رد
المحتار على الدر المختار بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مِنْ إضَافَةِ
الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ أَوْ مَحِلِّهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التِّلَاوَةَ
عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ وَالسَّفَرَ عَارِضٌ مُبَاحٌ إلَّا بِعَارِضٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَرَاجِعْهُمَا. وَفِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ
رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا
يُمْنَعُ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُضُوعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي
فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ: سَجْدَةُ الشُّكْرِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُ لَا
وَاجِبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً
وُجُوبًا وَفِيهَا مِنْ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ
الْخِلَافَ فِي سُنِّيَّتِهَا لَا فِي الْجَوَازِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهَا تُكْرَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ) الضَّمِيرُ لِلسَّجْدَةِ
مُطْلَقًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ آخِرَ الْكِتَابِ عَنْ شَرْحِ
الْقُدُورِيِّ لِلزَّاهِدِيِّ: أَمَّا بِغَيْرِ سَبَبٍ فَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ
وَلَا مَكْرُوهٍ، وَمَا يُفْعَلُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّ
الْجُهَّالَ يَعْتَقِدُونَهَا سُنَّةً أَوْ وَاجِبَةً وَكُلُّ مُبَاحٍ
يُؤَدِّي إلَيْهِ فَمَكْرُوهٌ انْتَهَى.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ لَا تُكْرَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ
فِعْلُهَا إلَى اعْتِقَادِ الْجَهَلَةِ سُنِّيَّتَهَا كَاَلَّتِي
يَفْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَرَأَيْت مَنْ يُوَاظِبُ
عَلَيْهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَيَذْكُرُ أَنَّ لَهَا أَصْلًا
وَسَنَدًا فَذَكَرْت لَهُ مَا هُنَا فَتَرَكَهَا ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ
الْمُنْيَةِ: وَأَمَّا مَا ذَكَرَ فِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهَا -: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ يَسْجُدُ
سَجْدَتَيْنِ» إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ ". فَحَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ لَا
أَصْلَ لَهُ.
(قَوْلُهُ فَمَكْرُوهٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِأَنَّهُ
يُدْخِلُ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ ط.
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ إلَخْ) لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَ السُّجُودَ
لَهَا فَقَدْ تَرَكَ وَاجِبًا وَإِنْ سَجَدَ يَشْتَبِهُ عَلَى
الْمُقْتَدِينَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ وَنَحْوِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) أَشَارَ بِنَحْوِ إلَى أَنَّ
الظُّهْرَ مَثَلًا لَوْ أُدِّيَتْ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ فَهِيَ كَذَلِكَ
أَفَادَهُ ح.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ إلَخْ) بِأَنْ كَانَتْ فِي آخِرِ السُّورَةِ
أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ فِي الْوَسَطِ وَرَكَعَ لَهَا فَوْرًا كَمَا
مَرَّ بَيَانُهُ قَالَ ح: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْوِيَهَا فِي
الرُّكُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْقُنْيَةِ
أَيْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُؤْتَمَّ إذَا لَمْ يَنْوِهَا فِيهِ أَيْضًا
أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَيُعِيدَ الْقَعْدَةَ.
(قَوْلُهُ سَجَدَ) أَيْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ وَسَجَدَ السَّامِعُونَ) أَيْ لَا غَيْرُهُمْ بِخِلَافِ
الصَّلَاةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ تَلَاهَا
الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَجَدَهَا وَسَجَدَهَا
مَعَهُ مَنْ سَمِعَهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - تَلَا سَجْدَةً عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ
وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ» اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
قَدَّرَ الشَّارِحُ صَلَاةً لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْبَابِ.
وَالسَّفَرُ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ،
وَالْمُرَادُ سَفَرٌ خَاصٌّ وَهُوَ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ
مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةِ الْفِطْرِ وَامْتِدَادِ مُدَّةِ
الْمَسْحِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسُقُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ
وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةِ الْخُرُوجِ عَلَى الْحُرَّةِ
مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ ط عَنْ الْعِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ) أَيْ الصَّلَاةِ إلَى شَرْطِهِ أَيْ
الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لَهَا ح. وَفِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ السَّفَرُ
لَا الْمُسَافِرُ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ.
(قَوْلُهُ أَوْ مَحَلِّهِ) فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مَحَلٌّ لَهَا أَوْ مِنْ
إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ
صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّ كُلَّ فَاعِلٍ مَحَلٌّ وَلَا عَكْسَ ح (قَوْلُهُ
وَلَا يَخْفَى) شُرُوعٌ فِي وَجْهِ تَأْخِيرِهِ عَنْ التِّلَاوَةِ
وَيُعْلَمُ مِنْهُ الْمُنَاسَبَةُ وَهِيَ الْعُرُوض فِي كُلٍّ ط أَيْ
الْعُرُوضِ الْمُكْتَسَبِ بِخِلَافِ السَّهْوِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا عَارِضٌ سَمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ إلَّا بِعَارِضٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ عِبَادَةٌ
وَقَوْلُهُ مُبَاحٌ:
(2/120)
فَلِذَا أُخِّرَ؛ وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ
يَسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ.
(مَنْ خَرَجَ مِنْ عِمَارَةِ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ) مِنْ جَانِبِ خُرُوجِهِ
وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إنْ
كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَيْ الْأَصْلُ فِي التِّلَاوَةِ الْعِبَادَةُ إلَّا بِعَارِضٍ نَحْوِ
رِيَاءٍ أَوْ سُمْعَةٍ أَوْ جَنَابَةٍ فَتَكُونُ مَعْصِيَةً وَفِي
السَّفَرِ الْإِبَاحَةُ إلَّا بِعَارِضٍ نَحْوِ حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ
فَيَكُونُ طَاعَةً أَوْ نَحْوِ قَطْعِ طَرِيقٍ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً.
(قَوْلُهُ فَلِذَا أُخِّرَ) أَيْ لِكَوْنِ الْأَصْلِ فِيهِ الْإِبَاحَةَ
فَإِنَّهُ دُونَ مَا الْأَصْلُ فِيهِ الْعِبَادَةُ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَسْفُرُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ الثَّلَاثِي ط عَنْ
الْقُهُسْتَانِيِّ.
(قَوْلُهُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ) أَوْ لِأَنَّهُ يَسْفُرُ عَنْ وَجْهِ
الْأَرْضِ أَيْ يَكْشِفُ، وَعَلَيْهِمَا فَالْمُفَاعَلَةُ بِمَعْنَى أَصْلِ
الْفِعْلِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ
السَّفْرَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ غَالِبًا فَكُلٌّ
مِنْهُمَا يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ صَاحِبِهِ أَوْ أَنَّهُ يَنْكَشِفُ
لِلْأَرْضِ وَهِيَ تَنْكَشِفُ لَهُ ح.
(قَوْلُهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ عِمَارَةِ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ) أَرَادَ
بِالْعِمَارَةِ مَا يَشْمَلُ بُيُوتَ الْأَخْبِيَةِ لِأَنَّ بِهَا
عِمَارَةُ مَوْضِعِهَا.
قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: فَيُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهَا وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً
وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى مَاءٍ أَوْ مُحْتَطَبٍ يُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهُ
كَذَا فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ، وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ
مُحْتَطَبًا وَاسِعًا جِدًّا اهـ وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ نَهْرًا
بَعِيدَ الْمَنْبَعِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ مَا
كَانَ مِنْ تَوَابِعِ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ كَرُبَضِ الْمِصْرِ وَهُوَ مَا
حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ بُيُوتٍ وَمَسَاكِنَ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ
الْمِصْرِ وَكَذَا الْقُرَى الْمُتَّصِلَةُ بِالرُّبَضِ فِي الصَّحِيحِ،
بِخِلَافِ الْبَسَاتِينِ، وَلَوْ مُتَّصِلَةً بِالْبِنَاءِ لِأَنَّهَا
لَيْسَتْ مِنْ الْبَلْدَةِ وَلَوْ سَكَنَهَا أَهْلُ الْبَلْدَةِ فِي
جَمِيعِ السَّنَةِ أَوْ بَعْضِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ سُكْنَى الْحَفَظَةِ
وَالْأُكْرَةِ اتِّفَاقٌ إمْدَادٌ.
وَأَمَّا الْفِنَاءُ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْبَلَدِ
كَرَكْضِ الدَّوَابِّ وَدَفْنِ الْمَوْتَى وَإِلْقَاءِ التُّرَابِ، فَإِنْ
اتَّصَلَ بِالْمِصْرِ اُعْتُبِرَ مُجَاوَزَتُهُ وَإِنْ انْفَصَلَ
بِغَلْوَةٍ أَوْ مَزْرَعَةٍ فَلَا كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ
فَتَصِحُّ إقَامَتُهَا فِي الْفِنَاءِ وَلَوْ مُنْفَصِلًا بِمَزَارِعَ
لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ مَصَالِحِ الْبَلَدِ بِخِلَافِ السَّفَرِ كَمَا
حَقَّقَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا،
وَالْقَرْيَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْفِنَاءِ دُونَ الرُّبَضِ لَا تُعْتَبَرُ
مُجَاوَزَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
أَقُولُ: إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَيْدَانَ الْحَصَا فِي
دِمَشْقَ مِنْ رُبَضِ الْمِصْرِ وَأَنَّ خَارِجَ بَابِ اللَّهِ إلَى
قَرْيَةِ الْقُدَمِ مِنْ فِنَائِهِ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى
الْجَبَّانَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعُمْرَانِ وَهُوَ مُعَدٌّ لِنُزُولِ
الْحَاجِّ الشَّرِيفِ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْتَوْعِبُ نُزُولَهُمْ مِنْ
الْجَبَّانَةِ إلَى مَا يُحَاذِي الْقَرْيَةَ الْمَذْكُورَةَ فَعَلَى هَذَا
لَا يَصِحُّ الْقَصْرُ فِيهِ لِلْحَجَّاجِ وَكَذَا الْمُرْجَةُ
الْخَضْرَاءُ فَإِنَّهَا مُعَدَّةٌ لِقَصْرِ الثِّيَابِ وَرَكْضِ
الدَّوَابِّ وَنُزُولِ الْعَسَاكِرِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ صَدْرَ الْبَازِ
بِنَاءً عَلَى مَا حَقَّقَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ مِنْ
أَنَّ الْفِنَاءَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كِبَرِ الْمِصْرِ وَصِغَرِهِ
فَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيرُهُ بِغَلْوَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَا
بِمِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
(قَوْلُهُ مِنْ جَانِبِ خُرُوجِهِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ:
فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ عُمْرَانَ مَا خَرَجَ
مِنْهُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ، حَتَّى لَوْ كَانَ ثَمَّةَ
مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْمِصْرِ، وَقَدْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِهِ
لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا مَا لَمْ يُجَاوِزْهَا
وَلَوْ جَاوَزَ الْعُمْرَانَ مِنْ جِهَةِ خُرُوجِهِ وَكَانَ بِحِذَائِهِ
مَحَلَّةٌ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ يَصِيرُ مُسَافِرًا إذْ الْمُعْتَبَرُ
جَانِبُ خُرُوجِهِ اهـ وَأَرَادَ بِالْمَحَلَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا
كَانَ عَامِرًا أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَحَلَّة خَرَابًا لَيْسَ فِيهَا
عِمَارَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
وَلَوْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَعَلَى هَذَا لَا
يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْمَدَارِسِ الَّتِي فِي سَفْحِ قَاسِيُونَ إلَّا
مَا كَانَ لَهُ أَبْنِيَةٌ قَائِمَةٌ كَمَسْجِدِ الْأَفْرَمِ
وَالنَّاصِرِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا صَارَ مِنْهَا بَسَاتِينَ وَمَزَارِعَ
كَالْأَبْنِيَةِ الَّتِي فِي طَرِيقِ الرَّبْوَةِ ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ
تَكُونَ الْمَحَلَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ جَانِبٍ
وَاحِدٍ، فَلَوْ كَانَ الْعُمْرَانُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ
مُجَاوَزَتِهِ لِمَا فِي الْإِمْدَادِ لَوْ حَاذَاهُ مِنْ أَحَدِ
جَانِبَيْهِ فَقَطْ لَا يَضُرُّهُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُحَاذَاةَ الْفِنَاءِ الْمُتَّصِلِ كَمُحَاذَاةِ
الْعُمْرَانِ، بَقِيَ هَلْ الْمُرَادُ بِالْجَانِبِ الْبَعِيدُ أَوْ مَا
يَشْمَلُ الْقَرِيبَ؟ وَعَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ فِيمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ
جِهَةِ الْمُرْجَةِ الْخَضْرَاءِ
(2/121)
بَيْنَ الْفِنَاءِ وَالْمِصْرِ أَقَلُّ
مِنْ غَلْوَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ
وَإِلَّا فَلَا (قَاصِدًا) وَلَوْ كَافِرًا، وَمَنْ طَافَ الدُّنْيَا بِلَا
قَصْدٍ لَمْ يَقْصُرْ (مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا) مِنْ
أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى
اللَّيْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَوْقَ الشَّرَفِ الْأَعْلَى مِنْ الطَّرِيقِ فَإِنَّ الْمُرْجَةَ أَسْفَلَ
مِنْهُ وَهِيَ مِنْ الْفِنَاءِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ
بَعْدَ مُجَاوَزَةِ تُرْبَةِ الْبَرَامِكَةِ لَيْسَ مِنْ الْفِنَاءِ مَعَ
أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْعُمْرَانِ بِمَزَارِعَ وَفِيهِ مَزَارِعُ
فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُجَاوِزَ مَا يُحَاذِيهِ مِنْ الْمُرْجَةِ
لِقُرْبِهَا مِنْهُ أَمْ لَا؟ فَلْيُحَرَّرْ. وَالظَّاهِرُ اشْتِرَاطُ
مُجَاوَزَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِ خُرُوجِهِ لَا مِنْ جَانِبٍ
آخَرَ.
