البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي

[كِتَابُ الْإِبَاقِ]

(5/171)


مِنْ اللُّقَطَةِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ عَقِيبَ الْجِهَادِ، وَأَمَّا التَّلَفُ فِي الْآبِقِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ لِلْمَوْلَى لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى مَوْلَاهُ لَا يَمُوتُ بِخِلَافِ اللَّقِيطِ فَإِنَّهُ لِصِغَرِهِ إنْ لَمْ يُرْفَعْ يَمُوتُ، فَالْأَنْسَبُ تَرْتِيبُ الْمَشَايِخِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَذَا تَعْبِيرُهُمْ بِالْكِتَابِ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنْسَبُ مِنْ الْبَابِ لِمَا أَنَّ مَسَائِلَ كُلٍّ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ لَمْ تَدْخُلْ فِي شَيْءٍ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَفِي الْقَامُوسِ أَبَقَ الْعَبْدُ كَسَمِعَ وَضَرَبَ وَمَنَعَ أَبْقًا وَيُحَرَّكُ وَإِبَاقًا كَكِتَابٍ ذَهَبَ بِلَا خَوْفٍ وَلَا كَدِّ عَمَلٍ أَوْ اسْتَخْفَى، ثُمَّ ذَهَبَ فَهُوَ آبِقٌ وَأَبُوقٌ، وَجَمْعُهُ كَكُفَّارٍ وَرُكَّعٍ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ.
وَلَمَّا كَانَ الْهَرَبُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَصْدِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى زِيَادَتِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا الضَّالُّ فَلَيْسَ فِيهِ قَصْدُ التَّغَيُّبِ، بَلْ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَوْلَاهُ لِجَهْلِهِ بِالطَّرِيقِ إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
قَوْلُهُ (: أَخْذُهُ أَحَبُّ إنْ يَقْوَ عَلَيْهِ) أَيْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الرَّدُّ إحْيَاءً لَهُ قَيَّدَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ فَلَا اسْتِحْبَابَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا خَافَ هَلَاكَهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ حُكْمَ أَخْذِهِ حُكْمُ أَخْذِ اللُّقَطَةِ فَعَلَى هَذَا يُفْتَرَضُ أَخْذُهُ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ وَيُنْدَبُ إنْ لَمْ يَخَفْ وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِهِ بَعْدَ أَخْذِهِ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنْ شَاءَ الْآخِذُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهُ وَإِنْ شَاءَ ذَهَبَ بِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَبَرْهَنَ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَاسْتَوْثَقَ بِكَفِيلٍ إنْ شَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَدَّعِيَهُ آخَرُ، وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ لِمُدَّعِيهِ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ لِصَاحِبِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بَعْدَهُ وَبَرْهَنَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَلَوْ زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ دَبَّرَهُ وَكَاتَبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ. اهـ.
وَسَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَتِهِ آخِرًا. وَيَسْتَحْلِفُ الْقَاضِي مُدَّعِيَهُ مَعَ الْبُرْهَانِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ بَاقٍ إلَى الْآنِ فِي مِلْكِك لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَنْبَغِي لِلرَّادِّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَخَيَّرَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَإِذَا جَاءَ بِهِ إلَى الْقَاضِي هَلْ يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بِلَا بَيِّنَةٍ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي نَصْبِ الْقَاضِي خَصْمًا لِمُدَّعِيهِ حَتَّى تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْ مُدَّعِيهِ بَعْدَ الْبُرْهَانِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الضَّالِّ، وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ وَذَهَبَ بِمَالِ الْمَوْلَى فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ، وَقَالَ لَمْ أَجِدْ مَعَهُ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ وُصُولُ يَدِهِ إلَى الْعَبْدِ دَلِيلًا عَلَى وُصُولِ يَدِهِ إلَى الْمَالِيَّةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ رَدَّهُ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) جُعْلًا لَهُ اسْتِحْسَانًا يَسْتَحِقُّهَا عَلَى مَوْلَاهُ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتَّفَقُوا عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ الْجُعْلِ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ دُونَهُ فَأَوْجَبَ الْأَرْبَعِينَ فِي مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فِيمَا دُونَهُ تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا فَلَوْ جَاءَ بِالْآبِقِ رَجُلٌ فَأَنْكَرَ مَوْلَاهُ إبَاقَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ فَإِنْ بَرْهَنَ أَنَّهُ أَبَقَ أَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ قُبِلَتْ.
كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَيَّدَ بِالْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُعْلَ لِرَادِّ الضَّالِّ؛ لِأَنَّهُ بِالسَّمْعِ وَلَا سَمْعَ فِي الضَّالِّ فَامْتَنَعَ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صِيَانَةِ الضَّالِّ دُونَهَا فِي الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَارَى وَالْآبِقُ يَخْتَفِي، وَهَذَا مِمَّا فَارَقَ فِيهِ الْآبِقُ فِيهِ، وَكَذَا فِي حَبْسِهِ فَإِنَّ الْآبِقَ إذَا رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ يَحْبِسُهُ وَلَا يَحْبِسُ الضَّالَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْآبِقِ مِنْ الْإِبَاقِ ثَانِيًا بِخِلَافِ الضَّالِّ، وَكَذَا لَا يَأْخُذُهُ الْوَاجِدُ، بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهِ فَيَجِدُهُ الْمَالِكُ بِخِلَافِ الْآبِقِ، وَكَذَا لَا جُعْلَ لِرَادِّ الصَّبِيِّ الْحُرِّ.
أَطْلَقَ الرَّادَّ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْأَرْبَعِينَ إذَا رَدَّاهُ لِمَوْلَاهُ كَمَا فِي الْحَاوِي وَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّهُ مَحْرَمُهُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا رَدَّهُ مَنْ فِي عِيَالِ سَيِّدِهِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا جُعْلَ لَهُ، وَكَذَا يَرِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا يُفْتَرَضُ أَخْذُهُ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدَّمَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ أَخْذَ اللُّقَطَةِ مَعَ خَوْفِ الضَّيَاعِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَرْضِيَّةِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ حُكْمَ أَخْذِهِ حُكْمُ أَخْذِ اللُّقَطَةِ أَنَّهُ يَكُونُ فَرْضًا فَسُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنْ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ نَعَمْ فِي الْفَتْحِ يُمْكِنُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُهُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَخْذُهُ وَإِلَّا فَلَا.

(5/172)


عَلَيْهِ مَا إذَا رَدَّهُ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لَا جُعْلَ لَهُ، وَكَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ رَدَّهُ الِابْنُ إلَى أَبِيهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ، وَكَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ رَدَّهُ الْوَصِيُّ إلَى الْيَتِيمِ، وَكَذَا مَنْ يَعُولُ الْيَتِيمَ إذَا رَدَّ آبِقَهُ وَلَيْسَ بِوَصِيٍّ، وَكَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مَالِكُهُ قَدْ اسْتَعَاذَ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنَّ عَبْدِي قَدْ أَبَقَ فَإِذَا وَجَدْته فَخُذْهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَشَرَطَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنْ يَقُولَ لَهُ نَعَمْ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ لَهُ الْإِعَانَةَ، وَكَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ رَدَّهُ السُّلْطَانُ أَوْ الشِّحْنَةُ أَوْ الْخَفِيرُ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ عَلَيْهِمْ فَالْوَارِدُ إحْدَى عَشْرَةَ فَلَوْ قَالَ إذَا كَانَ الرَّادُّ يَحْفَظُ مَالَ السَّيِّدِ أَوْ يَخْدُمُهُ أَوْ اسْتَعَانَ بِهِ لَسَلِمَ مِنْ الْإِيرَادِ كَمَا لَا يَخْفَى وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الرَّادُّ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ بِالْعَمَلِ.
وَكَذَا الْعَبْدُ إلَّا أَنَّ الْجُعْلَ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلْكِ الْمَالِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَخَذَ آبِقًا مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْجُعْلَ جَازَ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْبَابِ لَوْ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا فَاغْتَصَبَهُ مِنْهُ رَجُلٌ وَجَاءَ بِهِ لِمَوْلَاهُ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَخَذَ جُعْلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أَخَذَهُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَوْلَاهُ الْجُعْلَ ثَانِيًا وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي السَّيِّدِ فَشَمِلَ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ فَيُجْعَلُ الْجُعْلُ فِي مَالِهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَالْجُعْلُ عَلَى قَدْرِ النَّصِيبِ فَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ حَتَّى يُعْطِيَ تَمَامَ الْجُعْلِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِ الْغَائِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْدُودِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ كَالْكَبِيرِ، ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا أَبَقَتْ الْأَمَةُ وَلَهَا صَبِيٌّ رَضِيعٌ فَرَدَّهُمَا رَجُلٌ كَانَ لَهُ جُعْلٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ ابْنُهَا غُلَامًا قَدْ قَارَبَ الْحُلُمَ فَلَهُ الْجُعْلُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا. اهـ.
قَيَّدَ وَلَدَ الْآبِقَةِ بِالْمُرَاهِقِ وَلَمْ يُقَيِّدْ أَوَّلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّغِيرَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا وَإِلَّا فَهُوَ شَرْطٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْعَقْلِ، قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ فِي الصَّغِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِبَاقَ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ فَهُوَ ضَالٌّ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ الْجُعْلَ. اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْجُعْلُ بِالضَّمِّ الْأَجْرُ يُقَالُ جَعَلْت لَهُ جُعْلَك وَالْجِعَالَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِي التَّثْلِيثَ وَالْجَعِيلَةُ مِثْلُ الْكَرِيمَةِ لُغَاتٌ فِي الْجُعْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَرْدُودِ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَالْوَاجِبُ الْأَرْبَعُونَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِهَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلِذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ حَطَّ مِنْهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْضِي بِقِيمَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إحْيَاءُ مَالِ الْمَالِكِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ شَيْءٌ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْهِدَايَةِ فِيهِ قَوْلًا لِلْإِمَامِ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ والإسبيجابي مَعَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ وَلِذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي الْجُعْلِ.

[رَدَّ الْآبِقَ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ]
(قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَبِحِسَابِهِ) إلَخْ أَيْ لَوْ رَدَّ الْآبِقَ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُقْسَمُ الْأَرْبَعُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا رَدَّهُ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لَا جُعْلَ لَهُ) تَبِعَهُ فِي هَذَا تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ فِي مِنَحِهِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْعِنَايَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالنَّهْرِ أَنَّ الْأَبَ كَبَقِيَّةِ الْمَحَارِمِ إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ لَا جُعْلَ لَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الْجُعْلُ، وَعِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ وَالْجُمْلَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرَّادَّ إذَا كَانَ فِي عِيَالِ مَالِكِ الْعَبْدِ أَيْ فِي مُؤْنَتِهِ وَنَفَقَتِهِ لَا جُعْلَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّادُّ أَبًا لِلْمَالِكِ أَوْ ابْنًا لَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَعَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الرَّادُّ ابْنَ الْمَالِكِ فَلَا جُعْلَ لَهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَبَاهُ فَلَهُ الْجُعْلُ إلَيْهِ، أَشَارَ فِي الذَّخِيرَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ جَوَابُ الْقِيَاسِ أَنَّ الرَّادَّ ذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ إذَا وَجَدَ الِابْنُ عَبْدَ أَبِيهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ رَدَّهُ عَلَى أَبِيهِ مِنْ جُمْلَةِ خِدْمَتِهِ، وَخِدْمَةُ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الِابْنِ أَمَّا لَوْ كَانَ الرَّادُّ أَبًا فَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ ابْنُهُ لَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ آبِقَ الرَّجُلِ إنَّمَا يَطْلُبُهُ مَنْ فِي عِيَالِهِ عَادَةً وَلِهَذَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَسْتَوْجِبُ مَعَ جُعْلِ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الِابْنِ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَى الْأَبِ. اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا نَصُّهُ، وَإِذَا كَانَ الرَّادُّ مِمَّنْ فِي عِيَالِ مَالِكِ الْغُلَامِ لَا جُعْلَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ إلَّا الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ اهـ.
فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنْ يَقُولَ لَهُ نَعَمْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ التَّبَرُّعُ بِالْعَمَلِ حَيْثُ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ جُعْلًا. (قَوْلُهُ فَالْوَارِدُ إحْدَى عَشْرَةَ) أَيْ بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا صُورَتَيْنِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ أَمَّا عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَهُمَا دَاخِلَانِ فِيمَنْ كَانَ فِي عِيَالِ الْمَوْلَى، وَزَادَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ نَقْلًا عَنْ النَّتْفِ الشَّرِيكَ وَيُصَوَّرُ فِي الْوَارِثِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ

(5/173)


عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ إذْ هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ كَالثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مَا نَقَصَ عَنْهَا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَضْعِيفُ مَا فِي الْكِتَابِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الرَّضْخُ لَهُ بِاصْطِلَاحِهِمَا أَوْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَفِي الْيَنَابِيعِ الْعَرْضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالِاعْتِبَارِ وَفِي الْإِبَانَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلَانِ أَتَيَا بِهِ فَبَرْهَنَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ فَعَلَى الْمَوْلَى جُعْلٌ تَامٌّ وَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ جُعْلُ يَوْمٍ خَاصَّةً وَيَكُونُ جُعْلُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِالْكُوفَةِ وَأَقَامَ آخَرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ فِي طَرِيقِ الْبَصْرَةِ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ فَعَلَى الْمَوْلَى جُعْلٌ تَامٌّ وَيَكُونُ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِالْكُوفَةِ ثُلُثُ الْجُعْلِ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ اهـ.
وَفِي الْقَامُوسِ رَضَخَ لَهُ كَمَنَعَ وَضَرَبَ أَعْطَاهُ عَطَاءً غَيْرَ كَثِيرٍ اهـ.
أَطْلَقَ فِي الْأَقَلِّ فَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّهُ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ كَمَا لَوْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمِصْرِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة

قَوْلُهُ (: وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ) لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ مِلْكِهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ الرَّدُّ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْتِقَانِ بِمَوْتِهِ وَلَا شَيْءَ فِي رَدِّ الْحُرِّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا فِي الْمُدَبَّرِ الَّذِي لَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى مَالٌ سِوَاهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ فَكَذَلِكَ لَا جُعْلَ لِلرَّادِّ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ عِنْدَهُمَا مُسْتَسْعًى عِنْدَهُ وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ وَلَا جُعْلَ لِرَادِّ الْمُكَاتَبِ وَلِذَا قَيَّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ إحْيَاءُ مَالِ الْمَوْلَى، وَلَوْ رَدَّ الْقِنَّ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ وَجَبَ الْجُعْلُ إنْ كَانَ الرَّادُّ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ كَانَ وَارِثًا يُنْظَرُ فَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَقَعُ فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ أَخَذَهُ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ مَاتَ اسْتَحَقَّهُ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالرَّادُّ أَحَقُّ بِالْعَبْدِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يُعْطَى الْجُعْلُ فَيُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الدُّيُونِ وَيُعْطَى مِنْ ثَمَنِهِ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُرَمَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْآبِقُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَالْجُعْلُ عَلَى مَوْلَاهُ فَإِنْ امْتَنَعَ بِيعَ فِي الْجُعْلِ وَمَا فَضَلَ يُصْرَفُ لِلْغُرَمَاءِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة

قَوْلُهُ (: وَإِنْ أَبَقَ مِنْ الرَّادِّ لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ يَذْكُرْ سُقُوطَ الْجُعْلِ قَالُوا وَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ الْمَالِكِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْآبِقَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْجُعْلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ فِي يَدِهِ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى كَمَا لَقِيَهُ صَارَ قَابِضًا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الرَّادِّ لِسَلَامَةِ الْبَدَلِ لَهُ. وَالرَّدُّ وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ لَكِنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَجَازَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَوْلُهُ كَمَا لَقِيَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَمَا سَارَ بِهِ الرَّادُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ لِيَرُدَّهُ، ثُمَّ أَبَقَ بَعْدَهُ فَإِنَّ الْجُعْلَ لَا يَسْقُطُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَارَ بِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى دَبَّرَهُ، ثُمَّ هَرَبَ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَزُلْ الرِّقُّ وَسَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الرَّدُّ إلَى الْمَوْلَى فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَلَمْ يَرُدَّهُ. اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا رَدَّهُ آخَرُ بَعْدَمَا أَبَقَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَوَّلَ إذَا أَدْخَلَهُ الْمِصْرَ فَهَرَبَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ آخَرُ وَرَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَلَا جُعْلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ وَرَدَّهُ الثَّانِي مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَهُ الْجُعْلُ، وَلَوْ أَخَذَ الْآبِقَ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَسَارَ بِهِ يَوْمًا، ثُمَّ أَبَقَ مِنْهُ مُتَوَجِّهًا إلَى بَلَدِ مَوْلَاهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَوْلَاهُ فَإِنْ أَخَذَهُ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ ثَانِيًا فَسَارَ بِهِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَرَدَّهُ فَلَهُ ثُلُثَا الْجُعْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
عِنْدَ قَوْلِهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ وَارِثًا يُنْظَرُ إلَخْ) فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ هُوَ وَارِثُ الْمَيِّتِ وَقَدْ أَخَذَهُ وَسَارَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَلَيْسَ الْوَارِثُ مِنْ عِيَالِهِ، قَالَ لَهُ الْجُعْلُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى لِلْوَارِثِ جُعْلًا إذَا جَاءَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ فِي حَيَاتِهِ اهـ.

