البحر
الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي [بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]
(بَابُ الطَّلَاقِ) .
أَيْ أَلْفَاظُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا تَقَدَّمَ كَانَ ذِكْرَ
الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَأَقْسَامِهِ الْأَوَّلِيَّةِ السُّنِّيِّ،
وَالْبِدْعِيِّ وَإِعْطَاءً لِبَعْضِ الْأَحْكَامِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ
وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ
فَإِنَّ الْمَوْرِدَ فِيهِ خُصُوصُ أَلْفَاظٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ
وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَاقٌ لِإِعْطَاءِ أَحْكَامِهَا هَكَذَا أَوْ مُضَافَةٌ
إلَى بَعْضِ الْمَرْأَةِ وَإِعْطَاءِ حُكْمِ الْكُلِّيِّ وَتَصْوِيرِهِ
قَبْلَ الْجُزْئِيِّ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ تَفْصِيلٍ يَعْقُبُ إجْمَالًا
فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ أَحْكَامِ مَا بِهِ الْإِيقَاعُ،
وَالْوُقُوعُ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي لَا
تَحَقُّقَ لَهُ خَارِجًا اهـ.
قَوْلُهُ: (الصَّرِيحُ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك)
بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ مُطْلَقَةٍ أَمَّا بِتَخْفِيفِهَا فَمُلْحَقٌ
بِالْكِنَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ
صَرَائِحَ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّ
الصَّرِيحَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى
بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ
فِي غَيْرِهِ فَأَوْلَى بِالصَّرَاحَةِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَمَّا مَنْ
صَرَّحَ خَلَصَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْغَيْرِ وَزْنًا وَمَعْنًى فَهُوَ
صَرِيحٌ وَكُلُّ خَالِصٍ صَرِيحٌ وَمِنْهُ قَوْلٌ صَرِيحٌ وَهُوَ الَّذِي
لَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ وَتَأْوِيلٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ أَوْ مَنْ
صَرَّحَهُ أَظْهَرَهُ، وَفِي الْفِقْهِ هُنَا مَا اُسْتُعْمِلَ فِي
الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْوِقَايَةِ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ تَدَافُعٌ فَإِنَّهُ عَلَّلَ كَوْنَهَا
صَرَائِحَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
عَادَ الضَّمِيرُ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ فَلْيُحَرَّرْ الْفَرْقُ
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ
بِهِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْفَرْقِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطِ
الْمَوْلَى. . . إلَخْ) ذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْعًا
أَبْدَى فِيهِ الْفَرْقَ وَنَظَرَ هَذِهِ بِهِ وَهُوَ مَا إذَا
تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الطَّلَاقُ
فَقَالَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا بَدَأَ
الزَّوْجُ وَقَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ
الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك عَلَى أَنِّي طَالِقٌ أَوْ
عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا شِئْت
فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت جَازَ النِّكَاحُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَكُونُ
الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ
كَانَ الطَّلَاقُ، وَالتَّفْوِيضُ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا
إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ يَصِيرُ التَّفْوِيضُ
بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَالَ بَعْدَ كَلَامِ
الْمَرْأَةِ قَبِلْت.
وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ صَارَ كَأَنَّهُ
قَالَ قَبِلْت عَلَى أَنَّك طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ
بِيَدِك فَيَصِيرُ مُفَوِّضًا بَعْدَ النِّكَاحِ.
(3/269)
بِالِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ
دُونَ غَيْرِهِ وَكَوْنُهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ بِأَنَّهُ
صَرِيحٌ فِيهِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ الْمَوْصُوفَ
بِالْغَلَبَةِ هُنَا هُوَ مَا وَصَفَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِي
الطَّلَاقِ لَا فِي غَيْرِهِ، وَالْغَلَبَةُ فِي مَفْهُومِهَا
الِاسْتِعْمَالُ فِي الْغَيْرِ قَلِيلًا لِلتَّقَابُلِ بَيْنَ الْغَلَبَةِ،
وَالِاخْتِصَاصِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ حَمَلَ الْعِبَارَةَ
الْأُولَى عَلَى الْغَالِبِ لَانْدَفَعَ، وَفِي التَّتِمَّةِ إذَا قَالَ:
طَلَّقْتُك آخِرَ الثَّلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ: أَنْت
طَالِقٌ آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَوَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ
حَسَنٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَمَامَ ثَلَاثٍ أَوْ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ
فَهِيَ ثَلَاثَةٌ اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً تَكُونُ ثَلَاثًا
أَوْ تَصِيرُ ثَلَاثًا أَوْ تَعُودُ ثَلَاثًا أَوْ تَتِمُّ ثَلَاثًا فَهِيَ
ثَلَاثٌ اهـ.
وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ حَصْرِ الصَّرِيحِ فِي الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ
سَيَذْكُرُ أَنَّ مِنْهُ الْمَصْدَرَ كَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَمِنْهُ مَا فِي
الْخَانِيَّةِ شِئْت طَلَاقَك وَرَضِيت طَلَاقَك وَأَوْقَعْت عَلَيْك
طَلَاقَك وَخُذِي طَلَاقَك وَوَهَبْت لَك طَلَاقَك وَلَوْ قَالَ أَرَدْت
طَلَاقَك لَا يَقَعُ اهـ.
وَمِنْهُ أَوْدَعْتُك طَلَاقَك رَهَنْتُك طَلَاقَك عَلَى الْأَصَحِّ
لِأَنَّ الْإِيدَاعَ، وَالرَّهْنَ لَا يَكُونَانِ إلَّا لِلْمَوْجُودِ
وَأَعَرْتُك طَلَاقَك صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا كَذَا فِي
الصَّيْرَفِيَّةِ وَمِنْهُ أَنْتِ أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا قَدْ طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَتَهُ
فَطَلِّقْنِي فَقَالَ الزَّوْجُ فَأَنْت أَطْلَقُ مِنْهَا فَهِيَ طَالِقٌ
وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ اهـ.
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَجَعَلَهُ فِي
الْخُلَاصَةِ مِنْ الْكِنَايَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا
الطَّلَاقَ كَمَا إذَا قَالَتْ فُلَانٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَطَلِّقْنِي
فَقَالَ أَنْت أَطْلَقُ مِنْهَا أَوْ أَبْيَنُ مِنْهَا طَلُقَتْ وَلَا
يُدَيَّنُ اهـ.
وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمِنْهُ يَا طَالِقُ أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ
بِالتَّشْدِيدِ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت الشَّتْمَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً
وَيُدَيَّنُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا
قَبْلُ فَقَالَ أَرَدْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ صُدِّقَ دِيَانَةً بِاتِّفَاقِ
الرِّوَايَاتِ وَقَضَاءً فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ حَسَنٌ
كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَا يُصَدَّقُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهَا
زَوْجٌ قَدْ مَاتَ وَلَوْ قَالَ قُولِي أَنَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى
تَقُولَهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ قَالَ لَهَا خُذِي طَلَاقَك
فَقَالَتْ أَخَذْت اُخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَصُحِّحَ
الْوُقُوعُ بِلَا اشْتِرَاطِهَا اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى تَقُولَ الْمَرْأَةُ أَخَذْت
وَيَكُونُ تَفْوِيضًا وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ
خِلَافُهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى صَدْرِ
الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهَا أَخَذْت وَيَقَعُ
بِالتَّهَجِّي كَانَتْ ط ل ق وَكَذَا لَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتهَا فَقَالَ
ن عِ م أَوْ بَلَى بِالْهِجَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَطْلَقَهُ
فِي الْخَانِيَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ وَشَرَطَهَا فِي
الْبَدَائِعِ وَمِنْهُ طَلَّقَك اللَّهُ كَأَعْتَقَكِ اللَّهُ فَلَا
يَتَوَقَّفَانِ عَلَى نِيَّةٍ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَأَوْقَفَهَا
عَلَيْهَا فِي الْعُيُونِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
بَابُ الطَّلَاقِ) .
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَمَلَ الْعِبَارَةَ الْأُولَى عَلَى الْغَالِبِ
لَانْدَفَعَ) بِأَنْ يُقَالَ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ
دُونَ غَيْرِهِ أَيْ غَالِبًا فَيُوَافِقُ قَوْلُهُ: لِغَلَبَةِ
الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ
تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ
فِيهَا عَلَى الْأَصْلِ الْوَضْعِيِّ فَتَخَصَّصَتْ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ
أَيْ بِسَبَبِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ اخْتَصَّتْ بِالطَّلَاقِ عُرْفًا
فَمَعْنَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْعُرْفِيُّ
الَّذِي غَلَبَ عَلَى الْأَصْلِ الْوَضْعِيِّ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا
تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ غَالِبًا، وَفِي غَيْرِهِ نَادِرًا حَتَّى
يُنَافِيَ قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ
حَسَنٌ) وَجْهُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ أَضَافَ
الْآخَرَ إلَى ثَلَاثٍ مَعْهُودَةٍ وَمَعْهُودِيَّتُهَا بِوُقُوعِهَا
بِخِلَافِ الْمُنَكَّرِ اهـ.
لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى تَعْرِيفِ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ
طَلَّقْتُك آخِرَ الثَّلَاثِ وَاَلَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي نَوْعٍ
فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الثَّلَاثُ أَوْ الْوَاحِدَةُ
بِتَنْكِيرِ الثَّلَاثِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَعَلَّلَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ
لِأَنَّهُ الثَّالِثُ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَقَدُّمِ مِثْلَيْهِ
عَلَيْهِ وَعَلَّلَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ
أَخْبَرَ عَنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ، وَفِي الثَّانِي وَصْفُ
الْمَرْأَةِ بِكَوْنِهَا آخِرَ الثَّلَاثِ بَعْدَ الْإِيقَاعِ وَهِيَ لَا
تُوصَفُ بِذَلِكَ فَبَقِيَ أَنْتِ طَالِقٌ وَبِهِ يَقَعُ الْوَاحِدُ اهـ.
وَكَذَا رَأَيْته مُنَكَّرًا فِي الصُّورَتَيْنِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة،
وَالذَّخِيرَةِ، وَالْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ
حَصْرِ الصَّرِيحِ) تَعْرِيضٌ بِمَا فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ
قَالَ: فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ. . . إلَخْ، وَلِذَا قَالَ
فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُ الْحَمْلِ أَنْ لَا صَرِيحَ سِوَى ذَلِكَ وَلَيْسَ
بِمُرَادٍ فَسَيَذْكُرُ مِنْهُ التَّطْلِيقَ بِالْمَصْدَرِ، وَلَفْظُ
الْكَنْزِ أَحْسَنُ لِإِشْعَارِ الْكَافِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ قَالَ فِي
النَّهْرِ: وَأَقُولُ: عِبَارَةَ الْقُدُورِيِّ فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ:
أَنْتِ طَالِقٌ. . . إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَنْتِ الطَّلَاقُ. . . إلَخْ
وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ وَقَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ
أَنَّ مِنْهُ شِئْت وَرَضِيت طَلَاقَك وَوَهَبْته لَك وَكَذَا أَوْدَعْتُك
وَرَهَنْتُك وَخُذِي فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى قَوْلِهَا
أَخَذْت كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ
الصَّرِيحَ يَكُونُ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ، وَالْمَصْدَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ
إذْ الْوُقُوعُ فِيمَا ادَّعَاهُ إنَّمَا هُوَ بِالْمَصْدَرِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: ظَاهِرُهُ
أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِعَدِّهِ إيَّاهُ مِنْ الصَّرِيحِ
مَعَ إنْ شِئْت طَلَاقَك وَرَضِيت طَلَاقَك لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْهَا
كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ
شِئْت فَقَالَتْ شِئْت إنْ شِئْت وَذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ أَيْضًا فِي
ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَكِنْ سَاقَ فِي قَوْلِهِ شِئْت طَلَاقَك قَوْلَيْنِ
فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَرَاجِعْهُ
(3/270)
وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَلَيْسَ مِنْهُ أُطَلِّقُك بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ إلَّا إذَا
غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَمَّنْ قَالَ
لِجَمَاعَةٍ: كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ فَلْيُصَفِّقْ
بِيَدَيْهِ فَصَفَّقُوا طُلِّقْنَ وَقِيلَ لَا، وَفِيهَا قَالَتْ لَهُ
طَلِّقْنِي فَقَالَ أُطَلِّقُك وَقَعَ عِنْدَ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ
وَمِنْهُ الْأَلْفَاظُ الْمُصَحَّفَةُ وَهِيَ خَمْسَةٌ: تَلَاقٌ وَتَلَاغٌ
وَطَلَاغٌ وَطَلَاك وَتَلَاك فَيَقَعُ قَضَاءً وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا
أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِأَنْ قَالَ امْرَأَتِي
تَطْلُبُ مِنِّي الطَّلَاقَ وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ فَأَقُولُ: هَذَا وَلَا
فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ، وَالْجَاهِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمِنْهُ
ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عَلَيْك طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَكَذَا لَوْ قَالَ
لِعَبْدِهِ: الْعَتَاقُ عَلَيْك يَعْتِقُ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيْك
هَذَا الْعَبْدُ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت يَكُونُ بَيْعًا كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ قَالَ عَلَيْك الطَّلَاقُ
أَوْ لَك اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ وَلَيْسَ مِنْهُ لِلَّهِ عَلَيَّ طَلَاقُ
امْرَأَتِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَاخْتَلَفُوا
فِيمَا لَوْ قَالَ طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ
أَوْ فَرْضٌ قِيلَ يَقَعُ فِي الْكُلِّ بِلَا نِيَّةٍ وَقِيلَ لَا، وَإِنْ
نَوَى وَقِيلَ نَعَمْ بِالنِّيَّةِ وَصَحَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي
شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَدَمَهُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَحَّحَ
فِي الْوَاقِعَاتِ الْوُقُوعَ فِي الْكُلِّ وَفَرَّقَ الْفَقِيهُ أَبُو
جَعْفَرٍ فَأَوْقَعَ فِي وَاجِبٍ وَنَفَى فِي غَيْرِهِ كَذَا فِي
الْخَانِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ الْمُخْتَارُ الْوُقُوعُ فِي
الطَّلَاقِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ
ثَابِتًا بَلْ حُكْمُهُ وَحُكْمُهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ
الْوُقُوعِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَتَاقِ، وَفِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ.
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهُ اقْتِضَاءٌ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ
إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ عُرْفٌ فَاشٍ فَيَصِيرُ صَرِيحًا فَلَا
يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
اللَّهِ تَعَالَى إنْ قَصَدَهُ وَقَعَ وَإِلَّا لَا فَإِنَّهُ يُقَالُ
هَذَا الْأَمْرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ بِمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَهُ لَا
إنِّي فَعَلْته فَكَأَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ أُطَلِّقَك اهـ.
، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ
فِي الْأَصْلِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْوُقُوعِ،
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ تُعُورِفَ فِي عُرْفِنَا فِي الْحَلِفِ
الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا يُرِيدُ إنْ فَعَلْته لَزِمَ
الطَّلَاقُ وَوَقَعَ فَوَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صَارَ
بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَذَا
تَعَارَفَ أَهْلُ الْأَرْيَافِ الْحَلِفَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَالِ) قَالَ
الرَّمْلِيُّ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْوُقُوعُ بِقَوْلِهِ تَكُونِي طَالِقًا
أَوْ تَكُونُ طَالِقًا إذْ هُوَ الْغَالِبُ فِي كَلَامِ أَهْلِ بِلَادِنَا
تَأَمَّلْ اهـ.
وَقَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ كَانَ جَوَابًا
لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ عِنْدَ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ كَأَنَّهُ
لِأَنَّ سُؤَالَهَا إيَّاهُ قَرِينَةٌ مُعَيِّنَةٌ لِلْحَالِ لَكِنْ
يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا قَرَنَهُ
بِحَرْفِ التَّنْفِيسِ إلَّا إذَا نَوَاهُ فَتَكُونُ السِّينُ لِمُجَرَّدِ
التَّأْكِيدِ نَحْوُ {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5]
.
(قَوْلُهُ: يُرِيدُ إنْ فَعَلْته لَزِمَ الطَّلَاقُ) أَيْ فَهُوَ فِي
مَعْنَى الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ
بِالْوُقُوعِ بِشَرْطِ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا مُطْلَقًا
وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ غَيْرَ صَرِيحٍ لَكِنَّهُ فِي
الْعُرْفِ مُلَاحَظٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَصْلِ
التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة فِي نَوْعٍ فِي ذِكْرِ
مَسَائِلِ الشَّرْطِ، وَفِي الْحَاوِي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ
فِيمَنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ، فَقَالَ عَبْدُهُ
حُرٌّ إنَّهُ قَدْ صَلَّاهَا، وَقَدْ صَلَّاهَا، وَقَدْ تَعَارَفُوا
شَرْطًا فِي لِسَانِهِمْ هَذَا قَالَ أَجْرَى أَمْرَهُمْ عَلَى الشَّرْطِ
عَلَى تَعَارُفِهِمْ كَقَوْلِهِ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت
الْغَدَاةَ وَصَلَّاهَا لَمْ يَعْتِقْ كَذَا هُنَا اهـ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى الْقَسَمِ مِثْلُ وَاَللَّهِ
فَعَلْت كَذَا وَعَلَيْهِ جَرَى الْحَنَابِلَةُ (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ أَنْ
يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا
سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ
حَرَامٌ، أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ حَيْثُ قَالَ
الْمُتَأَخِّرُونَ: وَقَعَ بَائِنًا بِلَا نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ
الِاسْتِعْمَالِ بِالْعُرْفِ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ
الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ الْحَرَامُ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَفْعَلُ كَذَا
لَمْ أَجِدْهُ فِي كَلَامِهِمْ، وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ قَالَ طَلَاقُك
عَلَيَّ لَا يَقَعُ، وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ
الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مِصْرِنَا وَرِيفِنَا: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي،
وَالْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَعَلَيَّ الْحَرَامُ
قَالَ فِي الْمُخْتَارَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ يَكُونُ
يَمِينًا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّهِيدُ
فِي وَاقِعَاتِهِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ الْأُوزْجَنْدِيُّ
وَكَانَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ يَقُولُ إنَّ الْكَلَامَ يَبْطُلُ
وَلَا يُجْعَلُ هَذَا يَمِينًا اهـ.
وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ، وَقَدْ ظَفِرَ بِهِ شَيْخُنَا مُصَرَّحًا بِهِ
فِي كَلَامِ الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي
وَنَصُّهُ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ لَازِمٌ لِي صَرِيحٌ لِأَنَّهُ
يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ طَلَاقُهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَكَذَا قَوْلُهُ:
عَلَيَّ الطَّلَاقُ اهـ.
وَنَقَلَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى
الْجَوَاهِرِ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ اهـ.
قُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي
طَلَاقِك عَلَيَّ وَاجِبٌ وَنَحْوُهُ هُنَا إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ
طَلَاقِك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ وَبَيْنَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ
الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي فَتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوُقُوعَ
فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ بِسَبَبِ كَوْنِهِ فِي
مَعْنَى إنْ فَعَلْت كَذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ كَمَا
أَفَادَهُ كَلَامُ الْكَمَالِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: عَلَيَّ
الطَّلَاقُ فَقَطْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ
إنْ فَعَلْت كَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُدَيَّنَ إنْ أَرَادَ
التَّعْلِيقَ لَا التَّنْجِيزَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا تَعَارَفَ أَهْلُ
الْأَرْيَافِ) أَيْ الْفَلَّاحُونَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرِّيفُ
بِالْكَسْرِ: أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ وَخِصْبٌ وَمَا قَارَبَ الْمَاءَ مِنْ
أَرْضِ الْعَرَبِ، وَفِي حَوَاشِي الْمِنَحِ لِلرَّمْلِيِّ
(3/271)
لَا أَفْعَلُ فَإِنْ قُلْت الْكِتَابَةُ
مِنْ الصَّرِيحِ أَوْ مِنْ الْكِنَايَةِ قُلْت إنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ
الرَّسْمِ مُعَنْوَنَةً فَهِيَ صَرِيحٌ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ، وَإِنْ
كَتَبَ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ فَلَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً
وَكَذَا لَا يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ:
مِنْ فَصْلِ الِاخْتِيَارِ قَالَ لِلْكَاتِبِ اُكْتُبْ إنِّي إذَا خَرَجْت
مِنْ الْمِصْرِ بِلَا إذْنِهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَلَمْ تَتَّفِقْ
الْكِتَابَةُ وَتَحَقُّقَ الشَّرْطِ وَقَعَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ
بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إقْرَارٌ كُتِبَ أَمْ لَا اهـ.
وَمِنْهُ كُونِي طَالِقًا أَوْ أَطْلِقِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: لِأَمَتِهِ كَوْنِي حُرَّةً تَعْتِقُ كَمَا فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْهُ أَخْبَرَهَا بِطَلَاقِهَا بَشِّرْهَا
بِطَلَاقِهَا احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا أَخْبِرْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ
قُلْ لَهَا إنَّهَا طَالِقٌ فَتَطْلُقُ لِلْحَالِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى
وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا وَلَا عَلَى قَوْلِ الْمَأْمُورِ ذَلِكَ وَلَوْ
قَالَ قُلْ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ لَهَا
الْمَأْمُورُ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ اُكْتُبْ لَهَا طَلَاقَهَا فَيَنْبَغِي
أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ احْمِلْ إلَيْهَا
طَلَاقَهَا أَوْ اُكْتُبْ إلَى امْرَأَتِي أَنَّهَا طَالِقٌ كَذَا فِي
الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ مِنْهُ نِسَاءُ الْعَالَمِ أَوْ الدُّنْيَا
طَوَالِقُ فَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِخِلَافِ نِسَاءِ هَذِهِ
الْبَلْدَةِ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ، وَفِيهَا امْرَأَتُهُ
طَلُقَتْ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ نِسَاءُ بَغْدَادَ طَوَالِقُ، وَفِيهَا
امْرَأَتُهُ لَا تَطْلُقُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ كَذَا فِي
الْخَانِيَّةِ وَجَزَمَ بِالْوُقُوعِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي نِسَاءِ
الْمَحَلَّةِ، وَالدَّارِ، وَالْبَيْتِ وَجَعَلَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ
فِي نِسَاءِ الْقَرْيَةِ وَمِنْهُ أَنْت طَالِقٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ
أَوْ الْقُضَاةِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ قَوْلِ فُلَانٍ
الْقَاضِي أَوْ الْمُفْتِي فَتَطْلُقُ قَضَاءً وَلَا تَطْلُقُ دِيَانَةً
إلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمِنْهُ أَنْتِ مِنَى
ثَلَاثًا.
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ مِنْهُ أَحْسِبُهَا
مُطَلَّقَةً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ
لَوْ قَالَ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا لَا يَقَعُ كَمَا
فِي الْبَزَّازِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
سَأَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي
الرُّومِ عَمَّا صُورَتُهُ مَا قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي رَجُلٍ
قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ
أَوْ كِنَايَةٌ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا وَسَأَلَ
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا عَمَّا صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - فِي زَيْدٍ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ
ثَلَاثًا لَا أُشَغِّلُ عَمْرًا وَبَكْرًا عِنْدِي فَإِذَا أَشْغَلَهُمَا
بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا
فَأَجَابَ بِمَا صُورَتُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ
أَوْ لَازِمٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ ثَابِتٌ قِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً
نَوَى أَوْ لَا، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْوُقُوعِ وَلَوْ قَالَ طَلَاقٌ
عَلَيَّ لَا وَلَوْ قَالَ عَلَيْك الطَّلَاقُ يَقَعُ إذَا نَوَى اهـ.
كَلَامُ الرَّمْلِيِّ لَكِنْ قَالَ فِي الْمِنَحِ: فِي دِيَارِنَا صَارَ
الْعُرْفُ فَاشِيًّا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّلَاقِ لَا يَعْرِفُونَ
مِنْ صِيَغِ الطَّلَاقِ غَيْرَهُ فَيَجِبُ الْإِفْتَاءُ بِهِ مِنْ غَيْرِ
نِيَّةٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْحَرَامِ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ
الْحَرَامُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ لِلتَّعَارُفِ
الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ وَإِفْتَاءُ أَبِي السُّعُودِ مَبْنِيٌّ
عَلَى عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي دِيَارِهِمْ فِي الطَّلَاقِ أَصْلًا كَمَا
لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ.
. . إلَخْ) تَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ أَنَّ
قَوْلَهُ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ إنْ نَوَى السُّنَّةَ
يُدَيَّنُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ أَيْ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي
الْحَالِ قَضَاءً، وَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ فَفِي أَوْقَاتِهَا (قَوْلُهُ:
وَمِنْهُ أَنْتِ مِنِّي ثَلَاثًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي
التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت
مِنِّي ثَلَاثًا إنْ نَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ
الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ الْحَالُ مُذَاكَرَةَ الطَّلَاقِ،
وَإِذَا قَالَ لَهَا تُوسِهِ وَنَوَى الطَّلَاقَ قَالَ يَقَعُ (قَوْلُهُ:
وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ. . . إلَخْ) اُعْتُرِضَ
عَلَيْهِ بِأَنَّ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ
الْوُقُوعِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ فَائِدَةُ
التَّقْيِيدِ بِالْخِطَابِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ
خُصُوصَ الْخِطَابِ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ مَا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْهُ أَوْ
مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِضَافَةِ وَذَكَرَ الِاسْمَ بِدَلِيلِ مَا
يَأْتِي اهـ.
وَهَذَا الْجَوَابُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ لَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ
مُرَادًا لِلْمُؤَلِّفِ مَا يَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ
قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ مِنْ قَوْلِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ
إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهَا
لَكِنَّ وُقُوعَهُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ
أَنْ يَقْصِدَهَا بِالْخِطَابِ. . . إلَخْ هَذَا، وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ
الْمُحِيطِ رَجُلٌ دَعَتْهُ جَمَاعَةٌ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَقَالَ إنِّي
حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنِّي لَا أَشْرَبُ وَكَانَ كَاذِبًا فِيهِ ثُمَّ
شَرِبَ طَلُقَتْ، وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ لَا تَطْلُقُ دِيَانَةً اهـ.
أَيْ فَقَوْلُهُ: طَلُقَتْ أَيْ قَضَاءً وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ
أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا وَقَعَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً
وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَ الْبَزَّازِيَّةِ هُنَا لَا يَقَعُ أَيْ قَضَاءً
فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِهَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ
عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ أَعْقَبَهَا بِعِبَارَةِ الْقُنْيَةِ
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ
مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى إنْشَاءِ الْحَلِفِ لَا عَلَى
الْإِخْبَارِ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى الْإِخْبَارِ لِقَوْلِهِ وَكَانَ
كَاذِبًا فِيهِ لَكِنْ بَعْدَ هَذَا يَرُدُّ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ
أَنَّ قَوْلَهُ إنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ يَحْتَمِلُ الْحَلِفَ بِطَلَاقِ
امْرَأَةٍ أُخْرَى إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ
امْرَأَةٌ غَيْرَهَا فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقٍ مُضَافٍ إلَيْهَا
وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ لَهُ غَيْرَهَا وَإِلَّا
لَا يُصَدَّقُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ
لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ وَلَهُ امْرَأَةٌ
مَعْرُوفَةٌ طَلُقَتْ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى
وَإِيَّاهَا عَنَيْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقِيمَ
الْبَيِّنَةَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ
(3/272)
مِنْ الْأَيْمَانِ وَعِبَارَتُهَا قَالَ
لَهَا: لَا تَخْرُجِي مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنِّي حَلَفْت
بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ ذِكْرِ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا
وَيُحْتَمَلُ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ.
وَذِكْرُ اسْمِهَا أَوْ إضَافَتِهَا إلَيْهِ كَخِطَابِهِ كَمَا بَيَّنَّا
فَلَوْ قَالَ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ مَنْ عَنَيْت فَقَالَ امْرَأَتِي
طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَةٌ طَالِقٌ أَوْ قَالَ طَلَّقْت
امْرَأَةً ثَلَاثًا وَقَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ امْرَأَتِي يُصَدَّقُ، وَلَوْ
قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ، وَامْرَأَتُهُ عَمْرَةُ، وَقَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ
امْرَأَتِي طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَكَذَا لَوْ
قَالَ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ ذَكَرَ اسْمَ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ
الْمَرْأَةِ وَامْرَأَتُهُ بِنْتُ فُلَانٍ وَقَالَ لَمْ أَعْنِ امْرَأَتِي
لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَكَذَا لَوْ لَمْ
يَنْسُبْهَا إلَى أَبِيهَا وَإِنَّمَا نَسَبَهَا إلَى أُمِّهَا أَوْ
وَلَدِهَا تَطْلُقُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
أَوْ نَسَبَهَا إلَى أُخْتِهَا.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا رَجُلٌ قَالَ امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ
صُبَيْحٍ طَالِقٌ وَامْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ حَفْصٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ
لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ كَانَ صُبَيْحٌ زَوْجَ أُمِّ امْرَأَتِهِ
وَكَانَتْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَهِيَ فِي حِجْرِهِ فَقَالَ ذَلِكَ وَهُوَ
يَعْلَمُ نَسَبَ امْرَأَتِهِ أَوْ لَا يَعْلَمُ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَا
يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا
يَقَعُ إنْ كَانَ يَعْرِفُ نَسَبَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ يَقَعُ
دِيَانَةً، وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ طَلُقَتْ
قَضَاءً وَدِيَانَةً وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ الْحَبَشِيَّةُ طَالِقٌ
وَامْرَأَتُهُ لَيْسَتْ بِحَبَشِيَّةٍ لَا يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ
امْرَأَةُ بَصِيرَةٌ فَقَالَ امْرَأَتُهُ هَذِهِ الْعَمْيَاءُ طَالِقٌ
وَأَشَارَ إلَى الْبَصِيرَةِ تَطْلُقُ الْبَصِيرَةُ وَلَا تُعْتَبَرُ
التَّسْمِيَةُ وَلَا الصِّفَةُ مَعَ الْإِشَارَةِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَتْ النِّسْبَةُ وَغَيَّرَ
اسْمَهَا بِغَيْرِهِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ
بِالتَّسْمِيَةِ مَتَى بَدَّلَ اسْمَهَا لِأَنَّ بِذَلِكَ الِاسْمِ تَكُونُ
امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَلَوْ بَدَّلَ اسْمَهَا وَأَشَارَ إلَيْهَا
يَقَعُ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي بِنْتُ صُبَيْحٍ أَوْ بِنْتُ
فُلَانٍ الَّتِي فِي وَجْهِهَا خَالٌ طَالِقٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا خَالٌ
وَكَذَا الَّتِي هِيَ عَمْيَاءُ أَوْ زَمْنَى وَهِيَ بَصِيرَةٌ صَحِيحَةٌ
طَالِقٌ طَلُقَتْ وَذِكْرُ الْعَمَى، وَالزَّمَنِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَرَفَ
امْرَأَتَهُ بِالنِّسْبَةِ وَوَصَفَهَا بِصِفَةٍ فَصَحَّ التَّعْرِيفُ
وَلَغَتْ الصِّفَةُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي عَمْرَةُ أُمُّ وَلَدِي هَذِهِ
الْجَالِسَةُ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ، وَالْجَالِسَةُ غَيْرُهَا
وَلَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ سَمَّاهَا وَأَشَارَ،
وَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ لَا لِلتَّسْمِيَةِ اهـ.
وَمِنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ أَنْت
ثُمَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ لَا
غَيْرُ لِأَنَّهُ مَا أَوْصَلَ الْإِيقَاعَ إلَّا بِالرَّابِعَةِ لِأَنَّ
كَلِمَةَ ثُمَّ تَقْطَعُ الْوَصْلَ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْوَاوِ وَقَعَ عَلَى الْكُلِّ
لِأَنَّهَا لِلْوَصْلِ وَالْجَمْعِ، وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ
الْوَاوَ كَذَلِكَ وَعِبَارَتُهَا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً
وَوَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ يَقَعُ
ثِنْتَانِ، وَفِي الْفَتَاوَى وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: وَأَنْتِ
لِامْرَأَةٍ أُخْرَى يَقَعُ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
وَأَنْتُمَا لِلْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ يَقَعُ عَلَى الْأُولَى ثِنْتَانِ
وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ لَا بَلْ
أَنْت يَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ ثَانِيًا أَنْتِ لِلْأُخْرَى لَا
يَقَعُ بِدُونِ النِّيَّةِ فَأَمَّا وَأَنْتِ تَقَعُ وَاحِدَةً كَقَوْلِهِ
هَذِهِ طَالِقٌ وَهَذِهِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَ هَذِهِ وَهَذِهِ
طَالِقٌ طَلُقَتَا، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ هَذِهِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ
الْأُولَى إلَّا أَنْ يَقُولَ طَالِقَانِ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ
هَذِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْأُخْرَى بِدُونِ النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَ
لَهُنَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ
وَكَذَا بِحَرْفِ الْوَاوِ وَلَوْ قَالَ طَوَالِقُ طُلِّقْنَ وَلَوْ
قَدَّمَ الطَّلَاقَ طَلِّقْنَ وَلَوْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ مَعَك لَمْ
يَقَعْ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ.
وَسَيَأْتِي مَا إذَا نَادَى امْرَأَتَهُ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، وَفِي
وَضْعٍ آخَرَ مِنْهَا لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ
وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ طَلُقَتْ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ لِي
امْرَأَةٌ أُخْرَى وَإِيَّاهَا عَنَيْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ
يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ
امْرَأَتَانِ كِلْتَاهُمَا مَعْرُوفَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ
الطَّلَاقَ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ
الْأَيْمَانِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ
أَوْ أَكْثَرُ طَلُقَتْ وَاحِدَةٌ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ.
وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَمَضَتْ عِدَّتُهَا
ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ
لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِي: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ
وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّسْمِيَةِ) كَذَا فِي
بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالنِّسْبَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ
(3/273)
أُخْرَى، وَالدَّيْنُ لَهَا كَانَ
الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَوْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهَا عَلَيَّ
أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالطَّلَاقُ، وَالدَّيْنُ لِلْمَعْرُوفَةِ وَلَا
يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهَا وَكَذَا لَوْ بَدَأَ بِالْمَالِ
فَقَالَ لِامْرَأَتِي عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهِيَ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ
امْرَأَتِي طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِي عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ
ثُمَّ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى وَإِيَّاهَا عَنَيْت صُدِّقَ فِي
الْمَالِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ
لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَقَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ
ثَانِيًا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَا يُقْبَلُ وَكَذَا
لَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ
الْعِتْقُ وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا فَقَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ
امْرَأَتِي طَالِقٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَيْنِ عَلَى
إحْدَاهُمَا اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ فُلَانَةُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ بِاسْمِهَا
إنْ نَوَى امْرَأَتَهُ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ فُلَانَةَ اسْمٌ
مُشْتَرَكٌ يَتَنَاوَلُ امْرَأَتَهُ، وَالْأَجْنَبِيَّةَ وَأَطْلَقَ
اللَّامَ فِي طَالِقٍ فَشَمِلَ مَا إذَا فَتَحَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ
لِأَنَّهُ مِمَّا يَجْرِي عَلَى لِسَانِ النَّاسِ خُصُوصًا فِي الْغَضَبِ،
وَالْخُصُومَةِ فَلَوْ كَانَ تُرْكِيًّا وَقَالَ أَرَدْت بِهِ الطِّحَالَ،
وَفِي التُّرْكِيَّةِ: يُقَالُ لِلطِّحَالِ طَالِقٌ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً
كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَلَوْ حَذَفَ الْقَافَ مِنْ طَالِقٍ فَقَالَ أَنْت طَالَ فَإِنْ كَسَرَ
اللَّامَ وَقَعَ بِلَا نِيَّةٍ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِي مُذَاكَرَةِ
الطَّلَاقِ، وَالْغَضَبِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ
كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالَ
لَمْ يَقَعْ إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ
أَوْ الْغَضَبِ وَلَوْ قَالَ يَا طَالِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَقَعَ
الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ حَذَفَ اللَّامَ فَقَطْ فَقَالَ أَنْتِ
طَاقَ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى وَلَوْ حَذَفَ اللَّامَ، وَالْقَافَ بِأَنْ
قَالَ أَنْتِ طَا وَسَكَتَ أَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ فَمَه لَا يَقَعُ، وَإِنْ
نَوَى لِأَنَّ الْعَادَةَ مَا جَرَتْ بِحَذْفِ حَرْفَيْنِ مِنْ آخِرِ
الْكَلَامِ وَأَطْلَقَ فِي طَالِقٍ وَمُطَلَّقَةٌ فَشَمِلَ مَا إذَا
سَمَّاهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّاهُ حُرٌّ أَوْ
نَادَاهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُرَّ اسْمٌ صَالِحٌ فَصَحَّتْ
التَّسْمِيَةُ بِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِبَعْضِ النَّاسِ وَأَمَّا
الْمُطَلَّقَةُ، وَالطَّالِقُ فَلَيْسَ اسْمًا صَالِحًا فَلَا تَصِحُّ
التَّسْمِيَةُ كَذَا ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ فِي التَّلْقِيحِ وَهُوَ
ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ
وَاعْتَمَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرُوِيَ فِيهِ أَثَرًا عَنْ عُمَرَ -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ
الْمَرْأَةُ أَنَا طَالِقٌ فَقَالَ الزَّوْجُ نَعَمْ كَانَتْ طَالِقًا إنْ
نَوَى بِهِ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخَبَرَ عَمَّا
مَضَى وَقَعَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ لَهُ أَنَا طَالِقٌ فَقَالَ
نَعَمْ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي فَقَالَ نَعَمْ لَا، وَإِنْ
نَوَى اهـ.
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ هَلْ: امْرَأَتُك إلَّا طَالِقٌ فَقَالَ الزَّوْجُ
لَا: تَطْلُقُ وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ
صَارَ قَائِلًا لَيْسَ امْرَأَتِي إلَّا طَالِقٌ، وَفِي الثَّانِي صَارَ
قَائِلًا نَعَمْ امْرَأَتِي غَيْرُ طَالِقٍ اهـ.
وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَسْت طَلَّقْتهَا فَقَالَ
بَلَى طَلَّقْت وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَا تَطْلُقُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي
عَدَمُ الْفَرْقِ فَإِنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُسَمِّ بِاسْمِهَا) أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظَ
فُلَانَةَ الْمُكَنِّي بِهِ عَنْ الْعَلَمِ لَا الِاسْمِ الْعَلَمِ كَمَا
يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَذَفَ
الْقَافَ مِنْ طَالِقٍ. . . إلَخْ) وَجْهُ الْوُقُوعِ بِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ اخْتِيَارًا
فِي النِّدَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ اضْطِرَارًا فِي الشِّعْرِ قَالَ فِي
النَّهْرِ وَأَقُولُ: التَّرْخِيمُ لُغَةً يُقَالُ عَلَى مُطْلَقِ
الْحَذْفِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ
الْمُرَادُ هُنَا اهـ.
فَتَأَمَّلْهُ قُلْت، وَفِي كِنَايَاتِ الْفَتْحِ، وَالْوَجْهُ إطْلَاقُ
التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِلَا قَافٍ لَيْسَ
صَرِيحًا بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا
التَّرْخِيمُ لُغَةً جَائِزٌ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ فَانْتَفَى لُغَةً
وَعُرْفًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً مَعَ الْيَمِينِ هَذَا فِي حَالَةِ الرِّضَا
وَعَدَمِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَمَّا فِي أَحَدِهِمَا فَيَقَعُ قَضَاءً
أَسْكَنَهَا أَوْ لَا، وَفِيهِ أَيْضًا النَّظَرُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ
إيقَاعٌ بِلَا لَفْظٍ لَهُ وَلَا لِأَعَمَّ مِنْهُ لِيَكُونَ كِنَايَةً
لَيْسَ بِمَجَازٍ فِيهِ وَهَذَا الْبَحْثُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ
أَصْلًا، وَإِنْ نَوَى وَمِثْلُ هَذَا الْبَحْثِ يَجْرِي فِي التَّطْلِيقِ
بِالتَّهَجِّي كَأَنْتِ ط ل ق لِأَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا وَلَا كِنَايَةً
لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا يَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ وَأَوْضَاعُ هَذِهِ
الْمُسَمَّيَاتِ هِيَ حُرُوفٌ وَلِذَا لَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ
تَهَجِّيًا لَا يَجِبُ السُّجُودُ لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْآنًا وَلَا
مُخَلِّصَ إلَّا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي
الصَّرِيحِ، وَالِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِكَوْنِ اللَّفْظِ دَالًّا عَلَيْهِ
وَضْعًا أَوْ عُرْفًا وَحِينَئِذٍ يَقَعُ بِالتَّهَجِّي فِي الْقَضَاءِ
وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ النِّيَّةِ وَكَذَا بِطَالٍ بِلَا قَافٍ اهـ.
(قَوْلُهُ:، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ
عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ سَمَّى امْرَأَتَهُ مُطَلَّقَةً قَالَ
سَمَّيْتُك مُطَلَّقَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لَا فِيمَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي الْقَضَاءِ، وَفِيهَا مِنْ
الْعَتَاقِ رَجُلٌ أَشْهَدَ أَنَّ اسْمَ عَبْدِهِ حُرٌّ دَعَاهُ بِالْحُرِّ
لَا يَعْتِقُ اهـ.
وَنَقَلَهُ عَنْهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى آخِرِ عِبَارَتِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا
فِي الْعِتْقِ لَوْ سَمَّاهَا طَالِقًا ثُمَّ نَادَاهَا بِهِ لَا تَطْلُقُ.
وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ امْرَأَةً
قَالَتْ لِزَوْجِهَا سَمِّنِي فَسَمَّاهَا الطَّيِّبَةَ، فَقَالَتْ مَا
قُلْت شَيْئًا، فَقَالَ هَاتِ مَا أُسَمِّيك بِهِ فَقَالَتْ سَمِّنِي
خَلِيَّةً طَالِقًا قَالَ فَأَنْتِ خَلِيَّةٌ طَالِقٌ فَجَاءَتْ عُمَرَ -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي
فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصَّ الْقِصَّةَ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا،
وَقَالَ خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا اهـ.
وَذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ هُنَا فِي كِتَابِ
الْإِعْتَاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي فَرَاجِعْهُ
إنْ شِئْت.
(3/274)
أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُفَرِّقُونَ بَلْ
يَفْهَمُونَ مِنْهُمَا إيجَابَ الْمَنْفِيِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ أَوْ
الْإِبَانَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الصَّرِيحِ
وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ وَلَا تَصِحُّ
نِيَّةُ الْإِبَانَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] بَعْدَ صَرِيحِ طَلَاقِهِ الْمُفَادِ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228]
فَعُلِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ يَسْتَعْقِبُهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ بِالْبُعُولَةِ فِي الْآيَةِ الْمُطَلِّقُونَ صَرِيحًا
حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى إثْبَاتِ كَوْنِ
الْمُطَلِّقِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا بَعْلًا حَقِيقَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ
أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَإِنَّهُ أَعْقَبَهُ
الرَّجْعَةَ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ بِالْإِمْسَاكِ، وَفِي
الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ لِي
عَلَيْك فَرَجْعِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك
فَبَائِنٌ اهـ.
أَطْلَقَ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ تَسْمِيَةِ
مَالٍ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَاءٍ أَوْ عِنْدَ وَصْفِهِ بِمَا يُنْبِئُ
عَنْ الشِّدَّةِ أَوْ عِنْدَ تَقَدُّمِ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَيْسَ مِنْهُ
فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ
الصَّرِيحِ فَالْمُرَادُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَارِضِ، وَفِي هَذِهِ
الْمَوَاضِعِ الْبَيْنُونَةُ لِلْعَارِضِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَاخْتَارَ الثَّانِي فِي الْبَدَائِعِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ
فَقَالَ: الصَّرِيحُ نَوْعَانِ صَرِيحٌ رَجْعِيٌّ وَصَرِيحٌ بَائِنٌ
فَالصَّرِيحُ الرَّجْعِيُّ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ
حَقِيقَةً لَيْسَ مَقْرُونًا بِعِوَضٍ وَلَا بِعَدَدِ الثَّلَاثِ لَا
نَصًّا وَلَا إشَارَةً وَلَا مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ تُنْبِئُ عَنْ
الْبَيْنُونَةِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَلَا
مُشَبَّهٍ بِعَدَدٍ أَوْ صِفَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَأَمَّا الصَّرِيحُ
الْبَائِنُ فَبِخِلَافِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحُرُوفِ الْإِبَانَةِ أَوْ
بِحُرُوفِ الطَّلَاقِ لَكِنْ قَبْلَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً أَوْ بَعْدَهُ
لَكِنْ مَقْرُونًا بِعَدَدِ الثَّلَاثِ نَصًّا أَوْ إشَارَةً أَوْ
مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ تُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهَا
مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ أَوْ مُشَبَّهًا بِعَدَدٍ أَوْ صِفَةٍ
تَدُلُّ عَلَيْهَا اهـ.
وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ حَدَّ الصَّرِيحِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَأَمَّا
عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّةِ الْإِبَانَةِ فَلِأَنَّهُ نَوَى تَغْيِيرَ
الشَّرْعِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ الْبَيْنُونَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ
مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذَا نَوَى
إثْبَاتَهَا لِلْحَالِ مُعَجَّلًا فَقَدْ نَوَى تَغْيِيرَ الشَّرْعِ
وَلَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ الثَّانِي وُقُوعُ
الْوَاحِدَةِ بِهِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْأَكْثَرِ ثِنْتَيْنِ أَوْ
ثَلَاثًا وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: يَقَعُ مَا نَوَى وَهُوَ
قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ لِأَنَّ
ذِكْرَ الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ الْمَصْدَرِ لِأَنَّ الْوَصْفَ
كَالْفِعْلِ جُزْءٌ مَفْهُومُهُ الْمَصْدَرُ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ
اتِّفَاقًا وَلِذَا صَحَّ قِرَانُ الْعَدَدِ بِهِ تَفْسِيرًا حَتَّى
يُنْصَبَ عَلَى التَّمْيِيزِ وَحَاصِلُ التَّمْيِيزِ لَيْسَ إلَّا
تَعْيِينُ أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ وَلِذَا صَحَّتْ نِيَّةُ
الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَهُوَ كِنَايَةٌ فَفِي الصَّرِيحِ
الْأَقْوَى أَوْلَى وَلَنَا أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ مِنْ الْإِخْبَارِ
إلَى إنْشَاءِ الْوَاحِدَةِ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ قَطُّ
لَازِمُ الْإِخْبَارِ وَهُوَ احْتِمَالُ الصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ فَجَعَلَهُ
مُوقَعًا بِهِ مَا شَاءَ اسْتِعْمَالًا فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ
وَمُلَاحَظَةَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمَصْدَرِ إنَّمَا يَتَفَرَّعُ
عَنْ إرَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ وَنَقْلُهُ إلَى الْإِنْشَاءِ
يُبَايِنُهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّفْظَ عِلَّةً لِدُخُولِ الْمَعْنَى
الْخَاصِّ فِي الْوُجُودِ الْمُخَالِفِ لِمُقْتَضَاهُ لُغَةً عَلَى أَنَّ
الْمَصْدَرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ هُوَ الِانْطِلَاقُ
الَّذِي هُوَ وَصْفُهَا وَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّدُ أَصْلًا وَبِهَذَا
يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ إرَادَةِ الثَّلَاثِ فِي مُطَلَّقَةٍ وَطَلَّقْتُك
لِأَنَّهُ صَارَ إنْشَاءً فِي الْوَاحِدَةِ غَيْرَ مُلَاحَظٍ فِيهِ مَعْنَى
اللُّغَةِ وَعَلَى هَذَا فَالْعَدَدُ نَحْوُ ثَلَاثًا لَا يَكُونُ صِفَةً
لِمَصْدَرِ الْوَصْفِ بَلْ لِمَصْدَرِ غَيْرِهِ أَيْ طَلَاقًا أَيْ
تَطْلِيقًا ثَلَاثًا كَمَا يُنْصَبُ فِي الْفِعْلِ مَصْدَرُ غَيْرِهِ
مِثْلُ: {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] أَوْ يُضْمَرُ
لَهُ فِعْلٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِ طَلَّقْتهَا وَطَلِّقِي
نَفْسَك.
لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُحْتَمِلَ لِلْكُلِّ مَذْكُورٌ لُغَةً فَصَحَّ
إرَادَتُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ إلَى إيقَاعِ وَاحِدَةٍ،
وَفِيهِ أَبْحَاثٌ مَذْكُورَةٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ
نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْكِنَايَاتِ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ بِحَقَائِقِهَا
وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَعِنْدَ عَدَمِ
النِّيَّةِ يَثْبُتُ الْأَخَفُّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ قَيَّدَ بِالنِّيَّةِ
لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ
جَعَلْت تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ بَائِنَةً أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ)
سَيَأْتِي لِلْمُؤَلِّفِ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ هَذَا
هُوَ الْمَذْهَبُ قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ:
لَيْسَ مِنْهُ) خَبَرُ إنَّ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الصَّرِيحِ
(قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَارِضِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ
كَوْنِ مَا ذَكَرَ مِنْ الصَّرِيحِ فَالْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ الْوَاقِعِ
بِهِ الرَّجْعِيَّةُ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ تَسْمِيَةِ مَالٍ
وَنَحْوِهِ
(3/275)
جَعَلْتهَا ثَلَاثًا اخْتَلَفَتْ
الرِّوَايَاتُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَصِيرُ
بَائِنًا وَثَلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا تَصِيرُ بَائِنًا وَلَا
ثَلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ جَعْلُهَا بَائِنًا وَلَا
يَصِحُّ جَعْلُهَا ثَلَاثًا وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ
وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَلْزَمْت امْرَأَتِي ثَلَاثَ
تَطْلِيقَاتٍ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ قَالَ أَلْزَمْتهَا
تَطْلِيقَتَيْنِ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ إنْ
أَلْزَمَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ أَلْزَمَهَا
تَطْلِيقَتَيْنِ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ
رَاجَعَهَا ثُمَّ قَالَ جَعَلْت تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ بَائِنَةً لَا
تَصِيرُ بَائِنَةً لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الرَّجْعَةِ وَلَوْ
قَالَ لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنٌ
أَوْ هِيَ ثَلَاثٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ
وَلَا يَكُونُ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْقَوْلَ قَبْلَ
نُزُولِ الطَّلَاقِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ
جَعَلْت هَذِهِ التَّطْلِيقَةَ بَائِنًا أَوْ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا
قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ لَا تَلْزَمُهُ هَذِهِ
الْمَقَالَةُ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا كَذَا فِي
الْخَانِيَّةِ، وَفِي التَّتِمَّةِ: لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ
جَعَلْتهَا بَائِنَةً رَأْسَ الشَّهْرِ قَالَ إنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا فَهِيَ
بَائِنٌ، وَإِنْ رَاجَعَهَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بَائِنًا
وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا رَأْسَ
الشَّهْرِ ثُمَّ رَاجَعَهَا قَالَ تَكُونُ رَأْسَ الشَّهْرِ ثَلَاثًا قَالَ
وَلَيْسَ يُشْبِهُ قَوْلُهُ: جَعَلْتهَا بَائِنًا قَوْلَهُ جَعَلْتهَا
ثَلَاثًا اهـ.
أَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ
الرَّجْعِيَّةَ تَصِيرُ بَائِنَةً بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا
الْوَاحِدَةُ فَلَا تَصِيرُ ثَلَاثًا وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ
فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَهَا بَائِنَةً مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَمْلِكُ
إلْحَاقَهَا بِالْبَائِنَةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْإِبَانَةِ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا كَانَ يَمْلِكُهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَمَعْنَى
جَعْلِ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثًا أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا تَطْلِيقَتَيْنِ
أُخْرَيَيْنِ لَا أَنَّهُ جَعَلَ الْوَاحِدَةَ ثَلَاثًا كَذَا فِي
الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
أَلْبَتَّةَ وَقَعَتْ بَائِنَةً إلَّا إذَا نَوَى تَطْلِيقَةً أُخْرَى
سِوَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُمَا بَائِنَتَانِ اهـ.
الثَّالِثُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ وَنَقَلَ فِيهِ إجْمَاعَ
الْفُقَهَاءِ وَلِأَنَّ احْتِمَالَ إرَادَةِ الطَّلَاقِ عَنْ غَيْرِ قَيْدِ
النِّكَاحِ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ عِنْدَ خِطَابِ الْمَرْأَةِ فَلَا عِبْرَةَ
بِهِ فَصَارَ اللَّفْظُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْنَى، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَمْ
يَسْأَلْهُ أَنَوَى أَمْ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ تَرْكَ
الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ كَالْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ
وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ لِيُفِيدَ
أَنَّهُ لَوْ نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
ثُمَّ قَوْلُنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ
يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا يَقَعُ لَا أَنَّهُ يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى شَيْئًا
آخَرَ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ صُدِّقَ
إلَى آخِرِهِ اهـ.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ الْوِثَاقُ،
وَالْقَيْدُ، وَالْعَمَلُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُذْكَرَ أَوْ
يُنْوَى فَإِنْ ذُكِرَ فَإِمَّا أَنْ يُقْرَنَ بِالْعَدَدِ أَوْ لَا فَإِنْ
قُرِنَ بِالْعَدَدِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَا
نِيَّةٍ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْقَيْدِ
تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ لَمْ يَقْرِنْ بِالْعَدَدِ وَقَعَ فِي ذِكْرِ الْعَمَلِ قَضَاءً لَا
دِيَانَةً نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ كَمَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ:
عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي لَا أَفْعَلُ كَذَا كَمَا يَحْلِفُ بِهِ
بَعْضُ الْعَوَامّ أَنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً بِالْأُولَى، وَفِي لَفْظَيْ
الْوِثَاقِ، وَالْقَيْدِ لَا يَقَعُ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا
مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا نَوَاهَا لَا يُدَيَّنُ فِي لَفْظِ
الْعَمَلِ أَصْلًا وَيُدَيَّنُ فِي الْوِثَاقِ، وَالْقَيْدِ وَيَقَعُ
قَضَاءً إلَّا أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا
بَيَانٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ تَصِيرُ بَائِنًا وَثَلَاثًا (قَوْلُهُ: وَعَدَلَ
الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ. . . إلَخْ) يَعْنِي
إنَّمَا قَالَ: وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ أَوْ الْإِبَانَةَ أَوْ لَمْ
يَنْوِ شَيْئًا وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ، وَإِنْ نَوَى
غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ لِاقْتِضَائِهِ وُقُوعَ الرَّجْعِيَّةِ
فِيمَا لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ
مِنْ ذِرَاعِي. . . إلَخْ) .
قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَدُلُّ
لَا بِالْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا بِالْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ فَرْعَ
الْبَزَّازِيِّ مَصْدَرٌ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ مُعَيِّنٌ لَهَا
بِخِلَافِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَلِذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَا يَقَعُ
عَلَيْهِ الطَّلَاقُ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ
مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ كَمَا يَأْتِي،
وَالْقَائِلُ بِوُقُوعِهِ اعْتَمَدَ عَلَى تَعَارُفِ أَهْلِ دِيَارِهِ بِهِ
عَلَى أَنَّ فِيهِ نَظَرًا ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالْحَالِفُ
بِهِ أَيْ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي لَا يُرِيدُ
الزَّوْجَةَ قَطْعًا إذْ عَادَةُ الْعَوَامّ الْإِعْرَاضُ بِهِ عَنْهَا
خَشْيَةِ الْوُقُوعِ فَيَقُولُونَ تَارَةً عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ
ذِرَاعِي وَتَارَةً مِنْ كشتواني وَتَارَةً مِنْ مُرُوءَتِي وَبَعْضُهُمْ
يَزِيدُ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا خَيْرَ فِيهِنَّ.
وَالْوُقُوعُ بِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ
قَالَ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَهُوَ لَغْوٌ، وَإِنْ نَوَى مُعَلِّلِينَ
بِأَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ بِالنِّكَاحِ، وَالْقَيْدِ
فَمَحَلُّ الطَّلَاقِ بِمَحَلِّهِمَا وَهِيَ مَحَلُّهُمَا دُونَ الرَّجُلِ
فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَإِلَى
مَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَضَافَهُ إلَى مَضْمُونِهَا
مِمَّا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ
فَكَيْفَ يَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى ذِرَاعِهِ أَوْ خَاتَمِهِ أَوْ
مُرُوءَتِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى مَا
كَتَبْنَاهُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ
الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَزِيدَ
وَيَقُولَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا مِنْ ذِرَاعِي
(3/276)
يَكُونَ مُكْرَهًا، وَالْمَرْأَةُ
كَالْقَاضِي إذَا سَمِعَتْهُ أَوْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ لَا يَحِلُّ لَهَا
تَمْكِينُهُ هَكَذَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ وَذَكَرَ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْأُوزْجَنْدِيُّ أَنَّهَا تَرْفَعُ الْأَمْرَ
إلَى الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ يُحَلِّفُهُ فَإِنْ
حَلَفَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي الْبَائِنِ بَيْنَ
الْوَاحِدَةِ، وَالثَّلَاثِ اهـ.
وَهَلْ لَهَا أَنْ تَقْتُلَهُ إذَا أَرَادَ جِمَاعَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا
بِالْبَيْنُونَةِ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ
تَقْتُلَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ تَقْتُلُهُ بِالدَّوَاءِ فَإِنْ
قَتَلَتْهُ بِالسِّلَاحِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ
تَقْتُلَ نَفْسَهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَفْدِيَ نَفْسَهَا بِمَالٍ أَوْ
تَهْرُبَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهَا إذَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَلَا
يَقْدِرُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا بِسَبَبِ أَنَّهُ كُلَّمَا هَرَبَ
رَدَّتْهُ بِالسِّحْرِ الْكُلُّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ
الشِّحْنَةِ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ مَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ
أَنَّهُ هَلْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ إذَا
عَلِمَتْ بِالْبَيْنُونَةِ وَهُوَ يُنْكِرُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ:
وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا الْقَيْدُ وَجَمْعُهُ وُثُقٌ
كَرِبَاطٍ وَرُبُطٌ وَأَفَادَ بِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ
أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ فَلَوْ لَقَّنَتْهُ لَفْظَ
الطَّلَاقِ فَتَلَفَّظَ بِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَعْنَاهُ وَقَعَ قَضَاءً
لَا دِيَانَةً وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا يَقَعُ أَصْلًا صِيَانَةً
لِأَمْلَاكِ النَّاسِ عَنْ الضَّيَاعِ بِالتَّلْبِيسِ كَمَا فِي
الْبَدَائِعِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْعَتَاقُ، وَالتَّدْبِيرُ.
وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْمَهْرِ كَالطَّلَاقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ،
وَالطَّلَاقُ وَمَا مَعَهُ يُقَاسُ عَلَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ،
وَالْإِبْرَاءِ لَا يَصِحَّانِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَعْنَى كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ وَأَفَادَ أَنَّ طَلَاقَ الْهَازِلِ، وَاللَّاعِبِ،
وَالْمُخْطِئِ وَاقِعٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ فِي الْقَضَاءِ
وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ عَلَى
الْمُخْطِئِ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ
وَاقِعٌ أَيْ فِي الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ
كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَتَاقِ،
وَالطَّلَاقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَنْذُورَ
يَلْزَمُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْكُفْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فَلِلْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ وَجْهٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الثَّلَاثِ يُعَيِّنُهُ
فَتَأَمَّلْ وَارْجِعْ إلَى مَا عَلَّلُوا بِهِ يَظْهَرْ لَك ذَلِكَ،
وَالْعِلَّةُ الَّتِي فِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ تَقْتَضِي عَدَمَ الْوُقُوعِ
تَأَمَّلْ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ نَحْوَ هَذَا عَنْ الْعَلَّامَةِ
الْمَقْدِسِيَّ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ إضَافَتَهُ فِي هَذِهِ
الصُّورَةِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَمَا نَظِيرُهُ إلَّا إذَا قَالَ
لِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَنْتِ كَذَا قَالَ وَهُوَ وَجِيهٌ قُلْت
إنْ كَانَ الْعُرْفُ كَمَا قَالَ الرَّمْلِيُّ مِنْ عَدَمِ قَصْدِ
الزَّوْجَةِ فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ مِنْ
أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَمَعْنَى عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَنَّ الطَّلَاقَ
عَلَيَّ وَاقِعٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا
يُنَاسِبُ وَلَيْسَ فِيهِ خِطَابُ امْرَأَتِهِ وَلَا إضَافَتُهُ إلَيْهَا
فَهُوَ مِثْلُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ لَا
تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي فَإِنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ لَا
يَقَعُ لِعَدَمِ ذِكْرِ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
الْعُرْفُ ذَلِكَ فَالْأَظْهَرُ الْوُقُوعُ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ
إنْ فَعَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ فَقَوْلُهُ:
بَعْدَهُ مِنْ ذِرَاعِي مِثْلُ قَوْلِهِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَا يُدَيَّنُ فِي لَفْظِ الْعَمَلِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ
لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً
بِالْعَمَلِ فَلَا يَكُونُ مُحْتَمَلَ اللَّفْظِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
يُدَيَّنُ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخَلُّصِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ
مُتَخَلِّصَةٌ عَنْ الْعَمَلِ وَعَلَّلَ وُقُوعَهُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ
ذَكَرَ الْعَدَدَ بِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ طَلَّقَ ثُمَّ وَصَلَ لَفْظَ
الْعَمَلِ اسْتِدْرَاكًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَلَ لَفْظَ الْوِثَاقِ
حَيْثُ يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ قَلِيلًا
(قَوْلُهُ: وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا يَقَعُ أَصْلًا) قَالَ فِي
التَّتَارْخَانِيَّة وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ مَحْمُودٍ
الْأُوزْجَنْدِيِّ عَمَّنْ لَقَّنَتْهُ امْرَأَتُهُ طَلَاقًا فَطَلَّقَهَا
وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَالَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ
بِأُوزَجَنْدَ فَشَاوَرْت أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ وَاتَّفَقَتْ آرَاؤُنَا
أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ صِيَانَةً لِأَمْلَاكِ النَّاسِ
عَنْ الْإِبْطَالِ بِنَوْعِ تَلْبِيسٍ وَلَوْ لَقَّنَهَا أَنْ تَخْلَعَ
نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَهْرِهَا وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا وَاخْتَلَعَتْ
وَخَالَعَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ صَحَّ لَكِنْ مَا لَمْ يَقْبَلْ
الزَّوْجُ لَا يَصِحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ وَبِهِ يُفْتَى
اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَقَّنَتْهُ الطَّلَاقَ
بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ الْعَتَاقَ أَوْ التَّدْبِيرَ
أَوْ لَقَّنَهَا الزَّوْجُ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ
الْعِدَّةِ بِالْعَرَبِيِّ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو
اللَّيْثِ لَا يَقَعُ دِيَانَةً.
وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا يَقَعُ أَصْلًا صِيَانَةً لِأَمْلَاكِ
النَّاسِ عَنْ الْإِبْطَالِ بِالتَّلْبِيسِ وَكَمَا إذَا بَاعَ أَوْ
اشْتَرَى بِالْعَرَبِيِّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَبَعْضٌ فَرَّقُوا بَيْنَ
الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْخُلْعِ،
وَالْهِبَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِلرِّضَا أَثَرًا فِي وُجُودِ الْبَيْعِ
لَا الطَّلَاقِ، وَالْهِبَةِ تَمَامُهَا بِالْقَبْضِ وَهُوَ لَا يَكُونُ
إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ الْخُلْعَ وَهِيَ لَا
تَعْلَمُ قِيلَ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِقَبُولِهَا، وَالْمُخْتَارُ مَا
ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ لَقَّنَ الْمَدْيُونُ الدَّائِنَ الْإِبْرَاءَ عَنْ
الدَّيْنِ بِلِسَانٍ لَا يَعْرِفُهُ الدَّائِنُ لَا يُبَرَّأُ فِيمَا
عَلَيْهِ الْفَتْوَى نَصَّ عَلَيْهِ فِي هِبَةِ النَّوَازِلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: يُقَاسُ عَلَى النِّكَاحِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي ذَكَرَهُ
قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي
قِيَاسَ النِّكَاحِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ لَا قِيَاسَهُمَا
عَلَيْهِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا وَإِذَا
عُرِفَ الْجَوَابُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
الْجَوَابُ فِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقَعُ
عَلَى الْمُخْطِئِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ طَلَاقَ الْهَازِلِ، وَاللَّاعِبِ
وَاقِعٌ دِيَانَةً أَيْضًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَتَقَدَّمَتْ
الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ مُكْرَهًا وَمَرَّ
مَا فِيهَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا بَيْنَ الْخَانِيَّةِ،
وَالْبَزَّازِيَّةِ
(3/277)
مُخْطِئًا لَا يَكْفُرُ كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَكَذَا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ غَيْرُ عَالِمٍ
بِمَعْنَاهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ قَضَاءً فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا فِي
الْخُلَاصَةِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ اعْتَدِّي أَنْت طَالِقٌ
ثَلَاثًا فَفَعَلَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَنْوِ
بِخِلَافِ الْهَازِلِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً
لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ وَمَا فِي
الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ لَهُ امْرَأَتَانِ زَيْنَبُ
وَعَمْرَةُ فَقَالَ يَا زَيْنَبُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَقَالَ أَنْت
طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْمُجِيبَةُ فَلَوْ قَالَ نَوَيْت زَيْنَبَ
طَلُقَتْ هَذِهِ بِالْإِشَارَةِ وَتِلْكَ بِالِاعْتِرَافِ اهـ.
مَحْمُولٌ عَلَى الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ عَلَى
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِمَا فِي الْحَاوِي مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ أَنَّ أَسَدًا سُئِلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ زَيْنَبُ
طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ
الطَّلَاقُ فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّى، وَفِيمَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا
أَمَّا الَّتِي سَمَّى فُلَانَةُ لَمْ يُرِدْهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا
فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ قَالَ فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَا رَوَى عَنْهُمَا نُصَيْرٌ مِنْ أَنَّ مَنْ
أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ يَقَعُ
دِيَانَةً وَقَضَاءً فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ
إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهَا
لَكِنَّ وُقُوعَهُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ
أَنْ يَقْصِدَهَا بِالْخِطَابِ بِدَلِيلِ مَا قَالُوا لَوْ كَرَّرَ
مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ وَيَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ
وَلَا يَنْوِي لَا تَطْلُقُ، وَفِي مُتَعَلِّمٍ يَكْتُبُ نَاقِلًا مِنْ
كِتَابِ رَجُلٍ قَالَ ثُمَّ يَقِفُ وَيَكْتُبُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ
وَكُلَّمَا كَتَبَ قَرَنَ الْكِتَابَةَ بِاللَّفْظِ بِقَصْدِ الْحِكَايَةِ
لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ: امْرَأَةٌ كَتَبَتْ أَنْت
طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اقْرَأْ عَلَيَّ فَقَرَأَ لَا تَطْلُقُ
اهـ.
وَأَمَّا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ
بِالْخِطَابِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ أَوْ النِّسْبَةِ
إلَى الْغَائِبَةِ كَمَا يُفِيدُهُ فُرُوعٌ وَذِكْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ
فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ قَضَاءً
وَدِيَانَةً فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوُقُوعِ قَضَاءً
فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ دِيَانَةً لَا
قَضَاءً فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ قَضَاءً فِيمَا لَوْ
كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا، وَفِي الْمُتَعَلِّمِ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ مَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ، وَفِي
الْقُنْيَةِ ظَنَّ أَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى امْرَأَتِهِ
بِإِفْتَاءِ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْفَتْوَى وَكَلَّفَ الْحَاكِمُ
كَتْبَهَا فِي الصَّكِّ فَكُتِبَتْ ثُمَّ اسْتَفْتَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ
لِلْفَتْوَى فَأَفْتَى بِأَنَّهَا لَا تَقَعُ، وَالتَّطْلِيقَاتُ
مَكْتُوبَةٌ فِي الصَّكِّ بِالظَّنِّ فَلَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا فِيمَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي الْحُكْمِ
اهـ.
وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا وَقَدَّمْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُقُوعُهُ عَلَى
الْمُجِيبَةِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ
وَعَلَى زَيْنَبَ قَضَاءً فَقَطْ كَمَا هُوَ مُفَادُ تَعْلِيلِ الْأَصْلِ
وَأَمَّا مَا فِي الْحَاوِي فَلَيْسَ فِيهِ إشَارَةٌ وَمُخَاطَبَةٌ بَلْ
مُجَرَّدُ التَّسْمِيَةِ بِلَا قَصْدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ
أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ فِي
الْقَضَاءِ) هَذَا خَاصٌّ بِالْمُخْطِئِ أَمَّا الْهَازِلُ فَلَا يَحْتَاجُ
إلَيْهَا مُطْلَقًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا تَبِعَ فِيهِ مَا
حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَا حَقَّقَهُ أَيْضًا فِي
التَّحْرِيرِ فَقَالَ ثُمَّ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الصَّرِيحِ بِلَا نِيَّةِ
جَرَيَانُهُ عَلَى لِسَانِهِ غَلَطًا فِي نَحْوِ: سُبْحَانَ اللَّهِ
وَاسْقِنِي أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ مَعَ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى
مُحْتَمَلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ دِيَانَةً كَقَصْدِ الطَّلَاقِ مِنْ وِثَاقٍ
فَهِيَ زَوْجَتُهُ دِيَانَةً وَمُقْتَضَى النَّظَرِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ بِلَا
نِيَّةٍ فِي الْكُلِّ أَيْ الْغَلَطِ وَمَا قَصَدَ صَرْفَهُ بِالنِّيَّةِ
إلَى مُحْتَمَلِهِ قَضَاءً فَقَطْ وَإِلَّا أَشْكَلَ بِعْت وَاشْتَرَيْت
إذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْهَزْلِ مَعَ
أَنَّهُمَا صَرِيحٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا فِي الْهَزْلِ
فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ لِخُصُوصِيَّةِ دَلِيلٍ وَهُوَ
حَدِيثُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ» وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يَنْفِي مَا
قُلْنَا لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحُكْمِ،
وَالْغَالِطُ غَيْرُ رَاضٍ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ
فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي اهـ.
مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ مَا
قَالُوا. . . إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُسْتَدِلًّا
بِهِ عَدِمَ الْفَسَادُ بِهِ فِي الدِّيَانَةِ دُونَ الْقَضَاءِ وَكَذَا
مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ سَابِقًا
عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ. . .
إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ
شَرْطًا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: هَذَا وَهْمٌ بَلْ هُوَ
صَحِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ قَضَاءً
وَدِيَانَةً فَخَرَجَ مَا لَا يَقَعُ بِهِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً
كَمَنْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ وَمَا يَقَعُ بِهِ قَضَاءً فَقَطْ
كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ
سَبَقَ لِسَانُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِيهِ دِيَانَةً كَمَا أَفْصَحَ
بِهِ فِي الْفَتْحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يُشِيرُ
إلَيْهِ أَيْ إلَى الْوُقُوعِ قَضَاءً فَقَطْ قَوْلُهُ: فِي الْخُلَاصَةِ
بَعْدَ ذِكْرِ مَا لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ
بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ اهـ.
يَعْنِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَبِهَذَا يَبْطُلُ
قَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ إنَّ الْوُقُوعَ فِي الْقَضَاءِ بِشَرْطِ أَنْ
يَقْصِدَ خِطَابَهَا لِظُهُورِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي
فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ خِطَابَهَا نَعَمْ
الْهَازِلُ يَقَعُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ
فَاسْتَحَقَّ التَّغْلِيظَ اهـ.
قُلْت وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ بَلْ
كَثِيرٌ مِنْ أَمْثَالِهِ مِمَّا مَرَّ مَعَ أَنَّهُ لَا خِطَابَ فِيهَا
أَصْلًا لَا بِأَصْلِ اللَّفْظِ وَلَا بِالطَّلَاقِ.
(3/278)
أَنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً،
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا مَا بَقِيَ لَك سِوَى طَلَاقٍ وَاحِدٍ
فَطَلَّقَهَا وَاحِدًا لَا يُمْكِنُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا وَإِقْرَارُهُ
حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لَهَا بَقِيَ لَك طَلَاقٌ وَاحِدٌ،
وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا لِأَنَّ
التَّخْصِيصَ بِالْوَاحِدِ لَا يَدُلُّ لَهُ عَلَى نَفْيِ بَقَاءِ الْآخَرِ
لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الْعَدَدِ لَا يَنْفِي الزَّائِدَ كَمَا فِي
أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إنَّمَا هُوَ فِي
الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ إلَّا مَا كَانَ
أَوْقَعَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ أَنْت الطَّلَاقُ أَوْ أَنْت طَالِقٌ الطَّلَاقَ
أَوْ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً بِلَا نِيَّةٍ
أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ)
بَيَانٌ لِمَا إذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنْهَا الْمَصْدَرَ مُعَرَّفًا كَانَ
أَوْ مُنَكَّرًا أَوْ اسْمَ الْفَاعِلِ وَذَكَرَ بَعْدَهُ الْمَصْدَرَ
مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا أَمَّا الْوُقُوعُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ
أَعْنِي الْمَصْدَرَ فَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ
يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ
وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ يَلْزَمُهُ
عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّةِ الثَّلَاثِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَيْثُ
اُسْتُعْمِلَ كَانَ إرَادَةُ طَالِقٍ بِهِ هُوَ الْغَالِبُ فَيَكُونُ
صَرِيحًا فِي طَالِقٍ الصَّرِيحِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ طَالِقٍ وَلِذَا
كَانَ عِنْدَنَا مِنْ الصَّرِيحِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.
لِكَوْنِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَاتُ
طَلَاقٍ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَصِحُّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ قَلَّمَا
كَانَ مُحْتَمَلًا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ نِيَّةِ
الثِّنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ لَمْ تَصِحَّ
بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَثَّرَهُ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ
حَيْثُ إنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَمَّا الثِّنْتَانِ فِي الْحُرَّةِ
فَعَدَدٌ مَحْضٌ وَأَلْفَاظُ الْوُحْدَانِ لَا تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ
الْمَحْضَ بَلْ يُرَاعَى فِيهَا التَّوْحِيدُ وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ
الْحَقِيقِيَّةِ، وَالْجِنْسِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ،
وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا فَلَوْ كَانَ طَلَّقَ الْحُرَّةَ
وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْت الطَّلَاقُ نَاوِيًا اثْنَتَيْنِ
فَهَلْ تَقَعُ الثِّنْتَانِ لِأَنَّهُ كُلُّ مَا بَقِيَ قُلْت لَا تَقَعُ
إلَّا وَاحِدَةً لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ طَلَّقَهَا
وَاحِدَةً أَنْت بَائِنٌ وَنَوَى ثِنْتَيْنِ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ.
وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ كُلَّ جِنْسِ
طَلَاقِهَا وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إذَا نَوَى ثِنْتَيْنِ
بِالْمَصْدَرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً
وَأَمَّا مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى
الْحُرَّةِ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ إذَا نَوَاهُمَا يَعْنِي
مَعَ الْأُولَى فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ وَفَرَّقَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ
الْمَصْدَرِ الْمُنَكَّرِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ
وَبَيْنَ الْمُعَرَّفِ حَيْثُ يَصِحُّ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ
الْمَشْهُورَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ طَلَاقًا فَظَاهِرٌ
وَأَمَّا صِحَّةُ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَبِالْمَصْدَرِ مَعَ أَنَّ
الْمُنْتَصِبَ هُوَ مَصْدَرُ طَالِقٍ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِمَعْنَى
التَّطْلِيقِ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ فَهُوَ مَصْدَرٌ
لِمَحْذُوفٍ كَذَا قَالُوا وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِإِلْغَاءِ طَالِقٍ مَعَ
الْمَصْدَرِ كَإِلْغَائِهِ مَعَ الْعَدَدِ وَإِلَّا لَوَقَعَ بِطَالِقٍ
وَاحِدَةً وَبِالطَّلَاقِ ثِنْتَانِ حِينَ إرَادَتِهِ الثَّلَاثَ
فَيَلْزَمُ الثِّنْتَانِ بِالْمَصْدَرِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ قَيَّدَ
بِكَوْنِهِ نَوَى ثِنْتَيْنِ بِالْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى
ثِنْتَيْنِ بِالتَّوْزِيعِ كَأَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ
وَاحِدَةً وَبِالطَّلَاقِ أُخْرَى تَقَعُ ثِنْتَانِ خِلَافًا لِفَخْرِ
الْإِسْلَامِ لِأَنَّ طَالِقًا نَعْتٌ وَطَلَاقًا مَصْدَرُهُ فَلَا يَقَعُ
إلَّا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ وَهُوَ
أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إذْ لَيْسَ فِي
الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَاوِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ بِأَنَّ طَلَاقًا مَنْصُوبٌ وَلَا يُرْفَعُ بَعْدَ صَلَاحِيَةِ
اللَّفْظِ لِتَعَدُّدِهِ وَصِحَّةِ الْإِرَادَةِ بِهِ إلَّا بِإِهْدَارِ
لُزُومِ صِحَّةِ الْإِعْرَابِ فِي الْإِيقَاعِ مِنْ الْعَالِمِ،
وَالْجَاهِلِ، وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ
مِنْ بَحْثِ اللَّامِ
(تَنْبِيهٌ) كَتَبَ الرَّشِيدُ لَيْلَةً إلَى الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ
يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي
يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ
فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقْ
أَعَقُّ وَأَظْلَمُ
فَقَالَ مَاذَا يَلْزَمُهُ إذَا رَفَعَ الثَّلَاثَ وَإِذَا نَصَبَهَا قَالَ
أَبُو يُوسُفَ فَقُلْت هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا
آمَنُ الْخَطَأَ إنْ قُلْت فِيهَا بِرَأْيِي فَأَتَيْت الْكِسَائِيَّ
وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ فَسَأَلْته فَقَالَ إنْ رَفَعَ ثَلَاثًا طَلُقَتْ
وَاحِدَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ
إذَا نَوَى الثِّنْتَيْنِ مَعَ الْأُولَى فَقَدْ نَوَى الثَّلَاثَ وَإِذَا
لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ إلَّا ثِنْتَانِ وَقَعَتَا اهـ.
أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي
الْكِنَايَاتِ فِي قَوْلِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ نَوَى ثَلَاثًا
فَثَلَاثٌ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ
فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ
الثِّنْتَيْنِ وَلَوْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا
أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي ثِنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلَوْ
نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَتَقَعُ
تَطْلِيقَتَانِ أُخْرَيَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) كَذَا فِي
النُّسَخِ وَصَوَابُهُ الثَّانِي لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِكَلَامِ فَخْرِ
الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ
(3/279)
لِأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ ثُمَّ
أَخْبَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ التَّامَّ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَصَبَهَا طَلُقَتْ
ثَلَاثًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَمَا بَيْنَهُمَا
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فَكَتَبْتُ بِذَلِكَ إلَى الرَّشِيدِ فَأَرْسَلَ
إلَيَّ بِجَوَائِزَ فَوَجَّهْت بِهَا إلَى الْكِسَائِيّ اهـ. مُلَخَّصًا.
وَأَقُولُ: إنَّ الصَّوَابَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ
مُحْتَمَلٌ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ وَلِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا
الرَّفْعُ فَلِأَنَّ أَلْ فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ كَمَا
تَقُولُ: زَيْدٌ الرَّجُلُ أَيْ هُوَ الرَّجُلُ الْمُعْتَدُّ بِهِ،
وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ مِثْلُهَا فِي {فَعَصَى فِرْعَوْنُ
الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أَيْ وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةً
ثَلَاثٌ وَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ
الْإِخْبَارُ عَنْ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ كَمَا يُقَالُ الْحَيَوَانُ
إنْسَانٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانًا وَلَا
كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةً وَثَلَاثًا فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ
الثَّلَاثُ وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا قَالَ
الْكِسَائَيُّ: وَأَمَّا النَّصْبُ فَلِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ
عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي وُقُوعَ الثَّلَاثِ
إذْ الْمَعْنَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا
بِقَوْلِهِ، وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ وَلِأَنَّ يَكُونَ حَالًا مِنْ
الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي عَزِيمَةٍ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ وُقُوعُ
الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ
ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ مَعْنَى
هَذَا اللَّفْظِ وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَهُ هَذَا الشَّاعِرُ الْمُعَيَّنُ
فَهُوَ الثَّلَاثُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ
فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْت غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئ بَعْدَ
الثَّلَاثِ مُقَدَّمُ
اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا
بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ
مَعْرِفَةَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ
فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ
أَهْلُ الثَّبْتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى
حِينَ وَصَلَتْ خِلَافَهُ وَأَنَّ الْمُرْسِلَ بِهَا الْكِسَائَيُّ إلَى
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا
لِلرَّشِيدِ وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي
مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ
فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ
تَخْرُقِي بِضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرِقَ بِكَسْرِهَا، وَالْخُرْقُ
بِالضَّمِّ الِاسْمُ، وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ كَوْنُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ
الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ لِقِلَّةِ الْفَائِدَةِ عَلَى
إرَادَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا وَأَمَّا
الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ بَقِيَ أَنْ يُرَادَ
مَجَازُ الْجِنْسِ فَتَقَعُ وَاحِدَةً أَوْ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ وَهُوَ
أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ وَلِذَا ظَهَرَ مِنْ
الشَّاعِرِ أَنَّهُ إرَادَةٌ كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ
فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يَجِبُ فِي
مِثْلِهِ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ
إلَى الِاحْتِمَالِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَهْدَ الذِّكْرِيَّ حَيْثُ كَانَ أَظْهَرَ
الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ مُحَمَّدٌ بِمَا
يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَكَلَامُ ابْنِ الْهُمَامِ آخِرُهُ
مُخَالِفٌ لِأَوَّلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ
الصَّائِغِ تَعَقَّبَ ابْنَ هِشَامٍ فِي مَنْعِ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ
الْحَقِيقِيِّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهَا بِمَعْنَى كُلّ الْمَجْمُوعِيِّ
لَا كُلّ الْأَفْرَادِيِّ وَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ مَجْمُوعَ أَفْرَادِ
الطَّلَاقِ ثَلَاثٌ لَا أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْهُ ثَلَاثٌ وَرَدَّهُ
الشُّمُنِّيُّ بِأَنَّ اللَّامَ لَيْسَ مِنْ مَعَانِيهَا الْكُلُّ
الْمَجْمُوعِيُّ، وَإِنْ كَانَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي كُلٍّ وَتَعَقَّبَ
ابْنُ هِشَامٍ أَيْضًا الدَّمَامِينِيُّ فِي كَوْنِ الثَّلَاثِ حَالًا مِنْ
الضَّمِيرِ فِي عَزِيمَتِهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ مُحْتَمِلٌ لِوُقُوعِ
الثَّلَاثِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَهْدِ أَيْضًا بِأَنْ تُجْعَلَ لِلْعَهْدِ
الذِّكْرِيِّ وَرَدَّهُ الشُّمُنِّيُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى لُزُومَ
الثَّلَاثِ وَهُوَ صَادِقٌ بِاحْتِمَالِ الثَّلَاثِ وَتَعَقَّبَ
الشُّمُنِّيُّ ابْنَ هِشَامٍ أَيْضًا فِي كَوْنِ النَّصْبِ يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقْتَضِي الثَّلَاثَ بِأَنَّهُ
إنَّمَا يَقْتَضِيهِ لَوْ كَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِلطَّلَاقِ
الْأَوَّلِ أَوْ لِلطَّلَاقِ الثَّانِي، وَاللَّازِمُ لِلْعَهْدِ أَمَّا
إذَا كَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِلطَّلَاقِ الثَّانِي، وَاللَّامُ
لِلْجِنْسِ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ
طَالِقٌ.
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت الثَّلَاثَ وَنَوَى لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ
جَعَلَ الثَّلَاثَ صِفَةً لِلْمَرْأَةِ لَا صِفَةً لِلطَّلَاقِ الْمُضْمَرِ
فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ
لِامْرَأَتِهِ أَنْت مِنِّي بِثَلَاثٍ وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ
لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ
لَمْ يُصَدَّقْ إنْ كَانَ فِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَقُولُ: إنَّ الصَّوَابَ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ
قَائِلُهُ ابْنُ هِشَامٍ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ:
وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ) الْجَارُّ،
وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ فَلِامْتِنَاعِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ
وَهُوَ قَوْلُهُ: بَقِيَ فَهُوَ عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَعْلُولِهَا
(قَوْلُهُ: آخِرُهُ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِهِ) أَيْ قَوْلُهُ: إنَّ جَوَابَ
مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ
قَبْلَهُ إنَّ الْعَهْدَ الذِّكْرِيَّ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ
ثَلَاثٌ.
(3/280)
لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَلَوْ قَالَ
أَنْت بِثَلَاثٍ وَأَضْمَرَ الطَّلَاقَ يَقَعُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت
طَالِقٌ بِثَلَاثٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَنْتِ مِنِّي
بِثَلَاثٍ وَأَنْتِ بِثَلَاثٍ بِحَذْفِ مِنِّي سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ
كِنَايَةً وَأَمَّا أَنْتِ الثَّلَاثُ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا
يُعَبِّرُ بِهِ عَنْهَا كَالرَّقَبَةِ، وَالْعُنُقِ، وَالرُّوحِ،
وَالْبَدَنِ، وَالْجَسَدِ، وَالْفَرْجِ، وَالْوَجْهِ أَوْ إلَى جُزْءٍ
شَائِعٍ مِنْهَا كَنِصْفِهَا وَثُلُثِهَا تَطْلُقُ) أَرَادَ بِالْإِضَافَةِ
إلَى الْجُمْلَةِ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ كَأَنْتِ طَالِقٌ
وَبِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ
كَرَقَبَتِك وَإِلَّا فَالْكُلُّ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَذَا
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ مَا يُضَافُ إلَى
الْجُمْلَةِ أَنْتِ، وَالرُّوحُ، وَالْبَدَنُ، وَالْجَسَدُ وَأَمَّا مَا
يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا مَا عَدَاهَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا
يَخْفَى وَأَشَارَ بِالتَّعْبِيرِ بِهِ عَنْهَا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ
أَنْ يَقُولَ مَثَلًا رَقَبَتُك طَالِقٌ أَمَّا لَوْ قَالَ الرَّقَبَةُ
مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ
الْعُنُقِ وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ
لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ بَلْ عَنْ الْبَعْضِ
بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضَعْ يَدَهُ بَلْ قَالَ هَذَا الرَّأْسُ طَالِقٌ
وَأَشَارَ إلَى رَأْسِ امْرَأَتِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ كَمَا لَوْ
قَالَ رَأْسُك هَذَا طَالِقٌ.
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الرَّأْسَ بِأَلْفِ
دِرْهَمٍ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِ عَبْدِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت
جَازَ الْبَيْعُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالرَّقَبَةِ وَمَا
بَعْدَهَا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِالْبَطْنِ، وَالظَّهْرِ، وَالْبُضْعِ،
وَالدَّمِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ دَمُك حُرٌّ لَا
يَعْتِقُ، وَقَدْ صَحَّحُوا صِحَّةَ التَّكَفُّلِ بِالدَّمِ لِمَا يُقَالُ
دَمُهُ هَدَرٌ أَيْ نَفْسُهُ فَكَانَ الْعُرْفُ جَرَى بِهِ فِي
الْكَفَالَةِ دُونَ الْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَصُحِّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ
وُقُوعُ الطَّلَاقِ يُقَالُ ذَهَبَ دَمُهُ هَدَرًا فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ
بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْكَفَالَةِ وَتَقْيِيدُهُمْ الْجُزْءَ بِالشَّائِعِ
لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُعَيَّنِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ
قَالَ نِصْفُك الْأَعْلَى طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفُك الْأَسْفَلُ
ثِنْتَيْنِ فَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِبُخَارَى فَأَفْتَى
بَعْضُهُمْ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الرَّأْسَ فِي النِّصْفِ
الْأَعْلَى وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْإِضَافَتَيْنِ لِأَنَّ الْفَرْجَ فِي
الْأَسْفَلِ اهـ.
وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَعَتْ
وَاحِدَةً اتِّفَاقًا، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ
بِمَا ذُكِرَ فَأَفَادَ أَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ
فَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْعُضْوَ حَقِيقَةً لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً
وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَكِنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ صَرِيحًا مَعَ أَنَّهُ
إنَّمَا يَكُونُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَقَدْ
أَبْعَدَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي بَحْثِ قَوْلِهِ
أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ إيقَاعُهُ لَا
يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عُشْرُك طَالِقٌ أَوْ
فَرْجُك أَوْ طَلَّقْتُك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ اهـ. لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ
إنَّمَا هِيَ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْوُقُوعَ
قَضَاءً إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ عُرْفًا
مُشْتَهِرًا وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْ الْجُمْلَةِ لَكَانَ
أَوْلَى لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْجُمْلَةِ عُلِمَتْ مِنْ أَوَّلِ
الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ كَأَنْتِ طَالِقٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَى الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، وَالدُّبُرِ لَا) أَيْ لَا
تَطْلُقُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا ذُكِرَ أَيْ إلَى مَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ
عَنْ الْجُمْلَةِ فَدَخَلَ فِيهِ الشَّعْرُ، وَالْأَنْفُ، وَالسَّاقُ،
وَالْفَخِذُ، وَالظَّهْرُ، وَالْبَطْنُ، وَاللِّسَانُ، وَالْأُذُنُ،
وَالْفَمُ، وَالصَّدْرُ، وَالذَّقَنُ، وَالسِّنُّ، وَالرِّيقُ،
وَالْعِرْقُ، وَالْكَبِدُ، وَالْقَلْبُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا نَوَى
بِهِ كُلَّ الْبَدَنِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ
الْحَلْوَانِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُهُمْ الْجُزْءَ بِالشَّائِعِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ
عَنْ الْمُعَيَّنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ هُوَ احْتِرَازٌ
عَنْ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا
سَيَأْتِي، وَالْوُقُوعُ بِالنِّصْفِ الْأَعْلَى أَوْ بِهِمَا لَيْسَ إلَّا
بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ
كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ التَّعْلِيلُ اهـ.
أَقُولُ: وَفِيهِ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا
يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ خَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ
بِهِ عَنْهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ يُقَابِلُهُ
الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ سَوَاءٌ كَانَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ أَوْ
لَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى
أَحَدِهِمَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ
فِي الثَّانِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ
الْعِبَارَةِ وَلَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ
فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا
أَيْ وَقَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِأَنَّ مُرَادَهُ إثْبَاتُ أَنَّهَا
تَطْلُقُ بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى النِّصْفِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَعْلَى
أَوْ الْأَسْفَلَ لَكِنَّ الْوُقُوعَ اتِّفَاقًا فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ
غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَنْ أَفْتَى بِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ بِالنِّصْفِ
الْأَعْلَى لَا يُوقِعُ شَيْئًا بِالنِّصْفِ الْأَسْفَلِ (قَوْلُهُ:
وَلَقَدْ أَبْعَدَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ. . . إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا
إبْعَادَ فِي كَلَامِهِ إذْ الصَّرِيحُ مَا فِيهِ مَادَّةُ ط ل ق كَطَالِقٍ
وَطَلَاقٍ وَتَطْلِيقٍ وَنَحْوِهِ فَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ
وَلَا مَدْخَلَ لِقَوْلِهِ أَنْتِ فِي صَرَاحَتِهِ وَكَذَا لَا مَدْخَلَ
لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي صَرَاحَتِهِ وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ
لِلْوُقُوعِ بِلَا نِيَّةٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا مَرَّ
عَنْ الْهِدَايَةِ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ تَعْلِيلِ كَوْنِهَا صَرَائِحَ
بِالِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ وَمِنْ كَوْنِهَا
لَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَظَهَرَ
أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إلَّا فِي الطَّلَاقِ
فَهِيَ صَرَائِحُ لَكِنَّ وُقُوعَهَا بِلَا نِيَّةٍ مُتَوَقِّفٌ عَلَى
كَوْنِهِ مُتَعَارَفًا
(3/281)
إنْ ذَكَرَ عُضْوًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ
جَمِيعِ الْبَدَنِ وَنَوَى اقْتِصَارَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لَمْ يَبْعُدْ
أَنْ يُصَدَّقَ وَلَوْ ذَكَرَ الْيَدَ، وَالرِّجْلَ وَأَرَادَ بِهِ كُلَّ
الْبَدَنِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ جُزْءًا
لَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ كَالسِّنِّ، وَالرِّيقِ لَا يَقَعُ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ أَضَافَهُ إلَى قَلْبِهَا لَا رِوَايَةَ
لِهَذَا فِي الْكِتَابِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ
الْكَفَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ
الْبَلْخِيّ: لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ
الْبَدَنَ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْكَفَالَةِ، وَالطَّلَاقِ
إذْ الْعَيْنُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ يُقَالُ عَيْنُ
الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا
فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ اهـ.
وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْعَفْوُ عَنْ
الْقِصَاصِ، وَالْعَتَاقُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ أُصْبُعَهُ لَا يَقَعُ
قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ
الْيَدَ وَمَا مَعَهَا لَوْ كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ
الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَهُوَ مَحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْهَا
مُرَادًا بِهِ الْجُمْلَةَ كَالْحَدِيثِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ
حَتَّى تَرُدَّ» وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}
[المسد: 1] وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ صَرِيحٌ يَقَعُ قَضَاءً بِلَا
نِيَّةٍ كَالرَّقَبَةِ وَكِنَايَةٌ لَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ
كَالْيَدِ وَمَا لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً لَا يَقَعُ بِهِ، وَإِنْ
نَوَى كَالرِّيقِ، وَالسِّنِّ، وَالشَّعْرِ، وَالظُّفُرِ، وَالْعَرَقِ،
وَالْكَبِدِ، وَالْقَلْبِ وَقَيَّدَ بِالدُّبُرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ
اسْتُك طَالِقٌ وَقَعَ كَفَرْجِك كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالِاسْتُ،
وَإِنْ كَانَ مُرَادِفًا لِلدُّبُرِ لَا يَلْزَمُ مُسَاوَاتُهُمَا فِي
الْحُكْمِ.
لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا لِكَوْنِ اللَّفْظِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ
الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبُضْعَ مُرَادِفٌ لِلْفَرْجِ وَلَيْسَ
حُكْمُهُ هُنَا كَحُكْمِهِ فِي التَّعْبِيرِ وَقَيَّدَ بِالطَّلَاقِ فِي
الْجُزْءِ الشَّائِعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَتَاقِ وَتَوَابِعِهِ
فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَجَزَّأُ فَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ
لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ النِّكَاحِ
فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ نِصْفَهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ احْتِيَاطًا
كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ ضُعِّفَ قَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ الْجُزْءَ
الشَّائِعَ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ، وَالْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ
وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ كَالطَّلَاقِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ
مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثُهَا طَلْقَةٌ) وَمُرَادُهُ
أَنَّ جُزْءَ الطَّلْقَةِ تَطْلِيقَةٌ وَلَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ
لِأَنَّ الشَّرْعَ نَاظِرٌ إلَى صَوْنِ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ
الْإِلْغَاءِ وَتَصَرُّفِهِ مَا أَمْكَنَ وَلِذَا اعْتَبَرَ الْعَفْوَ عَنْ
بَعْضِ الْقِصَاصِ عَفْوًا عَنْهُ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلطَّلَاقِ جُزْءٌ
كَانَ كَذِكْرِ كُلِّهِ تَصْحِيحًا كَالْعَفْوِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ
أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ
فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ
قَالَ إلَّا وَاحِدَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ
النِّصْفَ فِي الطَّلَاقِ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ وَلَا فِي
الِاسْتِثْنَاءِ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً إلَّا نِصْفَهَا
تَقَعُ وَاحِدَةً وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يُشِيرُ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَبَا
يُوسُفَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِالتَّكْمِيلِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا
لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ
اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَلَوْ قَالَ وَجُزْءُ الطَّلْقَةِ
تَطْلِيقَةٌ لَكَانَ أَوْجَزَ وَأَشْمَلَ وَأَحْسَنَ.
