البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي

[بَابُ النَّفَقَةِ]
[أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة]
[الزَّوْجِيَّةِ]
(بَابُ النَّفَقَةِ)
(قَوْلُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا أَسْبَابُ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ أَيْ نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا بِسَبَبِ وُجُوبِهَا اسْتِحْقَاقَ الْحَبْسِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السَّبَبُ الزَّوْجِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لَهُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَا يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَكَذَا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ حَقِيقَةً، وَكَذَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَإِنْ ثَبَتَ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِسَبَبِ النِّكَاحِ لِانْعِدَامِ حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِتَحْصِينِ الْمَاءِ؛ وَلِأَنَّ حَالَ الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حَالِ النِّكَاحِ اهـ. مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي مِنْ الْمُؤَلِّفِ الْكَلَامُ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقُولَةِ.
(قَوْلُهُ: أَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تُوطَأُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَاسْتَغْنَى عَنْ اسْتِثْنَائِهَا بِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ مَالًا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهَا وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ أَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِ قَاصِرٍ وَمُرْضِعٍ بَالِغَةٍ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَطَاقَةَ الْوَطْءِ بِمَهْرٍ كَثِيرٍ وَلُزُومِ نَفَقَةٍ يُقَرِّرُهَا الْقَاضِي تَسْتَغْرِقُ مَالَهُ إنْ كَانَ أَوْ يَصِيرُ ذَا دَيْنٍ كَثِيرٍ، وَنَصُّ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْأَبُ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً أَوْ فِسْقًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ اهـ

(4/188)


خَاصَمَتْهُ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ يُفْرَضُ لَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِ الطَّعَامِ الْكَثِيرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَحِينَئِذٍ هِيَ مُتَعَنِّتَةٌ فِي طَلَبِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَضْرِبُهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ اهـ.
وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَرْأَةِ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهَا فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَادِّخَارٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ سُرِقَتْ الْكِسْوَةُ أَوْ هَلَكَتْ النَّفَقَةُ لَا يُفْرَضُ لَهَا أُخْرَى بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ، وَلَوْ فَرَضَ لَهَا دَرَاهِمَ وَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يُفْرَضُ بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الشَّهْرُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ شَيْءٌ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي عَشَرَةً أُخْرَى وَفَرَّقَ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ الْكِسْوَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي الْكِسْوَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِيهَا أَنَّهُمَا لَوْ اصْطَلَحَا بَعْدَ فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَصْلُحُ تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ كَانَ مُعَاوَضَةً كَالْعَبْدِ فَلَوْلَا أَنَّهَا مَلَكَتْ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَمَا كَانَ مُعَاوَضَةً، وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا خُذِي هَذِهِ الدَّنَانِيرَ الْخَمْسَةَ لِنَفَقَتِكِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لَا إبَاحَةٌ اهـ.
فَيُفِيدُ أَنَّهَا تَمْلِكُ النَّفَقَةَ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ بِدَفْعِ شَيْءٍ بِالرِّضَا لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ إذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِنْفَاقَ إلَّا إذَا ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي مَطْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ النَّفَقَةَ وَيَأْمُرُهُ لِيُعْطِيَهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا نَظَرًا لَهَا فَإِنْ لَمْ يُعْطِ حَبَسَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ اهـ.
فَهِيَ وَإِنْ مَلَكَتْهَا بِالْفَرْضِ لَمْ تَتَصَرَّفْ فِيهَا بِالْإِنْفَاقِ وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَرَّرَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ مَثَلًا قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ النَّفَقَةِ فَأَمَرَتْهُ بِإِنْفَاقِ الْبَعْضِ وَأَرَادَتْ أَنْ تُمْسِكَ الْبَاقِيَ فَمُقْتَضَى التَّمْلِيكِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَفَقَةِ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ، فَلَيْسَ فَائِدَةً أَنَّهُ يَلِي الْإِنْفَاقَ مَعَ فَرْضِ الْقَاضِي إلَّا لِكَوْنِهِ قَوَّامًا عَلَيْهَا لَا لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَا فَضَلَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَرَتْهُ امْرَأَتُهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ وَاشْتَرَى لَهَا فَأَكَلَتْ وَفَضَلَ شَيْءٌ وَاسْتَغْنَتْ عَنْهُ فِي يَوْمِهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّمْلِيكِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهَا لَوْ أَسْرَفَتْ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ فَأَكَلَتْهَا قَبْلَ مُضِيِّهِ وَاحْتَاجَتْ لَا يَفْرِضُ لَهَا أُخْرَى كَمَا لَوْ هَلَكَتْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَفْرُوضَةَ أَوْ الْمَدْفُوعَةَ إلَيْهَا مِلْكٌ لَهَا فَلَهَا الْإِطْعَامُ مِنْهَا وَالتَّصَدُّقُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا فُرِضَتْ لَهَا النَّفَقَةُ فَأَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِالْمَفْرُوضِ عَلَى زَوْجِهَا اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ قَبْلَ النُّقْلَةِ وَهِيَ بِحَيْثُ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لَوْ طَالَبَهَا بِالتَّسْلِيمِ أَوْ كَانَ امْتِنَاعُهَا لِحَقِّ فَرْضِ الْقَاضِي لَهَا إعَانَةً لَهَا عَلَى الْوُصُولِ إلَى حَقِّهَا الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا حَوَّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَزَعَمَتْ عَدَمَ الْإِنْفَاقِ أَوْ التَّضْيِيقَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ بِالْفَرْضِ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِالنَّفَقَةِ وَالتَّوْسِيعِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ ظُلْمُهُ فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا، وَلَوْ طَلَبَتْ كَفِيلًا بِهَا خَوْفًا مِنْ غَيْبَتِهِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ أَخْذَ كَفِيلٍ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفَرْضِ عَلَى الْقَاضِي وَجَوَازِهِ مِنْهُ شَرْطَانِ، أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْمَرْأَةِ، وَالثَّانِي حَضْرَةُ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ نَفَقَةٍ عَلَيْهِ لَمْ يَفْرِضْ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ مِنْ الْقَاضِي قَضَاءٌ، وَقَدْ صَحَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ.
، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِامْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ إنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْفَتْوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يَعْنِي الزَّوْجَ حَاضِرًا أَوْ كَانَ صَاحِبَ مَائِدَةٍ فَالْقَاضِي لَا يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَإِنْ طَلَبَتْ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَنِّتَةٌ فِي طَلَبِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي إلَّا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ صَاحِبَ مَائِدَةٍ فَالْقَاضِي يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ. اهـ.
وَهُوَ كَمَا تَرَى لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَى وَاَلَّذِي يَدُلُّ كَلَامُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي تَعَنُّتُهَا بِأَيِّ طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ لَا يَفْرِضُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ إنْفَاقُهُ عَلَى مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إنْفَاقُهُ شَرْطًا وَذَلِكَ لَا يَتَوَهَّمُهُ ذُو فَهْمٍ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَهِيَ وَإِنْ مَلَكَتْهَا بِالْفَرْضِ لَمْ تَتَصَرَّفْ) أَيْ لَيْسَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْإِنْفَاقِ وَإِنَّمَا الْإِنْفَاقُ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِامْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ) لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْحَدِيثِ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَوَّلَ الْبَابِ وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ: خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ

(4/189)


لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا مَا تَأْخُذُهُ وَفَرْضُ النَّفَقَةِ مِنْ الْقَاضِي تَقْدِيرُهَا فَإِذَا لَمْ تُقَدَّرْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فَلَمْ تَكُنْ قَضَاءً وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِيمَا إذَا غَابَ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ مُودَعِهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّفَقَةِ عِنْدَنَا تَقْدِيرٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّفَقَةِ الْكِفَايَةُ وَذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ طِبَاعُ النَّاسِ وَأَحْوَالُهُمْ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ أَيْضًا فَفِي التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارٍ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا وَاَلَّذِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ إنَّمَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ لِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَاَلَّذِي يَحِقُّ عَلَى الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَصْلُهُ حَدِيثُ هِنْدَ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْكِفَايَةَ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَا يَكْفِيهَا مِنْ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالدُّهْنِ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً إلَّا مَأْدُومًا، وَأَمَّا الدُّهْنُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلنِّسَاءِ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا وَاللَّحْمُ لَيْسَ مِنْ الْإِدَامِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْيَمِينِ، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْرِطَةَ الْيَسَارِ تَأْكُلُ الْحَلْوَاءَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ يَفْرِضُ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ فَعَلَى مَا يَأْتَدِمُونَ بِهِ فِي عَادَاتِهِمْ يَفْرِضُ عَلَى الزَّوْجِ اهـ.
وَفِي الْأَقْضِيَةِ يُفْرَضُ الْإِدَامُ أَيْضًا أَعْلَاهُ اللَّحْمُ وَأَدْنَاهُ الزَّيْتُ وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنُ، وَقِيلَ فِي الْفَقِيرَةِ لَا يُفْرَضُ الْإِدَامُ إلَّا إذَا كَانَ خُبْزَ شَعِيرٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِهِمْ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى وَالنَّفَقَةُ هِيَ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ وَدُهْنُ الرَّأْسِ وَدُهْنُ السِّرَاجِ وَثَمَنُ الْمَاءِ، وَلَوْنٌ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ مِنْ الطَّعَامِ خُبْزُ الشَّعِيرِ إذَا كَانَ ذَلِكَ طَعَامَ فُقَرَائِهِمْ وَعَشَرَةُ أَسَاتِيرَ مِنْ اللَّحْمِ وَخَمْسَةُ أَسَاتِيرَ مِنْ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْفَاكِهَةِ اهـ.
فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ فَرْضَ النَّفَقَةِ أَنْ يَنْظُرَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ وَيَنْظُرَ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَيُقَوِّمُ الْأَصْنَافَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يُقَدِّرُ بِالدِّرْهَمِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ إمَّا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَ وَهُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ حَالِهِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ إنَّهُ الصَّحِيحُ نَظَرًا إلَى قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ لِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا بِحَدِيثِ هِنْدَ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا، وَأَمَّا النَّصُّ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَمِلَ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ

وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرَيْنِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ وَعَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرَيْنِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الِاعْتِبَارُ لِحَالِ الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا مِمَّا يَأْكُلُ، لَكِنْ قَالَ مَشَايِخُنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَاكِلَهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَهَا وَذَا فِي أَنْ يُؤَاكِلَهَا لِتَكُونَ نَفَقَتُهَا وَنَفَقَتُهُ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ مُعْسِرًا فَقَدْ رَضِيَتْ بِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْوَسَطِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهِيَ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَةِ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُفْرِطًا فِي الْيَسَارِ يَأْكُلُ الْحَلْوَاءَ وَاللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ وَالْبَاجَّاتِ، وَالْمَرْأَةُ فَقِيرَةٌ تَأْكُلُ فِي بَيْتِهَا خُبْزَ الشَّعِيرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا مِمَّا يَأْكُلُ فِي بَيْتِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا كَانَتْ تَأْكُلُ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا، وَلَكِنْ يُطْعِمُهَا الْوَسَطَ وَهُوَ خُبْزُ الْبُرِّ وَبَاجَّةً أَوْ بَاجَّتَيْنِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ وَأَوْجَبْنَا الْوَسَطَ فَقَدْ كَلَّفْنَاهُ بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
إلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ»

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى الْإِعْسَارَ وَهِيَ

(4/190)


بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ إلَى الْمَيْسَرَةِ، فَلَيْسَ تَكْلِيفًا بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ شَاءَ فَرَضَ لَهَا أَصْنَافًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَفَرَضَ لَهَا بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَدْفَعُ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ وَالْأَيْسَرُ فَفِي الْمُحْتَرِفِ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ نَفَقَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ نَفَقَةِ شَهْرٍ مَثَلًا دُفْعَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا مُعَجَّلًا وَيُعْطِيَهَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ الْمَسَاءَ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّرْفِ فِي حَاجَتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ شَهْرٍ بِشَهْرٍ أَوْ مِنْ الدَّهَاقِينَ فَنَفَقَةُ سَنَةٍ بِسَنَةٍ أَوْ مِنْ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ لَا يَنْقَضِي عَمَلُهُمْ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأُسْبُوعِ كَذَلِكَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ وَإِلَّا لَوْ قَالَ التَّاجِرُ وَالدِّهْقَانُ أَوْ الصُّنَّاعُ أَنَا أَدْفَعُ نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ مُعَجَّلًا لَا يُجْبَرُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ مَا ذَكَرَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ يَضُرُّهُ لَا يَفْعَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلَّ مُدَّةٍ نَاسَبَتْ حَالَ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ نَفَقَتَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْيَوْمَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ أَنَّهَا تُفْرَضُ عَلَيْهِ وَتُدْفَعُ لَهَا، ثُمَّ قَالَ لَوْ فُرِضَ لَهَا نَفَقَةٌ كُلَّ شَهْرٍ فَطَلَبَتْهَا كُلَّ يَوْمٍ كَانَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ عِنْدَ الْمَسَاءِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُهُمْ الْمُطَالَبَةُ وَلَا كَذَلِكَ مَا دُونَ الْيَوْمِ اهـ.

فَإِنْ قُلْتَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهَا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَمْوِينٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَالْكِسْوَةَ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَهَلْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ التَّقْدِيرِ فِيهِمَا؟ قُلْتُ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنَّ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ بِلَازِمٍ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِيمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْإِيسَارَ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا مُعْسِرٌ وَعَلَيَّ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ.
(قَوْلُهُ: قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ وَالْأَيْسَرُ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا التَّقْدِيرُ بِشَهْرٍ بِلَا تَفْصِيلٍ وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ تُفْرَضُ لَهَا شَهْرًا فَشَهْرًا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَادَتِهِمْ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَرِفًا إلَخْ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ عَلَى الدَّهَاقِينِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ عِنْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَعَلَى التَّاجِرِ عِنْدَ اتِّخَاذِ غَلَّةِ الْحَوَانِيتِ وَغَيْرِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَعَلَى الْمُحْتَرِفِ بِالِاكْتِسَابِ كُلَّ يَوْمٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَسِّرَ عَلَى الدَّهَاقِينِ عِنْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَخْ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُمْهَلُ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي آخِرِ السَّنَةِ، ثُمَّ يَدْفَعُ كُلَّ سَنَةٍ فِي آخِرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّعْجِيلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى الدَّهَاقِينِ، بَلْ الْأَخَفُّ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ أُسْبُوعٍ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ إلَخْ) أَقُولُ: الْمُدَّعِي كَوْنَ الْخِيَارِ لِلزَّوْجِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ التَّجْنِيسِ مُفِيدٌ أَنَّ الْخِيَارَ لَهَا لَا لَهُ وَكَوْنُ الْخِيَارِ لَهَا يُنَافِي كَوْنَهُ لِلزَّوْجِ فَتَأَمَّلْ لَكِنَّ كَلَامَ التَّجْنِيسِ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ بِشَهْرِهِ لَا أَكْثَرَ فَالْخِيَارُ لَهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَإِذَا رَضِيَتْ مِنْهُ بِأَخْذِ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ الشَّهْرِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت إذَا شَرَطَ عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَمْوِينٌ كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ لَازِمٍ، وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ مَارَسَ كُتُبَهُمْ بَقِيَ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِفَرْضِهَا دَرَاهِمَ وَاسْتَوْفَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّمْوِينِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مُوجِبَاتِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ صُورَةَ سِجِلِّ النَّفَقَةِ قُلْت هَذَا دَلِيلٌ لِمَا أَقُولُ: مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ وَالْقَرَابَةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا بِشَرْطِهَا وَإِنْ كَانَ يَوْمٌ سَبَبًا لِنَفَقَتِهِ أَيْضًا وَأَنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ السَّبَبَ الْأَوَّلَ وَتَبَدَّلَ الْحَالُ وَالسِّعْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ يَعْتَمِدُ السَّبَبَ الثَّانِيَ اهـ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّمْوِينِ لَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُهِمَّةِ فَلْيُحْفَظْ وَفِي الْبَحْرِ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِنْ قُلْت هَلْ تَقْدِيرُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ حُكْمٌ مِنْهُ قُلْت هُوَ حُكْمٌ وَطَلَبُ التَّقْدِيرِ بِشَرْطِهِ دَعْوَى فَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي نَفَقَاتِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ نَفَقَةَ امْرَأَتِكَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ النَّفَقَةَ مُدَّةَ كَذَا يَصِحُّ وَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ بَعْدَ الْفَرْضِ صَحَّ فَإِنْ قُلْت إذَا فَرَضَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً بِالْجَمِيعِ مَا دَامَتْ فِي الْعِصْمَةِ قُلْتُ نَعَمْ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخِزَانَةِ فَرَضَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةً فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَتِهَا بَرِئَ مِنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا يَسْتَقْبِلُ بَرِئَ مِمَّا مَضَى وَمِنْ شَهْرٍ مِمَّا يَسْتَقْبِلُ وَتَمَامُهُ فِيهَا اهـ. قُلْتُ سَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا.

(4/191)


بَعْدُ وَلِهَذَا قَالُوا الْإِبْرَاءُ عَنْ النَّفَقَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَجَبَتْ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي مَا دُمْتُ امْرَأَتَكَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَالْإِبْرَاءُ بَاطِلٌ وَإِنْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا سِوَاهَا اهـ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي مِثْلِ هَذَا يَقَعُ عَلَى الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا عَدَاهُ فَإِنْ قُلْتَ إذَا حَكَمَ مَالِكِيٌّ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَفِي شُرُوطِهِ وَكَتَبَ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَكَتْ الْمَرْأَةُ وَطَلَبَتْ التَّقْرِيرَ عِنْدَ قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَهَلْ لَهُ تَقْرِيرُهَا قُلْتُ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا أَيْضًا وَمَا نَقَلُوهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ فِي حَادِثَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ وَمَا نَقَلَ الْكُلُّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحُكْمِ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحَنَفِيِّ ذَلِكَ، وَقَدْ كَثُرَ وُقُوعُهَا فِي زَمَانِنَا خُصُوصًا أَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمَا يَتَجَدَّدُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ حُكْمٌ، وَفِي الْقُنْيَةِ قَوْلُ الْقَاضِي اسْتَدِينِي عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَرْضٌ مِنْهُ كَحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءً بِهِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْطِ الزَّوْجُ لَهَا نَفَقَةً وَلَا كِسْوَةً فَلَهَا أَنْ تُنْفِقَ مِنْ طَعَامِهِ وَتَتَّخِذَ ثَوْبًا مِنْ كِرْبَاسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْقُنْيَةِ وَمِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي عَلَى الزَّوْجِ الْحَطَبُ وَالصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَالدُّهْنُ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ وَثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْجِمَاعِ وَفِي كِتَابِ رَزِينٍ جَعَلَهُ عَلَيْهَا وَفَصَلَ فِي مَاءِ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ فَإِنْ جَاءَتْ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْجِمَاعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهَا كَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، وَأَمَّا ثَمَنُ مَاءِ الْوُضُوءِ فَعَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً تَسْتَأْجِرُ مَنْ يَنْقُلُهُ وَلَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ الزَّوْجُ لَهَا أَوْ يَدَعَهَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ لَكِنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَسَوَّى فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَ ثَمَنِ مَاءِ الِاغْتِسَالِ وَمَاءِ الْوُضُوءِ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ مَاءُ وُضُوئِهَا عَلَيْهِ غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَصَارَ كَالشُّرْبِ اهـ.
فَظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ وَكَانَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَقَالَ اُحْسُبُوا لَهَا نَفَقَتَهَا مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ إلَّا أَنَّ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ تَقَاصَّا أَوْ لَمْ يَتَقَاصَّا وَهُنَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الزَّوْجِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ أَنْقَصُ مِنْ سَائِرِ الدُّيُونِ لِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَكَانَ دَيْنُ الزَّوْجِ أَقْوَى فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِالْمُقَاصَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ جَيِّدًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا اهـ.

وَفِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لَهَا بِالنَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَزِمَ شَهْرٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَفَلْتُ لَكِ بِنَفَقَتِكِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا أَبَدًا أَوْ مَا دُمْتُمَا زَوْجَيْنِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ مَا دَامَا زَوْجَيْنِ، وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَدَّرَ مُحَمَّدٌ الْكِسْوَةَ بِدِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ وَمِلْحَفَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْمِلْحَفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُلَاءَةُ الَّتِي تَلْبَسُهَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْخُرُوجِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ غِطَاءُ اللَّيْلِ تَلْبَسُهُ فِي اللَّيْلِ وَذَكَرَ دِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ أَرَادَ بِهِمَا صَيْفِيًّا وَشَتْوِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَاوِيلَ فِي الصَّيْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ، وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَتَجِبُ السَّرَاوِيلُ وَثِيَابٌ أُخَرُ كَالْجُبَّةِ وَالْفِرَاشِ الَّتِي تَنَامُ عَلَيْهِ وَاللِّحَافِ وَمَا تَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعُ خَزٍّ وَجُبَّةِ قَزٍّ وَخِمَارِ إبْرَيْسَمَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخُرُوجِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ تَهْيِئَةُ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ لَوْ كَفَلَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي بَحْثُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفَقَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعَلَيْهِ خُفٌّ لِجَارِيَتِهَا أَوْ الْمُكَعَّبُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ خُفُّهَا وَيَجِبُ خُفُّ أَمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ لَا أَمَتُهَا اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَسَيُصَرِّحُ هَذَا الشَّارِحُ بِهَا فِي قَوْلِهِ وَلِخَادِمِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُعَيِّنُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْمِلْحَفَةِ غِطَاءَ اللَّيْلِ

(4/192)


وَالْعَادَاتِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ فَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي فَرَضَهَا أَصْنَافًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَقَضَى بِالْقِيمَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَتُفْرَضُ الْكِسْوَةُ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا إذَا تَزَوَّجَ وَبَنَى بِهَا وَلَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا الْكِسْوَةَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْكِسْوَةِ قَبْلَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَهَا بِلُبْسِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ اهـ.
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَمْسَكَتْ النَّفَقَةَ وَأَكَلَتْ قَلِيلًا وَقَتَّرَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَى الْقَاضِي لِتَأْكُلَ بِمَا فُرِضَ لَهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ الْهُزَالِ فَإِنَّهُ يَضُرُّهُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْخَصَّافِ وَيَجْعَلُ لَهَا أَنْ تَنَامَ عَلَيْهِ مِثْلَ الْفِرَاشِ وَمُضَرَّبَةً وَمُرَقَّعَةً فِي الشِّتَاءِ وَلِحَافًا تَتَغَطَّى بِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ النَّفَقَاتِ ذَكَرَ لَهَا فِرَاشًا عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِفِرَاشٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَعْتَزِلُ عَنْهُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ فِي زَمَانِ مَرَضِهَا اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ الدِّرْعَ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالْخَصَّافُ ذَكَرَ الْقَمِيصَ وَهُمَا سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ الْقَمِيصَ يَكُونُ مُجَيَّبًا مِنْ قِبَلِ الْكَتِفِ وَالدِّرْعُ مِنْ قِبَلِ الصَّدْرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ الْكِسْوَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَالنَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَطْ أَوْ حَالِهِمَا عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي الْكِسْوَةَ فَهَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ مِنْهَا أَوْ خَرَقَتْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْسُوَهَا حَتَّى يَمْضِيَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا تَبْقَى إلَيْهِ الْكِسْوَةُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ يَرُدُّهُ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ ذَلِكَ لَا يَرُدُّهُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ الْكِسْوَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ يَنْظُرُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ بِخَرْقِ اسْتِعْمَالِهَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَقْضِي بِكِسْوَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَمْضِي ذَلِكَ الْوَقْتُ وَإِنْ تَخَرَّقَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ فَيَقْضِي بِكِسْوَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي النَّفَقَةِ إذَا ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ أَوْ أُكِلَتْ أَوْ أَسْرَفَتْ أَوْ لَمْ تُسْرِفْ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ فَهُوَ كَمَا قُلْنَا فِي الْكِسْوَةِ.
وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْكِسْوَةُ بَاقِيَةٌ فَإِنْ لَمْ تَسْتَعْمِلْ تِلْكَ الْكِسْوَةَ أَصْلًا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ يَفْرِضُ الْقَاضِي لَهَا كِسْوَةً أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ خَطَأُ الْقَاضِي فِي التَّقْدِيرِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ تِلْكَ الْكِسْوَةَ فَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ مَعَهَا كِسْوَةً أُخْرَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي كِسْوَةً أُخْرَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَعْمِلْ مَعَ هَذِهِ الْكِسْوَةِ كِسْوَةً أُخْرَى لَا يَفْرِضُ لَهَا أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَؤُهُ فِي التَّقْدِيرِ حَيْثُ وَقَّتَ وَقْتًا تَبْقَى الْكِسْوَةُ وَرَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الشَّهْرُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ شَيْءٌ حَيْثُ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي فِي النَّفَقَةِ عَشَرَةً أُخْرَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ النَّفَقَةِ لَمْ يَظْهَرْ خَطَأُ الْقَاضِي فِي التَّقْدِيرِ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنَّهُ إنَّمَا بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ شَيْءٌ لِتَقْتِيرٍ وُجِدَ مِنْهَا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا فَبَقِيَ التَّقْدِيرُ مُعْتَبَرًا فَيَقْضِي الْقَاضِي لَهَا بِعَشَرَةٍ أُخْرَى أَمَّا فِي بَابِ الْكِسْوَةِ إذَا لُبِسَتْ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَلَمْ تَتَخَرَّقْ فَقَدْ ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي فِي التَّقْدِيرِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا التَّقْتِيرُ فِي اللُّبْسِ فَرْقٌ بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَكِسْوَتِهِنَّ وَبَيْنَ نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَكِسْوَتِهِمْ فَإِنَّ فِي الْأَقَارِبِ إذَا مَضَى الْوَقْتُ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْكِسْوَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِأُخْرَى فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي حَقِّهِمْ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ مُعَاوَضَةٌ عَنْ الِاحْتِبَاسِ وَلِهَذَا إذَا ضَاعَتْ النَّفَقَةُ أَوْ الْكِسْوَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ يَفْرِضُ لَهُمْ أُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْمَنْقُولَاتِ أَشْيَاءُ مِنْهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ مِنْ لِبَاسِ بَدَنِهَا وَفُرُشِ بَيْتِهَا مِمَّا تَنَامُ عَلَيْهِ وَتَتَغَطَّى بِهِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ عَلَى الرَّجُلِ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَإِمَّا أَنْ يَفْرِضَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ أَصْنَافًا أَوْ دَرَاهِمَ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيُعَجِّلَهَا لَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَلِيَ الزَّوْجُ شِرَاءَ الْأَمْتِعَةِ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْإِنْفَاقِ إلَّا إذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ أَوْ خِيَانَتُهُ فِي الشِّرَاءِ لَهَا فَحِينَئِذٍ هِيَ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهَا أَوْ بِوَكِيلِهَا وَمِنْهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَمْتِعَةٌ مِنْ فُرُشٍ وَنَحْوِهَا لَا يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(4/193)


ذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَمْتِعَةٌ فَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَلْبَسَ مَتَاعَهَا وَلَا أَنْ تَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهَا أَنْ تَفْرِشَ مَتَاعَهَا لِيَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَتَهَا وَأَنْفَقَتْ مِنْهَا قَلِيلًا وَأَمْسَكَتْ الْبَاقِيَ فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمِنْهَا أَنَّ أَدَوَاتِ الْبَيْتِ كَالْأَوَانِي وَنَحْوِهَا عَلَى الرَّجُلِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهِ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ حَالِهِمَا مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَفُرُشٍ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِمَا هُوَ مِلْكُهَا وَلَا أَنْ تَفْرِشَ لَهُ شَيْئًا مِنْ فِرَاشِهَا وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَنْبِيهًا لِلْأَزْوَاجِ لِمَا نَرَاهُ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَقْصِيرِهِمْ فِي حُقُوقِهِنَّ حَتَّى أَنَّهُ يَأْمُرَهَا بِفَرْشِ أَمْتِعَتِهَا جَبْرًا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لِأَضْيَافِهِ وَبَعْضُهُمْ لَا يُعْطِي لَهَا كِسْوَةً حَتَّى كَانَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ غَنِيَّةً صَارَتْ فَقِيرَةً، وَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا

وَأَرَادَ بِالزَّوْجَةِ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ لِلزَّوْجَةِ الزَّوْجَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ ظَاهِرًا إلَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا مِنْ زَوْجِهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا الزَّوْجُ بِمَا أَخَذَتْ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أُخْتَانِ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا زَوْجُهَا وَهُوَ يَجْحَدُ فَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ فَلَهُمَا نَفَقَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَانِعَةً نَفْسَهَا بِحَقٍّ كَالْمَنْعِ لِقَبْضِ مَهْرِهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُعَجَّلُ إمَّا نَصًّا أَوْ عُرْفًا كَمَا أَسْلَفْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ فَكَانَ فَوْتُ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ فَيُجْعَلُ كَلَا فَائِتٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَنْعَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قَيَّدْنَا الْمَهْرَ بِالْمُعَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا فَامْتَنَعَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ نُشُوزٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ لَهَا الْمَنْعَ فَعَلَى هَذَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَنَعْنِي بِالتَّسْلِيمِ التَّخْلِيَةَ وَهِيَ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَ نَفْسِهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِرَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ وَطْئِهَا أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلَوْ تَزَوَّجَ بَالِغَةً حُرَّةً صَحِيحَةً سَلِيمَةً وَنَقَلَهَا إلَى بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا وَهِيَ بِحَيْثُ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا وَطَلَبَتْ هِيَ النَّفَقَةَ وَلَمْ يُطَالِبْهَا هُوَ بِالنُّقْلَةِ فَلَهَا النَّفَقَةُ فَإِنْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ وَامْتَنَعَتْ فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِحَقٍّ بِأَنْ امْتَنَعَتْ لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا الْمُعَجَّلِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ بَعْدَمَا أَوْفَاهَا الْمَهْرَ إلَى دَارٍ مَغْصُوبَةٍ فَامْتَنَعَتْ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ، وَلَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي مَنْزِلِهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَا عَلَى سَبِيلِ النُّشُوزِ، بَلْ قَالَتْ لَهُ حَوِّلْنِي إلَى مَنْزِلِكَ أَوْ اكْتَرِ لِي مَنْزِلًا أَنْزِلُهُ فَإِنِّي مُحْتَاجَةٌ إلَى مَنْزِلِي هَذَا آخُذُ كَرَاهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ.
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إذَا لَمْ تُزَفَّ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ وَهُوَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ إذَا لَمْ يُطَالِبْهَا بِالنُّقْلَةِ.

