رد المحتار على الدر المختار

كِتَابُ الْحَجِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْآتِي تَحَقَّقَ وُجُودُهَا فِي أَحَدِهِمَا فَحِينَئِذٍ يَقَعُ (قَوْلُهُ إذَا مَضَى إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ هِيَ اللَّيْلَةَ الْأُولَى فَقَدْ وَقَعَ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الْقَابِلِ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ، أَوْ الثَّالِثَةَ إلَخْ فَقَدْ وُجِدَتْ فِي الْمَاضِي، فَيَتَحَقَّقُ عِنْدَهُمَا وُجُودُهَا قَطْعًا بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الْقَابِلِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ إلَخْ) أَيْ قَيَّدَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْإِفْتَاءَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ بِكَوْنِ الْحَالِفِ فَقِيهًا أَيْ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ عَامِّيًّا فَهِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ لِأَنَّ الْعَوَامَّ يُسَمُّونَهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَيَنْصَرِفُ حَلِفُهُ إلَى مَا تَعَارَفَ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِيهَا وَلَهُ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَأَجَابَ عَنْهَا الْإِمَامُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ. [تَتِمَّةٌ]
مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِمَامِ هُوَ قَوْلٌ لَهُ.
وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا تَدُورُ أَيْ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا قَدْ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِهِ. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ سُلْطَانُ الْعَارِفِينَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ فِي فُتُوحَاتِهِ الْمَكِّيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَعْنِي فِي زَمَانِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا تَدُورُ وَبِهِ أَقُولُ.
فَإِنِّي رَأَيْتهَا فِي شَعْبَانَ وَفِي شَهْرِ رَبِيعٍ، وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِي الْعَشْرِ الْآخِرِ مِنْهُ، وَرَأَيْتهَا مَرَّةً فِي الْعَشْرِ الْوَسَطِ مِنْ رَمَضَانَ فِي غَيْرِ لَيْلَةٍ وِتْرٍ وَفِي الْوِتْرِ مِنْهَا فَأَنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ فِي وِتْرٍ وَشَفْعٍ مِنْ الشَّهْرِ اهـ وَفِيهَا لِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ أُخَرُ بَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ.
[خَاتِمَةٌ]
قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ فَاضِلَةٌ يُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا، وَهِيَ أَفْضَلُ لَيَالِيِ السَّنَةِ وَكُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ فِيهَا يَعْدِلُ أَلْفَ عَمَلٍ فِي غَيْرِهَا وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنْهَا وَعَنْ الشَّافِعِيِّ الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ وَيَرَاهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ الْمُهَلَّبِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ يَرَاهَا أَنْ يَكْتُمَهَا وَيَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى بِالْإِخْلَاصِ اهـ.
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك الْإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَحُسْنَ الْخِتَامِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَجَلِ وَالْعَوْنَ عَلَى الْإِتْمَامِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

[كِتَابُ الْحَجِّ]
لَمَّا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ وَكَانَ وَاجِبًا فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَمُؤَخَّرًا فِي حَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» أَخَّرَهُ وَخَتَمَ بِهِ الْعِبَادَاتِ أَيْ الْخَالِصَةَ وَإِلَّا فَنَحْوُ النِّكَاحِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْوَقْفِ يَكُونُ عِبَادَةً عِنْدَ النِّيَّةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِقَصْدِ التَّعَبُّدِ فَقَطْ، وَلِذَا صَحَّ بِلَا نِيَّةٍ بِخِلَافِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عِبَادَةً لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
وَأَوْرَدَ فِي النَّهْرِ عَلَى قَوْلِهِمْ مُرَكَّبٌ إنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَالْمَالُ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ لَا أَنَّهُ جَزْءُ مَفْهُومِهِ. اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ كَوْنَهُ عِبَادَةً مُرَكَّبَةً مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ كَلِمَتُهُمْ أُصُولًا وَفُرُوعًا حَتَّى أَوْجَبُوا الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ فَاتَ عَمَلُ الْبَدَنِ لِبَقَاءِ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَالُ كَمَا سَيَجِيءُ تَقْرِيرُهُ، وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ إنَّهُ مُرَكَّبٌ تَعْرِيفًا لَهُ لِبَيَانِ مَاهِيَّتِه حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْمَالَ شَرْطٌ فِيهِ لَا جَزْءُ مَفْهُومِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّ التَّعَبُّدَ بِهِ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ غَالِبًا إلَّا بِأَعْمَالِ الْبَدَنِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ

(2/453)


(هُوَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرُهَا لُغَةٌ: الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ.
وَشَرْعًا (زِيَارَةُ) أَيْ طَوَافٌ وَوُقُوفٌ (مَكَان مَخْصُوصٍ) أَيْ الْكَعْبَةِ وَعَرَفَةَ (فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ) فِي الطَّوَافِ مِنْ فَجْرِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَفِي الْوُقُوفِ مِنْ زَوَالِ شَمْسِ عَرَفَةَ لِفَجْرِ النَّحْرِ (بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الْحَجِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِأَجْلِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَإِنْ كَانَتَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ مَالٍ كَثَوْبٍ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَطَعَامٍ يُقِيمُ بِنْيَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَجْلِهِمَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَاهُمَا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلِذَا لَمْ يُجْعَلْ الْمَالُ مِنْ شُرُوطِهِمَا، وَجُعِلَ مِنْ شُرُوطِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَالَ فِيهِمَا يَسِيرٌ لَا مَشَقَّةَ فِي إنْفَاقِهِ بِخِلَافِ الْمَالِ فِي حَجِّ الْآفَاقِيِّ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فِي الْعِبَادَةِ وَلِذَا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى النَّائِبِ عِنْدَ الْعَجْزِ الدَّائِمِ عَنْ الْأَفْعَالِ، وَلَمْ يَجِبْ الْحَجُّ عَلَى الْفَقِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ وَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ السَّاتِرِ وَالسُّحُورِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا) بِهِمَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ الِاسْمُ وَالثَّانِي الْمَصْدَرُ ط عَنْ الْمِنَحِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ) هُوَ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِإِطْلَاقِ كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ، وَنَقَلَ فِي الْفَتْحِ تَقْيِيدَهُ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ، وَكَذَا قَيَّدَهُ بِهِ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي تَعْرِيفَاتِهِ وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا زِيَارَةُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ قَصْدُ الْبَيْتِ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ فَفِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ، وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ أَرْكَانَهُ الطَّوَافُ، وَالْوُقُوفُ، وَلَا وُجُودَ لِلْمُتَشَخِّصِ إلَّا بِأَجْزَائِهِ الْمُشَخِّصَةِ مَاهِيَّتَه الْكُلِّيَّةَ مُنْتَزَعَةً مِنْهَا وَتَعْرِيفُهُ بِالْقَصْدِ لِأَجْلِ الْأَعْمَالِ مُخْرِجٌ لَهَا عَنْ الْمَفْهُومِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا اسْمِيًّا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِمَفْهُومِ الِاسْمِ عُرْفًا لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الِاسْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، هُوَ الْأَعْمَالُ الْمَخْصُوصَةُ لَا نَفْسُ الْقَصْدِ الْمُخْرِجِ لَهَا عَنْ الْمَفْهُومِ مَعَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْحَجَّ النَّفَلَ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِلْحَجِّ مُطْلَقًا كَتَعْرِيفِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا لِلْفَرْضِ فَقَطْ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُخَالِفُ سَائِرَ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَفْعَالِ كَالصَّلَاةِ لِلْقِيَامِ، وَالْقِرَاءَةِ إلَخْ، وَالصَّوْمِ لِلْإِمْسَاكِ إلَخْ وَالزَّكَاةِ لِأَدَاءِ الْمَالِ، فَلْيَكُنْ الْحَجُّ أَيْضًا عِبَارَةً عَنْ الْأَفْعَالِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ كَعَرَفَةَ اهـ مُلَخَّصًا فَعَدَلَ الشَّارِحُ عَنْ تَفْسِيرِ الزَّيْلَعِيِّ الزِّيَارَةَ بِالْقَصْدِ إلَى تَفْسِيرِهَا بِالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ لِيَكُونَ اسْمًا لِلْأَفْعَالِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ، وَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ حَشْوًا إذْ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالُوا هُوَ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ تَخَلَّصَ عَنْهُ بِتَفْسِيرِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا إلَخْ قِيلَ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إدْخَالُ الشَّرْطِ أَيْ الْإِحْرَامِ فِي التَّعْرِيفِ، فَلَوْ أَبْقَى الزِّيَارَةَ عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الذَّهَابُ وَفَسَّرَ الْفِعْلَ الْمَخْصُوصَ بِالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الزِّيَارَةَ أَيْضًا لَيْسَتْ مَاهِيَّتَه الْحَقِيقِيَّةَ فَيُرَدُّ مَا مَرَّ فِي تَفْسِيرِهِ بِالْقَصْدِ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا ابْتِدَاءً فَهُوَ فِي حُكْمِ الرُّكْنِ انْتِهَاءً كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَذِكْرُ الشَّرْطِ لَا يُخِلُّ بِالتَّعْرِيفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ بِدُونِهِ كَمَنْ صَلَّى بِلَا طَهَارَةٍ وَلِذَا ذَكَرُوا النِّيَّةَ فِي تَعْرِيفِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَافْهَمْ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْقَصْدِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ نَظَائِرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصْدِ هُنَا الْإِحْرَامُ، وَهُوَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ تَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ مَعَ السَّوْقِ كَمَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ عَمَلَ الْجَوَارِحِ أَيْضًا وَلِأَنَّ قَوْلَهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ الْبَاءُ فِيهِ لِلْمُلَابَسَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ، فَهُوَ قَصْدٌ مُقْتَرِنٌ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ لَا مُجَرَّدُ الْقَصْدِ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ فِعْلًا مَخْصُوصًا كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ نَعَمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ حَيْثُ جَعَلُوا الْقَصْدَ فِيهِ أَصْلًا، وَالْفِعْلَ تَبَعًا وَعَكَسُوا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الشَّائِعَ فِي الْمَعَانِي الِاصْطِلَاحِيَّةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ أَنْ تَكُونَ أَخَصَّ مِنْ اللُّغَوِيَّةِ لَا مُبَايِنَةً لَهَا.
وَلَمَّا كَانَ الْحَجُّ لُغَةً هُوَ مُطْلَقُ الْقَصْدِ إلَى مُعَظَّمٍ خَصَّصُوهُ بِكَوْنِهِ قَصْدًا إلَى مُعَظَّمٍ مُعَيَّنٍ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَوْ جُعِلَ اسْمًا لِلْأَفْعَالِ الْمُعَيَّنَةِ أَصَالَةً لَبَايَنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ،

(2/454)


سَابِقًا كَمَا سَيَجِيءُ لَمْ يَقُلْ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ لِيَعُمَّ حَجَّ النَّفْلِ.

(فُرِضَ) سَنَةَ تِسْعٍ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَشْرٍ لِعُذْرٍ مَعَ عِلْمِهِ بِبَقَاءِ حَيَاتِهِ لِيُكْمِلَ التَّبْلِيغَ (مَرَّةً) لِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَالزِّيَارَةُ تَطَوُّعٌ وَقَدْ تَجِبُ كَمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِخِلَافِ نَحْوِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ الْإِمْسَاكِ فَخَصَّصُوهُ بِكَوْنِهِ إمْسَاكًا عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَكَذَا الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الطَّهَارَةُ.
وَتَزْكِيَةُ الشَّيْءِ تَطْهِيرُهُ.
وَتَزْكِيَةُ الْمَالِ الْمُسَمَّاةُ زَكَاةً شَرْعًا تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ لَهُ - {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]- فَهِيَ تَطْهِيرٌ مَخْصُوصٌ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، فَلِهَذَا جُعِلَ الْقَصْدُ أَصْلًا فِي تَعْرِيفِ الْحَجِّ شَرْعًا دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ شَرْطًا فِي الْكُلِّ وَكَذَا جُعِلَ أَصْلًا فِي تَعْرِيفِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ الْقَصْدِ. وَعَرَّفُوهُ شَرْعًا بِأَنَّهُ قَصْدُ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الضَّرْبَتَانِ فَهُوَ قَصْدٌ مُقْتَرِنٌ بِفِعْلٍ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ اسْمًا لِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ جُعِلَ الْحَجُّ اسْمًا لِقَصْدٍ خَاصٍّ مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ كَالتَّيَمُّمِ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْقَصْدِ، ثُمَّ جُعِلَ فِي الشَّرْعِ اسْمًا لِقَصْدٍ خَاصٍّ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ اهـ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ سَابِقًا) أَيْ عَلَى الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ، أَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَوَاجِبٌ ط.

(قَوْلُهُ لِعُذْرٍ) إمَّا لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ، أَوْ لِخَوْفٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كُرْهِ مُخَالَطَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي نُسُكِهِمْ إذْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ زَيْلَعِيٌّ.
وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِمَا فِي حَاشِيَتِهِ لِلشَّلَبِيِّ عَنْ الْهَدْيِ لِابْنِ الْقَيِّمِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ، وَأَنَّ آيَةَ فَرْضِهِ هِيَ قَوْله تَعَالَى - {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]- وَهِيَ نَزَلَتْ عَامَ الْوُفُودِ أَوَاخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَخِّرْ الْحَجَّ بَعْدَ فَرْضِهِ عَامًا وَاحِدًا، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَدْيِهِ وَحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ بِيَدِ مَنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ فَرْضِ الْحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ دَلِيلٌ وَاحِدٌ، وَغَايَةُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ سَنَةَ سِتٍّ أَنَّ فِيهَا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى - {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]- وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ابْتِدَاءُ فَرْضِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ إذَا شَرَعَ فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُجُوبِ ابْتِدَائِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ إلَخْ) جَوَابٌ آخَرُ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى وُجُودِ الْعُذْرِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْفَوْرِ لِلِاحْتِيَاطِ فَإِنَّ فِي تَأْخِيرِهِ تَعْرِيضًا لِلْفَوَاتِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ بَقَاءَ حَيَاتِهِ إلَى أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ تَكْمِيلًا لِلتَّبْلِيغِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} [الفتح: 27] الْآيَةَ - فَهَذَا أَرْقَى فِي التَّعْلِيلِ وَلِذَا جُعِلَ الْأَوَّلُ تَابِعًا لَهُ فَهُوَ كَقَوْلِك: أَكْرِمْ زَيْدًا لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ إلَيْك مَعَ أَنَّهُ أَبُوك (قَوْلُهُ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ) بِدَلِيلِ الْإِضَافَةِ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]- فَإِنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى أَسْبَابِهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْوَاجِبُ إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ سَبَبُهُ وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» " قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ كَافِيَةً فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَفْيِ التَّكْرَارِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا أَنَّ إثْبَاتَ النَّفْيِ بِمُقْتَضَى النَّفْيِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَقَدْ يَجِبُ) أَيْ الْحَجُّ وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فُرِضَ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ وَيُلَبِّيَ مِنْهُ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُجَاوَزَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذَا انْتَهَى إلَى الْمَوَاقِيتِ عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصْدَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ عِنْدَنَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا وَلَوْ لِتِجَارَةٍ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ التَّاجِرُ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا اهـ.
قَالَ ح: فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَا يَكُونَانِ نَفْلًا مِنْ الْآفَاقِيِّ وَإِنَّمَا يَكُونَانِ نَفْلًا مِنْ الْبُسْتَانِيِّ وَالْحَرَمِيِّ. اهـ.

(2/455)


فَإِنَّهُ كَمَا سَيَجِيءُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ الْحَجَّ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ وَقَدْ يَتَّصِفُ بِالْحُرْمَةِ كَالْحَجِّ بِمَالٍ حَرَامٍ، وَبِالْكَرَاهَةِ كَالْحَجِّ بِلَا إذْنٍ مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ وَفِي النَّوَازِلِ: لَوْ كَانَ الِابْنُ صَبِيًّا فَلِلْأَبِ مَنْعُهُ حَتَّى يَلْتَحِيَ (عَلَى الْفَوْرِ) فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ حُرْمَةَ مُجَاوَزَتِهِ بِدُونِ إحْرَامٍ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا مِنْ الْآفَاقِيِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَوْنُهُ مُتَلَبِّسًا بِالْإِحْرَامِ وَقْتَ الْمُجَاوَزَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجِّ نَفْلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ لِحِلِّ الْمُجَاوَزَةِ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُهُ مَقْصُودًا كَمَا مَرَّ فِي الِاعْتِكَافِ، وَنَظِيرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى يَغْتَسِلَ فَإِذَا اغْتَسَلَ لِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ثُمَّ دَخَلَ جَازَ، مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا نَوَى الْغُسْلَ الْمَسْنُونَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ، وَلَمْ يَغْتَسِلْ لِغَيْرِهِ وَهُنَا إذَا أَرَادَ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ وَكَانَ قَاصِدًا لِلنُّسُكِ وَأَحْرَمَ بِنُسُكِ فَرْضٍ أَوْ مَنْذُورٍ أَوْ نَفْلٍ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لِذَلِكَ بِأَنْ قَصَدَ الدُّخُولَ لِتِجَارَةٍ مَثَلًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ إحْرَامُهُ وَاجِبًا وَنَظِيرُهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ تَنْدَرِجُ فِي أَيِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا بُدَّ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ مِنْ صَلَاتِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَرَضَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ تَصْوِيرَ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ وَيُلَبِّي مِنْهُ، وَيَكُونُ إحْرَامُهُ حِينَئِذٍ وَاجِبًا إذَا كَانَ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَهَا بِنُسُكِ فَرْضٍ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى مِنْ فَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْرَامٌ خَاصٌّ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَزَازَةَ فِي عِبَارَتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ وَكَذَا قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْحَجَّ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ) فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِب الْمُخَيَّرِ أَيْ وَإِنْ اخْتَارَ الْعُمْرَةَ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ الْمَقَامِ إيَّاهُ. اهـ. ح.
مَطْلَبٌ فِيمَنْ حَجّ بِمَالٍ حَرَامٍ
(قَوْلُهُ كَالْحَجِّ بِمَالٍ حَرَامٍ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِالْحَجِّ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ نَفْسَهُ الَّذِي هُوَ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ إلَخْ لَيْسَ حَرَامًا بَلْ الْحَرَامُ هُوَ إنْفَاقُ الْمَالِ الْحَرَامِ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ تَقَعُ فَرْضًا، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ شَغْلُ الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْفِعْلِ صَلَاةً لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِالْحُرْمَةِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي نَفْسِهِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ الْإِنْفَاقُ، وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْحُرْمَةَ لِأَنَّ لِلْمَالِ دَخْلًا فِيهِ، فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ عَمَل الْبَدَنِ وَالْمَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ نَفَقَةٍ حَلَالٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِالنَّفَقَةِ الْحَرَامِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ مَعَهَا وَلَا تَنَافِي بَيْنَ سُقُوطِهِ، وَعَدَمِ قَبُولِهِ فَلَا يُثَابُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَلَا يُعَاقَبُ عِقَابَ تَارِكِ الْحَجِّ. اهـ.
أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ التَّرْكِ يُبْتَنَى عَلَى الصِّحَّةِ: وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِالشَّرَائِطِ، وَالْأَرْكَانُ وَالْقَبُولُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ يُبْتَنَى عَلَى أَشْيَاءَ كَحِلِّ الْمَالِ وَالْإِخْلَاصِ كَمَا لَوْ صَلَّى مُرَائِيًا أَوْ صَامَ وَاغْتَابَ فَإِنَّ الْفِعْلَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ بِلَا ثَوَابٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ) كَأَحَدِ أَبَوَيْهِ الْمُحْتَاجِ إلَى خِدْمَتِهِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَكَذَا الْغَرِيمُ لِمَدْيُونٍ لَا مَالَ لَهُ يَقْضِي بِهِ، وَالْكَفِيلُ لَوْ بِالْإِذْنِ، فَيُكْرَهُ خُرُوجُهُ بِلَا إذْنِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ وَلِذَا عَبَّرَ الشَّارِحُ بِالْوُجُوبِ، وَزَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ السَّيْرِ وَكَذَا إنْ كَرِهَتْ خُرُوجَهُ زَوْجَتُهُ وَمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَدْفَعُهُ لِلنَّفَقَةِ فِي غَيْبَتِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ.
أَمَّا حَجُّ النَّفْلِ فَطَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ أَوْلَى مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَطِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَلْتَحِيَ) وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَخْرُجُ وَإِنْ الْتَحَى بَحْرٌ عَنْ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ عَلَى الْفَوْرِ) هُوَ الْإِتْيَانُ

(2/456)


وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَيُفَسَّقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِهِ أَيْ سِنِينًا لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ صَغِيرَةٌ وَبِارْتِكَابِهِ مَرَّةً لَا يُفَسَّقُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ بَحْرٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ، وَلِذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَاخَى كَانَ أَدَاءً وَإِنْ أَثِمَ بِمَوْتِهِ قَبْلَهُ وَقَالُوا لَوْ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ وَلَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ وَيُرْجَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، أَيْ لَوْ نَاوِيًا وَفَاءً إذَا قَدَرَ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِهِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَيُقَابِلُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَعَيُّنَ التَّأْخِيرِ بَلْ بِمَعْنَى عَدَمِ لُزُومِ الْفَوْرِ (قَوْلُهُ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ) لَا يَصْلُحُ عَطْفُهُ عَلَى الثَّانِي، فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَقَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي: خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا عِنْدَ الثَّانِي فَقَوْلُهُ وَأَصَحُّ عَطْفٌ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَالِكُ وَأَحْمَدُ) عَطْفٌ عَلَى الْإِمَامِ فَيُفِيدُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَيْضًا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ تُفِيدُهُ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ أَيْ سِنِينًا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَأَتَى بِسِنِينَ مُنَوَّنًا لِأَنَّهُ قَدْ يَجْرِي مَجْرَى حِينٍ، وَهُوَ عِنْدَ قَوْمٍ مُطَّرِدٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ) أَيْ لَكِنْ بِالْإِصْرَارِ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِعَدَمِ دُخُولِ الْإِصْرَارِ تَحْتَ الْمَرَّةِ ح ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْفِسْقِ عَدَمُ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَفِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ عَنْ التَّقْرِيرِ لِلْأَكْمَلِ أَنَّ حَدَّ الْإِصْرَارِ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِعَدَدٍ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى الرَّأْيِ وَالْعُرْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَرَّتَيْنِ لَا يَكُونُ إصْرَارًا وَلِذَا قَالَ: أَيْ سِنِينًا فَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، فَيُفَسَّقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ بِلَا عُذْرٍ غَيْرِ مُحَرَّرٍ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ حُصُولُهُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَضْلًا عَنْ الْمَرَّتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ إلَخْ) أَيْ وَجْهُ كَوْنِ التَّأْخِيرِ صَغِيرَةً أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ وَاجِبَةٌ لِأَنَّهَا ظَنِّيَّةٌ لِظَنِّيَّةِ دَلِيلِهَا وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ تَعْرِيضًا لَهُ لِلْفَوَاتِ، وَهُوَ غَيْرُ قَطْعِيٍّ فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا لَا حَرَامًا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ كَمُقَابِلِهَا، وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي بَيَانِ الْمَعَاصِي أَنَّ كُلَّ مَا كُرِهَ عِنْدَنَا تَحْرِيمًا فَهُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ لَكِنَّهُ عَدَّ فِيهَا مِنْ الصَّغَائِرِ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِقَطْعِيٍّ كَوَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَانَ أَدَاءً) أَيْ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْإِثْمُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ قِيلَ: الْمُرَادُ إثْمُ تَفْوِيتِ الْحَجِّ لَا إثْمُ التَّأْخِيرِ.
قُلْت: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ إثْمُ التَّأْخِيرِ إذْ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَا تَفْوِيتَ وَفِي الْفَتْحِ: وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَلَوْ حَجَّ بَعْدَهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اهـ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: فَيَأْثَمُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ إلَّا إذَا أَدَّى وَلَوْ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَإِنَّهُ رَافِعٌ لِلْإِثْمِ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَثِمَ بِمَوْتِهِ قَبْلَهُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَهُ ظَهَرَ أَنَّهُ آثِمٌ قِيلَ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَقِيلَ مِنْ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَنَةِ رَأَى فِي نَفْسِهِ الضَّعْفَ، وَقِيلَ: يَأْثَمُ فِي الْجُمْلَةِ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِمُعَيَّنٍ بَلْ عِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ إلَخْ) أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْرَاضُ كَمَا فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ قَالَ مُنْلَا عَلَى الْقَارِيّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ تَحَمُّلَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَخَفُّ مِنْ ثِقَلِ حُقُوقِ الْعِبَادِ اهـ.
قُلْت: وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ أَصْلًا أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ فِي الْحَالِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ قَدَرَ عَلَى الْوَفَاءِ فَلَا يُرَدُّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ أُخِذَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ قَدَرَ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَإِنْ اسْتَقْرَضَ وَأَدَّى وَلَمْ

(2/457)


(عَلَى مُسْلِمٍ) لِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِفُرُوعِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمَنَارِ (حُرٍّ مُكَلَّفٍ) عَالِمٌ بِفَرْضِيَّتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
يَقْدِرْ عَلَى قَضَائِهِ حَتَّى مَاتَ يُرْجَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَيْنَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ كَانَ الْأَفْضَلُ لَهُ عَدَمَهُ اهـ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الزَّكَاةِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَفِي الْحَجِّ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْحَجِّ وَجَعَلَهَا فِي اللُّبَابِ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ.
الْأَوَّلُ: شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَهِيَ الَّتِي إذَا وُجِدَتْ بِتَمَامِهَا وَجَبَ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ سَبْعَةٌ: الْإِسْلَامُ، وَالْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ لِمَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ وَالْوَقْتُ أَيْ الْقُدْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: شُرُوطُ الْأَدَاءِ وَهِيَ الَّتِي إنْ وُجِدَتْ بِتَمَامِهَا مَعَ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، وَجَبَ أَدَاؤُهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهَا مَعَ تَحَقُّقِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، فَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ بَلْ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ أَوْ الْإِيصَاءُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: سَلَامَةُ الْبَدَنِ، وَأَمْنُ الطَّرِيقِ وَعَدَمُ الْحَبْسِ، وَالْمَحْرَمُ أَوْ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ وَعَدَمُ الْعِدَّةِ لَهَا.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: شَرَائِطُ صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَهِيَ تِسْعَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْإِحْرَامُ، وَالزَّمَانُ، وَالْمَكَانُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالْعَقْلُ وَمُبَاشَرَةُ الْأَفْعَالِ إلَّا بِعُذْرٍ وَعَدَمُ الْجِمَاعِ وَالْأَدَاءُ مِنْ عَامِ الْإِحْرَامِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: شَرَائِطُ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْفَرْضِ وَهِيَ تِسْعَةٌ أَيْضًا: الْإِسْلَامُ، وَبَقَاؤُهُ إلَى الْمَوْتِ، وَالْعَقْلُ، وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْأَدَاءُ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ، وَعَدَمُ نِيَّةِ النَّفْلِ، وَعَدَمُ الْإِفْسَادِ، وَعَدَمُ النِّيَّةِ عَنْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ) فَلَوْ مَلَكَ الْكَافِرُ مَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ مَا افْتَقَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَهُ مُسْلِمًا فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى افْتَقَرَ حَيْثُ يَتَقَرَّرُ وُجُوبُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَتْحٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ لَا التَّرَاخِي نَهْرٌ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ مِنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَلَكِنَّهُ يُتَخَيَّرُ فِي أَدَائِهِ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْوُجُوبُ إلَّا قُبَيْلَ الْمَوْتِ، وَأَنْ لَا يَجِبَ الْإِحْجَاجُ عَلَى مَنْ كَانَ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ أَوْ عَمِيَ وَأَنْ لَا يَأْثَمَ الْمُفَرِّطُ بِالتَّأْخِيرِ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ: أَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ بِالْعِبَادَاتِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ مَذْهَبُ السَّمرْقَنْديِّين نَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا أَدَاءً وَاعْتِقَادًا وَالْبُخَارِيِّينَ مُخَاطَبٌ اعْتِقَادًا فَقَطْ وَالْعِرَاقِيِّينَ مُخَاطَبٌ بِهِمَا فَيُعَاقَبُ عَلَيْهِمَا قَالَ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ يَشْهَدُ لَهُمْ وَخِلَافُهُ تَأْوِيلٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ يُفْهِمُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا اعْتِقَادًا فَقَطْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّينَ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَنَارِ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ مَا هُنَا هُوَ مَا اعْتَمَدَهُ هُنَاكَ وَمَا قِيلَ إنَّ مَا هُنَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا نَصَّ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حُرٍّ) فَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ مُدَبَّرًا كَانَ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مَأْذُونًا بِهِ وَلَوْ بِمَكَّةَ أَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى عَبِيدِ أَهْلِ مَكَّةَ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ، فَإِنَّهُ لِلتَّيْسِيرِ لَا لِلْأَهْلِيَّةِ، فَوَجَبَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ الْحَجِّ نَهْرٌ وَهُوَ وُجُودُ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِمَا لَا فِيهِ وَالْمُرَادُ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَالْعَبْدُ أَهْلٌ لِلْأَدَاءِ فَيَقَعُ لَهُ نَفْلًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ فَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، وَفِي الْمَعْتُوهِ خِلَافٌ فِي الْأُصُولِ فَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يُوضَعُ الْخِطَابُ عَنْهُ كَالصَّبِيِّ، فَلَا يَجِبُ

(2/458)


إمَّا بِالْكَوْنِ بِدَارِنَا وَإِمَّا بِإِخْبَارِ عَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ (صَحِيحِ) الْبَدَنِ (بَصِيرٍ) غَيْرِ مَحْبُوسٍ وَخَائِفٍ مِنْ سُلْطَانٍ يَمْنَعُ مِنْهُ (ذِي زَادٍ) يَصِحُّ بِهِ بَدَنُهُ فَالْمُعْتَادُ اللَّحْمُ وَنَحْوُهُ إذَا قَدَرَ عَلَى خُبْزٍ وَجُبْنٍ لَا يُعَدُّ قَادِرًا (وَرَاحِلَةٍ) مُخْتَصَّةٍ بِهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُقَتَّبِ إنْ قَدَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَذَهَبَ الدَّبُوسِيُّ إلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا احْتِيَاطًا بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمَعْتُوهِ فِي أَوَّلِ الزَّكَاةِ فَرَاجِعْهُ.
[تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا اهـ وَنَقَلَ غَيْرُهُ صِحَّةَ حَجِّهِمَا وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ لَهُ بَعْضُ إدْرَاكٍ وَغَيْرِهِ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَدَائِهِمَا بِنَفْسِهِمَا وَالثَّانِي عَلَى فِعْلِ الْوَلِيِّ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا الصَّبِيُّ يَحُجُّ بِهِ أَبُوهُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِأَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُمَا وَهُمَا عَاجِزَانِ كَإِحْرَامِهِمَا بِنَفْسِهِمَا. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ إمَّا بِالْكَوْنِ فِي دَارِنَا) سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْفَرْضِيَّةِ أَمْ لَا نَشَأَ عَلَى الْإِسْلَامِ فِيهَا أَمْ لَا بَحْرٌ وَقَوْلُهُ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ إلَخْ هَذَا لِمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ بَقِيَ لَوْ أَدَّى قَبْلَهُ ذَكَرَ الْقُطْبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ بَحْثًا أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْفَرْضِ، وَنُوزِعَ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْفَرْضِ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَبِأَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ بِلَا تَعْيِينِ الْفَرْضِيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَبِأَنَّهُ يَصِحُّ مِمَّا نَشَأَ فِي دَارِنَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْفَرْضِيَّةِ عَلِمْته (قَوْلُهُ أَوْ مَسْتُورَيْنِ) أَفَادَ أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ صَحِيحِ الْبَدَنِ) أَيْ سَالِمٍ عَنْ الْآفَاتِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي السَّفَرِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مُقْعَدٍ وَمَفْلُوجٍ وَشَيْخٍ كَبِيرٍ لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِنَفْسِهِ وَأَعْمَى، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا، وَمَحْبُوسٍ، وَخَائِفٍ مِنْ سُلْطَانٍ لَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا بِالنِّيَابَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا وُجُوبُ الْإِحْجَاجِ عَلَيْهِمْ، وَيُجْزِيهِمْ إنْ دَامَ الْعَجْزُ وَإِنْ زَالَ أَعَادُوا بِأَنْفُسِهِمْ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ وَمِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عِنْدَ هُمَا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ وَالْإِيصَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنْ قَدَرَ ثُمَّ عَجَزَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ تَقَرَّرَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَيَلْزَمُهُ الْإِحْجَاجُ، فَلَوْ خَرَجَ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَجِبْ الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَلَوْ تَكَلَّفُوا الْحَجَّ بِأَنْفُسِهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ وَظَاهِرُ التُّحْفَةِ اخْتِيَارُ قَوْلِهِمَا وَكَذَا الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ وَمَشَى عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ اهـ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَحَكَى فِي اللُّبَابِ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى الْأَوَّلِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَأَنَّ الثَّانِيَ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَمِنْهُمْ ابْنُ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ بَصِيرٍ) فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ غَيْرِ مَحْبُوسٍ) هَذَا مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ كَمَا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَبْسُهُ لِمَنْعِهِ حَقًّا قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ.
[تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ شَمْسِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّلْطَانَ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ مُلْحَقٌ بِالْمَحْبُوسِ فَيَجِبُ الْحَجُّ فِي مَالِهِ الْخَالِي عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنْ دَامَ عَجْزُهُ إلَى الْمَوْتِ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحَجِّ ثُمَّ عَجَزَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ آنِفًا (قَوْلُهُ يُمْنَعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَجِّ أَيْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ ذِي زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِمِلْكِ الزَّادِ وَمِلْكِ أُجْرَةِ الرَّاحِلَةِ، فَلَا يَجِبُ بِالْإِبَاحَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَيُشِيرُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ مُخْتَصَّةً بِهِ) فَلَا يَكْفِي لَوْ قَدَرَ عَلَى رَاحِلَةٍ مُشْتَرَكَةٍ يَرْكَبُهَا مَعَ غَيْرِهِ بِالْمُعَاقَبَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُقَتَّبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ ذُو الْقَتَبِ وَهُوَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ الْإِكَافُ الصَّغِيرُ حَوْلَ السَّنَامِ ح وَذِكْرُ ضَمِيرِ الرَّاحِلَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مَرْكُوبًا

(2/459)


وَإِلَّا فَتُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُحَارَةِ لِلْآفَاقِيِّ لَا لِمَكِّيٍّ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ لِشَبَهِهِ بِالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ لَمْ يَجِبْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رُكُوبِ الْمُقَتَّبِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَحَارَةِ) هِيَ شَبَهُ الْهَوْدَجِ قَامُوسٌ أَيْ عَلَى شِقٍّ مِنْهَا بِشَرْطِ أَنْ يَجِدَ لَهُ مُعَادِلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ أَمْتِعَتَهُ رَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ إمَّا بِرُكُوبِ زَامِلَةٍ أَيْ مُقَتَّبٍ أَوْ بِشِقِّ مَحْمَلٍ، وَأَمَّا الْمِحَفَّةُ فَمِنْ مُبْتَدَعَاتِ الْمُتَرَفِّهَةِ فَلَيْسَ لَهَا عِبْرَةٌ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِحَفَّةِ التَّخْتُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِنَا الْمَحْمُولُ بَيْنَ جَمَلَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِ مُنَكَّسِهِ بِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِمَا قَرَّرُوهُ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ عَادَةً وَعُرْفًا فَمَنْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَيْهَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ بِلَا ارْتِيَابٍ، وَإِنْ قَدَرَ بِالْمَحْمَلِ أَوْ الْمُقَتَّبِ فَلَا يُعْذَرُ وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ ذَا ثَرْوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَرَاحِلَةٌ لَا بِقَوْلِهِ فَتُشْتَرَطُ لِإِيهَامِهِ أَنَّ غَيْرَ الْآفَاقِيِّ يُشْتَرَطُ لَهُ الْمُقَتَّبُ فَلَا يُنَاسِبُ قَوْلُهُ لَا الْمَكِّيُّ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الزَّادَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ لِمَكِّيٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَاحِبِ الْيَنَابِيعِ وَالسِّرَاجِ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ فَقِيرًا لَا زَادَ لَهُ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الْهُمَامِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ فِي الطَّرِيقِ، وَأَمَّا الرَّاحِلَةُ فَشَرْطٌ لِلْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ الْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ وَقِيلَ شَرْطٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ أَرْبَعُ فَرَاسِخَ، وَلَا يَقْدِرُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى مَشْيِهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ الْأَوَّلَ، وَنَظَرَ فِيهِ شَارِحُهُ الْقَارِي بِأَنَّ الْقَادِرَ نَادِرٌ وَمَبْنَى الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ، وَحَدُّ الْمَكِّيِّ عِنْدَنَا مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ الظَّاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ وَاشْتِرَاطُ الرَّاحِلَةِ فِي حَقِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا مَا دُونَهُ فَلَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ.
[تَنْبِيهٌ]
فِي اللُّبَابِ: الْفَقِيرُ الْآفَاقِيُّ إذَا وَصَلَ إلَى مِيقَاتٍ فَهُوَ كَالْمَكِّيِّ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ إلَّا الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَنِيُّ الْآفَاقِيُّ كَذَلِكَ إذَا عَدِمَ الرُّكُوبَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَالتَّقْيِيدُ بِالْفَقِيرِ لِظُهُورِ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْكَبِ، وَلِيُفِيدَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْوِيَ نَفْلًا عَلَى زَعْمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ وَاجِبًا وَهُوَ آفَاقِيٌّ فَلَمَّا صَارَ كَالْمَكِّيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَوْ نَوَاهُ نَفْلًا لَزِمَهُ الْحَجُّ ثَانِيًا. اهـ.
مُلَخَّصًا وَنَظِيرُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ إذَا وَاصَلَ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ أَنْ يَمْكُثَ لِيَحُجَّ حَجَّ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ، لِكَوْنِهِ صَارَ قَادِرًا عَلَى مَا فِيهِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِشَبَهِهِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ) أَيْ حَيْثُ عَبَّرَ بِالرَّاحِلَةِ وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، وَلِمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّهَا الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ تَفْسِيرِهَا بِأَنَّهَا مَا يَحْمِلُهُ وَيَحْمِلُ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَسْفَارِ وَالْأَحْمَالِ. اهـ.
لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَ الْبَعِيرِ لَا يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ مَعَ مَا يَحْتَاجُهُ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ شَرْحِ الصَّبَّاغِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ كُرَّيْ حِمَارٍ