(5/174)


جُعْلُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَإِنْ أَخَذَهُ مَوْلَاهُ أَوْ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَى مَوْلَاهُ فَلَا جُعْلَ لِلْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَى مَوْلَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لَمْ يَأْبَقْ مِنْ الْآخِذِ وَلَكِنْ فَارَقَهُ وَجَاءَ إلَى مَوْلَاهُ مُتَوَجِّهًا لَا يُرِيدُ الْإِبَاقَ فَلِلْآخِذِ جُعْلُ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَرَّدْ مِنْ الْآخِذِ، بَلْ مُنْقَادٌ لَهُ فَلَمْ تَنْقَطِعْ يَدُهُ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ، وَلَوْ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَسَارَ بِهِ يَوْمًا، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى آخَرَ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ وَأَمَرَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَوْلَاهُ فَدَفَعَهُ أَوْ سَارَ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ فَلِلْآخِذِ جُعْلُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَيُشْهِدُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ) أَيْ يُشْهِدُ الْآخِذُ لِلْآبِقِ، وَلَوْ قَالَ أَنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَكُونَ شَرْطًا لِعَدَمِ ضَمَانِهِ بِإِبَاقِهِ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّ الْإِشْهَادَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ آخِذِهِ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللُّقَطَةِ لَكِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِهِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ رَدَّهُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا جُعْلَ لَهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْإِشْهَادَ أَمَارَةٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْآخِذِ أَوْ اتَّهَبَهُ أَوْ وَرِثَهُ فَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِيَرُدَّهُ فَيَكُونُ لَهُ الْجُعْلُ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَانْتَفَى الضَّمَانُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَإِبَاقِهِ وَإِلَّا لَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ شَرْطًا لَهُمَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ فَلَا اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي اللُّقَطَةِ وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ، ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

[الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ لَوْ أَبَقَ]
(قَوْلُهُ وَجُعْلُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ أَحْيَا مَالِيَّتَهُ بِالرَّدِّ وَهِيَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا وَالْجُعْلُ فِي مُقَابَلَةِ إحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّ الرَّدَّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِهِ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَلَيْسَ الْكُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَدْرِ الْمَضْمُونِ فَصَارَ كَثَمَنِ الدَّوَاءِ وَتَخْلِيصِهِ مِنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ وَأَشَارَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الَّذِي لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلرَّقَبَةِ لِكَوْنِ الْمَنْفَعَةِ عَائِدَةً إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا أَبَقَ فَالْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِذَا انْقَضَتْ الْخِدْمَةُ رَجَعَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ أَوْ بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ وَإِلَى أَنَّ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ لَوْ أَبَقَ فَأَدَاءُ الْجُعْلِ عَلَى مَنْ يَقَعُ الرَّدُّ لَهُ وَهُوَ مَنْ يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لَهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى قَضَاءَ دَيْنِهِ كَانَ الْجُعْلُ عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَارَ بَيْعَهُ كَانَ الْجُعْلُ فِي الثَّمَنِ يُبْتَدَأُ بِهِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَى أَنَّ الْآبِقَ لَوْ كَانَ جَنَى خَطَأً لَا فِي يَدِ الْآخِذِ فَإِنَّهُ عَلَى مَنْ سَيَصِيرُ لَهُ إنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى فِدَاءَهُ فَهُوَ عَلَيْهِ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَيْهِ وَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ فَعَلَيْهِمْ لِعَوْدِهَا إلَيْهِمْ فَلَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْجُعْلَ وَأَخَذَهُ، ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِالْجُعْلِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ جُعْلَهُ الَّذِي دَفَعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَتَلَ عَمْدًا، ثُمَّ رَدَّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْجِنَايَةِ لَمْ تَكُنْ وَهِيَ فِي يَدِهِ إذْ لَوْ جَنَى الْآبِقُ فِي يَدِ الْآخِذِ فَلَا جُعْلَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْ جَنَى إبَاقَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَإِنْ قُتِلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ دُفِعَ إلَى الْوَلِيِّ فَعَلَيْهِ الْجُعْلُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَجِنَايَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَمَا عَلِمْت وَإِلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ لَوْ أَبَقَ مِنْ غَاصِبِهِ فَالْجُعْلُ عَلَى الْغَاصِبِ وَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْمَوْهُوبَ فَالْجُعْلُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ سَوَاءٌ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الرَّدِّ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وَقْتَ الرَّدِّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَلَوْ وَهَبَهُ لِلْآخِذِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْلَى فَلَا جُعْلَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّ الْجُعْلَ لَهُ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

[نَفَقَةِ الْآبِقِ]
(قَوْلُهُ وَأَمْرُ نَفَقَتِهِ كَاللُّقَطَةِ) أَيْ وَحُكْمُ نَفَقَةِ الْآبِقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5/175)


كَحُكْمِ نَفَقَةِ اللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّهُ لُقَطَةٌ حَقِيقَةً فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ مُتَبَرِّعًا وَبِإِذْنِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِشَرْطِ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِلنَّفَقَةِ الدَّيْنِ فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَجِئْ صَاحِبُهُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَسْلَفْنَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُؤَجِّرُهُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَأَنَّهُ يَحْبِسُهُ تَعْزِيرًا لَهُ بِخِلَافِ الضَّالِّ وَقَدَّرَ التَّتَارْخَانِيَّة مُدَّةَ حَبْسِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَبِيعُهُ بَعْدَهَا قَالَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْحَبْسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ بَيْعِ الْآبِقِ وَهِبَتِهِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَإِعْتَاقُهُ جَائِزٌ، وَلَوْ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ بِسَرِقَةٍ تَثْبُتُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلَاهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ أَجَّرَهُ رَجُلٌ فَالْأَجْرُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْمَوْلَى كَانَ لَهُ حَلَالًا اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]
(كِتَابُ الْمَفْقُودِ) مِنْ فَقَدَهُ يَفْقِدُهُ فَقْدًا وَفِقْدَانًا وَفَقْدًا عَدِمَهُ فَهُوَ فَقِيدٌ وَمَفْقُودٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ (وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَهُ) يَعْنِي لَمْ تُدْرَ حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ فَالْمَدَارُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَهْلِ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ لَا عَلَى الْجَهْلِ بِمَكَانِهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ الْمُسْلِمَ الَّذِي أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَا يُدْرَى أَحَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ مَعَ أَنَّ مَكَانَهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ دَارُ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَرَفَ أَنَّهُ فِي بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ حُكْمًا فِي الْحَالِ وَحُكْمًا فِي الْمَآلِ، فَالْأَصْلُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يُورَثَ عَنْهُ مَالُهُ وَلَا تَتَزَوَّجَ نِسَاؤُهُ وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ مِنْ أَحَدٍ وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَبْلُغُ سِنًا سَيُبَيِّنُهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا الْحُكْمُ الْمَآلِيُّ فَهُوَ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ

(قَوْلُهُ: فَيَنْصِبُ الْقَاضِي مَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ وَيَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَفِي نَصْبِ الْحَافِظِ لِمَالِهِ وَالْقَائِمِ عَلَيْهِ نَظَرٌ لَهُ لَكِنْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَوْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ، ثُمَّ فُقِدَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْصِبَ الْقَاضِي وَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِ مُوَكِّلِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْحِفْظِ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ رَجُلٌ غَابَ وَجَعَلَ دَارِهِ فِي يَدِ رَجُلٍ لِيَعْمُرَهَا أَوْ دَفَعَ مَالَهُ لِيَحْفَظَهُ وَفُقِدَ الدَّافِعُ فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمُرَ الدَّارَ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ مَاتَ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ وَصِيًّا اهـ.
أَطْلَقَ الْحَقَّ فَشَمِلَ الْأَعْيَانَ وَالدُّيُونَ مِنْ الْغَلَّاتِ وَغَيْرِهَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ عِنْدَ أُمَنَائِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدُّيُونَ الْمُقَرَّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ فَيُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ فِي عُرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ فِي الْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا رَدَّهُ الْقَاضِي وَقَضَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَوْ لَا فَإِذَا رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(كِتَابُ الْمَفْقُودِ)

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِ مُوَكِّلِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ دُيُونِهِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غُرَمَاؤُهُ وَلَا غَلَّاتِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى النَّصْبِ وَكَانَ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إطْلَاقِهِمْ نَصَّ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ: تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السُّغْدِيَّةِ فِيهِ شَيْءٌ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ قَضَاءً لِلْغَائِبِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا نَصُّهُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ مِنْ شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ وَأَحَالَ عَلَى الْمُخْتَلِفِ أَنَّهُ قِيلَ يَجُوزُ الْقَضَاءُ لِلْغَائِبِ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ

(5/176)


وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ هُنَاكَ لَكِنْ ذُكِرَ هُنَا عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَيْنِ فَصَحَّحُوا فِي بَابِ الْمَفْقُودِ رِوَايَةَ النَّفَاذِ وَفِي كِتَابِ الْقَضَاءِ رِوَايَةَ عَدَمِهِ لَكِنْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَصْرِ فِي الْمُرَادِ بِالْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ أَوْ الْمُرَادُ غَيْرُ الْحَنَفِيِّ، وَمَنْشَؤُهُ فَهْمُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا هُنَا حَيْثُ قَالُوا إذَا رَآهُ الْقَاضِي نَفَذَ هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَأْيٌ لَهُ وَاعْتِقَادٌ فَيَخْرُجُ الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الْمُرَادُ إذَا رَآهُ الْقَاضِي مَصْلَحَةً فَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ إلَّا إذَا رَآهُ الْقَاضِي أَيْ جَعَلَ ذَلِكَ رَأْيًا لَهُ وَحَكَمَ بِهِ، وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ لَهُ اهـ.
وَقَالَ الشَّارِحُونَ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فِي تَوْجِيهِ الْجَوَابِ عَمَّا أَوْرَدَ أَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْعِنَايَةِ الْمُقْتَضِي لِتَخْصِيصِ الْقَاضِي بِغَيْرِ الْحَنَفِيِّ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ لَوْ فَعَلَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَقْضِي وَيَنْصِبُ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ أَمْ لَا وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْمَفْقُودِ دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ شَرِكَةً فِي عَقَارٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ رَدًّا بِعَيْبٍ أَوْ مُطَالَبَةً لِاسْتِحْقَاقٍ لِعَدَمِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ مَنْصُوبَ الْقَاضِي لَيْسَ بِخَصْمٍ، وَكَذَا وَرَثَتُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَفِي الْهِدَايَةِ، ثُمَّ مَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ يَبِيعُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَيَنْظُرُ لَهُ بِحِفْظِ الْمَعْنَى وَلَا يَبِيعُ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ فِي نَفَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي حِفْظِ مَالِهِ فَلَا يَسُوغُ لَهُ تَرْكُ حِفْظِ الصُّورَةِ وَهُوَ مُمْكِنٌ

قَوْلُهُ (: وَيُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ وِلَادٌ أَوْ زَوْجَتُهُ) يَعْنِي مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حَضْرَتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ فَمِنْ الْأَوَّلِ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الْكِبَارِ وَأَلْزَمَنِّي مِنْ الذُّكُورِ الْكِبَارُ وَمِنْ الثَّانِي الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ وَكُلُّ مَحْرَمٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّفَقَاتِ، أَطْلَقَ فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَلْبُوسِ وَالْمَطْعُومِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالْمَضْرُوبِ وَتَقَدَّمَ فِي النَّفَقَاتِ اسْتِثْنَاءُ الْأَبِ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَ الْعُرُوضِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ مَا سِوَى الْعَقَارِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِفَقْرِهِمْ لِمَا عُلِمَ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ الْمَالُ لِمَا قَدَّمَهُ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا إذَا كَانَ الْمُودَعُ وَالْمَدْيُونُ مُقِرَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ.
وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ لَا حَاجَةَ إلَى الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ أَوْ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ دَفَعَ الْمُودَعُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا إلَى نَائِبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُودَعُ وَالْمَدْيُونُ جَاحِدَيْنِ أَصْلًا أَوْ كَانَا جَاحِدَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ وَالنَّسَبَ لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ مُسْتَحَقِّي النَّفَقَةِ خَصْمًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ لِلْغَائِبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا كَمَا تَجِبُ فِي هَذَا الْمَالِ تَجِبُ فِي مَالٍ آخَرَ لِلْمَفْقُودِ، وَأَمَّا إذَا نَصَبَ الْقَاضِي مَنْ يُخَاصِمُ فِي ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَخْذَ الْكَفِيلِ مِنْهُمْ لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ كَفِيلًا.

(قَوْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5/177)


وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ «إنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» وَقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ خَرَجَ بَيَانًا لِلْبَيَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عُرِفَ ثُبُوتُهُ وَالْغَيْبَةُ لَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ وَالْمَوْتُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ فَلَا يَزَالُ النِّكَاحُ بِالشَّكِّ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فَاعْتُبِرَ فِي الشَّرْعِ مُؤَجَّلًا فَكَانَ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ تَعْقُبُ الْأَوْبَةَ وَالْعُنَّةُ قَلَّمَا تَنْحَلُّ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهَا سَنَةً

(قَوْلُهُ: وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً) لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي زَمَانِنَا وَالْحَيَاةُ بَعْدَهَا نَادِرٌ فَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ فِي السِّنِّ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّوَادِرِ أَنْ يَعِيشَ الْإِنْسَانُ بَعْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ فَلَا يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ فَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَقِيلَ مِنْ بَلَدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ التَّقْدِيرَ بِالتِّسْعِينَ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ تَبَعًا لِابْنِ الْفَضْلِ وَهُوَ الْأَرْفَقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَقْدِيرُهُ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَامِدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ سِتِّينَ سَنَةً وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يُقَدِّرَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِطَرِيقِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا تَكُونُ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْأَقْيَسُ وَفَوَّضَهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْقَاضِي فَأَيُّ وَقْتٍ رَأَى الْمَصْلَحَةَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ، قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَا جَاءَ إلَّا مِنْ اخْتِلَافِ الرَّأْيِ أَيْ فِي أَنَّ الْغَالِبَ هَذَا فِي الطُّولِ أَوْ مُطْلَقًا وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَشَايِخِ كَيْفَ يَخْتَارُونَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ عَلَى مُقَلِّدِي أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامُ مُحَمَّدٌ لَمْ يَعْتَبِرْ السِّنِينَ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ بَعْدَهُ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَحْوَطُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ كَثْرَةُ الْمَقَالَاتِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْجَهَالَاتِ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَمَانِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

(قَوْلُهُ وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ وَوُرِثَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَا قَبْلَهُ) أَيْ حِينَ حُكِمَ بِمَوْتِهِ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَالظَّرْفُ قَيْدٌ لِلْحُكْمَيْنِ كَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعَايَنَةً إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْحَاوِي

[وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ]
قَوْلُهُ (: وَلَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِلْمَفْقُودِ وَمَاتَ الْمُوصِي لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَقْضِي بِهَا وَلَا أُبْطِلُهَا حَتَّى يَظْهَرَ حَالُ الْمَفْقُودِ يَعْنِي يُوقَفُ نَصِيبُ الْمَفْقُودِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ بِمَوْتِهِ فَإِذَا قَضَى بِمَوْتِهِ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَاتَ الْآنَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيٌّ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يُورَثُ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَرِثُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَقَارِبِهِ كَمَا فِي الْحَمْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَيَرِثُ فَإِنْ تَبَيَّنَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتٍ مَاتَ فِيهِ قَرِيبُهُ وَإِلَّا يَرُدُّ الْمَوْقُوفَ لِأَجَلِهِ إلَى وَارِثِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي وَقَفَ مِنْ مَالِهِ

[كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ]
قَوْلُهُ (: وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَإِنْ انْتَقَصَ حَقُّهُ بِهِ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ) بَيَانُهُ رَجُلٌ مَاتَ عَنْ ابْنَتَيْنِ وَابْنٍ مَفْقُودٍ وَابْنِ ابْنٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَتَصَادَقُوا عَلَى فَقْدِ الِابْنِ وَطَلَبَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) هَذَا الْحَاصِلُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَبَيَانُهُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَقْدِيرِهِ بِتِسْعِينَ أَوْ بِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيِ فِي الْغَالِبِ فِي طُولِ الْعُمُرِ فَبَعْضُهُمْ رَأَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي طُولِ الْعُمُرِ أَيْ الْغَالِبُ فِي نِهَايَةِ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ تِسْعُونَ فَقَدَّرَهُ بِهَا وَبَعْضُهُمْ رَأَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْمِائَةُ فَقَدَّرَ بِهَا وَهَكَذَا وَبَعْضُهُمْ نَظَرَ إلَى الْغَالِبِ مُطْلَقًا أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَطْوَلَ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ الْغَالِبَ فِي أَصْلِ الطُّولِ وَهُوَ السِّتُّونَ فَإِنَّ مَنْ يَعِيشُ إلَى السِّتِّينَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَعِيشُ إلَى التِّسْعِينَ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعِنْدِي الْأَحْسَنُ سَبْعِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» فَكَانَتْ الْمُنْتَهَى غَالِبًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَشَايِخِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّفَحُّصَ عَنْ مَوْتِ الْأَقْرَانِ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ فِيهِ حَرَجٌ فَعَنْ هَذَا اخْتَارَ الْمَشَايِخُ تَقْدِيرَهُ بِالسِّنِّ اهـ.
قُلْتُ: وَقَدْ يَكُونُ هَذَا التَّقْدِيرُ تَفْسِيرًا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَقْرَانُ غَالِبًا لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْغَالِبِ هَلْ الْمُرَادُ أَطْوَلُ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ

(5/178)


الْبِنْتَانِ الْمِيرَاثَ يُعْطَيَانِ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَيُوقَفُ النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا يُعْطَى أَوْلَادُ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُمْ يُحْجَبُونَ بِالْمَفْقُودِ لَوْ كَانَ حَيًّا فَلَا يَسْتَحِقُّونَ الْمِيرَاثَ بِالشَّكِّ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ بِأَنْ كَانَ أَنْكَرَ أَنَّ الْمَيِّتَ عِنْدَهُ مَالٌ حَتَّى أَقَامَتْ الْبِنْتَانِ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهَا؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤْخَذُ الْفَضْلُ الْبَاقِي مِنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ لِظُهُورِ خِيَانَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَصَادَقُوا عَلَى فَقْدِ الِابْنِ، فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ مَاتَ الْمَفْقُودُ قَبْلَ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ الثُّلُثَيْنِ لِلْبِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُعْتَبَرٌ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ ثُلُثَيْهِ لِلْبِنْتَيْنِ فَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لَهُمَا وَلَا يَمْنَعُ إقْرَارُهُ قَوْلَ أَوْلَادِ الِابْنِ أَبُونَا أَوْ عَمُّنَا مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ لَا يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا وَيُوقَفُ الثُّلُثُ الْبَاقِي فِي يَدِهِ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مَفْقُودٌ فَزَعَمَ وَرَثَةُ الْمَفْقُودِ أَنَّهُ حَيٌّ وَلَهُ مِيرَاثٌ وَالِابْنُ الْآخَرُ يُزْعَمُ مَوْتُهُ لَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ وَرَثَةَ الْمَفْقُودِ اعْتَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ فَكَيْفَ يُخَاصِمُونَ عَمَّهُمْ اهـ.

(قَوْلُهُ كَالْحَمْلِ) أَيْ الْحَمْلُ نَظِيرُهُ فِي الْمِيرَاثِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي نَصِيبِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثُ ابْنٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَوْ كَانَ مَعَ الْحَمْلِ وَارِثٌ آخَرُ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ يُعْطَى كُلَّ نَصِيبِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً حَامِلًا تُعْطَى الْمَرْأَةُ الثُّمُنَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْقُطُ بِالْحَمْلِ لَا يُعْطَى شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ يُعْطَى الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، مِثَالُهُ تَرَكَ امْرَأَةً حَامِلًا وَجَدَّةً تُعْطَى السُّدُسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهَا، وَلَوْ تَرَكَ حَامِلًا وَأَخًا أَوْ عَمًّا لَا يُعْطَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَخَ يَسْقُطُ بِالِابْنِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ ابْنًا وَكَانَ بَيْنَ أَنْ يَسْقُطَ وَلَا يَسْقُطَ فَكَانَ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ مَشْكُوكًا فِيهِ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا، وَلَوْ تَرَكَ حَامِلًا وَأُمًّا وَزَوْجَةً تَأْخُذُ الْأُمُّ السُّدُسَ وَالزَّوْجَةُ الثُّمُنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَيِّتًا أَخَذَتْ الْأُمُّ الثُّلُثَ أَوْ حَيًّا أَخَذَتْ السُّدُسَ وَالزَّوْجَةُ الثُّمُنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَيِّتًا أَخَذَتْ الرُّبُعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الشَّرِكَةِ]
أَوْلَاهَا لِلْمَفْقُودِ لِتَنَاسُبِهِمَا بِوَجْهَيْنِ: كَوْنُ مَالِ أَحَدِهِمَا أَمَانَةً فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ مَالَ الْمَفْقُودِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَاضِرِ، وَكَوْنُ الِاشْتِرَاكِ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ وَلَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَالْمَفْقُودُ حَيٌّ وَالشَّرِكَةُ لُغَةً خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا وَمَا قِيلَ إنَّهُ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ تَسَاهُلٌ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ اسْمُ الْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرُ الشِّرْكُ مَصْدَرُ شَرِكْت الرَّجُلَ أُشْرِكُهُ شِرْكًا فَظَهَرَ أَنَّهَا فِعْلُ الْإِنْسَانِ وَفِعْلُهُ الْخَلْطُ، وَأَمَّا الِاخْتِلَاطُ فَصِفَةٌ لِلْمَالِ تَثْبُتُ عَنْ فِعْلِهِمَا لَيْسَ لَهَا اسْمٌ مِنْ الْمَادَّةِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ اسْمَهُ الِاشْتِرَاكُ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِعْلُهُمَا أَيْضًا مَصْدَرُ اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ افْتِعَالٌ مِنْ الشَّرِكَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذُكِرَ أَنَّهَا بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فِي الْمَعْرُوفِ وَسَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَفِي الْقَامُوسِ الشِّرْكُ وَالشَّرِكَةُ بِكَسْرِهِمَا وَضَمِّ الثَّانِي بِمَعْنًى، وَقَدْ اشْتَرَكَا وَشَارَكَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَالشِّرْكُ بِالْكَسْرِ وَكَأَمِيرٍ الْمُشَارِكُ وَالْجَمْعُ إشْرَاكٌ وَشُرَكَاءُ. اهـ.
وَفِي التَّبْيِينِ إطْلَاقُ الشَّرِكَةِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازٌ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهُ
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرُكْنُهَا فِي شَرِكَةِ الْعَيْنِ اخْتِلَاطُهُمَا وَفِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ وَيُقَالُ الشَّرِكَةُ عَلَى الْعَقْدِ نَفْسِهِ فَإِذَا قِيلَ شَرِكَةُ الْعَقْدِ بِالْإِضَافَةِ فَهِيَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ وَشَرْعِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] ، وَهُوَ خَاصٌّ بِشَرِكَةِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ السَّائِبِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْت شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ» كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ شَرْطُ جَوَازِهَا كَوْنُ الْوَاحِدِ قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ وَحُكْمُهَا فِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ صَيْرُورَةُ الْمُجْتَمِعِ مِنْ النَّصِيبَيْنِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَفِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْأَقْرَانُ أَوْ أَغْلَبُ مَا يَعِيشُونَ إلَيْهِ كَالسِّتِّينَ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا.

(كِتَابُ الشَّرِكَةِ)

(5/179)


صَيْرُورَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ مَا يُسْتَفَادُ بِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا

[شَرِكَةُ الْمِلْكِ]
(قَوْلُهُ: شَرِكَةُ الْمِلْكِ أَنْ يَمْلِكَ اثْنَانِ عَيْنًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً) بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ إرْثًا أَوْ شِرَاءً مِثَالٌ لَا قَيْدٌ فَلَا يَرِدُ أَنَّ ظَاهِرَهُ الْقَصْرُ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْصَرُ عَلَيْهِمَا، بَلْ تَكُونُ فِيمَا إذَا مَلَكَاهَا هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ اسْتِيلَاءً بِأَنْ اسْتَوْلَيَا عَلَى مَالِ حَرْبِيٍّ أَوْ اخْتِلَاطًا كَمَا إذَا اخْتَلَطَ مَالُهُمَا مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ اخْتَلَطَ بِخَلْطِهِمَا خَلْطًا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ أَوْ يَتَعَسَّرُ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا نَوْعَانِ جَبْرِيَّةٌ وَاخْتِيَارِيَّةٌ فَأَشَارَ إلَى الْجَبْرِيَّةِ بِالْإِرْثِ وَإِلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ بِالشِّرَاءِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ الِاخْتِيَارِيَّةِ أَنْ يُوصِيَ لَهُمَا بِمَالٍ فَيَقْبَلَانِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ عَيْنًا يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِ الدَّيْنِ فَقِيلَ إنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يُمْلَكُ، وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ يُمْلَكُ شَرْعًا، وَقَدْ جَازَتْ هِبَتُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَدُفِعَ بِأَنَّهَا مَجَازٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ وَلِذَا لَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ مَا ذَكَرُوا مِنْ مِلْكِهِ وَلِذَا مَلَكَ مَا عَنْهُ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ حَتَّى إذَا دَفَعَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى أَحَدِهِمَا كَانَ لِلْآخَرِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الَّذِي أَخَذْته حِصَّتِي وَمَا بَقِيَ عَلَى الْمَدْيُونِ حِصَّتُك وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَدْيُونِ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ قَضَاهُ وَأَخَّرَ الْآخَرَ وَسَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ أَنَّ مِنْ الْحِيلَةِ فِي اخْتِصَاصِ الْآخِذِ بِمَا أَخَذَ دُونَ شَرِيكِهِ أَنْ يَهَبَهُ مَنْ عَلَيْهِ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ وَيُبْرِئَهُ هُوَ مِنْ حِصَّتِهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَمْلِكَ مُتَعَدِّدٌ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا لَكَانَ أَوْلَى

قَوْلُهُ (: وَكُلُّ أَجْنَبِيٍّ فِي قِسْطِ صَاحِبِهِ) أَيْ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ، وَالْقِسْطُ بِالْكَسْرِ الْحِصَّةُ وَالنَّصِيبُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا حِصَّتَهُ وَحُكْمَ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِلَا بَيْعٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِأَنْ اشْتَرَيَا حِنْطَةً أَوْ وَرِثَاهَا كَانَتْ كُلُّ حَبَّةٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَبَيْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ شَائِعًا جَائِزٌ مِنْ الشَّرِيكِ وَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِالْخَلْطِ أَوْ الِاخْتِلَاطِ كَانَ كُلُّ حَبَّةٍ مَمْلُوكَةٍ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فِيهَا شَرِكَةٌ فَإِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا مَخْلُوطًا بِنَصِيبِ الشَّرِيكِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ الشَّرِيكِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ الْمُرَادُ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إمْهَارٍ أَوْ بَدَلِ خُلْعٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ إجَارَةِ الْمُشْتَرَكِ فِي قَوْلِهِ فِيهَا وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَفِي الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَرْكَبُهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَفِي الْبَيْتِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّهُ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ، وَكَذَا الْخَادِمُ وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ وَفِي الْأَرْضِ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا كُلَّهَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ يَنْفَعُهَا فَإِذَا جَاءَ شَرِيكُهُ زَرَعَهَا مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ يُنْقِصُهَا أَوْ التَّرْكُ يَنْفَعُهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا وَفِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ حِصَّتَهُ بِغَيْبَةِ شَرِيكِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَ الْبَاقِيَ فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى شَرِيكِهِ هَلَكَ عَلَيْهِمَا.
وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَخْ) أَقُولُ: أَوْضَحَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ فَقَالَ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ بَيْنَ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ أَوْ بَيْنَ بَالِغٍ وَيَتِيمٍ فَالْحَاضِرُ أَوْ الْبَالِغُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ فَفِي الْأَرْضِ يَزْرَعُ بِحِصَّتِهِ وَيَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ وَيَقُومُ عَلَى الْكَرْمِ فَيَبِيعُ ثَمَرَهُ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ وَيُوقِفُ حِصَّةَ الْغَائِبِ وَيَبِيعُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ أَوْ أَجَازَ بَيْعَهُ وَذُكِرَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ أَخَذَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَأَكَلَهُ جَازَ وَيَبِيعُ نَصِيبَ الْغَائِبِ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ فَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهُ يُخَيَّرُ كَمَا مَرَّ فَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ فَهُوَ كَلُقَطَةٍ.
قَالَ ت هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَبِهِ أُخِذَ، وَلَوْ أَدَّى الْخَرَاجَ كَانَ مُتَبَرِّعًا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلٍ غَابَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الدَّارِ فَأَرَادَ الْحَاضِرُ أَنْ يُسْكِنَهَا رَجُلًا أَوْ يُؤَجِّرَهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ دِيَانَةً؛ إذْ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَالِكِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْنَعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا فِي يَدِهِ لَوْ لَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ فَلَوْ أَجَّرَ وَأَخَذَ الْأَجْرَ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ لَوْ قَدَرَ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ فِيهِ لِحَقِّ شَرِيكِهِ فَكَانَ كَغَاصِبِ أَجْرٍ يَتَصَدَّقُ بِالْأَجْرِ أَوْ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ.
وَأَمَّا نَصِيبُهُ فَيَطِيبُ لَهُ؛ إذْ لَا خُبْثَ فِيهِ هَذَا لَوْ أَسْكَنَ غَيْرَهُ أَمَّا لَوْ سَكَنَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ دِيَانَةً قِيَاسًا وَلَهُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا إذْ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ حَالَ حُضُورِهِ إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِاسْتِئْذَانُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى هَذَا أَمْرُ الدُّورِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ حَالَ غَيْبَتِهِ بِخِلَافِ إسْكَانِ غَيْرِهِ

(5/180)


الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمُشْتَرَكِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ فِي مَالٍ خَلَطَاهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَإِنْ سَافَرَ بِهِ فَهَلَكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يَضْمَنُ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ فِي الشِّرَاءِ وَالشَّرِكَةُ فِي الشِّرَاءِ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ الْآخَرِ مِمَّا اشْتَرَى إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الشِّرَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَأَشْرَكَهُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَأَشْرَكَهُ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَعْلَمُ بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ إيَّاهُ فَلَهُ رُبُعُ جَمِيعِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الِاشْتِرَاكَ فِي نَصِيبِهِ وَنَصِيبُهُ النِّصْفُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَعْلَمْ بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ إيَّاهُ فَلَهُ نِصْفُ جَمِيعِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الِاشْتِرَاكَ فِي كُلِّ الْعَبْدِ فَيَكُونُ طَالِبًا لِلنِّصْفِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَبْدٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِثَالِثٍ أَشْرَكْتُك فِي هَذَا الْعَبْدِ وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ صَارَ نَصِيبُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الشَّرِكَةِ بَيْعٌ بِأَنْ بَاعَ نِصْفَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ نَفَذَ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْأُولَى نَصَّا عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَوْ صَارَ جَمِيعُ نَصِيبِهِ لَهُ لَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ رَجُلٌ اشْتَرَى حِنْطَةً وَطَحَنَهَا فَأَشْرَكَ فِي طَحْنِهَا رَجُلًا فَإِنْ طَحَنَهَا بِنَفْسِهِ فَعَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ فِيهِ نِصْفُ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَطْحَنَهَا فَعَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَنِصْفُ أَجْرِ الطَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ شَرِيكًا فِيهِ بِنِصْفِ مَا قَامَ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَامَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ اهـ.
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُشْرِكَ فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ وَإِنْ أَشْرَكَ فِيهِ اثْنَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الدَّخِيلُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ قَالَ لَك شَرِكَةٌ يَا فُلَانُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَأَبْطَلَهُ مُحَمَّدٌ قَالَ أَشْرَكْت فُلَانًا فِي نِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ فَلَهُ الرُّبُعُ قِيَاسًا وَالنِّصْفُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَشْرَكَا فِيهِ آخَرَ فَإِنْ أَشْرَكَاهُ عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَهُ النِّصْفُ وَلَهُمَا النِّصْفُ وَإِنْ أَشْرَكَاهُ مَعًا فَلَهُ الثُّلُثُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَإِنْ أَشْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَإِنْ أَجَازَ صَاحِبُهُ فَلَهُ النِّصْفُ وَلِلشَّرِيكَيْنِ النِّصْفُ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا فَيُشْرِكُ فِيهِ غَيْرَهُ

(قَوْلُهُ: وَشَرِكَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا وَيَقْبَلَ الْآخَرُ) بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الثَّانِي وَمَقْصُودُهُ بَيَانُ رُكْنِهَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الدَّالَّيْنِ عَلَيْهَا لَا خُصُوصُ شَارَكْتُك؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَيَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ أَلْفًا إلَى رَجُلٍ، وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ وَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَنَا وَقَبِلَ الْآخَرُ وَأَخَذَهَا وَفَعَلَ انْعَقَدَتْ الشَّرِكَةُ وَقَوْلُهُ فِي كَذَا أَيْ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الشَّيْءِ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَذَلِكَ الشَّيْءُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا كَالْبَزِّ وَالْبَقْلِ أَوْ عَامًّا كَمَا إذَا شَارَكَهُ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْمُفَاوَضَةِ وَالْخُصُوصُ بِالْعَنَانِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَنَانَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً أَيْضًا وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ شَرِكَةُ الْعَنَانِ عَامَّةٌ بِأَنْ يَشْتَرِكَا فِي أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ كُلِّهَا وَخَاصَّةٌ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ كَالثِّيَابِ وَالرَّقِيقِ. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةً فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
إذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ حَضْرَتِهِ بِلَا إذْنِهِ فَكَذَا حَالُ غَيْبَتِهِ (غن) دَارٍ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَقْسُومَةٍ غَابَ أَحَدُهُمَا وَسِعَ الْحَاضِرَ أَنْ يَسْكُنَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَيَسْكُنُ الدَّارَ كُلَّهَا وَكَذَا الْخَادِمُ بَيْنَهُمَا غَابَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِحِصَّتِهِ وَفِي الدَّابَّةِ لَا يَرْكَبُهَا الْحَاضِرُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ لَا السُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامِ فَيَتَضَرَّرُ الْغَائِبُ بِرُكُوبِهَا لَا بِهِمَا ن عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّ الدَّارِ لَوْ خَافَ خَرَابَهَا لَوْ لَمْ يَسْكُنْهَا وَعَنْ ح - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لِلْحَاضِرِ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ وَفِي الدَّارِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا (بِرّ) أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَوْ سَكَنَ الدَّارَ أَحَدُ شَرِيكَيْهِمَا بِغَيْبَةِ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ.
وَلَوْ أُعِدَّتْ لِلِاسْتِغْلَالِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ فِي حَقِّ السُّكْنَى وَتَوَابِعِهِ تُجْعَلُ كَمِلْكٍ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ إذْ لَوْ تُجْعَلُ كَذَلِكَ يَمْتَنِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ دُخُولٍ وَقُعُودٍ وَوَضْعِ أَمْتِعَةٍ فَيَتَعَطَّلُ عَلَيْهِمَا مَنَافِعُ مِلْكِهِمَا وَهُوَ لَمْ يَجُزْ فَصَارَ الْحَاضِرُ سَاكِنًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَلْزَمُ الْأَجْرَ اهـ.
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَلْتُحْفَظْ، وَفِي الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَإِنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّ الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ مِنْ الدَّارِ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَلَوْ خَافَ أَنْ تَخْرَبَ الدَّارُ بِتَرْكِ السُّكْنَى كَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّ الدَّارِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَأَشْرَكَ فِي طَحْنِهَا) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مَطْحُونِهَا. (قَوْلُهُ: جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ) مُقْتَضَاهُ أَنْ

(5/181)


آخِرِ بَابِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ أَيْضًا. اهـ.
وَيُنْدَبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ كَيْفِيَّةَ كِتَابَتِهَا فَقَالَ هَذَا مَا اشْتَرَكَ عَلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ اشْتَرَكَا عَلَى تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ قَدْرَ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَقُولُ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَيْدِيهِمَا يَشْتَرِيَانِ وَيَبِيعَانِ جَمِيعًا وَشَتَّى وَيَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِرَأْيِهِ وَيَبِيعُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، وَهَذَا وَإِنْ مَلَكَهُ كُلٌّ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ لَا يَمْلِكُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْهُ يَكْتُبُ هَذَا، ثُمَّ يَقُولُ فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا وَمَا كَانَ مِنْ وَضِيعَةٍ أَوْ تَبِعَةٍ فَكَذَلِكَ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ أَنَّهَا مُفَاوَضَةٌ وَعَنَانٌ وَتَقَبُّلٌ وَوُجُوهٌ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا سِتَّةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا شَرِكَةٌ بِالْمَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْأَعْمَالِ وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ وَكُلٌّ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مُفَاوَضَةٍ وَعَنَانٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ لِلشَّيْخَيْنِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يُوهِمُ أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ لَا يَكُونَانِ مُفَاوَضَةً وَلَا عَنَانًا

قَوْلُهُ (: وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً وَتَسَاوَيَا مَالًا وَتَصَرُّفًا وَدَيْنًا) بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي، قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمُفَاوَضَةُ الِاشْتِرَاكُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُسَاوَاةُ. اهـ.
وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ يُفَوِّضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمْرَ الشَّرِكَةِ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ هِيَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ قَالَ قَائِلُهُمْ
لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
أَيْ مُتَسَاوِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَذَلِكَ بِالْمَالِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ، وَكَذَا فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا تَصَرُّفًا لَا يَمْلِكُهُ الْآخَرُ فَاتَ التَّسَاوِي، وَكَذَا فِي الدَّيْنِ. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، قَوْلُهُ إذْ هِيَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ تَسَاهُلٌ إذْ هِيَ مَادَّةٌ أُخْرَى فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الِاشْتِقَاقُ، بَلْ هِيَ مِنْ التَّفْوِيضِ أَوْ مِنْ الْفَوْضِ الَّذِي مِنْهُ فَاضَ الْمَاءُ إذَا عَمَّ وَانْتَشَرَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَعْنَاهَا الْمُسَاوَاةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْصِيصُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ فَإِنْ صَرَّحَا بِهَا ثَبَتَ أَحْكَامُهَا إقَامَةً لِلَّفْظِ مَقَامِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَى تَمَامِ الْمُسَاوَاةِ فِي أَمْرِ الشَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ إتْمَامَ مَعْنَاهَا بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا حُرَّانِ بَالِغَانِ مُسْلِمَانِ أَوْ ذِمِّيَّانِ شَارَكْتُك فِي جَمِيعِ مَا أَمْلِكُ مِنْ نَقْدٍ، وَقَدْرِ مَا تَمْلِكُ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ الْعَامِّ مِنْ كُلٍّ مِنَّا لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَاتِ وَالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَعَلَى أَنَّ كُلًّا ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَمْرِ كُلِّ بَيْعٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَصِحُّ خَاصَّةً أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً زَائِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخُصُّ الْمُفَاوَضَةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدِ شَرِكَةٍ يَتَضَمَّنُهَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا وَالْمُرَادُ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ خَصَائِصِهَا، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ حُكْمَهَا صَيْرُورَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي التِّجَارَةِ فِي النِّصْفِ، وَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَالْآخَرِ دَرَاهِمُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا سُودٌ وَلِلْآخَرِ بِيضٌ جَازَتْ الْمُفَاوَضَةُ إذَا اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَا الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَإِنْ تَفَاضَلَا فِي الْقِيمَةِ لَا تَجُوزُ الْمُفَاوَضَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ فَلَا تَصِحُّ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَبَالِغٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَالْكَفَالَةَ وَالْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَالصَّبِيَّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، أَطْلَقَ الْعَبْدَ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَالْمُكَاتَبَيْنِ وَالصَّبِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّيْنِ لَيْسَا أَهْلًا لِلْكَفَالَةِ، وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَأَمَّا الْعَبْدَانِ وَإِنْ كَانَا أَهْلًا لَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَكِنْ يَتَفَاضَلَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْقِيمَةِ، وَقَضِيَّةُ الْمُفَاوَضَةِ صَيْرُورَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا بِجَمِيعِ مَا لَزِمَ صَاحِبَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

