البحر
الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي [بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ]
(قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مِمَّا تَمَحَّضَ لِلْجَوَابِ) الضَّمِيرُ
عَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِ اخْتَارِي
(3/335)
قَضَاءً لَا يَسَعُهَا الْإِقَامَةُ مَعَهُ
إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ لِأَنَّهَا كَالْقَاضِي وَإِنَّمَا تَرَكَ
ذِكْرَ الدَّلَالَةِ هُنَا لِلْعِلْمِ مِمَّا قَدَّمَهُ أَوَّلَ
الْكِنَايَاتِ وَأَرَادَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ نِيَّةَ تَفْوِيضِهِ
وَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا لَوْ قَامَتْ عَنْهُ أَوْ أَخَذَتْ فِي
عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ خِيَارُهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَأَفَادَ بِذِكْرِ
مَجْلِسِهَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَجْلِسِهِ فَلَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ
قَامَ هُوَ لَمْ يَبْطُلْ بِخِلَافِ قِيَامِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ
وَأَشَارَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ إلَى أَنَّهُ لَوْ زَادَ
مَتَى شِئْت فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَهُوَ لَهَا فِيهِ
وَبَعْدَهُ وَبِخِطَابِهَا إلَى أَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ
اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهَا، وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت لَهَا أَنْ
تُطَلِّقَ نَفْسَهَا الْيَوْمَ اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهَا فِي هَذَا
الْيَوْمِ فَلَوْ مَضَى الْيَوْمُ ثُمَّ عَلِمَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ
يَدِهَا وَكَذَا كُلُّ وَقْتٍ قَيَّدَ التَّفْوِيضَ بِهِ وَهِيَ غَائِبَةٌ
وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى انْقَضَى بَطَلَ خِيَارُهَا، وَلَوْ قَالَ
الزَّوْجُ عَلِمْت فِي مَجْلِسِ الْقَوْلِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ
فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ
قَالَ لَهَا: اخْتَارِي رَأْسَ الشَّهْرِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي
اللَّيْلَةِ الْأُولَى، وَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ، وَلَوْ
قَالَ: اخْتَارِي إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ فَلَهَا
الْخِيَارُ سَاعَةَ يَقْدَمُ أَوْ أَهَلَّ الْهِلَالُ فِي الْمَجْلِسِ،
وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي الْيَوْمَ وَاخْتَارِي غَدًا فَهُمَا خِيَارَانِ،
وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ وَغَدٍ فَهُوَ خِيَارٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي
الْمُحِيطِ أَيْضًا.
وَأَشَارَ بِعَدَمِ ذِكْرِ قَبُولِهَا إلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَتِمُّ
بِالْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ فَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ لَمْ
يَصِحَّ وَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كَوْنِهِ بِمَعْنَى
الْيَمِينِ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا نَفْسِهَا
فَخِلَافُ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُ اعْتِبَارُ مُمْكِنٍ فِي سَائِرِ
الْوَكَالَاتِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى إذَا بِعْته فَقَدْ أَجْزَأْته
فَكَانَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهَا مَعَ أَنَّهُ
صَحِيحٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا
الِاعْتِبَارَ لَا يُمْكِنُ فِي الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ
تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ
بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَكَانَ سَهْوًا، وَالْحَقُّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ،
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى
التَّعْلِيقِ فَلِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ
وَلِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا بَقِيَ إلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ وَلَمْ
يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ عَمَلًا بِشَبَهَيْهِ، وَفِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا قِيلَ هُوَ وَكَالَةٌ
يَمْلِكُ عَزْلَهَا وَإِلَّا صَحَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ اهـ.
وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ بِهِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ
الِاسْتِخْلَاصِ، وَالصَّفَا مِنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَهُوَ
بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا لَمْ تَحْصُلْ فَائِدَةُ التَّخْيِيرِ إذْ كَانَ
لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ وَقَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ
عَلَى التَّخْيِيرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي
الطَّلَاقَ فَقَالَتْ اخْتَرْت الطَّلَاقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ
لِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ خَيَّرَهَا بَيْنَ نَفْسِهَا
بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ رَجْعِيَّةٍ وَبَيْنَ تَرْكِ التَّطْلِيقَةِ
وَكَذَا فِي قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ
مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ اخْتَارِي
تَطْلِيقَةً أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ، وَالْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ فَاخْتَارَتْ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا فَلَوْ اخْتَارَتْ
زَوْجَهَا لَمْ يَقَعْ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَوْ قَالَتْ
اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي يَقَعُ، وَلَوْ قَالَتْ زَوْجِي لَا
بَلْ نَفْسِي لَا يَقَعُ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَلَوْ عَطَفَتْ
بِأَوْ فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ زَوْجِي لَا يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ
بِالْوَاوِ فَالِاعْتِبَارُ لِلْمُقَدَّمِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ.
وَلَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ جَعَلَ لَهَا شَيْئًا لِتَخْتَارَهُ
فَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَقَعْ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ
كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ
إجَازَةِ الطَّلَاقِ لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فَأَجَازَ طَلُقَتْ
اعْتِبَارًا بِالْإِنْشَاءِ كَذَا أَبَنْت إذَا نَوَيَا، وَلَوْ ثَلَاثًا
بِخِلَافِ الْأَوَّلِ كَذَا حَرُمَتْ وَبِدُونِ النِّيَّةِ إيلَاءٌ
لِأَنَّهُ يَمِينٌ، وَفِي اخْتَرْت لَا يَقَعُ إذْ لَا وَضْعَ أَصْلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فَرْقٌ مَا بَيْنَ الضِّمْنِيِّ،
وَالْقَصْدِيِّ، وَقَدْ أَجَازُوا الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ ضِمْنًا
وَمَنَعُوهُ قَصْدًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ
زَوْجِي يَقَعُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ أَنَّهُ
لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ سَهْوٌ اهـ.
وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ:
بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ قَوْلُهَا طَلَّقْت لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فَلَمْ
تُشْتَرَطْ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَمْ تَصِحَّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ
وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: حَرَّمْت عَلَيْك نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت
كَانَ كَمَا فِي أَبَّنْت لِكَوْنِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَكِنْ هُنَا
بِدُونِ نِيَّةِ الزَّوْجِ يَكُونُ إيلَاءً، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَجَزْت
هُنَا بِمَنْزِلَةِ حَرَّمْت وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ يَمِينٌ بِالنَّصِّ،
وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي مِنْك فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت
وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْتُ لَمْ
يُوضَعْ لِلطَّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَلَا عُرِفَ إيقَاعُ
الطَّلَاقِ بِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ وَكَذَا
لَوْ قَالَتْ قَدْ جَعَلْت الْخِيَارَ إلَيَّ أَوْ قَدْ جَعَلْت أَمْرِي
بِيَدِي فَطَلَّقْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت مِنْ حَيْثُ إنَّهُ
لَا يَقَعُ شَيْءٌ لَكِنْ يَصِيرُ الْخِيَارُ، وَالْأَمْرُ بِيَدِهَا إذَا
نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا
فَطَلَّقْت نَفْسِي إذَا أَجَازَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الْفَاءَ
لِلتَّفْسِيرِ، وَالطَّلَاقُ يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلتَّفْوِيضِ،
وَالْعِبْرَةُ فِي التَّفْسِيرِ لِلْمُفَسَّرِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ
الْأَمْرُ فَكَانَتْ مُطَلَّقَةً قَبْلَ صَيْرُورَةِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا
فَيَلْغُوَا لِفَقْدِ التَّمْلِيكِ سَابِقًا عَلَى التَّطْلِيقِ بِخِلَافِ
الْوَاوِ لِأَنَّهَا لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلتَّفْسِيرِ فَكَانَتْ آتِيَةً
بِأَمْرَيْنِ يَمْلِكُ الزَّوْجُ إنْشَاءَهُمَا وَهُمَا التَّفْوِيضُ،
وَالطَّلَاقُ فَإِذَا قَالَ: أَجَزْت جَازَ الْأَمْرَانِ فَتَطْلُقُ
رَجْعِيَّةً وَتَتَخَيَّرُ فِي إيقَاعِ أُخْرَى بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ
الَّذِي أَجَازَهُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهَا اخْتَرْت إذَا
أَجَازَهُ الزَّوْجُ حَيْثُ
(3/336)
وَلَا عُرْفَ إلَّا جَوَابًا كَذَا جَعَلْت
الْخِيَارَ إلَيَّ أَوْ أَمْرِي بِيَدِي فَطَلَّقَتْ لِأَنَّ الْفَاءَ
لِلتَّفْسِيرِ فَاعْتُبِرَ الْمُفَسِّرُ وَلَغَا لِفَقْدِ التَّمْلِيكِ
سَابِقًا بِخِلَافِ الْوَاوِ لِأَنَّهُ لِلِابْتِدَاءِ فَتَقَعَ
رَجْعِيَّةً وَتَتَخَيَّرُ إذْ يُوقِفُ مَالَهُ إنْشَاؤُهُ وَهُوَ
التَّخْيِيرُ دُونَ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ
عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِلتَّعْلِيقِ بِهَا فَاعْتُبِرَ الْمَجْلِسُ
بَعْدَهَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ قَبْلَهَا فِي تَعْلِيقِ
الْفُضُولِيِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ
فَاعْتُبِرَ سَبَبًا حَالَ الْعَقْدِ كَذَا جَعَلْت أَمْسِ أَمْرِي
بِيَدِي، وَفِي قُلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي الْيَوْمَ لَا خِيَارَ لَهَا
لِأَنَّ الْوَقْتَ ثَمَّ لِلْجَعْلِ، وَالْمَجْلِسَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ
وَهُنَاكَ لِلْأَمْرِ فَانْتَهَى بِمُضِيِّهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ تَصِحَّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا
يُفِيدُ الْخُلُوصَ، وَالصَّفَا فَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ،
وَالْبَيْنُونَةُ ثَبَتَتْ فِيهِ مُقْتَضًى فَلَا يَعُمُّ بِخِلَافِ أَنْتِ
بَائِنٌ وَنَحْوِهِ لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ
قَيَّدَ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ فِي
الْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِينَ إنَّ
الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى
الْأَصْلِ مُنْتَفٍ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ بِوُقُوعِ
الثَّلَاثِ قَوْلًا بِكَمَالِ الِاسْتِخْلَاصِ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ فِي
الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْوَاحِدَةِ
وَسَيَأْتِي مَا إذَا أَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ،
وَالِاخْتِيَارِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ التَّخْيِيرِ غَيْرَ مَقْرُونٍ
بِعَدَدٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ
اخْتَرْت يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الثَّلَاثِ دَلِيلُ
إرَادَةِ اخْتِيَارِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَعَدَّدُ
وَقَوْلُهَا اخْتَرْت يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ فَإِنْ
كَرَّرَ التَّخْيِيرَ بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي وَنَوَى
بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الطَّلَاقَ فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ
ثِنْتَانِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَخْيِيرٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ
وَقَوْلُهَا اخْتَرْت جَوَابًا لَهُمَا، وَالْوَاقِعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا
طَلَاقٌ بَائِنٌ وَكَذَا إذَا ذُكِرَ الثَّانِي بِحَرْفِ الْوَاوِ أَوْ
الْفَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ
اخْتَرْت الْأُولَى إلَى آخِرِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ
خِيَارُهَا) لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا فَيَبْطُلُ بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ
حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَطْلَقَ الْقِيَامَ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَامَهَا
الزَّوْجُ قَهْرًا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّهُ
يُمَكِّنُهَا مِمَّا نَعَتَهُ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ الْمُبَادَرَةِ
حِينَئِذٍ إلَى اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا فَعَدَمُ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى
الْإِعْرَاضِ كَمَا إذَا جَامَعَهَا مُكْرَهَةً فِي مَجْلِسِهَا كَمَا فِي
الْخُلَاصَةِ وَأَرَادَ بِالْعَمَلِ الْآخَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى
الْإِعْرَاضِ لَا مُطْلَقِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا فَلَبِسَتْ
ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِأَنَّ اللُّبْسَ قَدْ
يَكُونُ لِتَدْعُوَ الشُّهُودَ، وَالْعَطَشَ قَدْ يَكُونُ شَدِيدًا
يَمْنَعُ مِنْ التَّأَمُّلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ
لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا مَا يَكُونُ لَهُ إنْشَاؤُهُ
وَهُوَ التَّخْيِيرُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا دُونَ مَا لَيْسَ لَهُ
إنْشَاؤُهُ كَالِاخْتِيَارِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَسْتَنِدْ. . . إلَخْ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَا
قَالَتْ فَطَلَّقْت بِالْفَاءِ، وَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت صَارَ الْأَمْرُ
بِيَدِهَا مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْجَعْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا طَلُقَتْ
بَعْدَمَا صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَعْلَ لَمْ يَسْتَنِدْ بِالْإِجَازَةِ لِعَدَمِ
قَبُولِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَالِكِيَّةِ التَّصَرُّفِ،
وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَاضِي مُحَالٌ فَكَذَا مَالِكِيَّتُهُ فَكَانَ
قَوْلُهَا سَبَبًا لِمَالِكِيَّتِهَا أَمْرَهَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَا
قَبْلَهَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فُضُولِيٌّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى
الْإِجَازَةِ مُطْلَقًا وَيَنْفُذُ عِنْدَهَا لِتَعَلُّقِ النَّفَاذِ بِهَا
وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْأَمْرِ
مِنْ يَدِهَا بَعْدَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ
قَامَتْ بَعْدَ الْجَعْلِ قَبْلَ إجَازَةِ الزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ وَكَذَا
لَا يُعْتَدُّ بِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي
تَعْلِيقِ الْفُضُولِيِّ طَلَاقَ امْرَأَةٍ بِدُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ
ثُمَّ أَجَازَ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَا
قَبْلَهَا وَلَا بُدَّ لِلطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ مِنْ وُجُودِ شَرْطٍ
مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ
لَمَّا لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَ سَبَبًا حَالَ صُدُورِ
عَقْدِ الْفُضُولِيِّ حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ يَثْبُتُ
الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ
الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ، وَالْمُنْفَصِلَةَ.
وَقَوْلُهُ: كَذَا. . . إلَخْ أَيْ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ:
جَعَلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت لَا يَقَعُ،
وَإِنْ زَادَتْ وَاخْتَرْت نَفْسِي لَكِنْ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ إذْ
نَوَى الطَّلَاقَ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ قُلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي
الْيَوْمَ كُلَّهُ فَقَالَ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَا خِيَارَ لَهَا،
وَالْفَرْقُ أَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ وَهُوَ أَمْسِ فِي الْأُولَى لِبَيَانِ
وَقْتِ الْجَعْلِ لَا لِتَوْقِيتِ جَعْلِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا فَبَقِيَ
الْجَعْلُ مُطْلَقًا فَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ فَكَانَ
اعْتِبَارُ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا
قَبْلَهُ أَمَّا هُنَا الْوَقْتُ لِتَوْقِيتِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ
فَيَنْتَهِي بِمُضِيِّ وَقْتِهِ لِأَنَّ قَوْلَهَا قُلْت أَمْسِ. إلَخْ
بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ كُلَّهُ فَلَمْ يَكُنْ
الْأَمْرُ بِالْيَدِ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِجَازَةِ بِصِفَةِ التَّوَقُّفِ
فَلَغَتْ الْإِجَازَةُ لِفَقْدِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ
مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: فَلَبِسَتْ ثَوْبًا) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَهُ فِي
النَّهْرِ بِكَوْنِهَا قَاعِدَةً وَهَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ
الرَّمْلِيُّ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا لَبِسَتْهُ قَائِمَةً يَبْطُلُ،
وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْقِيَامَ بِانْفِرَادِهِ مُبْطِلٌ
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ حُكْمُ اللُّبْسِ فَقَطْ فَلَا
مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ أَوَلَبِسَتْ ثِيَابًا مِنْ غَيْرِ
أَنْ تَقُومَ اهـ.
قُلْت الْإِشْكَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ، وَالْأَصَحُّ
خِلَافُهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي
الْجَوْهَرَةِ الْمُرَادُ بِهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ
وَكَذَلِكَ إذَا لَبِسَتْ ثِيَابَهَا مِنْ غَيْرِ قِيَامِهَا عَنْ
الْمَجْلِسِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا.
(3/337)
وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلِ
الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهِ كَحُكْمِهِ وَدَخَلَ فِي
الْعَمَلِ الْكَلَامُ الْأَجْنَبِيُّ فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ
وَقَيَّدَ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّ الصَّرْفَ، وَالسَّلَمَ لَا يَبْطُلَانِ
بِالْإِعْرَاضِ بَلْ بِالِافْتِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ، وَالْإِيجَابُ فِي
الْبَيْعِ يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ الْقَائِلِ
وَأَفَادَ بِعِطْفِهِ الْأَخْذَ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْقِيَامِ أَنَّهُ
يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَمَلٌ آخَرُ لِأَنَّهُ
دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَهَكَذَا بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ الْبَعْضِ،
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى
الْإِعْرَاضِ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ لِتَدْعُوَ
شُهُودًا وَتَحَوَّلَتْ مِنْ مَكَانِهَا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ
بَطَلَ خِيَارُهَا عِنْدَ الْبَعْضِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِعَدَمِ الْإِعْرَاضِ وَأَمَّا إذَا لَمْ
تَتَحَوَّلْ لَا يَبْطُلُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ التَّخْيِيرِ
مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَقَّتًا كَمَا إذَا قَالَ: اخْتَارِي
نَفْسَك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا
أَنْ تَخْتَارَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا سَوَاءٌ أَعْرَضَتْ عَنْ
ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ لَا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَسَيَأْتِي
تَمَامُهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ.
(قَوْلُهُ: وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِ
كَلَامَيْهِمَا شَرْطٌ) فَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ
نَفْسِي أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْتُ وَقَعَ
فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ فِي كَلَامَيْهِمَا فَبِالْأَوْلَى وَإِذَا
خَلَتْ عَنْ كَلَامَيْهِمَا لَمْ يَقَعْ، وَالِاخْتِيَارَةُ كَالنَّفْسِ
وَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ بَلْ كُلُّ
لَفْظٍ قَامَ مَقَامَهُمَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ لِأَنَّ
الِاخْتِيَارَ مُبْهَمٌ، وَإِنْ كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ
الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا هُوَ بِالنَّفْسِ
لِأَنَّهُ عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِهِمْ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ
جَانِبٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ وَأَمَّا
خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ فَدَخَلَ فِيهِ
ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ وَتَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي وَقَوْلُهَا
أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ بِخِلَافِ
اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ
وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ
إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَهَا أَخٌ فَقَالَتْ اخْتَرْت أَخِي يَنْبَغِي
أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ
إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي
الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي أَهْلَك أَوْ الْأَزْوَاجَ
فَاخْتَارَتْهُمْ وَقَعَ اسْتِحْسَانًا وَكَذَا أَبَاك وَأُمَّك أَوْ
زَوْجَك وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ
فَخَيَّرَهَا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي قَوْمَك أَوْ ذَا رَحِمٍ
مَحْرَمٍ مِنْك لَا يَقَعُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ جَعَلَ
مُحَمَّدٌ الْأَهْلَ اسْمًا لِلْأَبَوَيْنِ، وَالْقَوْمَ اسْمًا لِسَائِرِ
الْأَقَارِبِ وَقَوْلُهُ: حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَرْبَابِ
اللُّغَةِ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ثَمَانِيَةُ
أَلْفَاظٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْعَدَدَ فِي كَلَامِهِ
مُفَسَّرٌ فَهِيَ تِسْعٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا
إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نِيَّةِ الْمُفَسَّرِ مِنْ الِاتِّصَالِ فَلَوْ
كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَتْ فِي
الْمَجْلِسِ عَنَيْت نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي
الْمَجْلِسِ تَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ، وَفِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ
هَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا
فَإِنْ صَدَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا، وَإِنْ خَلَا
كَلَامُهُمَا عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّصَادُقَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ مُعْتَبَرٌ، وَفِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ الْإِيقَاعُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ
فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فِيهِ وَلَوْلَا هَذَا لَأَمْكَنَ
الِاكْتِفَاءُ بِتَفْسِيرِ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ دُونَ
الْمَقَالِيَّةِ بَعْدَ أَنْ نَوَى الزَّوْجُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ
وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ
النِّيَّةِ مَعَ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَصْلًا كاسقني وَبِهَذَا بَطَلَ
اكْتِفَاءُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْقَرِينَةِ
عِنْدَ ذِكْرِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ اهـ.
وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مِنْ
الِاكْتِفَاءِ بِالتَّصَادُقِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ
نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي تَطْلُقُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ أَيْ
تَبَيَّنَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ قَوْلُهَا اخْتَرْت
نَفْسِي، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَفَادَهَا بِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ
كَلَامَيْهِمَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمَاضِي،
وَالْمُضَارِعِ فِي جَوَابِهَا الْمُقَيَّدِ بِالنَّفْسِ لِيُشِيرَ إلَى
أَنَّ لَفْظَ أَنَا مَعَ الْمُضَارِعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ
بِالْمُضَارِعِ، وَإِنْ كَانَ لِلْوَعْدِ لِقِصَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَتَكْرَارُ لَفْظِ اخْتَارِي) كَوْنُ التَّكْرَارِ مُفَسِّرًا
لِإِرَادَةِ الطَّلَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ
النِّيَّةَ أَمَّا مَنْ اشْتَرَطَهَا لَا يَجْعَلُ التَّكْرَارَ مُفَسِّرًا
لِلْمُرَادِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِهِ عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ،
وَالْإِلْزَامُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الِاخْتِيَارِ مُبْهَمًا بِلَا
مُفَسِّرٍ لَفْظِيٍّ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ
تَحْقِيقِهِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ)
قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي النَّهْرِ وَذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ مَا
ذَكَرَهُ فِي التَّاجِيَّةِ بِقِيلَ، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ
الْحَقُّ اهـ.
وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ حَيْثُ قَالَ وَأَنْتَ
خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ عَلَى أَنَّهَا
نَوَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ كَانَ اللَّفْظُ صَالِحًا لِلْإِيقَاعِ
فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْكَمَالِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ تَصَادَقَا
عَلَى الطَّلَاقِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَى أَنَّ لَفْظَ أَنَا. . . إلَخْ) اُنْظُرْ مَا
الْمُعَلَّلُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ.
(3/338)
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
حَيْثُ أَجَابَتْ بِقَوْلِهَا أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاكْتَفَى
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَلِكَوْنِ
الْمُضَارِعِ عِنْدَنَا مَوْضُوعًا لِلْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالُ فِيهِ
احْتِمَالٌ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ
فَكَانَ لِلتَّحْقِيقِ دُونَ الْوَعْدِ وَعَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ
مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَقَدْ وُجِدَ هُنَا قَرِينَةٌ تُرَجِّحُ أَحَدَ
مَفْهُومَيْهِ وَهُوَ إمْكَانُ كَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ أَمْرٍ قَائِمٍ فِي
الْحَالِ لِكَوْنِ مَحَلِّهِ الْقَلْبَ فَيَصِحُّ الْإِخْبَارُ
بِاللِّسَانِ عَمَّا هُوَ قَائِمٌ بِمَحَلٍّ آخَرَ حَالَ الْإِخْبَارِ
قَيَّدَ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ
أَنَا أُطَلِّقُ لَا يَقَعُ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ رَقَبَتَك فَقَالَ: أَنَا أَعْتِقُ
لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقٍ
قَائِمٍ أَمْ عِتْقٍ قَائِمٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ بِاللِّسَانِ
فَلَوْ جَازَ قَامَ بِهِ الْأَمْرَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ،
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا بِنَاءٍ عَلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا
يَكُونُ بِنَفْسِ أَطْلَقَ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُفَ فِيهِ وَقَدَّمْنَا
أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ جَازَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ هُنَا
لَوْ تُعُورِفَ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ اهـ.
وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ الْكَافِي، وَالظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَا
وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي أَنَا طَالِقٌ بِإِرَادَةِ الْحَالِ
اهـ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ إلَّا إذَا نَوَى إنْشَاءَ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ
يَقَعُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُهُ
شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَأَنَا
أَحُجُّ كَانَ نَذْرًا لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَابِ التَّعَالِيقِ
تَصِيرُ لَازِمَةً وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ لَوْ قَالَ:
الذَّهَبُ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ أَوْ أُسَلِّمُهُ
أَوْ أَقْبِضُهُ مِنِّي لَا يَكُونُ كَفَالَةً مَا لَمْ يَقُلْ لَفْظًا
يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَضَمِنْتُ أَوْ كَفَلْت أَوْ عَلَيَّ أَوْ
إلَيَّ وَهَذَا إذَا ذَكَرَهُ مُنْجَزًا أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا
بِأَنْ قَالَ إنْ لَمْ يُؤَدِّهِ فُلَانٌ فَأَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك أَوْ
نَحْوَهُ يَكُونُ كَفَالَةً لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَابِ
صُوَرِ التَّعَالِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَحُجُّ
لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ عَلَّقَ وَقَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ
فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَتْ لَهُ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا
يَكُونُ جَوَابًا، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي كَانَ
جَائِزًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ
اخْتَرْتُ الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ وَقَعَ الثَّلَاثُ
بِلَا نِيَّةٍ) لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ
الطَّلَاقِ وَهُوَ التَّعَدُّدُ وَهُوَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّلَاقِ
لَا بِاخْتِيَارِ الزَّوْجِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْوُقُوعِ
بِهِ قَضَاءً بِدُونِ النِّيَّةِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَقَعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ
تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْعَتَّابِيِّ
إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَذَهَبَ قَاضِي خَانْ وَأَبُو
الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ إلَى اشْتِرَاطِهَا وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ بِأَنَّ تَكْرَارَ أَمْرِهِ بِالِاخْتِيَارِ لَا يَصِيرُ
ظَاهِرًا فِي الطَّلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ اخْتَارِي فِي الْمَالِ
وَاخْتَارِي فِي الْمَسْكَنِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ كَاعْتَدِّي إذَا
كَرَّرَهُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَحْصُورَ بِالثَّلَاثِ هُوَ
الطَّلَاقُ لَا أَمْرٌ آخَرُ كَذَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ وَيُرَدُّ
عَلَيْهِ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي مَرَّتَيْنِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَقَعُ
بِلَا نِيَّةٍ وَلَا حَصْرٍ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ،
وَالْعُدَدِ خَاصٌّ بِالطَّلَاقِ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ،
وَالنِّيَّةِ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي أَصْلِهِ فَقَدْ نُقِلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ
أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ
قَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ رِوَايَةً وَدِرَايَةً اشْتِرَاطُهَا
دُونَ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ عَدَمَ
اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا كَالنِّيَّةِ
لِأَنَّ التَّكْرَارَ قَامَ مَقَامَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ
وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا حُذِفَ لِشُهْرَتِهِ
لِأَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ مُجَرَّدُ التَّفْرِيعِ دُونَ بَيَانِ صِحَّةِ
الْجَوَابِ كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ هُنَا قَوْلُ
الْإِمَامِ وَقَالَا يَقَعُ وَاحِدَةً نَظَرًا إلَى أَنَّ هَذِهِ
الْكَلِمَةَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَالْإِفْرَادَ فَإِذَا بَطَلَ
الْأَوَّلُ لِاسْتِحَالَةِ التَّرْتِيبِ فِي الْمُجْتَمَعِ فِي الْمِلْكِ
لَمْ يَجُزْ إبْطَالُ الْآخَرِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَا حَصْرَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا حَصْرَ لِلطَّلَاقِ
فِي الْمَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ. . .
إلَخْ) قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٍ وَمَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ إلَى عَدَمِ
الِاحْتِيَاجِ لِلنِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِي الْوُقُوعِ فِيمَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ اهـ.
قُلْت وَقَدْ أَطَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ
ثُمَّ قَالَ، فَالتَّعْوِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ
اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَذِكْرِ النَّفْسِ قَضَاءً وَأَمَّا دِيَانَةً
فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ اهـ.