(قَوْلُهُ لَا نَاشِزَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الزَّوْجَةِ أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلنَّاشِزَةِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْعِصَابَةُ عَلَى الزَّوْجِ الْمُبْغِضَةُ لَهُ، يُقَالُ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ، وَعَنْ الزَّجَّاجِ النُّشُوزُ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهِيَ كَرَاهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهَا أَنْ تَفْرِشَ مَتَاعَهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُبْتَغَى أَنَّهَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَّا إذَا سَكَتَ اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا زُفَّتْ إلَيْهِ بِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَفِي عُرْفِنَا يَلْتَزِمُونَ كَثْرَةَ الْمَهْرِ لِكَثْرَةِ الْجِهَازِ وَقِلَّتَهُ لِقِلَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا مَرَّ. اهـ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَالَ الْحَمَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُبْتَغَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هُوَ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ إذَا كَانَ عَامًّا فَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالزَّوْجَةِ إلَخْ) فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَلَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ وَأَخَذَتْ ذَلِكَ شَهْرًا، ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ النِّكَاحِ بِأَنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا أَخَذَتْ، وَأَمَّا إذَا أَنْفَقَ بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ كَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ لَا تَسْتَحِقُّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَا شُهُودٍ فَاسِدٌ وَالنَّفَقَةُ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالِاحْتِبَاسِ وَلَا احْتِبَاسَ فِي الْفَاسِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا إلَيْهِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ.

(4/194)


صَاحِبَهُ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الشَّرْعِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ الْخَارِجَةُ عَنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا الْمَانِعَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ كَوْنُهَا فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الْمَجِيءِ إلَى مَنْزِلِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إيفَاءِ مُعَجَّلِ مَهْرِهَا وَمَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ بَعْدَ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ الْخُرُوجَ فَشَمِلَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ وَهُوَ عَدَمُ تَمْكِينِهَا لَهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي مَنْزِلِهَا الَّذِي يَسْكُنَانِ فِيهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ النُّقْلَةَ؛ لِأَنَّهَا كَالْخَارِجَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهَا صَارَتْ كَأَنَّهَا نَشَزَتْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَلَّ أَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ مَنْزِلِهِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَنَعَتْهُ بَعْدَ مَا سَأَلَتْهُ النُّقْلَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَخَرَجَ مَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الْغَصْبِ أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ نَاشِزَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْزِلًا لَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةٌ كَبَيْتِ السُّلْطَانِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ وَتَصِيرَ نَاشِزَةً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي التَّجْنِيسِ.
وَقَيَّدَ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقِيمَةً مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْبِكْرَ لَا تُوطَأُ إلَّا كُرْهًا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ بِسَمَرْقَنْدَ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ بِنَسْفِ فَبَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَحْمِلَهَا إلَى سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ تَذْهَبْ مَعَهُ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَشَمِلَ الْخُرُوجُ الْحُكْمِيُّ مَا إذَا طَلَبَ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا وَامْتَنَعَتْ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ هُنَا وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلنَّاشِزَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً فَإِنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُهَا أَيْضًا إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ فَإِنَّ الْمُسْتَدَانَةَ لَا يُسْقِطُهَا النُّشُوزُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَالْمَوْتِ لَا يُسْقِطُهَا أَيْضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا تَرَكَتْ النُّشُوزَ وَهُوَ بِعَوْدِهَا إلَى مَنْزِلِهِ لِظُهُورِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَعُودُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ زَوَالِ الْمَانِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ النَّاشِزَةُ إذَا عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ بَعْدَمَا سَافَرَ زَوْجُهَا أَجَابُوا أَنَّهَا خَرَجَتْ عَلَى أَنْ تَكُونَ نَاشِزَةً اهـ.
وَشَمِلَ تَعْرِيفُ النَّاشِزَةِ الْمُنْكِرَةَ لِلنِّكَاحِ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ فَجَحَدَتْ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرُ، ثُمَّ قَالَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُكَذِّبَةً شَرْعًا، وَكَذَا الزَّوْجُ وَإِلَّا فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ وَفَتْحِ بَابِ الْفَسَادِ خُصُوصًا عِنْدَ اضْطِرَارِهَا لِلنَّفَقَةِ مَعَ حَبْسِهَا اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُمْ إنَّمَا نَفَوْا وُجُوبَ النَّفَقَةِ مَا دَامَتْ جَاحِدَةً أَمَّا إذَا عَادَتْ إلَى التَّصْدِيقِ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرُ فَإِنَّمَا نَفَوْا وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَنْهُ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ لَا مُطْلَقًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَخَرَجَ عَنْهُ مَا إذَا أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِإِرْضَاعِ صَبِيٍّ وَزَوْجُهَا شَرِيفٌ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ نَقْلَيْنِ فِيهَا الثَّانِي مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا وَالْأَوَّلُ هُوَ نُشُوزٌ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ إنْ قَالَ الزَّوْجُ هِيَ نَاشِزَةٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيَّ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي طَاعَةِ الزَّوْجِ لِلْجِمَاعِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي بَيْتِهِ وَلَا تَكُونُ فِي طَاعَتِهِ وَبِهِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى نُشُوزَهَا فِي مُدَّةٍ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فَإِنْ حَلَفَتْ أَخَذَتْ النَّفَقَةَ وَإِنْ نَكَلَتْ سَقَطَتْ وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي مَوَاضِعَ حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ خُرُوجُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَطْ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى، وَإِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَاقِصٌ قُلْت وَبِهَذَا عُرِفَ جَوَابُ وَاقِعَةٍ فِي زَمَانِنَا بِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ مِنْ الْمُحْتَرِفَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَامَّةَ النَّهَارِ فِي الْكَرْخَانَةِ وَاللَّيْلِ مَعَ الزَّوْجِ لَا نَفَقَةَ لَهَا اهـ.
مَعَ أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْكَلَامُ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي إسْقَاطِ مَا وَجَبَ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ النَّاشِزَةَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا مُطْلَقًا فَكَلَامُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَكَلَامُ هَذَا الشَّارِحِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: قُلْت وَبِهَذَا عُرِفَ جَوَابُ وَاقِعَةٍ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ سَيَأْتِي إيضَاحُهُ

(4/195)


سَيَأْتِي أَنَّ الْقَابِلَةَ لَهَا الْخُرُوجُ.

(قَوْلُهُ وَصَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ) أَيْ لَا نَفَقَةَ لِلصَّغِيرَةِ إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِمْتَاعِ لِمَعْنًى فِيهَا وَالِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى الْمَقْصُودِ الْمُسْتَحَقِّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ فَلَهَا الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا لَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ مُطَالَبَةَ الزَّوْجِ بِمَهْرِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً جِدًّا وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى دَفْعِ الْمَهْرِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ كُلُّهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْأَبِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ كَالْمَهْرِ لِلْكَبِيرَةِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا جِدًّا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ امْرَأَةِ وَلَدِهِ وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يَجِبُ عَلَى أَبِيهِ إلَّا إذَا ضَمِنَهَا كَمَا فِي الْمَهْرِ اهـ.
فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا أَبُوهُ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَاعْتَرَفَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّهَا لَا تَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ مِنْ الزِّنَا وَإِنْ مَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ دَوَاعِيهِ وَمَنْ وَطِئَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَهَذَا كَافٍ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا حِينَ تَزَوَّجَتْ كَانَتْ حُبْلَى فَإِنَّهَا تَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى أَنَّ الْحَبَلَ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ سَابِقٌ فَتُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إلَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تُوطَأُ لَا يَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ صَغِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ كَبِيرًا وَالْمُطِيقَةُ لِلْوَطْءِ تَجِبُ نَفَقَتُهَا صَغِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ كَبِيرًا وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْمُطِيقَةِ لَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ، فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهَا بِنْتُ تِسْعٍ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُنَا اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الَّتِي لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِئْنَاسِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَسْكَنَهَا فِي بَيْتِهِ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَالتُّحْفَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَيَّدَ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ لِلْقَرْنَاءِ وَالرَّتْقَاءِ وَاَلَّتِي أَصَابَهَا مَرَضٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لِكِبَرِهَا سَوَاءٌ أَصَابَتْهَا هَذِهِ الْعَوَارِضُ بَعْدَمَا انْتَقَلَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَا احْتِبَاسَ لِلْوَطْءِ فِيهِنَّ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ فَأَجَبْت بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ احْتِبَاسٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الدَّوَاعِي وَالِانْتِفَاعُ مِنْ حَيْثُ الدَّوَاعِي مَوْجُودٌ فِي هَؤُلَاءِ بِأَنْ يُجَامِعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً أَصْلًا قَالُوا فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ مُشْتَهَاةً يُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ تَجِبُ النَّفَقَةُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُشْتَهَى لِلْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْجِمَاعِ فِي الْجُمْلَةِ إلَى آخِرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَقْضِيَةِ أَبُو الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ وَظَنَّ الزَّوْجُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَفَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَالْفَرْضُ بَاطِلٌ اهـ.
وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَأَخَذَتْهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْهُ مِنْ النَّفَقَةِ.

(قَوْلُهُ وَمَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ وَمَغْصُوبَةٍ وَحَاجَّةٍ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ أَمَّا فِي الْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ فَلِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا بِالْمُمَاطَلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً، فَلَيْسَ مِنْهُ؛ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى أَدَائِهِ أَوْ لَا وَمَا إذَا حُبِسَتْ قَبْلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْقَابِلَةَ لَهَا الْخُرُوجُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا بِدُونِ إذْنِهِ فَلَا فَانْظُرْهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَهُمْ النَّظَرُ وَالْكَلَامُ مَعَهَا.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَمَّا فِي الْجَدِيدِ فَمَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِنَا فَاعْلَمْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَالزَّيْلَعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ اهـ.
وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَكَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ.
(قَوْلُهُ: فَتُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا) أَيْ تُصَدَّقُ أَنَّهَا حُبْلَى فِي حَقِّ نَفْسِهَا مَعَ حَمْلِ أَمْرِهَا عَلَى الْأَصْلَحِ وَهُوَ كَوْنُهَا حُبْلَى مِنْ زَوْجٍ سَابِقٍ فَتَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ.

(4/196)


النُّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ لِسُقُوطِهَا، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ بِدَيْنٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَةَ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا فَوَاتُ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَقَدْ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ هُنَا لَا مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَوَاتُ مِنْ جِهَتِهِ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِبَقَائِهِ تَقْدِيرًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ بَاقِيًا تَقْدِيرًا وَبِدُونِهِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ النَّفَقَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِحَبْسِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ حُبِسَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَا يَقْدِرُ أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ هَرَبَ أَوْ نَشَزَ كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ هُنَا فَاتَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَحْبِسَهُ هِيَ لِدَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ أَوْ يَحْبِسَهُ أَجْنَبِيٌّ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهَا إذَا حَبَسَتْهُ وَطَلَبَ أَنْ تُحْبَسَ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَا تُحْبَسُ، وَذَكَرَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ تُحْبَسُ مَعَهُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ كُرْهًا وَذَهَبَ بِهَا فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ لِيُجْعَلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ فَيَكُونُ لَهَا نَفَقَةُ الْحَضَرِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إذَا أَرَادَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَطْلَقَ الْحَجَّ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَمَا إذَا حَجَّتْ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ جِهَتِهَا فَأَوْجَبَ سُقُوطَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَاصِيَةً فِي الْخُرُوجِ أَوْ طَائِعَةً بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِوُجُودِ الِاحْتِبَاسِ فَلَا يَمْنَعُ اشْتِغَالُهَا بِهِمَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَجِّ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ الشَّامِلِ لِحَجِّهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا حَجَّ مَعَهَا فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ اتِّفَاقًا وَهِيَ نَفَقَةُ الْحَضَرِ لَا السَّفَرِ فَيَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ فِي السَّفَرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ فَالْمُرَادُ بِهَا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهَا إذَا مَرِضَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّحِيحَةَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْ الِانْتِقَالِ مَعَ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ طَلَبَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَهِيَ فِي بَيْتِهَا مُطْلَقًا وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَرِيضَةً قَبْلَ النُّقْلَةِ مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ فَنُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ بَعْدَ النُّقْلَةِ وَقَبْلَهَا أَيْضًا إذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَلَمْ يَنْقُلْهَا الزَّوْجُ وَهِيَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ النُّقْلَةِ لَوْ طَالَبَهَا الزَّوْجُ وَإِنْ كَانَتْ تَمْتَنِعُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَالصَّحِيحَةِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِذَا نُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ صَوْمَ رَمَضَانَ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ شَرْعًا اهـ.
فَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرِيضَةَ كَالصَّحِيحَةِ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَفِي التَّجْنِيسِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إذَا مَرِضَتْ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ ذَاكَ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرَضُهَا مَانِعًا مِنْ النُّقْلَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا وَعَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا خِيفَ إلَخْ) وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ مَاطَلَهَا بِالنَّفَقَةِ وَسَأَلَتْ الْقَاضِيَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً فَعَلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ دَيْنًا مَعَ الصَّدَاقِ فَيَسْتَدِيمُ الْحَبْسَ إلَى أَنْ يُوَفِّيَ الْكُلَّ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي احْبِسْهَا مَعِي فَإِنَّ لِي مَوْضِعًا فِي الْحَبْسِ خَالِيًا فَالْقَاضِي لَا يَحْبِسُهَا مَعَهُ، وَلَكِنَّهَا تَصِيرُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَيُحْبَسُ الزَّوْجُ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَذَكَرَ فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي قِسْمِ الْفَتَاوَى مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا حُبِسَ زَوْجُهَا وَلَمْ تُحْبَسْ تَذْهَبُ حَيْثُ تُرِيدُ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهَا إذَا أَرَادَتْ حَبْسَ الزَّوْجِ لَوْ حَبَسْتُ زَوْجَك حَبَسْتُكِ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ جَمِيعًا يَقَعُ الْأَمْنُ مِنْ ذَهَابِهَا أَيْنَمَا تُرِيدُ. اهـ. وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ فِيمَا إذَا حَبَسَتْهُ هِيَ أَوْ مِثْلُهُ مَا إذَا حَبَسَهُ غَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ

(4/197)


يُحْمَلُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْمَرِيضَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ النُّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا أَوْ لَا كَانَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ لَا حَيْثُ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى كَافِي الْحَاكِمِ وَالْمَبْسُوطِ وَالشَّامِلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَالَ إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِهِ فَرَّعُوهُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ حَقِيقَةً وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَ هُوَ الْمُخْتَارُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِلْمَرِيضَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ حَيْثُ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُمْكِنَهَا الِانْتِقَالُ فَلَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الِانْتِقَالُ أَصْلًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ تَقْدِيرًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي تَوْجِيهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّ التَّسْلِيمَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ انْتِقَالُهَا فَاتَ التَّسْلِيمُ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْفَارِقِينَ بَيْنَ الْمَرِيضَةِ وَالصَّحِيحَةِ فَالْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ لَا نَفَقَةَ لَهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ عَلَى الِانْتِقَالِ مَعَهُ سَوَاءٌ مَنَعَتْ نَفْسَهَا بِالْقَوْلِ أَوْ لَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا لَمْ تُزَفَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ مَرَضًا لَا تَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْجِمَاعُ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ هُوَ التَّسْلِيمُ الْمُمَكِّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ حَصَلَ بِالِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ لَا أَصْلَ لَهُ وَعِبَارَتُهَا إذَا زُفَّتْ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَمَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ مَرَضًا لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ إنْ كَانَ بَنَى بِهَا كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْلَمُ عَنْ الْمَرَضِ فِي عُمُرِهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَمَرِضَتْ مَرَضًا لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا إغْمَاءٌ كَثِيرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَانْتَقَلَتْ إلَى دَارِ أَبِيهَا قَالُوا إنْ كَانَتْ بِحَالٍ يُمْكِنُ النَّقْلُ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ بِمِحَفَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَمْ تَنْتَقِلْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ اهـ.
وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَاوَاةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَصْلًا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ سِتًّا مِنْ النِّسَاءِ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ عَشْرٌ مِنْ النِّسَاءِ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَرِيضَةَ وَذَكَرَ خَمْسَةً وَالْأَمَةَ إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا مَوْلَاهَا وَالْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمُرْتَدَّةَ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمَرْأَةَ إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَسَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَةِ الْأَمَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُقَبِّلَةُ وَالْمُرْتَدَّةُ فَلَمْ يَفُتْ الْمُصَنِّفَ إلَّا الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهِ.

(قَوْلُهُ وَلِخَادِمٍ لَوْ مُوسِرًا) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ لِخَادِمِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ لِلْخَادِمِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ لَا تَبْلُغُ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَا كِسْوَتُهُ بِأَرْخَصِ مَا يَكُونُ وَيُفْرَضُ لِلْخَادِمِ خُفٌّ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِمَا يَلْزَمُ الْمُعْسِرَ مِنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَشَرَطَ فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ خَادِمِهَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شُغُلٌ غَيْرُ خِدْمَتِهَا بِأَنْ يَكُونَ مُتَفَرِّغًا لَهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْخَادِمِ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَيْهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ هُوَ كُلُّ مَنْ يَخْدُمُهَا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مِلْكًا لَهَا أَوْ لَهُ أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَمْلُوكُهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ لَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمٍ؛ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ مِلْكِهَا لَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ خَادِمَهَا هُوَ الْمَمْلُوكُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْخَادِمَ وَاحِدُ الْخُدَّامِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَفْسِيرَ الزَّيْلَعِيِّ خَادِمَهَا بِالْجَارِيَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
يُحْمَلُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَرِيضَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَيْثُ لَمْ تُزَفَّ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يُمْكِنُهَا الِانْتِقَالُ إلَيْهِ أَوْ لَا، وَهَذَا بِرِوَايَةِ الثَّانِي أَلْيَقُ.

(قَوْلُهُ: إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا مَرِضَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْدَامُهَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ، ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، وَقَالَ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا اهـ.
قُلْت هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْآتِي أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخَادِمِ مَمْلُوكًا لَهَا فَلَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهَا لَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْخَادِمِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ خَادِمٌ لَا يُفْرَضُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عَلَى الزَّوْجِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ كَيْفَ تَسْتَوْجِبُ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَهُوَ نَظِيرُ الْقَاضِي إلَخْ أَقُولُ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ نَصًّا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخَادِمِ مِلْكًا لَهَا.
(قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَوْ قَالَ فِيهِ قُصُورٌ لَكَانَ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى

(4/198)


الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ تَحْتَهُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ مَمْلُوكٌ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ كِرَاءُ غُلَامٍ يَخْدُمُهَا لَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ السُّوقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالْخَادِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ لَهَا وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَفْرِضُ لِخَادِمَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَصَالِحِ الدَّاخِلِ وَإِلَى الْآخَرِ لِمَصَالِحِ الْخَارِجِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى اثْنَيْنِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَرَوَى صَاحِبُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ الْخُدَّامِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَادِمِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ وَلَهَا خَدَمٌ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أُجْرَةِ خَادِمَيْنِ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مُطْلَقًا وَالْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَ الْمَشَايِخِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ لَا يَكْفِيهِمْ خَادِمٌ وَاحِدٌ فُرِضَ عَلَيْهِ لِخَادِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِقْدَارُ مَا يَكْفِيهِمْ اتِّفَاقًا وَفِي التَّجْنِيسِ امْرَأَةٌ لَهَا مَمَالِيكُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْفِقْ عَلَيْهِ مِنْ مَهْرِي فَأَنْفَقَ فَقَالَتْ لَا أَجْعَلُهَا مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّك اسْتَخْدَمْتَهُمْ فَمَا أَنْفَقَ بِالْمَعْرُوفِ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهَا اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْخَادِمِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَخْدُمَهَا أَوْ يَخْدُمَهَا خَادِمُهُ وَلَا يُنْفِقُ عَلَى خَادِمِهَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ أَنَا أَخْدُمُكِ أَوْ تَخْدُمُكِ جَارِيَةٌ مِنْ جَوَارِيَّ، الصَّحِيحُ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ خَادِمِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهِ وَعَلَّلَهُ الولوالجي بِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَسَى لَا تَتَهَيَّأُ لَهَا الْخِدْمَةُ بِخَدَمِ الزَّوْجِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ إخْرَاجَ مَا عَدَا خَادِمٍ وَاحِدٍ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ فَشَمِلَ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةَ الشَّرِيفَةَ وَالْوَضِيعَةَ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَنْكُوحَةُ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَنَفَقَةُ الْخَادِمِ لِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ اهـ.
وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَمَةِ خَادِمٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَمْلُوكُ لِلْمَرْأَةِ وَلَا مَالِكَ لِلْأَمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْخَادِمَ بِكُلِّ خَادِمٍ مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ لَا، وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَرْذَالِ لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهَا بِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُوَافِقُهُ مَا قَيَّدَ بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَلَامَ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: لَوْ فُرِضَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَالدُّهْنِ وَاللَّحْمِ وَالْإِدَامِ فَقَالَتْ لَا أَعْجِنُ وَلَا أَخْبِزُ وَلَا أُعَالِجُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَنْ يَكْفِيَهَا عَمَلَ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا كَانَ بِهَا عِلَّةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُبَاشِرُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا وَتَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَنْ يَفْعَلُهُ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا تُجْبَرُ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ تَطْبُخْ لَا يُعْطِيهَا الْإِدَامَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالُوا إنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِنْ كَانَ لَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي اهـ.
وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَخَذَتْ لَأَخَذَتْ عَلَى عَمَلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا فِي الْفَتْوَى فَكَانَ فِي مَعْنَى الرِّشْوَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْأَخْذُ اهـ.
وَهُوَ شَامِلٌ لِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ أَيْضًا؛ وَلِذَا اسْتَدَلَّ فِي الْبَدَائِعِ لِوُجُوبِهِ دِيَانَةً بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَسَّمَ الْأَعْمَالَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ فَجَعَلَ أَعْمَالَ الْخَارِجِ عَلَى عَلِيٍّ وَأَعْمَالَ الدَّاخِلِ عَلَى فَاطِمَةَ» اهـ.
مَعَ أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَأَبُوهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَقَيَّدَ بِيَسَارِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عِنْدَ إعْسَارِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُعْسِرِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ وَهِيَ قَدْ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ لُزُومِ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا وَأَنَّهُ عِنْدَ إعْسَارِهِ دُونَهَا يُنْفِقُ بِقَدْرِ حَالِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ أَنْ تَجِبَ النَّفَقَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْغَالِبِ فِي اتِّخَاذِ النِّسَاءِ الْخَادِمَ مِنْ جِنْسِ الْجَوَارِي لَا أَنَّهُ قَيْدٌ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَفْرِضُ لِخَادِمَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: م، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَعْنِي غَيْرَ رِوَايَةِ الْخَادِمَيْنِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ فَائِقَةً بِنْتَ فَائِقٍ زُفَّتْ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا مَعَ خَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْخَدَمِ كُلِّهَا عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَدَمِكِ، وَلَكِنْ أُعْطِي خَادِمًا مِنْ خَدَمِي لِيَخْدُمكِ فَأَبَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ مِنْ خُدَّامِ الْمَرْأَةِ اهـ.
مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة. أَقُولُ: فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِنْتَ فَائِقٍ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا لَا حَالُهَا الطَّارِئُ عَلَيْهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ تَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إلَخْ) فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِهَا عِلَّةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ أَوْ كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ لَا تُجْبَرُ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ

(4/199)


لِلْخَادِمِ دَيْنًا عَلَيْهِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قِيلَ فِي نَفَقَتِهَا ذَلِكَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ هِنْدَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَادِمِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَا تُقَدَّرُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ، بَلْ يُفْرَضُ لَهَا مَا يَكْفِيهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَلَكِنْ لَا تَبْلُغُ نَفَقَةُ خَادِمِهَا نَفَقَتَهَا؛ لِأَنَّ الْخَادِمَ تَبَعٌ لِلْمَرْأَةِ فَتَنْقُصُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عَنْ نَفَقَتِهَا وَلَمْ يُرِدْ بِالنُّقْصَانِ النُّقْصَانَ فِي الْخُبْزِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ وَعَسَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْخَادِمَ مِنْ الْخُبْزِ فِي الْأَكْلِ أَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَوْفِي الْمَرْأَةُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ النُّقْصَانَ فِي الْإِدَامِ اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا وَالْكِسْوَةُ لِلْخَادِمِ عَلَى الْمُعْسِرِ قَمِيصُ كِرْبَاسٍ فِي الشِّتَاءِ وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ كَأَرْخَصِ مَا يَكُونُ وَفِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِزَارٌ وَعَلَى الْمُوسِرِ فِي الشِّتَاءِ قَمِيصٌ وَطِيءٌ وَإِزَارُ كِرْبَاسٍ وَكِسَاءٌ رَخِيصٌ وَفِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِزَارٌ، ثُمَّ لَمْ يَفْرِضْ لِلْخَادِمَةِ الْخِمَارَ وَفَرَضَهَا لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْخِمَارَ لِسَتْرِ الرَّأْسِ، وَرَأْسُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ وَرَأْسُ الْخَادِمِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَفَرَضَ لَهَا الْإِزَارَ؛ لِأَنَّ الْخَادِمَ تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ قَالَ مَشَايِخُنَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ مِنْ ثِيَابِ الْخَادِمِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى عَادَاتِهِمْ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَعَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ فِي نَفَقَةِ الْخَادِمِ فِيمَا يُفْرَضُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كِسْوَةِ الْخَادِمِ عَلَى الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ اهـ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ بِإِزَاءِ الْخِدْمَةِ فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَأَعْمَالِ الْبَيْتِ لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِمُقَابَلَتِهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ فَإِذَا لَمْ تَعْمَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَبَطَلَ حَقُّهُ، وَلَوْ لَمْ يُفَرِّقْ لَتَأَخَّرَ حَقُّهَا وَالْأَوَّلُ أَقْوَى فِي الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِفَرْضِ الْقَاضِي فَيَسْتَوْفِي فِي الثَّانِي وَفَوْتُ الْمَالِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ فَلَا يُلْحَقُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّوَالُدُ فَلَا يُقَاسُ الْعَجْزُ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ وَأَطْلَقَ فِي النَّفَقَةِ فَشَمِلَ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ فَلَا يُفَرِّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ لِيَعْلَمَ حُكْمَ الْمَهْرِ بِالْأُولَى وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْفُصُولِ إذَا ثَبَتَ الْعَجْزُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالتَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالتَّفْرِيقِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَكِنْ أَمَرَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَقَضَى بِالتَّفْرِيقِ نَفَذَ إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَرَفَعَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَقَدْ ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ جَازَ تَفْرِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلَيْنِ مُخْتَلَفٍ فِيهِمَا التَّفْرِيقُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَصِحُّ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَنْفُذُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَشْهُودُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَهُوَ الْعَجْزُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْغَائِبَ صَارَ غَنِيًّا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّاهِدُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ فَكَانَ الشَّاهِدُ مُجَازِفًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ اعْتَبَرَ فِيهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ لَهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَهِيَ فَقِيرَةٌ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ.