[شِرْكَة الْمُفَاوَضَة بَيْن وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ]
(قَوْلُهُ وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) أَيْ لَا تَصِحُّ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
يَجُوزَ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ وَيُشْكِلُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبَيْعَ بِلَا مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ كَيْفَ يَجُوزُ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ

[شَرِكَة الْعَقْدِ]
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) أَقُولُ: فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا نَصُّهُ وَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ لِيَكُونَ اللَّفْظُ دَلِيلًا عَلَى مَعْنَى الْعُمُومِ. اهـ

(5/182)


الدَّيْنِ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا كَالْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الشَّفْعَوِيِّ وَالْحَنَفِيِّ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَسَاوِيَ فِي التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ خُمُورًا أَوْ خَنَازِيرَ صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا الْمُسْلِمُ لَا يَصِحُّ أَطْلَقَ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الْمُرْتَدَّ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: شَارَكَ الْمُسْلِمُ الْمُرْتَدَّ مُفَاوَضَةً أَوْ عَنَانًا لَمْ تَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ أَسْلَمَ جَازَتْ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ الْعَنَانُ دُونَ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ شَارَكَ الْمُسْلِمُ مُرْتَدَّةً صَحَّتْ عَنَانًا لَا مُفَاوَضَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الْمُفَاوَضَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتُكْرَهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَسَاوَتْ الْمُسْلِمَ فِي التِّجَارَاتِ وَضَمَانِهَا كَالْمُسْلِمِ مَعَ الذِّمِّيِّ عِنْدَهُ لَهُمَا أَنَّهَا وَإِنْ سَاوَتْ الْمُسْلِمَ فِي التِّجَارَاتِ لَكِنَّهَا أَدْوَنُ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي بَعْضِ مَا يُسْتَفَادُ بِالتِّجَارَةِ فَإِنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَوْ اشْتَرَتْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى بِيَدِهَا وَلَا يَقَرُّ عَلَى مِلْكِهَا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ.
وَغَيْرُ الْمُتَقَرَّرِ لَا يُسَاوِي الْمُتَقَرَّرَ وَقَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ بَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التِّجَارَةِ وَضَمَانِهَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابِيَّ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ يُطَالَبُ بِهِ الْمَجُوسِيُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّبْحِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِالْمُعِينِ أَوْ الْأَجِيرِ، وَهَذَا الْمَجُوسِيُّ لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ صَحَّ كَالْقَصَّارِ مَعَ الْخَيَّاطِ إذَا تَفَاوَضَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِمُعِينٍ أَوْ أَجِيرٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ أَصْلًا، وَقَالَا تَصِيرُ عَنَانًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى السِّرَاجِيَّةِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَارِكَ الذِّمِّيَّ اهـ.
يَعْنِي: شَرِكَةَ عَنَانٍ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْعَنَانِ كَانَ عَنَانًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْعَنَانِ إذْ هُوَ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا، وَقَدْ يَكُونُ عَامًّا اهـ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّهَا عَامٌّ لَا غَيْرُ. اهـ. وَفِيهِ مَا عَلِمْت سَابِقًا.

(قَوْلُهُ: وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلٌّ يَقَعُ مُشْتَرَكًا إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَكَانَ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا كَشِرَائِهِمَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ الْمُفَاوَضَةِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ الرَّاتِبَةَ مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا الصَّرْفُ مِنْ مَالِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الشِّرَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ضَرُورَةً، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَرَادَ بِالْمُسْتَثْنَى مَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ فَشَمِلَ شِرَاءَ بَيْتٍ لِلسُّكْنَى أَوْ الِاسْتِئْجَارَ لِلسُّكْنَى أَوْ الرُّكُوبَ لِحَاجَتِهِ كَالْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْإِدَامُ وَالْجَارِيَةُ الَّتِي يَطَؤُهَا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلَيْسَ الْكُلُّ عَلَى الشَّرِكَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الطَّعَامَ وَمَا مَعَهُ مِنْ الشَّرِكَةِ دُونَ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّرِكَةِ فَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ حَتَّى كَانَ لِبَائِعِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ وَيَرْجِعَ الْآخَرُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا فِي الْجَارِيَةِ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَيَا بِالْمَالَيْنِ شَيْئَيْنِ صَفْقَتَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفُ رَأْسِ مَالِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالنِّصْفِ لِنَفْسِهِ وَالنِّصْفِ لِصَاحِبِهِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَلَا يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمَالَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَيَا بِالْمَالَيْنِ شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِتِجَارَةٍ وَغَصْبٍ وَكَفَالَةٍ لَزِمَ الْآخَرَ) لِأَنَّهُ كَفِيلٌ فَدَخَلَتْ تَحْتَ التِّجَارَةِ ثَمَنُ الْمُشْتَرَى فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ وَقِيمَتُهُ فِي الْفَاسِدِ سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَرَكًا أَوْ لِنَفْسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5/183)


وَأُجْرَةُ مَا اسْتَأْجَرَهُ سَوَاءٌ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِحَاجَةِ التِّجَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَصْبِ مَا يُشْبِهُ ضَمَانَ التِّجَارَةِ فَيَدْخُلُ ضَمَانُ الِاسْتِهْلَاكِ الْوَدِيعَةِ الْمَجْحُودَةِ أَوْ الْمُسْتَهْلَكَةِ، وَكَذَا الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُفِيدُ لَهُ تَمَلُّكَ الْأَصْلِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ.
وَأَمَّا لُزُومُ صَاحِبِهِ بِكَفَالَتِهِ فَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، وَلَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَرِيضِ يَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ وَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ بِمَا يُؤَدِّي عَنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَقَاءِ تَتَضَمَّنُهُ الْمُفَاوَضَةُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَمْ يَصِحَّ مِمَّنْ ذَكَرَهُ وَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، أَمَّا الْإِقْرَاضُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَلَوْ سَلَّمَ فَهُوَ إعَادَةٌ فَيَكُونُ لِمِثْلِهَا حُكْمُ عَيْنِهَا لَا حُكْمُ الْبَدَلِ حَتَّى لَا يَصِحَّ فِيهِ الْأَجَلُ فَلَا تَتَحَقَّقُ مُفَاوَضَةً، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْآخَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْإِقْرَاضُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَهُ فِي الصَّحِيحِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ احْتِرَازًا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ عَلَى بَنِي آدَمَ وَالْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَعَنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الشَّرِكَةِ كَطَعَامِ أَهْلِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ التَّاجِرُ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَالْجَمْعُ تُجَّارٌ وَتِجَارٌ وَتَجْرٌ، وَتَجْرٌ كَرِجَالٍ وَعُمَّالٍ وَصَحْبٍ وَكُتُبٍ، وَقَدْ تَجَرَ تَجْرًا وَتِجَارَةً اهـ.
وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكُلُّ شَيْءٍ دُونَ أَنْ يَقُولَ كُلَّ دَيْنٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا آجَرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَبْدًا فَإِنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةَ الْآخَرِ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ كَمَا أَنَّ لِلْآخَرِ أَخْذَ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَبْدًا مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ شَيْئًا لَهُ خَاصَّةً لَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَلَا لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَتُهُ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي قَبْضِ الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ فِي التِّجَارَةِ وَكَفِيلٌ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ مِنْ تِجَارَتِهِمَا مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مُطَالَبًا وَمُطَالِبًا فَأَمَّا إجَارَةُ عَبْدٍ لَهُ خَاصَّةً خَرَجَتْ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْمُفَاوَضَةِ وَلَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ إذَا آجَرَ عَبْدَ الْمِيرَاثِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ نَقْدًا إلَّا إذَا قَبَضَهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ فِي لُزُومِ الثَّلَاثَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ.
كَذَا فِي الْمُحِيطِ إلَّا إذَا أَقَرَّ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَامْرَأَتِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ أَيْضًا إلَّا لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِمُعْتَدَّتِهِ الْمُبَانَةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُعْتَدَّتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ تُقْبَلُ، وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ يَلْزَمُهُمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّتِهِ بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ شَهَادَتَهُ لِأُمِّ وَلَدِهِ الْمُعْتَقَةِ جَائِزَةٌ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ نِكَاحٍ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ ثَوْبًا مِنْ شَرِيكِهِ لِيَقْطَعَهُ قَمِيصًا لِنَفْسِهِ جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ الشَّرِكَةِ لِأَجْلٍ التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً لِيَطَأَهَا أَوْ طَعَامًا لِيَجْعَلَهُ رِزْقًا لِأَهْلِهِ جَازَ الْبَيْعُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ مَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِالتِّجَارَةِ لَزِمَ الْآخَرَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ شَرِيكِهِ فِي صُورَةِ جَوَازِ الْبَيْعِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وَلَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ فَيُقَالُ إلَّا إذَا كَانَ الدَّائِنُ الشَّرِيكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلُزُومِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إلَى أَنَّ الدَّعْوَى إذَا وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَرَادَ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَ الْآخَرِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ عَلَى بَنِي آدَمَ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الثَّوْبِ فَتَلْزَمُهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ قَالَهُ الْحَدَّادِيُّ.

(5/184)


قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فَجَحَدَ فَاسْتُحْلِفَ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي اسْتِخْلَافَ الْآخَرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَخْلِفُهُ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى أَحَدِهِمَا دَعْوَى عَلَيْهِمَا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يَمْضِي الْأَمْرُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا كَإِقْرَارِهِمَا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْحَاضِرَ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ فَإِنْ حَلَفَ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ جِرَاحَةً خَطَأً لَهَا أَرْشٌ وَاسْتَحْلَفَهُ أَلْبَتَّةَ فَحَلَفَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ شَرِيكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ تَحْتَ الشَّرِكَةِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا كَفِعْلِهِمَا اهـ.
وَشَمِلَ قَوْلُهُ بِتِجَارَةٍ مَهْرَ الْمُشْتَرَاةِ الْمَوْطُوءَةِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ، قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا وَطِئَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالْعُقْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَالْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعُقْرَ هَا هُنَا وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ. اهـ.
وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَكُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا بِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَلِلْآخَرِ قَبْضُهُ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ لَكَانَ أَفْوَدَ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ أَدَانَ رَجُلًا أَوْ كَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِدَيْنٍ أَوْ غَصَبَ مَالًا فَلِشَرِيكِهِ الْآخَرِ أَنْ يُطَالِبَ وَكُلُّ شَيْءٍ هُوَ لِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً إذَا بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُطَالَبَ بِالثَّمَنِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الشَّرِيكَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ.

(قَوْلُهُ: وَبَطَلَتْ إنْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ وَرِثَ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) أَيْ الْمُفَاوَضَةُ لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَهَذَا لِأَنَّ الْآخَرَ لَا يُشَارِكُهُ فِيمَا أَصَابَهُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّهَا تَنْقَلِبُ عَنَانًا لِلْإِمْكَانِ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا وَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ وَسَيَأْتِي أَنَّ مَا تَصِحُّ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ وَأَرَادَ بِالْهِبَةِ الْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَكَذَا لَوْ زَادَتْ قِيمَةُ دَرَاهِمِ أَحَدِهِمَا الْبِيضِ عَلَى دَرَاهِمِ الْآخَرِ السُّودِ أَوْ دَنَانِيرِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْقَدْرِ احْتِرَازًا عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ حَصَلَ الْفَضْلُ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ فَسَدَتْ وَإِنْ حَصَلَ الْفَضْلُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ لَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ لَا تَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ حَصَلَ الشِّرَاءُ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ، ثُمَّ فَضَلَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَإِنْ فَضَلَ الْمَالُ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الشِّرَاءُ لَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ، وَإِنْ فَضَلَ الْمَالُ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الشِّرَاءُ فَسَدَتْ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْقَدْرِ إنَّمَا هُوَ فَضْلُ أَحَدِهِمَا صَاحِبُهُ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ وَلِأَحَدِهِمَا زِيَادَةُ دَرَاهِمَ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّهَا حَصَلَتْ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا فِي مَالِ أَحَدِهِمَا فَلَمْ يَفُتْ التَّسَاوِي فِي مَالِهِمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ

[شَرِكَة الْمُفَاوَضَة بِمِلْكِ الْعَرْضِ]
قَوْلُهُ (: لَا الْعَرْضِ) أَيْ لَا تَبْطُلُ بِمِلْكِ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ فَلَا تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ لَا مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ الْعَقَارُ وَالدُّيُونُ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِهِمَا إلَّا إذَا قَبَضَ الدُّيُونَ

[شَرِكَة مُفَاوَضَةٌ وَعَنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالتِّبْرِ وَالْفُلُوسِ]
(قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعَنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالتِّبْرِ وَالْفُلُوسِ) وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَيْضًا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ النُّقُودَ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهَا لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ مَا يَشْتَرِيهِ فِي ذِمَّتِهِ إذْ هِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فَكَانَ رِبْحَ مَا ضَمِنَ؛ وَلِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: يَسْتَحْلِفُ كُلَّ وَاحِدٍ أَلْبَتَّةَ) أَيْ الْيَمِينُ أَلْبَتَّةَ فَأَلْبَتَّةَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمَحْذُوفِ قِيَامَ الصِّفَةِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ.

(5/185)


أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعَرْضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ جَائِزٌ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ التِّبْرَ كَالنَّقْدَيْنِ، رِوَايَةُ كِتَابِ الصَّرْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ بِمَثَاقِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَمُرَادُهُ التِّبْرُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ التِّبْرُ سِلْعَةٌ وَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالٍ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ خُلِقَتْ لِلتِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ الثَّمَنِيَّةُ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهَا ثَمَنًا فَيَنْزِلُ التَّعَامُلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ فَتَكُونُ ثَمَنًا وَتَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ. اهـ.
فَيُحْمَلُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا إذَا جَرَى التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِ التِّبْرِ ثَمَنًا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ، وَالتِّبْرُ مَا لَيْسَ بِمَضْرُوبٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَطْلَقَ الْفُلُوسَ وَأَرَادَ بِهَا الرَّائِجَةَ؛ لِأَنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَأُلْحِقَتْ بِهَا قَالُوا هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ بِأَعْيَانِهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَتَصِيرُ سِلْعَةً وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِالْفُلُوسِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يُصْطَلَحْ عَلَى ضِدِّهِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلِذَا اخْتَارَهُ فِي الْكِتَابِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ الْمُتَقَارِبَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا قَبْلَ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّهَا عُرُوضٌ مَحْضَةٌ، وَكَذَا إنْ خَلَطَا، ثُمَّ اشْتَرَكَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَتَاعُهُ بِحِصَّةِ رِبْحِهِ وَوَضِيعَتِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ وَتَصِيرُ شَرِكَةَ عَقْدٍ إذَا كَانَ الْمَخْلُوطُ جِنْسًا وَاحِدًا، وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَلْزَمُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَكَانَ عَرْضًا مَحْضًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا جِنْسًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَخَلَطَا لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَخْلُوطَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَتَتَمَكَّنُ الْجَهَالَةُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فَحُكْمُ الْخَلْطِ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْمَالَ بِالْحَضْرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ عَقَدَا شَرِكَةَ عَنَانٍ بِالدَّنَانِيرِ وَرَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا غَائِبٌ لَا تَصِحُّ، وَلَوْ دَفَعَهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ لِيَشْتَرِيَ الشَّرِيكُ بِالْمَالَيْنِ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِالدَّفْعِ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا تَصِحُّ بِمَالٍ غَائِبٍ أَوْ دَيْنٍ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ حَاضِرًا مُفَاوَضَةً كَانَتْ أَوْ عَنَانًا وَأَرَادَ عِنْدَ عَقْدِ الشِّرَاءِ لَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ عَقْدِهَا تَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا أَوْ اشْتَرِ بِهَا وَبِعْ وَالْحَاصِلَ بَيْنَنَا أَنْصَافًا وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ حَاضِرًا وَقْتَ الشَّرِكَةِ فَبَرْهَنَ الْمَأْمُورُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَحْضَرَ الْمَالَ وَقْتَ الشِّرَاءِ جَازَ. اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَقْرِضْنِي أَلْفًا أَتَّجِرُ بِهَا وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَنَا فَأَقْرَضَهُ أَلْفًا فَاتَّجَرَ بِهَا وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمُسْتَقْرِضِ لَا شَرِكَةَ لِلْمُقْرِضِ فِيهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ اشْتَرِ بِهَا بَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ لَنَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْنَا فَهَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَرِكَةٌ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالْمَالِ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ فَعَلَى الْآمِرِ ضَمَانُ نِصْفِ الْمَالِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ ذَلِكَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ كُلَّ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَعَقَدَا الشَّرِكَةَ صَحَّ) بَيَانٌ لِلْحِيلَةِ فِي صِحَّةِ الشَّرِكَةِ بِالْعُرُوضِ فَإِنَّ فَسَادَهُ بِهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا، بَلْ لِلَازِمِ الْبَاطِلِ مِنْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لُزُومِ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَالثَّانِي جَهَالَةُ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيَكُونُ كُلُّ مَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِالدَّفْعِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِالدَّفْعِ بَعْدَ فَسَادِهَا بِالِافْتِرَاقِ بِلَا دَفْعٍ، وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ يُفِيدُ جَوَازَهَا مَوْقُوفًا عَلَى إحْضَارِ الْمَالِ وَقْتَ الشِّرَاءِ تَأَمَّلْ، وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حُضُورَ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ الشَّرْطُ وُجُودُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا

(5/186)