قَوْلُهُ: (وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ نِصْفَ
التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ
تَكُونُ ثَلَاثًا ضَرُورَةً إلَّا إذَا نَوَى تَنْصِيفَ كُلٍّ مِنْ
التَّطْلِيقَتَيْنِ فَتَكُونُ أَنْصَافُهَا أَرْبَعًا فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا
طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَقَعُ طَلِيقَتَانِ دِيَانَةً وَلَا يُصَدَّقُ فِي
الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ احْتِمَالُ خِلَافِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ
أَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ لَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ
قَيَّدَ بِقَوْلِهِ تَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ
أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ
وَنِصْفٌ فَتَتَكَامَلُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
وَاخْتَارَهُ النَّاطِفِيُّ وَصَحَّحَهُ الْعَتَّابِيُّ وَعُلِمَ مِنْهُ
أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَرْبَعَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ
أَيْضًا وَعُرِفَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ
وَقَعَتْ وَاحِدَةً.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَتَيْنِ
فَوَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَكَذَا
نِصْفُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ
فَثَلَاثٌ وَحَاصِلُهَا أَنَّهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً لِأَنَّ
الْمُضَافَ أَعْنِي النِّصْفَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ
أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَكُلٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فَعَدَمُ تَعَارُفِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ صَرَاحَتِهِ كَمَا قَالَ
الْمُحَقِّقُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: وَفِي
الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَضَافَهُ إلَى قَلْبِهَا لَا رِوَايَةً. . . إلَخْ)
قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهُ
كَالرُّوحِ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] .
(3/282)
مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ
إلَيْهِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ النِّصْفُ
مُضَافًا إلَى الطَّلْقَةِ فَقَطْ فَوَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ
مُضَافًا إلَى الطَّلْقَتَيْنِ فَوَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ
مُضَافًا إلَى الثَّلَاثِ فَثِنْتَانِ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَانِ مُضَافًا
إلَى الْوَاحِدَةِ فَوَاحِدَةً وَإِلَى الثِّنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَإِلَى
الثَّلَاثِ فَثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّلَاثَةُ أَنْصَافٍ مُضَافًا إلَى
الْوَاحِدَةِ فَثِنْتَانِ وَإِلَى الثِّنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ وَإِلَى
الثَّلَاثِ فَكَذَلِكَ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا قَبْلَهَا لَا نَقْلًا، وَإِنْ
كَانَ الْمُضَافُ أَرْبَعَةَ الْأَنْصَافِ فَثِنْتَانِ فَإِنْ إلَى
الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ إلَى الثِّنْتَيْنِ أَوْ إلَى الثَّلَاثِ فَثَلَاثٌ
اسْتِنْبَاطًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ
لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ
تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ
إذَا أُعِيدَ مُنَكَّرًا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَيَتَكَامَلُ
كُلُّ جُزْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ
وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الثَّانِي،
وَالثَّالِثَ عَيْنُ الْأَوَّلِ فَالْكُلُّ أَجْزَاءُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ
حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَقَعَتْ ثَانِيَةً وَكَذَا فِي
الثَّالِثَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ.
وَفِي الْمُحِيطِ، والولوالجية وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَهَكَذَا ذَكَرَ
الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى أَجْزَاءِ تَطْلِيقَةٍ
وَاحِدَةٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ تَطْلِيقَةٍ
أُخْرَى فَتَتَكَامَلُ الزِّيَادَةُ، وَالْأَصَحُّ فِي اتِّحَادِ
الْمَرْجِعِ، وَإِنْ زَادَتْ أَجْزَاءُ وَاحِدَةٍ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً
لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ إلَى وَاحِدَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي
الْمَبْسُوطِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً
وَنِصْفَهَا تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ بِخِلَافِ وَاحِدَةٍ
وَنِصْفًا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا
إلَّا وَاحِدَةً فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَدَلَّ
كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ
طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً لِأَنَّ الرُّبُعَ يَتَكَامَلُ وَكَذَا
بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ إلَّا إذَا نَوَى
أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُنَّ جَمِيعًا فَيَقَعُ فِي
التَّطْلِيقَتَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَطْلِيقَتَانِ، وَفِي
الثَّلَاثِ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعَ
عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثِنْتَانِ إلَى ثَمَانٍ وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ
تِسْعٌ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَلَفْظُ أَشْرَكْتُكُنَّ
كَلَفْظِ بَيْنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ
ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ: شَرِكْتُك فِيمَا أَوْقَعْت عَلَيْهِمَا يَقَعُ
عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهُ شَرِكَهَا فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ
وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى: أَشْرَكْتُك مَعَهَا
فِي الطَّلَاقِ وَقَعَ عَلَى الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ
لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَسْبِقْ وُقُوعُ شَيْءٍ فَلَمْ يُقَسِّمْ
بَيْنَهُنَّ وَهُنَا قَدْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَلَا
يُمْكِنُهُ رَفْعُ شَيْءٍ مِنْهُ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك
فِيمَا أَوْقَعْت عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ أَشْرَكْتُك فِيمَا
أَوْقَعْت عَلَيْهِمَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَدْ وَرَدَ
اسْتِفْتَاءٌ فِيهَا فَبَعْدَ أَنْ كَتَبْنَا تَطْلُقُ الثَّلَاثَ ثَلَاثًا
ثَلَاثًا قُلْنَا إنَّ وُقُوعَهُنَّ عَلَى الثَّالِثَةِ بِاعْتِبَارِ
أَنَّهُ أَشْرَكَهَا فِي سِتَّةٍ اهـ.
يَعْنِي: أَنَّهُ عَلَّلَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ عَلَى الثَّالِثَةِ بَعْدَ
الْإِفْتَاءِ بِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا فِي سِتٍّ أَوْقَعَهَا فَيَقَعُ
عَلَيْهَا الثَّلَاثُ وَيَلْغُو ثَلَاثٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ظَهَرَ
لَهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ كَمَا قَدْ تُوُهِّمَ، وَفِي
الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ثَلَاثًا
يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُدَيَّنٌ فِيمَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَطْلُقُ كُلٌّ مِنْهُمَا ثِنْتَيْنِ
لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا
يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ فَتَطْلُقُ كُلٌّ ثَلَاثًا وَكَذَا لَوْ قَالَ
لِأَرْبَعٍ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ
بَيْنَهُنَّ فَهُوَ مُدَيَّنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى
فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً، وَفِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ كُلٌّ
ثَلَاثًا اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَفُلَانَةُ مَعَهَا أَوْ
قَالَ أَشْرَكْت فُلَانَةَ مَعَهَا طَلُقَتَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلَوْ
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك فِي
طَلَاقِهَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً.
وَلَوْ قَالَ لِثَالِثَةٍ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهِمَا طَلُقَتْ
ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ لِلرَّابِعَةِ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهِنَّ
طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى الْأُولَى بِمَالٍ
مُسَمًّى ثُمَّ قَالَ لِلثَّانِيَةِ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا
طَلُقَتْ وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ فِي اتِّحَادِ الْمَرْجِعِ. إلَخْ) أَقُولُ:
يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا مَرَّ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ
تَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ
وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ. . . إلَخْ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ تَطْلِيقَهُ
الْمُضَافَ إلَيْهِ نَكِرَةٌ، وَالْإِضَافَةُ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ
الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَتَكُونُ لِلْجِنْسِ بِخِلَافِ الطَّلْقَةِ الَّتِي
عَادَ عَلَيْهَا ضَمِيرُ نِصْفِهَا وَثُلُثِهَا وَرُبُعِهَا فَإِنَّهَا
وَاحِدَةٌ مُعَيَّنَةٌ فَيَلْغُو الْجُزْءُ الزَّائِدُ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ)
وَقَعَ فِي الْفَتْحِ لَفْظُ وَاحِدَةٍ مُكَرَّرًا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ
وَكَانَ مَا هُنَا سَاقِطٌ مِنْ قَلَمِ الْكَاتِبِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ
مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ أَوْ
تَطْلِيقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ وَعِبَارَةُ
الْفَتْحِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَسْبِقْ وُقُوعُ
شَيْءٍ فَيَنْقَسِمُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُنَّ نِصْفَيْنِ قِسْمَةً وَاحِدَةً
وَهُنَا قَدْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ
يَرْفَعَ شَيْئًا مِمَّا أَوْقَعَ عَلَيْهَا بِإِشْرَاكِ الثَّانِيَةِ
وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَوِّيَ الثَّانِيَةَ بِهَا بِإِيقَاعِ
الثَّلَاثِ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَى
الْأُولَى فَكَلَامُهُ فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ إشْرَاكٌ فِي كُلِّ
وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُنَّ
صَوَابُهُ فَيُقَسَّمُ بِإِسْقَاطِ لَا.
(3/283)
لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ وُجِدَ فِي
الطَّلَاقِ لَا فِي الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا
عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ فَإِنْ قَبِلَتْ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ،
وَالْمَالُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى كَوْنِهِ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا حَيْثُ لَمْ
يَقُلْ عَلَى كَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ
وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ بَائِنٌ
نَاوِيًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا أَنْ يَقَعَ
عَلَى الثَّانِيَةِ بَائِنًا أَيْضًا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا:
وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا
فَقَالَ زَوْجُهَا لِامْرَأَةٍ أُخْرَى لَهُ: قَدْ أَشْرَكْتُك فِي
فُرْقَةِ هَذِهِ طَلُقَتْ بَائِنًا، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ
وَحَكَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَلَوْ
قَالَ فِي فُرْقَةِ الْعِنِّينِ، وَاللِّعَانِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالْخُلْعِ
قَدْ أَشْرَكْتُك فِي فُرْقَةِ هَذِهِ طَلُقَتْ لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ
فِرْقَةُ طَلَاقٍ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت
طَالِقٌ خَمْسَ تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَتْ ثَلَاثٌ تَكْفِنِي فَقَالَ ثَلَاثٌ
لَك، وَالْبَاقِي عَلَى صَوَاحِبِك وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَيْهَا وَلَمْ
يَقَعْ شَيْءٌ عَلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ الْبَاقِي بَعْدَ الثَّلَاثِ صَارَ
لَغْوًا فَقَدْ صُرِفَ اللَّغْوُ إلَى صَوَاحِبِهَا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ
اهـ. وَقَدَّمْنَا خِلَافًا فِي الْأَخِيرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ
وَاحِدَةٌ وَإِلَى ثَلَاثٍ ثِنْتَانِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
فَتَدْخُلُ الْغَايَةُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَقَالَا
بِدُخُولِهِمَا فَيَقَعُ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ، وَفِي الثَّانِيَةِ
ثَلَاثٌ اسْتِحْسَانًا بِالتَّعَارُفِ إلَّا أَنَّهُمَا أَطْلَقَا فِيهِ
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّمَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ عُرْفًا فِيمَا
مَرْجِعُهُ الْإِبَاحَةُ كَخُذْ مِنْ مَالِي مِنْ عَشَرَةٍ إلَى مِائَةٍ
وَبِعْ عَبْدِي بِمَالٍ مِنْ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ وَكُلْ مِنْ الْمِلْحِ
إلَى الْحُلْوِ فَلَهُ أَخْذُ الْمِائَةِ، وَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ وَأَكْلُ
الْحَلْوَاءِ، وَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْحَظْرُ حَتَّى لَا يُبَاحَ إلَّا
لِدَفْعِ الْحَاجَةِ فَلَا، وَالطَّلَاقُ مِنْهُ فَكَانَ قَرِينَةً عَلَى
عَدَمِ إرَادَةِ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى لَا بُدَّ
مِنْ وُجُودِهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا الطَّلْقَةَ الثَّانِيَةَ فِي
صُورَةِ إيقَاعِهَا وَهِيَ صُورَةٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إذْ لَا
ثَانِيَةَ بِلَا أَوْلَى وَوُجُودُ الطَّلَاقِ عَيْنُ وُقُوعِهِ بِخِلَافِ
الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ
يَصِحُّ وُقُوعُ الثَّانِيَةِ بِلَا ثَالِثَةٍ أَمَّا صُورَةٌ مِنْ
وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا لِأَنَّهَا
إنَّمَا دَخَلَتْ ضَرُورَةَ إيقَاعِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ
وَإِيقَاعُ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ إدْخَالِهَا غَايَةً بَلْ
بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَاءِ الْعُرْفِ فِيهِ فَلَا تَدْخُلُ فَيَلْغُو
قَوْلُهُ: مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَيَقَعُ بِطَالِقٍ وَاحِدَةً
وَلَا يَرِدُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَانِيَةً حَيْثُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً
لِأَنَّ ثَانِيَةً لَغْوٌ فَيَقَعُ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَدْ ظَهَرَ
بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ اعْتِبَارِ
إثْبَاتِ الْعُرْفِ وَعَدَمِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِبَارِ
الْعُرْفِ فَلَا يَرِدُ دُخُولُ الْمُرَافِقِ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَمَّا
أَدْخَلَ مَا بَعْدَ إلَى تَارَةً وَأَخْرَجَهُ أُخْرَى كَانَ
الِاحْتِيَاطُ الدُّخُولَ فَإِنْ قِيلَ مَا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا
يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْأَمْرَيْنِ وَوُجُودَهُمَا وُقُوعَهُمَا فَيَقَعُ
الثَّلَاثُ الْجَوَابُ إنَّ ذَلِكَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَأَمَّا مَا
نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي
الْأَوَّلَ وَاحْتِمَالَ وُجُودِ الثَّانِي عُرْفًا فَفِيمَا بَيْنَ
السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ يُصَدَّقُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ السَّبْعِينَ
كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَ
بِالْخِيَارِ إلَى غَدٍ دَخَلَ الْغَدُ فِي الْخِيَارِ وَلَوْ حَلَفَ
لَيَقْضِيَن دَيْنَهُ إلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ
تَغْرُبْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَكَذَا لَا يُكَلِّمُهُ
إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ دَخَلَ الْعَاشِرُ وَكَذَا فِي إنْ تَزَوَّجْت إلَى
عَشْرِ سِنِينَ دَخَلَتْ الْعَاشِرَةُ وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَفِي
بَعْضِ الْكُتُبِ لَوْ أَجَّرَ إلَى خَمْسِ سِنِينَ دَخَلَتْ الْخَامِسَةُ،
وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ لَا تَدْخُلُ اهـ.
وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي شَرْحِنَا الْمُسَمَّى بِتَعْلِيقِ الْأَنْوَارِ
عَلَى أُصُولِ الْمَنَارِ وَلَوْ نَوَى فِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةً دُيِّنَ
دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَى ثِنْتَيْنِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مِنْ
وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً بِالْأُولَى اتِّفَاقًا وَقِيلَ
لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِدُخُولِ
الْغَايَتَيْنِ، وَالْأَصَحُّ الْوُقُوعُ عِنْدَهُ بِطَالِقِ وَيَلْغُو مَا
بَعْدَهُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَى ثَلَاثٍ
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ
دُونَ الْغَايَةِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا إنْ كَانَ
فِيهِ الْعُرْفُ الْكَائِنَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ قَالَ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ
الثَّانِيَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الْمَتْنِ وَهِيَ الَّتِي غَايَتُهَا إلَى
ثَلَاثٍ أَعْنِي مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ
إلَى ثَلَاثٍ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ) أَيْ
فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ
(3/284)
وَاحِدَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَقَعَتْ
ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ ثَلَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ
اللَّفْظَ مُعْتَبَرٌ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي
سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ بِخَمْسِمِائَةٍ
وَرَجَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى،
وَفِيهَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ تَقَعُ
ثَلَاثٌ قَالَ بَدِيعٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا
وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ
ثِنْتَانِ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثٌ اهـ. .
قَوْلُهُ: (وَوَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا
أَوْ نَوَى الضَّرْبَ) أَيْ تَقَعُ وَاحِدَةً فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْت
طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى
الضَّرْبَ، وَالْحِسَابَ عَالِمًا بِعُرْفِ الْحِسَابِ خِلَافًا لِزُفَرَ
فِي الثَّانِي لِأَنَّ عُرْفَهُمْ فِيهِ تَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ
بِعَدَدِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ وَاحِدٌ مَرَّتَيْنِ وَلَنَا أَنَّ قَوْلَهُ
فِي ثِنْتَيْنِ ظَرْفٌ حَقِيقَةً وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَيَقَعُ
الْمَظْرُوفُ دُونَ الظَّرْفِ وَلِهَذَا أَلْزَمَهُ عَشَرَةً فِي لَهُ
عَلَيَّ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ إلَّا إنْ قَصَدَ الْمَعِيَّةَ أَوْ
الْعَطْفَ فَعِشْرُونَ لِمُنَاسَبَةِ الظَّرْفِ كِلَيْهِمَا، وَأَمَّا
الضَّرْبُ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَمْسُوحَاتِ أَعْنِي فِيمَا لَهُ طُولٌ
وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ فَأَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْمَضْرُوبِ وَإِذَا كَانَ
فِيمَا لَيْسَ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ فَأَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ
فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ بِالضَّرْبِ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي
الدُّنْيَا فَقِيرًا لِأَنَّهُ يَضْرِبُ مَا مَلَكَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ
فِي مِائَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً ثُمَّ يَضْرِبُ الْمِائَةَ فِي الْأَلْفِ
فَيَصِيرُ مِائَةَ أَلْفٍ فَصَارَ مَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي
ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً ذَاتَ جُزْأَيْنِ وَكَذَا قَوْلُنَا وَاحِدَةٌ فِي
ثَلَاثٍ وَاحِدَةٌ ذَاتُ أَجْزَاءٍ ثَلَاثَةٍ، وَالتَّطْلِيقَةُ
الْوَاحِدَةُ، وَإِنْ كَثُرَتْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ
وَاحِدَةٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ،
وَالتَّحْرِيرُ قَوْلُ زُفَرَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عُرْفِ الْحِسَابِ
فِي التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ كَوْنُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مُضَعَّفًا
بِعَدَدِ الْآخَرِ، وَالْعُرْفُ لَا يَمْنَعُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ
تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ وَأَرَادَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِلُغَةٍ
أُخْرَى فَارِسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ يَدْرِيهَا اهـ.
وَهَكَذَا رَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّفْظَ
لَمَّا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَا
النِّيَّةُ كَمَا لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ: اسْقِنِي الْمَاءَ الطَّلَاقَ
فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) يَعْنِي فِي
الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّ
حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ، وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ فَصَحَّ
أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْوَاوِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ نَوَى بَقِيَ
الْوَاوُ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهَا مَعْنَى مَعَ وَقَعَ الثَّلَاثُ
مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ
الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ وَإِرَادَةُ
مَعْنَى لَفْظَةِ مَعَ بِهَا ثَابِتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَتَجَاوَزُ
عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: 16] وَأَمَّا
الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:
29] أَيْ مَعَ عِبَادِي فَبَعِيدٌ يَنْبُو عَنْهُ {وَادْخُلِي جَنَّتِي}
[الفجر: 30] فَإِنَّ دُخُولَهَا مَعَهُمْ لَيْسَ إلَّا إلَى الْجَنَّةِ
فَهِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ إنَّ
الْمُرَادَ فِي جُمْلَةِ عِبَادِي وَقِيلَ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي
وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ فِي عَبْدِي فَالْأَوْجَهُ الِاسْتِشْهَادُ بِمَا
ذَكَرْنَا وَحُكْمُ مَا إذَا نَوَى الظَّرْفِيَّةَ حُكْمُ مَا إذَا لَمْ
يَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ
الْمُصَنِّفُ فَالْوُجُوهُ خَمْسَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ) يَعْنِي إنْ لَمْ
تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الظَّرْفَ أَوْ الضَّرْبَ لِمَا ذَكَرْنَا،
وَإِنْ نَوَى مَعْنَى الْوَاوِ أَوْ مَعْنَى مَعَ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ فِي
الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا ثِنْتَانِ فِي الْأَوَّلِ وَثَلَاثٌ
فِي الثَّانِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ: (وَمِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ
وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ
مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي جَمِيعِ الدُّنْيَا، وَفِي السَّمَوَاتِ فَلَمْ
يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ زِيَادَةُ شِدَّةٍ، وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ:
مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا مَدَّ الْمَرْأَةَ لَا الطَّلَاقَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ
حَالٌ وَلَا يَصْلُحُ صَاحِبُ الْحَالِ فِي التَّرْكِيبِ إلَّا الضَّمِيرُ
فِي طَالِقٍ قَوْلُهُ: (وَبِمَكَّةَ، وَفِي مَكَّةَ، وَفِي الدَّارِ
تَنْجِيزٌ) فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ
وَلَا بِمَكَّةَ وَكَذَا فِي الظِّلِّ، وَفِي الشَّمْسِ، وَالثَّوْبُ
كَالْمَكَانِ فَلَوْ قَالَ فِي ثَوْبِ كَذَا وَعَلَيْهَا غَيْرُهُ طَلُقَتْ
لِلْحَالِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ
سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا
بِأَلْفٍ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي أَرْبَعًا
بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِالْأَلْفِ وَلَوْ طَلَّقَهَا
وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا وَلَعَلَّ
مَا هُنَا رِوَايَةٌ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ
الْمَنْظُورَ إلَيْهِ حُصُولُ الْمَقْصُودِ لَا اللَّفْظِ كَمَا سَيَأْتِي
فِي الْخُلْعِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عُرْفِ الْحِسَابِ. . إلَخْ) قَالَ فِي
النَّهْرِ وَكَذَا الْإِلْزَامُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ
فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ لِأَنَّ ضَرْبَ دِرْهَمِهِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ
مَثَلًا إنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ عِنْدِي دِرْهَمٌ
فِي مِائَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ
كَجَعَلْتُهُ فِي مِائَةٍ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ لَا يَنْجَعِلُ
بِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي
الْبَحْرِ مَمْنُوعٌ بِالْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَكَذَا رَدَّهُ تِلْمِيذُهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بِأَنَّهُ لَمَّا
تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ بِاعْتِبَارِ
الْعُرْفِ لِمَعْنًى مَعْلُومٍ فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِحَقِيقَةٍ عُرْفِيَّةٍ
وَبِهِ يُوجَدُ صَلَاحِيَةُ اللَّفْظِ لِذَلِكَ وَاعْتِبَارُهُ بِقَوْلِهِ
اسْقِنِي الْمَاءَ. . . إلَخْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّفْظَ
(3/285)
أَوْ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ، وَإِنْ قَالَ
عَنَيْت إذَا لَبِسْت أَوْ إذَا مَرِضْت صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً
لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا إذَا قَصَدَ
بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الدُّخُولَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ دِيَانَةً لَا
قَضَاءً وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ
لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ وَبَيْنَ الْفِعْلِ، وَالزَّمَانِ
مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُمَا فَكَمَا يُوجَدَانِ
يَذْهَبَانِ وَلِلْمَكَانِ بَقَاءٌ لَا يَتَجَدَّدُ كُلَّ سَاعَةٍ أَمَّا
الزَّمَانُ يَتَجَدَّدُ وَيَحْدُثُ كُلَّ سَاعَةٍ كَالْفِعْلِ فَكَانَ
اخْتِصَاصُ الطَّلَاقِ بِالزَّمَانِ أَكْثَرَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ،
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ
طَلُقَتْ وَاحِدَةً.
وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي اللَّيْلِ، وَفِي النَّهَارِ تَقَعُ
ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي لَيْلِك وَنَهَارِك طَلُقَتْ
لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ إلَى
الشِّتَاءِ تَعَلَّقَ قَوْلُهُ: (وَإِذَا دَخَلْت مَكَّةَ تَعْلِيقٌ
لِوُجُودِ حَقِيقَةِ التَّعْلِيقِ) وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي
دُخُولِك الدَّارَ أَوْ فِي لُبْسِك ثَوْبَ كَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ
فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَفْعَلَ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ،
وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ شَاغِلًا لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى
الشَّرْطِ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِيهَا
دُخُولِك الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ،
وَالْمِعْرَاجِ وَأَوْضَحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ فِي
بِدُونِ حَرْفِ الْهَاءِ يَصِيرُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَهُوَ
الطَّلَاقُ، وَالدُّخُولُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ فَجُعِلَ
شَرْطًا فَصَارَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِذَا ذُكِرَ
فِي مَعَ حَرْفِ الْهَاءِ صَارَ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا وَهُوَ
الدُّخُولُ، وَالطَّلَاقُ لَا يَصْلُح ظَرْفًا لِلدُّخُولِ وَلَا يُمْكِنُ
جَعْلُ الطَّلَاقِ شَرْطًا أَيْضًا لِلدُّخُولِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ
بِالظَّرْفِيَّةِ، وَالشَّرْطِيَّةِ فَيُلْغِي كَلِمَةٌ فِي فَوَقَعَ
بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ اهـ.
فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى
الطَّلْقَةِ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ مُذَكَّرًا فَهُوَ عَائِدٌ إلَى
الطَّلَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِهَا
فِي قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك حَتَّى لَوْ
تَزَوَّجَهَا لَا تَقَعُ لِأَنَّهَا كَالتَّعْلِيقِ تَوَقُّفًا لَا
تَرَتُّبًا وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَا
يَقُومُ بِهَا فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ
أَنْت طَالِقٌ فِي مَرَضِك أَوْ وَجَعِك أَوْ صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقُ
حَتَّى تَمْرَضَ أَوْ تُصَلِّيَ إمَّا لِأَنَّ " فِي " حَرْفٌ بِمَعْنَى
مَعَ أَوْ لِأَنَّ الْمَرَضَ وَنَحْوَهُ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ ظَرْفًا
حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ مَجَازًا لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ.
وَأَشَارَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّ
الْإِضَافَةَ إنْ كَانَتْ إلَى الْمَوْجُودِ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ
كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ، وَإِنْ كَانَتْ إلَى مَعْدُومٍ
فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ كَقَوْلِهِ فِي دُخُولِك وَقَيَّدَ بِفِي لِأَنَّهُ
لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ أَوْ قَالَ لِحَيْضِك
تَطْلُقُ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بِدُخُولِك الدَّارَ أَوْ
بِحَيْضِك لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ وَتَحِيضَ كَذَا فِي
الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي حَيْضِك
وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ
عَنْ دُرُورِ الدَّمِ وَنُزُولِهِ لِوَقْتِهِ فَكَانَ فِعْلًا فَصَارَ
شَرْطًا كَمَا فِي الدُّخُولِ، وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
لَا فِي الْمَاضِي وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي حَيْضَةٍ أَوْ فِي
حَيْضَتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ
اسْمٌ لِلْحَيْضَةِ الْكَامِلَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ»
فَأَرَادَ بِهَا كَمَالَهَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ
الْحَيْضَةَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ كَانَ تَعْلِيقًا
لِطَلَاقِهَا عَلَى الطُّهْرِ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَإِنْ
ذَكَرَهُ بِغَيْرِ تَاءٍ كَانَ تَعْلِيقًا عَلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ بِشَرْطِ
أَنْ يَمْتَدَّ ثَلَاثًا كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ ثُمَّ قَالَ فِي
الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ
لِلْحَالِ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَصْلُحُ ظَرْفًا لِكَوْنِهَا طَالِقًا
وَمَتَى طَلُقَتْ فِي وَقْتٍ طَلُقَتْ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلَوْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى
يَجِيءَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ لِأَنَّ الْمَجِيءَ فِعْلٌ فَلَمْ يَصْلُحْ
ظَرْفًا فَصَارَ شَرْطًا وَلَا يُحْتَسَبُ بِالْيَوْمِ الَّذِي حَلَفَ
فِيهِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي
الْمَاضِي وَمَجِيءُ الْيَوْمِ يَكُونُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَقَدْ مَضَى
جُزْءُ أَوَّلِهِ وَلَوْ قَالَ فِي مُضِيِّ يَوْمٍ تَطْلُقُ فِي الْغَدِ
فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ وَلَوْ قَالَ فِي مَجِيءِ يَوْمٍ تَطْلُقُ
حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الْمَجِيءَ عِبَارَةٌ عَنْ
مَجِيءِ أَوَّلِ جُزْئِهِ يُقَالُ جَاءَ يَوْمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
صَرِيحٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ مُذَكَّرًا. . . إلَخْ) بِأَنْ قَالَ
فِيهِ دُخُولُك الدَّارَ، وَالْوُقُوعُ فِيهِ لِلْحَالِ أَظْهَرُ
لِكَوْنِهِ عَائِدًا إلَى الطَّلَاقِ كَذَا فِي النَّهْرِ.
(3/286)
الْجُمُعَةِ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ
وَجَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ كَمَا هَلَّ الْهِلَالُ، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ
كُلُّهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ أَوَّلُ جُزْءٍ
مِنْهُ فَأَمَّا الْمُضِيُّ فَعِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ،
وَقَدْ وُجِدَ مِنْ حِينِ حَلَفَ مُضِيُّ بَعْضِ يَوْمٍ لَا مُضِيُّ
كُلِّهِ فَوَجَبَ ضَرُورَةُ تَتْمِيمِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي
لِيَتَحَقَّقَ مُضِيُّ جَمِيعِ يَوْمٍ اهـ.
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ " فِي "
لِلظَّرْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ إلَى أَنْ قَالَ: وَلَوْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَتَنَجَّزُ، وَالْوَكِيلُ
بِهِ يَمْلِكُ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً قَالَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
أَنْت طَالِقٌ فِي مُضِيِّ الْيَوْمِ يَقَعُ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَفِي
مُضِيِّ الْيَوْمِ عِنْدَ مَجِيءِ تِلْكَ السَّاعَةِ وَكَذَا فِي مُضِيِّ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ قَالَ لَيْلًا يَقَعُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
فِي الثَّالِثِ اهـ.
وَصُورَةُ التَّوْكِيلِ بِهِ أَنْ يَقُولَ لِآخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتِي فِي
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا
يَمْتَدُّ فَاقْتَضَى التَّفْرِيقَ بِخِلَافِ وَصْفِهَا بِالطَّلَاقِ فِي
الثَّلَاثَةِ.
(فَصْلٌ) يَعْنِي فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ ذَكَرَ فِي
بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَصَلَيْنَ بِاعْتِبَارِ تَنْوِيعِ الْإِيقَاعِ
أَيْ مَا بِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا إلَى مُضَافٍ وَمَوْصُوفٍ وَمُشَبَّهٍ
وَغَيْرُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَدْخُولٍ بِهَا وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا
وَكُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ تَحْتَ ذَلِكَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى بَابًا كَمَا
أَنَّ الْبَابَ يَكُونُ تَحْتَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى كِتَابًا، وَالْكُلُّ
تَحْتَ الصِّنْفِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْعِلْمِ الْمُدَوَّنِ فَإِنَّهُ
صِنْفٌ عَالٍ، وَالْعِلْمُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ جِنْسٌ وَمَا
تَحْتَهُ مِنْ الْيَقِينِ، وَالظَّنِّ نَوْعٌ، وَالْعُلُومُ الْمُدَوَّنَةُ
تَكُونُ ظَنِّيَّةً كَالْفِقْهِ وَقَطْعِيَّةً كَالْكَلَامِ، وَالْحِسَابِ،
وَالْهَنْدَسَةِ فَوَاضِعُ الْعِلْمِ لَمَّا لَاحَظَ الْغَايَةَ
الْمَطْلُوبَةَ لَهُ فَوَجَدَهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَحْوَالٍ
شَتَّى أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ وَضَعَهُ لِيَبْحَثَ عَنْ
أَحْوَالِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ
الْعِلْمِ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ فَصَارَ صِنْفًا وَقِيلَ الْوَاضِعُ صَنَّفَ
الْعِلْمَ أَيْ جَعَلَهُ صِنْفًا فَالْوَاضِعُ أَوْلَى بِاسْمِ
الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ، وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا فِيهِمْ وَعُلِمَ
مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا تَتَبَايَنُ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ صِنْفٍ
أَعْلَى لِتَبَايُنِ الْعَوَارِضِ الْمُقَيَّدِ بِكُلٍّ مِنْهَا النَّوْعُ
وَإِنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ كِتَابِ الْحَوَالَةِ اللَّائِقُ بِهِ
خِلَافُ تَسْمِيَتِهِ بِكِتَابٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالصِّنْفُ
فِي اللُّغَةِ الطَّائِفَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَقِيلَ النَّوْعُ كَذَا فِي
الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ تَطْلُقُ
عِنْدَ الصُّبْحِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ
فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ جَمِيعَهُ هُوَ مُسَمَّى الْغَدِ فَتَعَيَّنَ
الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ، وَفِي الثَّانِي وَصَفَهَا
فِي جُزْءٍ مِنْهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ فَإِنَّهُ
لَا يَقَعُ لِلْحَالِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ
مَالِكٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ يَأْتِي لَا مَحَالَةَ
مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ دَخَلَ رَمَضَانُ
وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي
زَمَانُهُ لَا مَحَالَةَ وَلَا يَتَنَجَّزُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ
اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَأَقَّتُ.
فَإِذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ
بَعْدَ الْعَشَرَةِ وَتَكُونُ إلَى بِمَعْنَى بَعْدَ، وَالْعِتْقُ،
وَالْكَفَالَةُ إلَى شَهْرٍ كَالطَّلَاقِ إلَيْهِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ
كَفِيلٌ فِي الْحَالِ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ كَفِيلٌ بَعْدَ شَهْرٍ،
وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ إلَى عَشَرَةٍ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِلْحَالِ
وَيَزُولُ بِمُضِيِّهَا وَلَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ بِيَدِهَا بَعْدَ
الْعَشَرَةِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَالْبَيْعُ إلَى شَهْرٍ تَأْجِيلٌ
لِلثَّمَنِ، وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّأْقِيتَ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ
بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ، وَفِي الْإِجَارَةِ إلَى شَهْرٍ تَعَيَّنَ
مَا يَلِي الْعَقْدَ وَتَمَّتْ بِمُضِيِّهِ وَكَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ،
وَالشِّرْكَةِ إلَى شَهْرٍ كَالْإِجَارَةِ، وَالصُّلْحِ إلَى شَهْرٍ،
وَالْقِسْمَةُ إلَيْهِ لَا تَصِحُّ، وَالْإِبْرَاءُ إلَى شَهْرٍ
كَالطَّلَاقِ إلَّا إذَا قَالَ أَرَدْت التَّأْخِيرَ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا
إلَيْهِ، وَالْإِقْرَارُ إلَى شَهْرٍ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ ثَبَتَ
الْأَجَلُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَزِمَ الْمَالُ حَالًّا، وَالْقَوْلُ لَهُ
وَإِذْنُ الْعَبْدِ لَا يَتَأَقَّتُ، وَالتَّحْكِيمُ، وَالْقَضَاءُ
يَقْبَلَانِ التَّأْقِيتَ نَهْيُ الْوَكِيلِ عَنْ الْبَيْعِ يَوْمًا
يَتَأَقَّتُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِبَيَانِ مَا يَتَوَقَّتُ وَمَا لَا
يَتَوَقَّتُ ذَكَرْتهَا هُنَا لِكَثْرَةِ فَوَائِدِهَا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ
فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَفِيهَا مِنْ
الْأَيْمَانِ أَنْتِ كَذَا إذَا جَاءَ غَدٌ يَمِينٌ أَنْتِ كَذَا غَدًا
لَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى
وَقْتَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]
فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَأَقَّتُ) قَالَ
الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ
أَنْت طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ يَقَعُ بَعْدَ السَّنَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا
يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ فَتَكُونُ هَذِهِ إضَافَةً لِلْإِيقَاعِ إلَى مَا
بَعْدَ السَّنَةِ. اهـ.
فَالْحُكْمُ مُوَافِقٌ، وَالْعِلَّةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا هُنَا، وَفِي
الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ
الْأَمْرَ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ
أَنْت طَالِقٌ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ تَكُونُ إلَى بِمَعْنَى بَعْدُ
لِأَنَّ تَأْجِيلَ الْوُقُوعِ غَيْرُ مُمْكِنٌ فَأَجَّلَ الْإِيقَاعَ
وَلَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ يَقَعُ اهـ.
فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ لَا سَاقِطَةً سَهْوًا أَوْ يَكُونَ
عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إلَّا
إذَا قَالَ أَرَدْت التَّأْخِيرَ) فَيَكُونُ تَأْجِيلًا إلَيْهِ
لِلْمُؤَلَّفِ فِي هَذَا بَحْثٌ يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْأَمْرِ
بِالْيَدِ (قَوْلُهُ: وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتَيْنِ) أَيْ
مُسْتَقْبَلَيْنِ فَلَوْ أَحَدُهَا حَالًّا فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ
قَوْلِهِ، وَفِي الْيَوْمِ غَدًا
(3/287)
بِالْفِعْلَيْنِ عِنْدَ آخِرِهِمَا،
وَالْمُضَافُ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ كَقَوْلِهِ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ
طَلُقَتْ بَعْدَ غَدٍ وَلَوْ عَلَّقَ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ يَنْزِلُ
عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِفِعْلٍ أَوْ وَقْتٍ يَقَعُ
بِأَيِّهِمَا سَبَقَ، وَفِي الزِّيَادَاتِ إنْ وُجِدَ الْفِعْلُ أَوَّلًا
يَقَعُ وَلَا يُنْظَرُ وُجُودُ الْوَقْتِ، وَإِنْ وُجِدَ الْوَقْتُ
أَوَّلًا لَا يَقَعُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ اهـ.
وَفِيهَا مِنْ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا
وَاحِدَةً غَدًا أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا تَعَلَّقَ ثِنْتَانِ لِمَجِيءِ
الْغَدِ وَكَلَامِ فُلَانٍ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً تَقَعُ عَلَيْك
غَدًا تَطْلُقُ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ وَصَفَ التَّطْلِيقَةَ
بِمَا تَتَّصِفُ بِهِ فَإِنَّهَا تَتَّصِفُ بِالْوُقُوعِ غَدًا بِأَنْ
كَانَتْ مُضَافَةً إلَى الْغَدِ فَلَا تَقَعُ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ،
وَلَوْ قَالَ: تَطْلِيقَةً لَا تَقَعُ إلَّا غَدًا طَلُقَتْ لِلْحَالِ
لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ
مَا لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْغَدِ بَلْ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ حَالًا
وَاسْتِقْبَالًا فَلَغَا ذِكْرُ الْوَصْفِ فَبَقِيَ مُرْسَلًا كَمَا لَوْ
قَالَ: أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً تَصِيرُ أَوْ تُصْبِحُ غَدًا وَلَوْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى تَطْلُقُ حِينَ يَمْضِي
الْيَوْمُ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلطَّلَاقِ لِمَا بَيَّنَّا
فَصَارَ الطَّلَاقُ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى فَلَمْ
يَقَعْ قَبْلَهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ
لِلْحَالِ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْيَوْمِ فَيَتَأَخَّرُ
الْيَوْمُ عَنْ الطَّلَاقِ فَبَقِيَ الطَّلَاقُ مُرْسَلًا غَيْرَ مُضَافٍ،
وَلَوْ قَالَ مَعَ يَوْمِ الْأَضْحَى طَلُقَتْ حِينَ يَطْلُعُ فَجْرُهُ
لِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ فَقَدْ جَعَلَ الْوُقُوعَ مُقَارِنًا لِيَوْمِ
الْأَضْحَى وَلَوْ قَالَ مَعَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ لِلْحَالِ
لِأَنَّ حَرْفَ مَعَ هُنَا دَخَلَتْ عَلَى الْوَقْتِ فَصَارَ مُضِيفًا
الْوَقْتَ إلَى الطَّلَاقِ وَإِضَافَةُ الْوَقْتِ إلَى الطَّلَاقِ بَاطِلٌ
لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ مُرْسَلًا كَمَا
لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ لِلْحَالِ
اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْحَاصِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا أُضِيفَ إلَى وَقْتٍ
لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَجِئْ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَإِنْ أُضِيفَ الْوَقْتُ
إلَى الطَّلَاقِ وَقَعَ لِلْحَالِ، وَتَوْضِيحُهُ فِيهَا وَقَيَّدَ
بِقَوْلِهِ غَدًا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لَا بَلْ غَدًا
طَلُقَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةً، وَفِي الْغَدِ أُخْرَى كَذَا فِي
الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ
شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ بِخِلَافِ
أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ إلَيْهَا فِي
الْغَدِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت
طَالِقٌ غَدًا إذَا دَخَلْت الدَّارَ يَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ فَيَتَعَلَّقُ
الطَّلَاقُ بِدُخُولِ الدَّارِ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ فِي أَيِّ وَقْتٍ
كَانَ طَلُقَتْ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ إذَا أَلْغَى ذِكْرَ الْغَدِ
يَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ فَوَجَبَ أَنْ
يَتَجَزَّأَ الْجَزَاءُ وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَقَالَ: إنْ دَخَلْت
الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ غَدًا يَتَعَلَّقُ طَلَاقُ الْغَدِ بِالدُّخُولِ
اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَقْتِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ
يَأْتِ بَعْدَهُ تَعْلِيقٌ لِتَعَارُضِ الْإِضَافَةِ، وَالتَّعْلِيقِ
فَيَتَرَجَّحُ الْمُتَأَخِّرُ.
قَوْلُهُ: (وَنِيَّةُ الْعَصْرِ تَصِحُّ فِي الثَّانِي) أَيْ نِيَّةُ آخِرِ
النَّهَارِ تَصِحُّ مَعَ ذِكْرِ كَلِمَةِ فِي وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ
حَذْفِهَا قَضَاءً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا تَصِحُّ فِي
الثَّانِي كَالْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ لَهُ عُمُومُ مُتَعَلَّقِهَا
بِدُخُولِهَا مُقَدَّرَةً لَا مَلْفُوظَةً لُغَةً لِلْفَرْقِ بَيْنَ صُمْت
سَنَةً، وَفِي سَنَةٍ لُغَةً وَكَذَا شَرْعًا فِيمَا لَوْ حَلَفَ
لَيَصُومَن عُمْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ عُمُرِهِ حَتَّى لَا
يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ إلَّا بِصَوْمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ وَلَوْ قَالَ
لَأَصُومَن فِي عُمُرِي فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِهِ
حَتَّى لَوْ صَامَ سَاعَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ
فَنِيَّةُ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ مَعَ ذِكْرِهَا نِيَّةُ الْحَقِيقَةِ
لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ وَمَعَ حَذْفِهَا
نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنَّمَا
يَتَعَيَّنُ أَوَّلُ أَجْزَائِهِ مَعَ عَدَمِهَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ
وَجَعْلُهُمْ لَفْظَةَ غَدٍ عَامًّا مَعَ كَوْنِهِ نَكِرَةً فِي
الْإِثْبَاتِ لِتَنْزِيلِ الْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ وَكَانَ
يَكْفِيهِمْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ
عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ الزَّمَانُ فِي
حَقِّهِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَذْفِ، وَالْإِثْبَاتِ
كَصَمْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَيَّدْنَا
بِكَوْنِهِ قَضَاءً لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فِيهِمَا اتِّفَاقًا،
وَالْيَوْمُ، وَالشَّهْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ كَالْغَدِ فِيهِمَا وَمِثْلُ
قَوْلِهِ فِي غَدٍ قَوْلُهُ: فِي شَعْبَانَ مَثَلًا فَإِذَا قَالَ أَنْت
طَالِقٌ فِي شَعْبَانَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طَلُقَتْ حِينَ
تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، وَإِنْ نَوَى آخِرَ
يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَمِمَّا تَفَرَّعَ عَلَى
حَذْفِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْغَدِ.
. . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ
كَوْنَ الطَّلْقَةِ لَا تَقَعُ إلَّا غَدًا وَصْفٌ مُمْكِنٌ لَهَا
بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ إذَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ أَوْ عُلِّقَتْ
بِمَجِيئِهِ، وَالْقَصْرُ شَائِعٌ سَائِغٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ صَوْنًا
لَهُ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ اهـ.
وَيَتَلَخَّصُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ
دِيَانَةً إذَا أَرَادَ التَّخْصِيصَ وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْكَلَامِ لَغْوٌ
كَمَا قَالُوا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ أَعَمِّ الْأَوْقَاتِ أَيْ لَا
تَقَعُ عَلَيْك فِي الْأَوْقَاتِ الْحَالَّةِ، وَالْمُسْتَقْبِلَةِ إلَّا
فِي الْغَدِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا
مُشْكِلٌ. . . إلَخْ) أَقُولُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي
بَعْدَ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ
إذَا جَاءَ غَدٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَوَقَّفَ
الْمُنَجَّزُ لِاتِّصَالِ مُغَيِّرِ الْأَوَّلِ بِالْآخِرِ
(3/288)
وَإِثْبَاتِهَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
كُلَّ يَوْمٍ يَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ
ثَلَاثٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ
ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً إجْمَاعًا كَمَا لَوْ قَالَ عِنْدَ
كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّمَا مَضَى يَوْمٌ، وَالْفَرْقُ لَنَا أَنَّ فِي
لِلظَّرْفِ، وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ
فَيَلْزَمُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ وُقُوعُ تَعَدُّدِ الْوَاقِعِ
بِخِلَافِ كَوْنِ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ الِاتِّصَافُ بِالْوَاقِعِ فَلَوْ
نَوَى أَنْ تَطْلُقَ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ،
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنْت طَالِقٌ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً
فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا سَاعَةَ حَلَفَ، وَفِي التَّتِمَّةِ أَنْت
طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ
وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ طَلُقَتْ
وَاحِدَةً لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ فِي الْوُقُوعِ وَلَا
كَذَلِكَ فِي الثَّانِي وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كُلَّ جُمُعَةٍ فَإِنْ
كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فِي كُلِّ
يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى
كُلِّ جُمُعَةٍ تَمُرُّ بِأَيَّامِهَا عَلَى الدَّهْرِ فَهِيَ طَالِقٌ
وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كُلَّ يَوْمٍ
كَانَ ظِهَارًا وَاحِدًا فَلَا يَقْرَبُهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا حَتَّى
يُكَفِّرَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ قَالَ فِي
كُلِّ يَوْمٍ كَانَ مُظَاهِرًا فِي كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ كُلَّ
يَوْمٍ بِالظِّهَارِ فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ بَطَلَ الظِّهَارُ وَعَادَ
مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَتَوَقَّتُ فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ
بَطَلَ الظِّهَارُ، وَإِنْ كَفَّرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَلَهُ أَنْ
يَقْرَبَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ الظِّهَارَ قَدْ ارْتَفَعَ
بِالتَّكْفِيرِ وَعَادَ مِنْ الْغَدِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ
أُمِّي الْيَوْمَ وَكُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ كَانَ مُظَاهِرًا الْيَوْمَ
فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ بَطَلَ وَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا لَيْلًا لِأَنَّهُ
وَقَّتَهُ بِالْيَوْمِ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ صَارَ مُظَاهِرًا وَلَا
يَقْرَبُهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ
يَوْمٍ هُوَ مُظَاهِرٌ ظِهَارًا مُسْتَقْبَلًا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
لَا يُبْطِلُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ
بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَيَنْعَقِدُ كُلَّ يَوْمٍ ظِهَارٌ عَلَى حِدَةٍ
وَهُوَ مُرْسَلٌ فَيَقَعُ مُؤَبَّدًا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ:
وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ كُلَّ يَوْمٍ اللَّيْلَةَ حَتَّى
لَوْ كَلَّمَهُ فِي اللَّيْلِ فَهُوَ كَالْكَلَامِ بِالنَّهَارِ كَمَا فِي
قَوْلِهِ أَيَّامَ هَذِهِ الْجُمُعَةِ، وَفِي قَوْلِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ
لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي اللَّيْلِ لَا
يَحْنَثُ لَا يُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَهَذَا عَلَى
كَلَامٍ وَاحِدٍ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ،
وَفِي غَدٍ، وَفِي بَعْدَ غَدٍ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَ فِي كُلِّ
يَوْمٍ سَمَّاهُ وَلَوْ كَلَّمَهُ لَيْلًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ اهـ.
وَمِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْأَصْلِ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ
اسْتَأْجَرَهُ لِيُنْجِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ الْيَوْمَ فَسَدَتْ
لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ الْعَمَلَ أَوْ
الْمَنْفَعَةَ وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ
لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ
الْعَمَلَ فَقَطْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِجَارَاتِ، وَفِي
التَّلْوِيحِ وَمِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَا رَوَى إبْرَاهِيمُ
عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك رَمَضَانَ أَوْ فِي
رَمَضَانَ فَهُمَا سَوَاءٌ وَكَذَا غَدًا أَوْ فِي غَدٍ وَيَكُونُ
الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي الْغَدِ كُلِّهِ اهـ.
يَعْنِي: فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُنَا وَهَذِهِ
رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ
الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك
الْيَوْمَ فَهُوَ عَلَى الْيَوْمِ كُلِّهِ وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا
الْيَوْمِ فَهُوَ عَلَى مَجْلِسِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ
أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْغَدِ اهـ.
مَا فِي الْمُحِيطِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَلَمْ يَخْرُجْ
عَنْ هَذَا الْأَصْلِ وَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَالْفَرْقُ أَنَّ
الطَّلَاقَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَفِي
الصَّيْرَفِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ
ثَلَاثًا فِي هَذَا الْيَوْمِ يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا لِلْحَالِ
لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ
تَطْلِيقَةٌ) أَقُولُ: لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ لَفْظَةُ يَوْمٍ
بَلْ عِبَارَتُهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ وَسَيَنْقُلُهَا
الْمُؤَلِّفُ هَكَذَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ
قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتِمَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ
كُلِّ شَهْرٍ. إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ وَكَذَا فِي
الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ
شَهْرٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ
أَنْت طَالِقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً. إلَخْ وَهَكَذَا
رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى وَبِهِ يُعْلَمُ مَا
فِي عِبَارَتِهِ مِنْ التَّحْرِيفِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ
بَيْنَهُمَا فَصْلٌ. إلَخْ.
وَجْهُهُ أَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ فَبَيْنَ رَأْسِ الشَّهْرِ
وَرَأْسِ الشَّهْرِ فَاصِلٌ فَاقْتَضَى إيقَاعَ طَلْقَةٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ
شَهْرٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّ الْوَقْتَ الْمُضَافَ
إلَيْهِ الطَّلَاقُ مُتَّصِلٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ وَقْتٍ وَاحِدٍ كَذَا
ظَهَرَ لِي وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ
كُلَّ جُمُعَةٍ فَإِذَا نَوَى بِهَا الْيَوْمَ الْمَخْصُوصَ الْمُسَمَّى
بِالْجُمُعَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنْ
نَوَى بِهَا الْأُسْبُوعَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ
(قَوْلُهُ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) دَفَعَ
الْمُخَالَفَةَ مِنْ أَصْلِهَا السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي حَوَاشِي
التَّلْوِيحِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ فِي إثْبَاتِ الظَّرْفِ
وَحَذْفِهِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ لِعَدَمِ
الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ
وَغَيْرُهُ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَا مُخَالَفَةَ فِيمَا رَوَى إبْرَاهِيمُ
عَنْ مُحَمَّدٍ لِذَهَابِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ اهـ.
وَعَلَى هَذَا؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةً وَافَقَ
فِيهَا الْإِمَامَ وَأَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ
قَوْلُ الْمُحِيطِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ
الْمُؤَلِّفِ مِنْ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ
(3/289)
لَا تَصْلُحُ جُزْءًا لِلطَّلَاقِ فِي
الْغَدِ اهـ.
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ
وَعَبْدُهُ حُرٌّ غَدًا أَوْ وَسَطَ غَدٍ وَقَعَا فِيهِ لِإِضَافَتِهِمَا
إلَيْهِ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَعَبْدُهُ حُرٌّ غَدًا كَانَ
كَمَا قَالَ وَلَوْ ذَكَرَ غَدًا مُتَقَدِّمًا يَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ عَلَى
الْأَصَحِّ وَلَوْ اسْتَثْنَى فِي آخِرِهِ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ اهـ.
ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحِنْثِ يَقَعُ بِأَمْرَيْنِ أَوْ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ،
وَفِي الْخَانِيَّةِ طَلِّقْ امْرَأَتِي غَدًا فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ
أَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَ بَاطِلًا.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْيَوْمِ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ
الْأَوَّلُ) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ
بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ نَجَّزَهُ
فَلَا يَقَعُ مُتَأَخِّرًا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا
يُعْتَبَرُ لِإِضَافَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهَا
إذَا طَلُقَتْ الْيَوْمَ كَانَتْ غَدًا كَذَلِكَ وَأَمَّا الثَّانِي
فَلِأَنَّهُ وَقَعَ مُضَافًا بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ مُنَجَّزًا بَعْدَهُ
بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ كَانَ تَطْلِيقًا آخَرَ وَإِنَّمَا وَصَفَهَا
بِوَاحِدَةٍ فَلَزِمَ إلْغَاءُ الثَّانِي ضَرُورَةً وَلَا يُمْكِنُ
جَعْلُهُ نَسْخًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ
مُسْتَجَدٍّ مُتَرَاخٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْيَوْمَ غَدًا
لِأَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ لَا
تَطْلُقُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَوَقَّفَ الْمُنَجَّزُ
لِاتِّصَالِهِ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ بِالْآخَرِ، وَقَدْ جَعَلُوا الشَّرْطَ
مُغَيِّرًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الْإِضَافَةِ، وَقَدْ طُولِبُوا بِالْفَرْقِ
بَيْنَهُمَا وَمَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْيَوْمَ فِي الشَّرْطِ لِبَيَانِ
وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَفِي الْإِضَافَةِ
لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ لَا يُفِيدُ فَرْقًا وَلَوْ قَالَ أَنْت
طَالِقٌ الْيَوْمَ وَإِذَا جَاءَ غَدٌ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ
وَأُخْرَى فِي الْغَدِ لِأَنَّ الْمَجِيءَ شَرْطٌ مَعْطُوفٌ عَلَى
الْإِيقَاعِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُوَقَّعُ
لِلْحَالِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ
الْمُتَعَلِّقُ تَطْلِيقَةً أُخْرَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي
الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ
فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَالْأُخْرَى
غَدًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ
جَاءَ الْغَدُ تَقَعُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى اهـ.
وَذِكْرُ الْوَاوِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمُ ذِكْرِهَا سَوَاءٌ
حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَوَّلَ
النَّهَارِ وَآخِرَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا إذَا
نَوَى أُخْرَى فَيَتَعَدَّدُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ
بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا
وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ
وَقَعَتْ ثِنْتَانِ لِلْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ
عَلَيْهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى
وَكَذَا لَوْ قَالَ أَمْسِ، وَالْيَوْمَ فَهِيَ ثِنْتَانِ لِأَنَّ
الْوَاقِعَ فِي الْيَوْمِ لَا يَكُونُ وَاقِعًا فِي الْأَمْسِ فَاقْتَضَى
أُخْرَى وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ
الْيَوْمَ وَغَدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ فِيهِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
غَدًا، وَالْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ، وَالْمَرْأَةُ مَدْخُولٌ بِهَا يَقَعُ
ثَلَاثًا خِلَافًا زُفَرَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ
وَبَعْدَ غَدٍ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي
الْأُولَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا وَاحِدَةً
صَحَّ وَوَقَعَتْ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا
وَبَعْدَ غَدٍ تَقَعُ وَاحِدَةً بِلَا نِيَّةٍ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا
مُتَفَرِّقَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَعْنَ كَذَلِكَ وَاسْتُفِيدَ
مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِالنَّهَارِ أَنْت طَالِقٌ
بِاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ يَقَعُ عَلَيْهِ تَطْلِيقَتَانِ وَلَوْ قَالَ
بِالنَّهَارِ، وَاللَّيْلِ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَ بِاللَّيْلِ
انْعَكَسَ الْحُكْمُ كَذَا فِي التَّنْقِيحِ لِلْمَحْبُوبِيِّ وَعَلَى
هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلُهُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَنْت
طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً مُقَيَّدٌ بِمَا
إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَوْ كَانَتْ
فِي آخِرِ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ
أَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى أُضِيفَ إلَى وَقْتَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ نَزَلَ
فِي أَوَّلِهِمَا لِيَصِيرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
لَا تَصْلُحُ جُزْءًا لِلطَّلَاقِ فِي الْغَدِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي
شَرْحِهِ قُلْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ الْيَوْمُ فَيَتَعَلَّقُ
بِالْغَدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَكَرَ تَأَخُّرَ الْعِتْقِ عَلَى الْأَصَحِّ)
كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بَيَاضٌ بَعْدَ قَوْلِهِ
ذَكَرُوا فِي بَعْضِهَا وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ تَأَخَّرَ
الْعِتْقُ، وَفِي بَعْضِهَا وَلَوْ ذَكَرَ غَدًا مُتَقَدِّمًا تَأَخَّرَ
الْعِتْقَ وَهِيَ أَنْسَبُ أَيْ بِأَنْ قَالَ: غَدًا أَنْت طَالِقٌ
وَعَبْدُهُ حُرٌّ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ) قَالَ فِي
النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي
الْأَمْسِ، وَالْيَوْمِ تَأْتِي فِي الْيَوْمِ، وَالْأَمْسِ فَتَدَبَّرْ
فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ دَقِيقٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى
الضَّابِطِ أَيْ الْآتِي قَرِيبًا وُقُوعُ وَاحِدَةٍ فِي الْأَمْسِ،
وَالْيَوْمِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْكَائِنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى
الْمُوَفِّقُ اهـ.
قُلْت قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ طَالِقٌ
أَمْسِ، وَالْيَوْمَ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ
تَقَعُ ثِنْتَانِ وَنُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ خِلَافُهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ
لِأَنَّ إيقَاعَهُ فِي أَمْسِ إيقَاعٌ فِي الْيَوْمِ فَكَأَنَّهُ كَرَّرَ
الْيَوْمَ اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ الْحَقُّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَتْ فِي
آخِرِهِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَعْنِي فَيَقَعُ فِي
قَوْلِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ إذَا قَالَهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ
ثِنْتَانِ، وَفِي آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِهِ وَاحِدَةٌ وَأَقُولُ: قَدْ
يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ وَسَطَ النَّهَارِ أَنْت
طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ بَدَأَ
بِالْوَقْتِ الْكَائِنِ فَجَعَلَ الْمَاضِي بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِيهِ
كَائِنًا وَهَذَا يُفِيدُ لَوْ كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ وَقَعَتْ
وَاحِدَةً أَيْضًا لِأَنَّهُ بَدَأَ
(3/290)
وَاقِعًا فِيهِمَا.
وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ كَائِنًا، وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا
وَبَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْكَائِنِ وَقَعَ طَلَاقٌ
وَاحِدٌ فِي أَوَّلِهِمَا، وَإِنْ بَدَأَ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَقَعَ
طَلَاقَانِ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ مَا خَلَا الْيَوْمَ
طَلُقَتْ لِلْحَالِ اهـ.
وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا لَا
يَقَعُ إلَّا غَدًا أَوْ طَلَاقًا لَا يَقَعُ إلَّا فِي دُخُولِك الدَّارَ
وَقَعَ لِلْحَالِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالدُّخُولِ وَلَا بِالْغَدِ
لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لَهُ إذْ لَا يَصْلُحُ أَنْ
يَكُونَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي غَدٍ فَقَطْ أَوْ فِي دُخُولِهَا فَقَطْ
وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْك
إلَّا بَائِنًا حَيْثُ تَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَلْحَقُ
الْوَصْفُ، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى أُضِيفَ
إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ وَقَعَ عِنْدَ آخِرِهِمَا كَقَوْلِهِ أَنْت
طَالِق غَدًا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ يَقَعُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ
وَكَذَا الْيَوْمَ أَوْ غَدًا يَقَعُ عِنْدَ الْغَدِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ
بِفِعْلَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ آخِرِهِمَا نَحْوُ إذَا جَاءَ فُلَانٌ
وَفُلَانٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ مَجِيئِهِمَا، وَإِنْ عَلَّقَ
بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا نَحْوُ: إذَا جَاءَ
فُلَانٌ أَوْ جَاءَ فُلَانٌ فَأَيُّهُمَا جَاءَ طَلُقَتْ، وَإِنْ عَلَّقَهُ
بِالْفِعْلِ، وَالْوَقْتِ يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةٌ، وَإِنْ
عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ أَوْ وَقْتٍ فَإِنْ سَبَقَ الْفِعْلُ وَقَعَ وَلَمْ
يُنْتَظَرْ الْوَقْتُ، وَإِنْ سَبَقَ الْوَقْتُ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يُوجَدَ
الْفِعْلُ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَفِي التَّلْخِيصِ: لَوْ قَالَ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ
اتَّحَدَ الْوَاقِعُ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ
الْأَوَّلَ انْتَهَى بِالْغُرُوبِ كَالظِّهَارِ إذْ الْوَقْتُ
كَالْمَجْلِسِ فَقَدْرُ الصَّدْرِ مُعَادٌ إحْذَارَ اللَّغْوِ كَذَا
يَوْمًا وَيَوْمًا لَا لِأَنَّ لَا لَغْوَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ أَبَدًا
تَرْجِيحًا لِلتَّعْدِيدِ عَلَى النَّفْيِ بِالْعُرْفِ عَكْسَ الْأَوَّلِ
فَيَقَعُ ثَلَاثًا آخِرُهُنَّ فِي الْخَامِسِ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّادِسُ
بَدَأَ مِنْ الثَّانِي إذَا أَضَافَ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ،
وَالْأَظْهَرُ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ
كَمَا لَوْ لَمْ يَزِدْ وَلَهُ النِّيَّةُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَتُرَدُّ
قَضَاءً اهـ.
وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ
الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَبِأَحَدِهِمَا
عِنْدَ الْأَوَّلِ، وَالْمُضَافُ بِالْعَكْسِ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا
وَبَعْدَهُ يَقَعُ غَدًا وَبَعْدَهُ فِي أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إذَا
جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو يَقَعُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَبِأَوْ عِنْدَ
الْأَوَّلِ قَالَ: إنْ دَخَلَ هَذِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ إنْ
كَلَّمَهُنَّ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَيُّهُمَا وُجِدَ شَرْطُهَا نَزَلَ
جَزَاؤُهَا وَتَبْطُلُ الْأُخْرَى، وَإِنْ وُجِدَا مَعًا يَتَخَيَّرُ وَلَا
يَتَخَيَّرُ قَبْلَهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَدًا أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ
بَعْدَهُ يَنْزِلُ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ وَيَتَخَيَّرُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ أَوْ أَوْسَطُ
الْجَزَاءِ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يَتَعَدَّدُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ
فِيهِمَا وَكَذَا إنْ لَمْ يُعِدْ حَرْفَ الشَّرْطِ قَدَّمَ أَوْ وَسَطَ
أَوْ أَخَّرَ ذِكْرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنْت
طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت كَانَتْ الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ وَلَوْ
قَالَ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
بِالْوَقْتِ الْكَائِنِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ
مَا فِي التَّنْقِيحِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي النَّهَارِ أَنْتِ
كَذَا فِي لَيْلِك وَنَهَارِك أَوْ قَبْلَهُ وَهُوَ فِي اللَّيْلِ لَا
يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بَدَأَ بِالْكَائِنِ بَعْدَ مُضِيِّهِ
فَوَقَعَتَا.
(قَوْلُهُ: وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِهِ) أَيْ لِابْنِ بَلْبَانَ
الْفَارِسِيِّ الْمُسَمَّى بِتُحْفَةِ الْحَرِيصِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ
لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ يَتَّحِدُ
الْوَاقِعُ وَلَا يَتَعَدَّدُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا
بِالطَّالِقِيَّةِ فِي الْيَوْمِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ، وَالْوَصْفُ مِمَّا
يَمْتَدُّ فَإِذَا صَارَتْ طَالِقًا فِي الْيَوْمِ كَانَتْ طَالِقًا فِي
سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَفِي رَأْسِ الشَّهْرِ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ
بِقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ لِأَنَّ
الْأَمْرَ الْأَوَّلَ انْتَهَى بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لِتَوَقُّتِهِ كَمَا
فِي الظِّهَارِ إذْ الْوَقْتُ وَهُوَ الْيَوْمُ فِي تَوَقُّتِ الْأَمْرِ
بِهِ كَالْمَجْلِسِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ يَنْتَهِي
بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ تَقْدِيرُ صَدْرِ الْكَلَامِ وَهُوَ أَمْرُك
بِيَدِك مُعَادًا مَعَ قَوْلِهِ: وَرَأْسَ الشَّهْرِ لِيَصِيرَ
التَّقْدِيرُ وَأَمْرُك بِيَدِك رَأْسَ الشَّهْرِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ
قَوْلِهِ: وَرَأْسَ الشَّهْرِ وَإِلَّا لَغَا وَكَذَا يَتَّحِدُ الطَّلَاقُ
فِيمَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَتَطْلُقُ
وَاحِدَةً لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا فِي لَفْظِهِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ
يُرَادَ بِهَا وَيَوْمًا لَا تَقَعُ عَلَيْك تِلْكَ التَّطْلِيقَةُ أَوْ
تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ بَعْدَ
وُقُوعِهَا لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهَا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ
وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ فَيَبْقَى قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بِهِ
فِي الْحَالِ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا يَوْمًا
وَيَوْمًا لَا فَيَتَعَدَّدُ.
لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ عُرْفًا إذْ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ أَصُومُ أَبَدًا
يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَبِذِكْرِ الْأَبَدِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا قَصَدَ
نَفْيَ الْوَاقِعِ وَإِبْطَالَهُ بَلْ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهَا فِي
يَوْمٍ ثُمَّ لَا يَقَعُ فِي يَوْمٍ فَيَكُونُ كُلَّ يَوْمَيْنِ دَوْرٌ
لِطَلَاقٍ مُسْتَأْنَفٍ لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الْوَاقِعِ بَعْدَ
تَقَرُّرِهِ وَاسْتِحَالَةِ تَجَدُّدِهِ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي
وَقَوْلُهُ: عَكْسُ الْأَوَّلِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْأَبَدِ
هُنَا مُخَالِفَةٌ لِزِيَادَتِهِ فِي مَسْأَلَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ هِيَ
أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا حَيْثُ أَوْجَبَ الِاتِّحَادَ هُنَاكَ دُونَ
التَّعَدُّدِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَيَقَعُ ثَلَاثٌ آخِرُهُنَّ فِي الْيَوْمِ
الْخَامِسِ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّادِسِ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي
لَا الْأَوَّلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي الرَّابِعِ، وَالثَّالِثَةُ فِي
السَّادِسِ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى أَحَدِ وَقْتَيْنِ فَيَنْزِلُ عِنْدَ
آخِرِهِمَا وَهَذَا رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
حَفْصٍ آخِرُهُنَّ الْخَامِسُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي
الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّالِثِ، وَالثَّالِثُ فِي الْخَامِسِ
وَيُصَدَّقُ فِي نِيَّةِ خِلَافِ الظَّاهِرِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ
ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ كَنِيَّةِ التَّعَدُّدِ فِيمَا
ظَاهِرُهُ الِاتِّحَادُ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَفِيمَا فِيهِ
تَخْفِيفٌ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فَيَرُدُّهُ
الْقَاضِي اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: يَقَعُ غَدًا وَبَعْدَهُ فِي أَوْ)
.
(3/291)
إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَتْ
الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ:
الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَقَالَ زُفَرُ:
الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ فِي الْفَصْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمْسِ
وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ لَغْوٌ) بَيَانٌ لِلْمُضَافِ إلَى زَمَنٍ مَاضٍ
بَعْدَ بَيَانِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ
مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ
أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْهُودًا وَإِلَّا طَلُقَتْ لِلْحَالِ
قَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ قَبْلَ
أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْت حُرٌّ أَمْسِ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ
عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ كَمَا
لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَلَا فَرْقَ فِي
الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ
أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ أَوَّلًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ
لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِالتَّزَوُّجِ
فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْجَزَاءَ أَوْ يُؤَخِّرَهُ فَإِنْ
قَدَّمَهُ فَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَجْعَلَ الْقَبْلِيَّةَ
مُتَوَسِّطَةً كَقَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا
تَزَوَّجْت بِك.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا كَقَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ إذَا
تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك، وَفِيهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ
عِنْدَ وُجُودِ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا وَتَلْغُو الْقَبْلِيَّةَ
لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَمَّ الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ
فَصَحَّ التَّعْلِيقُ وَبِقَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك قَصَدَ
إبْطَالَهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وَصْفًا لِلْجَزَاءِ لَا يَلِيقُ بِهِ
وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَيُلْغَى وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى
فَالتَّعْلِيقُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْإِضَافَةِ قَبْلَهُ فَصَارَ
كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ إنْ
دَخَلْتِيهَا تَعَلَّقَ بِدُخُولِهَا وَلَغَا قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ
تَدْخُلِي، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك
فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُمَا
خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ ذِكْرَ الْفَاءِ رَجَّحَ جِهَةَ
الشَّرْطِيَّةِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ
وُجُودِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ أَنْتِ طَالِقٌ
قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ تَقْدِيمِ
الشَّرْطِ وَتَأْخِيرِهِ وَهُمَا فَرَّقَا، وَفِي شَرْحِ تَلْخِيصِ
الْجَامِعِ لَا يُقَالُ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك كَلَامُ
لَغْوِ، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْمَشْرُوطِ فَوَجَبَ أَنْ لَا
يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ
أَنَّهُ لَغْوٌ بَلْ تَصْرِيحٌ بِمَا انْتَظَمَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ
لِأَنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنُهُ إيقَاعًا فِي الْحَالِ إدْخَالَ وُجُودِ
الْقَوْلِ مِنْهُ بِوَصْفٍ بِكَوْنِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَصَارَ كَمَا
لَوْ قَالَ لِمَنْكُوحَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ إذَا دَخَلْت
الدَّارَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ إنْ دَخَلْت
الدَّارَ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّاعَةَ وَقَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي تَصْرِيحٌ
بِمَا اقْتَضَاهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ هُنَاكَ
فَاصِلًا يَتَنَجَّزُ وَهُنَا لَوْ جَعَلَ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك
فَاصِلًا يَلْغُو فَكَانَ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ غَيْرَ فَاصِلٍ
تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ بَعْدَ فُلَانَةَ فَهُمَا
طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَهُمَا كَمَا قَالَ: طَلُقَتَا لِأَنَّهُ أَضَافَ
الطَّلَاقَ إلَى تَزَوُّجِهِمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ فُلَانَةَ أَيْ
بَعْدَ تَزَوُّجِ فُلَانَةَ فَصَارَ تَزَوُّجُ فُلَانَةَ مَذْكُورًا
ضَرُورَةً وَقَدْ تَزَوَّجَهُمَا كَمَا شَرَطَ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَنَزَلَ
الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ قَبْلَ فُلَانَةَ
فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ الْأُولَى طَلُقَتْ لِأَنَّ الشَّرْطَ
فِي حَقِّهَا قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْقَبْلِيَّةَ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ
بِالْقَبْلِيَّةِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَ
الثَّانِيَةَ طَلُقَتْ أَيْضًا وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ،
وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قَبْلَ عَمْرَةَ بِشَهْرٍ فَهُمَا
طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ ثُمَّ عَمْرَةَ بَعْدَهَا بِشَهْرٍ
طَلُقَتْ زَيْنَبُ لِلْحَالِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَسْتَنِدُ كَمَا
لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانَةَ بِشَهْرٍ وَلَا
تَطْلُقُ عَمْرَةُ لِأَنَّهُ أَضَافَ طَلَاقَ عَمْرَةَ إلَى شَهْرٍ قَبْلَ
تَزَوُّجِهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قُبَيْلَ عَمْرَةَ
فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ وَحْدَهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ قُبَيْلَ عِبَارَةٌ
عَنْ سَاعَةٍ لَطِيفَةٍ يَتَّصِلُ بِهِ مَا ذُكِرَ عَقِيبَهُ وَذَلِكَ لَا
يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ بِعَمْرَةَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
قُبَيْلَ اللَّيْلِ لَا تَطْلُقُ إلَّا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَوْ
قَالَ قَبْلَ اللَّيْلِ تَطْلُقُ لِلْحَالِ فَإِنْ تَزَوَّجَ عَمْرَةَ
بَعْدَ ذَلِكَ طَلُقَتْ زَيْنَبُ لَا عَمْرَةُ، وَإِنْ طَالَ مَا بَيْنَ
التَّزَوُّجَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ إحْدَاهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ) لِأَنَّهُ
أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
يَعْنِي: يَقَعُ غَدًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَبَعْدَهُ
بِالْوَاوِ، وَفِي أَوْ بَعْدَهُ بِأَوْ يَقَعُ بَعْدَ غَدٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قُبَيْلَ عَمْرَةَ.
إلَخْ) اُنْظُرْ لِمَا يَأْتِي عَنْ التَّتِمَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَنَا
مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ
(3/292)
أَيْضًا فَكَانَ إنْشَاءً، وَالْإِنْشَاءُ
فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ فَيَقَعُ السَّاعَةَ وَعَلَى هَذِهِ
النُّكْتَةِ حَكَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي
مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ
بِالْوُقُوعِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا
وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِتَنْجِيزِ طَلَاقِهَا
لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ
الثَّلَاثِ سَابِقًا عَلَى التَّنْجِيزِ يَمْنَعُ الْمُنَجَّزَ بِوُقُوعِ
الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ
فِي الْحَالِ وَنَقُولُ أَيْضًا إنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ
لِأَنَّ الْأَجْزِئَةَ تَنْزِلُ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ
وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا.
لِأَنَّ مَدْخُولَ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبٌ، وَالْجَزَاءُ مُسَبَّبٌ
عَنْهُ وَلَا يُعْقَلُ تَقَدُّمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فَكَانَ
قَوْلُهُ: قَبْلَهُ لَغْوًا أَلْبَتَّةَ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ جَزَاءً
لِلشَّرْطِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَبْلِيَّةِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ
لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِشَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ وَهَذَا يُؤَدِّي
إلَى رَفْعِهَا فَيَتَفَرَّعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: وُقُوعُ
ثَلَاثِ الْوَاحِدَةُ الْمُنَجَّزَةِ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ
وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةً مِنْ الْمُعَلَّقَةِ
أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعْنَ فَيَنْزِلُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا
يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُو وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك
فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ ثِنْتَانِ
الْمُنَجَّزَةُ، وَالْمُعَلَّقَةُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] فَإِنَّ
الْأَوَّلَ اسْتِقْرَارُ النِّعْمَةِ بِالْمُخَاطَبِينَ، وَالثَّانِيَ
كَوْنُهَا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ الْأَوَّلُ سَبَبًا
لِلثَّانِي بَلْ الْأَوَّلُ فَرْعٌ لِلثَّانِي وَقَالَ الرَّضِيُّ لَا
يَلْزَمُ مَعَ الْفَاءِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ سَبَبًا لِلثَّانِي بَلْ
اللَّازِمُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ الْفَاءِ لَازِمًا لِمَضْمُونِ مَا
قَبْلَهَا كَمَا فِي جَمِيعِ صُوَرِ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءُ فَفِي قَوْله
تَعَالَى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] كَوْنُ
النِّعْمَةِ مِنْهُ لَازِمُ حُصُولِهَا مَعْنًى وَلَا يَغُرَّنك قَوْلُ
بَعْضِهِمْ إنَّ الشَّرْطَ سَبَبٌ فِي الْجَزَاءِ اهـ.
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلدَّمَامِينِيِّ مِنْ بَحْثٍ مَا مِنْ
الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْغُو قَوْلُهُ: قَبْلَهُ
لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ عَلَى
وَاحِدٍ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ بِهِ كَمَا لَوْ
قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ
عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ سَدُّ بَابِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوعِ، وَفِي
الْقُنْيَةِ مِنْ آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَالَ لَهَا كُلَّمَا وَقَعَ
عَلَيْك طَلَاقِي وَأَنْتِ قَبْلَهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا
بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا يَقَعْنَ وَهَذَا طَلَاقُ الدَّوْرُ وَإِنَّهُ لَا
يَقَعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ إذَا
قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا يُحْسَمُ بَابُ
الطَّلَاقِ عَلَى أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: بِالْوُقُوعِ) أَيْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى
التَّفْرِيعِ وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ أَيْضًا فِي كَلَامِهِ
وَسَنَذْكُرُ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْخِلَافَ فِي وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ
وَحْدَهُ وَوُقُوعِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي
الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلِ
الْأَوَّلِ بِالْوُقُوعِ وَقَوْلُهُ: وَنَقُولُ أَيْضًا إلَخْ تَأْيِيدٌ
لَهُ فَأَخَّرَ تَعْلِيلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَى مَا بَعْدَ
الْقَوْلَيْنِ لِيَرْتَبِطَ الْكَلَامُ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ. . . إلَخْ) مُنِعَ
لِقَوْلِهِ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَهُ وَلَا يَضُرُّ
رَفْعُ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ. . . إلَخْ مُنِعَ لِقَوْلِهِ وَلِحُكْمِ
الشَّرْعِ قَالَ فِي النَّهْرِ: بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَاصِلِ كَلَامِ
الْمُؤَلِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا قَالَهُ
الرَّضِيُّ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ النُّحَاةِ يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ مَا فِي
الْمُطَوَّلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ النَّحْوِيَّ مَا يَتَوَقَّفُ
عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ بَلْ هُوَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ إنَّ
وَأَخَوَاتِهِ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ حُصُولُ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ أَيْ
حُكِمَ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ مَضْمُونُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ عِنْدَ حُصُولِهِ
فَهُوَ فِي الْغَالِبِ مَلْزُومٌ، وَالْجَزَاءُ لَازِمٌ وَانْتِفَاءُ
اللَّازِمِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ ثُمَّ
قَالَ: الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا نَحْوُ
لَوْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالْعَالَمُ مُضِيءٌ أَوْ شَرْطًا
نَحْوُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَحَجَجْت أَوْ غَيْرَهُمَا نَحْوُ لَوْ كَانَ
النَّهَارُ مَوْجُودًا لَكَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً الثَّانِي سَلَّمْنَا
أَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لَكِنَّ
بُطْلَانَ تَقَدُّمِ الشَّيْءِ عَلَى شَرْطِهِ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّهُ
مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ،
وَفِيهِ الْحَقُّ أَنَّ بُطْلَانَ تَقَدُّمِ الشَّيْءِ عَلَى شَرْطِهِ
أَظْهَرُ مِنْ بُطْلَانِ تَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبِ لِجَوَازِ أَنْ
يَثْبُتَ بِأَسْبَابٍ شَتَّى اهـ.
وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ: فَلَا يَلْغُو قَوْلُهُ: قَبْلَهُ لِعَدَمِ
الْمُنَافَاةِ اهـ. قُلْت لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ أَوَّلَ هَذَيْنِ
الْوَجْهَيْنِ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي دَعْوَاهُ عَدَمَ
لُزُومِ كَوْنِ مَدْخُولِ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبًا، وَالْجَزَاءِ
مُسَبَّبًا عَنْهُ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالشَّرْطِ
الْوَاقِعِ بَعْدَ الْأَدَاةِ الشَّرْطُ النَّحْوِيُّ لَا الشَّرْعِيُّ
(قَوْلُهُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ:
رَأَيْت مُؤَلَّفًا مُسْتَقِلًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْعَلَّامَةِ
ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ
رَجَعَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ
وَأَنَّهُ قَالَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي فِي
الْبَاطِلِ وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ التَّاجِ السُّبْكِيّ أَنَّ وَالِدَهُ
التَّقِيَّ السُّبْكِيَّ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِالْمَسْأَلَةِ
السُّرَيْجِيَّةُ وَأَلَّفَ فِيهَا مُؤَلَّفًا سَمَّاهُ النَّوْرَ فِي
الدَّوْرِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ
أَلَّفُوا تَأْلِيفَاتٍ فِي ذَلِكَ رَدُّوا فِيهَا عَلَى الْقَائِلِينَ
مِنْهُمْ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَقَالَ أَيْضًا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ غَيْرِ مَذْهَبِنَا عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ
قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ كَيْفَ وَشَنَّعَ عَلَى
الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ،
وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ
(3/293)
وَقِيلَ إذَا نَجَزَ وَاحِدَةً تَقَعُ
تِلْكَ الْوَاحِدَةُ وَقِيلَ تَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَ بَعْدَ
الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنْ وَطِئْت وَطْئًا مُبَاحًا
فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ فَوَطِئَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ
اهـ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ
وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ كَمَا فِي شَرْحِ
التَّنْبِيهِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى دَخَلْت الدَّارَ
وَأَنْتِ زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَمَتَى دَخَلَهَا وَهُوَ
عَبْدِي فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَدَخَلَا مَعًا لَمْ يَعْتِقْ
الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ الزَّوْجَةُ لِلُّزُومِ الدَّوْرِ.
لِأَنَّهُمَا لَوْ حَصَلَا لَحَصَلَا مَعًا قَبْلَ دُخُولِهِمَا وَلَوْ
كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ عَبْدَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ وَلَا
الْمَرْأَةُ زَوْجَتَهُ وَقْتَئِذٍ فَلَا تَكُونُ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ
عَلَيْهَا حَاصِلَةً وَلَا يَتَأَتَّى فِي هَذَا الْقَوْلِ بُطْلَانُ
الدَّوْرِ إذْ لَيْسَ فِيهَا سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ وَلَوْ دَخَلَا
مُرَتَّبًا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَسْبُوقِ دُونَ السَّابِقِ
فَلَوْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَبْدُ عَتَقَ وَلَمْ
تَطْلُقْ هِيَ لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا لَهُ فَلَمْ
تَحْصُلْ صِفَةُ طَلَاقِهَا، وَإِنْ دَخَلَ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ
الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي
تَعْلِيقِهِ الْمَذْكُورِ لَفْظَةَ قَبْلُ فِي الظَّرْفَيْنِ وَدَخَلَا
مَعًا عَتَقَ وَطَلَّقَتْ، وَإِنْ دَخَلَا مُرَتَّبًا فَكَمَا سَبَقَ اهـ.
وَفِيهِ وَلَوْ قَالَ إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ
فَسَخْت النِّكَاحَ بِعَيْبٍ فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ
وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ صَحَّ وَلَغَا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ
لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك
أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) بَيَانٌ لِمَا إذَا
أَضَافَ إلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَذِكْرُهُمْ إنْ وَإِذَا هُنَا
بِالتَّبَعِيَّةِ وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ لَهُمَا التَّعْلِيقُ لَا
الْإِضَافَةُ وَإِنَّمَا طَلُقَتْ بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ " مَتَى " ظَرْفُ
زَمَانٍ وَكَذَا مَا تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً نَائِبَةً عَنْ ظَرْفِ
الزَّمَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31]
أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ حَيَاتِي أَوْ مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا وَهِيَ،
وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ لِلشَّرْطِ لَكِنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
أَنَّهَا هُنَا لِلْوَقْتِ وَلِذَا نُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اتِّفَاقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ
وَإِنَّمَا وَقَعَ عَنْهُمْ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ أَوْ الْمُنَجَّزِ
وَحْدَهُ، وَفِي مُغْنِي الْحَنَابِلَةِ لَا نَصَّ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ
تَطْلُقُ بِالْمُنَجَّزِ لَا غَيْرُ اهـ.
ثُمَّ نُقِلَ عَنْ عِشْرِينَ إمَامًا مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ
اتَّفَقُوا عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ
الْوَاقِعِ بِهِ وَقَالَ أَيْضًا وَبَالَغَ فِي تَخْطِئَةِ الْقَائِلِينَ
بِصِحَّتِهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَاهِيك بِهِ جَلَالَةً
وَمِنْ ثَمَّ لُقِّبَ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ، وَعِبَارَتُهُ كَمَا
حَكَاهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ عَنْهُ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ: لَا يَصِحُّ فِيهَا التَّقْلِيدُ، وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا
فُسُوقٌ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا
خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْإِجْمَاعَ أَوْ النَّصَّ أَوْ
الْقَوَاعِدَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا إذَا
تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي يُنْقَضُ فَأَوْلَى إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ
وَإِذَا لَمْ يُقَرَّ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ
التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ هَلَاكٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ
مُخَالِفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ
فِيهَا قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا بَيَانٌ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَقَالَ
الْإِمَامُ ابْنُ الصَّلَاحِ: ابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مَا نُسِبَ إلَيْهِ
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ،
وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ بَابُ
الطَّلَاقِ بَلْ يَقَعُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي كَمِّيَّةِ الْوَاقِعِ،
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ: وَبَالَغَ السُّرُوجِيُّ مِنْ
الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: الْقَوْلُ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ يُشْبِهُ
مَذَاهِبَ النَّصَارَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلزَّوْجِ إيقَاعُ طَلَاقٍ
عَلَى زَوْجَتِهِ مُدَّةَ عُمُرِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْكَمَالُ بْنُ الرَّدَّادِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ
الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَهُوَ
الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ
فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ وَهُوَ الْقَوِيُّ فِي
الدَّلِيلِ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا حَاصِلُ
مَا أَرَدْت تَلْخِيصَهُ مِنْ مُؤَلَّفِ ابْنِ حَجَرٍ وَتَقَدَّمَ عَنْ
الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ تَقْوِيَةُ الْقَوْلِ بِالْوُقُوعِ وَنَقَلَ
الْغَزِّيِّ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ رَدَّ
الْقَوْلِ بِخِلَافِهِ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَوَاهِرِ
الْفَتَاوَى قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك
ثَلَاثًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ
عَلَيْهَا لَا يَقَعُ أَبَدًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَئِمَّةِ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مِثْلُ إمَامِ
الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ.
وَهَذَا قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ مُخَالِفٌ لِأَهْلِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ
الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ
السَّلَفِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا عَلَى
أَنَّ طَلَاقَ الْمُكَلَّفِ وَاقِعٌ.
وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَالَفَ
الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ» ، وَعَنْ
بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَسَأَلَهُ عَنْ طَلَاقِ الدَّوْرِ، فَقَالَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَالَ بِطَلَاقِ الدَّوْرِ
فَقَدْ أَضَلَّ أُمَّتِي فَقَالَ لَا يُقْبَلُ مِنِّي فَقَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَلَيْك إلَّا الْبَلَاغَ ثُمَّ بَحَثَ
فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى بُطْلَانِهِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ
بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا
يُنَفَّذُ حُكْمُهُ وَيَجِبُ عَلَى حَاكِمٍ آخَرَ تَفْرِيقُهُمَا لِأَنَّ
مِثْلَ هَذَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَجْهُولٌ بَاطِلٌ
فَاسِدٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ اهـ. إلَى هُنَا كَلَامُ الْمِنَحِ.
(3/294)
الْعُلَمَاءِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ
بِالسُّكُوتِ فَصَارَ حَاصِلُ الْمَعْنَى إضَافَةَ طَلَاقِهَا إلَى زَمَانٍ
خَالٍ عَنْ طَلَاقِهَا وَهُوَ حَاصِلٌ بِسُكُوتِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ
وَسَكَتَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مُوصَلًا أَنْتِ طَالِقٌ بَرَّ كَمَا
سَيَأْتِي وَمِثْلُ مَتَى حِينَ وَزَمَانَ وَحَيْثُ وَيَوْمَ فَلَوْ قَالَ
حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ
وَكَذَا زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ
أُطَلِّقْك إذَا كَانَ بِلَمْ الْجَازِمَةِ فَلَوْ كَانَ بِلَا
النَّافِيَةِ نَحْوُ زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك
بِحَرْفِ لَا النَّافِيَةِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ
أَشْهُرٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ إنْ لَمْ تَقْلِبْ
الْمُضَارِعَ مَاضِيًا مَعَ النَّفْيِ، وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ
يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ غَالِبًا
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا
يُرَادُ بِحِينٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالَاتِهِ
مِنْ السَّاعَةِ، وَالْأَرْبَعِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي قَوْله
تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}
[الروم: 17] {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}
[الإنسان: 1] {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:
25] ، وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ
وَلَوْ قَالَ يَوْمَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمُ
الْكُلِّ مِنْ الْمُحِيطِ وَأَمَّا حَيْثُ فَهِيَ لِلْمَكَانِ وَكَمْ
مَكَان لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَكَأَنَّهُ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي مَكَان لَمْ أُطَلِّقْك فِيهِ.
وَذُكِرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْأَخْفَشَ جَعَلَهَا لِلزَّمَانِ أَيْضًا
فَلَا إشْكَالَ وَقَيَّدَ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَمْ
أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ وَسَكَتَ يَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعًا لَا
جُمْلَةً لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ
الِاجْتِمَاعِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ
فَقَطْ وَقَيَّدَ بِمُطَلِّقِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَوْ قَيَّدَهُ مَعَ
الْعَدَمِ كَأَنْ قَالَ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ سَنَةً فَأَنْت
طَالِقٌ فَمَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ طَلُقَتْ كَمَا فِي
الْإِيلَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا
مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا حَتَّى بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ لَا يَقَعُ
الطَّلَاقُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ التَّطْلِيقِ عِنْدَ عَدَمِ
النِّيَّةِ وَدَلَالَةِ الْفَوْرِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا
وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ عَنْ الْحَيَاةِ وَهُوَ فِي
آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ أَمَّا فِي مَوْتِهِ فَظَاهِرٌ
وَلَمْ يُقَدِّرْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ بَلْ قَالُوا تَطْلُقُ قُبَيْلَ
مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَرِثَتْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ،
وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا وَإِلَّا لَا تَرِثُهُ وَأَشَارَ
بِقَوْلِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَصَحَّحَهُ
فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ
الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ بِمَوْتِهِ لَا بِمَوْتِهَا
لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ
الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمَّا الطَّلَاقُ
فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْهُ بِمَوْتِهَا لِعَدَمِ
الْمَحَلِّيَّةِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا لَا
يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا بَانَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ
يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا
بِالْبَيْنُونَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ
الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ
الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا
الْمَوْتُ وَبِهِ تَبَيَّنَ وَلِذَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْوُقُوعَ
بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ إرْثِهِ
مِنْهَا مُطْلَقٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا ثَلَاثًا أَوْ
وَاحِدَةً وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ عَدَمَهُ بِعَدَمِ
الدُّخُولِ أَوْ الثَّلَاثِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَتَسْوِيَةُ الْمُصَنِّفِ
بَيْنَ إنْ وَإِذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهِيَ عِنْدَهُ إذَا جُوزِيَ
بِهَا حَرْفٌ لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ لِأَنَّ مُجَرَّدَهُ رَبْطٌ خَاصٌّ
وَهُوَ مِنْ مَعَانِي الْحُرُوفِ.
وَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ حَرْفًا أَوْ اسْمًا فَلَمَّا كَانَتْ
لِلشَّرْطِ، وَالْوَقْتِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ بِالشَّكِّ
وَعِنْدَهُمَا كَمَتَى لِلْوَقْتِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ بَنَى
مَذْهَبَهُ عَلَى أَنَّ إذَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَتَكُونُ
لِمَحْضِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ النُّحَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي
الْمُغْنِي لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهَا
لِلظَّرْفِيَّةِ مُتَضَمِّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ وَأَنَّهَا لَا
تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَهُوَ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِهِمَا هُنَا،
وَقَدْ رَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى أَبِي
حَنِيفَةَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت حَيْثُ وَافَقَهُمَا أَنَّهَا كَمَتَى
فَلَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَلَوْ كَانَتْ كَإِنْ لَخَرَجَ
الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِشَكِّ الْخُرُوجِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وُقُوعَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِيَّةِ،
وَالظَّرْفِيَّةِ يُوجِبُ وُقُوعَهُ فِي الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ فِي
الْحَالِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ كَمَا
قَالَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/295)
شَيْئًا إنَّمَا ذَلِكَ مَعَ تَعَارُضِ
دَلِيلِ الْحُرْمَةِ مَعَ دَلِيلِ الْحِلِّ فَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ
بِدَلِيلِ الْحُرْمَةِ أَمَّا هُنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْحُرْمَةَ لَمْ
نَعْمَلْ بِدَلِيلٍ بَلْ بِالشَّكِّ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ النِّيَّةِ
لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِإِذَا مَعْنَى مَتَى صُدِّقَ اتِّفَاقًا قَضَاءً
وَدِيَانَةً لِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا إذَا نَوَى بِإِذَا
مَعْنَى " إنْ " عَلَى قَوْلِهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ عِنْدَهُمَا
دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرَةٌ فِي الظَّرْفِيَّةِ،
وَالشَّرْطِيَّةُ احْتِمَالٌ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَقَيَّدْنَا
بِعَدَمِ دَلَالَةِ الْفَوْرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ
عُمِلَ بِهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَتْ لَهُ:
طَلِّقْنِي فَقَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك يَقَعُ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ
زَادَ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْمُبْتَغِي بِالْمُعْجَمَةِ فَقَالَ لَوْ
قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِكَذَا فَأَنْت طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى
الْأَبَدِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ اهـ.
وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ: إنَّهُ قَيْدٌ حَسَنٌ
وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ فَلَمْ
تُطَاوِعْهُ فَقَالَ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الْبَيْتَ مَعِي فَأَنْت طَالِقٌ
فَدَخَلَتْ بَعْدَمَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ طَلُقَتْ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ
مِنْ الدُّخُولِ كَانَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ، وَقَدْ فَاتَ، وَفِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ الْبَوْلُ لَا يَقْطَعُ الْفَوْرَ، وَالصَّلَاةُ إذَا
خَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ
وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ نُصَيْرٌ: الصَّلَاةُ تَقْطَعُ الْفَوْرَ
وَسَتَأْتِي مَسَائِلُ الْفَوْرِ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ عَلَى
الْخُرُوجِ، وَالدُّخُولِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّا يُنَاسِبُ
مَسْأَلَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَقْطَعُ الْفَوْرَ مَا فِي الْفَتَاوَى
الصَّيْرَفِيَّةِ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيُصَلِّيَن الظُّهْرَ فِي
مَسْجِدِهِ فَذَهَبَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ يَجِيءُ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ
وَإِلَّا لَا قَالَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهِ وَتَطْلُقُ ثُمَّ رَقَّمَ
بِعَلَامَةِ ب د إنَّ هَذَا فِي الْوَاحِدَةِ أَمَّا فِي الثَّلَاثِ
فَيُصَلِّي فِي مَسْجِدِهِ اهـ.
وَقَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى عَدَمِ التَّطْلِيقِ
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ
أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَقَعَ
عَلَيْهَا طَلَاقَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ التَّطْلِيقِ حَنِثَ
فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ وَهَذَا
الطَّلَاقُ يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الْيَمِينِ الْأُولَى فَحَنِثَ فِي
الْيَمِينَيْنِ وَلَوْ قَلَبَ فَقَالَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت
طَالِقٌ وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ
وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِسَبَبِ الْيَمِينِ الْأُولَى وَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا
لِلثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ
الثَّانِيَةِ، وَالشُّرُوطُ تُرَاعَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا الْمَاضِي
كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ
قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا
يُنْتَظَرَ الْمَوْتُ بَلْ كَمَا سَكَتَ حَنِثَ اهـ.
وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الشَّرْطِ عَدَمَ التَّطْلِيقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَوْ
كَانَ التَّطْلِيقُ بِأَنْ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَآلَى
مِنْهَا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقَانِ لِأَنَّ
الْإِيلَاءَ تَطْلِيقٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَلَوْ عِنِّينًا فَفُرِّقَ
بَيْنَهُمَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْفَرْق أَنَّ فِي
الْإِيلَاءِ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ حَقِيقَةً، وَفِي الْعِنِّينِ
لَا وَإِنَّمَا جُعِلَ مُطَلِّقًا شَرْعًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي
اللِّعَانِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ،
وَفِي الْخُلْعِ يَحْنَثُ، وَفِي خُلْعِ الْفُضُولِيِّ إنْ أَجَازَ
بِالْقَوْلِ يَحْنَثُ، وَبِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ الْفَقِيهُ
أَبُو اللَّيْثِ لَا يَحْنَثُ فِي الْإِيلَاءِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى
وَلَوْ عَلَّقَ وَوُجِدَ الشَّرْطُ فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ
الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ وَلَوْ طَلَّقَ الْوَكِيلُ أَوْ
أَعْتَقَ حَنِثَ سَوَاءٌ كَانَ التَّوْكِيلُ قَبْلَ الْيَمِينِ أَوْ
بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ نَفْسَك وَطَلِّقِي نَفْسَك كَذَا
فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك
طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ الثَّلَاثَ
لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَقَدْ
وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الْيَمِينِ مَرَّةً
بِالتَّطْلِيقِ وَمَرَّةً بِالْحِنْثِ فَوَقَعَتْ الثَّالِثَةُ بِوُقُوعِ
الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كُلَّمَا تُوجِبُ تَكْرَارَ الْجَزَاءِ بِتَكْرَارِ
الشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ
طَلَّقَهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ
تَطْلِيقَهَا وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَوَقَعَتْ وَاحِدَةً
بِالْإِيقَاعِ وَأُخْرَى بِالْحِنْثِ وَبَقِيَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً
لِأَنَّهَا عُقِدَتْ بِحَرْفِ التَّكْرَارِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ يَحْنَثُ أَمْ بِغَيْرِ
حِنْثٍ لَوْ قَالَ إنْ طَلَّقْت زَيْنَبَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ
طَلَّقْت عَمْرَةَ فَحَمَادَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ طَلَّقْت حَمَادَةَ
فَزَيْنَبُ طَالِقٌ فَطَلُقَتْ الْأُولَى لَمْ تَطْلُقْ الْأُخْرَى إذْ
الْوُسْطَى طَلُقَتْ بِلَفْظٍ سَبَقَ يَمِينَ الْأُخْرَى، وَالشَّرْطُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهَذَا الطَّلَاقُ يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الْيَمِينِ)
تَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك
فَأَنْت طَالِقٌ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّقَ وَوُجِدَ الشَّرْطُ.
. . إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت فَأَنْت كَذَا ثُمَّ قَالَ
إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ) لَمْ
أَجِدْ هَذَا الْبَابَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي عِنْدِي
(3/296)
آتٍ لَا مَاضٍ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ
الْوُسْطَى لَمْ تَطْلُقْ الْأُولَى إذْ الْأُخْرَى طَلُقَتْ بِلَفْظٍ
سَبَقَ يَمِينَ الْأُولَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ إنْ وَقَعَ
طَلَاقِي إذْ الشَّرْطُ الْوُقُوعُ، وَقَدْ تَأَخَّرَ وِزَانُهُ إنْ
أَوْقَفَتْ أَوْ لَفَظَتْ، وَإِنْ طَلَّقَ الْأُخْرَى تَطْلُقُ الْوُسْطَى
لِتَأَخُّرِ طَلَاقِ الْأُولَى عَنْ يَمِينِ الْوُسْطَى وَلَوْ كَانَ قَالَ
إنْ طَلَّقْت حَمَادَةَ فَبَشِيرَةُ، وَإِنْ طَلَّقْت بَشِيرَةَ فَزَيْنَبُ
وَطَلَّقَ حَمَادَةَ تَطْلُقُ بَشِيرَةُ، وَإِنْ طَلَّقَ بَشِيرَةَ
طُلِّقْنَ إلَّا حَمَادَةَ، وَالْحَرْفُ مَا مَرَّ وَلِهَذَا لَوْ جَعَلَ
زَيْنَبَ جَزَاءً لِعَمْرَةَ ثُمَّ عَكَسَ تَطْلُقُ زَيْنَبُ مَثْنَى إنْ
طَلَّقَهَا وَفَرْدًا إنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ، وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ
وَمَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْبَيَانِ فَفِي الثَّلَاثِ لِعَمْرَةَ
نِصْفُ مَهْرٍ بِلَا إرْثٍ فِي الطَّلَاقِ قَطْعًا وَلَهُمَا مَهْرٌ
وَرُبُعٌ إذْ تَطْلُقُ فَرْدًا فِي حَالٍ وَفَرْدًا جَزْمًا، وَفِي
الْأَرْبَعِ لِعَمْرَةَ خَمْسَةُ أَثْمَانِ مَهْرِهَا لِأَنَّهَا تَطْلُقُ
فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَلِلْبَاقِيَاتِ مَهْرَانِ وَرُبُعٌ اعْتِبَارًا
لِلْحَالِ فِي فَرْدٍ بَعْدَ إفْرَادِ فَرْدٍ لِلطَّلَاقِ وَأُخْرَى
لِلنِّكَاحِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ كَزَعْمِ عِيسَى وَأَنْ يُرَادَ بِهِ
رُبُعًا إذْ لَا حَاجَةَ مَعَ الْجَزْمِ وَلِعَمْرَةَ ثُمُنُ إرْثٍ إنْ
طَلُقَتْ فِي أَحْوَالٍ وَزَاحَمَتْ فِي حَالٍ وَلِحَمَادَةَ ثَلَاثَةُ
أَثْمَانٍ اعْتِبَارًا لِلْحَالِ فِي نِصْفٍ لَمْ تُنَازِعْهَا الْأُولَى،
وَفِي نِصْفٍ نَازَعَتْ وَلِأَنَّ لَهَا الْكُلَّ فِي حَالٍ دُونَ
أَحْوَالٍ، وَالنِّصْفَ فِي حَالٍ دُونَ أَحْوَالٍ فَأَخَذَتْ رُبُعَهَا،
وَالْبَاقِي لِلْأَخِيرَتَيْنِ اهـ.
وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ وَحَاصِلُهُ فِي النِّسَاءِ
الثَّلَاثِ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَ زَيْنَبَ طَلُقَتْ عَمْرَةُ فَقَطْ، وَإِنْ
طَلَّقَ عَمْرَةَ طَلُقَتْ حَمَادَةُ فَقَطْ، وَإِنْ طَلَّقَ حَمَادَةَ
طَلُقَتْ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ، وَفِي التَّلْخِيصِ أَيْضًا مِنْ
الْأَيْمَانِ بَابُ الْحِنْثِ بِالْحَلِفِ لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ
بِالتَّعْلِيقِ لِوُجُودِ الرُّكْنِ دُونَ الْإِضَافَةِ لِعَدَمِهِ إلَّا
أَنْ يُعَلِّقَ بِأَعْمَالِ الْقَلْبِ أَوْ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي
ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّمْلِيكِ أَوْ بَيَانِ
وَقْتِ السُّنَّةِ فَلَا يَتَمَحَّضُ لِلتَّعْلِيقِ، وَلِهَذَا لَمْ
يَحْنَثْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ لِاحْتِمَالِ حِكَايَةِ
الْوَاقِعِ وَلَا بِإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ
رَقِيقٌ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ وَلَا بِإِنْ حِضْت حَيْضَةً
أَوْ عِشْرِينَ حَيْضَةً لِاحْتِمَالِ تَفْسِيرِ السُّنَّةِ وَلَا يَلْزَمُ
إنْ حِضْت لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْبِدْعِيِّ لِتَنَوُّعِهِ
وَتَعَذُّرِ التَّعْيِينِ فَتَمَحَّضَ تَعْلِيقًا وَلَا إنْ طَلَعَتْ
الشَّمْسُ لِأَنَّ الْحَمْلَ، وَالْمَنْعَ ثَمَرَةٌ فَتَمَّ الرُّكْنُ
دُونَهَا اهـ. فَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ
سِتُّ مَسَائِلَ فَلْتُحْفَظْ.
قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ
هَذِهِ الطَّلْقَةَ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَسَكَتَ
وَمُرَادُهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ الْمُنَجَّزَةَ لَا الْمُعَلَّقَةَ
اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعْتَبَرُ زَمَانُ الِاشْتِغَالِ بِالْمُنَجَّزَةِ
سُكُوتًا لِأَنَّ زَمَنَ الْبِرِّ مُسْتَثْنًى بِدَلَالَةِ حَالِ الْحَلِفِ
لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِلْبِرِّ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا وَلَا
يُمْكِنُ إلَّا بِجَعْلِ هَذَا الْقَدْرِ مُسْتَثْنًى فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الرُّكْنِ) أَيْ رُكْنِ الْيَمِينِ وَهُوَ تَعْلِيقُ
الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَقَوْلُهُ: دُونَ الْإِضَافَةِ أَيْ إلَى
الْوَقْتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَلَا يَحْنَثُ بِهَا لِعَدَمِ الرُّكْنِ
فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ الْحَلِفُ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي
الْحَالِ فَكَانَ إيقَاعًا مُؤَجَّلًا فَيُعْتَبَرُ بِالْمُعَجَّلِ
كَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ.
أَمَّا التَّعْلِيقُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلَ
نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَجِيءَ الْوَقْتِ، وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ
تَحِيضُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَزَاءُ طَلَاقًا أَمْ عَتَاقًا أَمْ حَجًّا
أَوْ نَذْرًا إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ الْجَزَاءَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ
الْقَلْبِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ رَضِيت أَوْ
بِمَجِيءِ الشَّهْرِ كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ
ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ دُونَ الْحَيْضِ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ
مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّمْلِيكِ دُونَ التَّعْلِيقِ وَلِذَا يَقْتَصِرُ
عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالثَّانِيَ: مُسْتَعْمَلٌ فِي بَيَانِ وَقْتِ
السُّنَّةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ فِي حَقِّهَا
فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ وَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِتَعْلِيقِ
الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَّقْتُك لِاحْتِمَالِ
إرَادَةِ حِكَايَةِ الْوَاقِعِ مِنْ كَوْنِهِ مَالِكًا لِتَطْلِيقِهَا
وَلَا بِإِنْ أَدَّيْت. . . إلَخْ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ فَلَمْ
يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ وَلَا بِأَنْتِ طَالِقٌ إنْ حِضْت حَيْضَةً
لِأَنَّهَا اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْهَا وَلَا وُجُودَ لَهُ إلَّا بِجُزْءٍ
مِنْ الطُّهْرِ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِطَلَاقِ السُّنَّةِ
وَكَذَا عِشْرِينَ حَيْضَةً لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا وَقْتٌ لِطَلَاقِ
السُّنَّةِ فِي الْجُمْلَةِ إذْ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ
يُجَامِعْهَا فِيهِ فَإِنْ رَاجَعَهَا وَتَرَكَهَا حَتَّى حَاضَتْ
عِشْرِينَ حَيْضَةً ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ
حَائِضٌ وَقَعَتْ سُنِّيَّةً بَعْدَ هَذَا الْحَيْضِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ
لِلتَّعْلِيقِ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ
الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ مَحْظُورٌ وَحَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى مَا
فِيهِ إعْدَامُ الْمَحْظُورِ أَوْ تَقْلِيلُهُ أَوْلَى، وَقَدْ أَمْكَنَ
حَمْلُهُ هُنَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ
التَّفْسِيرِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ:
وَلَا يَلْزَمُ إنِّي حِضْت أَيْ حَيْثُ يَحْنَثُ مَعَ إمْكَانِ جَعْلِهِ
تَفْسِيرًا لِلْبِدْعِيِّ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ
لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهُ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهِ
كَالْإِيقَاعِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي
طُهْرٍ قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ
لِلتَّنَافِي وَلَا لِوَاحِدٍ لِلْجَهَالَةِ فَتَعَذَّرَ التَّعْيِينُ
بِخِلَافِ السُّنِّيِّ فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا
أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْيَمِينِ
وَهُوَ الْحَمْلُ، وَالْمَنْعُ مَفْقُودًا لِأَنَّهُمَا ثَمَرَةُ
الْيَمِينِ لَا رُكْنُهُ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعُقُودِ
الشَّرْعِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ لَا بِالثَّمَرَةِ كَمَا لَوْ
حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ فَاسِدًا أَوْ بِخِيَارٍ لَهُ يَحْنَثُ
لِوُجُودِ الرُّكْنِ، وَإِنْ كَانَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ غَيْرَ ثَابِتٍ
كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا.
(3/297)
حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ
وَهُوَ سَاكِنُهَا فَاشْتَغَلَ بِالنُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ بَرَّ
وَفَائِدَةُ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ إنَّ
الْمُعَلَّقَ لَوْ كَانَ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِالْمُنَجَّزِ
فَقَطْ إذَا كَانَ مَوْصُولًا فَلَوْ كَانَ مَفْصُولًا وَقَعَ
الْمُنَجَّزُ، وَالْمُعَلَّقُ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ
إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ ثَلَاثًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا
فَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ
دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ فَإِنْ مَضَى الْيَوْمُ تَقَعُ
الثَّلَاثُ فِي قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ شَرْطُ
الْحِنْثِ وَهُوَ عَدَمُ التَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ،
وَالتَّعْلِيقُ غَيْرُ التَّطْلِيقِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَتَى
بِالتَّطْلِيقِ لِأَنَّ هَذَا تَطْلِيقٌ مُقَيَّدٌ لِأَنَّهُ تَطْلِيقٌ
بِعِوَضٍ، وَالْمُعَاوَضَةُ لَيْسَتْ بِتَعْلِيقٍ حَقِيقَةً،
وَالْمُقَيَّدُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ فَيَنْعَدِمُ شَرْطُ الْحِنْثِ
اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنْت كَذَا يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ
بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا
أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا لَا
خِيَارَ لَهَا أَوْ نَهَارًا دَخَلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا إلَى
الْغُرُوبِ، وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّ مَظْرُوفَ
الْيَوْمِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ يُصْرَفُ الْيَوْمُ عَنْ
حَقِيقَتِهِ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ إلَى مَجَازِهِ وَهُوَ مُطْلَقُ
الْوَقْتِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْمُدَّةِ لَهُ لَغْوٌ إذْ لَا يَحْتَمِلُهُ،
وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْمُرَادُ
بِمَا يَمْتَدُّ مَا يَصِحُّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ كَالسَّيْرِ،
وَالرُّكُوبِ، وَالصَّوْمِ وَتَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ وَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ
وَبِمَا لَا يَمْتَدُّ عَكْسُهُ كَالطَّلَاقِ، وَالتَّزَوُّجِ،
وَالْكَلَامِ، وَالْعَتَاقِ، وَالدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ، وَالْمُرَادُ
بِالِامْتِدَادِ امْتِدَادٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لَا
مُطْلَقُ الِامْتِدَادِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ مِنْ قَبِيلِ
غَيْرِ الْمُمْتَدِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّكَلُّمَ يَمْتَدُّ زَمَانًا
طَوِيلًا لَكِنْ لَا يَمْتَدُّ بِحَيْثُ يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ كَذَا فِي
شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي التَّكَلُّمِ هَلْ
هُوَ مِمَّا يَمْتَدُّ أَوَّلًا فَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ بِالثَّانِي،
وَجَزَمَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي بِالْأَوَّلِ
وَجَعَلَ الثَّانِي ظَنًّا ظَنَّهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَرَجَّحَهُ فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْحَقُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا فِي
التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ امْتِدَادَ الْإِعْرَاضِ إنَّمَا هُوَ بِتَجَدُّدِ
الْأَمْثَالِ كَالضَّرْبِ، وَالْجُلُوسِ، وَالرُّكُوبِ فَمَا يَكُونُ فِي
الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْأُولَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ جُعِلَ
كَالْعَيْنِ الْمُمْتَدِّ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّ الْمُتَحَقِّقَ فِي
الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَا يَكُونُ مِثْلَهُ فِي الْأُولَى فَلَا
يَتَحَقَّقُ تَجَدُّدُ الْأَمْثَالِ اهـ.
ثُمَّ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي
الِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ الْمَظْرُوفُ وَهُوَ الْجَوَابُ وَمِنْ مَشَايِخِ
مَنْ تَسَامَحَ فَاعْتَبَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ الْيَوْمَ وَحَاصِلُهُ
أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَمَظْرُوفُ الْيَوْمِ مِمَّا
يَمْتَدُّ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَرْكَبُ فُلَانٌ أَوْ
يَكُونَا مِنْ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ
يَقْدَمُ زَيْدٌ، وَفِي هَذَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ إنْ اُعْتُبِرَ
الْمُضَافُ إلَيْهِ أَوْ الْمَظْرُوفُ.
وَإِنْ كَانَ الْمَظْرُوفُ مُمْتَدًّا، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ غَيْرَ
مُمْتَدٍّ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ أَوْ
يَكُونُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُمْتَدًّا وَالْمَظْرُوفُ غَيْرَ مُمْتَدٍّ
نَحْوُ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ يَرْكَبُ فُلَانٌ فَحِينَئِذٍ يَخْتَلِفُ
الْجَوَابُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ. . .
إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْفَائِدَةَ تَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ
وَاحِدَةً حَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ كَمَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ
نَعَمْ هَذِهِ فَائِدَةُ التَّنْجِيزِ مَوْصُولًا فَإِنَّهُ لَوْلَاهُ
لَوَقَعَ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا تَطْلِيقٌ
مُقَيَّدٌ. . . إلَخْ) مُقْتَضَاهُ تَسْلِيمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ
تَعْلِيقًا يَحْنَثُ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي حِيَلِ
الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّ الْحِيلَةَ أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَلَا تَقْبَلُ.
(قَوْلُهُ: كَالسَّيْرِ، وَالرُّكُوبِ. . . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ
فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُمْ: الرُّكُوبُ مِنْ الْمُمْتَدِّ مَمْنُوعٌ بَلْ
حَقِيقَتُهُ حَرَكَتُهُ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا فَوْقَ الدَّابَّةِ،
وَاللُّبْسُ هُوَ جَعْلُ الثَّوْبِ عَلَى بَدَنِهِ، وَالْمُمْتَدُّ
بَقَاؤُهُ وَلَكِنَّهُ يُتَسَامَحُ فَيُقَالُ لَبِسَ يَوْمًا وَرَكِبَ
يَوْمًا إذَا دَامَ عَلَيْهِ فَالْمَرْجِعُ الْعُرْفُ اهـ.
وَالْأَنْسَبُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي حَوَاشِي
التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْبَقَاءِ، وَالْقَرِينَةُ
التَّقْيِيدُ بِنَحْوِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ
الْمَشَايِخُ فِي التَّكَلُّمِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ
أَرَ مَنْ أَظْهَرَ لِلْخِلَافِ ثَمَرَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ فِي
اشْتِرَاطِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ فِيمَا يَمْتَدُّ وَعَدَمِهِ فَمَنْ
اشْتَرَطَهُ جَعَلَ الْكَلَامَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ وَمَنْ لَمْ
يَشْتَرِطْهُ جَعَلَهُ مِنْ الْمُمْتَدِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي
الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالِامْتِدَادِ امْتِدَادٌ يُمْكِنُ أَنْ
يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لَا مُطْلَقَ الِامْتِدَادِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا
التَّكَلُّمَ. . . إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ نَعَمْ
اخْتَارَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ
بِأَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْمُمْتَدِّ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَرَّةَ
الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى أَيْضًا مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ بِالْحُرُوفِ،
وَالِاخْتِلَافُ بِالْوَصْفِ لَا يُبَالَى بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ
الْجُلُوسَ لَوْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّتُهُ عُدَّ مُمْتَدًّا فَكَذَا هَذَا
اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: مَا قَالَهُ الْهِنْدِيُّ أَصْوَبُ
عِنْدِي لِأَنَّهُ يُقَالُ تَكَلَّمَ فُلَانٌ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ
عِشْرِينَ دَرَجَةً وَأَكْثَرَ فَيُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ وَقَوْلُ
التَّلْوِيحِ إنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ كَالْأُولَى
مَمْنُوعٌ إذْ لَيْسَ إلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ، وَالتَّصْوِيتِ وَمَا
فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِ الِامْتِدَادِ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ
يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ مِنْ غَيْرِ
الْمُمْتَدِّ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ اهـ.
مُلَخَّصًا. وَهُوَ عَيْنُ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عَلَى أَحَدِ
(3/298)
اعْتِبَارِ الْمَظْرُوفِ فِيمَا يَخْتَلِفُ
الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ فَفِي أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ
يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدِمَ لَيْلًا لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا
اتِّفَاقًا، وَفِي أَنْت حُرٌّ يَوْمَ يَرْكَبُ زَيْدٌ فَرَكِبَ لَيْلًا
عَتَقَ اتِّفَاقًا، وَمَنْ اعْتَبَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ دُونَ
الْمَظْرُوفِ إنَّمَا اعْتَبَرَهُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ
فَعَلَى هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ،
وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِمَا وَلِذَا اعْتَبَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي
هَذَا الْفَصْلِ الْمَظْرُوفَ حَيْثُ قَالَ، وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا
الْقَبِيلِ وَاعْتَبَرَ فِي الْأَيْمَانِ الْمُضَافَ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ
فِي قَوْلِهِ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَا
يَمْتَدُّ بِهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا حَكَاهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مِنْ
الْخِلَافِ وَهْمٌ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ
الْأَوْجَهَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهَا وَعَلَيْهِ
مَسَائِلُهُمْ لَيْسَ بِالْأَوْجَهِ وَأَنَّ مَا قَالَهُ صَدْرُ
الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ
مِنْهُمَا لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ اعْتِبَارُ
الْجَوَابِ فَقَطْ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ
بِذِكْرِ الظَّرْفِ إفَادَةُ وُقُوعِ الْجَوَابِ فِيهِ بِخِلَافِ
الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَظْرُوفًا أَيْضًا لَكِنْ
لَمْ يَقْصِدْ بِذِكْرِ الظَّرْفِ ذَلِكَ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ الْمُضَافَ
إلَيْهِ لِيَتَعَيَّنَ الظَّرْفُ فَيَتِمُّ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْيِينِ
زَمَنِ وُقُوعِ مَضْمُونِ الْجَوَابِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ مَا
قُصِدَ الظَّرْفُ لَهُ لِاسْتِعْلَامِ الْمُرَادِ مِنْ الظَّرْفِ أَهُوَ
الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا لَمْ
يُقْصَدْ لَهُ فِي اسْتِعْلَامِ حَالِهِ، وَفِي التَّلْوِيحِ إنَّمَا
اُعْتُبِرَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ الْمَظْرُوفُ الْمَقْصُودُ وَمَظْرُوفٌ
لَفْظًا وَمَعْنًى، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ ضِمْنِيٌّ مَعْنًى لَا لَفْظًا
ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت كَثِيرًا مَا يَمْتَدُّ الْفِعْلُ مَعَ كَوْنِ
الْيَوْمِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ مِثْلُ ارْكَبُوا يَوْمَ يَأْتِيكُمْ
الْعَدُوُّ وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاَللَّهِ يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْمَوْتُ
وَبِالْعَكْسِ فِي مِثْلِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَصُومُ زَيْدٌ وَأَنْتَ
حُرٌّ يَوْمَ تُكْسَفُ الشَّمْسُ.
قُلْت الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ،
وَالْخُلُوِّ عَنْ الْمَوَانِعِ وَلَا يَمْتَنِعُ مُخَالَفَتُهُ
بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى
أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حَمْلِ الْيَوْمِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى بَيَاضِ
النَّهَارِ وَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَفِي
الثَّانِي عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَيُجْعَلُ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ
مِنْ الْإِضَافَةِ مَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ حِينَ يَصُومُ أَوْ حِينَ
تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ اهـ.
ثُمَّ لَفْظُ الْيَوْمِ يُطْلَقُ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ بِطَرِيقِ
الْحَقِيقَةِ اتِّفَاقًا وَعَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِطَرِيقِ
الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَبِطَرِيقِ
الْمَجَازِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حَمْلَ
الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَازِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ
لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ طُلُوعِ
الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالنَّهَارَ مِنْ طُلُوعِهَا إلَى
غُرُوبِهَا، وَاللَّيْلَ لِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ
فَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت لَيْلًا لَمْ تَطْلُقْ إنْ دَخَلَتْ نَهَارًا
لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ عُرْفًا فَبَقِيَ اسْمًا
لِسَوَادِ اللَّيْلِ وَضْعًا وَعُرْفًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ
فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: عَنَيْت بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ صُدِّقَ
قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ
فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَإِنَّمَا لَمْ
يَقُلْ وَدِيَانَةً لِأَنَّ مَا صُدِّقَ فِيهِ قَضَاءً صُدِّقَ فِيهِ
دِيَانَةً وَلَا يَنْعَكِسُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ
الْيَوْمَ إنَّمَا يَكُونُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَمْتَدُّ إذَا
كَانَ الْيَوْمُ مُنَكَّرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ
الَّتِي لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِبَيَاضِ النَّهَارِ
وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ
وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ كَانَ
لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي اللَّيَالِي وَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا
أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ
لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَدْخُلُ فِيهَا اللَّيَالِي اهـ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ لِتَكْرَارِ
حَرْفِ لَا، وَفِي الثَّانِي يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي التَّلْوِيحِ ذَكَرَ
فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك
الْيَوْمَ وَغَدًا دَخَلَتْ اللَّيْلَةُ قُلْت وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى
أَنَّ الْيَوْمَ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ
أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَتْبِعُ اسْمُ الْيَوْمِ
اللَّيْلَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ
غَدٍ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْمُنْفَرِدَ لَا يَسْتَتْبِعُ مَا بِإِزَائِهِ
مِنْ اللَّيْلِ اهـ.
وَمِنْ فُرُوعِ الْإِضَافَةِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ
بِشَهْرٍ وَنَحْوُهُ قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْقَوْلَيْنِ جَزَمَهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ مَا يَمْتَدُّ زَمَانًا
طَوِيلًا (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. . . إلَخْ) أَيْ
فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ لَمَّا كَانَتْ (الـ) فِيهِ
لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ الْحَاضِرِ
فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَهُ لَيْلًا لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ
الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِمَعْنَى لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ دَخَلَ فِيهِ اللَّيْلُ، وَفِي النَّهْرِ: لَوْ خَرَجَ الْفَرْعُ
الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مِمَّا يَمْتَدُّ لَاسْتَغْنَى عَنْ
هَذَا التَّقْيِيدِ اهـ.
وَمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ أَظْهَرُ لِاقْتِضَائِهِ التَّقْيِيدَ
بِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْكَلَامَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ
بِخِلَافِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ
التَّقْيِيدِ عَلَى
(3/299)
فِي التَّلْخِيصِ: بَابُ مَا يَقَعُ
بِالْوَقْتِ وَمَا لَا يَقَعُ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ
أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ لَغْوٌ لِسَبْقِهِ الْعَقْدَ كَطَالِقٍ أَمْسِ أَوْ
قِرَانِهِ فَإِنَّهُ تَوَقَّفَ لِلتَّعَرُّفِ وَلَا شَرْطَ لَفْظًا
لِيَتَأَخَّرَ وَقَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ مَوْتِهِ وَاقِعٌ إنْ كَانَا
بَعْدَ شَهْرٍ لِلْإِضَافَةِ، وَالْوَصْفُ فِي الْمِلْكِ مُقْتَصِرًا
عِنْدَهُمَا لِلتَّوَقُّفِ مُسْنَدًا عِنْدَ زُفَرَ لِلْإِضَافَةِ كَذَا
فِي الْعِتْقِ وَالْإِمَامُ مَعَهُمَا فِي الْقُدُومِ إذْ الْمُعَرَّفُ
الْحَظْرُ شَرْطٌ مَعْنًى بِدَلِيلِ إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ
قُدُومُهُ مَعَهُ فِي الْمَوْتِ لِأَنَّهُ كَائِنٌ فَلَوْ عَرَّفَ
الشَّهْرَ وَقَعَ بِأَوَّلِهِ كَقَبْلِ الْفِطْرِ فَيَنْزِلُ قُبَيْلَ
الْمَوْتِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ تَوْسِيطًا بَيْنَ الظُّهُورِ،
وَالْإِنْشَاءِ حَتَّى لَغَا الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ عِنْدَهُ بِسَبَقِ
الزَّوَالِ فَيَرُدُّ الْبَدَلَ إلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْقَوْلِ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ الْيَوْمَ مُعَرَّفٌ بِالْعَهْدِ
الْحُضُورِيِّ فَكَيْفَ يَشْمَلُ غَيْرَهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لَغْوٌ
لِسَبْقِهِ الْعَقْدَ. . . إلَخْ) .
يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ لَغْوٌ لَا يَتَعَلَّقُ
بِهِ حُكْمٌ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَطْلُقُ أَبَدًا
إمَّا لِسَبْقِهِ الْعَقْدَ إنْ كَانَ الْعَقْدُ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ
مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ كَمَا فِي أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ لِمَنْ تَزَوَّجَهَا
الْيَوْمَ إمَّا لِقِرَانِهِ الْعَقْدَ إنْ كَانَ لِتَمَامِ شَهْرٍ
فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ
تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ التَّزَوُّجِ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ بَلْ
لِكَوْنِهِ مَصْرِفًا لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الشَّهْرُ الْمُتَّصِلُ
بِالتَّزَوُّجِ لَا أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ قَبْلَ شَهْرٍ فِي آخِرِهِ
تَزَوَّجَ فَكَانَ الشَّهْرُ شَرْطًا يُعَرَّفُ بِأَوَّلِ زَمَانِ
التَّزَوُّجِ فَيَكُونُ وُجُودُهُ قُبَيْلَ التَّزَوُّجِ فَيَنْزِلُ
الْمَشْرُوطُ وَهُوَ الطَّلَاقُ عُقَيْبَ الشَّهْرِ مُقَارِنًا
لِلتَّزَوُّجِ، وَالطَّلَاقُ شُرِعَ رَافِعًا لِلنِّكَاحِ فَلَا يَصْلُحُ
مُقَارِنًا لَهُ وَلَا شَرْطَ لَفْظًا دَاخِلٌ عَلَى التَّزَوُّجِ فِي
كَلَامِهِ لِيَتَأَخَّرَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَنْ التَّزَوُّجِ كَمَا فِي
قَوْلِهِ: إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ
فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ شَهْرٍ وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْت
طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ أَوْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ
فَيَقَعُ إنْ وُجِدَا بَعْدَ شَهْرٍ لِمَا ذَكَرَ مِنْ الْإِضَافَةِ،
وَالْوَصْفِ فِي الْمِلْكِ حَيْثُ أَضَافَ طَلَاقَ مَنْكُوحَتِهِ إلَى
شَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِوَصْفٍ وَهُوَ الْقُدُومُ أَوْ الْمَوْتُ، وَقَدْ
وُجِدَ، وَالْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ، وَقَوْلُهُ: مُقْتَصِرًا حَالٌ مِنْ
الضَّمِيرِ فِي وَاقِعٌ أَيْ وَاقِعُ مُقْتَصِرًا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ
عَلَى حَالِ الْقُدُومِ أَوْ الْمَوْتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ
لِتَوَقُّفِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا عِنْدَ زُفَرَ لِإِضَافَةِ
الطَّلَاقِ إلَى الْوَقْتِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ شَهْرٌ يَتَّصِلُ بِآخِرِهِ
قُدُومُ زَيْدٍ أَوْ مَوْتُهُ فَإِذَا وُجِدَ تَبَيَّنَ اتِّصَافُهُ مِنْ
أَوَّلِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ أَوَّلِهِ،
وَالْعِتْقُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالْإِمَامُ مَعَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ
الْقُدُومِ فَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ مُقْتَصِرًا لِأَنَّ
الْقُدُومَ مُعَرِّفٌ لِلشَّرْطِ، وَالْمُعَرِّفُ إذَا كَانَ عَلَى خَطَرِ
الْوُجُودِ شُرِطَ مَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ حَرْفُهُ بِدَلِيلِ مَا
لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قُدُومُ زَيْدٍ إلَى شَهْرٍ
فَأَنْت طَالِقٌ وَقَدِمَ لِتَمَامِهِ
فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بَعْدَ قُدُومِهِ مُقْتَصِرًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ
يَكُنْ الْقُدُومُ مَعْلُومًا لَنَا تَوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى ظُهُورِهِ
لَنَا وَصَارَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَمَعَ زُفَرَ فِي مَسْأَلَةِ
الْمَوْتِ فَأَوْقَعَهُمَا مُسْتَنِدًا لِأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ
فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ مُعَرِّفًا لِلْوَقْتِ
الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ الشَّهْرُ فَإِذَا عُرِفَ الشَّهْرُ
وَقَعَ الطَّلَاقُ بِأَوَّلِهِ كَمَا فِي الشَّهْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ
الْأَصْلِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ الْفِطْرِ بِشَهْرٍ
وَمَعْرِفَةُ الشَّهْرِ فِي مَسْأَلَتِنَا تَتَحَقَّقُ بِظُهُورِ آثَارِ
الْمَوْتِ فَصَارَ الْمُعَرِّفُ لِكَوْنِهِ شَهْرًا قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ
تِلْكَ الْآثَارُ لَا الْمَوْتُ نَفْسُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ
الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْقُدُومِ فَصَارَ الْمَوْتُ
فِي الِابْتِدَاءِ مُظْهِرًا لِلشَّهْرِ، وَفِي الِانْتِهَاءِ شَرْطًا
لِتَوَقُّفِ وُجُودِهِ عَلَيْهِ فَدَارَ بَيْنَ الظُّهُورِ، وَالْإِنْشَاءِ
فَأَثْبَتْنَا حُكْمًا بَيْنَهُمَا وَهُوَ نُزُولُ الطَّلَاقِ قُبَيْلَ
الْمَوْتِ عِنْدَ وُجُودِ الْآثَارِ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ
تَوْسِيطًا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ
مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَغَا. . . إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ
الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي الِاسْتِنَادِ، وَالِاقْتِصَارِ فَإِذَا
قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ
بِشَهْرٍ ثُمَّ خَلَعَهَا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى أَلْفٍ
أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْت حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ ثُمَّ
كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ
بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَامِ شَهْرٍ بَطَلَ الْخُلْعُ، وَالْكِتَابَةُ عِنْدَهُ
لِسَبْقِ زَوَالِ الْمَحِلِّ فَيَرُدُّ الزَّوْجُ بَدَلَ الْخُلْعِ،
وَالْمَوْلَى بَدَلَ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ زَيْدٌ بَعْدَ
انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَدَاءِ الْمُكَاتَبِ وَلَغَا الطَّلَاقُ
الْمُعَلَّقُ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ عِنْدَهُمَا لِقِرَانِهِ
لِزَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى حَالِ زَوَالِ
النِّكَاحِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَعِنْدَهُ يَقَعُ حِينَ ظُهُورِ آثَارِ
الْمَوْتِ لِقِيَامِ الْمَحَلِّ ثُمَّ يَسْتَنِدُ وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ
الْعِتْقِ يَعْنِي فِي أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ حَيْثُ يَقَعُ
الْعَتَاقُ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِبَقَاءِ الْمِلْكِ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا كَانَ
الْمَيِّتُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ
مَوْتِي بِشَهْرٍ صَحَّ فَلَمْ يَكُنْ إضَافَةً إلَى حَالِ زَوَالِ
الْمِلْكِ لَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ لِاقْتِصَارِهِ
عَلَى الْمَوْتِ فَكَانَ كَالْمُدَبَّرِ وَعِنْدَهُ مِنْ الْكُلِّ
لِاسْتِنَادِهِ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَارِثِ بِهِ
لَكِنَّ هَذَا لَوْ الْإِيجَابُ فِي الصِّحَّةِ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ
إجْمَاعًا وَلِلْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ
وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مُدَبَّرًا
مُطْلَقًا لِاشْتِرَاطِ الْقَبْلِيَّةَ وَهِيَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ فَصَارَ
كَقَوْلِهِ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا وَلَوْ جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ
بِأَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي الشَّهْرِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى لِتَمَامِ
الشَّهْرِ فَالْأَرْشُ لِلْعَبْدِ لَا الْمَوْلَى لَكِنْ عَلَى الْقَاطِعِ
أَرْشُ الْقِنِّ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ لَا الْحُرِّ وَهُوَ نِصْفُ
الدِّيَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا وَلَا اسْتِنَادَ
فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَهُوَ الْيَدُ، وَالْأَرْشُ
(3/300)
لِفَوْتِ مَحَلِّ الْإِنْشَاءِ وَلَغَا
طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ عِنْدَهُمَا لِقِرَانِ الْمَوْتِ
بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ لَكِنْ مِنْ الثُّلُثِ
عِنْدَهُمَا، وَالْكُلُّ عِنْدَهُ وَلَهُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ صِفَةٍ فِي
الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَهُ كَإِنْ مِتَّ وَدُفِنْت أَوْ مِنْ مَرَضِي
وَلَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ فَالْأَرْشُ لَهُ لَكِنَّ أَرْشَ
الْقِنِّ إذْ لَا اسْتِنَادَ فِي الْفَائِتِ، وَالْخَلَفُ كَالْأَصْلِ
فِيمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا الْعِتْقُ نَظِيرُهُ الْجِنَايَةُ
عَلَى السَّاعِي فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ وَضَمَانُ التَّسْبِيبِ يَلْحَقُ
الْمَيِّتَ بَعْدَ إعْتَاقِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ فِي حَقِّ
الدَّيْنِ دُونَ رَدِّ الْعِتْقِ بِسَبَبِهِ.
وَلَوْ بِيعَ النِّصْفُ عَتَقَ الْبَاقِي وَلَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ إذْ
الِاسْتِنَادُ عُدِمَ فِي حَقِّ الزَّائِلِ وَلَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ
الصُّنْعِ كَالْمِيرَاثِ وَلَوْ قَالَ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو
بِشَهْرٍ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ أَبَدًا لِفَوَاتِ
الْوَصْفِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ وَقَعَ لِتَعْيِينِ الشَّهْرِ وَهُوَ
الْمُتَّصِلُ بِأَوَّلِ الْكَائِنَيْنِ كَقَبْلَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى
بِخِلَافِ الْقُدُومِ، وَالْقِرَانُ مَبْنَى طَعْنِ الرَّازِيّ وَهُوَ
مُحَالٌ فَلَا يُرَادُ كَذَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي حَيْضَةً بِشَهْرٍ
وَرَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثًا وَقَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ وَمَوْتِ عَمْرٍو
وَقُدِّمَ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كَائِنٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ عَمْرٌو
اهـ.
وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ
قَالَ: أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ السَّاعَةَ لَمْ يَقَعْ حَتَّى
تَمُوتَ إحْدَاهُمَا فَإِذَا مَاتَتْ طَلُقَتْ الْأُخْرَى مُسْتَنِدًا اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْخَلَفُ يُعْطَى حُكْمَ الْأَصْلِ فِي حَقٍّ يَقْبَلُهُ وَهُوَ
اخْتِصَاصُ الْعَبْدِ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ دُونَ مَا لَا
يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَنَظِيرُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ
عَلَى الْوَلَدِ السَّاعِي فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ
فَإِنَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَدَّى وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ وَعِتْقِ
أَبِيهِ فِي آخِرِ حَيَاةِ الْأَبِ يَجِبُ أَرْشُهُ لَهُ قِنًّا لَا حُرًّا
لِكَوْنِ الْخَلَفِ وَهُوَ الْأَرْشُ كَالْأَصْلِ وَهُوَ الْيَدُ فِيمَا
يَقْبَلُهُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلِابْنِ لَا فِيمَا لَا يَقْبَلُهُ
وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَا ضَمَانُ التَّسَبُّبِ فَإِنَّ الْمُوَرِّثَ
إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ مَاتَ عَنْ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ
الْوَارِثُ ثُمَّ تَلِفَ بِالْبِئْرِ دَابَّةٌ تُسَاوِي الْعَبْدَ
فَالضَّمَانُ يَسْتَنِدُ إلَى الْحَفْرِ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ ثُبُوتُ
الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يَضْمَنَ الْوَارِثُ قِيمَةَ الْعَبْدِ
لَا فِيمَا لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ رَدُّ الْعِتْقِ وَهَذَا عِنْدَهُ
وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْقَطْعَ
وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ لِلِاقْتِصَارِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِيعَ. . . إلَخْ
أَيْ لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى النِّصْفَ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ لِتَمَامِ
الشَّهْرِ عَتَقَ النِّصْفُ الْبَاقِي إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ: وَلَمْ
يَفْسُدْ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا عَتَقَ الْبَاقِي مُسْتَنِدًا ظَهَرَ
مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُ مُعْتَقُ الْبَعْضِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ كُلُّهُ
وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ.
وَالْجَوَابُ لَمْ يُكَاتِبْهُ الْمَوْلَى نَصًّا فَلَوْ ظَهَرَتْ
الْكِتَابَةُ تَظْهَرُ ضَرُورَةُ عِتْقِ النِّصْفِ فَيَتَقَدَّرُ
بِقَدْرِهَا، وَالضَّرُورَةُ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي نَصِيبِهِ لَا فِي
صَيْرُورَةِ الْآخَرِ مُكَاتَبًا وَلَمْ يَضْمَنْ لِمُشْتَرِي النِّصْفِ
شَيْئًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ لِكَوْنِهِ ثَبَتَ
حُكْمًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَمَا
لَوْ وَرِثَ نِصْفَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ
قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ
شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ الْكَلَامِ فَاتَ الْوَصْفُ وَهُوَ الْقَبْلِيَّةَ
عَلَى مَوْتِهِمَا بِشَهْرٍ فَفَاتَ الْمَوْصُوفُ وَهُوَ الْوَقْتُ
الْمُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ فَتَعَذَّرَ الْوُقُوعُ، وَإِنْ مَاتَ
أَحَدُهُمَا بَعْدَ شَهْرٍ وَقَعَ مُسْتَنِدًا عِنْدَهُ إلَى أَوَّلِ
الشَّهْرِ مُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا لَا يُنْتَظَرُ مَوْتُ الْآخَرِ
لِتَعَيُّنِ الشَّهْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ الْمُتَّصِلُ
بِأَوَّلِ الْكَائِنَيْنِ وَهُمَا مَوْتُ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لَا مَحَالَةَ
لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلثَّانِي تَأْثِيرٌ فِي إيجَادِ الشَّرْطِ فَلَا
يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ الْفِطْرِ،
وَالْأَضْحَى بِشَهْرٍ يَقَعُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَلَا يُنْتَظَرُ مَا
بَعْدَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْقُدُومِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ
زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقْدَمْ الْآخَرُ لِعَدَمِ
تَعَيُّنِ الشَّهْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ اتِّصَالِهِ
بِأَوَّلِهِمَا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْدَمَ الْآخَرُ أَصْلًا فَكَانَ
لِلثَّانِي تَأْثِيرٌ فِي إيجَادِ الشَّرْطِ فَإِذَا قَدِمَ طَلُقَتْ
بِطَرِيقِ الِاقْتِصَارِ خِلَافًا لِزُفَرَ أَمَّا فِي الْمَوْتِ
فَيَتَعَيَّنُ الشَّهْرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِكَوْنِ مَوْتِ الْآخَرِ
كَائِنًا لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ: وَالْقِرَانُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ
قَوْلُهُ: مَبْنِيٌّ طَعَنَ الرَّازِيّ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ
الْقِيَاسَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ
الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ مَوْتُهُمَا أَوْ قُدُومُهُمَا وَهُوَ
الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ الرَّازِيّ طَعْنَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بِشَهْرٍ وَمَوْتِ
الْآخَرِ بِأَكْثَرَ كَانَ خِلَافَ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ
الطَّلَاقُ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ اشْتِرَاطُ قِرَانِ مَوْتِهِمَا أَوْ
قُدُومِهِمَا مُحَالٌ عَادَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ
لَا يُرِيدُ بِكَلَامِهِ الْمُمْتَنِعَ عَادَةً بَلْ الْمُعْتَادُ وَذَلِكَ
شَهْرٌ قَبْلَ مَوْتِهِمَا عَلَى التَّعَاقُبِ لَا الْقِرَانِ كَمَا فِي
قَبْلَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى بِشَهْرٍ.
(قَوْلُهُ: كَذَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي. إلَخْ) لِتَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ
بِشَهْرٍ قَبْلَ الْحَيْضَةِ وَصِفَةُ الْقَبْلِيَّةَ تَثْبُتُ
بِالِاتِّصَالِ بِالْحَيْضَةِ فَصَارَ الِاتِّصَالُ شَرْطًا، وَالْحَيْضَةُ
مُوجِدَةً لَهُ، وَالْمُوجِدُ لِلشَّرْطِ يُقَارِنُهُ الطَّلَاقُ لَكِنَّ
التَّوَقُّفَ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لِمَا وَرَاءَ
الثَّلَاثِ أَثَرٌ فِي إيجَادِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ إذَا حِضْت حَيْضَةً
حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِالطُّهْرِ إذْ لَا حَيْضَةَ إلَّا بَعْدَ الطُّهْرِ
وَهُنَا عَلَّقَهُ بِشَهْرٍ قَبْلَهَا، وَالْحَيْضَةُ مُعَرِّفَةٌ لَهُ،
وَقَدْ وُجِدَتْ وَهِيَ تَنْقَطِعُ لَا مَحَالَةَ وَكَذَا إذَا قَدِمَ
زَيْدٌ بَعْدَ شَهْرٍ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَبْلَ قُدُومِهِ وَقَبْلَ
مَوْتِ عَمْرو وَلِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَلَا يُنْتَظَرُ
فِي حَقِّ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ عَمْرٌو أَوْ لَا حَيْثُ
يُنْتَظَرُ قُدُومُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ كَذَا
فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ الْأُخْرَى
مُسْتَنِدًا) أَيْ عِنْدَهُ وَمُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ
قَالَ
(3/301)
أَنْت طَالِقٌ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ إلَى
مَا نَوَى لِأَنَّ مُدَّةَ الدُّنْيَا كُلَّهَا قَرِيبَةٌ، وَإِنْ لَمْ
يَنْوِ فَإِلَى أَنْ يَمْضِيَ شَهْرٌ إلَّا يَوْمًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ
أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ
وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَالْأُخْرَى غَدًا
بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ جَاءَ
وَقَعَتْ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ
وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ
وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ
وَقَعَتْ أُخْرَى بِأَلْفٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ
تَطْلِيقَةً بَائِنَةٌ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ يَقَعُ لِلْحَالِ
تَطْلِيقَةً بَائِنَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ وَقَعَتْ
أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً
بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الْيَوْمَ
وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِالْأَلْفِ وَلَوْ قَالَ أَنْت
طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَغَدًا أُخْرَى
أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ انْصَرَفَ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا
فَتَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ
شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا إذَا لَمْ يُضِفْ أَصْلًا.
وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ ثَلَاثًا وَغَدًا أُخْرَى
بَائِنَةٌ أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ
وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْبَدَلُ يَنْصَرِفُ
إلَيْهِمَا فَيَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَغَدًا أُخْرَى
بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ وَصَفَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ بِأَنْ قَالَ أَنْت
طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ
بِأَلْفٍ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِأَلْفٍ أَوْ بَائِنَةٌ بِأَلْفٍ لَغَا
ذَلِكَ الْوَصْفُ فَتَقَعُ وَاحِدَةً الْيَوْمَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَأُخْرَى
بِغَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ
الْوُجُوهَ عَشَرَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يَصِفَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا
أَوْ يَصِفَ الْأُولَى فَقَطْ إمَّا بِالرَّجْعَةِ أَوْ بِالْبَيْنُونَةِ
أَوْ بِكَوْنِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْ يَصِفَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ
كَذَلِكَ أَوْ يَصِفَهُمَا جَمِيعًا كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي
تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى أَنْت طَالِقٌ قُبَيْلَ غَدٍ وَقُبَيْلَ قُدُومِ
فُلَانٍ فَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ لِأَنَّ قُبَيْلَ وَقْتٍ
قَالَ أَبُو الْفَضْلِ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِهِ قُبَيْلَ
قُدُومِ فُلَانٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ
إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَلَوْ قَالَ إذَا كَانَ ذُو الْقِعْدَةِ فَأَنْت
طَالِقٌ، وَقَدْ مَضَى بَعْضُهُ فَهِيَ طَالِقٌ سَاعَةَ مَا تَكَلَّمَ اهـ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ تَتْمِيمًا لِلطَّلَاقِ الْمُضَافِ
تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
وَهُوَ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ.
قَوْلُهُ: (أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ، وَإِنْ نَوَى وَتَبِينُ فِي
الْبَائِنِ، وَالْحَرَامِ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ
عَلَيْك حَرَامٌ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالنِّيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ
الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ أَوْ الْقَيْدِ
فَمَحَلُّ الطَّلَاقِ مَحَلُّهُمَا وَهِيَ مَحَلُّهُمَا دُونَهُ
فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ
فَيَلْغُو وَأَمَّا حَجْرُهُ عَنْ أُخْتِهَا أَوْ خَامِسَةٍ فَلَيْسَ
مُوجِبٌ نِكَاحَهَا بَلْ حَجْرٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ ابْتِدَاءً عَنْ
الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَخَمْسٍ لَا حُكْمًا لِلنِّكَاحِ
وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْتِهَا مَعًا أَوْ ضَمَّ خَمْسًا
مَعًا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ لَفْظَهَا مَوْضُوعٌ
لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَوَصْلَةُ النِّكَاحِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا
فَصَحَّتْ إضَافَتُهَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَالِمًا بِحَقِيقَتِهَا
وَبِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ
مُشْتَرَكٌ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مِنْك وَعَلَيْك لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ
أَنَا بَائِنٌ أَوْ أَبَنْت نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ حَرَامٌ
وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ
مُتَعَدِّدَةٌ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَنْت
بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا نَوَى
لِتَعْيِينِ إزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ بِخِلَافِ
الْأَوَّلِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ
فَطَلَّقَتْهُ لَا يَقَعُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَفِي الْقُنْيَةِ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَقَعُ
الطَّلَاقُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى كَلِمَةِ " عَلَيَّ "
مت وَكَذَا فِي سن فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنَا بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ
مِنْك أَوْ أَنَا حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ قَالَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ ع لَوْ قَالَ لَهَا:
أَنْت حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنِّي فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا
سَهْوٌ مِنْهُ حَيْثُ نَقَلَهُ مِنْ الْعُيُونِ، وَفِي الْعُيُونِ ذَكَرَ
ذَلِكَ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ لَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ
بِيَدِهَا فَقَالَتْ لِلزَّوْجِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت مِنِّي
بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ وَقَعَ
وَلَوْ قَالَتْ أَنْت بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ تَقُلْ مِنِّي فَهُوَ
بَاطِلٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ قُلْت فَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لَوْ وَطِئَهَا
بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ بَائِنًا وَيُرَاجِعُ لَوْ رَجْعِيًّا وَلَوْ قَالَ
نَظِيرَهُ لِإِحْدَى أَمَتَيْهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ ع) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ
مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ خِزَانَةَ الْأَكْمَلِ اسْمُ كِتَابٍ فِي سِتِّ
مُجَلَّدَاتٍ تَصْنِيفُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ يُوسُفَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيِّ وَنُسِبَ لِأَبِي اللَّيْثِ، وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ لِهَذَا كَذَا فِي تَاجِ التَّرَاجِمِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ
(3/302)
نُسَخِ الْعُيُونِ وَلَوْ قَالَ بِغَيْرِ
تَاءِ التَّأْنِيثِ وَظَنَّ صَاحِبُ الْأَكْمَلِ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ
مُبْتَدَأَةٌ وَظَنَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ
فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعِنْدَ
هَذَا ازْدَادَ سَهْوًا شَيْخُنَا نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيُّ
فَزَادَ فِيهَا لَفْظَةَ لَهَا فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ حَرَامٌ
أَوْ بَائِنٌ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ
مَذْكُورَةٌ فِي الْوَاقِعَاتِ الْكُبْرَى الْمَدَنِيَّةِ وَغَيْرِ
الْمَدَنِيَّةِ فِي مَسَائِلِ الْعُيُونِ فَعُرِفَ بِهِ سَهْوُهُمَا اهـ.
وَالْحَاصِلُ مِنْ جِهَةِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْحُرْمَةَ
أَوْ الْبَيْنُونَةَ إلَيْهَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهِ، وَإِنْ
أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهَا، وَإِنْ
خَيَّرَهَا فَأَجَابَتْ بِالْحُرْمَةِ أَوْ الْبَيْنُونَةِ فَلَا بُدَّ
مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ أَنَا
حَرَامٌ عَلَيْك أَنْتِ بَائِنٌ مِنِّي أَنَا بَائِنٌ مِنْك وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ وَقَدْ حُكِيَ فِي الْمِعْرَاجِ فِي
مَسْأَلَةِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَوْ
كَانَ إلَيَّ مَا إلَيْك لَرَأَيْت مَاذَا أَصْنَعُ فَقَالَ جَعَلْت مَا
إلَيَّ إلَيْك فَقَالَتْ طَلَّقْتُك فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ خَطَّأَ اللَّهُ نَوْءَهَا هَلَّا
قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي مِنْك وَرَوَى خَطَّ اللَّهُ وَصَوَّبَهُ
النَّسَفِيُّ وَقَالَ لَا يَجُوزُ خَطَّأَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ عَكْسَهُ،
وَالنَّوْءُ كَوْكَبٌ تَسْتَمْطِرُ بِهِ الْعَرَبُ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ
مَوْتِك لَغْوٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ
يَقَعُ رَجْعِيَّةً لِصَرْفِ الشَّكِّ إلَى الْوَاحِدَةِ وَلَهُمَا أَنَّ
الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ
بِدَلِيلِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ
الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ كَانَ
الْوُقُوعُ بِطَالِقٍ لَبَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ فَيَلْغُو الْعَدَدُ
وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ
يَقَعْ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِطَالِقٍ لَكَانَ الْعَدَدُ
فَاصِلًا فَوَقَعَ وَمِنْ أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَدَدِ لَمْ
يَقَعْ شَيْءٌ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوعَ أَيْضًا
بِالْمَصْدَرِ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَكَذَا الْوُقُوعُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ
ذِكْرِهَا كَمَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ كَانَ الْوُقُوعُ
بِأَلْبَتَّةَ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا
لَا يَقَعُ وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ لَوَقَعَ وَيَدُلُّ
عَلَيْهِ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ
أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ لِلسُّنَّةِ أَوْ
بَائِنٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْإِيقَاعِ لَا
لِلتَّطْلِيقَةِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِيقَاعُ عَلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ
وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْأُولَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْعِتْقِ
رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ أَلْبَتَّةَ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ
أَنْ يَقُولَ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهُ يَمُوتُ عَبْدًا اهـ.
وَمُرَادُهُ مِنْ الْوَاحِدَةِ مُطْلَقُ الْعَدَدِ فَلَوْ قَالَ أَنْتِ
طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوَّلًا عَلَى الْخِلَافِ وَقَيَّدَ بِالْعَدَدِ
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا لَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِمْ،
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَوْ أَنْت
طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ أَوَّلًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ
لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْإِيقَاعِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ
طَالِقٌ إلَّا لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ، وَالْإِيقَاعُ إذَا لَحِقَهُ
اسْتِثْنَاءٌ لَا يَبْقَى إيقَاعًا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ
كَانَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَوْلَا لِأَنَّ هَذَا
شَرْطٌ، وَالْإِيقَاعُ إذَا لَحِقَهُ شَرْطٌ لَمْ يَبْقَ إيقَاعًا اهـ
ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ
فَالْبَيَانُ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ تَقَعُ
وَاحِدَةً بِلَا خِيَارٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَلَوْ قَالَ
أَنْت طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ فُلَانَةُ يَقَعُ عَلَيْهَا وَعَلَى إحْدَى
الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّشْكِيكِ دَخَلَتْ بَيْنَ
الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ، وَالْأُولَى سَلِمَتْ عَنْ التَّشْكِيكِ
وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ يَقَعُ عَلَى
الْأَخِيرَةِ وَعَلَى إحْدَى الْأَوَّلِيَّيْنِ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ
لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّشْكِيكِ دَخَلَتْ عَلَى الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ
لَا عَلَى الْأَخِيرَةِ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ
هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي إحْدَى
الْأَوَّلِيَّيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ وَهَذِهِ
أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ وَلَهُ
الْخِيَارُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ.
وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ
الثَّالِثَةُ، وَالرَّابِعَةُ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ
وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَا بَلْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ لَا بَلْ هَذِهِ
طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّانِيَةِ،
وَالثَّالِثَةِ وَلَوْ قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ أَوْ زَيْنَبُ إنْ دَخَلْت
الدَّارَ فَدَخَلَهَا خُيِّرَ فِي إيقَاعِهِ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ
لِأَنَّهُ عَلَّقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَرُوِيَ خَطَّ اللَّهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْخَطُّ مِنْ
الْخَطِيطَةِ وَهِيَ أَرْضٌ لَمْ تُمْطَرْ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ.
(3/303)
بِالدُّخُولِ طَلَاقًا مُتَرَدِّدًا
بَيْنَهُمَا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ فُلَانَةُ عَلَيَّ
حَرَامٌ وَعَنَى بِهِ الْيَمِينَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيَانِ حَتَّى
تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ وَلَمْ يَقْرَبْهَا يُجْبَرُ
عَلَى أَنْ يُوقِعَ طَلَاقَ الْإِيلَاءِ أَوْ طَلَاقَ الصَّرِيحِ لِأَنَّهُ
قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ،
وَالْتِزَامِ الْكَفَّارَةِ وَأَحَدُهُمَا لَا يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ
فَلَمْ يُلْزِمْهُ الْقَاضِي وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْوَاقِعُ
أَحَدُ الطَّلَاقَيْنِ وَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ فَيُلْزِمُهُ
وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ
الْبَيَانِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَيَسْعَى فِي
نِصْفِ قِيمَتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
نِصْفُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الْحِنْثِ
يَقَعُ بِالْوَاحِدَةِ، وَالِاثْنَيْنِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ ذَا أَوْ ذَا
وَذَا فَحِنْثُهُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِينَ، وَفِي عَكْسِهِ
بِالْآخِرِ أَوْ الْأَوَّلَيْنِ إذْ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ وَأَوْ بِمَعْنَى
وَلَا لِتَنَاوُلِهَا نَكِرَةً فِي النَّفْيِ بِخِلَافِ ذَا حُرٌّ أَوْ ذَا
وَذَا لِأَنَّهَا تَخُصُّ فِي الْإِثْبَاتِ فَأَشْبَهَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ
وَذَا أَوْ الْخَبَرُ مَعَادٌ ثَمَّةَ لَا هُنَا فَأَفْرَدَ الْمَعْطُوفَ
بِعِتْقٍ كَمَا أَفْرَدَ بِالنِّصْفِ فِي نَظِيرَتِهِ فِي الْإِقْرَارِ
اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ الْفَارِسِيُّ أَنَّ الطَّلَاقَ كَالْعِتْقِ،
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ، وَالْإِقْرَارَ مِنْ بَابٍ
وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عُطِفَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَوْ ثُمَّ عُطِفَ
بِالْوَاوِ أَنَّ الثَّالِثَ الْمَعْطُوفَ بِالْوَاوِ يَثْبُتُ لَهُ
الْحُكْمُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ فَيَعْتِقُ الثَّالِثُ وَتَطْلُقُ
الثَّالِثَةُ وَيَكُونُ نِصْفُ الْمَالِ الْمُقِرُّ بِهِ لِلثَّالِثِ فِي
قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ،
وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا فِي
الْأَيْمَانِ فَإِنَّمَا هُوَ جَمَعَ بَيْنَ الثَّالِثِ، وَالثَّانِي
بِالْوَاوِ، وَالْأَوَّلُ ثَبَتَ لَهُ الْحُكْمُ وَحْدَهُ فَإِنْ كَلَّمَ
الْأَوَّلَ وَحْدَهُ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِكَلَامِ الْأَخِيرَيْنِ
وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ فِي
التَّلْخِيصِ وَحَاصِلُ أَوْ فِي الطَّلَاقِ إمَّا فِي أَصْلِهِ كَأَنْتِ
طَالِقٌ أَوَّلًا لَا وُقُوعَ اتِّفَاقًا أَوْ بَعْدَ الْعَدَدِ فَكَذَا
عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا
أَوْ بَيْنَ عَدَدَيْنِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ
فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فِي الْمَدْخُولَةِ وَوَاحِدَةً فِي غَيْرِهَا أَوْ
بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَطَلَاقٌ مُبْهَمٌ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ
أَوْ بَيْنَ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ وَاوٌ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ طَلُقَتْ
الْأُولَى، وَالْبَيَانُ لَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ بَيْنَ ثَلَاثٍ
وَاوٌ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَقَعَ عَلَى الْأَخِيرَةِ، وَالْبَيَانُ
لَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَوْ بَيْنَ أَرْبَعٍ مُكَرَّرَةٍ بِأَنْ
ذَكَرُوا فِي الثَّانِيَةِ، وَالْوَاوُ فِي الثَّالِثَةِ وَأَوْ فِي
الرَّابِعَةِ طَلُقَتْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ
وَلَوْ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ بِالْوَاوِ، وَالثَّالِثَةَ بِأَوْ وَكَذَا
الرَّابِعَةَ بِالْوَاوِ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ، وَالْبَيَانُ
إلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَلَوْ أَدْخَلَ أَوْ عَلَى
الثَّانِيَةِ فَقَطْ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ
وَوَقَعَ عَلَى الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ
مَوْتِك فَلِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ لِأَنَّ
مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ
وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُوقِعِ، وَالْمَحَلِّيَّةِ فِي
الْمُوقَعِ عَلَيْهَا إذْ الْمَعْنَى عَلَى تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ،
وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقِرَانِ بِدَلِيلِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِك
الدَّارَ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَاسْتَدْعَى وُقُوعَهُ تَقَدُّمَ
الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَيَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ بَاطِلٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصَهُ
بَطَلَ الْعَقْدُ) أَيْ انْفَسَخَ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ
أَعْنِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْأَوَّلِ
وَلِاجْتِمَاعِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَمْلُوكِيَّةِ فِي الثَّانِي فَإِنْ
قُلْت هَلْ ارْتَفَعَ أَثَرُ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا ارْتَفَعَ
أَصْلُهُ قُلْت لَا لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا
ثِنْتَيْنِ ثُمَّ مَلَكَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ،
وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ لَاعَنَهَا
وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى
فَسُبِيَتْ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ
حُكْمَ اللِّعَانِ، وَالظِّهَارِ بَاقٍ فَحَرُمَ الِاسْتِمْتَاعُ،
وَالِاجْتِمَاعُ مَعَهَا اهـ.
أَطْلَقَهُ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ
لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِلْكًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ
لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ كَمِلْكِ الْوَكِيلِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ
الْمُضَعَّفِ وَكَمَا قَالُوا فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ
حُرَّةً عَلَى رَقَبَةِ الْأَمَةِ ثُمَّ أَجَازَ ذَلِكَ مَوْلَاهَا
فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ مِلْكًا لِلْحُرَّةِ وَلَا
يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَ
الْمِلْكُ يَنْتَقِلُ إلَى الزَّوْجِ أَوَّلًا فِي الْأَمَةِ ثُمَّ
يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْحُرَّةِ لِمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا غَيْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَحِنْثُهُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرَيْنِ) لِأَنَّ أَوْ
لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَلَوْ كَلَّمَ أَحَدَ الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ لَا
يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْآخَرَ فَارِسِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي
عَكْسِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ ذَا وَذَا أَوْ ذَا فَحِنْثُهُ
بِكَلَامِ الْأَخِيرِ أَوْ بِكَلَامِ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ الْوَاوَ
لِلْجَمْعِ وَكَلِمَةَ أَوْ بِمَعْنَى وَلَا لِتَنَاوُلِهَا نَكِرَةً فِي
النَّفْيِ فَتَعُمُّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ
آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ جَمَعَ
بَيْنَ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ
قَالَ: لَا أُكَلِّمُ هَذَا وَلَا هَذَيْنِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي
جَمَعَ بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ
كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَلَا هَذَا فَارِسِيٌّ (قَوْلُهُ:
أَوْ الْخَبَرُ مُعَادٌ ثَمَّةَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ لِأَنَّ
الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلْمَعْطُوفِ،
وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِإِفْرَادِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ
وَهَذَا حُرٌّ فَأَفْرَدَ الْمَعْطُوفَ بِعِتْقٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا
أَفْرَدَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمَعْطُوفُ بِنِصْفِ الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ
فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِقْرَارِ بِقَوْلِهِ لِفُلَانٍ
عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ
(3/304)
مُسْتَقِرٍّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ
الْمِلْكَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ مِنْ
الْجَانِبَيْنِ وَأَرَادَ مِنْ الْمِلْكِ حَقِيقَتَهُ فَخَرَجَ حَقُّ
الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَنْفَسِخُ
لِعَدَمِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَهُ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَإِنَّمَا
الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ،
وَإِنْ مَنَعَ ابْتِدَاءَهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ
مُكَاتَبِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةُ
مِلْكٍ لِوُجُودِ حَقِّ الْمِلْكِ بِخِلَافِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَإِنَّ
لِلْأَبِ نِكَاحَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةُ مِلْكٍ وَلَا حَقَّ
لَهُ فِيهَا وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ
فَالثَّابِتُ لَهُ حَقُّ أَنْ يَتَمَلَّكَ وَهُوَ لَيْسَ بِمَانِعٍ، وَفِي
تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ عَلَى رَقَبَتِك جَازَ إلَّا فِي
الْحُرَّةِ لِقِرَانِ الْمُنَافِي، وَالْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ حَقَّ
الْمِلْكِ يَمْنَعُ إنْ لَمْ يُرْفَعْ كَالْعِدَّةِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا
يُبَاعُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ كَانَ
الزَّوْجُ مُدَبَّرًا صَحَّ بِقِيمَتِهِ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَا
يَمْلِكُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَلَا يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ لِأَنَّهُ
إبْطَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى رَقَبَتِك صَحَّ فِي الْجَمِيعِ
وَتَسْمِيَتُهُ الرَّقَبَةَ لِلتَّقْدِيرِ كَمَا فِي عَبْدِ الْغَيْرِ
وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِ غَبَنٌ فَاحِشٌ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ
وَهِيَ فُرَيْعَةُ التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ وَلَوْ خَالَعَ عَلَى
رَقَبَتِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
وَفُلَانٍ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِينَ إذَا اصْطَلَحَا
أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ فَالْخَبَرُ لَيْسَ بِمُعَادٍ لِعَدَمِ
الْحَاجَةِ فَارِسِيٌّ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ. . . إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ
لِعَبْدِهِ الْقِنِّ ذَلِكَ فَتَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ أَمَةً أَوْ
مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ جَازَ لِوُجُودِ الرُّكْنِ بِالْإِذْنِ
وَفَقْدِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ الزَّوْجَةِ رَقَبَتَهُ إذْ هُوَ
لِمَوْلَاهَا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ لِلْأَمَةِ أَوَّلًا بِدَلِيلِ
قَضَاءِ دُيُونِهَا مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ كَالْوَكِيلِ
بِشِرَاءِ زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً
لِقِرَانِ الْمُنَافِي وَهُوَ مِلْكُهَا لَهُ لِلْعَقْدِ، وَالْمُنَافِي
إذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ أَبْطَلَهُ فَإِذَا قَارَنَهُ أَوْلَى
أَنْ يَمْنَعَ وُجُودَهُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ مُكَاتَبَةً إذْ
لَوْ جَازَ لَثَبَتَ لَهَا حَقُّ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ وَأَنَّهُ
يَمْنَعُ جَوَازَ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْفَعُهُ إذَا
طَرَأَ كَالْعِدَّةِ لَا تَرْفَعُ النِّكَاحَ كَمَا لَوْ وُطِئَتْ
الْمَنْكُوحَةُ بِشُبْهَةٍ وَتَمْنَعُ انْعِقَادَهُ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ:
فَإِنْ دَخَلَ بِهَا) أَيْ الْعَبْدُ بِالْحُرَّةِ أَوْ بِالْمُكَاتَبَةِ
وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ
دُخُولٌ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَيُبَاعُ عِنْدَهُ وَقَالَا يُتْبَعُ بَعْدَ
عِتْقِهِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْإِذْنِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ:
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ بِالنِّكَاحِ
عَلَى رَقَبَتِهِ مُدَبَّرًا صَحَّ النِّكَاحُ بِقِيمَتِهِ، وَالْمُسَمَّى
فِي رَقَبَتِهِ يَسْعَى فِيهِ كَالْمُدَبَّرِ الْمَأْذُونِ أَمَّا صِحَّةُ
النِّكَاحِ فَلِوُجُودِ الْإِذْنِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّ
الْمُدَبَّرَ لَا يَمْلِكُ وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ فَلِأَنَّ
الْمُسَمَّى وَهُوَ رَقَبَتُهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ
تَسْلِيمُهُ لِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَا لِفَسَادِ الْعَقْدِ فَكَانَ
كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَجُزْ وَكَذَا
الْمُكَاتَبُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَقَوْلُهُ: وَلَا يَتَضَمَّنُ
الْفَسْخَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ يَقْبَلُ النَّفَلَ مِنْ
مِلْكِ الْمَوْلَى بِرِضَاهُ وَلِذَا لَوْ بَاعَهُ بِرِضَاهُ جَازَ
وَيَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ فَكَذَا إقْدَامُهُ عَلَى أَمْهَارِ
رَقَبَتِهِ إذْ لَا تَصِيرُ مَهْرًا إلَّا بَعْدَ فَسْخِهَا فَيَصِيرُ
مَحَلًّا لِلْمِلْكِ فَيُوجَدُ الْمَانِعُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِتَضَمُّنِ إقْدَامِهِ فَسْخَهَا كَمَا
فِي الْبَيْعِ لَزِمَ إبْطَالُ الْمُتَضَمَّنِ لَهُ وَهُوَ النِّكَاحُ
وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْمُقْتَضَى عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ الْمُقْتَضَى
بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذْ تَضَمُّنُهُ فَسْخَهَا لَا يُبْطِلُهُ عَلَى أَنَّ
الْأَصَحَّ أَنَّ بَيْعَهُ بِرِضَاهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا فَسَخَاهَا.
(قَوْلُهُ: صَحَّ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الصُّوَرِ لِوُجُودِ
الْإِذْنِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالنِّكَاحِ لَا
بِإِمْهَارِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ فُضُولِيًّا فَلَمْ تَصِرْ مِلْكًا
لِلْحُرَّةِ وَلَا لِمَوْلَى الْأَمَةِ وَتَسْمِيَةُ الرَّقَبَةِ مَهْرًا
مِنْ الْعَبْدِ لِتَقْدِيرِ الْمَهْرِ بِهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَهَذَا لِأَنَّ أَمْرَ الْمَوْلَى لَهُ
بِالنِّكَاحِ أَمْرٌ بِالْإِمْهَارِ فَيَنْعَقِدُ عَلَى قِيمَتِهِ، وَإِنْ
كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ
جَهَالَةً وَقَالَا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ لَا
يَصِحُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فُرَيْعَةُ التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ
فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا
فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ جَازَ وَلَزِمَهُ
عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا لِدَلِيلِ
التَّقْيِيدِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ خَالَعَ. . . إلَخْ) رَجُلٌ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ
رَجُلٍ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَخَالَعَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ مِنْ
زَوْجِهَا عَلَى رَقَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا لَا يَصِحُّ
الْخُلْعُ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَإِلَّا لَمَلَكَ الزَّوْجُ رَقَبَتَهَا
مُقَارِنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ مُنَافٍ لَهُ لِأَنَّهُ مَتَى
صَحَّ الْخُلْعُ مَلَكَ الزَّوْجُ رَقَبَتَهَا فَيَبْطُلُ النِّكَاحَ
فَيَبْطُلُ الْخُلْعُ لَكِنَّهَا تَبِينُ بِطَلْقَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ
يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ خُلْعًا بَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَهُوَ مِنْ
الْكِنَايَاتِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِدَلَالَةِ الْبَدَلِ عَلَى
الطَّلَاقِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ أَيْضًا
اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى
حُرَّةً حَيْثُ بَطَلَ النِّكَاحُ أَصْلًا لِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ.
لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُنَافِيَ لِلنِّكَاحِ مُنَافٍ لِلطَّلَاقِ ضَرُورَةً
إذْ لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُ النِّكَاحِ حَالَ عَدَمِهِ، وَوَجْهُ
الظَّاهِرِ أَنَّ إسْقَاطَ الْمُنَافَاةِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ بِإِسْقَاطِ
أَدْنَى الْمُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ هُنَا الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمَالَ
زَائِدٌ فِي الطَّلَاقِ لِصِحَّتِهِ بِدُونِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالرَّدِّ
مِنْ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ خَلَعَ مُبَانَتَهُ عَلَى أَلْفٍ يَقَعُ
الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ
يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْمَالِ أَصْلًا
لِأَنَّ تَسْمِيَةَ السَّيِّدِ رَقَبَةَ الْأَمَةِ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ
صَحِيحَةٌ لِكَوْنِ الرَّقَبَةِ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَصِحَّةُ
التَّسْمِيَةِ تَنْفِي وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُنَافَاةُ تَنْفِي
وُجُوبَ قِيمَةِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهَا مِنْ قَضَايَا
فَسَادِ تَسْمِيَةٍ لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ النِّكَاحِ لَوْ تَحَقَّقَتْ
كَمَا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَمَّا فَسَادُ تَسْمِيَةٍ يَكُونُ
مُقْتَضَاهَا بُطْلَانَ النِّكَاحِ لَوْ تَحَقَّقَتْ فَلَا لِأَنَّ
الْمُتَنَافِيَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ
(3/305)
فَإِنْ كَانَ حُرًّا لَا يَصِحُّ لِقِرَانِ
الْمُنَافِي وَتَبِينُ لِأَنَّ الْمَالَ زَائِدٌ فَكَانَ أَوْلَى
بِالرَّدِّ مِنْ الطَّلَاقِ كَمَا فِي خُلْعِ الْمُبَانَةِ أَمَّا
النِّكَاحُ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَالتَّسْمِيَةُ تَنْفِي مَهْرَ
الْمِثْلِ وَلِمُنَافَاةِ الْقِيمَةِ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى
رَقَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ حُرًّا لَا يَصِحُّ وَتَقَعُ رَجْعِيَّةً
لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا صَحَّ لِلْمُسَمَّى لِمَا مَرَّ
وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى رَقَبَةِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا صَحَّ فِي
غَيْرِ الْبَدَلِ بِحِصَّتِهَا مِنْ رَقَبَةِ الْبَدَلِ إذَا قُسِّمَتْ
عَلَى مَهْرَيْهِمَا الْمُسَمَّى وَلَا يَقَعُ عَلَى الْأُخْرَى طَلَاقٌ
لِلْمِلْكِ وَلَوْ خَالَعَ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى رَقَبَةِ الْأُخْرَى
طَلُقَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِقِرَانِ الْمُنَافِي اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّ
الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ
الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْبَعْضِ وَلَا مِنْ كُلِّ
وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْكُلِّ، وَالْعِدَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ
فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْوَطْءِ
حَلَالًا مَعَ قِيَامِ الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَوْرَدَ فِي
الْكَافِي عَلَى قَوْلِهِمْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَوْ
اشْتَرَاهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا مِنْ آخَرَ
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ قُلْنَا قَدْ قَالُوا إنَّهُ لَا
عِدَّةَ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ آخَرَ جَازَ،
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ آخَرَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ
اشْتَرَاهَا وَهَلْ تَجِبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى
الرِّوَايَتَيْنِ اهـ.
وَهَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِشِرَائِهِ لِأَنَّهَا لَوْ
مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ فِيمَا رُوِيَ
عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ
الْكُلِّ لِأَنَّ الْعِدَّةَ، وَإِنْ وَجَبَتْ لَكِنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ
مَانِعٌ مِنْ مَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ وَأَطْلَقَ الشِّرَاءَ وَأَرَادَ
الْمِلْكَ مَجَازًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الطَّلَاقِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ
لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الْمِلْكِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي
الْعِدَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ ظُهُورِ
الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَمَا
مَلَكَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِزَوَالِ
الْمُنَافِي لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ
النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى وَلَمْ يَقَعْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا
لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ
قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ آلَى مِنْهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ
فَوُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ
الْإِيلَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَالْعِتْقِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ،
وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَقَعْ فِي
الْوَجْهَيْنِ، وَالْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْعِتْقِ فِيمَا
ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: عَبْدٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ أَنْت
طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَاشْتَرَتْهُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ إذَا
طَهُرَتْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْحُرُّ لَوْ
قَالَ لِامْرَأَتِهِ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ
اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَهْرِ لَوْ كَانَ قَبْلَ
الدُّخُولِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ
وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ امْرَأَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا
فَاشْتَرَاهَا، وَالزَّوْجُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَقَدْ انْتَقَضَ
النِّكَاحُ وَلَا مَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ
حَصَلَ بِفِعْلِ الْمَوْلَى بِسُوءِ جَهْلٍ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ
اشْتَرَاهَا لِلزَّوْجِ وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا
الزَّوْجُ مِنْ الرَّجُلِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى
الْأَوَّلِ لِأَنَّ انْتِقَاضَ النِّكَاحِ مُضَافٌ إلَى الْبَيْعِ
الثَّانِي لَا إلَى بَيْعِ الْمَوْلَى فَحَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِفِعْلِ
الزَّوْجِ لَا بِفِعْلِ الْمَوْلَى فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَهْرِ وَلَوْ
اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ لِلزَّوْجِ وَلَمْ
يَعْرِفْ مِنْ الزَّوْجِ الْوَكَالَةَ بِهِ إلَّا بِقَوْلِ الْوَكِيلِ
بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَعَلَى
الْآخَرِ الْيَمِينُ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كُلَّ
عَامِلٍ وَعَاقِدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ وَيَعْقِدُ
لِغَيْرِهِ بِعَارِضِ تَوْكِيلٍ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ
إذَا مَاتَ، وَالِدِي فَأَنْت حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ، وَالِدِهِ
ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ، وَالِدِي فَأَنْت
طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَمَاتَ الْوَالِدُ كَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ أَوَّلًا
تَعْتِقُ وَلَا تَطْلُقُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا
عَتَاقٌ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى اسْتِقْصَاءٍ فِي الْمَبْسُوطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا. . . إلَخْ) أَيْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ
إيجَابُ الْبَدَلِ لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى رَقَبَتِهَا إلَّا
أَنَّهُ هُنَا يَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ
كَانَ) أَيْ الزَّوْجُ رَقِيقًا قِنًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا
صَحَّ الْخُلْعُ بِالْمُسَمَّى لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ
مِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رَقَبَةَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ
لِلْمَوْلَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَلَعَهُمَا. . . إلَخْ) حُرٌّ تَحْتَهُ
أَمَتَانِ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ فَخَلَعَهُمَا سَيِّدُهُمَا عَلَى رَقَبَةِ
عَمْرَةَ مَثَلًا صَحَّ فِي حَقِّ الَّتِي لَمْ يُعَيِّنْهَا لِلْبَدَلِ
وَهِيَ زَيْنَبُ فَتَطْلُقُ بِحِصَّتِهَا مِنْ رَقَبَةِ عَمْرَةَ إذَا
قُسِّمَتْ رَقَبَتُهَا عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهِمَا الْمُسَمَّى فَمَا
أَصَابَ مَهْرَ زَيْنَبَ فَلِلزَّوْجِ وَمَا أَصَابَ مَهْرَ عَمْرَةَ
بَقِيَ لِلْمَوْلَى وَإِنَّمَا صَحَّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ زَيْنَبَ
لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ لِأَنَّ طَلَاقَهَا لَا يُقَارِنُ مِلْكَ
الزَّوْجِ فِيهَا وَلَا يَقَعُ عَلَى عَمْرَةَ طَلَاقٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ
بَعْضَ رَقَبَتِهَا مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ لِثُبُوتِ الْعِوَضِ،
وَالْمُعَوَّضِ مَعًا وَلَوْ خَالَعَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى رَقَبَةِ
صَاحِبَتِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ
مِلْكَ الزَّوْجِ رَقَبَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا يُقَارِنُ الْمُنَافِي وَهُوَ
الْوُقُوعُ فَصَحَّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ دُونَ الْبَدَلِ لِمَا
مَرَّ هَذَا مَا لَخَّصْته مِنْ شَرْحِ الْفَارِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى -.
(3/306)
اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ وَلَوْ
تَزَوَّجَ أَمَةَ مُوَرِّثِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ مَوْلَاك
فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجُ وَارِثُهُ
يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَطْلُقُ
لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ النِّكَاحِ لِأَنَّ
الْوَارِثَ يَمْلِكُ الْأَمَةَ مُقَارِنًا لِزَوَالِهَا عَنْ مِلْكِ
الْمَيِّتِ وَزَوَالُ النِّكَاحِ يَثْبُتُ مُقَارِنًا بِدُخُولِهَا فِي
مِلْكِ الزَّوْجِ لِأَنَّ هَذِهِ أَشْيَاءُ مُتَضَادَّةٌ مُتَنَافِيَةٌ
وَمِلْكُ الْيَمِينِ يُضَادُّ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي حَقِّ أَحْكَامِهِ
وَثَمَرَاتُهَا وَثُبُوتُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَكُونُ مُقَارِنًا
لِذَهَابِ الضِّدِّ الْآخَرِ لَا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ كَثُبُوتِ السَّوَادِ
يَكُونُ مُقَارِنًا لِذَهَابِ الْبَيَاضِ وَكَقَدَحٍ مَمْلُوءٍ مِنْ
الْمَاءِ إذَا أُلْقِيَ فِيهِ حَجَرٌ وَخَرَجَ الْمَاءُ يَكُونُ خُرُوجُ
الْمَاءِ مُقَارِنًا لِدُخُولِ الْحَجَرِ لَا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ
لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَدَحُ وَاسِعًا لِلْحَجَرِ ثُمَّ يَخْرُجُ
الْمَاءُ بَعْدَهُ وَإِضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى حَالِ زَوَالِ النِّكَاحِ
لَا يَصِحُّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُضَافٌ إلَى حَالِ قِيَامِ
النِّكَاحِ لِأَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكُ
الْوَارِثِ وَمُلْكُ الْوَارِثِ يَتَرَتَّبُ عَلَى انْقِطَاعِ مِلْكِ
الْمَيِّتِ وَهَذِهِ أَحْوَالٌ مُتَعَاقِبَةٌ مُتَرَادِفَةٌ لِأَنَّ
الْقَوْلَ بِالْمُقَارَنَةِ يُؤَدِّي إلَى اسْتِحَالَةٍ وَهُوَ سَبْقُ
ثُبُوتِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ إلَّا
بَعْدَ تَمَامِ الْعِلَّةِ فَالشِّرَاءُ مَا لَمْ يَتِمَّ لَا يَزُولُ
مِلْكُ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي.
وَهَكَذَا نَقُولُ فِي قَدَحِ الْمَاءِ يَتَرَتَّبُ خُرُوجُ الْمَاءِ عَلَى
دُخُولِ الْحَجَرِ وَلَا يَقْتَرِنَانِ لِاسْتِحَالَةِ إثْبَاتِ الْخُرُوجِ
قَبْلَ دُخُولِ الْحَجَرِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْخُرُوجِ وَعَلَى هَذَا
لَوْ قَالَ لِأَمَةِ مُوَرِّثِهِ إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْت حُرَّةٌ
فَمَاتَ الْمَوْلَى لَا تَعْتِقُ وَقَالَ زُفَرُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
مُحَمَّدٍ تَعْتِقُ لِأَنَّ مَوْتَ الْمُوَرِّثِ سَبَبٌ لِمِلْكِ
الْوَارِثِ فَقَدْ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَصَحَّ كَمَا لَوْ
قَالَ إنْ وَرِثْتُك وَلَنَا أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ وَهُوَ الْمَوْتُ
وُجِدَ حَالَةَ انْقِطَاعِ مِلْكِ الْمَيِّتِ لَا حَالَ قِيَامِ مِلْكِ
الْوَارِثِ فَيَكُونُ مِلْكُ الْحَالِفِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِسَاعَتَيْنِ
فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَلَا إلَى سَبَبِ
الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُوضَعْ سَبَبًا لِإِفَادَةِ مِلْكِ
الْوَارِثِ بَلْ سَبَبُ مِلْكِهِ هُوَ الْقَرَابَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَأَمَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ بِأَنْ
قَالَ إنْ مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا
يَقَعَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ، وَفِي الْمُحِيطِ
مِنْ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ: رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَتَانِ فَقَالَ
إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ اشْتَرَى إحْدَاهُمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ
بِالشِّرَاءِ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الطَّلَاقِ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ
فَتَعَيَّنَتْ الثَّانِيَةُ كَمَا لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ
اشْتَرَاهُمَا بَطَلَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ فَإِنْ
جَامَعَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَى.
(قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ
فَأَعْتَقَ لَهُ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ إذْ هُوَ
السَّبَبُ حَقِيقَةً بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ
الْمُتَكَلِّمُ ذَكَرَ الْإِعْتَاقَ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ
الْمَذْكُورُ الْعِتْقَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِعْتَاقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ
حُكْمُهُ فَاسْتُعِيرَ الْحُكْمُ لِلْعِلَّةِ فَكَانَ مَجَازًا فِيهِ
وَعَلَى هَذَا فَإِعْمَالُهُ فِي لَفْظِ إيَّاكَ إمَّا عَلَى اعْتِبَارِ
إرَادَةِ الْفِعْلِ بِهِ إعْمَالُ الْمُسْتَعَارِ لِلْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى
اعْتِبَارِ إعْمَالِ اسْمِ الْمَصْدَرِ كَأَعْجَبَنِي كَلَامُك زَيْدًا
وَإِلَّا فَالْعِتْقُ قَاصِرٌ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ فِي الْمَفْعُولِ
الْمُتَعَدِّي وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِهِ مَعَ كَوْنِ
حَقِيقَةِ مَعَ لِلْقِرَانِ لِأَنَّهَا قَدْ تُذْكَرُ لِلْمُتَأَخِّرِ
تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُقَارِنِ بِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ بَعْدَهُ
وَنَفْيِ الرَّيْبِ عَنْهُ كَمَا فِي الْآيَةِ {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْرًا} [الشرح: 6] فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى مُحْتَمِلًا لَهَا وَصُيِّرَ
إلَيْهِ بِمُوجِبٍ وَهُوَ وُجُودُ مَعْنَى الشَّرْطِ لَهَا وَهُوَ
تَوَقُّفُ حُكْمٍ عَلَى ثُبُوتِ مَعْنَى مَا بَعْدَهَا الْمَعْدُومِ حَالَ
التَّكَلُّمِ وَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ
شَرْطًا لِلتَّطْلِيقِ فَيُوجَدُ تَطْلِيقُ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَهُ
مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْإِعْتَاقِ فَيَقَعُ
الطَّلَاقُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ التَّطْلِيقِ بَعْدَهُ فَيُصَادِفُهَا
حُرَّةً فَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ، وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ
فَأَظْهَرُ لِكَوْنِهِ مُقَارِنًا لِلتَّطْلِيقِ، وَالطَّلَاقُ
يَعْقُبُهُمَا فَيَقَعُ وَهِيَ حُرَّةٌ، وَفِي الْكَافِي لِأَنَّهُ جَعَلَ
التَّطْلِيقَ مُتَّصِلًا بِالْعِتْقِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا
بِأَنْ يَتَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ تَعَلُّقَ الشَّرْطِ
بِالْمَشْرُوطِ أَوْ يَتَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ تَعَلُّقَ
الْعِلَّةِ بِالْمَعْلُولِ أَوْ يَتَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ أَوْ
بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَيَنْزِلَا عِنْدَهُ، وَالثَّالِثُ مُنْتَفٍ
لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَلَّقَا بِشَرْطٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ إنْ مَاتَ مَوْلَاك) لَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ
سَقْطًا، وَالْأَصْلُ إنْ مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ مَاتَ.
. . إلَخْ أَوْ الْأَصْلُ بِأَنْ قَالَ: وَإِنْ مَاتَ عَطْفًا عَلَى
قَوْلِهِ سَابِقًا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلْيُرَاجَعْ.
(3/307)
وَاحِدٍ أَوْ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا
الثَّانِي لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِتَطْلِيقِ
الزَّوْجِ وَكَذَا تَطْلِيقُهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِإِعْتَاقِهِ فَتَعَيَّنَ
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَاسْتَحَالَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْعِتْقُ
بِالتَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ بِلَا
رِضَاهُ فَيَتَعَيَّنُ تَعَلُّقُ الطَّلَاقِ بِالْإِعْتَاقِ،
وَالْمُعَلَّقُ بِهِ التَّطْلِيقُ لَا الطَّلَاقُ عِنْدَنَا لِمَا قَرَرْت
فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ أَنَّ أَثَرَ التَّعَلُّقِ فِي مَنْعِ
السَّبَبِ لَا فِي مَنْعِ الْحُكْمِ عِنْدَنَا.
وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ السَّبَبِ خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ فَيَصِيرُ التَّصَرُّفُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ
عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ صَارَ تَطْلِيقًا زَمَنَ التَّكَلُّمِ إلَى آخِرِهِ
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْت طَالِقٌ مَعَ
نِكَاحِك حَيْثُ يَتَأَتَّى فِيهِ التَّقْرِيرُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّهُ
لَا يَقَعُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَحَاصِلُ مَا أَجَابُوا بِهِ أَنَّهُ
يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ وَبِمَعْنَاهُ بَعْدَ
النِّكَاحِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالصَّرِيحِ كَإِنْ
وَنَحْوِهِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّعْلِيقِ وَلِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ
بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ وَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ:
لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ تَبَعًا لِمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ
إنَّمَا قَامَ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ
فَتَعَلَّقَ بِمَا يُوجِبُ مَعْنَاهُ كَيْفَمَا كَانَ اللَّفْظُ،
وَالتَّقْيِيدُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى تَحَكُّمٌ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعَ النِّكَاحِ
يَتَنَافَيَانِ فَلَمْ تَصِحَّ الْحَقِيقَةُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ
فِيهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ لَا يَتَنَافَيَانِ، وَفِي
الْمُحِيطِ رَجُلٌ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ دَخَلَ بِهِمَا فَقَالَ
إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَأُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فَعَيَّنَ
الطَّلَاقَ فِي الْأَمَةِ فِي مَرَضِهِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَلَا تَحِلُّ
إلَّا بِزَوْجٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ فِي حَقِّ الْمُوقِعِ
نَازِلٌ رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَتَانِ فَقَالَ الْمَوْلَى إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ
فَقَالَ الزَّوْجُ الْمُعْتَقَةُ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَالْخِيَارُ
لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الزَّوْجَ جَعَلَ إيقَاعَهُ بِنَاءً عَلَى إيقَاعِ
الْمَوْلَى الْعِتْقَ وَخِيَارُ الْبَيَانِ لِمَنْ هُوَ الْأَصْلُ فِي
الْإِبْهَامِ وَهُوَ الْمَوْلَى وَمَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ
طَلَّقَ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ، وَالْحُرِّيَّةُ لَا تَحْرُمُ
بِالثِّنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ
فَقَالَ الْمَوْلَى: الْمُطَلَّقَةُ مُعْتَقَةٌ فَالْبَيَانُ إلَى
الزَّوْجِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمِلُ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ
الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَادَفَهَا، وَهِيَ أَمَةٌ فَتَحْرُمُ
بِالثِّنْتَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَبْلَ
الْبَيَانِ عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَخُيِّرَ الزَّوْجُ فِي بَيَانِ
الْمُطَلَّقَةِ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَجُعِلَ
الْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَابَ الْمَوْلَى لَا
يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الْبَيَانِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ اهـ. .
قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَعَلَّقَ عِتْقُهَا وَطَلْقَتَاهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ
فَجَاءَ لَا) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ
فَأَنْت حُرَّةٌ وَقَالَ زَوْجُهَا: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْت طَالِقٌ
ثِنْتَيْنِ فَجَاءَ الْغَدُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ
عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ
وَالْمَعْلُولَ يَقْتَرِنَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي الْخَارِجِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَعْلُولَ يَعْقُبُهَا بِلَا فَصْلٍ
وَمِنْهُمْ خَصُّوا الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ فَجَعَلُوهَا تَسْتَعْقِبُ
الْمَعْلُولَ بِخِلَافِ الْعَقْلِيَّةِ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ
وَاخْتَارَ الْقَوْلَ الثَّانِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَوَاءٌ كَانَتْ
عَقْلِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً حَتَّى إنَّ الِانْكِسَارَ يَعْقُبُ
الْكَسْرَ فِي الْخَارِجِ غَيْرَ أَنَّهُ لِسُرْعَةِ إعْقَابِهِ مَعَ
قِلَّةِ الزَّمَنِ إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ آنِيًّا لَمْ يَقَعْ
تَمْيِيزُ التَّقَدُّمِ، وَالتَّأَخُّرِ فِيهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ
الْمُؤَثِّرَ لَا يَقُومُ بِهِ التَّأْثِيرُ قَبْلَ وُجُودِهِ وَحَالَةَ
خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ
تَكْمُلَ هُوِيَّتُه لِيَقُومَ بِهِ عَارِضٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ
مُؤَثِّرًا، وَفِي التَّلْوِيحِ لَا نِزَاعَ فِي تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ
عَلَى الْمَعْلُولِ بِمَعْنَى احْتِيَاجِهِ إلَيْهَا وَيُسَمَّى
التَّقْدِيمُ بِالْعَلِيَّةِ وَبِالذَّاتِ وَلَا فِي مُقَارَنَةِ
الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِمَعْلُولِهَا بِالزَّمَانِ كَيْ لَا يَلْزَمَ
التَّخَلُّفُ، وَالْخِلَافُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمِنْ الْأَوْجَهِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا لَمَّا
تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ زَمَنَ نُزُولِ
الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا
فَلَا تَحْرُمُ بِهَا حُرْمَةً غَلِيظَةً قُلْنَا الْمُتَعَلِّقَانِ
بِشَرْطٍ وَاحِدٍ يَقْتَضِي أَنْ يُصَادِفَهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي
صَادَفَهَا عَلَيْهَا الْعِتْقُ وَهِيَ الرِّقُّ فَتَغْلُظُ الْحُرْمَةُ
بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ
هُنَاكَ شَرْطٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (وَعِدَّتُهَا
ثَلَاثُ حِيَضٍ) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي
الْمُحِيطِ لِأَنَّهَا حُكْمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي
النَّهْرِ: هَذَا مَأْخُوذٌ مِمَّا فِي الشَّرْحِ حَيْثُ قَالَ فِي جَوَابِ
أَصْلِ الْإِشْكَالِ قُلْنَا إنَّمَا تَرَكْنَا الْحَقِيقَةَ فِيمَا نَحْنُ
فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ تَنْجِيزًا
وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فَلَزِمَ مِنْ صِحَّتِهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ وَأَمَّا
الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَمْلِكُ الْيَمِينَ فَإِنْ
صَحَّ التَّرْكِيبُ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ كَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ
طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْمُنَافِي فِيمَا لَمْ
يَلْزَمْ الْعُدُولُ فِيهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَفِيمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى
التَّنَافِي، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ لَا يَتَنَافَيَانِ اهـ.