(قَوْلُهُ: فَشَمِلَ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ) أَيْ الْمَأْكُولَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى

(4/200)


لَا يُعْرَفُ حَالَةَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونَ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا لِلْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنْ رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَأَجَازَ قَضَاءَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَيْسَ بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَثْبُتْ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ إذَا غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً يُمْكِنُ بِغَيْرِ طَرِيقِ إثْبَاتِ عَجْزِهِ بِمَعْنَى فَقْرِهِ وَهُوَ أَنْ تَتَعَذَّرَ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إذَا تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا بِغَيْبَتِهِ ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَلَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ فَلَا يَلْزَمُ مَجِيءُ مَا قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ اهـ.
وَهَذَا لَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ لِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي أَنَّ كَلَامَهُ فِي التَّفْرِيقِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ لَا فِي غَيْرِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فَرَّقَ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ سَائِرِ الدُّيُونِ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا عَجَزَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يُؤْمَرُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ وَهُنَا بَعْدَمَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ لَمْ تُؤْمَرْ بِالِاسْتِدَانَةِ عَسَى تَمُوتُ جُوعًا أَوْ يَمُوتُ الزَّوْجُ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا فَكَانَ الْأَمْرُ بِهَا لِتَأْكِيدِ حَقِّهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ مَشَايِخُنَا لَيْسَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إثْبَاتَ حَقٍّ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ رُجُوعِهَا ثَابِتٌ بِالْفَرْضِ سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ فَائِدَتَهُ أَنْ يَرْجِعَ الْغَرِيمُ عَلَى الزَّوْجِ وَبِدُونِ الْأَمْرِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَرْجِعُ بِالْمَفْرُوضِ عَلَى الزَّوْجِ وَفِي تَجْرِيدِ الْقُدُورِيِّ أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنْ تُحِيلَ الْمَرْأَةُ الْغَرِيمَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ وَبِدُونِهِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ فَائِدَتَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِدُونِهِ لَا رُجُوعَ اهـ.
أَمَّا فِي الذَّخِيرَةِ فَقَدْ ذَكَرُوا لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ ثَلَاثَةَ فَوَائِدَ لَكِنْ مَنْ جَعَلَ فَائِدَتَهَا إمْكَانَ الْإِحَالَةِ عَلَيْهِ بِدُونِ رِضَاهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَخْذُ مِنْ الزَّوْجِ بِدُونِ الْحَوَالَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْوَجْهَ فِي أَمْرِهَا بِالِاسْتِدَانَةِ دُونَ أَمْرِهِ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ الْمَدْيُونُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَجْهُهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ رُبَّمَا تَرَاخَى فِي ذَلِكَ فَيَحْصُلُ لَهَا الضَّرَرُ فَأُمِرَتْ هِيَ بِالِاسْتِدَانَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ؛ وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ يَطْمَئِنُّ لِاسْتِدَانَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ اسْتِدَانَتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَى شَخْصَيْنِ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ بِخِلَافِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ إلَّا الزَّوْجُ فَلَوْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ لِنَفَقَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الِاسْتِدَانَةِ فَذَكَرَ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهَا الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِتَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى رُكْنِ الْأَئِمَّةِ الصَّبَّاغِيِّ أَنَّهَا الِاسْتِقْرَاضُ فَإِذَا اسْتَدَانَتْ هَلْ تُصَرِّحُ بِأَنِّي أَسْتَدِينُ عَلَى زَوْجِي أَوْ تَنْوِي أَمَّا إذَا صَرَّحَتْ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا نَوَتْ، وَإِذَا لَمْ تُصَرِّحْ وَلَمْ تَنْوِ لَا يَكُونُ اسْتِدَانَةً عَلَيْهِ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا نَوَتْ الِاسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الِاسْتِدَانَةِ فَشَمِلَ قَرِيبَ الْمَرْأَةِ وَالْأَجْنَبِيَّ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُعْسِرَةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرٌ أَوْ أَخٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فَقْرِهِ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ فَقْدُهُ بِالدَّالِ لَا بِالرَّاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ.
(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ) قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ الرَّمْلِيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ وَالِدَهُ أَفْتَى بِعَدَمِ الْفَسْخِ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ النَّفَقَةِ لِغَيْبَتِهِ وَإِنْ طَالَتْ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ قَالَ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ لَا فَسْخَ مَا دَامَ مُوسِرًا وَإِنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ مَالِهِ إلَخْ فَقَوْلُهُ مُوسِرًا ظَاهِرٌ فِي الْفَسْخِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ مَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ شَرْحِ الْغَايَةِ الْقُصْوَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْفَسْخِ أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا حَالَ غَيْبَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى أَدَاءِ النَّفَقَةِ فَإِنْ عَجَزَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي الْفَسْخِ حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ فِي الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ بَيْنَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّ الْفَسْخَ حَالَ غَيْبَتِهِ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالْعَجْزِ، بَلْ بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
مَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّفْرِيقَ حَالَ حَضْرَتِهِ وَحَالَ غَيْبَتِهِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا ثَبَتَ عَجْزُهُ وَالْأَوَّلُ اعْتَبَرَهُ مَشَايِخُنَا مُجْتَهَدًا فِيهِ دُونَ الثَّانِي وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ بِالْأَوَّلِ وَتَنْفِيذُهُ دُونَ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي) هَذَا الْقَيْدُ يَظْهَرُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الْمُعْسِرِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يَفْرِضُ الْقَاضِي عَلَيْهِ نَفَقَةً مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُ التَّعْبِيرِ يَأْمُرُهَا بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَلَا مَالَ لَهُ عِنْدَ مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَتَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ

(4/201)


وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْإِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاقِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ أَوْلَادِ الْكِبَار حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ اهـ.
وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَجِدْ أَجْنَبِيًّا يَبِيعُهَا بِالنَّسِيئَةِ أَوْ يُقْرِضُهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ عَلَى وَلَدِهَا وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا إذَا وَجَدَتْ فَلَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ الْيُسْرِ لَمْ يُفَرَّقْ وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ عَلَيْهِ وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالَهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْسَخُ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ قَالَ الزَّوْجُ فِي مَجْلِسِ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عِنْدِي نَفَقَةٌ فَقَالَ خُذِي عِمَامَتَهُ وَأَنْفِقِيهَا عَلَى نَفْسِكِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ لَهُ عِمَامَةً أُخْرَى وَإِلَّا لَا تُبَاعُ الْعِمَامَةُ فِي النَّفَقَةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ الْخَصَّافُ وَلَا يَبِيعُ مَسْكَنَهُ وَخَادِمَهُ وَيَبِيعُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ يَبِيعُ مَا سِوَى الْإِزَارِ، وَقِيلَ يَتْرُكُ لِنَفْسِهِ دُسَتًا مِنْ الثِّيَابِ وَيَبِيعُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ دَسْتَيْنِ وَبِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثِيَابٌ يُمْكِنُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا يَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي ذَلِكَ بِبَعْضِهَا وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ إلَى الدُّيُونِ وَالنَّفَقَةِ اهـ.
وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْحَبْسِ وَفِي بَابِ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ وَإِنْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَمَا قَضَى بِهِ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا وَزَعَمَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ فَقَطْ وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَالَ الْمَرْأَةِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى مَا عَلِمَهُ الِاعْتِمَادُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ مِنْ الشَّيْخِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ، ثُمَّ ثَنَّى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ اهـ.
وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ، بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ وَقُضِيَ بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ، ثُمَّ أَيْسَرَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ نَفَقَةَ الْيَسَارِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا أَيْسَرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِنَفَقَةِ يَسَارِهِ، وَنَفَقَةُ يَسَارِهِ فِي حَالِ إعْسَارِهَا عِنْدَ الْخَصَّافِ هِيَ الْوَسَطُ، وَكَذَا إذَا أَيْسَرَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا قُضِيَ بِنَفَقَةِ يَسَارِهَا وَهِيَ الْوَسَطُ عِنْدَهُ فَصَارَ كَلَامُهُ شَامِلًا لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ الْمُرَادُ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى يَسَارِهَا أَيْضًا وَمَتَى أَمْكَنَ الْحَمْلُ فَلَا تَنَاقُضَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ النَّفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ فَغَلَا الطَّعَامُ أَوْ رَخُصَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُغَيِّرُ ذَلِكَ الْحُكْمَ هَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا مَا لَا يَكْفِيهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي حَيْثُ قَضَى بِمَا لَا يَكْفِيهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَدَارَكَ الْخَطَأَ بِالْقَضَاءِ لَهَا بِمَا يَكْفِيهَا، وَكَذَلِكَ إذَا فَرَضَ عَلَى الزَّوْجِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَكْفِيهَا فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الزِّيَادَةِ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حُقُوقِهَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مِثْلِهَا وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ فَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَإِنْ أَبَى الِابْنُ أَنْ يُقْرِضَهَا النَّفَقَةَ فُرِضَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُعْسِرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ اهـ فَتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي هُنَاكَ جَوَابُهُ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ إلَخْ) سَيَأْتِي مَا يُقَوِّيهِ وَيُوَضِّحُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ أَحَدٌ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ) أَيْ مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ بِالتَّعْلِيلِ بِالْمَعْرُوفِ إذْ لَيْسَ مِنْهُ أَنْ تَقْتَرِضَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ نَفَقَتَهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا مِنْ أَقَارِبِهَا.

(قَوْلُهُ: بَلْ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا ذُكِرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَسَطِ تُسَمَّى نَفَقَةَ يَسَارٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ، بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَلَى قَوْلِهِ عِنْدَ إعْسَارِ أَحَدِهِمَا النَّفَقَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ فَبَعْدَ يَسَارِهِ يُتِمُّ نَفَقَةَ الْمُوسِرَيْنِ. اهـ.
لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِبَارَةَ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَأَيْسَرَتْ وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ فِيهِمَا وَيُتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِيمَا إذَا أَيْسَرَ هُوَ حِينَئِذٍ فَأَلْ فِي الْيَسَارِ بَدَلٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ يَسَارُ الزَّوْجِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا قَدْ عَلِمْت، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ فِيهِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ

(4/202)


وَالسِّعْرُ غَالٍ، ثُمَّ رَخُصَ تَسْقُطُ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَتَبْطُلُ الزِّيَادَةُ اهـ.
يَعْنِي لَا يَبْطُلُ أَصْلُ التَّقْدِيرِ بِزِيَادَةِ السِّعْرِ أَوْ نُقْصَانِهِ حَتَّى لَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ إذْ لَوْ بَطَلَ أَصْلُهُ لَسَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ الصُّلْحِ عَنْ النَّفَقَةِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ عِنْدَنَا فَلَمْ يُسْتَحْكَمْ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْهِبَةِ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ فِيهَا إلَّا بِمُؤَكِّدٍ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالصُّلْحُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْبُضْعِ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَدَمُ كَوْنِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ يُطَالَبُ بِهِ وَيُحْبَسُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِحْدَى هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ فَتَأْخُذُهُ مِنْهُ جَبْرًا سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ الْمُدَّةَ الْقَلِيلَةَ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ الْيَسِيرِ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالرِّضَا اصْطِلَاحُهُمَا عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ لِلنَّفَقَةِ إمَّا أَصْنَافًا أَوْ دَرَاهِمَ؛ وَلِذَا عَبَّرَ الْحَدَّادِيُّ بِالْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ فَإِذَا فَرَضَ لَهَا الزَّوْجُ شَيْئًا مُعَيَّنًا كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ الرِّضَا، وَأَمَّا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّضَا أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ بِغَيْرِ فَرْضٍ وَلَا رِضًا، ثُمَّ رَضِيَ الزَّوْجُ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا يَفْهَمُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا مَا سَيَأْتِي مِنْ مَسَائِلِ الصُّلْحِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَظَاهِرُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ سَوَاءٌ شَرَطَ الرُّجُوعَ لَهَا أَوْ لَا وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ الْقَاضِي إذَا فَرَضَ لِلْمَرْأَةِ النَّفَقَةَ فَقَالَ الزَّوْجُ اسْتَقْرِضِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا وَأَنْفِقِي عَلَى نَفْسِكِ فَفَعَلَتْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَتَرْجِعِينَ بِذَلِكَ عَلَيَّ اهـ.
وَلَمْ أَرَ جَوَابًا عَنْهَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا اسْتَقْرَضَتْ وَإِنَّمَا تَرْجِعُ بِمَا فُرِضَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِاسْتِقْرَاضِهِ قَدْ يَكُونُ أَزْيَدَ أَوْ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِذَلِكَ فَهُوَ غَلَطٌ مَحْضٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِآخَرَ اسْتَدِنْ عَلَيَّ لِامْرَأَتِي وَأَنْفِقْ عَلَيْهَا كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ أَنْفَقْتُ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ صَدَقَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَذَا هَذَا فِي الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالصُّلْحِ بَاطِلٌ لِمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا الْمَرْأَةُ إذَا أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ عَنْ النَّفَقَةِ بِأَنْ قَالَتْ أَنْت بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْتُ امْرَأَتَكَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ فَالْبَرَاءَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ نَفَقَةِ مَا سِوَى ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ الرِّضَا) أَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا يَأْتِي عَنْ الذَّخِيرَةِ اخْتَلَفَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الصُّلْحِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ وَالْبَيِّنَةُ لَهَا قَالَ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْبَحْرِ الصُّلْحُ بِنَاءً عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ خَطَأِ ذَلِكَ الْفَهْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ صُلْحٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ فِي الذِّمَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى كَوْنِهَا لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا أَنَّهُ إبْرَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَهُ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا اسْتَقْرَضَتْ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: الْأَحْسَنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْقَرْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَاسْتَقْرَضَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَلَزِمَهَا وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَرْجِعِي عَلَيَّ كَانَ هَذَا مِنْهُ كَاصْطِلَاحٍ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ اهـ.
قُلْت وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ كَوْنِ مَوْضِعِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا تَرْجِعُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِقْرَاضُ مَا الدَّاعِي إلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ بِالْمَفْرُوضِ فَالْإِشْكَالُ بِحَالِهِ وَأَجَابَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَالَ لَهَا اسْتَقْرِضِي وَأَنْفِقِي عَلَى نَفْسِكِ كَانَتْ مُسْتَقْرِضَةً عَلَى نَفْسِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَقَصْدُهَا امْتِثَالُ كَلَامِهِ وَكَلَامُهُ مُوجِبٌ لِلُزُومِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَأَمَرَهَا بِأَنْ تُنْفِقَ مَا اسْتَدَانَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا لَا عَلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ وَغَيْرَهُ، وَالتَّبَرُّعُ أَدْنَى الْحَالَتَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا مُتَبَرِّعَةً فَامْتَثَلَتْ أَمْرَهُ فَكَانَ إسْقَاطًا لِلْفَرْضِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِدَانَةِ، وَالنَّفَقَةُ مِمَّا اسْتَدَانَتْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهَا ذَلِكَ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَبَقِيَ فَرْضُ الْقَاضِي وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ اسْتَقْرِضِي وَأَنْفِقِي وَإِجَابَتَهَا لَهُ إضْرَابٌ عَنْ الْفَرْضِ مِنْهَا وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَتَرْجِعِينَ بِذَلِكَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي التَّبَرُّعَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَقِيَ الْفَرْضُ لِعَدَمِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّبَرُّعُ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.

(4/203)


مِنْ الشُّهُورِ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُكَ عَنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا مِنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا فَرَضَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّمَا فَرَضَ لِمَعْنًى يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الشَّهْرِ فَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الشَّهْرُ لَا يَتَجَدَّدُ الْفَرْضُ وَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الْفَرْضُ لَا تَصِيرُ نَفَقَةُ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاجِبًا، وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَمَا مَكَثَتْ أَشْهُرًا أَبْرَأْتُكَ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا يَسْتَقْبِلُ يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَيَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ مَا يَسْتَقْبِلُ بِقَدْرِ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَلَا يَبْرَأُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ أَجَّرَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْ أُجْرَةِ الْغُلَامِ أَبَدًا لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ أُجْرَةِ شَهْرٍ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَى مُعَيَّنٍ لَا تَصِحُّ وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا تَصِحُّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ لِلْقَاضِي إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ وَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَآخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ شَهْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنْ لَمْ تَجِبْ لِلْحَالِ تَجِبُ بَعْدَهُ فَتَصِيرُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَيُجْبَرُ اسْتِحْسَانًا رِفْقًا بِالنَّاسِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً أَوْ لَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الصُّلْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي زِيَادَةَ دَيْنٍ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الْإِنْفَاقَ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ امْرَأَةٌ أَقَامَتْ عَلَى رَجُلٍ بَيِّنَةً بِالنِّكَاحِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ، وَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ لِمَا رَأَى مِنْ
الْمَصْلَحَةِ
يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهَا إنْ كُنْتِ امْرَأَتَهُ فَقَدْ فَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، وَكَذَا وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ، وَقَدْ اسْتَدَانَتْ وَعَدَلَتْ الْبَيِّنَةُ أَخَذَتْهُ بِنَفَقَتِهَا مُنْذُ فَرَضَ لَهَا اهـ.
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ مِنْ الْقَاضِي يُصَيِّرُهَا دَيْنًا فَلَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ وَإِنْ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ قَضَاءً لَا يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِعَدَمِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ طَلَبُهَا التَّقْدِيرَ دَعْوَى وَمَسْأَلَةُ الْإِبْرَاءِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَنَجَّزَ وَفِيمَا بَعْدَهُ مُضَافٌ فَتَنَجَّزَ بِدُخُولِ الشَّهْرِ وَهَكَذَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الصُّلْحِ، وَلَوْ صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَنْ نَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ لَا أُطِيقُ ذَلِكَ فَهُوَ لَازِمٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ سِعْرُ الطَّعَامِ وَيَعْلَمُ أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكْفِيهَا اهـ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الصُّلْحِ فَفِي فَرْضِ الْقَاضِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً فَإِذَا قَرَّرَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ كُلِّ سَنَةٍ لَزِمَ التَّقْرِيرُ مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مُسْقِطٌ وَكَانَ بِقَدْرِ حَالِهِمَا وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ نَفَقَةَ امْرَأَتِكَ كَذَا وَكَذَا فِي مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولُ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنَّفَقَةِ لِمُدَّةِ كَذَا يَصِحُّ وَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ بَعْدَ الْفَرْضِ صَحَّ اهـ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فَرْضَهَا قَضَاءٌ وَأَنَّهُ إذَا فَرَضَهَا، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ تَسْقُطْ، وَقَدْ نَقَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ وَهِيَ تَجْحَدُ أَوْ عَكْسَهُ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهَا وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْكِرًا إنَّمَا نَفَوْا النَّفَقَةَ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ لَا مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ لَهَا جَازَ، وَأَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عَطْفِ الْمُصَنِّفِ الرِّضَا عَلَى الْقَضَاءِ أَنَّ فَرْضَ الْقَاضِي بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا فَرَضَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ حَالِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الزِّيَادَةِ، وَكَذَا إذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَزْيَدَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَنْ نَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَالزَّوْجُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نُقِلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي النَّفَقَاتِ بِقَوْلِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي رَجُلٍ ضَمِنَ لِامْرَأَتِهِ النَّفَقَةَ وَالْمَهْرَ فَإِنَّ ضَمَانَ النَّفَقَةِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ مَعَ الْمَرْأَةِ يَصْطَلِحَانِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ لِنَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ يَضْمَنُهُ رَجُلٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الضَّمَانُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ اهـ.
فَجَوَازُهَا مَعَ عَدَمِ الْفَرْضِ فِي مَسْأَلَةِ مُرِيدِ الْغَيْبَةِ اسْتِحْسَانٌ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِالنَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ شَهْرٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَبَ لَا يُطَالَبُ بِمَهْرِ زَوْجَةِ ابْنِهِ وَنَفَقَتِهَا إلَّا أَنْ يَضْمَنَ وَأَطْلَقَ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَحَمْلُهُ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ مُرِيدِ السَّفَرِ أَيْضًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الذَّخِيرَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً أَوْ لَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ فَرْضِهَا مِنْ الْقَاضِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّرَاخِي، وَالِاصْطِلَاحُ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَفِي اشْتِرَاطِ التَّرَاخِي تَوْفِيقٌ بَيْنَ كَلَامِهِمْ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ

(4/204)


مُحْتَاجٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا نَفَقَةُ مِثْلِهَا، وَإِذَا صَالَحَهَا عَلَى دَانِقٍ كُلَّ شَهْرٍ جَازَ وَلَهَا أَنْ تَنْقُضَ إنْ لَمْ يَكْفِهَا اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَكَانَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا لِنَفَقَتِهَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الصُّلْحَ بَيْنَهُمَا مَتَى حَصَلَ بِشَيْءٍ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ فِي نَفَقَتِهَا بِحَالٍ فَالصُّلْحُ بَيْنَهُمَا تَقْدِيرٌ لِلنَّفَقَةِ وَلَا تُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الصُّلْحُ قَبْلَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي عَلَى شَيْءٍ أَوْ كَانَ بَعْدَ أَحَدِهِمَا، وَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ عَلَى الزَّوْجِ فِي نَفَقَتِهَا بِحَالٍ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهَا بِالنَّفَقَةِ وَقَبْلَ تَرَاضِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ لِكُلِّ شَهْرٍ يُعْتَبَرُ الصُّلْحُ مِنْهُمَا تَقْدِيرًا وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا يُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً، وَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ أَنْ تَجُوزَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَالنُّقْصَانُ عَنْهُ وَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ لَا تَجُوزَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا النُّقْصَانُ، وَإِذَا صَالَحَهَا عَلَى دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ، ثُمَّ قَالَتْ لَا تَكْفِينِي زِيدَتْ، وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لَا أُطِيقُهُ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْتَزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا الْتَزَمَ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَرَّفَ الْقَاضِي عَلَى حَالِهِ بِالسُّؤَالِ مِنْ النَّاسِ فَإِذَا أَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ نَقَصَ عَنْهُ وَأَوْجَبَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَمْضِ شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى صَالَحَهَا مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَنْ شَيْءٍ إنْ كَانَ شَيْئًا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى ثَلَاثِ مَخَاتِيمَ دَقِيقٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ تَقْدِيرٌ لِلنَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الدُّيُونَ كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَالَحَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَخَاتِيمَ دَقِيقٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنَّ الصُّلْحَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ لِوُجُوبِ الدَّيْنِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَكَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الدَّقِيقَ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا هُنَا فَقَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَالنَّفَقَةُ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فَلَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ لِلنَّفَقَةِ حَتَّى لَوْ مَضَى الشَّهْرُ وَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ دَيْنًا، ثُمَّ صَالَحَهَا عَلَى دَقِيقٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا اهـ.
وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ رِضَاهُمَا وَصُلْحَهُمَا عَلَى شَيْءٍ صَالِحٍ لِلنَّفَقَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ مُبْطِلٌ لِتَقْدِيرِ الْقَاضِي حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ تَمْوِينًا بَعْدَ فَرْضِ النَّفَقَةِ أَوْ الِاتِّفَاقِ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ التَّقْدِيرُ السَّابِقُ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي زَمَانِنَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَلَوْ صَالَحَهَا مِنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ عَلَى ثَوْبٍ جَازَ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الثَّوْبَ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرْضِ أَوْ الرِّضَا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ بِمَا فَرَضَ لَهَا أَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا الثَّوْبَ شِرَاءٌ، وَقَدْ انْفَسَخَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَعَادَ دَيْنُهَا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالتَّرَاضِي رَجَعَتْ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ، وَلَوْ صَالَحَهَا عَلَى وَصْفٍ وَسَطٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَجَلًا أَوْ أَجَّلَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي جَازَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ وَصُلْحُ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى نَفَقَتِهَا جَائِزٌ كَالصُّلْحِ عَنْ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا صَالَحَ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَكَذَا صُلْحُ الْمُكَاتَبِ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ كُلَّ شَهْرٍ جَائِزٌ بِالْأَوْلَى اهـ.

(قَوْلُهُ وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ) أَيْ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ وَالدِّيَةِ وَالْجِزْيَةِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَدَانَتْ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ اسْتِدَانَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِأَمْرِ الْقَاضِي جَزَمَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَسَبَهُ إلَى الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ الدَّيْنُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَذَا هَذَا اهـ.

قَيَّدَ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ الْمَقْضِيِّ بِهَا بِالطَّلَاقِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَجَزَمَ فِي النُّقَايَةِ بِسُقُوطِهَا بِهِ كَالْمَوْتِ مُسَوِّيًا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالْمَوْتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ السُّقُوطَ بِالطَّلَاقِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ بِمَا إذَا مَضَى شَهْرٌ يَعْنِي فَأَزْيَدَ وَهُوَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ تَأَمَّلْ

(4/205)


وَالظَّهِيرِيَّةِ وَكَمَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هَلْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَجَدْت رِوَايَةً فِي السُّقُوطِ وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ زَادَ فِي الْخَصَّافِ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ سَبَبًا آخَرَ فَقَالَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِهَا وَتَسْقُطُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ أَبَانَهَا اهـ.
هَذِهِ عِبَارَتُهَا بِاللَّفْظِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَهَلْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ بِالطَّلَاقِ حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ أَنَّهَا تَسْقُطُ وَفِي فَتَاوَى الْبَقَّالِيِّ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَسْقُطُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَاتِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي كَذَا حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَكَانَ يَقُولُ وَجَدْنَا رِوَايَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَشَبَّهَهُ بِالذِّمِّيِّ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا كَانَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ بِهِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إنَّمَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ النَّفْسِ لِإِصْرَارِهِ عَلَى الدَّيْنِ الْبَاطِلِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالْإِسْلَامِ فَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ كَذَا هَا هُنَا الْمَرْأَةُ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِالْوَصْلَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَتِلْكَ الْوَصْلَةُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالطَّلَاقِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَاسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ اهـ.
مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَاتِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي اهـ.
فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَهُمْ سُقُوطُهَا بِالطَّلَاقِ كَالْمَوْتِ خُصُوصًا قَدْ أَفْتَى بِهِ الشَّيْخَانِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ؛ لِأَنَّهُ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ قَدْ عَطَفَ الْبَائِنَ عَلَى الطَّلَاقِ فَعُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ رَجْعِيٌّ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ يَنْبَغِي ضَعْفُ الْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ بَائِنًا لِأُمُورٍ، الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا، وَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ لَأَمْكَنَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَتَسْقُطُ ثُمَّ يُرَاجِعَهَا، الثَّانِي أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ أَخْذِ الْكَفِيلِ بِالنَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ بِقَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي فَرَضَهَا الْقَاضِي مَعَ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ صَحِيحٍ قَالُوا وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَلَوْ كَانَ دَيْنُ النَّفَقَةِ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَلَا يَضُرُّنَا سُقُوطُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لِعَارِضٍ أَنَّ أَصْلَهُ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، الثَّالِثِ وَهُوَ أَقْوَاهَا مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْخُلْعِ فَإِنَّ الْكُلَّ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ عِبَارَاتِهِمْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ اهـ.
فَقَدْ أَفَادَ عَدَمَ سُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ الْمَفْرُوضَتَيْنِ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَهْرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ قَوْلُهُ سَائِرُ الْحُقُوقِ، وَقَالَ قَبْلَهُ، وَأَمَّا حُكْمُ الْخُلْعِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ بِأَنْ قَالَ خَالَعْتكِ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَحُكْمُهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بِبَدَلٍ إلَى آخِرِهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالِ فَهَلْ تَقَعُ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَقَعُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ بِالنِّكَاحِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقَعُ الْبَرَاءَةُ عَنْهَا لِإِتْمَامِ الْمَقْصُودِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ اتِّفَاقًا فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ خُصُوصًا أَنَّ مَفْهُومَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، وَقَدْ قَيَّدُوا سُقُوطَهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْخَصَّافَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: هَذِهِ عِبَارَتُهُمَا بِاللَّفْظِ) أَيْ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ بِلَفْظِهَا مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ. (قَوْلُهُ: قَدْ أَفْتَى بِهِ الشَّيْخَانِ) أَيْ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ

(4/206)


زَادَ الطَّلَاقَ مِنْ عِنْدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْمَذْهَبِ فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عَلَى كُلِّ مُفْتٍ وَقَاضٍ اعْتِمَادُ عَدَمِ السُّقُوطِ خُصُوصًا مَا تَضَمَّنَهُ الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى اُسْتُفْتِيتُ وَقْتَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ امْرَأَةٍ لَهَا كِسْوَةٌ مَفْرُوضَةٌ تَجَمَّدَ لَهَا عَشْرُ سِنِينَ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ إنَّهَا رَفَعَتْهُ إلَى قَاضٍ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ فَاسْتَمْهَلَهَا يَوْمًا، ثُمَّ ذَهَبَ إلَى قَاضٍ رُومِيٍّ وَخَلَعَهَا عِنْدَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِسُقُوطِ الْكِسْوَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ تَعْتَمِدْ عَلَى تَصْحِيحِ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا قُلْت: لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي النَّفَقَةِ الْمُسْتَدَانَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَكَلَامُنَا فِي الْمَفْرُوضَةِ فَقَطْ

(قَوْلُهُ وَلَا تُرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ بِأَنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ هَالِكَةً فَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَلَا تَرُدُّ شَيْئًا اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْتَسِبُ لَهَا نَفَقَةَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلزَّوْجِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّهَا اسْتَعْجَلَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ بِالِاحْتِبَاسِ، وَقَدْ بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْمَوْتِ فَبَطَلَ الْعِوَضُ بِقَدْرِهِ كَرِزْقِ الْقَاضِي وَرِزْقِ الْمُقَاتَلَةِ وَلَهُمَا أَنَّهَا صِلَةٌ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالُوا وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُعَجِّلُ الزَّوْجَ أَوْ أَبَاهُ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا أَبُو الزَّوْجِ إذَا دَفَعَ نَفَقَةَ امْرَأَةِ ابْنِهِ مِائَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا الزَّوْجُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَذَا إذَا أَعْطَاهَا أَبُو الزَّوْجِ اهـ.
وَشَمِلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَخْ) سَيُرَجِّحُ خِلَافَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَأَيْضًا نَازَعَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فَبَحَثَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَا كُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ هَذَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَعْلَمَهُ مُفْتٍ مَاجِنٌ وَأَيْضًا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَنَفِيٌّ عَالِمٌ بِالشُّرُوطِ فَقَدْ يَدَّعِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَنَحْوِهِ فَيَحْكُمُ لَهَا بِاللُّزُومِ فَيَضِيعُ طَلَاقُهُ وَفِي الْأَمْرِ الثَّانِي بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ اتِّفَاقًا يَكْفِينَا مُؤْنَةُ رَدِّهِ فَيُقَالُ لَهُ لَوْ كَانَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لَمَا صَحَّ التَّكْفِيلُ بِهِ فَنَقُولُ كَانَ الْقِيَاسُ ذَلِكَ لَكِنْ اسْتَحْسَنَ صِحَّةَ التَّكْفِيلِ شَفَقَةً عَلَيْهِنَّ وَامْتِثَالًا لِوَصِيَّةِ الشَّارِعِ بِهِنَّ فَذَا مِمَّا خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ ضَرُورَةً، وَجَعْلُهُ الْمَوْتَ مِنْ الْعَوَارِضِ دُونَ الطَّلَاقِ تَحَكُّمٌ بِلَا رَيْبٍ وَفِي الثَّالِثِ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ يُبْطِلُ سَائِرَ الْحُقُوقِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ سَائِرَ يَجِيءُ بِمَعْنَى جَمِيعِ فَتَكُونُ الْقَضِيَّةُ جُزْئِيَّةً قَصَدَ بِهَا سَلْبَ الْعُمُومِ لَا عُمُومَ السَّلْبِ وَيَكْفِي فِيهِ تَعَلُّقُهُ بِالْمَهْرِ فَقَطْ وَأَيْضًا يُمْكِنُ حَمْلُ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَنَفَقَةٍ اُسْتُدِينَ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ فَلَا يَبْعُدُ إطْلَاقُ جَمِيعِ الْحُقُوقِ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ إنَّ نِسْبَتَهُ الْخَصَّافَ إلَى أَنَّهُ زَادَ الطَّلَاقَ مِنْ عِنْدِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَنْبِطْهُ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأُصُولِهِمْ الْمُعْتَمَدَةِ فَهُوَ جَرَاءَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ إنَّهُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ يَلِيقُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنْ يُقَالَ يُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى كَمَا يَقَعُ.
وَجَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَمْ يَظْهَرْ ضَعْفُهَا كَيْفَ وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخَانِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ والمرغيناني وَذُكِرَتْ فِي الْمُتُونِ كَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ وَغَيْرِهَا وَظَهَرَ ضَعْفُ الْوُجُوهِ الَّتِي قَوَّى بِهَا خِلَافَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَلِهَذَا تَوَقَّفْت كَثِيرًا فِي الْفَتْوَى بِالسُّقُوطِ مَعَ مَا ظَهَرَ لِي مِنْ الْأَبْحَاثِ الْمَذْكُورَةِ وَظَفِرْت بِنَقْلٍ صَرِيحٍ فِي تَصْحِيحِ عَدَمِ السُّقُوطِ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَفِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِئَلَّا يَتَّخِذَهَا النَّاسُ وَسِيلَةً لِقَطْعِ حَقِّ النِّسَاءِ اهـ.
كَلَامُ الْمَقْدِسِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَدْ رَجَعَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَبَيَّنَ وَجْهَهُ الرَّمْلِيُّ بِبَعْضِ مَا مَرَّ، وَقَالَ إنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ أَفْتَى فِي فَتَاوِيهِ بِالسُّقُوطِ اهـ.
وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ السُّقُوطِ بِالرَّجْعِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ وَاسْتَحْسَنَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ وَبِالسُّقُوطِ مُطْلَقًا أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ لَكِنْ صَحَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَدَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى اهـ.
وَهُوَ يُشْعِرُ بِمَيْلِهِ إلَى مَا بَحَثَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَهُ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا صَحَّحَهُ هُوَ هَذَا كَمَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَاسْتَدَلَّ بِهَا وَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِيمَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ، بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْأَوَّلُ لِمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ وَالتَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْمُفْتِي عِنْدَ الْفَتْوَى بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الرَّجُلِ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ تَخَلُّصًا مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ لِسُوءِ أَخْلَاقِهَا مَثَلًا

