الجوهرة
النيرة على مختصر القدوري [كِتَابُ الرَّجْعَةِ]
(كِتَابُ الرَّجْعَةِ) هِيَ الْمُرَاجَعَةُ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ
ارْتِجَاعِ الْمُطَلِّقِ مُطَلَّقَتَهُ عَلَى حُكْمِ النِّكَاحِ
الْأَوَّلِ، وَهِيَ تَثْبُتُ فِي كُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ
بَعْدَ الدُّخُولِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ جُمْلَةَ عَدَدِ الطَّلَاقِ
عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْصُلْ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقِهَا عِوَضٌ وَيُعْتَبَرُ
بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا طَلَّقَ
الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ
فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ
تَرْضَ) إنَّمَا شُرِطَ بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا إذَا
انْقَضَتْ زَالَ الْمِلْكُ وَحُقُوقُهُ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بَعْدَ
ذَلِكَ وَقَوْلُهُ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضَ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى
الزَّوْجِيَّةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الظِّهَارِ عَلَيْهَا وَالْإِيلَاءِ
وَاللِّعَانِ وَالتَّوَارُثِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ
مُعْتَدَّةً بِالْإِجْمَاعِ وَلِلزَّوْجِ إمْسَاكُ زَوْجَتِهِ رَضِيَتْ
أَوْ لَمْ تَرْضَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] سَمَّاهُ بَعْلًا
وَهَذَا يَقْتَضِي بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا.
[الرَّجْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ]
(قَوْلُهُ وَالرَّجْعَةُ أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْتُ
امْرَأَتِي) هَذَا صَرِيحُ الرَّجْعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَقَوْلُهُ
رَاجَعْتُك هَذَا فِي الْحَضْرَةِ وَقَوْلُهُ رَاجَعْت امْرَأَتِي فِي
الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ ثُمَّ الرَّجْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ
وَبِدْعِيٍّ فَالسُّنِّيُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ وَيُشْهِدَ عَلَى
رَجْعَتِهَا شَاهِدِينَ وَيُعْلِمَهَا بِذَلِكَ فَإِنْ رَاجَعَهَا
بِالْقَوْلِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لَهَا رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْت
امْرَأَتِي وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا
بِذَلِكَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ وَإِنْ
رَاجَعَهَا بِالْفِعْلِ مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا
بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ
مُرَاجِعًا عِنْدَنَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يُرَاجِعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ وَإِنْ نَظَرَ إلَى
سَائِرِ أَعْضَائِهَا بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ مُرَاجِعًا.
(قَوْلُهُ أَوْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ
أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ) يَعْنِي الْفَرْجَ الدَّاخِلَ
وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ انْكِبَابِهَا وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ
عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا عِوَضَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ
الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ عَلَى
الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِهِ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِلَفْظِ
التَّزْوِيجِ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا إذَا
تَزَوَّجَهَا صَارَ مُرَاجِعًا لَهَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ قَالَ
أَنْتِ امْرَأَتِي وَنَوَى الرَّجْعَةَ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ هُوَ
رَجْعَةٌ وَمِنْ أَلْفَاظِ الرَّجْعَةِ أَيْضًا رَدَدْتُك وَأَمْسَكْتُك
أَوْ أَنْتَ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ كَذَا
فِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ كِنَايَاتُ الرَّجْعَةِ وَلَوْ جَامَعَتْهُ
وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ صَارَ مُرَاجِعًا
وَقَوْلُهُ أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ يَعْنِي عَلَى الْفَمِ
بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْخَدِّ أَوْ الذَّقَنِ أَوْ
الْجَبْهَةِ أَوْ الرَّأْسِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَظَاهِرُ مَا أَطْلَقَ فِي
الْعُيُونِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ تُوجِبُ حُرْمَةَ
الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي
الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ.
وَكَذَا إذَا لَمَسَتْهُ هِيَ أَيْضًا بِشَهْوَةٍ كَانَ رَجْعَةً عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا لَمَسَتْهُ
فَتَرَكَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهَا فَهُوَ رَجْعَةٌ وَإِنْ
مَنَعَهَا وَلَمْ يَتْرُكْهَا لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً.