مُلَخَّصًا.
وَأَنْتَ إذَا تَحَقَّقْته عَلِمْت أَنَّ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَحْرِ
لَا يَمَسُّ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ
إذْ صِحَّةُ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ هُوَ الْمُدَّعِي لِيَتَرَتَّبَ نَفْيُهَا
عَلَى التَّنَافِي اهـ. فَتَأَمَّلْهُ
(3/308)
الطَّلَاقِ فَتَعَقَّبَهُ أَوْ لِأَنَّهُ
يُحْتَاطُ فِيهَا وَكَذَا يُحْتَاطُ فِي الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَلَوْ
كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا لَا تَرِثُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ
بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي
مَالِهِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعًا ثُمَّ
الطَّلَاقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا كَذَا فِي
الْمَبْسُوطِ
(قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَهِيَ
ثَلَاثٌ) لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ بِعَدَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ
الْعَدَدُ الْمُفَادُ كَمِّيَّتُهُ بِالْأَصَابِعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ
بِذَا لِأَنَّ الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ، وَالْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ وَذَا
لِلْإِشَارَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِثَلَاثٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ
بِوَاحِدَةٍ فَوَاحِدَةٌ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ
الْمَضْمُومَةِ لِلْعُرْفِ وَلِلسُّنَّةِ وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ
بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَكَذَا لَوْ نَوَى
الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ، وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ
الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ ذَكَرَهَا فِي الْمِعْرَاجِ الْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِ
الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ جَعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا، وَالْأَصَابِعَ
الْمَنْشُورَةَ إلَى نَفْسِهِ دُيِّنَ قَضَاءً وَلَوْ جَعَلَ ظَهْرَ
الْكَفِّ إلَى نَفْسِهِ وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَيْهَا لَا يُصَدَّقُ فِي
الْقَضَاءِ الثَّانِي لَوْ كَانَ بَاطِنُ الْكَفِّ إلَى السَّمَاءِ
فَالْعِبْرَةُ إلَى النَّشْرِ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْعِبْرَةُ
إلَى الضَّمِّ، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ
لِلنَّشْرِ، وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ
اعْتِبَارًا لِلْعَادَةِ اهـ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ لِفَقْدِ
التَّشْبِيهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ
لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَأَشَارَ إلَيْهَا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَرَادَ
بِهِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا لِأَنَّهُ
لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِالضَّمِيرِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالضَّمِيرِ
اهـ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِثْلُ هَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ
الثَّلَاثِ يَقَعُ ثَلَاثٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِثَلَاثٍ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ:
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ هَكَذَا
فَهُوَ لَغْوٌ وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ
بِهِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ بِغَيْرِ لَفْظٍ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ
تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اقْتَرَنَتْ
بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ اهـ.
وَلَا طَلَاقَ هُنَا يُشَارُ إلَيْهِ بِهِ فَتَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَ مَنْ
صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ إلَى الْآنَ ثُمَّ رَاجَعْت أَحْكَامَ
الْإِشَارَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ، وَالنَّظَائِرِ فَوَجَدْته قَالَ وَلَمْ
أَرَ الْآنَ أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ
اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت الْحُكْمَ كَمَا ذَكَرْته بِالْعِلَّةِ
الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَشَرْحِ الرَّوْضِ لِشَيْخِ
الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَغَيْرِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا
يُنَافِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورِ وَلَوْ نَوَى
الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً
وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ فِي الدِّرَايَةِ الْإِشَارَةُ
بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً فَاَلَّذِي
يَثْبُتُ بِالنِّيَّةِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ الْأَصَابِعُ الثَّلَاثُ
مَنْشُورَةً فَقَطْ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ دِيَانَةً،
وَفِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ
الظَّاهِرِ اهـ.
قُلْت وَحَاصِلُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ
الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً تَقَعُ ثَلَاثٌ وَتَصِحُّ فِيهَا نِيَّتُهُ
دِيَانَةً فِي الْأُولَى أَيْ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ
بِالْمَضْمُومَتَيْنِ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ.
وَكَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً فِي الثَّانِيَةِ أَيْ فِيمَا إذَا
نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ فَتَقَعُ وَاحِدَةً وَلَمَّا كَانَ خِلَافَ
الظَّاهِرِ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ الْمَنْشُورَةَ دُونَ الْمَضْمُومَةِ
وَدُونَ الْكَفِّ لَمْ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ
أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَنَوَى الْكَفَّ
أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ خَصَّ صِحَّةَ نِيَّةِ
الْكَفِّ دِيَانَةً بِمَا إذَا كَانَتْ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً وَهَذَا
خِلَافُ مَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِهِ
أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فِي نِيَّةِ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ إذَا
كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَحْصُلُ
التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ
أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ صُدِّقَ قَضَاءً بِخِلَافِ مَا
إذَا نَوَى الْمَعْقُودَتَيْنِ اهـ.
فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا
مَنْشُورَةً وَكَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ
عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَنْشُورًا وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ
نَشْرَ الْكُلِّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِشَارَةَ
بِالْأَصَابِعِ بَلْ أَرَادَ الْكَفَّ وَيَظْهَرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ
كَانَتْ كُلُّ الْأَصَابِعِ مَضْمُومَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ
بَعْضُهَا مَنْشُورًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ
بِالْمَنْشُورَةِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ أَرَادَ الْمَضْمُومَ
مِنْهَا أَوْ الْكَفَّ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ
كَلَامِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي هُنَا فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا
هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَنْشُورَةِ
دُونَ الْمَضْمُومَةِ بِلَا تَفْصِيلٍ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَدُلُّ
عَلَيْهِ حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ بَعْدَهُ وَكَذَا قَوْلُ الْفَتْحِ بَعْدَ
حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ
الْمُصَنِّفِ اهـ.
فَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ:
وَالْإِشَارَةُ. . . إلَخْ كَمَا فَهِمَهُ الْعَلَائِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ
يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَإِنْ نَوَى بِهِ
الثَّلَاثَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ وَبِهِ
يُعْلَمُ جَوَابُ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَتْرَاكِ مَنْ رَمْي ثَلَاثَ
حَصَوَاتٍ قَائِلًا أَنْتِ هَكَذَا وَلَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ
وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ تَأَمَّلْ اهـ.
وَفِي عِلْمِهِ مِنْ هَذَا تَأَمَّلْ بَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ
هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ فَحَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْقَوْلَةِ
السَّابِقَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ التَّشْبِيهِ) لِأَنَّهُ كَمَا
لَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ بِدُونِ اللَّفْظِ لَا يَتَحَقَّقُ عَدَدُهُ
بِدُونِهِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ
وَقَعَ بِالضَّمِيرِ)
(3/309)
إنْ نَوَى ثَلَاثًا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً،
هَكَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ فَقَدْ فَرَّقُوا هُنَا بَيْنَ
الْكَافِ وَمِثْلٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ فِي
الذَّاتِ وَمِثْلًا لِلتَّشْبِيهِ فِي الصِّفَاتِ وَلِذَا نُقِلَ عَنْ
الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إيمَانِي
كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا أَقُولُ: إيمَانِي
مِثْلُ إيمَانِ جِبْرِيلَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ -
وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ
وَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الصِّفَةِ وَهُوَ الشَّبَهُ فَأَيُّهُمَا
نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى
التَّشْبِيهِ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ لِأَنَّهُ أَدْنَى اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ: إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةٌ
كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ كَأَلْفٍ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقٍ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ
لَهُ سَنْجَةً وَاحِدَةً فَقَدْ شَبَّهَ الْوَاقِعَ بِالْوَاحِدَةِ وَلَوْ
قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقٍ وَنِصْفٍ أَوْ دَانِقَيْنِ تَقَعُ ثِنْتَانِ
لِأَنَّ لَهُ سَنْجَتَيْنِ فَقَدْ شَبَّهَ الْوَاقِعَ بِالْعَدَدَيْنِ
وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقَيْنِ وَنِصْفٍ تَقَعُ الثَّلَاثُ
لِأَنَّهُ يُوزَنُ بِثَلَاثِ سَنَجَاتٍ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ
نِصْفِ دِرْهَمٍ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ: مِثْلُ سَنْجَةِ ثُلُثَيْ
دِرْهَمٍ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ لَهُ سَنْجَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ
مِثْلُ سَنْجَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ تَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ
لَهُ ثَلَاثُ سَنَجَاتٍ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ
تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأُصْبُعُ مُؤَنَّثَةٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ
أَسْمَائِهَا مِثْلُ الْخِنْصَرِ، وَالْبِنْصِرِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ
فَارِسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى تَذْكِيرِ الْإِصْبَعِ وَقَالَ الصَّغَانِيُّ
يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْغَالِبُ التَّأْنِيثُ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَفِي
الْإِصْبَعِ عَشْرُ لُغَاتٍ تَثْلِيثُ الْهَمْزَةِ مَعَ تَثْلِيثِ
الْبَاءِ، وَالْعَاشِرُ أُصْبُوعٌ وِزَانُ عُصْفُورٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ
لُغَاتِهَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْبَاءِ وَهِيَ الَّتِي
ارْتَضَاهَا الْفُصَحَاءُ.
قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ
الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةِ أَوْ كَالْجَبَلِ
أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ
تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ
بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا) بَيَانٌ لِلطَّلَاقِ الْبَائِنِ
بَعْدَ بَيَانِ الرَّجْعِيِّ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا فِي هَذِهِ
لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ
فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلْحَالِ
وَكَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ وَبَعْدَهُ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ احْتَمَلَ الْبَيْنُونَةَ لَصَحَّتْ
إرَادَتُهَا بِطَالِقٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَدَمَ صِحَّتِهَا وَأُجِيبَ
بِأَنَّ عَمَلَ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ لَا فِي غَيْرِهِ وَلَفْظُ
بَائِنٍ لَمْ يَصِرْ مَلْفُوظًا بِهِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ طَالِقٍ
بَائِنٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِكَوْنِ
بَائِنٍ صِفَةً بِلَا عَطْفٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ
وَبَائِنٌ أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ بَائِنٌ وَقَالَ لَمْ أَنْوِ
بِقَوْلِي بَائِنٌ شَيْئًا فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ وَلَوْ ذَكَرَ بِحَرْفِ
الْفَاءِ، وَالْبَاقِي بِحَالِهِ فَهِيَ بَائِنَةٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا أَنَّهُ
لَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ عَدَدًا مَحْضًا إلَّا إذَا
عَنَى بِأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ
أَوْ نَحْوَهُمَا أُخْرَى يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
التَّرْكِيبَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَهُمَا بَائِنَتَانِ لِأَنَّ
بَيْنُونَةَ الْأُولَى ضَرُورَةُ بَيْنُونَةِ الثَّانِيَةِ إذْ مَعْنَى
الرَّجْعِيِّ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ
بِاتِّصَالِ الْبَائِنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي وَصْفِهَا
بِالرَّجْعِيَّةِ وَكُلُّ كِنَايَةٍ قُرِنَتْ بِطَالِقٍ يَجْرِي فِيهَا
ذَلِكَ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بَائِنَتَانِ وَأَشَارَ بِأَفْحَشِ الطَّلَاقِ
إلَى كُلِّ وَصْفٍ عَلَى أَفْعَلَ لِأَنَّهُ لِلتَّفَاوُتِ وَهُوَ يَحْصُلُ
بِالْبَيْنُونَةِ وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَدَخَلَ
أَخْبَثُ الطَّلَاقِ وَأَسْوَأُهُ وَأَشَرُّهُ وَأَخْشَنُهُ وَأَكْبَرُهُ
وَأَغْلَظُهُ وَأَطْوَلُهُ وَأَعْرَضُهُ وَأَعْظَمُهُ إلَّا قَوْلُهُ:
أَكْثَرُهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ
وَلَا يُدَيَّنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الضَّمِيرُ الْقَلْبِيُّ لَا
النَّحْوِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَوَاحِدَةً) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ بَائِنَةً
كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَلْفٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ.
وَسَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) حَاصِلُهُ
أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى عَمَلِ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ إلَّا
تَوْجِيهُهُ إلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ فَإِذَا فُرِضَ لِلَّفْظِ ذَلِكَ
صَحَّ عَمَلُ النِّيَّةِ فِيهِ، وَقَدْ فُرِضَ بِطَالِقٍ ذَلِكَ فَتَعْمَلُ
فِيهِ النِّيَّةُ وَلَا يَكُونُ عَامِلُهُ بِلَا لَفْظٍ عَلَى أَنَّ هَذَا
قَدْ يُعْطِي بِظَاهِرِهِ افْتِقَارَ وُقُوعِ الْبَائِنِ فِي طَالِقٍ
بَائِنٍ إلَى النِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ
الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَدْ يَكُونُ رَجْعِيًّا وَقَدْ يَكُونُ
بَائِنًا فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّرِيحِ مِنْهُ كَانَ رَجْعِيًّا
وَإِذَا وَصَفَهُ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ كَانَ بَائِنًا،
وَالْبَيْنُونَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ تَكُونُ خَفِيفَةً وَغَلِيظَةً
فَإِذَا نَوَى الثَّانِيَةَ صَحَّتْ نِيَّتُهَا وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ
بَائِنٌ فِي مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا هُوَ بَائِنٌ عَلَى أَنْ
يَكُونَ بَائِنٌ وَصْفًا لِلطَّلَاقِ لَا لِلْمَرْأَةِ فَيَكُونُ وَصْفًا
فِي الْمَعْنَى لِطَلَاقِ مَصْدَرٍ فَتَصِحُّ بِهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ
وَلَيْسَ الْوُقُوعُ بِلَفْظِ بَائِنٍ فَقَطْ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى
النِّيَّةِ بَلْ هُوَ قَرِينَةُ إرَادَةِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ
بِتَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ كَمَا فِي أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى
طَلَاقًا أَلْبَتَّةَ وَكَذَا فِي أَفْحَشِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ فِي
مَعْنَى طَلَاقًا أَفْحَشَ الطَّلَاقِ وَهَكَذَا فِي الْبَوَاقِي
(قَوْلُهُ: بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ) وَأَمَّا مَا فِي مَتْنِ
التَّنْوِيرِ مِنْ ضَبْطِهِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ
فَصَوَابُهُ الْمُثَلَّثَةُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ فِي
حَوَاشِي الْمِنَحِ وَقَالَ: إنَّ الْحُكْمَ صَحِيحٌ
(3/310)
إذَا قَالَ نَوَيْت وَاحِدَةً.
وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ بِطَلَاقِ الشَّيْطَانِ، وَالْبِدْعَةِ
لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ هُوَ السُّنِّيُّ غَالِبًا فَلَا يَرِدُ أَنَّ
الرَّجْعِيَّ قَدْ لَا يَكُونُ سُنِّيًّا كَالطَّلَاقِ الصَّرِيحِ فِي
الْحَيْضِ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ
أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ
وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي
حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مِنْ سَاعَتِهِ،
وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ
حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ كَمَا فِي
الْبَدَائِعِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا
لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا هُوَ وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِلَا
نِيَّةٍ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا تَقَعُ السَّاعَةَ أَوْ بَعْدَ وُجُودِ
شَيْءٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْجَبَلِ إلَى التَّشْبِيهِ بِمَا يُوجِبُ
زِيَادَةً فِي الْعِظَمِ وَهُوَ بِزِيَادَةِ وَصْفِ الْبَيْنُونَةِ
فَيَدْخُلُ فِيهِ مِثْلُ الْجَبَلِ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِأَشَدِّ
الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالشِّدَّةِ لِأَنَّ أَفْعَلَ يُرَادُ
بِهِ الْوَصْفُ فَلِذَا لَمْ يَكُنْ لِلثَّلَاثِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ
أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ فَكَانَ أَشَدُّ
مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَأَمَّا
الْبَيْنُونَةُ بِقَوْلِهِ كَأَلْفٍ فَلِأَنَّ التَّشْبِيهَ يُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ فِي الْقُوَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَدَدِ
فَإِنْ نَوَى الثَّانِي وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ثَبَتَ
الْأَقَلُّ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ وَدَخَلَ فِيهِ مِثْلُ أَلْفٍ وَمِثْلُ
ثَلَاثٍ وَوَاحِدَةً كَالْأَلْفِ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ إذَا نَوَى
الثَّلَاثَ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ
لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَخَرَجَ عَنْهُ
كَعَدَدِ الْأَلْفِ وَكَعَدَدِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ
بِلَا نِيَّةٍ وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا مَا لَوْ شَبَّهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا
لَا عَدَدَ فِيهِ كَعَدَدِ الشَّمْسِ أَوْ التُّرَابِ أَوْ قَالَ مِثْلَهُ
لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ وَهُوَ
بِالْبَيْنُونَةِ مَوْجُودٌ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَالنُّجُومِ فَهِيَ
وَاحِدَةٌ يَعْنِي كَالنُّجُومِ ضِيَاءً لَا عَدَدًا إلَّا أَنْ يَقُولَ
كَعَدَدِ النُّجُومِ وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى عَدَدٍ مَعْلُومِ النَّفْيِ
كَعَدَدِ شَعْرِ بَطْنِ كَفِّي أَوْ مَجْهُولِ النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ
كَعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ أَوْ نَحْوِهِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ
شَأْنِهِ الثُّبُوتُ لَكِنَّهُ كَانَ زَائِلًا وَقْتَ الْحَلِفِ بِعَارِضٍ
كَعَدَدِ شَعْرِ سَاقِي أَوْ سَاقَك، وَقَدْ تَنَوَّرَ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ
الشَّرْطِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت
عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ مَا فِي هَذَا الْحَوْضِ مِنْ
السَّمَكِ وَلَيْسَ فِي الْحَوْضِ سَمَكٌ تَقَعُ وَاحِدَةً وَحَكَى ابْنُ
سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
فَسُئِلَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ الشَّعْرِ
الَّذِي عَلَى فَرْجِك، وَقَدْ كَانَتْ أَطْلَتْ فَبَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ يَتَفَكَّرُ فِيهِ وَشَبَّهَهُ بِظَهْرِ الْكَفِّ ثُمَّ أَجْمَعَ
رَأْيَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ الشَّعْرِ
الَّذِي عَلَى ظَهْرِ كَفِّي وَقَدْ أُطْلِيَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ
قَالَ بِعَدَدِ الشَّعْرِ الَّذِي فِي بَطْنِ كَفِّي أَنَّهُ يَقَعُ
وَاحِدَةً لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشُّعُورِ
النَّابِتَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ،
وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشَّعْرِ، وَذَكَرَ
الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي عَدَدِ شَعْرِ رَأْسِي أَوْ
عَدَدِ شَعْرِ ظَهْرِ كَفِّي، وَقَدْ أَطْلَى لِأَنَّهُ ذُو عَدَدٍ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ مَا فِي هَذِهِ
الْقَصْعَةِ مِنْ الثَّرِيدِ إنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ صَبِّ الْمَرَقَةِ
عَلَيْهِ فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ صَبِّ الْمَرَقَةِ فَهِيَ
وَاحِدَةٌ اهـ.
وَفَرَّقَ فِي الْجَوْهَرَةِ بَيْنَ التُّرَابِ، وَالرَّمْلِ فَقَالَ لَوْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ التُّرَابِ فَهِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي فَتَاوَاهُ نَحْوَهُ وَأَفْتَى
بِالثَّلَاثِ فِيهِ أَيْضًا قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ
قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْمُثَلَّثَةِ بِالْأُولَى
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ
يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى
كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ بَائِنَةٍ لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِفْ
بِهَذَا الْوَصْفِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبِدْعِيَّ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيمَا
ذَكَرَهُ إذْ الْبَائِنُ بِدْعِيٌّ كَمَا مَرَّ اهـ.
قُلْت: وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت
طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ
قَدْ تَكُونُ فِي الْبَائِنِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ
الْحَيْضِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يَثْبُتُ
بِالشَّكِّ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ فَهُوَ
كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَنَوَى
وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ لَفْظَهُ
يَحْتَمِلُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ اهـ.
تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ
تَقَعُ وَاحِدَةً) يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ
حَرَامٌ ثَلَاثًا تَقَعُ الثَّلَاثُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ
مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا لَوْ مَدْخُولًا بِهَا كَمَا يَأْتِي قُلْت
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ
هَذَا اللَّفْظِ مِرَارًا وَإِذَا بَانَتْ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى لَا
تَبِينُ بِالثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَهَكَذَا لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا
يَلْحَقُ الْبَائِنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ
الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا
أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا فَتَطْلُقُ بِهِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ،
وَالصَّرِيحُ إذَا كُرِّرَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى يَقَعُ وَلِهَذَا شَرَطَ
كَوْنَهَا مَدْخُولًا بِهَا إذْ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا
تَبِينُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا مِنْ
الْمَرَّاتِ.
لِأَنَّهَا بَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ مَعَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا
جُمْلَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ فَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ
مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِهِ مِرَارًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ
فِي أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْكِنَايَاتِ عَنْ الْمُنْتَقَى
عَنْ مُحَمَّدٍ: اذْهَبِي أَلْفَ مَرَّةٍ يَنْوِي بِهِ طَلَاقًا فَثَلَاثٌ
اهـ.
مَعَ أَنَّ لَفْظَ اذْهَبِي كِنَايَةٌ مِثْلُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ
فَلْيُتَأَمَّلْ
(3/311)
وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ قَالَ عَدَدَ الرَّمْلِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا
وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِمِلْءِ الْبَيْتِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ
يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ يَمْلَؤُهُ
لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهَا
يَثْبُتُ الْأَقَلُّ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِتَطْلِيقَةٍ شَدِيدَةٍ
وَمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ
وَهُوَ الْبَائِنُ وَمَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يُقَالُ فِيهِ لِهَذَا
الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ فَهُوَ الْبَائِنُ أَيْضًا قَيَّدَ بِكَوْنِ
الشِّدَّةِ وَأَخَوَاتِهَا صِفَةً لِلتَّطْلِيقَةِ.
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَوِيَّةً أَوْ شَدِيدَةً أَوْ
طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً وَلَمْ يَذْكُرْ التَّطْلِيقَةَ كَانَ رَجْعِيًّا
لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ وَيَصْلُحُ أَنْ
يَكُونَ صِفَةً لِلْمَرْأَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَيَّدَ
بِقَوْلِهِ: طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
طُولَ كَذَا وَعَرْضَ كَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا تَكُونُ
ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَاهَا لِأَنَّ الطُّولَ، وَالْعَرْضَ يَدُلَّانِ عَلَى
الْقُوَّةِ لَكِنَّهُمَا يَكُونَانِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَكَأَنَّهُ
قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ طُولُهَا كَذَا وَعَرْضُهَا كَذَا فَلَمْ تَصِحَّ
نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلِذَا صَرَّحَ
بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تَقَعُ
الثَّلَاثُ فِي طَوِيلَةٍ أَوْ عَرِيضَةٍ، وَإِنْ نَوَاهَا وَنَسَبَهُ إلَى
شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرُجِّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي
الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةُ بِتَاءِ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْتَمِلُ
الثَّلَاثَ وَقَيَّدَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَوْصَافِ لِأَنَّهُ لَوْ
وَصَفَهُ بِمَا لَا يُوصَفُ بِهِ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا
نَحْوُ طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ،
وَإِنْ كَانَ يُوصَفُ بِهِ وَلَا يُنْبِئُ عَلَى زِيَادَةٍ فِي أَثَرِهِ
كَقَوْلِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَسَنَّهُ أَجْمَلَهُ أَعْدَلَهُ
أَخْيَرَهُ أَكْمَلَهُ أَفْضَلَهُ أَتَمَّهُ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا وَتَكُونُ
طَالِقًا لِلسُّنَّةِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ
لِلسُّنَّةِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ
أَنَّهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ
الْحَالَةُ حَالَةَ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَذَكَرَ مَا جَزَمَ بِهِ
الْحَاكِمُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ
الْوَصْفَ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الزِّيَادَةِ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ
وَأَمَّا التَّشْبِيهُ فَكَذَلِكَ أَيُّ شَيْءِ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ
كَرَأْسِ إبْرَةٍ وَكَحَبَّةِ خَرْدَلٍ وَكَسَمْسَمَةٍ لِاقْتِضَاءِ
التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ.
وَاشْتَرَطَ أَبُو يُوسُفَ ذِكْرَ الْعِظَمِ مُطْلَقًا وَزُفَرُ أَنْ
يَكُونَ عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ فَرَأْسُ الْإِبْرَةِ بَائِنٌ عِنْدَ
الْإِمَامِ فَقَطْ وَكَالْجَبَلِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ فَقَطْ
وَكَعَظِيمَةٍ بَائِنٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَكَعِظَمِ الْإِبْرَةِ إلَّا
عِنْدَ زُفَرَ وَمُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ مَعَ الثَّانِي،
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ كَالثَّلْجِ إنْ أَرَادَ فِي
الْبُرُودَةِ فَبَائِنٌ، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْبَيَاضِ فَرَجْعِيٌّ، وَفِي
الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدًا تَقَعُ ثِنْتَانِ وَلَوْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَهِيَ
طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَذَا كَذَا يَقَعُ
الثَّلَاثُ لِأَنَّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ تَقَعُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ
فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَبَائِنٌ أَوْ فَبَائِنُ
فَوَاحِدَةً بَائِنَةً، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَشَيْءٌ وَلَا
نِيَّةَ لَهُ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى بِشَيْءٍ ثَلَاثًا
فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَثِيرًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ
أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الثَّلَاثُ وَذَكَرَ
أَبُو اللَّيْثِ فِي الْفَتَاوَى يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت
طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
كَبِيرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَا
قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ وَقَعَ ثَلَاثٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ رَجْعِيَّةٌ كَمَا
فِي الْفَتْحِ وَقَالَ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ
الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ
لَغْوٌ وَلَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ.
(قَوْلُهُ: وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْعَدَدِ إذَا ذَكَرَ
الْكَثْرَةَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةً بَائِنَةً
لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ كَمَا مَرَّ
وَلَوْ قَالَ مِثْلَ التُّرَابِ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ
مُحَمَّدٍ اهـ.
وَفِي النَّهْرِ إنَّمَا كَانَ التُّرَابُ غَيْرَ مَعْدُودٍ لِأَنَّهُ
اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ بِخِلَافِ الرَّمْلِ فَإِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ
جَمْعِيٍّ لَا يَصْدُقُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ قَالَ فِي
الصِّحَاحِ: الرَّمْلُ وَاحِدُ الرِّمَالِ، وَالرَّمْلَةُ أَخَصُّ مِنْهُ.
اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلِذَا صَرَّحَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ
الْعَتَّابِيُّ لِقَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ
الصَّحِيحُ. . . إلَخْ وَذَكَرَ أَيْضًا شَدِيدَةً قَبْلَ قَوْلِهِ
طَوِيلَةً وَهَكَذَا فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهَا سَقَطَتْ هُنَا مِنْ
قَلَمِ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ. .
. إلَخْ) الْمُرَجِّحُ هُوَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ
وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا صِحَّةَ
نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا بِأَنَّهُ وَصْفُ
الطَّلَاقِ بِالْبَيْنُونَةِ وَهِيَ خَفِيفَةٌ وَغَلِيظَةٌ، وَالْغَلِيظَةُ
هِيَ الثَّلَاثُ وَتَاءُ الْوَحْدَةِ لَا تُنَافِي صِحَّةَ إرَادَةِ
الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الْعَدَدَ
الْمَحْضَ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ تَصِحُّ إرَادَتُهُ
بِمَا وُضِعَ لِلْمُفْرَدِ وَهَذَا الْمُفْرَدُ يُطْلَقُ عَلَى نَوْعَيْنِ
أَحَدُهُمَا مَا يَمْلِكُ بَعْدَهُ الرَّجْعَةَ، وَالْآخَرُ مَا لَا
يَمْلِكُهَا إلَّا بِزَوْجٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ أَيْضًا فَرْدٌ
اعْتِبَارِيٌّ فَلَا يُنَافِي تَاءَ الْوَحْدَةِ وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ
نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا عَدَدٌ مَحْضٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَعُ ثَلَاثٌ) قَالَ
فِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَاحِدَةٌ،
وَالْكَثِيرَ ثَلَاثٌ، وَإِذَا قَالَ أَوَّلًا لَا قَلِيلَ قَصَدَ
الثَّلَاثَ ثُمَّ لَا يَعْمَلُ قَوْلُهُ: وَلَا كَثِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.
وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ
ثَلَاثٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ
وَلَا كَثِيرَ يَقَع الثَّلَاثَ فِي الْمُخْتَارِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو
جَعْفَرٍ ثِنْتَانِ فِي الْأَشْبَهِ اهـ.
(3/312)
وَلَوْ قَالَ لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ
يَقَعُ وَاحِدَةً وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا قَالَ
أَنْت طَالِقٌ كَثِيرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ يَنْبَغِي إذَا قَالَ لَا قَلِيلَ
وَلَا كَثِيرَ يَقَعُ ثِنْتَانِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَصْلُ أَنَّ
الْمُسْتَثْنَى إذَا وُصِفَ بِمَا يَلِيقُ بِالْمُسْتَثْنَى بِجَعْلِ
صِفَةٍ لِلْمُسْتَثْنَى وَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ
كَانَتْ تَلِيقُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا غَيْرُ قِيلَ يُجْعَلُ
وَصْفًا لَهُ حَتَّى يَثْبُتَ بِثُبُوتِهِ تَصْحِيحًا لَهُ بِقَدْرِ
الْإِمْكَانِ وَقِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لِلْكُلِّ تَحْقِيقًا
لِلْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِأَنَّهُ
الْأَصْلُ ظَاهِرًا.
وَإِنْ ذَكَرَ وَصْفًا يَلِيقُ بِهِمَا قِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لِلْكُلِّ
تَحْقِيقًا لِلْمُجَانَسَةِ وَقِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لِلْمُسْتَثْنَى
مِنْهُ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ وَصْفًا لِلْمُسْتَثْنَى بَطَلَ
هَذَا إذَا ذَكَرَ وَصْفًا زَائِدًا، وَإِنْ ذَكَرَ وَصْفًا أَصْلِيًّا لَا
يُعْتَبَرُ أَصْلًا وَيُجْعَلُ ذِكْرُهُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ سَوَاءً،
بَيَانُهُ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ إلَّا
وَاحِدًا بَائِنًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ
صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا يُقَالُ طَلْقَتَانِ بَائِنٌ وَصَلَحَ
صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى فَبَطَلَ بِبُطْلَانِهِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
ثِنْتَيْنِ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً
لِصَلَاحِيَةِ الْوَصْفِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يُقَالُ تَطْلِيقَتَيْنِ
أَلْبَتَّةَ فَجُعِلَ صِفَةً لَهُ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْهُمَا
فَتَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا
وَاحِدَةً أَلْبَتَّةَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِأَنَّ أَلْبَتَّةَ لَا
تَصْلُحُ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى لِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَتَصْلُحُ صِفَةً
لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتُجْعَلُ صِفَةً لِلْكُلِّ أَوْ الْمُسْتَثْنَى
مِنْهُ كَأَنَّهُ قَالَ ثِنْتَيْنِ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ أَنْت
طَالِقٌ ثَلَاثًا بَائِنَةً إلَّا وَاحِدَةَ تَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ لِأَنَّ
كُلًّا مِنْهُمَا وَصْفٌ أَصْلِيٌّ لِلثَّلَاثِ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِمَا
فَلَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَ الثَّلَاثَ فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ
كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ تَمَامَ الثَّلَاثِ أَوْ ثَالِثَ
ثَلَاثَةٍ فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَيْرَ ثِنْتَيْنِ
فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ غَيْرَ وَاحِدَةٍ فَثِنْتَيْنِ، وَفِيهَا أَيْضًا
أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا إنْ لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ
فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَمَا
سَكَتَ كَمْ قَالَ ثَلَاثٌ وَقَعَ قَالَ الصَّدْرُ: يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَإِنَّ مَوْقِعَ الْوَاحِدَةِ لَوْ
ثَلَّثَهُ بَعْدَ زَمَانٍ صَحَّ أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إنْ دَخَلْت
الدَّارَ تَقَعُ ثَلَاثٌ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت
طَالِقٌ إذَا دَخَلْت الدَّارَ عَشْرًا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً حَتَّى
تَدْخُلَ الدَّارَ عَشْرًا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ
فَثَلَاثٌ فِي سَاعَةِ الْحَلِفِ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنْت طَالِقٌ لَوْنَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ فَهُمَا
تَطْلِيقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ وَلَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَلْوَانٍ فَهِيَ
ثَلَاثَةٌ وَكَذَا إذَا قَالَ أَلْوَانًا مِنْ الطَّلَاقِ فَهِيَ طَالِقٌ
ثَلَاثًا فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَلْوَانَ الْحُمْرَةِ، وَالصُّفْرَةِ
فَلَهُ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْتِ
طَالِقٌ عَامَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ جُلَّهُ فَهُمَا ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ
أَكْثَرَهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ كُلَّ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ
وَلَوْ قَالَ أَكْثَرَ الثَّلَاثِ فَثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ
الطَّلَاقَ كُلَّهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَكَذَا إذَا قَالَ كُلَّ طَلْقَةٍ
وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأُخْرَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت
طَالِقٌ وَاحِدَةً وَأُخْرَى فَهِيَ ثِنْتَانِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا
إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك يَلْغُو
وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقِيلَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ نَوَى
الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ اهـ.
وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الثَّانِي فَإِنَّهُ
قَالَ وَإِذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ، وَالزِّيَادَةِ
كَانَ بَائِنًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقَعُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ بَعْدَ
الدُّخُولِ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِالْبَيْنُونَةِ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ
فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي
عَلَيْك وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ إلَى أَنْ قَالَ
وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ اهـ.
فَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ: وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ
أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا حُكِيَ عَنْ
ابْنِ الْفَضْلِ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً
لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوصَفُ بِالْقِلَّةِ فَلَغَا ذِكْرُ الْقِلَّةِ،
وَالْكَثْرَةِ، وَالثَّانِي مَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ
يَقَعُ الثَّلَاثُ وَعَلَّلَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ
ثُمَّ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ
يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا قَلِيلَ فَقَدْ قَصَدَ
إيقَاعَ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ كَثِيرٌ فَلَا يَعْمَلُ
قَوْلُهُ: وَلَا كَثِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إلَى
الصَّوَابِ اهـ.
وَهَذَا كَمَا تَرَى مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ مِنْ
أَنَّ الْكَثِيرَ ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَا كَثِيرَ وَلَا
قَلِيلَ تَقَعُ وَاحِدَةً) أَيْ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَيَلْغُو قَوْلُهُ:
لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ وَإِلَّا فَلَوْ قِيلَ كَمَا مَرَّ إنَّهُ
قَصَدَ بِقَوْلِهِ لَا كَثِيرَ الْقَلِيلَ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْوَاحِدَةِ
لِأَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ ثَلَاثٌ فَغَيْرُهُ
يَصْدُقُ بِالْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ تَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ
إنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا كَثِيرَ أَثْبَتَ الْقَلِيلَ وَهُوَ الْوَاحِدَةُ
بِنَاءً عَلَى إلْغَاءِ الْوَسَطِ فَلَمَّا قَالَ وَلَا قَلِيلَ أَرَادَ
نَفْيَ مَا أَوْقَعَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ كُلَّ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةً) كَذَا رَأَيْته فِي
الذَّخِيرَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَقَعُ
ثَلَاثٌ قُلْت وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَصْدَرٌ
يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّ الطَّلَاقِ
وَبَيْنَ الطَّلَاقِ كُلِّهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى
أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك. . إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ
الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً مَا نَصُّهُ:
" وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ
لِي عَلَيْك فَرَجْعِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى
(3/313)
لَا يَقَعُ بَائِنًا بَلْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ
بَائِنَةٌ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَنْ لَا
رَجْعَةَ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ الْمَشْرُوعِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا وَصَفَهُ
بِالْبَيْنُونَةِ وَلَمْ يَنْفِ الرَّجْعَةَ صَرِيحًا لَكِنْ يَلْزَمُ
مِنْهَا نَفْيُ الرَّجْعَةِ ضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا،
وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا كَذَا أَفَادَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ
اهـ.
وَهَكَذَا شَرَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ،
وَالتَّبْيِينِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ وُقُوعُ الْبَائِنِ،
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا دِرَايَةَ
بِالْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُوَثِّقِينَ فِي التَّعَالِيقِ
تَكُونُ طَالِقًا طَلْقَةً تَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهَا لَا يُوجِبُ
الْبَيْنُونَةَ وَأَجَابَ بِذَلِكَ عَلَى الْفَتْوَى مُسْتَدِلًّا
بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ كَانَ
رَجْعِيًّا وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ مَسْأَلَةَ
الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ كَمَا عَلِمْته الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَنْفِ
الرَّجْعَةَ صَرِيحًا وَإِنَّمَا نَفَاهَا ضِمْنًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ
أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ
بِصِفَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ كَانَ بَائِنًا وَقَالَ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا إلَّا بِالْبَائِنِ وَقَالَ فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ فِي الرَّجْعِيِّ مِلْكُهَا نَفْسَهَا، وَقَدْ
أَوْسَعْت الْكَلَامَ فِيهَا فِي رِسَالَةٍ أَلَّفْتهَا حِينَ وَقَعَتْ
الْحَادِثَةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)
أَخَّرَهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَصْلٌ لَهُ لِكَوْنِهِ
بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقَبْلَهُ بِالْعَوَارِضِ وَلِذَا قِيلَ
بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ وَقَدَّمْنَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ
لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ (قَوْلُهُ: طَلَّقَ غَيْرَ
الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ) سَوَاءٌ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْك
ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا خِلَافَ فِي
الْأَوَّلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ قِيلَ
يَقَعُ وَاحِدَةً، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ
وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ
أَنَّ الْوَاقِعَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ مَصْدَرٌ مَوْصُوفٌ بِالْعَدَدِ
أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا فَتَصِيرُ الصِّيغَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِإِنْشَاءِ
الطَّلَاقِ مُتَوَقَّعًا حُكْمُهَا عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ عَلَيْهِ،
وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْت طَالِقٌ وَهَذِهِ وَهَذِهِ
ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْعَدَدَ
الْمَذْكُورَ آخِرًا يَصِيرُ مُلْحَقًا بِالْإِيقَاعِ أَوَّلًا كَيْ لَا
يَلْغُوَ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَهَذِهِ وَهَذِهِ
ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ وَاحِدَةً، وَالثَّالِثَةُ
ثَلَاثًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لِلسَّابِقَةِ، وَالثَّالِثَةُ
مُفْرَدَةٌ بِعَدَدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ
طَالِقٌ وَهَذِهِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْأُولَى وَاحِدَةً، وَالثَّانِيَةُ،
وَالثَّالِثَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِأَنَّ الْعَدَدَ صَارَ مُلْحَقًا
بِالْإِيقَاعِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ
الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا قَالَ
الْإِمَامُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الثَّلَاثَ وَقَعْنَ
عَلَيْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ بَانَتْ بَعْدَهُ وَأَنَّهُ كَلَامٌ
وَاحِدٌ يَتْبَعُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ، وَالْمَرْأَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا،
وَقَالَ الثَّانِي يَقَعُ وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْقَذْفَ
فَصَلَ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالثَّلَاثِ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَحَاصِلُهُ:
أَنَّ يَا زَانِيَةُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْعَدَدِ وَلَا
بَيْنَ الْجَزَاءِ، وَالشَّرْطِ فَإِذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ يَا
زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَعَلَّقَ بِالدُّخُولِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ أَوْسَعْت الْكَلَامَ فِيهَا فِي رِسَالَةِ. . . إلَخْ)
أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْمُؤَلَّفِ فِيهَا الرِّسَالَةُ هِيَ أَنَّ رَجُلًا
قَالَ لِزَوْجَتِهِ مَتَى ظَهَرَ لِي امْرَأَةٌ غَيْرُك أَوْ
أَبْرَأْتِينِي مِنْ مَهْرِك فَأَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً تَمْلِكِينَ بِهَا
نَفْسَك ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ
مَهْرِهَا، وَقَدْ أَجَابَ الْمُؤَلِّفُ فِيهَا بِأَنَّهُ بَائِنٌ وَرَدَّ
فِيهَا عَلَى مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ لَكِنْ قَالَ فِي الْمِنَحِ
وَرُبَّمَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَعْضُ مِنْ وُقُوعِ
الرَّجْعِيِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا
قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ طَلَّقْتُك تَطْلِيقَةً فَهِيَ بَائِنٌ ثُمَّ
طَلَّقَهَا يَقَعُ رَجْعِيًّا، قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّ
الْوَصْفَ لَا يَسْبِقُ الْمَوْصُوفَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا
قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَذَا ثُمَّ قَبْلَ دُخُولِهَا
الدَّارَ قَالَ جَعَلْته بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ
وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا اهـ.
وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ وَقَالَ
الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ أَقُولُ: هَذَا بَحْثُ الشَّيْخِ
هُنَا، وَفِي مُصَنَّفِهِ الْمُسَمَّى بِمَعِينِ الْمُفْتِي عَلَى جَوَابِ
الْمُسْتَفْتِي وَسَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ
فِي مَسْأَلَةِ التَّعَالِيقُ الطَّلَاقُ الْمَوْصُوفُ بِالْبَيْنُونَةِ،
وَفِي مَسْأَلَةِ الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ الْمُعَلَّقُ وَصْفُ
الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ، وَالْمَوْصُوفُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَهُوَ فِي
مَسْأَلَةِ التَّعَالِيقِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك
فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا وَلَا قَائِلَ بِمَنْعِهِ تَأَمَّلْ اهـ. وَهُوَ
ظَاهِرٌ.
[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ]
(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الثَّلَاثَ
إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ هُنَا لِأَنَّ الْقَذْفَ وَقَعَ
عَلَيْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَقَذْفُ الزَّوْجَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ
وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ اللِّعَانَ أَثَرُهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا
وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لِحُصُولِهِ بِالْإِبَانَةِ
وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ حُكْمِهِ. (قَوْلُهُ: تَعَلَّقَ بِالدُّخُولِ)
الضَّمِيرُ فِيهِ يَعُودُ إلَى كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ: يَا زَانِيَةُ
وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ قَالَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ
فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ الْبَعْضِ
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ
بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ بِأَنْ
(3/314)
وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَلَوْ قَالَ:
أَنْت يَا زَانِيَةُ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ
وَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ فَرَّقَ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) أَيْ وَإِنْ فَرَّقَ
الطَّلَاقَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَيُمْكِنُ جَمْعُهُ بِعِبَارَةٍ
وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَقَعُ
مَا بَعْدَهُ إذْ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ
لِيَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ
طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ
حَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهُ بِحَرْفِ الْعَطْفِ
فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا فَإِدْخَالُهُ هُنَا فِي كَلَامِهِ
كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ
يُمْكِنُ جَمْعُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ
وَقَعَ الثَّلَاثُ إذْ لَا يُمْكِنُ جَمْعُ الْجُزْأَيْنِ بِعِبَارَةٍ
وَاحِدَةٍ أَخْصَرُ مِنْهَا عِنْدَ قَصْدِهِ هَذَا الْعَدَدَ الْمَخْصُوصَ
مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ لَا يَعْتَبِرُ مَا زَادَ
عَلَى الثَّلَاثِ وَقَيَّدَ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ لِأَنَّ الْمَدْخُولَةَ
يَقَعُ عَلَيْهَا الْكُلُّ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ عَنَى
الْأَوَّلَ فَإِنْ قَالَ لَهُ غَيْرُهُ مَاذَا فَعَلْت فَقَالَ:
طَلَّقْتهَا أَوْ قَدْ قُلْت هِيَ طَالِقٌ يُصَدَّقُ أَنَّهُ عَنَى
الْأَوَّلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ، وَالسُّؤَالُ
وَقَعَ عَنْ الْأَوَّلِ فَانْصَرَفَ الْجَوَابُ إلَيْهِ كَذَا فِي
الْمُحِيطِ وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ، وَإِنْ فَرَّقَ مَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ
فَوَاحِدَةً، وَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ طَلَاقِي
إيَّاكِ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ
قَالَتْ: طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي فَقَالَ: طَلُقْت فَوَاحِدَةً
إنْ لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ وَلَوْ قَالَتْ بِحَرْفِ الْعَطْفِ طَلُقَتْ
ثَلَاثًا اهـ.
وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً
تَقَدَّمَهَا ثِنْتَانِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ كَمَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا، وَفِيهَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً
أَوْ ثِنْتَيْنِ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ جَاءَ مِنْ
جِهَتِهِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَقَعَتْ
وَاحِدَةً وَلَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا فَقَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ:
أَرَدْت وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَا أُصَدِّقُهُ وَأُبِينُهُمَا مِنْهُ،
وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى
إحْدَاهُمَا اهـ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ تَفْرِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ غَيْرُ
صَحِيحٍ وَعَلَى الْمَدْخُولَةِ صَحِيحٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْإِيقَاعِ قَبْلَ الْعَدَدِ لَغَا)
أَيْ لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولَةً أَوْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ بَعْدَ
الصِّيغَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَدَدِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِمَا
قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوَاقِعَ عِنْدَ ذِكْرِهِ بِهِ وَعِنْدَ عَدَمِهِ
الْوُقُوعُ بِالصِّيغَةِ فَلَا حَاجَةَ أَنْ يُجْعَلَ الْعَدَدُ ثَابِتًا
بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهِ وَقَدَّمْنَا الدَّلِيلَ
عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ
وَاحِدَةً أَوْ لَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْمَصْدَرِ،
وَالْوَصْفِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا أَيْضًا وَيَدْخُلُ فِي الْعَدَدِ أَصْلُهُ
وَهُوَ الْوَاحِدُ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْعَدَدِ مُتَّصِلًا
بِالْإِيقَاعِ وَلَا يَضُرُّ الِانْقِطَاعُ لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ فَإِنْ
قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَسَكَتَ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ ثُمَّ
قَالَ: ثَلَاثًا فَوَاحِدَةً وَلَوْ انْقَطَعَ النَّفَسُ أَوْ أَخَذَ
إنْسَانٌ فَمَه ثُمَّ قَالَ: ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ أُطَلِّقُ فِي الْكِتَابِ
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ: عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ رَفْعِ
الْيَدِ مِنْ فَمِهِ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْت طَالِقٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَبَيْنَ
الْإِيجَابِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ
إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ فَلَا يَجِبُ
بِهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ، وَإِنْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: يَا زَانِيَةُ عَلَى
الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ أَوْ عَلَى الْإِيجَابِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ
تَأَخَّرَ عَنْهُمَا كَانَ قَذْفًا فِي الْحَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا
زَانِيَةُ لِلِاسْتِحْضَارِ عُرْفًا لِكَوْنِهِ نِدَاءً وَلِإِثْبَاتِ
صِفَةِ الزِّنَا وَضْعًا فَكَانَ مُلَائِمًا لِلْخِطَابِ مِنْ حَيْثُ
كَوْنِهِ لِلِاسْتِحْضَارِ غَيْرَ مُلَائِمٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ
إثْبَاتُ صِفَةٍ فِي الْمُنَادَى فَتَوَفَّرَ عَلَى الشَّبَهَيْنِ
حَظُّهُمَا فَيَتَعَلَّقُ إذَا كَانَ مُوَسَّطًا وَيُنْجِزُ إذَا كَانَ
طَرَفًا أَوْ مُتَأَخِّرًا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمُتَخَلِّلُ فَاصِلَا لِأَنَّهُ كَلَامٌ تَامٌّ لَا
يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الطَّلَاقُ فَكَانَ قَذْفًا
فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ
يَتَعَلَّقُ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَهُوَ الطَّلَاقُ لَا الْقَذْفُ
وَيَجِبُ اللَّعَّانُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ يَا زَانِيَةَ،
وَإِنْ كَانَ جَزَاءً إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ هُنَا النَّفْيُ دُونَ
التَّحْقِيقِ أَوْ لِأَنَّهُ نِدَاءٌ، وَالنِّدَاءُ لَا يَفْصِلُ لِأَنَّهُ
لِإِعْلَامِ الْمُخَاطَبِ بِمَا يُرَادُ بِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسِ
الْكَلَامِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ يَا عَمْرَةُ إنْ دَخَلْت
الدَّارَ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلَا تَعَلَّقَ
الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فَيَتَعَلَّقُ الْقَذْفُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ
نَفْيِ الْكَلَامِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الشَّرْطِ وَإِذَا تَعَلَّقَ
الْأَبْعَدُ كَانَ الْأَقْرَبُ أَوْلَى فَإِنْ قِيلَ لَمْ يُعَلِّقْ
الْقَذْفَ بِالشَّرْطِ بَلْ نَادَاهَا فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُرْسَلًا
قُلْنَا لَمْ نُعَلِّقْهُ نَصًّا بَلْ حُكْمًا لِكَوْنِ الْكَلَامِ
وَاحِدًا فَإِذَا ذُكِرَ الشَّرْطُ فِي الْأَخِيرِ انْصَرَفَ إلَى جَمِيعِ
الْكَلَامِ وَإِذَا تَعَلَّقَ يَا زَانِيَةُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي
الْحَالِ وَكَذَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الدُّخُولَ لَا
يَجْعَلُ غَيْرَ الزَّانِي زَانِيًا اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ
مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (قَوْلُهُ: وَمَا
لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ. . . إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ
مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنَّمَا تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ مَعَ هُنَا
بِمَعْنَى بَعْدُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك
إيَّاكَ.