(قَوْلُهُ أَقَلُّ مِنْ غَلْوَةٍ) هِيَ ثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى
أَرْبَعِمِائَةٍ هُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى.
(قَوْلُهُ قَاصِدًا) أَشَارَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ خَرَجَ إلَى أَنَّهُ لَوْ
خَرَجَ وَلَمْ يَقْصِدْ أَوْ قَصَدَ وَلَمْ يَخْرُجْ لَا يَكُونُ
مُسَافِرًا ح.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ أَنْ
تَكُونَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلِذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: إذَا
افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي السَّفِينَةِ حَالَ إقَامَتِهِ فِي طَرَفِ
الْبَحْرِ فَنَقَلَتْهَا الرِّيحُ وَنَوَى السَّفَرَ يُتِمُّ صَلَاةَ
الْمُقِيمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ
فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ وَمَا يَمْنَعُ
فَرَجَّحْنَا مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ احْتِيَاطًا اهـ وَإِنَّمَا
يُشْتَرَطُ قَصْدُهُ لَوْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِرَأْيِهِ، فَلَوْ تَابِعًا
لِغَيْرِهِ فَالِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ كَمَا سَيَأْتِي
وَعَلَيْهِ خُرِّجَ فِي الْبَحْرِ مَا فِي التَّجْنِيسِ لَوْ حَمَلَهُ
آخَرُ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ مَعَهُ يُتِمُّ حَتَّى يَسِيرَ
ثَلَاثًا فَيَقْصُرُ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ حُمِلَ؛
وَلَوْ صَلَّى قَصْرًا مِنْ يَوْمِ الْحَمْلِ صَحَّ إلَّا إذَا سَارَ بِهِ
أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُقِيمٌ وَفِي
الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ اهـ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْخُرُوجَ مَعَ
قَصْدِ السَّفَرِ كَافٍ وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ كَمَا يَأْتِي؛
حَتَّى لَوْ سَارَ يَوْمًا وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى فِيهِ لِعُذْرٍ ثُمَّ
رَجَعَ يَقْضِيهِ قَصْرًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَافِرًا) فِيهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الصَّبِيَّ أَيْضًا
مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ
السَّفَرَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ
بِلَا قَصْدٍ) بِأَنْ قَصَدَ بَلْدَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمَانِ
لِلْإِقَامَةِ بِهَا فَلَمَّا بَلَغَهَا بَدَا لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى
بَلْدَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمَانِ وَهَلُمَّ جَرًّا. ح. قَالَ فِي
الْبَحْرِ: وَعَلَى هَذَا قَالُوا أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ
الْعَدُوِّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَإِنْ
طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ الْمُكْثُ؛ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ فَإِنْ كَانَتْ
مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرَ. اهـ.
(قَوْلُهُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا) الْأَوْلَى حَذْفُ
اللَّيَالِيِ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذْ لَا
يُشْتَرَطُ السَّيْرُ فِيهَا مَعَ الْأَيَّامِ وَلِذَا قَالَ فِي
الْيَنَابِيعِ الْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ النَّهَارُ لِأَنَّ اللَّيْلَ
لِلِاسْتِرَاحَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ نَعَمْ لَوْ قَالَ أَوْ
لَيَالِيِهَا بِالْعَطْفِ بِأَوْ لَكَانَ أَوْلَى لِلْإِشَارَةِ إلَى
أَنَّهُ يَصِحُّ قَصْدُ السَّفَرِ فِيهَا وَأَنَّ الْأَيَّامَ غَيْرُ
قَيْدٍ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ مِنْ أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ
وَالنَّهْرِ وَعَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْعَتَّابِيِّ وَقَاضِي
خَانْ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّ
الظَّاهِرَ إبْقَاؤُهَا عَلَى إطْلَاقِهَا بِحَسَبِ مَا يُصَادِفُهُ مِنْ
الْوُقُوعِ فِيهَا طُولًا وَقِصَرًا وَاعْتِدَالًا إنْ لَمْ تُقَدَّرْ
بِالْمُعْتَدِلَةِ الَّتِي هِيَ الْوَسَطُ. اهـ.
قُلْت: وَالْمُعْتَدِلَةُ هِيَ زَمَانُ كَوْنِ الشَّمْسِ فِي الْحَمَلِ
أَوْ الْمِيزَانِ وَعَلَيْهَا مَشَى الْقُهُسْتَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَفِي
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا قَدَّرُوهُ بِأَقْصَرِ
أَيَّامِ السَّنَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) إذْ لَا بُدَّ
لِلْمُسَافِرِ مِنْ النُّزُولِ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالصَّلَاةِ
وَلِأَكْثَرِ النَّهَارِ حُكْمُ كُلِّهِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا بَكَّرَ
فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَسَارَ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ
الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ بِهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ بِهَا ثُمَّ
بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَسَارَ إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ
وَنَزَلَ ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ
فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ:
الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ كَمَا فِي
الْجَوْهَرَةِ وَالْبُرْهَانِ إمْدَادٌ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ
وَالْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ.
أَقُولُ: وَفِي قَوْلِهِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ إشَارَةٌ إلَى
أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْطَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تَرَكَ فِي
أَوَّلِهِ الِاسْتِرَاحَاتِ الْمَرْحَلَةَ الْمُعْتَادَةَ الَّتِي
يَقْطَعُهَا فِي يَوْمٍ كَامِلٍ مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ
لَك أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّقْدِيرِ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ
إنَّمَا هُوَ فِي الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ الَّتِي يُمْكِنُ قَطْعُ
الْمَرْحَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُعْظَمِ الْيَوْمِ مِنْ أَقْصَرِ
أَيَّامِهَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ أَقْصَرَ أَيَّامِ
(2/122)
بَلْ إلَى الزَّوَالِ وَلَا اعْتِبَارَ
بِالْفَرَاسِخِ عَلَى الْمَذْهَبِ (بِالسَّيْرِ الْوَسَطِ مَعَ
الِاسْتِرَاحَاتِ الْمُعْتَادَةِ) حَتَّى لَوْ أَسْرَعَ فَوَصَلَ فِي
يَوْمَيْنِ قَصَرَ؛ وَلَوْ لِمَوْضِعٍ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا مُدَّةُ
السَّفَرِ وَالْآخَرُ أَقَلُّ قَصَرَ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي.
(صَلَّى الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ رَكْعَتَيْنِ) وُجُوبًا لِقَوْلِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَاةَ
الْمُقِيمِ أَرْبَعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
السَّنَةِ فِي بِلَادِ بُلْغَارَ قَدْ يَكُونُ سَاعَةً أَوْ أَكْثَرَ أَوْ
أَقَلَّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَسَافَةُ السَّفَرِ فِيهَا ثَلَاثَ
سَاعَاتٍ أَوْ أَقَلَّ لِأَنَّ الْقِصَرَ الْفَاحِشَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ
كَالطُّولِ الْفَاحِشِ وَالْعِبَارَاتُ حَيْثُ أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى
الشَّائِعِ الْغَالِبِ دُون الْخَفِيِّ النَّادِرِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا
قُلْنَا مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّقْدِيرُ
بِالْمَرَاحِلِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ اهـ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ التَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ مَرَاحِلَ قَرِيبٌ
مِنْ التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ مِنْ
السَّيْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرْحَلَةٌ وَاحِدَةٌ خُصُوصًا فِي أَقْصَرِ
أَيَّامِ السَّنَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ وَكَذَا مَا فِي الْفَتْحِ
مِنْ أَنَّهُ قِيلَ يُقَدَّرُ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَقِيلَ
بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَ
مِنْهَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اهـ أَيْ بِنَاءً
عَلَى اخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فَكُلُّ قَائِلٍ قَدَّرَ مَا فِي بَلَدِهِ
مِنْ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ أَوْ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ أَقْصَرِ
الْأَيَّامِ أَوْ أَطْوَلِهَا أَوْ الْمُعْتَدِلِ مِنْهَا وَعَلَى كُلٍّ
فَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيَّامِ مَا تُقْطَعُ فِيهَا
الْمَرَاحِلُ الْمُعْتَادَةُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بَلْ إلَى الزَّوَالِ) فَإِنَّ الزَّوَالَ أَكْثَرُ النَّهَارِ
الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَهُوَ نِصْفُ
النَّهَارِ الْفَلَكِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ الطُّلُوعِ إلَى الْغُرُوبِ،
ثُمَّ إنَّ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ
السَّنَةِ فِي مِصْرَ وَمَا سَاوَاهَا فِي الْعَرْضِ سَبْعُ سَاعَاتٍ إلَّا
رُبُعًا فَمَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ عِشْرُونَ سَاعَةً وَرُبْعٌ،
وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فِي الْعَرْضِ ح.
قُلْت: وَمَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي دِمَشْقَ عِشْرُونَ
سَاعَةً إلَّا ثُلُثَ سَاعَةٍ تَقْرِيبًا لِأَنَّ مِنْ الْفَجْرِ إلَى
الزَّوَالِ فِي أَقْصَرِ الْأَيَّامِ عِنْدَنَا سِتُّ سَاعَاتٍ وَثُلُثَا
سَاعَةٍ إلَّا دَرَجَةً وَنِصْفًا، وَإِنْ اعْتَبَرْت ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ
الْمُعْتَدِلَةِ كَانَ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ اثْنَيْنِ
وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَنِصْفَ سَاعَةٍ تَقْرِيبًا لِأَنَّ مِنْ الْفَجْرِ
إلَى الزَّوَالِ سَبْعُ سَاعَاتٍ وَنِصْفًا تَقْرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَا
اعْتِبَارَ بِالْفَرَاسِخِ) الْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ
أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ
(قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ. اعْتِبَارُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ
عَامَّةِ الْمَشَايِخِ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِالْفَرَاسِخِ. ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ،
وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْفَتْوَى عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ
الْأَوْسَطُ. وَفِي الْمُجْتَبَى فَتْوَى أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ عَلَى
الثَّالِثِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْفَرَاسِخَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
الطَّرِيقِ فِي السَّهْلِ وَالْجَبَلِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِخِلَافِ
الْمَرَاحِلِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ بِالْيَسِيرِ الْوَسَطِ) أَيْ سَيْرِ
الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْجَبَلِ بِمَا
يُنَاسِبُهُ مِنْ السَّيْرِ لِأَنَّهُ يَكُونُ صُعُودًا وَهُبُوطًا
وَمَضِيقًا وَوَعْرًا فَيَكُونُ مَشْيُ الْإِبِلِ وَالْأَقْدَامِ فِيهِ
دُونَ سَيْرِهِمَا فِي السَّهْلِ. وَفِي الْبَحْرِ يُعْتَبَرُ اعْتِدَالُ
الرِّيحِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ إمْدَادٌ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ ذَلِكَ
السَّيْرُ الْمُعْتَادُ فِيهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ
فَيُرْجَعُ إلَيْهِمْ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بَدَائِعُ، وَخَرَجَ سَيْرُ
الْبَقَرِ بِجَرِّ الْعَجَلَةِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ أَبْطَأُ السَّيْرِ
كَمَا إنَّ أَسْرَعَهُ سَيْرُ الْفَرَسِ وَالْبَرِيدِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ فَوَصَلَ) أَيْ إلَى مَكَانِ مَسَافَتِهِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَوْ
وَصَلَ إلَيْهِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ بِكَرَامَةٍ لَكِنْ اسْتَبْعَدَهُ فِي
الْفَتْحِ بِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ فِي
الْقَصْرِ.
(قَوْلُهُ قَصَرَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ اخْتَارَ السُّلُوكَ
فِيهِ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي
الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ صَلَّى الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ) خَبَرُ مَنْ فِي قَوْلِهِ مَنْ
خَرَجَ، وَاحْتَرَزَ بِالْفَرْضِ عَنْ السُّنَنِ وَالْوِتْرِ
وَبِالرُّبَاعِيِّ عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ.
(قَوْلُهُ وُجُوبًا) فَيُكْرَهُ الْإِتْمَامُ عِنْدَنَا حَتَّى رُوِيَ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ فَقَدْ أَسَاءَ
وَخَالَفَ السُّنَّةَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَيَأْتِي
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ اللَّهَ فَرَضَ إلَخْ)
لَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ «فَرَضَ
اللَّهُ
(2/123)
وَالْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ» ، وَلِذَا
عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِمْ قَصَرَ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ
لَيْسَتَا قَصْرًا حَقِيقَةً عِنْدَنَا بَلْ هُمَا تَمَامُ فَرْضِهِ
وَالْإِكْمَالُ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ بَلْ إسَاءَةٌ.
