الجوهرة
النيرة على مختصر القدوري [كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]
(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) هَذَا الْبَابُ لَهُ رُكْنٌ
وَشَرْطٌ وَحُكْمٌ فَرُكْنُهُ قَوْلُ الشَّاهِدِ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت
بِهِ أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي
وَحُكْمُهُ إيجَابُ التَّعْزِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ رَجَعَ قَبْلَ
الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا وَالضَّمَانُ مَعَ
التَّعْزِيرِ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ
مَالًا وَقَدْ أَزَالَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ
الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُمْ لَمْ
يُتْلِفُوا بِهَا شَيْئًا.
(قَوْلُهُ فَإِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يُفْسَخْ
الْحُكْمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ)
لِأَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا بِالتَّعَدِّي فَلَزِمَهُمْ الضَّمَانُ
(قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ)
لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ
الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ أَيُّ حَاكِمٍ كَانَ
وَلَا يُشْتَرَطُ الَّذِي حَكَمَ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ
الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ
عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ خُصُومَتُهُ وَإِنْ أَرَادَ
يَمِينَهُمَا لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ
عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا.
(قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ
ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّسَبُّبَ عَلَى
وَجْهِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ كَمَا فِي الْيَدِ وَقَدْ
تَسَبَّبَا لِلْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ إذَا قَبَضَ
الْمُدَّعِي الْمَالَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ) وَالْأَصْلُ أَنَّ
الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ
مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ بِالْمَالِ ثَلَاثَةٌ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا
ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ
(2/237)
الْحَقُّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الرَّاجِعِ
(قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَ الرَّاجِعَانِ نِصْفَ الْمَالِ)
لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ
نِصْفُ الْحَقِّ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ
ضَمِنَتْ رُبُعَ الْحَقِّ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ
بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا نِصْفَ
الْحَقِّ) لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ يَبْقَى نِصْفُ الْحَقِّ
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَ ثَمَانٍ فَلَا
ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ) لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ كُلُّ
الْحَقِّ (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى كَانَ عَلَى النِّسْوَةِ
رُبُعُ الْحَقِّ) لِأَنَّهُ بَقِيَ النِّصْفُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ
وَالرُّبُعُ بِشَهَادَةِ الْبَاقِيَةِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ
سُدُسُ الْحَقِّ وَعَلَى النِّسْوَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِشَهَادَةِ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ مِثْلُ
مَا انْقَطَعَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةَ
رِجَالٍ فَرَجَعُوا ضَمِنُوا الْمَالَ أَسْدَاسًا.
(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ
وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ) لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ بِمَنْزِلَةِ
وَاحِدَةٍ وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ دُونَ الرَّجُلِ
فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِمَا قُلْنَا إنَّ
الِاعْتِبَارَ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ
ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ دُونَهَا
لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَوُجُودُهَا
وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ لِأَنَّهَا بَعْضُ شَاهِدٍ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ
وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ
النِّصْفَ وَلَمْ تَضْمَنْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا عِنْدَهُمَا وَعَلَى
قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنَانِ النِّصْفَ أَثْلَاثًا عَلَيْهِ
الثُّلُثَانِ وَعَلَيْهَا الثُّلُثُ وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ
عَلَيْهِ النِّصْفُ وَعَلَيْهِنَّ النِّصْفُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ عَلَيْهِ خُمُسَا الْمَالِ وَعَلَيْهِنَّ أَخْمَاسُهُ وَإِنْ
شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَ الْمَرْأَتَانِ فَلَا ضَمَانَ
عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ يَحْفَظَانِ الْمَالَ فَإِنْ رَجَعَ
الرَّجُلَانِ وَبَقِيَ الْمَرْأَتَانِ فَالْمَرْأَتَانِ قَامَتَا بِنِصْفِ
الْمَالِ وَعَلَى الرَّجُلَيْنِ نِصْفُ الْمَالِ وَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ
وَاحِدٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَبَقِيَ
رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ رُبُعُ الْمَالِ
أَثْلَاثًا وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ الضَّمَانُ أَثْلَاثًا
ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ
بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ
عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ عَيْنَ مَالٍ بِعِوَضٍ
لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ
الْإِتْلَافِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا
لَمْ يَضْمَنَا النُّقْصَانَ) لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ
مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ
تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ ثُمَّ
يَرْجِعَانِ فَإِنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا لَمْ
يُخْرِجَا عَنْ مِلْكِهَا مَا لَهُ قِيمَةٌ وَالْمَالُ يَلْزَمُ
بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى ذَلِكَ لَزِمَهُ
بِإِقْرَارِهِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى: إذَا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ
عَلَى مِائَةٍ وَقَالَتْ: هِيَ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ
فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى مِائَةٍ وَقُضِيَ لَهَا ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ
الدُّخُولِ بِهَا لَا يَضْمَنَانِ لَهَا شَيْئًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنَانِ لَهَا تِسْعَمِائَةٍ بِنَاءً عِنْدَهُمَا عَلَى
أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا فَكَانَ يُقْضَى
لَهَا بِأَلْفٍ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا فَقَدْ أَتْلَفَا عَلَيْهَا
تِسْعَمِائَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فَلَمْ
يُتْلِفَا عَلَيْهَا شَيْئًا.
(قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ
بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا)
لِأَنَّ هَذَا إتْلَافٌ بِعِوَضٍ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ
الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَالْإِتْلَافِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا
ضَمِنَا الزِّيَادَةَ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ
هَذَا النِّكَاحُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظَّاهِرِ
وَالْبَاطِنِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الظَّاهِرِ وَلَا يَجُوزُ فِي
الْبَاطِنِ
(2/238)
وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعٍ بِمِثْلِ الْقِيمَة أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ
رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُمَا حَصَلَا لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا
مِثْلُ مَا أَزَالَاهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي
يَدَّعِي وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَدَّعِي
وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ كَذَا فِي
الْمُسْتَصْفَى.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ)
لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا هَذَا الْجُزْءَ بِلَا عِوَضٍ
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ
الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ) لِأَنَّهُمَا
أَكَّدَا عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَالسُّقُوطِ
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ ارْتَدَّتْ
سَقَطَ الْمَهْرُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا
وَضَمِنَ الْمُتْعَةَ رَجَعَ بِهَا أَيْضًا عَلَيْهِمَا.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّ خُرُوجَ
الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ قِيمَةٌ لَهُ وَالْمَهْرُ يَلْزَمُهُ
بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهِ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا
قِيمَتَهُ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ
عِوَضٍ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ
إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ وَإِنْ
شَهِدَا أَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَتَهُ هَذِهِ فَقَضَى الْقَاضِي
بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهَا الِاسْتِيلَادُ
وَالْجَارِيَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ
ذَلِكَ عَتَقَتْ وَضَمِنَا قِيمَتَهَا أَمَةً لِأَنَّهَا تَلِفَتْ
بِشَهَادَتِهِمَا الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَجِبُ ضَمَانُهَا لِلْوَرَثَةِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَتْلِ
ضَمِنَا الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُمَا لَمْ
يُبَاشِرَا الْقَتْلَ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا إكْرَاهٌ عَلَيْهِ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا ثُمَّ عِنْدَنَا يَكُونُ
ضَمَانُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُمَا
مُعْتَرِفَانِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الِاعْتِرَافَ وَلَا يَجِبُ
عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ بِأَنْ كَانَا
وَلَدَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَرِثَانِهِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) لِأَنَّ
الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ
مُضَافًا إلَيْهِمْ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ) (رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ) يَعْنِي بَعْدَ مَا قَضَى
الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ (وَقَالُوا: لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ
الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا) (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى
الْأُصُولِ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْإِشْهَادَ وَلَا يَبْطُلُ
الْقَضَاءُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالُوا: أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ضَمِنُوا) هَذَا
عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ
فَصَارَ كَمَا لَوْ حَضَرُوا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى
الْأُصُولِ إذَا رَجَعُوا لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ
الْفُرُوعِ وَإِنْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ فَعِنْدَهُمَا
الضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ أَوْ
الْأُصُولَ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفَرْعِ: كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ
غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ) لِأَنَّ مَا
أَمْضَى مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْقَضُ بِقَوْلِهِمْ وَلَا يَجِبُ
الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ
إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ
(2/239)
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَشَاهِدَانِ
بِالْإِحْصَانِ فَرَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَمْ يَضْمَنُوا) لِأَنَّ
شُهُودَ الْإِحْصَانِ غَيْرُ مُوجِبِينَ لِلرَّجْمِ وَإِنَّمَا
الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِيهِ كَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَلِأَنَّ الرَّجْمَ
عُقُوبَةٌ وَالْإِحْصَانُ لَا يَجُوزُ الْعِقَابُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ
الْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْحُرِّيَّةُ وَهَذِهِ
مَعَانٍ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ
بِالزِّنَا لَا بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ
قَبْلَ الزِّنَا غَيْرُ مُوجِبٍ لِلرَّجْمِ فَلَمَّا وُجِدَ الزِّنَا
بَعْدَ الْإِحْصَانِ وَجَبَ الرَّجْمُ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِشَهَادَةِ
شُهُودِ الْإِحْصَانِ رَجْمٌ لَمْ يَضْمَنُوا بِالرُّجُوعِ
(قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنُوا)
هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا شَهَادَةَ الشُّهُودِ
شَهَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا
يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّزْكِيَةِ
وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى
الشُّهُودِ فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَصُورَتُهُ أَرْبَعَةٌ
شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزَكَّوْا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ
عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا: عَلِمْنَا
أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذَا ثَبَتُوا
عَلَى التَّزْكِيَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا ضَمَانَ
عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ
الشُّهُودِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا صُدِّقُوا فِي ذَلِكَ وَلَا يُحَدُّ
الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ
فَلَا يُورَثُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ
وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ الْمُزَكُّونَ بِالْحُرِّيَّةِ
بِأَنْ قَالُوا: هُمْ أَحْرَارٌ أَمَّا إذَا قَالُوا: هُمْ عُدُولٌ
فَبَانُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ
يَكُونُ عَدْلًا.
(قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ
الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً)
لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ وَدُخُولُ الدَّارِ شَرْطٌ فِي
ذَلِكَ فَهُمْ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ مَعَ شُهُودِ الزِّنَا وَمَعْنَى
الْمَسْأَلَةِ يَمِينُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمَّا
بَعْدَهُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ
بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا
تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ فِيمَا إذَا
شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ
الدَّارَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَهَا فَحُكِمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ
ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْيَمِينِ
بِالْعِتْقِ دُونَ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا دَخَلَ
الدَّارَ عَتَقَ بِالْيَمِينِ لَا بِالدُّخُولِ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا
فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ
قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ ضَرَبَك فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ فُلَانٌ
يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَلَا يَضْمَنُ الضَّارِبُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِيَمِينِ
مَوْلَاهُ لَا بِالضَّرْبِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ |