قَوْلُهُ: أَرَادَ بِالظَّنِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَصِحُّ
أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الشَّكَّ إذْ لَا يُلَائِمُ
قَوْلَهُ بَعْدُ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ كَمَا
تَرَى فَالصَّوَابُ إبْقَاؤُهُ عَلَى بَابِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ
أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَسْأَلَةِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي
الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى
أَنَّهُ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلِ إذْ خَبَرُ
الْوَاحِدِ الْمُضَافُ إلَى غَالِبِ الظَّنِّ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ
اهـ.
وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ كَلَامَ الظَّهِيرِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّ
غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالطُّلُوعِ لَا تُوجِبُ الْقَضَاءَ وَلَيْسَ
فَوْقَ غَلَبَةِ الظَّنِّ إلَّا الْيَقِينُ فَإِيجَابُ الْقَضَاءِ
بِانْضِمَامِ خَبَرِ الْعَدْلِ إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ مُفِيدٌ
لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْيَقِينِ وَمُفِيدٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ
بِالْيَقِينِ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ أَصْلًا إذْ لَا يَحْصُلُ
(2/313)
صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ
اللَّيْلِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَقَوْلُهُ لَيْلًا لَيْسَ
بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ الطُّلُوعَ وَأَكَلَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ
تَبَيَّنَ صِحَّةُ ظَنِّهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ؛
لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ
الْجِنَايَةُ فَلَوْ قَالَ ظَنَّهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكَانَ
أَوْلَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ
تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ وَإِنْ أَكَلَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ
شَيْءٌ قِيلَ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ
الْبَيَانِ نَاقِلًا عَنْ التُّحْفَةِ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
قِيلَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّ
الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَاللَّيْلُ أَصْلٌ ثَابِتٌ
بِيَقِينٍ وَلِلْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثٌ فِيهِ حَسَنٌ
حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَيَقِّنَ بِهِ دُخُولُ اللَّيْلِ فِي الْوُجُودِ
وَأَمَّا الْحُكْمُ بِبَقَائِهِ فَهُوَ ظَنِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ
بِالِاسْتِصْحَابِ وَالْأَمَارَةِ الَّتِي بِحَيْثُ تُوجِبُ عَدَمَ
ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ فَتَعَارَضَ دَلِيلَانِ
ظَنِّيَّانِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ فَيَتَهَاتَرَانِ
فَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَأَرَادَ
بِالظَّنِّ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ غَلَبَةَ الظَّنِّ؛
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَاكًّا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي
الْمُسْتَصْفَى وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ اخْتِلَافًا
بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ
الْقَضَاءُ
وَفِي التَّبْيِينِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ
تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ
وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ظَنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ
قِيَامَ الْمُحَرِّمِ كَأَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ
فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ
لَهُ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِنْ
تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي
جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا
يُخَالِفُهُ وَلَفْظُهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ
تَغْرُبْ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ
الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجِبُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ
الْغُرُوبِ قَائِمٌ فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ ثَابِتَةً وَهَذِهِ
الْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا
أَنْ يَظُنَّ أَوْ يَشُكَّ فَإِنْ ظَنَّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ
يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ قِيَامَ الْمُحَرِّمِ فَإِنْ كَانَ
الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ
يَتَبَيَّنَ صِحَّةُ مَا ظَنَّهُ أَوْ بُطْلَانَهُ وَكُلٌّ مِنْ
الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ
انْتِهَائِهِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَإِنْ شَكَّ أَيْضًا فَهِيَ اثْنَا
عَشَرَ فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَمِثْلُهَا فِي قِيَامِ الْمُحَرِّمِ
فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ عُلِمَ أَحْكَامُهَا مِنْ
الْمَتْنِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَلْيُتَأَمَّلْ
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّسَحُّرَ ثَابِتٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ
مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ وَالثَّانِيَ فِي الْبَدَائِعِ مُقْتَصِرًا كُلٌّ
مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَبَا
دَاوُد «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» وَالسَّحُورُ
مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ
اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ فِي السَّحُورِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
ذَلِكَ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا
الْأَكْثَرِ إلَّا إذَا تَوَاتَرَ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ لَيْلًا
لَيْسَ بِقَيْدٍ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا
قَيَّدَ بِاللَّيْلِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ أَوْ تَسَحَّرَ إذْ لَا
خَفَاءَ أَنَّ التَّسَحُّرَ أَكْلُ السَّحُورِ وَجَعْلُ تَسَحُّر
بِمَعْنَى أَكَلَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ اهـ.
لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ السَّحُورَ غَيْرُ
قَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ لَا تَكَلُّفَ فِي جَعْلِ التَّسَحُّرِ بِمَعْنَى
الْأَكْلِ مُطْلَقًا هُنَا وَتَسْمِيَتُهُ تَسَحُّرًا بِاعْتِبَارِ
ظَنِّهِ وَالْإِلْزَامُ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّعْبِيرُ بِهِ هُنَا
لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ وَقَعَ نَهَارًا وَإِذَا ظَنَّهُ نَهَارًا
فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ تَسَحُّرًا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ
بَقَاءِ اللَّيْلِ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ) الْمُنَاسِبُ دَلِيلَانِ ظَنِّيَّانِ
أَوْ التَّصْرِيحُ بِخَبَرِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ
الْقَوْلَ بِالِاسْتِصْحَابِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَ فِي
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ) أَقُولُ:
مَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ وُجُوبِ
الْكَفَّارَةِ فِيمَا إذَا كَانَ غَالِبُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ
تَغْرُبْ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الشَّكِّ
بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: فِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ إلَخْ) لَا
يُقَالُ يُمْكِنُ دَفْعُ الْمُخَالَفَةِ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ
عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ (قَوْلُهُ:
فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) أَوْصَلَهَا فِي النَّهْرِ إلَى
سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِجَعْلِهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ قِسْمًا مَعَ
الظَّنِّ وَالشَّكِّ فَكَانَتْ الْأَقْسَامُ الْخَارِجَةُ مِنْ
التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً كُلَّ وَاحِدٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ
فَبَلَغَتْ مَا قَالَ وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ لَا
فَائِدَةَ لِفَرْقِهِ بَيْنَهُمَا أَيْ الظَّنِّ وَغَلَبَتِهِ هُنَا؛
لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا
يَظْهَرُ لِمَنْ تَأَمَّلَ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ.