يَرْبَحُهُ الْآخَرُ رِبْحَ مَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَلَا تَحْصُلُ جَهَالَةٌ فِي رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ بِالْحِرْزِ فَتَقَعُ الْجَهَالَةُ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْمَالِ شَرِيكَانِ فِيهِ فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ كُلُّ مَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَفِي قَوْلِهِ وَعَقَدَا الشَّرِكَةَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بِالْبَيْعِ صَارَتْ شَرِكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، ثُمَّ بِالْعَقْدِ بَعْدَهُ صَارَتْ شَرِكَةَ عَقْدٍ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ هَذَا شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ مُشْكِلٌ وَلَعَلَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْإِشَارَةَ عَائِدَةٌ إلَى الْكُلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ عَائِدَةٌ إلَى الْبَيْعِ فَقَطْ وَأَطْلَقَ فِي قِيمَةِ مُبْتَاعَيْهِمَا وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ تَسْتَوِيَ الْقِيمَتَانِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ وَأَوْضَحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ عَرْضِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ عَرْضِ الْآخَرِ مِائَةً فَإِنَّهُ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرْضِهِ بِخُمُسِ عَرْضِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْمَتَاعُ كُلُّهُ أَخْمَاسًا وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالَيْهِمَا. اهـ.
وَرَدَّهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهَا حَتَّى يَصِيرَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَكَذَا الْعَكْسُ جَائِزٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُتَسَاوِيَةً فَبَاعَاهُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِأَنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا رُبُعَ مَالِهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَالِ الْآخَرِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ بَاعَ نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ قَصْدًا لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْعَنَانِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرْطُهَا التَّسَاوِي بِخِلَافِ الْعَنَانِ وَقَوْلُهُ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ عَقَدَ الشَّرِكَةَ فِي الْعَرْضِ الَّذِي بَاعَهُ جَازَ أَيْضًا اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِيهِ شَرِكَةَ عَنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ جَازَ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَعَامٌ فَاشْتَرَكَا بِمَالَيْهِمَا وَخَلَطَاهُمَا وَأَحَدُهُمَا أَجْوَدُ مِنْ الْآخَرِ فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ وَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ حِينَ خَلَطَهُ عَلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ نَصَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْجَيِّدِ وَقِيمَةِ الرَّدِيءِ يَوْمَ بَاعَا اهـ. هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ مِلْكٍ لَا عَقْدٍ

قَوْلُهُ (: وَعَنَانٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً فَقَطْ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُفَاوَضَةٍ بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الثَّانِي مِنْ شَرِكَةِ الْعَقْدِ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا عَلَى وَزْنِ كِتَابٍ فِي الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ دُونَ سَائِرِ مَالِهِمَا أَوْ هُوَ أَنْ يُعَارِضَ رَجُلًا بِالشِّرَاءِ فَيَقُولَ أَشْرِكْنِي مَعَك أَوْ هُوَ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً فِي الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ عَنَانَ الدَّابَّةِ طَاقَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ. اهـ.
وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْوَكَالَةِ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِهِ كَمَا بَيَّنَّا وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ، يُقَالُ عَنَّ لَهُ أَيْ اعْتَرَضَ، وَهَذَا لَا يُنْبِئُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ لَا يَثْبُتُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا لَوْ عَقَدَاهَا عَلَى الْكَفَالَةِ لَا تَكُونُ عَنَانًا لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ بَاقِي شُرُوطِ الْمُفَاوَضَةِ مُتَوَفِّرَةً فَحِينَئِذٍ تَكُونُ مُفَاوَضَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَفِّرَةً يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَنَانًا وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ أَنَّ ذِكْرَ الْكَفَالَةِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لَا أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهَا شَرْطٌ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ هَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعَنَانَ مُعْتَبَرٌ فِيهَا عَدَمُ الْكَفَالَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْكَفَالَةِ لَا اعْتِبَارُ عَدَمِهَا فَتَصِحُّ عَنَانًا، ثُمَّ كَفَالَةُ الْآخَرِ زِيَادَةٌ عَلَى نَفْس الشَّرِكَةِ كَمَا أَنَّهَا تَكُونُ عَنَانًا مَعَ الْعُمُومِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الثَّابِتَ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ لَا اعْتِبَارُ عَدَمِ الْعُمُومِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ يُرَجَّحُ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ لِمَجْهُولٍ فَلَا تَصِحُّ إلَّا ضِمْنًا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّا تَضْمَنُهَا الشَّرِكَةُ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُهَا إلَّا قَصْدًا فَلَا تَصِحُّ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلِكَوْنِهَا لَا تَقْتَضِي الْكَفَالَةَ تَنْعَقِدُ مِمَّنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَالَةِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[بَاعَ كُلَّ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَعَقَدَا الشَّرِكَةَ]
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ عَائِدَةٌ إلَى الْبَيْعِ فَقَطْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَرْضَ لَا يَصْلُحُ مَالَ الشَّرِكَةِ.
(قَوْلُهُ: هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ مِلْكٍ لَا عَقْدٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِ الْمُحِيطِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَفِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالثَّانِي بِالْقَوَاعِدِ أَلْيَقُ.

[شَرِكَة الْعَنَان]
(قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَنَانًا) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَكُونُ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَالَةَ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ يُرَجَّحُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِمَجْهُولٍ وَلَيْسَتْ ضِمْنًا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْعَنَانَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْتَضِي الْكَفَالَةَ أَيْ لَا تَسْتَلْزِمُهَا لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهَا فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ لُزُومِهَا فِيهَا مَعَ التَّصْرِيحِ بِهَا، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ فِيهَا فَثَبَتَ

(5/187)


مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَعْتُوهًا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَأْذُونًا اهـ.
وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً وَمَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً عَنْ التَّقْيِيدِ بِوَقْتٍ أَوْ مُقَيَّدَةً بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَهِيَ تَصِحُّ عَامًّا وَخَاصًّا مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتًا فَكَذَا الشَّرِكَةُ وَهَلْ تَتَوَقَّتُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ بِالْوَقْتِ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَتَوَقَّتُ حَتَّى لَا تَبْقَى الشَّرِكَةُ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِمَّا لَا تَكَادُ تَصِحُّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ بِبَيْعِهِ الْيَوْمَ لَا تَتَوَقَّتُ الْوَكَالَةُ بِالْيَوْمِ فَإِذَا لَمْ تَتَوَّقَتْ الْوَكَالَةُ لَا تَتَوَقَّتُ الشَّرِكَةُ ضَرُورَةً، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِنَا بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةٌ فِي الشَّرِكَةِ فَصَارَتْ الشَّرِكَةُ وَالْوَكَالَةُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ يَتَوَقَّتَانِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ الْخُصُوصَ فِي النَّوْعِ فَيَقْبَلَانِ التَّوْقِيتَ بِالْوَقْتِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَتَوَقَّتَانِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ قَدْ يَكُونُ لِقَصْرِهِمَا عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِاسْتِعْجَالِ الْعَمَلِ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّوْقِيتِ وَهُمَا ثَابِتَانِ لِلْحَالِ بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ارْتِفَاعِهِمَا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا يَرْتَفِعَانِ بِالشَّكِّ وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّتُ الْإِذْنُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ وَتَصِحُّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ وَعَكْسِهِ) وَهُوَ التَّفَاضُلُ فِي الْمَالِ وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ أَثْلَاثًا فَصَاحِبُ الزِّيَادَةِ يَسْتَحِقُّهَا بِلَا ضَمَانٍ إذْ الضَّمَانُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عِنْدَهُمَا فِي الرِّبْحِ كَالشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَشْتَرِطَانِ الْخَلْطَ فَصَارَ رِبْحُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ نَمَاءِ الْأَعْيَانِ فَيَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلَمْ يَفْصِلْ؛ وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَهْدَى أَوْ أَكْثَرَ عَمَلًا فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفَاضُلِ قَيَّدَ بِالشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرِّبْحِ كُلِّهِ لِأَحَدِهِمَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ الْعَقْدُ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَمِنْ الْمُضَارَبَةِ أَيْضًا إلَى قَرْضٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ أَوْ إلَى بِضَاعَةٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا الْعَقْدُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ فِي مَالِ الشَّرِيكِ وَيُشْبِهُ الشَّرِكَةَ اسْمًا وَعَمَلًا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ مَعًا فَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الْمُضَارَبَةِ وَقُلْنَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ وَبِشَبَهِ الشَّرِكَةِ حَتَّى لَا تَبْطُلَ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا.
وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ جَوَازَ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ وَقَيَّدَهُ فِي التَّبْيِينِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَشْتَرِطَا الْأَكْثَرَ لِلْعَامِلِ مِنْهُمَا أَوْ لِأَكْثَرِهِمَا عَمَلًا أَمَّا إنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدَةِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ لِاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَكَا وَعَمِلَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ، فَلَمَّا حَضَرَ أَعْطَاهُ حِصَّتَهُ، ثُمَّ غَابَ الْآخَرُ وَعَمِلَ الْآخَرُ، فَلَمَّا حَضَرَ الْغَائِبُ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا وَشَتَّى فَمَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ فَبَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ عَمِلَا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْمَلْ وَعَمِلَ الْآخَرُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَفِي الْمُحِيطِ.
ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، الْأَوَّلُ أَنْ يَشْتَرِطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْوَضِيعَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَالتَّصْرِيحُ بِهَا تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ جَائِزٌ فِيهَا فَيَثْبُتُ تَبَعًا لَهَا كَمَا تَثْبُتُ الْكَفَالَةُ فِي الْمُفَاوَضَةِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، بَلْ صَرَّحَ بِتَمَامِ مَعْنَاهَا كَمَا مَرَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِالْكَفَالَةِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْكَفَالَةُ فِيهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِهَا وَلَمْ تُجْعَلْ قَصْدًا، بَلْ ضِمْنًا

(قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ اشْتَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ وَكَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ كَمَا لَوْ وَضَعَ الْقَاعِدُ تِسْعَةَ آلَافٍ مَثَلًا وَوَضَعَ الْعَامِلُ أَلْفًا وَاشْتَرَطَا ثُلُثَيْ الرِّبْحِ لِلْقَاعِدِ وَالثُّلُثَ لِلْعَامِلِ وَهَذِهِ تَقَعُ كَثِيرًا وَيُؤْخَذُ عَدَمُ الْجَوَازِ مِنْ قَوْلِ الْمُحِيطِ الْآتِي قَرِيبًا، وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا خَاصَّةً لَا يَجُوزُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ رَأْسُ الْمَالِ وَكَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْأَقَلُّ رِبْحًا لَا يَجُوزُ الشَّرْطُ، بَلْ يَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَحِينَئِذٍ فَيَحْصُلُ عَلَى الْعَامِلِ إجْحَاف زَائِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فِي صُورَتِنَا الْمَذْكُورَةِ عُشْرُ الرِّبْحِ مَعَ تَعَبِهِ فِي الْعَمَلِ لَكِنْ مَا نَنْقُلُهُ قَرِيبًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ فِيهِ مَا يُفِيدُ الْجَوَازَ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بَيَانُ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ وَيَصِيرُ صَاحِبُ الْأَلْفِ فِي مَعْنَى الْمُضَارِبِ إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ تَتْبَعُ لِمَعْنَى الشَّرِكَةِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ فَلَا يَضُرُّهُمَا اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ اشْتَرَطَا الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا أَثْلَاثًا وَالْعَمَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا

(5/188)


عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا يُنْظَرُ إنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا رِبْحًا جَازَ وَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا خَاصَّةً لَا يَجُوزُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ لَا أَعْمَلُ مَعَك بِالشَّرِكَةِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَاسَخْتُك. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَبِبَعْضِ الْمَالِ) يَعْنِي يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ وَقَدَّمْنَا مَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ مِنْ الْأَمْوَالِ مُفَاوَضَةً أَوْ عَنَانًا (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْجِنْسِ) بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَمِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ عِنْدَنَا فَجَازَتْ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ وَمُخْتَلِفِهِ وَتَجُوزُ مَعَ اخْتِلَافِ الْوَصْفِ فَقَطْ بِالْأَوْلَى كَمَا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ سُودٌ وَمِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمُ بِيضٌ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا.

[شَرِكَة الْعَنَان وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ]
(قَوْلُهُ وَعَدَمِ الْخَلْطِ) أَيْ تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُسَمَّى شَرِكَةً وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ شَرْطًا؛ وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَا يُسْتَفَادُ الرِّبْحُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ وَكِيلٌ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي التَّصَرُّفِ بِدُونِ الْخَلْطِ تَحَقَّقَتْ فِي الْمُسْتَفَادِ بِهِ وَهُوَ الرِّبْحُ بِدُونِهِ وَصَارَتْ كَالْمُضَارَبَةِ.
قَوْلُهُ (وَطُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَقَطْ) أَيْ دُونَ صَاحِبِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَالْوَكِيلُ الْأَصِيلُ هُوَ فِي الْحُقُوقِ.
قَوْلُهُ (: وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ إذَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا فَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَشَرْطُ الْوَضِيعَةِ نِصْفَيْنِ فَاسِدٌ وَلَكِنْ بِهَذَا لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ اهـ.
أَقُولُ: وَقَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَطَا الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا إلَخْ يُفِيدُ الْجَوَازَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَرِيبًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْعَمَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْعَامِلُ صَاحِبَ الْأَلْفِ الَّذِي رِبْحُهُ أَقَلُّ مِنْ صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ فَيُفِيدُ صِحَّةَ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الرِّبْحِ أَكْثَرَ لِلْقَاعِدِ إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْعَامِلِ تَأَمَّلْ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَيْهِ مَضْمُونًا أَقْرَضَهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْعَمَلِ فَإِذَا عَمِلَ وَرَبِحَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَأَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْقَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ أَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ بِالْقَرْضِ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَهُوَ الْعَامِلُ أَوْ أَقْرَضَهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ عَقَدَا شَرِكَةَ الْعَنَانِ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ وَيَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْتَقْرِضُ فَإِنْ رَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ اهـ.
كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَمَلِ عَلَى الْأَكْثَرِ مَالًا جَائِزٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ لَا يَجُوزُ، تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْخَانِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ نِصْفَيْنِ، قَالَ فِي الْكِتَابِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ قَالُوا لَمْ يُرِدْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِهَذَا فَسَادَ الْعَقْدِ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَسَادَ شَرْطِ الْوَضِيعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. اهـ.
فَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي التَّوْفِيقِ هُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَقَلُّ رِبْحًا، بَلْ يَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا أَمَّا إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا وَشَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ وَكَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ أَوْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ عَمِلَا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا مُتَبَرِّعًا، فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحِيطِ عَلَى مَا إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَتِهِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا إذَا شَرَطَاهُ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ يَعْمَلُ أَحَدُهُمَا مُتَبَرِّعًا بِلَا شَرْطٍ، ثُمَّ رَأَيْت الْمُؤَلِّفَ صَرَّحَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الْكَفَالَةِ فِي بَحْثِ مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ بِأَنْ قَالَ شَارَكْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَنِي كَذَا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي شَرِكَةِ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا مَالًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا اهـ.
وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ تَوَهَّمَ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ أَنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هِيَ تَفَاضُلُهُمَا فِي الْمَالِ، وَشَرَطَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ تَبَرَّعَ أَفْضَلُهُمَا مَالًا بِالْعَمَلِ، وَأَجَبْت بِأَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحُ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى أَكْثَرِهِمَا مَالًا وَالتَّبَرُّعُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ

(5/189)


الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ هَذَا إذَا أَدَّى مِنْ مَالِهِ مَعَ بَقَاءِ مَالٍ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ وَصَارَ مَالُ الشَّرِكَةِ أَعْيَانًا أَوْ مُتْعَةً فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ نَسِيئَةً فَالشِّرَاءُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى الشَّرِكَةِ صَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَعَنْ الْإِمَامِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ جَازَ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا وَأَشْهَدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ اشْتَرَى مَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التِّجَارَةِ لَمْ يَنْطَوِ عَلَيْهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَتَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ الْمَالُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَبِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الثَّمَنَانِ فِيهِمَا بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا بِشَرِكَتِهِ فِي مَالِهِ، وَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِشَرِكَتِهِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ وَأَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْخَلْطِ حَيْثُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فَيُجْعَلُ الْهَلَاكُ مِنْ الْمَالَيْنِ.

[اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فِي شَرِكَة الْعَنَان]
(قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا) يَعْنِي عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ عَلَى مَا شَرَطَا لِلِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ شَرِكَةُ عَقْدٍ فَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَأَيُّهُمَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا تُنْقَضُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ تَمَامِهَا، وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ هِيَ شَرِكَةُ مِلْكٍ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعَقْدِ قَدْ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ الْمَالِ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا بَقِيَ مَا هُوَ حُكْمُ الشِّرَاءِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَهَلَكَ بِمَعْنَى ثُمَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِالْمَالِ الْآخَرِ إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ وَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ وَكَانَ مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَتَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ فِيهَا كَانَ الْمُشْتَرَى لِلَّذِي اشْتَرَاهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الشَّرِكَةِ حُكْمُ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الشَّرِكَةُ فَإِذَا بَطَلَتْ يَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا جَمَعَ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ التَّنَاقُضِ الْوَاقِعِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَاشْتَرَى بِالْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِصَاحِبِهَا وَفِي بَعْضِهَا إذَا اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ مَحْمَلَ الْأَوَّلِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرِكَةِ وَكَالَةٌ مُصَرَّحٌ بِهَا وَمَحْمَلَ الثَّانِي إذَا صَرَّحَ بِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ.
(قَوْلُهُ: وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا فِي بُيُوعِ الذَّخِيرَةِ اشْتَرَى حَطَبًا فِي قَرْيَةٍ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَالَ مَوْصُولًا بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الشِّرَاءِ أَحْمِلُهُ إلَى مَنْزِلِي لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَهُ اهـ. إلَى هُنَا كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ إلَخْ) أَقُولُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِذَا اشْتَرَكَا شَرِكَةَ عَنَانٍ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا مَتَاعًا فَقَالَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ هُوَ مِنْ شَرِكَتِنَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ لِي خَاصَّةً اشْتَرَيْته بِمَالِي لِنَفْسِي قَبْلَ الشَّرِكَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ فِيمَا اشْتَرَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا. اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى اشْتَرَى أَحَدُهُمَا مَتَاعًا وَقَالَ هُوَ لِلشَّرِكَةِ وَقَدْ دَفَعْت ثَمَنَهُ مِنْ مَالِي لِأَرْجِعَ عَلَيْك بِحِصَّتِك مِنْ الثَّمَنِ فَقَالَ الْآخَرُ دَفَعْت ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَلَا رُجُوعَ لَك عَلَيَّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ حُرٌّ إلَخْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فِي الشِّرَاءِ ثَبَتَ الشِّرَاءُ لِلشَّرِكَةِ وَبِهِ يَثْبُتُ نِصْفُ الثَّمَنِ بِذِمَّتِهِ، وَقَوْلُهُ دَفَعْت مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ دَعْوَى وَفَائِهِ فَلَا يُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلِذَلِكَ قَالُوا فَإِنْ كَانَ شِرَاؤُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَهُنَا لَيْسَ مُنْكِرًا، بَلْ مُقِرٌّ بِالشِّرَاءِ الْمُوجِبِ لِتَعَلُّقِ الثَّمَنِ بِذِمَّتِهِ، وَإِذَا طَلَبَ الْيَمِينَ أَنَّهُ مَا دَفَعَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَلَهُ ذَلِكَ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا وَأَشْهَدَ إلَخْ) أَقُولُ: فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ إذَا اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَيْنًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ ادَّعَى مُشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَوْ لَا؟ أَجَابَ إنْ كَانَتْ شَرِكَةَ عَنَانٍ وَلَهُ

(5/190)


مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَقَدْ قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِدُونِ ضَمَانِهِ وَفِي الْمُحِيطِ لِأَحَدِهِمَا مِائَةُ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَلِلْآخَرِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَكَا عَنَانًا وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَاشْتَرَى صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ جَارِيَةً، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّنَانِيرُ فَالْجَارِيَةُ بَيْنَهُمَا وَرِبْحُهَا أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِصَاحِبِ الدَّنَانِيرِ وَخُمُسَانِ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَالَ شِرَائِهَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ قَائِمَةً وَبِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ لَا تُنْتَقَضُ الشَّرِكَةُ وَالرِّبْحُ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا يَوْمَ الشِّرَاءِ وَمِقْدَارُ رَأْسِ مَالَيْهِمَا يَوْمَ الشِّرَاءِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ خُمُسَانِ لِأَحَدِهِمَا وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْآخَرِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِالشِّرَاءِ فِي ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْجَارِيَةِ، وَقَدْ نَقَدَ ثَمَنَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ رَجَعَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ عَلَيْهِ بِخُمُسَيْ الثَّمَنِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا لِمَا عُرِفَ فَإِنْ اشْتَرَى صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ بِهَا غُلَامًا وَالْآخَرُ بِأَلْفِهِ جَارِيَةً وَقَبَضَا وَهَلَكَا يَهْلِكَانِ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حِينَمَا اشْتَرَى كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةً وَتَمَامُهُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ وَتَفْسُدُ إنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ إذَا اشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ نِصْفَيْنِ، قَالَ فِي الْكِتَابِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ قَالُوا لَمْ يُرِدْ مُحَمَّدٌ بِهَذَا فَسَادَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَسَادَ شَرْطِ الْوَضِيعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارِبِ كَانَ فَاسِدًا. اهـ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الَّذِي يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ لَا الشَّرِكَةُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَذَكَرَ خواهر زاده فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْوَكَالَةِ وَالْوَكَالَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ، وَإِذَا شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحَ عَشَرَةٍ أَوْ فِي الشَّرِكَةِ تَبْطُلُ لَا؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ بَلْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ تَنْتَفِي بِهِ الشَّرِكَةُ وَعَسَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ أَنَّ الشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. اهـ.

[لِكُلِّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُبْضِعَ وَيَسْتَأْجِرَ]
(قَوْلُهُ: وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُبْضِعَ وَيَسْتَأْجِرَ وَيُودِعَ وَيُضَارِبَ وَيُوَكِّلَ) بَيَانٌ لِمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَهُ أَمَّا الْبِضَاعَةُ فَلِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَفِي الْقَامُوسِ الْبَاضِعُ الشَّرِيكُ وَالْجَمْعُ بَضْعٌ مِنْ بَضَعَ كَمَنَعَ بُضُوعًا اهـ.
وَالْمُرَادُ هُنَا دَفْعُ الْمَالِ لِآخَرَ لِيَعْمَلَ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ فَلِكَوْنِهِ مُعْتَادًا بَيْنَ التُّجَّارِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَتَّجِرَ لَهُ أَوْ لِيَحْفَظَ الْمَالَ، وَأَمَّا الْإِيدَاعُ فَجَوَازُهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْفَاظٌ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَلِكَوْنِهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَتَتَضَمَّنَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَلِذَا قَالَ وَيُضَارِبُ وَلَمْ يَقُلْ وَيُشَارِكُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فَلِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ طَلَبَ مِنْهُ تَحْصِيلَ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَقِيَّةَ أَحْكَامِ الشَّرِيكِ وَهِيَ مُهِمَّةٌ فَمِنْهَا الْعَارِيَّةُ، قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ فِي الْقِيَاسِ فَإِنْ فَعَلَ فَإِنْ أَعَارَ دَابَّةً فَعَطِبَتْ تَحْتَ الْمُسْتَعِيرِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ الْمُعِيرَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَةِ الدَّابَّةِ لِشَرِيكِهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أُضَمِّنَهُ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَ ثَوْبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ أَنَّهُ عِنْدَ الْعَقْدِ صَرَّحَ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ خُصُوصًا فَالْمُشْتَرَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَإِنْ نَقَدَ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ فَالْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ. اهـ.
فَتَأَمَّلْ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا فَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ تَأَمَّلْ

[مَا تَبْطُلُ بِهِ شَرِكَة الْعَنَان]
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَ) لَيْسَ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ وَرَقَةٍ.

(5/191)


أَوْ دَارًا أَوْ خَادِمًا. اهـ.
وَمِنْهَا الرَّهْنُ فَإِنْ كَانَ شَرِيكَ عَنَانٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إذَا رَهَنَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ، وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا أَدَانَاهُ وَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ أَنْ يَرْتَهِنَ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ شَاءَ شَرِيكُ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ شَرِيكُهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَيَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ عَلَى شَرِيكِهِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَرْهَنُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَكَذَا لَا يَرْتَهِنُ رَهْنًا بِدَيْنٍ مِنْ الشَّرِكَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ إلَّا إذَا وَلِيَ عَقْدَهُ أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يُوَلِّيهِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلِمَنْ وَلِيَ الْمُبَايَعَةَ أَنْ يَرْهَنَ بِالثَّمَنِ وَمِنْهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمِنْهَا إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا مَالًا مُضَارَبَةً فَالرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا فَالرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا هُوَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا حَالَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا نِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ يُضَارِبُ مَعْنَاهُ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً.
وَأَمَّا أَخْذُهُ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَفِيهِ التَّفْصِيلُ كَمَا عَلِمْت وَمِنْهَا تَأْجِيلُ أَحَدِهِمَا الدَّيْنَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَأَجَّلَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ أَجَّلَهُ الْعَاقِدُ جَازَ فِي النَّصِيبَيْنِ وَلَا يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَأَصْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ حَطَّ أَوْ أَجَّلَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَضْمَنُ مِنْ مَالِهِ لِمُوَكِّلِهِ عِنْدَهُمَا وَهُنَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُنَا لَوْ أَقَالَ الْعَقْدَ، ثُمَّ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ، فَلَمَّا مَلَكَ إنْشَاءَ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلَأَنْ يَمْلِكَ التَّأْجِيلَ فِيهِ أَوْلَى، وَلَوْ أَجَّلَ غَيْرُ الْعَاقِدِ أَوْ عَقَدَا جَمِيعًا فَأَجَّلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ، وَلَوْ مُفَاوِضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إعَادَةٌ حُكْمًا وَعُرْفًا فَهِيَ تَبَرُّعٌ فَلَا يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَمْنُوعَةٌ قِيَاسًا جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِقْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عَارِيَّةٌ وَإِمَّا مُعَاوَضَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا فَلِذَا رَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَمْلِكُ السَّفَرَ بِالْمَالِ هُوَ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُودِعُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفَاوِضِ مَا لَا يَجُوزُ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ فَيَجُوزُ لَهُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ وَالْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ دُونَ شَرِيكِ الْعَنَانِ وَلَا يَجُوزُ لِلْكُلِّ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَلَا الْإِعْتَاقُ عَلَى الْمَالِ وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْمُفَاوِضِ وَأَكْلُ طَعَامِهِ وَالِاسْتِعَارَةُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآكِلِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كُسِيَ ثَوْبًا أَوْ وُهِبَهُ لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ.
وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْفَاكِهَةِ وَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَأَشْبَاهِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُفَاوِضُ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَنَهَاهُ الْآخَرُ صَحَّ نَهْيُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ حَتَّى اشْتَرَى يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلِغَيْرِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ شَارَكَ أَحَدُهُمَا آخَرَ عَنَانًا جَازَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعَنَانِ أَخَصُّ وَأَدْوَنُ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ شَارَكَ مُفَاوَضَةً جَازَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَبِدُونِ إذْنِهِ تَنْعَقِدُ عَنَانًا.
كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهِ تَبَيَّنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْمُفَاوِضِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْهَدِيَّةِ بِالْمَأْكُولِ لَيْلًا، ثُمَّ قَوْلُهُ: وَلَوْ كُسِيَ ثَوْبًا أَوْ وُهِبَهُ لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ بِالْمُفَاوِضِ فَاتِّفَاقِيٌّ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِالشَّرِيكِ لَكَانَ أَوْلَى قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ.

(5/192)


أَنَّ قَوْلَهُمْ كَمَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلًا أَنَّ الشَّرِيكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَإِنْ اشْتَرَى إنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالُ الشَّرِكَةِ فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَالشِّرَاءُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ عَلَى الشَّرِكَةِ يَصِيرُ مُسْتَدِينًا وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِعْ جَازَتْ، وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا وَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ جَازَ، وَلَوْ بِلَا قَضَاءٍ، وَكَذَا لَوْ حَطَّ أَوْ أَخَّرَ مِنْ عَيْبٍ وَإِنْ بِلَا عَيْبٍ جَازَ فِي حِصَّتِهِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْبٍ فِي مَتَاعٍ بَاعَهُ جَازَ عَلَيْهِمَا.
وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَعْمَلَ مَا يَقَعُ فِي التِّجَارَةِ كَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالسَّفَرِ وَالْخَلْطِ بِمَالِهِ وَالشَّرِكَةِ بِالْغَيْرِ لَا الْهِبَةِ وَالْقَرْضِ وَمَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ نَصًّا وَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ قَبْضُ الثَّمَنِ.
وَكَذَا دَيْنٌ وَلِيَهُ أَحَدُهُمَا وَلِلْمَدْيُونِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَ إلَى الشَّرِيكِ بَرِئَ مِنْ نَصِيبِهِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّةِ الدَّائِنِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ مِنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ أَيْضًا. اهـ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بَيْعُ الْمُفَاوِضِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ إجْمَاعًا أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لَا يَنْفُذُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا بَاعَ صَاحِبُهُ وَقَبَضَ الَّذِي بَاعَ وَتَوْكِيلُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَأَخْرَجَهُ الْآخَرُ عَنْ الْوَكَالَةِ صَارَ خَارِجًا عَنْهَا فَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا بِتَقَاضِي ثَمَنِ مَا بَاعَ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اُخْرُجْ إلَى نَيْسَابُورَ وَلَا تُجَاوِزْ فَجَاوَزَ فَهَلَكَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّةَ الشَّرِيكِ، وَلَوْ شَارَكَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا شَرِكَةَ عَنَانٍ فَمَا اشْتَرَى الشَّرِيكُ الثَّالِثُ كَانَ النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي وَالنِّصْفُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَمَا اشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُشَارِكْ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلشَّرِيكِ الثَّالِثِ، وَلَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَالًا لِلتِّجَارَةِ لَزِمَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّرْفِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْ فُلَانٍ أَلْفًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا تَلْزَمُهُ خَاصَّةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ عَلَى الشَّرِكَةِ يَصِيرُ فَيَضُرُّهَا وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ) تَقَدَّمَ قَبْلَ وَرَقَتَيْنِ عَنْ الْمُحِيطِ زِيَادَةٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مُشْتَرَكًا تَضَمَّنَ إيجَابَ مَالٍ زَائِدٍ عَلَى الشَّرِكَةِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ حَطَّ أَوْ أَخَّرَ إلَخْ) أَيْ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ الثَّمَنَ أَيْ أَجَّلَهُ عَلَيْهِ لِلْعَيْبِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ والولوالجية، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ جَازَ عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ حَطَّ الثَّمَنَ أَوْ وَهَبَ بَعْضَ الثَّمَنِ. اهـ.
فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ بِقَرِينَةِ صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا صَحَّ إبْرَاؤُهُ عَنْ نَصِيبِهِ اهـ.
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَةِ عَيْبٍ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ تَأَمَّلْ، ثُمَّ هَذَا فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ أَمَّا فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ وُهِبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ كَمَا سَيَنْقُلُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِ لَا يَصِحُّ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي فَصْلِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ مَالًا إلَخْ) لَا يُنَافِي مَا مَرَّ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ مَا اسْتَقْرَضَهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهَا أَنْ يَرْجِعَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْآخَرِ نَظِيرُهُ مَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا طُولِبَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ إلَخْ) قَالَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مِنْ أَوَّلِ بَابِ الشَّرِكَةِ: تَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَلَدِ وَالْآخَرُ فِي السَّفَرِ فَلَمَّا أَرَادَا الْقِسْمَةَ قَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ قَدْ اسْتَقْرَضْت مِائَةَ دِينَارٍ وَآخُذُ عِوَضَهَا إنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ اهـ.
وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ مَا نَصُّهُ أَقُولُ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ أَمِينٌ فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ وَأَقُولُ: لَوْ قَالَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِي كَذَا يُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ذُو الْيَدِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ فِيمَا بِيَدِهِ أَنَّهُ لَهُ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ تَأَمَّلْ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَبِهِ أَفْتَيْت اهـ. كَلَامُهُ.
لَكِنْ يَرِدُ عَلَى مَا فِي الْجَوَاهِرِ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ فِي يَدِهِ وَمَا فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْجَوَاهِرِ وَتَعْلِيلِ الشَّيْخِ خَيْرِ الدِّينِ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ

(5/193)


اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ وُهِبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ وُهِبَ غَيْرُ الْبَائِعِ جَازَ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ إجْمَاعًا

قَوْلُهُ (: وَيَدُهُ فِي الْمَالِ أَمَانَةٌ) أَيْ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَبِالثَّانِي الرَّهْنُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَى شَرِيكِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي الْوَكَالَةِ يُفِيدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا ادَّعَى الْأَمِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ الدَّفْعَ فِي الْحَيَاةِ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ نَفْيَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى الْمَيِّتِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّحْلِيفِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ أَوْ الشَّرِيكُ دَفْعَ الْمَالِ وَأَنْكَرَهُ رَبُّ الْمَالِ يَحْلِفُ الْمُضَارِبُ أَوْ الشَّرِيكُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الْمَالُ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْأَمَانَاتِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ اُخْرُجْ إلَى خُوَارِزْمَ وَلَا تَتَجَاوَزْ عَنْهُ صَحَّ فَلَوْ جَاوَزَ عَنْهُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالنَّقْدِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لَا تَبِعْ بِالنَّسِيئَةِ صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَكَا عَنَانًا عَلَى أَنْ يَبِيعَا بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، ثُمَّ نَهَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً صَحَّ. اهـ.
وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَتَانِ أَفْتَيْت فِيهِمَا الْأُولَى نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً فَبَاعَ فَأَفْتَيْت بِنَفَاذِهِ فِي حِصَّتِهِ وَبِتَوَقُّفِهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَإِنْ أَجَازَ قُسِمَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، الثَّانِيَةُ نَهَاهُ عَنْ الْإِخْرَاجِ فَخَرَجَ، ثُمَّ رَبِحَ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ غَاصِبٌ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِالْإِخْرَاجِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّ الْأَمَانَاتِ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: أَحَدُهَا مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا أَخَذَ مِنْ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا. وَالثَّانِيَةُ السُّلْطَانُ إذَا خَرَجَ إلَى الْغَزْوِ وَغَنِمُوا وَأَوْدَعَ بَعْضَ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْغَانِمِينَ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثَةُ الْقَاضِي إذَا أَخَذَ مَالَ الْيَتِيمِ وَأَوْدَعَ غَيْرَهُ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا كَانَ الْمَالُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْمَالِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
إذَا اتَّحَدَتْ الْحَادِثَةُ وَالْحُكْمُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعَةِ الصَّغِيرَةِ بِخَطِّ مُلَّا عَلَيَّ التُّرْكُمَانِيِّ أَمِينِ الْفَتْوَى بِدِمَشْقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ رَاجَعْت الظَّهِيرِيَّةَ فَرَأَيْته قَالَ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجِيِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَتْ هَذِهِ عِبَارَتُهُ وَإِنَّمَا عِبَارَتُهُ، وَلَوْ وَكَّلَ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَبَضْت فِي حَيَاتِهِ وَهَلَكَ وَأَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ قَالَ دَفَعْته إلَيْهِ صُدِّقَ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لَكِنْ مَنْ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ إنْ كَانَ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفْيُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ صُدِّقَ، وَالْوَكِيلُ يَقْبِضُ الْوَدِيعَةَ فِيمَا يَحْكِي بِنَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَصُدِّقَ وَالْوَكِيلُ يَقْبِضُ الدَّيْنَ فِيمَا يُحْكَى يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ ضَمَانُ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ فَلَا يُصَدَّقُ. اهـ.
فَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي دَعْوَى الْقَبْضِ وَإِنْكَارِ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ لَا فِي دَعْوَى الدَّفْعِ فِي الدَّفْعِ إذْ لَوْ صَدَّقَتْهُ الْوَرَثَةُ فِي الْقَبْضِ وَأَنْكَرَتْ الدَّفْعَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا شُبْهَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى فَتَصَرَّفَ فِي الْعِبَارَةِ فَأَفْسَدَهُ.
(قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ نَهَاهُ عَنْ الْإِخْرَاجِ) فِي مُضَارَبَةِ الْجَوْهَرَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ فَإِنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَخْرَجَهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَعَادَهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ عَلَى شَرْطِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ الْعَوْدِ صَارَ مُخَالِفًا ضَامِنًا وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ وَأَعَادَ بَقِيَّتَهُ إلَى الْبَلَدِ ضَمِنَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى بِهِ وَلَا يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَعَادَ. اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا وَأَلْفَاظُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ أَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِالْوَاوِ لَا يَكُونُ تَقْيِيدًا إذْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفُ عَطْفٍ وَمَشُورَةٍ وَلَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ.
(قَوْلُهُ: أَحَدُهَا مُتَوَلِّي الْمَسْجِدَ) التَّقْيِيدُ بِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ أَخْرَجَ غَيْرَهُ كَمُتَوَلِّي وَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَقَامَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي حَاشِيَةِ

(5/194)


لَا يَضْمَنُ وَأَحَالَهُ إلَى شَرِكَةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ غَلَطٌ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبَعْضِ الْفَتَاوَى ضَعِيفٌ وَأَنَّ الشَّرِيكَ ضَامِنٌ بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ عَنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً.

