البحر
الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي [بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ
وَالْعَبْدَيْنِ]
(6/262)
أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ دُونَ
الْآخَرِ، وَأَدَّى الْكَفِيلُ فَجَعَلَهُ عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ
يُصَدَّقُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ
الْكِتَابِ سَهْوٌ، وَإِنَّمَا هِيَ خَارِجَةٌ عَنْهَا بِمَفْهُومِ
التَّقْيِيدِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا
تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَلَا عَنْ رَجُلٍ فَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا
أَدَّى رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ أَوْ بِالْكُلِّ عَلَى
الْأَصِيلِ) ؛ لِأَنَّ مَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا وَقَعَ شَائِعًا عَنْهُمَا
إذْ الْكُلُّ كَفَالَةٌ فَلَا تَرْجِيحَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ
بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ فَلَا
يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الِاسْتِوَاءُ، وَقَدْ
حَصَلَ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى بِخِلَافِ مَا
تَقَدَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا
عَنْهُ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِنَائِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ
رَجَعَ بِالْجَمِيعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ
بِجَمِيعِ الْمَالِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدَيْنِ
لِلْمَسْأَلَةِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَتَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ
الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَوْ تَكَفَّلَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ، ثُمَّ تَكَفَّلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ
فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الصَّحِيحِ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى
يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ، وَكَذَا لَوْ تَكَفَّلَا عَنْ الْأَصِيلِ
بِجَمِيعِ الدَّيْنِ مَعًا ثُمَّ تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ
صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَلَا
يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ الثَّانِي أَنْ يَكْفُلَ
كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ بِالْجَمِيعِ فَلَوْ كَفَلَ كُلٌّ عَنْ الْأَصِيلِ
بِالْجَمِيعِ مُتَعَاقِبًا، ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ
صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ فَكَالْأُولَى.
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا أَخَذَ الْآخَرُ
بِكُلِّهِ) لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ
فَيَبْقَى الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ
بِكُلِّهِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْمُحِيطِ كَفَالَةُ الرَّجُلَيْنِ الْمَبْسُوطُ مَسَائِلُهُ عَلَى
أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ كَفَلَ ثَلَاثَةٌ عَنْ رَجُلٍ
بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّى أَحَدُهُمْ بَرِئُوا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى
صَاحِبَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ
فَأَدَّاهَا أَحَدُهُمْ رَجَعَ الْمُؤَدِّي عَلَيْهِمَا بِالثُّلُثَيْنِ
وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَلْفٍ
الْقِسْمُ الثَّانِي لِرَجُلٍ عَلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ
وَمِائَتَانِ، وَكُلُّ اثْنَيْنِ كَفِيلَانِ عَنْ اثْنَيْنِ بِجَمِيعِ
الْمَالِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ
وَأَيُّ اثْنَيْنِ شَاءَ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ
الصَّوَابُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمْ شَاءَ وَحْدَهُ بِنِصْفِ الْمَالِ،
وَأَيُّ اثْنَيْنِ شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ لِرَجُلٍ عَلَى عَشْرَةِ أَنْفُسٍ أَلْفٌ، وَكُلُّ
أَرْبَعَةٍ كَفِيلٌ عَنْ أَرْبَعَةٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ يَأْخُذُ مِنْ
أَحَدِهِمْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ، مِائَةٌ حِصَّتُهُ مِنْ
الدَّيْنِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ حِصَّتُهُ مِنْ
الْكَفَالَةِ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ لَوْ كَانَ أَصْلُ الْمَالِ عَلَى
ثَلَاثَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبَيْهِ فَأَدَّى أَحَدُهُمْ
شَيْئًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَكُونُ الْمُؤَدَّى
عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ وَفِي وَجْهٍ يَكُونُ الْمُؤَدَّى
عَنْهُ وَعَنْ صَاحِبَيْهِ وَفِي وَجْهٍ يَكُونُ الْمُؤَدَّى عَنْ نَفْسِهِ
إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَإِنْ عَيَّنَ يَكُونُ عَنْ صَاحِبِهِ. مِثَالُ
الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْمَالُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَأَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا يَكُونُ إلَى تَمَامِ
الثُّلُثِ عَنْهُ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يَكُونُ عَنْ صَاحِبَيْهِ
وَلَوْ قَالَ هَذَا مِنْ كَفَالَةِ صَاحِبِي لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي لَوْ
كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفٌ فَكَفَلَ ثَلَاثَةٌ عَنْهُ عَلَى أَنْ
يَكُونَ بَعْضُهُمْ كَفِيلًا عَنْ الْبَعْضِ، فَأَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا
يَكُونُ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ صَاحِبَيْهِ، وَإِنْ عَيَّنَ عَنْ
أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ.
وَالثَّالِثُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى رَجُلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا كَفِيلٌ
عَنْ صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ لَمْ يَكْفُلْ عَنْهُ إنْ أَدَّى الْكَفِيلُ
شَيْئًا، وَلَمْ يُعَيِّنْ كَانَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَإِنْ عَيَّنَ
يَكُونُ عَنْ صَاحِبِهِ وَتَمَامُهُ مَعَ الْبَيَانِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ
فِي الْمُنْتَقَى رَجُلَانِ كَفَلَا عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ بِمَالِ عَلَى
أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ أَدَّى
أَحَدُهُمَا شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ مَا أَدَّى عَلَى
الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ وَعَلَى
شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ وَإِنْ ضَمِنَا عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ
لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ
مِنْ النِّصْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ
الْكِتَابِ سَهْوٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنَّ هَذِهِ
وَارِدَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْ عَلَى تَوْجِيهِهَا،
وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنَّمَا لَا يَصِحُّ
تَعْيِينُهُ صَرْفًا إلَى الْأَقْوَى، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ
وَهَذَا كَذَلِكَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَعْيِينُهُ أَيْضًا
وَلَمَّا خَفِيَ هَذَا عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ ادَّعَى أَنَّهُ سَهْوٌ
اهـ.
وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ هَلْ يُمْكِنُ دَفْعُ وُرُودِ
تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ
مُعَلَّلَةٌ بِكُلٍّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْأَقْوَى وَلُزُومِ الدَّوْرِ
فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يَنْبُو عَنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ) قَالَ فِي
النِّهَايَةِ
(6/263)
فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى
النِّصْفِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ
بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا الْمَالِ أَيُّهُمَا شَاءَ
فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ كَفَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ
بِأَمْرِهِ اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ وَلَوْ افْتَرَقَ الْمُفَاوِضَانِ أَخَذَ الْغَرِيمُ أَيًّا
شَاءَ بِكُلِّ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ
صَاحِبِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الشَّرِكَةِ قَيَّدَ بِالْمُفَاوِضَيْنِ
أَيْ الشَّرِيكَيْنِ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّ شَرِيكَ الْعَنَانِ لَا
يُؤَاخَذُ عَنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ بَلْ
الْوَكَالَةَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الشَّرِكَةِ
أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ فِي تِجَارَتِهِمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ
لَزِمَ الْمُقِرَّ كُلُّهُ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي تَوَلَّاهُ، وَإِنْ
أَقَرَّ أَنَّهُمَا تَوَلَّيَاهُ لَزِمَ نِصْفُهُ وَلَا يَلْزَمُ
الْمُنْكِرَ شَيْءٌ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ
شَيْءٌ اهـ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) لِمَا
بَيَّنَّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكَفَلَ كُلٌّ
عَنْ صَاحِبِهِ وَأَدَّى أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا
الْعَقْدَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا أَصِيلًا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ
عِتْقُهُمَا مُعَلَّقًا بِأَدَائِهِ، وَيُجْعَلُ كَفِيلًا بِالْأَلْفِ فِي
حَقِّ صَاحِبِهِ، وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ
عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ
لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُسَاوَاةُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَكَفَلَ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ كَاتَبَهُمَا مَعًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ
حِصَّتُهُ، وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ
الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَوْ كَاتَبَهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا إنْ
أَدَّيَا عَتَقَا، وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ
الْكَفَالَةَ فَعِنْدَنَا لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ
جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَوْلَى فِي
الْعَقْدِ تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا شَرْعًا، وَقَدْ شُرِطَ
الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَائِهِمَا جَمِيعَ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ
شَرْطَ الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ نَصٌّ فَلَوْ عَتَقَ أَحَدُهُمَا
بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِشَرْطِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ
حَرَّرَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ أَيًّا شَاءَ بِحِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْهُ)
وَإِنَّمَا جَازَ الْعِتْقُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَبَرِئَ عَنْ
النِّصْفِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ
وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ، وَلَمْ يَبْقَ وَسِيلَةً فَيَسْقُطُ وَيَبْقَى
النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ
بِرَقَبَتِهِمَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ، وَإِذَا جَاءَ الْعِتْقُ اُسْتُغْنِيَ
عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُقَابَلًا بِرَقَبَتِهِمَا فَلِهَذَا يَتَنَصَّفُ
وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ أَيَّهُمَا
شَاءَ الْمُعْتَقُ بِالْكَفَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْأَصَالَةِ. قَوْلُهُ
(فَإِنْ أَخَذَ الْمُعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَخَذَ
الْآخَرَ لَا) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ مُؤَدٍّ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَالْآخَرَ
مُؤَدٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ
الْكِتَابَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْبَقَاءِ، وَأَمَّا فِي
الِابْتِدَاءِ الْمَالُ كُلُّهُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَالًا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ
عِتْقِهِ فَهُوَ حَالٌّ) كَمَا إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِاسْتِهْلَاكِ
مَالٍ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ
وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ شَيْئًا فَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ
وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا
يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ فَإِذَا ضَمِنَهُ إنْسَانٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ
أَنَّهُ حَالٌّ وَلَا غَيْرُهُ كَانَ عَلَى الضَّامِنِ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ
حَالٌّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ
لَا يُطَالَبُ لِعُسْرَتِهِ إذْ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى
وَلَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَالْكَفِيلُ غَيْرُ مُعْسِرٍ فَصَارَ
كَمَا إذَا كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ أَوْ مُفْلِسٍ بِخِلَافِ الدَّيْنِ
الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ بِمُؤَخَّرٍ، ثُمَّ إذَا أَدَّى
رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَرْجِعُ
عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَكَذَا الْكَفِيلُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ
وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ لِيُفْهَمَ
مِنْهُ حُكْمُ مَا يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ بِالْأُولَى كَدَيْنِ
الِاسْتِهْلَاكِ عِيَانًا، وَمَا لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ بِإِذْنِ
الْمَوْلَى وَجَعَلَهُ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا كَمَا فِي الشَّرْحِ سَهْوٌ
كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ كَانَ كَفَلَ بِدَيْنِ
الِاسْتِهْلَاكِ الْمُعَايَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْعِتْقِ
إذَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ وَلَا مُؤَخَّرٍ إلَى
الْعِتْقِ فَيُطَالَبُ السَّيِّدُ بِتَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ أَوْ الْقَضَاءِ
عَنْهُ، وَبَحَثَ أَهْلُ الدَّرْسِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا
الرُّجُوعِ الْأَمْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
وَفِي الشَّافِي ثَلَاثَةٌ كَفَلُوا بِأَلْفٍ يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ
بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَإِنْ كَفَلُوا عَلَى التَّعَاقُبِ يُطَالَبُ كُلُّ
وَاحِدٍ بِالْأَلْفِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ
والمرغيناني والتمرتاشي كَذَا فِي نُورِ الْعَيْنِ.
(6/264)
بِالْكَفَالَةِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ
السَّيِّدِ، وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ؛
لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا رُجُوعُ الْكَفِيلِ فَلَهُ شَرَائِطُ مِنْهَا
أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَمِنْهَا أَنْ
يَكُونَ بِإِذْنٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ إذْنُ مَنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى
نَفْسِهِ بِالدَّيْنِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ كَفَلَ عَنْ الصَّبِيِّ
الْمَحْجُورِ بِإِذْنِهِ فَأَدَّى لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ
بِالْكَفَالَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ
اسْتِقْرَاضٌ، وَاسْتِقْرَاضُ الصَّبِيِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ،
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فَإِذْنُهُ بِالْكَفَالَةِ صَحِيحٌ فِي
حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ لَكِنْ لَا
يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ صَالَحَ عَنْ الدَّمِ عَلَى
مَالٍ مُؤَجَّلٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقَتْلُ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ أَوْ
بِالْبَيِّنَةِ وَكَفَلَ إنْسَانٌ بِالْبَدَلِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ
فَرَدَّ فِي الرِّقِّ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَالِحِ أَنْ يَأْخُذَ
الْمُكَاتَبَ حَتَّى يُعْتَقَ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمَالِ فِي
الذِّمَّةِ عِوَضًا عَنْ الدَّمِ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ
الْمَوْلَى، فَإِذَا خَلَصَ إكْسَابُهُ بِالْحُرِّيَّةِ يُؤْخَذُ بِهِ
وَلِلْمُصَالِحِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ؛
لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَالٍ وَاجِبٍ لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ
الْمُطَالَبَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْعِتْقِ لِإِفْلَاسِهِ
وَعَجْزِهِ فَلَا تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ عَنْ الْكَفِيلِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ
الْعَبْدُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَلَوْ
ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ
بَرِئَ الْكَفِيلُ) ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ إذَا
كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ عَبْدًا لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بَعْدَ
مَوْتِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مُكَرَّرَةٌ؛ لِأَنَّهُ
قَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ
الْمَطْلُوبِ وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ،
وَلَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا لِيُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ فِي
الْأُولَى رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَهِيَ مَالٌ وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ
الْمَالِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ عَلَى الْمَوْلَى رَدَّ
الْعَبْدِ عَلَى وَجْهٍ يُخْلِفُهَا قِيمَتَهَا، وَقَدْ الْتَزَمَ
الْكَفِيلُ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تَبْقَى الْقِيمَةُ وَاجِبَةً عَلَى
الْأَصِيلِ فَكَذَا عَلَى الْكَفِيلِ، فَالْمَكْفُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كَفَالَةٌ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَهِيَ
تُسْتَفَادُ أَيْضًا مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ قُيِّدَ
بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِلْكُ الْمُدَّعِي
بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَوْ بِنُكُولِهِ عِنْدَ التَّحْلِيفِ، وَقَدْ
مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ قَضَى بِقِيمَةِ الْمُدَّعِي عَلَى
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ مِمَّا
يَلْزَمُ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا إذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِمَا أَقَرَّ
بِهِ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَصِيلِ لَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً فِي
حَقِّ الْكَفِيلِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ
فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمُقِرِّ، وَلَا يَعْدُوهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ
الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مُكَاتَبٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا
فَصَالَحَ عَنْ الدَّمِ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَكَفَلَ رَجُلٌ
بِالْعَبْدِ فَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ لِوَلِيِّ
الدَّمِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءَ
طَالَبَ الْمُكَاتَبُ أَيْضًا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ
دَمِ الْعَمْدِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْبَدَلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ
فَإِذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ مَعَ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ
يُطَالَبُ بِقِيمَةِ الْبَدَلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا،
وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَفَلَ عَبْدٌ عَنْ سَيِّدِهِ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ
فَأَدَّاهُ، أَوْ كَفَلَ سَيِّدُهُ عَنْهُ وَأَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ
يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ) . بَيَانٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ
الْأُولَى كَفَالَةُ الْعَبْدِ عَنْ سَيِّدِهِ. وَالثَّانِيَةُ عَكْسُهُ.
أَمَّا الْأُولَى فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ
حَتَّى تَصِحَّ كَفَالَتُهُ بِالْمَالِ عَنْ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا
صَحَّتْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَالِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ، وَهُوَ يَمْلِكُ
أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ بِأَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ يُقِرَّ بِالدَّيْنِ
وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تَصِحَّ كَفَالَتُهُ
لِحَقِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ إلَخْ)
قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَأَيْت مُقَيَّدًا عِنْدِي أَنَّ مَا قَوِيَ هُوَ
الْمَذْكُورُ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ.
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ قَوْلَ الْبَدَائِعِ الْآتِيَ، وَأَمَّا
الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فَإِذْنُهُ بِالْكَفَالَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ
نَفْسِهِ إلَخْ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَفَالَةٍ بِدَيْنٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ
لِلْحَالِ أَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَوْلَى
مُؤَاخَذٌ بِهَذَا الدَّيْنِ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ أَوْ الْقَضَاءِ عَنْهُ
وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْكَفَالَةُ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلتَّوَقُّفِ عَلَى
كَوْنِهَا بِأَمْرِهِ فَيَكْفِي أَمْرُ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ عَلَى
الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ ضَرَرٌ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تَصِحَّ
كَفَالَتُهُ إلَخْ) نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْفَتَاوَى
الْهِنْدِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَقَدْ كَفَلَ عَنْ
الْمَوْلَى أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَا
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ رَقِيقًا فَإِذَا عَتَقَ لَزِمَهُ ذَلِكَ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مَنْعُ صِحَّةِ الْإِذْنِ
وَمُطَالَبَتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَيْسَ فِيهَا إضْرَارٌ بِهِمْ،
وَانْظُرْ لَوْ كَانَ مَدْيُونًا غَيْرَ مُسْتَغْرَقٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ
يُوفِي مِنْ الْفَاضِلِ لَوْ بِالْأَمْرِ، وَيُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ
الْعِتْقِ ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ فَمَا فَائِدَةُ
التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ،
وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُونَ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي
الْأَدَاءِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(6/265)
الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ
فَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا
عَلَى الْآخَرِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ
لِلرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا،
وَكَذَا الْعَبْدُ عَلَى مَوْلَاهُ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً أَبَدًا
كَمَنْ كَفَلَ عَنْ عَبْدِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَهُ، ثُمَّ
فَائِدَةُ كَفَالَةِ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ وُجُوبُ مُطَالَبَتِهِ
بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَفَائِدَةُ كَفَالَةِ
الْعَبْدِ عَنْ مَوْلَاهُ تَعَلُّقُهُ بِرَقَبَتِهِ قُيِّدَ بِكَفَالَةِ
السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ كَفَالَةَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ عَنْ
مَدْيُونِهِ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَدْيُونًا فَلَوْ أَنَّ هَذَا
الْعَبْدَ قَضَى وَلِيُّهُ دَيْنَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ
كَفَالَةُ الْمَوْلَى كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي هَذَا التَّفْرِيعِ
أَعْنِي قَوْلَهُ فَلَوْ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ إلَى آخِرِهِ نَظَرٌ اهـ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(كِتَابُ الْحَوَالَةِ)
ذَكَرَهَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ الْتِزَامِ مَا
عَلَى الْأَصِيلِ لِلتَّوَثُّقِ، إلَّا أَنَّ الْحَوَالَةَ تَتَضَمَّنُ
بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بَرَاءَةً مُقَيَّدَةً بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ،
فَكَانَتْ كَالْمُرَكَّبِ مَعَ الْمُفْرَدِ وَالْمُفْرَدُ مُقَدَّمٌ
فَأَخَّرَ الْحَوَالَةَ عَنْهَا، وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ:
الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً فَفِي الْمِصْبَاحِ حَوَّلْته تَحْوِيلًا
نَقَلْته مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَحَوَّلَ هُوَ تَحْوِيلًا
يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا مُتَعَدِّيًا، وَحَوَّلْت الرِّدَاءَ نَقَلْت كُلَّ
طَرَفٍ إلَى مَوْضِعِ الْآخَرِ وَالْحَوَالَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَذَا
فَأَحَلْته بِدَيْنِهِ نَقَلْته مِنْ ذِمَّةٍ إلَى غَيْرِ ذِمَّتِك،
وَأَحَلْت الشَّيْءَ إحَالَةً نَقَلْته أَيْضًا اهـ.