نَعَمْ بَيْنَ مَفْهُومَيْهِمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ مُجَرَّدَ
تَرْجِيحِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْحُكْمِ عِنْدَ الْعَقْلِ هُوَ أَصْلُ
الظَّنِّ فَإِنْ زَادَ ذَلِكَ التَّرْجِيحُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ
الْيَقِينِ سُمِّيَ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَأَكْبَرَ الرَّأْيِ فَلِذَا
اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ وَيُرَادُ
بِالظَّنِّ حِينَئِذٍ مَا يَشْمَلُ غَلَبَتَهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِمَا
جَعْلُ الشَّكِّ تَارَةً فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَتَارَةً فِي قِيَامِ
الْمُحَرِّمِ وَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا صَحَّ
تَعْلِيقُهُ بِالْمُبِيحِ تَارَةً وَبِالْمُحَرِّمِ أُخْرَى؛ لِأَنَّ
لَهُ نِسْبَةً مَخْصُوصَةً إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا
تَعَلَّقَ الظَّنُّ بِوُجُودِ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا
بِوُجُودِ النَّهَارِ وَبِالْعَكْسِ وَأَمَّا الشَّكُّ فَلَا
يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَرْجِيحِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ
فِيهِ فَإِذَا شَكَّ فِي قِيَامِ زَيْدٍ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ
قِيَامَهُ وَعَدَمَهُ عَلَى السَّوَاءِ فَكَانَ مُتَعَلِّقًا بِكِلَا
الطَّرَفَيْنِ فَيَكُونُ مَعْنَى شَكِّهِ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي
وَقْتِ احْتِمَالِ وُجُودِ اللَّيْلِ وَوُجُودِ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ الْحَقُّ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ
يُقَالَ إمَّا أَنْ يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ
الْمُحَرِّمِ أَوْ يَشُكَّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي
ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ انْتِهَائِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ السِّتِّ
إمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ
أَوْ لَا يَتَبَيَّنَ فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تِسْعَةٌ فِي
ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَتِسْعَةٌ فِي انْتِهَائِهِ وَيَشْهَدُ لِمَا
قُلْنَا صَنِيعُ الْعَلَّامَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ
إلَّا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا اهـ.
وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ
(2/314)
تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السَّحُورِ
بَرَكَةً بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ
فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا وَهُوَ الْأَعْرَفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ
اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا
يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ
وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ
الْمَأْكُولِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ
مَا إذَا يَتَيَقَّنُ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ
أَمَّا إذَا شَكَّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَتَسَحَّرَ تَحَرُّزًا عَنْ
الْمُحَرَّمِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ
تَامٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا تَسَحَّرَ ثُمَّ ظَهَرَ
أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ أَثِمَ وَقَضَى. اهـ.
وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ
بَقَاؤُهُ فَتَسَحَّرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ،
وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَلْ يُكْرَهُ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ رَوَى
هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ
عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَامَاتُ
الطُّلُوعِ مِنْ ضَرْبِ الدَّبَادِبِ وَالْأَذَانِ يُكْرَهُ وَإِلَّا
فَلَا وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَقَدَّمُ
وَيَتَأَخَّرُ. اهـ.
وَالسُّنَّةُ فِي السَّحُورِ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى
الِاسْتِعَانَةِ فِيهِ أَبْلَغُ وَكَذَا تَعْجِيلُ الْفِطْرِ كَذَا فِي
الْبَدَائِعِ وَالتَّعْجِيلُ الْمُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ
اشْتِبَاكِ النُّجُومِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا فِي كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ
وَحْدَهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِسُنَّةِ السَّحُورِ وَظَاهِرُ
الْحَدِيثِ يُفِيدُهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
مُسْنَدًا «السَّحُورُ كُلُّهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ
يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» وَالْبَرَكَةُ
فِي الْحَدِيثِ لُغَةً الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ
عَلَى وُجُوهٍ: زِيَادَةٌ فِي الْقُوَّةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ
وَزِيَادَةٌ فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَزِيَادَةٌ عَلَى
الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ كَذَا ذَكَرَهُ
الْكَلَابَاذِيُّ وَبَيَّنَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي
الْبَزَّازِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ إلَّا فِي
يَوْمِ غَيْمٍ وَلَا يُفْطِرُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ غُرُوبُ
الشَّمْسِ وَإِنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ. اهـ.
وَذَكَرَ قَبْلَهُ شَهِدَا أَنَّهَا غَرَبَتْ وَآخَرَانِ بِأَنَّهَا
لَمْ تَغْرُبْ وَأَفْطَرَ ثُمَّ بَانَ عَدَمُ الْغُرُوبِ قَضَى وَلَا
كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ شَهِدَا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ
وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِ الطُّلُوعِ فَأَكَلَ ثُمَّ بَانَ الطُّلُوعُ
قَضَى وَكَفَّرَ وِفَاقًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ لَا
لِلنَّفْيِ حَتَّى قِيلَ شَهَادَةُ الْمُثْبِتِ لَا النَّافِي وَلَوْ
وَاحِدٌ عَلَى طُلُوعِهِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِهِ لَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالُوا: إنَّهُ
طَالِعٌ فَصَدَّقَهُمْ فَقَالَ إذَنْ أَنَا مُفْطِرٌ لَا صَائِمٌ ثُمَّ
دَامَ عَلَى الْأَكْلِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مَا كَانَ طَالِعًا فِي
أَوَّلِ الْأَكْلِ وَطَالِعًا وَقْتَ الْأَكْلِ الثَّانِي قَالَ
النَّسَفِيُّ الْحَاكِمُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ نِيَّةِ
الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛
لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ عَدْلًا أَوْ لَا فِي مِثْلِ هَذَا لَا
يُقْبَلُ. اهـ.
وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ عَمْدًا بَعْدَ
أَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ جِمَاعِهِ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي
مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ وَهُوَ الْأَكْلُ عَمْدًا؛
لِأَنَّ الْأَكْلَ مُضَادٌّ لِلصَّوْمِ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا
فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَكَذَا فِيهِ شُبْهَةُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ
فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِفَسَادِ صَوْمِ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا
وَأَطْلَقَهُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ
الْحَدِيثِ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ لَمْ
يَقْبَلُوهُ فَصَارَ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ إذَا
كَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ يَكُونُ شُبْهَةً كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ
وَكَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ
فَأَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ
بِالنَّظِيرِ فَإِنَّ الْقَيْءَ وَالِاسْتِقَاءَ مُتَشَابِهَانِ؛
لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا مِنْ الْفَمِ وَكَذَا لَوْ احْتَلَمَ
لِلتَّشَابُهِ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا
يُفَطِّرُهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ
شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَلَا شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ وَقَيَّدَ
بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ احْتَجَمَ أَوْ اغْتَابَ فَظَنَّ
أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ ثُمَّ أَكَلَ إنْ لَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا وَلَا
بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ
جَهْلٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ
اسْتَفْتَى فَقِيهًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ
يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ إذَا كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى
فَتْوَاهُ فَكَانَ مَعْذُورًا فِيمَا صَنَعَ وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي
مُخْطِئًا فِيمَا أَفْتَى وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ وَلَكِنْ بَلَغَهُ
الْخَبَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/315)
«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغِيبَةُ
تُفْطِرُ الصَّائِمَ» وَلَمْ يَعْرِفْ النَّسْخَ وَلَا تَأْوِيلَهُ
فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ
وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
لِلْعَامِّيِّ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالنَّاسِخِ
وَالْمَنْسُوخِ وَلَوْ لَمَسَ امْرَأَةً أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ
أَوْ اكْتَحَلَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفَطِّرُهُ ثُمَّ أَفْطَرَ
فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ
بِالْفِطْرِ أَوْ بَلَغَهُ خَبَرٌ فِيهِ وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ
الزَّوَالِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ
هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيهِ مِنْ غَيْرِ
تَقْيِيدٍ بِمَذْهَبٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحُكْمُ
فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيهِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ
دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا
فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ
حَدِيثًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُشْتَبَهُ وَكَذَا لَوْ اغْتَابَ.