(3/315)
يَا فَاطِمَةُ أَوْ يَا زَيْنَبُ ثَلَاثًا
تَقَعُ الثَّلَاثُ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ اشْهَدُوا ثَلَاثًا
فَوَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ: فَاشْهَدُوا فَثَلَاثٌ كَذَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا
أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت
لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ
لِوُجُودِ مَا يُغَيِّرُهُ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ فِي آخِرِهِ فَخَرَجَ
عَنْ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ
شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَقَعْ
شَيْءٌ، وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي الْمُحِيطِ، وَالذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا إذَا
قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ
أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالثَّانِي كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ
كَلَامٍ عَامِلٌ فِي الْوُقُوعِ إنَّمَا يَعْمَلُ إذَا صَادَفَهَا وَهِيَ
حَيَّةٌ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ
فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي لَا يَقَعُ
لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمَعْطُوفَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ إذَا اتَّصَلَ
الشَّرْطُ بِآخِرِهِ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا، وَفِيهِ لَوْ
قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا عَمْرَةُ فَمَاتَتْ قَبْلَ
قَوْلِهِ يَا عَمْرَةُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُغَيَّرٍ اهـ.
وَقَيَّدَ بِمَوْتِهَا احْتِرَازًا عَنْ مَوْتِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمَّا قَالَ: أَنْت
طَالِقٌ مَاتَ أَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ فَمَه يَقَعُ وَاحِدَةً اهـ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِمَوْتِهَا لِأَنَّ بِمَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ
ذِكْرِ الْعَدَدِ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الزَّوْجَ وَصَلَ لَفْظَ
الطَّلَاقِ بِذِكْرِ الْعَدَدِ فِي مَوْتِهَا وَذِكْرُ الْعَدَدِ حَصَلَ
بِمَوْتِهَا، وَفِي مَوْتِ الزَّوْجِ ذَكَرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَلَمْ
يَتَّصِلْ بِهِ ذِكْرُ الْعَدَدِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ
عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ
لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا فَأَخَذَ
رَجُلٌ فَمَه فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَاقِ يَقَعُ
وَاحِدَةً لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظٍ لَا يَقْصِدُهُ اهـ.
وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَيَّ الْأَصْلِ وَسَيَأْتِي
صَرِيحًا الْفَرْقُ بَيْنَ مَوْتِهِ وَمَوْتِهَا فِي التَّعْلِيقِ
بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ يَقَعُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ
الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ قَبْلَ
وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةً يَقَعُ وَاحِدَةً، وَفِي بَعْدَ
وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا
ثِنْتَانِ) بَيَانٌ لِأَرْبَعِ مَسَائِلَ الْأُولَى لَوْ فَرَّقَ
بِالْعَطْفِ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ
فَلِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَيْ لِجَمْعِ التَّعَاطُفَاتِ فِي
مَعْنَى الْعَامِلِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَعِيَّةِ أَوْ
عَلَى تَقَدُّمِ بَعْضِ الْمُتَعَاطِفَاتِ أَوْ تَأَخُّرِهِ فَلَا
يَتَوَقَّفُ الْأَوَّلُ عَلَى الْآخِرِ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَوَقُّفِهِ
مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِهَا لِلْمَعِيَّةِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ
فَيَعْمَلُ كُلُّ لَفْظٍ عَمَلَهُ فَتَبَيَّنَ بِالْأُولَى فَلَا يَقَعُ
مَا بَعْدَهَا فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا هُنَا
لِلتَّرْتِيبِ، وَقَدْ حَكَى السَّرَخْسِيُّ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: تَبِينُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ
مِنْ الْكَلَامِ الثَّانِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ
لِجَوَازِ أَنْ يُلْحِقَ بِكَلَامِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً وَرَجَّحَ
فِي أُصُولِهِ قَوْلَةَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَقَعْ لَا يَفُوتُ
الْمَحَلُّ فَلَوْ تَوَقَّفَ وُقُوعُ الْأَوَّلِ عَلَى التَّكَلُّمِ
بِالثَّانِيَةِ لَوَقَعَا جَمِيعًا لِوُجُودِ الْمَحَلِّ الثَّلَاثِ حَالَ
التَّكَلُّمِ بِهَا، وَفِي التَّحْرِيرِ: أَنَّ قَوْلَةَ مُحَمَّدٌ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ يُعْلَمُ الْوُقُوعُ بِالْأَوَّلِ
لِتَجْوِيزِ إلْحَاقِ الْمُغَيَّرِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ
الْوُقُوعِ مُتَأَخِّرٌ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الثَّانِي لَوَقَعَ الْكُلُّ،
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ
الْوُقُوعَ بِالْأَوَّلِ وَظُهُورَهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ الثَّانِي اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ فَائِدَةَ
الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَوْتِ اهـ.
يَعْنِي: لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الثَّانِي وَقَعَ عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَالْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ، وَفِي
الْمِعْرَاجِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ مَاتَتْ قَبْلَ
الْفَرَاغِ فَعِنْدَهُ يَقَعُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِجَوَازِ أَنْ
يُلْحِقَ بِآخِرِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا
يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ فَأَمَّا بِدُونِ الْوَاوِ لَا
يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ الشَّرْطُ،
وَالِاسْتِثْنَاءُ اهـ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ قُصُورُ نَظَرِ ابْنِ الْهُمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا
خِلَافَ فِي الْمَعْنَى قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً وَنِصْفًا أَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَأُخْرَى
فَإِنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إحْدَى وَعِشْرِينَ
وَقَعَ الثَّلَاثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ فَاشْهَدُوا فَثَلَاثٌ) أَيْ لَوْ قَالَ أَنْت
طَالِقٌ فَاشْهَدُوا ثَلَاثًا فَالْوَاقِعُ ثَلَاثًا لِأَنَّ قَوْلَهُ
فَاشْهَدُوا بِالْفَاءِ لَا يُعَدُّ فَاصِلًا لِأَنَّ الْفَاءَ تَعَلَّقَ
مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا فَصَارَ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا
بِخِلَافِ قَوْلِهِ اشْهَدُوا وَمِثْلُهُ مَا يَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ
الْكِنَايَاتِ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ.
(3/316)
لَا بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاوَ لِلْمَعِيَّةِ
بَلْ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ مَا يَلْفِظُ بِهِ إذَا أَرَادَ الْإِيقَاعَ
بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي التَّعْبِيرِ لُغَةً كَمَا
قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدْنَا بِتَأْخِيرِ النِّصْفِ عَنْ الْوَاحِدَةِ
لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ نِصْفًا
وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى هَذَا
الْوَجْهِ فَلَمْ يُجْعَلْ كُلُّهُ كَلَامًا وَاحِدًا، وَعَزَاهُ فِي
الْمُحِيطِ إلَى مُحَمَّدٍ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً
وَعَشْرًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ أَحَدَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ
الثَّلَاثُ لِعَدَمِ الْعَطْفِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً وَمِائَةً
أَوْ وَاحِدَةً وَأَلْفًا أَوْ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يَقَعُ
وَاحِدَةً لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْمُعْتَادِ فَإِنَّهُ
يُقَالُ فِي الْعَادَةِ مِائَةٌ وَوَاحِدَةٌ وَأَلْفٌ وَوَاحِدَةٌ فَلَمْ
يَجْعَلْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَلَامًا وَاحِدًا بَلْ اُعْتُبِرَ عَطْفًا،
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِائَةً
وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَمِائَةً سَوَاءٌ اهـ.
وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُخَاطِبًا لَهَا بِالْعَدَدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ
لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت، فَقَالَتْ: شِئْت وَاحِدَةً
وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ
وَغَيْرِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بِآخِرِ كَلَامِهَا وَمَا لَمْ
يَتِمَّ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ الْجَزَاءُ اهـ.
وَإِذَا عُلِمَ الْحُكْمُ فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ عُلِمَ بِالْفَاءِ
وَثُمَّ بِالْأَوْلَى لِاقْتِضَاءِ الْفَاءِ التَّعْقِيبَ وَثُمَّ
التَّرْتِيبَ وَأَمَّا بَلْ فَإِذَا قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ
وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ
أَنَّهُ غَلِطَ فِي إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ وَرَجَعَ عَنْهَا وَقَصَدَ
إيقَاعَ الثِّنْتَيْنِ قَائِمًا مَقَامَ الْوَاحِدَةِ فَصَحَّ إيقَاعُ
الثِّنْتَيْنِ وَلَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ قَالَ
ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ بِالْأُولَى
صَارَتْ مُبَانَةً وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ طَلَّقْتُك أَمْسِ
وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَقْبَلُ
التَّدَارُكَ فِي الْغَلَطِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ وَتَمَامُهُ فِي
الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الطَّلَاقِ عَلَى الطَّلَاقِ بِكَلِمَةِ لَا
بَلْ، وَالْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ هِيَ قَبْلُ وَبَعْدُ وَمَعَ أَمَّا
قَبْلُ فَاسْمٌ لِزَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ
وَأَمَّا بَعْدُ فَاسْمٌ لِزَمَانٍ مُتَأَخِّرٍ عَلَى مَا أُضِيفَتْ
إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الظَّرْفَ مَتَى كَانَ بَيْنَ اسْمَيْنِ فَإِنْ
لَمْ يُقْرَنْ بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ تَقُولُ
جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو فَالْقَبْلِيَّةُ فِيهَا صِفَةٌ لِزَيْدٍ،
وَإِنْ قَرَنَ بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ صِفَةً لِلثَّانِي تَقُولُ
جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو فَإِذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً
قَبْلَ وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَوْقَعَ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَبَانَتْ
بِهَا فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ وَلَوْ قَالَ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ
فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَصَفَ الثَّانِيَةَ بِالْبَعْدِيَّةِ وَلَوْ لَمْ
يَصِفْهَا بِهِ لَمْ تَقَعْ فَهَذَا أَوْلَى.
وَأَمَّا إذَا قَالَ: وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ
لِأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ
لِامْتِنَاعِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْمَاضِي فَيَقْتَرِنَانِ فَتَقَعُ
ثِنْتَانِ وَكَذَا فِي وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ
الْبَعْدِيَّةَ صِفَةً لِلْأُولَى فَاقْتَضَى إيقَاعَ الثَّانِيَةِ
قَبْلَهَا فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْحَالِ فَيَقْتَرِنَانِ وَهَذَا كُلُّهُ
فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ ثِنْتَانِ
فِي الْكُلِّ وَاسْتَشْكَلَ فِي وَاحِدَةٍ قَبْلَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ كَوْنَ
الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَى
مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ نَحْوُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ
تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا
اللَّفْظَ أَشْعَرَ بِالْوُقُوعِ وَكَوْنُ الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ
يَقْتَضِي وُجُودَ ذَلِكَ الْغَيْرِ ظَاهِرًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْعِهِ
لَا مَحَالَةَ، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ كَذَا فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَعَ فَلِلْقِرَانِ فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ
الْإِتْيَانِ بِالضَّمِيرِ أَوْ لَا فَاقْتَضَى وُقُوعَهُمَا مَعًا وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْت طَالِقٌ
الْيَوْمَ وَأَمْسِ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاحِدَةً
قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ ثُمَّ مِنْ مَسَائِلِ قَبْلِ
وَبَعْدِ مَا قِيلَ مَنْظُومًا
مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ ... وَلَا زَالَ عِنْدَهُ
الْإِحْسَانُ
فِي فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرِ ... قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلَهُ
رَمَضَانُ
وَهَذَا الْبَيْتُ يُمْكِنُ إنْشَادُهُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ
أَحَدُهَا قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلُهُ ثَانِيهَا: قَبْلَ مَا بَعْدَ
قَبْلِهِ ثَالِثُهَا: قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ، رَابِعُهَا: بَعْدَ مَا
قَبْلَ قَبْلِهِ، خَامِسُهَا: بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ، سَادِسُهَا:
بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ، سَابِعُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْرِنْ بِهَاءِ الْكِنَايَةِ) أَيْ بِالْهَاءِ
الَّتِي هِيَ ضَمِيرٌ مُكَنًّى بِهِ عَنْ الِاسْمِ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ:
مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ وَلَا زَالَ عِنْدَهُ
الْإِحْسَانُ) إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا الْبَيْتُ يُمْكِنُ إنْشَادُهُ عَلَى
ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ أَيْ كَمَا تَرَى
(3/317)
بَعْدَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ، ثَامِنُهَا
قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ، وَالضَّابِطُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ
الْقَبْلُ، وَالْبَعْدُ أَنْ يُلْغَى قَبْلُ وَبَعْدُ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ
بَعْدَ قَبْلِهِ وَقَبْلَ بَعْدِهِ فَيَبْقَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ
شَوَّالُ أَوْ بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ شَعْبَانُ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ إنْ كَانَ مَحْضَ قَبْلِ وَهُوَ الْأَوَّلُ
وَقَعَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَحْضَ بَعْدِ وَقَعَ فِي
جُمَادَى الْآخِرَةِ وَهُوَ الْخَامِسُ وَيَقَعُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي،
وَالرَّابِعُ، وَالسَّابِعُ فِي شَوَّالٍ لِأَنَّ قَبْلَهُ رَمَضَانُ
بِإِلْغَاءِ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَقَعُ فِي الثَّالِثِ،
وَالسَّادِسِ، وَالثَّامِنِ فِي شَعْبَانَ لِأَنَّ بَعْدَهُ رَمَضَانُ
بِإِلْغَاءِ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي
الثَّمَانِيَةِ أَنَّ الظُّرُوفَ الثَّلَاثَ إمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ
أَوْ بَعْدَ أَوْ الْأَوَّلَيْنِ قَبْلُ أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَبْلُ، وَالْبَعْدُ. .
. إلَخْ) هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِ
نَظْمِ الْكَنْزِ، وَالنَّهْرِ، وَالدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَحَاصِلُهُ
إلْغَاءُ أَحَدِ الْمُتَكَرِّرَيْنِ بِغَيْرِ الْمُتَكَرِّرِ وَاعْتِبَارُ
أَحَدِ الْمُتَكَرِّرَيْنِ الْآخَرَ أَيْنَمَا كَانَ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا
أَوْ آخِرًا فَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ قَبْلُ فَالْمُرَادُ شَوَّالٌ أَوْ
بَعْدُ فَشَعْبَانُ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ
نَظْمًا
قَابِلِ الْقَبْلَ بِاَلَّذِي هُوَ بَعْدُ ... وَسِوَاهُ يُبْنَى عَلَيْهِ
الْبَيَانُ وَتَأَمَّلْ بِفَطِنَةٍ وَذَكَاءٍ
فَبِهِ يُدْرَكُ الْوُجُوهُ الثَّمَانِ اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَيَقَعُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ،
وَالرَّابِعِ فِي شَوَّالٍ، وَفِي السَّادِسِ، وَالسَّابِعِ، وَالثَّامِنِ
فِي شَعْبَانَ إذَا ظَهَرَ لَك مَا قَرَّرْنَاهُ عَلِمْت عَدَمَ صِحَّةِ
مَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْحَاصِلِ حَيْثُ جَعَلَ الْمَلْغِيَّ
الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَيًّا كَانَا قَبْلَيْنِ أَوْ بَعْدَيْنِ
أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَجَعَلَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَخِيرُ الْمُضَافُ
إلَى الضَّمِيرِ وَغَابَ عَنْهُ أَنَّهُ مُنَابِذٌ لِمَا نَقَلَهُ هُنَا،
وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَهُمْ اغْتَرَّ فَتَابَعَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ
عَلَى ذَلِكَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَالْمِنَّةُ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ
هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ قَدِيمَانِ وَلِلْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ
الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَالْعَلَّامَةِ السُّبْكِيّ فِيهِمَا
كَلَامٌ لَخَّصَهُ الْحَافِظُ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَدْرُ
الدِّينِ الْعَامِرِيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيُّ
كَمَا رَأَيْته فِي مَجْمُوعُهُ بِخَطِّهِ الشَّرِيفِ، وَقَدْ ذَكَرَ
الصُّوَرَ الثَّمَانِيَةَ مُتَشَعِّبَةً مِنْ الشَّطْرِ الْأَخِيرِ
وَرَسَمَ عِنْدَ كُلِّ صُورَةٍ الشَّهْرَ الْمُرَادَ عَلَى طِبْقِ مَا
قَرَّرْته أَوْ لَا خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ قَالَ
نَظْمًا:
هَاكَ مِنِّي جَوَابُ مَا قِيلَ نَظْمًا ... مِنْ سُؤَالٍ يَحُفُّهُ
الْإِتْقَانُ
عَنْ فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ ... قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ
رَمَضَانُ
مُوَضِّحًا مَا أَجَابَ عَنْهُ بِهِ ابْنُ ... الْحَاجِبِ الْحَبْرُ ذُو
التُّقَى عُثْمَانُ
حُكْمُهُ إنْ تَمَحَّضَتْ بَعْدُ فِيهِ ... فِي جُمَادَى الْآخَرَ يُرَى
الْفُرْقَانُ
ثُمَّ ذُو الْحِجَّةِ الْحَرَامُ إذَا مَا ... مُحِّضَت قَبْلُ لِلطَّلَاقِ
زَمَانُ
وَإِذَا مَا جَمَعَتْ ذَيْنَه الْغَ قَبْلًا ... مَعَ بَعْدُ وَمَا بَقِيَ
الْمِيزَانُ
مَعَ قَبْلُ الْمُرَادُ شَوَّالٌ فَاعْلَمْ ... وَمِنْ الْبَعْدِ قَصْدُنَا
شَعْبَانُ
كُلٌّ ذَا حَيْثُ أَلْغَيْت مَا وَهَذَا ... بَسْطُ ذَاكَ الْجَوَابِ
وَالتِّبْيَانِ
وَإِذَا مَا وَصَلْتهَا فَجَمَادُ ... قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ
رَمَضَانُ
ثُمَّ ضِدٌّ بِحَجَّةٍ مَحْضٌ قَبْلُ ... فِيهِ شَوَّالُ عِنْدَهُمْ
أَبَانُ
وَلِضِدِّ شَعْبَانَ ثُمَّ سِوَى ذَا ... عَكْسُ مَا مَرَّ فِي الزَّمَانِ
بَيَانُ
ثُمَّ مَا إنْ وَصَفْتهَا فَكَوَصْلِ ... خُذْ جَوَابًا قَدْ عَمَّهُ
الْإِحْسَانُ
اهـ.
مَا وَجَدْته بِخَطِّهِ وَبَيَانِهِ أَنَّ مَا إمَّا أَنْ تَكُونَ
زَائِدَةً أَوْ مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً
فَالْجَوَابُ مَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ
مَوْصُوفَةً فَفِي قَبْلُ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ يَقَعُ فِي
جُمَادَى الْأُخْرَى لِأَنَّ الَّذِي بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ هُوَ
رَجَبُ فَاَلَّذِي قَبْلَهُ جُمَادَى، وَفِي عَكْسِ هَذِهِ نَحْوُ بَعْدَ
مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ يَقَعُ فِي ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ
الشَّهْرَ الَّذِي قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ هُوَ ذُو الْقَعْدَةِ
فَاَلَّذِي بَعْدَهُ ذُو الْحُجَّةِ، وَفِي مَحْضِ قَبْلُ فِي شَوَّالٍ
لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ ذُو الْقَعْدَةِ كَمَا مَرَّ
فَاَلَّذِي قَبْلَهُ شَوَّالُ، وَفِي عَكْسِهِ فِي شَعْبَانَ لِأَنَّ
الَّذِي بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ هُوَ رَجَبُ فَاَلَّذِي بَعْدَهُ
شَعْبَانُ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ سِوَاهَا الْأُولَى
قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدَهُ الثَّانِيَةُ بَعْدَمَا بَعْدَ قَبْلَهُ
الثَّالِثَةُ قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلَهُ الرَّابِعَةُ بَعْدَمَا قَبْلَ
بَعْدَهُ وَحُكْمُهَا عَكْسُ مَا مَرَّ فِي إلْغَاءِ مَا فَفِي الصُّورَةِ
الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ إذَا كَانَتْ مَا مُلْغَاةً يَقَعُ فِي
شَوَّالَ كَأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ قَبْلٍ بَعْدَهُ رَمَضَانُ فَيُلْغَى
قَبْلُ بِبَعْدِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَذَلِكَ
شَوَّالُ وَإِذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً يَصِيرُ كَأَنَّهُ
قَالَ قَبْلَ شَهْرٍ أَوْ قَبْلَ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَ بَعْدِهِ
رَمَضَانُ فَيُلْغِي قَبْلُ بِبَعْدِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ
بَعْدِهِ رَمَضَانُ هُوَ رَمَضَانُ نَفْسُهُ فَتَكُونُ مَا عِبَارَةٌ
عَنْهُ وَبِإِضَافَةِ قَبْلِ إلَيْهَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِشَهْرٍ
قَبْلَ رَمَضَانَ وَذَلِكَ شَعْبَانُ وَقِسْ عَلَيْهِ الثَّلَاثَةَ
الْبَاقِيَةَ فَمَا يَقَعُ فِي شَعْبَانَ أَوْ فِي شَوَّالٍ مَعَ
إلْغَائِهَا يُعْكَسُ مَعَ عَدَمِهِ وَأَنَا لَمْ أَدْرِ لِمَ اقْتَصَرَ
عُلَمَاؤُنَا عَلَى بَيَانِ أَوْجُهِ الْإِلْغَاءِ مَعَ أَنَّ هَذَا هُوَ
التَّحْقِيقُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا لَا يُخَالِفُ
ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى لَفْظٍ لُغَوِيٍّ وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ بَعْدَ قَبْلِهِ. . . إلَخْ) كَرَمَضَانَ
مَثَلًا فَإِنَّ قَبْلَهُ شَبْعَانُ وَبَعْدَهُ شَوَّالُ فَهُوَ أَيْ
رَمَضَانُ بَعْدَ قَبْلِهِ أَيْ شَعْبَانَ وَقَبْلَ بَعْدِهِ أَيْ
شَوَّالٍ، فَقَوْلُهُ: بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ
الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِعَلَّقَ وَرَمَضَانُ مُبْتَدَأٌ
مُؤَخَّرٌ وَقَبْلُ خَبَرُهُ مُقَدَّمٌ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَهُ وَمَا
مُلْغَاةٌ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى شَهْرٍ،
وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرِ فِي مَحَلِّ جَرِّ صِفَةٍ
لِشَهْرٍ (قَوْلُهُ: وَقَعَ فِي ذِي الْحِجَّةِ) لِأَنَّ قَبْلَهُ ذَا
الْقَعْدَةِ وَقَبْلَ هَذَا الْقَبْلِ شَوَّالٌ وَقَبْلَ قَبْلِ الْقَبْلِ
رَمَضَانُ، وَفِي مَحْضِ بَعْدِ وَقَعَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ لِأَنَّ
بَعْدَهُ رَجَبُ وَبَعْدَ هَذَا الْبَعْدِ شَعْبَانُ وَبَعْدَ بَعْدِ
الْبَعْدِ رَمَضَانُ
(3/318)
الْأَوَّلَيْنِ بَعْدُ أَوْ الْأَوَّلُ
فَقَطْ قَبْلُ أَوْ الْأَوَّلُ فَقَطْ بَعْدُ أَوْ قَبْلُ بَيْنَ
بَعْدَيْنِ أَوْ بَعْدُ بَيْنَ قَبْلَيْنِ وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ
خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ وَمِنْ مَسَائِلِ الظُّرُوفِ الثَّلَاثَةِ مَا
فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ بَابُ الطَّلَاقِ فِي
الْوَقْتِ طَالِقٌ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ ثَلَاثٌ خِلَافُ الْمُعَرَّفِ إذْ
عَمَّ أَجْزَاءَ وَأَفْرَادَ الْمُنَكَّرِ شَبَهَ كُلِّ دَارٍ وَكُلِّ
الدَّارِ كَذَا طَالِقٌ تَطْلِيقَةً مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ وَعَكْسُهَا
الْقِرَانُ الْمُفْرَدُ الْكُلُّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفْرَدَ
فَيُدَيَّنُ لِلتَّخْصِيصِ كَذَا بَعْدَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ، وَقَبْلَهَا
كُلُّ تَطْلِيقَةٍ لِسَبْقِ الْكُلِّ الْفَرْدَ إذْ هُمَا بِالْهَاءِ
وَصْفُ اللَّاحِقِ وَدُونَهُ وَصْفُ السَّابِقِ لِهَذَا كَانَ فَرْدًا
قَبْلَ الدُّخُولِ فِي عَكْسِ الْهَاءِ لِلْعَكْسِ وَتَعَلَّقَ فِي طَالِقٍ
بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى وَتَنْجُزُ فِي قَبْلُ وَقَبْلَهَا وَمَعَهَا إذْ
إضَافَةُ الْوَقْتِ قَلَبَ الْمَشْرُوعَ الْمَقْدُورَ فَلَغَتْ وَبَقِيَ
الذَّاتُ بِلَا قَيْدٍ كَطَالِقٍ طَلَاقًا لَا يَقَعُ إلَّا غَدًا أَوْ
بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ بَائِنًا إذْ غَيْرُ مُحَمَّدٍ يُلْحِقُ الْوَصْفَ
وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ هَكَذَا لَزِمَ فَرْدٌ فِي الْأُولَى مُثَنَّى فِي
الْبَاقِي لِجَهْلِ الزَّائِدِ وَاعْتُبِرَ بِآخِرِ كُلِّ شَهْرٍ إلَّا فِي
قَبْلُ لِلصِّدْقِ بِالْفَرْدِ وَعِشْرُونَ فِي عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ
كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ عِنْدَهُ وَسِتَّةٌ عِنْدَهُمَا
وَأَصْلُهُ تَعْرِيفُ الْجَمْعِ وَأَحَدَ عَشَرَ فِي ضَمِّ الْمُشَارِ
عِنْدَهُ وَأَرْبَعَةٌ عِنْدَهُمَا لِامْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ فِي
الْمُشَارِ حَتَّى لَمْ يَتَعَدَّدْ عَلَيْهَا فِي أَنْت طَالِقٌ مَعَ
كُلِّ زَوْجَةٍ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي الْإِقْرَارِ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فِي جَمِيعِ
الصُّوَرِ أَعْنِي مَعَ وَقَبْلُ وَبَعْدُ إلَّا فِي قَوْلِهِ لَك عَلَيَّ
دِرْهَمٌ قَبْلَ كُلِّ دِرْهَمٍ بِلَا ضَمِيرٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ
دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَمَا فِي التَّحْرِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ فِي
الْإِقْرَارِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ مُطْلَقًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي
الْكُلِّ، وَصَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ
يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ دِرْهَمٍ
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسَائِلِ الظُّرُوفِ
الثَّلَاثِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا
وَلِذَا قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ
بِهَا أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةً إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ
بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْيَمِينُ لِأَنَّ هَذَا
مُنْقَطِعٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ إنْ
دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا
دَخَلَتْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً
قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ إنْ
دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ
الدَّارَ يَقَعُ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا
قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبَعْدَهَا أُخْرَى إنْ دَخَلْت الدَّارَ
اهـ.
(قَوْلُهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً
فَدَخَلَتْ يَقَعُ وَاحِدَةً، وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَثِنْتَانِ)
بِأَنْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِيهِمَا
وَنُسِبَ لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ
أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ
الشَّرْطَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ لَتَعَلَّقَ الْكُلُّ
وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا قَالَ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ مُوجِبَ
هَذَا الْكَلَامِ عِنْدَهُ تَعَلُّقَ الْمُتَأَخِّرِ بِوَاسِطَةِ
الْمُتَقَدِّمِ فَيَنْزِلْنَ كَذَلِكَ فَيَسْبِقُ الْأَوَّلُ فَتَبْطُلُ
مَحَلِّيَّتُهَا، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ تَعَلَّقَ قَبْلَ
الثَّانِي لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ وَتَعَلَّقَ الثَّانِي
بِوَاسِطَتِهِ، وَالثَّالِثُ بِوَاسِطَتِهِمَا فَيَنْزِلُ عَلَى الْوَجْهِ
الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَرَّرَ
الشَّرْطَ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الثَّانِي بِغَيْرِ شَرْطِ الْأَوَّلِ لَيْسَ
بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ كُلًّا جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَتَعَلَّقَ
بِالشَّرْطِ الْوَاحِدِ طَلْقَاتٌ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ
شَيْءٍ فَيَنْزِلْنَ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ
الشَّرْطَ لِأَنَّ تَأَخُّرَهُ مُوجِبٌ لِتَوَقُّفِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ
مُغَيَّرٌ فَتَعَلَّقَ الْكُلُّ بِهِ دُفْعَةً فَيَنْزِلُ دُفْعَةً
وَنُسِبَ إلَيْهِمَا الْقَوْلُ بِأَنَّهَا لِلْمَعِيَّةِ أَخْذًا مِنْ
قَوْلِهِمَا بِوُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ قَالَا
بَعْدَمَا اشْتَرَكَتْ فِي التَّعَلُّقِ بِوَاسِطَةِ أَنْ تَنْزِلَ
دَفْعَةً لِأَنَّ نُزُولَ كُلٍّ حُكْمُ الشَّرْطِ فَتَقْتَرِنُ أَحْكَامُهُ
كَمَا فِي تَعَدُّدِ الشَّرْطِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: قَوْلُهُمَا
أَرْجَحُ وَقَوْلُ الْإِمَامِ تَعَلَّقَ الثَّانِي بِوَاسِطَةِ تَعَلَّقَ
الْأَوَّلُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ عِلَّةُ تَعَلُّقِهِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ
عِلَّتُهُ جَمِيعُ الْوَاوِ إيَّاهُ أَيْ الشَّرْطُ، وَإِنْ أُرِيدَ
كَوْنُهُ سَابِقُ التَّعَلُّقِ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يُفِيدُ كَالْأَيْمَانِ
الْمُتَعَاقِبَةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَوَّلِ عِلَّةٌ
لِتَعَلُّقِ الثَّانِي لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ نُزُولِهِ عِلَّةً لِنُزُولِهِ
إذَا لَا تَلَازُمَ فَجَازَ كَوْنُهُ عِلَّةً لِتَعَلُّقِهِ فَيَتَقَدَّمُ
فِي التَّعَلُّقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَمِنْ مَسَائِلِ الظُّرُوفِ الثَّلَاثَةِ مَا فِي تَلْخِيصِ
الْجَامِعِ. . . إلَخْ) لَمْ أَجِدْهُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي عِنْدِي مِنْ
شَرْحِ الْفَارِسِيِّ.
(قَوْلُهُ: كَالْأَيْمَانِ الْمُتَعَاقِبَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ
تَفْسِيرُهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ بَعْدَ
زَمَانٍ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ يَقَعُ
الْكُلُّ اتِّفَاقًا
(3/319)
وَلَيْسَ نُزُولُهُ عِلَّةً لِنُزُولِهِ
بَلْ إذَا تَعَلَّقَ الثَّانِي بِأَيِّ سَبَبٍ كَأَنْ صَارَ مَعَ
الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقَيْنِ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ نُزُولِ الشَّرْطِ يَنْزِلُ
الْمَشْرُوطُ اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ، وَأَمَّا تَقْرِيرُ الْفُرُوعِ
فَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ
عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلَوْ نَجَّزَهُ حَقِيقَةً لَمْ يَقَعْ الثَّانِيَةُ
بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ كَذَا ذَكَرَ
الشَّارِحُ وَحَاصِلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ
الْجَمْعِ لَا تَصْدُقُ إلَّا فِي ضِمْنِ مَعِيَّةٍ أَوْ تَرْتِيبٍ فَعَلَى
اعْتِبَارِ الْمَعِيَّةِ يَقَعُ الْكُلُّ وَعَلَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ
لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً فَلَا يَقَعُ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ وَهُوَ
أَقْرَبُ مَا وُجِّهَ بِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ قَيَّدَ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ
لَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ وَقَدَّمَ الشَّرْطَ وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا
عَلَى الْأَصَحِّ لِلتَّعْقِيبِ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ
الشَّرْطَ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مُنْجَزَةً وَلَغَا مَا بَعْدَهَا، وَإِنْ
كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا تَعَلَّقَ الْأَخِيرُ وَتَنَجَّزَ مَا قَبْلُهُ،
وَإِنْ تَقَدَّمَ الشَّرْطُ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَتَنَجَّزَ الثَّانِي
فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ الشَّرْطِ بَعْدَ التَّزْوِيجِ الثَّانِي
وَلَغَا الثَّالِثُ، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ
وَنَجَزَ مَا بَعْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ
قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَطْلُقُ
الْمَدْخُولُ بِهَا ثَلَاثًا وَغَيْرُهَا وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ
أَثَرَ التَّرَاخِي يَظْهَرُ فِي التَّعْلِيقِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ سَكَتَ
بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَظْهَرُ فِي الْوُقُوعِ عِنْدَ
نُزُولِ الشَّرْطِ لَا فِي التَّعْلِيقِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُرُوفَ ثَلَاثَةٌ وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ
تَقْدِيمُ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرُهُ فَفِي الْفَاءِ، وَالْوَاوِ يَقَعُ
وَاحِدَةً إنْ قَدَّمَهُ وَاثْنَتَانِ إنْ أَخَّرَهُ، وَفِي ثُمَّ إنْ
قَدَّمَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَتَنَجَّزَ الثَّانِي وَلَغَا
الثَّالِثُ.
وَإِنْ أَخَّرَهُ تَنَجَّزَ الْأَوَّلُ وَلَغَا مَا بَعْدَهُ وَقَيَّدَ
بِحَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ بِغَيْرِ عَطْفٍ أَصْلًا نَحْوُ
إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاحِدَةً
فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَقَعُ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا عِنْدَ وُجُودِ
الشَّرْطِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّشْرِيكَ
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ
إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي
وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ وَسَقَطَ الظِّهَارُ،
وَالْإِيلَاءُ عِنْدَهُ لِسَبْقِ الطَّلَاقِ فَتَبَيَّنَ فَلَا تَبْقَى
مَحَلًّا لِمَا بَعْدَهُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُطَلِّقٌ مُظَاهِرٌ مُوَلٍّ
وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت
طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُك
وَتَزَوَّجَهَا فَعَلَى الْخِلَافِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الظِّهَارَ،
وَالْإِيلَاءَ وَقَعَ الْكُلُّ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا عِنْدَهُمَا
فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِسَبْقِ الْإِيلَاءِ ثُمَّ هِيَ بَعْدَهُ
مَحَلٌّ لِلظِّهَارِ ثُمَّ هِيَ بَعْدَهُمَا مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ
فَتَطْلُقُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ
لِامْرَأَةٍ: يَوْمُ أَتَزَوَّجُكِ فَأَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ
فَتَزَوَّجَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَبَطَلَتْ الثِّنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ
أَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك وَقَعَتْ
الثَّلَاثُ كَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ
تَزَوَّجْتُك كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ لَوْ قَالَ:
ثَلَاثًا لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ
انْحَلَّتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ لِاسْتِئْنَافِ الْكَلَامِ بِخِلَافِ
فَاذْهَبِي يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ لَكِنْ عِنْدَ زُفَرَ بِالشَّرْطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ اح) قَالَ
الرَّمْلِيُّ: هَذَا غَلَطٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا صِحَّةَ لِهَذَا
الْكَلَامِ إلَّا لَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ
طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ طَالِقٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُنْجِزُ
الْأَوَّلَ وَيَتَعَلَّقُ الثَّانِي وَيَلْغُو الثَّالِثُ لِأَنَّ
بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبِقَوْلِهِ ثُمَّ طَالِقٌ
إنْ تَزَوَّجْتُك تَطْلُقُ بِالتَّزَوُّجِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ
الطَّلَاقُ وَلَغَا الثَّالِثُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى التَّزْوِيجِ
فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُرُوفَ
ثَلَاثَةٌ إلَى آخِرِهِ اهـ.
وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ نُسْخَةٍ
سَقِيمَةٍ وَهِيَ وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ
الثَّانِي وَتَنَجَّزَ الْأَوَّلُ فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ الشَّرْطِ
بَعْدَ النُّزُوحِ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا
تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَتَنَجَّزَ مَا بَعْدَهُ وَعَلَى مَا فِي عَامَّةِ
النُّسَخِ لَا اعْتِرَاضَ بَلْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْفَتْحِ،
وَالتَّبْيِينِ، وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِحَرْفِ
الْعَطْفِ. . . إلَخْ) فِي أَيْمَانِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الثَّالِثِ فِي
يَمِينِ الطَّلَاقِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ
وَهِيَ غَيْرُ مَلْمُوسَةٍ فَالْأَوَّلُ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ،
وَالثَّانِي يَنْزِلُ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو الثَّالِثُ، وَإِنْ
تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ الدَّارَ نَزَلَ الْمُعَلَّقُ وَلَوْ دَخَلَ بَعْدَ
الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ انْحَلَّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ،
وَلَوْ مَوْطُوءَةٍ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَنَزَلَ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ
فِي الْحَالِ اهـ.
وَهَذَا كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ الْفَتْحِ إلَّا
أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ طَالِقٍ طَالِقٍ
وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ فَاذْهَبِي يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ)
لِأَنَّ ذِكْرَهُ بِفَاءِ الْعَطْفِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَهُ بِمَا سَبَقَ
فَصَارَ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ
بِالْفَاءِ لَكِنَّ انْحِلَالَ الْيَمِينِ الْأُولَى فِي مَسْأَلَتِنَا
عِنْدَ زُفَرَ بِشَرْطِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ كَلَّمْتُك
لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ مُطْلَقُ الْكَلَامِ، وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ
كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْجَزَاءِ
فَيُصَادِفُهَا الْجَزَاءُ وَهِيَ مُبَانَةٌ لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا
تَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ
بِالْجَزَاءِ فَانْعَقَدَتْ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ
الشَّرْطِيَّةَ وَاحِدَةٌ، وَالْمُتَعَارَفُ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ
بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَكُونُ
تَامًّا وَنَاقِصًا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّاقِصِ عُلِمَ أَنَّهُ
الْمُرَادُ، وَإِنْ جَاوَزَهُ إلَى التَّامِّ عُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ
وَعَلَى اخْتِيَارِ ابْنِ الْفَضْلِ
(3/320)
كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ فَعَلْت الثَّانِيَةَ وَعِنْدَنَا بِالْجَزَاءِ
فَانْعَقَدَتْ إذْ الْجُمْلَةُ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا نَزَلَ اثْنَانِ عَلَى
الْمَدْخُولَةِ بِتَكْرِيرِ كُلَّمَا كَلَّمَك فَأَنْتِ طَالِقٌ
وَانْحَلَّتْ بِالثَّانِيَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ وَلَغَتْ هِيَ بِعَدَمِ
الْمِلْكِ، وَفِي إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ
الثَّانِيَةُ إلَّا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ
الشَّرْطُ إدْخَالُهَا فِي الْجَزَاءِ كَذَا فِي تَعْلِيق طَلَاقهَا
وَمَدْخُولَة بِالْحَلِفِ بِطَلَاقِهِمَا إنَّمَا تَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ
بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ الثَّالِثَةُ
أَنْعَقَدَتْ عَلَى الْمَدْخُولَةِ حَسْبُ فَكَانَتْ الثَّالِثَةُ شَطْرَ
الشَّرْطِ وَذَا فِي حَقِّ الثَّالِثَةِ شَطْرٌ أَيْضًا فَلَا تَنْحَلُّ
مَا لَمْ يَحْلِفْ بِطَلَاقِ الْمَدْخُولَةِ وَهِيَ الْبَرْدَعِيَّةُ اهـ.
يَعْنِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُلَقَّبُ بِالْبَرْدَعِيَّةِ لِأَنَّ
أَبَا سَعِيدٍ البرادعي بَعْدَمَا تَفَقَّهَ وَدَرَسَ سُئِلَ عَنْهَا
فَلَمْ يَهْتَدِ إلَى جَوَابِهَا فَارْتَحَلَ إلَى بَغْدَادَ وَتَعَلَّمَ
سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى صَارَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَقُيِّدَ بِغَيْرِ
الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّ فِيهَا يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَهُ
أَوْ أَخَّرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا:
أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ
وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَثَلَاثًا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لِأَنَّ قَوْلَهُ
أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِلتَّنْجِيزِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ
ثَلَاثًا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ، وَالرُّجُوعِ عَنْ
إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَصِلُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ آخِرًا
بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ وَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ
عَنْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ: إنْ دَخَلْت
الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثَلَاثًا لَمْ تَطْلُقْ
حَتَّى تَدْخُلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ ثَلَاثًا غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ
تَامٌّ بِنَفْسِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ تَنْجِيزًا فَصَارَ
تَعْلِيقًا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ،
وَالْمَآبُ.
(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)
قَدَّمَ الصَّرِيحَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ إذْ هُوَ
مَوْضُوعٌ لِلْأَفْهَامِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَنَى
يَكْنُو إذَا سَتَرَ وَذَكَرَ الرَّضِيُّ أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ،
وَالِاصْطِلَاحِ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَفْظًا كَانَ أَوْ
مَعْنًى بِلَفْظٍ غَيْرِ صَرِيحٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إمَّا
لِلْإِبْهَامِ عَلَى بَعْضِ السَّامِعِينَ كَقَوْلِك جَاءَنِي فُلَانٌ
وَأَنْتَ تُرِيدُ زَيْدًا وَقَالَ فُلَانٌ كَيْتَ وَكَيْتَ إبْهَامًا عَلَى
بَعْضِ مَنْ يَسْمَعُ أَوْ لِشَنَاعَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ كَهُنَّ فِي
الْفَرْجِ أَوْ لِلِاخْتِصَارِ كَالضَّمَائِرِ أَوْ لِنَوْعٍ مِنْ
الْفَصَاحَةِ كَقَوْلِك فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ وَكَثِيرُ الْقِرَى
أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ اهـ.
وَفِي عِلْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
لَا يَحْنَثُ لَوْ اقْتَصَرَ وَبِهِ يَنْدَفِعُ اسْتِشْهَادُ زُفَرَ
وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً لَنَزَلَ طَلْقَتَانِ
عَلَى الْمَدْخُولَةِ بِتَكْرِيرِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ
لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَانِيًا كُلَّمَا طَلَّقْتُك مُخَاطَبَةٌ لَهَا
وَكَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ خِطَابٌ ثَانٍ.
فَإِذَا ثَبَتَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ انْحَلَّتْ بِوُجُودِ
الثَّالِثَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يُصَادِفُهَا وَهِيَ
مُبَانَةٌ فَتَلْغُوا الثَّالِثَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَقَالَ أَبُو
مُطِيعٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخَ: لَا يَنْحَلُّ مِنْهَا شَيْءٌ
إلَّا بِكَلَامٍ مُبْتَدَأٍ وَإِلَيْهِ سَبَقَ وَهْمُ أَبِي حَنِيفَةَ
حِينَ سَأَلَهُ مُحَمَّدٌ فِي صِغَرِهِ عَمَّنْ قَالَ ثَلَاثًا وَاَللَّهِ
لَا أُكَلِّمُك وَقَالَ يَا شَيْخُ اُنْظُرْ حَسَنًا فَقَالَ حَنِثَ
مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحْسَنْت وَقَوْلُهُ: وَفِي إنْ حَلَفْت.
. . إلَخْ أَيْ، وَفِيمَا لَوْ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِغَيْرِ
الْمَدْخُولَةِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَنْحَلُّ
الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ إلَّا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ بِأَنْ
يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ يَتَعَلَّقُ بَعْدَ مِلْكِ
النِّكَاحِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت
طَالِقٌ لِأَنَّ شَرْطَ الِانْحِلَالِ هُنَا هُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا
وَذَلِكَ بِإِدْخَالِهَا فِي جَزَاءِ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ
الطَّلَاقُ وَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا فِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَ
وُجُودِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْكَلَامُ
يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَعْلِيقِ
الرَّجُلِ طَلَاقَ امْرَأَتَيْهِ الْمَدْخُولِ بِهَا غَيْرَ الْمَدْخُولِ
بِهَا بِالْحَلِفِ بِطَلَاقَيْهِمَا بِأَنْ قَالَ لَهُمَا ثَلَاثًا: إنْ
حَلَفْت بِطَلَاقَيْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ إنَّمَا تَنْحَلُّ
الثَّانِيَةُ فِي حَقِّهِمَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ
بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْيَمِينَ
الثَّالِثَةَ الَّتِي هِيَ شَرْطُ انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا
انْعَقَدَ عَلَى الْمَدْخُولَةِ خَاصَّةً لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي انْحِلَالِ
الثَّانِيَةِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا وَذَلِكَ بِإِدْخَالِهِمَا فِي
جَزَاءِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُمْكِنْ إدْخَالُ غَيْرِ
الْمَدْخُولَةِ فِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا مَرَّ فَكَانَتْ
الثَّالِثَةُ فِي حَقِّ انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ شَطْرَ الشَّرْطِ لَا
كُلَّهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي انْحِلَالِ شَيْءٍ فَإِذَا عَلَّقَ بَعْدَهُ
طَلَاقَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدُ بِشَرْطٍ آخَرَ
كَمُلَ الشَّرْطُ فَتَطْلُقُ كُلَّ طَلْقَةٍ أُخْرَى مَعَ الَّتِي وَقَعَتْ
بِانْحِلَالِ الْيَمِينِ الْأُولَى.
وَقَوْلُهُ: وَذَا إشَارَةٌ إلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ
بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ شَطْرٌ
أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الِانْحِلَالِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّ
الثَّالِثَةَ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً إلَّا أَنَّ شَرْطَ
وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا الْحَلِفُ بِطَلَاقَيْهِمَا وَقَدْ وُجِدَ
الْحَلِفُ بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ بَقِيَ لِتَمَامِ شَرْطِ
انْحِلَالِ الثَّالِثَةِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولَةِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا
فَلَا تَنْحَلُّ مَا لَمْ يَحْلِفْ بِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِأَنْ
يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ
ثَالِثَةً وَبِهَذَا أَعْنِي الْحَلِفَ بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ
وُجِدَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَيْهِمَا وَتَمَامُ
شَرْطِ انْحِلَالِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَشَطْرُ شَرْطِ الْحِنْثِ فِي
الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا. |