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا لَمَسَتْهُ مُخْتَلِسَةً وَهُوَ كَارِهٌ أَوْ
نَائِمٌ أَوْ زَائِلُ الْعَقْلِ وَأَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهَا فَعَلَتْهُ
بِشَهْوَةٍ كَانَ رَجْعَةً عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً إلَّا إذَا تَرَكَهَا وَهُوَ
يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّمْسُ وَالنَّظَرُ مِنْ
غَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً بِالْإِجْمَاعِ قَالَ مُحَمَّدٌ
وَلَوْ صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا لَمَسَتْهُ
بِشَهْوَةٍ كَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا
قَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ
مَعْنًى فِي الْقَلْبِ لَا يُشَاهِدُونَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ
لِأَنَّهُ يَظْهَرُ لِلشَّهْوَةِ نَشَاطٌ فِي الْوَجْهِ وَإِنْ شَهِدُوا
عَلَى الْجِمَاعِ جَازَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يُشَاهَدُ فَلَا يُحْتَاجُ
فِيهِ إلَى شَرْطِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ نَظَرَتْ هِيَ إلَى فَرْجِهِ
بِشَهْوَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رَجْعَةً وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَإِنْ نَظَرَ إلَى دُبُرِهَا بِشَهْوَةٍ لَا
يَكُونُ رَجْعَةً إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْفَرْجِ.
[تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ]
وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا
جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك أَوْ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إذَا
فَعَلْت كَذَا فَهَذَا
(2/50)
لَا يَكُونُ رَجْعَةً إجْمَاعًا.
(قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَاهِدَيْنِ)
يَقُولُ لَهُمَا: اشْهَدَا أَنِّي قَدْ رَاجَعْت امْرَأَتِي فُلَانَةَ أَوْ
مَا يُؤَدِّي عَنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا
ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ
تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَلَا تُصَدِّقُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ (قَوْلُهُ
وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ
لِلْآيَةِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ عَنْ
قَيْدِ الْإِشْهَادِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وقَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ
يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] وقَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَلَمْ يَذْكُرْ
الْإِشْهَادَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلِأَنَّهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ
وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَمَا فِي
الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ كَيْ
لَا يَجْرِيَ التَّنَاكُرُ فِيهَا وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى
الِاسْتِحْبَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ أَيْ
قَرَنَ الْمُرَاجَعَةَ بِالْمُفَارَقَةِ فِي قَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَالْإِشْهَادُ
فِي الْمُفَارَقَةِ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا فِي الْمُرَاجَعَةِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَالَ قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا
فِي الْعِدَّةِ فَصَدَّقَتْهُ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ
فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ
إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ
تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهَذِهِ مِنْ
الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ الَّتِي لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَقَدْ
بَيَّنَّاهَا فِي النِّكَاحِ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ عَلَى انْقِضَاءِ
الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَدْ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً
لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ
وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ مُتَّصِلًا
بِكَلَامِهِ أَمَّا إذَا سَكَتَتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ
صَحَّتْ الرَّجْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَتُسْتَحْلَفُ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا بِنُكُولِهَا تَبْذُلُ
الِامْتِنَاعَ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَالْكَوْنِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ
وَهَذَا مِمَّا يَصِحُّ بَذْلُهُ فَلِهَذَا صَحَّ مِنْهَا وَلَا يُقَالُ
إذَا نَكَلَتْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَالرَّجْعَةُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا
فَنَقُولُ إنَّمَا ثَبَتَ بِنُكُولِهَا الْعِدَّةُ وَالزَّوْجُ يَمْلِكُ
الرَّجْعَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ لَا بِقَوْلِهَا
وَلَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِالْكَلَامِ فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي
فَقَالَ الزَّوْجُ مُجِيبًا لَهَا مَوْصُولًا بِكَلَامِهَا: رَاجَعْتُك
لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا
قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ
فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ
بُضْعَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ
لِلزَّوْجِ فَشَابَهُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ وَلَهُمَا أَنَّ
حُكْمَ الرَّجْعَةِ يُبْتَنَى عَلَى الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ
قَوْلُهَا فَكَذَا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا
مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إلَى الزَّوْجِ
وَالْعِدَّةَ مِنْ الْأَمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ قَالَ
لِلزَّوْجِ أَنْتَ قَدْ رَاجَعْتهَا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ لَمْ يُقْبَلْ
قَوْلُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَصَدَّقَتْهُ
الْأَمَةُ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى وَكَذَا عِنْدَهُ فِي
الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ وَقَدْ
ظَهَرَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي
إبْطَالِهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي
الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ
الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَالَ الزَّوْجُ
وَالْمَوْلَى لَمْ تَنْقَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ
فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ
لِعَشْرَةِ أَيَّامٍ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ) ؛
لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ
(2/51)
فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ خَرَجَتْ مِنْ
الْحَيْضِ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَانْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ (قَوْلُهُ
وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَنْقَطِعْ
الرَّجْعَةُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ)
كَامِلَةً؛ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الدَّمِ
فَلَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ أَوْ مُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا إذَا
كَانَتْ مُسْلِمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَإِنَّ عِدَّتَهَا
تَنْقَضِي بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ وَانْقَطَعَتْ رَجْعَتُهَا سَوَاءٌ كَانَ
الِانْقِطَاعُ لِأَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ لِأَقَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا
يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْغُسْلِ
لَا يَلْزَمُهَا وَقَوْلُهُ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ،
وَهَذَا إذَا انْقَطَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَإِنْ انْقَطَعَ آخِرَهُ
يُعْتَبَرُ أَدْنَى وَقْتٍ تَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الِاغْتِسَالِ
وَالتَّحْرِيمَةِ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَيَمَّمَتْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ
وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً فَتَيَمَّمَتْ.