اهـ.
وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ عَلَيْهِ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ وَهُوَ فِي
الْغِيبَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ مَا
فِي الْمُحِيطِ لِلشُّبْهَةِ وَفِي النِّهَايَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ
يَكُونَ الْمُفْتِي مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ
عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ فَتْوَاهُ
شُبْهَةً وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا النَّائِمَةُ أَوْ
الْمَجْنُونَةُ إذَا أَكَلَتَا بَعْدَمَا جُومِعَتَا فَلَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْأَكْلِ
كَالْمُخْطِئِ وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ فَالْأَكْلُ
بَعْدَهُ لَيْسَ بِإِفْسَادٍ وَصُورَتُهَا فِي النَّائِمَةِ ظَاهِرٌ
وَفِي الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ نَوَتْ الصَّوْمَ ثُمَّ جُنَّتْ
بِالنَّهَارِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا إنْسَانٌ فَإِنَّ
الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي
النِّيَّةَ وَقَدْ وَجَبَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ فَلَا يَجِبُ قَضَاءُ
ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا أَفَاقَتْ فَإِذَا جُومِعَتْ قَضَتْهُ
لِطُرُّوِّ الْمُفْسِدِ عَلَى صَوْمٍ صَحِيحٍ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا
قِيلَ إنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ الْمَجْبُورَةَ أَيْ
الْمُكْرَهَةَ فَصَحَّفَهَا الْكَاتِبُ إلَى الْمَجْنُونَةِ
لِإِمْكَانِ تَوْجِيهِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) عُقِدَ لِبَيَانِ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ
بَعْدَمَا ذَكَرَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ
وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ أَفْطَرَ وَقَضَى) ؛ لِأَنَّهُ
نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ
إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ نَذْرُهُ لَكِنْ
يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ ثُمَّ يَقْضِي
إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ؛
لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَ. أَشَارَ بِصَوْمِ يَوْمِ
النَّحْرِ إلَى كُلِّ صَوْمٍ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَبِالصَّوْمِ إلَى
الِاعْتِكَافِ فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ النَّحْرِ صَحَّ
وَلَزِمَهُ الْفِطْرُ وَالْقَضَاءُ فَإِنْ اعْتَكَفَ فِيهِ بِالصَّوْمِ
صَحَّ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ أَفْطَرَ
عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ خُرُوجًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَقَوْلُهُ فِي
النِّهَايَةِ الْأَفْضَلُ الْفِطْرُ تَسَاهُلٌ أَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا
إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ غَدٍ فَوَافَقَ يَوْمَ النَّحْرِ
أَوْ صَرَّحَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِذِكْرِ
الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَوْ لَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَاعْلَمْ
بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِ النَّذْرِ ثَلَاثَةٌ
كَوْنُ الْمَنْذُورِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَكَوْنُهُ مِنْ جِنْسِهِ
وَاجِبٌ وَكَوْنُ الْوَاجِبِ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ قَالُوا فَخَرَجَ
بِالْأَوَّلِ النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ وَالثَّانِي نَحْوُ عِيَادَةِ
الْمَرِيضِ وَالثَّالِثِ مَا كَانَ مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ
نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ
سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ نَذَرَ تَكْفِينَ
مَيِّتٍ لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ
كَالْوُضُوءِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ هُنَا بِصِحَّةِ النَّذْرِ بِيَوْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ عَلَيْهِ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ)
وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا وَفَصْلُ الْحِجَامَةِ
سَوَاءٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا:
عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اعْتَمَدَ حَدِيثًا أَوْ
فَتْوًى؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ
بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَقَالُوا: أَرَادَ بِهِ ذَهَابَ الْآخَرِ
وَلَيْسَ فِي هَذَا قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ فَهَذَا ظَنٌّ مَا اسْتَنَدَ
إلَى دَلِيلٍ؛ فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً اهـ.
وَمَا رَجَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَى
(قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الْغَيْبَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ)
وَكَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الِادِّهَانِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي
الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَكَذَا الَّذِي اكْتَحَلَ أَوْ ادَّهَنَ
نَفْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَاسْتَفْتَى فَأُفْتِيَ لَهُ
بِالْفِطْرِ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ اهـ.
وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْإِمْدَادِ مُسْتَدْرِكًا عَلَى مَا فِي
الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ نَوَتْ إلَخْ)
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَدْ
تَكَلَّمُوا فِي صِحَّةِ صَوْمِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُجَامِعُ
الْجُنُونَ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ
لَمَّا قَرَأْت عَلَى مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قُلْت لَهُ
كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ مَجْنُونَةٌ فَقَالَ دَعْ هَذَا
فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأُفُقِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ
كَأَنَّهُ كَتَبَ فِي الْأَصْلِ مَجْبُورَةً وَظَنَّ الْكَاتِبُ
مَجْنُونَةً وَلِهَذَا قَالَ دَعْ فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأُفُقِ
وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا: تَأْوِيلُهُ أَنَّهَا كَانَتْ عَاقِلَةً
بَالِغَةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ جُنَّتْ فَجَامَعَهَا
زَوْجُهَا ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فَعَلَ الزَّوْجُ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَصْحِيفِهَا وَجَزَمَ
فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا مُصَحَّفَةٌ مِنْ الْكَاتِبِ مُسْتَنِدًا
لِمَا مَرَّ. قَالَ: وَتَرَكَهَا مُحَمَّدٌ بَعْدَ التَّصْحِيفِ
لِإِمْكَانِ تَوْجِيهِهَا اهـ.