. قَوْلُهُ (وَتَقَبُّلٌ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُفَاوَضَةٌ بَيَانٌ لِشَرِكَةِ الصَّنَائِعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّقَبُّلَ وَالْوُجُوهَ غَيْرُ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعَنَانِ وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَشَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْوُجُوهِ قَدْ تَكُونُ مُفَاوَضَةً وَعَنَانًا فَالْعَنَانُ مَا يَكُونُ فِي تِجَارَةٍ خَاصَّةٍ، وَالْمُفَاوَضَةُ مَا تَكُونُ فِي كُلِّ التِّجَارَاتِ. اهـ.
وَسَيَأْتِي بَيَانُ فَائِدَةِ كَوْنِهَا مُفَاوَضَةً وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالتَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا فِي النِّصْفِ أَصِيلًا فِي النِّصْفِ تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْعَمَلِ قَالُوا وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا اتِّحَادُ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لَهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا لَا يَتَفَاوَتُ، فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ صَانِعَانِ، وَلَوْ حُكْمًا اتَّحَدَ عَمَلُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَمَلًا حَلَالًا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اشْتَرَكَ مُعَلِّمَانِ لِحِفْظِ الصِّبْيَانِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ وَالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمَا إذَا كَانَ لَهُ آلَةُ الْقِصَارَةِ وَلِآخَرَ بَيْتٌ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِي بَيْتِ هَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَكَذَا سَائِرُ الصِّنَاعَاتِ، وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَدَاةُ الْقِصَارَةِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ فَسَدَتْ وَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَدَاةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْجَمَّالِينَ عَلَى أَنْ يَمْلَأَ أَحَدُهُمْ الْجُوَالِقَ وَيَأْخُذَ الثَّانِي فَمَهَا وَيَحْمِلَهَا عَلَى الثَّالِثِ فَيَنْقُلَهُ إلَى بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَادُهَا لِهَذِهِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ شَرِكَةَ الْحَمَّالِينَ صَحِيحَةٌ إذَا اشْتَرَكَ الْحَمَّالُونَ فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا، وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي تَقَبُّلِ كُتُبِ الْحُجَّاجِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذِهِ شَرِكَةٌ جَائِزَةٌ. اهـ.
وَقُلْنَا: وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لِيَشْمَلَ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي صَنْعَةٍ وَلَمْ يُحْسِنْهَا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ كَمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْعَمَلِ حَلَالًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ اشْتَرَكَا فِي عَمَلٍ حَرَامٍ لَمْ يَصِحَّ. اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِإِمْكَانِ اسْتِحْقَاقِهِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ فِي عَمَلِهِمْ وَلَا شَرِكَةُ الْقُرَّاءِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالزَّمْزَمَةِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا شَرِكَةُ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالسُّؤَالِ لَا يَصِحُّ وَلِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ ثَلَاثَةً مِنْ الْقُرَّاءِ اشْتَرَكُوا فِي الْمَجْلِسِ وَالْمَعَازِي بِالزَّمْزَمَةِ وَالْأَلْحَانِ فَهَذِهِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَا اشْتَرَكُوا فِيهِ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى أَحَدِهِمْ اهـ.
وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا الْمَتَاعَ وَيَعْمَلَ الْآخَرُ أَوْ يَقْبَلَ أَحَدُهُمَا الْمَتَاعَ وَيَقْطَعَهُ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْآخَرِ لِلْخِيَاطَةِ بِالنِّصْفِ جَازَ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ لَكِنْ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَطْ لَوْ تَقَبَّلَ جَازَ فَلَوْ شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ لَا يَتَقَبَّلَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَطْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ السُّكُوتِ جَعَلَ إثْبَاتَهَا اقْتِضَاءً وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ النَّفْيِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا مَا إذَا شَرَطَاهُ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِأَحَدِهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْأَشْبَاهِ فِي الْوَدِيعَةِ.

[اشْتَرَكَ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا]
(قَوْلُهُ: قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَادُهَا لِهَذِهِ الشُّرُوطِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قُدِّمَ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الشَّرِكَةُ تَبْطُلُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِي الْوَضِيعَةِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ وَتَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ عَشَرَةٍ لِأَحَدِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِأَكْثَرِ الشُّرُوطِ. اهـ. وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَقُلْنَا وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لِيَشْمَلَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ لَا خُصُوصُ الْخِيَاطَةِ وَلِذَا قَالُوا مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَجْلِسَ آخَرُ عَلَى دُكَّانِهِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتَ وَاسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا؛ لِأَنَّ التَّقَبُّلَ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ) لِأَنَّ عَمَلَ الدَّلَّالَةِ لَا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَلَّالًا يَبِيعُ لَهُ أَوْ يَشْتَرِي فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَجَلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي إجَارَةِ الْمُجْتَبَى.
(قَوْلُهُ: وَالْمَعَازِي بِالزَّمْزَمَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعِزُّ الصَّبْرُ أَوْ حُسْنُهُ كَالتَّعْزُوَةِ وَالزَّمْزَمَةُ الصَّوْتُ الْبَعِيدُ لَهُ دَوِيُّ وَتَتَابُعُ صَوْتِ الرَّعْدِ وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَأْتَمِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْأَمْوَاتِ مَعَ التَّمْطِيطِ، قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْمُؤَلِّفُ بَالَغَ فِي النَّكِيرِ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى هَذَا فِي زَمَانِهِ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ بِالتَّمْطِيطِ وَمَنَعَ جَوَازَهَا وَجَوَازَ سَمَاعِهَا وَقَالَ بِوُجُوبِ إنْكَارِهَا وَأَطْنَبَ فِي إنْكَارِهَا وَذَلِكَ فِيمَا إذَا مَطَّطَ تَمْطِيطًا يُؤَدِّي إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ إذَا سَلِمَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا اهـ.

(5/195)


أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْعَمَلَ مُتَفَاوِتٌ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ فَإِنْ شَرَطَا الْأَكْثَرَ لِأَدْنَاهُمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. اهـ.
وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ بِضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِحَقِيقَتِهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ قَبِلَ بِهِ كَنَصَرَ وَسَمِعَ وَضَرَبَ قُبَالَةً وَقَبَّلْت الْعَامِلَ الْعَمَلَ تَقَبُّلًا نَادِرٌ وَالِاسْمُ الْقُبَالَةُ وَتَقَبَّلَهُ الْعَامِلُ تَقْبِيلًا نَادِرٌ أَيْضًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا) يَعْنِي فَيُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبُ بِالْأَجْرِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا إذَا أَطْلَقَاهَا أَوْ صَرَّحَا بِالْعَنَانِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَقْتَضِي الْمُفَاوَضَةَ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ وَلِذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ جَرَيَانَهُ مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ بِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَمْ يَجْرِ هَذَا الْعَقْدُ مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ حَتَّى قَالُوا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ مُسْتَهْلَكٍ أَوْ أَجَّرَ أَجِيرًا، وَأُجْرَةُ بَيْتٍ لِمُدَّةٍ مَضَتْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيَلْزَمُهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُوجَدْ وَنَفَاذُ الْإِقْرَارِ مُوجِبُ الْمُفَاوَضَةِ.
كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَبِهِ عُلِمَ فَائِدَةَ كَوْنِهَا مُفَاوَضَةً لَوْ صَرَّحَ بِهَا لِيَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مَا أَقَرَّ بِهِ صَاحِبُهُ مُطْلَقًا وَتَقْيِيدُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَبِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ وَمُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَمْ تَمْضِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِهَذِهِ الشَّرِكَةِ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَحُكْمُهَا أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ، وَالتَّوْكِيلُ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوْ لَا يُحْسِنُ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشَّرِكَةِ قَدْ يَكُونُ عَنَانًا، وَقَدْ يَكُونُ مُفَاوَضَةً عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ بِمَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ وَمَتَى كَانَ عَنَانًا فَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ مَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ دُونَ صَاحِبِهِ بِقَضِيَّةِ الْوَكَالَةِ فَإِنْ أُطْلِقَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ كَانَتْ عَنَانًا وَإِنْ شَرَطَا الْمُفَاوَضَةَ كَانَتْ مُفَاوَضَةً فَإِذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ وَالشَّرِكَةُ عَنَانٌ أَوْ مُفَاوَضَةٌ كَانَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَلَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا فَضْلًا فِيمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأُجْرَةِ جَازَ إذَا كَانَا شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي ضَمَانِ مَا يَتَقَبَّلَانِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا جَنَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ سَافَرَ أَوْ بَطَلَ فَعَمِلَ الْآخَرُ كَانَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ وَإِلَى أَيِّهِمَا دَفَعَ الْأَجْرَ بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاصَّا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ جُعِلَ كَتَقَبُّلِ الْآخَرِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ فِي بَابِ ضَمَانِ الْعَمَلِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا لِلْخِيَاطَةِ وَأَقَرَّ بِهِ الْآخَرُ صَحَّ إقْرَارُهُ بِدَفْعِ الثَّوْبِ وَيَأْخُذُ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُتَفَاوِضِينَ فَإِقْرَارُ أَحَدِهِمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ وَأَخَذَ هُوَ بِالْقِيَاسِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ وَنَحْوِهِ لَا يَلْزَمُ الْآخَرَ اهـ.
وَفِيهَا قَبْلَهُ فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنَّهُ يَخِيطُ بِنَفْسِهِ لَا يُطَالَبُ الْآخَرُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُ الْآخَرَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُسْتَأْجِرُ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْتُ: مَا صُورَةُ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ فِيهَا؟ قُلْتُ: قَالَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ اشْتَرَطَ الصَّانِعَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا جَمِيعًا الْأَعْمَالَ وَأَنْ يَضْمَنَا الْعَمَلَ جَمِيعًا عَلَى التَّسَاوِي وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ وَالْوَضِيعَةِ وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا لَحِقَهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَكَسْبُ أَحَدِهِمَا بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُسِمَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا أَمَّا الْعَامِلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْعَمَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5/196)


بِالتَّقَبُّلِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ فَيَسْتَحِقُّهُ بِالضَّمَانِ وَهُوَ لُزُومُ الْعَمَلِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْعَامِلَ مُعِينُ الْقَابِلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُطْلَقُ الْعَمَلِ لَا عَمَلُ الْقَابِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَصَّارَ إذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ. اهـ.
أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لِعُذْرٍ بِالْآخَرِ كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَرْتَفِعُ بِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِهِ وَاسْتِحْقَاقُهُ الرِّبْحَ بِحُكْمِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ لَا الْعَمَلِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَعْقِدُوا بَيْنَهُمْ شَرِكَةَ تَقَبُّلٍ تَقَبَّلُوا عَمَلًا فَجَاءَ أَحَدُهُمْ فَعَمِلَهُ كُلَّهُ فَلَهُ ثُلُثُ الْأُجْرَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ كَانَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ بِثُلُثِ الْأَجْرِ فَإِذَا عَمِلَ الْكُلُّ كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي الثُّلُثَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ. اهـ.
وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ إلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ إنْ عَقَدَا عَقْدَ الشَّرِكَةِ فَلَوْ تَقَبَّلَا وَلَمْ يَعْقِدَا لَمْ تَكُنْ شَرِكَةً

[اشْتَرَكَا بِلَا مَالٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا]
قَوْلُهُ (: وَوُجُوهٌ إنْ اشْتَرَكَا بِلَا مَالٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُفَاوَضَةٍ بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ شَرِكَةِ الْعَقْدِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا كَالصَّنَائِعِ تَكُونُ مُفَاوَضَةً وَعَنَانًا، فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمُفَاوَضَةُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمُشْتَرِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ، وَإِذَا ذَكَرَ مُقْتَضَيَاتِ الْمُفَاوَضَةِ كَفَى عَنْ التَّلَفُّظِ بِهَا كَمَا سَلَف، وَإِذَا أُطْلِقَتْ كَانَتْ عَنَانًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ وَسُمِّيَتْ شَرِكَةَ وُجُوهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إلَّا مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِيَانِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ، وَقِيلَ لِأَنَّهُمَا إذَا جَلَسَا لِيُدَبَّرَ أَمْرَهُمَا يَنْظُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى وَجْهِ صَاحِبِهِ وَعَلَى الْآخَرَيْنِ فَالتَّسْمِيَةُ ظَاهِرَةٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْوَجَاهَةِ أَوْ الْجَاهِ، فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ الْجَاهَ مَقْلُوبُ الْوَجْهِ لِمَا عُرِفَ غَيْرَ أَنَّ الْوَاوَ انْقَلَبَتْ حِينَ وُضِعَتْ مَعَ الْعَيْنِ لِلْمُوجِبِ لِذَلِكَ وَلِذَا كَانَ وَزْنُهُ عَفَلَ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَهُمَا فِيمَا يَجِبُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْعَنَانِ، وَلَوْ اشْتَرَكَا بِوُجُوهِهِمَا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ كَانَ جَائِزًا وَيَثْبُتُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِيمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ بِالْمَالِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا وَقَّتَا شَرِكَةَ الْوُجُوهِ تَصِحُّ وَهَلْ تَتَوَقَّفُ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ كَانَ شَرْطًا مُفْسِدًا وَمَعَ هَذَا لَا تَفْسُدُ وَاعْتَبَرَ بِالْوَكَالَةِ اهـ. وَحَذَفَ مَفْعُولَ يَشْتَرِيَا بِالتَّقَيُّدِ أَنَّهَا تَكُونُ عَامَّةً وَخَاصَّةً كَالْبُرِّ.

(قَوْلُهُ وَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ الْآخَرِ فِيمَا اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ فَتَعَيَّنَ الْأُولَى وَلَمْ يَذْكُرْ تَضَمُّنَهَا لِلْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ شَرَطَا مُنَاصَفَةَ الْمُشْتَرِي أَوْ مُثَالَثَتَهُ فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ وَبَطَلَ شَرْطُ الْفَضْلِ) بَيَانٌ لِمَا فَارَقَتْ فِيهِ الْوُجُوهُ الْعَنَانَ وَهِيَ أَنَّ الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى بِفَتْحِ الرَّاءِ بِخِلَافِ الْعَنَانِ فَإِنَّ التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ فِيهَا مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ صَحِيحٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْمَالِ أَوْ بِالْعَمَلِ أَوْ بِالضَّمَانِ فَرَبُّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ وَالْمُضَارِبُ بِالْعَمَلِ وَالْأُسْتَاذُ الَّذِي يَتَلَقَّى الْعَمَلَ عَلَى التِّلْمِيذِ بِالنِّصْفِ بِالضَّمَانِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِمَا سِوَاهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَصَرَّفْ فِي مَالِكِ عَلَى أَنَّ لِي رِبْحَهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَاسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْوُجُوهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا بِخِلَافِ الْعَنَانِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ فَيَلْحَقُ بِهَا

[فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ]
(قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةٌ فِي احْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَاسْتِقَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الْوَكَالَةِ وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ)

(5/197)


بِدُونِ أَمْرِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْهُ أَشَارَ بِالثَّلَاثَةِ إلَى أَنَّ أَخْذَ كُلِّ شَيْءٍ مُبَاحٌ كَالِاحْتِشَاشِ وَاجْتِنَاءِ الثِّمَارِ مِنْ الْجِبَالِ وَالتَّكَدِّي وَسُؤَالِ النَّاسِ وَنَقْلِ الطِّينِ وَبَيْعِهِ مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ الْجِصِّ أَوْ الْمِلْحِ أَوْ الثَّلْجِ أَوْ الْكُحْلِ أَوْ الْمَعْدِنِ أَوْ الْكُنُوزِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَبْنِيَا مِنْ طِينٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ أَوْ يَطْبُخَا آجُرًّا، وَلَوْ كَانَ الطِّينُ مَمْلُوكًا أَوْ سَهْلَةَ الزُّجَاجِ فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا وَيَطْبُخَا وَيَبِيعَا جَازَ وَهُوَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذَكَرَ الْبَزَّازِيُّ أَنَّهَا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْكَسْبُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ مَا لِلْآخَرِ) لِوُجُودِ السَّبَبِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَخْذُ وَالْإِحْرَازُ أَفَادَ أَنَّهُمَا لَوْ أَخَذَاهُ مَعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ شَيْئًا فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلِكُلٍّ مَا أَخَذَ وَإِنْ أَخَذَاهُ مُنْفَرِدَيْنِ وَخَلَطَا وَبَاعَا قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمِقْدَارَ صُدِّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى النِّصْفِ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَبَّرَ بِمَا الْمُفِيدَةِ لِلْعُمُومِ لِيَشْمَلَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ كَمَا إذَا سَاعَدَهُ بِالْقَلْعِ وَجَمَعَهُ الْآخَرُ أَوْ قَلَعَهُ وَحَمَلَهُ الْآخَرُ فَلِلْمُعِينِ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِلْآخَرِ بَغْلٌ أَوْ رَاوِيَةٌ فَإِنَّ كَسْبَ الْمَاءِ لِلَّذِي اسْتَقَى وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الرَّاوِيَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَقِي صَاحِبَ الْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الرَّاوِيَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْبَغْلِ وَمَا إذَا دَفَعَ لَهُ شَبَكَةً لِيَصِيدَ بِهَا السَّمَكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا فَالصَّيْدُ لِلصَّائِدِ وَلِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ أَجْرُ مِثْلِهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَكَا فِي الِاصْطِيَادِ وَنَصَبَا شَبَكَةً أَوْ أَرْسَلَا كَلْبًا لَهُمَا فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا، وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا وَأَرْسَلَا، فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إرْسَالَ غَيْرِ الْمَالِكِ مَعَ الْمَالِكِ لَا يُعْتَبَرُ وَإِنْ أَصَابَ أَحَدُ الْكَلْبَيْنِ صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْآخَرُ فَالصَّيْدُ لِمَنْ أَثْخَنَهُ كَلْبُهُ لِإِخْرَاجِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا وَإِنْ أَثْخَنَاهُ فَبَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي السَّبَبِ. اهـ.

[الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ]
(قَوْلُهُ: وَالرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ بِقَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ شُرِطَ الْفَضْلُ) لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ تَابِعٌ لِلْمَالِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَمَا أَنَّ الرَّيْعَ تَابِعٌ لِلزَّرْعِ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالتَّسْمِيَةِ، وَقَدْ فَسَدَتْ فَبَقِيَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ أَفَادَ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ الْمَالِ أَنَّهَا شَرِكَةٌ فِي الْأَمْوَالِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدِهِمَا مَالٌ وَكَانَتْ فَاسِدَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى رَجُلٍ يُؤَاجِرُهَا عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ وَالْأَجْرُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ السَّفِينَةُ وَالْبَيْتُ، وَلَوْ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَبِيعَ عَلَيْهَا الْبُرَّ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْبُرِّ وَلِصَاحِبِ الدَّابَّةِ أَجْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّابَّةِ لَا تَصْلُحُ مَالًا لِلشَّرِكَةِ كَالْعُرُوضِ، وَلَوْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا دَابَّةٌ وَلِلْآخَرِ إكَافٌ وَجُوَالِقٌ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَ الدَّابَّةَ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ فَإِنَّ أَجْرَ الدَّابَّةِ مَعَ الْجُوَالِقِ وَالْإِكَافِ، فَالْأَجْرُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلِلدَّخِيلِ مَعَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَوْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ بَعِيرٌ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَاهُمَا وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا لَا تَصِحُّ فَإِنْ أَجَّرَاهُمَا قُسِمَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ أَوْ سَهْلَةُ الزُّجَاجِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الطِّينِ أَيْ أَوْ كَانَتْ سَهْلَةُ الزُّجَاجِ مَمْلُوكَةً

(قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى رَجُلٍ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الدَّابَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا دَفَعَهَا أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيَعْمَلَ عَلَيْهَا وَمَا حَصَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا الثُّلُثَانِ لِلْعَامِلِ وَالثُّلُثُ لِلْآخَرِ وَلَا شَكَّ فِي فَسَادِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْعُرُوضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَكَمَا لَا تَصِحُّ فِي الْعُرُوضِ لَا تَصِحُّ فِيهَا، وَإِذَا قُلْنَا بِفَسَادِهَا فَالْأَجْرُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا لِلْعَامِلِ مِنْهُمَا أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَلَا يُشْبِهُ الْعَمَلَ فِي الْمُشْتَرَكِ حَتَّى نَقُولَ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيمَا يُحْمَلُ وَهُوَ لِغَيْرِهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَهَذِهِ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ بِبِلَادِنَا وَغَيْرِهَا وَأَنَا فِي عَجَبٍ مِنْ سُكُوتِهِمْ عَنْهَا، وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ فَحْوَى كَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِنْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ بَعِيرٌ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَا ذَلِكَ فَمَا رَزَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ وَقَعَتْ عَلَى إجَارَةِ الدَّوَابِّ لَا تَقْبَلُ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ بِعْ مَنَافِعَ دَابَّتِك لِيَكُونَ ثَمَنُهُ بَيْنَنَا، وَلَوْ صَرَّحَا بِهَذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً، ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ فَبَعْدَ ذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ أَجَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَابَّتَهُ خَاصَّةً كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرُ دَابَّتِهِ خَاصَّةً كَمَا قَبْلَ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ أَجَّرَاهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَشْتَرِطَا فِي الْإِجَارَةِ عَمَلَ أَحَدِهِمَا كَانَ الْأَجْرُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ دَابَّتِهِمَا كَمَا قَبْلَ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ أَجَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَابَّتَهُ وَشَرَطَا عَمَلَهُمَا فِي الدَّابَّةِ أَوْ عَمَلَ أَحَدِهِمَا مِنْ السُّوقِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ الْأَجْرُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ دَابَّتِهِمَا وَعَلَى مِقْدَارِ أَجْرِ عَمَلِهِمَا كَمَا قَبْلَ الشَّرِكَةِ

(5/198)


عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَمِثْلِ أَجْرِ الْبَعِيرِ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ سَفِينَةٌ فَاشْتَرَكَ مَعَ أَرْبَعَةٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا بِسَفِينَتِهِ وَآلَاتِهَا، وَالْخُمُسُ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَالْحَاصِلُ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِمْ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ حُكْمًا) لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِتَحَقُّقِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَالْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ الِالْتِحَاقُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَوْ عَادَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ بِلَحَاقِهِ انْقَطَعَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَطَعَتْ، وَلَوْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَانْقَطَعَتْ الْمُفَاوَضَةُ عَلَى التَّوَقُّفِ هَلْ تَصِيرُ عَنَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا، وَعِنْدَهُمَا تَبْقَى عَنَانًا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلِمَ الشَّرِيكُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْعِلْمُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَبْضَعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَلْفًا لَهُ وَلِشَرِيكٍ لَهُ شَرِكَةُ عَنَانٍ بِرِضَا شَرِيكِ الْعِنَانِ لِيَشْتَرِيَ لَهُمَا مَتَاعًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ فَإِنْ مَاتَ الْمُبْضِعُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْتَبْضِعُ فَالْمَتَاعُ لِلْمُشْتَرِي وَيَضْمَنُ الْمَالَ وَيَكُونُ نِصْفُهُ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ وَنِصْفُهُ لِلْمُفَاوِضِ الْحَيِّ وَلِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ الْمُسْتَبْضِعُ فِي حَقِّ الْكُلِّ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ أَمْرُ الْمَيِّتِ عَلَى نَفْسِهِ وَشُرَكَائِهِ وَإِنْ مَاتَ شَرِيكُ الْعِنَانِ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْتَبْضِعُ فَالْمُشْتَرَى كُلُّهُ لِلْمُتَفَاوِضَيْنِ؛ لِأَنَّهُ انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِهِ فَانْعَزَلَ الْمُسْتَبْضِعُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ الْإِبْضَاعُ صَحِيحًا فِي حَقِّ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، ثُمَّ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ إنْ شَاءُوا رَجَعُوا بِحِصَّتِهِمْ عَلَى أَيِّهِمْ شَاءُوا، وَإِذَا لَزِمَ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ ضَمَانٌ لَزِمَ الْآخَرَ وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُسْتَبْضِعَ وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُسْتَبْضِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ مَاتَ الْمُفَاوِضُ الَّذِي لَمْ يُبْضِعْ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْتَبْضِعُ فَنِصْفُهُ لِلْآمِرِ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ وَيَضْمَنُ الْمُفَاوِضُ الْحَيُّ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ حِصَّتَهُمْ وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُبْضِعَ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْآمِرِ. اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا نَسِيئَةً، ثُمَّ مَاتَ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي وَمُخَاصَمَتُهُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ بَرِئَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْمِلْكَ إلَى مَالِكِهِ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ ثَلَاثَةً فَمَاتَ أَحَدُهُمْ حَتَّى انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ فِي حَقِّهِ لَا تَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْحَيِّ فَادَّعَى وَرَثَةُ الْمَيِّتِ الْمُفَاوَضَةَ وَجَحَدَ ذَلِكَ فَأَقَامَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ شَرِيكُهُ مُفَاوَضَةً لَمْ يَقْضِ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِ الْحَيِّ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِهِ حَالَ حَيَاةِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ مِنْ شَرِكَةٍ بَيْنَهُمَا. اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا فَسَخَهَا أَحَدُهُمَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْكَارُهَا فَسْخٌ وَإِنْ فَسَخَهَا أَحَدُهُمَا لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْآخَرُ وَإِنْ فَسَخَهَا أَحَدُهُمَا وَرَأْسُ مَالِهَا نَقْدٌ صَحَّ وَإِنْ عُرُوضًا وَضَالًّا رِوَايَةٌ فِيهَا إنَّمَا الرِّوَايَةُ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالطَّحَاوِيُّ جَعَلَهَا كَالْمُضَارَبَةِ فِي عَدَمِ الِانْفِسَاخِ، وَذَكَرَ بَكْرٌ أَنَّهُمَا إذَا فَسَخَا الْمُضَارَبَةَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَصِحُّ وَإِنْ أَحَدُهُمَا لَا، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ يَصِحُّ فَسْخُهَا لَوْ عُرُوضًا لَا الْمُضَارَبَةُ، وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ وَصُورَتُهُ اشْتَرَكَا وَاشْتَرَيَا أَمْتِعَةً، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَعْمَلُ مَعَك بِالشَّرِكَةِ وَغَابَ فَبَاعَ الْحَاضِرُ الْأَمْتِعَةَ فَالْحَاصِلُ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَعْمَلُ مَعَك فَسْخٌ لِلشَّرِكَةِ مَعَهُ وَأَحَدُهُمَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ التَّصَرُّفِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ بِالنَّقْدِ الْآخَرِ وَلَا يَعْمَلُ النَّهْيُ وَإِنْ عُرُوضًا لَا يَصِحُّ النَّهْيُ وَالْحَقُّ الشَّرِكَةُ بِالْمُضَارَبَةِ وَالْحَقُّ الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرْنَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أُرِيدُ شِرَاءَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لِنَفْسِي فَسَكَتَ الْآخَرُ فَاشْتَرَاهَا فَعَلَى الشَّرِكَةِ مَا لَمْ يَقُلْ نَعَمْ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
اهـ.
وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ عَلَى الْمِنَحِ.

[وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا]
(قَوْلُهُ: الْمُصَنِّفُ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ تَبْطُلُ شَرِكَةُ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ ثَلَاثَةً مَاتَ أَحَدُهُمْ حَتَّى انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ فِي حَقِّهِ لَا تَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ. اهـ.

(5/199)


جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا فَقَالَ ذَلِكَ فَسَكَتَ الْمُوَكِّلُ فَالْمُشْتَرَى لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ رَضِيَ بِهِ الْمُوَكِّلُ أَمْ لَا وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ اهـ.
وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ، وَقَدْ صَحَّحَ هُوَ انْفِرَادَ الشَّرِيكِ بِالْفَسْخِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ مُوجَبِهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ وَفِي الرِّضَا احْتِمَالٌ يَعْنِي إذَا كَانَ سَاكِتًا وَالْمُرَادُ بِمُوجَبِهَا وُقُوعُ الْمُشْتَرَى عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي ثَلَاثَةٍ اشْتَرَكُوا شَرِكَةً صَحِيحَةً عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ فَخَرَجَ وَاحِدٌ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ النَّوَاحِي لِشَرِكَتِهِمْ فَشَارَكَ الْحَاضِرَانِ آخَرَ عَلَى أَنَّ ثُلُثَ الرِّبْحِ لَهُ وَالثُّلُثَيْنِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْحَاضِرَيْنِ وَثُلُثُهُ لِلْغَائِبِ فَعَمِلَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَالِ سِنِينَ مَعَ الْحَاضِرَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ الْغَائِبُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ فَاقْتَسَمُوا وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ مَعَهُمْ هَذَا الرَّابِعُ حَتَّى خَسِرَ الْمَالَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَأَرَادَ الْغَائِبُ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَعَمَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ رِضَا بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنْ السُّكُوتِ السَّابِقِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ. اهـ.
وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنْ لَا غَلَطَ فِي كَلَامِهِمْ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ فَقَوْلُهُمْ يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ حَيْثُ أَعْلَمُهُ مَعْنَاهُ رَفْعُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَقَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ مَعْنَاهُ رَفْعُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَيَخْتَصَّ بِهِ وَلَا يَكُونُ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا صَاحِبِهِ وَلَا يَكْفِي عِلْمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَخَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِمَنْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مُتَفَاوِضُونَ غَابَ أَحَدُهُمْ وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَتَنَاقَضَا لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ بِدُونِ الْغَائِبِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ جَحَدَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَضَمِنَ نِصْفَ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ إذَا ظَهَرَتْ الْمُفَاوَضَةُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ جَحَدَ الْأَمَانَةَ فَصَارَ غَاصِبًا، وَكَذَلِكَ جُحُودُ وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا، ثُمَّ افْتَرَقَا وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ قَبْضُ الْمَالِ كُلِّهِ فَإِلَى أَيِّهِمَا دَفَعَ بَرِئَ وَإِنْ عَلِمَ بِالْفُرْقَةِ لَمْ يَدْفَعْ إلَّا إلَى الْعَاقِدِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَرِيكِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ نَصِيبِ الْعَاقِدِ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يُخَاصِمُ بِهِ إلَّا الْبَائِعَ، وَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَبْقَى كَلَامَ الْخُلَاصَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ غَلَطًا لِمَا أَنَّهُ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ عِبَارَتِهِ إلَى مَا ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ مُوجِبِهَا وَهُوَ اشْتِرَاكُ كُلِّ مُشْتَرِي بِأَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الْمُشْتَرَيَاتِ خَاصًّا مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا بِدُونِ رِضَا الْآخَرِ، وَكَوْنُهُ يَمْلِكُ بِانْفِرَادِهِ الْفَسْخَ وَرَفْعُ الْعَقْدِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ وَأَقُولُ: مِنْ هُنَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ الشَّرِيكِ فَإِنَّ سُكُوتَ الْمُوَكِّلِ حِينَ قَالَ الْوَكِيلُ أُرِيدُ شِرَاءَ الْأَمَةِ لِنَفْسِي يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِعِلْمِ الْمُوَكِّلِ فَصَحَّ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَمَّا سَكَتَ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الْوَكَالَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلشَّرِكَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَنَّ حُكْمَهَا اشْتِرَاكُ كُلِّ مُشْتَرِي وَأَنَّ الشَّرْطَ الْمُفْسِدَ لَا يُفْسِدُهَا فَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ، وَالْوَكَالَةُ الْحُكْمِيَّةُ بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ؛ لِأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ بِقَوْلِ الْوَكِيلِ أُرِيدُ شِرَاءَهَا لِنَفْسِي أَيْ لَا لَك وَقَدْ سَكَتَ فَلَوْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي بَقَائِهِ لَمَنَعَهُ بِمَا يُشَاهَدُ، وَهَذَا فَرْقٌ لَطِيفٌ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ إلَخْ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ السَّابِقَةِ أَيْ لَا يُعَلَّلُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ رَضِيَ الْمُوَكِّلُ أَمْ لَا وَالشَّرِيكُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ مِنْ انْفِرَادِ الشَّرِيكِ بِالْفَسْخِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ حُمِلَ فَرْقُ الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ الْغَلَطِ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنْ لَا غَلَطَ فِي كَلَامِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُ هَذَا التَّوْفِيقِ إرْجَاعُ تَعْلِيلِهِمْ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَقَدْ جَعَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ مُؤَدَّى كَلَامِ الْفَتْحِ كَمَا عَلِمْته وَهُوَ بَعِيدٌ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْفَتْحِ بَيَانُ الْمُخَالَفَةِ لِمَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِهَا لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَغْيِيرَ مُوجِبِهَا لَا يُسَمَّى فَسْخًا. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ لَا يُسَمَّى فَسْخًا لِلْعَقْدِ بِالْكُلِّيَّةِ فَمُسَلَّمٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ لَا يُسَمَّى فَسْخًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى الْخَاصِّ فَمَمْنُوعٌ، نَعَمْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ أَنَّ الْمُرَادَ فَسْخُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا فَسْخُهَا فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى الْخَاصِّ؛ وَلِذَا جَزَمَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ غَلَطٌ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِي إمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُمْكِنٌ بِمَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُتَبَادَرِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْإِمْكَانِ مُشِيرٌ إلَى ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْغَلَطِ وَكَذَا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُهُ تَقْدِيمُ تَصْحِيحِ خِلَافِهِ.

(5/200)


ثُمَّ افْتَرَقَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَقَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ. اهـ.
وَفِيهِ قَبْلَهُ، وَلَوْ أَبْضَعَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا فَاشْتَرَى الْمُسْتَبْضَعُ بِالْبِضَاعَةِ شَيْئًا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا فَإِنْ عَلِمَ بِتَفَرُّقِهِمَا فَالْمُشْتَرَى لِلْمُبْضِعِ خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَى الْمُسْتَبْضَعِ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ فَالْمُشْتَرَى لِلْمُبْضِعِ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهَا إذَا جُنَّ أَحَدُهُمَا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ شَرِيكَيْنِ جُنَّ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ الْآخَرُ بِالْمَالِ حَتَّى رَبِحَ أَوْ وَضَعَ، قَالَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ إلَى أَنْ يَتِمَّ إطْبَاقُ الْجُنُونِ عَلَيْهِ فَإِذَا قَضَى ذَلِكَ الْوَقْتَ تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا عَمِلَ بِالْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَالْغَصْبِ لِمَالِ الْمَجْنُونِ فَيَطِيبُ لَهُ رِبْحُ مَالِهِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَ مِنْ مَالِ الْمَجْنُونِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إذَا اشْتَرَيَا بِالْمَالِ مَتَاعًا، ثُمَّ أَرَادَا الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ ذَلِكَ يَوْمَ اشْتَرَيَاهُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِهِ، وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي الْعُرُوضِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حِصَّةَ مَالِهِ فَاشْتَرَيَا بِهَا مَتَاعًا، ثُمَّ بَاعَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ الدَّرَاهِمَ عَلَى قِيمَةِ الْعُرُوضِ يَوْمَ اشْتَرَيَاهُ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ اخْتِلَافِهِمَا وَلَا بَأْسَ بِبَيَانِهِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ شَارَكَهُ مُفَاوَضَةً وَالْمَالُ فِي يَدِ الْجَاحِدِ، فَالْقَوْلُ لِلْجَاحِدِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ أَقَامَهَا فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ بَيْنَهُمَا أَوْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا قُبِلَتْ وَقَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ فَقَطْ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ قَبُولَهَا وَذَكَرَ خواهر زاده قَبُولَهَا إنْ شَهِدُوا فِي مَجْلِسِ الدَّعْوَى وَإِنْ بَعْدَمَا تَفَرَّقَا لَا يَقْضِي مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا أَوْ يُقِرُّ الْجَاحِدُ أَنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِهِ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ إذَا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فَادَّعَى ذُو الْيَدِ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ مِيرَاثًا أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَ شُهُودُ مُدَّعِي الْمُفَاوَضَةِ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَأَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَأَنَّ الْمَالَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَلَمْ يَزِيدُوا قُبِلَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ التَّلَقِّي مِنْ الْمُدَّعِي تُسْمَعُ وَتُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَإِذَا افْتَرَقَ الْمُتَفَاوِضَانِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ كَانَ بِالنِّصْفِ وَادَّعَى الْآخَرُ بِالثُّلُثِ، وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُفَاوَضَةِ فَجَمِيعُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَتَمَامُهُ فِيهَا.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يُزَكَّ مَالُ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي أَدَائِهَا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ وَأَدَّيَا مَعًا ضَمِنَا، وَلَوْ مُتَعَاقِبًا ضَمِنَ الثَّانِي) أَيْ إنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَأَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ كَانَ الثَّانِي ضَامِنًا لِلْأَوَّلِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلِمَ بِأَدَاءِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَمَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ لَهُمَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ التَّمْلِيكَ لَا وُقُوعَهُ زَكَاةً لِتَعَلُّقِهِ بِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُ مَا فِي وُسْعِهِ وَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَجَّ الْآمِرُ لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ عَلِمَ أَوْ لَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَصَارَ مُخَالِفًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْآمِرِ إخْرَاجُ النَّفْسِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الضَّرَرَ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَصَلَ بِأَدَائِهِ فَعَرَى أَدَاءُ الْمَأْمُورِ عَنْهُ فَصَارَ مَعْزُولًا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ، وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَزُولَ الْإِحْصَارُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْأَدَاءُ وَاجِبٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5/201)


فَاعْتُبِرَ الْإِسْقَاطُ مَقْصُودًا فِيهِ دُونَ دَمِ الْإِحْصَارِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَنَقَلَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا وَإِنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْمَالِكِ وَنَصَّ فِي زِيَادَاتِ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

[أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِشِرَاءِ أَمَةٍ لِيَطَأَ فَفَعَلَ]
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِشِرَاءِ أَمَةٍ لِيَطَأَ فَفَعَلَ فَهِيَ لَهُ بِلَا شَيْءٍ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ كَمَا فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لَهُ خَاصَّةً وَالثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الْبَتَاتِ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ إذْ هُمَا لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَهُ فَأَشْبَهَ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْهِبَةِ الثَّانِيَةِ فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى عَنْهَا لِلضَّرُورَةِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ خَاصَّةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِمَا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَالْمُفَاوَضَةُ تَضَمَّنَتْ الْكَفَالَةَ فَصَارَ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةُ قَيْدٌ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ بِلَا إذْنٍ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ لَا يَكُونُ إذْنًا فَلَا يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُكُوتِ الْمُوَكِّلِ.