قُلْت: وَيُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ تَرْجِيحِ
اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ دُونَ النَّفْسِ أَنَّ التَّكْرَارَ إذَا لَمْ
يَكُنْ دَالًّا عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ حَتَّى اُشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ
يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ ذِكْرُ النَّفْسِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ
اشْتِرَاطِهِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ قَائِمٌ مَقَامَ النَّفْسِ
فِي تَعْيِينِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ التَّكْرَارِ
مُعَيَّنًا وَغَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ تَنَاقُضٌ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي
أَنْ يُقَالَ إنَّ مَنْ جَعَلَ التَّكْرَارَ قَائِمًا مَقَامَ ذِكْرِ
النَّفْسِ فِي تَعْيِينِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ يَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ
النِّيَّةُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ تَلْخِيصِ
الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ غَيْرُ قَائِمٍ مَقَامَ
النَّفْسِ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا أَوْ ذِكْرِ مَا يَقُومُ
مَقَامَهَا فِي تَعْيِينِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ كَالِاخْتِيَارَةِ
وَنَحْوِهَا وَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ
لِوُجُودِ الْمُعَيَّنِ فِي اللَّفْظِ إذْ لَا يَصْدُقُ فِي الْقَضَاءِ
بِقَوْلِهِ لَمْ أَنْوِ.
(قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ) أَيْ قَوْلُهَا
اخْتَرْتُ
(3/339)
وَلَهُ أَنَّهَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ،
وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَتِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ
بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ، وَقَدْ مَنَعَ أَنَّ الْإِفْرَادَ مِنْ
ضَرُورَتِهِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَدْلُولُهُ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا
تَبَعًا لِلْآخَرِ وَلِذَا اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا وَأُجِيبَ
عَنْهُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْفَرْدِيَّةَ مَدْلُولَةٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ
أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدَ جُزْأَيْ
الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْآخَرُ تَبَعًا كَمَا
هُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِأَنَّ الْوَصْفَ وُضِعَ لِلذَّاتِ بِاعْتِبَارِ
مَعْنًى هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ تُلَاحَظْ الْفَرْدِيَّةُ فِيهِ
حَقِيقِيًّا أَوْ اعْتِبَارِيًّا كَالطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَالْجَمَاعَةِ
الْأُولَى إلَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَّصِفٌ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ فَإِذَا
بَطَلَتْ بَطَلَ الْكَلَامُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ اخْتَرْت الْأُولَى وَمَا
عُطِفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ التَّطْلِيقَةَ
الْأُولَى وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ
قَالَتْ: اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْتُ اخْتِيَارَهُ أَوْ الِاخْتِيَارَةَ أَوْ
مَرَّةً بِمَرَّةٍ أَوْ دَفْعَةً أَوْ بِدَفْعَةٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ
اخْتِيَارَةٍ وَاحِدَةٍ يَقَعُ الثَّلَاثُ فِي قَوْلِهِمْ، وَلَوْ قَالَ
الزَّوْجُ نَوَيْت بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْأُخْرَيَيْنِ التَّأْكِيدَ
لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهَا إذَا
ذُكِرَتْ الْأُولَى أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ
أَوْجُهٍ فَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى وَقَعَتْ
وَاحِدَةً اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت الِاخْتِيَارَةَ الْأُولَى
فَثَلَاثٌ اتِّفَاقًا.
وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ الْمَنْعُوتَ وَأَوْرَدَ
الْمُصَنِّفُ تَكْرَارَ التَّخْيِيرِ ثَلَاثًا سَوَاءٌ كَانَ بِلَا عَطْفٍ
كَمَا ذَكَرَهُ أَوْ بِهِ مِنْ وَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ لِأَنَّهُ
جَوَابُ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ بِمَالٍ لَزِمَ كُلُّهُ، وَفِي شَرْحِ
تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْفَارِسِيِّ إلَّا أَنَّ فِي الْعَطْفِ بِثُمَّ
لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الزَّوْجُ
بِالثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ
بِالْأُولَى وَلَمْ يَقَعْ بِغَيْرِهَا شَيْءٌ اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي
ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يَنْوِي
ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَتْ قَدْ اخْتَرْتُ نَفْسِي
بِالْخِيَارِ الْأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا،
وَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَيْهَا وَذِكْرُهَا الْأَوَّلَ لَغْوٌ وَقَالَا هِيَ
طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ وَذِكْرُهَا الْأَوَّلَ
لَيْسَ بِلَغْوٍ اهـ.
وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي اخْتَارِي
اخْتَارِي بِأَلْفٍ أَوْ عَطَفَ فَقَالَتْ اخْتَرْت طَلُقَتْ ثَلَاثًا
بِأَلْفٍ وَفَاءً بِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فَقَبِلَتْ فَوْرَ أَنْوَاعِ
تَمْلِيكٍ، وَالْعَدَدُ خَاصٌّ بِالطَّلَاقِ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ
النَّفْسِ، وَالنِّيَّةِ كَذَا اخْتَرْتُ لِوَاحِدَةٍ أَوْ وَاحِدَةٍ
حَذَارِ التَّخْيِيرَ بِالشَّكِّ إذْ يَنْعَتُ بِهَا الدَّفْعَةَ،
وَالِاخْتِيَارَةَ، وَفِي اخْتَرْتُ تَطْلِيقَةً لَا يَقَعُ لِلْعَطْفِ
لِأَنَّهَا لِلْفَرْدِ وَهُوَ بِبَعْضِ الْأَلْفِ ضَرَرٌ بِخِلَافِ
جَانِبِهَا وَبِالْكَلِمَةِ إيجَابٌ لَا جَوَابٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذْ
عَلَيْهِ الْوِفَاقُ لَا الْجَوَابُ، وَفِي غَيْرِهِ يَقَعُ فَرْدٌ وَلَا
مَالَ مَا لَمْ تُعْنَ الثَّالِثَةُ لِخُصُوصِهِ بِهَا كَذَا اخْتَرْت
الْأَوَّلَ عِنْدَهُمَا إذَا أَضْمَرَ الطَّلْقَةَ حِفْظًا لِلنَّعْتِ
وَعِنْدَهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ إذَا أَضْمَرَ الِاخْتَيَارَةَ حِفْظًا
لِلْأَصْلِ بِتَطْلِيقِ الْجَوَابِ، وَالصَّدْرِ اهـ.
وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَالٍ
لَزِمَهَا الْمَالُ كُلُّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ
وَعِنْدَهُمَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالْأَخِيرَةِ لَزِمَهَا الْمَالُ
كُلُّهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى لَمْ
يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ التَّخْيِيرَاتِ تَخْيِيرٌ
عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّهُ كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ
حَرْفُ الْجَمْعِ، وَالْبَدَلُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلَا
يَجِبُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ ذُكِرَ بِالْوَاوِ أَوْ
الْفَاءِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فَيَقَعُ
الثَّلَاثُ وَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ
فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ كَلَامًا وَاحِدًا بِحَرْفِ
الْجَمْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا
بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْكَافِي:
إذَا كَرَّرَ بِلَا عَطْفٍ فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِالْجَمِيعِ
وَقَعَتْ الْأُولَيَانِ بِلَا شَيْءٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْأَلْفِ
لِأَنَّهُ قَرَنَ الْمَالَ بِالْأَخِيرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ
الْعَطْفِ بَيْنَهُمَا لِيَصِيرَ الْمَقْرُونُ بِالْأَخِيرَةِ مَقْرُونًا
بِالْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَالشَّرْطِ
فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَخِيرَةِ اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي
بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) يَعْنِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ
اخْتَارِي وَإِنَّمَا صَلُحَ جَوَابًا لَهُ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ دَاخِلٌ
فِي ضِمْنِ التَّخْيِيرِ فَقَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْأُولَى. . . إلَخْ فَإِنَّ الْأُولَى، وَالْوُسْطَى، وَالْأَخِيرَةَ
كُلٌّ مِنْهَا اسْمٌ لِمُفْرَدٍ مُرَتَّبٍ.
(3/340)
أَتَتْ بِبَعْضِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا
كَمَا لَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً
بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي فِي جَوَابِ طَلِّقِي
نَفْسَك لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهَا لَا قَصْدًا وَلَا
ضِمْنًا وَإِنَّمَا وَقَعَ بِهِ الْبَائِنُ دُونَ الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ
كَانَ صَرِيحًا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِإِيقَاعِهَا بَلْ لِتَفْوِيضِ
الزَّوْجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ
الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ، وَقَدْ ذَكَرَ
صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي جَامِعِهِ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ
نَظَرًا لِمَا أَوْقَعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ
الْكُتُبِ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ
رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ تَقَعُ رَجْعِيَّةً، وَفِي أُخْرَى بَائِنَةً
وَهَذَا أَصَحُّ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّهُ غَلَطٌ وَابْنُ الْهُمَامِ
أَنَّهُ سَهْوٌ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِهِ وَلِذَا
قَالَ فِي الْكَافِي أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ
نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ
الرَّجْعَةَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ اهـ.
قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ اخْتَارِي لِأَنَّهُ لَوْ
كَرَّرَ اخْتَارِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي
بِتَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَرْتُ تَطْلِيقَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي صُورَةٍ
لِلْعَطْفِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ تَصْلُحُ لِلْفَرْدِ دُونَ الثَّلَاثِ
وَوُقُوعُ الْوَاحِدَةِ مُمْتَنِعٌ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَوَقَعَتْ
وَاحِدَةً بَائِنَةً فِي غَيْرِ صُورَةِ الْعَطْفِ اتِّفَاقًا وَلَا يَجِبُ
عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ إنْ قَالَتْ عَنَيْت التَّطْلِيقَةَ
الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةَ، وَإِنْ قَالَتْ عَنَيْت الثَّالِثَةَ
لَزِمَهَا كُلُّ الْأَلْفِ بِخُصُوصِ الْمَالِ بِالثَّالِثَةِ كَذَا فِي
شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَهُوَ شَرْحٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَعَنْهُ فِي
الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ فَعَلْت لَا يَقَعُ لِأَنَّ
هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهَا اخْتَرْتُ وَبِهِ لَا يَقَعُ فَكَذَا
هَذَا، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ فَعَلْت يَقَعُ لِمَا
بَيَّنَّا اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ: بِعْت أَمْرَك مِنْك بِأَلْفٍ
فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْمَالُ.
اهـ.
(قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً
فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا
الِاخْتِيَارَ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مُعَقَّبَةٌ لِلرَّجْعَةِ،
وَالْمُقَيَّدُ لِلْبَيْنُونَةِ إذَا قُرِنَ بِالصَّرِيحِ صَارَ رَجْعِيًّا
كَعَكْسِهِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَصِيرُ بَائِنًا قُيِّدَ
بِقَوْلِهِ فِي تَطْلِيقَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا
لَوْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتِي إلَيْك تَطْلُقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَمْ
تَصِلْ فَطَلَّقَتْ قَالَ: يَكُونُ بَائِنًا وَهَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي
بَدِيعُ الدِّينِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِ
الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك بِتَطْلِيقَةٍ
وَاحِدَةٍ تُطَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت حَيْثُ تَكُونُ رَجْعِيَّةً
كَمَا فِي أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ،
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَمْرُك بِيَدِك تُطَلِّقِي نَفْسَك غَدًا
فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا لِلْحَالِ وَقَوْلُهُ: تُطَلِّقِي إلَى
آخِرِهِ مَشُورَةٌ اهـ.
وَفِي أَمْرِك بِيَدِك لِكَيْ تُطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ لِتُطَلِّقِي
نَفْسَك أَوْ حَتَّى تُطَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ فَهِيَ وَاحِدَةٌ
بَائِنَةٌ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَاخْتَارَتْ
وَاحِدَةً يَقَعُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك
اثْنَتَيْنِ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي إنْ شِئْت
فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ
طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت، وَقَدْ شَاءَتْهُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ
مَشِيئَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت
وَاخْتَارِي فَقَالَتْ شِئْت وَاخْتَرْت يَقَعُ طَلَاقَانِ أَحَدُهُمَا
بِالْمَشِيئَةِ، وَالْآخَرُ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا
طَلَاقَيْنِ أَحَدُهُمَا صَرِيحٌ، وَالْآخَرُ كِنَايَةٌ، وَالْكِنَايَةُ
حَالَ ذِكْرِ الصَّرِيحِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ
لِرَجُلٍ خَيِّرْ امْرَأَتِي وَلَمْ يُخَيِّرْهَا لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ
لَهَا لِأَنَّهُ آمِرٌ بِأَمْرٍ فَمَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْصُلْ
الْمَأْمُورُ، وَلَوْ قَالَ: أَخْبِرْهَا بِالْخِيَارِ فَقَبْلَ أَنْ
يُخْبِرَهَا سَمِعَتْ الْخَبَرَ فَاخْتَارَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ. إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ
وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ قَالَ
الشَّارِحُونَ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَالْأَصَحُّ مِنْ
الرِّوَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ
رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ، وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَالزِّيَادَاتِ
وَعَامَّةِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا سِوَى الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ مِثْلَ مَا
ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ
مَا فِي الْهِدَايَةِ غَلَطًا مِنْ الْكِتَابِ، وَقَدْ عَلَّلَ
الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجِبُ الِانْطِلَاقَ بَعْدَ
انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ
الْعِدَّةِ فَالصَّوَابُ كَمَا فِي الشَّرْحِ إطْلَاقُ كَوْنِهِ غَلَطًا
نَعَمْ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خَالٍ عَنْ
التَّعْلِيلِ فَكَوْنُهُ غَلَطًا مِنْ الْكِتَابِ صَحِيحٌ وَمَا فِي
الْبَحْرِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَالَ إنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ
رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ تَقَعُ رَجْعِيَّةً، وَفِي أُخْرَى بَائِنَةً
وَهَذَا أَصَحُّ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ غَلَطٌ أَوْ سَهْوٌ مِمَّا
لَا يَنْبَغِي غَلَطٌ لِأَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ لَا يَعْنِي أَنَّهُمَا
رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْأُولَى رِوَايَةَ
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَفِي هَذَا قَالَ
الشَّهِيدُ إنَّهَا غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَكَيْفَ يَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا
هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ
اخْتَارِي. . . إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي
بِأَلِفٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ)
الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْأَمْرُ الَّذِي جَعَلَهُ فِي يَدِهَا أَيْ لَمْ
تَكُنْ مَذْكُورَةً فِيهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِنَفْسِ الْأَمْرِ
الْوَاقِعِ كَمَا يُتَوَهَّمُ.
(3/341)
نَفْسَهَا وَقَعَ لِأَنَّ الْأَمْرَ
بِالْخِيَارِ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْخَبَرِ بِهِ فَكَانَ هَذَا إقْرَارًا
مِنْ الزَّوْجِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِغَيْرِهِ زَوِّجْنِي امْرَأَةً فَإِذَا
فَعَلْت ذَلِكَ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ وَلَمْ
يَشْتَرِطْ لَهَا الْأَمْرَ كَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِحُكْمِ
التَّعْلِيقِ مِنْ الزَّوْجِ لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي امْرَأَةً وَاشْتَرَطَ
لَهَا عَلَى أَنِّي إنْ تَزَوَّجْتهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا لَمْ يَكُنْ
الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِلَا شَرْطِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ
عَلَّقَ بِالتَّزَوُّجِ لَا بِشَرْطٍ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهَا إذَا
قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي يَقَعُ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي
الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ
قَالَ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي لَا يَقَعُ
لِأَنَّهُ لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَقَعُ اهـ. وَلَعَلَّهُ
سَهْوٌ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)
أَخَّرَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ لِتَأَيُّدِ التَّخْيِيرِ بِإِجْمَاعِ
الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ
فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ خِلَافٌ لَيْسَ فِيهِ إجْمَاعٌ
وَقَدَّمَ كَثِيرَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ
بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ ثَابِتٌ اسْتِحْسَانًا فِي جَوَابِ اخْتَارِي لَا
قِيَاسًا بِخِلَافِهِ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ
وَاسْتِحْسَانٌ وَأَمَّا الْإِيقَاعُ بِلَفْظِ أَمْرِي بِيَدِي فَلَا
يَصِحُّ قِيَاسًا وَلَا اسْتِحْسَانًا، وَالْحَقُّ مَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ مِنْ اسْتِوَاءِ الْبَابَيْنِ فِي الْقِيَاسِ،
وَالِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ بِقَوْلِهَا
اخْتَرْت نَفْسِي عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ أَيْضًا، وَالتَّفْوِيضُ
بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَالْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى
الْحَالِ، وَالْيَدُ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ
(قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي
بِوَاحِدَةٍ وَقَعْنَ) أَيْ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ
يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمُخْتَارِ
لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهَا مِنْ الْأَمْرِ بِالْيَدِ
وَقِيلَ لَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، والولوالجية، وَفِيهَا: أَعَرْتُك
طَلَاقَك كَأَمْرُك بِيَدِك، وَالْوَاحِدَةُ فِي كَلَامِهِمَا صِفَةُ
الِاخْتِيَارَةِ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي
بِاخْتِيَارِهِ وَاحِدَةً وَأَرَادَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ نِيَّةَ
تَفْوِيضِهَا.
وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَقَالَتْ إلَى اشْتِرَاطِ
الْمَجْلِسِ وَبِخِطَابِهَا إلَى أَنَّ عِلْمَهَا شَرْطٌ حَتَّى لَوْ
جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ
تَطْلُقْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَالْخَانِيَّةِ وَبِذِكْرِ
النَّفْسِ فِي جَوَابِهَا إلَى اشْتِرَاطِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ
كَالتَّفْوِيضِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ
بِالْيَدِ كَالتَّخْيِيرِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ سِوَى نِيَّةِ
الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ هُنَا لَا فِي التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ
جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ، وَالْخُصُوصَ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ
نِيَّتُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ، وَفِي
الْبَدَائِعِ الْأَمْرُ بِالْيَدِ كَالتَّخْيِيرِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ
أَحَدُهُمَا نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ، وَالثَّانِي أَنَّ فِي اخْتَارِي لَا
بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا لِلدَّلِيلِ
الدَّالِّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الِاخْتِيَارِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ
جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ طَلَّقْت، وَلَمْ تَقُلْ نَفْسِي لَا
يَقَعُ كَمَا فِي الْخِيَارِ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْت لَا يَقَعُ، وَلَوْ
قَالَتْ عَنَيْت نَفْسِي إنْ كَانَتْ فِي الْمَجْلِسِ تُصَدَّقُ لِأَنَّهَا
تَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ مَا فِي الْبَدَائِعِ الْأَمْرُ بِالْيَدِ
كَالتَّخْيِيرِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ فَدَلَّ عَلَى ضَعْفِهِ وَقَيَّدَ
نِيَّةَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا أَوْ نَوَى
وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّفْوِيضِ إلَيْهَا
دِيَانَةً أَوْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَيْهِ قَضَاءً، وَفِي الْخَانِيَّةِ:
امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا فِي الْخُصُومَةِ إنْ كَانَ مَا فِي يَدَك
فِي يَدِي اسْتَنْقَذْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ الَّذِي فِي يَدِي فِي
يَدِك فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا فَقَالَ لَهَا
الزَّوْجُ قُولِي مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ طَلَّقْت نَفْسِي
ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ بِقَوْلِي الَّذِي فِي
يَدِي فِي يَدِك فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِقَوْلِهَا ثَانِيًا
طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهَا قَوْلِي مَرَّةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ]
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ. .
إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِمَا هُنَا
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْأَمْرُ بِالْيَدِ
لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِيَدِهَا أَوْ يَدِ فُلَانٍ مُرْسَلًا
أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مُوَقَّتًا فَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا أَوْ
كَانَ مُوَقَّتًا كَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا أَوْ يَدِ فُلَانٍ مَا دَامَ
الْوَقْتُ بَاقِيًا عَلِمَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا أَقُولُ:
يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا عَلِمَا وَقْتَ
التَّفْوِيضِ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا وَعَلِمَا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ أَوْ لَمْ
يَعْلَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ التَّجْرِيدِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوَّلَ
الْوَقْتِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ
لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ. . . إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ
قَالَتْ: اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنْك فَقَالَ الزَّوْجُ أَمْرُك بِيَدِك
وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ: طَلَّقْت
نَفْسِي ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ نَجَوْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ
الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ كَانَ كَأَنَّهُ قَالَ
لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ وَقَوْلُهُ: نَجَوْت
يَحْتَمِلُ الِاسْتِهْزَاءَ وَتَقَعُ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ.
اهـ.
لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ
لَا فِي عَكْسِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ
عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ نُقِلَ
أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا
وَقَعَتْ وَاحِدَةً عِنْدَهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ، وَالْعِنَايَةِ
فَإِذَا قَالَ: بِيَدِك وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ الْعَدَدِ فَطَلَّقَتْ
ثَلَاثًا كَيْفَ لَا تَقَعُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَهُ بَلْ الْوُقُوعُ
بِالْأَوْلَى اهـ.
(3/342)
أُخْرَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: قَضَاءً
وَدِيَانَةً، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذْ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ
بِالْيَدِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ الثَّلَاثُ فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ نَوَيْت
التَّفْوِيضَ فِي وَاحِدَةٍ بَعْدَ مَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فِي
الْجَوَابِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الثَّلَاثَ اهـ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ فِي
جَوَابِهِ أَمْرِي بِيَدِي لَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا
قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ مَلَّكْت
نَفْسِي أَمْرِي كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ أَمْرِي كَانَ
جَائِزًا اهـ فَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْ
الزَّوْجِ يَصْلُحُ جَوَابًا مِنْ الْمَرْأَةِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا
لَفْظَ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ
وَيَصْلُحُ جَوَابًا مِنْهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِذَا قَالَ فِي
الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ
أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت مِنِّي بَائِنٌ أَوْ أَنَا مِنْك بَائِنٌ
فَهُوَ جَوَابٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُفِيدُ الطَّلَاقَ كَمَا إذَا
قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي، وَلَوْ قَالَتْ أَنْت مِنِّي طَالِقٌ لَمْ
يَقَعْ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَتْ أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ أَنَا طَالِقٌ
وَقَعَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجُلِ اهـ.
لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ
جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ أَبِيهَا فَقَالَ أَبُوهَا قَبِلْتهَا طَلُقَتْ
وَكَذَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ قَبِلْت نَفْسِي
طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَلْحَقْت نَفْسِي
بِأَهْلِي لَمْ يَقَعْ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهُوَ مُشْكِلٌ
لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَهُوَ كَقَوْلِهَا أَنَا بَائِنٌ،
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ حَرْفٌ فِي
كَذَلِكَ، وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَمْرُك
بِيَدِك كَانَ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ فِي يَدِك فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ.
وَالْيَدُ أَيْضًا لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك فِي
كَفَّيْك أَوْ يَمِينِك أَوْ شِمَالِك أَوْ فَمِك أَوْ لِسَانِك كَانَ
كَذَلِكَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهِمَا مِنْ
فَصْلِ نِكَاحِ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا
طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا
كُلَّمَا تُرِيدُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ
بِيَدِهَا، وَلَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك
عَلَى أَنِّي طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِ {دِي أُطَلِّقُ نَفْسِي
كُلَّمَا أُرِيدُ فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَارَ
الْأَمْرُ بِيَدِهَا، وَلَوْ بَدَأَ الْعَبْدُ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَدَأَ
الزَّوْجُ، وَلَوْ بَدَأَ الْمَوْلَى فَهُوَ كَبُدَاءَةِ الْمَرْأَةِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك فِي عَيْنَيْك
وَأَمْثَالُهُ يُسْأَلُ عَنْ النِّيَّةِ وَأَمْرِي بِيَدِك كَقَوْلِهِ
أَمْرُك بِيَدِك وَدَعْوَاهَا عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَهَا
بِيَدِهَا لَا يُقْبَلُ أَمَّا لَوْ أَوْقَعَتْ الطَّلَاقَ بِحُكْمِ
التَّفْوِيضِ ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَهْرَ، وَالطَّلَاقَ يُسْمَعُ وَلَيْسَ
لَهَا أَنْ تَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يُجْبِرَ الزَّوْجُ
عَلَى أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ
قَالَ فِي الْبَيْعِ، وَالطَّلَاقِ أَمْرُهَا بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِك
أَوْ بِعْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت يَنْفَرِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ: مَلَكْت
أَمْرِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَلَّكْت نَفْسِي أَمْرِي بِزِيَادَةِ
لَفْظِ نَفْسِي وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ
يَرُدُّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. . . إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى
عَكْسِهِ وَهُوَ وَقَوْلُهُ: وَمَا لَا فَلَا وَيَرُدُّ عَلَى طَرْدِهِ
نَحْوُ: أَنْت مِنِّي طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ مَعَ
أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَوْ أَجَابَتْ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ،
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ
مِنْهُ لِأَنَّ قَوْلَهَا أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهَا
زَوْجِي زَيْدٌ مِنِّي طَالِقٌ فَقَابِلُهُ يَكُونُ أَنَا مِنْك طَالِقٌ
لَا أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ وَبِذَلِكَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ
قَوْلِهِ زَوْجُك زَيْدٌ مِنْك طَالِقٌ وَهَكَذَا يُعْتَبَرُ فِي
نَظَائِرِهِ فَفِي قَوْلِهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَحْوُهُ يَقَعُ
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ زَوْجُك زَيْدٌ عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك
حَرَامٌ يَقَعُ لِأَنَّ قَوْلَهَا أَنْتَ كِنَايَةٌ عَنْ الظَّاهِرِ
وَكَذَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّ قَوْلَهَا نَفْسِي
عِبَارَةٌ عَنْ زَيْنَبَ مَثَلًا، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْت زَيْنَبَ يَقَعُ
وَكَذَا قَوْلُهَا أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ أَنَا طَالِقٌ يَقَعُ
لِأَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ الطَّلَاقَ إلَى مَا كَنَّتْ عَنْهُ بِقَوْلِهَا
أَنَا يَقَعُ بِخِلَافِ أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَوْ أَسْنَدَهُ
إلَى مَا كَنَّتْ بِهِ عَنْهُ لَا يَقَعُ كَمَا قُلْنَا فَلَيْسَ
الْمُرَادُ التَّعْبِيرُ بِمَا عَبَّرَتْ بِهِ بَلْ إسْنَادُ الطَّلَاقِ
إلَى مَا أَسْنَدَتْهُ إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ فِي قَوْلِهَا أَنَا
مِنْك طَالِقٌ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ. . إلَخْ)
أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ
وَنَصُّهَا " قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا
حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ
نَحْوُهَا فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الزَّوْجِ طَلَاقٌ
إذَا سَأَلَتْهُ فَأَجَابَهَا بِهِ فَإِذَا أَوْقَعَتْ مِثْلَهُ عَلَى
نَفْسِهَا بَعْدَ مَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ فَلَوْ قَالَتْ
طَلِّقْنِي فَقَالَ: أَنْت حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ تَطْلُقُ فَلَوْ قَالَتْهُ
بَعْدَ مَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ أَيْضًا وَقَالَتْ لَهُ
طَلِّقْنِي فَقَالَ الْحَقِي بِأَهْلِك وَقَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا
صُدِّقَ وَلَا تَطْلُقُ فَلَوْ قَالَتْهُ بَعْدَ مَا صَارَ الطَّلَاقُ
بِيَدِهَا بِأَنْ قَالَتْ أَلْحَقْت نَفْسِي بِأَهْلِي لَا تَطْلُقُ
أَيْضًا اهـ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ أَلْحَقْت نَفْسِي بِأَهْلِي مِنْ الْكِنَايَاتِ
الَّتِي تَصْلُحُ لِلرَّدِّ فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا
بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ
بِخِلَافِ حَرَامٌ بَائِنٌ. . . إلَخْ فَإِنَّهُ يَقَعُ حَالَ
الْمُذَاكَرَةِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ
أَنْتِ حَرَامٌ وَقَعَ بِلَا نِيَّةٍ فَلَوْ قَالَهُ وَقَعَ أَيْضًا
بِخِلَافِ الْحَقِي بِأَهْلِك فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِيقَاعِ
بَعْدَ سُؤَالِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِذَا قَالَتْهُ لَا يَقَعُ هَذَا
مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ.