وَهَذَا يُفِيدُ رَفْعَ الْخِلَافِ السَّابِقِ إذْ لَا تَنَافِيَ
بَيْنَ تَصْحِيفِهَا وَتَأْوِيلِهَا وَبِهِ انْدَفَعَ دَفْعُ
الْمُؤَلِّفِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ
لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ الْكَاتِبَ صَحَّفَهَا بَلْ وَقَعَتْ عَنْ
مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُصْلِحْهَا لِانْتِشَارِهَا
وَإِمْكَانِ تَأْوِيلِهَا وَأَيْضًا اسْتِعْمَالُهُ مَجْبُورَةً
بِمَعْنَى مُجْبَرٍ ضَعِيفٌ.
[فَصْلٌ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ]
(فَصْلٌ فِي النَّذْرِ)
(2/316)
النَّحْرِ وَلُزُومِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ
أَرَادُوا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ كَوْنَ
الْمَعْصِيَةِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ
أَفْرَادِ الْجِنْسِ عَنْهَا وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ لَكِنَّهُ
يَنْعَقِدُ لِلْكَفَّارَةِ حَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ
وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ أَضَافَ النَّذْرَ إلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي
كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا كَانَ يَمِينًا
وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَلَوْ فَعَلَ نَفْسَ
الْمَنْذُورِ عَصَى وَانْحَلَّ النَّذْرُ كَالْحَلِفِ بِالْمَعْصِيَةِ
يَنْعَقِدُ لِلْكَفَّارَةِ فَلَوْ فَعَلَ الْمَعْصِيَةَ الْمَحْلُوفَ
عَلَيْهَا سَقَطَتْ وَأَثِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ نَذْرًا
بِطَاعَةٍ كَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْيَمِينَ
لَا تَلْزَمُ بِنَفْسِ النَّذْرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ يُفْتَى وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ
بِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ فِي
الْأَصْلِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ إحْدَاهَا أَنْ
يَكُونَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِهِ شَرْعًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ
مَقْصُودًا لَا وَسِيلَةً وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا
عَلَيْهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَلِذَا لَا يَصِحُّ
النَّذْرُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَفْرُوضَاتِ
لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ. اهـ.
فَعَلَى هَذَا فَالشَّرَائِطُ أَرْبَعَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ
النَّذْرَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا خَرَجَ بِالشَّرْطِ
الْأَوَّلِ إذْ قَوْلُهُمْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ يُفِيدُ أَنَّ
الْمَنْذُورَ غَيْرَ الْوَاجِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَهَاهُنَا عَيْنُهُ
وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ رَابِعٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلَ
الْكَوْنِ فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَمْسِ أَوْ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَضَى
لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَيَّدَ
بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ الشُّرُوطِ
الْمَذْكُورَةِ يَجِبُ كَالنَّذْرِ بِالْحَجِّ مَاشِيًا
وَالِاعْتِكَافِ وَإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ بِصِفَةِ
الْمَشْيِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَكَذَا الِاعْتِكَافُ وَكَذَا نَفْسُ
الْإِعْتَاقِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْإِعْتَاقِ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالْحَجِّ
مَاشِيًا مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ
حَوْلَهَا لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِمْ الرَّاحِلَةُ بَلْ يَجِبُ
الْمَشْيُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى الْمَشْيِ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ فِي التَّبْيِينِ فِي آخِرِ الْحَجِّ وَأَمَّا
الِاعْتِكَافُ وَهُوَ اللُّبْثُ فِي مَكَان مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ
وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ
فَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فِي
الْكَفَّارَةِ وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَلَيْسَ
بِمُرَادٍ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى يَمِينًا كَفَّرَ أَيْضًا) أَيْ مَعَ
الْقَضَاءِ تَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إذَا أَفْطَرَ وَهَذِهِ
الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ سِتَّةٍ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ
نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرُ أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا
يَكُونَ يَمِينًا يَكُونُ نَذْرًا؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ
كَيْفَ وَقَدْ قَرَّرَهُ بِعَزِيمَتِهِ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ
وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ
الْيَمِينَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ
وَإِنْ نَوَاهُمَا يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ نَذْرًا وَلَوْ نَوَى
الْيَمِينَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ
يَمِينًا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ
وَالْيَمِينَ مَجَازٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى
النِّيَّةِ وَيَتَوَقَّفَ الثَّانِي؛ فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ
وَاحِدٌ، ثُمَّ الْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ وَعِنْدَ
نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا
تَنَافِيَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْضِيَانِ الْوُجُوبَ
إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ وَالْيَمِينَ لِغَيْرِهِ
فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا جَمَعْنَا
بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ
الْعِوَضِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
بِلُزُومِ التَّنَافِي مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ
الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْيَمِينُ وُجُوبٌ يَلْزَمُ بِتَرْكِ
مُتَعَلَّقِهِ الْكَفَّارَةُ وَالْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ مُوجَبُ
النَّذْرِ لَيْسَ يَلْزَمُ بِتَرْكِ مُتَعَلَّقِهِ ذَلِكَ، وَتَنَافِي
اللَّوَازِمِ أَقَلُّ مَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ فَلَا بُدَّ أَنْ لَا
يُرَادَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
السَّرَخْسِيُّ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ الْيَمِينِ
لِلَّهِ وَأُرِيدَ النَّذْرُ بِعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كَذَا وَجَوَابُ
الْقَسَمِ حِينَئِذٍ مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِذِكْرِ
الْمَنْذُورِ أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ لَأَصُومَنَّ وَعَلَيَّ
أَنْ أَصُومَ وَعَلَى هَذَا لَا يُرَادَانِ بِنَحْوِ عَلَيَّ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ فِي
الْمِعْرَاجِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ قُلْنَا بَلْ مِنْ جِنْسِهِ
وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اللُّبْثُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ
وَهُوَ الْوُقُوفُ أَوْ النَّذْرُ بِالْمَشْيِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا
كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ مُشْتَمِلٌ عَلَى
الْوَاجِبِ وَهَذَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَشْتَمِلُ عَلَى
الصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ فَيَكُونُ النَّذْرُ بِهِ
مُشْتَمِلًا عَلَى اللُّبْثِ وَالصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ
وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اللُّبْثِ وَاجِبٌ فَيَصِحُّ
النَّذْرُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ النَّذْرُ
بِالِاعْتِكَافِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ
جِنْسِهِ إيجَابٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَوَامِ
الصَّلَاةِ؛ وَلِذَلِكَ صَارَ قُرْبَةً فَصَارَ الْتِزَامُهُ
بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ) أَيْ مَسْأَلَةُ النَّذْرِ سَوَاءٌ
كَانَتْ بِصِيغَةِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ:
وَقَدْ عَيَّنَهُ إلَخْ) أَيْ فَيَجِبُ بِالْفِطْرِ كَفَّارَةُ
الْيَمِينِ لَا الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ وَالْكَفَّارَةُ
مُوجِبُ الْحِنْثِ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلُهُ: نَذْرًا وَيَمِينًا
إلَخْ) أَيْ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ تَحْصِيلًا لِمَا وَجَبَ
بِالِالْتِزَامِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إنْ أَفْطَرَ لِلْحِنْثِ
بِتَرْكِ الصِّيَامِ اهـ.
دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ: إنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ الْيَمِينِ
لِلَّهِ) فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ
أُرِيدَ الْيَمِينُ بِلَفْظِ لِلَّهِ.
(2/317)
أَصُومَ وَتَمَامُهُ فِي تَحْرِيرِ
الْأُصُولِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ بِأَنَّهُمَا لَمَّا
اشْتَرَكَا فِي نَفْسِ الْإِيجَابِ فَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ يُرَادُ
بِهِمَا الْإِيجَابُ فَيَكُونُ عَمَلًا بِعُمُومِ مَجَازٍ لَا جَمْعًا
بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي
فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كُلَّ خَمِيسٍ
فَأَفْطَرَ خَمِيسًا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إنْ أَرَادَ يَمِينًا
ثُمَّ إذَا أَفْطَرَ خَمِيسًا آخَرَ لَمْ يُكَفِّرْ؛ لِأَنَّ
الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا مَرَّةً لَمْ يَحْنَثْ
مَرَّةً أُخْرَى اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ أَفْطَرَ أَيَّامًا
مَنْهِيَّةً وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ
وَقَضَاهَا) ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ
بِهَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْهَا وَالنَّذْرُ
بِالْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ عِنْدَنَا
فَكَانَ قَوْلُهُ أَفْطَرَ لِلْإِيجَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ
صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ وَقَدْ وَقَعَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ
بِالْأَوْلَوِيَّةِ فِي التَّسَاهُلِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ
وَرَتَّبَ قَضَاءَهَا عَلَى إفْطَارِهِ فِيهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ
صَامَهَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ
كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ نَذَرَتْ
صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهَا تَقْضِي مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ
أَيَّامَ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ
فَصَحَّ الْإِيجَابُ وَإِلَى أَنَّهَا لَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ الْغَدِ
فَوَافَقَ حَيْضَهَا فَإِنَّهَا تَقْضِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ
لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ حَيْضِي لَا قَضَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ
لِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ
عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ إذَا أَفْطَرَ
كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ
الْحَيْضَ وَصْفٌ لِلْمَرْأَةِ لَا وَصْفٌ لِلْيَوْمِ وَقَدْ ثَبَتَ
بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ طَهَارَتَهَا شَرْطٌ لِأَدَائِهِ فَلَمَّا
عَلَّقَتْ النَّذْرَ بِصِفَةٍ لَا تَبْقَى مَعَهَا أَهْلًا لِلْأَدَاءِ
لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ كَقَوْلِهِ
لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ آكُلُ كَذَا فِي الْكَشْفِ
الْكَبِيرِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ
الَّذِي صَامَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ؛
لِأَنَّ صَوْمَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَإِلَى
أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ هَذِهِ السَّنَةَ وَإِنَّمَا شَرَطَ
التَّتَابُعَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا فَيَقْضِي الْأَيَّامَ
الْخَمْسَةَ دُونَ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا
تَعْرَى عَنْهَا لَكِنْ يَقْضِيهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَوْصُولَةً
تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَطْلَقَ قَضَاءَ
لُزُومِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا نَذَرَ بَعْدَ
هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ بِأَنْ نَذَرَ بَعْدَ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ وَحَمَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَلَى
مَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ عِيدِ الْفِطْرِ مَا إذَا قَالَ فِي شَوَّالٍ
لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ
يَوْمِ الْفِطْرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا
يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ
بَلْ يَلْزَمُهُ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ. اهـ.
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ قَوْلُهُ أَفْطَرَ أَيَّامًا
مَنْهِيَّةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْفِطْرُ بَعْدَ الْمُضِيِّ لَكِنْ
قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ صَاحِبِ
الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ السَّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْ
عَشَرَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ إلَى وَقْتِ النَّذْرِ وَهَذِهِ
الْمُدَّةُ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى
الْحَمْلِ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ؛
لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَمَا هِيَ فِي الْغَايَةِ مَنْقُولَةٌ فِي
الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا
الشَّهْرِ وَلِأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ عَرَبِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عِبَارَةٌ
عَنْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهَا مُبْتَدَأٌ وَمُخْتَتَمٌ خَاصَّانِ
عِنْدَ الْعَرَبِ مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ
فَإِذَا قَالَ هَذِهِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ الْإِشَارَةَ إلَى الَّتِي
هُوَ فِيهَا فَحَقِيقَةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَذْرٌ بِالْمُدَّةِ
الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُدَّةُ
الْمَاضِيَةُ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ إلَى وَقْتِ
التَّكَلُّمِ فَيَلْغُو فِي حَقِّ الْمَاضِي كَمَا يَلْغُو فِي
قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَهَذَا فَرْعٌ يُنَاسِبُ
هَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ الْيَوْمَ، أَوْ
الْيَوْمِ أَمْسِ لَزِمَهُ صَوْمُ الْيَوْمِ، وَلَوْ قَالَ غَدًا هَذَا
الْيَوْمَ، أَوْ هَذَا الْيَوْمَ غَدًا لَزِمَهُ صَوْمُ أَوَّلِ
الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ شَهْرًا لَزِمَهُ شَهْرٌ
كَامِلٌ، وَلَوْ قَالَ الشَّهْرُ وَجَبَ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي
هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى
الْمَعْهُودِ بِالْحُضُورِ فَإِنْ نَوَى شَهْرًا فَهُوَ عَلَى مَا
نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ كَلَامَهُ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ
وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ أَيْضًا. اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا، وَلَوْ
قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الشَّهْرَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ
بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَمَا فِي الْفَتَاوَى
الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الشَّهْرَ
وَجَبَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ
ذَكَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ
إلَخْ) حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ
السَّنَةِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ
وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَيَقْضِي تِلْكَ الْأَيَّامَ وَلَوْ قَالَ
لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ يَصُومُ سَنَةً
بِالْأَهِلَّةِ وَيَقْضِي خَمْسًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَوْ قَالَ
لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ
بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ
عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مِنْ حِينِ
حَلَفَ إلَى أَنْ تَمْضِيَ السَّنَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا
مَضَى قَبْلَ الْيَمِينِ
(2/318)
الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ
وَإِنْ نَوَى شَهْرًا كَامِلًا فَهُوَ كَمَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى
مَا يَحْتَمِلُهُ. اهـ.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْغَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ
وَحَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا إذَا نَوَى تَوْفِيقًا
وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ مِنْ كَوْنِهِ يَلْغُو فِيمَا مَضَى كَمَا يَلْغُو فِي
قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ كَانَ لَغْوًا لَمَّا لَزِمَهُ بِنِيَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ
تَشْبِيهُهُ بِصَوْمِ الْأَمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ صَوْمَ
الْيَوْمِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحْتَمَلَ
كَلَامِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ غَدٍ وَنَوَى كُلَّمَا دَارَ
غَدٌ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي
الْمَلْفُوظِ، وَلَوْ قَالَ صَوْمَ يَوْمٍ وَنَوَى كُلَّمَا دَارَ
يَوْمٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَكَذَا يَوْمُ الْخَمِيسِ. اهـ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا، وَلَوْ نَذَرَ بِصَوْمِ شَهْرٍ قَدْ
مَضَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمُضِيِّهِ؛ لِأَنَّ
الْمَنْذُورَ بِهِ مُسْتَحِيلُ الْكَوْنِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي
الْإِقَالَةِ بِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ وَقَيَّدَ
بِكَوْنِ السَّنَةِ مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُنَكِّرَةً
فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَكَالْمُعَيَّنَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَيَّامُ الْخَمْسَةُ وَلَا شَهْرُ
رَمَضَانَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قَدْرُ السَّنَةِ فَإِذَا صَامَ
سَنَةً لَزِمَهُ قَضَاءُ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ
صَوْمَهُ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ نَاقِصٌ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ
الْكَامِلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ فَيَجِبُ
الْقَضَاءُ بِقَدْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِلَ ذَلِكَ بِمَا مَضَى
وَإِنْ لَمْ يَصِلْ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَمْ
يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
يَخْرُجُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ
مَا إذَا قَصَدَ مَا تَلَفَّظَ بِهِ أَوَّلًا وَلِهَذَا ذَكَرَ
الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ
عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ صَوْمُ شَهْرٍ كَانَ
عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ وَكَذَا إذَا أَرَادَ شَيْئًا فَجَرَى عَلَى
لِسَانِهِ الطَّلَاقُ، أَوْ الْعَتَاقُ أَوْ النَّذْرُ لَزِمَهُ ذَلِكَ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جَدٌّ
وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ»
وَالنَّذْرُ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ. اهـ.
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ
الِاثْنَيْنِ، أَوْ الْخَمِيسِ فَصَامَ ذَلِكَ مَرَّةً كَفَاهُ إلَّا
أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ، وَلَوْ أَوْجَبَ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ
شَهْرًا صَامَ شَهْرًا مَا تَكَرَّرَ مِنْهُ فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا
يَعْنِي إنْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَمِيسِ يَصُومُ كُلَّ
خَمِيسٍ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ صَوْمُ
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ
لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً، وَلَوْ
قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَوْمًا يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ
إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت
طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ
أَصُومَ كَذَا كَذَا يَوْمًا يَلْزَمُهُ صَوْمُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا
وَهَذَا مُشْكَلٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ اثْنَا عَشَرَ؛
لِأَنَّ كَذَا اسْمُ عَدَدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ
عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ
عَدَدَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّهُ اثْنَا
عَشَرَ، وَلَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا يَلْزَمُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ
وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُ عَشْرٌ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَسَيَأْتِي
أَجْنَاسُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ جُمُعَةً إنْ أَرَادَ بِهَا أَيَّامَ
الْجُمُعَةِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَلْزَمُهُ صَوْمُ
سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَلْزَمُهُ
يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَمَا لَوْ
حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا وَأَرَادَ بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ
صُدِّقَ قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ جُمَعُ هَذَا الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ
يَصُومَ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ تَمُرُّ فِي هَذَا الشَّهْرِ قَالَ
شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ
قَالَ صَوْمُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ سَبْعَةِ
أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ
ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَبْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ
لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ
صَوْمُ سَبْعَةِ أَسْبَاتٍ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ
لَا يَتَكَرَّرُ فَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاتِ
بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِيهَا يَتَكَرَّرُ
وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا فَصَامَهُ
مُتَفَرِّقًا لَمْ يَجُزْ وَعَلَى عَكْسِهِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ
لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ
فُلَانٌ فَقَدِمَ فِيهِ فُلَانٌ بَعْدَمَا أَكَلَ، أَوْ كَانَتْ
النَّاذِرَةُ امْرَأَةً فَحَاضَتْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ
مُحَمَّدٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْقَضَاءُ،
وَلَوْ قَدِمَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ
مُحَمَّدٍ وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ
أَنْ أَصُومَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ إذْ الَّذِي يَلْزَمُ
بِنِيَّتِهِ سَنَةٌ أَوَّلُهَا ابْتِدَاءُ النَّذْرِ عَلَى مَا مَرَّ
لَا مَا مَضَى مِنْهَا وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِاللَّغْوِ إلْزَامُ
مَا مَضَى وَحِينَئِذٍ فَتَشْبِيهُهُ بِصَوْمِ الْأَمْسِ صَحِيحٌ
فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ
أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي
بَعْضِهَا وَلَوْ قَالَ بِدُونِ كَذَلِكَ وَبَعْدَ قَوْلِهِ سَنَةً
بَيَاضٌ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَهَذِهِ
النُّسْخَةِ وَبَعْدَ قَوْلِهِ سَنَةً مَا نَصُّهُ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ
أَنَّهُ قَالَ يَصُومُ ثَلَاثِينَ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ اهـ.