(2/460)


وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهَةِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْحَجُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ مِنْهُ مَاشِيًا بِهِ يُفْتَى وَالْمُقَتَّبُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَارَةِ وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ حِمْلُ الْجَمَلِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَالْحِمَارِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَغْلَ كَالْحِمَارِ،

وَلَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ مَالًا يَحُجُّ بِهِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ لِأَنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا وَهَذَا مِنْهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِلْأُصُولِيَّيْنِ (فَضْلًا عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ) كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ اهـ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فِيمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرَاحِلُ يَسِيرَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ لِأَنَّ غَيْرَ الْإِبِلِ لَا يَقْوَى عَلَيْهَا قَالَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ جِدًّا وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يُخَالِفُهُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ مُرَادَهُمْ. اهـ.
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهَةِ) أَيْ التَّنْزِيهِيَّةِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِدَلِيلِ أَفْضَلِيَّةِ مُقَابِلِهِ ط (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ النَّفَقَةِ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ فِي الْحَجِّ وَلِذَا اشْتَرَطَ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ أَنْ يَحُجَّ رَاكِبًا إذَا اتَّسَعَتْ النَّفَقَةُ، حَتَّى لَوْ حَجَّ مَاشِيًا وَلَوْ بِأَمْرِهِ ضَمِنَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللُّبَابُ، لَكِنْ سَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَنْ نَذَرَ حَجًّا مَاشِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فِي الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ فَكَانَ أَفْضَلَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْخَانِيِّ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنْ قِيلَ كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةَ كَمَالٍ قُلْنَا إنَّمَا كَرِهَهُ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ سُوءِ الْخُلُقِ كَأَنْ يَكُونَ صَائِمًا مَعَ الْمَشْيِ أَوْ لَا يُطِيقُهُ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَارَّ وَغَيْرَهُ.
قُلْت: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ فَلَعَلَّ وَجْهَهَا أَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا عَجَزَ عَنْ إحْدَى الْمَشَقَّتَيْنِ، وَهِيَ مَشَقَّةُ الْبَدَنِ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الْأُخْرَى وَهِيَ مَشَقَّةُ الْمَالِ صَارَتْ كَأَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ فَلَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهَا كَامِلَةً، وَلِذَا وَجَبَ الْإِحْجَاجُ مِنْ مَنْزِلِ الْآمِرِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ تَبَرُّعُ غَيْرِهِ عَنْهُ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُقَتَّبُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَارَةِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجٌّ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَأَخَفُّ عَلَى الْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَلَعَمْرِي هَذَا إجْحَافٌ عَلَى الْحِمَارِ وَإِنْصَافٌ فِي حَقِّ الْجَمَلِ فَتَأَمَّلْ.
وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْمَنَّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْمِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا هِيَ الْوَسْقُ وَهِيَ قِنْطَارٌ دِمَشْقِيٌّ تَقْرِيبًا (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَغْلَ كَالْحِمَارِ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْحِمَارَ الْقَوِيَّ الْمُعَدَّ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ فِي الْأَسْفَارِ فَإِنَّهُ كَالْبَغْلِ وَإِلَّا فَأَكْثَرُ الْحَمِيرِ دُونَ الْبِغَالِ بِكَثِيرٍ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ إلَخْ) وَكَذَا عَكْسُهُ وَحَيْثُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمُنُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ يُعْلَمُ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ بِالْأَوْلَى وَمُرَادُهُ إفَادَةُ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمِلْكِ دُونَ الْإِبَاحَةِ وَالْعَارِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْأُصُولِيِّينَ) حَيْثُ قَالُوا إنَّهَا مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ مِنْ بَيَانِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ وَعَبِيدِ خِدْمَتِهِ وَآلَاتِ حِرْفَتِهِ وَأَثَاثِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَأَصْدِقَتِهِ وَلَوْ مُؤَجَّلَةً كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ قَضَاءُ دُيُونِ الْعِبَادِ وَلِذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَزَكَاةٌ يَحُجُّ بِهِ قِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا. اهـ.
[تَنْبِيهٌ]
لَيْسَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُحْدَثَةُ بِرَسْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ، فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْحَجِّ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعِمَادِيُّ فِي مَنْسَكِهِ، وَأَقَرَّهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى مَنْسَكِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ

(2/461)


وَمِنْهُ الْمَسْكَنُ وَمَرَمَّتُهُ وَلَوْ كَبِيرًا يُمْكِنُهُ الِاسْتِغْنَاءُ بِبَعْضِهِ، وَالْحَجُّ بِالْفَاضِلِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الزَّائِدِ.
نَعَمْ هُوَ الْأَفْضَلُ وَعُلِمَ بِهِ عَدَمُ لُزُومِ بَيْعِ الْكُلِّ وَالِاكْتِفَاءُ بِسُكْنَى الْإِجَارَةِ بِالْأَوْلَى وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ مَسْكَنًا وَخَادِمًا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ مَا يَكْفِي لِلْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ خُلَاصَةٌ وَحَرَّرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ رَأْسِ مَالٍ لِحِرْفَتِهِ إنْ احْتَاجَتْ لِذَلِكَ وَإِلَّا لَا وَفِي الْأَشْبَاهِ مَعَهُ أَلْفٌ وَخَافَ الْعُزُوبَةَ إنْ كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلَهُ التَّزَوُّجُ وَلَوْ وَقْتَهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ (وَ) فَضْلًا عَنْ (نَفَقَةِ عِيَالِهِ) مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَعَزَاهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ إلَى مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْمَسْكَنُ) أَيْ الَّذِي يَسْكُنُهُ هُوَ أَوْ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ بِخِلَافِ الْفَاضِلِ عَنْهُ مِنْ مَسْكَنٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ كُتُبٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ آلِيَّةٍ كَعَرَبِيَّةٍ أَمَّا نَحْوُ الطِّبِّ وَالنُّجُومِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ الْكُتُبِ الرِّيَاضِيَّةِ فَتَثْبُتُ بِهَا الِاسْتِطَاعَةُ وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الزَّائِدِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْحَاجَةِ قَدْرُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ سَنَةٍ، وَلَوْ أَكْثَرَ لَزِمَهُ بَيْعُ الزَّائِدِ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَالِاكْتِفَاءِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بَيْعٍ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ) تَبَعٌ فِي عَزْوِ ذَلِكَ إلَى الْخُلَاصَةِ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ تَبْلُغُ بِهِ الْحَجَّ وَتَبْلُغُ ثَمَنَ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَطَعَامٍ وَقُوتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِهِ أَثِمَ اهـ لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَشْتَرِي بِهِ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّزَوُّجِ الْآتِيَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ رَأْسِ مَالٍ لِحِرْفَتِهِ) كَتَاجِرٍ وَدِهْقَانٍ وَمُزَارِعٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَرَأْسُ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بَحْرٌ.
قُلْت: وَالْمُرَادُ مَا يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ بِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ لَا أَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْأَشْبَاهِ) الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ، وَذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقَةً، وَاسْتَشْهَدَ بِهَا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ وَمُقْتَضَاهُ تَقْدِيمُ الْحَجِّ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عِنْدَ التَّوَقَانِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي الْعِنَايَةِ مَعَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِذَا اعْتَرَضَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ حَالَ التَّوَقَانِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَجِّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ أَمْرَيْنِ تَرْكُ الْفَرْضِ وَالْوُقُوعُ فِي الزِّنَا وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ حَالِ التَّوَقَانِ اهـ أَيْ فِي غَيْرِ حَالِ تَحَقُّقِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَهُ فُرِضَ التَّزَوُّجُ أَمَّا لَوْ خَافَهُ فَالتَّزَوُّجُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ فَيُقَدَّمُ الْحَجُّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفَضْلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ) هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ نَهْرٌ، وَالنَّفَقَةُ تَشْمَلُ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى، وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ بَحْرٌ: أَيْ الْوَسَطُ مِنْ حَالِهِ الْمَعْهُودِ وَلِذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ إلَخْ لَا مَا بَيْنَ نَفَقَةِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فَلَا يُرَدُّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَسَطِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَسَطِ هُنَاكَ الْمَعْنَى الثَّانِي وَالْمُرَادَ هُنَا الْأَوَّلُ فَافْهَمْ.
مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ
(قَوْلُهُ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ) أَيْ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لَا تَهَاوُنًا بِحَقِّ الشَّرْعِ، بَلْ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ، وَفِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ يُبْدَأُ بِحَقِّ الْعَبْدِ لِمَا قُلْنَا وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ إلَّا وَلِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ، فَلَوْ قُدِّمَ حَقُّ الشَّرْعِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بَطَلَ حُقُوقُ الْعِبَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ جِهَةِ التَّعْظِيمِ، لَا مِنْ جِهَةِ التَّقْدِيمِ، وَلِذَا قُلْنَا لَا يَسْتَقْرِضُ لِيَحُجَّ

(2/462)


(إلَى) حِينِ (عَوْدِهِ) وَقِيلَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ وَقِيلَ بِشَهْرٍ (مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ) بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَلَوْ بِالرِّشْوَةِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّ قَتْلَ بَعْضِ الْحُجَّاجِ عُذْرٌ وَهَلْ مَا يُؤْخَذُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إلَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْوَفَاءِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا جَازَ قَطْعُ الصَّلَاةِ أَوْ تَأْخِيرُهَا لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ نَفْسِ غَيْرِهِ أَوْ مَالِهِ كَخَوْفِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَالْخَوْفِ مِنْ تَرَدِّي أَعْمَى وَخَوْفِ الرَّاعِي مِنْ الذِّئْبِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ كَإِفْطَارِ الضَّيْفِ (قَوْلُهُ إلَى حِينِ عَوْدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَضْلًا أَوْ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا يَحْتَاجُ أَوْ بِنَفَقَةٍ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ نَفَقَةٍ لِمَا بَعْدَ عَوْدِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ) أَيْ وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مُخِيفًا فِي غَيْرِهِ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا عَنْ اللُّبَابِ أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَمْنِ الطَّرِيقِ أَمَّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ) كَذَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ.
وَاخْتَلَفَ فِي سُقُوطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَقِيلَ: يَسْقُطُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ، حَتَّى لَوْ غَلَبَ لِوُقُوعِ النَّهْبِ وَالْغَلَبَةِ مِنْ الْمُحَارِبِينَ مِرَارًا أَوْ سَمِعُوا أَنَّ طَائِفَةً تَعَرَّضَتْ لِلطَّرِيقِ، وَلَهَا شَوْكَةٌ وَالنَّاسُ يَسْتَضْعِفُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ، وَمَا أَفْتَى بِهِ الرَّازِيّ مِنْ سُقُوطِهِ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَقَوْلِ الْإِسْكَافِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ لَا أَقُولُ إنَّهُ فُرِضَ فِي زَمَانِنَا وَقَوْلِ الثَّلْجِيِّ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ مُنْذُ كَذَا كَذَا سَنَةً حِجٌّ إنَّمَا كَانَ وَقْتَ غَلَبَةِ النَّهْبِ وَالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ زَالَ وَلِلَّهِ الْمِنَّةُ (قَوْلُهُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُ الصَّفَارِ لَا أَرَى الْحَجَّ فَرْضًا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِرْشَادِهِمْ، فَتَكُونُ الطَّاعَةُ سَبَبَ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ، إنَّمَا شَأْنُهُمْ اسْتِحْلَالُ قَتْلِ الْأَنْفُسِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَكَانُوا يَغْلِبُونَ عَلَى أَمَاكِنَ يَتَرَصَّدُونَ فِيهَا لِلْحُجَّاجِ، وَقَدْ هَجَمُوا عَلَيْهِمْ مَرَّةً فِي مَكَّةَ فَقَتَلُوا خَلْقًا فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ سُئِلَ الْكَرْخِيُّ عَمَّنْ لَا يَحُجُّ خَوْفًا مِنْهُمْ فَقَالَ: مَا سَلِمَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْآفَاتِ أَيْ لَا تَخْلُو عَنْهَا لِقِلَّةِ الْمَاءِ وَهَيَجَانِ السَّمُومِ، وَهَذَا إيجَابٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَحْمَلُهُ أَنَّهُ رَأَى الْغَالِبَ انْدِفَاعَ شَرِّهِمْ عَنْ الْحَاجِّ، وَبِتَقْدِيرِهِ فَالْإِثْمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْآخِذِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَقْسِيمِ الرِّشْوَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ اهـ مُلَخَّصًا وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَضَاءِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي مُضْطَرًّا بِأَنْ لَزِمَهُ الْإِعْطَاءُ ضَرُورَةً عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ فَبِالْإِعْطَاءِ أَيْضًا يَأْثَمُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَأَجَابَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّهُ هُنَا مُضْطَرٌّ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى فَإِنَّ الْمَكْسَ وَالْخَفَارَةَ رِشْوَةٌ وَنَقَلَ ح عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الرِّشْوَةَ فِي مِثْلِ هَذَا جَائِزَةٌ وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ إنْ قُتِلَ بَعْضُ الْحُجَّاجِ) أَيْ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ فِي غَالِبِ الْأَعْوَامِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ السَّلَامَةُ غَالِبَةً اهـ ح.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ غَلَبَةَ السَّلَامَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ بَلْ لِلْمَجْمُوعِ، وَهِيَ لَا تَنْتَفِي إلَّا بِقَتْلِ الْأَكْثَرِ أَوْ الْكَثِيرِ أَمَّا قَتْلُ اللُّصُوصِ لِبَعْضٍ قَلِيلٌ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ سِيَّمَا إذَا كَانَ بِتَفْرِيطِهِ بِنَفْسِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْ بَيْنَهُمْ فَالسَّلَامَةُ فِيهِ غَالِبَةٌ نَعَمْ إذَا كَانَ الْقَتْلُ بِمُحَارَبَةِ الْقُطَّاعِ مَعَ الْحُجَّاجِ فَهُوَ عُذْرٌ إذَا غَلَبَ الْخَوْفُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ إلَخْ عَلَى أَنَّك قَدْ سَمِعْت آنِفًا جَوَابَ الْكَرْخِيِّ فِي شَأْنِ الْقَرَامِطَةِ الْمُسْتَحِلِّينَ لِقَتْلِ الْحُجَّاجِ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَوْتِ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَهَيَجَانِ السَّمُومِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ بِأَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، فَلَوْ كَانَ عُذْرًا لَزِمَ أَنْ

(2/463)


مِنْ الْمَكْسِ وَالْخَفَارَةِ عُذْرٌ قَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا كَمَا فِي الْقَنِيَّةِ وَالْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ فَيُحْتَسَبُ فِي الْفَاضِلِ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَكْسِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلُسِيِّ.

(وَ) مَعَ (زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ بِرَضَاعٍ (بَالِغٍ) قَيَّدَ لَهُمَا كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا (عَاقِلٍ وَالْمُرَاهِقُ كَبَالِغٍ) جَوْهَرَةٌ (غَيْرِ مَجُوسِيٍّ وَلَا فَاسِقٍ) لِعَدَمِ حِفْظِهِمَا (مَعَ) وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِمَحْرَمِهَا (عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ (عَلَيْهَا) لِامْرَأَةٍ حَرَّةٍ وَلَوْ عَجُوزًا فِي سَفَرٍ وَهَلْ يَلْزَمُهَا التَّزَوُّجُ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَا يَجِبَ الْحَجُّ إلَّا عَلَى الْقَرِيبِ مِنْ مَكَّةَ فِي أَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهُ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ سَفَرَهُ لَا يَخْلُو عَمَّا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ مِنْ مَوْتٍ وَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَكْسِ وَالْخَفَارَةِ) الْمَكْسُ مَا يَأْخُذُهُ الْعَشَّارُ وَالْخَفَارَةُ مَا يَأْخُذُهُ الْخَفِيرُ، وَهُوَ الْمُجِيرُ وَمِثْلُهُ مَا يَأْخُذُهُ الْأَعْرَابُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الصِّرِّ الْمُعَيَّنِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ نَصَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِدَفْعِ شَرِّهِمْ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ لَا) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ اللُّبَابِ عَنْ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِ الْمُعْتَمَدِ عَدَمُ كَوْنِهِ عُذْرًا فَيُحْتَسَبُ إلَخْ ح (قَوْلُهُ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلُسِيِّ) وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إلَى الْكَرْمَانِيِّ.

(قَوْلُهُ وَمَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) هَذَا وَقَوْلُهُ وَمَعَ عَدَمِ عِدَّةٍ عَلَيْهَا شَرْطَانِ مُخْتَصَّانِ بِالْمَرْأَةِ فَلِذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ وَمَا قَبْلَهُمَا مِنْ الشُّرُوطِ مُشْتَرَكٌ وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَأَدْخَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِنْتَ مَوْطُوءَتِهِ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ يَكُونُ مَحْرَمًا لَهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهَا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَبِمَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ نَهْرٌ.
لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ذَكَرَ قِوَامُ الدِّينِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالزِّنَا فَلَا تُسَافِرُ مَعَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الدِّينِ وَالْأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَبْدًا) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمُحْرِمِ وَقَوْلُهُ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ بِرَضَاعٍ يَخْتَصُّ بِالْمَحْرَمِ كَمَا لَا يَخْفَى ح لَكِنْ نَقَلَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ نَفَقَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تُسَافِرُ بِأَخِيهَا رَضَاعًا فِي زَمَانِنَا اهـ أَيْ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ كَرَاهَةُ الْخَلْوَةِ بِهَا كَالصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ فَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ السَّفَرَ كَالْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الزَّوْجِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ، وَقَدْ اُشْتُرِطَ فِي الْمَحْرَمِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ اهـ لَكِنْ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ عَاقِلٌ، وَهَذَا الْبَحْثُ نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ح (قَوْلُهُ وَالْمُرَاهِقُ كَبَالِغٍ) اعْتِرَاضٌ بَيْنَ النُّعُوتِ ح (قَوْلُهُ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ) مُخْتَصٌّ بِالْمُحْرِمِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي زَوْجِ الْحَاجَّةِ أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا ح (قَوْلُهُ وَلَا فَاسِقٍ) يَعُمُّ الزَّوْجَ وَالْمَحْرَمَ ح، وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِكَوْنِهِ مَاجِنًا لَا يُبَالِي.
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ حِفْظِهِمَا لِمُعَدٍّ) لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْهُ لِاعْتِقَادِهِ حِلِّ نِكَاحِ مَحْرَمَتِهِ، وَالْفَاسِقُ الَّذِي لَا مُرُوءَةَ لَهُ كَذَلِكَ وَلَوْ زَوْجًا وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ تَقْيِيدَ الْمَحْرَمِ بِكَوْنِهِ مَأْمُونًا لِإِغْنَاءِ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَعَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ إلَخْ) أَيْ فَيُشْتَرَطْ أَنْ تَكُونَ قَادِرَةً عَلَى نَفَقَتِهَا وَنَفَقَتِهِ (قَوْلُهُ لِمَحْرَمِهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مَعَهَا زَوْجُهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا مَانِعَةُ نَفْسِهَا بِفِعْلِهَا سِرَاجٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَلَيْهَا) أَيْ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَجْلِهَا وَمَنْ حَبَسَ نَفْسَهُ لِغَيْرِهِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِامْرَأَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضٍ (قَوْلُهُ حَرَّةٍ) مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَقَدْ مَرَّ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، لَكِنْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمُقَامِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ السَّفَرِ لِلْمَرْأَةِ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ خَاصٌّ بِالْحُرَّةِ فَيَجُوزُ لِلْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ السَّفَرُ بِدُونِهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالْفَتْوَى: عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَجُوزًا) أَيْ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ بَحْرٌ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
لِكُلِّ سَاقِطَةٍ فِي الْحَيِّ لَاقِطَةٌ ... وَكُلُّ كَاسِدَةٍ يَوْمًا لَهَا سُوقُ
(قَوْلُهُ فِي سَفَرٍ) هُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَيُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَا دُونَهُ لِحَاجَةٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ بَحْرٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

(2/464)


قَوْلَانِ وَلَيْسَ عَبْدُهَا بِمَحْرَمٍ لَهَا وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ حَجَّتْ بِلَا مَحْرَمٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَ) مَعَ (عَدَمِ عِدَّةٍ عَلَيْهَا مُطْلَقًا) أَيَّةَ عِدَّةٍ كَانَتْ ابْنُ مَالِكٍ (وَالْعِبْرَةُ لِوُجُوبِهَا) أَيْ الْعِدَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ سَفَرِهَا (وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا) وَكَذَا سَائِرُ الشُّرُوطِ بَحْرٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ شَرْحُ اللُّبَابِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ» وَفِي لَفْظٍ «يَوْمٌ» " لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ وُجُودَ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ شَرْطُ وُجُوبٍ أَمْ شَرْطُ وُجُوبِ أَدَاءً وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ مَعَ الصِّحَّةِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَيَجِبُ الْإِيصَاءُ إنْ مَنَعَ الْمَرَضُ، وَخَوْفُ الطَّرِيقِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ زَوْجٌ، وَلَا مُحْرِمٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَحْرَمِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي النَّهْرِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْبَدَائِعِ وَرَجَّحَ الثَّانِيَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِقَاضِي خَانْ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ فِي اللُّبَابِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ مَعَ أَنَّهُ مَشَى عَلَى جَعْلِ الْمَحْرَمِ أَوْ الزَّوْجِ شَرْطَ أَدَاءً وَرَجَّحَ هَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَابْنُ أَمِيرْ حَاجّْ فِي الْمَنَاسِكِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ غَرَضُهَا بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا، بَعْدَ أَنْ يَمْلِكَهَا، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ وَرُبَّمَا لَا يُوَافِقُهَا فَتَتَضَرَّرُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَحْرَمِ، فَإِنَّهُ إنْ وَافَقَهَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ امْتَنَعَ أَمْسَكَتْ نَفَقَتَهَا وَتَرَكَتْ الْحَجَّ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَبْدُهَا بِمَحْرَمٍ لَهَا) أَيْ وَلَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بَلْ مَا دَامَ مَمْلُوكًا لَهَا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ وَإِلَّا فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَا يَمْنَعُهَا عَنْ غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ وَاجِبَةً بِصُنْعِهَا كَالْمَنْذُورَةِ، وَاَلَّتِي أَحْرَمَتْ بِهَا فَفَاتَتْهَا وَتَحَلَّلَتْ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ فَلَا تَقْضِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَذَا لَوْ دَخَلَتْ مَكَّةَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمَةٍ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا تَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ بِفِعْلِهَا بَلْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ رَحْمَتِيٌّ، وَإِذَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا فِيمَا يَمْلِكُهُ تَصِيرُ مُحْصَرَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ التَّحْرِيمِيَّةِ لِلنَّهْيِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «أَوْ زَوْجٌ» " ط (قَوْلُهُ وَمَعَ عَدَمِ عِدَّةٍ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ إذَا وَجَدَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَاللُّبَابِ قَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَمِيرْ حَاجّْ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ أَيَّةَ عِدَّةٍ كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ ح (قَوْلُهُ الْمَانِعَةُ مِنْ سَفَرِهَا) أَمَّا الْوَاقِعَةُ فِي السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا أَوْ بَائِنًا، فَإِنْ كَانَ إلَى كُلٍّ مِنْ بَلَدِهَا وَمَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ تَخَيَّرَتْ أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا سَفَرٌ دُونَ الْآخَرِ تَعَيَّنَ أَنْ تَصِيرَ إلَى الْآخَرِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا سَفَرٌ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ قَرَّتْ فِيهِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَا تَخْرُجُ وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْضِيَ إلَى مَوْضِعِ أَمْنٍ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتَهَا وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَقْتَ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ خَبَرِ الْعِبْرَةِ أَيْ ثَابِتَةٌ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا، وَلَوْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا سَائِرُ الشَّرَائِطِ) أَيْ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
[تَتِمَّةٌ]
ذَكَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ إمْكَانُ السَّيْرِ وَهُوَ أَنْ يَبْقَى وَقْتٌ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ فِيهِ إلَى الْحَجِّ عَلَى السَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَقْطَعَ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ لَا يَجِبُ الْحَجُّ اهـ

(2/465)


(فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ عَاقِلٌ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا) وَيَنْبَغِي أَنْ يُجَرِّدَهُ قَبْلَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً مَبْسُوطَيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُ مَعَ عَقْلِهِ صَحِيحٌ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى (فَبَلَغَ أَوْ عَبْدٌ فَعَتَقَ) قَبْلَ الْوُقُوفِ (فَمَضَى) كُلٌّ عَلَى إحْرَامِهِ (لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُمَا) لِانْعِقَادِهِ نَفْلًا فَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ (وَلَوْ فَعَلَ) الْعَبْدُ (الْمُعْتَقُ ذَلِكَ) التَّجْدِيدَ الْمَذْكُورَ (لَمْ تُجْزِهِ) لِانْعِقَادِهِ لَازِمًا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ.

(وَ) الْحَجُّ (فَرْضُهُ) ثَلَاثَةٌ (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ شَرْطُ ابْتِدَاءٍ، وَلَهُ حُكْمُ الرُّكْنِ انْتِهَاءً حَتَّى لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ اسْتِدَامَتُهُ لِيَقْضِيَ بِهِ مِنْ قَابِلٍ (وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) فِي أَوَانِهِ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهَا (وَ) مُعْظَمُ (طَوَافِ الزِّيَارَةِ) وَهُمَا رُكْنَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَذَكَرَ شَارِحُ اللُّبَابِ أَنَّ مِنْهَا أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ إيجَابُ فَرْضٍ عَلَى وَجْهٍ يَفُوتُ بِهِ فَرْضٌ آخَرُ اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ.

(قَوْلُهُ فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ) الْمُرَادُ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ بِالنَّسَبِ فَلَوْ اجْتَمَعَ وَالِدٌ وَأَخٌ يُحْرِمُ الْوَالِدُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحه: وَيَنْبَغِي لِوَلِيِّهِ أَنْ يُجَنِّبَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَلُبْسِ الْمِخْيَطِ وَالطِّيبِ وَإِنْ ارْتَكَبَهَا الصَّبِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ بِإِعَادَةِ الضَّمِيرِ إلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَكِنْ تَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ اللُّبَابِ، وَكُلُّ مَا قَدَرَ الصَّبِيُّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ لَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ اهـ وَكَذَا مَا فِي جَامِعِ الْأُسْرُوشَنِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي يَحُجُّ لَهُ أَبُوهُ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ وَيَرْمِي الْجِمَارَ وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا يَفْعَلُ مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ الْبَالِغُ اهـ فَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ) وَكَذَا بَعْدَهُ بِالْأَوْلَى وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بَلَغَ وَعَتَقَ (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِهِ نَفْلًا) وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَصِحَّ فَرْضًا لَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ حَالَ وُقُوفِهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ كَمَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَطَهَّرَ ثُمَّ بَلَغَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ إلَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النِّيَّةِ فَحَيْثُ لَمْ يُعِدْهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ بَلَغَ بِالسِّنِّ فَإِنْ جَدَّدَ إحْرَامَهَا وَنَوَى بِهَا الْفَرْضَ يَقَعُ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَدَّدَ إلَخْ) بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَيُجَدِّدَ التَّلْبِيَةَ بِالْحَجِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ) قِيلَ عِبَارَةُ الْمُبْتَغَى: وَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ أَوْ الْكَافِرُ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ وَوَقْتُ الْحَجِّ بَاقٍ فَإِنْ جَدَّدُوا الْإِحْرَامَ يُجْزِيهِمْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ مُنْلَا عَلَى الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوِقَايَةِ وَاللُّبَابِ، لَكِنْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيدٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى اللُّبَابِ عَنْ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ حَسَنِ الْعَجِيمِيِّ الْمَكِّيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَيْنُونَةُ بِعَرَفَةَ حَتَّى لَوْ وَقَفَ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَحْظَةً فَبَلَغَ لَيْسَ لَهُ التَّجْدِيدُ، وَإِنْ بَقِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَأَيَّدَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَقَالَ وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي زَمَانِنَا فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّةِ تَجْدِيدِهِ الْإِحْرَامَ بَعْدَ ابْتِدَاءِ الْوُقُوفِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِهَا وَلَمْ نَرَ فِيهَا نَصًّا صَرِيحًا اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ قَبْلَ وُقُوفِهِ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ الْوُقُوفِ لَا وَقْتُهُ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الْعَجِيمِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ تُجْزِهِ) أَيْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ط (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِهِ) أَيْ إحْرَامِ الْعَبْدِ نَفْلًا لَازِمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ) لِأَنَّ إحْرَامَهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللُّزُومِ عَلَيْهِ وَلِذَا لَوْ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْكَافِرُ) أَيْ لَوْ أَحْرَمَ فَأَسْلَمَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ انْعِقَادِ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ط عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ) أَيْ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، ثُمَّ أَفَاقَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَّفَتْهُ

(2/466)


(وَوَاجِبُهُ) نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الصَّبِيَّ يُحْرِمُ عَنْهُ الْأَبُ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمَجْنُونِ اهـ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قُبَيْلَ الْإِحْصَارِ وَكَذَا الصَّبِيُّ يَحُجُّ بِهِ أَبُوهُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ وَيَرْمِي الْجِمَارَ لِأَنَّ إحْرَامَ الْأَبِ عَنْهُمَا وَهُمَا عَاجِزَانِ كَإِحْرَامِهِمَا بِنَفْسِهِمَا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ لَا حَجَّ عَلَى مَجْنُونٍ مُسْلِمٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إذَا حَجّ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ اهـ فَهَذِهِ النُّقُولُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمَجْنُونَ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَالصَّبِيِّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إحْرَامُ الْمَجْنُونِ بِنَفْسِهِ وَكَوْنُ وَلِيِّهِ أَحْرَمَ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ يُفِيدُ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ. اهـ. .

مَطْلَبٌ فِي فُرُوضِ الْحَجِّ وَوَاجِبَاتِهِ (قَوْلُهُ فَرْضُهُ) عَبَّرَ بِهِ لِيَشْمَل الشَّرْطَ وَالرُّكْنَ ط (قَوْلُهُ الْإِحْرَامُ) هُوَ النِّيَّةُ وَالتَّلْبِيَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا أَيْ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ تَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ مَعَ السَّوْقِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطُ ابْتِدَاءٍ) حَتَّى صَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ كُرِهَ كَمَا سَيَأْتِي ح (قَوْلُهُ حَتَّى لَمْ يَجُزْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى شَبَهِهِ بِالرُّكْنِ يَعْنِي أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ، بَلْ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ وَالْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا مَحْضًا لَجَازَتْ الِاسْتِدَامَةُ اهـ ح وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ إحْرَامُهُ وَإِلَّا فَالرِّدَّةُ لَا تُبْطِلُ الشَّرْطَ الْحَقِيقِيَّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ اهـ وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَالشَّرْطُ الْمَحْضُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَحْرَمَ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ مَا لَمْ يُجَدِّدْهُ الصَّبِيُّ (قَوْلُهُ لِيَقْضِيَ مِنْ قَابِلٍ) أَيْ بِهَذَا الْإِحْرَامِ السَّابِقِ الْمُسْتَدَامِ ط (قَوْلُهُ فِي أَوَانِهِ) وَهُوَ مِنْ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى قُبَيْلِ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ ط (قَوْلُهُ وَمُعْظَمُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ وَبَاقِيهِ وَاجِبٌ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ وَهُمَا رُكْنَانِ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوا إنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُجْزِئًا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِلْحَجِّ إلَّا بِوُجُودِ رُكْنَيْهِ وَلَمْ يُوجَدَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِيَ الْآمِرَ سَوَاءٌ مَاتَ الْمَأْمُورُ أَوْ رَجَعَ بَحْرٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَوْتَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَقَدْ أَتَى بِوُسْعِهِ وَقَدْ وَرَدَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» بِخِلَافِ مَنْ رَجَعَ اهـ وَأَمَّا الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ فَسَنَذْكُرُ عَنْ اللُّبَابِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ بَدَنَةٌ تَأَمَّلْ.
[تَتِمَّةٌ]
بَقِيَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ: نِيَّةُ الطَّوَافِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، الْإِحْرَامُ، ثُمَّ الْوُقُوفُ، ثُمَّ الطَّوَافُ وَأَدَاءُ كُلِّ فَرْضٍ فِي وَقْتِهِ فَالْوُقُوفُ مِنْ زَوَالِ عَرَفَةَ إلَى فَجْرِ النَّحْرِ وَالطَّوَافُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ، وَمَكَانُهُ أَيْ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ لِلْوُقُوفِ وَنَفْسُ الْمَسْجِدِ لِلطَّوَافِ وَأُلْحِقَ بِهَا تَرْكُ الْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ.

(قَوْلُهُ وَوَاجِبُهُ) اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ فَيَعُمُّ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ هُنَا بِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إنَّ اُعْتُبِرَ الْأَخِيرُ، وَهُوَ الْمَحْظُورُ ثَلَاثَةٌ وَأَوْصَلَهَا فِي اللُّبَابِ إلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَزَادَ أَحَدَ عَشَرَ أُخَرَ وَهِيَ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ، وَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْإِفَاضَةِ أَيْ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الْإِفَاضَةِ، وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَالْإِتْيَانُ بِمَا زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ قِيلَ وَبَيْتُوتَةُ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ فِيهَا، وَعَدَمُ تَأْخِيرِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى ثَانِيهِ، وَرَمْيُ الْقَارِنِ، وَالْمُتَمَتِّعِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالْهَدْيُ عَلَيْهِمَا، وَذَبْحُهُمَا قَبْلَ الْحَلْقِ وَفِي أَيَّامِ النَّحْرِ قِيلَ وَطَوَافُ الْقُدُومِ. اهـ.

(2/467)


(وُقُوفُ جَمْعٍ) وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ آدَمَ اجْتَمَعَ بِحَوَّاءَ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا.

(وَالسَّعْيُ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ هُوَ رُكْنٌ (بَيْنَ الصَّفَا) سُمِّي بِهِ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَيْهِ آدَم صَفْوَةُ اللَّهِ (وَالْمَرْوَةُ) لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَهِيَ حَوَّاءُ وَلِذَا أُنِّثَتْ.

(وَرَمْيُ الْجِمَارِ) لِكُلٍّ مِنْ الْحَجِّ (وَطَوَافُ الصَّدَرِ) أَيْ الْوَدَاعِ (لِلْآفَاقِيِّ) غَيْرِ الْحَائِضِ

(وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَإِنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَدُّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ) إنْ وَقَفَ نَهَارًا.

(وَالْبُدَاءَةُ بِالطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) عَلَى الْأَشْبَهِ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِيلَ فَرْضٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ (وَالتَّيَامُنُ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ فِي الْأَصَحِّ (وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ) يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَلَوْ نَذَرَ طَوَافًا زَحْفًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فِي الْحَقِيقَةِ الْخَمْسَةُ الْأُوَلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ وَالذَّبْحِ أَمَّا الْبَاقِي فَهِيَ وَاجِبَاتٌ لَهُ بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّهَا وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وُقُوفُ جَمْعٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ الْوُقُوفُ فِيهِ وَلَوْ سَاعَةً بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ) أَيْ بِجَمْعٍ وَبِمُزْدَلِفَةَ فَقَدْ يُشَارُ بِذَا إلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]- فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ لِكُلِّ مَنْ حَجَّ) أَيْ آفَاقِيًّا أَوْ غَيْرَهُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ مُفْرِدًا وَهُوَ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ رُجُوعُ قَوْلِهِ لِآفَاقِيٍّ إلَى الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْآتِيَةِ لِكُلِّ مَنْ حَجَّ (قَوْلُهُ وَطَوَافُ الصَّدَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى - {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} [الزلزلة: 6]- وَلِذَا يُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتُكْسَرُ لِمُوَادَعَتِهِ الْبَيْتَ شَرْحُ اللُّبَابِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ الْوَدَاعُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ طَوَافُ الْوَدَاعِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِطَوَافِ الصَّدَرِ لَا تَفْسِيرٌ لِلصَّدَرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ اللُّزُومِ لِأَنَّ الْوَدَاعَ بِمَعْنَى التَّرْكِ لَازِمٌ لِلصَّدَرِ، بِمَعْنَى الرُّجُوعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) اعْتَرَضَ النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ عَلَى الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْآفَاقَ النَّوَاحِي وَاحِدُهُ أُفُقٌ بِضَمَّتَيْنِ، وَبِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ أُفُقِيٌّ لِأَنَّ الْجَمْعَ إذَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ فَالنِّسْبَةُ إلَى وَاحِدِهِ وَأَجَابَ فِي كَشْفِ الْكَشَّافِ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْخَارِجِيُّ أَيْ خَارِجُ الْمَوَاقِيتِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَنْصَارِيِّ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ وَالْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ غَيْرِ الْحَائِضِ) لِأَنَّ الْحَائِضَ يَسْقُطُ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ) أَيْ أَحَدُهُمَا، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ لِلرَّجُلِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا، وَأَجَابَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ وُجُوبَهُ مِنْ حَيْثُ إيقَاعُهُ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الرَّمْيِ فِي الْحَجِّ، وَبَعْدَ السَّعْيِ فِي الْعُمْرَةِ.
قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ آخَرُ سَيَأْتِي فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَوَقُّفِ الْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا قَطْعِيًّا فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، كَتَوَقُّفِ الْخُرُوجِ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى وَاجِبِ السَّلَامِ تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ إنَّ الْحَلْقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ وَاجِبٍ وَهُوَ عِنْدَنَا وَاجِبٌ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ ثُمَّ قَالَ عُدَّ كَلَامٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ ظَنِّيٌّ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ لَا الْقَطْعُ (قَوْلُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ) يَشْمَلُ الْحَرَمَ لِلْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ كَمُتَمَتِّعٍ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ ط وَالتَّقْيِيدُ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ قَبْلَهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ بِشُرُوطِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ إلَى الْغُرُوبِ) لَمْ يَقُلْ مِنْ الزَّوَالِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ الزَّوَالِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَنْ يُمِدَّهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ مُطْلَقًا إلَى الْغُرُوبِ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَفَ نَهَارًا) أَمَّا إذَا وَقَفَ لَيْلًا فَلَا وَاجِبَ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ سَاعَةً لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، نَعَمْ يَكُونُ تَارِكًا وَاجِبَ الْوُقُوفِ نَهَارًا إلَى الْغُرُوبِ.