(قَوْلُهُ: يُسْأَلُ عَنْ النِّيَّةِ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ دَلَالَةَ
حَالٍ وَلِذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا مَرَّ مِنْ
أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ دِيَانَةً أَوْ يَدُلُّ الْحَالُ
عَلَيْهَا قَضَاءً، وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ
(3/343)
الْمُخَاطَبُ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ
تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ وَلِلتَّيْسِيرِ عُرْفًا، وَالْبَاءُ لِلْعِوَضِ
فَأُلْغِيَا فِيهِ دُونَ الْأَصْلِ مِثْلُ كَيْفَ شِئْت عِنْدَهُ بِخِلَافِ
إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت إذَا بَطَلَ الْأَصْلُ
أَوْ عُلِّقَ بِمَجْهُولٍ حَسَبَ التَّأْثِيرِ فِي إنْ شَاءَ اللَّهُ
أَنْتِ طَالِقٌ فَلَغَا الْعَطْفُ وَهُوَ أَخْبَرَ عَنْ وَاقِعٍ، وَلَوْ
قَالَ: بِيَدِي وَبِيَدِك أَوْ شِئْت وَشِئْت لَمْ يَنْفَرِدْ حَمْلًا
عَلَى التَّعْلِيقِ إذْ تَعَذَّرَ التَّمْلِيكُ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ أَوْ أَمْرُك
بِيَدِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِهَا
فَحِينَئِذٍ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ إنْ شَاءَ أَوْقَعَ تَطْلِيقَةً، وَإِنْ
شَاءَ أَوْقَعَ بِاخْتِيَارِهَا اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ الْمُخَاطَبَةِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَةَ فَلَوْ
قَالَ لِلصَّغِيرَةِ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْ
نَفْسَهَا يَقَعُ كَأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِيقَاعِهَا كَذَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فَشَمِلَ الْمُنَجَّزَ،
وَالْمُعَلَّقَ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَمِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ
قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَمْرُك بِيَدِك فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا
كَمَا وَضَعَتْ الْقَدَمَ فِيهَا طَلُقَتْ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي يَدِهَا،
وَإِنْ طَلَّقَتْ بَعْدَ مَا مَشَتْ خُطْوَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهَا
طَلَّقَتْ بَعْدَ مَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك
بِيَدِك فِي ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ إنْ أَبْرَأْتنِي عَنْ مَهْرِك فَقَالَتْ
وَكِّلْنِي حَتَّى أُطَلِّقَ نَفْسِي فَقَالَ: أَنْت وَكِيلَتِي
لِتُطَلِّقِي نَفْسَك فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ الْمَهْرِ أَوَّلًا ثُمَّ
طَلُقَتْ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ وَإِذَا لَمْ تُبْرِئْهُ لَا يَقَعُ
لِأَنَّ التَّوْكِيلَ كَانَ بِشَرْطِ أَنْ تُبْرِئَهُ عَنْ الْمَهْرِ اهـ.
وَمِنْهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ غِبْت عَنْك وَمَكَثْت
فِي غَيْبَتِي يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَأَمْرُك بِيَدِك فَهَذَا عَلَى
أَوَّلِ الْأَمْرَيْنِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لَوْ مَكَثَ يَوْمًا إنْ غَابَ
عَنْهَا كَذَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَجَاءَ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ
فَتَوَارَتْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ أَفْتَى الْبَعْضُ بِبَقَاءِ
الْأَمْرِ فِي يَدِهَا وَالْإِمَامُ قَاضِي خَانْ عَلَى أَنَّهُ إنْ عَلِمَ
بِمَكَانِهَا وَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهَا وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ
بِمَكَانِهَا لَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ
وَإِذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ مِنْهَا لَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا
وَاخْتِلَافُ الْأَجْوِبَةِ فِي الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَصِيرُ
أَمْرُهَا بِيَدِهَا، وَفِي الْمَدْخُولَةِ لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ
وَلَمْ يَجِئْ إلَى مَنْزِلِهَا حَتَّى تَمَّتْ الْمُدَّةُ فَيَصِيرُ
بِيَدِهَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ غَابَ عَنْهَا ثَلَاثَةَ
أَشْهُرٍ وَلَمْ تَصِلْ إلَيْهَا النَّفَقَةُ فَبَعَثَ إلَيْهَا
بِخَمْسِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْرَ نَفَقَتِهَا صَارَ بِيَدِهَا، وَلَوْ
كَانَتْ النَّفَقَةُ مُؤَجَّلَةً فَوَهَبَتْ لَهُ النَّفَقَةَ وَمَضَتْ
الْمُدَّةُ لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لَا ارْتِفَاعُ الْيَمِينِ
عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ. الثَّانِي: وَإِنْ ادَّعَى وُصُولَ
النَّفَقَةِ إلَيْهَا وَادَّعَتْ حُصُولَ الشَّرْطِ قِيلَ الْقَوْلُ
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْوُقُوعَ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ وُصُولُ
النَّفَقَةِ إلَيْهَا.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي هَذَا، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ
يَدَّعِي إيفَاءَ حَقٍّ وَهِيَ تُنْكِرُ جَعْلَ أَمْرِهَا بِيَدِهَا إنْ
لَمْ يُعْطِهَا كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْطَاءِ
وَعَدَمِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي حَقِّ عَدَمِ الطَّلَاقِ
وَلَهَا فِي حَقِّ عَدَمِ أَخْذِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ،
وَفِي الْمُنْتَقَى: إنْ لَمْ آتِك إلَى عِشْرِينَ يَوْمًا فَأَمْرُهَا
بِيَدِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي
الْإِتْيَانِ وَعَدَمِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ كَوْنَ
الْأَمْرِ بِيَدِهَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ
لَهَا فِيمَنْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ أُعْطِيك الْمِائَةَ
الَّتِي لَك عَلَيْهِ فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ فَمَاتَ فُلَانٌ وَادَّعَى
عَدَمَ الْإِيفَاءِ وَكَوْنُهُ كَفِيلًا وَادَّعَى الْمَطْلُوبُ
الْإِيفَاءَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ
الِاسْتِيفَاءَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ قَالَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: إنْ
غِبْت عَنْك شَهْرًا فَأَمْرُك بِيَدِك فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَصِيرُ
بِيَدِهَا لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِعَدَمِ
الْحُضُورِ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا تُمْكِنُ قَالَ
لَهَا إنْ لَمْ أُرْسِلْ نَفَقَتَك فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوْ إنْ لَمْ
أَبْعَثْ فَأَنْت كَذَا فَأَرْسَلَ إلَيْهَا بِيَدِ رَجُلٍ فَضَاعَتْ مِنْ
يَدِ الرَّسُولِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْبَعْثَ، وَالْإِرْسَالَ قَدْ
تَحَقَّقَ وَإِذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا
يَجْعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ تَقُولُ زَوَّجْت
نَفْسِي مِنْك بِكَذَا عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي أَطْلِقْ نَفْسِي مِنْك
مَتَى شِئْت كُلَّمَا ضَرَبْتنِي بِغَيْرِ جِنَايَةٍ أَوْ تَزَوَّجْت
عَلَيَّ أُخْرَى أَوْ تَسَرَّيْت أَوْ غِبْت عَنِّي سَنَةً جَعَلَ
أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَتَى غَابَ عَنْهَا
سَنَةً تُطَلِّقُ نَفْسَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ طَلَّقَتْ بَعْدَ مَا مَشَتْ خُطْوَتَيْنِ لَمْ
تَطْلُقْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ،
وَإِنْ مَشَتْ خُطْوَةً بَطَلَ أَقُولُ: تَوْفِيقُهُ أَنَّ مَا فِي
الْعَتَّابِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ رِجْلَهَا فَوْقَ
الْعَتَبَةِ، وَالْأُخْرَى دَخَلَتْ بِهَا وَمَا سَبَقَ عَلَى مَا إذَا
كَانَتْ خَارِجَ الْعَتَبَةِ فَبِأَوَّلِ خُطْوَةٍ لَمْ تَتَعَدَّ أَوَّلَ
الدُّخُولِ فَبِالثَّانِيَةِ تَتَعَدَّى وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا
(قَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا لَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا) أَيْ غَيْرَ
الْمَدْخُولِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وَجْهُهُ (قَوْلُهُ:، وَالْأَصَحُّ
أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا. . . إلَخْ) سَيَأْتِي تَحْرِيرُ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ اخْتَلَفَا
فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ
(3/344)
بِلَا خُسْرَانٍ يَلْحَقُ الزَّوْجَ
فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَأَبْرَأَتْهُ عَنْ الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ
وَأَوْقَعَتْ طَلَاقَهَا يَقَعُ الرَّجْعِيُّ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ،
وَالنَّفَقَةُ كَمَا لَوْ كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ الزَّوْجِ مَوْجُودًا
قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ.
قَالَ لَهَا أَمْرُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ بِيَدِك إنْ أَبْرَأْتنِي عَنْ
مَهْرِك إنْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا،
وَإِنْ أَوْقَعَتْ الطَّلَاقَ فِي الْمَجْلِسِ إنْ قَدَّمَتْ الْإِبْرَاءَ
وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ تُبَرِّئْهُ عَنْ الْمَهْرِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ
التَّوْكِيلَ كَانَ بِشَرْطِ الْإِبْرَاءِ قَالَ لَهَا: إنْ لَمْ أُعْطِك
دِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فَاسْتَدَانَتْ وَأَحَالَتْ
عَلَى زَوْجِهَا إنْ أَدَّى الزَّوْجُ الْمَالَ إلَى الْمُحْتَالِ قَبْلَ
مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَيْسَ لَهَا إيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ
مَلَكَتْ الْإِيقَاعَ إنْ لَمْ تَصِلْ إلَيْك نَفَقَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ
فَأَمْرُك بِيَدِك فَنَشَزَتْ بِأَنْ ذَهَبَتْ إلَى أَبِيهَا بِلَا إذْنِهِ
فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَلَمْ تَصِلْ إلَيْهَا النَّفَقَةُ لَا يَقَعُ
لِعَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا حِينَ تَمَّتْ
الْمُدَّةُ إنْ لَمْ أُوصِلْ إلَيْك خَمْسَةَ دَنَانِيرَ بَعْدَ عَشَرَةِ
أَيَّامٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فِي طَلَاقٍ مَتَى شِئْت فَمَضَى الْأَيَّامُ
وَلَمْ يُرْسِلْ إلَيْهَا النَّفَقَةَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ أَرَادَ بِهِ
الْفَوْرَ لَهَا الْإِيقَاعُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْفَوْرَ لَا
تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ أَمْرَهَا
بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا بِلَا جِنَايَةٍ فَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ أَوْ
الْكِسْوَةَ وَأَلَحَّتْ لَا يَكُونُ جِنَايَةً لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ
يَدَ الْمُلَازَمَةِ وَلِسَانَ التَّقَاضِي، وَلَوْ شَتَمَتْهُ أَوْ
مَزَّقَتْ ثِيَابَهُ أَوْ أَخَذَتْ لِحْيَتَهُ فَجِنَايَةٌ وَكَذَا لَوْ
قَالَتْ لَهُ يَا حِمَارُ يَا أَبْلَهُ أَوْ لَعَنَتْهُ، وَلَوْ لَعَنَهَا
فَلَعَنَتْهُ قِيلَ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَادِئَةٍ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ
الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] ، وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُ
جِنَايَةٌ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ حَتَّى لَا يَكُونَ الثَّانِي
جَانِيًا قَالَ لَهَا بَلِيدَةُ فَقَالَتْ لَهُ بَلِيدُ مِثْلُ ذَلِكَ
فَهُوَ جِنَايَةٌ مِنْهَا إذَا صَرَّحَتْ بِهِ.
وَلَوْ شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا كَانَ جِنَايَةً وَكَذَا لَوْ كَشَفَتْ
وَجْهَهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ، وَالْكَشْفُ
بِلَا ضَرُورَةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَكُونُ جِنَايَةً لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَلَوْ كَلَّمَتْ أَجْنَبِيًّا أَوْ تَكَلَّمَتْ
عَامِدًا مَعَ الزَّوْجِ أَوْ شَاغَبَتْ مَعَهُ فَسَمِعَ صَوْتَهَا
أَجْنَبِيٌّ فَجِنَايَةٌ وَخُرُوجُهَا مِنْ الْبَيْتِ بَعْدَ إيفَاءِ
الْمُعَجَّلِ جِنَايَةٌ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ جِنَايَةٌ مُطْلَقًا
وَإِعْطَاؤُهَا شَيْئًا مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إذْنِهِ حَيْثُ لَمْ تَجْرِ
الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ جِنَايَةٌ وَكَذَا دُعَاؤُهَا عَلَيْهِ
وَكَذَا قَوْلُهَا الْكَلْبَةُ أُمُّك وَأُخْتُك بَعْدَ قَوْلِهِ جَاءَتْ
أُمُّك الْكَلْبَةُ وَكَذَا قَوْلُهَا أَزْوَاجُ النِّسَاءِ رِجَالٌ
وَزَوْجِي لَا، وَلَوْ دَعَاهَا إلَى أَكْلِ الْخُبْزِ الْمُجَرَّدِ
فَغَضِبَتْ لَا يَكُونُ جِنَايَةً اهـ.
وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ مِنْ أَنَّ
لَعْنَهَا بَعْدَ لَعْنِهِ جِنَايَةٌ، وَفِيهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إنْ
كَشَفَتْ وَجْهَهَا عِنْدَ مَنْ يُتَّهَمُ بِهَا فَهُوَ جِنَايَةٌ، وَلَوْ
قَالَ لَهَا: لَا تَفْعَلِي كَذَا فَقَالَتْ أَفْعَلُ إنْ كَانَتْ قَالَتْ
ذَلِكَ فِي فِعْلٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَهُوَ جِنَايَةٌ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَوَّضَ إلَيْهَا أَمْرَهَا إنْ تَزَوَّجَ
عَلَيْهَا ثُمَّ ادَّعَتْ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّكَ تَزَوَّجْت عَلَيَّ
فُلَانَةَ وَفُلَانَةُ حَاضِرَةٌ تَقُولُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ وَشَهِدَ
الشُّهُودُ بِالنِّكَاحِ يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، وَلَوْ كَانَتْ
فُلَانَةُ غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ وَبَرْهَنَتْ هَذِهِ أَنَّك
تَزَوَّجْت فُلَانَةَ عَلَيَّ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِي هَلْ يُسْمَعُ
فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِأَنَّهَا
لَيْسَتْ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا اهـ.
وَفِي الْفُصُولِ وَاقِعَةُ جَعْلِ أَمْرِهَا بِيَدِهَا إنْ تَزَوَّجَ
عَلَيْهَا ثُمَّ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا مِنْهُ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ
وَقَبِلَ هُوَ فَصَارَتْ امْرَأَتَهُ وَقَالَ: عَنَيْت فِي التَّفْوِيضِ
التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ التَّزَوُّجِ هَلْ يُصَدَّقُ حَتَّى لَا يَصِيرَ
الْأَمْرُ بِيَدِهَا قَالَ: مَا أَجَابَ بَعْضُ مَنْ تَصَدَّى
لِلْإِفْتَاءِ بِلَا تَحْصِيلِ الدِّرَايَةِ، وَالرِّوَايَةِ أَنَّهُ
يُصَدَّقُ وَهَذَا غَلَطٌ مَحْضٌ وَخَطَأٌ صِرْفٌ وَأَجَبْت أَنَّهُ لَا
يُصَدَّقُ وَيَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ نِيَّةَ الْخُصُوصِ فِي
الْفِعْلِ لَا تَصِحُّ إذْ الْفِعْلُ لَا عُمُومَ لَهُ اهـ.
وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتِي إلَيْك
عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فَغَابَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ
وَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ فَحَضَرَ قَالَ لَا يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا
بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُوصِلْ إلَيْك نَفَقَتَك عَشَرَةَ
أَيَّامٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا
لِأَنَّ شَرْطَ جَعْلِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا عَدَمُ الْإِيصَالِ دُونَ
الْوُصُولِ وَلَمْ يُوجَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: يَقَعُ الرَّجْعِيُّ وَلَا يَسْقُطُ) الْمَهْرُ، وَالنَّفَقَةُ
أَيْ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ إبْرَاؤُهَا.
(3/345)
الْإِيصَالُ فَيَحْنَثُ، وَلَوْ جَعَلَ
الْأَمْرَ بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ
فَقَالَتْ لَهُ وَقْتَ الْخُصُومَةِ يَا ابْنَ الْأَجِيرِ يَا ابْنَ
الْعَوَانِي فَضَرَبَهَا وَإِنَّهُ كَمَا قَالَتْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ
نَفْسَهَا، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ يَا ابْنَ النَّسَّاجِ إنْ كَانَ كَمَا
قَالَتْ أَوْ لَا يُعَيَّرُ بِهَذَا لَا يَكُونُ جِنَايَةً، وَلَوْ
صَعِدَتْ السَّطْحَ مِنْ غَيْرِ مُلَاءَةٍ هَلْ يَكُونُ جِنَايَةً قَالَ:
نَعَمْ قِيلَ هَذَا إنْ صَعِدَتْ لِلنِّظَارَةِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ:
قُلْت إنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّطْحِ تَجْبِيرٌ فَجِنَايَةٌ وَإِلَّا فَلَا
وَرَمْيُ الْبِطِّيخِ إلَيْهِ جِنَايَةٌ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ
الِاسْتِخْفَافِ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ شَرِبْت مُسْكِرًا بِغَيْرِ إذْنِك فَأَمْرُك
بِيَدِك ثُمَّ شَرِبَ وَاخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ
الزَّوْجِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ اهـ.
فَحَاصِلَةُ الْقَوْلِ لَهُ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهَا، وَفِي
الْقُنْيَةِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك امْرَأَةً فَأَمْرُهَا بِيَدِك
فَدَخَلَتْ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِهِ بِنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَأَجَازَ
بِالْفِعْلِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلَتْ
امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِي فَلَهَا ذَلِكَ وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ.
اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي
بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) يَعْنِي فِي جَوَابِ قَوْلِ الزَّوْجِ
أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ صِفَةٌ
لِلطَّلْقَةِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الْعَامِلِ كَمَا أَنَّهَا صِفَةٌ
لِلِاخْتِيَارَةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّ خُصُوصَ الْعَامِلِ
اللَّفْظِيِّ قَرِينَةُ خُصُوصِ الْمُقَدَّرِ فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ
لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ الثَّلَاثَ بِالتَّفْوِيضِ مَلَكَتْ
الْوَاحِدَةَ فَكَانَتْ بَائِنَةً لِأَنَّ التَّفْوِيضَ إنَّمَا يَكُونُ
فِي الْبَائِنِ لِأَنَّهَا بِهِ تَمْلِكُ أَمْرَهَا وَهُوَ بِالْبَائِنِ
لَا بِارْجَعِي وَأَشَارَ بِذِكْرِ النَّفْسِ إلَى اشْتِرَاطِهِ مَعَ
طَلَّقَتْ أَيْضًا، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك
كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا كُلَّمَا شَاءَتْ فِي
الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ
نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ يَعْنِي دَفْعَةً
وَاحِدَةً وَأَمَّا تَفْرِيقُهَا الثَّلَاثَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَهَا
ذَلِكَ بِخِلَافِ إذَا وَمَتَى فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا التَّكْرَارُ وَلَا
يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَكُلَّمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ
وَبَعْدَ غَدٍ) يَعْنِي لَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ لَيْلًا بِنَاءً
عَلَى أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِأَنَّ عَطْفَ زَمَنٍ عَلَى زَمَنٍ مُمَاثِلٍ
مَفْصُولٍ بَيْنَهُمَا بِزَمَنٍ مُمَاثِلٍ لَهُمَا ظَاهِرٌ فِي قَصْدِ
تَقْيِيدِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوَّلِ وَتَقْيِيدُ أَمْرٍ آخَرَ
بِالثَّانِي فَيَصِيرُ لَفْظُ يَوْمٍ مُفْرَدًا غَيْرَ مَجْمُوعٍ إلَى مَا
بَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ صَارَ عَطْفَ جُمْلَةٍ
عَلَى جُمْلَةٍ أَيْ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك بَعْدَ
غَدٍ، وَلَوْ أَفْرَدَ الْيَوْمَ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فَكَذَا إذَا
عَطَفَ جُمْلَةً أُخْرَى قَيَّدَ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ لَوْ
قَالَ: طَلِّقِي الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا فَلَا
يَقَعُ إلَّا طَلَاقٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ
التَّأْقِيتَ وَإِذَا وَقَعَ تَصِيرُ بِهِ طَالِقًا فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ
فَذِكْرُ بَعْدَ غَدٍ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ لَا يَقْتَضِي أَمْرًا آخَرَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ الْأَمْرُ فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ) يَعْنِي إذَا
قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَرْتُ زَوْجِي فَقَدْ انْتَهَى
مِلْكُهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالرَّدِّ اخْتِيَارُ
الزَّوْجِ، وَالْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ الِانْتِهَاءُ قَيَّدْنَا بِهِ
لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ رَدَدْته فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَلِذَا قَالَ
فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ
يَقَعُ لَازِمًا فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمَا فَلَا مُنَاقَضَةَ بَيْنَ
قَوْلِهِمْ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَقَوْلُهُمْ هُنَا وَإِذَا رَدَّتْ
بَطَلَ، وَقَدْ سَلَكَ، وَالشَّارِحُونَ طَرِيقًا آخَرَ فِي دَفْعِ
الْمُنَاقَضَةِ بِأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّفْوِيضِ
وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَرْتَدُّ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لِرَجُلٍ
فَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ وَكَالْإِبْرَاءِ عَنْ
الدَّيْنِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَيَرْتَدُّ
بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ، وَالتَّمْلِيكِ أَمَّا
الْإِسْقَاطُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] سُمِّيَ الْإِبْرَاءُ
تَصَدُّقًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ
إنَّهُمْ وَفَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ يُرِيدُ بِرَدِّهِ عِنْدَ
التَّفْوِيضِ لَا بَعْدَ مَا قَبِلَهُ كَمَا فِي الْفُصُولِ وَأَمَّا مَا
ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا
قَبِلَهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ
وَجْهٍ وَتَعْلِيقٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَصِحُّ رَدُّهُ قَبْلَ قَبُولِهِ
نَظَرًا إلَى التَّمْلِيكِ وَلَا يَصِحُّ إلَى التَّعْلِيقِ لَا قَبْلَهُ
وَلَا بَعْدَهُ فَتَصِحُّ رِوَايَةُ صِحَّةِ الرَّدِّ نَظَرًا إلَى
التَّمْلِيكِ وَتَصِحُّ رِوَايَةُ فَسَادِ الرَّدِّ نَظَرًا إلَى
التَّعْلِيقِ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/346)
ابْنَ الْهُمَامِ حَمَلَ قَوْلَهُمْ
بِصِحَّةِ الرَّدِّ عَلَى اخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا وَقَوْلَهُمْ بِعَدَمِ
صِحَّتِهِ عَلَى مَا لَوْ قَالَتْ رَدَدْت وَهُوَ حَمْلٌ قَاصِرٌ لِأَنَّهُ
خَاصٌّ بِمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا.
وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ شَامِلٌ لِمَا إذَا جَعَلَ
الْأَمْرَ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ هَذَا الْحَمْلُ فِي أَمْرِ
الْأَجْنَبِيِّ فَتَعَيَّنَ مَا وَفَّقَ بِهِ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّهُ
يَرْتَدُّ قَبْلَ الْقَبُولِ لَا بَعْدَهُ كَالْإِبْرَاءِ وَجَوَابُهُ
أَنَّهُ يَأْتِي مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ لِلزَّوْجِ
اخْتَرْتُك كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِينَ نَظَرٌ لِأَنَّ
قَوْلَهَا بَعْدَ الْقَبُولِ رَدَدْت إعْرَاضٌ مُبْطِلٌ لِخِيَارِهَا،
وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ ثَلَاثُ مُنَاقِضَاتٍ إحْدَاهُمَا مَا
قَدَّمْنَاهُ وَجَوَابُهَا الثَّانِيَةُ مَا وَقَعَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ
لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا
خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَخْرُجُ،
وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَوَفَّقَ بِأَنَّ الْخُرُوجَ فِيمَا
إذَا كَانَ الْأَمْرُ مُنْجَزًا وَعَدَمُهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ
مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ: إنْ كَانَ كَذَا فَأَمْرُك بِيَدِك، وَالْحَقُّ
أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، وَالْأَقْوَالِ
وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ يَبْطُلُ بِتَنْجِيزِ
الْإِبَانَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ
لَا يَقَعُ لَا بِمَعْنَى بُطْلَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ
مِنْ أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ وَقَعَ عِنْدَ
الْإِمَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ
وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
التَّخْيِيرَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِاخْتِيَارِهَا
نَفْسَهَا، وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا، وَفِي الْقُنْيَةِ مُعَلَّمًا
بِعَلَامَةٍ فِيهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا
قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَبْقَى
الْأَمْرُ فِي يَدِهَا ثُمَّ رَقَّمَ بِمَ لَا يَبْقَى فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ ثُمَّ رَقَّمَ بح إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ
الْعِدَّةِ، وَالْأَمْرُ بَاقٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَائِهَا
لَا يَبْقَى اهـ.
فَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ بَقَائِهِ مَعَ الْأَمْرِ الْمُعَلَّقِ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
فَلَا يَصِحُّ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُ يَبْقَى إذَا كَانَ مُعَلَّقًا
فَالْحَقُّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِينَ نَظَرٌ. . إلَخْ) عَنْ هَذَا قَالَ
الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا عَجِيبٌ حَيْثُ جَعَلُوهُ يَبْطُلُ
بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّدِّ، وَالْإِعْرَاضِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ
وَنَوْمٍ وَصَرِيحُ الرَّدِّ لَمْ يَجْعَلُوهُ مُبْطِلًا اهـ.
أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنْ لَا نَظَرَ وَلَا عَجَبَ بَلْ النَّظَرُ،
وَالْعَجَبُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ لِأَنَّ
بُطْلَانَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَالرَّدِّ إنَّمَا هُوَ
فِي الْمُقَيَّدِ بِالْمَجْلِسِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ أَمَّا الْمُوَقَّتُ
الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ،
وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِ مَا لَمْ يَمْضِ الْوَقْتُ كَمَا
مَرَّ فِي التَّفْوِيضِ وَيَأْتِي قَرِيبًا وَكَأَنَّهُمَا أَخَذَا
الْإِطْلَاقَ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَبِالْحَمْلِ عَلَى مَا قُلْنَا
يَظْهَرُ الْأَمْرُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مَا هُوَ
صَرِيحٌ فِيمَا قُلْتُ: وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَعِبَارَتُهُ،
وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُك أَوْ لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ خَرَجَ
الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّهَا صَرَّحَتْ بِرَدِّ التَّمْلِيكِ
وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِدَلَالَةِ الرَّدِّ فَبِالصَّرِيحِ أَوْلَى هَذَا
إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ فَأَمَّا إذَا كَانَ
مُوَقَّتًا فَإِنْ أَطْلَقَ الْوَقْتَ بِأَنْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك إذَا
شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ
حَتَّى لَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا إلَّا أَنَّهَا لَا
تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً، وَإِنْ وَقَّتَهُ بِوَقْتٍ
خَاصٍّ بِأَنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ الْيَوْمَ
أَوْ الشَّهْرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَهَا الْأَمْرُ فِي
الْوَقْتِ كُلِّهِ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ تَشَاغَلَتْ لَا
يَبْطُلُ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَوْ
بَطَلَ بِإِعْرَاضِهَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّوْقِيتِ فَائِدَةٌ وَكَانَ
الْمُوَقَّتُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ
أَوْ الشَّهْرَ مُنَكَّرًا فَلَهَا الْأَمْرُ مِنْ سَاعَةِ تَكَلَّمَ إلَى
مِثْلِهَا، وَلَوْ مُعَرَّفًا فَلَهَا الْخِيَارُ فِي بَقِيَّتِهِ.
وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ ذُكِرَ
فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ فِي
مَجْلِسٍ آخَرَ وَذَكَرَ فِي بَعْضِهَا الِاخْتِلَافَ عَلَى الْعَكْسِ
(قَوْلُهُ: وَوَفَّقَ بِأَنَّ الْخُرُوجَ. . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ
وَأَصْلُهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ إلَّا
إذَا كَانَ مُعَلَّقًا اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ
قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا بَطَلَ
الْخِيَارُ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالْيَدِ وَلَوْ رَجْعِيًّا لَا يَبْطُلُ
أَصْلُهُ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا
فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا لَا يَعُودُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ الْأَمْرُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ وُجِدَ
الشَّرْطُ، وَفِي الْإِمْلَاءِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي إذَا شِئْتِ أَوْ
أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ
تَزَوَّجَهَا وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَطْلُقُ
بَائِنًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ
قَوْلُهُ: ضَعِيفٌ اهـ.