وَرَأَيْت فِي هَامِشِ الْبَحْرِ نُسْخَةً بِخَطِّ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ
رَاجَعَ نُسْخَتَيْنِ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَوَجَدَ فِيهِمَا مَا
ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ بِلَفْظِ وَكَذَا
لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً
كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ يَمُرُّ بِهِ إلَى سَنَةٍ
وَعَنْ الْكَرْخِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ
يَوْمًا) أَيْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ وَيَوْمًا لَا أَيْ لَا
أَصُومُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ أَيْ فَيَلْزَمُهُ
صِيَامُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة
(2/319)
الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ
شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَقَدِمَ فُلَانٌ
فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا
قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ وَهُوَ
الصَّوْمُ بِنِيَّةِ الشُّكْرِ
وَلَوْ قَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ رَمَضَانَ فَنَوَى
بِهِ عَنْ الشُّكْرِ وَلَا يَنْوِي بِهِ عَنْ رَمَضَانَ بَرَّ فِي
يَمِينِهِ لِوُجُودِ شَرْطِ الْبَرِّ وَهُوَ الصَّوْمُ بِنِيَّةِ
الشُّكْرِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ
بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَلَوْ قَالَ
لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ مِثْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ أَرَادَ
مِثْلَهُ فِي الْوُجُوبِ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ
فِي التَّتَابُعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
نِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ
لَهُمَا فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ
أَصُومَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَصَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَدْرِي أَنَّ يَوْمَ الْإِفْطَارِ
مِنْ الْخَمْسَةِ، أَوْ مِنْ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ يَصُومُ خَمْسَةَ
أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ فَيُوجَدُ عَشْرَةٌ مُتَتَابِعَةٌ،
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ نِصْفِ يَوْمٍ لَا يَصِحُّ
بِخِلَافِ نِصْفِ رَكْعَةٍ حَيْثُ يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَنِصْفِ
حَجٍّ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
مِنْ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ فِي شَعْبَانَ بَنَى بَعْدَ
رَمَضَانَ كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَلَوْ قَالَ إنْ عُوفِيتُ صُمْتُ
كَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ وَهَذَا
قِيَاسٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقٌ
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيَاسًا وَلَا اسْتِحْسَانًا نَظِيرُهُ مَا إذَا
قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَحُجُّ فَفَعَلَ يَلْزَمُهُ
ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ
أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ
الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ الْكُلُّ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ
والولوالجية وَالْخَانِيَّةِ وَزَادَ الْوَلْوَالِجِيُّ فُرُوعًا
وَبَعْضُهَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهِيَ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ
أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ أَبَدًا
فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ
الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِهِ مَا يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ كَالصَّوْمِ
يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ
الْوَقْتُ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ الصَّوْمَ وَهُوَ النَّهَارُ، وَلَوْ
قَدِمَ يَوْمًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَأْكُلْ صَامَهُ وَإِنْ
قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَكَلَ فِيهِ، أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ
وَلَمْ يَأْكُلْ فِيهِ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
وَلَا يَصُومُ يَوْمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى الْوَقْتِ
عِنْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ كَالْمُرْسَلِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَانَ
الْجَوَابُ هَكَذَا وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا فِي رَجَبٍ، أَوْ صَلَاةً
فِيهِ جَازَ عَنْهُ قَبْلَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ
إضَافَةٌ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ
بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ شَهْرُ رَجَبٍ فَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ لَا
يَجُوزُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ
سَبَبًا قَبْلَ الشَّرْطِ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الصَّدَقَةِ
الْمُضَافَةِ إلَى وَقْتٍ كَالزَّكَاةِ
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ يَوْمًا لَزِمَهُ
صَوْمُ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِعَيْنِهِ مَتَى شَاءَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ
إلَى أَنْ يَمُوتَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ
يَوْمًا حَقِيقَةً وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ فَحُمِلَ عَلَى الْوَقْتِ
فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا
الشَّهْرَ وَقْتًا مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ
صِيَامُ الْأَيَّامِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ
عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سَبْعَةِ
أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ أَيَّامٍ لَزِمَهُ
صَوْمُ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ قَلِيلٌ، وَلَوْ قَالَ صِيَامُ
الشُّهُورِ فَعَشَرَةٌ وَقَالَا صِيَامُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَلَوْ
قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ السِّنِينَ لَزِمَهُ صِيَامُ عَشَرَةٍ
وَقَالَا لَزِمَهُ صِيَامُ الدَّهْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا
فَيَكُونُ مَا نَوَى، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ الزَّمَنِ
وَالْحِينِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَانَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ
وَالزَّمَنُ مِثْلُ الْحِينِ فِي الْعُرْفِ وَلَا عِلْمَ لِأَبِي
حَنِيفَةَ بِصِيَامِ دَهْرٍ إذَا نَذَرَهُ وَقَالَا عَلَى سِتَّةِ
أَشْهُرٍ الْكُلُّ مِنْ الْوَلْوَالِجِيِّ وَفِي الْكَافِي لَا
يَخْتَصُّ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ
وَفَقِيرٍ. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ بِالْمَعْصِيَةِ
لِلْحَدِيثِ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» فَقَالَ
الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَأَمَّا النَّذْرُ الَّذِي
يُنْذِرُهُ أَكْثَرُ الْعَوَامّ عَلَى مَا هُوَ مُشَاهَدٌ كَأَنْ
يَكُونَ لِإِنْسَانٍ غَائِبٌ أَوْ مَرِيضٌ، أَوْ لَهُ حَاجَةٌ
ضَرُورِيَّةٌ فَيَأْتِي بَعْضَ الصُّلَحَاءِ فَيَجْعَلُ سُتْرَةً عَلَى
رَأْسِهِ فَيَقُولُ يَا سَيِّدِي فُلَانٌ إنْ رُدَّ غَائِبِي، أَوْ
عُوفِيَ مَرِيضِي أَوْ قُضِيَتْ حَاجَتِي فَلَكَ مِنْ الذَّهَبِ كَذَا،
أَوْ مِنْ الْفِضَّةِ كَذَا، أَوْ مِنْ الطَّعَامِ كَذَا، أَوْ مِنْ
الْمَاءِ كَذَا، أَوْ مِنْ الشَّمْعِ كَذَا، أَوْ مِنْ الزَّيْتِ كَذَا
فَهَذَا النَّذْرُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ
نَذْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: بَنَى بَعْدَ رَمَضَانَ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي
نُسْخَةِ الرَّمْلِيِّ يُتَابِعُ بَدَلَ بَنَى فَقَالَ أَيْ لَا
يُعَدُّ رَمَضَانُ قَاطِعًا لِلتَّتَابُعِ كَمَا أَنَّ الْحَيْضَ لَا
يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فَتُتَابِعُ بَعْدَهُ فَيَلْتَحِقُ بِمَا
قَبْلَهُ تَأَمَّلْ اهـ.
وَنُسْخَةُ بَنَى أَظْهَرُ.