قُلْت: وَفِي شُرُوحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ لَيْلَةَ
الْإِسْرَاءِ رَكْعَتَيْنِ سَفَرًا وَحَضَرًا إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَمَّا
هَاجَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاطْمَأَنَّ بِالْمَدِينَةِ
زِيدَتْ إلَّا الْفَجْرَ لِطُولِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَالْمَغْرِبَ
لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فَرْضُ الرَّبَاعِيَةِ
خُفِّفَ فِيهَا فِي السَّفَرِ عِنْدَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَكَانَ
قَصْرُهَا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَبِهَذَا
تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ اهـ كَلَامُهُمْ فَلْيُحْفَظْ
(وَلَوْ) كَانَ (عَاصِيًا بِسَفَرِهِ) لِأَنَّ الْقُبْحَ الْمُجَاوِرَ لَا
يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ (حَتَّى يَدْخُلَ مَوْضِعَ مُقَامِهِ) إنْ
سَارَ مُدَّةَ السَّفَرِ، وَإِلَّا فَيُتِمُّ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ
الْعَوْدِ لِعَدَمِ اسْتِحْكَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي
الْخَوْفِ رَكْعَةً» . اهـ. وَفِيهِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ
فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» وَفِي
لَفْظِ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى
الْأَوَّلِ» ".
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلِذَا
عَدَلَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ
لَقَّبَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ
وَالْإِكْمَالَ رُخْصَةٌ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا التَّلْقِيبُ
عَلَى أَصْلِنَا خَطَأٌ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي حَقِّهِ لَيْسَتَا
قَصْرًا حَقِيقَةً عِنْدَنَا بَلْ هُمَا تَمَامُ فَرْضِ الْمُسَافِرِ
وَالْإِكْمَالُ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ بَلْ إسَاءَةٌ وَمُخَالَفَةٌ
لِلسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ اسْمٌ لِمَا تَغَيَّرَ عَنْ الْحُكْمِ
الْأَصْلِيِّ بِعَارِضٍ إلَى تَخْفِيفٍ وَيُسْرٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَعْنَى
التَّغْيِيرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ رَأْسًا إذْ الصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ
فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زِيدَتْ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ كَمَا رَوَتْهُ
عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وَفِي حَقِّ الْمُقِيمِ
وُجِدَ التَّغْيِيرُ لَكِنْ إلَى الْغِلَظِ وَالشِّدَّةِ لَا إلَى
السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ
أَيْضًا وَلَوْ سُمِّيَ فَهُوَ مَجَازٌ لِوُجُودِ بَعْضِ مَعَانِي
الْحَقِيقَةِ وَهُوَ التَّغْيِيرُ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ) إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ
لِقُرْبِهَا مِنْ النَّهَارِ بِوُقُوعِهَا عَقِبَهُ وَإِلَّا فَهِيَ
لَيْلِيَّةٌ لَا نَهَارِيَّةٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ) أَيْ فَإِنَّ بَعْضَهَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَصْلٌ
وَبَعْضَهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَارِضٌ فَإِذَا حُمِلَتْ الْأَدِلَّةُ
عَلَى اخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ زَالَ التَّعَارُضُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى
أَنَّ مَا نَقَلَهُ شُرَّاحُ الْبُخَارِيِّ مِنْ الْجَمْعِ بِمَا ذُكِرَ
مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهَا قَصْرٌ لَا إتْمَامٌ
لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَهُوَ عَلَى
هَذَا الْجَمْعِ فَرْضِيَّتُهَا أَرْبَعًا سَفَرًا وَحَضَرًا ثُمَّ
قَصْرُهَا فِي السَّفَرِ وَهَذَا خِلَافُ مَذْهَبِنَا. وَيُنَافِي هَذَا
الْجَمْعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ
فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ لَمْ يَزِدْ فِيهَا
أَصْلًا. وَأَمَّا الْآيَةُ فَالْمُرَادُ بِالْقَصْرِ فِيهَا قَصْرُ
هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَفِعْلُهَا وَقْتَ الْخَوْفِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي
شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ) أَيْ بِسَبَبِ سَفَرِهِ
بِأَنْ كَانَ مَبْنَى سَفَرِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ كَمَا لَوْ سَافَرَ
لِقَطْعِ طَرِيقٍ مَثَلًا، وَهَذَا فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَاصِي فِي السَّفَرِ بِأَنْ عَرَضَتْ
الْمَعْصِيَةُ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقُبْحَ الْمُجَاوِرَ إلَخْ) هُوَ مَا يَقْبَلُ
الِانْفِكَاكَ، كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَإِنَّهُ قُبْحٌ لِتَرْكِ
السَّعْيِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلِانْفِكَاكِ إذْ قَدْ يُوجَدُ تَرْكُ
السَّعْيِ بِدُونِ الْبَيْعِ، وَبِالْعَكْسِ فَكَذَا هُنَا لِإِمْكَانِ
قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ مَثَلًا بِلَا سَفَرٍ وَبِالْعَكْسِ
بِخِلَافِ الْقَبِيحِ لِعَيْنِهِ وَضْعًا كَالْكُفْرِ أَوْ شَرْعًا
كَبَيْعِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ، وَتَمَامُ
بَيَانِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مَوْضِعَ
مَقَامِهِ) أَيْ الَّذِي فَارَقَ بُيُوتَهُ سَوَاءٌ دَخَلَهُ بِنِيَّةِ
الِاجْتِيَازِ أَوْ دَخَلَهُ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ لِأَنَّ مِصْرَهُ
مُتَعَيِّنٌ لِلْإِقَامَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ جَوْهَرَةٌ،
وَدَخَلَ فِي مَوْضِعِ الْمُقَامِ مَا أُلْحِقَ بِهِ كَالرُّبَضِ كَمَا
أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ إنْ سَارَ إلَخْ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ
حَتَّى يَدْخُلَ إي إنَّمَا يَدُومُ عَلَى الْقَصْرِ إلَى الدُّخُولِ إنْ
سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيُتِمُّ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ
(2/124)
السَّفَرِ (أَوْ يَنْوِيَ) وَلَوْ فِي
الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا وَلَمْ يَكُ لَاحِقًا (إقَامَةَ
نِصْفِ شَهْرٍ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَغَيْرِهَا: لَوْ دَخَلَ الْحَاجُّ الشَّامَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا
يَخْرُجُ إلَّا مَعَ الْقَافِلَةِ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ أَتَمَّ لِأَنَّهُ
كَنَاوِي الْإِقَامَةِ (بِمَوْضِعٍ) وَاحِدٍ (صَالِحٍ لَهَا) مِنْ مِصْرٍ
أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ صَحْرَاءِ دَارِنَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ
(فَيَقْصُرُ إنْ نَوَى) الْإِقَامَةَ (فِي أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ فِي نِصْفِ
شَهْرٍ (أَوْ) نَوَى (فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَحِلَّ فِطْرُهُ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ بَلَدِهِ يَوْمَانِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النَّقْضَ قَبْلَ
اسْتِحْكَامِهِ إذْ لَمْ يَتِمَّ عِلَّةً فَكَانَتْ الْإِقَامَةُ نَقْضًا
لِلسَّفَرِ الْعَارِضِ، لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةٍ لِلْإِتْمَامِ أَفَادَهُ
فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ بَحَثَ فَقَالَ: وَلَوْ قِيلَ الْعِلَّةُ مُفَارَقَةُ
الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا اسْتِكْمَالَ
سَفَرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ السَّفَرِ
بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ،
فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ مَا لَمْ تَثْبُتْ عِلَّةُ حُكْمِ الْإِقَامَةِ
احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ. اهـ. وَلَمَّا قَوِيَ الْبَحْثُ عِنْدَ صَاحِبِ
الْبَحْرِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ قَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ
لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ الْمِصْرَ مُطْلَقًا. وَاعْتَرَضَهُ فِي
النَّهْرِ بِأَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَسْتَلْزِمُ
إبْطَالَ الْمَدْلُولِ. اهـ.
أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ
هِيَ الْمَشَقَّةُ وَأُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَهَا وَلَكِنْ لَا تَثْبُتُ
عِلِّيَّتُهَا إلَّا بِشَرْطِ ابْتِدَاءٍ وَشَرْطِ بَقَاءٍ، فَالْأَوَّلُ
مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ،
وَالثَّانِي اسْتِكْمَالُ السَّفَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا وُجِدَ
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ ثَبَتَ حُكْمُهَا ابْتِدَاءً فَلِذَا يَقْصُرُ
بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ نَاوِيًا وَلَا يَدُومُ إلَّا
بِالشَّرْطِ الثَّانِي فَهُوَ شَرْطٌ لِاسْتِحْكَامِهَا عِلَّةً فَإِذَا
عَزَمَ عَلَى تَرْكِ السَّفَرِ قَبْلَ تَمَامِهِ بَطَلَ بَقَاؤُهَا عِلَّةً
لِقَبُولِهَا النَّقْضَ قَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ وَمَضَى فِعْلُهُ فِي
الِابْتِدَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَلِذَا لَوْ لَمْ
يَصِلْ لِعُذْرٍ ثُمَّ رَجَعَ يَقْضِيهَا مَقْصُورَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ
فَتَدَبَّرْهُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي أَوَّلِهَا
أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا أَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا
مُدْرِكًا أَوْ مَسْبُوقًا بَحْرٌ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ
سُجُودُ سَهْوٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ السَّلَامِ وَالسُّجُودِ أَوْ
بَعْدَهُمَا؛ أَمَّا لَوْ نَوَاهَا بَيْنَهُمَا فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ
بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهَا إلَى
الْأَرْبَعِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إذَا
لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ
لِأَنَّهُ إذَا نَوَاهَا بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَةٍ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ
تَحَوَّلَ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ؛ أَمَّا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ
فِيهَا ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ فَلَا يَتَحَوَّلُ فِي حَقِّ تِلْكَ
الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُ لَاحِقًا) أَمَّا اللَّاحِقُ إذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ
الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ فَأَحْدَثَ أَوْ نَامَ فَانْتَبَهَ
بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ لَمْ يُتِمَّ لِأَنَّ
اللَّاحِقَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلَفَ الْإِمَامَ إذَا فَرَغَ
الْإِمَامُ فَقَدْ اسْتَحْكَمَ الْفَرْضُ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِي حَقِّ
الْإِمَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ اللَّاحِقِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ،
فَقَيَّدَ حُكْمَ اللَّاحِقِ بِكَوْنِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَقَدْ
تَرَكَهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ يَنْوِيَ.
(قَوْلُهُ لَوْ دَخَلَ الْحَاجُّ) أَيْ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ أَوْ قَبْلَهُ
ح وَالْمُرَادُ بِالْحَاجِّ الرَّجُلُ الْقَاصِدُ الْحَجَّ.
(قَوْلُهُ وَعَلِمَ إلَخْ) أَيْ عَلِمَ أَنَّ الْقَافِلَةَ إنَّمَا
تَخْرُجُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَزَمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا
مَعَهُمْ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ نِيَّةً
لِلْإِقَامَةِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ نَوَى الْخُرُوجَ بَعْدَ
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ تِلْكَ
الْمُدَّةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بِمَوْضِعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِإِقَامَةٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
لَا كَلَامِ الشَّارِحِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ
النِّيَّةِ.
(قَوْلُهُ صَالِحٍ لَهَا) هَذَا إنْ سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا
فَتَصِحُّ وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ، وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا
قَدَّمْنَاهُ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ
الْإِقَامَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ تَكُونُ نَقْضًا لِلسَّفَرِ
كَنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ وَالسَّفَرُ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهِ
يَقْبَلُ النَّقْضَ (قَوْلُهُ أَوْ صَحْرَاءِ دَارِنَا) احْتِرَازٌ عَنْ
صَحْرَاءِ دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَحُكْمُهُ حِينَئِذٍ كَحُكْمِ
الْعَسْكَرِ الدَّاخِلِ فِي أَرْضِهِمْ ط.
(قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ
صَحْرَاءِ دَارِنَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا مَعَ
بَيَانِ مُحْتَرَزِهِ (قَوْلُهُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ
بِسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ مَا تَقَدَّمَ ط
(قَوْلُهُ أَوْ نَوَى فِيهِ) أَيْ
(2/125)
لَكِنْ فِي غَيْرِ صَالِحٍ) أَوْ كَنَحْوِ
جَزِيرَةٍ أَوْ نَوَى فِيهِ لَكِنْ (بِمَوْضِعَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ
كَمَكَّةَ وَمِنًى) فَلَوْ دَخَلَ الْحَاجُّ مَكَّةَ أَيَّامَ الْعَشْرِ
لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ فَصَارَ
كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَبَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ
مِنًى تَصِحُّ كَمَا لَوْ نَوَى مَبِيتَهُ بِأَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ
أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ بِحَيْثُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى
سَاكِنِهِ لِلِاتِّحَادِ حُكْمًا (أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا
بِرَأْيِهِ) كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ (أَوْ دَخَلَ بَلْدَةً وَلَمْ يَنْوِهَا)
أَيْ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ (بَلْ تَرَقَّبَ السَّفَرَ) غَدًا أَوْ بَعْدَهُ
(وَلَوْ بَقِيَ) عَلَى ذَلِكَ (سِنِينَ) إلَّا أَنْ يَعْلَمَ تَأَخُّرَ
الْقَافِلَةِ نِصْفَ شَهْرٍ كَمَا مَرَّ
(وَكَذَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي نِصْفِ شَهْرٍ (قَوْلُهُ كَبَحْرٍ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى
وَالْمَلَّاحُ مُسَافِرٌ إلَّا عِنْدَ الْحَسَنِ وَسَفِينَتُهُ أَيْضًا
لَيْسَتْ بِوَطَنٍ اهـ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَالُهُ
وَأَهْلُهُ مَعَهُ فِيهَا ثُمَّ رَأَيْته صَرِيحًا فِي الْمِعْرَاجِ.
(قَوْلُهُ أَوْ جَزِيرَةٍ) أَيْ لَيْسَ لَهَا أَهْلٌ يَسْكُنُونَهَا.
(قَوْلُهُ أَوْ نَوَى فِيهِ) أَيْ فِي صَالِحٍ لَهَا (قَوْلُهُ
بِمَوْضِعَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ) لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ
وَالْقَرْيَتَيْنِ وَالْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ دَخَلَ إلَخْ) هُوَ ضِدُّ مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْحَاجِّ
الشَّامَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ
الْإِقَامَةَ وَهَذَا مُسَافِرٌ حُكْمًا وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ
لِعَدَمِ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ مَا دَامَ عَازِمًا عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ.
قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِتَفَقُّهِ عِيسَى بْنِ
أَبَانَ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِطَلَبِ الْحَدِيثِ قَالَ:
فَدَخَلْت مَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ صَاحِبٍ
لِي وَعَزَمْت عَلَى الْإِقَامَةِ شَهْرًا فَجَعَلْت أُتِمُّ الصَّلَاةَ
فَلَقِيَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ لِي: أَخْطَأْت
فَإِنَّك تَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا رَجَعْت مِنْ مِنًى
بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ وَعَزَمْت عَلَى أَنْ أُصَاحِبَهُ،
وَجَعَلْت أَقْصُرُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لِي صَاحِبُ أَبُو حَنِيفَةَ:
أَخْطَأْت فَإِنَّك مُقِيمٌ بِمَكَّةَ فَمَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا لَا
تَصِيرُ مُسَافِرًا، فَقُلْت: أَخْطَأَتْ فِي مَسْأَلَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ
فَرَحَلْت إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ وَاشْتَغَلْت بِالْفِقْهِ قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ: وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِيَعْلَمَ
مَبْلَغَ الْعِلْمِ فَيَصِيرَ مَبْعَثَةً لِلطَّلَبَةِ عَلَى طَلَبِهِ.
اهـ. بَحْرٌ.
أَقُولُ: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّ نِيَّتَهُ
الْإِقَامَةَ لَمْ تَعْمَلْ عَمَلَهَا إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِوُجُودِ
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَا نِيَّةِ خُرُوجٍ فِي أَثْنَائِهَا،
بِخِلَافِ مَا قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ
عَازِمًا عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ تَمَامِ نِصْفِ شَهْرٍ لَمْ يَصِرْ
مُقِيمًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَدَّدَ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ بَعْدَ
رُجُوعِهِ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ الْعَلَّامَةُ الْقَارِي فِي
شَرْحِ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِمَامِ تَعَارُضًا
حَيْثُ حَكَمَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ مُسَافِرٌ وَثَانِيًا بِأَنَّهُ مُقِيمٌ
مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمُتُونِ
أَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي إحْدَاهُمَا نِصْفَ شَهْرٍ صَحَّ فَحِينَئِذٍ لَا
يَضُرُّهُ خُرُوجُهُ إلَى عَرَفَاتٍ إذْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ نِصْفَ
شَهْرٍ مُتَوَالِيًا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَوَجْهُ
السُّقُوطِ أَنَّ التَّوَالِي لَا يُشْتَرَطُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ
عَزْمِهِ الْخُرُوجُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاوِيًا
الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ، نَعَمْ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى
صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِعَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ نِصْفَ شَهْرٍ فِي مَكَان
وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَوَى مَبِيتَهُ بِأَحَدِهِمَا) فَإِنْ دَخَلَ
أَوَّلًا الْمَوْضِعَ الَّذِي نَوَى الْمُقَامَ فِيهِ نَهَارًا لَا يَصِيرُ
مُقِيمًا، وَإِنْ دَخَلَ أَوَّلًا مَا نَوَى الْمَبِيتَ فِيهِ يَصِيرُ
مُقِيمًا ثُمَّ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَوْضِعِ الْآخَرِ لَا يَصِيرُ
مُسَافِرًا لِأَنَّ مَوْضِعَ إقَامَةِ الرَّجُلِ حَيْثُ يَبِيتُ بِهِ
حِلْيَةٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ) كَالْقَرْيَةِ
الَّتِي قَرُبَتْ مِنْ الْمِصْرِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ النِّدَاءَ عَلَى مَا
يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَفِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَ الْمَوْضِعَانِ مِنْ
مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُمَا
مُتَّحِدَانِ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسَافِرًا
لَمْ يَقْصُرْ. اهـ. ط.
(قَوْلُهُ بِحَيْثُ تَجِبُ) حَيْثِيَّةُ تَفْسِيرٍ لِلتَّبَعِيَّةِ ح.
(قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِرَأْيِهِ) عَطْفٌ عَلَى
قَوْلِهِ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ وَصُورَتُهُ نَوَى التَّابِعُ
الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَنْوِهَا الْمَتْبُوعُ أَوْ لَمْ يَدْرِ فَإِنَّهُ
لَا يُتِمُّ. اهـ. ح وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي مَعَ بَيَانِ شُرُوطِهَا
وَالْخِلَافِ فِيهَا (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ بَلْدَةً) أَيْ لِقَضَاءِ
حَاجَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رُفْقَةٍ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْوِهَا) وَكَذَا إذَا نَوَاهَا وَهُوَ مُتَرَقِّبٌ
لِلسَّفَرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ حَالَتَهُ تُنَافِي عَزِيمَتَهُ.
(قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْحَاجِّ الشَّامَ
(2/126)
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (عَسْكَرٌ دَخَلَ
أَرْضَ حَرْبٍ أَوْ حَاصَرَ حِصْنًا فِيهَا) بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَهَا
بِأَمَانٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ (أَوْ) حَاصَرَ (أَهْلُ الْبَغْيِ فِي
دَارِنَا فِي غَيْرِ مِصْرٍ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ مُدَّتَهَا)
لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ (بِخِلَافِ أَهْلِ
الْأَخْبِيَةِ) كَعَرَبٍ وَتُرْكُمَانٍ (نَوَوْهَا) فِي الْمَفَازَةِ
فَإِذًا تَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ) وَبِهِ يُفْتَى إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ
مِنْ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ مَا يَكْفِيهِمْ مُدَّتَهَا لِأَنَّ
الْإِقَامَةَ أَصْلٌ إلَّا إذَا قَصَدُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ أَوْ حَاصَرَ حِصْنًا فِيهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا
فَرْقَ فِي الْمُحَاصَرَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِلْمَدِينَةِ أَوْ
الْحِصْنِ بَعْدَ مَا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُ
ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمُحَاصَرَةُ لِلْمِصْرِ عَلَى سَطْحِ الْبَحْرِ
فَإِنَّ لِسَطْحِ الْبَحْرِ حُكْمَ دَارِ الْحَرْبِ حَمَوِيٌّ عَنْ شَرْحِ
النَّظْمِ الْهَامِلِيِّ ط.
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ) لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَتَعَرَّضُونَ
لَهُ لِأَجْلِ الْأَمَانِ بَحْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ ط (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ
مِصْرٍ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي دَارِنَا أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ
عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ حَاصَرَ لَا مُتَعَلِّقٌ بِحَاصَرَ
لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ
وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ.
ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ التَّقْيِيدَ بِغَيْرِ الْمِصْرِ وَقَعَ فِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ
يُوهِمُ صِحَّةَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَلَوْ نَزَلُوا فِي الْمِصْرِ
وَحَاصَرُوا حِصْنًا فِيهِ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ لِأَنَّ إطْلَاقَ مَا
ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَطَالَ
فِي بَيَانِهِ وَكَذَا نَصَّ فِي الْعِنَايَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ
بِقَيْدٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ الْآتِي وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ
الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِهِ (قَوْلُهُ
لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ) الْأَوَّلُ بِالْقَافِ
وَالثَّانِي بِالْفَاءِ أَيْ فَكَانَتْ حَالَتُهُمْ تُنَافِي
عَزِيمَتَهُمْ، وَالْإِطْلَاقُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ
لِعَسْكَرِنَا لِاحْتِمَالِ وُصُولِ الْمَدَدِ لِلْعَدُوِّ أَوْ وُجُودِ
مَكِيدَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ إذَا
غَلَبُوا عَلَى مَدِينَةِ الْحَرْبِ إنْ اتَّخَذُوهَا دَارًا أَتَمُّوا
وَإِلَّا بَلْ أَرَادُوا الْإِقَامَةَ بِهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ
قَصَرُوا لِبَقَائِهَا دَارَ حَرْبٍ وَهُمْ مُحَارِبُونَ فِيهَا بِخِلَافِ
الْأَوَّلِ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ] لَوْ انْفَلَتَ الْأَسِيرُ مِنْ الْكُفَّارِ وَتَوَطَّنَ فِي
غَارٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ نِصْفَ شَهْرٍ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا
كَمَا لَوْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ يُرِيدُ مَسِيرَةَ
السَّفَرِ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَالْخَانِيَّةِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْفَتْحِ
كَوْنُ حَالِهِ مُتَرَدِّدًا لِأَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْفُرْصَةَ قَبْلَ
تَمَامِ الْمُدَّةِ خَرَجَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمُشْكِلٌ وَحَمَلَهُ فِي
شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَمْ
تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ أَيْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ لَا نِيَّةُ السَّفَرِ
وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ
بِأَنَّهُ يَقْصُرُ وَكَذَا جَعَلَ فِي الذَّخِيرَةِ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ
الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى فَأَفَادَ لُزُومَ الْقَصْرِ فِيهِمَا.
(قَوْلُهُ الْأَخْبِيَةِ) جَمْعُ خِبَاءٍ كَكِسَاءِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ:
هُوَ الْخَيْمَةُ مِنْ الصُّوفِ (قَوْلُهُ كَعَرَبٍ) الْمُنَاسِبُ قَوْلُ
غَيْرِهِ كَأَعْرَابٍ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ: الْعَرَبُ هُمْ الَّذِينَ
اسْتَوْطَنُوا الْمُدُنَ وَالْقُرَى الْعَرَبِيَّةَ، وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ
الْبَدْوِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَقْصُرُونَ لِأَنَّهُ لَيْسَ
مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ حِينَئِذٍ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا
تَصِحُّ أَيْ نِيَّتُهُمْ الْإِقَامَةَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ
كَلَامِ الْبَدَائِعِ أَنَّ أَهْلَ الْأَخْبِيَةِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى
نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَفَاوِزَ لَهُمْ كَالْأَمْصَارِ
وَالْقُرَى لِأَهْلِهَا وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلرَّجُلِ أَصْلٌ،
وَالسَّفَرَ عَارِضٌ وَهُمْ لَا يَنْوُونَ السَّفَرَ وَإِنَّمَا
يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ مَرْعًى إلَى آخَرَ اهـ
(قَوْلُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ
(2/127)
مَوْضِعًا بَيْنَهُمَا مُدَّةُ السَّفَرِ
فَيَقْصُرُونَ إنْ نَوَوْا سَفَرًا وَإِلَّا لَا وَلَوْ نَوَى غَيْرُهُمْ
الْإِقَامَةَ مَعَهُمْ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ
شُرُوطَ الْإِتْمَامِ سِتَّةٌ: النِّيَّةُ، وَالْمُدَّةُ، وَاسْتِقْلَالُ
الرَّأْيِ، وَتَرْكُ السَّيْرِ، وَاتِّحَادُ الْمَوْضِعِ،
وَصَلَاحِيَّتُهُ، قُهُسْتَانِيٌّ.
(فَلَوْ أَتَمَّ مُسَافِرٌ إنْ قَعَدَ فِي) الْقَعْدَةِ (الْأُولَى تَمَّ
فَرْضُهُ وَ) لَكِنَّهُ (أَسَاءَ) لَوْ عَامِدًا لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ
وَتَرْكِ وَاجِبِ الْقَصْرِ وَوَاجِبِ تَكْبِيرَةِ افْتِتَاحِ النَّفْلِ
وَخَلْطِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ كَمَا حَرَّرَهُ
الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَ أَسَاءَ بِأَثِمَ وَاسْتَحَقَّ
النَّارَ (وَمَا زَادَ نَفْلٌ) كَمُصَلِّي الْفَجْرِ أَرْبَعًا (وَإِنْ
لَمْ يَقْعُدْ بَطَلَ فَرْضُهُ) وَصَارَ الْكُلُّ نَفْلًا لِتَرْكِ
الْقَعْدَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَوْضِعِهِمْ وَالْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدُوهُ (قَوْلُهُ إنْ نَوَوْا
سَفَرًا) فِيهِ مُسَامَحَةٌ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا إذَا قَصَدُوا ح.
(قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ) أَيْ
مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ اشْتِرَاطُ تَرْكِ السَّيْرِ لَمْ
يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ سِتَّةٌ) زَادَ فِي الْحِلْيَةِ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا
تَكُونَ حَالَتُهُ مُنَافِيَةً لِعَزِيمَتِهِ قَالَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ
فِي مَسَائِلَ اهـ أَيْ كَمَسْأَلَةِ مَنْ دَخَلَ بَلْدَةً لِحَاجَةٍ
وَمَسْأَلَةِ الْعَسْكَرِ فَافْهَمْ. ثُمَّ هَذِهِ شُرُوطُ الْإِتْمَامِ
بَعْدَ تَحَقُّقِ مُدَّةِ السَّفَرِ وَإِلَّا فَلَا، فَلَوْ عَزَمَ عَلَى
الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَ سَيْرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى قَصْدِ
قَطْعِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ كَمَا مَرَّ وَكَذَا لَوْ رَجَعَ إلَى
بَلْدَتِهِ لِأَخْذِ حَاجَةٍ نَسِيَهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ
وَتَرْكُ السَّيْرِ) أَيْ إذَا كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ
فِيمَا سَيَدْخُلُهُ مِنْ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَمَّا لَوْ وُجِدَتْ
هَذِهِ الْأُمُورُ وَقَدْ دَخَلَ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً وَهُوَ يَسِيرُ
لِطَلَبِ مَنْزِلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ
حِلْيَةٌ.
(قَوْلُهُ وَصَلَاحِيَّتُهُ) أَيْ صَلَاحِيَّةُ الْمَوْضُوعِ لِلْإِقَامَةِ
(قَوْلُهُ إنْ قَعَدَ إلَخْ) لِأَنَّ الْقَعْدَةَ عَلَى رَأْسِ
الرَّكْعَتَيْنِ فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي
الْأُولَيَيْنِ، فَلَوْ تَرَكَ فِيهِمَا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا وَقَرَأَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُ اهـ.
وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا نَوَى أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ
خِلَافًا لِمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ
رَكْعَتَيْنِ لِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ
نِيَّةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي
بَابِ السَّهْوِ مِنْ أَنَّ السَّاهِيَ لَوْ سَلَّمَ لِلْقَطْعِ يَسْجُدُ
لِأَنَّهُ نَوَى تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ فَتَلْغُو، كَمَا لَوْ نَوَى
الظُّهْرَ سِتًّا أَوْ نَوَى مُسَافِرٌ الظُّهْرَ أَرْبَعًا أَفَادَهُ
أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ.
قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
(قَوْلُهُ لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ) مُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ فِي سُجُودِ
السَّهْوِ أَنْ يَقُولَ لِتَرْكِهِ السَّلَامَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ
إذَا صَلَّى خَامِسَةً بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ يَضُمُّ إلَيْهَا
سَادِسَةً وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِهِ السَّلَامَ، وَإِنْ تَذَكَّرَ
وَعَادَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ يَسْجُدُ
لِلسَّهْوِ لِتَأْخِيرِهِ السَّلَامَ أَيْ سَلَامَ الْفَرْضِ
وَمَسْأَلَتُنَا نَظِيرُ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ أَفَادَهُ
الرَّحْمَتِيُّ قُلْت: لَكِنَّ مَا هُنَا أَظْهَرُ.
(قَوْلُهُ وَتَرْكُ وَاجِبِ الْقَصْرِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ
وَاجِبٍ هُوَ الْقَصْرُ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ
كَجَرْدِ قَطِيفَةٍ أَيْ الْقَصْرِ الْوَاجِبِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ
بِأَنَّهُ غَيْرُ فَرْضٍ كَمَا قَدَّمْنَا مَا يُفِيدُهُ عَنْ شَرْحِ
الْمُنْيَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ هُنَا بِمَعْنَى الْفَرْضِ لَمَا
صَحَّ وَإِنْ قَعَدَ فَافْهَمْ ثُمَّ إنَّ تَرْكَ وَاجِبِ الْقَصْرِ
مُسْتَلْزِمٌ لِتَرْكِ السَّلَامِ وَتَكْبِيرَةِ النَّفْلِ وَخَلْطِ
النَّفْلِ بِالْفَرْضِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ
زِيَادَةً عَلَى إثْمِهِ بِهَذِهِ اللَّوَازِمِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَوَاجِبِ تَكْبِيرَةِ إلَخْ) لِأَنَّ بِنَاءَ النَّفْلِ عَلَى
الْفَرْضِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا هُوَ خَلْطُ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ
رَحْمَتِيٌّ لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَخَلْطِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ
يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مَا قَبْلَهُ وَيَلْزَمُهُ أَنَّ افْتِتَاحَ
النَّفْلِ بِتَكْبِيرَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَاجِبٌ مَعَ أَنَّ بِنَاءَ
النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ
وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّوَازِمِ الْأَرْبَعَةِ ط (قَوْلُهُ
بَعْدَ أَنَّ فَسَّرَ أَسَاءَ بِأَثِمٍ) وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ
بِتَأْثِيمِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِسَاءَةَ هُنَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ
رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَاسْتَحَقَّ النَّارَ) أَيْ إذَا لَمْ يَتُبْ أَوْ
يَعْفُ عَنْهُ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ط.
(قَوْلُهُ وَصَارَ الْكُلُّ نَفْلًا) أَيْ بِتَقْيِيدِهِ الثَّالِثَةَ
بِسَجْدَةٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَوْدِ قَبْلَهَا وَهَذَا عِنْدَهُمَا
بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ لَا يَبْطُلُ الْأَصْلُ
خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
(قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْقَعْدَةِ)
(2/128)
الْمَفْرُوضَةِ إلَّا إذَا نَوَى
الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ لَكِنَّهُ
يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ لِوُقُوعِهِ نَفْلًا فَلَا يَنُوبُ عَنْ
الْفَرْضِ وَلَوْ نَوَى فِي السَّجْدَةِ صَارَ نَفْلًا
(وَصَحَّ اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ
فَإِذَا قَامَ) الْمُقِيمُ (إلَى الْإِتْمَامِ لَا يَقْرَأُ) وَلَا
يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ كَاللَّاحِقِ
وَالْقَعْدَتَانِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا قُنْيَةٌ (وَنُدِبَ
لِلْإِمَامِ) هَذَا يُخَالِفُ الْخَانِيَّةَ وَغَيْرَهَا أَنَّ الْعِلْمَ
بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطٌ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ
لِلْهِنْدِيِّ الشَّرْطُ الْعِلْمُ بِحَالِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي
حَالِ الِابْتِدَاءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عِلَّةٌ لِبُطْلَانِ الْفَرْضِ، ثُمَّ الْقَعْدَةُ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا
فِي النَّفْلِ أَيْضًا لَكِنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي آخِرِ
الشَّفْعِ تَصِيرُ الْخَاتِمَةُ هِيَ الْفَرْضُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي
بَابِ النَّوَافِلِ.
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ
الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا نَوَاهَا حِينَئِذٍ صَحَّتْ
نِيَّتُهُ وَتَحَوَّلَ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَرَأَ
فِي الْأُولَيَيْنِ تَخَيَّرَ فِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِلَّا قَرَأَ
قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ قَعَدَ الْقَعْدَةَ
الْأُولَى أَوْ لَا فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِهِ رَاجِعٌ إلَى
الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ وَأَمَّا إذَا نَوَى بَعْدَ أَنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ
بِسَجْدَةٍ، فَإِنْ كَانَ قَعَدَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فَقَدْ عَلِمْت
أَنَّهُ تَمَّ فَرْضُهُ بِالرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَتَحَوَّلُ وَيُضِيفُ
إلَيْهَا أُخْرَى وَلَوْ أَفْسَدَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ
يَقْعُدْ بَطَلَ فَرْضُهُ، وَيَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى لِتَصِيرَ
الْأَرْبَعُ نَافِلَةً خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا مَرَّ هَذَا خُلَاصَةُ
مَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْبَحْرِ وَقَدْ أَفَادَ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ
أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَطَلَ فَرْضُهُ أَيْ بُطْلَانًا مَوْقُوفًا لَا
بَاتًّا وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ (قَوْلُهُ فَلَا يَنُوبُ) أَيْ
النَّفَلُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى فِي السَّجْدَةِ) أَيْ سَجْدَةِ الثَّالِثَةِ صَارَ
نَفْلًا وَهَذَا جَرَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ
السَّجْدَةَ تَتِمُّ بِالْوَضْعِ. وَالصَّحِيحُ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ مِنْ
أَنَّهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِالرَّفْعِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ
يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا فِي الْأَصَحِّ. اهـ. ح أَيْ سَوَاءٌ قَعَدَ
الْقَعْدَةَ الْأُولَى أَوْ لَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ
فَإِنْ قَعَدَ تَمَّ فَرْضُهُ بِالرَّكْعَتَيْنِ وَإِلَّا انْقَلَبَ
الْكُلُّ نَفْلًا، فَقَوْلُهُ صَارَ نَفْلًا خَاصٌّ بِمَا إذَا لَمْ
يَقْعُدْ
(قَوْلُهُ فَإِذَا قَامَ الْمُقِيمُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ
الْمُسَافِرِ؛ فَلَوْ قَامَ قَبْلَهُ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ
قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْمَأْمُومُ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ رَفَضَ مَا
أَتَى بِهِ وَتَابَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَسَدَتْ وَإِنْ نَوَى
بَعْدَهُ لَا يُتَابِعُهُ وَلَوْ تَابَعَهُ فَسَدَتْ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ
الْقِرَاءَةِ كَوُجُوبِ السَّهْوِ ضَعِيفٌ، وَالِاسْتِشْهَادُ لَهُ
بِوُجُوبِ السَّهْوِ اسْتِشْهَادٌ بِضَعِيفٍ مُوهِمٍ أَنَّهُ مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ شُرْنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) أَيْ قِيلَ إنَّ
الْقَعْدَةَ الْأُولَى لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهِ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ أَنَّ الْعِلْمَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَدَلٌ مِنْ
الْخَانِيَّةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَلَامَ الْخَانِيَّةِ ح.
ثُمَّ وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ
الِاقْتِدَاءِ الْعِلْمُ بِحَالِ الْإِمَامِ مِنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا أَوْ
مُقِيمًا لَا يَكُونُ لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَائِدَةٌ
لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ فِي
الِاقْتِدَاءِ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَوْلِ الْإِمَامِ
ذَلِكَ لِرَفْعِ التَّوَهُّمِ يُنَافِي اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ فِي
الِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) أَوْرَدَ ذَلِكَ سُؤَالًا فِي
النِّهَايَةِ وَالسِّرَاجِ والتتارخانية ثُمَّ أَجَابُوا بِمَا يَرْجِعُ
إلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ. وَحَاصِلُهُ: تَسْلِيمُ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ
بِحَالِ الْإِمَامِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ فِي الِابْتِدَاءِ
فَحَيْثُ لَمْ يَعْلَمُوا ابْتِدَاءً بِحَالِهِ كَانَ الْإِخْبَارُ
مَنْدُوبًا وَحِينَئِذٍ فَلَا مُخَالَفَةَ فَافْهَمْ وَإِنَّمَا لَمْ
يَجِبْ مَعَ كَوْنِ إصْلَاحِ صَلَاتِهِمْ يَحْصُلُ بِهِ وَمَا يَحْصُلُ
بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ،
فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتِمُّوا ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ كَمَا فِي
الْبَحْرِ أَوْ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ
مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ حَمْلًا لَهُ عَلَى الصَّلَاحِ، فَيَكُونُ
ذَلِكَ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا لِأَنَّهُ زِيَادَةُ إعْلَامٍ كَمَا فِي
الْعِنَايَةِ.
أَقُولُ: لَكِنَّ حَمْلَ حَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ يُنَافِي اشْتِرَاطَ
الْعِلْمِ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْقُنْيَةِ
مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ
رَكْعَتَيْنِ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ وَإِنْ
كَانُوا مُسَافِرِينَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ
(2/129)
وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَنْبَغِي أَنْ
يُخْبِرَهُمْ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَإِلَّا فَبَعْدَ سَلَامِهِ (أَنْ يَقُولَ)
بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ «أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنِّي
مُسَافِرٌ» ) لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ سَهَا، وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ
لَا لِتَحْقِيقِهَا بَلْ لِيُتِمَّ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ لَمْ يَصِرْ
مُقِيمًا
وَأَمَّا اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فَيَصِحُّ فِي الْوَقْتِ
وَيُتِمُّ لَا بَعْدَهُ فِيمَا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ
الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ لَوْ اقْتَدَى فِي
الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْقِرَاءَةِ لَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
حَالِ مَنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ مُقِيمٌ وَالْبِنَاءُ
عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، أَمَّا إذَا
صَلَّى خَارِجَ الْمِصْرِ لَا تَفْسُدُ، وَيَجُوزُ الْأَخْذُ بِالظَّاهِرِ
وَهُوَ السَّفَرُ فِي مِثْلِهِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِحَالِ الْإِمَامِ إذَا صَلَّى
بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ فِي مَوْضِعِ إقَامَةٍ وَإِلَّا فَلَا.
(قَوْلُهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ
لَا يَعْرِفُ فَيَتَكَلَّمُ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ قَبْلَ
إخْبَارِ الْإِمَامِ بَعْدَ السَّلَامِ.
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، قَالَ
الْمَقْدِسِيَّ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ فِي زَمَانِنَا ط.
(قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا) فَلَوْ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ
مَعَهُ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ
ظَهِيرِيَّةٌ أَيْ إذَا قَصَدُوا مُتَابَعَتَهُ أَمَّا لَوْ نَوَوْا
مُفَارَقَتُهُ وَوَافَقُوهُ صُورَةً فَلَا فَسَادَ أَفَادَهُ الْخَيْرُ
الرَّمْلِيُّ
(قَوْلُهُ وَأَمَّا اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ) هَذَا عَكْسُ
مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ
اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْهُ لِذِكْرِهِ إيَّاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ
(قَوْلُهُ فَيَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَيُتِمُّ) أَيْ سَوَاءٌ بَقِيَ
الْوَقْتُ أَوْ خَرَجَ قَبْلَ إتْمَامِهَا لِتَغَيُّرِ فَرْضِهِ
بِالتَّبَعِيَّةِ لِاتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ،
وَلَوْ أَفْسَدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِزَوَالِ الْمُغَيِّرِ، بِخِلَافِ
مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ مُتَنَفِّلًا حَيْثُ يُصَلِّي أَرْبَعًا إذَا
أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَتَصِيرُ الْقَعْدَةُ
الْأُولَى وَاجِبَةً فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي الْمُسَافِرِ أَيْضًا، حَتَّى
لَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ وَلَوْ عَامِدًا وَتَابَعَهُ الْمُسَافِرُ لَا
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقِيلَ تَفْسُدُ كَذَا
فِي السِّرَاجِ وَلَا وَجْهَ لَهُ يَظْهَرُ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بَعْدَ خُرُوجِ
الْوَقْتِ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ وَهَذَا إذَا
كَانَتْ فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَلَوْ فِي حَقِّ
الْإِمَامِ فَقَطْ يَصِحُّ كَمَا لَوْ اقْتَدَى حَنَفِيٌّ فِي الظُّهْرِ
بِشَافِعِيٍّ أَوْ بِمَنْ يَرَى قَوْلَهُمَا بَعْدَ الْمِثْلِ قَبْلَ
الْمِثْلَيْنِ كَمَا فِي السِّرَاجِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ قَيْدٌ
حَسَنٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا فَائِتَةً فِي حَقِّ
الْمَأْمُومِ فَقَطْ سَوَاءٌ فَاتَتْ الْإِمَامَ أَوْ لَا كَمَنْ صَلَّى
رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا فَخَرَجَ الْوَقْتُ فَاقْتَدَى بِهِ
مُسَافِرٌ فَإِنَّهَا فَائِتَةٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَا الْمُقِيمِ اهـ
أَيْ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لَكِنَّ فَوْتَهَا فِي حَقِّ
الْمَأْمُومِ فَقَطْ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ لِأَنَّ فَوْتَهَا فِي
حَقِّهِمَا مَعًا كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ فِيمَا يَتَغَيَّرُ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحُّ الْمُقَدَّرُ فِي
قَوْلِهِ لَا بَعْدَهُ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ
الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ فِي السَّفَرِ
كَالثُّنَائِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَفِي الْبَحْرِ
هَذَا الْقَيْدُ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ صَحَّ وَأَتَمَّ بَلْ لَا حَاجَةَ
إلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّ السَّفَرَ مُؤَثِّرٌ فِي الرُّبَاعِيِّ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ) فَإِنَّهَا تَصِيرُ فَرْضًا فِي حَقِّ
الْمَأْمُومِ وَغَيْرَ فَرْضٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمُرَادُ
بِالنَّفْلِ لِأَنَّهُ مَا قَابَلَ الْفَرْضَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقَعْدَةُ
الْوَاجِبَةُ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ الْقِرَاءَةِ إلَخْ) لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ،
فَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ
الثَّانِي فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَمُقْتَضَى الْمُتُونِ عَدَمُ الصِّحَّةِ
مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَيَيْنِ وَالْقَضَاءُ يَلْتَحِقُ
بِمَحَلِّهِ فَلَا يَبْقَى لِلْأُخْرَيَيْنِ قِرَاءَةٌ. اهـ. بَحْرٌ.
[تَنْبِيهٌ] زَادَ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ التَّحْرِيمَةِ وَعَزَاهُ فِي
السِّرَاجِ إلَى الْحَوَاشِي فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي
الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ
اشْتَمَلَتْ عَلَى نَفْلِيَّةِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالْقِرَاءَةِ
بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ السِّرَاجِ لِأَنَّ
تَحْرِيمَةَ الْمَأْمُومِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْفَرْضِ لَا غَيْرُ
وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَتَمَامُهُ فِي
النَّهْرِ.
أَقُولُ: وَعَلَيْهِ فَذِكْرُ التَّحْرِيمَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ
الْقَعْدَةِ وَالْقِرَاءَةِ لِشُمُولِ التَّعْلِيلِ بِهَا لِلِاقْتِدَاءِ
فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ
(2/130)
(وَيَأْتِي) الْمُسَافِرُ (بِالسُّنَنِ)
إنْ كَانَ (فِي حَالَ أَمْنٍ وَقَرَارٍ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ فِي خَوْفٍ
وَفِرَارٍ (لَا) يَأْتِي بِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ تَرْكٌ
لِعُذْرٍ تَجْنِيسٌ، قِيلَ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ
(وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ آخِرُ الْوَقْتِ) وَهُوَ قَدْرُ
مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ (فَإِنْ كَانَ) الْمُكَلَّفُ (فِي آخِرِهِ
مُسَافِرًا وَجَبَ رَكْعَتَانِ وَإِلَّا فَأَرْبَعٌ) لِأَنَّهُ
الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ قَبْلَهُ
(الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ) هُوَ مَوْطِنُ وِلَادَتِهِ أَوْ تَأَهُّلِهِ أَوْ
تُوَطِّنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الصَّلَاةِ لَا فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ
(قَوْلُهُ وَيَأْتِي الْمُسَافِرُ بِالسُّنَنِ) أَيْ الرَّوَاتِبِ، وَلَمْ
يَتَعَرَّضْ لِلْقِرَاءَةِ لِذِكْرِهِ لَهَا فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ
حَيْثُ قَالَ فِي الْمَتْنِ: وَيُسَنُّ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا
الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ فَرَّقَ فِي
الْهِدَايَةِ بَيْنَ حَالَةِ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ، وَتَقَدَّمَ
الْكَلَامُ فِيهِ وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُخَفِّفُ
الْقِرَاءَةَ فِي السَّفَرِ فِي الصَّلَوَاتِ فَقَدْ صَحَّ " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْفَجْرِ فِي
السَّفَرِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ " وَأَطْوَلُ الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ
الْفَجْرِ وَأَمَّا التَّسْبِيحَاتُ فَلَا يُنْقِصُهَا عَنْ الثَّلَاثِ.
اهـ.
(قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) وَقِيلَ الْأَفْضَلُ التَّرْكُ تَرْخِيصًا،
وَقِيلَ الْفِعْلُ تَقَرُّبًا. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: الْفِعْلُ حَالَ
النُّزُولِ وَالتَّرْكُ حَالَ السَّيْرِ، وَقِيلَ يُصَلِّي سُنَّةَ
الْفَجْرِ خَاصَّةً، وَقِيلَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا بَحْرٌ قَالَ فِي
شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَعْدَلُ مَا قَالَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ. اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ هُوَ هَذَا وَأَنَّ
الْمُرَادَ بِالْأَمْنِ وَالْقَرَارِ النُّزُولُ وَبِالْخَوْفِ
وَالْفِرَارِ السَّيْرُ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهُ
عَبَّرَ عَنْ الْفِرَارِ بِالْعَجَلَةِ لِأَنَّهَا فِي السَّفَرِ تَكُونُ
غَالِبًا مِنْ الْخَوْفِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ) أَيْ مِنْ قَصْرٍ إلَى
إتْمَامٍ وَبِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ آخِرُ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا
يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَالْبَحْرِ
وَالنَّهْرِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ تَفْسِيرُهُ بِمَا لَا
يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ وَعِنْدَ زُفَرَ بِمَا
لَا يَسَعُ فِيهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَجَبَ رَكْعَتَانِ) أَيْ
وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ مُقِيمًا وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَأَرْبَعٌ أَيْ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِهِ مُسَافِرًا بِأَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي
آخِرِهِ فَالْوَاجِبُ أَرْبَعٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَى هَذَا
قَالُوا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ سَافَرَ أَيْ فِي الْوَقْتِ
فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ لِحَاجَةٍ
فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِلَا وُضُوءٍ صَلَّى الظُّهْرَ
رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا فِي آخِرِ
وَقْتِ الظُّهْرِ وَمُقِيمًا فِي الْعَصْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ
آخِرَ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ قَبْلَهُ) أَيْ
قَبْلَ الْآخِرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ
الْأَدَاءُ أَوْ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ إنْ لَمْ يُؤَدَّ قَبْلَهُ وَإِنْ
لَمْ يُؤَدَّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَالسَّبَبُ هُوَ كُلُّ الْوَقْتِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفَائِدَةُ إضَافَتِهِ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ
اعْتِبَارُ حَالِ الْمُكَلَّفِ فِيهِ، فَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ
كَافِرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ
النُّفَسَاءُ فِي آخِرِهِ لَزِمَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ
قَدْ صَلَّاهَا، فِي أَوَّلِهِ وَبِعَكْسِهِ لَوْ جُنَّ أَوْ حَاضَتْ أَوْ
نَفِسَتْ فِيهِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ،
وَفَائِدَةُ إضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ عِنْدَ خُلُوِّهِ عَنْ الْأَدَاءِ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاءُ عَصْرِ الْأَمْسِ فِي وَقْتِ التَّغَيُّرِ
وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ
[مَطْلَبٌ فِي الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ]
(قَوْلُهُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ) وَيُسَمَّى بِالْأَهْلِيِّ وَوَطَنِ
الْفِطْرَةِ وَالْقَرَارِ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَأَهُّلِهِ) أَيْ تَزَوُّجِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ
الْمُنْيَةِ: وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ بِبَلَدٍ وَلَمْ يَنْوِ
الْإِقَامَةَ بِهِ فَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَقِيلَ يَصِيرُ
مُقِيمًا؛ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلْدَتَيْنِ
فَأَيَّتُهُمَا دَخَلَهَا صَارَ مُقِيمًا، فَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي
إحْدَاهُمَا وَبَقِيَ لَهُ فِيهَا دُورٌ وَعَقَارٌ قِيلَ لَا يَبْقَى
وَطَنًا لَهُ إذْ الْمُعْتَبَرُ الْأَهْلُ دُونَ الدَّارِ كَمَا لَوْ
تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ وَاسْتَقَرَّتْ سَكَنًا لَهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا
دَارٌ وَقِيلَ تَبْقَى. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَوَطُّنِهِ) أَيْ عَزَمَ عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَعَدَمِ
الِارْتِحَالِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ
بِبَلَدٍ غَيْرِ مَوْلِدِهِ وَهُوَ بَالِغٌ
(2/131)
(يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ) إذَا لَمْ يَبْقَ
لَهُ بِالْأَوَّلِ أَهْلٌ، فَلَوْ بَقِيَ لَمْ يَبْطُلْ بَلْ يُتِمُّ
فِيهِمَا (لَا غَيْرُ وَ) يَبْطُلُ (وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ وَ)
بِالْوَطَنِ (الْأَصْلِيِّ وَ) بِإِنْشَاءِ (السَّفَرِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ
الشَّيْءَ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ، وَبِمَا فَوْقَهُ لَا بِمَا دُونَهُ وَلَمْ
يَذْكُرْ وَطَنَ السُّكْنَى وَهُوَ مَا نَوَى فِيهِ أَقَلَّ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَلَمْ يَتَأَهَّلْ بِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ وَطَنًا لَهُ إلَّا إذَا عَزَمَ
عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَتَرَكَ الْوَطَنَ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَهُ
شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ
سَفَرٍ أَوْ لَا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ
قُهُسْتَانِيٌّ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ
مِنْهُ قَاصِدًا غَيْرَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَتَوَطَّنَ فِي مَكَان
آخَرَ فَمَرَّ بِالْأَوَّلِ أَتَمَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَطَّنْ غَيْرَهُ
نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ أَهْلٌ) أَيْ وَإِنْ بَقِيَ
لَهُ فِيهِ عَقَارٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ نَقَلَ أَهْلَهُ
وَمَتَاعَهُ وَلَهُ دُورٌ فِي الْبَلَدِ لَا تَبْقَى وَطَنًا لَهُ وَقِيلَ
تَبْقَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ بَلْ يُتِمُّ فِيهِمَا) أَيْ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ
يَنْوِ إقَامَةً ط.
(قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ) يُسَمَّى أَيْضًا الْوَطَنَ
الْمُسْتَعَارَ وَالْحَادِثَ وَهُوَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ بِنِيَّةِ إقَامَةِ
نِصْفِ شَهْرٍ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَصْلِيِّ مَسِيرَةُ
السَّفَرِ أَوْ لَا، وَهَذَا رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ
وَعَنْهُ أَنَّ الْمَسَافَةَ شَرْطٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ
الْأَكْثَرِينَ قُهُسْتَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِمِثْلِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرٍ
أَوْ لَا قُهُسْتَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَبِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ) كَمَا إذَا تَوَطَّنَ بِمَكَّةَ
نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ تَأَهَّلَ بِمِنًى، أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ.
(قَوْلُهُ وَبِإِنْشَاءِ السَّفَرِ) أَيْ مِنْهُ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ
إذَا لَمْ يَمُرَّ فِيهِ عَلَيْهِ قَبْلَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا
لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا يَكُونُ
الْمُرُورُ فِيهِ بِهِ بَعْدَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ اهـ.
أَقُولُ: وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي الْكَافِي والتتارخانية:
خُرَاسَانِيٌّ قَدِمَ بَغْدَادَ لِيُقِيمَ بِهَا نِصْفَ شَهْرٍ وَمَكِّيٌّ
قَدِمَ الْكُوفَةَ كَذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى قَصْرِ
ابْنِ هُبَيْرَةَ فَإِنَّهُمَا يُتِمَّانِ فِي طَرِيقِ الْقَصْرِ لِأَنَّ
مِنْ بَغْدَادَ إلَى الْكُوفَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَالْقَصْرُ
مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ أَقَامَا فِي الْقَصْرِ نِصْفَ شَهْرٍ
بَطَلَ وَطَنُهُمَا بِبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، فَإِنْ
خَرَجَا بَعْدَهُ مِنْ الْقَصْرِ إلَى الْكُوفَةِ يُتِمَّانِ أَيْضًا
فَإِنْ أَقَامَا بِهَا يَوْمًا مَثَلًا ثُمَّ خَرَجَا مِنْهَا إلَى
بَغْدَادَ وَقَصَدَا الْمُرُورَ بِالْقَصْرِ يُتِمَّانِ إلَى الْقَصْرِ
وَفِيهِ وَمِنْهُ إلَى بَغْدَادَ لِأَنَّهُ صَارَ وَطَنُ إقَامَةٍ لَهُمَا
فَإِذَا قَصَدَا الدُّخُولَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ سَفَرُهُمَا إذَا لَمْ
يَقْصِدَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْصِدَا الدُّخُولَ فِيهِ
قَصَرًا كَمَا لَوْ خَرَجَا مِنْ الْكُوفَةِ لِقَصْدِهِمَا مَسِيرَةَ
السَّفَرِ وَإِنَّ الْمَكِّيَّ حِينَ خَرَجَ مِنْ كُوفَةَ قَصَدَ بَغْدَادَ
أَوْ الْخُرَاسَانِيُّ الْكُوفَةَ وَالْتَقَيَا بِالْقَصْرِ وَخَرَجَا إلَى
الْكُوفَةِ لِيُقِيمَا فِيهَا يَوْمًا ثُمَّ يَرْجِعَا إلَى بَغْدَادَ
قَصَرَا إلَى الْكُوفَةِ وَكَذَا إلَى بَغْدَادَ لِقَصْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا
مَسِيرَةَ سَفَرٍ أَمَّا الْخُرَاسَانِيُّ فَلِأَنَّهُ مَاضٍ عَلَى
سَفَرِهِ وَأَمَّا الْمَكِّيُّ فَلِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ انْتَقَضَ
بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَالْقَصْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَطَنًا لَهُمَا
فَقَصْدُ الْمُرُورِ بِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ السَّفَرِ اهـ وَأَفَادَ
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَكِّيُّ إلَخْ أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ مِنْ
وَطَنِ الْإِقَامَةِ مُبْطِلٌ لَهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ وَلِذَا قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ لَوْ أَقَامَ خُرَاسَانِيٌّ بِالْكُوفَةِ نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ
خَرَجَ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ فَقَبْلَ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
عَادَ إلَى الْكُوفَةِ لِحَاجَةٍ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ لِأَنَّ وَطَنَهُ قَدْ
بَطَلَ بِالسَّفَرِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ إذَا
كَانَ مِنْهُ أَمَّا لَوْ أَنْشَأَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ كَانَ وَلَكِنْ بَعْدَ
سَيْرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَذَلِكَ، وَلَوْ قَبْلَهُ لَمْ يَبْطُلْ
الْوَطَنُ بَلْ يَبْطُلُ السَّفَرُ لِأَنَّ قِيَامَ الْوَطَنِ مَانِعٌ مِنْ
صِحَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّيْءَ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ) كَمَا
يَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنُ
الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ وَوَطَنُ السُّكْنَى بِوَطَنِ
السُّكْنَى، وَقَوْلُهُ: وَبِمَا فَوْقَهُ أَيْ كَمَا يَبْطُلُ وَطَنُ
الْإِقَامَةِ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَكَمَا يَبْطُلُ وَطَنُ السُّكْنَى
بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ
يَزِيدَ وَبِضِدِّهِ كَبُطْلَانِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ السُّكْنَى
بِالسَّفَرِ فَإِنَّهُ فِي الْبَحْرِ عَلَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ
لِأَنَّهُ ضِدُّهُ (قَوْلُهُ لَا بِمَا دُونَهُ) كَمَا لَمْ يَبْطُلْ
الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ
(2/132)
نِصْفِ شَهْرٍ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، وَمَا
صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ
(وَالْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمَتْبُوعِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (لَا
التَّابِعِ كَامْرَأَةٍ) وَفَّاهَا مَهْرَهَا الْمُعَجَّلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَلَا بِوَطَنِ السُّكْنَى وَلَا بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَكَمَا لَمْ
يَبْطُلْ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى ح.
(قَوْلُهُ وَمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ خَرَجَ
مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ لِحَاجَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّفَرَ وَنَوَى
أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ
يُتِمُّ فِيهَا لِأَنَّهُ مُقِيمٌ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا
لِلسَّفَرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ
وَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ لَيْلَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَافَرَ فَإِنَّهُ
يَقْصُرُ وَلَوْ مَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ وَدَخَلَهَا أَتَمَّ لِأَنَّهُ
لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ مِمَّا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ اهـ ح.
(قَوْلُهُ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ) بِأَنَّ السَّفَرَ بَاقٍ لَمْ يُوجَدْ
مَا يُبْطِلُهُ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِوَطَنِ السُّكْنَى عَلَى تَقْدِيرِ
اعْتِبَارِهِ لِأَنَّ السَّفَرَ يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ فَكَيْفَ لَا
يُبْطِلُ وَطَنَ السُّكْنَى، فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا
يُبْطِلُهُ مَمْنُوعٌ. اهـ.
قَالَ ح: وَاعْتَرَضَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَهُمَا سَفَرٌ
مُبْتَدَأٌ مِنْهُمَا. وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهُمَا إلَى مَا دُونَ
مُدَّةِ السَّفَرِ ثُمَّ أَنْشَأَ سَفَرًا فَإِنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ
فَإِذَا مَرَّ بِهِمَا أَتَمَّ اهـ وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ
مِثْلَهُ عَنْ خَطِّ بَعْضِهِمْ وَأَقَرَّهُ.
قَالَ ح: وَهُوَ وَجِيهٌ فَإِنَّ مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَوْضِعٍ
نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ لَا يُرِيدُ السَّفَرَ ثُمَّ عَادَ
مُرِيدًا سَفَرًا وَمَرَّ بِذَلِكَ أَتَمَّ مَعَ أَنَّهُ أَنْشَأَ سَفَرًا
بَعْدَ اتِّخَاذِ هَذَا الْمَوْضِعِ دَارَ إقَامَةٍ، فَثَبَتَ أَنَّ
إنْشَاءَ السَّفَرِ لَا يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ إلَّا إذَا أَنْشَأَ
السَّفَرَ مِنْهُ فَلْيَكُنْ وَطَنُ السُّكْنَى كَذَلِكَ فَمَا صَوَّرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ صَحِيحٌ وَمِنْ تَصْوِيرِهِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ
يَكُونَ بَيْنَ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَبَيْنَ وَطَنِ السُّكْنَى أَقَلُّ
مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ وَكَذَا بَيْنَ وَطَنِ الْإِقَامَةِ وَوَطَنِ
السُّكْنَى. اهـ.
أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ السَّفَرَ الْمُبْطِلَ لِلْوَطَنِ لَا
يَخْتَصُّ بِالْمُنْشَأِ مِنْهُ بَلْ يَكُونُ بِالْمُنْشَأِ مِنْ غَيْرِهِ
إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُرُورٌ عَلَيْهِ قَبْلَ سَيْرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
لَكِنْ هُنَا فِيهِ مُرُورٌ عَلَى الْوَطَنِ قَبْلَ سَيْرِ مُدَّةِ
السَّفَرِ وَقَدْ أَيَّدَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَ عَامَّةِ
الْمَشَايِخِ بِاعْتِبَارِ وَطَنِ السُّكْنَى بِأَنَّ الْإِمَامَ
السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَيْهِ. وَهِيَ: كُوفِيٌّ
خَرَجَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَاجَةٍ وَبَيْنَهُمَا دُونَ مَسِيرَةِ
السَّفَرِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ يُرِيدُ الشَّامَ حَتَّى
إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْقَادِسِيَّةِ
لِيَحْمِلَ ثَقَلَهُ مِنْهَا وَيَرْتَحِلَ إلَى الشَّامِ وَلَا يَمُرَّ
بِالْكُوفَةِ أَتَمَّ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ
اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا كَانَتْ لَهُ وَطَنَ السُّكْنَى، وَلَمْ يَظْهَرْ
لَهُ بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا
فَيَبْقَى وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِهَذَا الْخُرُوجِ
كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ وَنَحْوِهِ اهـ
مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ وَطَنَ
السُّكْنَى إنْ كَانَ اتَّخَذَهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّفَرِ لَمْ
يُعْتَبَرْ اتِّفَاقًا وَإِلَّا اُعْتُبِرَ اتِّفَاقًا، فَإِذَا دَخَلَ
الْمُسَافِرُ بَلْدَةً وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا يَوْمًا مَثَلًا ثُمَّ
خَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا قَصَرَ فِيهَا كَمَا كَانَ يَقْصُرُ
قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحَقِّقِينَ لِقَوْلِ
الْبَحْرِ إنَّهُمْ قَالُوا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ
مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ اهـ فَقَوْلُهُمْ
لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ
كَانَ مُسَافِرًا قَبْلَ اتِّخَاذِهِ وَطَنًا، وَمَا قَالَهُ عَامَّةُ
الْمَشَايِخِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اتَّخَذَهُ وَطَنًا قَبْلَ سَفَرِهِ
كَمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، هَذَا مَا
ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ) فَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ
وَالسَّفَرِ (قَوْلُهُ وَفَاهَا مَهْرَهَا الْمُعَجَّلَ) وَإِلَّا فَلَا
تَكُونُ تَبَعًا لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا عَنْ الزَّوْجِ
لِلْمُعَجَّلِ دُونَ الْمُؤَجَّلِ وَلَا تَسْكُنُ حَيْثُ يَسْكُنُ بَحْرٌ.
قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِثُبُوتِ إخْرَاجِهَا وَسَفَرِهِ بِهَا
عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَكَلَامُنَا بَعْدَهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي
شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا تَبَعٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا
إذَا خَرَجَتْ مَعَهُ لِلسَّفَرِ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَنْ تَتَخَلَّفَ
عَنْهُ. اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّهَا إذَا ثَبَتَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا عَنْ
إخْرَاجِهَا مِنْ بَلَدِهَا لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ مُعَجَّلِهَا فَكَذَا
يَثْبُتُ لَهَا إذَا
(2/133)
(وَعَبْدٍ) غَيْرِ مُكَاتَبٍ (وَجُنْدِيٍّ)
إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ الْأَمِيرِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ (وَأَجِيرٍ)
وَأَسِيرٍ وَغَرِيمٍ وَتِلْمِيذٍ (مَعَ زَوْجٍ وَمَوْلَى وَأَمِيرٍ
وَمُسْتَأْجِرٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.
قُلْت: فَقَيْدُ الْمَعِيَّةِ مُلَاحَظٌ فِي تَحَقُّقِ التَّبَعِيَّةِ مَعَ
مُلَاحَظَةِ شَرْطٍ آخَرَ مُحَقِّقٍ لِذَلِكَ وَهُوَ الِارْتِزَاقُ فِي
مَسْأَلَةِ الْجُنْدِيِّ وَوَفَاءُ الْمَهْرِ فِي الْمَرْأَةِ وَعَدَمُ
كِتَابَةِ الْعَبْدِ، وَبِهِ بَانَ جَوَابُ حَادِثَةِ جَزِيرَةِ كُرَيْدٍ
سَنَةَ ثَمَانِينَ وَأَلْفٍ (لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ التَّابِعِ بِنِيَّةِ
الْمَتْبُوعِ؛ فَلَوْ نَوَى الْمَتْبُوعُ الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ
التَّابِعُ فَهُوَ مُسَافِرٌ حَتَّى يَعْلَمَ عَلَى الْأَصَحِّ) وَفِي
الْفَيْضِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ دَفْعًا
لِلضَّرَرِ عَنْهُ، فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَبْدٌ أَمَّ مَوْلَاهُ فَنَوَى
الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ إنْ أَتَمَّ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا وَإِلَّا لَا
مَبْنَى عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ
(وَالْقَضَاءُ يَحْكِي) أَيْ يُشَابِهُ (الْأَدَاءَ سَفَرًا وَحَضَرًا)
لِأَنَّهُ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ لَا يَتَغَيَّرُ غَيْرَ أَنَّ الْمَرِيضَ
يَقْضِي فَائِتَةَ الصِّحَّةِ فِي مَرَضِهِ بِمَا قَدَرَ.
[فُرُوعٌ] سَافَرَ السُّلْطَانُ قَصَرَ.
تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ بِبَلَدٍ صَارَ مُقِيمًا عَلَى الْأَوْجَهِ.
طَهُرَتْ الْحَائِضُ وَبَقِيَ لِمَقْصِدِهَا يَوْمَانِ تُتِمُّ فِي
الصَّحِيحِ كَصَبِيٍّ بَلَغَ بِخِلَافِ كَافِرٍ أَسْلَمَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَصَلَتْ إلَى بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَتَصِحُّ نِيَّتُهَا الْإِقَامَةَ
بِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ غَيْرُ تَبَعٍ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا
لَهُ فِي الْمَفَازَةِ (قَوْلُهُ غَيْرِ مُكَاتَبٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ:
وَأَطْلَقَ فِي الْعَبْدِ فَشَمِلَ الْقِنَّ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ
الْوَلَدِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَبَعًا
لِأَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَا تَلْزَمُهُ
طَاعَتُهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ الْأَمِيرِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ)
اقْتَصَرَ فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْأَوَّلِ. وَقَالَ فِي
شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
وَقَدْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْخُرُوجِ مَعَ الْأَمِيرِ فَهُوَ تَابِعٌ
لَهُ نَعَمْ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ الْمُتَطَوِّعَ بِالْجِهَادِ لَا
يَكُونُ تَبَعًا لِلْوَالِي وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَدَخَلَ تَحْتَ
الْجُنْدِيِّ الْأَمِيرُ مَعَ الْخَلِيفَةِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ.
(قَوْلُهُ وَأَجِيرٍ) أَيْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً كَمَا فِي
التَّتَارْخَانِيَّة؛ أَمْ لَوْ كَانَ مُيَاوَمَةً بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ
كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا فَإِنَّ لَهُ فَسْخَهَا إذَا فَرَغَ النَّهَارُ
فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّتِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا الْأَعْمَى مَعَ
قَائِدِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَائِدُ أَجِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّةِ
الْأَعْمَى، وَإِنْ مُتَطَوِّعًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ.
(قَوْلُهُ وَأَسِيرٍ) ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا
أَسَرَهُ الْعَدُوُّ إنْ كَانَ مَقْصِدُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَصَرَ
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَأَلَهُ فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ وَكَانَ الْعَدُوُّ
مُقِيمًا أَتَمَّ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا قَصَرَ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ هَذَا إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَإِلَّا يَكُونُ كَمَنْ
أَخَذَهُ الظَّالِمُ لَا يَقْصُرُ إلَّا بَعْدَ السَّفَرِ ثَلَاثًا وَكَذَا
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ كُلِّ تَابِعٍ يَسْأَلُ مَتْبُوعَهُ فَإِنْ
أَخْبَرَهُ عَمِلَ بِخَبَرِهِ وَإِلَّا عَمِلَ بِالْأَصْلِ الَّذِي كَانَ
عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةٍ وَسَفَرٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ وَتَعَذُّرُ
السُّؤَالِ بِمَنْزِلَةِ السُّؤَالِ مَعَ عَدَمِ الْإِخْبَارِ شَرْحُ
الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ وَغَرِيمٍ) أَيْ مُوسِرٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ:
وَلَوْ دَخَلَ مُسَافِرٌ مِصْرًا فَأَخَذَهُ غَرِيمُهُ وَحَبَسَهُ فَإِنْ
كَانَ مُعْسِرًا قَصَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ وَلَا يَحِلُّ
لِلطَّالِبِ حَبْسُهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا إنْ عَزَمَ أَنْ يَقْضِيَ
دَيْنَهُ أَوْ لَمْ يَعْزِمْ شَيْئًا قَصَرَ وَإِنْ عَزَمَ وَاعْتَقَدَ
أَنْ لَا يَقْضِيَهُ أَثِمَ اهـ. وَقَوْلُهُ إنْ عَزَمَ أَنْ يَقْضِيَ أَيْ
قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
وَتِلْمِيذٍ) أَيْ إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ أُسْتَاذِهِ رَحْمَتِيٌّ،
وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْمُتَعَلِّمِ مَعَ مُعَلِّمِهِ الْمُلَازِمِ
لَهُ لَا خُصُوصُ طَالِبِ الْعِلْمِ مَعَ شَيْخِهِ.
قُلْت: وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى الِابْنُ الْبَارُّ الْبَالِغُ مَعَ
أَبِيهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمُسْتَأْجِرٍ) كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ
يَقُولَ وَآسِرٍ وَدَائِنٍ وَأُسْتَاذٍ ح.
(قَوْلُهُ قُلْت:) تَلْخِيصٌ لِحَاصِلِ مَا تَقَدَّمَ لِيُبْنَى عَلَيْهِ
حُكْمُ الْحَادِثَةِ.
(قَوْلُهُ وَبِهِ بَانَ جَوَابُ حَادِثَةِ جَزِيرَةِ كُرَيْدَ) بِكَسْرِ
الْكَافِ الْمُعْجَمَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْكَافِ الْعَرَبِيَّةِ
وَبَيْنَ الْجِيمِ ح.
وَالْحَادِثَةُ: هِيَ تَفَرُّقُ الْجَيْشِ لِمَا صَارَ عَلَيْهِمْ مِنْ
الْغَلَبَةِ وَالْهَزِيمَةِ حَتَّى تَشَتَّتُوا فِي كُلِّ جَانِبٍ
وَفَاتَتْ الْمَعِيَّةُ وَالِارْتِزَاقُ فَصَارَ كُلٌّ مُسْتَقِلًّا
بِنَفْسِهِ وَزَالَتْ التَّبَعِيَّةُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى
الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ
أَيْ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ دَفْعًا
لِلضَّرَرِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقَصْرِ مَنْهِيٌّ عَنْ
الْإِتْمَامِ فَكَانَ مُضْطَرًّا، فَلَوْ صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا
بِإِقَامَةِ الْأَصْلِ بِلَا عِلْمِهِ لَحِقَهُ ضَرَرٌ عَظِيمٌ مِنْ جِهَةِ
غَيْرِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ مَدْفُوعٌ
شَرْعًا
، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ فَيُمْكِنُهُ دَفْعُ
الضَّرَرِ بِالِامْتِنَاعِ، فَإِذَا بَاعَ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ أَمْرِهِ
كَانَ الضَّرَرُ نَاشِئًا مِنْهُ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ الْمُوَكِّلِ مِنْ
وَجْهٍ فَيَصِحُّ الْعَزْلُ حُكْمًا لَا قَصْدًا بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ
الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
(قَوْلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ:
وَكَذَا إنْ كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ فَبَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ
وَالْعَبْدُ
(2/134)
عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مُقِيمٍ
وَمُسَافِرٍ إنْ تَهَايَآ قَصَرَ فِي نَوْبَةِ الْمُسَافِرِ وَإِلَّا
يُفْرَضُ عَلَيْهِ الْقُعُودُ الْأَوَّلُ وَيُتِمُّ احْتِيَاطًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي الصَّلَاةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا حَتَّى لَوْ سَلَّمَ عَلَى
رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ
مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ إنْ فُرِضَ عَدَمُ عِلْمِ الْعَبْدِ
أَوْ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ إنْ عَلِمَ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
مَعَ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ آخِرُ الْوَقْتِ
لِأَنَّهُ امِنْ فُرُوعِهِ.
(قَوْلُهُ سَفَرًا وَحَضَرًا) أَيْ فَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ السَّفَرِ
وَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ يَقْضِيهَا مَقْصُورَةً كَمَا لَوْ أَدَّاهَا
وَكَذَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ تُقْضَى فِي السَّفَرِ تَامَّةً.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ،
فَإِنَّ الْفَرْضَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ لَا يَتَغَيَّرُ عَمَّا وَجَبَ
أَمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّغَيُّرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ
أَوْ إنْشَاءِ السَّفَرِ وَبِاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ.
(قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْمَرِيضَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا
يَشْكُلُ عَلَى هَذَا الْمَرِيضُ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي مَرَضِهِ
الَّذِي لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ
يَقْضِيَهَا فِي الصِّحَّةِ قَائِمًا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِقَيْدِ
الْقِيَامِ غَيْرَ أَنَّهُ رُخِّصَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا حَالَةَ
الْعُذْرِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ إذْ ذَاكَ فَحِينَ لَمْ يُؤَدِّهَا حَالَةَ
الْعُذْرِ زَالَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَتَعَيَّنَ الْأَصْلُ وَلِذَلِكَ
يَفْعَلُهَا الْمَرِيضُ قَاعِدًا إذَا فَاتَتْ عَنْ زَمَنِ الصِّحَّةِ،
أَمَّا صَلَاةُ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا رَكْعَتَيْنِ
ابْتِدَاءً وَمَنْشَأُ الْغَلَطِ اشْتِرَاكُ لَفْظِ الرُّخْصَةِ. اهـ.
[فُرُوعٌ فِي قَصْر الصَّلَاة]
(قَوْلُهُ: سَافَرَ السُّلْطَانُ قَصَرَ) أَيْ إذَا نَوَى السَّفَرَ
يَصِيرُ مُسَافِرًا وَيَقْصُرُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: قِيلَ هَذَا
إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ أَمَّا إذَا طَافَ فِي وِلَايَتِهِ فَلَا
يَقْصُرُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَصَرُوا حِينَ
سَافَرُوا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَمُرَادُ الْقَائِلِ لَا
يَقْصُرُ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا
خَرَجَ لِتَفَحُّصِ أَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ مَتَى
حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ مَسِيرَةَ فَرٍ حَتَّى إنَّهُ فِي
الرُّجُوعِ يَقْصُرُ لَوْ كَانَ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ وَلَا اعْتِبَارَ
لِمَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ جَمِيعَ الْوِلَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مِصْرِهِ
لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مَعَ عَدَمِ
الرِّوَايَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُسْمَعْ.
اهـ.
(قَوْلُهُ صَارَ مُقِيمًا عَلَى الْأَوْجَهِ) أَيْ بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ
وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهُ وَطَنًا أَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْمًا، وَأَمَّا الْمُسَافِرَةُ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُقِيمَةً
بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ح وَحَكَى
الزَّيْلَعِيُّ هَذَا الْوَجْهَ بِقِيلَ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ
الْمُقَابِلِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ ط.
أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا إذَا كَانَ مُرَادُهُ
الْخُرُوجَ قَبْلَ نِصْفِ شَهْرٍ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ تُتِمُّ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. قَالَ ط
وَكَأَنَّهُ لِسُقُوطِ الصَّلَاةِ عَنْهَا فِيمَا مَضَى لَمْ يُعْتَبَرْ
حُكْمُ السَّفَرِ فِيهِ فَلَمَّا تَأَهَّلَتْ لِلْأَدَاءِ اُعْتُبِرَ مِنْ
وَقْتِهِ.
(قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ بَلَغَ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَقَدْ بَقِيَ
لِمَقْصِدِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَلَا
يُعْتَبَرُ مَا مَضَى لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ فِيهِ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ
كَافِرٍ أَسْلَمَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ.
قَالَ فِي الدُّرَرِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فَكَانَ مُسَافِرًا
مِنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ
يَكُونُ مُسَافِرًا، وَقِيلَ يُتِمَّانِ، وَقِيلَ يَقْصُرَانِ. اهـ.
وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ عَنْ
الْخُلَاصَةِ.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا
تَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ الَّذِي أَسْلَمَ فَكَانَ حَقُّهَا الْقَصْرَ
مِثْلَهُ. اهـ.
وَأَجَابَ فِي نَهْجِ النَّجَاةِ بِأَنَّ مَانِعَهَا سَمَاوِيٌّ
بِخِلَافِهِ اهـ أَيْ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ
بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، لَكِنْ مَنَعَهَا مِنْ الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ
بِصُنْعِهَا فَلَغَتْ نِيَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ
فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَصَحَّتْ
نِيَّتُهُ
(قَوْلُهُ عَبْدٌ إلَخْ) أَيْ إذَا سَافَرَ الْعَبْدُ مَعَ سَيِّدَيْهِ
فَنَوَى أَحَدُهُمَا الْإِقَامَةَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ
يَتَهَايَآ فِي خِدْمَتِهِ يُفْرَضُ عَلَيْهِ الْقُعُودُ عَلَى
(2/135)
وَلَا يَأْتَمُّ بِمُقِيمٍ أَصْلًا وَهُوَ مِمَّا يَلْغُزُ.
قَالَ لِنِسَائِهِ: مَنْ لَمْ تَدْرِ مِنْكُنَّ كَمْ رَكْعَةٍ فَرْضِ
يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَتْ إحْدَاهُنَّ عِشْرُونَ
وَالثَّانِيَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَالثَّالِثَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ
وَالرَّابِعَةُ إحْدَى عَشَرَ لَمْ يُطَلَّقْنَ لِأَنَّ الْأُولَى ضَمَّتْ
الْوِتْرَ وَالثَّانِيَةَ تَرَكَتْهُ وَالثَّالِثَةَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ
وَالرَّابِعَةَ لِلْمُسَافِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. |