(4/207)


الْمَوْتَ وَالطَّلَاقَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ عَجَّلَ لَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ وَفِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا اخْتَلَفُوا قِيلَ تُرَدُّ، وَقِيلَ لَا تُسْتَرَدُّ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَائِمَةٌ فِي مَوْتِهِ، كَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا فَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ، بَلْ تُجْعَلُ مُسْتَقِلَّةً وَوَجْهُهُ أَنَّهَا صِلَةٌ لِزَوْجَتِهِ وَلَا رُجُوعَ فِيمَا يَهَبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْهِبَةِ لَا لِوَقْتِ الرُّجُوعِ فَالزَّوْجِيَّةُ مِنْ الْمَوَانِعِ مِنْ الرُّجُوعِ كَالْمَوْتِ وَدَفْعُ الْأَبِ كَدَفْعِ ابْنِهِ فَلَا إشْكَالَ

(قَوْلُهُ وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ تَزَوُّجُهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَمُرَادُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْفِدَاءِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ، وَكَذَا الْمَهْرُ وَلَمْ أَرَهُمْ صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اخْتَارَتْ اسْتِسْعَاءَهُ فِي النَّفَقَةِ دُونَ بَيْعِهِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا لَكِنْ صَرَّحُوا فِي الْمَأْذُونِ لَهُ لِلتِّجَارَةِ إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَهُ دُونَ بَيْعِهِ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْمَأْذُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اخْتَارَتْ اسْتِسْعَاءَهُ لِنَفَقَتِهَا كُلَّ يَوْمٍ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ أَيْضًا قَيَّدْنَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لَا يُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِهِ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لِتَجِبَ لَهَا النَّفَقَةُ.
وَكَذَا الْمَهْرُ لَا يُبَاعُ فِيهِ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا لِعَدَمِ ظُهُورِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَيَّدَ بِالْقِنِّ وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي لَا حُرِّيَّةَ فِيهِ بِوَجْهٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَفِي اللُّغَةِ الْعَبْدُ إذَا مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ يَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لَا يُبَاعُونَ فِيهَا لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ السِّعَايَةُ إلَّا إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَقَيَّدَ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ أَوْلَادِهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ حُرَّةً فَلِأَنَّ الْأَوْلَادَ أَحْرَارٌ تَبَعًا لَهَا وَالْحُرُّ لَا يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا الزَّوْجَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ الْأُمِّ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فِي الْمِلْكِ فَتَكُونُ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الزَّوْجِ، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ زَادَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَشَرْحِهِ لِلسَّرَخْسِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالشَّامِلِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً أَوْ قِنَّةً لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبَةً وَهُمَا لِمَوْلًى وَاحِدٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا وَلِهَذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهَا وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهَا وَمِيرَاثُهُ لَهَا فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ وَلِهَذَا يَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهُ؛ وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَإِذَا اتَّبَعَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ اهـ.
وَلَمْ أَرَ مَتَى يُبَاعُ الْقِنُّ فِي النَّفَقَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَرَّرَ لَهَا نَفَقَةً كُلَّ شَهْرٍ كَذَا وَطَالَبَتْ بِالنَّفَقَةِ هَلْ يُبَاعُ لِأَجْلٍ النَّفَقَةِ الْيَسِيرَةِ أَوْ تَصِيرُ الْمَرْأَةُ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ قَدْرُ قِيمَتِهِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْمَوْلَى وَيَقْتَضِي أَنْ يُبَاعَ فِي نَفَقَةِ يَوْمٍ إذَا طَلَبَتْهَا وَلَمْ يَفْدِهِ السَّيِّدُ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَفِيهِ إضْرَارٌ بِهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ وَلَفْظُهَا فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَعْجِزُ عَنْ الْأَدَاءِ يُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى اهـ.
وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ مَثَلًا فَطَالَبَتْهُ وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ بَاعَهُ الْقَاضِي إنْ لَمْ يَفْدِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَأَطْلَقَ فِي بَيْعِهِ لَهَا فَشَمِلَ سَيِّدَهُ الْمُزَوِّجَ لَهُ وَغَيْرَهُ فَإِذَا بِيعَ فِيهَا فَاشْتَرَاهُ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ عَلِمَ فَرَضِيَ ظَهَرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ ثَانِيًا، وَكَذَا حَالُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّالِثِ وَهَلُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ وَمِمَّا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ عَجَّلَ الزَّوْجُ لَهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا وَلَا فِي تَرِكَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْفَعُ عَنْهَا بِحِصَّتِهِ مَا مَضَى وَيَجِبُ رَدُّ الْبَاقِي إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا إلَخْ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى طَلَّقَهَا بَائِنًا وَعَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَأَسْقَطَتْ سِقْطًا بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَانْقَضَتْ بِذَلِكَ عِدَّتُهَا هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا زَادَ عَلَى حِصَّةِ الْعَشَرَةِ أَمْ لَا الْجَوَابُ لَا عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ. مُلَخَّصًا

(قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمَقْدِسِيَّ وَصَاحِبُ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ) أَرَادَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمَ النَّفَاذِ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَأُمُّ الْوَلَدِ) مِثْلُهُ فِي النَّهْرِ وَالصَّوَابُ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ

(4/208)


جَرَّا وَلَا يُبَاعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَّا فِي دَيْنِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ تَجَدُّدِ الزَّمَانِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ السَّيِّدِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ دَيْنٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِحَالِهِ أَوْ عَلِمَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَرْضَ فَلَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ فَرَّقَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا بَيْنَ دَيْنِ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ دَيْنِ الْمَهْرِ بِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ وَأَنَّ الْمَهْرَ جَمِيعَهُ وَاجِبٌ فَإِذَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ مَرَّةً لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَهْرِ فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا بِيعَ فِيهَا فَإِنَّمَا بِيعَ فِيمَا اجْتَمَعَ مِنْ النَّفَقَةِ وَصَارَتْ وَاجِبَةً، وَأَمَّا فِيمَا لَمْ يَجْتَمِعْ وَلَمْ يَصِرْ وَاجِبًا لَا يُتَصَوَّرُ الْبَيْعُ فِيهِ فَإِذَا وَجَبَتْ نَفَقَةٌ أُخْرَى فَهَذَا دَيْنٌ حَادِثٌ لَمْ يُبَعْ الْعَبْدُ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى فَجَازَ بَيْعُهُ اهـ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بِيعَ فِي النَّفَقَةِ الْمُجْتَمِعَةِ فَلَمْ يَفِ بِكُلِّهَا فَاشْتَرَاهُ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ لِبَقِيَّةِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْمَهْرِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ لِمَا يَجْتَمِعُ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ صُورَتُهُ عَبْدٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ النَّفَقَةِ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَلْفُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى اهـ.
سَهْوٌ فَاحِشٌ ظَاهِرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ فِي الْحَقِيقَةِ دَيْنٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنُ النَّفَقَةِ أَقْوَى مِنْ سَائِرِ الدُّيُونِ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَيَسْتَثْنِي مِنْ الْأَمَةِ أَمَةَ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الْعَبْدِ بَوَّأَهَا الْعَبْدُ بَيْتًا أَوْ لَا وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُ الْمَوْلَى وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَشَمِلَ بِنْتَ الْمَوْلَى فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى عَبْدِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مَعْنَى سَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ وَجْهٍ وَالْبِنْتُ تَسْتَحِقُّ الدَّيْنَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْأَبِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَقَدْ سُئِلْت عَنْ كَفَنِ امْرَأَةِ الْعَبْدِ وَتَجْهِيزِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ تَرَكَتْ مَالًا فَأَجَبْت بِأَنِّي إلَى الْآنَ لَمْ أَرَهَا صَرِيحَةً لَكِنَّ تَعْلِيلَهُمْ لِأَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ الْكَفَنَ كَالْكِسْوَةِ حَالَ الْحَيَاةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُبَاعَ فِيهِ كَمَا يُبَاعَ فِي كِسْوَتِهَا

(قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِبَاسَ إلَّا بِهَا فَإِنْ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى مَعَهُ مَنْزِلًا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِهِ أَطْلَقَ فِي الزَّوْجِ فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْقِنَّ وَالْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَأَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّبْوِئَةِ لِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهَا بِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ فَكَانَتْ كَالْحُرَّةِ وَالتَّبْوِئَةُ أَنْ يُخَلِّيَ الْمَوْلَى بَيْنَ الْأَمَةِ وَزَوْجِهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ جَاءَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ وَخَدَمَتْ الْمَوْلَى فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَمْ يَسْقُطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِيهَا لَوْ جَاءَتْ إلَى بَيْتِ الْمَوْلَى فِي وَقْتٍ وَالْمَوْلَى لَيْسَ فِي الْبَيْتِ فَاسْتَخْدَمَهَا أَهْلُهُ وَمَنَعُوهَا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى بَيْتِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ أَهْلِ الْمَوْلَى إيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِخْدَامِ الْمَوْلَى وَفِيهِ تَفْوِيتُ التَّبْوِئَةِ اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا وَهِيَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ لِلتَّبْوِئَةِ شَرْطَيْنِ فَإِذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا فُقِدَتْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ، وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لَكِنْ عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا خَدَمَتْهُ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى وَتَعْلِيلُ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إلَخْ) تَابِعُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الدُّرَرِ وَأُجِيبُ عَنْهُمَا بِأَنَّ عِبَارَتَهُمَا وَإِنْ احْتَمَلَتْ غَيْرَ الْمَذْهَبِ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَ فَإِنْ قَالَهُ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يُبَاعُ فِيمَا تَجَدَّدَ لَا فِي الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْلَى) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَيَنْظُرُ مَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَلَعَلَّهَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمَقْدِسِيَّ وَصَاحِبُ النَّهْرِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فَقَدْ وَقَعَ لِي مِثْلُ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ السُّؤَالِ وَأَجَبْت بِمَا أَجَابَ بِهِ مُسْتَدِلًّا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ لِأَبِي يُوسُفَ قَبْلَ وُقُوفِي عَلَى جَوَابِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ

[وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ]
(قَوْلُهُ: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) أَيْ فِي مُدَّةِ اسْتِخْدَامِهِمْ إيَّاهَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ وَالِدِي عَنْ أَمَةٍ زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا مِنْ إنْسَانٍ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ طَوَالَ الْيَوْمِ وَتَشْتَغِلُ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ نَفَقَةُ الْيَوْمِ عَلَى الْمَوْلَى وَنَفَقَةُ اللَّيْلِ عَلَى الزَّوْجِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ خَدَمَتْهُ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا وَهُوَ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِيَكُونَ جَوَابُ لَوْ الشَّرْطِيَّةِ أَيْ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِفَوَاتِ

(4/209)


الْحُرَّةِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ تَقْيِيدِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً بِالتَّبْوِئَةِ فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَقَيَّدَ بِالْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكَةِ عَلَى سَيِّدِهَا مُطْلَقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّبْوِئَةَ مِنْ السَّيِّدِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ بَوَّأَ الْأَمَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ بِهَذَا الطَّلَاقِ فَلَا تَسْتَحِقُّ بَعْدَهُ وَإِنْ فَاتَتْ التَّبْوِئَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ عَادَتْ تَعُودُ النَّفَقَةُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْحُرَّةُ إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَلَهَا أَنْ تَعُودَ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ فِي الْأَمَةِ النِّكَاحَ حَالَةَ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الِاحْتِبَاسِ إذْ لَا يَجِبُ التَّبْوِئَةُ وَفِي الْحُرَّةِ النِّكَاحُ حَالَةَ الطَّلَاقِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ إلَّا أَنَّهَا فُوِّتَتْ بِالنُّشُوزِ فَإِذَا عَادَتْ وَجَبَتْ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيرَ النَّفَقَةِ مِنْ الْقَاضِي قَبْلَ التَّبْوِئَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ السَّبَبِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَفِي الذَّخِيرَةِ والولوالجية وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ نِسْوَةٌ بَعْضُهُنَّ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ ذِمِّيَّاتٌ فَهُنَّ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِفَايَةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَلَسْنَ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ لِاخْتِلَافِ حَالِهِنَّ يَسَارًا وَعُسْرًا، فَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْمُوسِرَةِ كَنَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْحُرَّةِ كَالْأَمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى النَّفَقَةِ أَيْ تَجِبُ السُّكْنَى فِي بَيْتٍ أَيْ الْإِسْكَانُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَوْجَبَ النَّفَقَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَيْ مِنْ طَاقَتِكُمْ أَيْ مِمَّا تُطِيقُونَهُ مِلْكًا أَوْ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً إجْمَاعًا، وَإِذَا وَجَبَتْ حَقًّا لَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا وَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِانْتِقَاصِ حَقِّهَا وَدَخَلَ فِي الْأَهْلِ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ فَلَهُ إسْكَانُهُ مَعَهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَخَرَجَ عَنْهُ أَمَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ، فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْ إسْكَانِهِمَا مَعَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْدَامِ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَيْتَ دُونَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدًا وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الِاحْتِبَاسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِخْدَامِ الَّذِي تَنْتَفِي بِهِ التَّبْوِئَةُ هُوَ الِاسْتِخْدَامُ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَفُوتُ بِهِ الِاحْتِبَاسُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا وَتَبْوِئَتُهَا أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّبْوِئَةِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ. اهـ.
فَقَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ أَيْ لِلنَّفَقَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ فَالْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ هُوَ التَّبْوِئَةُ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ الِاحْتِبَاسُ إلَّا بِهَا فَصَارَتْ التَّبْوِئَةُ عِبَارَةً عَنْ الِاحْتِبَاسِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا لَيْسَ شَرْطًا آخَرَ مُغَايِرًا لِمَا قَبْلَهُ، بَلْ هُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ إبْقَاءُ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ بِأَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكَافِي عَقِبَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ مَوْجُودَةٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَوَّأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَهَا النَّفَقَةُ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَوَّأَهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا إلَيْهِ لِتُطَالِبَ بِالنَّفَقَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا يَوْمَ طَلَّقَ، فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ أَبَدًا إلَّا الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ زَوْجِهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَانِعَةً نَفْسَهَا مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهَا اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ اسْتِحْقَاقُهَا النَّفَقَةَ وَقْتَ الطَّلَاقِ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ لَا مَعْنَى لِهَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِتَابِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَخْ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَخَرَجَ عَنْهُ أَمَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ أَيْ أَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ بَيْنَ يَدَيْ أَمَةِ الرَّجُلِ هَذَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

(4/210)


لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَصَلَ.
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ، وَلَوْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَدْ زَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ كَوْنَ الْخَلَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْبَيْتِ مِنْ بَيْتِ الْخَلَاءِ وَمِنْ مَطْبَخٍ بِخِلَافِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجِ يُؤْذِيهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، قَالُوا لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ أَحَبَّ، وَلَكِنْ بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ، وَلَوْ قَالَتْ إنَّهُ يَضْرِبُنِي وَيُؤْذِينِي فَمُرْهُ أَنْ يُسْكِنَنِي بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا وَإِلَّا يَسْأَلُ الْجِيرَانَ عَنْ صَنِيعِهِ فَإِنْ صَدَّقُوهَا مَنَعَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا وَلَا يَتْرُكُهَا ثَمَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِوَارِهَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَى الزَّوْجِ أَمَرَهُ بِإِسْكَانِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ اهـ.
وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ يُضْرَبُ وَإِنَّمَا قَالُوا زَجَرَهُ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ تَعْزِيرَهُ وَإِنَّمَا طَلَبَتْ الْإِسْكَانَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ، فَلَيْسَ بِمَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْكَنَ أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ حَالِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَلَيْسَ مَسْكَنُ الْأَغْنِيَاءِ كَمَسْكَنِ الْفُقَرَاءِ فَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا عَنْ الْمَسْكَنِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ إذَا أُطْلِقَتْ فَإِنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَقَوْلُهُمْ يُعْتَبَرُ فِي النَّفَقَةِ حَالُهُمَا يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْإِجَارَاتِ تَزَوَّجَ بِهَا وَبَنَى بِهَا فِي مَنْزِلٍ كَانَتْ فِيهِ بِأَجْرٍ وَمَضَى عَلَيْهِ سَنَةٌ فَطَالَبَ الْمُؤَجِّرُ الْمَرْأَةَ بِالْأُجْرَةِ فَقَالَتْ لَهُ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ الْمَنْزِلَ بِالْكِرَاءِ فَعَلَيْكَ الْأَجْرُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى مَقَالَتِهَا وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا الْعَاقِدَةُ اهـ.
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ سَكَنَتْ بِغَيْرِ إجَارَةٍ فِي وَقْفٍ أَوْ مَالِ يَتِيمٍ أَوْ مَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَجَّرَتْ دَارَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَهُمَا يَسْكُنَانِ فِيهِ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمُؤْنِسَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ يَعْنِي لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِامْرَأَةٍ تُؤْنِسُهَا فِي الْبَيْتِ إذَا خَرَجَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَا فَهِمَهُ عَنْ الْهِدَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْبَيْتَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْمَرَافِقِ؛ وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْخَلَاءِ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ ضَرَرُهُ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ.
(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ وَالِدَةٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مِنْ ذُو رَحِمٍ مِنْ الزَّوْجِ، فَقَالَتْ أَنَا لَا أَنْزِلُ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ فَأَعْطَاهَا بَيْتًا يُغْلَقُ عَلَيْهِ وَيُفْتَحُ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِمَنْزِلٍ آخَرَ وَإِلَّا فَلَهَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهَا تَخَافُ عَلَى أَمْتِعَتِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ وَمَعَهَا فِي الْبَيْتِ غَيْرُهُمَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَسْكَنَهُمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَطَلَبَتْ إحْدَاهُمَا بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي اجْتِمَاعِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ضَرَرًا بِهِمَا وَالزَّوْجُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الدَّارَ إنْ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى بُيُوتٍ وَيُسْكِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمَا وَيُفْتَحُ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِمَسْكَنٍ آخَرَ اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ إحْمَاءِ الزَّوْجِ) كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَلَعَلَّ الصَّوَابَ إبْدَالُ الْأَحْمَاءِ بِالْأَقَارِبِ أَوْ يَقُولُ مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجَةِ وَرَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْخَانِيَّةِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ وَاضِحٌ.
(قَوْلُهُ: لَا أَجْرَ عَلَيْهِ) أَقُولُ: هَذَا خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي إجَارَاتِ الدَّارِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْخَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فَتَاوَى سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ لِمَا فِي النَّهْرِ وَلَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرَ الْمُؤْنِسَةِ إلَّا أَنَّهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ قَالَ إنَّهَا لَا تَجِبُ وَيُسْكِنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ خَالِيًا مِنْ الْجِيرَانِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ تَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا مِنْ سِعَتِهِ اهـ.
وَنَظَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ غَيْرُ مَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ، وَقَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَسْكَنُ صَغِيرًا كَالْمَسَاكِنِ الَّتِي فِي الرُّبُوعِ وَالْحَيْشَانِ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَسْكَنِ بَيْنَ جِيرَانٍ عَدَمُ لُزُومِ الْإِتْيَانِ بِالْمُؤْنِسَةِ إذَا اسْتَوْحَشَتْ بِأَنْ كَانَ الْمَسْكَنُ مُتَّسِعًا كَالدَّارِ وَإِنْ كَانَ لَهَا جِيرَانٌ فَعَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالْمُؤْنِسَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْمُضَارَّةِ لَا سِيَّمَا إذَا خَشِيَتْ عَلَى عَقْلِهَا وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَسْكَنُ خَالِيًا عَنْ الْجِيرَانِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا رَضِيَتْ بِإِسْكَانِهَا

(4/211)


(قَوْلُهُ وَلَهُمْ النَّظَرُ وَالْكَلَامُ مَعَهَا) يَعْنِي فِي أَيِّ وَقْتٍ اخْتَارَ أَهْلُهَا ذَلِكَ فَلَهُمْ ذَلِكَ لِمَا فِي عَدَمِهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَهَا مِنْ الدُّخُولِ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ وَالِدَةً أَوْ وَلَدًا؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ وَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُمْ مِنْهُ كَالْكَلَامِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي الْمُكْثِ وَطُولِ الْكَلَامِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَالُوا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْكَيْنُونَةِ عِنْدَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى إتْيَانِهَا فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلَى إتْيَانِهَا لَا تَذْهَبُ وَهُوَ حَسَنٌ فَإِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مَعَ الْأَبِ الْخُرُوجُ، وَقَدْ يَشُقُّ عَلَى الزَّوْجِ فَتَمْتَنِعُ، وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِمَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَقْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْذِنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا الْحِينَ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَبَعِيدٌ فَإِنَّ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ شَابَّةً وَالزَّوْجُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ أَيْسَرُ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ إلَى زِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالْمَحَارِمِ فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ تَخْرُجُ لِلْوَالِدَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلْأَهْلِ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا ذَلِكَ بِإِذْنِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى زِيَارَةِ الْوَالِدَيْنِ وَتَعْزِيَتِهِمَا وَعِيَادَتِهِمَا وَزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ إلَى سَبْعَةِ مَوَاضِعَ زِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ وَعِيَادَتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا عَلَى آخَرَ حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ لَا يَأْذَنُ لَهَا وَلَا تَخْرُجُ.
وَلَوْ أَذِنَ وَخَرَجَتْ كَانَا عَاصِيَيْنِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مِنْ الْعَالِمِ أَوْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ لَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِتَتَعَلَّمَ مَسْأَلَةً مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ وَيَذْكُرُ عِنْدَهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانًا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ يَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَالْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجهَا وَتَزُورُ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ اهـ.
وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ زَادَ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ فِي مَنْزِلٍ يُخَافُ السُّقُوطُ عَلَيْهَا وَقَيَّدَ الْحَجَّ بِالْفَرْضِ مَعَ وُجُودِ الْمَحْرَمِ وَقَيَّدَ خُرُوجَ الْقَابِلَةِ وَالْغَاسِلَةِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَفَسَّرَ الْغَاسِلَةَ بِمَنْ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَيَنْبَغِي أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْقَابِلَةَ وَالْغَاسِلَةَ مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ إضْرَارًا بِهِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّهِ، وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فِيهِ وَلَمْ تُطَالِبْهُ بِالْمَسْكَنِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَالَهُ جِيرَانٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِمْ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْبَحْرِ.
فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمُؤْنِسَةِ وَعَدَمَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَاكِنِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْجِيرَانِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْكَنُ بِحَالٍ لَوْ اسْتَغَاثَتْ بِجِيرَانِهَا أَغَاثُوهَا سَرِيعًا لِمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْقُرْبِ لَا تَلْزَمُهُ الْمُؤْنِسَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ اهـ.
وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَإِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ تَسْتَوْحِشُ فِي الْبَيْتُوتَةِ فِي الْبَيْتِ، وَلَوْ صَغِيرًا بَيْنَ جِيرَانٍ إذَا كَانَ زَوْجُهَا لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى أَوْ أَكْثَرُ فَإِذَا كَانَ يَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا إذَا كَانَتْ لَيْلَةَ ضَرَّتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ بِالْمُؤْنِسَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّجَالِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيتَ وَحْدَهُ فَكَيْفَ النِّسَاءُ وَلَا ضِرَارَ فِي الشَّرْعِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَالِدَةً أَوْ وَلَدًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ وَأَرَادَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ وَتُرَبِّيَهُ هَلْ لَهُ مَنْعُهَا وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَهُ مَنْعَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْكَافِي فِي إجَازَةِ الظِّئْرِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ عَمَّا يُوجِبُ خَلَلًا فِي حَقِّهِ وَمَا فِيهِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ؛ وَلِأَنَّهَا فِي الْإِرْضَاعِ وَالسَّهَرِ تَتْعَبُ وَذَلِكَ يُنْقِصُ جَمَالَهَا وَجَمَالُهَا حَقُّ الزَّوْجِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا تَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالدَّارُ مِلْكٌ مِنْ جُمْلَةِ أَمْلَاكِهِ وَيَحِلُّ لَهُمْ مَعَ مَنْعِهِ الدُّخُولُ بِهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا فِي جُمُعَةٍ فَبَعِيدٌ) أَيْ الْقَوْلُ بِهِ بَعِيدٌ

(4/212)


وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ هُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مُخَدَّرَةً فِي مَسْأَلَةِ خُرُوجِهَا لِلْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْبَلُ مِنْهَا التَّوْكِيلَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُخَدَّرَةً، فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لِقَبُولِ التَّوْكِيلِ مِنْهَا بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ أَمَّا الزَّوْجُ أَوْ غَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّعْزِير الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فِيهَا وَقَالُوا هُنَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ مِنْ الْغَزْلِ وَلَا تَتَطَوَّعُ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ تَخْصِيصِ الْغَزْلِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَسْبِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْهُ لِوُجُوبِ كِفَايَتِهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا مِنْ الْعَمَلِ تَبَرُّعًا لِأَجْنَبِيٍّ بِالْأَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ إلَى آخِرِهِ.

(قَوْلُهُ وَفَرَضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالٍ لَهُ عِنْدَ مَنْ يَقْرَبُهُ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا كَفِيلٌ) بَيَانُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا وَلَمْ يُعْطِهَا نَفَقَتَهَا وَاسْتَتْبَعَ نَفَقَةَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ لَا فَصَرَّحَ بِالْأَوَّلِ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي أَمَّا الْأَوَّلُ فَشَرْطٌ لِفَرْضِ الْقَاضِي شَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ مُقِرًّا بِهِ وَأَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِمَا فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ حَقَّهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هُنَا، وَكَذَا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ وَالْأَبَوَانِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا نَفَقَتَهُمْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَا وَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي وَحُكْمُ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الزَّمِنِ أَوْ الْأُنْثَى مُطْلَقًا كَالصَّغِيرِ لِمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقْرِبَاءِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ نَفَقَةِ مَمْلُوكَةٍ وَأَطْلَقَ فِيمَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ فَشَمِلَ مُودَعَهُ وَمُضَارِبَهُ قَالُوا وَكَذَا مَدْيُونُهُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لِلْأَمَانَةِ فَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِلْأَمَانَةِ وَالدَّيْنِ لَكَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.
وَقَوْلُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ اكْتِفَاءٌ وَإِلَّا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ لِطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُقِرًّا بِالنَّسَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَالُوا وَعِلْمُ الْقَاضِي بِهِمَا كَإِقْرَارِهِ وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِالْآخَرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَالِ وَهُوَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ تِبْرًا أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهَا لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَى الْحَاضِرِ فَكَذَا عَلَى الْغَائِبِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَ كَوْنَ الْمَالِ لِلْغَائِبِ أَوْ جَحَدَ النِّكَاحَ أَوْ جَحَدَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُمَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا عَلَى الْمَالِ فَلِأَنَّهَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَأَمَّا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ فَلِأَنَّهَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تُثْبِتُ النِّكَاحَ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُودَعُ وَالْمَدْيُونُ لَيْسَا بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يَمِينَ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا مَنْ كَانَ خَصْمًا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: خَالَفَهُ قَاضِي خَانْ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ لَا تُنَافِي الْمَنْعَ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) تَمَامُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ» وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دَخَلَ حَمَّامَ حِمْصَ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ بِمَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ وَسَاقَهَا قَالَ وَوَرَدَ اسْتِثْنَاءُ النُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ وَفَّيْتُهُ هَلْ لَهَا عَلَيْهِ يَمِينٌ الظَّاهِرُ لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَصْمًا فِي ذَلِكَ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ وَفِي الْمَقْدِسِيَّ فَلَوْ ادَّعَى طَلَاقَهَا وَمُضِيَّ عِدَّتِهَا وَلَهُ بَيِّنَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، بَلْ فِي مَنْعِ مَا تَحْتَ يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُودَعُ وَنَحْوُهُ لَنَا بَيِّنَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَةً تَكْفِيهَا قَبْلَ غَيْبَتِهِ يَنْبَغِي قَبُولُهَا

(4/213)


كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَهِيَ مِمَّا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اسْتِحْلَافَ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمَرْأَةَ هَلْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ فَإِنْ قَالَتْ لَا يَسْتَحْلِفُهَا فَإِذَا حَلَفَتْ أَمَرَهُمَا الْقَاضِي بِإِعْطَاءِ النَّفَقَةِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُحَلِّفُهَا أَنَّهُ مَا أَعْطَاهَا نَفَقَةً وَلَا كَانَتْ نَاشِزَةً وَقَيَّدَ بِنَفَقَةِ مَنْ ذَكَرَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَيْنٍ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَوْ أَحْضَرَ غَرِيمًا أَوْ مُودَعًا لِلْغَائِبِ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَبِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَأْمُرُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ بِمَا يَكُونُ نَظَرًا لَهُ وَحِفْظًا لِمِلْكِهِ وَفِي الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ مَالِهِ حِفْظُ مِلْكِهِ وَفِي وَفَاءِ دَيْنِهِ قَضَاءٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَطْلَقَ فَرْضَ النَّفَقَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الْمُودِعُ إنَّ الزَّوْجَ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَدْفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَرَضَ يَعُودُ إلَى مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَهُوَ الثَّلَاثَةُ أَيْ فَرْضُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً أَوْ مُطَلَّقَةً قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي التَّكْفِيلِ بِخِلَافِ أَخْذِ الْكَفِيلِ عِنْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَاخْتَلَفَ أَخْذُ الْكَفِيلِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي أَوْ حَسَنٌ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ إلَى الْأَوَّلِ وَالْخَصَّافُ إلَى الثَّانِي وَصَحَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْعَاجِزِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا كَفِيلًا دَفَعَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ لَا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَصْفَى قَوْلَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْ مِنْ آخِذِ النَّفَقَةِ أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ اهـ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مِنْ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ لِاحْتِمَالِ التَّعْجِيلِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُعَجَّلَةَ لِلْقَرِيبِ إذَا هَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِأُخْرَى بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ احْتِيَاطٌ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَجَّلَ ثُمَّ ادَّعَى الْوَالِدُ هَلَاكَهَا قُبِلَ مِنْهُ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ عِنْدَ شَخْصٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَيْتِهِ فَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَإِنْ عَلِمَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَرَضَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ لِحَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ عَلَى الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، ثُمَّ غَابَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ قَضَى لَهُ بِهِ أَصْلُهُ حَدِيثُ هِنْدَ كَمَا عُرِفَ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ وَيَأْخُذَ مِنْهَا كَفِيلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا فَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَعِنْدَنَا لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَلَّفَهَا الْقَاضِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ لَمْ تُعِدْهَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ وَمَا يَفْعَلُهُ الْقَضَاءُ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَفَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَنْفُذُ لَا لِأَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ إمَّا مَعَ زُفَرَ أَوْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ نَفَقَةً، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ النِّكَاحَ، فَلَيْسَ لَهُ فَرْضُ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَفَرَضَهَا وَأَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ جَازَ وَنَفَذَ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) يُؤَيِّدُ هَذِهِ النُّسْخَةَ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِلْقَاضِي أَنْ يُعْطِيَ النَّفَقَةَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ إذَا اسْتَوْثَقَ بِكَفِيلٍ مِنْ أَحَدٍ فَحَسَنٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ احْتِيَاطٌ لِلْغَائِبِ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ يَدَّعِي الْقَرِيبُ عَدَمَ الدَّفْعِ إلَيْهِ دُونَ الْهَلَاكِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ دَلَّ قَوْلُهُ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ يَأْمُرُهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي غَيْرِهِ وَبِهِ يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَعَمَلُ الْقَضَاءِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا
لِلْحَاجَةِ
فَيُفْتَى بِهِ قَالَ فِي الشَّرْحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ وَالْقُضَاةُ فِي زَمَانِنَا