(قَوْلُهُ عَلَى الْأَشْبَهِ) ذَكَرَ فِي الْمَطْلَبِ الْفَائِقِ شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ شَرْطٌ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَهُ فِي اللُّبَابِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ مَرَّةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ اهـ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ عَنْ الْوَجِيزِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَالْأَعْدَلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ اهـ.
مِنْ شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالتَّيَامُنُ فِيهِ) وَهُوَ أَخْذُ الطَّائِفِ عَنْ يَمِينِ نَفْسِهِ وَجَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ وَقِيلَ فَرْضٌ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ فِيهِ إلَخْ) فَلَوْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ

(2/468)


لَزِمَهُ مَاشِيًا وَلَوْ شَرَعَ مُتَنَفِّلًا زَحْفًا فَمَشْيُهُ أَفْضَلُ (وَالطَّهَارَةُ فِيهِ) مِنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ قِيلَ وَالْحَقِيقِيَّةِ مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ وَمَكَانِ طَوَافٍ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ (وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ) فِيهِ وَبِكَشْفِ رُبُعِ الْعُضْوِ فَأَكْثَرَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ الدَّمُ.

(وَبُدَاءَةُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ الصَّفَا) وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ (وَالْمَشْيُ فِيهِ) فِي السَّعْيِ (لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عِنْدَنَا عَلَى هَذَا نَصَّ الْمَشَايِخُ وَهُوَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ أَفْضَلُ تَسَاهُلٍ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ لَا يُقَالُ بَلْ يَنْبَغِي فِي النَّافِلَةِ أَنْ تُجِبْ صَدَقَةً لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ فَوَجَبَ الْمَشْيُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ شُرُوعَهُ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْمَشْيِ، وَالشُّرُوعُ إنَّمَا يُوجِبُ مَا شَرَعَ فِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ مَاشِيًا) .
قَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ ثُمَّ إنْ طَافَهُ زَحْفًا أَعَادَهُ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَمَشْيُهُ أَفْضَلُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الزَّحْفَ يُجْزِيهِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ وُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ، وَوُجُوبِهِ بِالنَّذْرِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْإِيجَابَ بِالْقَوْلِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْفِعْلِ فَيَجِبُ بِالْقَوْلِ كَامِلًا لِئَلَّا يَكُونَ نَذْرًا بِمَعْصِيَةٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِدُونِ صَوْمٍ لَزِمَهُ بِهِ، وَيَلْغُو وَصْفُهُ لَهُ بِالنُّقْصَانِ وَالْوَاجِبُ بِالشُّرُوعِ هُوَ مَا شَرَعَ فِيهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ زَحْفًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِلَّا وَجَبَ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ) أَيْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِثْمِ وَالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ إنَّهَا سُنَّةٌ شَرْحُ اللُّبَابِ لِلْقَارِي (قَوْلُهُ مِنْ ثَوْبٍ) الْأَوْلَى لِثَوْبٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ ط (قَوْلُهُ وَمَكَانِ طَوَافٍ) لَمْ يَنْقُلْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ التَّصْرِيحَ بِالْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ وَإِنَّمَا قَالَ وَأَمَّا طَهَارَةُ الْمَكَانِ فَذَكَرَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَكَانِ طَوَافِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ وَهَذَا يُفِيدُ نَفْيَ الشَّرْطِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَاحْتِمَالِ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الطَّهَارَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ شَرْحُ اللُّبَابِ بَلْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ كُلِّهِ يَجِبُ الدَّمُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ إنَّهُ سُنَّةٌ فَلَوْ طَافَ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَلْ يُكْرَهُ لِإِدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ وَفَائِدَةُ عَدِّهِ وَاجِبًا هُنَا مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ مُطْلَقًا لُزُومُ الدَّمِ بِهِ، كَمَا عُدَّ مِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ فَسَادُهَا، وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ تُبَايِنُ الْفَرْضَ لِعَدَمِ الْإِثْمِ بِتَرْكِهَا مَرَّةً هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ فَأَكْثَرَ) أَيْ مِنْ الرُّبُعِ فَلَوْ أَقَلَّ لَا يَمْنَعُ، وَيُجْمَعُ الْمُتَفَرِّقُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا هُوَ الْقَدْرُ الْمَانِعُ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ يَجِبُ الدَّمُ) أَيْ إنْ لَمْ يُعِدْهُ وَإِلَّا سَقَطَ وَهَذَا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا تَجِبُ الصَّدَقَةُ.

(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَتُسْتَحَبُّ إعَادَةُ ذَلِكَ الشَّوْطِ لِتَكُونَ الْبُدَاءَةُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَمَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ، فَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ لُزُومُ إعَادَتِهِ أَوْ لُزُومُ الْجَزَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا لَمْ يُعِدْ الشَّوْطَ الْأَوَّلَ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِتَرْكِ السَّعْيِ عَلَى الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ، وَلِتَرْكِ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْأَعْدَلُ الْمُخْتَارُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِالْأَوَّلِ حَصَلَ الْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا بِالثَّانِي فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ تَرْكُهُ إنَّمَا يَكُونُ تَارِكًا لِآخِرِ الْأَشْوَاطِ إلَّا إذَا أَعَادَ الْأَوَّلَ، وَكَوْنُ ذَلِكَ شَرْطًا لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ شَرْطًا لِآخَرَ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَرْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَلْقِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ هُنَا، وَفِي الْحَلْقِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَزِمَ فَرْضِيَّةُ السَّعْيِ، أَوْ فَرْضِيَّةُ بَعْضِهِ وَوُجُوبُ بَاقِيهِ مَعَ أَنَّهُ كُلَّهُ وَاجِبٌ

(2/469)


كَمَا مَرَّ

(وَذَبْحُ الشَّاةِ لِلْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ) مِنْ أَيِّ طَوَافٍ كَانَ فَلَوْ تَرَكَهَا هَلْ عَلَيْهِ دَمٌ قِيلَ نَعَمْ فَيُوصِي بِهِ.

(وَالتَّرْتِيبُ الْآتِي) بَيَانُهُ: (بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ) وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَبَيْنِ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَسُنَّةٌ فَلَوْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لُبَابٌ، وَسَيَجِيءُ أَنَّ الْمُفْرَدَ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَسَنُحَقِّقُهُ.

(وَفِعْلُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ) أَيْ الزِّيَارَةِ (فِي) يَوْمٍ مِنْ (أَيَّامِ النَّحْرِ) وَمِنْ الْوَاجِبَاتِ كَوْنُ الطَّوَافِ وَرَاءَ الْحَطِيمِ وَكَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ مُعْتَدٍ بِهِ وَتَوْقِيتُ الْحَلْقِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَتَرْكُ الْمَحْظُورِ كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ، وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ فَهُوَ وَاجِبٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَسَيَتَّضِحُ فِي الْجِنَايَاتِ.

(وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
يُجْبَرُ بِدَمٍ وَحِينَئِذٍ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ إذْ لَا ثَمَرَةَ تَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الطَّوَافِ.

(قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) ضَعَّفَهُ هُنَا وَإِنْ جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى لِأَنَّهُ جَزَمَ بِخِلَافِهِ صَاحِبُ اللُّبَابِ فَقَالَ وَلَا تَخْتَصُّ أَيْ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانٍ: أَيْ بِاعْتِبَارِ الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ، وَلَا تَفُوتُ أَيْ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ أَيْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْكَفَّارَةِ وَذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةً فَفِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ: لَا يَجِبُ الدَّمُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَحْرِ الزَّاخِرِ يَجِبُ وَفِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَقِيلَ يَلْزَمُ.

(قَوْلُهُ وَالتَّرْتِيبُ الْآتِي بَيَانُهُ إلَخْ) أَيْ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: يَجِبُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الرَّمْيُ، ثُمَّ الذَّبْحُ لِغَيْرِ الْمُفْرِدِ، ثُمَّ الْحَلْقُ، ثُمَّ الطَّوَافُ لَكِنْ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ نَعَمْ يُكْرَهُ لُبَابٌ كَمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُفْرِدِ إلَّا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ لِأَنَّ ذَبْحَهُ لَا يَجِبُ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ هُنَا تَقْدِيمُ الذَّبْحِ عَلَى الْحَلْقِ فِي الذِّكْرِ لِيُوَافِقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّرْتِيبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَلْزَمُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الذَّبْحِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الرَّمْيِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الذَّبْحِ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الذَّبْحِ بِالْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ ح.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَإِنَّمَا يَجِبُ تَرْتِيبُ الثَّلَاثَةِ الرَّمْيُ ثُمَّ الذَّبْحُ ثُمَّ الْحَلْقُ لَكِنَّ الْمُفْرِدَ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ فَبَقِيَ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ.

(قَوْلُهُ فِي يَوْمٍ) تَقَدَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّ اللَّيَالِيَ تَبَعٌ لِلْأَيَّامِ فِي الْمَنَاسِكِ (قَوْلُهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ) لِأَنَّ بَعْضَهُ مِنْ الْبَيْتِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَكَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ مُعْتَدٌّ بِهِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَأَكْثَرَ، سَوَاءٌ طَافَهُ طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا وَإِعَادَةُ الطَّوَافِ بَعْدَ السَّعْيِ فِيمَا إذَا فَعَلَهُ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا لِجَبْرِ النُّقْصَانِ لَا لِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ ح عَنْ الْبَحْرِ ثُمَّ إنَّ كَوْنَ هَذَا وَاجِبًا لَا يُنَافِي مَا فِي اللُّبَابِ مِنْ عَدِّهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ السَّعْيِ كَمَا عَلِمْته سَابِقًا (قَوْلُهُ بِالْمَكَانِ) أَيْ الْحَرَمِ وَلَوْ فِي غَيْرِ مِنًى وَالزَّمَانِ أَيْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهَذَا فِي الْحَاجِّ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَتَوَقَّفُ حَلْقُهُ بِالزَّمَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَتَرْكُ الْمَحْذُورِ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فِيهِ أَنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَرْضٌ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ هُوَ الِاجْتِنَابُ عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ التَّحْرِيمِيَّةِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ إلَّا أَنَّ فِعْلَ الْمَحْظُورَاتِ وَتَرْكَ الْوَاجِبَاتِ لَمَّا اشْتَرَكَا فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ أُلْحِقَتْ بِهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِلْمَحْظُورَاتِ، وَقَيَّدَ بِمَا بَعْدَ الْوُقُوفِ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ مُفْسِدٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا غَيْرُ الْمُفْسِدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالضَّابِطُ إلَخْ) لِمَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْوَاجِبَاتِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا زِدْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ ذَكَرَ هَذَا الضَّابِطَ، وَلِيُفِيدَ بِعَكْسِ الْقَضِيَّةِ حُكْمَ الْوَاجِبِ، لَكِنَّهَا تَنْعَكِسُ عَكْسًا مَنْطِقِيًّا لَا لُغَوِيًّا فَيُقَالُ بَعْضُ مَا هُوَ وَاجِبٌ، يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ لَا كُلُّ مَا هُوَ وَاجِبٌ لِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِمَا الدَّمُ، وَكَذَا تَرْكُ الْوَاجِبِ بِعُذْرٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ لَكِنَّ فِي الْأَوَّلِ خِلَافَ تَقَدَّمَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الدَّمِ فِيهِ مَعَ تَقْيِيدِ التَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ يَصِحُّ الْعَكْسُ كُلِّيًّا.

[سُنَنٌ وَآدَابٌ الْحَجِّ]
(قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ غَيْرَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ سُنَنٌ وَآدَابٌ فَغَيْرُ مُفِيدٍ

(2/470)


كَأَنْ يَتَوَسَّعَ فِي النَّفَقَةِ وَيُحَافِظَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى صَوْنِ لِسَانِهِ وَيَسْتَأْذِنَ أَبَوَيْهِ وَدَائِنَهُ وَكَفِيلَهُ وَيُوَدِّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَمَعَارِفَهُ وَيَسْتَحِلَّهُمْ وَيَلْتَمِسَ دُعَاءَهُمْ وَيَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَيَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَفِيهِ خَرَجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ الْجُمُعَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِخَارَةِ أَيْ فِي أَنَّهُ هَلْ يَشْتَرِي أَوْ يَكْتَرِي وَهَلْ يُسَافِرُ بَرًّا أَوْ بَحْرًا وَهَلْ يُرَافِقُ فُلَانًا أَوْ لَا لِأَنَّ الِاسْتِخَارَةَ فِي الْوَاجِبِ وَالْمَكْرُوهِ لَا مَحَلَّ لَهَا وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.

(وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتُكْسَرُ (وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتُفْتَحُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ مِنْهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهُ عَمَلًا بِالْآيَةِ.
قُلْنَا اسْمُ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ، وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ خَارِجَهَا لَا يُجْزِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ كَأَنْ يَتَوَسَّعَ فِي النَّفَقَةِ إلَخْ) أَفَادَ بِالْكَافِ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ لَمْ يَذْكُرْهَا لِأَنَّهَا سَتَأْتِي كَطَوَافِ الْقُدُومِ لِلْآفَاقِيِّ وَالِابْتِدَاءِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَالْخُطَبِ الثَّلَاثِ وَالْخُرُوجِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَيُعْلَمُ (قَوْلُهُ وَعَلَى صَوْنِ لِسَانِهِ) أَيْ عَنْ الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا وَإِلَّا فَهُوَ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ وَيَسْتَأْذِنُ أَبَوَيْهِ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُونَا مُحْتَاجَيْنِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ وَكَذَا يُكْرَهُ بِلَا إذْنِ دَائِنِهِ وَكَفِيلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِإِطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي مَا مَرَّ فِي تَمْثِيلِهِ لِلْحَجِّ الْمَكْرُوهِ كَالْحَجِّ بِلَا إذْنٍ مِمَّا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ ذَلِكَ مِنْ السُّنَنِ وَالْآدَابِ.

(قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتُكْسَرُ) أَيْ مَعَ سُكُونِ الْعَيْنِ وَحُكِيَ الْفَتْحُ مَعَ كَسْرِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَتُفْتَحُ) عَزَاهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إلَى تَحْرِيرِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، وَقَالَ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الشُّمُنِّيِّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ مِنْهَا يَوْمُ النَّحْرِ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ الْمَتْنِ يُوَافِقُهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعَدَدَ فَكَانَ الْمُرَادُ عَشْرَ لَيَالٍ لَكِنْ إذَا حُذِفَ التَّمْيِيزُ جَازَ التَّذْكِيرُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَفَادَهُ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَقِيلَ إنَّ الْعَشْرَ اسْمٌ لِهَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اسْمَ الْعَدَدِ، حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ التَّذْكِيرُ مَعَ الْمُؤَنَّثِ وَالْعَكْسُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهُ) مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ مِنْهَا ح (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالْآيَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى - {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]- (قَوْلُهُ قُلْنَا اسْمُ الْجَمْعِ إلَخْ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ اسْمٌ هُوَ جَمْعٌ وَإِلَّا فَأَشْهُرٌ صِيغَةُ جَمْعٍ حَقِيقَةً، وَهَذَا أَحَدُ جَوَابَيْنِ لِلزَّمَخْشَرِيِ.
حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ فِي إطْلَاقِ صِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ لِعَلَاقَةَ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ وَالتَّعَدُّدِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ التَّجَوُّزَ فِي جَعْلِ بَعْضِ الشَّهْرِ شَهْرًا فَالْأَشْهُرُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَاعْتَرَضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ الْعَشْرِ عَنْ الْإِرَادَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الشَّهْرَيْنِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَجِّ ذُو أَشْهُرٍ، أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْحَجِّ فِي أَشْهُرٍ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجَوُّزِ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ لَكِنْ بَيَّنَ الْمُرَادَ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ إشْكَالِ تَقْرِيرِهِ أَنَّ التَّوْقِيتَ بِهَا إنْ اُعْتُبِرَ لِلْفَوَاتِ أَيْ إنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ لَوْ أُخِّرَتْ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ يَفُوتُ الْحَجُّ لِفَوْتِهِ بِتَأْخِيرِ الْوُقُوفِ عَنْ طُلُوعِ فَجْرِ الْعَاشِرِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ طَوَافُ الرُّكْنِ بَعْدَهُ وَإِنْ خُصِّصَ الْفَوَاتُ بِفَوْتِ مُعْظَمِ أَرْكَانِهِ، وَهُوَ الْوُقُوفُ، يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَاشِرُ مِنْهَا كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ التَّوْقِيتُ الْمَذْكُورُ لِأَدَاءِ الْأَرْكَانِ فِي الْجُمْلَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ثَانِي النَّحْرِ وَثَالِثُهُ مِنْهَا: لِجَوَازِ الطَّوَافِ فِيهِمَا، وَأَجَابَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بِمَا يُفِيدُ اخْتِيَارَ الْأَخِيرِ وَذَلِكَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا حَتَّى لَوْ صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوْ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ.
وَكَذَا السَّعْيُ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَقَعُ عَنْ سَعْيِ الْحَجِّ إلَّا فِيهَا، حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ يَوْمُ عَرَفَةَ فَوَقَفُوا فَإِذَا هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ جَازَ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَانِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَلَا يُنَافِيهِ إجْزَاءُ الْإِحْرَامِ قَبْلَهَا وَلَا إجْزَاءُ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَغَيْرِهَا بَعْدَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِيهِ. اهـ.

(2/471)


(وَ) أَنَّهُ (يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ) لَهُ (قَبْلَهَا) وَإِنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَحْظُورِ لِشَبَهِهِ بِالرُّكْنِ كَمَا مَرَّ وَإِطْلَاقُهَا يُفِيدُ التَّحْرِيمَ

(وَالْعُمْرَةُ) فِي الْعُمُرِ (مَرَّةً سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وُجُوبَهَا.
قُلْنَا الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْآيَةِ الْإِتْمَامُ وَذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَبِهِ نَقُولُ (وَهِيَ إحْرَامٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ) وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ فَالْإِحْرَامُ شَرْطٌ، وَمُعْظَمُ الطَّوَافِ رُكْنٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ يَجُوزُ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ كَمَا عَلِمْته وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ أَفْضَلُ فَالْمُنَاسِبُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ فَائِدَةَ التَّوْقِيتِ ابْتِدَاءُ عَدَمِ جَوَازِ الْأَفْعَالِ قَبْلَهُ وَانْتِهَاءُ الْفَوَاتِ بِفَوْتِ مُعْظَمِ أَرْكَانِهِ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَلَا يَلْزَمُ خُرُوجُ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ لِمَا عَلِمْته مِنْ جَوَازِهِ فِيهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ الْحَادِيَ عَشَرَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ غَيْرَ الْإِحْرَامِ، فَلَا يُنَافِي إجْزَاءُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَقَوْلُهُ لَا يُجْزِيهِ وَاقِعٌ فِي مَحَزِّهِ فَافْهَمْ نَعَمْ فِي كَوْنِ الْكَرَاهَةِ فَائِدَةَ التَّوْقِيتِ خَفَاءٌ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَوْنُ الْإِحْرَامِ شَبِيهًا بِالرُّكْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَبْلَهَا) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ فِيهَا بِحَجِّ وَلَوْ لِعَامٍ قَابِلٍ لَا يُكْرَهُ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا حَيْثُ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ لِشَبَهِهِ بِالرُّكْنِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يُكْرَهُ أَيْ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ قَبْلَهَا فَإِذَا كَانَ شَبِيهًا بِهِ كُرِهَ قَبْلَهَا لِشَبَهِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ فَرْضُهُ الْإِحْرَامُ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُهَا) أَيْ الْكَرَاهَةِ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ، وَبِهِ قَيَّدَهَا الْقُهُسْتَانِيُّ وَنَقَلَ عَنْ التُّحْفَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورٍ أَوْ لَا قَالَ: وَمَنْ فَصَلَ كَصَاحِبِ الظَّهِيرِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ، فَقَدْ أَخْطَأَ لَكِنْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُحِيطِ التَّفْصِيلَ ثُمَّ قَالَ وَفِي النَّظْمِ عَنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

[مطلب فِي أَحْكَام الْعُمْرَة]
مَطْلَبُ أَحْكَامِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ إذَا أَتَى بِهَا مَرَّةً فَقَدْ أَقَامَ السُّنَّةَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ غَيْرِ مَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا فِيهِ إلَّا أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ هَذَا إذَا أَفْرَدَهَا فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْحَجِّ لَا الْعُمْرَةِ.
فَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِالْعُمْرَةِ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فِيهِ فَبِأَنْ يَقْرِنَ مَعَهُ عُمْرَةً فَتْحٌ، فَلَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ، بَلْ يُسْتَحَبُّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ قِيلَ سَبْعُ أَسَابِيعَ مِنْ الْأَطْوِفَةِ كَعُمْرَةِ شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَصَحِيحٌ فِي الْجَوْهَرَةِ وُجُوبُهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ إنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَةِ السُّنِّيَّةُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ اهـ وَمَالَ إلَى ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ بَعْدَ سَوْقِ الْأَدِلَّةِ تَعَارَضَ مُقْتَضَيَاتُ الْوُجُوبِ وَالنَّفَلِ، فَلَا تَثْبُتُ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ السُّنَّةَ فَقُلْنَا بِهَا (قَوْلُهُ قُلْنَا الْمَأْمُورُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَوْرَدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ دَلِيلًا عَلَى الْوُجُوبِ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِتْمَامِ تَتْمِيمُ ذَاتِهِمَا أَيْ تَتْمِيمُ أَفْعَالِهِمَا أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ إكْمَالُ الْوَصْفِ وَعَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الصَّحَابَةَ فَسَرَّتْ الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ وَاجِبٍ فَالْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدَبِ إجْمَاعًا فَلَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ) لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ

(2/472)


وَغَيْرُهُمَا وَاجِبٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَيَفْعَلُ فِيهَا كَفِعْلِ الْحَاجِّ

(وَجَازَتْ فِي كُلِّ السَّنَةِ) وَنُدِبَتْ فِي رَمَضَانَ (وَكُرِهَتْ) تَحْرِيمًا (يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهَا) أَيْ كُرِهَ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ حَتَّى يَلْزَمَهُ دَمٌ وَإِنْ رَفَضَهَا لَا أَدَاؤُهَا فِيهَا بِالْإِحْرَامِ السَّابِقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِأَنَّهُ مُحَلَّلٌ مُخْرَجٌ مِنْهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا وَاجِبٌ) أَرَادَ بِالْغَيْرِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ هُنَا، وَذَلِكَ أَقَلُّ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ، وَإِلَّا فَلَهَا سُنَنٌ وَمُحَرَّمَاتٌ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَافْهَمْ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ إلَى مَا فِي التُّحْفَةِ حَيْثُ جَعَلَ السَّعْيَ رُكْنًا كَالطَّوَافِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَيَفْعَلُ فِيهَا كَفِعْلِ الْحَاجِّ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَأَحْكَامُ إحْرَامِهَا كَإِحْرَامِ الْحَجِّ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَكَذَا حُكْمُ فَرَائِضِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمُحَرَّمَاتِهَا وَمُفْسِدِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا وَإِحْصَارِهَا وَجَمْعِهَا أَيْ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ، وَإِضَافَتِهَا أَيْ إلَى غَيْرِهَا فِي النِّيَّةِ وَرَفْضِهَا كَحُكْمِهَا فِي الْحَجِّ: وَهِيَ لَا تُخَالِفُهُ إلَّا فِي أُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَأَنَّهَا لَا وَقْتَ لَهَا مُعَيَّنٌ؛ وَلَا تَفُوتُ وَلَيْسَ فِيهَا وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ وَلَا مُزْدَلِفَةَ وَلَا رَمْيٌ فِيهَا وَلَا جَمْعٌ أَيْ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ وَلَا خُطْبَةٌ وَلَا طَوَافُ قُدُومٍ وَلَا صَدَرٍ وَلَا تَجِبُ بَدَنَةٌ بِإِفْسَادِهَا وَلَا بِطَوَافِهَا جُنُبًا أَيْ بَلْ شَاةٌ وَأَنَّ مِيقَاتَهَا الْحِلُّ لِجَمِيعِ النَّاسِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ لِلْمَكِّيِّ الْحَرَمُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَجَازَتْ) أَيْ صَحَّتْ (قَوْلِهِ وَنُدِّبَتْ فِي رَمَضَانَ) أَيْ إذَا أَفْرَدَهَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ ثُمَّ النَّدْبُ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ كَمَا مَرَّ أَيْ أَنَّهَا فِيهِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً وَفِي طَرِيقٍ لِمُسْلِمٍ تَقْتَضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي قَالَ وَكَانَ السَّلَفُ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ يُسَمُّونَهَا الْحَجَّ الْأَصْغَرَ وَقَدْ اعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ عُمُرَاتٍ كُلُّهُنَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَتَمَامُهُ فِيهِ. [تَنْبِيهٌ]
نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُنْلَا عَلِيٍّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ الْأَدَبُ فِي رَجَبٍ أَنَّ كَوْنَ الْعُمْرَةِ فِي رَجَبٍ سُنَّةً بِأَنْ فَعَلَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ أَمَرَ بِهَا لَمْ يَثْبُتْ نَعَمْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَجْدِيدِ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ قُبَيْلَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ نَحَرَ إبِلًا وَذَبَحَ قَرَابِينَ وَأَمَرَ أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَعْتَمِرُوا حِينَئِذٍ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِعْلَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ فَهَذَا وَجْهُ تَخْصِيصِ أَهْلِ مَكَّةَ الْعُمْرَةَ بِشَهْرِ رَجَبٍ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَاللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَيَوْمَ عَرَفَةَ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَأَرْبَعَةً) بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ وَالْأَصْلُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ عَرَفَةَ أَيْ بَعْدَ يَوْمِهَا.
[تَنْبِيهٌ]
يُزَادُ عَلَى الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ مَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَرَاهَةِ فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَمَنْ بِمَعْنَاهُمْ أَيْ مِنْ الْمُقِيمِينَ، وَمَنْ فِي دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحُجُّوا فِي سَنَتِهِمْ، فَيَكُونُوا مُتَمَتِّعِينَ، وَهُمْ عَنْ التَّمَتُّعِ مَمْنُوعُونَ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ لِلْمَكِّيِّ عَنْ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، إذَا لَمْ يَحُجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَمَنْ خَالَفَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ كَرَاهَتِهَا لِلْمَكِّيِّ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ وَنَقَلَ عَنْ الْقَاضِي عِيدٍ فِي شَرْحِ الْمَنْسَكِ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ إنَّهُ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِعُلَمَائِنَا وَلَا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ كَرَاهَتِهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ. اهـ.
قُلْت: وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا وَمَا نَقَلَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ كَرَاهَةَ الْعُمْرَةِ فِي الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ بِقَوْلِهِ: أَيْ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ أَوْ مُرِيدِ الْحَجِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ أَيْ كُرِهَ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ) أَيْ كُرِهَ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ح (قَوْلُهُ حَتَّى يَلْزَمَهُ دَمٌ وَإِنْ كَانَ رَفَضَهَا) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِ بَابِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ لَا أَدَاؤُهَا) عَطْفٌ عَلَى إنْشَاؤُهَا ح

(2/473)


كَقَارِنٍ فَاتَهُ الْحَجُّ فَاعْتَمَرَ فِيهَا لَمْ يُكْرَهْ سِرَاجٌ، وَعَلَيْهِ فَاسْتِثْنَاءُ الْخَانِيَّةِ الْقَارِنَ مُنْقَطِعٌ فَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ عَرَفَةَ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ.

(وَالْمَوَاقِيتُ) أَيْ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا مُرِيدُ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا خَمْسَةٌ (ذُو الْحُلَيْفَةِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مَكَانٌ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَعَشْرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ تُسَمِّيهَا الْعَوَّامُ أَبْيَارَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ كَذِبٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ كَقَارِنٍ فَاتَهُ الْحَجُّ) لَوْ قَالَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ كَفَائِتِ الْحَجِّ لَشَمِلَ الْمُتَمَتِّعَ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ الْإِنْشَاءُ لَا الْأَدَاءُ بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ (قَوْلُهُ فَاسْتِثْنَاءُ الْخَانِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِغَيْرِ الْقَارِنِ اهـ وَوَجْهُ الِانْقِطَاعِ مَا عَلِمْته مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إنْشَاءُ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَالْقَارِنُ أَحْرَمَ بِهَا بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ عَلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا قَبْلَهُ فَاسْتِثْنَاؤُهُ مُنْقَطِعٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا يَخْتَصُّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُنْشِئًا لِلْإِحْرَامِ فِيهَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيمَا تُكْرَهُ عُمْرَتُهُ فِيهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْتَصُّ جَوَازُ عُمْرَتِهِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ لِغَيْرِ الْقَارِنِ مَا نَصُّهُ وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ لَا إلَى الْخَمْسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَنْ يُلْحَقَ الْمُتَمَتِّعُ بِالْقَارِنِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْقَارِنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا أَفْعَالَ الْحَجِّ، وَمِنْ ثَمَّ خَصَّهُ بِيَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ كَلَامِهِمْ فَقَدْ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَتُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْ يُكْرَهُ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ أَمَّا إذَا أَدَّاهَا بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ، كَمَا إذَا كَانَ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَأَدَّى الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُكْرَهُ وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ الْوَاقِعُ فِي الْخَانِيَّةِ مُنْقَطِعٌ وَلَا اخْتِصَاصَ لِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْقَارِنِ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ الْمُدْرَكُ لَا فَائِتُ الْحَجِّ، بِخِلَافِ مَا فِي السِّرَاجِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ عُمْرَتَهُ لَا تَكُونُ بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْوُقُوفِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْبَحْرِ تَعَرُّضٌ لِمَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ الْغَفْلَةُ فَتَنَبَّهْ وَافِهِمْ.

[مطلب فِي الْمَوَاقِيت]
ِ (قَوْلُهُ وَالْمَوَاقِيتُ) جَمْعُ مِيقَاتٍ بِمَعْنَى الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ وَاسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ أَعْنِي مَكَانَ الْإِحْرَامِ كَمَا اُسْتُعِيرَ الْمَكَانُ لِلْوَقْتِ فِي قَوْله تَعَالَى - {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 11]- وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ: الْمِيقَاتُ مَوْضِعُ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ اسْتَنَدَ إلَى ظَاهِرِ مَا فِي الصِّحَاحِ، فَزَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي، وَأَعْرَضَ عَنْ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ نَهْرٌ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ آفَاقِيٌّ، وَحُلِيٌّ أَيْ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ، وَحَرَمِيٌّ، وَذَكَرَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ مُرِيدَ مَكَّةَ) أَيْ وَلَوْ لِغَيْرِ نُسُكٍ كَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا مُحْرِمًا) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ) أَيْ وَسُكُونِ الْيَاءِ مُصَغَّرًا لِحَلْفَةٍ بِالْفَتْحِ اسْمُ نَبْتٍ فِي الْمَاءِ مَعْرُوفٌ (قَوْلُهُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ) وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقُطْبِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَالْمُحَرَّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ السَّيِّدُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ السَّمْهُودِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَدْ اخْتَبَرْت ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ عَتَبَةِ بَابِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ السَّلَامِ إلَى عَتَبَةِ مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفِ ذِرَاعٍ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَسَبْعِمِائَةِ ذِرَاعٍ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَنِصْفِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْيَدِ. اهـ.
قُلْت: وَذَلِكَ دُونَ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ فَإِنَّ الْمِيلَ عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَشْرُ مَرَاحِلَ) أَوْ تِسْعٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ كَذِبٌ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ مَنَاسِكِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ

(2/474)


(وَذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَجُحْفَةٌ) عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ بِقُرْبِ رَابِغٍ (وَقَرْنٌ) عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ فَتْحُ الرَّاءِ خَطَأٌ وَنِسْبَةُ أُوَيْسٍ إلَيْهِ خَطَأٌ آخَرُ (وَيَلَمْلَمُ) جَبَلٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ أَيْضًا (لِلْمَدَنِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَالشَّامِيِّ) الْغَيْرِ الْمَارِّ بِالْمَدِينَةِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي (وَالنَّجْدِيُّ وَالْيَمَنِيُّ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَيَجْمَعُهَا قَوْلُهُ:
عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنِ ... وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِيّ
لِلشَّامِ جُحْفَةٌ إنْ مَرَرْت بِهَا ... وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ فَاسْتَبِنِ
(وَكَذَا هِيَ لِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا) كَالشَّامِّ يَمُرُّ بِمِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَهُوَ مِيقَاتُهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْحَلَبِيِّ (قَوْلُهُ وَذَاتُ عِرْقٍ) فِي مَنْسَكِ الْقُطْبِيِّ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيهَا عِرْقًا وَهُوَ الْجَبَلُ، وَهِيَ قَرْيَةٌ قَدْ خَرِبَتْ الْآنَ وَعِرْقٌ هُوَ الْجَبَلُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْعَقِيقِ، وَالْعَقِيقُ وَادٍ يَسِيلُ مَاؤُهُ إلَى غَوْرَيْ تِهَامَةَ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ اهـ.
وَلِهَذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْعَقِيقِ وَهُوَ قَبْلَ ذَاتِ عِرْقٍ بِمَرْحَلَةٍ أَوْ مَرْحَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَرْحَلَتَيْنِ) وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَجَمْعٌ بِأَنَّ الْأَوَّلَ نَظَرًا إلَى الْمَرَاحِلِ الْعُرْفِيَّةِ وَالثَّانِي إلَى الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ وَجُحْفَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ نَزَلَ بِهَا وَجَحَفَ أَهْلَهَا أَيْ أَسْتَأْصَلَهُمْ، وَاسْمُهَا فِي الْأَصْلِ مَهْيَعَةَ لَكِنْ قِيلَ إنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ أَعْلَامُهَا وَلَمْ يَبْقَ بِهَا إلَّا رُسُومٌ خَفِيَّةٌ لَا يَكَادُ يَعْرِفُهَا إلَّا سُكَّانُ بَعْضِ الْبَوَادِي فَلِذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اخْتَارَ النَّاسُ الْإِحْرَامَ احْتِيَاطًا مِنْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِرَابِضٍ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ بَالِغَيْنِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ بَحْرٌ، وَقَالَ الْقُطْبِيُّ: وَلَقَدْ سَأَلْت جَمَاعَةً مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ مِنْ عُرْبَانِهَا عَنْهَا فَأَرَوْنِي أَكَمَةً بَعْدَ مَا رَحْلنَا مِنْ رَابِغٍ إلَى مَكَّةَ عَلَى جِهَةِ الْيَمِينِ عَلَى مِقْدَارِ مِيلٍ مِنْ رَابِغٍ تَقْرِيبًا.
(قَوْلُهُ وَقَرْنٌ) بِ فَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ لَا خِلَافَ فِي ضَبْطِهِ بِهَذَا بَيْنَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَأَصْحَابِ الْأَخْبَارِ وَغَيْرِهِمْ نَهْرٌ عَنْ تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ (قَوْلُهُ وفَتْحُ الرَّاءِ خَطَأٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَغَلِطَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَحْرِيكِهِ، وَفِي نِسْبَةِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى قَرَنِ بْنِ رُومَانَ بْنِ نَاجِيَةَ بْنِ مُرَادٍ أَحَدِ أَجْدَادِهِ (قَوْلُهُ وَيَلَمْلَمُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَاللَّامَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَيُقَالُ لَهَا أَلَمْلَمَ بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْيَاءُ تَسْهِيلٌ لَهَا (قَوْلُهُ جَبَلٌ) أَيْ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ مَشْهُورٌ فِي زَمَانِنَا بِالسَّعْدِيَّةِ قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَنَاسِكِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ مَا عَدَا ذَاتِ عِرْقٍ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَذَاتُ عِرْقٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد (قَوْلُهُ وَالْعِرَاقِيُّ) أَيْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقَيْنِ وَكَذَا سَائِرُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَقَوْلُهُ وَالشَّامِيُّ مِثْلُهُ الْمِصْرِيُّ وَالْغَرْبِيُّ مِنْ طَرِيقِ تَبُوكَ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ الْغَيْرُ الْمَارَّيْنِ بِالْمَدِينَةِ) يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ ذَاتِ عِرْقٍ لِلْعِرَاقِيِّ وَجُحْفَةَ لِلشَّامِيِّ إذَا كَانَا غَيْرَ مَارَّيْنِ بِالْمَدِينَةِ أَمَّا لَوْ مَرَّا بِهَا فَمِيقَاتُهُمْ مِيقَاتُهَا أَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ وَهَذَا بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَالْمَدَنِيِّ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا هِيَ لِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ح.
(قَوْلُهُ وَالنَّجْدِيُّ) أَيْ نَجِدُ الْيَمَنِ وَنَجِدُ الْحِجَازِ وَنَجِدُ تِهَامَةَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَالْيَمَنِيُّ) أَيْ بَاقِي أَهْلِ الْيَمَنِ وَتِهَامَةَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَيَجْمَعُهَا إلَخْ) جَمَعَهَا أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ بِقَوْلِهِ:
مَوَاقِيتُ آفَاقٍ يَمَانٌ وَنَجْدَةُ ... عِرَاقٌ وِشَامٌ وَالْمَدِينَةُ فَاعْلَمْ
يَلَمْلَمُ قَرْنٌ ذَاتُ عِرْقٍ وَجُحْفَةُ ... حُلَيْفَةُ مِيقَاتُ النَّبِيِّ الْمُكَرَّمِ
(قَوْلُهُ وَكَذَا هِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ الْخَمْسَةُ (قَوْلُهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ) سَقَطَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ بَعْضِ

(2/475)


وَقَالُوا وَلَوْ مَرَّ بِمِيقَاتَيْنِ فَإِحْرَامُهُ مِنْ الْأَبْعَدِ أَفْضَلُ وَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى الثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعِبَارَةُ اللُّبَابِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَوْ لَمْ يَمُرَّ بِهَا تَحَرَّى وَأَحْرَمَ إذَا حَاذَى أَحَدَهَا وَأَبْعَدُهَا أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ

(وَحَرُمَ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنْهَا) كُلِّهَا (لِمَنْ) أَيْ لِآفَاقِيٍّ (قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ) يَعْنِي الْحَرَمَ (وَلَوْ لِحَاجَةٍ) غَيْرِ الْحَجِّ أَمَّا لَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ كَخُلَيْصٍ وَجُدَّةَ حَلَّ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِلَا إحْرَامٍ فَإِذَا حَلَّ بِهِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَهُوَ الْحِيلَةُ لِمُرِيدِ ذَلِكَ إلَّا لِمَأْمُورٍ بِالْحَجِّ لِلْمُخَالَفَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
النُّسَخِ، وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُصَرَّحٌ بِهَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا فَلَا مَعْنَى لِنَقْلِهَا عَنْ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ح وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَقَالُوا) أَيْ عُلَمَاؤُنَا الْحَنَفِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَرَّ بِمِيقَاتَيْنِ) كَالْمَدَنِيِّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ بِالْجُحْفَةِ فَإِحْرَامُهُ مِنْ الْأَبْعَدِ أَفْضَلُ أَيْ الْأَبْعَدِ عَنْ مَكَّةَ، وَهُوَ ذُو الْحُلَيْفَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ ابْنِ أَمِيرْ حَاجّْ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْأَوَّلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْخِلَافِ وَسُرْعَةِ الْمُسَارَعَةِ إلَى الطَّاعَةِ، وَالثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْنِ مِنْ قِلَّةِ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورَاتِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ بِكَثْرَةِ الْعِصْيَانِ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَلَا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا بِلَا إحْرَامٍ إلَى آخَرَ جَازَ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْأَوَّلِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إذَا مَرُّوا بِهَا فَجَاوَزُوهَا إلَى الْجُحْفَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُوا إلَى الْمِيقَاتِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُمْ مُحَافَظَةُ حُرْمَتِهِ، فَيُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهَا. اهـ.
وَذَكَرَ مِثْلَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَّا أَنَّ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَدَنِيَّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ بِوُجُوبِ الدَّمِ وَعَدَمِهِ، بِحَمْلِ رِوَايَةِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَدَنِيِّ وَعَدَمِهِ عَلَى غَيْرِهِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمَدَنِيَّ إذَا جَاوَزَ إلَى الْجُحْفَةِ فَأَحْرَمَ عِنْدَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمَنْ جَاوَزَ وَقْتَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَتَى وَقْتًا آخَرَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ وَقْتِهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ اهـ فَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ فِي الْمَدَنِيِّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْمَارَّ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقِيٌّ لَا احْتِرَازِيٌّ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمَدَنِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ: أَيْ بِالْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ الْمَنْعُ عَنْ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ بِالْإِجْمَاعِ فَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمَدَنِيِّ الْإِحْرَامَ عَنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْمَسْطُورُ خِلَافُهُ نَعَمْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا لَكِنَّ الظَّاهِرَ عَنْهُ هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْخِيرِ مُقَيَّدٌ بِالْمِيقَاتِ الْأَخِيرِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) مُقَابِلُهُ رِوَايَةُ وُجُوبِ الدَّمِ (قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ اللُّبَابِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ) مُقْتَضَاهَا وُجُوبُهُ بِالْمُجَاوَزَةِ ثُمَّ سُقُوطُهُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْأَخِيرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَسْطُورِ كَمَا عَلِمْته وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَمُرَّ بِهَا إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ.
وَمُفَادُهُ أَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ بِالْمُحَاذَاةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرُورِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ أَمَّا لَوْ مَرَّ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ آخِرِ مَا يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ يُحَاذِي بَعْدَهُ مِيقَاتًا آخَرَ وَبِذَلِكَ أَجَابَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَمَّا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ الشَّافِعِيُّ حِين اجْتِمَاعِهِ بِهِ فِي مَكَّةَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى مُدَّعَاكُمْ أَنْ لَا يَلْزَمَ الشَّامِيَّ وَالْمِصْرِيَّ الْإِحْرَامُ مِنْ رَابِغٍ، بَلْ مِنْ خُلَيْصٍ لِمُحَاذَاتِهِ لِآخِرِ الْمَوَاقِيتِ، وَهُوَ قَرْنُ الْمَنَازِلِ.
وَأَجَابَهُ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْمُحَاذَاةُ الْقَرِيبَةُ، وَمُحَاذَاةُ الْمَارِّينَ بِقَرْنٍ بَعِيدَةٌ لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ بَعْضُ جِبَالٍ، لَكِنْ نَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ (قَوْلُهُ تَحَرَّى) أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَكَانُ الْمُحَاذَاةِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَجِدْ عَالِمًا بِهِ يَسْأَلُهُ (قَوْلُهُ إذَا حَاذَى أَحَدَهَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ إذَا حَاذَاهُ أَحَدُهَا (قَوْلُهُ وَأَبْعَدَهَا) أَيْ عَنْ مَكَّةَ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ لَكِنَّ الْأَصْوَبَ قَوْلُ اللُّبَابِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُحَاذَاةَ لِمَا قَالَ شَارِحُهُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عَدَمُ الْمُحَاذَاةِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ تَعُمُّ جِهَاتِ مَكَّةَ كُلِّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُحَاذَاةِ أَحَدِهَا (قَوْلُهُ فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ فَتْحٌ وَوَجْهُهُ

(2/476)


(لَا) يَحْرُمُ (التَّقْدِيمُ) لِلْإِحْرَامِ (عَلَيْهَا) بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَنَّ الْمَرْحَلَتَيْنِ أَوْسَطُ الْمَسَافَاتِ وَإِلَّا فَالِاحْتِيَاطُ الزِّيَادَةُ مَقْدِسِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَحَرُمَ إلَخْ) فَعَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى مِيقَاتٍ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِيقَاتَهُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ كُلَّهَا) زَادَهُ لِأَجْلِ دَفْعِ مَا أَوْرَدَ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ أَيْ لِآفَاقِيٍّ) أَيْ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ كَالْحَرَمِيِّ وَالْحِلِّيِّ إذَا خَرَجَا إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا يَأْتِي فَتَقْيِيدُهُ بِالْآفَاقِيِّ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ بَقِيَا فِي مَكَانِهِمَا، فَلَا يُحْرِمُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ يَعْنِي الْحَرَمَ) أَيْ الْآتِي تَحْدِيدُهُ قَرِيبًا لَا خُصُوصُ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ قَصْدُ دُخُولِهَا (قَوْلُهُ غَيْرَ الْحَجِّ) كَمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ وَالنُّزْهَةِ أَوْ التِّجَارَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ إلَخْ) أَيْ مِمَّا بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْحَرَمِ.
وَالْمُعْتَبَرُ الْقَصْدُ عِنْدَ الْمُجَاوِزِ لَا عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ: أَيْ قَصْدًا أَوَّلِيًّا كَإِذَا قَصَدَهُ لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، وَأَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ ثَانِيًا إذْ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْأَوَّلِيُّ دُخُولَ مَكَّةَ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَمُرَّ فِي الْحِلِّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ (قَوْلُهُ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) أَيْ مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحِيلَةُ إلَخْ) أَيْ الْقَصْدُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ لَكِنْ لَا تَتِمُّ الْحِلْيَةُ إلَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ لِمَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ قَصْدًا أَوَّلِيًّا كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَمْ يُرِدْ النُّسُكَ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ إلَّا لِمَأْمُورٍ بِالْحَجِّ لِلْمُخَالَفَةِ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجَّةٍ آفَاقِيَّةٍ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَارَتْ حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً فَكَانَ مُخَالِفًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فِيمَنْ يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْحَجِّ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ الْبَنْدَرَ الْمَعْرُوفَ بِجُدَّةِ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ حَتَّى لَا يَطُولَ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ اهـ.
أَيْ لِأَنَّهُ إذَا اعْتَمَرَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ يَصِيرُ مُخَالِفًا فِي قَوْلِهِمْ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ، وَهَلْ مُخَالَفَتُهُ لِكَوْنِهِ جَعَلَ سَفَرَهُ لِغَيْرِ الْحَجِّ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَجْعَلْ حَجَّتَهُ آفَاقِيَّةً.
وَعَلَى الثَّانِي لَوْ اعْتَمَرَ أَوْ فَعَلَ الْحِيلَةَ بِأَنْ قَصَدَ الْبَنْدَرَ، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ وَقْتَ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِأَنَّ حَجَّتَهُ صَارَتْ آفَاقِيَّةً أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ مُخَالِفٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِكُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ كَمَا يُفِيدُهُ أَوَّلُ عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْمَذْكُورَةِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْقَارِي فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ مَسْأَلَةً اضْطَرَبَ فِيهَا فُقَهَاءُ عَصْرِهِ وَهِيَ: أَنَّ الْآفَاقِيَّ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ لِلْحَجِّ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ هَلْ يَصِحُّ عَنْ الْآمِرِ قِيلَ: لَا، وَقِيلَ نَعَمْ وَمَالَ هُوَ إلَى الثَّانِي قَالَ: وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ وَشَيْخُنَا سِنَانٌ الرُّومِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَالشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ.
قُلْت وَهَذَا يُفِيدُ جَوَازَ الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَهُ إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ سَفَرَهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْحَجِّ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْبَنْدَرَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ لِيُقِيمَ بِهِ أَيَّامًا لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ قَصَدَ مَكَانًا آخَرَ فِي طَرِيقِهِ ثُمَّ النَّقْلَةُ عَنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَافْهَمْ.
وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَرَامًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَيْ يُحْرِمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ أَحْكَامِ الْعُمْرَةِ.

(قَوْلُهُ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ) قَدَّمْنَا تَفْسِيرَ الصَّحَابَةِ الْإِتْمَامَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ.

(2/477)


إنْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ

(وَحَلَّ لِأَهْلِ دَاخِلِهَا) يَعْنِي لِكُلِّ مَنْ وُجِدَ فِي دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ (دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا لِلْحَرَجِ كَمَا لَوْ جَاوَزَهَا حَطَّابُو مَكَّةَ فَهَذَا (مِيقَاتُهُ الْحِلُّ) الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَالْحَرَمِ

(وَ) الْمِيقَاتُ (لِمَنْ بِمَكَّةَ) يَعْنِي مَنْ بِدَاخِلِ الْحَرَمِ (لِلْحَجِّ الْحَرَمُ وَلِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ) لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَعْظِيمًا وَأَوْفَرُ مَشَقَّةً وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ وَلِذَا كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الْإِحْرَامَ بِهِمَا مِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ مِنْ الْبَصْرَةِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " «مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) أَمَّا قَبْلَهَا فَيُكْرَهُ وَإِنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورَاتِ لِشَبَهِ الْإِحْرَامِ بِالرُّكْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ) وَإِلَّا فَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ بَلْ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ أَمِيرْ حَاجّْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ وَحَلَّ لِأَهْلِ دَاخِلِهَا) شُرُوعٌ فِي الصِّنْفِ الثَّانِي مِنْ الْمَوَاقِيتِ، وَالْمُرَادُ بِالدَّاخِلِ غَيْرُ الْخَارِجِ فَيَشْمَلُ مَنْ فِيهَا نَفْسِهَا وَمَنْ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَنْصُوصِ مِنْ الرِّوَايَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ دَاخِلُ جَمِيعِهَا لِيَخْرُجَ مَنْ كَانَ بَيْنَ مِيقَاتَيْنِ كَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةِ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْجُحْفَةِ خَارِجَ الْمِيقَاتِ؛ فَلَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ الْحَرَمِ بِلَا إحْرَامٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَعْنِي لِكُلِّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَهْلِ مَا يَشْمَلُ مَنْ قَصَدَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا أَفَادَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ أَمَّا لَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ إلَخْ (قَوْلُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ) حَالٌ مِنْ أَهَلَّ وَلَمْ يَجْمَعْهُ نَظَرًا إلَى لَفْظِ أَهَلَّ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ جَمْعًا ح (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا) أَمَّا إنْ أَرَادَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ قَبْلَ دُخُولِهِ أَرْضَ الْحَرَمِ فَمِيقَاتُهُ كُلُّ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ فَتْحٌ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ الْقُطْبِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَمِمَّا يَجِبُ التَّيَقُّظُ لَهُ سُكَّانُ جُدَّةَ بِالْجِيمِ، وَأَهْلِ حِدَّةَ بِالْمُهْمَلَةِ، وَأَهْلُ الْأَوْدِيَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ غَالِبًا يَأْتُونَ مَكَّةَ فِي سَادِسِ أَوْ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بِلَا إحْرَامٍ، وَيُحْرِمُونَ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِمْ دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ، لَكِنْ بَعْدَ تَوَجُّهِهِمْ إلَى عَرَفَةَ يَنْبَغِي سُقُوطُهُ عَنْهُمْ بِوُصُولِهِمْ إلَى أَوَّلِ الْحِلِّ مُلَبِّينَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ عَوْدًا إلَى الْمِيقَاتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِمْ الْعَوْدَ لِتَلَافِي مَا لَزِمَهُمْ بِالْمُجَاوَزَةِ بَلْ قَصَدُوا التَّوَجُّهَ إلَى عَرَفَةَ. اهـ.
وَقَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ عِيدٍ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ وَالظَّاهِرُ السُّقُوطُ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ مَعَ التَّلْبِيَةِ مُسْقِطٌ لِدَمِ الْمُجَاوَزَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْظِيمُ (قَوْلُهُ لِلْحَرَجِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَحَلَّ إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ جَاوَزَهَا إلَخْ) يَحْتَمِلُ عَوْدَ الْهَاءِ إلَى مَكَّةَ فَتَكُونُ الْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى الْحِلِّ الَّذِي فِي دَاخِلِ الْمِيقَاتِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ مِيقَاتَ الْآفَاقِيِّ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْآفَاقِيِّ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُهُ بِلَا إحْرَامٍ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَيَحْتَمِلُ عَوْدَهَا إلَى الْمَوَاقِيتِ فَالْكَافُ لِلتَّنْظِيرِ لِلْمَنْفِيِّ فِي قَوْلِهِ مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِلِّ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَنَظِيرُهُ الْمَكِّيُّ إذَا خَرَجَ مِنْهَا وَجَاوَزَ الْمَوَاقِيتَ لَا يَحِلُّ لَهُ الْعَوْدُ بِلَا إحْرَامٍ لَكِنَّ إحْرَامَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ مُرِيدِ النُّسُكِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحِلِّ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ فَهَذَا) الْإِشَارَةُ إلَى أَهْلِ دَاخِلِهَا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَالْحَرَمُ حَدٌّ فِي حَقِّهِ كَالْمِيقَاتِ لِلْآفَاقِيِّ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إنْ قَصَدَ النُّسُكَ إلَّا مُحْرِمًا بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ لَا. اهـ.
فَيَشْمَلُ الْآفَاقِيَّ الْمُفْرِدَ بِالْعُمْرَةِ وَالْمُتَمَتِّعَ وَالْحَلَالَ مِنْ أَهْلِ الْحِلِّ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ لِحَاجَةٍ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ) لِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ، وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ إحْرَامُ الْمَكِّيِّ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ لَهُ نَوْعُ سَفَرٍ بِتَبَدُّلِ الْمَكَانِ، وَأَدَاءِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَكُونُ إحْرَامُهُ بِهَا مِنْ الْحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ لَهُ نَوْعٌ مِنْ السَّفَرِ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي فَلَوْ عَكَسَ فَأَحْرَمَ

(2/478)


وَالتَّنْعِيمُ أَفْضَلُ وَنَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فَقَالَ:
وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَةَ ... ثَلَاثُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ
وَسَبْعُهُ أَمْيَالٍ عِرَاقًا وَطَائِفَ ... وَجُدَّةَ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ.

(فَصْلٌ) فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ (وَمَنْ شَاءَ الْإِحْرَامَ) وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةِ النُّسُكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِلْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ إلَّا إذَا عَادَ مُلَبِّيًا إلَى الْمِيقَاتِ الْمَشْرُوعِ لَهُ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالتَّنْعِيمُ أَفْضَلُهُ) هُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ عِنْدَ مَسْجِدِ عَائِشَةَ، وَهُوَ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ ط أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ لِلْعُمْرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ لَهَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْحِلِّ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْهَا لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِأَنْ يَذْهَبَ بِأُخْتِهِ عَائِشَةَ إلَى التَّنْعِيمِ لِتُحْرِمَ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ الْقَوْلِيُّ مُقَدَّمٌ عِنْدَنَا عَلَى الْفِعْلِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَنَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ) هُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَنَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّ نَاظِمَ الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلُ النُّوَيْرِيُّ أَنَّ عَلَى الْحَرَمِ عَلَامَاتٍ مَنْصُوبَةً فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ نَصَبَهَا إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَانَ جِبْرِيلُ يُرِيهِ مَوَاضِعَهَا ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَجْدِيدِهَا، ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَهِيَ إلَى الْآنِ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ جُدَّةَ وَجِهَةِ الْجِعْرَانَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَ فِيهَا أَنْصَابٌ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ إلَخْ) لَوْ قَالَ
وَمِنْ يَمَنَ سَبْعٌ عِرَاقٌ وَطَائِفُ
لَاسْتَوْفَى وَاسْتَغْنَى عَنْ الْبَيْتِ الثَّالِثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ:
وَمِنْ يَمَنَ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهَا ... وَقَدْ كَمُلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ
أَفَادَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ جِعْرَانَةَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالْأَفْصَحُ إسْكَانُ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفُ الرَّاءِ وَتَمَامُهُ فِي ط.

[فَصْلٌ فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ]
فَصْلٌ فِي الْإِحْرَامِ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُجَاوِزَهَا إلَّا مُحْرِمًا وَاضِحَةٌ.
وَهُوَ لُغَةً: مَصْدَرُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ وَرَجُلٌ حَرَامٌ أَيْ مُحْرِمٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَشَرْعًا: الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ الْتِزَامُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ فَهُمَا شَرْطَانِ فِي تَحَقُّقِهِ لَا جَزْءُ مَاهِيَّتِه كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِنِيَّةِ النُّسُكِ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ نَهْرٌ وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ التَّلْبِيَةُ وَنَحْوُهَا، وَبِالْخُصُوصِيَّةِ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ أَوْ تَقْلِيدِ الْبُدْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَلَوْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَهَلْ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ الْآخَرِ الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْحُسَامُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ كَمَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّكْبِيرِ لَا بِالتَّكْبِيرِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ زَمَانٌ وَلَا مَكَانَ وَلَا هَيْئَةٌ وَلَا حَالَةٌ فَلَوْ أَحْرَمَ لَابِسًا لِلْمَخِيطِ أَوْ مُجَامِعًا الْعَقْدَ فِي الْأَوَّلِ صَحِيحًا وَفِي الثَّانِي فَاسِدًا كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ) أَيْ وَالْأَوْصَافُ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِهِ فِيهِ بِالْإِحْرَامِ، فَهُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ فَافْهَمْ وَقَدَّمَ الْكَلَامَ فِي الْمُفْرِدِ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ (قَوْلُهُ النُّسُكِ) أَيْ الْعِبَادَةِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى عِبَادَةَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ

(2/479)


كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، فَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ لَهُمَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، ثُمَّ الْجَحُّ أَقْوَى مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُقْضَى مُطْلَقًا وَلَوْ مَظْنُونًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَتَمَّ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ فَبِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَإِلَّا الْإِحْصَارِ فَبِذَبْحِ الْهَدْيِ (تَوَضَّأَ وَغُسْلُهُ أَحَبُّ وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ) لَا لِلطَّهَارَةِ (فَيُحَبُّ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ (فِي حَقِّ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) وَصَبِيٍّ (وَالتَّيَمُّمُ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ) عَنْ الْمَاءِ (لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ) لِأَنَّهُ مُلَوِّثٌ بِخِلَافِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ سَوَّى فِي الْكَافِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ) الْمُرَادُ بِهَا الذِّكْرُ الْخَالِي عَنْ الدُّعَاءِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّكْبِيرِ وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ (قَوْلُهُ فَالصَّلَاةُ إلَخْ) زَادَ فِي التَّفْرِيعِ قَوْلَهُ: وَتَحْلِيلٌ لِتَأْكِيدِ الْمُشَابَهَةِ وَتَحْلِيلُ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِهِ وَتَحْلِيلُ الْحَجِّ بِالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ الْحَجُّ أَقْوَى) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُلْ أَفْضَلُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْ التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ الصَّلَاةُ ثُمَّ الزَّكَاةُ ثُمَّ الصِّيَامُ ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ الْعُمْرَةُ وَالْجِهَادُ وَالِاعْتِكَافُ (قَوْلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَظْنُونًا) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ وَجَبَ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ إنْ أَبْطَلَهُ بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ لَوْ أَفْسَدَهُ بَحْرٌ وَاخْتَلَوْا فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ عَلَى الْمُحْصَرِ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ أَيْضًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَخْ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهَا بِكُلِّ مَا يُنَافِيهَا وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا وَأَمَّا الْحَجُّ فَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ بِجِمَاعٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ كَصَحِيحِهِ (قَوْلُهُ إلَّا بِعَمَلٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُقَدَّرٍ وَالْأَصْلُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بِعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ إلَّا بِعَمَلِ إلَخْ وَقَوْلُهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حَالَةِ الْقُدْرَةِ: فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ مِنْ أَعَمِّ الظُّرُوفِ وَالثَّانِي مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَبِعَمَلِ الْعُمْرَةِ) أَيْ يَتَحَلَّلُ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ (قَوْلُهُ فَبِذَبْحِ الْهَدْيِ) أَيْ يَتَحَلَّلُ عَنْهُ بَعْدَ ذَبْحِ هَدْيٍ فِي الْحَرَمِ.
(قَوْلُهُ وَغُسْلُهُ أَحَبُّ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَالْوُضُوءُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي حَقِّ إقَامَةِ السُّنَّةِ الْمُسْتَحَبَّةِ لَا الْفَضِيلَةِ: أَيْ لَا فَضِيلَةِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لُبَابٌ وَشَرْحِهِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَالْمُحِيطِ إنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْغُسْلُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ وَصَرِيحُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ فَيُحَبُّ) أَيْ يُطْلَبُ اسْتِحْبَابًا وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِيُحَبُّ يُسَنُّ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ مَحْبُوبٌ لِلشَّارِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) أَيْ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهِمَا بِقَرِينَةِ التَّفْرِيعِ إذْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ يَكُونُ طَهَارَةً وَنَظَافَةً وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْرِيعِ بَيَانُ صُورَةٍ لَا تُوجَدُ فِيهَا الطَّهَارَةُ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِأَجْلِهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ وَصَبِيٌّ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الصَّبِيَّ إنْ كَانَ عَاقِلًا يَكُونُ غُسْلُهُ طَهَارَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا طَهَارَةَ الْجَنَابَةِ، بَلْ طَهَارَةَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِلطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ مَعًا كَمَا فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِغَيْرِ الْجُنُبِ، وَحِينَئِذٍ فَعَطْفُ الصَّبِيِّ عَلَى الْحَائِضِ يُوهِمُ أَنَّ غُسْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلنَّظَافَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْعَاقِلِ هُنَا فَيَكُونُ ذِكْرُهُ إشَارَةً لِقَوْلِ النَّهْرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ الْغُسْلُ أَيْضًا لِمَنْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ أَوْ أَبُوهُ لِصِغَرِهِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْإِحْرَامَ قَائِمٌ بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالصَّغِيرِ لَا بِمَنْ أَتَى بِهِ لِجَوَازِهِ مَعَ إحْرَامِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ اسْتَقَرَّ نَدْبُهُ لِكُلِّ مُحْرِمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ) جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَتْحِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا فِي مَنَاسِكِ الْعِمَادِ مِنْ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْهُمَا تَيَمَّمَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا إذَا أَرَادَ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ يَعْنِي: أَنَّ الْغُسْلَ فِيهِمَا لِلطَّهَارَةِ لَا لِلتَّنْظِيفِ وَلِهَذَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَوَّى) أَيْ فِي عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ إنَّهُ التَّحْقِيقُ كَذَا اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يُشْرَعْ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ إذَا كَانَ طَاهِرًا عَنْ الْجَنَابَةِ

(2/480)


وَشُرِطَ لِنَيْلِ السُّنَّةِ أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ

(وَكَذَا يُسْتَحَبُّ) لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ إزَالَةُ ظُفُرِهِ وَشَارِبِهِ وَعَانَتِهِ وَحَلْقُ رَأْسِهِ إنْ اعْتَادَهُ وَإِلَّا فَيُسَرِّحُهُ وَ (جِمَاعُ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ لَوْ مَعَهُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ) كَحَيْضٍ (وَلُبْسِ إزَارٍ) مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ (وَرِدَاءٍ) عَلَى ظَهْرِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُدْخِلَهُ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ، فَإِنْ زَرَّرَهُ أَوْ خَلَّلَهُ أَوْ عَقَدَهُ أَسَاءَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ طَاهِرِينَ) أَبْيَضَيْنِ كَكَفَنِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا بَيَانُ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ (وَطَيَّبَ بَدَنَهُ) إنْ كَانَ عِنْدَهُ لَا ثَوْبَهُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ هُوَ الْأَصَحُّ (وَصَلَّى نَدْبًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَنَحْوِهَا، وَالْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُلَوِّثٌ وَمُغَيِّرٌ لَكِنْ جُعِلَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِمَا، وَلِهَذَا سَوَّى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشُرِطَ إلَخْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْإِحْرَامِ حَتَّى لَوْ اغْتَسَلَ فَأَحْدَثَ ثُمَّ أَحْرَمَ فَتَوَضَّأَ لَمْ يَنَلْ فَضْلَهُ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى جَوَامِعِ الْفِقْهِ نَهْرٌ

(قَوْلُهُ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ الْغُسْلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَاللُّبَابِ وَالسِّرَاجِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ عَقِيبَ الْغُسْلِ تَأَمَّلْ وَالْإِزَالَةُ شَامِلَةٌ لِقَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَوْ نَتْفِهَا أَوْ اسْتِعْمَالِ النُّورَةِ وَكَذَا نَتْفُ الْإِبْطِ، وَالْعَانَةُ الشَّعْرِ الْقَرِيبِ مِنْ فَرْجِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا شَعْرُ الدُّبُرِ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِزَالَةِ لِئَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ (قَوْلُهُ وَحَلْقُ رَأْسِهِ إنْ اعْتَادَهُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ فِعْلِ الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا مَانِعَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ وَلُبْسُ إزَارٍ) بِالْإِضَافَةِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخٍ إزَارًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ لَبِسَ فِعْلٌ مَاضٍ ثُمَّ هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ) بَيَانٌ لِتَفْسِيرِ الْإِزَارِ وَالْغَايَةُ دَاخِلَةٌ لِأَنَّ الرُّكْبَةَ مِنْ الْعَوْرَةِ (قَوْلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ) بَيَانٌ لِتَفْسِيرِ الرِّدَاءِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالرِّدَاءُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالصَّدْرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ زَرَّرَهُ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ شَدَّهُ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ لِشَبَهِهِ حِينَئِذٍ بِالْمَخِيطِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِهِ، بِخِلَافِ شَدِّ الْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ لِأَنَّهُ يُشَدُّ تَحْتَ الْإِزَارِ عَادَةً أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ فَلَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ مِنْهُ حِفْظَ الْإِزَارِ وَإِنْ شَدَّهُ فَوْقَهُ (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يُدْخِلَهُ إلَخْ) هَذَا يُسَمَّى اضْطِبَاعًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْبَحْرِ وَالرِّدَاءُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالصَّدْرِ وَمَا هُنَا عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ لِلنِّهَايَةِ وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ عَنْ الْخِزَانَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسْتَحَبُّ مِنْ أَوَّلِ أَحْوَالِ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ الْعَوَامُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَحَلَّهُ الْمَسْنُونَ قُبَيْلَ الطَّوَافِ إلَى انْتِهَائِهِ لَا غَيْرُ. اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: وَفِي شَرْحِ الْمُرْشِدِيِّ عَلَى مَنَاسِكِ الْكَنْزِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَأَنَّهُ السُّنَّةُ وَنَقَلَهُ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ عَنْ الْغَايَةِ وَمَنَاسِكِ الطَّرَابُلُسِيِّ وَالْفَتْحِ وَقَالَ إنَّ أَكْثَرَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسَنُّ فِي الطَّوَافِ لَا قَبْلَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ اهـ وَكَذَا نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ عِدَّةِ الْمَنَاسِكِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ عَدَمَهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ جَدِيدَيْنِ) أَشَارَ بِتَقْدِيمِهِ إلَى أَفْضَلِيَّتِهِ، وَكَوْنُهُ أَبْيَضَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي عَدَمِ غَسْلِ الْعَتِيقِ تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَكَفَنِ الْكِفَايَةِ) التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ وَالصِّفَةِ ط (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ لُبْسُ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ عَلَى هَذِهِ الصُّفَّةِ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ وَإِلَّا فَسَاتِرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ فَيَجُوزُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ثَوْبَيْنِ وَفِي أَسْوَدَيْنِ أَوْ قِطَعِ خِرَقٍ مَخِيطَةٍ أَيْ الْمُسَمَّاةِ مُرَقَّعَةً وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا خِيَاطَةٌ لُبَابٌ، بَلْ لَوْ لَمْ يَتَجَرَّدْ عَنْ الْمَخِيطِ أَصْلًا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ أَيْضًا وَإِنْ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ لِعُذْرٍ إذَا مَضَى عَلَيْهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَطَيَّبَ بَدَنَهُ) أَيْ اسْتِحْبَابًا عِنْدَ الْإِحْرَامِ زَيْلَعِيٌّ وَلَوْ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ لَا يَطْلُبُهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ لَا الْهَدْيِ كَمَا فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْبَدَنِ تَابِعًا وَالْمُتَّصِلُ بِالثَّوْبِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَأَيْضًا الْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِنَانِهِ وَهُوَ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ حَالَةَ الْمَنْعِ مِنْهُ حَاصِلٌ بِمَا فِي الْبَدَنِ فَأَغْنَى عَنْ تَجْوِيزِهِ فِي الثَّوْبِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ نَدْبًا)

(2/481)


بَعْدَ ذَلِكَ (شَفْعًا) يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَتُجْزِيهِ الْمَكْتُوبَةُ

(وَقَالَ الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ) بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي) لِمَشَقَّتِهِ وَطُولِ مُدَّتِهِ (وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127]- وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ وَالْقَارِنُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقِيلَ كَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَعَمَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْلَى (ثُمَّ لَبَّى دُبُرَ صَلَاتِهِ نَاوِيًا بِهَا) بِالتَّلْبِيَةِ (الْحَجَّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَفِي الْغَايَةِ أَنَّهَا سُنَّةٌ نَهْرٌ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَالسِّرَاجِ (قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطْيِيبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِمَا كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ لِأَنَّ الشَّفْعَ يَشْمَلُ الْأَرْبَعَ (قَوْلُهُ وَتُجْزِيهِ الْمَكْتُوبُ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا وَشَبَّهُوهَا بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا تَنُوبُ الْفَرِيضَةُ مِنَّا بِهَا بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَشُكْرِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ فَتَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ غَيْرِهَا أَيْضًا اهـ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ حُنَيْفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ

(قَوْلُهُ بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ) أَيْ لِقَلْبِهِ يَعْنِي أَنَّ دُعَاءَهُ بِطَلَبِ التَّيْسِيرِ وَالتَّقَبُّلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِصِدْقِ التَّوَجُّهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ عَنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَا يُفِيدُ وَلَيْسَ هَذَا بِنِيَّةٍ لِلْحَجِّ كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِمَشَقَّتِهِ إلَخْ) لِأَنَّ أَدَاءَهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمْكِنَةٍ مُتَبَايِنَةٍ، فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ غَالِبًا فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّيْسِيرَ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ كُلَّ عَسِيرٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ تَقَبَّلْهُ مِنِّي، لِأَنَّهُمَا لَمَّا طَلَبَا ذَلِكَ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ نَاسَبَ طَلَبَهُ فِي قَصْدِهِ لِلْحَجِّ إلَيْهِ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْمَسَاجِدِ عِمَارَةٌ لَهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ) لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي الْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى مِنْ مَشَقَّةِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَالْقَارِنُ) فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إلَخْ قَالَ ح: وَتَرَكَ الْمُتَمَتِّعَ لِأَنَّهُ يُفْرِدُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَيُفْرِدُهُ بِالْعُمْرَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ) عَزَاهُ فِي التُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ إلَى مُحَمَّدٍ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْلَى) كَذَا فِي النَّهْرِ.
قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلَكِنْ مَا أَعْظَمَ الصَّلَاةَ وَمَا أَصْعَبَ أَدَاءَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَمَا أَحْرَى طَلَبَ تَيْسِيرِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَا عَمَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ نَاوِيًا بِهَا الْحَجَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهَا غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إلَخْ لِأَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ الْإِرَادَةِ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الشَّيْءِ كَمَا قَالَ الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الرَّاغِبُ إنَّ دَوَاعِيَ الْإِنْسَانِ لِلْفِعْلِ عَلَى مَرَاتِبَ: السَّانِحُ، ثُمَّ الْخَاطِرُ، ثُمَّ الْفِكْرُ، ثُمَّ الْإِرَادَةُ، ثُمَّ الْهِمَّةُ، ثُمَّ الْعَزْمُ. وَلَوْ قَالَ بِلِسَانِهِ: نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لَبَّيْكَ إلَخْ كَانَ حَسَنًا لِيَجْتَمِعَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ لَا إذَا اجْتَمَعَتْ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الرُّوَاةِ لِنُسُكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: نَوَيْت الْعُمْرَةَ وَلَا الْحَجَّ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ لِيُطَابِقَ الْقَلْبَ. اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِاللِّسَانِ بِالنِّيَّةِ بِدْعَةٌ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ اهـ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا. وَعَنْهُ: ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُصَرِّحٌ بِالنُّطْقِ بِمَا يُفِيدُ مَعْنَى النِّيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ النِّيَّةَ تَتَعَيَّنُ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهَا لَمْ تُوجَدْ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الرُّوَاةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ الْإِهْلَالِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَا فِي ضِمْنِ الدُّعَاءِ بِالتَّيْسِيرِ وَالتَّقَبُّلِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنِيَّةٍ وَإِنَّمَا النِّيَّةُ وَقْتَ التَّلْبِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ نَاوِيًا أَوْ هُوَ مَا يَذْكُرُهُ فِي التَّلْبِيَةِ. فَفِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ فِي إهْلَالِهِ أَيْ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَا أَحْرَمَ

(2/482)


بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْحَجُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَوْ بِقَلْبِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ مُقَارَنَتِهَا بِذِكْرٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالتَّلْبِيَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَهِيَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتُفْتَحُ (وَالنِّعْمَةَ لَك)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ فَيَقُولَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ: أَيْ بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْحَجِّ بِأَنْ نَوَى النُّسُكَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ ثُمَّ إنْ عَيَّنَ قَبْلَ الطَّوَافِ فِيهَا وَإِلَّا صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَتَعْيِينُ النُّسُكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَحَّ مُبْهَمًا وَبِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْغَيْرُ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَوْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ مُبْهَمٌ فَيَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُعْلِمْ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرَهُ اهـ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ صُرِفَ لِلْفَرْضِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَشْعَرَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ بِقَلْبِهِ) لِأَنَّ ذِكْرَ مَا يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ) أَيْ وَلَوْ مَشُوبًا بِالدُّعَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ شَرْحُ اللُّبَابِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يَزِدْ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِخُصُوصِ التَّلْبِيَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ السُّنَّةُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ اقْتِرَانُهَا بِأَيِّ ذِكْرٍ كَانَ وَإِذَا لَبَّى فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِاللِّسَانِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: فَلَوْ ذَكَرَهَا بِقَلْبِهِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا وَالْأَخْرَسُ يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَقِيلَ لَا بَلْ يُسْتَحَبُّ اهـ وَمَالَ شَارِحُهُ إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ فِي الْقِرَاءَةِ لِلصَّلَاةِ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْحَجَّ أَوْسَعُ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ أَوْ غَيْرِهَا كَالتُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالتَّلْبِيَةَ) أَيْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ؛ حَتَّى قَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَهُ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَفِيهِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ يَتَحَقَّقُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَنَبَّهَ عَلَى مَا وَقَعَ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ حَيْثُ جَعَلُوا الشُّرُوعَ كَالْقِرَاءَةِ ط (قَوْلُهُ وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) أَيْ أَقَمْت بِبَابِك إقَامَةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَجَبْت نِدَاءَك إجَابَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَجُمْلَةُ اللَّهُمَّ بِمَعْنَى يَا اللَّهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُؤَكِّدِ وَالْمُؤَكَّدِ شَرْحُ اللُّبَابِ فَالتَّثْنِيَةُ لِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ كَمَا فِي - {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4]- أَيْ كَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَتَكْرَارُ اللَّفْظِ لِتَوْكِيدِ ذَلِكَ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا فَتَكُونُ إعَادَتُهُ ثَالِثًا لِمُبَالَغَةِ التَّأْكِيدِ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: وَقَدْ اسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيَّةُ الْوَقْفَ عَلَى لَبَّيْكَ وَالثَّالِثَةُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا فَرَاجِعْهُ اهـ
قُلْت: مُقْتَضَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْوَقْفُ عَلَى الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، ثُمَّ قَالَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك اسْتِئْنَافٌ، فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ بِقَوْلِهِ: لَبَّيْكَ الثَّالِثَةِ لَا بِقَوْلِهِ: لَا شَرِيكَ لَك وَهُوَ مُفَادُ مَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتُفْتَحُ) وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ وَرَدَّهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ، نَعَمْ عَلَّلَ أَكْثَرُهُمْ الْأَفْضَلِيَّةَ بِأَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ لِلثَّنَاءِ فَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، بِخِلَافِ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك وَالنِّعْمَةَ وَالْمُلْكَ أَوْ تَعْلِيقُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَسْرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا أَيْضًا وَمِنْهُ - {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]- إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك - وَمِنْهُ: عَلِّمْ ابْنَك الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ هُنَا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ إذْ لَيْسَ فِيهِ سِوَى التَّعْلِيلِ، وَحَكَى الشُّرَّاحُ عَنْ الْإِمَامِ الْفَتْحَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَالْكِسَائِيِّ وَالْفِرَاءِ الْكَسْرَ

(2/483)


بِالْفَتْحِ أَوْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك، وَزِدْ) نَدْبًا (فِيهَا) أَيْ عَلَيْهَا لَا فِي خِلَالِهَا (وَلَا تَنْقُصْ) مِنْهَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ أَيْ تَحْرِيمًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَرَّةٌ شَرْطٌ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ وَيَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِهَا وَبِتَرْكِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا

(وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا) نُسُكًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّ اخْتِيَارَ الْإِمَامِ الْكَسْرَ وَالشَّافِعِيِّ الْفَتْحَ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِالْفَتْحِ) الْأَصْوَبُ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ مُعْرَبٌ لَا مَبْنِيٌّ وَعِبَارَةُ النَّهْرِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ مُبْتَدَأٌ) وَخَبَرُهُ لَك وَعَلَيْهِ فَخَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى جَعْلُ لَك خَبَرَ إنَّ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ كَمَا قَرَّرُوا الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ} [المائدة: 69] الْآيَةَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمُلْكَ) بِالنَّصْبِ وَجُوِّزَ الرَّفْعُ وَعَلَى كُلٍّ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَاسْتُحْسِنَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ مَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ شَرْحُ اللُّبَابِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.
[تَنْبِيهٌ]
فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَخْفِضَهُ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَمِنْ الْمَأْثُورِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِضَاك وَالْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ غَضَبِك وَالنَّارِ» وَفِيهِ أَيْضًا وَتَكْرَارُهَا سُنَّةٌ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْحَالَاتِ مُسْتَحَبٌّ مُؤَكَّدًا وَالْإِكْثَارُ مُطْلَقًا مَنْدُوبٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا شَرَعَ فِيهَا ثَلَاثًا عَلَى الْوِلَاءِ وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ (قَوْلُهُ وَزِدْ فِيهَا) وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ الْمَأْثُورِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مَا وَقَعَ مَأْثُورًا يُسْتَحَبُّ بِأَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك إلَهَ الْخَلْقِ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا، لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَمَا لَيْسَ مَرْوِيًّا فَجَائِزٌ أَوْ حَسَنٌ (قَوْلُهُ أَيْ عَلَيْهَا) فَالظَّرْفُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا لَا فِي خِلَالِهَا كَمَا فِي السِّرَاجِ اهـ فَمَا مَرَّ مِنْ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ إلَخْ، وَنَقْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَأْتِي بِهِ بَعْدُ التَّلْبِيَةِ لَا فِي أَثْنَائِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَرَّةٌ شَرْطٌ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ مُخَالِفًا لِلْبَحْرِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الشَّرْطَ خُصُوصُ الصِّيغَةِ الْمَارَّةِ فَفِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ وَقَدْ مَرَّ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا مُطْلَقَ الذِّكْرِ فَلَا يُفِيدُ مُدَّعَاهُ وَهُوَ كَرَاهَةُ نَقْصِ هَذِهِ الصِّيغَةِ تَحْرِيمًا فَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ خُصُوصَ التَّلْبِيَةِ سُنَّةٌ، فَإِذَا تَرَكَهَا أَصْلًا ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ، فَإِذَا نَقَصَ عَنْهَا فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَأَنَّ قَوْلَ الْكَافِي النَّسَفِيِّ لَا يَجُوزُ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا شَرْطٌ مُرَادُهُ ذِكْرٌ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ لَا خُصُوصُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ) أَيْ تَكْرَارُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الصِّيغَةِ الْمَارَّةِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِتَرْكِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا) أَيْ بِالتَّلْبِيَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الرَّفْعَ سُنَّةٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَحْرُ وَالْفَتْحُ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْمُحِيطِ أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً تَأَمَّلْ.