فَظَهَرَ بِذَلِكَ قُوَّةُ مَا وَفَّقَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
فَإِنْ قُلْت نَفْسُ الِاخْتِيَارِ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَنْبَغِي
أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ الصَّرِيحِ
وَمَا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عِنْدَهُ
نَوْعُ تَحْقِيقٍ وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا كَلَامٌ يُغْنِي النَّظَرُ إلَيْهِ
عَنْ التَّكَلُّمِ عَلَيْهِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَقَّمَ
بح إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالْأَمْرُ بَاقٍ)
ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَبْقَى فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا فَيُخَالِفُ مَا
مَرَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ
لِقَوْلِهِ لَا بِمَعْنَى بُطْلَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.
. . إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُ
يَبْقَى إذَا كَانَ مُعَلَّقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: بَعْدَ مَا نَقَلَ
التَّوْفِيقَ الْمَذْكُورَ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ
مَشَى عَلَى إطْلَاقِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ
مُقَيَّدٌ
(3/347)
أَنَّ الظَّاهِرَ فِي مَسْأَلَةِ رَدِّ
التَّفْوِيضِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي
الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَة بِأَنَّهَا
لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ ثُمَّ
ذَكَرَ بَعْدَهَا وَجْهَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا
تَكَلَّفَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَالشَّارِحُونَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ،
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَهُ امْرَأَتَانِ جَعَلَ أَمْرَ إحْدَاهُمَا
بِيَدِ الْأُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْمُفَوِّضُ إلَيْهَا بَائِنًا أَوْ
خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بِخِلَافِ مَا
لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ نَفْسِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا عَلَى
مَا مَرَّ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ اهـ.
الثَّالِثَةُ: مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَالْهِدَايَةِ وَعَامَّةِ
الْكُتُبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ
نَحْوُ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يُقْدِمُ فُلَانٌ أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ
وَبِهِ خَالَفَ أَيْضًا سَائِرَ التَّمْلِيكَاتِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي
شَرْحِ الزِّيَادَاتِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ أَمْرُك
بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ ثَلَاثًا إذَا جَاءَ
غَدٌ فَقَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ اخْتَرْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لِلْحَالِ
ثَلَاثًا، وَإِنْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا
بَطَلَ اهـ.
وَدَفَعَهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَيْسَ فِيهِ تَعْلِيقُ
الْأَمْرِ وَلَا إضَافَتُهُ لِأَنَّهُ مُنَجَّزٌ، وَقَوْلُهُ: فَطَلِّقِي
نَفْسَك تَفْسِيرٌ لَهُ فَكَانَ التَّعْلِيقُ مُرَادًا بِلَا لَفْظٍ
وَلَيْسَ الْمُنَجَّزُ مُحْتَمِلًا لِلتَّعْلِيقِ فَلَا يَكُونُ
مُعَلَّقًا، وَإِنْ نَوَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَفِي أَمْرُكِ بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ) أَيْ
اللَّيْلُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ
بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ آخَرَ فَكَانَ جَمْعًا بِحَرْفِ الْجَمِيعِ فِي
التَّمْلِيكِ الْوَاحِدِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فِي
يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ
اسْتِعْمَالًا لُغَوِيًّا وَعُرْفِيًّا فَقَوْلُ الشَّارِحِ تَبَعًا
لِلْهِدَايَةِ، وَقَدْ يَهْجُمُ اللَّيْلُ وَمَجْلِسُ الْمَشُورَةِ لَمْ
يَنْقَطِعْ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ
اللَّيْلِ فِي الْيَوْمِ الْمُفْرَدِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ رَدَّتْ فِي يَوْمِهَا لَمْ يَبْقَ فِي الْغَدِ) يَعْنِي
إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فِي يَوْمِهَا انْتَهَى مِلْكُهَا فَلَا
تَمْلِكُ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا
فَهُمَا أَمْرَانِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ
فَعَزْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا الْفَرْعَ إلَى أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ
لِإِثْبَاتِ خِلَافٍ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ خَرَّجَهُ
فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لَيْلًا، وَلَوْ
قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ غَدًا بَعْدَ غَدٍ فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ
فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ مُتَرَادِفَةٌ كَقَوْلِهِ
أَمْرُك بِيَدِك أَبَدًا فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهَا مَرَّةً وَعَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ حَقِيقَةٍ
كَذَا فِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ
الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ
أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ فَقَطْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَمْرُك
بِيَدِك فِي الْيَوْمِ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَقَدْ صَرَّحَ
بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ أَمْرُك
بِيَدِك يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا الْأَمْرُ مِنْ تِلْكَ
السَّاعَةِ إلَى اسْتِكْمَالِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَبْطُلُ
بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا بِشَيْءٍ آخَرَ وَيَكُونُ الشَّهْرُ
هُنَا بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا، وَلَوْ عَرَفَ فَقَالَ هَذَا الْيَوْمَ
أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي
بَقِيَّةِ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ وَيَكُونُ الشَّهْرُ
هُنَا عَلَى الْهِلَالِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا قَالَ: أَمْرُك
بِيَدِك إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَرَّةً
وَاحِدَةً فِي الشَّهْرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُتَّحِدٌ، وَلَوْ قَالَتْ:
اخْتَرْتُ زَوْجِي بَطَلَ خِيَارُهَا فِي الْيَوْمِ وَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ
نَفْسَهَا فِي الْغَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
وَالتَّوْفِيقُ سَهْوٌ اهـ.
وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا تَأْيِيدَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُفَوَّضُ إلَيْهَا بَائِنًا) أَيْ طَلَّقَ
الْمَرْأَةَ الَّتِي جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ:
يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا أَيْ بِيَدِ الْأُخْرَى أَيْ يَعُودُ كَمَا
كَانَ تَأَمَّلْ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ امْرَأَةٍ
أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ خَلَعَهَا لَا يَبْطُلُ الْأَمْرُ،
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِثْلُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ عَبَّرَ
بَدَلَ قَوْلِهِ يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بِقَوْلِهِ لَا يَخْرُجُ
الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا.
(قَوْلُهُ: وَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْغَدِ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْفَرْعَ لَا
يَخْلُو عَنْ احْتِيَاجٍ إلَى تَأَمُّلِ وَجْهِهِ إذْ مُقْتَضَى كَوْنِهِ
أَمْرًا وَاحِدًا أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُهَا فِي الْغَدِ كَمَا قَالَهُ
الْمُصَنِّفُ ثُمَّ رَأَيْته فِي الدِّرَايَةِ وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ
بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ تَمْلِيكٌ نَصًّا تَعْلِيقٌ مَعْنًى فَمَتَى
لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّمْلِيكِ وَمَتَى ذَكَرَهُ
فَالْعِبْرَةُ لِلتَّعْلِيقِ انْتَهَى كَلَامُ النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ
الْفُضَلَاءِ وَمِثَالُ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ أَمْرُك بِيَدِك
وَمِثَالُ مَا إذَا ذَكَرَهُ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ
أَمْرُك بِيَدِك إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ
يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْغَدِ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا
الْيَوْمَ فِي أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ
فَالتَّنَاقُضُ بِحَالِهِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
قُلْت: وَوَجْهُهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا
فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ فَإِعْرَاضُهَا فِي بَعْضِهِ لَا يُبْطِلُ
خِيَارَهَا فِي الْجَمِيعِ كَمَا إذَا قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا أَوْ
اشْتَغَلَتْ بِأَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ
هَذَا مَا نَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ
قَالَ أَمْرُك بِيَدِك هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ فَلَهَا الْأَمْرُ فِي
الْوَقْتَيْنِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فِي أَيِّهِمَا شَاءَتْ وَلَا يَبْطُلُ
بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْتَيْنِ
وَهَلْ يُبْطِلُ خِيَارَهَا زَوْجُهَا فَهُوَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ
الِاخْتِلَافِ اهـ.
فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ جَارٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا
(3/348)
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَرَجَ الْأَمْرُ
مِنْ يَدِهَا فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك هَذِهِ
السَّنَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا
خِيَارٌ فِي بَاقِي السَّنَةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَاحِدَةً
وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَلَهَا
الْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ مَا
اُسْتُوْفِيَتْ بَعْدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّهُ
إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِلْكِ، وَقَدْ بَطَلَ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ
إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك
إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَالْأَمْرُ بِيَدِهَا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إلَى
عَشَرَةِ أَيَّامٍ تُحْفَظُ بِالسَّاعَاتِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ
إلَى سَنَةٍ يَقَعُ بَعْدَ السَّنَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ
لِلْحَالِ، وَالْعِتْقُ كَالطَّلَاقِ وَقَدَّمْنَا أَنْوَاعًا مِنْ هَذَا
الْجِنْسِ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ هُنَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ،
وَالْكُلُّ ظَاهِرٌ إلَّا مَا فِيهِمَا مِنْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إلَى
الشَّهْرِ كَالطَّلَاقِ إلَّا إذَا قَالَ: عَنَيْت بِالْإِبْرَاءِ إلَى
الشَّهْرِ التَّأْخِيرَ يَكُونُ تَأْخِيرًا إلَيْهِ اهـ.
فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ إضَافَةِ الْإِبْرَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي
الْكَنْزِ مِنْ آخِرِ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا تَصِحُّ
إضَافَتُهُ وَقَيَّدَ بِاتِّحَادِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ لَوْ
كَرَّرَهُ بِأَنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَأَمْرُك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت
أَمْرَك بِيَدِك وَأَمْرَك بِيَدِك كَانَا تَفْوِيضَيْنِ لِأَنَّ الْوَاوَ
لِلْعَطْفِ لَا لِلْجَزَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك
فَأَمْرُك بِيَدِك لِأَنَّ الْفَاءَ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَلِأَنَّهُ
لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا، وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك فَأَمْرُك
بِيَدِك فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِك
بِجَعْلِ الْأَمْرِ بِيَدِك كَقَوْلِهِ جَعَلْتُك طَالِقًا فَأَنْت طَالِقٌ
أَوْ قَالَ: قَدْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ وَاحِدَةً.
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ تَفْوِيضَيْنِ بِالْوَاوِ، وَالْفَاءِ أَوْ
بِغَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِمَا بِأَنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك
طَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِالْأَمْرِ
الطَّلَاقَ يُصَدَّقُ قَضَاءً مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مَا وَصَلَ
قَوْلُهُ: طَلِّقِي بِالْكَلَامِ الْمُبْهَمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ
حَرْفَ الْوَصْلِ فَكَانَ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَلَمْ يَصِرْ تَفْسِيرًا
لِلْمُبْهَمِ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَطْفِ كَقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك
وَاخْتَارِي فَطَلِّقِي فَاخْتَارَتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَطَفَ
قَوْلَهُ فَطَلِّقِي عَلَى التَّفْوِيضَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ فَلَا يَكُونُ
تَفْسِيرًا لَهُمَا فَبَقِيَ كَلَامًا مُبْتَدَأً وَقَوْلُهَا اخْتَرْت لَا
يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ فَلَا يَقَعُ، وَإِنْ طَلَّقَتْ يَقَعُ وَاحِدَةً
رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَمْرُك
بِيَدِك وَاخْتَارِي فَاخْتَارِي فَطَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ
نَفْسَهَا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ
بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ الثَّلَاثَ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّفْوِيضَيْنِ
الْمُبْهَمَيْنِ بِالْعَطْفِ وَهُوَ لِلِاشْتِرَاكِ فَصَارَ طَلِّقِي
تَفْسِيرًا لَهُمَا وَكَذَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي وَاخْتَارِي أَوْ قَالَ:
أَمْرُك بِيَدِك وَأَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ
طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي اخْتَارِي
فَطَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ
الطَّلَاقَ يَقَعُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً بِالْخِيَارِ الْأَخِيرِ لِأَنَّ
قَوْلَهُ فَطَلِّقِي تَفْسِيرٌ لِلْأَخِيرِ فَقَطْ وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك
بِيَدِك فَاخْتَارِي أَوْ اخْتَارِي فَأَمْرُك بِيَدِك فَالْحُكْمُ
لِلْأَمْرِ حَتَّى إذَا نَوَى بِالثَّلَاثِ يَصِحُّ وَإِذَا أَنْكَرَ
الثَّلَاثَ وَأَقَرَّ بِالْوَاحِدَةِ يَحْلِفُ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَصْلُحُ
عِلَّةً، وَالِاخْتِيَارُ يَصْلُحُ حُكْمًا لَا عِلَّةً فَصَارَ الْحُكْمُ
لِلْأَمْرِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ طَلِّقِي
نَفْسَك فَأَمْرُك بِيَدِك، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارِي
فَطَلِّقِي فَاخْتَارَتْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ بِالْأَمْرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ
فَاخْتَارِي تَفْسِيرٌ لِلْأَمْرِ، وَقَوْلُهُ: فَطَلِّقِي تَفْسِيرٌ
لِقَوْلِهِ فَاخْتَارِي، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارِي
طَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُرِدْ
بِالْأَمْرِ، وَالتَّخْيِيرِ طَلَاقًا فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَقَعَتْ
رَجْعِيَّةً وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ
الْجَمْعُ بَيْنَ التَّفْوِيضَيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِي الْجَامِعِ لَوْ
قَالَ: أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ يَقَعُ وَاحِدَةً قِيلَ
تَأْوِيلُهُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الشَّهْرِ غَدًا أَمَّا إذَا كَانَ
بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَقَعَ طَلَاقَانِ فِي وَقْتَيْنِ وَقِيلَ مَا وَقَعَ
فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يُعْتَبَرُ الْفَاصِلُ وَعِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ تَطْلِيقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ
فَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَى الْغُرُوبِ، وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ تَقَيَّدَ
بِالْمَجْلِسِ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا الشَّهْرِ
فَرَدَّتْهُ بَطَلَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ بَطَلَ فِي ذِكْرِ الْمَجْلِسِ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا لَوْ
قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْقَلْبِ، وَلَوْ قَالَ
الْيَوْمَ أَوْ شَهْرًا فَرَدَّتْهُ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا فِيمَا
بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ عِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
تَنَاقُضَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَوْمِ،
وَغَدًا الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَذَكَرَ أَنَّهَا لَوْ رَدَّتْ
الْأَمْرَ فِي الْيَوْمِ يَبْقَى فِي الْغَدِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
لَا يَبْقَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
خَرَجَ الْأَمْرُ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْخَانِيَّةِ
أَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ أَوْ قَالَتْ لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ خَرَجَ
الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى
قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَبْطُلُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَا فِي
مَجْلِسٍ آخَرَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى
عَكْسِ هَذَا، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ.
فَمَا هُنَا مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ وَذَكَرَ
فِي الْبَدَائِعِ مِثْلَ مَا مَرَّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ
التَّصْحِيحَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ
يَقْتَضِي صِحَّةَ إضَافَةِ الْإِبْرَاءِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي
شَرْحِهِ أَقُولُ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَأْجِيلٌ مَعْنًى وَلَيْسَ
بِإِبْرَاءٍ مَحْضٍ لَا بِرَدِّ ذَلِكَ.
(3/349)
أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ
هَذَا تَفْوِيضٌ وَاحِدٌ فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَقَالَ هُوَ تَمْلِيكٌ
نَصًّا تَعْلِيقٌ مَعْنًى فَمَتَى لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ فَالْعِبْرَةُ
لِلتَّمْلِيكِ وَمَتَى ذَكَرَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّعْلِيقِ كَذَا فِي
الْمِعْرَاجِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَوْمًا وَلَمْ تَقُمْ
أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَوْ اتَّكَأَتْ عَنْ قُعُودٍ أَوْ عَكَسَتْ أَوْ
دَعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ أَوْ كَانَتْ
عَلَى دَابَّةٍ فَوَقَفَتْ بَقِيَ خِيَارُهَا، وَإِنْ سَارَتْ لَا) أَيْ
لَا يَبْقَى خِيَارُهَا لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا
الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِهَا وَأَنَّهُ يَتَبَدَّلُ حَقِيقَةً بِالْقِيَامِ
أَوْ حُكْمًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَمَا ذَكَرَهُ لَمْ
يَتَبَدَّلْ فِيهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلِهَذَا بَقِيَ خِيَارُهَا
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ حَقِيقَةً
عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَلِذَا
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَقَبْلَ أَنْ
تَخْتَارَ نَفْسَهَا أَخَذَ الزَّوْجُ بِيَدِهَا فَأَقَامَهَا أَوْ
جَامَعَهَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَفِي
مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَفِي الْأَصْلِ مِنْ نُسْخَةِ الْإِمَامِ
خُوَاهَرْ زَادَهْ الْمُخَيَّرَةُ إذَا قَامَتْ لِتَدْعُوَ الشُّهُودَ
بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ يَدْعُو الشُّهُودَ لَا يَخْلُو إمَّا
أَنْ تَتَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهَا أَوْ لَمْ تَتَحَوَّلْ فَإِنْ لَمْ
تَتَحَوَّلْ لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ تَحَوَّلَتْ
عَنْ مَوْضِعِهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
الْمُعْتَبَرَ فِي بُطْلَانِ الْخِيَارِ إعْرَاضُهَا أَوْ تَبَدُّلُ
الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْبَعْضِ أَيُّهُمَا وُجِدَ وَعِنْدَ الْبَعْضِ
الْإِعْرَاضُ وَهَذَا أَصَحُّ اهـ.
وَأَرَادَ بِسَيْرِ الدَّابَّةِ الْمُبْطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ
التَّفْوِيضِ بِمُهْلَةٍ فَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ، وَالدَّابَّةُ
تَسِيرُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْجَوَابُ بِأَسْرَعَ مِنْ
ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ أَنْ يَسْبِقَ جَوَابُهَا خُطْوَتَهَا
فَلَوْ سَبَقَ خُطْوَتُهَا جَوَابَهَا لَمْ تَبِنْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي السَّيْرِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ
مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الْمَحْمَلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا
قَائِدٌ أَمَّا إذَا كَانَا فِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُمَا الْجَمَّالُ لَا
يَبْطُلُ لِأَنَّهُ كَالسَّفِينَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَشَارَ
بِالسَّيْرِ إلَى كُلِّ عَمَلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَدَخَلَ فِيهِ
مَا لَوْ دَعَتْ بِطَعَامٍ فَأَكَلَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ
أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالنَّوْمِ أَوْ جُومِعَتْ أَوْ
ابْتَدَأَتْ الصَّلَاةَ أَوْ انْتَقَلَتْ إلَى شَفْعٍ آخَرَ فِي النَّقْلِ
الْمُطْلَقِ أَوْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَنَزَلَتْ أَوْ تَحَوَّلَتْ إلَى
دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ كَانَتْ نَازِلَةً فَرَكِبَتْ وَمَا لَوْ بَدَأَتْ
بِعِتْقِ عَبْدٍ فَوَّضَ سَيِّدَهُ إلَيْهَا عِتْقَهُ قَبْلَ أَنْ
تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَمَا لَوْ قَالَتْ أَعْطِنِي كَذَا إنْ طَلَّقْتنِي
كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتُلِفَ فِي قَلِيلِ الْأَكْلِ فَفِي
الْخُلَاصَةِ الْأَكْلُ يُبْطِلُ، وَإِنْ قَلَّ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ
قَلَّ لَا يُبْطِلُ، وَالشُّرْبُ لَا يُبْطِلُ أَصْلًا اهـ.
وَقَيَّدَ بِسَيْرِ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي السَّفِينَةِ
فَسَارَتْ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ
بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَى كُلِّ عَمَلٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ
فَدَخَلَ الْأَكْلُ الْيَسِيرُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالشُّرْبُ
مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ وَلُبْسُ ثَوْبِهَا مِنْ
غَيْرِ قِيَامٍ وَنَوْمُهَا مُضْطَجِعَةً وَقِرَاءَتُهَا وَتَسْبِيحُهَا
قَلِيلًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك وَأَمْرُ
هَذِهِ أَيْضًا لِامْرَأَةٍ أُخْرَى بِيَدِك فَقَالَتْ طَلَّقْت فُلَانَةَ
ثُمَّ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي جَازَ وَبِهَذَا لَا يَتَبَدَّلُ
الْمَجْلِسُ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَسَمَةٌ أَوْ هَدْيُ
بَدَنَةٍ وَحَجَّةٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ شُكْرًا
لِمَا فَعَلْت إلَيَّ، وَقَدْ طَلَّقْت نَفْسِي جَازَ وَبِمَا قَالَتْ لَا
يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ.
وَلَوْ لَمْ تَقُلْ هَكَذَا، وَلَكِنَّهَا قَالَتْ مَا تَصْنَعُ
بِالْوَلَدِ ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسهَا يَقَعُ اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ تَكَلَّمَتْ بِكَلَامٍ هُوَ تَرْكٌ
لِلْجَوَابِ كَمَا لَوْ أَمَرَتْ وَكِيلَهَا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ
أَجْنَبِيًّا بِهِ بَطَلَ خِيَارُهَا فَلَوْ قَالَتْ: لِمَ لَا
تُطَلِّقُنِي بِلِسَانِك لَا يَبْطُلُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ
يَتَبَدَّلُ بِهِ الْمَجْلِسُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ زَائِدٌ اهـ.
أَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْكُلَّ الْمُبَدِّلَ
لِلْمَجْلِسِ مَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِفَاضَةً فِي
غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى
وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ اهـ.
وَدَخَلَ مَا لَوْ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَأَتَمَّتْهَا أَوْ
فِي نَفْلٍ مُطْلَقٍ فَأَتَمَّتْ شَفْعًا فَقَطْ، وَفِي الْخُلَاصَةِ،
وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَالْوِتْرُ بِمَنْزِلَةِ الْفَرِيضَةِ
وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا كَانَ الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ مِنْ الزَّوْجِ
فَهُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِأَيِّهِمَا
بَدَأَتْ وَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا وَأَمْرَ عَبْدِهِ بِيَدِهَا
فَبَدَأَتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَفَرَّقُوا
بَيْنَ عَبْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلُبْسُ ثَوْبِهَا مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ
فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ
(3/350)
الزَّوْجِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فِي
بُدَاءَتِهَا بِعِتْقِهِ فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ دُونَ
الثَّانِي وَقَيَّدَ بِالِاتِّكَاءِ لِأَنَّهَا لَوْ اضْطَجَعَتْ قَالَ
بَعْضُهُمْ: لَا يَبْطُلُ الْأَمْرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ هَيَّأَتْ
الْوِسَادَةَ كَمَا تَفْعَلُ لِنَوْمٍ يَبْطُلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُحْتَبِيَةً فَتَرَبَّعَتْ أَوْ
عَلَى الْعَكْسِ لَا يَبْطُلُ بِالْأُولَى كَمَا فِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ وَقَيَّدَ بِدَعْوَتِهَا الشُّهُودَ لِأَنَّهَا لَوْ
ذَهَبَتْ إلَيْهِمْ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ أَحَدٌ يَدْعُوهُمْ فَفِيهِ
اخْتِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، وَلَوْ قَالَ وَأَوْقَفْتهَا مَكَانَ
وَقَفْت لَكَانَ أَوْلَى لِيُعْلَمَ الْحُكْمُ فِي وُقُوفِهَا بِدُونِ
إيقَافِهَا بِالْأَوْلَى وَمَسْأَلَةُ الْإِيقَافِ فِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ
مُنَجَّزًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ فَلَا يَصِيرُ
الْأَمْرُ بِيَدِهَا إلَّا إذَا جَاءَ الشَّرْطُ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ
مَجْلِسُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مُطْلَقًا، وَالْقَبُولُ فِي ذَلِكَ
الْمَجْلِسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنْ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَأَمَّا إذَا
كَانَ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا فَالْأَمْرُ
بِيَدِهَا مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا عَلِمْت أَوْ لَا فَإِذَا مَضَى
الْوَقْتُ انْتَهَى عَلِمَتْ أَوْ لَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ
يَعْنِي فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَلَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى
الْإِعْرَاضِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِمُكْثِ
الْيَوْمِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ الْمُرَادُ الْمُكْثُ الدَّائِمُ إذَا
لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ يَوْمًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا فِي
غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ مَشَتْ فِي
الْبَيْتِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ لَمْ يَبْطُلْ وَكَذَا فِي فُصُولِ
الْعِمَادِيِّ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُخَيِّرَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي
الْبَيْتِ فَمَشَتْ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ أَمَّا لَوْ خَيَّرَهَا
وَهِيَ قَاعِدَةٌ فِي الْبَيْتِ فَقَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا بِمُجَرَّدِ
قِيَامِهَا لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ.
(قَوْلُهُ: وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ) أَيْ، وَالسَّفِينَةُ كَبَيْتٍ لَا
كَدَابَّةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ
حَقِيقَةً وَافْتَرَقَا بِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ يُضَافُ إلَى
رَاكِبِهَا، وَالسَّفِينَةَ إلَى الْمَاءِ، وَالرِّيحِ، وَفِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ: لَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا
أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا كُلَّمَا شَاءَتْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ
فِي مَجْلِسٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ دَفْعَةً وَاحِدَةً
أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا لَهَا فِي الْمَجْلِسِ تَفْرِيقُ
الثَّلَاثِ فَلَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ
الْمُرَادَ بِهِ عِتْقُ عَبْدِ الزَّوْجِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّانِي
عِتْقُ عَبْدِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا عَنْ
الْخَانِيَّةِ وَلِقَوْلِهِ سَابِقًا وَمَا لَوْ بَدَأَتْ بِعِتْقِ عَبْدٍ.
. . إلَخْ لَكِنْ فِي النَّهْرِ، وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا وَأَمْرَ عِتْقِ
الْعَبْدِ بِيَدِهَا فَبَدَأَتْ بِالْعِتْقِ قِيلَ إنْ كَانَ عَبْدَ
زَوْجِهَا كَانَ إعْرَاضًا وَإِلَّا لَا اهـ.
وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ قُبَيْلَ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا:
طَلِّقِي نَفْسَك وَقَالَ لَهَا آخَرُ: أَعْتِقِي عَبْدَك فَبَدَأَتْ
بِعِتْقِ الْعَبْدِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ
بِالْعِتْقِ زَوْجُهَا فَبَدَأَتْ بِالْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي
الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ. . . إلَخْ)
نَصُّ عِبَارَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ الْجُمْلَةُ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ
لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِيَدِهَا أَوْ يَدِ فُلَانٍ وَكُلُّ
ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا أَوْ مُعَلَّقًا
بِالشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا
بِالْوَقْتِ أَوْ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ فَالْأَمْرُ
بِيَدِ فُلَانٍ وَبِيَدِهَا مَا دَامَ الْوَقْتُ قَائِمًا عَلِمَ فُلَانٌ
أَوْ هِيَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ يَنْتَهِي عَلِمَ
أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَالْقَبُولُ الَّذِي يُذْكَرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنْ
إذَا رَدَّ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ، وَإِنْ كَانَ
مُرْسَلًا لَكِنْ مُطْلَقًا فَإِنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ فِي يَدِ
الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي يَدِهِ
فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَالْقَبُولُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ
بِشَرْطٍ لَكِنْ إذَا رَدَّهُ يَرْتَدُّ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا
بِالشَّرْطِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهِ إذَا جَاءَ الشَّرْطُ
فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ مُطْلَقًا يَصِيرُ فِي يَدِهِ فِي
مَجْلِسِ عِلْمِهِ، وَالْقَبُولُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ
لَكِنْ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ اهـ.
فَتَأَمَّلْهُ، وَفِي الْبَدَائِعِ جَعْلُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لَا يَخْلُو
إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مُضَافًا
إلَى وَقْتٍ، وَالْمُنَجَّزُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا
أَوْ مُوَقَّتًا فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك
فَشَرْطُ بَقَاءِ حُكْمِهِ بَقَاءُ مَجْلِسِ عِلْمِهَا بِالتَّفْوِيضِ
فَمَا دَامَتْ فِيهِ فَهُوَ بِيَدِهَا سَوَاءٌ قَصُرَ أَوْ طَالَ فَإِنْ
قَامَتْ عَنْهُ بَطَلَ وَكَذَا إنْ وُجِدَ مِنْهَا قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ
يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَإِنْ كَانَ مُوَقَّتًا فَإِنْ أَطْلَقَ
الْوَقْتَ كَأَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا أَوْ مَتَى شِئْت
أَوْ مَتَى مَا فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ
رَدَّتْ الْأَمْرَ أَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ
آخَرَ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ، وَإِنْ وَقَّتَهُ
بِوَقْتٍ خَاصٍّ كَأَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ الْيَوْمَ
أَوْ الشَّهْرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ.
