الجوهرة النيرة على مختصر القدوري

[كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]
(قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ) يُرِيدُ بِهِ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي آخَرَ وَمِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي رُسْتَاقَ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إذَا وَرَدَ عَلَى قَاضِي مِصْرٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا شَرْطُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَّا بِهَا وَقَوْلُهُ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ يَعْنِي بِالْحُقُوقِ وَيَرْوِي بِهِ عِنْدَهُ أَيْ بِالْكِتَابِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ.
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا كَانَ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قَاضِيَانِ جَازَ كِتَابُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الْأَحْكَامِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ كِتَابِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّ كِتَابَهُ يَقُومُ مَقَامَ خِطَابِهِ

(2/243)


وَخِطَابُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كِتَابُهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِهِ لِأَنَّ خِطَابَهُ قَدْ بَطَلَ وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ فَقَرَأَهُ ثُمَّ مَاتَ الْكَاتِبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عُزِلَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوَّلًا أَوْ عُزِلَ وَوَلِيَ غَيْرُهُ الْقَضَاءَ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ لِأَنَّهُ كَتَبَ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ وَكُتِبَ بِحُكْمِهِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ يَكْتُبُ هَذَا الْقَاضِي كِتَابًا إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَهُ فَيَأْخُذُهُ بِالْكِتَابِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ حَضْرَةِ خَصْمٍ لَمْ يُحْكَمْ) أَيْ إنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَقَوْلُهُ وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِهَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ كَانَ كِتَابُهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ) أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ (ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ) كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ عِلْمَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْخَتْمِ بِحَضْرَتِهِمْ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا حِفْظُ مَا فِي الْكِتَابِ أَيْضًا عِنْدَهُمَا شَرْطٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَفْتَحُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَّا فِي الْكِتَابِ وَيَقُولُ هَلْ قَرَأَهُ عَلَيْكُمْ وَهَلْ خَتَمَهُ بِحَضْرَتِكُمْ فَإِنْ قَالُوا: لَا أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَلَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا أَوْ خَتَمَهُ بِحَضْرَتِنَا وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا لَا يَفْتَحُهُ وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ بِحَضْرَتِنَا فَتَحَهُ حِينَئِذٍ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ حُضُورِ الْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَالشَّهَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمُدَّعٍ وَخَصْمٍ.
(قَوْلُهُ فَإِذَا سَلَّمَهُ الشُّهُودُ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَضَّهُ حِينَئِذٍ وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ أَيْ فِي مَجْلِسٍ يَصِحُّ حُكْمُهُ فِيهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي

(2/244)


شَاهَانْ وَقَوْلُهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولُوا: ذَلِكَ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي قَبِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا: قَرَأَهُ عَلَيْنَا.

(قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي شُبْهَةٌ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَاضِي وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ فِيهِ فَصَارَ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا إذَا قِيلَ: لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك وَهُنَا إذَا قَالَ لَهُ الْإِمَامُ: وَلِّ مَنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ وَمِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِي فِي مَعْنَى الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي جُعِلَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِيمَا جُعِلَ إلَيْهِ فَإِنْ قَضَى الْمُسْتَخْلَفُ بِمَحْضَرِ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الْمُسْتَخْلَفُ فَأَجَازَ الْأَوَّلُ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُضَاةَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْأُمَرَاءِ وَلَا الْأُمَرَاءُ وَالْقُضَاةُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُمْ نُوَّابٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بَاقُونَ وَلَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ آخَرَ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ أَوْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ) مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ مِثْلُ الْحُكْمِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَالْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَمُخَالَفَةُ السُّنَّةِ كَحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعُ مِثْلُ تَجْوِيزِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ مِنْ الْخَصْمِ فَيَشْتَبِهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ لَهُ فَكَذَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) كَالْوَكِيلِ أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي

(قَوْلُهُ وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ جَازَ إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ بِصِفَةِ الْحَاكِمِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صَبِيًّا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَالْحُكْمِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَقْتَ التَّحْكِيمِ عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ أَوْ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُخَاصَمَةٌ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا زَيْدَ بْنُ ثَابِتٍ فَأَتَيَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا فَقَالَ زَيْدٌ لِعُمَرَ هَلَّا بَعَثْت إلَيَّ فَآتِيك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحُكْمُ فَأَلْقَى لِعُمَرَ وِسَادَةً فَقَالَ عُمَرُ هَذَا أَوَّلُ الْجَوْرِ وَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ زَيْدٌ لِأُبَيٍّ لَوْ أَعْفَيْت عَنْهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ يَمِينٌ لَزِمَتْنِي بَلْ أَحْلِفُ فَقَالَ أُبَيٌّ بَلْ نُعْفِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهَا وَنُصَدِّقُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا حَكَّمَاهُ لِفِقْهِهِ وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ فِيهِمْ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ بِرِكَابِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا بِأَنْ نَصْنَعَ بِفُقَهَائِنَا فَيُقَبِّلُ زَيْدٌ يَدَهُ وَيَقُولُ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِأَشْرَافِنَا وَأَمَّا

(2/245)


وَضْعُ زَيْدٍ الْوِسَادَةَ لِعُمَرَ فَامْتِثَالٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَحْسِنْهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا الْوَقْتِ وَفِي قَوْلِهِ هَذَا أَوَّلُ الْجَوْرِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى زَيْدٍ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ فِي هَذَا لَيْسَ كَالْقَاضِي فَبَيَّنَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ كَالْقَاضِي.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ الذِّمِّيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ) لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ مِنْهُمْ اعْتِبَارًا بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ.

(قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكَّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا.
(قَوْلُهُ فَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا) يَعْنِي إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا.
(قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَى الْقَاضِي فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَفَائِدَةُ إمْضَائِهِ هَهُنَا أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ لَيْسَ لِذَلِكَ الْقَاضِي النَّقْضُ فِيمَا أَمْضَاهُ هَذَا الْقَاضِي.
(قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يُصْدَرْ عَنْ وِلَايَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ إبَاحَتَهُ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَنُقْصَانُ وِلَايَةِ الْمُحَكَّمِ شُبْهَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ تَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا حَكَّمَا فِي دَمِ الْخَطَأِ فَقَضَى الْحَاكِمُ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَحْكِيمَ مِنْ جِهَتِهِمْ.
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَقْضِيَ بِالنُّكُولِ) وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ.

(قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ بَاطِلٌ) أَيْ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ وَالْمُوَلَّى جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُمْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ لَهُمْ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