مَطْلَبٌ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا
(قَوْلُهُ وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا) قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِذَا نَوَى مُلَبِّيًا لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تُفِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالتَّلْبِيَةِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَالْوَاقِعُ عَكْسُهُ اهـ أَيْ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الْحُسَامِ الشَّهِيدِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ. وَالْجَوَابُ كَمَا فِي الْفَتْحِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا عِنْدَ النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ، أَمَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ الْآخَرِ فَلَا، فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نُسُكًا) أَيْ مَعْنِيًّا كَحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ مُبْهَمًا لِمَا مَرَّ،

(2/484)


(أَوْ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ قَلَّدَ) أَيْ رَبَطَ قِلَادَةً عَلَى عُنُقِ (بَدَنَةِ نَفْلٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ) قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي إحْرَامٍ سَابِقٍ (وَنَحْوِهِ) كَجِنَايَةٍ وَنَذْرٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ (وَتَوَجَّهَ مَعَهَا) وَالْحَالُ أَنَّهُ (يُرِيدُ الْحَجَّ) وَهَلْ الْعُمْرَةُ كَذَلِكَ يَنْبَغِي؟ نَعَمْ (أَوْ بَعَثَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ وَلَحِقَهَا) قَبْلَ الْمِيقَاتِ، فَلَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ (أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ) أَوْ لِقِرَانٍ وَكَانَ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّه (فِي أَشْهُرِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ النُّسُكِ أَيْ عَلَى تَعْيِينِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ أَصْلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ سَاقَ الْهَدْيَ إلَخْ) بَيَانٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ لَوْ حَذَفَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بَدَنَةً إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَشْمَلُ الْغَنَمَ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ، فَإِنَّهَا تَخُصُّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَإِذَا قَلَّدَ شَاةً لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا وَإِنْ سَاقَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَلَى قَوْلِهِ وَيَقُومُ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْبَدَنَةِ بَدَلَ الْهَدْيِ.
وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّ لِإِقَامَةِ الْبَدَنَةِ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ شَرَائِطَ فَمِنْهَا النِّيَّةُ وَمِنْهَا سَوْقُ الْبَدَنَةِ وَالتَّوَجُّهُ مَعَهَا أَوْ الْإِدْرَاكُ وَالسَّوْقُ إنْ بَعَثَ بِهَا وَلَمْ يَتَوَجَّهْ مَعَهَا إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَلَوْ قَلَّدَ هَدْيَهُ وَلَمْ يَسُقْ أَوْ سَاقَ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ مَعَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ النُّسُكَ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ لِغَيْرِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا فَإِذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا (قَوْلُهُ أَيْ رَبَطَ إلَخْ) وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَفْتِلَ خَيْطًا مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ وَيَرْبِطَ بِهِ نَعْلًا أَوْ عُرْوَةَ مَزَادَةٍ وَهِيَ السُّفْرَةُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ أَيْ قِشْرِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ لَهُ وَلِئَلَّا يَأْكُلَ مِنْهُ غَنِيٌّ إذَا عَطِبَ وَذُبِحَ (قَوْلُهُ أَوْ فِي إحْرَامٍ سَابِقٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا الْإِحْرَامَ لَا يَتِمُّ شُرُوعُهُ فِيهِ إلَّا بِهَذَا التَّقْلِيدِ ط (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ (قَوْلُهُ كَجِنَايَةٍ) أَيْ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا) أَيْ سَائِقًا لَهَا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ وَيَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ يُرِيدُ الْحَجَّ) إذْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ النِّيَّةِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي نَعَمْ) الْبَحْثُ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ اللُّبَابِ نَاوِيًا الْإِحْرَامَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ صَرِيحَةُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ بَعَثَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا فَأَفَادَ أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا أَنْ يَسُوقَهَا وَيَتَوَجَّهَ مَعَهَا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثَهَا ثُمَّ يَلْحَقَهَا وَيَتَوَجَّهَ مَعَهَا وَهَذَا الشَّرْطُ لِغَيْرِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّوَجُّهُ مَعَهَا وَلَا لَحَاقُهَا كَمَا أَفَادَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَحِقَهَا) اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللُّحُوقِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَأَمَّا السَّوْقُ بَعْدَهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَاشْتَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ يَسُوقُهُ وَيَتَوَجَّهُ مَعَهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ذَلِكَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَلْحَقَهُ، وَفِي الْكَافِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ: اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا قَلَّدَهَا صَارَ مُحْرِمًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا تَوَجَّهَ فِي أَثَرِهَا صَارَ مُحْرِمًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا أَدْرَكَهَا فَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا فَأَخَذْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْنَا إذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ حِينَ وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ لِعَدَمِ لَحَاقِ الْهَدْيِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ بِدُونِ الْإِحْرَامِ فَلَزِمَ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ لِقِرَانٍ) صَرَّحَ بِهِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَإِلَّا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمُتْعَةٍ يَشْمَلُ التَّمَتُّعَ الْعُرْفِيَّ وَالْقِرَانَ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَالتَّوَجُّهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ فِي أَشْهُرِهِ عَنْ قَوْلِهِ وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ ط (قَوْلُهُ فِي أَشْهُرِهِ إلَخْ) لِأَنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتْعَةِ، وَأَفْعَالُ الْمُتْعَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَيَكُونُ تَطَوُّعًا

(2/485)


وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا (وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا) اسْتِحْسَانًا (فَقَدْ أَحْرَمَ) لِأَنَّ الْإِجَابَةَ كَمَا تَكُونُ بِكُلِّ ذِكْرٍ تَعْظِيمِيٍّ تَكُونُ بِكُلِّ فِعْلٍ مُخْتَصٍّ بِالْإِحْرَامِ، ثُمَّ صِحَّةُ الْإِحْرَامِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ حَتَّى طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ. وَلَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ صُرِفَ لِلْفَرْضِ وَلَوْ عَيَّنَ نَفْلًا فَنَفْلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْفَتْحِ (وَلَوْ أَشْعَرَ) بِجَرْحِ سَنَامِهَا الْأَيْسَرِ (أَوْ جَلَّلَهَا) بِوَضْعِ الْجَلِّ (أَوْ بَعَثَهَا لَا لِمُتْعَةٍ) وَقِرَانٍ (وَلَمْ يَلْحَقْهَا) كَمَا مَرَّ (أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَا) يَكُونُ مُحْرِمًا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ

(وَبَعْدَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ بِلَا مُهْلَةٍ (يَتَّقِي الرَّفَثَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَفِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْ أَوْ يَسِرْ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ الْبَعْثُ وَالتَّوَجُّهُ فِي الْأَشْهُرِ أَوْ وُجِدَ التَّوَجُّهُ دُونَ الْبَعْثِ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَلْحَقَهَا أَيْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ط (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ) أَفَادَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا قَامَتْ مَقَامَ الذِّكْرِ دُونَ النِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ فَقَدْ أَحْرَمَ) جَوَابُ قَوْلِهِ وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا إلَخْ (قَوْلُهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِحْرَامِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَشْعَرَهَا أَوْ جَلَّلَهَا إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ وَإِذَا أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَطَافَ شَوْطًا كَانَ لِلْعُمْرَةِ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ فَتَحَلَّلَ بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا لَا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَجَبَ الْمُضِيُّ فِي عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ) أَمَّا الْحَجُّ فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِ إلَّا إذَا عَيَّنَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الطَّوَافِ تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ لِلْحَجَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَجَّ فِي وُقُوفِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ) بِأَنْ نَوَى الْحَجَّ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَيَّنَ نَفْلًا فَنَفْلٌ) وَكَذَا لَوْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ النَّذْرَ كَانَ عَمَّا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ لِلْفَرْضِ، كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ الصَّرِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ.
وَرُوِيَ عَنْ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وُقُوعُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى الصِّيَامِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ رَمَضَانَ مِعْيَارٌ لِصَوْمِ الْفَرْضِ، بِخِلَافِ وَقْتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ مُوَسَّعٌ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَنَظِيرُهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ شَرْحُ اللُّبَابِ، نَعَمْ وَقْتُ الْحَجِّ لَهُ شَبَهٌ بِالْمِعْيَارِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ صِحَّةِ حَجَّتَيْنِ فِيهِ فَلِذَا يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ فَرْضِ الظُّهْرِ مَثَلًا فَإِنْ وَقْتَهُ ظَرْفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ بِجَرْحِ سَنَامِهَا) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُهُ فَيَلْحَقُ الْحَيَوَانَ بِهِ تَعْذِيبٌ ط وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِشْعَارَ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ (قَوْلُهُ بِوَضْعِ الْجَلِّ) أَيْ عَلَى ظَهْرِهَا وَهُوَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مَا تَلْبَسُهُ الْفَرَسُ لِتُصَانَ بِهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لَا لِمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) وَكَذَا لَوْ لَهُمَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ لُحُوقًا كَاللُّحُوقِ الَّذِي مَرَّ وَهُوَ كَوْنُهُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَحِقَهَا ط (قَوْلُهُ أَوْ قَلَّدَ شَاةً) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَدَنَةً ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ) لِأَنَّ الْإِشْعَارَ قَدْ يَكُونُ لِلْمُدَاوَاةِ وَالْجَلَّ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْأَذَى وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ عِنْدَ التَّوَجُّهِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَبِهِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَلَا سُنَّةٍ رَحْمَتِيٌّ

(قَوْلُهُ بِلَا مُهْلَةٍ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَصْوَبَ أَنْ يَقُولَ فَيَتَّقِي بِالْفَاءِ كَمَا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ. مَطْلَبٌ " مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ إلَخْ " أَيْ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ
هَذَا، وَفِي النَّهْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَاجًّا قَبْلَهُ اهـ.

(2/486)


أَيْ الْجِمَاعَ أَوْ ذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ (وَالْفُسُوقَ) أَيْ الْخُرُوجَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ (وَالْجِدَالَ) فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحْرِمِ أَشْنَعُ (وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ) لَا الْبَحْرِ (وَالْإِشَارَةَ إلَيْهِ) فِي الْحَاضِرِ (وَالدَّلَالَةَ عَلَيْهِ فِي الْغَائِبِ) وَمَحَلُّ تَحْرِيمِهِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ، أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ (وَالتَّطَيُّبَ) وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَكُرِهَ شَمُّهُ (وَقَلْمَ الظُّفُرِ وَسَتْرَ الْوَجْهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِيمَا يُحَرَّمُ بِالْإِحْرَامِ وَمَا لَا يُحَرَّمُ
(قَوْلُهُ أَيْ الْجِمَاعَ) هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ شَرْحُ اللُّبَابِ - {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]- بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيلَ ذِكْرُهُ وَدَوَاعِيهِ مُطْلَقًا، قِيلَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَظَاهِرُ صَنِيعِ غَيْرِ وَاحِدٍ تَرْجِيحُ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَهْرٌ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ شُمُولُ النِّسَاءِ لِلْحَلَائِلِ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجَمَاعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ الْخُرُوجَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفُسُوقَ مَصْدَرٌ لَا جَمْعُ فِسْقٍ كَعِلْمٍ وَعُلُومٍ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ تَفْسِيرُهُمْ لَهُ بِالْمَعَاصِي، وَاخْتَارَهُ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلرَّفَثِ وَالْجِدَالِ وَلِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُطْلَقُ الْفِسْقِ مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَالْجِدَالَ) أَيْ الْخُصُومَةَ مَعَ الرُّفَقَاءِ وَالْخَدَمِ وَالْمُكَارِينَ بَحْرٌ، وَمَا عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجَمَّالِ فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إنَّهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ لَكِنْ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَرَدَ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرَبَ جَمَّالَهُ لِتَقْصِيرِهِ فِي الطَّرِيقِ. اهـ.
قُلْت: وَحِينَئِذٍ فَضَرْبُهُ لَا لِلْجِدَالِ بَلْ لِتَأْدِيبِهِ وَإِرْشَادِهِ إلَى مُرَاعَاةِ الْحِفْظِ وَالْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْكَلَامِ وَبِذَلِكَ يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيًا عَنْ مُنْكِرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهَا هُنَا تَبَعًا لِلْآيَةِ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَفِي الصَّلَاةِ أَشْنَعُ (قَوْلُهُ وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ) أَيْ مَصِيدِهِ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ بَحْرٌ وَعَبَّرَ بِالْقَتْلِ دُونَ الذَّبْحِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمُحَرَّمِ غَالِبًا وَهَذَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ ذَكَّاهُ كَانَ مَيْتَةً (قَوْلُهُ لَا الْبَحْرِ) وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ - {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]- الْآيَةَ (قَوْلُهُ وَالدَّلَالَةُ) بِالْكَسْرِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَبِالْفَتْحِ فِي الْمَعْقُولَاتِ وَهُوَ الْفَصِيحُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْغَائِبِ) أَفَادَ بِهِ وَبِقَوْلِهِ فِي الْحَاضِرِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ.
قُلْت: وَالْفَرْقُ أَيْضًا أَنَّ الْأُولَى بِالْيَدِ وَنَحْوِهَا وَالثَّانِيَةَ بِاللِّسَانِ وَنَحْوِهِ كَالذَّهَابِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَدْلُولُ وَالْأَصْوَبُ التَّعْبِيرُ بِهِ قَالَ فِي السِّرَاجِ ثُمَّ الدَّلَالَةُ إنَّمَا تُعْمَلُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي دَلَالَتِهِ وَيَتْبَعَهُ فِي أَثَرِهَا، أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ وَلَمْ يَتْبَعْ أَثَرَهُ حَتَّى دَلَّهُ آخَرُ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّلَالَةِ. اهـ.
[تَتِمَّةٌ]
فِي حُكْمِ الدَّلَالَةِ الْإِعَانَةُ عَلَيْهِ كَإِعَارَةِ سِكِّينٍ وَمُنَاوَلَةِ رُمْحٍ وَسَوْطٍ وَكَذَا تَنْفِيرُهُ وَكَسْرُ بَيْضِهِ وَكَسْرُ قَوَائِمِهِ وَجَنَاحِهِ وَحَلْبُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَأَكْلُهُ وَقَتْلُ الْقَمْلَةِ وَرَمْيُهَا وَدَفْعُهَا لِغَيْرِهِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِهَا وَالْإِشَارَةُ إلَيْهَا إنْ قَتَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ وَإِلْقَاءُ ثَوْبِهِ فِي الشَّمْسِ وَغَسْلُهُ لِهَلَاكِهَا لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ) قِيلَ عَلَيْهِ التَّطَيُّبَ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ يَتَبَقَّى، وَلَا مَعْنَى لِأَمْرِ غَيْرِ الْقَاصِدِ بِالِاتِّقَاءِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلتَّطَيُّبِ بَلْ قَاصِدٌ لِلتَّدَاوِي وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ اتِّقَاؤُهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ شَمُّهُ) أَيْ فَقَطْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَبِهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطَيُّبِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَقَالُوا لَوْ لَبِسَ إزَارًا مُبَخَّرًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَعْمِلٍ لِجُزْءٍ مِنْ الطِّيبِ وَإِنَّمَا حَصَلَ مُجَرَّدُ الرَّائِحَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ دَخَلَ بَيْتًا قَدْ بُخِّرَ فِيهِ وَاتَّصَلَ بِثَوْبِهِ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقَلْمَ الظُّفُرِ) أَيْ قَطْعَهُ وَلَوْ وَاحِدًا بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ قَلَمَ ظُفُرَ غَيْرِهِ إلَّا إذَا انْكَسَرَ بِحَيْثُ لَا يَنْمُو فَلَا بَأْسَ بِهِ ط

(2/487)


كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَفَمِهِ وَذَقَنِهِ، نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ (وَالرَّأْسِ) بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ ثِيَابًا كَانَ تَغْطِيَةً لَا حَمْلُ عِدْلٍ وَطَبَقٍ مَا لَمْ يَمْتَدَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَتَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ، وَقَالُوا لَوْ دَخَلَ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ فَأَصَابَ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ

(وَغَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِخَطْمِي) لِأَنَّهُ طِيبٌ أَوْ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ.
(قَوْلُهُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) لَكِنْ فِي تَغْطِيَةِ كُلِّ الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً دَمٌ وَالرُّبُعُ مِنْهُمَا كَالْكُلِّ وَفِي الْأَقَلِّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ الرُّبُعِ صَدَقَةٌ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَرْأَةَ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا إجْمَاعًا اهـ أَيْ وَإِنَّمَا تَسْتُرُ وَجْهَهَا عَنْ الْأَجَانِبِ بِإِسْدَالِ شَيْءٍ مُتَجَافٍ لَا يَمَسُّ الْوَجْهَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّهَا لَهَا سَتْرُهُ بِمِلْحَفَةٍ وَخِمَارٍ وَإِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ سَتْرُهُ بِشَيْءٍ فُصِّلَ عَلَى قَدْرِهِ كَالنِّقَابِ وَالْبُرْقُعِ فَهُوَ بَحْثٌ عَجِيبٌ أَوْ نَقْلٌ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِمَا سَمِعْته مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَلِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي هَامِشِ ذَلِكَ الشَّرْحِ أَنَّ هَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُلَمَائِنَا خِلَافُهُ وَهُوَ وُجُوبُ عَدَمِ مُمَاسَّةِ شَيْءٍ لِوَجْهِهَا اهـ ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَ ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ مَنْسَكِ الْقُطْبِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ بَعْضِهِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا مَحْظُورٌ مَعَ أَنَّهُ عَدَّهُ فِي اللُّبَابِ مِنْ مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا كَلِمَةُ لَا بَأْسَ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ دَائِمًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ الْآتِي قَرِيبًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالرَّأْسِ) أَيْ رَأْسِ الرَّجُلِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَسْتُرُهُ كَمَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ مُحْرِمًا حَيْثُ يُغَطَّى رَأْسُهُ لِبُطْلَانِ إحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَالْإِحْرَامُ عَمَلٌ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَلِهَذَا لَا يَبْنِي الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا، «وَأَمَّا الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَقَاءِ إحْرَامِهِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي غَيْرِهِ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّهُ يُبْعَثُ إلَخْ وَاقِعَةُ حَالٍ وَلَا عُمُومَ لَهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَابِيِّ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَيِّتِ: أَيْ وَبِخِلَافِ سَتْرِ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ سِوَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَبَهُ وَيُكْرَهُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لُبَابٌ، وَفِي شَرْحِهِ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْكَفَّيْنِ لِمَنْعِهِ مِنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا الْقَدَمَيْنِ مِمَّا فَوْقَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ لِمَنْعِهِ مِنْ لُبْسِ الْجَوْرَبَيْنِ كَمَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالسَّتْرِ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَا يَكُونُ لُبْسًا فَسَتْرُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْقُفَّازَيْنِ أَوْ الْجَوْرَبَيْنِ لُبْسٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَمْتَدَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَخْ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ لُبْسَ الْمُعْتَادِ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً مُوجِبٌ لِلدَّمِ، فَغَيْرُ الْمُعْتَادِ كَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلصَّدَقَةِ ط.
قُلْت: لَكِنْ لِيُنْظَرْ مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّهُ لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِغَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعِدْلِ وَنَحْوِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَقَدْ أَطْلَقُوا عَدَمَ اللُّزُومِ، وَقَدْ عُدَّ ذَلِكَ فِي اللُّبَابِ مِنْ مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ، نَعَمْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ حَمَلَ الْمُحْرِمُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا يَلْبَسُهُ النَّاسُ يَكُونُ لَابِسًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ كَالْإِجَّانَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا، وَيُكْرَهُ لَهُ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ وَلَوْ فَعَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَانَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِلتَّعْصِيبِ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَرْجَعَهَا لِلْحَمْلِ أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالُوا إلَخْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ كَبُّ وَجْهِهِ عَلَى وِسَادَةٍ بِخِلَافِ خَدَّيْهِ قَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا وَضْعُ رَأْسِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ تَغْطِيَةُ بَعْضِ وَجْهِهِ أَوْ رَأْسِهِ إلَّا أَنَّهُ الْهَيْئَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي النَّوْمِ بِخِلَافِ كَبِّ الْوَجْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كُرِهَ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ ط

(قَوْلُهُ بِالْخِطْمِيِّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ نَبْتُ نَهْرً، وَالْمُرَادُ الْغَسْلُ بِمَاءٍ مُزِجَ فِيهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ طِيبٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ فِي عِلَّةِ وُجُوبِ اتِّقَائِهِ فَالْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عِلَّتِهِ وَفِي مُوجِبِهِ فَيَتَّقِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ

(2/488)


بِخِلَافِ صَابُونٍ وَدَلُوكٍ وَأُشْنَانٍ اتِّفَاقًا زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَسِدْرٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ (وَقَصَّهَا) أَيْ اللِّحْيَةَ (وَحَلْقَ رَأْسِهِ وَ) إزَالَةَ (شَعْرِ بَدَنِهِ) إلَّا الشَّعْرَ النَّابِتَ فِي الْعَيْنِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَنَا (وَلُبْسَ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ) أَيْ كُلِّ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ بَدَنٍ أَوْ بَعْضِهِ كَزَرَدِيَّةَ وَبُرْنُسٍ (وَقَبَاءٍ) وَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ جَازَ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُزَرِّرَهُ أَوْ يُخَلِّلَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَدِيَ بِقَمِيصٍ وَجُبَّةٍ وَيَلْتَحِفَ بِهِ فِي نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
زَكِيَّةً وَمُوجَبُهُ دَمٌ وَعِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلِينُ الشَّعْرَ وَمُوجَبُهُ صَدَقَةٌ وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ الِاشْتِبَاهُ فِيهِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا خِلَافَ فِي خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَابُونٍ) فِي جِنَايَاتِ الْفَتْحِ لَوْ غَسَلَ بِالصَّابُونِ وَالْحَرَضِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَقَالُوا لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ اهـ وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ عَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ وَالصَّدَقَةِ اتِّفَاقًا، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَدَلُوكٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ، قِيلَ هُوَ نَبْتٌ بِأَرْضِ الْحِجَازِ مَعْرُوفٌ كَالْأُشْنَانِ غَيْرَ أَنَّهُ أَسْوَدُ وَالْأُشْنَانُ أَبْيَضُ يُرَطِّبُ الْبَدَنَ وَيُزِيلُ الْحَكَّةَ وَالْجَرَبَ (قَوْلُهُ وَأُشْنَانٍ) قِيلَ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَيُسَمَّى حَرَضًا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَسِدْرٍ) هُوَ وَرَقُ النَّبْقِ ح (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ) فَإِنَّ السِّدْرَ كَالْخَطْمِيِّ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ، وَيُلِينُ الشَّعْرَ فَكَانَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الصَّدَقَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ فِيهِمَا ذَلِكَ أَيْضًا رَحْمَتِيٌّ زَادَ غَيْرُهُ أَنَّ لِلصَّابُونِ طِيبَ رَائِحَةٍ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ عَلِمْت الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ دَمٍ وَلَا صَدَقَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَلْقَ رَأْسِهِ) وَكَذَا رَأْسِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَلَالًا لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَإِزَالَةَ شَعْرِ بَدَنِهِ) أَيْ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ كَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالرَّقَبَةِ وَالْمَحَاجِمِ كَمَا فِي اللُّبَابِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ إزَالَةُ شَعْرِهِ كَيْفَمَا كَانَ حَلْقًا وَقَصًّا وَنَتْفًا وَتَنُّورًا وَإِحْرَاقًا مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ مِنْ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا (قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ مَعْمُولٍ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَذْكُورَاتِ لِذِكْرِهَا فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ مَنَاسِكِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ أَنَّ ضَابِطَهُ لُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ تَلْزِيقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ لُبْسِ مِثْلِهِ إلَّا الْمُكَعَّبَ. اهـ. قُلْت: فَخَرَجَ مَا خِيطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لَا بِحَيْثُ يُحِيطُ بِالْبَدَنِ مِثْلُ الْمُرَقَّعَةِ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَفَادَ قَوْلُهُ أَوْ بَعْضِهِ حُرْمَةَ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ، وَبِهِ صَرَّحَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَتَبِعَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُنْدَبُ لَهَا عَدَمُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَزَرَدِيَّةٍ) هِيَ الدِّرْعُ الْحَدِيدُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْقَامُوسِ، وَفِيهِ الْبُرْنُسُ بِالضَّمِّ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ أَيْ كَاَلَّذِي يَلْبَسُهُ الْمَغَارِبَةُ يَسْتُرُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الْقَدَمِ (قَوْلُهُ وَقَبَاءٍ) بِالْمَدِّ الْمُنْفَرِجُ مِنْ أَمَامٍ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) فِي اللُّبَابِ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ إلْقَاءُ الْقَبَاءِ وَالْعَبَاءِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى مَنْكِبِهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَفِيهِ مِنْ فَصْلِ الْجِنَايَاتِ: وَلَوْ أَلْقَى الْقَبَاءَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَزَرَّهُ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُزَرِّرْهُ وَلَكِنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ، وَلَوْ أَلْقَاهُ وَلَمْ يُزَرِّرْهُ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْكَرَاهَةِ اهـ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّ إدْخَالَ إحْدَى الْيَدَيْنِ فِي الْحَكَمِ كَالْيَدَيْنِ فَقَوْلُهُ جَازَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْجَزَاءِ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَرَاهَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ عِنْدَنَا أَيْ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ حَيْثُ قَالَ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. وَاعْتَرَضَ عَلَى اللُّبَابِ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ فِي مَكْرُوهَاتِهِ وَقَالَ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَإِلْقَاءُ الْقَبَاءِ وَنَحْوِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَبِيرِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ عَنْهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ اللُّبْسَ الْمُعْتَادَ وَلَعَلَّ وَجْهَ كَرَاهَةِ إلْقَاءِ نَحْوِ الْقَبَاءِ وَالْعَبَاءِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ

(2/489)


(وَعِمَامَةٍ) وَقَلَنْسُوَةٍ (وَخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ

فَيَجُوزُ لُبْسُ السَّرْمُوزَةِ لَا الْجَوْرَبَيْنِ (وَثَوْبٍ صُبِغَ بِمَا لَهُ طِيبٌ) كَوَرْسٍ وَهُوَ الْكُرْكُمُ وَعُصْفُرٍ وَهُوَ زَهْرُ الْقُرْطُمِ (إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ) بِحَيْثُ لَا يَفُوحُ فِي الْأَصَحِّ (لَا) يَتَّقِي (الِاسْتِحْمَامَ) لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ» (وَالِاسْتِظْلَالَ بِبَيْتٍ وَمَحْمَلٍ لَمْ يُصِبْ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا كُرِهَ) كَمَا مَرَّ (وَشَدَّ هِمْيَانٍ) بِكَسْرِ الْهَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعِمَامَةٍ) بِالْكَسْرِ وَقَلَنْسُوَةٍ مَا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ كَالْعَرْقِيَّةِ وَالتَّاجِ وَالطَّرْبُوشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَخُفَّيْنِ) أَيْ لِلرِّجَالِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ الْمَخِيطَ وَالْخُفَّيْنِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُمَا لَا يَقْطَعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا عُزِيَ إلَى الْإِمَامِ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ إذَا قَطَعَهُمَا مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَيَقْطَعُهُمَا) أَمَّا لَوْ لَبِسَهُمَا قَبْلَ الْقَطْعِ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي أَقَلَّ صَدَقَةٌ لُبَابٌ (قَوْلُهُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَهُوَ أَفْصَحُ مِمَّا هُنَا ابْنُ كَمَالٍ وَالْمُرَادُ قَطْعُهُمَا بِحَيْثُ يَصِيرُ الْكَعْبَانِ وَمَا فَوْقَهُمَا مِنْ السَّاقِ مَكْشُوفًا لَا قَطْعُ مَوْضِعِ الْكَعْبَيْنِ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى وَالنَّعْلُ هُوَ الْمِدَاسُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يَلْبَسُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ مِمَّنْ لَهُ شِرَاكٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ) وَهُوَ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ كَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، بِخِلَافِهِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ الْعَظْمُ النَّاتِئُ أَيْ الْمُرْتَفِعُ وَلَمْ يُعَيِّنْ فِي الْحَدِيثِ أَحَدَهُمَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَعْبُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْأَحْوَطَ فِيمَا كَانَ أَكْثَرَ كَشْفًا بَحْرٌ

(قَوْلُهُ فَيَجُوزُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ جَوَازُ لُبْسِ مَا لَا يُغَطِّي الْكَعْبَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ وَالسُّرْمُوزَةِ قِيلَ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَابُوجِ. وَذَكَرَ ح أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا الَّتِي يُقَالُ لَهَا الصِّرْمَةُ.
قُلْت: الْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الصِّرْمَةَ الْمَعْرُوفَةَ الْآنَ هِيَ الَّتِي تُشَدُّ فِي الرِّجْلِ مِنْ الْعَقِبِ وَتَسْتُرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَتْرُهُ فَيَجِبُ إذَا لَبِسَهَا أَنْ لَا يَشُدَّهَا مِنْ الْعَقِبِ، وَإِذَا كَانَ وَجْهُهَا أَوْ وَجْهُ الْبَابُوجِ طَوِيلًا، بِحَيْثُ يَسْتُرُ الْكَعْبَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ يَقْطَعُ الزَّائِدَ السَّاتِرَ أَوْ يَحْشُو فِي دَاخِلِهِ خِرْقَةً بِحَيْثُ تَمْنَعُ دُخُولَ الْقَدَمِ كُلِّهَا وَلَا يَصِلُ وَجْهُهُ إلَى الْكَعْبِ وَقَدْ فَعَلْت ذَلِكَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ احْتِرَازًا عَنْ قَطْعِ وَجْهِ الْبَابُوجِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْلَافِ (قَوْلُهُ وَثَوْبٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَمِيصٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثَوْبًا بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ قَمِيصٍ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَخِيطَ وَغَيْرَهُ لَكِنَّ لُبْسَ الْمَخِيطِ الْمُطَيَّبِ تَتَعَدَّدُ فِيهِ الْفِدْيَةُ عَلَى الرَّجُلِ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ بِمَا لَهُ طِيبٌ) أَيْ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْكُرْكُمُ) فِيهِ نَظَرٌ. فَفِي الصِّحَاحِ: الْكُرْكُمُ الزَّعْفَرَانُ وَفِيهِ أَيْضًا وَالْوَرْسُ: نَبْتٌ أَصْفَرُ يَكُونُ بِالْيَمَنِ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْغَمْرَةُ لِلْوَجْهِ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْقَانُونَ الْوَرْسُ شَيْءٌ أَحْمَرُ قَانٍ يُشْبِهُ سَحِيقَ الزَّعْفَرَانِ وَهُوَ مَجْلُوبٌ مِنْ الْيَمَنِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ بِحَيْثُ لَا يَتَنَاثَرُ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّطَيُّبِ، لَا لِلتَّنَاثُرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ لَا يَتَّقِي الِاسْتِحْمَامَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزِيلَ الْوَسَخَ بِأَيِّ مَاءٍ كَانَ بَلْ يَقْصِدُ الطَّهَارَةَ أَوْ رَفْعَ الْغُبَارِ وَالْحَرَارَةِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ إلَخْ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَلَمْ يُعْرَفْ الْحَمَّامُ بِبِلَادِهِمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَالِاسْتِظْلَالَ إلَخْ) أَيْ قَصْدَ الِانْتِفَاعِ بِظِلِّ بَيْتٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ مَدَرٍ وَمَحْمِلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَوْ عَكْسِهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَسَتْرَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ (قَوْلُهُ وَشَدَّ هِمْيَانٍ) هُوَ شَيْءٌ يُشْبِهُ تِكَّةَ السَّرَاوِيلِ يُشَدُّ عَلَى الْوَسَطِ وَتُوضَعُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ شُمُنِّيٌّ، وَفِي الْقَامُوسِ هُوَ التِّكَّةُ وَالْمِنْطَقَةُ وَكِيسٌ لِلنَّفَقَةِ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ اهـ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّفَقَةِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَا بَيْنَ شَدِّهِ فَوْقَ الْإِزَارِ أَوْ تَحْتَهُ

(2/490)


(فِي وَسَطِهِ وَمِنْطَقَةٍ وَسَيْفٍ وَسِلَاحٍ وَتَخَتُّمٍ) زَيْلَعِيٌّ لِعَدَمِ التَّغْطِيَةِ وَاللُّبْسِ (وَاكْتِحَالً بِغَيْرِ مُطَيِّبٍ) فَلَوْ اكْتَحَلَ بِمُطَيِّبٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ سِرَاجِيَّةٌ (وَ) لَا يَتَّقِي (خِتَانًا وَفَصْدًا وَحِجَامَةً وَقَلْعَ ضِرْسِهِ وَجَبْرَ كَسْرٍ وَحَكَّ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ) لَكِنْ بِرِفْقٍ إنْ خَافَ سُقُوطَ شَعْرِهِ أَوْ قَمْلِهِ فَإِنَّ فِي الْوَاحِدَةِ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَفِي الثَّلَاثِ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ غُرَرُ الْأَحْكَامِ

(وَأَكْثَرَ) الْمُحْرِمُ (التَّلْبِيَةَ) نَدْبًا (مَتَى صَلَّى) وَلَوْ نَفْلًا (أَوْ عَلَا شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا) جَمْعُ رَاكِبٍ أَوْ جَمْعًا مُشَاةً وَكَذَا لَوْ لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (أَوْ أَسْحَرَ) دَخَلَ فِي السَّحَرِ إذْ التَّلْبِيَةُ فِي الْإِحْرَامِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ (رَافِعًا) اسْتِنَانًا (صَوْتَهُ بِهَا بِلَا جَهْدٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ حِفْظَ الْإِزَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَدَّ إزَارَهُ بِحَبْلٍ مَثَلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَمِنْطَقَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ وَسَيْفٍ) أَيْ وَشَدَّ سَيْفٍ أَيْ شَدَّ حَمَائِلِهِ فِي وَسَطِهِ (قَوْلُهُ وَسِلَاحٍ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَهُوَ مَا يُقَاتِلُ بِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الدِّرْعُ لِأَنَّهُ يُلْبَسُ (قَوْلُهُ وَتَخَتُّمٍ وَاكْتِحَالٍ) عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ وَلَا يَتَّقِي شَدَّ تَخَتُّمٍ وَاكْتِحَالٍ، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالشَّدِّ الِاسْتِعْمَالُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمُقَيَّدِ وَإِرَادَةِ الْمُطْلَقِ مَجَازًا مُرْسَلًا، وَلَوْ قَالَ وَتَخَتُّمًا وَاكْتِحَالًا لَسَلِمَ مِنْ هَذَا ح وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ أَيْضًا بِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ، أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّغْطِيَةِ وَاللُّبْسِ) الْأَوَّلُ رَاجِعٌ لِلِاسْتِظْلَالِ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ وَالثَّانِي لِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) الْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ نِصْفُ صَاعٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَثِيرًا) أَيْ ثَلَاثًا فَأَكْثَرَ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي نَفْسِ الطِّيبِ الْمُخَالِطِ، فَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فِي الْكُحْلِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَفَصْدًا) أَيْ وَإِنْ لَزِمَ تَعْصِيبُ الْيَدِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَعْصِيبَ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ إنَّمَا يُكْرَهُ لَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ (قَوْلُهُ وَحِجَامَةٍ) أَيْ بِلَا إزَالَةِ شَعْرٍ لُبَابٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ) أَيْ كَتَمْرَةٍ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ (قَوْلُهُ وَفِي الثَّلَاثِ) أَيْ مِنْ الشَّعْرِ وَالْقَمْلِ وَأَمَّا الْأَكْثَرُ فَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ

(قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) كَذَا فِي الْبَدَائِع، وَخَصَّهُ الطَّحَاوِيُّ فِي الْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ فَأَجْرَاهَا مَجْرَى التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّعْمِيمِ أَوْلَى فَتْحٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَا شَرَفًا) أَيْ صَعِدَ مَكَانًا مُرْتَفِعًا (قَوْلُهُ جَمْعُ رَاكِبٍ) أَيْ اسْمُ جَمْعٍ وَهُمْ أَصْحَابُ الْإِبِلِ فِي السَّفَرِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى دُونِ الْعَشَرَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ دَخَلَ فِي السَّحَرِ) هُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ) فَكَمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ يُؤْتَى بِهِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ كَذَلِكَ التَّلْبِيَةُ ح وَلِذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُهَا قَائِمًا وَقَاعِدًا رَاكِبًا وَنَازِلًا وَاقِفًا وَسَائِرًا طَاهِرًا وَمُحْدِثًا جُنُبًا وَحَائِضًا، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَعِنْدَ إقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِنْدَ كُلِّ رُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ أَوْ اسْتَعْطَفَ رَاحِلَتَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَيُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثًا عَلَى الْوِلَاءِ وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الْآخَرِ بَلْ كُلُّ إنْسَانٍ يُلَبِّي بِنَفْسِهِ وَيُلَبِّي فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَاتٍ لَا فِي الطَّوَافِ وَسَعْيِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ رَافِعًا صَوْتَهُ بِهَا) إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرٍ أَوْ امْرَأَةً لُبَابٌ زَادَ شَارِحُهُ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَالطَّائِفِينَ (قَوْلُهُ اسْتِنَانًا) فَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَتْحٌ، وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ شَرْحُ اللُّبَابِ.
مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ " أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ "
(قَوْلُهُ بِلَا جَهْدٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِالدَّالِ أَيْ تَعَبِ النَّفْسِ بِغَايَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا جَاءَ «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» أَيْ أَفْضَلُ أَفْرَادِ الْحَجِّ حَجٌّ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذَا لَا أَفْضَلُ أَفْعَالِهِ إذْ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ

(2/491)


كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ

(وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ بَعْدَمَا يَأْمَنُ عَلَى أَمْتِعَتِهِ دَاخِلًا مِنْ بَابِ السَّلَامِ نَهَارًا نَدْبًا مُلَبِّيًا مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَاحَظًا جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ فَيَجُبُّ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (وَحِينَ شَاهَدَ الْبَيْتَ كَبَّرَ) ثَلَاثًا وَمَعْنَاهُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ الْكَعْبَةِ (وَهَلَّلَ) لِئَلَّا يَقَعَ نَوْعُ شِرْكٍ (ثُمَّ) ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ لِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ مَا لَمْ يَخَفْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِنْهُمَا وَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ إسَالَةُ الدَّمِ بِالْإِرَاقَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ جَهُورِيَّ الصَّوْتِ طَبْعًا فَيَحْصُلُ الرَّفْعُ الْعَالِي مَعَ عَدَمِ تَعَبِهِ بِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ الْجَهْدُ لَا لِلنَّفْيِ ح.

مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ مَكَّةَ
(قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ) الْمُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا نَهَارًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الْمُعَلَّى لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا فِي دُخُولِهِ بَابَ الْبَيْتِ تَعْظِيمًا وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَهَارًا) قَيْدٌ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَمَا عَلِمْت لَكِنْ لَمَّا كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ عَقِبَ دُخُولِ مَكَّةَ صَحَّ كَوْنُهُ قَيْدًا لَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ مُلَبِّيًا) هُوَ قَيْدٌ لِدُخُولِ مَكَّةَ أَيْضًا قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيَكُونُ فِي دُخُولِهِ مُلَبِّيًا دَاعِيًا إلَى أَنْ يَصِلَ بَابَ السَّلَامِ فَيَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ لِدُخُولِهَا) أَيْ مَكَّةَ بِدَلِيلِ تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ نَصٌّ فِي ذَلِكَ ح (قَوْلُهُ فَيُحَبُّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ح (قَوْلُهُ وَمَعْنَاهُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ الْكَعْبَةِ) كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْأَوْلَى مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ بَحْرٌ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ رَجَّحَ الْأَوَّلَ لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ لَهُ كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ فِي شَيْءٍ إذَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى يُلَاحِظُ التَّبَرُّكَ بِاسْمِهِ تَعَالَى فِيمَا شَرَعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَلَّلَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ كَبَّرَ وَهَلَّلَ ثَلَاثًا وَعِبَارَةُ ابْنِ الشَّلَبِيِّ: كَبَّرَ ثَلَاثًا وَهَلَّلَ ثَلَاثًا (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَقَعَ نَوْعُ شِرْكٍ) أَيْ بِتَوَهُّمِ الْجَاهِلِ أَنَّ الْعِبَادَةَ لِلْبَيْتِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْمُتُونِ الدُّعَاءُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ، وَهِيَ غَفْلَةٌ عَمَّا لَا يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي فَتْحٍ: وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَا مِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَقِيلَ يَرْفَعُ قَالَ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ: أَيْ لَا يَرْفَعُ وَلَوْ حَالَ دُعَائِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا بَلْ قَالَ السُّرُوجِيُّ الْمَذْهَبُ تَرْكُهُ وَصَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَطَوَافُ التَّحِيَّةِ أَوْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ، وَهَذَا إذَا دَخَلَ قَبْلَ النَّحْرِ، فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ أَغْنَى طَوَافُ الْفَرْضِ عَنْ التَّحِيَّةِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَطَوَافُهَا وَلَا طَوَافَ قُدُومٍ لَهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ، وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الطَّوَافُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ. قَالَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ فِيهَا بَلْ يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ مَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ) أَيْ لِمَنْ أَرَادَ الطَّوَافَ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُرِدْهُ وَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا لِلصَّلَاةِ شَرْحُ اللُّبَابِ لِلْقَارِي، وَفِي شَرْحِهِ عَلَى النُّقَايَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَطَوَافُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ لَا يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْعَوَامّ. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُمْ تَحِيَّةُ هَذَا الْمَسْجِدِ الطَّوَافُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَطُفْ لَا يَحْصُلُ التَّحِيَّةُ إلَّا أَنْ يُخَصَّ بِتَرْكِ الطَّوَافِ بِلَا عُذْرٍ فَمَعَ الْعُذْرِ تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنَّ تَحِيَّةَ هَذَا الْمَسْجِدِ بِخُصُوصِهِ هُوَ الطَّوَافُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَانِعٌ فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ كَرَاهَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَخَفْ إلَخْ) أَيْ فَيُقَدِّمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ أَيْ طَوَافِ التَّحِيَّةِ وَغَيْرِهَا لُبَابٌ وَشَرْحُهُ، ثُمَّ يَطُوفُ

(2/492)


فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ جَمَاعَتِهَا أَوْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ فَاسْتَقْبَلَ (الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا رَافِعًا يَدَيْهِ) كَالصَّلَاةِ (وَاسْتَلَمَهُ) بِكَفَّيْهِ وَقَبَّلَهُ بِلَا صَوْتٍ، وَهَلْ يَسْجُدُ عَلَيْهِ؟ قِيلَ نَعَمْ (بِلَا إيذَاءٍ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بَحْرٌ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ لَا تَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ مَعَ أَنَّهَا تَحْصُلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ هِيَ الطَّوَافُ دُونَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ بَاقِي الْمَسَاجِدِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْفَرْقَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ جِنْسٌ فَنَابَ بَعْضُهَا مَنَابَ بَعْضٍ، وَلَيْسَ الطَّوَافُ مِنْ جِنْسِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ لَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَوْتَ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُصَحَّحَيْنِ فَبِالْأَوْلَى مَا هُنَا تَأَمَّلْ، وَزَادَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فَوْتَ الْجِنَازَةِ وَزَادَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مَا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ مَنْعِ النَّاسِ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ اهـ وَذُكِرَ الْأَخِيرُ فِي اللُّبَابِ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَائِتَةِ الَّتِي فَوَّتَهَا عَمْدًا، وَوَجَبَ قَضَاؤُهَا فَوْرًا وَإِلَّا فَتَقْدِيمُ الطَّوَافِ عَلَيْهَا لَا يَضُرُّ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ إذَا قَدَّمَ عَلَيْهَا الطَّوَافَ وَقَضَاءَ الْفَائِتَةِ وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْفَائِتَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَاسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ إلَخْ) أَشَارَ بِالْفَاءِ إلَى أَنَّهُ يَنْوِي الطَّوَافَ قَبْلَ الِاسْتِقْبَالِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ يَمُرُّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ بِجَانِبِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ فَيَنْوِي الطَّوَافَ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ، ثُمَّ يَمْشِي مَارًّا إلَى يَمِينِهِ حَتَّى يُحَاذِيَ الْحَجَرَ فَيَقِفَ بِحِيَالِهِ وَيَسْتَقْبِلُهُ وَيُبَسْمِلُ وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُصَلَّى وَيَدْعُو اهـ قَالَ شَارِحُهُ: أَيْ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا عِنْدَ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ لُبَابٌ. وَقَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِقْبَالِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا بِنَاءً عَلَى الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْحَجَرِ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالنِّيَّةِ قُبَيْلَ الْحَجَرِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الِاخْتِلَافِ.
(قَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ) أَيْ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ فِي الِاسْتِلَامِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ يَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ وَالْكَعْبَةِ اهـ وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَمَشَى فِي النُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُرْسِلَ يَدَيْهِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ التُّحْفَةِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَصِفَةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيَضَعَ فَمَه بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلَهُ (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) جَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ وَقَالَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَيُكَرِّرُهُ مَعَ التَّقْبِيلِ ثَلَاثًا قَالَ شَارِحُهُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَكَذَا نَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةٍ لَكِنْ قَالَ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ اهـ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ مَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ فِي الْمِعْرَاجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَتْحِ، وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ إنَّهُ ضَعِيفٌ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَدْرَى أَيْ إنَّ الْكَاكِيَّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَاهِرِينَ، وَهُوَ أَدْرَى بِالْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَنْبَغِي تَضْعِيفُ مَا نَقَلَهُ.
قُلْت: لَكِنْ اسْتَنَدَ الْكَاكِيُّ إلَى عَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي ذِكْرَهَا فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ اسْتَنَدَ فِي الْبَحْرِ إلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْفَارُوقُ بَعْدَهُ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَاسْتَدْرَكَ بِذَلِكَ مُنْلَا عَلِيٍّ فِي شَرْحِ

(2/493)


وَتَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَضَعْهُمَا ثُمَّ يُقَبِّلْهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا (وَإِلَّا) يُمْكِنْهُ ذَلِكَ (يَمَسَّ) بِالْحَجَرِ (شَيْئًا فِي يَدِهِ) وَلَوْ عَصًا (ثُمَّ قَبَّلَهُ) أَيْ الشَّيْءَ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا) أَيْ الِاسْتِلَامِ وَالْإِمْسَاسِ (اسْتَقْبَلَهُ) مُشِيرًا إلَيْهِ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ كَأَنَّهُ وَاضِعُهُمَا عَلَيْهِ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ثُمَّ يُقَبِّلُ كَفَّيْهِ وَفِي بَقِيَّةِ الرَّفْعِ فِي الْحَجِّ يَجْعَلُ كَفَّيْهِ لِلسَّمَاءِ إلَّا عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ فَلِلْكَعْبَةِ

(وَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَيُسَنُّ) هَذَا الطَّوَافُ (لِلْآفَاقِيِّ) لِأَنَّهُ الْقَادِمُ (وَأَخَذَ) الطَّائِفُ (عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ) فَتَصِيرُ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ الطَّائِفَ كَالْمُؤْتَمِّ بِهَا وَالْوَاحِدُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَلَوْ عَكَسَ أَعَادَ مَادَامَ بِمَكَّةَ فَلَوْ رَجَعَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ كَمَا مَرَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
النُّقَايَةِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْكَاكِيِّ وَأَيَّدَ بِهِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ رَأَيْت نَقْلًا عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ مَالِكٌ وَحْدَهُ السُّجُودَ عَلَى الْحَجَرِ وَقَالَ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ اهـ أَيْ عَلَى مَالِكٍ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ مَا فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ السُّرُوجِيَّ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَهُوَ أَدْرَى وَالْأَخْذُ بِمَا قَالَهُ مُوَافِقًا لِلْجُمْهُورِ وَالْحَدِيثِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَتَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ) أَيْ فَلَا يُتْرَكُ الْوَاجِبُ لِفِعْلِ السُّنَّةِ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الْخِتَانِ فَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِفِعْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ النَّظَرَ مَأْذُونٌ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) أَيْ عَلَى تَقْبِيلِهِ إلَّا بِالْإِيذَاءِ أَوْ مُطْلَقًا يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَبِّلُهُمَا أَوْ يَضَعُ إحْدَاهُمَا وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْيُمْنَى لِأَنَّهَا الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا فِيهِ شَرَفٌ، وَلِمَا نُقِلَ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ مِنْ أَنَّ الْحَجَرَ " يَمِينُ اللَّهِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ " وَالْمُصَافَحَةُ بِالْيُمْنَى.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا يُمْكِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ وَضْعُ يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ يُمِسُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مِنْ الْإِمْسَاسِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي (قَوْلُهُ عَنْهُمَا) الْأَوْلَى عَنْهُ أَيْ الْإِمْسَاسِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الِاسْتِلَامِ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا يَمَسَّ (قَوْلُهُ مُشِيرًا إلَيْهِ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ) أَيْ بِأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَيَجْعَلَ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ هَكَذَا الْمَأْثُورُ بَحْرٌ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ وَكَأَنَّهُ حِكَايَةٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْمَارَّيْنِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُقَبِّلُ كَفَّيْهِ) أَيْ بَعْدَ الْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَفْعَلُ فِي كُلِّ شَوْطٍ عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ مَا يَفْعَلُهُ فِي الِابْتِدَاءِ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكُلَّمَا مَرَّ بِالْحَجَرِ فَعَلَ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ فَلِلْكَعْبَةِ) أَوْ لِلْقِبْلَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي

(قَوْلُهُ طَوَافَ الْقُدُومِ) يُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ التَّحِيَّةِ وَطَوَافَ اللِّقَاءِ وَطَوَافَ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ وَطَوَافَ إحْدَاثِ الْعَهْدِ بِالْبَيْتِ، وَطَوَافَ الْوَارِدِ وَالْوُرُودِ شَرْحُ اللُّبَابِ وَيَقَعُ هَذَا الطَّوَافُ لِلْقُدُومِ مِنْ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَوْنَهُ لِلْقُدُومِ أَوْ نَوَى غَيْرَهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُحْرِمُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ هَذَا لِلْقُدُومِ وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ نَوَاهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَعَلَى الْقَارِنِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِلْقُدُومِ اهـ أَيْ اسْتِحْبَابًا بَعْدَ فَرَاغِهِ عَنْ سَعْيِ الْعُمْرَةِ قَارِي. وَفِي اللُّبَابِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ وَآخِرُهُ مِنْ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ فَإِذَا وَقَفَ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَإِلَى طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) أَيْ لَا غَيْرُ فَتْحٌ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَكِّيِّ وَلَا لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ سِرَاجٌ وَشَرْحُ اللُّبَابِ إلَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ لِلْآفَاقِيِّ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ لُبَابٌ، فَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَدَاخِلِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ يَمِينِ الطَّائِفِ لَا الْحَجَرِ وَقَوْلُهُ مِمَّا يَلِي الْبَابَ: أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ تَأْكِيدٌ لَهُ وَهَذَا وَاجِبٌ فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَكَسَ) بِأَنْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ بِوَجْهِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ وَطَافَ مُعْتَرِضًا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ رَجَعَ) أَيْ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَ إعَادَتِهِ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ) أَيْ يُعِيدُهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ أَيْ

(2/494)


قَالُوا وَيَمُرُّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ (جَاعِلًا) قَبْلَ شُرُوعِهِ (رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْيُمْنَى مُلْقِيًا طَرَفَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) اسْتِنَانًا (وَرَاءَ الْحِطْمِ) وُجُوبًا لِأَنَّ مِنْهُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْبَيْتِ فَلَوْ طَافَ مِنْ الْفُرْجَةِ لَمْ يَجُزْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ قَالُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا كَانَ الِابْتِدَاءُ فِي الطَّوَافِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ قَرِيبًا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُتَعَيِّنًا، لِيَكُونَ مَارًّا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ شَاهَدْنَاهُمْ يَبْتَدِئُونَ الطَّوَافَ وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ طَوَافِهِمْ فَاحْذَرْهُ اهـ.
قُلْت: قَدَّمْنَا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ عَنْ اللُّبَابِ، وَأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَا مُتَعَيِّنَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا قَائِلًا فِي تَعْلِيلِهِ وَتَبِعَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْخُرُوجِ عَنْ خِلَافِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ عَلَى الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَفِي الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ الْأَكْمَلُ وَالْأَفْضَلُ، ثُمَّ قَالَ الْقَارِي وَإِلَّا فَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ مُطْلَقًا وَنَوَى الطَّوَافَ كَفَى عِنْدَنَا فِي أَصْلِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرِيضَةٌ أَوْ شَرْطٌ. اهـ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيَامِهِ مُسَامِتًا لِلْحَجَرِ بِأَنْ وَقَفَ جِهَةَ الْمُلْتَزَمِ وَمَالَ بِبَعْضِ جَسَدِهِ لِيُقَبِّلَ الْحَجَرَ أَمَّا مَنْ قَامَ مُسَامِتًا بِجَسَدِهِ الْحَجَرَ فَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لِأَنَّ الْحَجَرَ وَرُكْنَهُ لَا يَبْلُغُ عَرْضَ جَسَدِ الْمُسَامِتِ لَهُ وَبِهِ يَحْصُلُ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُرُورُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَنَا، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ بِلَفْظِ قَالُوا لِمَا عَلِمْته فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ) أَيْ مِنْ حِينِ تَجَرُّدِهِ لِلْإِحْرَامِ، بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلُبْسَ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ إلَخْ لَكِنْ قَدَّمْنَا تَصْحِيحَ خِلَافِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْطَبِعَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ بِقَلِيلٍ اهـ فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ شُرُوعِهِ لَكَانَ أَصْوَبَ فَافْهَمْ.
هَذَا، وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الضِّيَاءِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ تَرَكَهُ حَتَّى إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مُضْطَبِعًا يُكْرَهُ لِكَشْفِهِ مَنْكِبَهُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهُ لَا اضْطِبَاعَ فِي السَّعْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ اسْتِنَانًا) أَيْ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالْعُمْرَةِ وَكَطَوَافِ الزِّيَارَةِ إنْ كَانَ آخِرَ السَّعْيِ وَلَمْ يَكُنْ لَابِسًا، بَقِيَ مَنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ لِعُذْرٍ هَلْ يُسَنُّ لَهُ التَّشَبُّهُ بِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَصْحَابُنَا وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَتَعَذَّرُ فِي حَقِّهِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ يُشْرَعُ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْكِبُ مَسْتُورًا بِالْمَخِيطِ لِلْعُذْرِ. قُلْت: وَالْأَظْهَرُ فِعْلُهُ شَرْحُ اللُّبَابِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ) وَيُسَمَّى حَظِيرَةَ إسْمَاعِيلَ أَوْ هُوَ الْبُقْعَةُ الَّتِي تَحْتَ الْمِيزَابِ عَلَيْهَا حَاجِزٌ كَنِصْفِ دَائِرَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فُرْجَةٌ سُمِّيَ بِالْحَطِيمِ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِرَ وَبِالْحِجْرِ لِأَنَّهُ حُجْرٌ مِنْهُ أَيْ مُنِعَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِنْهُ سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْبَيْتِ) لَفْظَةُ مِنْهُ خَبَرُ أَنَّ مُقَدَّمٌ وَسِتَّةٌ اسْمُهَا مُؤَخَّرٌ وَمِنْ الْبَيْتِ صِفَةُ سِتَّةٍ وَالتَّقْدِيرُ لِأَنَّ سِتَّةَ أَذْرُعٍ كَائِنَةٌ مِنْ الْبَيْتِ ثَابِتَةٌ مِنْهُ أَوْ مِنْهُ حَالٌ مِنْ سِتَّةٍ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَمِنْ الْبَيْتِ خَبَرٌ وَهُوَ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ
لَمِّيَّةَ مُوحِشًا طَلَلٌ
ط.
قُلْت: وَالثَّانِي أَظْهَرُ فَافْهَمْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَيْسَ الْحِجْرُ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْهُ فَقَطْ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْحَجِّ مِنْ الْبَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ مِنْ الْجَوَازِ بِمَعْنَى الْحِلِّ لَا الصِّحَّةِ أَوْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيَةِ مِنْ الْإِجْزَاءِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ قَالَ الْقَارِي فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ: وَلَوْ طَافَ مِنْ الْفُرْجَةِ لَا يَجْزِيهِ فِي تَحْقِيقِ كَمَالِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ كُلِّهِ لِتَحَقُّقِهِ، وَإِنْ أَعَادَ مِنْ الْحَطِيمِ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ عَلَى يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ أَوْ لَا يَدْخُلُ الْحِجْر، وَهُوَ أَفْضَلُ بِأَنْ يَرْجِعَ وَيَبْتَدِئَ

(2/495)


كَاسْتِقْبَالِهِ احْتِيَاطًا وَبِهِ قَبْرُ إسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) فَقَطْ (فَلَوْ طَافَ ثَامِنًا مِنْ عَمَلِهِ بِهِ) فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ (يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأُسْبُوعِ لِلشُّرُوعِ) أَيْ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا لَا مُسْتَلْزِمًا بِخِلَافِ الْحَجِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِنْ أَوَّلِ الْحَجَر هَكَذَا يَفْعَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقْضِي صِفَتَهُ مِنْ رَمَلٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ صَحَّ طَوَافُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ كَاسْتِقْبَالِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَهُ الْمُصَلِّي لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَكَوْنُ الْحَطِيمِ مِنْ الْكَعْبَةِ ثَبَتَ بِالْآحَادِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مِنْ الْكَعْبَةِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي وُجُوبِ الطَّوَافِ وَرَاءَهُ وَفِي عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِقْبَالِهِ وَالتَّشْبِيهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَفْهُومِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِهِ قَبْرُ إسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ أَوْرَدَ أَنَّ قَبْرَ إسْمَاعِيلَ فِيمَا بَيْنَ الْمِيزَابِ إلَى بَابِ الْحِجْرِ الْغَرْبِيِّ.
[تَنْبِيهٌ]
لَمْ يَذْكُرْ الشَّاذَرْوَانَ وَهُوَ الْإِفْرِيزُ الْمُسَنَّمُ الْخَارِجُ عَنْ عُرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، قِيلَ إنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَقِيَ مِنْهُ حِينَ عَمَّرَتْهُ قُرَيْشٌ كَالْحَطِيمِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْهُ عِنْدَنَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَوَافُهُ وَرَاءَهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ خَانِيَّةٌ وَهَذَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ لَا لِلْفَرْضِ فِي الطَّوَافِ فِي لِمَا مَرَّ أَنَّ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، فَالرُّكْنُ أَكْثَرُهَا بَحْرٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الصَّدْرِ لَزِمَهُ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ.
مَطْلَبٌ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ
وَأَمَّا الْقُدُومُ فَلَمْ يُصَرِّحُوا بِمَا يَلْزَمُهُ لَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَبَحَثَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ كَالصَّدْرِ وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ الصَّدْرَ وَاجِبٌ بِأَصْلِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِشُرُوعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْبَةِ كَصَلَاةِ النَّفْلِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ يُقَالُ وُجُوبُهُ بِالشُّرُوعِ بِمَعْنَى وُجُوبِ إكْمَالِهِ وَقَضَائِهِ بِإِهْمَالِهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْإِتْيَانِ بِوَاجِبَاتِهِ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ مِنْهَا وَاجِبًا وَجَبَ إعَادَتُهَا أَوْ الْإِتْيَانُ بِمَا يَجْبُرُ مَا تَرَكَهُ مِنْهَا كَالصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ ابْتِدَاءً، وَهُنَا كَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ أَقَلَّهُ تَجِبُ فِيهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ تَرَكَ أَكْثَرَهُ يَجِبُ فِيهِ دَمٌ لِأَنَّهُ الْجَابِرُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ فِي الطَّوَافِ كَسُجُودِ السَّهْوِ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ فِي النَّافِلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ ثَامِنٌ لَكِنْ فَعَلَهُ بِنَاءً عَلَى الْوَهْمِ أَوْ الْوَسْوَسَةِ لَا عَلَى قَصْدِ دُخُولِ طَوَافٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ اتِّفَاقًا شَرْحُ اللُّبَابِ. قُلْت: لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ قَصَدَ الدُّخُولَ فِي طَوَافٍ آخَرَ أَيْضًا (قَوْلُهُ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا لَا مُلْزِمًا) أَيْ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ إتْمَامُ السَّبْعَةِ لَا مُلْزِمًا نَفْسَهُ بِشَوْطٍ مُسْتَأْنَفٍ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ إكْمَالُهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ ثَامِنٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَجِّ) فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ بَحْرٌ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الطَّوَافَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ مِثْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَوْ شَرَعَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْإِسْقَاطِ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ إلَّا الْحَجَّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ.
[تَنْبِيهٌ]
لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ أَعَادَهُ وَلَا يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ يُكْثِرَ ذَلِكَ يَتَحَرَّى، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِمَا لُبَابٌ قَالَ شَارِحُهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي أَشْوَاطِ غَيْرِ الرُّكْنِ لَا يُعِيدُهُ بَلْ يَبْنِي عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ

(2/496)


وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ وَرَاءَ زَمْزَمَ لَا خَارِجَهُ لِصَيْرُورَتِهِ طَائِفًا بِالْمَسْجِدِ لَا بِالْبَيْتِ وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ أَوْ مِنْ السَّعْيِ إلَى جِنَازَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ بَنَى وَجَازَ فِيهِمَا أَكْلٌ وَبَيْعٌ وَإِفْتَاءٌ وَقِرَاءَةٌ لَكِنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَفِي مَنْسَكِ النَّوَوِيِّ الذِّكْرُ الْمَأْثُورُ أَفْضَلُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْثُورِ فَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ فَلْيُرَاجَعْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَى التَّوْسِعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي حُكْمِ الرُّكْنِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ. اهـ.

(قَوْلُهُ مَكَانَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ أَنَّ فَهُوَ اسْمُ مَكَان لَا ظَرْفُ مَكَان لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ لَا يَقَعُ اسْمَ إنَّ لِأَنَّ اسْمَهَا مُبْتَدَأٌ فِي الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ: دَاخِلٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُهَا وَقَوْلُهُ: لَا خَارِجَهُ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ فِيهِمَا النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْمُتَعَلِّقُ خَبَرُ إنَّ فَيَكُونُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْأَخَصِّ فِي الْأَعَمِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَرَاءَ زَمْزَمَ) أَوْ الْمَقَامِ أَوْ السَّوَارِيِّ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ وَلَوْ مُرْتَفِعًا عَلَى الْبَيْتِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ لَا بِالْبَيْتِ) لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَسْجِدِ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْحِيطَانُ مُتَهَدِّمَةً يَصِحُّ وَحَقَّقَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ بَنَى) أَيْ عَلَى مَا كَانَ طَافَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فَتْحٌ. قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِقْبَالَ لِلْإِكْمَالِ بِالْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي اللُّبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فِي فَضْلِ مُسْتَحَبَّاتِ الطَّوَافِ: وَمِنْهَا اسْتِئْنَافُ الطَّوَافِ لَوْ قَطَعَهُ أَوْ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ قَالَ شَارِحُهُ لَوْ قَطَعَهُ أَيْ وَلَوْ بِعُذْرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ إتْيَانِ أَكْثَرِهِ اهـ بَقِيَ مَا إذَا حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ أَوْ الْمَكْتُوبَةُ فِي أَثْنَاءِ الشَّوْطِ هَلْ يُتِمُّهُ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ عِنْدَنَا وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْإِتْمَامِ إذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَإِذَا عَادَ لِلْبِنَاءِ هَلْ يَبْنِي مِنْ مَحَلِّ انْصِرَافِهِ أَوْ يَبْتَدِئُ الشَّوْطَ مِنْ الْحَجَرِ؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ نَقَلَهُ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ التَّابِعِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْفَتْحِ بَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ]
إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كُرِهَ وَلَا يَبْطُلُ فَقَدْ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَا مُفْسِدَ لِلطَّوَافِ وَعَدَّ مِنْ مَكْرُوهَاتِهِ تَفْرِيقَهُ أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ أَشْوَاطِهِ تَفْرِيقًا كَثِيرًا وَكَذَا قَالَ فِي السَّعْيِ بَلْ ذَكَرَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ لَوْ فَرَّقَ السَّعْيَ تَفْرِيقًا كَثِيرًا كَأَنْ سَعَى كُلَّ يَوْمٍ شَوْطًا أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَبْطُلْ سَعْيُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ (قَوْلُهُ وَجَازَ فِيهِمَا أَكْلٌ وَبَيْعٌ) الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي اللُّبَابِ كَرَاهَةُ الْبَيْعِ فِيهِمَا وَكَرَاهَةُ الْأَكْلِ فِي الطَّوَافِ لَا السَّعْيِ، وَمِثْلُ الْبَيْعِ الشِّرَاءُ وَعَدَّ الشُّرْبَ فِيهِمَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَقَالَ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمِيعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ فِي طَوَافِهِ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَنْبُو مَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ عَمَّا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ لَا بَأْسَ فِي الْأَكْثَرِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى اهـ أَيْ وَمِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ قَوْلُ الْمُنْتَقَى، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَدْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْأَفْضَلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ فِي الطَّوَافِ قِرَاءَةٌ بَلْ الذِّكْرُ وَهُوَ الْمُتَوَارَثُ مِنْ السَّلَفِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَلْيُرَاجَعْ) أَقُولُ: الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا أَنَّ الْقِرَاءَةَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَأَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْهَا مَأْثُورًا أَوَّلًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَامِلُ وَهُوَ الْمَأْثُورُ فَيُوَافِقُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النَّوَوِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، لَكِنَّ كَوْنَ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِ الْمَأْثُورِ يَنْبُو عَنْهُ قَوْلُ الْمُنْتَقَى: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي طَوَافِهِ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ عَنْ الْقِرَاءَةِ تَنْزِيهًا وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِ مَأْثُورٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ هُنَا مُطْلَقُهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ عَلَى خِلَافِ مَا فَصَّلَهُ النَّوَوِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(2/497)


(وَرَمَلٌ) أَيْ مَشْيٌ بِسُرْعَةٍ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَهَزِّ كَتِفَيْهِ (فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) اسْتِنَانًا (فَقَطْ) فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ نَسِيَهُ وَلَوْ فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يَرْمُلْ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ وَقَفَ حَتَّى يَجِدَ فُرْجَةً فَيَرْمُلُ بِخِلَافِ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا (مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) فِي كُلِّ شَوْطٍ (وَكُلَّمَا مَرَّ بِالْحَجَرِ فَعَلَ مَا ذُكِرَ) مِنْ الِاسْتِلَامِ (وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ) الْيَمَانِيَّ (وَهُوَ مَنْدُوبٌ) لَكِنْ بِلَا تَقْبِيلٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ سُنَّةٌ وَيُقَبِّلُهُ وَالدَّلَائِلُ تُؤَيِّدُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُ غَيْرِهِمَا

(وَخَتَمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ اسْتِنَانًا ثُمَّ صَلَّى شَفْعًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
[تَنْبِيهٌ] وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً» إلَخْ وَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ قَالَهُ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَرَمَلٍ) أَيْ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَإِلَّا فَلَا كَالِاضْطِبَاعِ بَدَائِعُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْغَايَةِ لَوْ كَانَ قَارِنًا وَقَدْ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَافَ لِلتَّحِيَّةِ مُحْدِثًا وَسَعَى بَعْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْمُلَ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَيَسْعَى بَعْدَهُ لِحُصُولِ الْأَوَّلِ بَعْدَ طَوَافٍ نَاقِصٍ وَإِنْ لَمْ يَعُدُّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَزِّ كَتِّفِيهِ) مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى تَقَارُبٍ، وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ جَعْلِهِ فِعْلًا مَعْطُوفًا عَلَى مَشَى (قَوْلُهُ اسْتِنَانًا) فَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» فَتْحٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُسَنُّ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الثَّلَاثَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ مَشَى شَوْطًا ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَرْمُلُ إلَّا فِي شَوْطَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَرْمُلُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ أَيْ لِأَنَّ تَرْكَ الرَّمَلِ فِي الْأَرْبَعَةِ سُنَّةٌ، فَلَوْ رَمَلَ فِيهَا كَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّتَيْنِ وَتَرْكُ إحْدَاهُمَا أَسْهَلُ بَحْرٌ، وَلَوْ رَمَلَ فِي الْكُلِّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَنْزِيهًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَفَ) وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَمْشِي حَتَّى يَجِدَ الرَّمَلَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ وُقُوفَهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ قَارِي عَلَى النُّقَايَةِ وَفِي شَرْحِهِ عَلَى اللُّبَابِ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ وَأَجْزَاءِ الطَّوَافِ سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَلْ قِيلَ وَاجِبَةٌ فَلَا يَتْرُكُهَا لِسُنَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا. اهـ. قُلْت: يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ جَمْعًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الزَّحْمَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَقَفَ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى الطَّوَافِ مُسْتَحَبَّةٌ فَيَتْرُكُهَا لِسُنَّةِ الرَّمَلِ الْمُؤَكَّدَةِ وَإِنْ حَصَلَتْ فِي الْأَثْنَاءِ فَلَا يَقِفُ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُوَالَاةُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا) وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحَجَرِ وَالرَّمَلُ لَا بَدَلَ لَهُ (قَوْلُهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) لَا إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ كَمَا قِيلَ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ شَوْطٍ) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَكُلَّمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الِاسْتِلَامِ) فَهُوَ سُنَّةٌ بَيْنَ كُلِّ شَوْطَيْنِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة: أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ سُنَّةٌ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَدَبٌ بَحْرٌ وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّهُ فِي الطَّرَفَيْنِ آكَدُ مِمَّا بَيْنَهُمَا قَالَ وَكَذَا يُسَنُّ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ اهـ وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ اسْتَقْبَلَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ تَكْبِيرٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ فِي كُلِّ مَبْدَإِ شَوْطٍ، وَاعْتِقَادِي أَنَّ عَدَمَ الرَّفْعِ هُوَ الصَّوَابُ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خِلَافَهُ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ) أَيْ فِي كُلِّ شَوْطٍ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِلَامِ هُنَا لَمْسُهُ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِيَمِينِهِ دُونَ يَسَارِهِ بِدُونِ تَقْبِيلٍ وَسُجُودٍ عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَةَ عَنْهُ بِالْإِشَارَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ لَمْسِهِ لِلزَّحْمَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالدَّلَائِلُ تُؤَيِّدُهُ) أَيْ تُؤَيِّدُ قَوْلَهُ بِكَوْنِهِ سُنَّةً وَبِأَنَّهُ يُقَبِّلُهُ لَكِنْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الْكَرْمَانِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي النُّخْبَةِ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَفِي الْبَدَائِعِ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَقْبِيلَهُ لَيْسَ سُنَّةً وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَلَا يُقَبِّلُهُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُ غَيْرِهِمَا) وَهُوَ الرُّكْنُ الْعِرَاقِيُّ وَالشَّامِيُّ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا رُكْنَيْنِ حَقِيقَةً بَلْ مِنْ وَسَطِ الْبَيْتِ لِأَنَّ بَعْضَ الْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ بَدَائِعُ وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ

(قَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى شَفْعًا) أَيْ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا الْكَافِرُونَ

(2/498)


فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ (يَجِبُ) بِالْجِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ (بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ عِنْدَ الْمَقَامِ) حِجَارَةٌ ظَهَرَ فِيهَا أَثَرُ قَدَمَيْ الْخَلِيلِ (أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَسْجِدُ؟ قَوْلَانِ (ثُمَّ) الْتَزَمَ الْمُلْتَزَمَ وَشَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَ (عَادَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْإِخْلَاصَ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهْرٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَهُمَا بِدُعَاءِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَوْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَازَ وَلَا تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ، وَلَا الْمَنْذُورَةُ عَنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُصَلَّيْهِمَا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ وَلَوْ طَافَ بِصَبِيٍّ لَا يُصَلِّي عَنْهُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ) قَيْدٌ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ فَتُكْرَهُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ، وَالسُّنَّةُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ، فَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ إلَّا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَلَوْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ، ثُمَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، ثُمَّ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ، وَلَوْ صَلَّاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ قِيلَ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيَجِبُ قَطْعُهَا فَإِنْ مَضَى فِيهَا فَالْأَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا لُبَابٌ وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ، وَلَوْ لِغَيْرِهِ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالنَّذْرِ لَا تَنْعَقِدُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ أَعْنِي الطُّلُوعَ وَالِاسْتِوَاءَ وَالْغُرُوبَ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) وَقِيلَ يُسَنُّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ) أَيْ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعًا آخَرَ، فَعَلَى الْفَوْرِ بَحْرٌ. وَفِي السِّرَاجِ يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا الْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِلَا صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا وَإِنْ انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ كَثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَمَّا فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ. اهـ. وَإِذَا زَالَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ هَلْ يُكْرَهُ الطَّوَافُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْأَسَابِيعَ حِينَئِذٍ صَارَتْ كَأُسْبُوعٍ وَاحِدٍ. اهـ. وَلَوْ تَذَكَّرَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي آخَرَ فَإِنْ قَبْلَ تَمَامِ شَوْطٍ رَفَضَهُ وَإِلَّا أَتَمَّ الطَّوَافَ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَانِ لُبَابٌ، وَأَطْلَقَ الْأُسْبُوعَ فَشَمِلَ طَوَافَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ، خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ بِالْوَاجِبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُسْبُوعِ الطَّوَافُ لَا الْعَدَدُ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ لِعُذْرٍ مَثَلًا وَجَبَتْ الرَّكْعَتَانِ، وَعَلَيْهِ مُوجَبُ مَا تَرَكَ فَلْيُرَاجَعْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: تَجِبُ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ وَلَوْ أُدِّيَ نَاقِصًا فَيَتَحَمَّلُ نُقْصَانَ الْعَدَدِ، وَنُقْصَانُ الْوَصْفِ كَالطَّوَافِ مَعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الثَّانِي (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَقَامِ) عِبَارَةُ اللُّبَابِ خَلْفَ الْمَقَامِ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عَادَةً وَعُرْفًا مَعَ الْقُرْبِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ خَلْفَ الْمَقَامِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقَامِ صَفًّا أَوْ صَفَّيْنِ، أَوْ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ حِجَارَةٌ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ تَفْسِيرِ الْقَاضِي لَكِنْ عَبَّرَ بِحَجَرٍ بِالْإِفْرَادِ وَأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى الْحَجِّ وَحَرَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ أَنَّ الْحَجَرَ الَّذِي فِي الْمَقَامِ ارْتِفَاعُهُ مِنْ الْأَرْضِ نِصْفُ ذِرَاعٍ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ، وَأَعْلَاهُ مُرَبَّعٌ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نِصْفُ ذِرَاعٍ وَرُبُعٌ وَعُمْقُ غَوْصِ الْقَدَمَيْنِ سَبْعُ قَرَارِيطَ وَنِصْفٌ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) لَمْ أَرَ مَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ، سِوَى مَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ النَّهْرِ وَفِيهَا نَظَرٌ وَالْمَشْهُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي اللُّبَابِ: وَلَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان وَلَا تَفُوتُ فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ، وَلَوْ صَلَّاهَا خَارِجَ الْحَرَمِ، وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ مُؤَكَّدًا أَدَاؤُهَا خَلَفَ الْمَقَامِ، ثُمَّ فِي الْكَعْبَةِ ثُمَّ فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، ثُمَّ كُلِّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحِجْرِ، ثُمَّ بَاقِي الْحِجْرِ ثُمَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْبَيْتِ، ثُمَّ الْمَسْجِدِ ثُمَّ الْحَرَمِ، ثُمَّ لَا فَضِيلَةَ بَعْدَ الْحَرَمِ بَلْ الْإِسَاءَةُ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْتَزَمَ الْمُلْتَزَمَ إلَخْ) هُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْبَابِ هَذَا وَفِي الْفَتْحِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ. قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا، وَقِيلَ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ

(2/499)


إنْ أَرَادَ السَّعْيَ (وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَخَرَجَ) مِنْ بَابِ الصَّفَا نَدْبًا (فَصَعِدَ الصَّفَا) بِحَيْثُ يَرَى الْكَعْبَةَ مِنْ الْبَابِ (وَاسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ خَانِيَّةٌ (وَرَفَعَ يَدَيْهِ) نَحْوَ السَّمَاءِ (وَدَعَا) لِخَتْمِهِ الْعِبَادَةَ (بِمَا شَاءَ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ اهـ وَالثَّانِي هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ ظَاهِرًا لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فِي طَوَافِ الصَّدْرِ أَنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ اهـ وَقَالَ هُنَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ إتْيَانُ زَمْزَمَ وَالْمُلْتَزَمِ فِيمَا بَيْنَ الصَّلَاةِ إلَى الصَّفَا وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ.
مَطْلَبٌ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
(قَوْلُهُ إنَّ أَرَادَ السَّعْيَ) أَفَادَ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْحَجَرِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ تَابِعًا لِطَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ رُخْصَةٌ لِاشْتِغَالِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِطَوَافِ الْفَرْضِ وَالذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الْفَرْضِ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَجَعْلُهُ تَبَعًا لِلْفَرْضِ أَوْلَى كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ خِلَافًا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْقَارِنِ أَمَّا الْقَارِنُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ أَوْ يُسَنُّ اهـ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّ السَّعْيَ بَعْدَ الطَّوَافِ فَلَوْ عَكَسَ أَعَادَ السَّعْيَ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَأْخِيرَ السَّعْيِ وَاجِبٌ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَهُ فَوْرًا وَالسُّنَّةُ الِاتِّصَالُ بِهِ بَحْرٌ، فَإِنْ أَخَّرَ لِعُذْرٍ أَوْ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِهِ، فَلَا بَأْسَ وَإِلَّا فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ مِنْ بَابِ الصَّفَا نَدْبًا) كَذَا فِي السِّرَاجِ لِخُرُوجِهِ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَفِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ خُرُوجَهُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ فَصَعِدَ الصَّفَا إلَخْ) هَذَا الصُّعُودُ وَمَا بَعْدَهُ سُنَّةٌ، فَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَصْعَدَ عَلَيْهِمَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْ إذَا كَانَ مَاشِيًا بِخِلَافِ الرَّاكِبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُرْشِدِيِّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ دَرَجَاتِ الصَّفَا دُفِنَتْ تَحْتَ الْأَرْضِ بِارْتِفَاعِهَا حَتَّى إنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَوَّلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا الْمَوْجُودَةِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرَى الْبَيْتَ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الصُّعُودِ وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْجَهَلَةِ مِنْ الصُّعُودِ حَتَّى يَلْتَصِقُوا بِالْجِدَارِ، فَخِلَافُ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ إلَخْ) فِي اللُّبَابِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيُهَلَّلُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ وَلِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ وَيُكَرِّرُ الذِّكْرَ مَعَ التَّكْبِيرِ ثَلَاثًا وَيُطِيلُ الْمُقَامَ عَلَيْهِ. اهـ. أَيْ: قَدْرَ مَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ كَمَا فِي شَرْحِهِ عَنْ الْعِدَّةِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ) اقْتَصَرَ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى ذِكْرِ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَقَالَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِمَا اهـ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي دُعَاءِ التَّلْبِيَةِ أَنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ تَأَمَّلْ.
[تَنْبِيهٌ]
فِي اللُّبَابِ: وَيُلَبِّي فِي السَّعْيِ الْحَاجُّ لَا الْمُعْتَمِرُ زَادَ شَارِحُهُ وَلَا اضْطِبَاعَ فِيهِ مُطْلَقًا عِنْدَنَا كَمَا حَقَقْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ لُبَابٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ لِخَتْمِهِ الْعِبَادَةَ) قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الدُّعَاءَ هَاهُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ حَالَةَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَهَذَا حَالَةَ خَتْمِهَا لِأَنَّ خَتْمَ الطَّوَافِ بِالسَّعْيِ وَالدُّعَاءِ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَا عِنْدَ ابْتِدَائِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ السَّعْيِ لَا خَتْمُ الطَّوْفِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ النُّزُولِ عَنْ الصَّفَا، أَمَّا الصُّعُودُ عَلَيْهَا فَقَدْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ خَتْمُ الطَّوَافِ لِقَصْدِهِ الِانْتِقَالَ عَنْهُ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى تَابِعَةٍ لَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ) أَيْ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ حِفْظِهِ لَهُ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ

(2/500)


وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَأْثُورِ فَحَسَنٌ (ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ) الْمُتَّخَذَيْنِ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ (وَصَعِدَ عَلَيْهَا وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا يَفْعَلُ هَكَذَا سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ) الشَّوْطَ السَّابِعَ (بِالْمَرْوَةِ) فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْأَوَّلِ هُوَ الْأَصَحُّ وَنُدِبَ خَتْمُهُ بِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِلَا حُضُورِ قَلْبٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي الدُّعَاءُ فِيهَا بِمَا يَحْفَظُهُ لِئَلَّا يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَأْثُورِ فَحَسَنٌ) أَيْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي رِسَالَتِي بُغْيَةُ النَّاسِكِ فِي أَدْعِيَةِ الْمَنَاسِكِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ يَهْبِطُ نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا ذَاكِرًا مَاشِيًا عَلَى هِينَتِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ دُونَ الْمِيلِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ قِيلَ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى يُجَاوِزَ الْمِيلَيْنِ ثُمَّ يَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ دُونَ الْعَدْوِ، وَهُوَ فِي كُلِّ شَوْطٍ أَيْ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ مِثْلَهُ، فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ هَرْوَلَ فِي جَمِيعِ السَّعْيِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَبَرَ حَتَّى يَجِدَ فُرْجَةً وَإِلَّا تَشَبَّهَ بِالسَّاعِي فِي حَرَكَتِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا اهـ وَقَوْلُهُ قِيلَ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ قَالَ شَارِحُهُ هُوَ مَنْسُوبٌ لِلشَّافِعِيِّ وَذُكِرَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ لِأَصْحَابِنَا. اهـ.
قُلْت: وَنَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ وَقَالَ إنَّ الْمِيلَ كَانَ عَلَى مَتْنِ الطَّرِيقِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُبْتَدَأُ مِنْهُ السَّعْيُ، فَكَانَ يَهْدِمُهُ السَّيْلُ فَرَفَعُوهُ إلَى أَعْلَى رُكْنِ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا سُمِّيَ مُعَلَّقًا فَوَقَعَ مُتَأَخِّرًا عَنْ ابْتِدَاءِ السَّعْيِ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ أَلِيقُ مِنْهُ وَالْمِيلُ الثَّانِي مُتَّصِلٌ بِدَارِ الْعَبَّاسِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا وَأَقَرَّهُ، وَنَقَلَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ وَالطَّرَابُلُسِيِّ وَالْبَحْرِ الْعَمِيقِ وَغَيْرِهِمْ.
قُلْت: وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُتُونِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ الْمُتَّخَذَيْنِ) فِي نُسْخَةٍ الْمَنْحُوتَيْنِ (قَوْلُهُ وَصَعِدَ عَلَيْهَا) أَيْ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ أَمَّا الْآنَ فَمَنْ وَقَفَ عَلَى الدَّرَجَةِ الْأُولَى، بَلْ عَلَى أَرْضِهَا يَصْدُقُ أَنَّهُ طَلَعَ عَلَيْهَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا) أَيْ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ بِأَنْ يَمِيلَ إلَى يَمِينِهِ أَدْنَى مَيْلٍ لِيَتَوَجَّهَ إلَى الْبَيْتِ، وَإِلَّا فَالْبَيْتُ لَا يَبْدُو الْيَوْمَ لِحَجْبِهِ بِالْبُنْيَانِ، وَمِنْ التَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالثَّنَاءِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذَّهَابَ إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ الذَّهَابَ وَالْعَوْدَ شَوْطٌ وَاحِدٌ كَالطَّوَافِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ كَخَتْمِ الطَّوَافِ لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ كَمَا أَنَّ مَبْدَأَهُمَا بِالِاسْتِلَامِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذْ فِيهِ نَصٌّ وَهُوَ مَا رَوَى «الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ حَتَّى إذَا حَاذَى الرُّكْنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ.» وَتَمَامُهُ فِيهِ.
مَطْلَبٌ فِي عَدَمِ مَنْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ.
[تَنْبِيهٌ]
قَالَ الْعَلَّامَةُ قُطْبُ الدِّينِ فِي مَنْسَكِهِ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ فِي حَاشِيَةِ الْفَتْحِ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ الْمَارَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَصَارَ كَمَنْ

(2/501)


(ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) بِالْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَنَا (وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَاشِيًا) بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ نَافِلَةً لِلْآفَاقِيِّ وَقَلْبُهُ لِلْمَكِّيِّ. وَفِي الْبَحْرِ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِزَمَنِ الْمَوْسِمِ وَإِلَّا فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا

(وَخَطَبَ الْإِمَامُ) أُولَى خُطَبِ الْحَجِّ الثَّلَاثِ (سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَ) بَعْدَ (صَلَاةِ الظُّهْرِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ اهـ وَقَالَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ حَكَى عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ عَنْ مُشْكِلَاتِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ يَجُوزُ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) إنَّمَا عَبَّرَ بِالسُّكْنَى دُونَ الْإِقَامَةِ لِإِيهَامِهَا الْإِقَامَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إذَا دَخَلَ الْحَاجُّ مَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ اتِّحَادُ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ ط (قَوْلُهُ بِالْحَجِّ) إنَّمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لِلْمُفْرِدِ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ عَلَى قَوْلِهِ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ: أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِهِ، وَيَقْطَعُ أَفْعَالَهُ وَيَجْعَلُ إحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ لُبَابٌ، وَأَمَّا أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَمَخْصُوصٌ بِهِمْ أَوْ مَنْسُوخٌ نَهْرٌ، وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَقَامَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ) لِأَنَّ الرَّمَلَ وَكَذَا الِاضْطِبَاعُ تَابِعَانِ لِطَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةُ فَقَطْ، وَهَذَا الطَّوَافُ تَطَوُّعٌ فَلَا سَعْيَ بَعْدَهُ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الطَّوَافُ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ) أَيْ تَقْيِيدُ كَوْنِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ أَفْضَلَ مِنْ طَوَافِ التَّطَوُّعِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ بِزَمَنِ الْمَوْسِمِ لِأَجْلِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ لِلْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ فِي غَيْرِ الْمَوْسِمِ، وَقَدْ أَقَرَّهُ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي النَّهْرِ
قُلْت: لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَنَصُّهُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ لِأَهْلِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَلِلْغُرَبَاءِ الطَّوَافُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّ الْغُرَبَاءَ لَوْ اشْتَغَلُوا بِهَا لَفَاتَهُمْ الطَّوَافُ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ أَوْلَى. اهـ.
مَطْلَبٌ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ [تَنْبِيهٌ]
فِي شَرْحِ الْمُرْشِدِيِّ عَلَى الْكَنْزِ قَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ أُسْبُوعٍ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ مُشْتَمِلٌ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مَعَ زِيَادَةٍ بَلْ مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ أُسْبُوعًا هَلْ الْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَصْرِفَهُ لِلطَّوَافِ أَمْ يَشْغَلُهُ بِالصَّلَاةِ اهـ وَنَظِيرُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْقَاضِي إبْرَاهِيمُ بْنُ ظَهِيرَةَ الْمَكِّيُّ حَيْثُ سُئِلَ هَلْ الْأَفْضَلُ الطَّوَافُ أَوْ الْعُمْرَةُ مِنْ أَنَّ الْأَرْجَحَ تَفْضِيلُ الطَّوَافِ عَلَى الْعُمْرَةِ إذَا شَغَلَ بِهِ مِقْدَارَ زَمَنِ الْعُمْرَةِ إلَّا إذَا قِيلَ إنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.
[تَتِمَّةٌ]
سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى إيذَاءِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا مَعَ الزَّحْمَةِ قَلَّمَا يَكُونُ نَهْرٌ.
مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ
قُلْت: وَكَذَا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى دَفْعِ الرِّشْوَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْحَجَبَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مُنْلَا عَلِيٌّ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الدُّخُولِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّارِحِ لَهُ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْحَجِّ

(قَوْلُهُ أُولَى خُطَبِ الْحَجِّ الثَّلَاثِ) ثَانِيهَا بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ثَالِثُهَا بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ، فَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَةٍ بِيَوْمٍ وَكُلُّهَا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا جِلْسَةٍ فِي وَسَطِهَا

(2/502)


وَكُرِهَ قَبْلَهُ (وَعَلَّمَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ فَإِذَا صَلَّى بِمَكَّةَ الْفَجْرَ) يَوْمَ التَّرْوِيَةِ (ثَامِنَ الشَّهْرِ خَرَجَ إلَى مِنًى) قَرْيَةٍ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ مَكَّةَ (وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ ثُمَّ) بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ) عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ (وَ) عَرَفَاتٌ (كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَادٍ مِنْ الْحَرَمِ غَرْبِيَّ مَسْجِدِ عَرَفَةَ (فَبَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ) صَلَاةِ (الظُّهْرِ خَطَبَ الْإِمَامُ) فِي الْمَسْجِدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إلَّا خُطْبَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَكُلُّهَا بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ إلَّا بِعَرَفَةَ، وَكُلُّهَا سُنَّةٌ لُبَابٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَلَا الشَّارِحُ الْخُطْبَةَ الثَّالِثَةَ فِي مَوْضِعِهَا (قَوْلُهُ وَكُرِهَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ سِرَاجٌ.
مَطْلَبٌ فِي الرَّوَاحِ إلَى عَرَفَاتٍ
(قَوْلُهُ وَعَلَّمَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) أَيْ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَالْمَبِيتِ بِهَا وَالرَّوَاحِ مِنْهَا إلَى عَرَفَةَ وَالصَّلَاةِ بِهَا وَالْوُقُوفِ فِيهَا وَالْإِفَاضَةِ مِنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَاجُّ إلَى تَمَامِ حَجِّهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا خُطَبٌ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ خَيْرٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى بِمَكَّةَ الْفَجْرَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُ هَذَا التَّرْتِيبِ إعْقَابُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ وَاسْتَحْسَنَ فِي الْمُحِيطِ كَوْنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ اسْتِعْدَادًا لِلْوُقُوفِ يَوْمَ عَرَفَةَ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي عَرَفَاتٍ مَاءٌ جَارٍ كَزَمَانِنَا شَرْحُ اللُّبَابِ.
[فَائِدَةٌ]
فِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ: هُوَ الثَّامِنُ وَالْيَوْمُ التَّاسِعُ عَرَفَةُ وَالْعَاشِرُ النَّحْرُ، وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْقَرُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ لِأَنَّهُمْ يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنًى، وَالثَّانِي عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ النَّفْرُ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ) أَفَادَ طَلَبَ الْمَبِيتِ بِهَا فَإِنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى وَيُقِيمَ بِهَا إلَى صَبِيحَةِ عَرَفَةَ اهـ وَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ بِهَا لِوَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَهُوَ زَمَانُ الْإِسْفَارِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ بِغَلَسٍ، فَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى فَجْرِ مُزْدَلِفَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ الْأَفْضَلُ شَرْحُ اللُّبَابِ.
وَفِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ: وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ دُخُولِهِمْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَيَفُوتُهُمْ بِسَبَبِهِ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الصَّلَوَاتُ بِمِنًى وَالْمَبِيتُ بِهَا، وَالتَّوَجُّهُ مِنْهَا إلَى نَمِرَةَ وَالنُّزُولُ بِهَا وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ قَبْلَ دُخُولِ عَرَفَاتٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ اهـ وَقَوْلُهُ: وَالتَّوَجُّهُ مِنْهَا إلَى نَمِرَةَ وَالنُّزُولُ بِهَا فِيهِ عِنْدَنَا كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مُوهِمَةً كَعِبَارَةِ الْكَنْزِ خِلَافَ الْمُرَادِ قَيَّدَهَا بِذَلِكَ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ خَرَجَ إلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى اهـ وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَيَنْزِلُ بِعَرَفَاتٍ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ إلَّا الطَّرِيقَ وَقُرْبَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ أَفْضَلُ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي نَمِرَةَ أَفْضَلُ لِنُزُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ قُلْنَا نَمِرَةُ مِنْ عَرَفَةَ وَنُزُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ اهـ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ بِنَمِرَةَ وَلِمَا نَقَلُوهُ عَنْ الْإِمَامِ رَشِيدِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ عَرَفَةَ حَتَّى يَنْزِلَ بِنَمِرَةَ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ، وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ لَا غَيْرِهِ أَوْ بِأَنَّ النُّزُولَ أَوَّلًا بِنَمِرَةَ ثُمَّ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَبَلِ الَّذِي يَلِي مَسْجِدَ الْخِيفِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مَوْضِعُ وُقُوفٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) فَلَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ) أَيْ مَعَ ضَمِّ الْعَيْنِ كَهُمَزَةٍ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَبَعْدَ الزَّوَالِ خَطَبَ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا وَصَلَ إلَى

(2/503)


(خُطْبَتَيْنِ كَالْجُمُعَةِ وَعَلَّمَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ وَ) بَعْدَ الْخُطْبَةِ (صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَقِرَاءَةٍ سَرِيَّةٍ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ.

(وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَرَفَةَ وَمَكَثَ بِهَا دَاعِيًا مُصَلِّيًا ذَاكِرًا مُلَبِّيًا، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ، ثُمَّ سَارَ إلَى الْمَسْجِدِ أَيْ مَسْجِدِ نَمِرَةَ بِلَا تَأْخِيرٍ، فَإِذَا بَلَغَهُ صَعِدَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ الْمِنْبَرَ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا فَرَغَ قَامَ الْإِمَامُ فَخَطَبَ خُطْبَتَيْنِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُلَبِّي، وَيُهَلَّلُ وَيُكَبِّرُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِظُ النَّاسَ، وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْمَنَاسِكَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةَ وَالْجَمْعِ بِهِمَا وَالرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ، وَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ الَّتِي إلَى الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى، وَيَنْزِلُ لُبَابٌ، فَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ جَوْهَرَةٌ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ جَازَ أَيْ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْخُطْبَةِ صَلَّى بِهِمْ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْبَدَائِعِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُونَ وَيُصَلِّي الْإِمَامُ إلَخْ وَنَحْوُهُ فِي اللُّبَابِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: أَنَّهُ يُؤَخِّرُ هَذَا الْجَمْعَ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهِ فِي شَرْحِ قَاضِي خَانْ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْوُقُوفِ، وَيُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ فَلَا تَقَعُ الصَّلَاةُ فِي آخِرِهِ (قَوْلُهُ بِأَذَانٍ) أَيْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَهُوَ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ: وَإِقَامَتَيْنِ أَيْ يُقِيمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِبَيَانِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقِرَاءَةٍ سَرِيَّةٍ) لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) أَيْ وَلَا السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَإِنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعَصْرِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ التَّطَوُّعُ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الْعَصْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ لِانْقِطَاعِ فَوْرِهِ فَصَارَ كَالِاشْتِغَالِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلٍ آخَرَ بَحْرٌ: أَيْ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْأَذَانَ سِرَاجٌ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْكَافِي مِنْ اسْتِثْنَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ فَخِلَافُ الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقِ الْمَشَايِخِ فَتْحٌ.
[تَنْبِيهٌ]
أُخِذَ مِنْ الْعَلَّامَةِ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ صَادِقِ بْنِ أَحْمَدَ بَادْشَاهْ أَنَّهُ يَتْرُكُ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ هُنَا، وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِمُرَاعَاةِ الْفَوْرِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْكَازَرُونِيُّ فِي فَتَاوَاهُ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ التَّكْبِيرِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهِ دُونَهَا وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ يَسِيرَةٌ حَتَّى لَمْ يُعَدَّ فَاصِلًا بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالرَّاتِبَةِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّكْبِيرَ بَعْدَ ثُبُوتِ وُجُوبِهِ عِنْدَنَا لَا يَسْقُطُ هُنَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَمَا ذُكِرَ لَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ كَمَا عَلِمْته هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ) سَقَطَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَعَزَاهَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ.

مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ
(قَوْلُهُ وَشُرِطَ لِصِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْجَمْعِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَمَا قِيلَ إنَّ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَاجِبٌ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى ثَبَتَ شَرْحُ اللُّبَابِ.

(2/504)


الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ وَإِلَّا صَلَّوْا وُحْدَانًا (وَالْإِحْرَامُ) بِالْحَجِّ (فِيهِمَا) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ (فَلَا تَجُوزُ الْعَصْرُ لِلْمُنْفَرِدِ فِي إحْدَاهُمَا) فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ (وَلَا) يَجُوزُ الْعَصْرُ (لِمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ) قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ (ثُمَّ أَحْرَمَ إلَّا فِي وَقْتِهِ) وَقَالَا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَصْرِ الْإِحْرَامُ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
تَنْبِيهٌ]
اقْتَصَرَ مِنْ الشُّرُوطِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ وَزَادَ فِي اللُّبَابِ تَقْدِيمَ الظُّهْرِ عَلَى الْعَصْرِ، حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ لِلْإِمَامِ وُقُوعُ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَالْعَصْرِ بَعْدَهُ أَوْ بِوُضُوءٍ أَعَادَهُمَا جَمِيعًا، وَالزَّمَانَ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْمَكَانَ وَهُوَ عَرَفَةُ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَالْجَمَاعَةَ فَالشُّرُوطُ سِتَّةٌ.
قُلْت: لَكِنَّ الْأَخِيرَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْإِمَامِ اشْتِرَاطُ صَلَاتِهِ بِهِمْ لَا وُجُودُهُ فِيهِمْ عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ إنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ شَرْطٍ، حَتَّى لَوْ لَحِقَ النَّاسَ فَزَعٌ فَصَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ الصَّلَاتَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ فَمَا فِي النُّقَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْمَجْمَعِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ ضَعِيفٌ، وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَبِأَنَّ الْجَوَازَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَزَعِ لِلضَّرُورَةِ. اهـ.
قُلْت: مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ يَصْلُحُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَالتَّصْحِيحَيْنِ فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ يَكْفِي إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ، حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ بَعْضَ الظُّهْرِ ثُمَّ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْعَصْرِ مَعَهُ يَكْفِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ (قَوْلُهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) أَيْ الْخَلِيفَةُ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَائِبُهُ أَيْ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ نَائِبُهُ أَوْ صَاحِبُ شُرَطِهِ لِأَنَّ النُّوَّابَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ بَحْرٌ، وَأَطْلَقَ الْإِمَامَ فَشَمِلَ الْمُقِيمَ وَالْمُسَافِرَ لَكِنْ لَوْ كَانَ مُقِيمًا كَإِمَامِ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا لِلْحُجَّاجِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: كَانَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ يَقُولُ الْعَجَبُ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ يُتَابِعُونَ إمَامَ مَكَّةَ فِي الْقَصْرِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُمْ أَوْ يُرْجَى لَهُمْ الْخَيْرُ وَصَلَاتُهُمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: كُنْت مَعَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَاعْتَزَلْت، وَصَلَّيْت كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَأَوْصَيْت بِذَلِكَ أَصْحَابِي، وَقَدْ سَمِعْنَا أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ وَيَخْرُجُ مَسِيرَةَ سَفَرٍ ثُمَّ يَأْتِي عَرَفَاتٍ، فَلَوْ كَانَ هَكَذَا فَالْقَصْرُ جَائِزٌ وَإِلَّا فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا صَلَّوْا وُحْدَانًا) يُوهِمُ جَوَازَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَعَدَمَ جَوَازِ الْجَمَاعَةِ لَوْ صُلِّيَتْ الْعَصْرُ فِي وَقْتِهَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، فَالْأَصْوَبُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ صَلَّوْا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا أَفَادَهُ ح.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ وُحْدَانًا حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ صَلَّوْا لَا مِنْ فَاعِلِهِ أَيْ صَلَّوْا صَلَاتَيْنِ وُحْدَانًا أَيْ غَيْرَ مَجْمُوعَاتٍ بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا غَايَتُهُ أَنَّ فِيهِ إطْلَاقَ الْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهِمَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ حُصُولُهُ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَقَوْلُهُ: فِيهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْإِمَامُ وَقَوْلُهُ الْإِحْرَامُ، وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَلَا تَجُوزُ وَقَوْلُهُ وَلَا لِمَنْ صَلَّى إلَخْ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ (قَوْلُهُ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ بَلْ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فَقَطْ مَعَ الْإِمَامِ لَا يُصَلِّي الْعَصْرَ إلَّا فِي وَقْتِهَا ح (قَوْلُهُ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ) بِأَنْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ) أَيْ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَدَاءِ الْعَصْرِ ح (قَوْلُهُ إلَّا فِي وَقْتِهِ) أَيْ الْعَصْرِ ط (قَوْلُهُ إلَّا الْإِحْرَامَ) فَهُوَ شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالْحَصْرُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَذْكُورِ هُنَا أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَإِلَّا فَاشْتِرَاطُ الزَّمَانِ

(2/505)


وَهُوَ الْأَظْهَرُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ (ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَوْقِفِ بِغُسْلٍ سُنَّ)

(وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ (مُسْتَقْبِلًا) الْقِبْلَةَ (وَالْقِيَامُ وَالنِّيَّةُ فِيهِ) أَيْ الْوُقُوفِ (لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ كَانَ جَالِسًا جَازَ حَجُّهُ وَ) ذَلِكَ لِأَنَّ (الشَّرْطَ الْكَيْنُونَةُ فِيهِ) فَصَحَّ وُقُوفُ مُجْتَازٍ وَهَارِبٍ وَطَالِبِ غَرِيمٍ وَنَائِمٍ وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْمَكَانِ وَتَقْدِيمُ الظُّهْرِ عَلَى الْعَصْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) لَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَإِلَّا فَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَقَالَ وَاعْتَمَدَهُ بُرْهَانُ الشَّرِيعَةِ وَالنَّسَفِيُّ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ ذَهَبَ) أَيْ الْإِمَامُ مَعَ الْقَوْمِ مِنْ مَسْجِدِ نَمِرَةَ إلَى الْمَوْقِفِ أَيْ مَكَانِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ بِغُسْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: صَلَّى، وَقَوْلُهُ ذَهَبَ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَيْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَذَهَبَ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ مُغْتَسِلًا فِي وَقْتِ الْجَمْعِ وَالذَّهَابِ، فَيَكُونُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ جَمَعَ وَذَهَبَ وَالْأَوَّلُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالثَّانِي فِي الْكَافِي. اهـ. وَقَوْلُهُ سُنَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ صِفَةُ غُسْلٍ

(قَوْلُهُ وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ) فِي الْخَانِيَّةِ وَالْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرُّكُوبَ لِلْإِمَامِ فَقَطْ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السِّرَاجِ لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيَدْعُو النَّاسُ بِدُعَائِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي مُشَاهَدَتِهِمْ لَهُ اهـ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا قَرِيبًا مِنْ الْإِمَامِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ السِّرَاجِ عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ إلَّا فِي حَالِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ اهـ وَلَمْ أَرَهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) أَيْ الَّذِي فِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ إلَالٌ كَهِلَالٍ، وَأَمَّا صُعُودُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِيهِ فَضِيلَةً بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ أَرَاضِي عَرَفَاتٍ وَادَّعَى الطَّبَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ) أَيْ الْحَجَرَاتِ السُّودِ الْمَفْرُوشَةِ فَإِنَّهَا مَظِنَّةُ مَوْقِفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْحُ اللُّبَابِ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ: وَقَدْ اجْتَهَدْت عَلَى تَعْيِينِ مَوْقِفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَافَقَنِي عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ وَعُلَمَائِهَا حَتَّى حَصَلَ الظَّنُّ بِتَعْيِينِهِ، وَأَنَّهُ الْفَجْوَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْمَوْقِفِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا وَوَرَائِهَا صَخْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِصَخَرَاتِ الْجَبَلِ، وَهَذِهِ الْفَجْوَةُ بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبِنَاءِ الْمُرَبَّعِ عَنْ يَسَارِهِ وَهِيَ إلَى الْجَبَلِ أَقْرَبُ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ قُبَالَتَك بِيَمِينٍ إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ عَنْ يَسَارِك بِقَلِيلٍ وَرَاءَهُ. اهـ.
وَنَقَلَهُ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ قَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ عِيدٍ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِمَطْبَخِ آدَمَ وَيُعْرَفُ بِحِذَائِهِ صَخْرَةٌ مَخْرُوقَةٌ تَتْبَعُ هِيَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ تِلْكَ الصَّخَرَاتِ الْمَفْرُوشَةِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الصِّخَارِ السُّودِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْجَبَلِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ وَالنِّيَّةُ) مُبْتَدَأٌ وَمَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ الْقِيَامِ وَالنِّيَّةِ وَقَوْلُهُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَيْسَا بِالتَّثْنِيَةِ وَتَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ فَكُلٌّ مِنْ الْقِيَامِ، وَالنِّيَّةِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي الطَّوَافِ دُونَ الْوُقُوفِ لِأَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ مَا يُفْعَلُ فِيهِ، وَالْوُقُوفُ يُفْعَلُ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ وَالطَّوَافُ يُفْعَلُ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ بَعْدَ التَّحْلِيلِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ دُونَ تَعْيِينِهَا عَمَلًا بِالشَّرْطَيْنِ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي، لَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَشْمَلُ طَوَافَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ وَسَيُذْكَرُ آخِرَ الْبَابِ فَرْقٌ آخَرُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَيْنُونَةُ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ الْوُقُوفِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْوُقُوفِ بِدُونِهِ نَعَمْ الْوَقْتُ شَرْطٌ اهـ أَيْ مَعَ الْإِحْرَامِ.
قُلْت: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَيَشْمَلُ الرُّكْنَ تَأَمَّلْ وَالْمُرَادُ بِالْكَيْنُونَةِ الْحُصُولُ فِيهِ عَلَى أَيْ وَجْهٍ كَانَ وَلَوْ نَائِمًا أَوْ جَاهِلًا بِكَوْنِهِ عَرَفَةَ أَوْ غَيْرَ صَاحٍ أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جُنُبًا أَوْ مَارًّا مُسْرِعًا (قَوْلُهُ مُجْتَازٍ) أَيْ مَارٍّ غَيْرِ وَاقِفٍ

(2/506)


(وَدَعَا جَهْرًا) بِجَهْدٍ (وَعَلَّمَ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ بِقُرْبِهِ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ سَامِعِينَ لِقَوْلِهِ) خَاشِعِينَ بَاكِينَ وَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِجَابَةِ وَهِيَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ فَقَالَ:
دُعَاءُ الْبَرَايَا يُسْتَجَابُ بِكَعْبَةٍ ... وَمُلْتَزَمٍ وَالْمَوْقِفَيْنِ كَذَا الْحِجْر
طَوَافٍ وَسَعْيٍ مَرْوَتَيْنِ وَزَمْزَمٍ ... مَقَامٍ وَمِيزَابٍ جِمَارَك تُعْتَبَرْ
زَادَ فِي اللُّبَابِ: وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَدَعَا جَهْرًا) وَلَا يُفْرِطُ فِي الْجَهْرِ بِصَوْتِهِ لُبَابٌ: أَيْ بِحَيْثُ يُتْعِبُ نَفْسَهُ لَكِنْ قَيَّدَ شَارِحُهُ الْجَهْرَ بِكَوْنِهِ فِي التَّلْبِيَةِ وَقَالَ وَأَمَّا الْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ فَبِالْخُفْيَةِ أَوْلَى. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْفِيَ صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] . اهـ. (قَوْلُهُ بِجَهْدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِدَعَا أَيْ بِاجْتِهَادٍ وَإِلْحَاحٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ «خَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي.
مَطْلَبٌ الثَّنَاءُ عَلَى الْكَرِيمِ دُعَاءٌ
وَقِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا ثَنَاءٌ فَلِمَ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءً فَقَالَ: الثَّنَاءُ عَلَى الْكَرِيمِ دُعَاءٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ حَاجَتَهُ فَتْحٌ.
قُلْت: يُشِيرُ بِهَذَا إلَى خَبَرِ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي مَدْحِ بَعْضِ الْمُلُوكِ:
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... ثَنَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ
إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ
مَطْلَبٌ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ
(قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَوْقِفُ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِجَابَةِ أَيْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَكُونُ الْإِجَابَةُ أَرْجَى فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَهِيَ بِمَكَّةَ) أَيْ وَمَا قَرُبَ لِأَنَّ الْمَوْقِفَيْنِ وَمِنًى وَالْجِمَارَ لَيْسَتْ فِي مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهَا فِي الْفَتْحِ عَنْ رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ: وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ اجْتَمَعَ بِجَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ. اهـ. وَنَقَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ النَّقَّاشِ الْمُفَسِّرِ فِي مَنْسَكِهِ مُقَيَّدَةً بِأَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ وَالْحَسَنُ أَطْلَقَهَا، وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ نَظْمًا نَقَلَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَرَاجِعْهُمَا (قَوْلُهُ بِكَعْبَةٍ) أَيْ فِيهَا (قَوْلُهُ الْمَوْقِفَيْنِ) أَيْ عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ طَوَافً) أَيْ مَكَانُهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمَطَافُ وَهُوَ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدًا وَإِلَّا فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَطَافٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الطَّوَافُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَسَعْيٌ) أَيْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا سِيَّمَا فِيمَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ مَرْوَتَيْنِ) أَيْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ وَلَعَلَّهُ غَلَّبَ الْمُؤَنَّثَ عَلَى الْمُذَكَّرِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْوَةَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا (قَوْلُهُ مَقَامٍ) أَيْ خَلْفَهُ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ جِمَارُك) أَيْ الثَّلَاثُ فَبِذَلِكَ بَلَغَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا دُعَاءَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَلْ فِي الْأُولَى وَالْوُسْطَى (قَوْلُهُ زَادَ فِي اللُّبَابِ إلَخْ) أَيْ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السِّنْدِيِّ تِلْمِيذِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ اخْتَصَرَهُ

(2/507)


وَعِنْدَ السِّدْرَةِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَفِي الْحِجْرِ وَفِي مِنًى فِي نِصْفِ لَيْلَةِ الْبَدْرِ (وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَتَى) عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ (مُزْدَلِفَةَ) وَحْدَهَا مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ إلَى مَأْزِمَيْ مُحَسِّرٍ

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَهَا مَاشِيًا وَأَنْ يُكَبِّرَ وَيُهَلِّلَ وَيَحْمَدَ وَيُلَبِّيَ سَاعَةً فَسَاعَةً وَ) الْمُزْدَلِفَةُ (كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) هُوَ وَادٍ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ، فَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَوْ بِبَطْنِ عُرَنَةَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَنَزَلَ عِنْدَ جَبَلِ قُزَحٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَازِحٍ بِمَعْنَى مُرْتَفِعٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَعَلَيْهِ مِيقَدَةٌ قِيلَ كَانُونُ آدَمَ (وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِنْ مَنْسَكِهِ التَّكْبِيرَ، وَاخْتَصَرَهُ أَيْضًا بِمَنْسَكٍ أَصْغَرَ مِنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ السِّدْرَةِ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي اللُّبَابِ، بَلْ ذَكَرَهَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَهِيَ سِدْرَةٌ كَانَتْ بِعَرَفَةَ وَهِيَ الْآنَ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ تَارِيخِ مَكَّةَ لِلْعَلَامَةِ الطِّيبِيِّ، وَكَذَا عَزَاهُ بَعْضُ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا لِابْنِ ظَهِيرَةَ الْحَنَفِيِّ الْمَكِّيِّ فِي فَضَائِلِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَفِي الْحِجْر) فِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) وَهِيَ لَيْلَةُ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّتِي يَنْزِلُونَ فِيهَا الْآنَ ط.
قُلْت: وَقَدْ أَلْحَقْت هَذِهِ الْخَمْسَةَ نَظْمًا بِنَظْمِ صَاحِبِ النَّهْرِ فَقُلْت:
وَرُؤْيَةُ بَيْتٍ ثُمَّ حَجَرٍ وَسِدْرَةٍ ... وَرُكْنِ يَمَانٍ مَعْ مِنًى لَيْلَةَ الْقَمَرْ

(قَوْلُهُ وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِنْ جَاوَزَ حُدُودَ عَرَفَةَ لَزِمَهُ دَمٌ إلَّا أَنْ يَعُودَ قَبْلَهُ وَيَدْفَعَ بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ خِلَافًا لِزُفَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَادَ بَعْدَهُ، وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَمَا أَفَاضَ الْإِمَامُ كَثِيرًا بِلَا عُذْرٍ أَسَاءَ، وَلَوْ أَبْطَأَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُفِضْ حَتَّى ظَهَرَ اللَّيْلُ أَفَاضُوا لِأَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ أَتَى) أَيْ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ الْمَشْيَ بِلَا إيذَاءٍ، وَقِيلَ لَا يُسَنُّ الْإِبْضَاعُ أَيْ لَا يُسَنُّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْإِيذَاءِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ) أَيْ لَا عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَالْمَأْزِمُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ الْأُولَى وَيَجُوزُ تَرْكُهَا كَمَا فِي رَأْسٍ وَزَايٍ مَكْسُورَةٍ، وَأَصْلُهُ الْمَضِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ الطَّرِيقُ الَّذِي بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ إسْمَاعِيلُ. وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْعِزِّ بْنِ جَمَاعَةَ وَأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ، وَرُدَّ بِهِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا حَدُّ الْحَرَمِ وَقَالَ إنَّهُ غَرِيبٌ، وَيَحْمِلُ الْعَوَامَّ عَلَى الزَّحْمَةِ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْلٌ.