لَهُمَا إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا
لَوْ رَأَتْ الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهَا وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ
فَلَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا صَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ
تَعَلَّقَ بِالتَّيَمُّمِ حُكْمٌ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، أَلَا تَرَى
أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْمَاءَ لَمْ تُبْطِلْ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَارَ
كَالْغُسْلِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا تَيَمَّمَتْ اسْتَبَاحَتْ بِهِ
مَا تَسْتَبِيحُهُ بِالْغُسْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ، ثُمَّ
قِيلَ: تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ
عِنْدَهُمَا، وَقِيلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى
أَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ
شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ عُضْوًا
كَامِلًا فَمَا فَوْقَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ
مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ) وَذَلِكَ قَدْرُ إصْبَعٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ
وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّجْعَةُ؛
لِأَنَّهَا قَدْ غَسَلَتْ أَكْثَرَ بَدَنِهَا، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ
الْكُلِّ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ تَبْقَى الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ
الْحَدَثَ بَاقٍ بِبَقَائِهِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَغْتَسِلْ.
وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ مَا
دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا
تَيَقُّنَ لِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَقُلْنَا: تَنْقَطِعُ
الرَّجْعَةُ إلَّا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ احْتِيَاطًا
وَأَمَّا إذَا بَقِيَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ قَالَ مُحَمَّدٌ
أُبِينُهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ مَا لَمْ تَأْتِ
بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الرَّجْعَةَ
لَا تَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ فِي عُضْوٍ كَامِلٍ وَالثَّانِيَةُ
مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ
مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِمَا وَالرَّجْعَةُ يُعْتَبَرُ فِيهَا
الِاحْتِيَاطُ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالشَّكِّ، وَلَا تَسْتَبِيحُ
الْأَزْوَاجَ بِالشَّكِّ وَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ حِمَارٍ
وَتَيَمَّمَتْ فَلَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛
لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا
انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا
بَقِيَتْ الرَّجْعَةُ وَلَمْ تَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ فَاعْتُبِرَ
الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَيْثِيَّتَيْنِ فَقَالُوا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ
وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ.
(قَوْلُهُ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّقُ وَتَتَزَيَّنُ) ؛
لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا ثُمَّ
الرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ:
تَتَشَوَّقُ أَيْ تَنْتَظِرُ وَتَتَطَاوَلُ كَيْ يَرَاهَا الزَّوْجُ
(قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى
يُؤْذِنَهَا) يَعْنِي بِالتَّنَحْنُحِ وَمَا أَشْبَهَهُ (قَوْلُهُ أَوْ
يُسْمِعَهَا خَفْقَ نَعْلَيْهِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ
الْمُرَاجَعَةَ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَكُونُ مُتَجَرِّدَةً فَيَقَعُ
بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا
فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ
بِقَوْلِهِ {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إلَّا يَوْمَيْنِ
أَوْ ثَلَاثَةً وَكَادَتْ تَبِينُ مِنْهُ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا
فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى مَضَتْ عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَشْهُرٍ
مُضَارَّةً لَهَا بِذَلِكَ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَارَّ
(2/52)
امْرَأَتَهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ يَتْرُكُهَا
حَتَّى تَحِيضَ الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ
طَلَّقَهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 231] الْآيَةَ وَمَعْنَاهَا
{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] تَطْلِيقَةً أَوْ
تَطْلِيقَتَيْنِ {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 231] أَيْ قَارَبْنَ
وَقْتَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:
231] أَيْ أَمْسِكُوهُنَّ بِالرَّجْعَةِ عَلَى أَحْسَنِ الصُّحْبَةِ لَا
بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]
أَيْ اُتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ
ضِرَارًا} [البقرة: 231] أَيْ وَلَا تَحْبِسُوهُنَّ مُضَارَّةً لَهُنَّ
بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ {لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] عَلَيْهِنَّ أَيْ
تَظْلِمُوهُنَّ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى
يُشْهِدَ عَلَى رَجَعْتهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] نَزَلَتْ فِي الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ الرَّجْعِيِّ
فَإِنْ قِيلَ الرَّجْعَةُ تَصِحُّ بِدَلَالَةِ فِعْلٍ يَخْتَصُّ
بِالنِّكَاحِ فَلِمَ لَا تَكُونُ الْمُسَافَرَةُ بِهَا رَجْعَةً قُلْنَا
الْمُسَافَرَةُ لَا تَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ السُّكْنَى مَعَهَا فِي مَنْزِلٍ
وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً فَكَذَا الْمُسَافَرَةُ بِهَا.
[الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ]
(قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُهُ وَفَائِدَتُهُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ
بِالْوَطْءِ فَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُ يَجِبُ إذَا وَطِئَهَا
قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا. لَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا
يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ
مُرَاجَعَتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا وَيَلْحَقُهَا الظِّهَارُ
وَالْإِيلَاءُ وَاللِّعَانُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ
دَخَلَتْ فِي جُمْلَتِهِنَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا.
(قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ أَنْ
يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) ؛ لِأَنَّ
حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ زَوَالَهُ مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ
الثَّالِثَةِ فَيَنْعَدِمُ قَبْلَهُ وَلَهُ مَنْعُ الْغَيْرِ فِي
الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ لَهُ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ
اثْنَتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا
غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أَوْ
يَمُوتَ عَنْهَا) الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ الْوَطْءُ حَقِيقَةً وَثَبَتَ
شَرْطُ الْوَطْءِ بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ النِّكَاحُ
عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ
الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ قَدْ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ
أَوْ يُزَادُ عَلَى النَّصِّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ
الْآخَرِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا سِوَى
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَضَى
بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ
رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَأَغْلَقَ
الْبَابَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَكَشَفَ الْخِمَارَ ثُمَّ فَارَقَهَا
فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ
عُسَيْلَةَ الْآخَرِ» وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُسَيِّبِ بِظَاهِرِ قَوْله
تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] قُلْنَا لَا
حُجَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ النِّكَاحَ
وَالزَّوْجَ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ أَمْرَيْنِ وَلَوْ كَانَ يَكْفِي
أَحَدُهُمَا لَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ الشَّرْطُ فِي الْوَطْءِ هُوَ
الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ كَمَالٌ
وَمُبَالَغَةُ وَالْكَمَالِ قَيْدٌ وَالنَّصُّ مُطْلَقٌ وَسَوَاءٌ
وَطِئَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ
إحْرَامٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِذَلِكَ الْوَطْءِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ
النِّكَاحُ صَحِيحًا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَبْدًا أَوْ
مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا
حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا
آخَرَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ
بِزَوْجٍ ثَالِثٍ فَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلَيْنِ كَذَا فِي
الْكَرْخِيِّ.
مَسْأَلَةٌ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا إذَا كَانَتْ مُفْضَاةً فَتَزَوَّجَتْ
بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ
تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَصَلَ فِي الدُّبُرِ
فَإِذَا حَبِلَتْ عَلِمْنَا أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي الْقُبُلِ وَقَدْ
نَظَمَ الْفَقِيهُ الْأَجَلُّ سِرَاجُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيِّ
بِنْ مُوسَى الْهَامِلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ نَظْمًا
جَيِّدًا فَقَالَ
وَفِي الْمُفْضَاةِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَهْ ... لَدَى مَنْ لَيْسَ
يَعْرِفُهَا غَرِيبَهْ
إذَا حَرُمَتْ عَلَى زَوْجٍ وَحَلَّتْ ... لِثَانٍ نَالَ مِنْ وَطْءٍ
نَصِيبَهْ
فَطَلَّقَهَا فَلَمْ تَحْبِلْ فَلَيْسَتْ ... حَلَالًا لِلْقَدِيمِ وَلَا
خَطِيبَهْ
لِشَكٍّ أَنَّ ذَاكَ الْوَطْءَ مِنْهَا ... بِفَرْجٍ أَوْ شَكِيلَتِهِ
الْقَرِيبَهْ
فَإِنْ حَبِلَتْ فَقَدْ وُطِئَتْ بِفَرْجٍ ... وَلَمْ تَبْقَ الشُّكُوكُ
لَنَا مُرِيبَهْ.
(قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّحْلِيلِ كَالْبَالِغِ)
مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ آلَتُهُ تَتَحَرَّك وَتَشْتَهِي وَيَجِبُ عَلَى
الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ بِوَطْئِهِ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ
سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ
وَإِنْ كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا
(2/53)
وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي
مَسْلُولًا يَنْتَشِرُ وَيُجَامِعُ حَلَّتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ
مِنْهُ الْمُخَالَطَةُ وَإِنَّمَا يُعْدَمُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ وَهُوَ
لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَارَ كَالْفَحْلِ إذَا جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ
وَالْمَسْلُولُ هُوَ الَّذِي خُلِسَتْ أُنْثَيَاهُ وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ
فَإِنَّ وَطْأَهُ لَا يَحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ
مِنْهُ إلَّا الْمُلَاصَقَةُ وَالْإِبَاحَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْتِقَاءِ
الْخِتَانَيْنِ فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ
لِلْأَوَّلِ وَكَانَتْ مُحْصَنَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ زُفَرُ
وَالْحَسَنُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً.
(قَوْلُهُ وَوَطْءُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لَا يَحِلُّهَا لَهُ) ؛ لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ مِنْ زَوْجٍ وَالْمَوْلَى
لَيْسَ بِزَوْجٍ وَالْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُحِلُّهَا
لِلْأَوَّلِ وَقَدْ قَالُوا فِي الْأَمَةِ إذَا اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ
وَقَدْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ
الْيَمِينِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ وَيَدْخُلَ بِهَا وَكَذَا لَوْ
أُعْتِقَتْ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛
لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَوْجَبَ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِوَطْءِ
الزَّوْجِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَطَلَّقَهَا
ثَلَاثًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَوْ لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا
غَيْرَهُ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ فَالنِّكَاحُ
مَكْرُوهٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ
الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَقَالَ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ
بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ، قِيلَ مَنْ هُوَ؟ قَالَ الْمُحَلِّلُ» ،
وَهَذَا يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْتُك
عَلَى أَنْ أُحَلِّلَكِ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا
أَضْمَرَ الثَّانِي فِي قَلْبِهِ الْإِحْلَالَ لِلْأَوَّلِ، وَلَمْ
يَشْتَرِطْهُ فِي الْعَقْدِ لَفْظًا وَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ
إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَقَوْلُهُ فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ
يَعْنِي لِلثَّانِي وَالْأَوَّلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا حَلَّتْ
لِلْأَوَّلِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ النِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى
الْمُؤَقَّتِ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ لِفَسَادِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛
لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ فَيُجَازَى بِمَنْعِ
مَقْصُودِهِ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُورِثِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ
وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى
الْأَوَّلِ عَادَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي
مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ) ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي
وَتَزَوَّجْتُ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي
وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ جَازَ لِلزَّوْجِ
أَنْ يُصَدِّقَهَا إذَا كَانَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ)
إنَّمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا مُطَوَّلًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك
فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ: إنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَدْخُلْ بِي إنْ
كَانَتْ عَالِمَةً بِشَرْطِ الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ لَمْ تُصَدَّقْ وَإِنْ
لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِهِ صُدِّقَتْ وَأَمَّا إذَا ذَكَرَتْهُ مُطَوَّلًا
كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك لَا تَحِلُّ لَهُ مَا لَمْ
يَسْتَفْسِرْهَا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا وَلَمْ تُخْبِرْهُ
بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ أَتَزَوَّجْ زَوْجًا آخَرَ أَوْ تَزَوَّجْتُ
وَلَمْ يَدْخُلْ بِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ.
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَعْرِفُ شَرَائِطَ الْحِلِّ
فَدُخُولُهَا فِي الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ
أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ أَنْكَرَ الدُّخُولَ وَادَّعَتْ هِيَ
الدُّخُولَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَقَرَّ
بِالدُّخُولِ وَهِيَ تُنْكِرُ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُصَدِّقُ
الثَّانِي عَلَيْهَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا
كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(2/54)
|