(4/214)


هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ زُفَرَ
لِحَاجَةِ النَّاسِ
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنُقِلَ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
فَقَوِيَ عَمَلُ الْقُضَاةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ
، وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَغَابَ الْأَبُ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ نَفَقَةً تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَابَ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ مِنْهَا عَلَى النِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ، ثُمَّ يَفْرِضُ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا نَفَقَةً، ثُمَّ يَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِذَا جَاءَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْمَفْرُوضِ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَرَضَ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ وَالْمَدْيُونَ لَوْ أَنْفَقَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمُودَعَ ضَامِنٌ وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ نَظِيرَ الْمُودَعِ لَوْ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا اهـ.
مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِ الْقَاضِي وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْغَائِبِ مِنْ وَدِيعَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بَعْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ، وَقَالَ كُنْت أَوْفَيْت النَّفَقَةَ أَوْ أَرْسَلْت إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَالْقَاضِي يَقُولُ لَهُ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَقَامَهَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا أَخَذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكَفِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ وَنَكَلَ الْكَفِيلُ لَزِمَهُمَا الْمَالُ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نُكُولَهُمَا وَنُكُولُ الْمَرْأَةِ أَمْرٌ لَازِمٌ، وَأَمَّا نُكُولُ الْكَفِيلِ، فَلَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ إذَا نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ فَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَنْكُلْ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَالْأَصِيلُ إذَا أَقَرَّ بِالْمَالِ لَزِمَ الْكَفِيلَ وَإِنْ جَحَدَ الْكَفِيلُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ إلَيْهَا قَدْ صَحَّ فَصَارَ كَأَمْرِهِ بِنَفْسِهِ اهـ.
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا تَعَجَّلَتْ نَفَقَتَهَا فَالزَّوْجُ يَأْخُذُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْكَفِيلِ اهـ.
وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَفَالَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ كَفَلْتُ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصِيلُ وَبَيْنَ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ يَجِبُ كَقَوْلِهِ مَا ثَبَتَ لَكَ عَلَيْهِ أَوْ ذَابَ فَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَفِيلَ إنَّمَا ضَمِنَ الدَّيْنَ الْقَائِمَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَخَذَتْ ثَانِيًا ضَمِنَهَا فَكَانَ وَقْتَ الضَّمَانِ الدَّيْنُ قَائِمٌ فِي ذِمَّتِهَا لِلْحَالِ وَهُوَ مَا أَخَذَتْهُ ثَانِيًا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَالْحَقُّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا بِنَفْسِهَا أَوْ بِمَا أَعْطَاهَا، وَذَكَرَ فِي شس فَإِذَا حَلَفَتْ فَأَعْطَاهَا النَّفَقَةَ أَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِذَلِكَ بط وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا هُوَ بِمَا أَخَذَتْهُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ كَفَلْتُ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْدَمَا أَمَرَ الْقَاضِي الْمُودَعَ أَوْ الْمَدْيُونَ إذَا قَالَ الْمُودَعُ دَفَعْتُ الْمَالَ إلَيْهَا لِأَجْلِ النَّفَقَةِ قَبْلَ قَبُولِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ الْوَدِيعَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهَا عَلَيْهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيُنْفِقُ الْقَاضِي عَلَيْهَا مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدُ الَّذِي هُوَ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ الْمَفْقُودَ وَغَيْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
يَعْمَلُونَ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهِ وَاسْتَحْسَنَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَيُفْتَى بِهِ اهـ.
وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حُضُورُهُ غَيْرَ مُتَيَسِّرٍ بِأَنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ مُدَّةَ سَفَرٍ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفَرْضِ عَلَى الْقَاضِي وَجَوَازِهِ مِنْهُ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْمَرْأَةِ وَالثَّانِي حَضْرَةُ الزَّوْجِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ إلَخْ) سَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ لَا لِيَقْضِيَ بِالنِّكَاحِ، بَلْ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ، وَإِذَا سَمِعَ بَيِّنَتَهَا عَلَيْهِ لِذَلِكَ تَضْمَنُ كَوْنَ الْأَوْلَادِ لَهُ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ فَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ لَهُمْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالنَّسَبِ
(فَرْعٌ) امْرَأَةٌ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَا لِلْمَرْأَةِ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَبَلَغَ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا وَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِدُونِ تَحْلِيفٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ لِلْأَمْرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَنَصَّ عَلَى عَدَمِهِ لِدَفْعِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عَلَى الْكَفِيلِ، بَلْ يَبْرَأُ بِحَلِفِهَا بِدُونِ تَحْلِيفِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فَهِمَهُ الْعَلَائِيُّ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ حَلَفَتْ طُولِبَتْ فَقَطْ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَمُرَادُهُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ أَقَرَّتْ طُولِبَتْ فَقَطْ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا يَأْتِي عَنْ الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: الْوَدِيعَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ فِي الْبُدَاءَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة

(4/215)


وَلَمْ يُقَيِّدْ فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ الْغَيْبَةَ بِشَيْءٍ إلَّا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ إيجَابُ النَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُدَّةَ سَفَرٍ اهـ.
وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّهُ فِيمَا دُونَهُ يَسْهُلُ إحْصَارُهُ وَمُرَاجَعَتُهُ.

(قَوْلُهُ وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْكِسْوَةَ، وَالْمَنْقُولُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْمُجْتَبَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَسْتَحِقُّ الْكِسْوَةَ قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَطُولُ غَالِبًا فَتَسْتَغْنِي عَنْهَا حَتَّى لَوْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا يُفْرَضُ لَهَا ذَلِكَ اهـ.
فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ كِسْوَةَ الْمُعْتَدَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ إذَا اسْتَغْنَتْ عَنْهَا لِقِصَرِ الْمُدَّةِ كَمَا إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ وَحَاضَتْ أَوْ بِالْأَشْهُرِ فَإِنَّهُ لَا كِسْوَةَ لَهَا وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَلَمْ تَحِضْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ لَهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَهُوَ تَحْرِيرٌ حَسَنٌ مَفْهُومُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَطْلَقَ الطَّلَاقَ فَشَمِلَ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ فِيهِمَا فِي حَقِّ حُكْمٍ مَقْصُودٍ وَهُوَ الْوَلَدُ إذْ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِصِيَانَةِ الْوَلَدِ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ كَنَفَقَةِ النِّكَاحِ وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إلَّا بِفَرْضٍ أَوْ صُلْحٍ وَإِنْ اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ تَرْجِعُ عَلَيْهِ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ وَالْمَشَايِخِ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلْمُعْتَدَّةِ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي عَدَمِ انْقِضَائِهَا مَعَ يَمِينِهَا فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهَا بِانْقِضَائِهَا بَرِئَ مِنْهَا وَإِنْ ادَّعَتْ حَبَلًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مُنْذُ يَوْمِ طَلَّقَهَا فَإِنْ قَالَتْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي حَامِلٌ وَلَمْ أَحِضْ وَأَنَا مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا الَّذِي بِي رِيحٌ وَأَنَا أُرِيدُ النَّفَقَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتِي، وَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ ادَّعَيْتِ الْحَبَلَ وَأَكْثَرُهُ سَنَتَانِ فَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ إمَّا بِثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ بِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْإِيَاسِ وَمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهُ فَإِنْ حَاضَتْ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ اسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ وَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ فِي زَمَانِنَا هِيَ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحَبَلَ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا فَقَرَّرَ لَهَا نَفَقَةً عَلَى أَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا رَدَّتْ مَا أَخَذَتْهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُعْتَدَّةُ إذَا لَمْ تَأْخُذْ النَّفَقَةَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَفْرُوضَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مَفْرُوضَةً ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ اهـ.
وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْقَاضِي أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَتْ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ كَاسْتِدَانَتِهِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَأَشَارَ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ حَيْثُ عَلَّلَ فَقَالَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ النَّفَقَةِ الْعِدَّةُ وَالْمُسْتَحَقُّ بِهَذَا السَّبَبِ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ أَلَا تَرَى الذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ لَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَكَذَا هُنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَتَصِيرُ دَيْنًا وَهُنَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَهُوَ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْمُطَالَبَةِ بِهَا قِيَامُ السَّبَبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَلَى الزَّوْجِ مُؤْنَةُ سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْزِلٌ مَمْلُوكٌ يَكْتَرِي مَنْزِلًا لَهَا وَيَكُونُ الْكِرَاءُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَدِينَ الْكِرَاءَ، ثُمَّ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي النَّفَقَةِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنْ كَانَ الْمَنْزِلُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ الزَّوْجُ مِنْ الْمَنْزِلِ وَيَعْتَزِلَ عَنْهَا وَيَتْرُكَهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَنْزِلُ بِالْكِرَاءِ وَإِنْ اسْتَكْرَى لَهَا مَنْزِلًا آخَرَ يَجُوزُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتْرُكَهَا فِي الْمَنْزِلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي فَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى آهو وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِظُهُورِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَفْرِضُ الْقَاضِي نَفَقَةَ عُرْسِ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تُفْرَضَ نَفَقَةُ عُرْسِ الْمُتَوَارَى فِي الْبَلَدِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَفْقُودُ. اهـ.
قُلْت وَفَتَاوَى آهو وَهِيَ فَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ فَإِنَّ الصَّيْرَفِيَّ اشْتَهَرَ بِهُوَ كَمَا تَرْجَمَهُ بَعْضُهُمْ.

[النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ]
(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا تَسْقُطُ بِدُونِ لَا وَهِيَ الصَّوَابُ.
(قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ) قَالَ فِي النَّهْرِ إطْلَاقُ الْمُتُونِ يَشْهَدُ لِمَا اخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ

(4/216)


الَّذِي كَانَا يَسْكُنَانِ فِيهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَقَدْ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يُسْكِنُهَا فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَا يَسْكُنَانِ فِيهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَكِنَّ الزَّوْجَ يَخْرُجُ أَوْ يَعْتَزِلُ عَنْهَا فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا الْمُعْتَدَّةُ إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا مَا دَامَتْ عَلَى النُّشُوزِ فَإِنْ عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، ثُمَّ الْخُرُوجُ عَنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا فَإِنَّهَا إذَا خَرَجَتْ زَمَانًا وَسَكَنَتْ زَمَانًا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ وَوُجِدَ الدُّخُولُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْهُمَا لَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي لِفَسَادِ نِكَاحِهِ وَهِيَ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ فَإِنْ خَرَجَتْ فَلَا وَلَا تُوصَفُ بِالنُّشُوزِ بِمَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ هُنَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ وَالْحِلَّ زَائِلٌ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَنْ نَفَقَتِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لَا يَزِيدُهَا عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ لِلْجَهَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْأَشْهُرِ جَازَ لِعَدَمِهَا، وَإِذَا خَلَعَهَا أَوْ أَبَانَهَا، ثُمَّ صَالَحَهَا عَنْ السُّكْنَى عَلَى دَرَاهِمَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي السُّكْنَى وَفِي الْمُحِيطِ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى فَلَهَا السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّهَا فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا دُونَ السُّكْنَى وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْمُخْتَلِعَةُ بِنَفَقَةِ عِدَّتِهَا هَلْ تَخْرُجُ فِي حَوَائِجِهَا بِالنَّهَارِ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَبْطَلَتْ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِبْطَالُ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الشَّرْعِ. اهـ.

(قَوْلُهُ لَا الْمَوْتِ وَالْمَعْصِيَةِ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ وَلَا لِمُعْتَدَّةٍ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّ احْتِبَاسَهَا لَيْسَ لِحَقِّ الزَّوْجِ، بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّ التَّرَبُّصَ عِبَادَةٌ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى التَّعْرِيفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَيْسَ بِمُرَاعًى فِيهِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الْحَيْضُ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا لَكِنْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا أَنْفَقَ الْوَصِيُّ عَلَى الْحَامِلِ لِلْحَمْلِ فَضَمَّنُوهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا أَنْفَقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ عَلِيًّا وَشُرَيْحًا كَانَا يَرَيَانِ ذَلِكَ لِلْحَمْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ اهـ.
وَشَمِلَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ فَلَا سُكْنَى لَهَا أَيْضًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَمَّا الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَلِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَمَا إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً بِخِلَافِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ قُيِّدَ بِالْمَعْصِيَةِ أَيْ بِمَعْصِيَتِهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ لَا تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا؛ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ كَمَا إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إمَّا مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ طَلَاقًا كَانَتْ أَوْ فَسْخًا كَطَلَاقِهِ وَلِعَانِهِ وَعُنَّتِهِ أَوْ تَقْبِيلِهِ بِنْتَ زَوْجَتِهِ أَوْ إيلَائِهِ مَعَ عَدَمِ فَيْئِهِ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ إبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ إذَا أَسْلَمَتْ هِيَ أَوْ ارْتَدَّ هُوَ فَعُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَلَمْ يُسْلِمْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَأَمَّا السُّكْنَى فَقَالُوا بِوُجُوبِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَهَا السُّكْنَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ حَقٌّ عَلَيْهَا وَلَا تَسْقُطُ بِمَعْصِيَتِهَا، أَمَّا النَّفَقَةُ فَحَقٌّ لَهَا فَتُجَازَى بِسُقُوطِهَا لِمَعْصِيَتِهَا وَبِمَا قَرَرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَالَ وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ إلَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فِي مَعْصِيَتِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا السُّكْنَى لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ كَلَامَهُ خَالٍ عَنْ مُعْتَدَّةِ الْفَسْخِ، وَالْمَعْصِيَةُ شَامِلَةٌ لِمَعْصِيَتِهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ الْمَهْرِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ إذَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ الْمَهْرُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَاصِيَةً أَوْ مُحِقَّةً؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ لِلْجَهَالَةِ) فِيهِ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَضُرُّ تَأَمَّلْ.

[النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ]
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْقَاضِي) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيِّ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَشَمِلَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَعَلَّهُ وَشَمِلَ الْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى إذْ لَا كِسْوَةَ وَلَا سُكْنَى لَهَا أَوْ لَفْظَةُ وَالنَّفَقَةَ زَائِدَةٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إذَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ لِسَلَامَةِ الْعِوَضِ بِالدُّخُولِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

(4/217)


أَحَدِهِمَا فَإِذَا فَاتَ الْعِوَضُ بِمَعْنَى مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْعِوَضُ سَقَطَ فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَعِوَضٌ مِنْ وَجْهٍ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا اُعْتُبِرَ عِوَضًا مَتَى جَاءَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ وَصِلَةٌ مَتَى جَاءَتْ بِحَقٍّ.

(قَوْلُهُ وَرِدَّتُهَا بَعْدَ الْبَتِّ تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا لَا تَمْكِينُ ابْنِهِ) يَعْنِي لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا، ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا تَسْقُطُ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا بِالطَّلَاقِ لَا مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَلِهَذَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَوْ لَمْ تُحْبَسْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ كَالْمُمَكِّنَةِ، وَالْمُمَكِّنَةُ إذَا لَمْ تَلْزَمْ بَيْتَ الْعِدَّةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا، فَلَيْسَ لِلرِّدَّةِ أَوْ التَّمْكِينِ دَخْلٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ، بَلْ إنْ وُجِدَ الِاحْتِبَاسُ فِي بَيْتِ الْعِدَّةِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ حُبِسَتْ الْمُعْتَدَّةُ لِلرِّدَّةِ، ثُمَّ تَابَتْ وَرَجَعَتْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِعَوْدِ الِاحْتِبَاسِ كَالنَّاشِزَةِ إذَا عَادَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ بِالرِّدَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ لَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا أَصْلًا بِمَعْصِيَتِهَا وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ، وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارُ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَتْ وَتَابَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِسُقُوطِ الْعِدَّةِ بِالِالْتِحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ، قُيِّدَ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ رَجْعِيٍّ إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِالطَّلَاقِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ بِسَبَبٍ وُجِدَ مِنْهَا وَهُوَ مَعْصِيَتُهَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَائِنَ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ بِالثَّلَاثِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالثَّلَاثِ اتِّفَاقِيٌّ، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا يَوْمَ الطَّلَاقِ، فَلَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ أَبَدًا إلَّا النَّاشِزَةَ كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا الْمَوْلَى بَيْتًا اهـ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ مُبَوَّأَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ فَإِنْ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى بَطَلَتْ فَإِنْ أَعَادَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ فَلَوْ بَوَّأَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ

[النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ]
(قَوْلُهُ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فَهِيَ عِبَارَةٌ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْمَنْكُوحَاتِ إشَارَةً إلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَبِ وَأَنَّ النَّسَبَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِهِ فَلَا يُقْتَلُ قِصَاصًا بِقَتْلِهِ وَلَا يُحَدُّ بِوَطْءِ جَارِيَتِهِ وَإِنْ عَلِمَ بِحُرْمَتِهَا وَأَنَّ الْأَبَ يَنْفَرِدُ بِتَحَمُّلِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَأَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ غَنِيًّا وَالْأَبُ مُحْتَاجًا لَمْ يُشَارِكْ الْوَلَدَ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ الْوَالِدِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ قَيَّدَ بِالطِّفْلِ وَهُوَ الصَّبِيُّ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ الْبَطْنِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ، وَيُقَالُ جَارِيَةٌ طِفْلٌ وَطِفْلَةٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الطِّفْلَ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ وَلِذَا عَبَّرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ إلَّا بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا وَقَيَّدَ بِالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْحُرِّيَّةِ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَمْلُوكَ نَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ حُرًّا كَانَ الْأَبُ أَوْ عَبْدًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ وَالصَّغِيرُ غَنِيَّيْنِ فَإِنَّ الْأَبَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرِ غَائِبًا وَجَبَتْ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَلَوْ أَنْفَقَ بِلَا أَمْرِهِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَكِنَّهُ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ فِي الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ عَقَارٌ أَوْ أَرْدِيَةٌ أَوْ ثِيَابٌ وَاحْتِيجَ إلَى النَّفَقَةِ كَانَ لِلْأَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْبَالِغَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَظَرٌ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالطِّفْلِ الْعَاجِزَ عَنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ حَدَّ التَّكَسُّبِ وَلَمْ يَبْلُغْ فِي نَفْسِهِ لَا تَجِبُ عَلَى أَبِيهِ، بَلْ يُؤَجَّرُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا هَذَا، وَقَدْ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَبْقَى هَذَا الِاسْمُ لِلْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، ثُمَّ لَا يُقَالُ لَهُ بَعْدُ طِفْلٌ، بَلْ صَبِيٌّ وَخَرُورٌ وَيَافِعٌ وَمُرَاهِقٌ وَبَالِغٌ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ هُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ فِي بِلَادِنَا وَالْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَعَلَيْهِ تَحْصُلُ غَايَةُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الشَّرْحِ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالطِّفْلِ الْعَاجِزَ عَنْ الْكَسْبِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرِ غَائِبًا إلَخْ) أَقُولُ: وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لَا مَالَ لَهُ غَيْرَ أَنَّ لَهُ اسْتِحْقَاقًا فِي غَلَّةِ وَقْفٍ هَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَالِهِ الْغَائِبِ أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا مَالَ لَهُ أَصْلًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ حَتَّى إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَهُ الرُّجُوعُ فَلْيُتَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ عَقَارٌ إلَخْ) أَقُولُ: وَمِثْلُ الْأَبِ فِي ذَلِكَ الْأُمُّ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى إذَا أَمَرَ الْقَاضِي أُمَّهُمْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ سِوَى حِصَّةٍ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُونَهَا هَلْ تُبَاعُ فِي نَفَقَتِهِمْ أَمْ لَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تُبَاعُ فِي ذَلِكَ وَتُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ ثَمَنِهَا وَالسُّكْنَى مِنْ النَّفَقَةِ، وَإِذَا فَرَغَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا رَمْلِيٌّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ إلَخْ إذْ كَانَ الصَّغِيرُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِسُكْنَى عَقَارِهِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِ وَأَرْدِيَتِهِ لَا فَائِدَةَ فِي

(4/218)


أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ فَعِنْدَ الْخَصَّافِ أَنَّ الْأَبَ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَيُنْفِقُ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ.
وَقِيلَ نَفَقَتُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ هَذَا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ اكْتَسَبَ وَأَنْفَقَ فَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْكَسْبِ حُبِسَ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ إتْلَافَ النَّفْسِ، وَإِذَا لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِحَاجَتِهِ أَوْ لَمْ يَكْتَسِبْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ الْقَرِيبُ وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَنِيًّا وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَقِيرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الذَّكَرُ حَدَّ الْكَسْبِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَإِذَا كَانَ هَذَا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُنْثَى ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا يُدْفَعُ كَسْبُ الِابْنِ إلَى أَمِينٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا وَالصَّغِيرُ غَنِيًّا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ، بَلْ نَفَقَةُ أَبِيهِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَوْجَبْنَا نَفَقَةَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا خَاصَمَتْ فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةَ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ وَيَدْفَعُ النَّفَقَةَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِالْأَوْلَادِ فَإِنْ قَالَ الْأَبُ إنَّهَا لَا تُنْفِقُ وَتُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَدَعْوَى الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَمِينِ لَا تُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ فَإِنْ قَالَ لِلْقَاضِي سَلْ جِيرَانَهَا فَالْقَاضِي يَسْأَلُ جِيرَانَهَا احْتِيَاطًا.
وَإِنَّمَا يَسْأَلُ مَنْ كَانَ يُدَاخِلُهَا فَإِنْ أَخْبَرَ جِيرَانُهَا بِمَا قَالَ الْأَبُ زَجَرَهَا الْقَاضِي وَمَنَعَهَا عَنْ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُمْ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إذَا وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كَذَلِكَ وَظَهَرَ قَدْرُ النَّفَقَةِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَى ثِقَةٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهَا جُمْلَةً وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ غَيْرَهَا أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَإِذَا صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ مُوسِرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ مُعْسِرًا جَازَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي طَرِيقِ جَوَازِ هَذَا الصُّلْحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَبَيْعِهِ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ وَشِرَائِهِ كَذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْعَاقِدَ الْأَبُ مِنْ جَانِبِ نَفْسِهِ وَالْأُمُّ مِنْ جَانِبِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْبِيَةِ وَالْحَضَانَةِ وَهِيَ لِلْأُمِّ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ فَهُوَ عَفْوٌ وَهِيَ مَا تَدْخُلُ تَحْتَ تَقْدِيرِ الْقَدِيرِ وَإِنْ كَانَ لَا تَدْخُلُ طُرِحَتْ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَقَلَّ بِأَنْ كَانَ لَا يَكْفِيهِمْ يُزَادُ إلَى مِقْدَارِ كِفَايَتِهِمْ

(قَوْلُهُ وَلَا تُجْبَرُ أُمُّهُ لِتُرْضِعَ) ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّفَقَةِ وَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَعَسَى لَا تُقَدَّرُ فَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَتُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ لَا يَجِدُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهِ وَنَقَلَ عَدَمَ الْإِجْبَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْبَعْضِ، ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُجْبَرُ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ؛ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ سَبَبُ تَمْرِيضِهِ وَمَوْتِهِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ.
فَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ قُدْرَةِ الْأَبِ بِالْمَالِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
بَيْعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا يَحْتَاجُ إلَى شِرَاءِ غَيْرِهَا وَانْظُرْ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْبَدَائِعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلِفَقِيرٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ وَخَادِمٌ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ أَيْضًا يَظْهَرُ لَك الْأَمْرُ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ هَذَا) أَيْ بَلَغَ حَدَّ الْكَسْبِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يُؤَاجِرَهُمْ أَيْ الذُّكُورَ فِي عَمَلٍ أَوْ خِدْمَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّمُ الْكَسْبَ إمَّا قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَكِنْ لَا يُحْسِنُ الْعَمَلَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ اهـ
قَالَ الرَّمْلِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا قَالَ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ الْمَحَارِمِ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ وَصَارَ غَنِيًّا بِكَسْبِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِهَا عَلَى الْفَقِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَدْ أَفْتَيْت فِيهَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُنْثَى ذَلِكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَوْ اسْتَغْنَتْ بِنَحْوِ خِيَاطَةٍ وَغَزْلٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا نَقُولُ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ مَعَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهَا فَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ كِفَايَتُهَا بِدَفْعِ الْقَدْرِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ إذَا بَلَغَ حَدَّ الْكَسْبِ لِلْأَبِ أَنْ يُؤَجِّرَ بِخِلَافِ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ إيجَارُهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ إلْزَامِهَا بِحِرْفَةٍ تَعْلَمُهَا اهـ
قُلْت وَهُوَ تَفَقُّهٌ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ قَيَّدَ عَدَمَ دَفْعِ الْأُنْثَى بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا لَا يَمْلِكُ الْأَبُ دَفْعَهَا إلَى غَيْرِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ اهـ
فَيُفِيدُ أَنَّهُ يُؤَجِّرُهَا لِلْمَحْرَمِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ يَدْفَعُ لَهَا الْعَمَلَ لِتَعْمَلَ فِي بَيْتِهَا كَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا تَلْزَمُ نَفَقَتُهَا عَلَى غَيْرِهَا لِعَدَمِ الْمَحْظُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ: تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ عِنْدَ الْكُلِّ)

(4/219)


مَعْزِيًّا إلَى التَّتِمَّةِ عَنْ إجَارَةِ الْعُيُونِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا لِصَبِيٍّ شَهْرًا فَلَمَّا انْقَضَى الشَّهْرُ أَبَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ وَالصَّبِيُّ لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِهَا قَالَ أَجْبَرَهَا أَنْ تُرْضِعَ.
(قَوْلُهُ وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُ الطِّفْلَ عِنْدَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ هُنَا وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِإِرَادَةِ الْأُمِّ لِلْحَضَانَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَقُّهَا وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْفُقَهَاءُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْجَبْرِ، فَلَيْسَ مُعَلَّقًا بِإِرَادَتِهَا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الصَّبِيِّ عَلَيْهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الظِّئْرِ أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَقْتَ الْعَقْدِ وَكَانَ الْوَلَدُ يَسْتَغْنِي عَنْ الظِّئْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، بَلْ لَهَا أَنْ تُرْضِعَ وَتَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا كَمَا لَهَا أَنْ تَحْمِلَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَقُولَ أَخْرِجُوهُ فَتُرْضِعُهُ عِنْدَ فِنَاءِ الدَّارِ، ثُمَّ نُدْخِلُ الْوَلَدَ عَلَى الْوَالِدَةِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّ الظِّئْرَ تَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ اهـ.
وَفِي الْخِزَانَةِ عَنْ التَّفَارِيقِ لَا تَجِبُ فِي الْحَضَانَةِ أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ الَّذِي يُحْضَنُ فِيهِ الصَّبِيُّ، وَقَالَ آخَرُونَ تَجِبُ إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ لَا أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً) أَيْ لَا يَسْتَأْجِرُ أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] إلَّا أَنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي الْمُعْتَدَّةِ فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ وَهُوَ فِي الرَّجْعِيِّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي الْبَائِنِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى جَازَ اسْتِئْجَارُهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بَاقٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ صَرِيحٍ وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُ وَجْهِ الْمَنْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ وَصَحَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْجَوَازَ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ الْمُعْتَدَّةَ بِالرَّجْعِيِّ وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْجَوَازُ وَقَيَّدَ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ بِخِلَافِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ دِيَانَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَخْذُ الْأَجْرِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ، لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَفْرِضَ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ فِي مَالِهِ ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفْرَضُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي إجَارَاتِ الْقُدُورِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَكِنْ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفْرَضُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ وَمَا ذُكِرَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا اسْتَأْجَرَهَا لَا يَجُوزُ تَأْوِيلُهُ إذَا فَرَضَ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ مَعَ نَفَقَةِ النِّكَاحِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ إذَا فَرَضَ لَهَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَقُلْنَا إنَّهَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
قَالَ الرَّمْلِيُّ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْخَصَّافِ وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَتُجْعَلُ الْأُجْرَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ. اهـ.
قُلْت وَمِثْلُهُ فِي الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: قَالَ أُجْبِرُهَا أَنْ تُرْضِعَ) عِبَارَةُ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْوَجِيزِ تُجْبَرُ عَلَى إبْقَاءِ الْإِجَارَةِ بِالْإِرْضَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْخِزَانَةِ عَنْ التَّفَارِيقِ لَا تَجِبُ فِي الْحَضَانَةِ أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ) قَالَ الْغَزِّيِّ، وَأَمَّا لُزُومُ مَسْكَنِ الْحَاضِنَةِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ لُزُومُ ذَلِكَ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ اهـ
أَقُولُ: وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا احْتَاجَ الصَّغِيرُ إلَى خَادِمٍ يَلْزَمُ الْأَبَ بِهِ فَإِنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى الْمَسْكَنِ مُقَرَّرٌ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْجَوَازَ) وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ طَلَقَاتٍ ثَلَاثٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ تَسْتَحِقُّ أَجْرَ الرَّضَاعَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هَكَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ: تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ دَفَعَهُ إلَيْهَا، بَلْ دَفَعَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي نَحْوُهُ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ إرْضَاعَ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يُوجَدُ مَنْ يُرْضِعُهُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ بِأَنْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَوَرِثَ مَالًا أَوْ اسْتَفَادَ بِسَبَبٍ آخَرَ يَكُونُ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْفِطَامِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فِي مَالِهِ اهـ
فَلَيْسَ فَرْضُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُتَوَقِّفًا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَبِ مَالٌ وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ أَنْ يُقَالَ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا تَأْخُذُ شَيْئًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي عَدَمُ الْجَوَازِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ فِيهِ اجْتِمَاعَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَالنَّفَقَةِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ صَلُحَ مَانِعًا لَمَا جَازَ هُنَا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِاجْتِمَاعِ وَاجِبَيْنِ لَا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْمَنْعِ بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَجْتَمِعْ الْوَاجِبَانِ يَجُوزُ فَيَتَعَيَّنُ تَعْلِيلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْمُفِيدُ عَدَمُ الْجَوَازِ فَمَبْنَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ

(4/220)


لَا تَأْخُذُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ الْإِرْضَاعِ لَا مِنْ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هُوَ لِاجْتِمَاعِ وَاجِبَيْنِ فِي مَالٍ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ اسْتَأْجَرَ زَوْجَتَهُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لِإِرْضَاعِهِ جَازَ وَفِي مَالِهِ لَا يَجُوزُ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ النِّكَاحِ وَالْإِرْضَاعِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهِيَ أَحَقُّ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً) أَيْ الْأُمُّ أَحَقُّ بِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً زَائِدَةً عَلَى أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِلْإِرْضَاعِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ أَحَقَّ وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنْ قُلْت إنَّ وُجُوبَ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا هُوَ الْمَانِعُ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، فَلَيْسَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ قُلْت إنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا مُقَيَّدٌ بِإِيجَابِ رِزْقِهَا عَلَى الْأَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] . فَفِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعِدَّةِ هُوَ قَائِمٌ بِرِزْقِهَا وَفِيمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ لَا يَقُومُ بِشَيْءٍ فَتَقُومُ الْأُجْرَةُ مَقَامَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا كَانَتْ أَحَقَّ؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ فَكَانَ نَظَرًا لِلصَّبِيِّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهَا وَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] . أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَنْ أَجْرِ الرَّضَاعِ عَلَى شَيْءٍ إنْ كَانَ الصُّلْحُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا جَازَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا لِتُرْضِعَ وَلَدَهَا اسْتِئْجَارٌ لَهَا، وَإِذَا جَازَ الصُّلْحُ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا عَلَى عَمَلٍ آخَرَ مِنْ الْأَعْمَالِ عَلَى دَرَاهِمَ وَصَالَحَهَا عَنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ جَازَ وَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ وَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ وَلَيْسَتْ بِنَفَقَةٍ اهـ.
وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ بِمَوْتِهِ، بَلْ تَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أُجْرَةٌ فَلِذَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ أَيْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَالْأَجْنَبِيَّةُ مُتَبَرِّعَةٌ بِالْإِرْضَاعِ فَالْأُمُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأُمَّ أَحَقَّ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالَةِ طَلَبِ الزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ أَوْلَى لَكِنْ هِيَ أَوْلَى فِي الْإِرْضَاعِ أَمَّا فِي الْحَضَانَةِ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَبَيْنَهُمَا صَبِيٌّ وَلِلصَّبِيِّ عَمَّةٌ أَرَادَتْ أَنْ تُرَبِّيَهُ وَتُمْسِكَهُ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمْنَعَ الْأُمَّ عَنْهُ، وَالْأُمُّ تَأْبَى ذَلِكَ وَتُطَالِبُ الْأَبَ بِالْأَجْرِ وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأُمِّ إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
بُطْلَانُ تَعْلِيلِ الذَّخِيرَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا تَوَهَّمَ مِنْ أَنَّ لَفْظَةَ عَدَمِ فِي كَلَامِ النَّهْرِ لَعَلَّهَا زَائِدَةٌ مِنْ النُّسَّاخِ.