وَفِي الصِّحَاحِ أَحَالَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ وَالِاسْمُ الْحَوَالَةُ
اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يُقَالُ أَحَلْت زَيْدًا بِمَالِهِ عَلَى عَمْرٍو
فَاحْتَالَ أَيْ قَبِلَ فَأَنَا مُحِيلٌ وَزَيْدٌ مُحَالٌ يُقَالُ
مُحْتَالٌ وَالْمَالُ مُحَالٌ بِهِ وَالرَّجُلُ مُحَالٌ عَلَيْهِ،
وَيُقَالُ مُحْتَالٌ عَلَيْهِ فَتَقْدِيرُ الْأَصْلِ فِي مُحْتَالٍ
الْوَاقِعِ فَاعِلًا مُحْتَوِلٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفِي الْوَاقِعِ
مَفْعُولًا مُحْتَوَلٌ بِالْفَتْحِ كَمَا يُقَدَّرُ فِي مُخْتَارٍ
الْفَاعِلُ مُخْتِيرٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا فِي مُخْتَارٍ
الْمَفْعُولُ، وَأَمَّا صِلَةً لَهُ مَعَ الْمُحْتَالِ الْفَاعِلِ فَلَا
حَاجَةَ إلَيْهَا بَلْ الصِّلَةُ مَعَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَفْظَةُ
عَلَيْهِ فَهُمَا مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ عَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا
بِعَدَمِ الصِّلَةِ وَبِصِلَةِ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ لِلْمُحْتَالِ حَوِيلٌ
أَيْضًا فَالْمُحِيلُ هُوَ الْمَدْيُونُ وَالْمُحَالُ وَالْمُحْتَالُ رَبُّ
الدَّيْنِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي
الْتَزَمَ ذَلِكَ الدَّيْنَ لِلْمُحْتَالِ وَالْمُحَالُ بِهِ نَفْسُ
الدَّيْنِ اهـ.
الثَّانِي فِي مَعْنَاهَا شَرِيعَةً فَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (هِيَ نَقْلُ
الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ) أَيْ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى
ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ فَقَدْ اتَّفَقُوا
عَلَى أَصْلِ النَّقْلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ فَقِيلَ
إنَّهَا نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ وَالدَّيْنِ، وَقِيلَ نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ
فَقَطْ وَجُعِلَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَائِعِ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ،
وَنَسَبَ الشَّارِحُ الْأَوَّلَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِيَ إلَى
مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الْأَوَّلِ دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ مِنْ أَنَّ
الْمُحْتَالَ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ
وَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحِيلَ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ
يَصِحَّ وَلَوْلَا انْتِقَالُهُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَمَا
صَحَّ الْأَوَّلُ، وَلَصَحَّ الثَّانِي وَحُكِيَ فِي الْمَجْمَعِ خِلَافُ
مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فَنَقَلَ
الْإِجْمَاعَ، وَوَجْهُ الثَّانِي دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا مِنْ
أَنَّ الْمُحِيلَ إذَا قَضَى دَيْنَ الطَّالِبِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ قَبْلَ
أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا،
وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَكَانَ
مُتَطَوِّعًا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا إذَا
تَطَوَّعْ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ إنْسَانٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا
الْمُحْتَالُ لَوْ أَبْرَأ الْمُحَالَ عَلَيْهِ دَيْنَ الْحَوَالَةِ لَا
يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ارْتَدَّ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ
الطَّالِبُ الْكَفِيلَ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ، وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى
ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْإِبْرَاءِ
وَالْهِبَةِ، وَكَذَا الْمُحَالُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ
دَيْنِ الْحَوَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنْ كَاتَبَ
بِأَمْرِهِ كَالْكَفَالَةِ وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْهُ فَلَهُ
الرُّجُوعُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَوْ كَانَ
لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ
فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْحَوَالَةِ
وَالْكَفَالَةِ، ثُمَّ الدَّيْنُ فِي بَابِ الْكَفَالَةِ ثَابِتٌ فِي
ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق] |