وَلَوْ قَامَتْ أَوْ تَشَاغَلَتْ بِغَيْرِ الْجَوَابِ لَا يَبْطُلُ مَا
بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا
بِشَرْطٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ أَوْ
مُوَقَّتًا فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا كَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَمْرُك
بِيَدِك فَقَدِمَ فَهُوَ بِيَدِهَا إذَا عَلِمْت فِي مَجْلِسِهَا الَّذِي
يُقْدِمُ فِيهِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ
الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ مُوَقَّتًا كَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَمْرُك
بِيَدِك يَوْمًا أَوْ الْيَوْمَ الَّذِي يُقْدِمُ فِيهِ فَلَهَا الْخِيَارُ
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كُلِّهِ إذَا عَلِمَتْ بِالْقُدُومِ وَلَا يَبْطُلُ
بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَهَلْ يَبْطُلُ بِاخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا
فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ مُضَافًا
إلَى الْوَقْتِ كَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ فَجَاءَ
الْوَقْتُ صَارَ بِيَدِهَا وَكَانَ عَلَى مَجْلِسِهَا مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ
وَرَأْسِ الشَّهْرِ اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ خَيَّرَهَا وَهِيَ قَاعِدَةٌ فِي الْبَيْتِ
فَقَامَتْ بَطَلَ. . إلَخْ) قَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ قَامَتْ
أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ أَنَّ بُطْلَانَهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ
قَوْلُ الْبَعْضِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ
دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ.
(3/351)
شَاءَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ لَا بَعْدَ
زَوْجٍ آخَرَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِذَا وَمَتَى كَكُلَّمَا فِي عَدَمِ
التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ لَكِنْ لَا يُفِيدُ أَنَّ التَّكْرَارَ
وَكَيْفَ، وَإِنْ وَحَيْثُ وَكَمْ وَأَيْنَ وَأَيْنَمَا تَتَقَيَّدُ
بِالْمَجْلِسِ، وَالْعِتْقُ كَالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَتَّى
لَوْ قَالَ فِيمَا لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ لَا أَشَاءُ ثُمَّ شَاءَ
الْعِتْقَ عَتَقَ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَاسْتَشْكَلَهُ مُؤَلِّفُهُ
بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا بَطَلَ
وَأُجِيبَ عَنْهُ فِيمَا كَتَبْته عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ
يُفَرَّقُ بَيْن اخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ وَبَيْنَ قَوْلِهَا لَا أَشَاءُ
فِي مَشِيئَةٍ مُكَرَّرَةٍ بِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلزَّوْجِ مُبْطِلٌ
أَصْلَ التَّفْوِيضِ قَوْلُهَا لَا أَشَاءُ إنَّمَا يُبْطِلُ مَشِيئَةً
مِنْ جُمْلَةِ الْمَشِيئَاتِ لَهَا الْمَشِيئَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا
يُبْطِلُ أَصْلَ التَّفْوِيضَ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِهَا إنْ
قَامَرَ ثُمَّ قَامَرَ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: إنَّكِ عَلِمْت
مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ تُطَلِّقِي فِي مَجْلِسِ عِلْمِك قَالَتْ
لَا بَلْ عَلِمْت الْآنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك
فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ إنَّمَا طَلَّقْت نَفْسَك بَعْدَ
الِاشْتِغَالِ بِكَلَامٍ أَوْ عَمَلٍ وَقَالَتْ لَا بَلْ طَلَّقْت نَفْسِي
فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِلَا تَبَدُّلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّهُ
وَجَدَ سَبَبَهُ بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ
الِاشْتِغَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ قَالَ: خَيَّرْتُك أَمْسِ فَلَمْ تَخْتَارِي
وَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: قَالَ لِقِنِّهِ جَعَلْت
أَمْرَك بِيَدِك فِي الْعِتْقِ أَمْسِ فَلَمْ تَعْتِقْ نَفْسَك وَقَالَ:
الْقِنُّ فَعَلْته لَا يُصَدَّقُ إذَا الْمَوْلَى لَمْ يُقِرَّ بِعِتْقِهِ
لِأَنَّ جَعْلَ الْأَمْرِ بِيَدِهِ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ مَا لَمْ
يُعْتِقْ الْقِنُّ نَفْسَهُ، وَالْقِنُّ يَدَّعِي ذَلِكَ، وَالْمَوْلَى
يُنْكِرُهُ وَلَا قَوْلَ لِلْقِنِّ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا
لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ بِتَبَدُّلِ
مَجْلِسِهِ أَقُولُ: عَلَى هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِغَالِ بِكَلَامٍ
إلَى آخِرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهَا اهـ.
وَقَدْ أَجَبْت عَنْهُ فِي حَاشِيَتِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ
فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اتَّفَقَا عَلَى صُدُورِ الْإِيقَاعِ مِنْهَا
بَعْدَ التَّفْوِيضِ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي إبْطَالَ إيقَاعِهَا فَلَا
يُقْبَلُ مِنْهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُقِرَّ الْمَوْلَى
بِالْإِيقَاعِ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَإِنْ قُلْت هَلْ
التَّفْوِيضُ يَصِحُّ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ قُلْت قَالَ
فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ جَعَلَ أَمْرَهَا
بِيَدِهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنْ ضَرَبَهَا بِلَا جُرْمٍ
فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ إنْ قِيلَ يَكُونُ
مُتَارَكَةً كَالطَّلَاقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِنْ قِيلَ:
لَا فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فَسْخٌ وَتَعْلِيقُ
الْفَسْخِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك
فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا يَكُونُ مُتَارَكَةً لِأَنَّ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ،
وَفِي الْأَوَّلِ تَعَلَّقَ الْفَسْخُ بِالضَّرْبِ اهـ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ شَاوَرْته، وَاسْتَشَرْتُهُ رَاجَعْتُهُ لَأَرَى
رَأْيَهُ فَأَشَارَ عَلَيَّ بِكَذَا أَرَانِي مَا عِنْدَهُ مِنْ
الْمَصْلَحَةِ فَكَانَتْ إشَارَتُهُ حَسَنَةً، وَالِاسْمُ الْمَشُورَةُ،
وَفِيهَا لُغَتَانِ سُكُونُ الشِّينِ وَفَتْحُ الْوَاوِ وَضَمُّ الشِّينِ
وَسُكُونُ الْوَاوِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)
(وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً
فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً، وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ
وَقَعْنَ) أَيْ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَك
مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً لِأَنَّهُ
جُزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الْعُمُومِ وَهُوَ فِي حَقِّ
الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ نِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ هُنَا أَيْضًا
لِكَوْنِهِ عَدَدًا وَأَطْلَقَ تَطْلِيقَهَا الثَّلَاثَ فَشَمِلَ مَا إذَا
قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا وَقَوْلَهَا قَدْ فَعَلْت مَعَ نِيَّةِ
الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَشَمِلَ مَا إذَا أَوْقَعَتْ
الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمُتَفَرِّقًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا،
وَقَدْ نَوَى وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا
سَيَأْتِي وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلِّقِي أَيْ
نِسَائِي شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَالَ: أَمْرُ نِسَائِي بِيَدِك
لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ
الْمُخَاطَبَ هُنَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عُمُومِ خِطَابِهِ وَدَخَلَ فِي
قَوْلِهِ: نِسَائِي كُلُّهُنَّ طَوَالِقُ إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِذَا
دَخَلَتْ هِيَ طَلُقَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لَا بِاخْتَرْتُ) يَعْنِي أَنَّ
أَبَنْتُ نَفْسِي يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي نَفْسَك وَلَا يَصْلُحُ
اخْتَرْت نَفْسِي جَوَابًا لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ
الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ،
وَالْمُفَوَّضُ إلَيْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) أَيْ إذَا كَانَتْ اسْتَوْفَتْ
الثَّلَاثَ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ
ثِنْتَيْنِ فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَلَهَا
إنْ تَشَاءُ الطَّلَاقَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَسْتَوْفِيَ
ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَلْ يَهْدِمُ مَا
دُونَ الثَّلَاثِ أَمْ لَا.
[فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ]
(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ) (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ. .
. إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخِطَابَ مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَةِ
الْخَانِيَّةِ أَيْضًا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ
نَفْسُك.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي إنْ أَبَنْت نَفْسِي يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي)
هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ
لِصُدُورِهِ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ وَأَمَّا مَا يَأْتِي عَنْ
التَّلْخِيصِ فَهُوَ فِيمَا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي ابْتِدَاءً لَا
جَوَابًا لِلْأَمْرِ كَمَا هُنَا، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْك فَارْجِعْ إلَى
مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّفْوِيضِ
وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ هَكَذَا
(3/352)
الطَّلَاقُ، وَالِاخْتِيَارُ لَيْسَ مِنْ
أَلْفَاظِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً بِدَلِيلِ الْوُقُوعِ
بِأَبَنْتُك دُونَ اخْتَارِي، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ. وَتَوَقُّفُهُ
عَلَى إجَازَتِهِ إذَا قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي بِشَرْطِ نِيَّتِهَا كَمَا
فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَعَدَمِ التَّوَقُّفِ إذَا قَالَتْ اخْتَرْت
نَفْسِي مِنْهُ وَإِنَّمَا صَارَ كِنَايَةً بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَا إذَا حَصَلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ
عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَصَلُحَ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ أَيْضًا
لِأَنَّهُ هُوَ التَّخْيِيرُ مَعْنًى فَثَبَتَ جَوَابًا لَهُ بِدَلَالَةِ
نَصِّ إجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّخْيِيرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَمْرُك بِيَدِك
لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّك مُخَيَّرَةٌ فِي أَمْرِك الَّذِي هُوَ
الطَّلَاقُ بَيْنَ إيقَاعِهِ وَعَدَمِهِ فَهُوَ مُرَادِفٌ لِلتَّخْيِيرِ
بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ خُصُوصَ اللَّفْظِ مَلْغِيٌّ
بِخِلَافِ طَلِّقِي فَإِنَّهُ وُضِعَ لِطَلَبِ الطَّلَاقِ لَا
لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ
الْعِتْقِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَعْتِقِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْتُ
كَانَ بَاطِلًا اهـ.
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ جَعَلْت الْخِيَارَ إلَيَّ أَوْ جَعَلْت
أَمْرِي بِيَدِي فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ فَإِذَا أَجَازَ صَارَ أَمْرُهَا
بِيَدِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْت إلَى أَنَّهُ
رَجْعِيٌّ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهَا فِي الْوَصْفِ فَقَطْ فَوَقَعَ أَصْلُ
الطَّلَاقِ دُونَ مَا وَصَفَتْهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي
نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ
أَلْفًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَصْلِ،
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا
التُّمُرْتَاشِيُّ، وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ
بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَا غَيْرُ إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى
الْمُوَافَقَةِ أَعْنِي الثَّلَاثَ، وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ
الْوَاقِعُ بِالتَّطْلِيقَةِ، وَالْأَلْفُ، وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ
الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ
الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْبَائِنِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ
الْخِلَافُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى
نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيقَاعِ، وَالْخِلَافُ فِي
الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ، وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى اهـ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك، وَقَوْلِهِ: طَلِّقِي
نَفْسَك تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهَا أَبَنْت
نَفْسِي وَبَيْنَ قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنَةً فِي وُقُوعِ
الْأَصْلِ وَإِلْغَاءِ الْوَصْفِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِيهَا مِنْ
الْعِتْقِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَمْرُ عِتْقِك فِي يَدِك أَوْ جَعَلْت
عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك فَأَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي
الْمَجْلِسِ عَتَقَتْ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ السَّيِّدِ اهـ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطَّلَاقِ كَذَلِكَ فَتَصِيرُ هَذِهِ
الْأَلْفَاظُ بِمَنْزِلَةِ طَلِّقِي نَفْسَك لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ
وَأَفَادَ بِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْجَوَابِ أَنَّ الْأَمْرَ يَخْرُجُ
مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا كَمَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَدَلَّ اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الِاخْتِيَارِ أَنَّ كُلَّ
لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْ الزَّوْجِ يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي
نَفْسَك كَجَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك
فَقَالَتْ: حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَقَعُ بِخُوَارِزْمَ
وَبُخَارَى اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَرْتُ يَصْلُحُ جَوَابًا لِأَمْرُكِ بِيَدِك
وَلِاخْتَارِي لَا لِطَلِّقِي وَطَلَّقْت جَوَابًا لِلْكُلِّ، وَالْأَمْرُ
لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْأَمْرِ لِأَنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ فِي
الْأَوَّلِ غَيْرُ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ وَكَذَا الِاخْتِيَارُ لِلِاخْتِيَارِ
وَطَلِّقِي نَفْسَك يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك
وَلِقَوْلِهِ اخْتَارِي. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) أَيْ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ
الرُّجُوعَ عَنْ التَّفْوِيضِ سَوَاءٌ كَانَ لَفْظَ التَّخْيِيرِ أَوْ
بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ
يَتِمُّ بِالْمِلْكِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولٍ
وَأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَبِاعْتِبَارِ
التَّمْلِيكِ تَقْيِيدٌ بِالْمَجْلِسِ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ لَمْ
يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَا عَزْلُهَا وَلَا نَهْيُهَا، وَفِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ، وَالْخَانِيَّةِ لَوْ صَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا فَقَالَ:
وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِك كَانَ تَمْلِيكًا كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك
اهـ.
بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهَذِهِ
عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا حَتَّى لَوْ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ ضَرَّتِهَا
أَوْ فَوَّضَ أَجْنَبِيٌّ لَهَا طَلَاقَ زَوْجَتِهِ كَانَ تَوْكِيلًا
فَمَلَكَ الرُّجُوعَ مِنْهُ لِكَوْنِهَا عَامِلَةً لِغَيْرِهَا وَلَا
يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي طَلُقَتْ،
وَلَوْ قَالَتْ قَدْ اخْتَرْتُ نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ
مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْنَتُك
يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ
أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ
إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ وَصْفًا فَيَلْغُو وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ
بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا
تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ خَيَّرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي
الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ قَالَتْ ابْتِدَاء اخْتَرْتُ نَفْسِي
فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ انْتَهَتْ فَمَا فِي
الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: أَوْ
ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً) أَيْ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ طَلِّقِي
ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي
الْأَصْلِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي
الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا
بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا بِخِلَافِ
مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ فِي الْوَصْفِ بَعْدَ
مُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا إذْ الْوَصْفُ
تَابِعٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْأَمْرِ) قَالَ
الْبَزَّازِي بِأَنْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ أَمْرِي بِيَدِي
وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ
مُفَوَّضٍ إلَيْهِ لَيْسَ هُنَا مَحَلُّهُ بَلْ ذَكَرَهُ قُبَيْلَ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فِي مَسَائِلِ الضَّرْبِ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَكَأَنَّهَا
وَقَعَتْ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى الْهَامِشِ فَظَنَّ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ
مَوْضِعَهَا هُنَا أَوْ الْغَلَطَ مِنْ الْكَاتِبِ لِنُسْخَتِهِ.
(3/353)
وَكَذَا الْمَدْيُونُ فِي إبْرَاءِ
ذِمَّتِهِ بِقَوْلِ الدَّائِنِ لَهُ أَبْرِئْ ذِمَّتَك عَامَلَ لِغَيْرِهِ
بِالذَّاتِ وَلِنَفْسِهِ ضِمْنًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالتَّوْكِيلُ
اسْتِعَانَةٌ فَلَوْ لَزِمَ وَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَادَ عَلَى
مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَقَدَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ
طَلِّقِي وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك إذْ كُلُّ مَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي
أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ عَدِمَ الرُّجُوعَ أَيْضًا
يَتَفَرَّعُ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالتَّمْلِيكِ بِنَاءً
عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ شَرْعًا عَلَى
مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ
عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ الْمُسْتَخْرَجِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ
فِي الْوَكَالَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ فَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ يَصِحَّ
الرُّجُوعُ عَنْ تَوْكِيلٍ وَوِلَايَةٍ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى
الْمَجْلِسِ فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ سَهْوٌ لِأَنَّهُ لَا
يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ شَرْعًا لِأَنَّهُ
لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ بِالشَّرْطِ،
وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَقَدْ اسْتَمَرَّ عَلَى سَهْوِهِ
هَذَا، وَلَوْ قَالَ إنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي التَّوْكِيلِ
بِالطَّلَاقِ لَكَانَ صَحِيحًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْمُسْتَخْرَجَ
يُمْكِنُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى: إنْ طَلَّقْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ مَعَ
أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ،
وَالْوِلَايَاتُ فَلَا دَخْلَ لَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
هُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ
طَلِّقِي، وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك وَهُوَ أَنَّهُمَا، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي
الْعَمَلِ لِلنَّفْسِ بِتَمَلُّكِهَا نَفْسَهَا وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ
وَلِلْغَيْرِ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الزَّوْجِ، وَالدَّائِنِ وَلَكِنْ لَمَّا
كَانَ الطَّلَاقُ مَحْظُورًا فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ أَبْغَضُ
الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ
مَقْصُودُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامِلَةً لِنَفْسِهَا قَصْدًا
وَلِهَذَا قَالُوا لَا يُكْرَهُ التَّفْوِيضُ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَمَّا
كَانَ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ مُسْتَحَبًّا سَبَبًا لِلثَّوَابِ لَمْ
يَكُنْ مَقْصُودُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ عَامِلًا لَهُ لَا
لِنَفْسِهِ لِيَحْصُلَ الثَّوَابُ لَهُ عَلَى فِعْلِ الْمُسْتَحَبِّ
قَصْدًا لَا ضِمْنًا وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ
الزَّيْلَعِيُّ فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَوْكِيلُهُ
الْكَفِيلَ بِمَالٍ أَنَّ قَوْلَ الدَّائِنِ أَبْرِئْ ذِمَّتَك تَمْلِيكٌ
لَا تَوْكِيلٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّهُ يَلْزَمُ
عَلَيْهِ تَقْيِيدُهُ بِالْمَجْلِسِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْهُ،
وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ
فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا
أَنْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِانْتِقَاضِهِ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُ
تَمْلِيكٌ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ
التَّسْلِيمِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِالْمَجْلِسِ وَقَدَّمْنَا
أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ لَا يَتَقَيَّدُ
بِالْمَجْلِسِ.
وَذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ
الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ
فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِيهِمَا تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا مَحْضًا
فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ مِمَّا
يَحْلِفُ بِهِ فَكَانَ يَمِينًا فَلَمْ يُمْكِنْ الرُّجُوعُ عَنْهُ
بِخِلَافِ التَّفْوِيضِ فِي الْإِبْرَاءِ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّهَا لَا
تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَانَ تَوْكِيلًا مَحْضًا فَلَمْ
تَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَأَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَنْهُ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ
لِزَوْجِهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْلَعْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ
ذَلِكَ تَوْكِيلًا حَتَّى لَوْ نَهَتْهُ عَنْ ذَلِكَ صَحَّ نَهْيُهَا
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَاعْتِقْنِي
عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ اهـ.
وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِخَلْعِ
نَفْسِهَا فَخَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ أَوْ عَرَضٍ فَإِنَّ ذَلِكَ
لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي هَذَا
الْوَجْهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اشْتَرِ طَلَاقَك مِنِّي بِمَا
شِئْت وَقَدْ وَكَّلْتُك بِذَلِكَ فَقَالَتْ قَدْ اشْتَرَيْته بِكَذَا
كَذَا كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ: اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي بِكَذَا
كَذَا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا وَلَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ بِمَالٍ
الَّذِي يَخْلَعُ بِغَيْرِ مَالٍ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْخُلْعِ اشْتَرِ نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ
اشْتَرَيْت لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ بِعْت، وَلَوْ قَالَ: اخْلَعِي
نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ خَلَعْت وَقَعَ بِلَا قَبُولِهِ.
(قَوْلُهُ: وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا إلَّا إذَا أَرَادَ مَتَى شِئْت)
لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ
وَإِذَا زَادَ مَتَى شِئْت كَانَ لَهَا التَّطْلِيقُ فِي الْمَجْلِسِ
وَبَعْدَهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ
كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَمُرَادُهُ مِنْ مَتَى مَا دَلَّ
عَلَى عُمُومِ الْوَقْتِ فَدَخَلَ إذَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا عِنْدَ الْإِمَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ) أَيْ الَّتِي
تَضَمَّنَتْهَا الْوَكَالَةُ، وَقَدْ مَرَّ جَوَابُ النَّهْرِ (قَوْلُهُ:
وَلَوْ قَالَ أَنَّهُ يُمْكِنُ. . . إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ صَاحِبُ
الْفَتْحِ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ
عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ أَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ
أَجْنَبِيًّا بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا مُمْكِنٌ مَعَ
أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ.
(3/354)
كَانَ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ
أُطَلِّقْك فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ
بِإِمْكَانِ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا فَيَتَقَيَّدُ وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا
فَلَا تَتَقَيَّدُ، وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ
بِالشَّكِّ وَدَخَلَ حِينَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ قَالَ: حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا شِئْت
لِأَنَّ الْحِينَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ اهـ.
وَقَيَّدَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْوَقْتِ احْتِرَازًا عَنْ أَنْ
وَكَيْفَ وَحَيْثُ وَكَمْ وَأَيْنَ وَأَيْنَمَا فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ
بِالْمَجْلِسِ وَكُلَّمَا كَمَتَى فِي عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ
مَعَ اخْتِصَاصِهَا بِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ إلَى الثَّلَاثِ عَلَى مَا
أَسْلَفْنَاهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالْإِرَادَةُ،
وَالرِّضَا، وَالْمَحَبَّةُ كَالْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ
بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا كَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ
عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيضَ
إلَيْهَا بِلَفْظِ التَّطْلِيقِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ سَوَاءٌ
أَطْلَقَهُ أَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا إلَّا فِي مَتَى وَإِذَا وَحِينَ
وَكُلَّمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَكِنْ بَيْنَ إطْلَاقِهِ وَتَعْلِيقِهِ
بِغَيْرِ الْأَرْبَعِ فَرْقٌ فَإِنَّهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ تَنْجِيزٌ
لِلتَّمْلِيكِ وَمَعَ التَّعْلِيقِ إضَافَةٌ لَهُ لَا تَنْجِيزٌ وَمِنْ
فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا
لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا قَالَ
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ
الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ
الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ
لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ.
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ
لِلْحَالِ نَظَرًا إلَى " أَنَّ " وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ
نَظَرًا إلَى " إذَا " قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت
فَأَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ
وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا
فِي الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتَانِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ،
وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ
فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ
إذَا شِئْت اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْلِيقِ التَّطْلِيقِ أَوْ
الطَّلَاقِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لِمَا فِي الْمَحِيضِ أَيْضًا
أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَذْكُرْ مَشِيئَةً
فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَهِيَ أَنَّ نِيَّةَ
الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ فِي طَلِّقِي دُونَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ خَرَجَ الْأَمْرُ
مِنْ يَدِهَا لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْمَجْلِسِ هِيَ الشَّرْطُ فِي
الْمَشِيئَةِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ
لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا، وَقَدْ
دَخَلَ بِهِمَا فَطَلَّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَفْسَهَا
وَصَاحِبَتَهَا عَلَى التَّعَاقُبِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا ثَلَاثًا بِتَطْلِيقِ الْأُولَى لَا بِتَطْلِيقِ الْأُخْرَى
لِأَنَّ تَطْلِيقَ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا
بَاطِلٌ، وَلَوْ بَدَأَتْ الْأُولَى فَطَلَّقَتْ صَاحِبَتَهَا ثَلَاثًا
ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلَّقَتْ صَاحِبَتَهَا دُونَ نَفْسِهَا
لِأَنَّهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مَالِكَةٌ، وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ
عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِذَا بَدَأَتْ بِطَلَاقِ صَاحِبَتِهَا خَرَجَ
الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَبِتَطْلِيقِهَا نَفْسِهَا لَا يَبْطُلُ
تَطْلِيقُهَا الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ الْأُخْرَى
وَكِيلَةٌ، وَالْوَكَالَةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَالَ
لَهُمَا: طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا فَطَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا
نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى
تُطَلِّقَ الْأُخْرَى نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَنْفَرِدُ بِالْإِيقَاعِ
عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى ضَرَّتِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَفِي
الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْإِيقَاعِ شَرْطُ
الْوُقُوعِ، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: أَمْرُكُمَا بِأَيْدِيكُمَا يُرِيدُ
بِهِ الطَّلَاقَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا قَالَ
طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا فِي أَنَّهُ لَا تَنْفَرِدُ
إحْدَاهُمَا بِالطَّلَاقِ غَيْرَ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمٍ
وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى طَلَاقِ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا يَقَعُ.
وَفِي قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ عَلَّقَ
طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِمَشِيئَتِهِمَا طَلَاقَهُمَا جَمِيعًا
وَهَهُنَا لَمْ يُعَلِّقْ بَلْ فَوَّضَ تَطْلِيقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا إلَى رَأْيِهِمَا فَإِذَا اجْتَمَعَا عَلَى طَلَاقِ وَاحِدَةٍ
يَقَعُ اهـ.
وَفِي قَوْلِهِ فَإِذَا بَدَأَتْ بِطَلَاقِ صَاحِبَتِهَا خَرَجَ الْأَمْرُ
مِنْ يَدِهَا نَظَرًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ،
وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ اشْتِغَالَهَا بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا لَا
يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ
عَنْهُمَا فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَمَا هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ
بِالتَّطْلِيقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ
مَالِكَةٌ لِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا لَا وَكِيلَةٌ، وَفِي الْأَمْرِ
بِالتَّطْلِيقِ وَكِيلَةٌ فَافْهَمْ، وَالْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ
الْمُعَلَّقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْجَمِيعِ)
يَنْبَغِي تَحْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا. . . إلَخْ) سَيُعِيدُ ذِكْرَ
هَذَا الْكَلَامِ بِزِيَادَةٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي أَنْتِ
طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ هَذَا
الْحُكْمِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَهُوَ مُرْتَبِطٌ
بِقَوْلِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا. . . إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ وَكِيلَةٌ) أَيْ فِي صُورَةِ
مَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ
وَإِلَّا كَانَ تَمْلِيكًا أَيْضًا كَمَا يَأْتِي
(3/355)
بِمَشِيئَتِهَا كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ فِي
حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ طَلِّقَا
أَنْفُسَكُمَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: لَا تُطَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا
فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي
ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ صَاحِبَتَهَا
بَعْدَ النَّهْيِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا تَمْلِيكٌ
فِي حَقِّهَا اهـ.
وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ
الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ الْمُطْلَقِ، وَالْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهَا فِي
فَرْعٍ ثَانٍ غَيْرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ، وَفِي
الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت
فَقَالَتْ أَنَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي
نَفْسَك إنْ شِئْت فَقَالَتْ قَدْ شِئْت أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي كَانَ
بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت ثُمَّ جُنَّ
جُنُونًا مُطْبِقًا ثُمَّ طَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ
كُلُّ شَيْءٍ يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ يَبْطُلُ
بِالْجُنُونِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ
كَلَامِهِ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَيُّ نِسَائِي شِئْت طَلَاقَهَا فَهِيَ
طَالِقٌ فَشَاءَتْ طَلَاقَ الْكُلِّ طَلُقْنَ إلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ
قَالَ: أَيُّ نِسَائِي شَاءَتْ الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلَاقٌ فَشِئْنَ
طَلُقْنَ اهـ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ أَيًّا فِي الْأَوَّلِ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ،
وَفِي الثَّانِي بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي تَلْخِيصِ
الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ أَحَدُ
الْمَأْمُورِينَ يَنْفَرِدُ بِهِ وَبِبَدَلِ لَا وَهُوَ يَمِينٌ مِنْهُ
بَيْعٌ مِنْهَا قَالَ لَهُمَا فِي مَرَضِهِ، وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا
طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا مَلَكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلَاقَهَا
وَتَوَكَّلَتْ فِي طَلَاقِ الْأُخْرَى وَلَا يَنْقَسِمُ وَمَنْ طَلَّقَتْ
بِتَطْلِيقِهَا لَا تَرِثُ لِرِضَاهَا وَكَذَا بِتَطْلِيقِهِمَا مَعًا
لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِمَا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مَعَ الْمُوَكِّلِ
وَبِتَطْلِيقِ الْأُخْرَى تَرِثُ، وَإِنْ طَلَّقَتْ بَعْدَهَا
كَالتَّمْكِينِ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا
إنْ شِئْتُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِلتَّمْلِيكِ وَيَشْتَرِطُ
اجْتِمَاعُهُمَا لِلتَّعْلِيقِ، وَإِنْ طَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا كِلَيْهِمَا
ثَلَاثًا، وَالْأُخْرَى مِثْلَهَا بَانَتَا وَوَرِثَتْ الْأُولَى لِعَدَمِ
رِضَاهَا نَظِيرُهُ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي مَرَضِهِ فَأَجَازَهُ
بِخِلَافِ سُؤَالِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَا تَرِثُ لِرِضَاهَا، وَلَوْ
خَرَجَ كَلَامُهُمَا مَعًا وَرِثَتَا لِعَدَمِهِ، وَلَوْ قَالَ:
أَمْرُكُمَا بِيَدِكُمَا فَكَمَا مَرَّ غَيْرَ أَنَّ هُنَا لَوْ
اجْتَمَعَتَا عَلَى إحْدَاهُمَا يَقَعُ وَثَمَّةَ لَا لِلتَّعْلِيقِ
نَظِيرُهُ وَكُلُّ رَجُلَيْنِ يَبِيعُ عَبْدَيْنِ أَوْ طَلَاقَ
امْرَأَتَيْنِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ قَالَ: طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا بِأَلْفٍ
يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا وَلَا يَرِثَانِ
بِحَالٍ، وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى إحْدَاهُمَا صَحَّ بِحِصَّتِهِ مِنْ
مَهْرِهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي لَمْ يَتَقَيَّدْ
بِالْمَجْلِسِ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَأَنَّهُ
اسْتِعَانَةٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ
لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك
لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا
وَإِذَا زَادَ إنْ شِئْت بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت
فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ
كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا
رُجُوعَ لَهُ وَقَالَ زُفَرُ: هَذَا، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ
التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ
مَشِيئَةٍ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْ إنْ
شِئْت وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ،
وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ، وَالطَّلَاقُ
يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ
لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ الْمُعَلَّقُ فِيهِ الْوَكَالَةُ
بِالْبَيْعِ وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ
التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ اهـ.
وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَلَطٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى
تَأَمُّلٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُوَ قَوْلُهُ: بِعْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ
كَوْنُ نَفْسِ قَوْلِهِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةٍ غَيْرِهِ بَلْ وَقَدْ
تَحَقَّقَ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَمْ يَبْقَ
لِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى فِعْلِ مُتَعَلِّقِ التَّوْكِيلِ أَوْ عَدَمِ
الْقَبُولِ، وَالرَّدِّ اهـ.
وَهُوَ سَهْوٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّ
التَّوْكِيلَ مُعَلَّقٌ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ وَإِنَّمَا
ذَكَرَ أَنَّ الْوَكَالَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْوَكَالَةُ
أَثَرُ التَّوْكِيلِ فَجَازَ إطْلَاقُ التَّوْكِيلِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ
وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّوْكِيلَ أَيْ الْوَكَالَةَ، وَالْحَقُّ أَنَّ
الْبَيْعَ، وَالتَّوْكِيلَ بِهِ لَمْ يُعَلَّقَا بِالْمَشِيئَةِ.
وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ الْوَكَالَةُ وَتَعْلِيقُهَا صَحِيحٌ فَيَحْتَاجُ
إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت وَبِعْ إنْ شِئْت
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْبَيْعُ لَا
يَحْتَمِلُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ
بِالْمَشِيئَةِ وَإِذَا لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ رِضَاهَا) أَيْ وَقْتَ الْوُقُوعِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. . . إلَخْ) قَالَ
فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَكَالَةَ مُعَلَّقَةٌ بِمَشِيئَتِهِ
لِاتِّصَافِهِ بِهَا قَبْلَ مَشِيئَةِ الْبَيْعِ وَلَا وُجُودَ
لِلْمَشْرُوطِ دُونَ شَرْطِهِ وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ فِعْلُ
مُتَعَلِّقِهَا وَاعْتِبَارُ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ
لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَابِلٌ لِلتَّوْكِيلِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَكَيْفَ
يُعْتَبَرُ بِهِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى
كَلَامِ الْمُتَعَقِّبِ إنَّمَا هُوَ الْوَكَالَةُ لَا الْبَيْعُ وَعَلَى
هَذَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِاتِّصَافِهِ بِهَا قَبْلَ مَشِيئَةِ
الْبَيْعِ.
(قَوْلُهُ: فَاحْتَاجَ إلَى الْفَرْقِ) أَقُولُ: لَعَلَّ الْفَرْقَ مَا
مَرَّ مِنْ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ
(3/356)
يَحْتَمِلْهُ فَهَلْ يَبْطُلُ أَوْ يَصِحُّ
وَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ
مِنْ قِسْمِ التَّعْلِيقِ: لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْت عَبْدِي مِنْك
بِكَذَا إنْ شِئْت فَقِبَلَ يَكُونُ بَيْعًا صَحِيحًا إذَا الْبَيْعُ لَا
يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ اهـ.
قَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلِّقْهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُ امْرَأَتِي
بِيَدِك يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَى
الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ: بَعْضٌ هَذَا تَوْكِيلٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ
بِالْأَمْرِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: جَعَلْت إلَيْك
طَلَاقَهَا فَطَلِّقْهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ
رَجْعِيًّا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ:
قُلْ لِامْرَأَتِي أَمْرُك بِيَدِك لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا مَا
لَمْ يَقُلْ الْمَأْمُورُ بِخِلَافِ قُلْ لَهَا إنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا،
وَلَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِك انْفَرَدَ الْمُخَاطَبُ
وَذِكْرُ اللَّهِ هُنَا لِلتَّبَرُّكِ عُرْفًا وَكَذَا فِي الْعَتَاقِ،
وَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْخُلْعِ، وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ،
وَلَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِي وَيَدِك لَا يَنْفَرِدُ الْمُخَاطَبُ،
وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت فَطَلَّقَهَا
الْمُخَاطَبُ لَا يَقَعُ لِاسْتِعْمَالِهِ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَلَوْ قَالَ:
طَلِّقْهَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت مِنْ الْمَالِ فَطَلَّقَهَا
الْمُخَاطَبُ جَازَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ هُنَا تَنْصَرِفُ إلَى الْبَدَلِ
لَا إلَى التَّفْوِيضِ اهـ.
فَإِنْ قُلْت إذَا جُمِعَ لِأَجْنَبِيٍّ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ،
وَالْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ فَمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا قُلْت قَالَ فِي
الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِك
فَطَلِّقْهَا فَقَالَ لَهَا الْمَأْمُورُ أَنْت طَالِقٌ أَوْ قَالَ
طَلَّقْتُك يَقَعُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً إلَّا إذَا نَوَى الزَّوْجُ
ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِك
بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ
بِتَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَهَا الْمَأْمُورُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَتْ
وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا، وَقَدْ جَعَلْت أَمْرَ
ذَلِكَ إلَيْك فَهُوَ تَفْوِيضٌ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقَعُ
وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا، وَقَدْ جَعَلْت إلَيْك
طَلَاقَهَا فَطَلَّقَهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ
رَجْعِيًّا، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا فَأَبِنْهَا أَوْ أَبِنْهَا
فَطَلِّقْهَا فَهُوَ تَوْكِيلٌ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ
وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ وَيَقَعُ بَائِنَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ
أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا، وَقَدْ جَعَلْت
أَمْرَهَا بِيَدِك أَوْ جَعَلْت أَمْرَهَا بِيَدِك وَطَلِّقْهَا كَانَ
الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَأَمَّا حَرْفُ
الْفَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَكُونُ لِبَيَانِ السَّبَبِ فَلَا
يَمْلِكُ إلَّا وَاحِدَةً وَإِذَا ذَكَرَ بِحَرْفِ الْوَاوِ فَطَلَّقَهَا
الْوَكِيلُ فِي الْمَجْلِسِ تَبَيَّنَ بِتَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّ
الْوَاقِعَ بِحُكْمِ الْأَمْرِ يَكُونُ بَائِنًا فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا
بَائِنًا كَانَ الْآخَرُ بَائِنًا فَإِنْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ
الْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ تَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّ التَّفْوِيضَ
يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَبَقِيَ التَّوْكِيلُ بِصَرِيحِ
الطَّلَاقِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِك وَطَلِّقْهَا.
وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا وَأَبِنْهَا أَوْ قَالَ: أَبِنْهَا وَطَلِّقْهَا
وَطَلَّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَيْرُهُ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ
لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْإِبَانَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَالتَّوْكِيلُ لَا
يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَيَقَعُ طَلَاقَانِ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا جُمِعَ لِلْأَجْنَبِيِّ بَيْنَ الْأَمْرِ
بِالْيَدِ، وَالْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ بِالْفَاءِ فَهُوَ وَاحِدٌ وَلَا
اعْتِبَارَ لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَيَتَقَيَّدُ
بِالْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ عَزَاءً وَتَقَعُ بَائِنَةً، وَإِنْ كَانَ
بِالْوَاوِ فَهُمَا تَفْوِيضَانِ فَالْأَمْرُ بِالْيَدِ تَمْلِيكٌ يُعْطَى
أَحْكَامُهُ، وَالْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ تَوْكِيلٌ فَيَأْخُذُ
أَحْكَامَهُ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْإِبَانَةِ، وَالتَّطْلِيقِ بِالْفَاءِ
فَهُوَ تَوْكِيلٌ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَاوُ فَهُوَ تَوْكِيلٌ
بِالْإِبَانَةِ، وَالتَّطْلِيقِ فَيَقَعُ طَلَاقًا، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ
الْجَعْلِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ فَإِنْ قَدَّمَ
الْجَعْلَ فَهُوَ تَمْلِيكٌ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَهُوَ تَوْكِيلٌ
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاءِ، وَالْوَاوِ وَإِلَى هُنَا
ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّمْلِيكِ، وَالتَّوْكِيلِ فِي أَرْبَعَةِ
أَحْكَامٍ فَالتَّمْلِيكُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا يَصِحُّ
الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَا الْعَزْلُ وَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِ الزَّوْجِ
وَانْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي التَّوْكِيلِ وَلَوْ قَالَ
الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهَا طَلِّقْهَا لَكَانَ أَوْلَى
لِيَشْمَلَ مَا إذَا أَمَرَ زَوْجَتَهُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا كَمَا
قَدَّمْنَاهُ وَسَيَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ
أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَقَدْ بِعْت
طَلَاقَهَا مِنْك بِدِرْهَمٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ الَّتِي
كَانَتْ عِنْدَهُ حِينَ عَلِمَتْ بِنِكَاحِ غَيْرِهَا قَبِلْت أَوْ قَالَتْ
طَلَّقْتهَا أَوْ قَالَتْ: اشْتَرَيْت طَلَاقَهَا طَلُقَتْ الَّتِي
تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ قَالَتْ الَّتِي عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ
أُخْرَى قَبِلْت لَا يَصِحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/357)
قَبُولُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَبُولٌ قَبْلَ
الْإِيجَابِ اهـ.
وَأَطْلَقَ الرَّجُلُ فَشَمِلَ مَا إذَا فَوَّضَهُ لِصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ
أَوْ مَجْنُونٍ فَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ
صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٍ فَذَلِكَ إلَيْهِ مَا دَامَ فِي
الْمَجْلِسِ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِي ضِمْنِهِ تَعْلِيقٌ فَإِنْ لَمْ
يَصِحَّ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى
التَّعْلِيقِ فَصَحَّحْنَاهُ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ:
إنْ قَالَ لَك الْمَجْنُونُ أَنْت طَالِقٌ فَأَنْت طَالِقٌ وَبِاعْتِبَارِ
مَعْنَى التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ عَمَلًا
بِالشَّبَهَيْنِ اهـ.
لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: رَجُلٌ فَوَّضَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ إلَى
صَبِيٍّ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ يَجُوزُ اهـ.
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ لَا يَجُوزُ وَلَا
مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا فِيهَا لِأَنَّ الصَّبِيَّ
الَّذِي لَا يَعْقِلُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ
لِيَصِحَّ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
التَّعْبِيرِ الْعَقْلُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ جُنَّ
الْمَجْعُولُ إلَيْهِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَطَلَّقَ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ
كَانَ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ اهـ.
فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّفْوِيضِ إلَى الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً
وَبَيْنَ طَرَيَان الْجُنُونِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ
بَعْدَهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَجُنَّ الْوَكِيلُ
جُنُونًا يَعْقِلُ فِيهِ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ ثُمَّ بَاعَ الْوَكِيلُ
لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا مَجْنُونًا بِهَذِهِ
الصِّفَةِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَ الْوَكِيلُ نَفَذَ بَيْعُهُ
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَجْنُونًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ كَانَ
التَّوْكِيلُ بِبَيْعٍ تَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْوَكِيلِ
وَبَعْدَ مَا جُنَّ الْوَكِيلُ لَوْ نَفَذَ بَيْعُهُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ
فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَنْفُذُ أَمَّا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ
مَجْنُونًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ فَإِنَّمَا وُكِّلَ بِبَيْعٍ تَكُونُ
الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا أَتَى بِذَلِكَ نَفَذَ
بَيْعُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ.
وَفِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ لَا عُهْدَةَ أَصْلًا وَلَكِنَّ
الزَّوْجَ حِينَ التَّفْوِيضِ لَمْ يُعَلِّقْ إلَّا عَلَى كَلَامِ عَاقِلٍ
فَإِذَا طَلَّقَ وَهُوَ مَجْنُونٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا
إذَا فَوَّضَ إلَى مَجْنُونٍ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ التَّفْوِيضِ إلَى
مَجْنُونٍ وَتَوْكِيلِهِ بِالْبَيْعِ فَرْقٌ فَإِنَّهُ فِي التَّفْوِيضِ
يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ،
وَفِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ يَعْقِلُ
الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ
وَكَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَعْتُوهِ وَمِنْ فَرْعَيْ التَّفْوِيضِ،
وَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ ظَهَرَ أَنَّهُ تُسُومِحَ فِي الِابْتِدَاءِ
مَا لَمْ يُتَسَامَحْ فِي الْبَقَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ
الْفِقْهِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا
يُتَسَامَحُ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ
الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَهَا
بِيَدِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُمَا وَلَا بُدَّ
فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا مِنْ عَقْلِ الْوَكِيلِ كَمَا
صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ
التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ
مِمَّا خَالَفَ فِيهَا التَّمْلِيكُ التَّوْكِيلَ وَلَمْ يَذْكُرْ
الْمُصَنِّفُ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ الْمُعَلَّقِ
بِالْمَشِيئَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي
إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت لَا يَقَعْ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَمَرَهُ
بِتَطْلِيقِهَا إنْ شَاءَ وَلَمْ يُوجَدْ التَّطْلِيقُ بِقَوْلِهِ شِئْت
فَلَوْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت وَقَعَ لِوُجُودِ
الشَّرْطِ وَهُوَ مَشِيئَتُهُ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ فَعَلْت
وَقَعَ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَلْت كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ طَلَّقْت، وَلَوْ
قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ لَا يَقَعُ
لِتَعَذُّرِ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلَيْنِ لَا
يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا طَلِّقَا امْرَأَتِي
ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ
طَلُقَتْ ثَلَاثًا اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا
مَعَ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْأُولَى وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عَنْ
الظَّهِيرِيَّةِ الْفَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ قُلْ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك
حَيْثُ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا إلَّا إذَا قَالَ لَهَا
وَقَوْلُهُ: قُلْ لَهَا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك حَيْثُ يَكُونُ الْأَمْرُ
بِيَدِهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلِ الرَّسُولِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ
فَوَّضَ إلَيْهَا فَبَلَّغْنَاهَا، وَقَدْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَهُ
جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا قَالَ لَنَا
فُوِّضَا إلَيْهَا فَفَعَلْنَا لَمْ يَجُزْ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ
الْأُولَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَمَرَنَا أَنْ
نُبَلِّغَ فُلَانًا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ قِنِّهِ فَأَعْلَمْنَاهُ
ثُمَّ بَاعَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا اهـ.
وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت أَوْ شَاءَتْ
لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ)
تَأَمَّلْهُ مَعَ مَا يَأْتِي أَوَاخِرَ هَذِهِ السِّوَادَةِ عَنْ
الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ تَعْلِيقُ
الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْوَكِيلِ وَلِذَا يَقَعُ مِنْهُ حَالَ سُكْرِهِ
إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ
لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ ابْتِدَاءً.
(3/358)
يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ إذَا وُجِدَ
أَحَدُهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْت وَكِيلِي فِي
طَلَاقِ امْرَأَتِي إنْ شَاءَتْ أَوْ هَوِيَتْ أَوْ أَرَادَتْ لَمْ يَكُنْ
وَكِيلًا حَتَّى تَشَاءَ الْمَرْأَةُ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ
التَّوْكِيلَ بِمَشِيئَتِهَا فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ كَمَا
لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ
يَكُونُ وَكِيلًا فَإِنْ قَامَ الْوَكِيلُ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ
يُطَلِّقَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا تَبْطُلُ
لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ
فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَشِيئَتِهَا أَنْتَ وَكِيلِي فِي
طَلَاقِهَا فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ.
قَالُوا: وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَكَالَةِ
بِالطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى مَا فَوَّضَ إلَيْهَا مِنْ الْمَشِيئَةِ
وَمَشِيئَتُهَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَشِيئَتِهَا فِي مَجْلِسِهَا
وَتَطْلِيقُهُ فِي مَجْلِسِهِ وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ
وَكَالَةٌ تَقَيَّدَتْ بِمَجْلِسِ الْوَكِيلِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ
مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا
إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَهُنَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا فَكَانَ
تَوْكِيلًا فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ كَتَبَ إلَى أَخِيهِ
أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَطَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ
سَأَلَتْ ذَلِكَ فَوَصَلَ وَعَرَضَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَسْأَلْ الطَّلَاقَ
إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةٍ ثُمَّ سَأَلَتْهُ
فَطَلَّقَهَا لَا يَقَعُ قَالَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شَاءَتْ لَا
يَصِيرُ وَكِيلًا مَا لَمْ تَشَأْ وَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي مَجْلِسِ
عِلْمِهَا فَإِذَا شَاءَتْ صَارَ وَكِيلًا فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي
الْمَجْلِسِ يَقَعُ، وَلَوْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ بَطَلَ التَّوْكِيلُ
وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ تَعُمُّ فَإِنَّ
عَامَّةَ كُتُبِ الطَّلَاقِ عَلَى هَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَالْوُكَلَاءُ
يُؤَخِّرُونَ الْإِيقَاعَ عَنْ مَشِيئَتِهَا وَلَا يَدْرُونَ أَنَّ
الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ اهـ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أُرِيدُ
أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتَك ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ نَعَمْ فَقَالَ
الرَّجُلُ طَلَّقْت امْرَأَتَك ثَلَاثًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا كَقَوْلِ
الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ نَعَمْ بَعْدَ قَوْلِهَا لَهُ أُرِيدُ أَنْ
أُطَلِّقَ نَفْسِي ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ
إلَّا إذَا نَوَى الزَّوْجُ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا، وَإِنْ عَنَى بِذَلِكَ
طَلِّقِي نَفْسَك إنْ اسْتَطَعْت أَوْ طَلِّقْهَا إنْ اسْتَطَعْت لَا
تَطْلُقُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَنْهَاك عَنْ طَلَاقِ
امْرَأَتِي لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَا أَنْهَاك
عَنْ التِّجَارَةِ يَكُونُ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ
لِلْعَبْدِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ دُونَ مَا لَوْ رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي
وَلَمْ يَنْهَهُ وَثَمَّةَ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ فَهَهُنَا
أَوْلَى، وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَنْهَهُ
لَا يَصِيرُ الْمُطَلِّقُ وَكِيلًا وَلَا يَقَعُ كَذَلِكَ هُنَا، وَلَوْ
قَالَ لِغَيْرِهِ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ
امْرَأَتَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَفِي
فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ
أُمُورِي وَأَقَمْتُك مَقَامَ نَفْسِي لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً،
وَإِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّجُلِ مُخْتَلِفًا لَيْسَ لَهُ صِنَاعَةٌ
مَعْرُوفَةٌ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ تَاجِرًا
يَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَى التِّجَارَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي
الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّوْكِيلُ كَانَتْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً فِي
جَمِيعِ الْبِيَاعَاتِ، وَالْأَنْكِحَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ
لَوْ قَالَ هُوَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٍ صَنَعَهُ كَانَ
وَكِيلًا فِي الْبِيَاعَاتِ، وَالْهِبَاتِ، وَالْإِجَارَاتِ وَعَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْمُعَاوَضَاتِ دُونَ الْهِبَاتِ،
وَالْعَتَاقِ وَقَالَ مَوْلَانَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي
حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ
الطَّلَاقِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالطَّلَاقِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَأَطْلَقَ فِي فِعْلِ الْوَكِيلِ فَشَمِلَ إذَا سَكِرَ فَطَلَّقَ
فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِيهَا مِنْ
فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ مِنْهُ مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ لَا بَأْسَ
بِذِكْرِهَا تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ،
وَالْعَتَاقِ أَوْ غَيْرِهِمَا إذَا قَبِلَ التَّوْكِيلَ وَغَابَ
الْمُوَكِّلُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِ مَا وُكِّلَ
فِيهِ إلَّا فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ ادْفَعْ هَذِهِ الْعَيْنَ إلَى فُلَانٍ
فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ جَازَ
أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً عِنْدَ الْآمِرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ
الْأَمَانَةِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا
أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْآمِرِ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ
إيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ وَمِنْهَا
لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِطَلَبِهَا عِنْدَ السَّفَرِ
وَسَافَرَ ثُمَّ عَزَلَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحُ
أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/359)
يَمْلِكُ عَزْلَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ بِطَلَبِهَا وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ قَالَ
كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْت وَكِيلِي قِيلَ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ
لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ حُكْمِ الشَّرْعِ.
، وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ ثُمَّ قِيلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ، وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَفِي طَرِيقِ عَزْلِهِ أَقْوَالٌ قَالَ
السَّرَخْسِيُّ يَقُولُ عَزَلْتُك عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ
إلَى الْمُعَلَّقِ، وَالْمُنَجَّزِ وَقِيلَ يَقُولُ عَزَلْتُك كُلَّمَا
وَكَّلْتُك وَقِيلَ يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَاتِ الْمُعَلَّقَةِ
وَعَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَاتِ الْمُطْلَقَةِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ
بِطَلَاقِ امْرَأَتَيْهِ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ وَمِنْهَا لَوْ
وَكَّلَهُ لِيُطَلِّقَهَا لِلسَّنَةِ فَطَلَّقَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ
السَّنَةِ لَا يَقَعُ لَا لِلْحَالِ وَلَا إذَا جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ
وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ
فِي وَقْتِ السَّنَةِ يَقَعُ وَمِنْهَا لَوْ طَلَّقَهَا الْمُوَكِّلُ،
وَلَوْ بَائِنًا فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ وَاقِعٌ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ
وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَانَةِ الْمُوَكِّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُ
الْوَكِيلِ بِمَالٍ فَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا الْوَكِيلُ حَتَّى
تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُ الْوَكِيلِ،
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ وَكَذَا لَوْ
طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا مَا دَامَتْ فِي
الْعِدَّةِ إلَّا إذَا قَضَى بِلَحَاقِهِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ
الْوَكَالَةُ وَارْتِدَادُ الْوَكِيلِ لَا يُبْطِلُهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ
بِلِحَاقَةِ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ لَهُ إذَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ
فَطَلِّقْهَا صَحَّ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ وَمِنْهَا لَوْ
وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَ قَبْلَ الْعِلْمِ لَمْ يَقَعْ وَمِنْهَا
لَوْ وَكَّلَهُ فَرَدَّ ثُمَّ طَلَّقَ لَمْ يَقَعْ.
وَلَوْ سَكَتَ بِلَا قَبُولٍ ثُمَّ طَلَّقَ وَقَعَ وَمِنْهَا لَوْ شَرَطَ
الْخِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْوَكَالَةِ صَحَّتْ وَبَطَلَ
الشَّرْطُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَكَالَةٍ وَوَكَالَةٍ وَمِنْهَا لَوْ
وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَلَهُ أَرْبَعٌ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ
وَاحِدَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتَك فَالْبَيَانُ
إلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ طَلَّقَ الْوَكِيلُ مُعَيَّنَةً جَازَ وَلَا
يُقْبَلُ مِنْ الزَّوْجِ أَنَّهُ مَا أَرَادَهَا كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ
بِبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَبَاعَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ وَمِنْهَا لَوْ
قَالَ لَهُ طَلَّقَهَا غَدًا فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَ
بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ إنْ
دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا
ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا
فِيهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً
وَيُبْطِلُ الْبَاقِي وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِيقَاعِ
الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَعِنْدَهُ الْمَأْمُورُ بِالْوَاحِدَةِ
إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ
هُنَا وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ
الْمُوَافَقَةُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ
لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَلْفًا لَا يَصِحُّ
وَكَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلِّقْ امْرَأَتِي نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ
فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ تَطْلِيقَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَهُنَا وُجِدَتْ
الْمُوَافَقَةُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَيَقَعُ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ
طَلِّقْهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفٍ فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ فِي
وَقْتِ السُّنَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ يَقَعُ
وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَإِنْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الطُّهْرِ
الثَّانِي تَطْلِيقَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَقَبِلَتْ يَقَعُ أُخْرَى
بِغَيْرِ شَيْءٍ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ فِي الطُّهْرِ
الثَّالِثِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ أَوَّلًا تَطْلِيقَةً بِثُلُثِ
الْأَلْفِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ
تَطْلِيقَةً ثَانِيَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِثُلُثِ
الْأَلْفِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ الْمُبَانَةِ بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا
الْوَكِيلُ بِأَلْفٍ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا
الْمُوَكِّلُ طَلُقَتْ بِالْأَلْفِ وَإِلَّا طَلُقَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ
بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِهَا بِالْأَلْفِ ثُمَّ طَلَّقَهَا
الزَّوْجُ بِأَلْفٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ لَا
يَقَعُ شَيْءٌ وَمِنْهَا الْوَكِيلُ بِالْإِعْتَاقِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ
أَعْتَقَهُ أَمْسِ وَكَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ
الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ
الْوَكَالَةِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَ
الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الثَّانِي
بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْبَتِهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ
طَلَّقَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ فَفِي الْخُلْعِ،
وَالنِّكَاحِ إذَا فَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَجَازَ
الْوَكِيلُ فِعْلَ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ اهـ.
وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالطَّلَاقِ فِيهِ
مَعْنَى التَّعْلِيقِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى اعْتَبَرُوا فِيهِ الْمُوَافَقَةَ
مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى
كَمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا وَلَمْ يُجَوِّزُوا إجَازَةَ الْوَكِيلِ وَلَا
فِعْلَ وَكِيلِهِ بِحَضْرَتِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ
بِقَوْلِهِ فَلَا يَقَعُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/360)
وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مَعْنَى التَّعْلِيقِ
فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلِذَا قَالَ
فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ كُلَّمَا أَخْرَجْتُك
عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْت وَكِيلِي فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ
الْوَكَالَةِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ مَا خَلَا الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ
لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ، وَالْإِخْطَارُ
بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ وَلَا رُجُوعَ عَنْ الْيَمِينِ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِحَضْرَتِهِ
إلَّا فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالتَّوْكِيلِ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ
اهـ.
فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا.
وَحَاصِلُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ
وَكِيلَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُلَّمَا
أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَإِنَّهُ يَصِيرُ
لَازِمًا لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ
الْوَكَالَةِ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ
الْوَكِيلِ وَلِذَا يَقَعُ مِنْهُ حَالَ سُكْرِهِ وَمِنْهَا التَّوْكِيلُ
بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ جَائِزٌ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَةِ
الْغَيْرِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَجَازَ الزَّوْجُ جَازَ
الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ إذَا خَالَعَ عَلَى مَالٍ إنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً
فَخِلَافٌ إلَى شَرٍّ، وَإِنْ غَيْرَ مَدْخُولٍ فَإِلَى خَيْرٍ وَعَلَيْهِ
أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ الصَّفَّارُ وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ:
لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ خِلَافٌ فِيهِمَا
إلَى شَرٍّ اهـ.
وَلَعَلَّ الشَّرَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ ارْتِكَابُ الْحُرْمَةِ
بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ
قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ فَأَخْذُ الْمَالِ خَيْرٌ
لِلْمُوَكِّلِ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُقَالَ الشَّرُّ فِيهِ
أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّنْجِيزِ، وَقَدْ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ
مُعَلَّقٌ بِقَبُولِهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ: وَكَّلَهُ
أَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ فَخَلَعَهَا عَلَى دِرْهَمٍ جَازَ فِي قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إلَّا فِيمَا يَتَغَابَنُ
النَّاسُ فِيهِ وَلَوْ وَكَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَنْ تَخْلَعَ
نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ أَوْ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى
الزَّوْجُ بِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ
وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً) لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ
الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ كَالزَّوْجِ
نَفْسِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ، وَالثِّنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ
فَطَلَّقَتْ أَقَلَّ وَقَعَ مَا أَوْقَعَتْهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَشَارَ
إلَى أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْأُولَى
وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِلَى أَنَّهُ
لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَاخْتَارَتْ وَاحِدَةً
تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ هَذَا
الْحُكْمِ بَيْنَ التَّمْلِيكِ، وَالتَّوْكِيلِ فَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ
يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ
وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا
وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً بِكُلِّ
الْأَلْفِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلِّقِي
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ
فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ
قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً
بِأَلْفٍ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُطَابَقَةِ
بَيْنَ إيجَابِهِ وَقَبُولِهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَفِي الْوَكَالَةِ
الْمُخَالَفَةُ إلَى خَيْرٍ لَا تَضُرُّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: لَا فِي عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَقَعُ فِيمَا إذَا أَمَرَهَا
بِالْوَاحِدَةِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ
الْإِمَامِ وَقَالَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ
وَزِيَادَةٍ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ لِلْإِمَامِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ
أَنَّهَا مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ وَهِيَ شَيْءٌ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ
بِخِلَافِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا بِقَيْدِ
ضِدٍّ وَقَيَّدَ الْأَمْرَ بِتَطْلِيقِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ
أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا قَالَ
فِي الْمَبْسُوطِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ
يَتَعَرَّضْ لِلْعَدَدِ لَفْظًا، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ،
وَالْخُصُوصِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ
كَلَامٌ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنْك فَقَالَ الزَّوْجُ:
تُرِيدِينَ النَّجَاةَ مِنِّي فَأَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ
وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا فَقَالَ
الزَّوْجُ نَجَوْت لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ كَانَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا
طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي
ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقَعُ وَاحِدَةً
فِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ.
وَلَا يُقَالُ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي
ثَلَاثًا نَجَوْت لِمَ لَا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُ
الزَّوْجِ نَجَوْت يَحْتَمِلُ الِاسْتِهْزَاءَ فَلَا يُجْعَلُ إجَازَةً
بِالشَّكِّ اهـ.
وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ
أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَلْ طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ
غَيْرِ تَعَرُّضٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ. . . إلَخْ)
قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ
لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ
ثِنْتَانِ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ أَيْضًا إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَكَانَ لَهَا
أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِيهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا
أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْقَعَتْهَا
مُتَفَرِّقَةً فَإِنَّا عِنْدَ التَّفْرِيقِ قَدْ حَكَمْنَا بِوُقُوعِ
الثَّانِيَةِ قَبْلَ الثَّالِثَةِ فَلَوْ اقْتَصَرْنَا عَلَى الثَّانِيَةِ
تَقَعُ الثِّنْتَانِ فَقَطْ فَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الثِّنْتَيْنِ لَمَا
جَازَ التَّفْوِيضُ تَأَمَّلْ.
(3/361)
لِلْعَدَدِ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا،
وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ
يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ ثَلَاثًا إنْ نَوَى
الزَّوْجُ الثَّلَاثَ وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ
لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَقَعُ وَاحِدَةً
اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مُشْكِلٌ
عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ
نُقِلَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً
فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ، وَالْعِنَايَةِ فَإِذَا قَالَ: أَمْرُك
بِيَدِك وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ الْعَدَدِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا كَيْفَ
لَا تَقَعُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَهُ بَلْ الْوُقُوعُ بِالْأَوْلَى فَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَقَيَّدْنَا
بِكَوْنِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ وَاحِدَةً
وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِامْتِثَالِهَا
بِالْأَوَّلِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ وَأَوْرَدَ عَلَى مَسْأَلَةِ
الْكِتَابِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ
لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلِّقِي وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِي فَطَلَّقَتْهُنَّ
جَمِيعًا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَكَانَ يَنْبَغِي
أَنْ لَا يَقَعَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ اعْتِبَارًا بِمَسْأَلَةِ
الْكِتَابِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا بِالْفَرْقِ
بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الثَّلَاثَ اسْمٌ لِعَدَدٍ خَاصٍّ لَا يَقَعُ
عَلَى مَا دُونَهُ وَلَا عَلَى مَا عَدَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى
الْعُمُومِ، وَالْوَاحِدُ خَاصٌّ وَإِرَادَةُ الْخُصُوصِ مِنْ الْخُصُوصِ
مُمْتَنِعَةٌ وَاسْمُ النِّسَاءِ عَامٌّ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى
مِقْدَارٍ بِعَيْنِهِ، وَالْعَامُّ مَا يَنْتَظِمُ جَمِيعًا مِنْ
الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَلَا تَحْدِيدٍ وَإِرَادَةُ
الْخُصُوصِ مِنْ الْعُمُومِ سَائِغَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ
أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ النِّسَاءَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَاحِدَةً
يَحْنَثُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي وَكَالَةِ الْمَبْسُوطِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ
وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا إنْ نَوَى الزَّوْجُ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ
يَنْوِ لَا يَقَعُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ.
وَلَعَلَّهُ إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ
فُضُولِيٌّ بِتَطْلِيقِ الثَّلَاثِ فَتَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ
وَقِيَاسُهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْمَرْأَةِ أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحَ
بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا مَحَلَّ لَهَا
لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ بِلَفْظِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ
لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ طَلِّقْهَا
ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا
فِيهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ وَاحِدَةً لِلْحَالِ
وَيَبْطُلُ الْبَاقِي بِلَا خِلَافٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِوُجُودِ
الْمُوَافَقَةِ فِي اللَّفْظِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَمْرِ الْأَجْنَبِيِّ
بِطَلَاقِهَا قَرِيبًا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَقِيَاسُهُ فِي أَمْرِ
الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي تَلْخِيصِ
الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ
بِأَلْفٍ وَهِيَ مَحَلٌّ يَقَعُ وَاحِدَةً بِثُلُثِهَا وَكَذَا فِي
الطُّهْرِ الثَّانِي إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ، وَإِنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ
لِرِضَاهُ وَإِلَّا وَقَعَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِشَرْطِ الْعِدَّةِ وَكَذَا
الثَّالِثُ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفٍ
فَطَلَّقْت ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِهَا فَعَلَى مَا مَرَّ لَا يَقَعُ فِي
الْبَاقِي إلَّا بِإِيقَاعٍ جَدِيدٍ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إضَافَتَهُ
بِخِلَافِ جِنَايَةٍ وَقِيلَ عِنْدَهُ لَا يَقَعُ أَصْلُهُ طَلِّقِي
وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً
وَعَكْسُهُ لَا) أَيْ لَا يَقَعُ فِيهِمَا، وَالْمُرَاد بِالْعَكْسِ أَنْ
يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا
وَلَا خِلَافَ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ تَفْوِيضَ
الثَّلَاثِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا إيَّاهَا لِأَنَّ
مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لِأَنَّهَا لَمْ
تَشَأْ إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْمَشِيئَةِ
كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ قَالَتْ شِئْت
وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً مُنْفَصِلًا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ
بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ السُّكُوتَ فَاصِلٌ فَلَمْ يُوجَدْ مَشِيئَةُ
الثَّلَاثِ وَخَرَجَ عَنْ هَذِهِ الصُّوَرِ إذَا كَانَ بَعْضُهَا
مُتَّصِلًا بِالْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ
قَدْ وُجِدَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ وَلَا
فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَعَدَمُ
الْوُقُوعِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا
يَقَعُ وَاحِدَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ
الْمَشِيئَةَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ طَلِّقِي
نَفْسَك عَشْرًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا لَا يَقَعُ
اهـ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَكْفِي الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى
بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي اللَّفْظِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي
الْمَعْنَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ:
لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت
نِصْفَ وَاحِدَةٍ لَا تَطْلُقُ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَعَلَّهُ إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا)
قَالَ الرَّمْلِيُّ: كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ سَوْقِ الْخِلَافِ بَيْنَ
الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ وَمَسْأَلَةُ الْفُضُولِيِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا
هَذَا لَا يَصِحُّ بَلْ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ سَهْوًا مِنْ
الْكَاتِبِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ وَهِيَ
الْمُتَقَدِّمَةُ قَرِيبًا عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ تَأَمَّلْ.
(3/362)
أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُعَلَّقِ
بِالْمَشِيئَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ أَوْ نَفْسَ
الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت أَوْ
وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَخَالَفَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ
مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت أَنْت طَالِقٌ
ثِنْتَيْنِ إنْ شِئْت فَقَالَتْ قَدْ شِئْت وَاحِدَةً وَقَدْ شِئْت
ثِنْتَيْنِ إذَا وَصَلَتْ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا اهـ.
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا فَصَلَتْ لَا يَقَعُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ:
لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشِئْت وَشِئْت فَقَالَتْ شِئْت
لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَقُولَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ شِئْت اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَيْضًا أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ
إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَقَالَ زَيْدٌ شِئْت تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً قَالَ أَبُو
بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ شِئْت أَرْبَعًا
فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَقَعُ
الثَّلَاثُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْت إلَى أَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ
بِالتَّطْلِيقِ تَطْلِيقُهَا نَفْسَهَا فَلَوْ أَجَابَتْ بِقَوْلِهَا شِئْت
أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي كَانَ بَاطِلًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ
وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ) أَيْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً
بَائِنَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ قَالَ
لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي
طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَ فِي الْأُولَى الْبَائِنُ، وَفِي الثَّانِيَةِ
الرَّجْعِيُّ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ فَيَلْغُو
الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ، وَالضَّابِطُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ
كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ
الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ
بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ أَصْلًا
كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ
الْإِمَامِ أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا أَطْلَقَ فِي قَوْلٍ
فَعَكَسَتْ فَشَمِلَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَمَرَهَا بِالرَّجْعِيِّ مَا
إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي وَمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي
بَائِنَةً، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ بِإِلْغَاءِ الْوَصْفِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ
فَلِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الثَّانِي وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ
الْمَشِيئَةِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَاضِي خَانْ فِي حَقِّ
الْوَكِيلِ فَقَالَ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلِّقْ امْرَأَتِي
رَجْعِيَّةً فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ طَلَّقْتُك بَائِنَةً يَقَعُ
وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَبَنْتُهَا لَا يَقَعُ
شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ: طَلِّقْهَا بَائِنَةً فَقَالَ لَهَا
الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً تَقَعُ وَاحِدَةً
بَائِنَةً اهـ.
فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ
الرَّجْعِيِّ أَبَنْتُهَا وَبَيْنَ الْمَأْمُورَةِ بِالرَّجْعِيِّ إذَا
قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي وَلَعَلَّ الْفَرْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ
الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ
لِأَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى نِيَّةٍ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقٍ لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ فَكَانَ مُخَالِفًا فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ
الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَمْلِكُ
الْإِيقَاعَ بِهِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً وَهَذَا الْفَرْقُ
صِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِ النَّقْلِ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا
يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِالْكِنَايَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ -
وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ: قَالَ
لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بَائِنًا لِلسُّنَّةِ وَقَالَ لِآخَرَ
طَلِّقْهَا رَجْعِيًّا لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَاهَا فِي طُهْرٍ وَاحِدَةً
طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْوَاقِعِ اهـ.
مَعَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ طَلَاقِ
الْمُوَكِّلِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَكِنَّ الْمَانِعَ مِنْ
وُقُوعِ طَلَاقَيْهِمَا التَّقْيِيدُ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ
وَاحِدَةً وَقَيَّدْنَا فِي التَّصْوِيرِ الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ
بِمَشِيئَتِهَا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّعَالِيقِ قَالَ
لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ
نَفْسَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا
طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِك الرَّجْعَةَ إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ
نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ بِمَشِيئَةِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا اهـ.
إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَقَدَّمْنَا فِي
مَسَائِلِ التَّوْكِيلِ قَبْلَهُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ
بِالْمُنَجَّزِ فَعَلَّقَ أَوْ أَضَافَ لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ قَالَ
طَلِّقْهَا غَدًا فَقَالَ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ
بِالتَّنْجِيزِ فِي غَدٍ وَقَدْ أَضَافَهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا
بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهَا فَطَلَّقَهَا
وَاحِدَةً وَقَعَ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهِ بِعْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِ الْوَكِيلِ. . .
إلَخْ) ذُكِرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الشَّلَبِيِّ مَا يُفِيدُ
التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَنَصُّهُ قَوْلُهُ: فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي
وَاحِدًا بَائِنًا قَيَّدَ بِهِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ
مَحَلُّهُ مَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنَةً أَمَّا إذَا
قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَاغْتَنِمْ هَذَا الْقَيْدَ
فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي شَرْحٍ مِنْ الشُّرُوحِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
عَلَى مَا وَهَبَ اهـ. كَلَامُهُ. اهـ. مَا فِي الشرنبلالية، وَفِي
حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ مَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّلَبِيَّ أَخَذَ التَّقْيِيدَ
بِذَلِكَ مِنْ تَقْيِيدِ الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلُ بِهِ ثُمَّ قَالَ
وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْمَتْنِ
مِنْ قَوْلِهِ وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلَّقْت لَا بِاخْتَرْتُ يَعْنِي
فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ
وَذَكَرَ الشَّارِحُ عَقِبَهُ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ رِوَايَةٌ عَنْ
الْإِمَامِ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مُخَرَّجًا عَلَى هَذِهِ
الرِّوَايَةِ اهـ.
قُلْت إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا
يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ وَجْهِ الْفَرْقِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ:
مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِ النَّقْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: مَا فِي
الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ يَكُونُ مُخَالِفًا
بِإِيقَاعِهِ بِالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ
مُسْتَفَادٌ مِمَّا قَبْلَهُ) اُنْظُرْ مَا مَحَلُّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ
(3/363)
بِشُهُودٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِهِمْ
وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا
عَدَاهُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ مَذْكُورَةٍ فِي وَكَالَةِ الصُّغْرَى
بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ بِعْهُ بِكَفِيلٍ بِعْهُ بِرَهْنٍ وَمَعَ النَّهْيِ
لَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ كَقَوْلِهِ لَا تَبِعْهُ إلَّا بِشُهُودٍ
إلَّا فِي قَوْلِهِ لَا تُسَلِّمْهُ حَتَّى تَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَهُ
الْمُخَالَفَةُ وَتَوْضِيحُهُ فِيهَا وَحَاصِلُهُ إنْ أَمَرَ
بِالتَّطْلِيقِ بِوَصْفٍ مُقَيَّدٍ بِمَشِيئَتِهَا إذَا خَالَفَتْ فِي
ذَلِكَ الْوَصْفِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ
وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا
بِمَشِيئَتِهَا وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
(قَوْلُهُ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت إنْ شِئْت فَقَالَ
شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِمَعْدُومٍ
بَطَلَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا الْمُنَجَّزَةَ
وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ قَيَّدَ
بِقَوْلِهِ فَقَالَتْ شِئْت مُقْتَصِرَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ
شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَقَعَ
لِكَوْنِهِ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ
الطَّلَاقَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ وَلَا
عِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ كَاسْقِنِي
نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: شِئْت
طَلَاقَك يَقَعُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ
الْوُجُودِ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ بِخِلَافِ
أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْمَوْجُودِ بَلْ هُوَ
طَلَبُ النَّفْسِ الْوُجُودَ عَنْ مَيْلٍ فَقَدْ أَثْبَتَ الْفُقَهَاءُ
بَيْنَ الْمَشِيئَةِ، وَالْإِرَادَةِ فَرْقًا فِي صِفَاتِ الْعَبْدِ،
وَإِنْ كَانَا مُتَرَادِفَيْنِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ
اللُّغَةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يَدْخُلُهُمَا وُجُودٌ أَيْ لَا
يَكُونُ الْوُجُودُ جُزْءَ مَفْهُومِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّ مَا شَاءَ
اللَّهُ كَانَ وَكَذَا مَا أَرَادَهُ لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْمُرَادِ إنَّمَا
يَكُونُ لِعَجْزِ الْمُرِيدِ لَا لِذَاتِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
الْمُؤَثِّرَةَ لِلْوُجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصَّةُ الْقُدْرَةِ بَلْ
بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمُخَصَّصَةُ لِلْمَقْدُورِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهُ
بِالْوَقْتِ، وَالْكَيْفِيَّةِ ثُمَّ الْقُدْرَةُ تُؤَثِّرُ عَلَى وَفْقِ
الْإِرَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ شَيْءٌ عَنْ مُرَادِهِ
تَعَالَى لِمَا قُلْنَا فِي الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ الْعِبَادِ وَعَنْ
هَذَا لَوْ قَالَ أَرَادَ اللَّهُ طَلَاقَك يَنْوِيهِ يَقَعُ كَمَا قَالَ
شَاءَ اللَّهُ بِخِلَافِ أَحَبَّ اللَّهُ طَلَاقَك أَوْ رَضِيَهُ لَا
يَقَعُ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَلْزِمَانِ مِنْهُ تَعَالَى الْوُجُودَ
وَأَحْبَبْت طَلَاقَك وَرَضِيته مِثْلُ أَرَدْته.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ، وَالْإِرَادَةِ فِي
صِفَاتِ الْعِبَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ فَإِنَّ فِيهِ
الْوُجُودَ، وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ وَلَمَّا كَانَ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ
تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ فَلَزِمَ الْوُجُودُ فِيهَا فَإِذَا قَالَ
شِئْت كَذَا فِي التَّخَاطُبِ الْعُرْفِيِّ فَمَعْنَاهُ أَوْجَدْته عَنْ
اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ أَرَدْت كَذَا مُجَرَّدًا يُفِيدُ عُرْفًا عَدَمَ
الْوُجُودِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَإِنَّمَا
يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مَعَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا لِأَنَّهُ قَدْ
يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا فَلَا
بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ جِهَةِ الْوُجُودِ وُقُوعًا.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ شِئْت طَلَاقَك ذُكِرَ فِي شَرْحِ شَيْخِ
الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةِ الْإِيقَاعِ اهـ.
وَلَوْ قَالَ شَيْئِيّ طَلَاقَك نَاوِيًا الطَّلَاقَ فَقَالَتْ شِئْت
وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَرِيدِيهِ أَوْ أَحَبِّيهِ أَوْ اهْوِيهِ أَوْ
اُرْضِيهِ نَاوِيًا فَأَجَابَتْهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ
الطَّلَبِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُودَ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عَلَى
إرَادَتِهَا وَنَحْوُهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ يَقَعُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ
وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ
عَلَى النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ شِيئِي الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ
الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَيَحْتَمِلُ تَفْوِيضَ طَلَاقِ غَيْرِهَا وَأَمَّا
شِيئِي طَلَاقَك فَإِنَّهُ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى
أَوْجِدِي طَلَاقَك كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذُكِرَ فِي الْمَوَاقِفِ إنَّ
الْإِرَادَةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا صِفَةٌ ثَالِثَةٌ مُغَايِرَةٌ
لِلْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ تُوجِبُ تَخْصِيصَ أَحَدِ الْمَقْدُورَيْنِ
بِالْوُقُوعِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ أَحْبَبْت فَقَالَتْ
شِئْت وَقَعَ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَزِيَادَةً.
وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَقَالَتْ أَحْبَبْت لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ
فِيهَا مَعْنَى الْإِيجَادِ فَلَمْ تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ، وَلَوْ قَالَ إنْ
شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ نَعَمْ أَوْ قَبِلَتْ أَوْ رَضِيَتْ لَا
يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا لَفْظًا وَذَلِكَ
لَيْسَ بِمَشِيئَةٍ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي
الْكِتَابِ مَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ قَبِلْت فَقَالَتْ شِئْت
حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يَقَعُ
الطَّلَاقُ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْقَبُولِ وَزِيَادَةٍ فَكَانَ
بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ
يُقَالُ لَا تَرِدُ لِانْصِرَافِهِ إلَى الْمُنَجَّزِ دُونَ الْمُعَلَّقِ
تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِيهِ الْوُجُودَ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّ فِيهِ تَحْرِيفًا، وَالْأَصْلُ فَإِنَّهُ فِيهِ الْمَوْجُودُ أَيْ
فَإِنَّ الشَّيْءَ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْمَوْجُودُ، وَالْمَشِيئَةُ
مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ فَتُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ
فَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُرْفُ فِيهِ يَعْنِي يَكُونُ الْعُرْفُ
الْعَامُّ أَنَّ الشَّيْءَ الْمَوْجُودَ، وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ (قَوْلُهُ:
وَهُوَ سَهْوٌ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ بِسَهْوٍ لِأَنَّهُ
لَا بُدَّ فِي الْمَشِيئَةِ مِنْ النِّيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
لِأَنَّهُ الْمَشِيئَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ إلَّا
أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ
وُجُودَهُ وُقُوعًا، وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا إذْ لَا يَقَعُ
بِالشَّكِّ، وَفِي قَوْلِهِ شِيئِي طَلَاقَك يَحْتَمِلُ أَوْجِدِيهِ
مِلْكًا فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ
(3/364)
مُعَلَّقًا بِالْمَحَبَّةِ فَقَالَتْ شِئْت
وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ
إنْ شِئْت لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَقْبَلَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَبِلْت لِأَنَّ
هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ، وَالْمُعَاوَضَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يَكْفِي عَنْ الْمَشِيئَةِ إلَّا فِي
الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا عَلَّقَهُ
بِالْإِرَادَةِ فَأَجَابَتْ بِالْمَحَبَّةِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ بِالرِّضَا،
وَفِي شَرْحِ الْمُسَابَرَةِ الرِّضَا تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى
الشَّيْءِ لِإِرَادَةِ وُقُوعِهِ، وَالْمَحَبَّةُ إرَادَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ
مَا لَا يَتْبَعُهَا تَبِعَةٌ وَمُؤَاخَذَةٌ، وَالْإِرَادَةُ أَعَمُّ
فَهِيَ مُنْفَكَّةٌ عَنْهَا فِيمَا إذَا تَعَلَّقَتْ بِمَا يَتْبَعُهُ
تَبَعَةٌ اهـ.
وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ لِلْعِلْمِ
بِهِ مِنْ حُكْمِ " مَتَى " وَأَخَوَاتِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ
يَتَقَيَّدْ فِيهَا تَقَيَّدَ فِي " إنَّ " " وَلَا بُدَّ " مِنْ
مَشِيئَتِهَا فِي مَجْلِسِهَا فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ،
وَالْمَحَبَّةِ، وَالرِّضَا، وَالْإِرَادَةِ وَكُلِّ مَا هُوَ مِنْ
الْمَعَانِي الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا كَمَا فِي
الْمُحِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمَشِيئَةَ الْمُضَافَةَ
وَحَاصِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ
الْوَقْتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ لَهَا
فِي الْغَدِ فَقَطْ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ كَإِنْ شِئْت فَأَنْتِ
طَالِقٌ غَدًا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي
الْحَالِ وَعَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي الْغَدِ فَلَوْ
قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ
فَتَزَوَّجَهَا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ، وَلَوْ
قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ إنْ شِئْت فَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ
اهـ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ
قَالَ لِأُخْرَى طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ فَشَاءَتْ طَلُقَتْ
وَيَنْوِي فِي الْأُخْرَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ امْرَأَتَهُ
مَعَهَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْلُوكٌ لَهُ لَا الْمَعِيَّةُ فِي
الْوُقُوعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَخْرِجِي
إنْ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ فَشَاءَتْ طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شِئْت إنْ شِئْت إلَى كُلِّ مَشِيئَةٍ مُعَلَّقَةٍ
بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى
مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ أَيْضًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ
أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشَاءَ فُلَانٌ فَقَالَتْ قَدْ شِئْت إنْ شَاءَ
فُلَانٌ وَقَالَ فُلَانٌ شِئْت لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ
بِمَشِيئَةٍ مُرْسَلَةٍ مُنَجَّزَةٍ مِنْهَا وَهِيَ أَتَتْ بِمَشِيئَةٍ
مُعَلَّقَةٍ فَبَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا وَبِمَشِيئَةِ فُلَانٍ وُجِدَ بَعْضُ
الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا إذَا عَلَّقَهُ
بِمَشِيئَتِهَا وَعَدَمِ مَشِيئَتِهَا أَوْ بِمَشِيئَتِهَا وَإِبَائِهَا
أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَحَاصِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ
الْمَشِيئَةَ، وَالْإِبَاءَ شَرْطًا وَاحِدًا وَكَذَا الْمَشِيئَةُ
وَعَدَمُهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ أَبَدًا لِلتَّعَذُّرِ كَأَنْتِ
طَالِقٌ إنْ شِئْت وَأَبَيْت أَوْ إنْ شِئْت وَلَمْ تَشَائِي، وَإِنْ
كَرَّرَ " إنْ " وَقَدَّمَ الْجَزَاءَ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَإِنْ
لَمْ تَشَائِي فَشَاءَتْ فِي مَجْلِسِهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ
غَيْرِ مَشِيئَةٍ تَطْلُقُ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا
شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ،
وَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي فَأَيُّهُمَا وُجِدَ طَلُقَتْ، وَإِنْ أَخَّرَ
الْجَزَاءَ كَإِنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْت طَالِقٌ لَا
تَطْلُقُ بِهَذَا أَبَدًا لِأَنَّهُ مَعَ التَّأْخِيرِ صَارَا كَشَرْطٍ
وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ
اجْتِمَاعُهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى يُوجَدَا نَحْوُ: إنْ
أَكَلْت، وَإِنْ شَرِبْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ كَرَّرَ إنْ
وَأَحَدُهُمَا الْمَشِيئَةُ، وَالْآخَرُ الْإِبَاءُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ
شِئْت، وَإِنْ أَبَيْت فَإِنْ شَاءَتْ وَقَعَ، وَإِنْ أَبَتْ وَقَعَ،
وَإِنْ سَكَتَتْ حَتَّى قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ
كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْإِبَاءُ فِعْلٌ كَالْمَشِيئَةِ
فَأَيُّهُمَا وُجِدَ يَقَعُ، وَإِنْ انْعَدَمَا لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ
لَمْ يُكَرِّرْ إنْ وَعَطَفَ بِأَوْ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ
أَبَيْت لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ
شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ
لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ فَأَنْت
طَالِقٌ، وَإِنْ كُنْت تُبْغِضِينَ فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ،
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا تُحِبَّ وَلَا تُبْغِضَ فَلَمْ
يَتَيَقَّنْ بِشَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ
تَشَاءَ أَوْ لَا تَشَاءُ فَيَكُونُ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ ثَابِتًا لَا
مَحَالَةَ فَوَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ أَبَيْت أَوْ كَرِهْت
طَلَاقَك فَقَالَتْ أَبَيْت تَطْلُقُ.
وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَشَائِي طَلَاقَك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ
لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَبَيْت صِيغَةٌ لِإِيجَادِ
الْفِعْلِ وَهُوَ الْإِبَاءُ فَقَدْ عَلَّقَ بِالْإِبَاءِ مِنْهَا، وَقَدْ
وُجِدَ فَوَقَعَ فَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَشَائِي صِيغَةٌ لِلْعَدَمِ
لَا لِلْإِيجَادِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلِي
الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
بِالسَّهْوِ بِمَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرَ، وَقَدْ قَدَّمَ
أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ
بِالنِّيَّةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فَلَا يُحْكَمُ
بِالسَّهْوِ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ مُفَرَّعًا عَلَى أَحَدِهِمَا تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ. .
. إلَخْ) مَحَلُّ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى
طَلُقَتْ إذْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الْمَتْنِ فَلَا
فَرْقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ تَأَمَّلْ.
(3/365)
وَعَدَمُ الْمَشِيئَةِ لَا يَتَحَقَّقُ
بِقَوْلِهَا لَا أَشَاءُ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَشَاءَ مِنْ بَعْدُ إنَّمَا
يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَارَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت
وَأَبَيْت بِدُونِ تَكْرَارِ إنْ فَنُقِلَ فِي الْوَاقِعَاتِ عَنْ
عَلَامَةِ النَّوَازِلِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَا
تَطْلُقُ أَبَدًا وَنُقِلَ قَبْلَهُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ
حَتَّى يُوجَدَ الْمَشِيئَةُ، وَالْإِبَاءُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْوُقُوعَ
فِي الْحَالِ وَذُكِرَ قَبْلَهُ أَنَّهَا إنْ شَاءَتْ يَقَعُ، وَإِنْ
أَبَتْ يَقَعُ كَمَا لَوْ كَرَّرَ إنْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ
أَقْوَالٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ أَوْ يُفَرَّقَ
بَيْنَ إنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي حَيْثُ لَا يَقَعُ وَبَيْنَ إنْ
شِئْت وَأَبَيْت حَيْثُ يَقَعُ إذَا وُجِدَا وَأَشَارَ بِتَعْلِيقِ
الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا إلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ عَدَدِ الطَّلَاقِ
بِمَشِيئَتِهَا أَيْضًا فَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ لَهَا
أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ تَشَائِي وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَتْ
وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهَا لَزِمَتْهَا وَاحِدَةٌ،
وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فُلَانٌ حَاضِرًا فَلَهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ وَكَذَا لَوْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَرَى فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ
تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَرَ فُلَانٌ غَيْرَ
ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ رَأَى فُلَانٌ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ
بِالْمَجْلِسِ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَأَكْثَرِ الْمُؤَلَّفِينَ مَا لَوْ
عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ لَوْ
قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا
يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَمَا قَامَ عَنْ
الْمَجْلِسِ رَأَيْت غَيْرَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ الثَّلَاثَ وَكَذَلِكَ لَوْ
قَالَ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَصِرُ
عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ
فُلَانٌ أَوْ إنْ أَحَبَّ أَوْ إنْ رَضِيَ أَوْ إنْ هَوَى أَوْ إنْ أَرَادَ
فَبَلَغَ فُلَانًا فَلَهُ مَجْلِسُ عِلْمِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ
شِئْت أَنَا أَوْ إنْ أَحْبَبْت أَنَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ،
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَضِيَّةَ الْقِيَاسِ فِي الْأَجْنَبِيِّ أَنْ لَا
يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ لَكِنْ تَرَكْنَا
الْقِيَاسَ فِي الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَعْنًى وَجَوَابُ
التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا
يَتَأَتَّى فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّوْجَ كَانَ مَالِكًا
لِلطَّلَاقِ قَبْلَ هَذَا فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّمْلِيكُ فَبَقِيَ
هَذَا الشَّرْطُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ مُلْحَقًا بِسَائِرِ الشُّرُوطِ
فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَإِذَا قَالَ
إنْ شِئْت أَنَا فَالزَّوْجُ كَيْفَ يَقُولُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ لَمْ
يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ.
وَقَالَ مَشَايِخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ شِئْت الَّذِي جَعَلَتْهُ
إلَيَّ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ شِئْت وَلَا
يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ شِئْت طَلَاقَك لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ
بِقَوْلِهِ شِئْت وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ لِأَنَّ
الطَّلَاقَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ مُعَلَّقٌ بِمَشِيئَةٍ اُعْتُبِرَتْ
شَرْطًا مَحْضًا فَعِنْدَ قَوْلِهِ شِئْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكَلَامِ
السَّابِقِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْلِيقَ الزَّوْجِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ بِصِفَةٍ مِنْ
صِفَاتِ قَلْبِ نَفْسِهِ لَيْسَ بِتَفْوِيضٍ وَتَمْلِيكٍ بِوَجْهٍ مِنْ
الْوُجُوهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ
فَقَالَ فُلَانٌ لَا أَشَاءُ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ
ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ، وَالْفَرْقُ
أَنَّ بِقَوْلِ الْأَجْنَبِيِّ لَا أَشَاءُ يَقَعُ الْيَأْسُ عَنْ شَرْطِ
الْبِرِّ وَهُوَ مَشِيئَةُ طَلَاقِهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ تَبَدَّلَ
مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَالِاعْتِبَارُ بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ لَا
اشْتِغَالُهُ بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِيقَاعِ فَإِنَّهُ
يَكْفِيهِ فِي الْإِيقَاعِ السُّكُوتُ عَنْ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَقُومَ
عَنْ الْمَجْلِسِ أَمَّا بِقَوْلِ الزَّوْجِ لَا أَشَاءُ لَا يَقَعُ
الْيَأْسُ عَمَّا هُوَ شَرْطُ الْبِرِّ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ، وَإِنْ
تَبَدَّلَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ إلَّا أَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ فِي حَقِّ
الزَّوْجِ عَدَمُ الْمَشِيئَةِ فِي الْعُمُرِ، وَالْعُمُرُ بَاقٍ فَلِهَذَا
لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ اهـ.
وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ
فُلَانٌ أَوْ أَرَادَ أَوْ رَضِيَ أَوْ هَوَى فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ
عِلْمِهِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ
قَالَ إنْ لَمْ يَشَأْ أَوْ إنْ لَمْ يُرِدْ فَقَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ
قَالَ فِيهِ لَا أَشَاءُ طَلُقَتْ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَشَأْ الْيَوْمَ،
وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَشَأْ إنْ لَمْ أُرِدْ فَقَامَ أَوْ قَالَ لَا
أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ إنْ أَبَيْت طَلَاقَك أَوْ
كَرِهْت اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفُلَانَةُ وَاحِدَةً إنْ
شِئْت فَشَاءَتْ وَاحِدَةً وَزَبَّبْتُ طَلُقَتْ فُلَانَةُ وَاحِدَةً
وَيَبْطُلُ عَنْهَا الثَّلَاثُ اهـ.
وَأَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فَأَفَادَ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَأَنَّ
الْأَمْرَ خَرَجَ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا.
(قَوْلُهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/366)
وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ)
يَعْنِي لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ شِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ
وَقَدْ جَاءَ طَلُقَتْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْكَائِنِ تَنْجِيزًا
وَلِذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِكَائِنٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ
الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ وُجُودُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا
كَقَوْلِهَا شِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا أَوْ إنْ
كَانَ هَذَا لَيْلًا وَهِيَ فِي اللَّيْلِ أَوْ نَهَارًا هِيَ فِي
النَّهَارِ أَوْ كَانَ هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ زَوْجِي وَكَانَ هُوَ
وَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا
وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ أَنَّهُ يَقْتَضِي عَلَى هَذَا
الْكُفْرُ مَعَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ
يَبْتَنِي عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ
مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذُكِرَ أَنَّهُ
الْأَوْجَهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ
يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُكَفَّرَ فَلْيُكَفَّرْ هُنَا
بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ قُلْنَا
النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ
فَلَيْسَ هُوَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ هُوَ
كَافِرٌ حَقِيقَةً اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُوجِبَ لِلتَّكْفِيرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى
تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ،
وَلَوْ كَانَ كَائِنًا.
(قَوْلُهُ: أَنْت طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا أَوْ إذَا
مَا فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَا يَرْتَدُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ
وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً) أَمَّا فِي كَلِمَةِ مَتَى وَمَتَى مَا
فَلِأَنَّهَا لِلْوَقْتِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا
كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى
الْمَجْلِسِ، وَلَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِأَنَّهُ
مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَمْ يَكُنْ
تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا
تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ
دُونَ الْأَفْعَالِ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا
تَمْلِكُ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ
وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ تَمْلِيكًا فِي
حَالٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ
مَشِيئَتِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا
يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ فِي طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت لِأَنَّهَا
تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت
نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ
لَكِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ
لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ
الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ اهـ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا لَكِنْ أَجْرَوْهُ
مَجْرَى التَّمْلِيكِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ
وَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَإِطْلَاقُ التَّمْلِيكِ
عَلَيْهِ صَحِيحٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ
مَعْنَيَيْنِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ
بِتَطْلِيقِهَا، وَالتَّعْلِيقُ لَازِمٌ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ
وَيَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ
بِمَشِيئَتِهَا تَمْلِيكٌ مِنْهَا لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي
يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ فِي
التَّطْلِيقِ لِنَفْسِهَا، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ
وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ قِسْمِ
التَّعْلِيقِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ
إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ هَوَيْت فَلَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّ هَذَا
تَمْلِيكٌ مَعْنًى تَعْلِيقٌ صُورَةً وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى
الْمَجْلِسِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ اهـ.
وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَحْلِفُ وَأَمَّا
كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهِيَ وَمَتَى سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ
لِلْوَقْتِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ،
وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ إذَا شِئْت
يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا
وَأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى زَمَانِهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ
لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ مَشِيئَتُهَا بَعْدَ
ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ شِئْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ طَلَّقْت
نَفْسِي وَقَعَ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُضَافًا لَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ
مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ دَخَلَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ
لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهَا بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَخْرُجُ
بِالشَّكِّ فَالْمُرَادُ بِإِذَا أَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ فَيَخْرُجُ مِنْ
يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْ الزَّمَانِ فَلَا يَخْرُجُ كَمَتَى،
وَقَدْ صَرَّحَ آنِفًا فِي مَتَى بِعَدَمِ ثُبُوتِ التَّمْلِيكِ قَبْلَ
الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ
فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ
وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَاَلَّذِي دَخَلَ مِلْكَهَا تَحْقِيقُ الشَّرْطِ
أَوْ الْمُضَافُ إلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ مَشِيئَتُهَا الطَّلَاقَ
لِيَقَعَ طَلَاقُهُ وَعَلَى هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا لَكِنْ
أَجْرَوْهُ مَجْرَى التَّمْلِيكِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَيَتَقَيَّدُ
بِالْمَجْلِسِ وَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ) قَالَ
الْمَقْدِسِيَّ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُحَصَّلَ الْجَوَابِ أَنَّهُمْ
تَسَامَحُوا وَجَعَلُوا تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا، وَنَحْوُهَا
فِي حُكْمِ التَّمْلِيكِ لِكَوْنِهَا إذَا شَاءَتْ وَقَعَ فَكَأَنَّهَا
مَلَكَتْهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَفِي
النَّهْرِ وَهَذَا بَعْدَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَتَى شِئْت سَهْوٌ ظَاهِرٌ
يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ
اهـ.
وَأَجَابَ قَبْلَهُ عَنْ التَّعَقُّبِ بِأَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى
صُورَتِهِ أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَعْنَاهُ فَتَمْلِيكٌ لِأَنَّ
الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ
لِنَفْسِهِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ.
(3/367)
فَقَوْلُهُمْ فِي قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ
كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ
مَعْنَاهُ تَطْلُقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ تَجَوُّزًا بِالتَّطْلِيقِ
عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ
طَلَاقُهُ عِنْدَ تَحْقِيقِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ كَلَامُهُمْ فِي
قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحِينَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ
حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا شِئْت لِأَنَّ الْحِينَ
عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا
وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْت
طَالِقٌ إذَا شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ
وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مَشِيئَتَهَا فِي
الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ،
وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ
فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ
إذَا شِئْت اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ آخِرَ الْفَصْلِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت
طَالِقٌ إذَا شِئْت إنْ شِئْت أَوْ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت إذَا شِئْت
فَهُمَا سَوَاءٌ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
إنْ أَخَّرَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَدَّمَهُ تُعْتَبَرُ
الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ فَإِنْ شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ تُطَلِّقُ
نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا شَاءَتْ وَلَوْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ
قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ
الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا مَعَ
مَتَى لِيُفِيدَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ مَعَهَا أَيْضًا رَدَّ
الْقَوْلَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّهُ إذَا زِيدَ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ
لِلتَّكْرَارِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّائِدَ
لَا يُفِيدُ غَيْرَ التَّأْكِيدِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النُّحَاةِ لَا
يُغَيِّرُ وَيَقُولُ قَوْلُهُمْ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ بِمَنْزِلَةِ إنَّ
زَيْدًا قَائِمٌ فَهُوَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ كَمَا يَحْتَمِلُهُ إنَّ
زَيْدًا قَائِمٌ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَنْقُلُ الْمَعْنَى مِنْ احْتِمَالِ
الْعُمُومِ إلَى مَعْنَى الْحَصْرِ فَإِذَا قِيلَ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ
فَالْمَعْنَى لَا قَائِمَ إلَّا زَيْدٌ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ أَنَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ مِنْ الزَّمَانِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ
مَتَى وَمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَتَى مَا
وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنْ وَقَعَتْ شَرْطًا كَانَتْ لِلْحَالِ فِي
النَّفْيِ وَلِلْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالِ فِي الْإِثْبَاتِ اهـ.
وَفِيهِ " إذَا " لَهَا مَعَانٍ أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِمَا
يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ، وَفِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ نَحْوُ: إذَا
جِئْت أَكْرَمْتُك.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ نَحْوُ قُمْ إذَا
احْمَرَّ الْبُسْرُ أَيْ وَقْتَ احْمِرَارِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ
مُرَادِفَةً لِلْفَاءِ فَيُجَازَى بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ
تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}
[الروم: 36] اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ وَلَا
تَجْمَعَ) أَيْ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا
أَنْ تُبَاشِرَ شَرْطَ الْوُقُوعِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِأَنْ تَقُولَ
شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ
عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقُولَ طَلَّقْت نَفْسِي
ثَلَاثًا جُمْلَةً لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ، وَالْأَزْمَانَ
عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَأَفَادَ أَنَّهَا لَا
تَشَاءُ ثِنْتَيْنِ أَيْضًا، وَلَوْ شَاءَتْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
جُمْلَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ
وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، وَفِي
الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ قَالَتْ قَدْ شِئْت أَمْسِ تَطْلِيقَةً وَكَذَّبَهَا
الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَمَّا لَا
تَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْ بِمَشِيئَةٍ كَانَتْ مِنْهَا
أَمْسِ فَلَا يَبْقَى ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَمْسِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ
أَنَّهَا لَوْ شَاءَتْ فِي الْحَالِ يَصِحُّ مِنْهَا فَقَدْ أَخْبَرَتْ
بِمَا تَمْلِكُ إنْشَاءَهُ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَالْمَشِيئَةُ فِي
الْحَالِ غَيْرُ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَمْسِ وَكُلُّ مَشِيئَةٍ شَرْطُ
تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ لَا تَمْلِكُ إنْشَاءَ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ إنَّمَا
تَمْلِكُ إنْشَاءَ شَيْءٍ آخَرَ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ " كُلّ " إنَّمَا أَفَادَتْ التَّكْرَارَ
بِدُخُولِ مَا عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: " وَكُلُّ "
كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ،
وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْكَثِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تُدَمِّرُ
كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] أَيْ كَثِيرًا وَتُفِيدُ
التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهِ نَحْوُ: كُلَّمَا أَتَاك زَيْدٌ
فَأَكْرِمْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ) أَيْ لَوْ
قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ شِئْت طَلَاقِي بَعْدَمَا طَلَّقَتْ
نَفْسَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ
آخَرَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ
الْقَائِمِ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَبِاسْتِغْرَاقِهِ يَنْتَهِي التَّفْوِيضُ
قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا لَوْ
طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ
بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/368)
زَوْجٍ آخَرَ فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ
الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ الْآتِيَةِ،
وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لَهَا كُلَّمَا شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ
ثَلَاثًا فَقَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى
كَلَامِهِ كُلَّمَا شِئْت الثَّلَاثَ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ تَكْرَارَ الْإِيقَاعِ إلَّا فِي
كُلَّمَا وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا:
أَمْرُك بِيَدِك فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ
تَزَوَّجَهَا لَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ،
وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْخِيَارُ اهـ.
وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْمَبْسُوطِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ لَوْ قَالَ
لِرَجُلَيْنِ إنْ شِئْتُمَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَ أَحَدُهُمَا
وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَ
الْوُقُوعَ بِمَشِيئَتِهِمَا الثَّلَاثِ وَلَمْ تُوجَدْ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَفِي حَيْثُ شِئْت وَأَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى
تَشَاءَ فِي مَجْلِسِهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت
إلَى آخِرِهِ فَلَوْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا فَلَا مَشِيئَةَ
لَهَا لِأَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ اسْمَانِ لِلْمَكَانِ، وَالطَّلَاقُ لَا
تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ لِأَنَّ
كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ وَحُمِلَ عَلَى إنْ
دُونَ مَتَى وَمَا فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَحَرْفُ
الشَّرْطِ، وَفِيهِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ
سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا لَغَا ذِكْرُ الْمَكَانِ يَنْبَغِي
أَنْ يُتَنَجَّزَ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ
فَلِمَ حُمِلَ عَلَى إنْ دُونَ مَتَى، وَفِي الْمِصْبَاحِ: حَيْثُ ظَرْفُ
مَكَان وَتُضَافُ إلَى جُمْلَةٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ
وَتَجْمَعُ بِمَعْنَى ظَرْفَيْنِ لِأَنَّك تَقُولُ أَقُومُ حَيْثُ يَقُومُ
زَيْدٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَقُومُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقُومُ
فِيهِ زَيْدٌ اهـ.
وَفِيهِ وَأَيْنَ ظَرْفُ مَكَان يَكُونُ اسْتِفْهَامًا فَإِذَا قِيلَ
أَيْنَ زَيْدٌ لَزِمَ الْجَوَابُ بِتَعْيِينِ مَكَانِهِ وَتَكُونُ شَرْطًا
أَيْضًا وَتُزَادُ مَا فَيُقَالُ أَيْنَمَا تَقُمْ أَقُمْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي كَيْفَ شِئْت يَقَعُ رَجْعِيَّةً فَإِنْ شَاءَتْ
بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعَ) يَعْنِي تَطْلُقُ فِي أَنْت
طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت وَتَبْقَى الْكَيْفِيَّةُ يَعْنِي كَوْنَهُ
رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا خَفِيفَةً أَوْ غَلِيظَةً مُفَوَّضَةً إلَيْهَا
إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ الْكَيْفِيَّةِ، وَإِنْ نَوَى فَإِنْ
اتَّفَقَ مَا نَوَاهُ وَمَا شَاءَتْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَرَجْعِيَّةٌ
وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ فَعِنْدَهُمَا مَا لَا يَقْبَلُ
الْإِشَارَةَ فَحَالُهُ وَأَصْلُهُ سَوَاءٌ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ
الْمَشِيئَةِ أَوْ رَدَّتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُمَا وَيَقَعُ
رَجْعِيَّةً عِنْدَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَدْخُولَةِ
فَأَمَّا غَيْرُهَا فَبَائِنَةٌ وَلَغَتْ مَشِيئَتُهَا كَقَوْلِهِ
لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ كَيْفَ شِئْت فَإِنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ وَيَلْغُو
ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ فِيهِمَا
فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ شَاءَ عِنْدَهُمَا عَتَقَا عَلَى مَالٍ أَوْ إلَى
أَجَلٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ التَّدْبِيرُ يَثْبُتُ مَا شَاءَهُ كَمَا فِي
كَشْفِ الْأَسْرَارِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَيْفَ أَصْلُهَا لِلسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ ثُمَّ
اُسْتُعْمِلَتْ لِلْحَالِ فِي: اُنْظُرْ إلَى كَيْفَ يَصْنَعُ، وَعَلَى
الْحَالِيَّةِ: فَرْعُ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا انْفِكَاكَ
بَيْنَ الْأَصْلِ، وَالْحَالِ فَتَعَلَّقَ الْأَصْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ)
أَقُولُ: مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا أَنْ يُقَالَ
خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ هُوَ أَنَّ
الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ
الثَّلَاثَ وَهَذَا عِنْدَهُمَا فَإِذَا طَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ
ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِلْكٍ
جَدِيدٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَدَمَ مَا مَلَكَهُ الْأَوَّلُ فِي
الْعَقْدِ السَّابِقِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ فَقَطْ لَا
مَا دُونَهَا فَلَوْ طَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ
إلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ
بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَإِذَا كَانَ التَّعْلِيقُ يَنْصَرِفُ إلَى
الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ كَانَ
قَائِمًا وَقْتَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا
ثَلَاثًا فَإِنَّهَا تَعُودُ إلَيْهِ بِثَلَاثٍ حَادِثَةٍ بَعْدَ
التَّعْلِيقِ وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّهَا
تَعُودُ بِثَلَاثٍ حَادِثَةٍ بِالْمِلْكِ الْجَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ
الطَّلَاقُ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُطَلِّقَ
بِالتَّخْيِيرِ السَّابِقِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ أَوْرَدَ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مَا اسْتَشْكَلَهُ ثُمَّ
أَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ: وَإِنْ قَالَ
لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَطَلَّقَهَا
ثِنْتَيْنِ. . . إلَخْ وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَفَاضِلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ
يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةً لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْمُعَلَّقَ
طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ هَذَا
الْمِلْكِ لَيْسَ إلَّا وَاحِدَةً فَكَانَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ
ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ
وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ سِوَاهَا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مَشْرُوطَةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ
طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثِ مَا دَامَ مِلْكُهُ لَهَا فَإِذَا
زَالَ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً كَمَا هُوَ اللَّفْظُ
لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَإِذَا نَجَّزَ
ثِنْتَيْنِ زَالَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا
مُطَلَّقَةً مَا بَقِيَتْ مَحَلِّيَّتُهَا وَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا وَهَذَا
ثَابِتٌ فِي تَنْجِيزِهِ الثِّنْتَيْنِ فَيَقَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
قُلْت وَأَصْلُ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ عِنْدَ
قَوْلِهِ: وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقُهُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ
طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا إذَا
طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ
فَدَخَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ
بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ إذَا الْمَحَلِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحِلِّ
وَهِيَ قَائِمَةٌ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ، وَقَدْ
اسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَسْرِي
إلَيْهِ حُكْمُ الْيَمِينِ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ
عَلَيْهِ قَصْدًا اهـ. .
(3/369)
لِتَعَلُّقِ الْحَالِ وَمَنَعَهُ
الْإِمَامُ، وَالْحَقُّ قَوْلُهُ: لِانْتِقَاضِ قَاعِدَتِهِمَا كَمَا
بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا
قِيلَ إنَّهَا لِلشَّرْطِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ شَرْطَ شَرْطِيَّتِهَا
اتِّفَاقُ فِعْلَيْ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوُ
كَيْفَ تَصْنَعُ أَصْنَعُ بِالرَّفْعِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُغْنِي
وَقَيَّدَ بِإِضَافَةِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَوْ
أَضَافَهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ مَشِيئَةَ الْكَيْفِيَّةِ
تَلْغُو وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى
مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ
تَحْقِيقٌ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْحَالَ،
وَالْأَصْلَ سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ: كَلِمَةُ كَيْفَ
يُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ حَالِ الشَّيْءِ، وَعَنْ صِفَتِهِ يُقَالُ: كَيْفَ
زَيْدٌ وَيُرَادُ السُّؤَالُ عَنْ صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ وَعُسْرِهِ
وَيُسْرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَأْتِي لِلتَّعَجُّبِ، وَالتَّوْبِيخِ،
وَالْإِنْكَارِ وَلِلْحَالِ لَيْسَ مَعَهُ سُؤَالٌ، وَقَدْ تَتَضَمَّنَ
مَعْنَى النَّفْيِ، وَكَيْفِيَّةُ الشَّيْءِ حَالُهُ وَصِفَتُهُ اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَفِي: كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت تَطْلُقُ مَا شَاءَتْ، وَإِنْ
رَدَّتْ ارْتَدَّ) يَعْنِي فَيَتَعَلَّقُ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا
اتِّفَاقًا لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ
الْعَدَدِ، وَالْوَاحِدُ عَدَدٌ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِمَا
تَكَرَّرَ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَةِ الْوَاحِدَةِ وَقَوْلُهُ:
مَا شِئْت تَعْمِيمٌ لِلْعَدَدِ فَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مَا شَاءَتْ أَنَّ
لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا
يَكُونُ بِدْعِيًّا إلَّا مَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ
إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا،
وَفِي الْقَامُوسِ: كَمْ اسْمٌ نَاقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ أَوْ
مُؤَلَّفَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَمَا، ثُمَّ قَصُرَتْ وَأُسْكِنَتْ
وَهِيَ لِلِاسْتِفْهَامِ وَيُخْفَضُ مَا بَعْدَهَا حِينَئِذٍ كَرُبَّ،
وَقَدْ تُرْفَعُ تَقُولُ كَمْ رَجُلٌ كَرِيمٌ قَدْ أَتَانِي، وَقَدْ
تُجْعَلُ اسْمًا تَامًّا فَيُصْرَفُ وَيُشَدَّدُ تَقُولُ أَكْثِرْ مِنْ
الْكَمِّ، وَالْكَمِيَّةِ اهـ.
وَفِي الْمُغْنِي: كَمْ خَبَرِيَّةٌ بِمَعْنَى: كَثِيرٍ،
وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ بِمَعْنَى: أَيُّ عَدَدٍ وَيَشْتَرِكَانِ فِي خَمْسَةِ
أُمُورٍ الِاسْمِيَّةِ، وَالْإِبْهَامِ، وَالِافْتِقَارِ إلَى
التَّمْيِيزِ، وَالْبِنَاءِ وَلُزُومِ التَّصْدِيرِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي
خَمْسَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الْخَبَرِيَّةِ يَحْتَمِلُ
التَّصْدِيقَ، وَالتَّكْذِيبَ بِخِلَافِهِ مَعَ الِاسْتِفْهَامِيَّة
الثَّانِي أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْخَبَرِيَّةِ لَا يَسْتَدْعِي مِنْ
مُخَاطِبِهِ جَوَابًا لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ، وَالْمُتَكَلِّمُ
بِالِاسْتِفْهَامِيَّةِ يَسْتَدْعِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَخْبِرٌ الثَّالِثُ
أَنَّ الِاسْمَ الْمُبْدَلَ مِنْ الْخَبَرِيَّةِ لَا يَقْتَرِنُ
بِالْهَمْزَةِ بِخِلَافِ الْمُبْدَلِ مِنْ الِاسْتِفْهَامِيَّة الرَّابِعُ
أَنَّ تَمْيِيزَ الْخَبَرِيَّةِ مُفْرَدٌ أَوْ مَجْمُوعٌ وَلَا يَكُونُ
تَمْيِيزُ الِاسْتِفْهَامِيَّة إلَّا مُفْرَدًا، وَالْخَامِسُ أَنَّ
تَمْيِيزَ الْخَبَرِيَّةِ وَاجِبُ الْخَفْضِ وَتَمْيِيزُ
الِاسْتِفْهَامِيَّة مَنْصُوبٌ وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ مُطْلَقًا
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي طَلِّقِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت تَطْلُقَ مَا دُونَ
الثَّلَاثِ) يَعْنِي لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُقَ الثَّلَاثَ عِنْدَ
الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا لِلْعُمُومِ وَمِنْ
لِلْبَيَانِ وَلَهُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَرَجَّحَهُ فِي التَّحْرِيرِ
بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ عَلَى الْبَيَانِ مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاثُ
وَطَلِّقِي مَا شِئْت وَافٍ بِهِ فَالتَّبْعِيضُ مَعَ زِيَادَةِ مِنْ
الثَّلَاثِ أَظْهَرُ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي مِنْ
الثَّلَاثِ مَا شِئْت. اهـ. تَمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِإِضَافَةِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْعَبْدِ) أَيْ إلَى
الْمَخْلُوقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ هُنَا.
(3/370)
|