(قَوْلُهُ: قُلْت إنَّ الْوُجُوبَ إلَخْ) مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ أَخْذِهِ ثَدْيَ غَيْرِهَا أَنَّهُ لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً وَهِيَ خِلَافُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهَا أَحَقُّ إلَّا فِي حَالِ طَلَبِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَحَقُّ فِي كُلِّ حَالَةٍ إلَّا فِي حَالِ طَلَبِ الزِّيَادَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إجْبَارِ الظِّئْرِ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِجْبَارَ بِالْأُجْرَةِ وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ) أَيْ كَمَا إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ كَانَ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفٌ مُرَادِفٌ وَالْمُرَادُ بِهِ نَفَقَةُ الْمُرْضِعَةِ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي تَأْخُذُهَا بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ أَيْ أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ وَالِدِ الرَّضِيعِ لِتُنْفِقَهُ عَلَى نَفْسِهَا بِمُقَابَلَةِ الْإِرْضَاعِ هُوَ أُجْرَةٌ لَا نَفَقَةٌ فَإِذَا مَاتَ لَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَ نَفَقَةً لَسَقَطَ كَمَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ، وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي.
(قَوْلُهُ: وَالْمُصَرَّحُ بِهِ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تُرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى. اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَالْتَمَسَتْ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ، وَقَالَ الْأَبُ أَجِدُ مَنْ تُرْضِعُ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] ؛ وَلِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْأَبِ مَا تَلَمَّسَهُ ضَرَرًا بِالْأَبِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ لَا يُضَارُّ الْأَبُ بِإِلْزَامِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَلْتَمِسُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ كَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ التَّأْوِيلَاتِ، وَلَكِنْ تُوضَعُ عِنْدَ الْأُمِّ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْأُمِّ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَتُطَالِبُ الْأَبَ بِالْأَجْرِ وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ) أَرَادَ بِالْأَجْرِ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُ بِنَفْسِهَا أَوْ أَرْضَعَتْهُ غَيْرُهَا وَأَرَادَ بِالنَّفَقَةِ مَا يَكُونُ بَعْدَ الْفِطَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي مُطَلَّقَةٍ مَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنَّ طَلَبَ الْأُجْرَةِ مِنْ الْأَبِ مِنْ جِهَةِ أُمِّ الصَّبِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا سَبَقَ آنِفًا وَإِنَّمَا قُلْنَا أَرَادَ بِالْأُجْرَةِ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ أُجْرَةٌ عَلَى الْحَضَانَةِ زَائِدَةٌ عَلَى هَذِهِ الْأُجْرَةِ حَتَّى تُطَالِبَهُ الْمَرْأَةُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ بِمَنْزِلَةِ الرَّضَاعِ وَالرَّضَاعُ مِنْ النَّفَقَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَالنَّفَقَةُ

(4/221)


تَحَكَّمَتْ الْأُمُّ فِي أُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْوَالِدَةِ إمَّا أَنْ تُمْسِكِي الْوَلَدَ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعِيهِ إلَى الْعَمَّةِ اهـ.
وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ كَالْعَمَّةِ فِي أَنَّ الصَّغِيرَ يُدْفَعُ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ مُتَبَرِّعَةً وَالْأُمُّ تُرِيدُ الْأُجْرَةَ عَلَى الْحَضَانَةِ وَلَا تُقَاسُ عَلَى الْعَمَّةِ؛ لِأَنَّهَا حَاضِنَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي زَمَانِنَا وَهُوَ أَنَّ الْأَبَ يَأْتِي بِأَجْنَبِيَّةٍ مُتَبَرِّعَةٍ بِالْحَضَانَةِ فَهَلْ يُقَالُ لِلْأُمِّ كَمَا يُقَالُ لَوْ تَبَرَّعَتْ الْعَمَّةُ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الْأُمَّ تَأْخُذُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَا تَكُونُ الْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى بِخِلَافِ الْعَمَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ كَالْعَمَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَمَّةَ لَيْسَتْ قَيْدًا، بَلْ كُلُّ حَاضِنَةٍ كَذَلِكَ، بَلْ الْخَالَةُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ غَيْرُ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَهُوَ لِلْمُغَايَرَةِ فَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْأُمَّ لِلْإِرْضَاعِ لَا يَكْفِي عَنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَكْفِيهِ اللَّبَنُ، بَلْ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ خُصُوصًا الْكِسْوَةُ فَيُقَرِّرُ الْقَاضِي لَهُ نَفَقَةً غَيْرَ أُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ وَغَيْرَ أُجْرَةِ الْحَضَانَةِ فَعَلَى هَذَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثَةٌ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ أَمَّا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِهَا هُنَا، وَأَمَّا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ فَصَرَّحَ بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِهَا فِي الْإِجَارَاتِ فِي إجَارَةِ الظِّئْرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِيهَا وَالطَّعَامُ وَالثِّيَابُ عَلَى الْوَالِدِ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الدُّهْنِ وَالرِّيحَانِ عَلَى الظِّئْرِ فَهُوَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأُمَّ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الْإِرْضَاعُ وَإِصْلَاحُ طَعَامِهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْدَ الْفِطَامِ يَفْرِضُ الْقَاضِي نَفَقَةَ الصَّغِيرِ عَلَى طَاقَةِ الْأَبِ وَيَدْفَعُ إلَى الْأُمِّ حَتَّى تُنْفِقَ عَلَى الْأَوْلَادِ اهـ.
إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ النَّفَقَةُ الْكَامِلَةُ بِخِلَافِهَا فِي زَمَنِ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا قَلِيلَةٌ وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ فَمُؤْنَةُ الرَّضَاعِ وَنَفَقَتُهُ بَعْدَ الْفِطَامِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَمُدَّةُ الرَّضَاعِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ أَدْنَى وَهُوَ حَوْلٌ وَنِصْفٌ وَأَوْسَطُ وَهُوَ حَوْلَانِ وَنِصْفٌ حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْ الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ شَطَطًا، وَلَوْ زَادَ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا فَلَوْ اسْتَغْنَى الْوَلَدُ دُونَ الْحَوْلَيْنِ فَفَطَمَتْهُ فِي حَوْلٍ وَنِصْفٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا تَأْثَمُ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِحَوْلَيْنِ حَلَّ لَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ بَعْدَهُمَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إلَّا عِنْدَ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ حَتَّى أَنَّ الْمُبَانَةَ تَسْتَحِقُّ إلَى الْحَوْلَيْنِ وَنِصْفٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إلَى حَوْلَيْنِ فَقَطْ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ بِخِلَافِ الْحَضَانَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ عَزْمِيٍّ زَادَهْ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ كَمَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعِيهِ إلَى الْعَمَّةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ لَمْ تُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَى الْعَمَّةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهَا تُرْضِعُ عِنْدَ الْأُمِّ فَعُلِمَ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لِأُجْرَةِ الرَّضَاعِ لَا يُنْزَعُ الْوَلَدُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ لِوُجُودِ الْمُتَبَرِّعِ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْأُمِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ بِكَوْنِ الْأَبِ مُعْسِرًا فَظَاهِرُهُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مَعَ يَسَارِهِ فَلْيُحَرِّرْهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِي التَّصَانِيفِ حُجَّةٌ يُعْمَلُ بِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تُقَاسُ عَلَى الْعَمَّةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ إنَّهَا مِثْلُ الْعَمَّةِ بِجَامِعِ التَّبَرُّعِ مِنْ كُلٍّ فَتُلْحَقُ بِهَا فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْعَمَّةَ حَاضِنَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلَهَا اسْتِحْقَاقٌ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَمَّةَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا تُقَاسُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ سُئِلْت عَنْ صَغِيرَةٍ لَهَا أُمٌّ وَبِنْتُ ابْنِ عَمٍّ تَطْلُبُ الْأُمُّ زِيَادَةً عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبِنْتُ ابْنِ الْعَمِّ تُرِيدُ حَضَانَتَهَا مَجَّانًا فَأَجَبْت بِأَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأُمِّ لَكِنْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لَا بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ بِنْتَ ابْنِ الْعَمِّ كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ أَصْلًا فَلَا يُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهَا عَلَى مَا ظَهَرَ لِهَذَا الشَّارِحِ وَهُوَ تَفَقُّهٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ فِي دَفْعِ الصَّغِيرِ لِلْمُتَبَرِّعَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ ضَرَرًا بِهِ لِقُصُورِ شَفَقَتِهَا عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ الضَّرَرُ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ دُونَ حُرْمَتِهِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي نَحْوِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَإِذَا كَانَ مُوسِرًا لَا يَدْفَعُ إلَيْهَا كَمَا يُفِيدُهُ تَقْيِيدُ أَكْثَرِ الْكُتُبِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوسِرِ فِي دَفْعِ الْأُجْرَةِ وَبِهِ تَتَحَرَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَافْهَمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَاغْتَنِمْهُ فَقَدْ قَلَّ مَنْ تَفَطَّنَ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ، هَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَضَانَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، ثُمَّ الْعَمَّاتُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ؛ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ.
(قَوْلُهُ: فَصَرَّحَ بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ) حَيْثُ قَالَ سُئِلَ هَلْ تَسْتَحِقُّ الْمُطَلَّقَةُ أُجْرَةً بِسَبَبِ حَضَانَةِ وَلَدِهَا خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ إرْضَاعٍ لَهُ أَمْ لَا أَجَابَ نَعَمْ تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الْحَضَانَةِ، وَكَذَا إنْ احْتَاجَ الصَّغِيرُ إلَى خَادِمٍ يُلْزَمُ الْأَبُ بِهِ. اهـ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِإِعْسَارِ الْأَبِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسِرًا لَا يُدْفَعُ إلَى الْعَمَّةِ أَيْ بَلْ يُؤْمَرُ الْأَبُ بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ لِلْأُمِّ.
(قَوْلُهُ: وَأَوْسَطَ وَهُوَ حَوْلَانِ وَنِصْفٌ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِيهِ سَقْطٌ وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَأَوْسَطُ وَهُوَ حَوْلَانِ وَأَقْصَى وَهُوَ حَوْلَانِ وَنِصْفٌ، وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ مُصَلَّحًا

(4/222)


مُدَّةَ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ حَوْلَانِ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى لَا تَسْتَحِقَّ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إجْمَاعًا وَتَسْتَحِقُّ فِي الْحَوْلَيْنِ إجْمَاعًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ وُجُوبَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عَقْدِ إجَارَةٍ مَعَ الْأُمِّ، بَلْ تَسْتَحِقُّهُ بِالْإِرْضَاعِ مُطْلَقًا فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفِقْهٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا أَقَرَّتْ الْمُعْتَدَّةُ أَنَّهَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَتْ إنَّهَا قَبَضَتْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَنَفَقَةُ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ قَالَتْ ضَاعَتْ النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَى أَبِيهِمْ بِنَفَقَتِهِمْ دُونَ حِصَّتِهَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] ، أُنْزِلَتْ فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنَّ الِابْنَ يَعِيشُ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكُهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمَا مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَلِهَذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ وَشَرَطَ الْفَقْرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَا مَالٍ فَإِيجَابُ النَّفَقَةِ فِي مَالِهِ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا فِي مَالِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلَدُ غِنَى الْأَبِ وَأَنْكَرَ الْأَبُ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ وَالْبَيِّنَةُ لِلِابْنِ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا وَأَبَى الِابْنُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ قَاضٍ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَيْهِ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَبِوُجُودِ قَاضٍ ثَمَّةَ يَأْثَمُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ وَبِإِعْطَاءِ الِابْنِ مَا لَا يَكْفِيهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَى أَنْ تَقَعَ الْكِفَايَةُ وَبِسَرِقَتِهِ مَا فَوْقَ الْكِفَايَةِ يَأْثَمُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا وَلَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ مَالَ ابْنِهِ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الِابْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْغِنَى مَعَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِهِ لِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ الْمُعْسِرَيْنِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا إلَّا إذَا كَانَ بِهِمَا زَمَانَةٌ أَوْ بِهِمَا فَقْرٌ فَقَطْ فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ مَعَ الِابْنِ وَيَأْكُلَانِ مَعَهُ وَلَا يَفْرِضُ لَهُمَا نَفَقَةً عَلَى حِدَةٍ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ نَفَقَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ حُكْمًا إذَا كَانَ الْوَالِدُ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَمَلٍ أَوْ كَانَ زَمَنًا وَلِلِابْنِ عِيَالٌ كَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَضُمَّ الْأَبَ إلَى عِيَالِهِ وَيُنْفِقَ عَلَى الْكُلِّ وَالْمُوسِرُ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ يَمْلِكُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ حَيْثُ قَالَ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ وَلَيْسَتْ بِنَفَقَةٍ.

[نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ]
(قَوْلُهُ: أَوْ بِهِمَا فَقْرٌ فَقَطْ) أَيْ بِدُونِ زَمَانَةٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَقْدِرَا عَلَى الْعَمَلِ كَمَا يَأْتِي فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِي الْمُعْسِرَيْنِ فَمَا مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ مَا إذَا كَانَ بِهِمَا فَقْرٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ نَفَقَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ إلَخْ) يُوَافِقُ هَذَا قَوْلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى الرَّجُلِ أَيْ الْمُوسِرِ حَيْثُ فَسَّرَهُ بِالْمُوسِرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْفَقِيرِ، وَكَذَا قَالَ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ وَعَلَى الْمُوسِرِ يَسَارَ الْفِطْرَةِ لِأُصُولِهِ الْفُقَرَاءِ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَالنُّقَايَةِ وَالْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا فَكُلُّهُمْ قَيَّدُوا بِالْيَسَارِ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَكَافِي الْحَاكِمِ وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى فَقِيرٍ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَلِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ لِأَبِيهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا وَالْأَبُ فَقِيرًا صَحِيحَ الْبَدَنِ لَمْ يُجْبَرْ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَيُشَارِكُ الِابْنَ فِي نَفَقَتِهِ وَالْأُمُّ الْفَقِيرَةُ كَالْأَبِ الزَّمِنِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَيُجْبَرُ الرَّجُلُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ قُلْت لَكِنْ يُخَالِفُ هَذَا مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ الْأَبُ وَالِابْنُ كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ. اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى شَرَطَا فِي الْكِتَابِ لِنَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ كَوْنَ الِابْنِ مُوسِرًا وَيَمْلِكُ نِصَابَ الزَّكَاةِ وَاعْتَبَرَ الْخَصَّافُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْيَسَارَ، ثُمَّ حَكَى فِي مَسْأَلَةِ الْفَتْحِ قَوْلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَالْمُتُونِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فَهُوَ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهَا مَشَى فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: وَلِلِابْنِ عِيَالٌ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ لَا يَضُمُّ الْأَبَ إلَى نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكْفِهِمَا كَسْبُهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ الْأَبَ فِي قُوتِهِ إذَا كَانَ مَا يُصِيبُ الِابْنُ مِنْ ذَلِكَ الْقُوتِ يُقِيمُ بَدَنَهُ وَلَا يَضُرُّهُ إضْرَارًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَسْبِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ضَاعَ الْأَبُ إلَّا أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الِابْنُ وَحْدَهُ فَلَوْ لَهُ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَالْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ الْأَبَ فِي كَسْبِهِ وَيَجْعَلَهُ كَأَحَدِ عِيَالِهِ وَلَا يُجْبِرَهُ أَنْ يُعْطِيَ لَهُ شَيْئًا عَلَى حِدَةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَهُ فِي طَعَامِ عِيَالِهِ يَقِلُّ الضَّرَرُ؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْأَرْبَعَةِ إذَا فُرِّقَ عَلَى الْخَمْسَةِ لَا يَتَضَرَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَرَرًا فَاحِشًا أَمَّا إذَا أُدْخِلَ الْوَاحِدُ فِي طَعَامِ الْوَاحِدِ يَتَفَاحَشُ الضَّرَرُ، ثُمَّ قَالَ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ.
(قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَضُمَّ الْأَبَ إلَى عِيَالِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُطْعِمُهُ مَعَ عِيَالِهِ وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ

(4/223)


مَالًا فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَيَبْلُغُ الْفَاضِلُ مِقْدَارًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ فِي الْفَقِيرِ الْكَسُوبِ أَنْ يُدْخِلَ الْأَبَوَيْنِ فِي النَّفَقَةِ وَقَيَّدَ بِفَقْرِهِمْ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيرًا وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنَّ الِابْنَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يُجْبَرُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقْرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي إيكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَلِأَبَوَيْهِ يَعُودُ إلَى الْإِنْسَانِ الْمَفْهُومِ فَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَفِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الْحَقُّ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْوِلَادِ وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عُلِّقَ فِيهِ بِالْإِرْثِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ ابْنَانِ أَحَدُهُمَا فَائِقٌ فِي الْغِنَى وَالْآخَرُ يَمْلِكُ نِصَابًا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا فَهِيَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ اهـ.
وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ فِيهِ اخْتِلَافًا وَعَزَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَى مَبْسُوطِ مُحَمَّدٍ وَنُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا إذَا تَفَاوَتَا فِي الْيَسَارِ تَفَاوُتًا يَسِيرًا أَمَّا إذَا تَفَاوَتَا فِيهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا يَجِبُ أَنْ يَتَفَاوَتَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلِأَبَوَيْهِ إلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا وَجَبَ لِلْمَرْأَةِ يَجِبُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى حَتَّى الْخَادِمِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَكَمَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ الْمُوسِرِ نَفَقَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِ الْأَبِ امْرَأَةً كَانَتْ الْخَادِمُ أَوْ جَارِيَةً إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَلَا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَةِ ابْنِهِ وَفِي نَفَقَاتِ الْحَلْوَانِيِّ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا قُلْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ مَرِيضًا أَوْ بِهِ زَمَانَةٌ يَحْتَاجُ إلَى الْخِدْمَةِ أَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا فَلَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ فَإِنَّ الِابْنَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمِهِ اهـ.
وَظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَةِ امْرَأَةِ الْأَبِ أَوْ جَارِيَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِالْأَبِ عِلَّةٌ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، ثُمَّ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدَيْنِ لِلْأَبِ فَأَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطِيَ لِلْأَبِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْآخَرَ بِأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ النَّفَقَةِ، ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَى الْأَخِ بِحِصَّتِهِ اهـ.
وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ إيجَابِ نَفَقَةِ الْأُمِّ عَلَى الْوَلَدِ إذْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً؛ لِأَنَّهَا عَلَى الزَّوْجِ كَبِنْتِهِ الْمُرَاهِقَةِ إذَا زَوَّجَهَا صَارَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّ الِابْنَ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُقْرِضَهَا، ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ الْأُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ ابْنِهَا النَّفَقَةَ وَتُنْفِقَ هِيَ عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِهِ تُؤْذِيهَا زَوْجَتُهُ وَتَشْتُمُهَا فَهَلْ تُجَابُ إلَى ذَلِكَ ظَاهِرُهُ لَا لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا أَمَّا الْمُوسِرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقَّهُمَا فَلَهُمَا قَبْضُهُ مِنْهُ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ مَا يُؤَيِّدُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ.
(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِفَقْرِهِمْ فَقَطْ) أَيْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِمْ عَاجِزَيْنِ عَنْ الْكَسْبِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) أَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إذَا كَانَ رَجُلًا صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ إلَّا فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً، وَفِي الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَإِنِّي أُجْبِرُ الْوَلَدَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ يُشَيِّدُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ بِخِلَافِ الْحَلْوَانِيِّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ أَبِيهِ إلَخْ) أَيْ الَّتِي لَيْسَتْ أُمَّ الِابْنِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: الَّذِي تَحَرَّرَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ فِي نَفَقَةِ الْخَادِمِ وَأَنَّ الْأَبَ أَوْ الِابْنَ إذَا احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ كَمَا وَجَبَتْ نَفَقَةُ الْمَخْدُومِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ نَفَقَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ امْرَأَةً كَانَتْ الْخَادِمُ أَوْ جَارِيَةً كَمَا قَدَّمَهُ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ هُنَا أَيْضًا إلَخْ) أَقُولُ: قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ أَنَّ قَوْلَ الذَّخِيرَةِ هُنَا فَرَضَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ عَنْ شَرْحِ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ، ثُمَّ رَاجَعْت الذَّخِيرَةَ فَرَأَيْته ذَكَرَ تَأْوِيلَ مَا هُنَا، فَقَالَ قَالُوا وَالْمُرَادُ مِنْ الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا هُوَ الْإِجْبَارُ عَلَى الْإِقْرَاضِ لَا الْفَرْضِ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ. اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَتْ الْمُخَالَفَةُ

(4/224)


هُنَا أَيْضًا قَالَ فَإِنْ أَبَى الِابْنُ أَنْ يُقْرِضَهَا النَّفَقَةَ فُرِضَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُعْسِرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلِأَبَوَيْهِ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمُوَلَّدِينَ إنَّمَا هُوَ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمِيرَاثُ، قَالُوا وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ نَوْعُ رُجْحَانٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا رُجْحَانٌ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ فَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ وَلَدٌ وَابْنُ ابْنٍ مُوسِرَيْنِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ.
وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ أَقْرَبُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ أَوْ ابْنُ بِنْتٍ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِ الْبِنْتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْأَخِ لَا لِوَلَدِ الْبِنْتِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَالِدٌ وَوَلَدٌ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ لَتَرَجَّحَ الْوَلَدُ بِتَأْوِيلِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، وَلَوْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا عَلَى الْجَدِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي عَلَى ابْنِ الِابْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ النَّفَقَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ الْفَقِيرِ ابْنٌ نَصْرَانِيٌّ وَأَخٌ مُسْلِمٌ فَالنَّفَقَةُ - عَلَى الِابْنِ وَالْمِيرَاثُ لِلْأَخِ، وَلَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ بِنْتٌ وَمَوْلَى عَتَاقَةٍ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْمِيرَاثِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَدِّ فَشَمِلَ أَبَ الْأَبِ وَأَبَ الْأُمِّ جَزَمَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، نَقَلَ الِاخْتِلَافَ فِي أَبِ الْأُمِّ وَأَطْلَقَ فِي الْجَدَّةِ فَشَمِلَ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْأَبُ إذَا أَخَذَ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ الْمَفْرُوضَتَيْنِ مُعَجَّلَةً فَضَاعَ ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهُ أُخْرَى فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَا يُفْرَضُ لَهُ أُخْرَى بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فِيهِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ فِيهَا فِي أَوَّلِ بَابِ النَّفَقَاتِ.

(قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ) أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ فَلِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنُ بِنْتٍ أَوْ بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِ الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلِابْنِ الثَّانِي وَبِهِ صَرَّحَ، وَقَوْلُهُ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ نَوْعُ رُجْحَانٍ أَيْ كَابْنِ ابْنٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ فَهِيَ عَلَى ابْنِ الِابْنِ لِرُجْحَانِهِ رَمْلِيٌّ أَيْ لِرُجْحَانِهِ بِكَوْنِهِ هُوَ الْوَارِثُ لَكِنَّ هَذَا الْفَرْعَ يَحْتَاجُ إلَى نَصٍّ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ الْفُرُوعِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِرْثِ أَصْلًا فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ عَلَى الْفُرُوعِ، قَالَ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ إذَا كَانَ لَهُ بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ بِنْتٍ مُوسِرَانِ وَأَخٌ مُوسِرٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّ فِي بَابِ النَّفَقَةِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ فِي الْأَوْلَادِ. اهـ.
وَقَالَ بَعْدَهُ أَيْضًا نَفَقَتُهُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ يَسْتَوِي فِيهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَا عِبْرَةَ لِلْإِرْثِ فِي الْأَوْلَادِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْقُرْبُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ اهـ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ الْمِيرَاثُ) يُخَالِفُهُ مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا لَهُ أُمٌّ وَأَبَوَانِ فَكَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأُمَّ أَقْرَبُ مِنْ الْجَدِّ، وَكَذَا يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ الْآتِي قَرِيبًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا، وَكَذَا مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ) يَرِدُ عَلَيْهِ الِابْنُ وَالْبِنْتُ فَإِنَّهُ لَا رُجْحَانَ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا سَوِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِ الْبِنْتِ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهِ جُزْءًا وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الرُّجْحَانَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ يَشْمَلُ الْجُزْئِيَّةَ.
(قَوْلُهُ: فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْقَرَابَةِ وَالْوِرَاثَةِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَكَانَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ ابْنُ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ عَمٌّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهَا عَلَى الْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ عَلَى الْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ. اهـ.
أَقُولُ: وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا تُشْكِلُ عَلَى اعْتِبَارِهِمْ الْقُرْبَ وَالْجُزْئِيَّةَ دُونَ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُمْ قَدْ اعْتَبَرُوا فِيهَا الْمِيرَاثَ دُونَ الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ إذْ مُقْتَضَى أَصْلِهِمْ الْمَذْكُورِ وُجُوبُهَا عَلَى الْأُمِّ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تَعْتَبِرُ الْإِرْثَ كَمَا عَزَاهَا الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ وَيُعْتَبَرُ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ لَا يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ. اهـ.
لَكِنَّ رِوَايَةَ اعْتِبَارِ الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ عَلَيْهَا الْمُتُونُ كَالْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالتَّنْوِيرِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ بِتَمَامِهَا وَحَرَّرْت الْمَسْأَلَةَ بِتَحْرِيرٍ لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتُهَا تَحْرِيرَ النُّقُولِ فِي نَفَقَةِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ يَلْزَمُ عَلَى كُلِّ فَقِيهٍ طَلَبُهَا فَإِنَّهَا أَزَاحَتْ اللَّبْسَ وَأَزَالَتْ كُلَّ حَدْسٍ.
(قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَأُخْتٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَ لَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تُعْتَبَرُ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهَا مَعَ الْبِنْتِ. اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ حَذَفَهُ اخْتِصَارًا. (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْجَدَّ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَدِّ لِاسْتِحْقَاقِهِ النَّفَقَةَ الْفَقْرُ لَا غَيْرُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ كَالْجَدِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَدَّاتِ مَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْأَجْدَادِ أَيْضًا. اهـ.

(4/225)


ذَكَرْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهَا بِالْعَقْدِ لِاحْتِبَاسِهَا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لَهُ، وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاتِّحَادِ الْمِلَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ ثَابِتَةٌ وَجُزْءُ الْمَرْءِ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَكَمَا لَا تَمْتَنِعُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ بِكُفْرِهِ لَا تَمْتَنِعُ نَفَقَةُ جُزْئِهِ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَرْبِيَّيْنِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانُوا مُتَسَاوِيَيْنِ؛ لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ أَطْلَقَ فِي الْوِلَادِ فَشَمِلَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى صُورَتُهُ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً وَحَصَلَ لَهُمَا وَلَدٌ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ الذِّمِّيَّةُ حُكِمَ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهَا وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، وَهَذَا قَبْلَ عُرُوضِ الْإِسْلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْكُفْرَ فِي صِغَرِهِ، وَكُفْرُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اهـ.
وَقَيَّدَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ؛ لِأَنَّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ وَمَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ آكَدُ وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَعْلَى فِي الْقَطِّيَّةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ فَاعْتَبَرْنَا فِي الْأَصْلِ أَصْلَ الْعِلَّةِ وَفِي الْأَدْنَى الْعِلَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا.

(قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ) أَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَقَدَّمْنَاهَا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ فَلِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَكَانَ الْأَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي الْأَبِ فَشَمِلَ الْمُوسِرَ وَالْمُعْسِرَ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةً أُمِرَتْ أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا عَلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ دَيْنًا تَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْأُمُّ قَاضِيَةً حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، ثُمَّ جَعَلَ الْأُمَّ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةً وَلِلصَّغِيرِ جَدٌّ مُوسِرٌ تُؤْمَرُ الْأُمُّ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ وَلَا يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْغَيْرِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ وَاجِدًا لِلنَّفَقَةِ لَكِنْ امْتَنَعَ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الصَّغِيرِ فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ فَامْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُهَا أَنْ تَسْتَدِينَ عَلَيْهِ وَتُنْفِقَ عَلَى الْغَيْرِ لِتَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَابَ الْأَبُ بَعْدَ فَرْضِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَتَرَكَهُمْ بِلَا نَفَقَةٍ فَاسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ رَجَعَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي مُؤْنَةِ الرَّضَاعِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْأُمَّ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِذَا أَيْسَرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْقَدْرِ الَّذِي أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَدِنْ بَعْدَ الْفَرْضِ لَكِنْ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَلَا رُجُوعَ لَهَا لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ فَإِنْ كَانُوا أُعْطُوا مِقْدَارَ نِصْفِ الْكِفَايَةِ سَقَطَ نِصْفُ النَّفَقَةِ عَنْ الْأَبِ وَتَصِحُّ الِاسْتِدَانَةُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.
وَلَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِالْإِنْفَاقِ صِيَانَةً لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى وَالِدِ الصِّغَارِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فَلَمْ يَجْعَلْ النَّفَقَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُسْتَصْفَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَنْحَصِرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ إذَا كَانَ الْأَبُ أَوْ الِابْنُ مُقْعَدًا أَوْ أَعْمَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ بِوَجْهٍ يُلْحَقُ بِالطِّفْلِ فَلَوْ أَسْلَمَ الْكَبِيرُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَكَانَ بِوَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ يَجِبُ نَفَقَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَإِطْلَاقُ الْمَتْنِ يَشْمَلُهُ كَغَيْرِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى نَفَقَةِ الْكَافِرِ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَا الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ قَرَابَتِهِ إلَّا الزَّوْجَةَ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ. اهـ.
أَطْلَقَ فِي الْوَلَدِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِوَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْوَلَدَ الْبَالِغَ وَهُوَ جَوَابُ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْمَقُولَةِ أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْبَالِغِينَ أَثْلَاثًا اهـ.
أَقُولُ: وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَبِ مَا يَشْمَلُ الْجَدَّ وَبِالْوَلَدِ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ فَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَالِدَيْهِ أَحَدٌ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ، وَكَذَا لَا يُشَارِكُ الْجَدَّ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ وَلَدِ وَلَدِهِ عِنْدَ عَدَمِ وَلِيِّهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ جَعَلَ الْأُمَّ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَنَّ الْأَبَ الْمُعْسِرَ كَالْمَيِّتِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ أَبٌ وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبُو أَبٍ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَالْمُتُونُ أَنَّهَا عَلَى الْأَبِ وَتَسْتَدِينُ الْأُمُّ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَلَى الْجَدِّ وَهَلْ يَسْتَدِينُ عَلَى الْأَبِ وَيَرْجِعُ فِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا، وَأَمَّا الْأُمُّ فَتَسْتَدِينُ وَتَرْجِعُ فَتَأَمَّلْ وَفِي الصُّغْرَى امْرَأَةٌ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَلِلْمَرْأَةِ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَبَلَغَ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمَسْأَلَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ كَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا

(4/226)


عَلَى الْجَدِّ حَالَ عُسْرَةِ الْأَبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْأَبَ الْفَقِيرَ يُلْحَقُ بِالْمَيِّتِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى الْجَدِّ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ هَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ زَمِنًا قُضِيَ بِنَفَقَةِ الصِّغَارِ عَلَى الْجَدِّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْجَدِّ فَكَذَا نَفَقَةُ الصِّغَارِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي صَغِيرٍ لَهُ وَالِدٌ مُحْتَاجٌ وَهُوَ زَمِنٌ فُرِضَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ وَكُلُّ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْغُلَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ قَضَيْت بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَبِيهِ وَأَمَرْت قَرَابَةَ الْأُمِّ بِالْإِنْفَاقِ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ مَنْ يَكُونُ مَحْرَمًا لِلصَّغِيرِ وَيَكُونُ أَهْلًا لِلْإِرْثِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ الْمَحْرَمِيَّةُ وَأَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ مَنْ كَانَ مَحْرَمًا لِلصَّغِيرِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْإِرْثِ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَيُلْحَقُ الْأَبُ الْمُعْسِرُ بِالْمَيِّتِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَبِ الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْفَقَتْ الْأُمُّ الْمُوسِرَةُ وَإِلَّا فَالْأَبُ كَالْمَيِّتِ وَالْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ لَوْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ الزَّمِنَ وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوَّلَ هَذَا الْفَصْلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ أَنَّ الْأَبَ إلَخْ لَا خَفَاءَ أَنَّ الْأُمَّ الْمُعْسِرَةَ كَذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُلْحَقُ بِالْمَيِّتِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِي حَقِّ الْجَدِّ حَتَّى لَا يَرْجِعَ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ فَلَا وَبِهِ يُفْهَمُ كَلَامُهُمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ اهـ.
يَعْنِي: أَنَّهُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لَا يُلْحَقُ الْأَبُ الْمُعْسِرُ بِالْمَيِّتِ إذْ لَوْ أُلْحِقَ بِالْمَيِّتِ فِي حَقِّهَا لَزِمَ أَنْ لَا تَرْجِعَ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْجَدِّ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ الْإِرْثِ أَصَالَةً لَا نِيَابَةً عَنْ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: اهـ) أَيْ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ) الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْجَدُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصِّغَارِ أُمٌّ وَالْجَدُّ أَوْ غَيْرُهُ إذَا كَانَ الْأَبُ زَمِنًا أَيْ وَفَقِيرًا فَقَدْ شَارَكَ الْأَبَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ غَيْرُهُ فَيَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ مُقَيَّدٌ بِالْيَسَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا حَاجَةَ لِإِصْلَاحِهَا؛ لِأَنَّهَا وَارِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ اخْتَارَهَا أَهْلُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَأَثْبَتُوهَا فِي كُتُبِهِمْ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهَا. اهـ.
أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ مَا إذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ بِلَا رُجُوعٍ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالثَّانِي مَا إذَا كَانَ الْأَبُ الْفَقِيرُ زَمِنًا فَهِيَ عَلَى الْجَدِّ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى مَحَارِمِ الصَّغِيرِ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْمِيرَاثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَهِيَ عَلَى أَبِي الصَّغِيرِ لَكِنْ يُؤْمَرُ قَرَابَةُ الْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ أَبُوهُ مُعْسِرًا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ الْمُوسِرِ تَارَةً، وَتَارَةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَقَارِبِ الْأَبِ وَتَارَةً عَلَى مَحَارِمِهِ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ فَهَذَا كُلُّهُ يُخَالِفُ الْمُتُونَ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ أَبِي يُوسُفَ مَا يُفِيدُ أَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ كَالْأَبِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ جِهَتُهُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ السَّابِقِ قَضَيْتُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَبِيهِ وَأَمَرْتُ قَرَابَةَ الْأُمِّ بِالْإِنْفَاقِ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمْ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْأَبَ لَا يُشَارِكُ غَيْرَهُ فِي نَفَقَةِ الصَّغِيرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ قَرَابَةٌ لَمْ يَبْقَ هُنَا وَجْهٌ سِوَى أَنْ يَقْضِيَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ لِئَلَّا يُشَارِكَ الْأَبَ غَيْرُهُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ فَأَمَّا قَرَابَةُ الْأَبِ مِمَّا يَلْزَمُهُمْ نَفَقَةُ الْأَبِ فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُمْ نَفَقَةُ الْغُلَامِ لِيَكُونَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ جَارِيَةً مَجْرَى نَفَقَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ.
وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْجَدِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ قَرَابَةِ الْأَبِ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا كَمَا هُوَ كَالصَّرِيحِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ نَعَمْ يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَى مَحَارِمِهِ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَلَكِنْ بِنَاءً عَلَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْمُتُونِ جَارِيًا عَلَى خِلَافِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَالْأَظْهَرُ مَا أَجَابَ بِهِ الرَّمْلِيُّ مِنْ حَمْلِ مَا فِي الْمُتُونِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَا تُفْرَضُ عَلَى الْجَدِّ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْأَبَ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَ زَمِنًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ زَمِنًا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْجَدِّ.
وَكَذَا نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ بِالِاتِّفَاقِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ الْمُوسِرَةِ وَغَيْرِهَا كَالْجَدِّ وَنَحْوِهِ فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ، بَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَتُؤْمَرُ الْأُمُّ أَوْ الْجَدُّ أَوْ غَيْرُهُمَا بِأَدَائِهَا لِتَكُونَ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ فَيَكُونُ مَشْيُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِيَارًا مِنْهُمْ لَهَا عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ

(4/227)


رِوَايَةٍ أَنَّ نَفَقَةَ الْكَبِيرِ تَجِبُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ وَلِقَرِيبٍ مَحْرَمٍ فَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لَوْ مُوسِرًا) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ قَيَّدَ بِالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ الَّذِي لَيْسَ بِقَرِيبٍ كَالْأَخِ مِنْ الرَّضَاعِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ غَيْرَ الْمَحْرَمِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ كَابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَرِيبًا مَحْرَمًا لَا مِنْ جِهَتِهَا كَابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
فَلَوْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ لِمَحْرَمِيَّتِهِ لَا عَلَى ابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَارِثِ فِي الْآيَةِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْمِيرَاثِ لَا كَوْنُهُ وَارِثًا حَقِيقَةً إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْخَالُ فِي الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ يُرَجَّحُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَيَتَرَجَّحُ الْعَمُّ عَلَى الْخَالِ لِكَوْنِهِ وَارِثًا حَقِيقَةً، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ لَا غَيْرُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا وَيُجْعَلُ الْعَمُّ كَالْمَيِّتِ وَفِي الْقُنْيَةِ يُجْبَرُ الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ وَقَيَّدَ بِالْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَيَّدْنَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ وَهُوَ بِالْأُنُوثَةِ مُطْلَقًا وَبِالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى وَنَحْوِهَا فِي الذَّكَرِ فَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحَةِ الْفَقِيرَةِ عَلَى مَحْرَمِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُنْثَى إلَّا الْفَقْرُ، وَأَمَّا الْبَالِغُ الْفَقِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَجْزِهِ بِزَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ فَقْءِ الْعَيْنَيْنِ أَوْ شَلَلِ الْيَدَيْنِ أَوْ مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مَعْتُوهٍ أَوْ مَفْلُوجٍ زَادَ فِي التَّبْيِينِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ مِنْ التَّكَسُّبِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ وَفِي الْمُجْتَبَى الْبَالِغُ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَهَكَذَا قَالُوا فِي طَالِبِ الْعِلْمِ إذَا كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْكَسْبِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ وَالْأُنْثَى اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَى أَبِي حَامِدٍ قَوْلُ السَّلَفِ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ طَالِبِ الْعِلْمِ عَلَى الْأَبِ لَكِنْ أَفْتَى بِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِفَسَادِ أَحْوَالِ أَكْثَرِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَسَنَ السَّيْرِ مُشْتَغِلًا بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ يُجْبَرُ الْآبَاءُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يُطَالِبُهُمْ فُسَّاقُ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ شَرُّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ خَيْرِهِمْ يَحْضُرُونَ الدَّرْسَ سَاعَةً بِخِلَافِيَّاتٍ رَكِيكَةٍ ضَرَرُهَا فِي الدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهَا، ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ طُولَ النَّهَارِ بِالسُّخْرِيَةِ وَالْغِيبَةِ وَالْوُقُوعِ فِي النَّاسِ مِمَّا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَيَقْذِفُ اللَّهُ الْبُغْضَ فِي قُلُوبِ آبَائِهِمْ وَيَنْزِغُ عَنْهُمْ الشَّفَقَةَ فَلَا يُعْطُونَ مُنَاهُمْ فِي الْمَلَابِسِ وَالْمَطَاعِمِ فَيُطَالِبُونَهُمْ بِالنَّفَقَةِ وَيُؤْذُونَهُمْ مَعَ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ، وَلَوْ عَلِمُوا بِسِيرَتِهِمْ السَّلَفُ لَحَرَّمُوا الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِمْ نَادِرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ دَفْعًا لِحَرَجِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ قُلْتُ: لَكِنْ نَرَى طَلَبَةَ الْعِلْمِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأُصُولُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يَمْنَعُهُمْ عَنْ التَّحْصِيلِ وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعْطِيلِ فَكَانَ الْمُخْتَارُ الْآنَ قَوْلَ السَّلَفِ وَهَفَوَاتُ الْبَعْضِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ اهـ.

وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمُعْسِرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ هَذِهِ النَّفَقَةَ فَقِيلَ هُوَ الَّذِي تَحِلُّ لَهُ هَذِهِ الصَّدَقَةُ، وَقِيلَ هُوَ الْمُحْتَاجُ وَاَلَّذِي لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ هَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ قَالَ: وَقَالَ الْمَحْبُوبِيُّ وَبِهِ يُفْتَى وَمَشَى عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالْأُنُوثَةِ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا قَيْدِ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى وَمِثْلُ الْأُنُوثَةِ الصِّغَرُ، وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ أَنَّ الْأَبَ الْغَنِيَّ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الْكَسْبِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَهُنَا بِالْأَوْلَى حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَكْفِيهِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَرِيبِ، وَكَذَا الْأُنْثَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَاشِيَةِ الرَّمْلِيُّ.

[النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ]
(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ لِلْأَبِ مَسْكَنٌ أَوْ دَابَّةٌ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنْ تُفْرَضَ النَّفَقَةُ عَلَى الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْكَنِ فَضْلٌ نَحْوُ أَنْ يَكْفِيَهُ أَنْ يَسْكُنَ نَاحِيَةً مِنْهُ فَيُؤْمَرُ الْأَبُ بِبَيْعِ الْفَضْلِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ تُفْرَضُ نَفَقَتُهُ عَلَى ابْنِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ دَابَّةٌ نَفِيسَةٌ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ الْأَوْكَسَ وَيُنْفِقَ، ثُمَّ تُفْرَضُ عَلَى الِابْنِ وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْوَالِدَانِ وَالْمَوْلُودُونَ وَسَائِرُ الْمَحَارِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ.
لَكِنْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَدْنَى بِأَنْ يَبِيعَ الْمَنْزِلَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَيَكْتَرِيَ مَنْزِلًا أَوْ يَبِيعَ الْخَادِمَ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْزِلِ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا، وَكَذَا لَا يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ السُّكْنَى بِالْكِرَاءِ

(4/228)


يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُوسِرِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُخْتًا لَا يُؤْمَرُ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بِنْتًا أَوْ أُمًّا فِي رِوَايَةٍ تَسْتَحِقُّ وَهُوَ الصَّوَابُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ الْغَنِيَّ وَالصَّغِيرَةَ الْغَنِيَّةَ فَيُؤْمَرُ الْوَصِيُّ بِدَفْعِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِمَا الْمَحْرَمِ بِشَرْطِهِ، كَذَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَيْضًا وَقَدَّمْنَاهُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ بِاسْمِ الْوَارِثِ فَوَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهِ فَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أُمٌّ وَعَمٌّ أَوْ أُمٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَتَكُونُ عَلَيْهِمَا كَنَفَقَتِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ الْجَوَابَ هَكَذَا، وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفِطَامِ الرَّضَاعُ كُلُّهُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مُوسِرَةٌ بِاللَّبَنِ وَالْعَمُّ مُعْسِرٌ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قُدْرَةُ الْعَمِّ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ بِمَا لَهُ يَجْعَلُهُ مُوسِرًا فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَإِنْ كَانَ الْعَمُّ فَقِيرًا وَالْأُمُّ غَنِيَّةٌ فَالْكُلُّ عَلَى الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ لِأُمٍّ وَأَبٍ أَوْ أَخٌ لِأَبٍ وَعَمٍّ أَغْنِيَاءَ فَالرَّضَاعُ عَلَى الْأُمِّ وَالْأَخِ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ لَيْسَ بِوَارِثٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَتَرَجَّحُ الْأَخُ عَلَى الْعَمِّ.
وَإِذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ الزَّمِنِ ابْنٌ صَغِيرٌ مُعْسِرٌ وَلَيْسَ بِزَمِنٍ وَلِهَذَا الْمُعْسِرِ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ أَهْلَ يَسَارٍ فَنَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ مِنْ الْأُمِّ أَسْدَاسًا؛ لِأَنَّ الِابْنَ الصَّغِيرَ الْمُعْسِرَ يُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَمَا لَمْ يُجْعَلْ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ لَا تَصِيرُ الْإِخْوَةُ وَرَثَةً فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ حَالَ قِيَامِ الِابْنِ فَيُجْعَلُ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ وَيُجْعَلُ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبَيْنَ الْأَخِ لِأُمٍّ أَسْدَاسًا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الِابْنِ بِنْتٌ فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّا لَا نَحْتَاجُ أَنْ نَجْعَلَهَا كَالْمَعْدُومِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْبِنْتِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْعَمِّ وَالْأُمِّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْأَبَ الْمُعْسِرَ كَالْمَعْدُومِ، وَبَعْدَ الْأَبِ مِيرَاثُ الْوَلَدِ لِلْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً فَكَذَا نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهِمَا فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْإِخْوَةِ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَخَوَاتِ لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ لِيُمْكِنَ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَخَوَاتِ وَبَعْدَ الِابْنِ مِيرَاثُ الْأَبِ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُمُسُهُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَخُمُسُهُ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ فَرْضًا وَرَدًّا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ الْمُعْسِرَ نَجْعَلُهُ كَالْمَعْدُومِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْوَالِدِ مِيرَاثُ الْوَلَدِ لِلْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا فَالنَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا أَيْضًا.
وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ مَعَ الْبِنْتِ فَإِنَّ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ فَلَا تُجْعَلُ الْبِنْتُ كَالْمَعْدُومِ، وَلَكِنْ لَوْ مَاتَ الْأَبُ كَانَ نِصْفُ مِيرَاثِهِ لِلْبِنْتِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَنَفَقَةُ الْبِنْتِ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ الْمُحْتَاجَ جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ، وَعِنْدَ انْعِدَامِ الْوَلَدِ فَمِيرَاثُ الْبِنْتِ يَكُونُ لِلْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
وَبِالْمَنْزِلِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ) أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَتَاعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْزِلِ وَالْخَادِمِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَهَا مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ وَمَتَاعٌ وَلَا فَضْلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَهَا أَخٌ مُوسِرٌ أَوْ عَمٌّ مُوسِرٌ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُهُ عَلَيْهَا هَكَذَا قَالَ الْخَصَّافُ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُجْبَرُ وَيُقَالُ لَهَا بِيعِي دَارَك وَخَادِمَك، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ وَمَتَاعٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفِطَامِ وَالرَّضَاعِ كُلُّهُ عَلَى الْأُمِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْحَضَانَةِ كَذَلِكَ فَيَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي الرَّضَاعِ فَيَكُونُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ أَيْضًا عَلَى الْأُمِّ وَالْأَخِ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهَا كَاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّفَقَةِ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ الزَّمِنِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالزَّمِنِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَقِيرًا غَيْرَ زَمِنٍ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ الْمُوسِرَةَ تُنْفِقُ عَلَى الصِّغَارِ لِتَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا الْجَدُّ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقُدُورِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ اخْتَارُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِزَمِنٍ) الَّذِي رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ وَكَبِيرٌ زَمِنٌ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الْمُعْسِرَ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِلَا قَيْدِ زَمَانَةٍ أَمَّا الْكَبِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ بِمَعْنَى أَوْ.
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا الْمُعْسِرِ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَبُو الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْعَمِّ وَالْأُمِّ خَاصَّةً) كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا وَالْأَصْلُ عَلَى الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ

(4/229)


فَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ بِشَرْطِ الْعَجْزِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ فَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا عَلَى الْأَبِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا طَلَبَ الِابْنُ الْكَبِيرُ الْعَاجِزُ أَوْ الْأُنْثَى أَنْ يَفْرِضَ لَهُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ أَجَابَهُ الْقَاضِي وَيَدْفَعُ مَا فَرَضَ لَهُمْ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقَّهُمْ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْأَبُ لِلْوَلَدِ الْكَبِيرِ أَنَا أُطْعِمُك وَلَا أَدْفَعُ إلَيْك شَيْئًا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَفَقَةِ كُلِّ مَحْرَمٍ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ يَسَارُ الْأَبِ لِنَفَقَةِ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّغِيرِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرَطَ الْمُصَنِّفُ الْيَسَارَ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّوْجَةِ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْيَسَارِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ مَرْوِيَّةٍ الْأَصَحُّ مِنْهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ حَتَّى لَوْ اُنْتُقِصَ مِنْهُ دِرْهَمٌ لَا تَجِبُ وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا وَبِدَايَتُهُ النِّصَابُ فَيُقَدَّرُ بِهِ اهـ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ النِّصَابُ الَّذِي لَيْسَ بِنَامٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ غِنَى مُوجِبِ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا شُرِطَ غِنَى مَحْرَمٍ لِلصَّدَقَةِ فَكَذَا فِي حَقِّ إيجَابِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَشْبَهُ مِنْهَا بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمَعْنَى الصَّدَقَةِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ غِنَى مُوجِبٍ لِلزَّكَاةِ وَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ مُؤْنَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطَ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ مُوجِبٌ لِلزَّكَاةِ وَأَنَّهَا مُؤْنَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ أَوْلَى اهـ.
وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ الَّتِي قَدَّرَتْ الْيَسَارَ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَصْرِفُهُ إلَى أَقَارِبِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ، وَهَذَا أَوْجَهُ اهـ.
وَفِي التُّحْفَةِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْفَقُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَلَمْ أَرَ مَنْ أَفْتَى بِهِ مِنْ مَشَايِخِنَا فَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ الْيَسَارِ وَالْبَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ عَمٌّ وَجَدٌّ أَبُو الْأُمِّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْعَمِّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَبٌ لِأُمٍّ مُوسِرَانِ فَعَلَى الْأُمِّ وَفِيهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ الْأُمَّ أَقْرَبَ مِنْ الْعَمِّ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَبَ الْأُمِّ أَقْرَبَ مِنْ الْعَمِّ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى أَبِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ وَمَعَ هَذَا أَوْجَبَهَا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَخْ) كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَا يُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى نَفَقَةِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَكَانَ لَهُ كَفَافٌ وَفَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا وَبِدَايَةُ الْيَسَارِ لَهَا حَدٌّ وَهُوَ النِّصَابُ فَيُقَدَّرُ الْيَسَارُ بِالنِّصَابِ اهـ. كَلَامُهُ.
وَأَقُولُ: النِّصَابُ فِي كَلَامِهِ مُطْلَقٌ مُحْتَمِلٌ لِهَذَا وَلِهَذَا وَلَا يُعَيِّنُهُ لِلزَّكَاةِ قَوْلُهُ وَفَضَلَ مِنْ قُوتِهِ لِاشْتِرَاطِ النَّمَاءِ فِيهِ فَالنِّصَابُ مُطْلَقٌ فِي كَلَامِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْتُ: لَكِنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا يُعَيِّنُ نِصَابَ الزَّكَاةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ نِصَابَ الصَّدَقَةِ لَقَالَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَوْ غَيْرَ نَامٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابٌ نَامٍ فَهُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ لَا نِصَابُ حِرْمَانِهَا.
(قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ الَّتِي قَدَّرَتْ إلَخْ) وَكَذَا رَجَّحَهَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا كَانَ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ الَّتِي إلَخْ إلَى أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَالْأُخْرَى بِمَا يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَ كَسْبُهُ دِرْهَمًا وَيَكْفِيهِ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّانَقَانِ لِلْقَرِيبِ وَمُجْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَاجَةِ الْإِنْسَانِ إنْ كَانَ مُكْتَسِبًا لَا مَالَ لَهُ حَاصِلٌ اعْتَبَرَ فَضْلَ كَسْبِهِ الْيَوْمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ لَهُ مَالٌ اعْتَبَرَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَيُنْفِقُ ذَلِكَ الشَّهْرَ فَإِنْ صَارَ فَقِيرًا ارْتَفَعَتْ نَفَقَتُهُ عَنْهُ. اهـ.
فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ مَحْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ لَا أَحَدِهِمَا كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَبِمَا ذُكِرَ عَنْ الْفَتْحِ تَتِمُّ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأُمُّ مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ هِيَ وَارِثَةٌ فَاجْتَمَعَ فِيهَا الْإِرْثُ وَالْأَقْرَبِيَّةُ مَعَهُ بِخِلَافِهَا مَعَ الْعَمِّ لِوُجُودِ الْإِرْثِ فِيهِمَا فَاعْتُبِرَ أَيْ الْإِرْثُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَهِيَ عَلَى الْأُمِّ لَا عَلَى الْعَمِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ الْفَقِيرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْأُمُّ مِنْ قِسْمِ الْأُصُولِ لَا الْعَمُّ

(4/230)


الْأُمِّ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَرْعٌ أُشْكِلَ الْجَوَابُ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ وَأَبٌ لِأُمٍّ مُوسِرُونَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ عَلَى الْأُمِّ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ أَبَا الْأُمِّ لَمَّا كَانَ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْ أَبِي الْأُمِّ كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ لَكِنْ بِتَرْكِ جَوَابِ الْكِتَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ صَغِيرٌ مَاتَ أَبُوهُ وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبِ الْأَبِ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا الثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ عَلَى جَدِّ الْأَبِ اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِيهَا.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لَا عَقَارِهِ لِلنَّفَقَةِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ حَالَ حَضْرَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي دَيْنٍ لَهُ سِوَى النَّفَقَةِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَلِلْأَبِ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِنَفْسِهَا قَيَّدَ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ وَسَائِرَ الْأَقَارِبِ لَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَةَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُ الْأَبِ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نَفَقَتَهُ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِلْأَبِ بَيْعُ عَرْضِهِ لِلنَّفَقَةِ إجْمَاعًا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَهُ بَيْعُ عَقَارِهِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَإِذَا اجْتَمَعَ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ لَزِمَتْ الْأَقْرَبَ، وَلَوْ لَمْ يُدْلِ بِهِ الْآخَرُ لِقُرْبِهِ وَفِي الْفَيْضِ الْكُرْكِيِّ، وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ يُرَجَّحُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ فَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَمُّ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا وَيُجْعَلُ الْعَمُّ كَالْمَيِّتِ اهـ.
وَيَظْهَرُ مِنْ فُرُوعِهِمْ أَنَّ الْأَقْرَبِيَّةَ إنَّمَا تُقَدَّمُ إذَا لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ كُلُّهُمْ فَأَمَّا إذَا كَانُوا كَذَلِكَ فَلَا كَالْأُمِّ وَالْعَمِّ أَوْ الْجَدِّ لِقَوْلِهِمْ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْعِ الْمُشْكِلِ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَارِثٌ، وَقَدْ سَقَطَ أَبُو الْأُمِّ بِالْأُمِّ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ فَتَأَمَّلْ يَظْهَرُ لَك الْأَمْرُ أَقُولُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلِأَبَوَيْهِ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ إنَّمَا هُوَ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمِيرَاثُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ.
ثُمَّ قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ يَتِيمَةٍ لَهَا أُمٌّ وَخَالٌ وَأَوْلَادُ عَمٍّ فَأَجَبْت بِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْأُمِّ خَاصَّةً لَا عَلَى الْخَالِ وَلَا عَلَى أَوْلَادِ الْعَمِّ أَمَّا الْخَالُ فَإِنَّهُ لَا إرْثَ لَهُ مَعَ الْأُمِّ مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهَا فِي النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْعَمِّ فَإِنَّهُ يَرِثُ مَعَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كُتُبِهِمْ عَامَّةً مِنْ عَدَمِ مُشَارَكَةِ أَبِ الْأُمِّ مَعَهَا فَكَيْفَ الْخَالُ مَعَ أَنَّ أَبَ الْأُمِّ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ الْخَالِ قُدِّمَ أَبُو الْأُمِّ بِلَا شُبْهَةٍ فَعَلِمْنَا قَطْعًا بِأَنَّ الْخَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مَعَ الْأُمِّ بِالْأَوْلَى وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمِنْهَاجِ الْحَنَفِيِّ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أُمٌّ مُوسِرَةٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ وَلَا أَبَ لَهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْعَمُّ مَعَ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعَصَبَةِ سِوَاهُمَا مَعَهَا وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ ابْنُ عَمٍّ مُوسِرٌ وَخَالٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى خَالِهِ اهـ.
فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَصَبَةِ مَعَهَا لَا يُشَارِكُهَا وَالْخَالُ لَيْسَ عَصَبَةً فَلَا يُشَارِكُهَا وَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَقَدْ أُبْعِدَ عَنْ الْفَهْمِ جِدًّا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ لِمَا وَجَدْتُ مِنْ إفْتَاءِ بَعْضِ الْمُفْتِينَ بِهَذَا الْعَصْرِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الْعَمُّ وَالْخَالُ فَهِيَ عَلَى الْعَمِّ فَبِالْأَوْلَى إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأُمِّ الْخَالُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي وَجْهِ الْإِشْكَالِ، وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ انْفَرَدَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: عَلَى جَدِّ الْأَبِ) صَوَابُهُ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَهُ لِلصَّغِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا بِخِلَافِ الْأَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْجَدِّ كُلَّهَا وَهُوَ أَلْيَقُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ يُلْحِقُ الْجَدَّ بِالْأَبِ مُطْلَقًا حَتَّى قَالَ الْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. اهـ.
فَعَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ الْجَدُّ كَالْأَبِ فِيهَا اهـ.
أَقُولُ: وَعَلَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ اتِّصَالَ النَّافِلَةِ بِالْجَدِّ كَاتِّصَالِهِ بِالْأَخِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَفِي الْأَخِ وَالْأُمِّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا كَإِرْثِهِمَا فَكَذَا فِي الْجَدِّ وَالْأُمِّ.
(قَوْلُهُ: كَالْأَبِ فِيهَا) أَيْ فِي النَّفَقَةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارًا بِالْمِيرَاثِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأُمَّ وَسَائِرَ الْأَقَارِبِ لَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ اتِّفَاقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي الْأَقْضِيَةِ جَوَازُ بَيْعِ الْأَبَوَيْنِ وَهَكَذَا الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَبِتَقْدِيرِ الِاتِّفَاقِ فَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِيهَا أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ لَكِنْ لِنَفَقَتِهِمَا فَأُضِيفَ الْبَيْعُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ بَيْعِ الْأَبِ يُصْرَفُ الثَّمَنُ إلَيْهِمَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ جَوَازَ بَيْعِ الْأُمِّ بَعِيدٌ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ مُطْلَقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي لِلنَّفَقَةِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ

(4/231)


لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ مُطْلَقًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ سِوَى النَّفَقَةِ اتِّفَاقًا وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَهُ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ لِأَجْلِ دَيْنٍ آخَرَ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تُشْبِهُ سَائِرَ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا قَضَى الْقَاضِي إعَانَةً فَجَازَ بَيْعُ الْأَبِ لِعَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِلنَّفَقَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيْعِ الْعَرْضِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَيْسَ لِلْأَبِ الْبَيْعُ إجْمَاعًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِلنَّفَقَةِ وَلَمْ يَقُلْ لِنَفَقَتِهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَبِيعُ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ أُمِّ الْغَائِبِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ لَا تَمْلِكُ الْبَيْعَ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالْأُمَّ لَا تَمْلِكُ، وَلَكِنْ بَعْدَ مَا بَاعَ فَالثَّمَنُ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا فِي نَفَقَتِهِمَا اهـ.
وَاحْتَرَزَ بِالْأَبِ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْكُلِّ لَا فِي الْعُرُوضِ وَلَا فِي الْعَقَارِ وَلَا فِي النَّفَقَةِ وَلَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، يُرِيدُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مَعْلُومًا لِلْحَاكِمِ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا، وَلَكِنْ حَاجَةُ الْأَبِ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً أَوْ إنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الِابْنَ أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ وَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَا يَبِيعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْقَاضِي وَصَرَفَ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْغَائِبُ فَلِذَا لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي، وَلَكِنْ يُفَوِّضُ الْأَمْرَ إلَى الْأَبِ وَيَقُولُ لَهُ إنْ كُنْتَ صَادِقًا فِيمَا تَدَّعِي وَإِلَّا فَلَا آمُرُك بِشَيْءٍ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَتَضَرَّرُ الْغَائِبُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ) أَيْ الْمُودَعُ مَا أَنْفَقَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ لَا غَيْرُ وَالْمُودَعُ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ مَدْيُونَ الْغَائِبِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْأَبَوَانِ لَيْسَا بِقَيْدٍ، بَلْ الْإِنْفَاقُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِلَا أَمْرٍ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، وَكَذَا عَلَى الْأَوْلَادِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ بِلَا أَمْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِأَمْرِ الْغَائِبِ فَلَا إشْكَالَ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ مُلْزِمٌ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَفَقَةُ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَقَضَاؤُهُ إعَانَةٌ لَهُمْ فَحَسْبُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَعِنْدَ أَمْرِ الْقَاضِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالزَّوْجَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَفَرَضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ إلَى آخِرِهِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْمُودَعِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا وَلَمْ يُضَمِّنْهُ الْحَاكِمُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالصَّحِيحُ الضَّمَانُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَطْلَقَهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ كَمَا قَدَّمْنَا الْفَرْقَ وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالضَّمَانِ دُونَ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الضَّمَانِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَمْكَنَ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي أَوْ لَا لَكِنْ نَقَلُوا عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَمْكَنَ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ فَلَا ضَمَانَ اسْتِحْسَانًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا فِي رَجُلَيْنِ كَانَا فِي سَفَرٍ فَأُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا إذَا مَاتَ فَجَهَّزَهُ صَاحِبُهُ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ إذَا مَاتَ مَوْلَاهُ فَأَنْفَقَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ أَوْقَافٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ فَقَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَأَنْفَقَ عَلَى الْمَسْجِدِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْحُصُرِ وَالْحَشِيشِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(4/232)


وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِذَتِهِ فَبَاعَ مُحَمَّدٌ كُتُبَهُ وَأَنْفَقَ فِي تَجْهِيزِهِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ إلَى أَحَدٍ فَتَلَا مُحَمَّدٌ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] فَمَا كَانَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْأَصْلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِحْسَانًا أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَا الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ إذَا أَنْفَقُوا عَلَى الصِّغَارِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَصِيٌّ فَإِنَّهُمْ مُتَطَوِّعُونَ حُكْمًا، وَأَمَّا دِيَانَةً فَإِنَّهُمْ مُحْسِنُونَ وَيَسَعُهُمْ أَنْ يُقِرُّوا بِمَا فَضَلَ مِنْ نَصِيبِ الصِّغَارِ فَقَطْ، وَلَوْ حَلَفُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَنَظِيرُهُ إذَا عَرَفَ الْوَصِيُّ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَضَاهُ وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْقَاضِي وَلَا الْوَرَثَةُ وَلَا يَأْثَمُ.
وَكَذَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ مِثْلُهَا دَيْنٌ وَالْمُودَعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يَقْبِضْ دَيْنَهُ وَسِعَ الْمُودَعَ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ الدَّيْنَ بِمَالِهِ وَلَا يَقْرَبَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ دَيْنٌ وَعَلَى عَمْرٍو مِثْلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ لِرَجُلٍ آخَرَ فَمَاتَ عَمْرٌو وَزَيْدٌ يَعْرِفُ أَنَّ عَمْرًا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ يَسَعُ لِزَيْدٍ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ عَمْرٍو بِمَا لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ وَلَا يُخْبِرَ وَرَثَتَهُ بِذَلِكَ اهـ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَخَذَ الرَّايَةَ وَتَأَمَّرَ مِنْ غَيْرِ تَأْمِيرٍ لِأَجْلِ الْإِصْلَاحِ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ هَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ ضَمَانِهِ وَقَالُوا لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ بِالضَّمَانِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِمْ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا وَلَمْ أَرَ أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ بِلَا أَمْرٍ، ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إبْرَاءٌ لَهُ مِنْ الضَّمَانِ، وَلِقَوْلِهِمْ إنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، وَقَدْ أَخَذَا جِنْسَ الْحَقِّ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الِابْنِ، ثُمَّ خَاصَمَهُ الِابْنُ فَقَالَ أَنْفَقْتَهُ وَأَنْتَ مُوسِرٌ، وَقَالَ الْأَبُ أَنْفَقْتُهُ وَأَنَا مُعْسِرٌ قَالَ اُنْظُرْ إلَى حَالِ الْأَبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ اهـ.
وَحُكْمُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ كَالْأَبَوَيْنِ إذَا أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ الْعَاجِزِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِنْفَاقِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجَةِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى إذَا ظَفِرَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِجِنْسِ حَقِّهِمْ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَأَمَّا نَفَقَةُ سَائِرِ الْأَقَارِبِ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا حَتَّى لَوْ ظَفِرَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَقَارِبِ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ وَلِذَا يَفْرِضُ الْقَاضِي فِي مَالِ الْغَائِبِ نَفَقَةَ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالْقَرِيبِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى تَجِبَ مَعَ الْيَسَارِ، وَقَدْ حَصَلَتْ الْكِفَايَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَأْثَمُ وَمُقْتَضَى وُجُوبِهَا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا إذَا طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَامْتَنَعَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ؛ وَلِذَا لَيْسَ لِمَنْ هِيَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَصَرَّحَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاسْتَشْكَلَهُ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ جَعَلُوا الْقَاضِيَ نَفْسَهُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ هَذِهِ النَّفَقَةَ وَالْقَاضِي لَيْسَ بِمُشَرِّعٍ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْقَطَعَ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَقَالَ لِمَ قِيلَ إنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَقَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةٌ لَهُ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ كَيْفَ وَأَنَّهُمْ قَدْ اسْتَدَلُّوا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ وَلَا يُعَكَّرُ عَلَى هَذَا اخْتِلَافُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ الْأَخَ الْكَبِيرَ مَعَ الْأَخِ الصَّغِيرِ إذَا وَرِثَا مَالًا وَفِي الْبَلَدِ قَاضٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْفَقَ الْأَخُ مِنْ نَصِيبِ الْأَخِ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ يَضْمَنُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَكَتَبْت فِي آخِرِهَا كَرَاهِيَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْفَاقَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَأْوِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْإِنْفَاقُ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِ نَصِيبِ الْأَخِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَخَ فِي حِجْرِهِ وَالْمَالُ دَرَاهِمُ وَيَحْتَاجُ إلَى شِرَاءِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ النَّفَقَةُ وَالْأَخُ الْكَبِيرُ يَمْلِكُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِ وَإِلَّا فَلَا فَيَصِيرُ حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ طَعَامًا يُنْفِقُ سَوَاءٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ إنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ يَمْلِكُ شِرَاءَ الطَّعَامِ وَالنَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ لَا يَمْلِكُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

(4/233)


الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الِاخْتِلَافِيَّةَ يُعْمَلُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ وَلَا يَكُونُ الِاخْتِلَافُ مُؤَثِّرًا فِي عَدَمِ الْقَبُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ إنَّهُ يَقْضِي بِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ إعَانَةٌ لَا أَنَّ تَعْيِينَ الْقَاضِي مُثْبِتٌ لَهَا، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُوجِبُ لِفِرَارِهِمْ مِنْ هَذَا اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الطَّلَبُ وَالْخُصُومَةُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فِي نَفَقَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ فَلَا تَجِبُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الطَّلَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي لَا يَكُونُ مُوجِبًا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُدَّةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالْكَثِيرَةِ أَمَّا الْقَلِيلَةُ فَلَا تَسْقُطُ وَهِيَ مَا دُونَ الشَّهْرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَبِعَهَا الشَّارِحُونَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ لَمَا أَمْكَنَهُمْ اسْتِيفَاؤُهَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَيْفَ لَا تَصِيرُ الْقَصِيرَةُ دَيْنًا وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا لَمْ يَكُنْ بِالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَائِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا مَضَى سَقَطَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ وَمِثْلُ هَذَا قَدَّمْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي نَفَقَةِ الْوِلَادِ فَشَمِلَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَاوِي وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ نَفَقَةِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ، وَإِذَا فَرَضَ نَفَقَةَ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ فَلَمْ يَقْبِضْ سِنِينَ، ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ مَاتَ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ هَذَا صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَصِيرُ دَيْنًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْبُطْلَانِ عَلَى الْيَسَارِ أَوْ الْمَوْتِ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) يَعْنِي فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَتَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ وَالْإِنْفَاقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَلَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ إذَا أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ، وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ اهـ.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فَلَوْ أَنْفَقَ بَعْدَ الْإِذْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُوجِبُ لِفِرَارِهِمْ مِنْ هَذَا) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُوجِبَ لِفِرَارِهِمْ قُوَّةُ الِاخْتِلَافِ فَإِذَا قَوِيَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ رَاعَوْا خِلَافَهُ وَاسْتَعَانُوا بِالْحُكْمِ كَمَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِمَا اهـ.
وَفِي النَّهْرِ وَأَجَابَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَثَابِتٌ عِنْدَنَا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ يَكُونُ إيجَابًا مُبْتَدَأٌ أَيْ لِلْأَدَاءِ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ أَخْذِ شَيْءٍ ظَفِرُوا بِهِ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. اهـ.
وَقَالَ الرَّمْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ أَيْ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً قَبْلَهُ، وَقَدْ يَلْزَمُ الشَّيْءُ وَلَا يَجِبُ كَالدَّيْنِ اللَّازِمِ ذِمَّةَ الْمُعْسِرِ لَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِهِ ذِمَّتَهُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْوُجُوبِ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْقَضَاءِ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَالْأَوَّلُ يَعْمَلُ فِيمَا سَبَقَ وَفِيمَا لَحِقَ كَالْقَضَاءِ بِأَنَّ فُلَانًا مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ كَاشِفٌ وَالثَّانِي لَا يَعْمَلُ فِيمَا مَضَى وَيَعْمَلُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ كَالْقَضَاءِ بِدُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ مُضِيِّ سِنِينَ، وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ، وَلَوْ تَسَاوَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَمَا صَحَّ لَهُمْ فَرْضٌ بَيْنَهُمَا فَالْقَضَاءُ فِي الْمُخْتَلَفِ يُصَيِّرُهُ عَلَى الْوِفَاقِ، وَالْآيَةُ الشَّرِيفَةُ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا وَارِثَ الصَّبِيِّ مِمَّنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ عِصَابَةٍ أَوْ وَارِثَ الْأَبِ وَهُوَ الصَّبِيُّ أَيْ تُمَأَّنُ الْمُرْضِعَةُ مِنْ مَالِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ الْآيَةُ نَصًّا فِي الْمُدَّعِي؛ وَلِذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ حِلُّ التَّنَاوُلِ لِوُقُوعِ الشُّبْهَةِ بِالِاخْتِلَافِ وَهِيَ فِي بَابِ الْحُرْمَةِ فَنُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ خُصُوصًا فِي الْأَمْوَالِ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي تَرْتَفِعُ الشُّبْهَةُ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرٌ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ مُمَارَسَةٌ بِالْفِقْهِ تَأَمَّلْ. اهـ. وَهُوَ نَظِيرُ جَوَابِ الْمَقْدِسِيَّ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ بِالِاسْتِدَانَةِ إلَخْ) أَقُولُ: مَا يَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عَنْ الذَّخِيرَةِ يُخَالِفُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ تَأَمَّلْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَيْدَ الْمَتْرُوكَ هُوَ الِاسْتِدَانَةُ بَعْدَ الْأَمْرِ بِهَا لَا الْإِنْفَاقُ مِمَّا اسْتَدَانَ وَفِي النَّهْرِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا وَقَعَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِالْإِنْفَاقِ وَعَزَاهُ إلَى النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا أَثَرَ لِإِنْفَاقِهِ مِمَّا اسْتَدَانَهُ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ بَعْدَمَا اسْتَدَانَ مِنْ مَالٍ آخَرَ وَوَفَّى مِمَّا اسْتَدَانَهُ لَمْ تَسْقُطْ أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْجَامِعِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَحَارِمِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ إذَا اسْتَدَانَ لِنَقْضِيَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ وَأَنْفَقَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ قَائِمَةً لِقِيَامِ الدَّيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهِ إذَا أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِدَانَةِ، بَلْ أَكَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ بِالْمَسْأَلَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ

(4/234)


بِالِاسْتِدَانَةِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ أَنَّهُمْ إذَا أَكَلُوا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَلَا رُجُوعَ لِأُمِّهِمْ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ فَلَوْ أُعْطُوا نِصْفَ الْكِفَايَةِ وَاسْتَدَانَتْ الْأُمُّ لَهُمْ النِّصْفَ رَجَعَتْ بِمَا اسْتَدَانَتْ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ سُقُوطِهَا بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَنَّ دَيْنَهَا حِينَئِذٍ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ نَفَقَةً وَلِأُمِّهِمْ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ اهـ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا فَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَا إذَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلُوا مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ الْأُمُّ لِلْقَاضِي افْرِضْ نَفَقَةَ هَذَا الصَّغِيرِ عَلَى أَبِيهِ وَمُرْنِي حَتَّى أَسْتَدِينَ عَلَيْهِ فَفَعَلَهُ الْقَاضِي فَإِذَا اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ وَأَيْسَرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ لَا تَأْخُذُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مِنْ النَّاسِ لَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ بِشُرُوطِهِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
وَقِيلَ مَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَمَا فِي الْجَامِعِ إذَا قَصُرَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا يُقَالُ إذَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا فَكَيْفَ يُنَاسِبُ ذِكْرَ الِاسْتِدَانَةِ تَأَمَّلْ. اهـ.
يَعْنِي: قَوْلَهُ تُجْبَرُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُلْزِمُهَا بِأَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَى زَوْجِهَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ قُلْتُ: إذَا أُجْبِرَتْ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْإِذْنِ فَتَرْجِعُ بِهِ وَلَيْسَ فِي أَكْلِهِمْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ، بَلْ عَلَى ضِدِّهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ الْأُمُّ لِلْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ فَهِمَ مُخَالَفَتَهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا وَتَرْجِعَ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا وَأَمْرُ الْقَاضِي يَلْزَمُ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فَإِذَا فَعَلَتْ مَا أَمَرَهَا الْقَاضِي تَرْجِعُ وَإِنْ خَالَفَتْ لَا تَرْجِعُ تَأَمَّلْ أَقُولُ: وَإِذَا أَمَرَهَا الْأَبُ بِأَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ وَتَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ جَازَ فَإِذَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِ تَرْجِعُ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي، وَهَذَا ظَاهِرٌ قُلْتُهُ تَفَقُّهًا وَيُعْلَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الصَّحِيحَ الرُّجُوعُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الرُّجُوعُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ رَجَعَ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ قَالَ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا لِلصَّغِيرِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَفْرِضُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ وَاجِدًا لِلنَّفَقَةِ فَامْتَنَعَ عَنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُ يَفْرِضُ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَبِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الْمَرْأَةَ بِالِاسْتِدَانَةِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهَا حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَبِ.
وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا هَذِهِ النَّفَقَةَ هَلْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ إنْ تَرَكَ مَالًا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اسْتِدَانَةَ الْمَرْأَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ كَذَا هُنَا. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدْ عَزَاهَا صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ لِلْحَاوِي، وَكَذَلِكَ عَزَاهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِلْحَاوِي وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ تَصْحِيحَ الْخَصَّافِ لَا يُصَادِمُ تَصْحِيحَ الْأَصْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ اهـ
أَيْ: تَصْحِيحُ الْأَصْلِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْمُعْتَمَدُ الرُّجُوعُ فِي تَرِكَتِهِ وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ الْمُسْتَدَانَةُ بِإِذْنٍ لَمْ تَسْقُطْ فِي الصَّحِيحِ فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ) أَقُولُ: هَذَا سَهْوٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْشَأَهُ سَقَطُ بَعْضِ الْكَلَامِ مِنْ نُسْخَتِهِ الْبَدَائِعِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَمَا يُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا الْأَبُ فَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُحْبَسُ فِي سَائِرِ دُيُونِهِ؛ لِأَنَّ إيذَاءَ الْأَبِ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْحَبْسِ إيذَاؤُهُ إلَّا أَنَّ فِي النَّفَقَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ الْوَلَدِ إذْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ لَهَلَكَ فَكَانَ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَالْقَاصِدِ إهْلَاكَهُ فَدُفِعَ قَصْدُهُ بِالْحَبْسِ وَيَتَحَمَّلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْإِيذَاءِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ
؛ وَلِأَنَّ هَا هُنَا ضَرُورَةً أُخْرَى وَهِيَ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ أَعْنِي النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ
؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ يَفُوتُ حَقُّهُمْ رَأْسًا فَشُرِعَ الْحَبْسُ فِي حَقِّهِ لِضَرُورَةِ اسْتِدْرَاكِ الْحَقِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَوَاتِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّدَارُكِ بِالْحَبْسِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْقَسَمِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ اهـ. كَلَامُ الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي

(4/235)


مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ وَلِمَمْلُوكِهِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ عَلَى سَيِّدِهِ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَطْعِمُوهُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ مَمْلُوكِهِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ احْتِجَاجًا بِمَا رَوَيْنَا وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ احْتِجَاجًا بِمَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْمَوَالِي أَنْ يُفَضِّلُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى عَبِيدِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ» وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ذُكِرَ بِلَفْظِ مِنْ وَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ فَإِذَا أَطْعَمَهُمْ الْمَوَالِي مِنْ بَعْضِ مَا يَأْكُلُونَ أَوْ كَسَوْهُمْ مِنْ بَعْض مَا يَلْبَسُونَ يَحْصُلُ الْغَرَضُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّسْوِيَةَ فِي الْأَكْلِ وَالْكِسْوَةِ لَقَالَ مِثْلَ مَا تَأْكُلُونَ وَمِثْلَ مَا تَلْبَسُونَ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ جِنْسِ مَا تَأْكُلُونَ وَتَلْبَسُونَ لَا مِثْلَهُ فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقَ كَفَى بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ مِثْلَهُمْ إلَّا الْأَفْرَادَ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ مَنْ كَانَتْ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةً لِشَخْصٍ سَوَاءٌ كَانَتْ رَقَبَتُهُ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لَا فَدَخَلَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ فَإِنْ مَرِضَ فِي يَدِ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ إنْ كَانَ مَرَضًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ تَطَاوَلَ الْمَرَضُ وَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ عَبْدًا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فِي الْخِدْمَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْخِدْمَةَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْخِدْمَةَ، ثُمَّ عَلَى الْمَخْدُومِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنَافِعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُودِعِ، وَأَمَّا عَبْدُ الْعَارِيَّةِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَأَمَّا كِسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ وَمِثْلُهُ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ وَسُكْنَاهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِنْ انْهَدَمَتْ فَقَالَ صَاحِبُ السُّكْنَى أَنَا أَبْنِيهَا وَأَسْكُنُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ كَتَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ فَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ الْبِنَاءِ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ عَنْهُ حَتَّى يُعْطِيَ مَا غَرِمَ فِيهِ وَلَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا وَأَطْلَقَ فِي الْمَمْلُوكِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ مَوْجُودٌ حَاضِرٌ أَوْ لَا وَشَمِلَ الْأَمَةَ الْمُتَزَوِّجَةَ حَيْثُ لَمْ يُبَوِّئْهَا مَنْزِلًا لِلزَّوْجِ وَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الصَّحِيحَ وَالْمَرِيضَ وَالزَّمِنَ وَالْأَعْمَى.
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْآبِقُ إذَا أَخَذَهُ رَجُلٌ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ إنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ كَتَطَوُّعٍ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَسَأَلَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ نَظَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَإِمْسَاكِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَجَدَ بِهِ ضَالَّةً فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْغَاصِبِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْعَبْدِ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ الْقَاضِي وَيَبِيعُهُ وَيُمْسِكُ الثَّمَنَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْوَدِيعَةُ إذَا غَابَ صَاحِبُهُ فَجَاءَ الْمُودَعُ إلَى الْقَاضِي وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فِي بَابِ الْحَبْسِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُحْبَسُ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْبَدَائِعِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: قُلْتُ: يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْكَنْزِ لَا يُحْبَسُ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ إلَّا إذَا أَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُجْبَرُ بِضَرْبٍ إلَّا إذَا أَبَى فَيُضْرَبُ.

[النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ]
(قَوْلُهُ: وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُودِعِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُودِعَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ بِقَرِينَةِ مَا سَيَذْكُرُهُ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَبْدُ الْوَدِيعَةُ إذَا غَابَ صَاحِبُهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي النَّهْرِ وَنَقَلُوا فِي أَخْذِ الْآبِقِ إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَمْرَهُ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فَيُقَالُ إنَّ أَمْرَهُ بِالْإِجَارَةِ أَصْلَحُ كَالْمُودِعِ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرُوهُ؟ اهـ.
أَقُولُ: الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ حَيْثُ تَحَقَّقَتْ الْأَصْلَحِيَّةُ لَكِنَّ الْآبِقَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْإِبَاقُ ثَانِيًا فَالْغَالِبُ انْتِفَاءُ أَصْلَحِيَّةِ إجَارَتِهِ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمُودِعِ فَلِذَا سَكَتُوا عَنْ ذِكْرِهِ وَإِلَّا لَا

(4/236)


وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِهِ وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبِيعَهُ فَعَلَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَهُ عِنْدَ الشَّرِيكِ فَرَفَعَ الشَّرِيكُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ وَإِنْ قَبِلَ يَأْمُرُهُ بِالنَّفَقَةِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْكُلُّ مِنْ الْخَانِيَّةِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ الشَّرِيكُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْعَبْدِ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، وَكَذَا النَّخْلُ وَالزَّرْعُ، وَكَذَا الْمُودَعُ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ، وَكَذَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا اُشْتُرِيَتْ فَأَنْفَقَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَفِي الْقُنْيَةِ وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ رُقِمَ بِرَقْمٍ آخَرَ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْبَائِعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَأْذَنُ لَهُ فِي بَيْعِهِ أَوْ إجَارَتِهِ، ثُمَّ رُقِمَ بِأَنَّ نَفَقَةَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ عَلَى الْبَائِعِ، وَقِيلَ يُسْتَدَانُ فَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ الْمِلْكُ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ اهـ.
وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْبَيْعِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ لَا رَقَبَةَ وَلَا مَنْفَعَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمِلْكِ كَالْمَرْهُونِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا الْمَمْلُوكَ ظَاهِرًا فَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِحُرِّيَّةِ أَمَتِهِ فَوَضَعَهَا الْقَاضِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ لِأَجْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الشُّهُودِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ ادَّعَتْ الْأَمَةُ الْحُرِّيَّةَ أَوْ جَحَدَتْ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَوْلَاهُ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَوْلَى بِمَا أَنْفَقَهُ سَوَاءٌ زُكِّيَتْ الشُّهُودُ أَوْ لَا إلَّا إذَا أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ أَكَلَتْ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَمَرَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ وَيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى فَفِي كَسْبِهِ وَإِلَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ) أَيْ إنْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا حَتَّى يَبْقَى الْمَمْلُوكُ فِيهِ حَيًّا وَيَبْقَى فِيهِ مِلْكُ الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤْجَرُ مِثْلُهَا أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِمَا وَإِيفَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخَلَفِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ إبْطَالًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ يَبِيعُ الْقَاضِي إذَا رَأَى ذَلِكَ إلَّا الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُمَا اهـ.
فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى وَعُلِمَ مِمَّا فِي الْغَايَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ مَعْنَاهُ بَيْعُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ الْبَيْعَ عَلَى الْحُرِّ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ الْبَيْعِ عَلَى الْحُرِّ، وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ إذَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ الْبَيْعُ اهـ.
وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَمَرَ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَقُلْ بَاعَهُ الْقَاضِي قَيَّدَ بِالْمَمْلُوكِ أَيْ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ مِنْ أَمْلَاكِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حَيَوَانًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّهُ يُفْتَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَفِيهِ إضَاعَتُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَرَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةٍ فَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلَا بِدْعَ فِيهِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ اهـ.
وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانَاتِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ لَا يُفْتِي بِهِ أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَضْيِيعُ الْمَالِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فَإِنْ كَانَتْ دَابَّةٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبِرْهُ لَتَضَرَّرَ الشَّرِيكُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ تَعَيَّنَتْ الْأَصْلَحِيَّةُ حَتَّى فِي الْمُودَعِ لَوْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ أُمِرَ بِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ الْأَصْلَحِيَّةِ تَأَمَّلْ.

(4/237)


تُنْفِقَ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الشَّرِيكِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ أَوْصَى بِنَخْلٍ لِوَاحِدٍ وَبِثَمَرَةٍ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ وَفِي التِّبْنِ وَالْحِنْطَةِ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَإِلَّا يَلْزَمُ ضَرَرُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فِي السِّمْسِمِ إذَا أَوْصَى بِدُهْنِهِ لِوَاحِدٍ وَبِثَجِيرِهِ لِآخَرَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الدُّهْنُ لِعَدِّهِ عَدَمًا وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَاعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ فِي دِيَارِنَا؛ لِأَنَّ الثَّجِيرَ يُبَاعُ لِعَلْفِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا أَقُولُ: فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ذَبَحَ شَاةً فَأَوْصَى بِلَحْمِهَا لِوَاحِدٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْحَاصِلِ لَهُمَا وَقَبْلَ الذَّبْحِ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدِ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى الْعَبْدُ إذَا أَقْتَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ فِي نَفَقَتِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ لَكِنْ يَكْتَسِبُ وَيَأْكُلُ إلَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْكَسْبِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فِي أَيْدِيهِمَا يُجْبَرَانِ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْآجِرِ، وَإِذَا شَرَطَ الْعَلْفَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمَنَافِعِ تَعُودُ إلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَمَنْ رَكِبَ فَرَسًا حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ أَوْ بَدَلُهَا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ لَا اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجُوزُ وَضْعُ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ اهـ.
وَقَيَّدْنَا الَّذِي لَا كَسْبَ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ زَمِنًا إلَى آخِرِهِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَلًا إذَا كَانَ صَحِيحًا غَيْرَ عَارِفٍ بِصِنَاعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَحَمْلِ شَيْءٍ وَتَحْوِيلِ شَيْءٍ كَمُعِينِ الْبَنَّاءِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي فِي نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُبُوتُهُ هُنَا أَوْلَى، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْ الْمَوْلَى وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(كِتَابُ الْعِتْقِ)
ذَكَرَهُ عَقِيبَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إسْقَاطُ الْحَقِّ وَقَدَّمَ الطَّلَاقَ لِمُنَاسَبَةِ النِّكَاحِ، ثُمَّ الْإِسْقَاطَاتُ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ أَسْمَاؤُهَا بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الرِّقِّ عِتْقٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ طَلَاقٌ وَإِسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ بَرَاءَةٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ عَفْوٌ، وَالْإِعْتَاقُ فِي اللُّغَةِ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ يُقَالُ أَعْتَقَهُ فَعَتَقَ وَالْعِتْقُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ يُقَالُ مِنْ بَابِ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يُفْعِلُ بِالْكَسْرِ عَتَقَ الْعَبْدُ عَتَاقًا إذَا خَرَجَ عَنْ الْمِلْكِ وَعَتَقَتْ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَتْ وَنَجَتْ وَعَتَقَ فَرْخُ الْقَطَاةِ إذَا طَارَ وَيُقَالُ عَتَقَ فُلَانٌ بَعْدَ اسْتِعْلَاجٍ إذَا رَقَّتْ بَشَرَتُهُ بَعْدَ غِلَظٍ، وَمَصْدَرُهُ الْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ وَلَيْسَ مِنْهُ الْعَتَاقَةُ بِمَعْنَى الْقِدَمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يَفْعُلُ بِالضَّمِّ وَلَيْسَ مِنْهُ الْعِتْقُ بِمَعْنَى الْجَمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا وَهُوَ مَضْمُومُ الْعَيْنِ أَيْضًا كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، فَالْعِتْقُ اللُّغَوِيُّ حِينَئِذٍ هُوَ الْعِتْقُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْعِتْقَ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ وَفِي الشَّرْعِ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا قَوِيَ وَإِنَّمَا قَالُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا خَرَجَ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْقُوَّةَ فِي عِتْقِ الطَّيْرِ وَنَحْوِهِ وَرُكْنُهُ فِي الْإِعْتَاقِ اللَّفْظِيِّ الْإِنْشَائِيِّ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ وَفِي الْبَدَائِعِ رُكْنُهُ اللَّفْظُ الَّذِي جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى الْعِتْقِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ. اهـ.
وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِبَيَانِ سَبَبِهِ قَالُوا سَبَبُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ]
(قَوْلُهُ: وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْمُجْتَبَى ذَكَرَهُ بِرَمْزِ حب بَعْدَ رَمْزِهِ لِلْأَوَّلِ إنَّ، تَأَمَّلْ.