(2/320)
مَخْلُوقٍ وَالنَّذْرُ لِلْمَخْلُوقِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ
وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ لِلْمَخْلُوقِ وَمِنْهَا أَنَّ
الْمَنْذُورَ لَهُ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَمِنْهَا إنْ
ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَتَصَرَّفُ فِي الْأُمُورِ دُونَ اللَّهِ
تَعَالَى وَاعْتِقَادُهُ ذَلِكَ كُفْرٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ قَالَ
يَا اللَّهُ إنِّي نَذَرْت لَك إنْ شَفَيْت مَرِيضِي، أَوْ رَدَدْت
غَائِبِي أَوْ قَضَيْت حَاجَتِي أَنْ أُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ
بِبَابِ السَّيِّدَةِ نَفِيسَةَ، أَوْ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ بِبَابِ
الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ الْإِمَامِ اللَّيْثِ، أَوْ أَشْتَرِي
حُصْرًا لِمَسَاجِدِهِمْ، أَوْ زَيْتًا لِوَقُودِهَا أَوْ دَرَاهِمَ
لِمَنْ يَقُومُ بِشَعَائِرِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ
فِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالنَّذْرُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَذِكْرُ الشَّيْخِ إنَّمَا هُوَ مَحَلٌّ لِصَرْفِ النَّذْرِ
لِمُسْتَحِقِّيهِ الْفَاطِنِينَ بِرِبَاطِهِ، أَوْ مَسْجِدِهِ، أَوْ
جَامِعِهِ فَيَجُوزُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إذْ مَصْرِفُ النَّذْرِ
الْفُقَرَاءُ وَقَدْ وُجِدَ الْمَصْرِفُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ
ذَلِكَ لِغَنِيٍّ غَيْرِ مُحْتَاجٍ وَلَا لِشَرِيفٍ مُنَصَّبٍ؛
لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا،
أَوْ فَقِيرًا وَلَا لِذِي النَّسَبِ لِأَجْلِ نَسَبِهِ مَا لَمْ
يَكُنْ فَقِيرًا وَلَا لِذِي عِلْمٍ لِأَجْلِ عِلْمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ
فَقِيرًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ جَوَازُ الصَّرْفِ
لِلْأَغْنِيَاءِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ النَّذْرِ لِلْمَخْلُوقِ
وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا تَشْتَغِلُ الذِّمَّةُ بِهِ وَلِأَنَّهُ
حَرَامٌ بَلْ سُحْتٌ وَلَا يَجُوزُ لِخَادِمِ الشَّيْخِ أَخْذُهُ وَلَا
أَكْلُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا
أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، أَوْ لَهُ عِيَالٌ فُقَرَاءُ عَاجِزُونَ عَنْ
الْكَسْبِ وَهُمْ مُضْطَرُّونَ فَيَأْخُذُونَهُ عَلَى سَبِيلِ
الصَّدَقَةِ الْمُبْتَدَأَةِ فَأَخْذُهُ أَيْضًا مَكْرُوهٌ مَا لَمْ
يَقْصِدْ بِهِ النَّاذِرُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى
وَصَرْفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَنْ نَذْرِ
الشَّيْخِ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الدَّرَاهِمِ
وَالشَّمْعِ وَالزَّيْتِ وَغَيْرِهَا وَيُنْقَلُ إلَى ضَرَائِحِ
الْأَوْلِيَاءِ تَقَرُّبًا إلَيْهِمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ
الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَقْصِدُوا بِصَرْفِهَا لِلْفُقَرَاءِ
الْأَحْيَاءِ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا قَضَاءَ إنْ شَرَعَ فِيهَا فَأَفْطَرَ) أَيْ إنْ
شَرَعَ فِي صَوْمِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَلَا
قَضَاءَ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ
أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ
وَصَارَ كَالشُّرُوعِ فِي الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ
وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ
بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ يُسَمَّى صَائِمًا حَتَّى يَحْنَثَ
بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّوْمِ فَيَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ
فَيَجِبُ إبْطَالُهُ وَلَا تَجِبُ صِيَانَتُهُ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ
يُبْتَنَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ
النَّذْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَلَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ
حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى
الصَّلَاةِ فَيَجِبُ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى فَيَكُونُ مَضْمُونًا
بِالْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ
فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا
فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْرِيرِ
بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ السَّجْدَةِ لَا
يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَالْجَوَابُ مُطْلَقٌ فِي الْوُجُوبِ وَحِينَئِذٍ
فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشُّرُوعُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ
مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِجَعْلِ
الْكَرَاهَةِ تَنْزِيهِيَّةً. اهـ.
وَلَنَا مَخْلَصٌ مَعَ جَعْلِهَا تَحْرِيمِيَّةً كَمَا هُوَ
الْمَذْهَبُ بِأَنْ يُقَالَ لَمَّا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ
مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ
وَحَرُمَ الْقَطْعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا
أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَلَمَّا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَرُمَ
عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فَتَعَارَضَ مُحَرَّمَانِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا
وُجُوبٌ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
(بَابُ الِاعْتِكَافِ) ذَكَرَهُ بَعْدَ الصَّوْمِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ
شَرْطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَالشَّرْطُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ
وَهُوَ لُغَةً افْتِعَالٌ مِنْ عَكَفَ إذَا دَامَ مِنْ بَابِ طَلَبَ
وَعَكَفَهُ حَبَسَهُ وَمِنْهُ {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25]
وَسُمِّيَ بِهِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إقَامَةٌ
فِي الْمَسْجِدِ مَعَ شَرَائِطَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي
الصِّحَاحِ الِاعْتِكَافُ الِاحْتِبَاسُ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ
مُتَعَدٍّ فَمَصْدَرُهُ الْعَكْفُ وَلَازِمٌ فَمَصْدَرُهُ الْعُكُوفُ
فَالْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ وَمِنْهُ قَوْله
تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ
فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا اللَّازِمُ فَهُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى
الشَّيْءِ بِطَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا
يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْقَطْعِ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
وَقَالَ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ فَتَعَارَضَ مُحَرَّمَانِ إلَخْ قَدَّمَ
الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ وَمَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَخْ
أَنَّهُ يَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ
بِذَلِكَ الشُّرُوعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَطْعُ أَفْضَلُ
وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَقَوْلُهُ هُنَا وَمَعَ
أَحَدِهِمَا وُجُوبٌ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ يَعْنِي
ارْتِكَابًا فَيَجِبُ الْقَطْعُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هَذَا
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وُجُوبٌ فَكَمَا يَجِبُ
الْإِتْمَامُ يَجِبُ الْقَطْعُ وَكَمَا يَحْرُمُ الْإِتْمَامُ يَحْرُمُ
الْقَطْعُ وَقَدْ فَهِمَ صَاحِبُ النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ فَتُقَدَّمُ
حُرْمَةُ الْقَطْعِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَطْعُ فَلَا يَقْطَعُ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْفَهْمِ بَلْ
يُعِيدُ مَعَ قَوْلِهِ فَلَمَّا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ
الْمُضِيُّ وَمَا فَهِمْنَاهُ مِنْهُ مُتَعَيِّنٌ وَاللَّفْظُ قَابِلٌ
لَهُ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ يَعْنِي
ارْتِكَابًا لِوُجُوبِهِ لَا حَقِيقَةَ حُرْمَتِهِ عَلَى حُرْمَةِ
الْإِتْمَامِ تَأَمَّلْ.
|