(قَوْلُهُ مَاشِيًا) أَيْ إذَا قَرُبَ مِنْهَا يَدْخُلُهَا مَاشِيًا تَأَدُّبًا وَتَوَاضُعًا لِأَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالرَّاءِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى) صَوَابُهُ لَيْسَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوُقُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِبَطْنِ عُرَنَةَ) أَيْ الَّذِي قُرْبَ عَرَفَاتٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ الْأَوَّلُ عَنْ وُقُوفِ مُزْدَلِفَةَ الْوَاجِبِ، وَلَا الثَّانِي عَنْ وُقُوفِ عَرَفَاتٍ الرُّكْنِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِمَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ) وَقِيلَ هُوَ مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مِيقَدَةٌ) قِيلَ: هِيَ أُسْطُوَانَةٌ مِنْ حِجَارَةٍ مُدَوَّرَةٍ تَدْوِيرُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَطُولُهَا اثْنَا عَشَرَ، وَفِيهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَهِيَ عَلَى خَشَبَةٍ مُرْتَفِعَةٍ كَانَ يُوقَدُ عَلَيْهَا فِي خِلَافَةِ هَارُونِ الرَّشِيدِ الشَّمْعُ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ وَكَانَ قَبْلَهُ يُوقَدُ بِالْحَطَبِ وَبَعْدَهُ بِمَصَابِيحَ كِبَارٍ (قَوْلُهُ وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ إلَخْ) أَيْ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِ بَلْ يُنِيخُ جِمَالَهُ وَيَعْقِلُهَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ تَطَوَّعَ أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ بَحْرٌ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَيُصَلِّي سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ بَعْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ

(2/508)


لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا لَمْ تَحْتَجْ لِلْإِعْلَامِ كَمَا لَا احْتِيَاجَ لِلْإِمَامِ (وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ) وَالْعِشَاءَ (فِي الطَّرِيقِ أَوْ) فِي (عَرَفَاتٍ أَعَادَهُ) لِلْحَدِيثِ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» فَتَوَقَّتَتَا بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْوَقْتِ فَالزَّمَانُ لَيْلَةُ النَّحْرِ وَالْمَكَانُ مُزْدَلِفَةُ وَالْوَقْتُ وَقْتُ الْعِشَاءِ، حَتَّى لَوْ وَصَلَ إلَى مُزْدَلِفَةٍ قَبْلَ الْعِشَاءِ لَمْ يُصَلِّ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ فَتَصْلُحَ لُغْزًا مِنْ وُجُوهٍ (مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْجَامِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ السَّامِي فِي مَنْسَكِهِ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ قُبَيْلَ بَابِ الْأَذَانِ: يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ صَلَاتَيْ الْجَمْعَيْنِ فَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِلِاقْتِصَارِ هُنَا عَلَى إقَامَةِ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْجَمْعِ فِي عَرَفَةَ فَإِنَّهُ بِإِقَامَتَيْنِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ هُنَاكَ تُؤَدَّى فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى إقَامَةٍ أُخْرَى لِلْإِعْلَامِ بِالشُّرُوعِ فِيهَا أَمَّا الثَّانِيَةُ هُنَا فَفِي وَقْتِهَا فَتَسْتَغْنِي عَنْ تَجْدِيدِ الْإِعْلَامِ كَالْوِتْرِ مَعَ الْعِشَاءِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ كَمَا لَا احْتِيَاجَ هُنَا لِلْإِمَامِ) فَلَوْ صَلَّاهُمَا مُنْفَرِدًا جَازَ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ شَرْحُ اللُّبَابِ.
وَذَكَرَ فِي اللُّبَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ فِي هَذَا الْجَمْعِ ثُمَّ قَالَ وَشَرَائِطُ هَذَا الْجَمْعِ: الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ، وَتَقْدِيمُ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ، وَالْوَقْتُ إلَخْ. قَالَ شَارِحُهُ: فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ مِنْ أَنَّ الْإِحْرَامَ غَيْرُ شَرْطٍ فِيهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ هَذَا الْجَمْعَ جَمْعُ نُسُكٍ وَلَا يَكُونُ نُسُكًا إلَّا بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ صِحَّةُ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ لِكَوْنِهِ فِي الْمَغْرِبِ مُؤَدِّيًا اهـ وَظَهَرَ أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْهِنْدِيَّةِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمَحْبُوبِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ الْعِشَاءَ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَغْرِبِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّنْبِيهُ عَلَى وُجُوبِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى وُجُوبُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ، نَعَمْ عِبَارَةُ اللُّبَابِ وَلَوْ صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ أَعَادَهُ) أَيْ أَعَادَ مَا صَلَّى قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّهَاوِيُّ فِي مَنْسَكِهِ هَذَا فِيمَا إذَا ذَهَبَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ طَرِيقِهَا، أَمَّا إذَا ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ بِلَا تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ سِوَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ ذَكَرَاهُ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَكَلَامُ شَارِحِ الْكَنْزِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. اهـ. ح وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبِنَايَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا اهـ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ.
قُلْت: وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْمَكَانِ لِصِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى الْمُزْدَلِفَةِ لَزِمَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فِي الطَّرِيقِ فِي وَقْتِهَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَكَذَا لَوْ بَاتَ فِي عَرَفَاتٍ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ الصَّلَاةُ أَمَامَك) الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بَدَلٍ مِنْ الْحَدِيثِ، وَخَاطَبَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَامَةَ «لَمَّا نَزَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالشِّعْبِ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ فَقَالَ أُسَامَةُ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقْتُهَا الْجَائِزُ أَوْ مَكَانُهَا ط (قَوْلُهُ لَيْلَةَ النَّحْرِ) سَمَّاهَا بِذَلِكَ جَرْيًا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا مَا مَرَّ فِي آخِرِ الِاعْتِكَافِ مِنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا فَذَاكَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ هُنَاكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمَكَانُ مُزْدَلِفَةُ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ جَازَ. اهـ. وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إلَى الْمُنْتَقَى لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (قَوْلُهُ وَالْوَقْتُ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّمَانِ هُنَا أَنَّ الثَّانِيَ أَعَمُّ.
(قَوْلُهُ فَتَصْلُحُ لُغْزًا مِنْ وُجُوهٍ) أَيْ تَصْلُحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَيُقَالُ أَيُّ فَرْضٍ لَا تُطْلَبُ لَهُ الْإِقَامَةُ؟ فَالْجَوَابُ عِشَاءُ الْمُزْدَلِفَةِ إذَا لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ بِفَاصِلٍ، وَيُقَالُ أَيُّ الصَّلَاةِ تُصَلَّى فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَهِيَ أَدَاءٌ؟ وَأَيُّ صَلَاةٍ إذَا صُلِّيَتْ فِي وَقْتِهَا وَجَبَتْ إعَادَتُهَا؟ فَالْجَوَابُ مَغْرِبُ الْمُزْدَلِفَةِ وَأَيُّ صَلَاةٍ يَجِبُ أَنْ تُفْعَلَ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ؟ فَالْجَوَابُ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَتَأَمَّلْ وَاسْتَخْرَجَ غَيْرَهَا ح زَادَ ط وَأَيُّ عِشَاءٍ

(2/509)


فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ طُلُوعَ الْفَجْرِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ خَافَهُ صَلَّاهُمَا

(وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِمُزْدَلِفَةُ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَعَادَ الْعِشَاءَ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا حَتَّى ظَهَرَ الْفَجْرُ عَادَ الْعِشَاءُ إلَى الْجَوَازِ) وَيَنْوِي الْمَغْرِبَ أَدَاءً وَيَتْرُكُ سُنَّتَهَا وَيُحْيِيهَا فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ سِيَّمَا الْقَسْطَلَّانِيُّ بِأَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أُدِّيَتْ قَبْلَ الْمَغْرِبِ مِنْ صَاحِبِ تَرْتِيبٍ وَصَحَّتْ؟ فَالْجَوَابُ: عِشَاءُ الْمُزْدَلِفَةِ، وَزَادَ الرَّحْمَتِيُّ وَأَيُّ صَلَاةٍ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَهِيَ مَغْرِبُ الْمُزْدَلِفَةِ وَقْتُهَا لَيْلَةُ الْعِيدِ غَيْرُ وَقْتِهَا فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ، وَأَيُّ صَلَاةٍ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ؟ هِيَ هَذِهِ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَأَيُّ صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا انْقَلَبَتْ صَحِيحَةً؟ وَأَيُّ صَلَاةٍ يُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِسُنَّتِهَا؟ هِيَ هَذِهِ (قَوْلُهُ فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ) أَيْ الْمَغْرِبُ أَوْ مَا صَلَّاهُ مِنْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِيهِ وَقَدْ أَسَاءَ هِدَايَةٌ أَيْ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ الَّتِي صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ إنْ وَقَعَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ صَحِيحَةً وَجَبَتْ فِيهِ وَبَعْدَهُ أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّهَا فِيهِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا بَعْدَهُ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْقُوفٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
قُلْت: هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ لَا عَدَمُ الْحِلِّ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ مَا صَلَّاهُ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ أَعَادَهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ صَلَّاهُمَا) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّهِمَا صَارَتَا قَضَاءً

(قَوْلُهُ عَادَ الْعِشَاءُ إلَى الْجَوَازِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الظُّهْرِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْمَتْرُوكَةِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ صَلَّى السَّادِسَةَ عَادَ إلَى الْجَوَازِ اهـ.
وَاسْتَشْكَلَ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ فَرْضٌ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَتَرْتِيبِ الْوِتْرِ عَلَى الْعِشَاءِ قَالَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى سَاقِطِ التَّرْتِيبِ، أَوْ عَلَى عَوْدِهَا إلَى الْجَوَازِ إذَا صَلَّى خَمْسًا بَعْدَهَا اهـ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ بَلْ الظَّاهِرُ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ هُنَا بِقَرِينَةِ التَّنْظِيرِ بِقَوْلِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ وَعَنْ هَذَا قَالَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ لَا فَتُزَادُ هَذِهِ عَلَى مُسْقِطَاتِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْوِي الْمَغْرِبَ أَدَاءً) كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ إنَّهَا قَضَاءٌ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الْعِشَاءِ (قَوْلُهُ وَيَتْرُكُ سُنَّتَهَا) الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَامِيُّ أَنَّهُ يَقُولُ وَيُؤَخِّرُ سُنَّتَهَا (قَوْلُهُ وَيُحْيِيهَا) يَعْنِي لَيْلَةَ الْعِيدِ بِأَنْ يَشْتَغِلَ فِيهَا أَوْ فِي مُعْظَمِهَا بِالْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دِرَاسَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ إلَخْ قَالَ ح أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهَا لَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ بِمُزْدَلِفَةَ (قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَغَيْرُهُ) عِبَارَةُ النَّهْرِ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي شَرَفِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَكُنْت مِمَّنْ مَالَ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ اهـ وَكَلَامُهُ كَمَا تَرَى فِي تَفْضِيلِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، نَعَمْ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ شَامِلٌ لِلَّيْلَةِ الْقَدْرِ لَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ. اهـ. ح.
مَطْلَبٌ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَعَشْرِ رَمَضَانَ
(قَوْلُهُ وَجَزَمَ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِذَا كَانَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلَ مِنْهُ لَزِمَ تَفْضِيلُهُ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَلَيْلَةُ الْعِيدِ أَفْضَلُ لَيَالِي الْعَشْرِ فَتَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ

(2/510)


(وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِأَجْلِ الْوُقُوفِ (ثُمَّ وَقَفَ) بِمُزْدَلِفَةِ، وَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَوْ مَارًّا كَمَا فِي عَرَفَةَ، لَكِنْ لَوْ تَرَكَهُ بِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ ط وَذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ فِي حَدِيثِ «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ» مَا نَصُّهُ لِاجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَاتِ فِيهِ وَهِيَ الْأَيَّامُ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بِقَوْلِهِ {وَالْفَجْرِ} [الفجر: 1] {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْخَبَرُ، وَأَخَذَ بِهِ الْبَعْضُ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ نَحْوَ طَلَاقٍ أَوْ نَذْرٍ بِأَفْضَلِ الْأَعْشَارِ أَوْ الْأَيَّامِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ لَيَالِيَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَضُلَ لِيَوْمَيْ النَّحْرِ وَعَرَفَةَ، وَعَشْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا فَضُلَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ اهـ.
قُلْت: وَنَقَلَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ، وَهُوَ أَنَّ أَيَّامَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ رَمَضَانَ وَلَيَالِي الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ أَفْضَلَ مَا فِي الثَّانِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَبِهَا ازْدَادَ شَرَفُهُ، وَازْدِيَادُ شَرَفِ الْأَوَّلِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ. وَهَذَا مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ كَالصَّرِيحِ فِي أَفْضَلِيَّةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لِمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ مِنْ تَفْضِيلِ لَيْلَةِ النَّحْرِ عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ شَمْسٌ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي لَيْلَتِهَا لَا فِي يَوْمِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ يَوْمَهَا أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَتِهَا أَيْ لِأَنَّ فَضِيلَةَ لَيْلَتِهَا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ فِي الْيَوْمِ.
[تَنْبِيهٌ]
فِي الْمِعْرَاجِ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ» ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ آخِرَ الْحَجِّ. وَنَقَلَ ط عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ أَفْضَلَ اللَّيَالِي لَيْلَةُ مَوْلِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، ثُمَّ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْعِيدِ

(قَوْلُهُ وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) أَيْ ظُلْمَةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَلَا يُسَنُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا إلَّا هُنَا وَكَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ فِي مِنًى عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ) أَيْ لِأَجْلِ امْتِدَادِهِ. .
مَطْلَبٌ فِي الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةِ
(قَوْلُهُ ثُمَّ وَقَفَ) هَذَا الْوُقُوفُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا لَا سُنَّةٌ، وَالْبَيْتُوتَةُ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إلَى الْفَجْرِ لَا وَاجِبَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ إلَخْ) أَيْ وَقْتُ جَوَازِهِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْهُ، فَمَنْ وَقَفَ بِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَقَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْهُ سَاعَةٌ وَلَوْ لَطِيفَةً وَقَدْرُ السَّنَةِ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ إلَى الْإِسْفَارِ جِدًّا، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَكَيْنُونَتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ عَلِمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لُبَابٌ (قَوْلُهُ كَزَحْمَةٍ) عِبَارَةُ اللُّبَابِ إلَّا إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ يَكُونُ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ شَامِلٌ لِخَوْفِ الزَّحْمَةِ عِنْدَ الرَّمْيِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَيْلًا لِيَرْمِيَ قَبْلَ دَفْعِ النَّاسِ وَزَحْمَتِهِمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ الزَّحْمَةَ عِنْدَ الرَّمْيِ وَفِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فِي زَمَانِنَا، فَيَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ

(2/511)


بِمُزْدَلِفَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَلَبَّى وَصَلَّى) عَلَى الْمُصْطَفَى (وَدَعَا، وَإِذَا أَسْفَرَ) جِدًّا (أَتَى مِنًى) مُهَلِّلًا مُصَلِّيًا، فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ لِأَنَّهُ مَوْقِفُ النَّصَارَى

(وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا مِنْ فَوْقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَاجِبِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ، فَالْأَوْلَى تَقْيِيدُ خَوْفِ الزَّحْمَةِ بِالْمَرْأَةِ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُحِيطِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ ذَلِكَ عُذْرًا ظَاهِرًا فِي حَقِّهَا يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا خَافَ الزَّحْمَةَ لِنَحْوِ مَرَضٍ، وَلِذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ إلَّا إذَا كَانَتْ بِهِ عِلَّةٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ ضَعْفٌ فَخَافَ الزِّحَامَ فَدَفَعَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ غَيْرَهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ لَا يَخْلُو مِنْ الزَّحْمَةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ لِخَوْفِ الزِّحَامِ وَجَاوَزَ حُدُودَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ دَمٌ مَا لَمْ يَعُدْ قَبْلَهُ، وَكَذَا لَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ فَتَبِعَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الزَّحْمَةِ بِالْوُقُوفِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَحْظَةً فَيَحْصُلُ الْوَاجِبُ وَيَدْفَعُ قَبْلَ دَفْعِ النَّاسِ، وَفِيهِ تَرْكُ مَدِّ الْوُقُوفِ الْمَسْنُونِ لِخَوْفِ الزَّحْمَةِ، وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ الَّذِي قِيلَ بِأَنَّهُ رُكْنٌ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ خَوْفَ الزِّحَامِ لِنَحْوِ عَجْزٍ وَمَرَضٍ إنَّمَا جَعَلُوهُ عُذْرًا هُنَا لِحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ» وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي عَرَفَاتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدْفَعُونَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ إذَا تَرَكَهُ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ بِخِلَافِ فِعْلِ الْمَحْظُورِ لِعُذْرٍ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْعُذْرَ لَا يُسْقِطُ الدَّمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ، وَبِهِ سَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا نَصَّ الشَّارِعُ بِقَوْلِهِ: - {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196]- اهـ نَعَمْ يَرِدُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِنَدِّ بَعِيرِهِ أَوْ لِخَوْفِ الزَّحْمَةِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَقَدْ يُجَابُ بِمَا سَيَأْتِي عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ فِي الْجِنَايَاتِ عِنْدَ قَوْلِ اللُّبَابِ، وَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةُ بِإِحْصَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ مِنْ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مِنْ جَانِبِ الْمَخْلُوقِ فَلَا يُؤَثِّرُ. اهـ. لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ جَعْلُهُمْ خَوْفَ الزَّحْمَةِ هُنَا عُذْرًا فِي تَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَعَلِمْت جَوَابَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَدَعَا) رَافِعًا يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْفَرَ جِدًّا) فَاعِلُ أَسْفَرَ الْيَوْمُ أَوْ الصُّبْحُ، وَفَاعِلُهُ مِمَّا لَا يُذْكَرُ ذَكَرَهُ قَرَّا حِصَارِي قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا لَا يُذْكَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَفَسَّرَ الْإِمَامُ الْإِسْفَارَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ دَفَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ الْفَجْرَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هِنْدِيَّةٌ ط وَمَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ) أَيْ أَوَّلَ وَادِيهِ شَرْحُ اللُّبَابِ.
وَفِي الْبَحْرِ: وَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاضِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ لَيْسَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَوْقِفُ النَّصَارَى) هُمْ أَصْحَابُ الْفِيلِ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ.

[مطلب فِي رَمْي جَمْرَة العقبة]
(قَوْلُهُ وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) هِيَ ثَالِثُ الْجَمَرَاتِ عَلَى حَدِّ مِنًى مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى، وَيُقَالُ لَهَا الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى وَالْجَمْرَةَ الْأَخِيرَةَ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَا يَرْمِي يَوْمَئِذٍ غَيْرَهَا وَلَا يَقُومُ عِنْدَهَا حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا مِنْ فَوْقُ) أَيْ فَيُجْزِيهِ لِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ النُّسُكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ، فَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَسْفَلِهَا سُنَّةٌ لَا لِأَنَّهُ الْمُتَعَيِّنُ، وَلِذَا ثَبَتَ رَمْيُ خَلْقٍ كَثِيرٍ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَعْلَاهَا، وَلَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَكَأَنَّ وَجْهَ اخْتِيَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ هُوَ وَجْهُ اخْتِيَارِ حَصَى الْحَذْفِ، فَإِنَّهُ يُتَوَقَّعُ الْأَذَى إذَا رَمَوْهَا مِنْ أَعْلَاهَا

(2/512)


(سَبْعًا حَذْفًا) بِمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ جَمَلٍ إنْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا بِقُرْبِ الْجَمْرَةِ جَازَ وَإِلَّا لَا، وَثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ بَعِيدٌ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ جَوْهَرَةٌ (وَكَبَّرَ بِكُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ مَعَ كُلٍّ (مِنْهَا وَقَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا فَلَوْ رَمَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا) أَيْ السَّبْعِ (جَازَ لَا لَوْ رَمَى بِالْأَقَلِّ) فَالتَّقْيِيدُ بِالسَّبْعِ لِمَنْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِمَنْ أَسْفَلَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ مُرُورِ النَّاسِ فَيُصِيبُهُمْ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ مِنْ أَسْفَلَ مَعَ الْمَارِّينَ مِنْ فَوْقِهَا إنْ كَانَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ الرَّمْيُ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ لَا فِي مَوْضِعِ وُقُوفِ الرَّامِي فَوْقُ، وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ نُسُكٍ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ وُقُوفِ النَّاسِكِ لَا مَوْضِعُ وُقُوعِ الْحَصَى (قَوْلُهُ سَبْعًا) أَيْ سَبْعَ رَمَيَاتٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَلَوْ رَمَاهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً كَانَ عَنْ وَاحِدَةٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ خَذْفًا) نَصْبٌ عَنْ الْمَصْدَرِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِبَيَانِ النَّوْعِ لِأَنَّ الْحَذْفَ نَوْعٌ مِنْ الرَّمْيِ وَهُوَ رَمْيُ الْحَصَاةِ بِالْأَصَابِعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ بِمُعْجَمَتَيْنِ) يُقَالُ الْحَذْفُ بِالْعَصَا وَالْخَذْفُ بِالْحَصَى فَالْأَوَّلُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِالْمُعْجَمَةِ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي.
(قَوْلُهُ أَيْ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ) قِيلَ كَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ، وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَاهِرِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا، وَقِيلَ أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِلِ إبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدُ عَشْرَةٍ وَقِيلَ يَأْخُذُهَا بِطَرَفَيْ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ الْمُعْتَادُ فَتْحٌ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَهُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ فَافْهَمْ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مِقْدَارُ الْبَاقِلَاءِ لُبَابٌ أَيْ قَدْرُ الْفُولَةِ وَقِيلَ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ أَوْ النَّوَاةِ أَوْ الْأُنْمُلَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا بَيَانُ الْمَنْدُوبِ. وَأَمَّا الْجَوَازُ فَيَكُونُ وَلَوْ بِالْأَكْبَرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْجَمْرَةِ وَيَجْعَلُ مِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَالْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ) أَيْ أَوْ أَكْثَرُ وَيُكْرَهُ الْأَقَلُّ لُبَابٌ لِأَنَّ مَا دُونَهُ وَضْعٌ فَلَا يَجُوزُ، أَوْ طَرْحٌ. فَيَجُوزُ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ قُهُسْتَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ مِنْ عَلَى ظَهْرِهِ بِنَفْسِهَا، بَلْ بِتَحَرُّكِ الرَّجُلِ أَوْ الْجَمَلِ أَوْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا لَكِنْ بَعِيدًا مِنْ الْجَمْرَةِ ح (قَوْلُهُ لَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ اهـ وَفِي اللُّبَابِ وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى الشَّاخِصِ أَيْ أَطْرَافِ الْمِيلِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةٌ لِلْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ عَلَى قُبَّةِ الشَّاخِصِ وَلَمْ تَنْزِلْ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِلْبُعْدِ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَقْضِ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ وَتَحْرِيكِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعِيدَهُ وَكَذَا لَوْ رَمَى وَشَكَّ فِي وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعِيدَ (قَوْلُهُ وَثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ إلَخْ) أَيْ بَيْنَ الْحَصَاةِ وَالْجَمْرَةِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ بِقَوْلِهِ بِقُرْبِ الْجَمْرَةِ لَكِنْ قَدَّرَ الْقُرْبَ فِي الْفَتْحِ بِذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ اعْتِمَادًا عَلَى اعْتِبَارِ الْقُرْبِ عُرْفًا وَضِدُّهُ الْبُعْدُ.
(قَوْلُهُ وَكَبَّرَ بِكُلِّ حَصَاةٍ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّهُ أَكْبَرُ غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ، وَقِيلَ يَقُولُ أَيْضًا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا، وَسَعْيِي مَشْكُورًا، وَذَنْبِي مَغْفُورًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ فِي الْحَجِّ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا، وَقِيلَ لَا يَقْطَعُهَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَوْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ قَطَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْمِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى يَرْمِيَ إلَّا أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَلَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ فَإِنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا قَطَعَ وَلَوْ مُفْرِدًا لَا لُبَابٌ، وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنُ الْعُمْرَةِ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَكَذَا فَائِتُ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ فَصَارَ كَالْمُعْتَمِرِ وَالْمُحْصَرُ يَقْطَعُهَا إذَا ذَبَحَ هَدْيَهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ لِلتَّحَلُّلِ، وَالْقَارِنُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَقْطَعُ حِينَ يَأْخُذُ بِالطَّوَافِ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بَعْدَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ وَيُكْرَهُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ لَا لَوْ رَمَى بِالْأَقَلِّ) لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ أَكْثَرَ السَّبْعِ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْمِ أَصْلًا، وَإِنْ تَرَكَ أَقَلَّ مِنْهُ كَثَلَاثٍ فَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ.

(2/513)


النَّقْصِ لَا لِزِيَادَةٍ

(وَجَازَ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ) وَالطِّينِ وَالْمَغْرَةِ (وَ) كُلِّ مَا (يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ) فَيَقُومُ مَقَامَ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ (لَا) يَجُوزُ (بِخَشَبٍ وَعَنْبَرٍ وَلُؤْلُؤٍ) كِبَارٍ (وَجَوَاهِرَ) لِأَنَّهُ إعْزَازٌ لَا إهَانَةٌ وَقِيلَ يَجُوزُ (وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا (وَبَعْرٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمَا فِي فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ مِنْ جَوَازِهِ بِالْبَعْرِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
[تَنْبِيهٌ]
لَا يُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الرَّمَيَاتِ بَلْ يُسَنُّ فَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لُبَابٌ

(قَوْلُهُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَاعْتَرَضَهُ الشُّرَّاحُ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِهِمَا، وَأَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِهَانَةِ بِرَمْيِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِرَمْيِهَا. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ نَحْوُ الْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ، لَكِنْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَيْ رِوَايَةَ اشْتِرَاطِ الِاسْتِهَانَةِ مُحَالِفَةٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ الْفَارِسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ. اهـ. وَمُفَادُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ، وَإِبْقَاءُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي السَّعْدِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ بِمَا فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ وَشَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالطِّينِ وَالْمَغْرَةِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْبَلْخَشِ وَنَحْوِهَا وَالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ وَالْكُحْلِ أَوْ قَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ وَبِالزَّبَرْجَدِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْعَقِيقِ وَالْفَيْرُوزَجِ، بِخِلَافِ الْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ، أَمَّا الْخَشَبُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوَاهِرُ وَهِيَ كِبَارُ اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَإِنَّ فِعْلَهُمَا يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَدَرِ) أَيْ قِطَعِ الطِّينِ الْيَابِسِ (قَوْلُهُ وَالْمَغْرَةِ) طِينٌ أَحْمَرُ يُصْبَغُ بِهِ (قَوْلُهُ وَلُؤْلُؤٍ كِبَارٍ) قَيَّدَ بِهِ تَبَعًا لِلنَّهْرِ لِأَنَّ الْكِبَارَ هِيَ الَّتِي يَتَأَتَّى بِهَا الرَّمْيُ وَإِلَّا فَالصِّغَارُ لَا يَجُوزُ بِهَا الرَّمْيُ أَيْضًا لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَجَوَاهِرَ) عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَنْ الْغَايَةِ أَنَّهَا كِبَارُ اللُّؤْلُؤِ وَعَلَيْهِ كَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطَ قَوْلِهِ كِبَارٍ وَيَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَارِيًا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ مِنْ جَوَازِ الرَّمْيِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ لَكِنْ لَا يُنَاسِبُهُ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الْجَوَاهِرِ بِالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ لِيُوَافِقَ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ اللُّؤْلُؤَ بِالْكِبَارِ وَتَعْلِيلَ الشَّارِحِ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ إشَارَةٌ إلَى مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ السُّرُوجِيَّ وَالزَّيْلَعِيَّ وَالْفَارِسِيَّ مَشَوْا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَمْ يَجُزْ لِانْتِقَاءِ اسْمِ الرَّمْيِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّمْيِ مَعَ كَوْنِهِ يُسَمَّى نِثَارًا، فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ رَمْيٌ خُصَّ بِاسْمٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ مُتَعَلَّقِهِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ فِي سُقُوطِ اسْمِ الرَّمْيِ عَنْهُ، وَلَا صُورَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُلَاحَظَ مُجَرَّدُ الرَّمْيِ أَوْ مَعَ الِاسْتِهَانَةِ أَوْ خُصُوصُ مَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَوَّلُ يَسْتَلْزِمُ الْجَوَازَ بِالْجَوَاهِرِ، وَالثَّانِي بِالْبَعْرَةِ وَالْخَشَبَةِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا، وَالثَّالِثُ بِالْحَجَرِ خُصُوصًا، فَلْيَكُنْ هَذَا أَعَمَّ لِكَوْنِهِ أَسْلَمَ. اهـ.
قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَأْثُورَ كَوْنُ الرَّمْيِ لِرَغْمِ الشَّيْطَانِ، وَمَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّمْيِ بِالْحَصَى أَفَادَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ جَوَازَهُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، فَاعْتُبِرَ كُلٌّ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مَعًا دُونَ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَجُزْ بِالْبَعْرَةِ وَالْخَشَبَةِ وَلَا بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لَكِنْ هَذَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ أَيْضًا وَبِهِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ الْآخَرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ) وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَبَعْضُ الْمُتَقَشِّفَةِ يَقُولُونَ لَوْ رَمَى بِالْبَعْرَةِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ

(2/514)


(وَيُكْرَهُ) أَخْذُهَا (مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ) لِأَنَّهَا مَرْدُودَةٌ لِحَدِيثِ «مَنْ قُبِلَتْ حَجَّتُهُ رُفِعَتْ جَمْرَتُهُ» (وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَلْتَقِطَ حَجَرًا وَاحِدًا فَيَكْسِرَهُ سَبْعِينَ حَجَرًا صَغِيرًا) وَأَنْ يَرْمِيَ بِمُتَنَجِّسَةٍ بِيَقِينٍ

وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْفَجْرِ وَيُسَنُّ مِنْ طُلُوعِ ذُكَاءِ لِزَوَالِهَا وَيُبَاحُ لِغُرُوبِهَا وَيُكْرَهُ لِلْفَجْرِ

(ثُمَّ) بَعْدَ الرَّمْيِ (ذَبَحَ إنْ شَاءَ) لِأَنَّهُ مُفْرِدٌ (ثُمَّ قَصَّرَ) بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرِهِ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ وُجُوبًا وَتَقْصِيرُ الْكُلِّ مَنْدُوبٌ وَالرُّبُعُ وَاجِبٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْمَقْصُودَ إهَانَةُ الشَّيْطَانِ وَذَا يَحْصُلُ بِالْبَعْرَةِ، وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا شَرْحُ لُبَابٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهَا أُمُورٌ تَعَبُّدِيَّةٌ لَا يُشْتَغَلُ بِالْمَعْنَى فِيهَا

(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَخْذُهَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ) وَمَا هِيَ إلَّا كَرَاهَةُ تَنْزِيَةٍ فَتْحٌ، أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ سِوَاهُ. وَفِي اللُّبَابِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَيَرْمِيَ بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَإِنْ رَفَعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعِينَ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ فَهُوَ جَائِزٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ: لَكِنْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَلَيْسَ مَذْهَبُنَا وَأَمَّا مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ يَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْجِمَارِ السَّبْعَةِ وَكَذَا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْتِقَاطُهَا مِنْ قَوَارِعِ الطَّرِيقِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْتِقَاطَ مَا عَدَا السَّبْعَةَ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ مَخْصُوصٌ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَرْدُودَةٌ) أَيْ فَيُتَشَاءَمُ بِهَا السِّرَاجُ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) أَيْ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي نَرْمِي بِهَا كُلَّ عَامٍ فَنَحْسَبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ فَقَالَ إنَّ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ» " شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي.
وَفِي الْفَتْحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا بَالُ الْجِمَارِ تُرْمَى مِنْ وَقْتِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ تَصِرْ هِضَابًا أَيْ تِلَالًا تَسُدُّ الْأُفُقَ؟ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ يُقْبَلُ حَجُّهُ يُرْفَعُ حَصَاهُ. اهـ. قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ لَك أَنْ تَقُولَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا عَلَى الْإِشْرَاكِ وَلَا يُقْبَلُ عَمَلٌ لِمُشْرِكٍ. اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ تُقْبَلُ عِبَادَتُهُمْ لِيُجَازَوْا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا قَالَ ط: وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُعْطَى عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَيُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إذَا أَفْضَى إلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا خَيْرًا» ". اهـ.
قُلْت: لَكِنْ قَدْ يُدَّعَى تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِأَفْعَالِ الْبِرِّ دُونَ الْعِبَادَاتِ الْمَشْرُوطَةِ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطُهَا الْإِسْلَامُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي شَرِيعَتِنَا فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِيَقِينٍ) أَمَّا بِدُونِ تَيَقُّنٍ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، لَكِنْ يُنْدَبُ غَسْلُهَا لِتَكُونَ طَهَارَتُهَا مُتَيَقَّنَةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ

(قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ جَوَازِهِ أَدَاءً مِنْ الْفَجْرِ أَيْ فَجْرِ النَّحْرِ إلَى فَجْرِ الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَ فِي الْبَحْرِ: حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ.
لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ) كَذَا عَبَّرَ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْمُحِيطِ وَوَافَقَهُ فِي النَّهْرِ وَعَبَّرَ الْعَيْنِيُّ بِالِاسْتِحْبَابِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ ذُكَاءِ) مِنْ أَسْمَاءِ الشَّمْسِ (قَوْلُهُ وَيُبَاحُ لِغُرُوبِهَا) أَيْ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ، وَجَعَلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْفَجْرِ) أَيْ مِنْ الْغُرُوبِ إلَى الْفَجْرِ وَكَذَا يُكْرَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَحْرٌ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَلَا إسَاءَةَ بِرَمْيِ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَلَا بِرَمْيِ الرُّعَاةُ لَيْلًا كَمَا فِي الْفَتْحِ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُفْرِدٌ) تَعْلِيلٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ وَالذَّبْحُ لَهُ أَفْضَلُ، وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ ط، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَالْمَكِّيِّ فَتَجِبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَصَّرَ) أَيْ أَوْ حَلَقَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ أَخْذُ الشَّارِبِ وَقَصُّ الظُّفُرِ، وَلَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ أَوْ شَارِبَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ أَوْ طُيِّبَ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْخُذَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ بِالتَّقْصِيرِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِ رُبُعِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ

(2/515)


وَيَجِبُ إجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى الْأَقْرَعِ وَذِي قُرُوحٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا سَقَطَ، وَمَتَى تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا لِعَارِضٍ تَعَيَّنَ الْآخَرُ فَلَوْ لَبَّدَهُ بِصَمْغٍ بِحَيْثُ تَعَذَّرَ التَّقْصِيرُ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ بَحْرٌ (وَحَلْقُهُ) لِكُلٍّ (أَفْضَلُ) وَلَوْ أَزَالَهُ بِنَحْوِ نَوْرَةٍ جَازَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْأُنْمُلَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَمُرَادُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّقْصِيرِ عَلَى قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِرَأْسِهِ لِأَنَّ أَطْرَافَ الشَّعْرِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ عَادَةً.
قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَهُوَ حَسَنٌ اهـ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ أَيْ مِنْ شَعْرِ الرُّبُعِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ وَمِنْ الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْأَجْزَاءِ لِأَنَّ الرُّبُعَ كَالْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ أَيْ مِنْ الرُّبُعِ لَا مِنْ الْكُلِّ وَإِلَّا نَاقَضَ مَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: وُجُوبًا قَيْدٌ لِقَدْرِ الْأُنْمُلَةِ فَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ: وَالرُّبُعُ وَاجِبٌ وَالْأُنْمُلَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَضَمِّ الْمِيمِ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَمَنْ خَطَّأَ رَاوِيَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ وَاحِدَةُ الْأَنَامِلِ بَحْرٌ. وَفِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ الْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الشَّيْبَانِيُّ والسجستاني وَالْجَرْيُ لِكُلِّ أُصْبُعٍ ثَلَاثُ أُنْمُلَاتٍ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ إجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى الْأَقْرَعِ) هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَقِيلَ اسْتِنَانًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا سَقَطَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ سَقَطَ عَنْهُ وَحَلَّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَقَ، وَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِحْلَالَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ قُرُوحٌ لَكِنَّهُ خَرَجَ إلَى الْبَادِيَةِ فَلَمْ يَجِدْ آلَةً أَوْ مَنْ يَحْلِقُهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَلَيْسَ هَذَا بِعُذْرٍ فَتْحٌ لِأَنَّ إصَابَةَ الْآلَةِ مَرْجُوَّةٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِخِلَافِ بُرْءِ الْقُرُوحِ وَلِأَنَّ الْإِزَالَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُوسَى أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَمَتَى تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ قَالَ ط: وَالْأَحْسَنُ تَأْخِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَنْ قَوْلِهِ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ لَبَّدَهُ إلَخْ) مِثَالٌ لِتَعَذُّرِ التَّقْصِيرِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ الشَّعْرُ قَصِيرًا فَيَتَعَيَّنُ الْحَلْقُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعْقُوصًا أَوْ مَضْفُورًا كَمَا عُزِيَ إلَى الْمَبْسُوطِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا نَقَضَهُ تَنَاثَرَ بَعْضُ الشَّعْرِ، فَيَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ الْحَلْقُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّنَاثُرَ غَيْرُ جِنَايَةٍ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ جَوَازِ إزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ نَتْفًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي فَبَقِيَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مُشْكِلًا تَأَمَّلْ. وَمِثَالُ تَعَذُّرِ الْحَلْقِ يَمْنَعُ إمْكَانَ التَّقْصِيرِ أَنْ يَفْقِدَ آلَةَ الْحَلْقِ أَوْ مَنْ يَحْلِقُهُ أَوْ يَضُرُّهُ الْحَلْقُ لِنَحْوِ صُدَاعٍ أَوْ قُرُوحٍ بِرَأْسِهِ وَتَقَدَّمَ مِثَالُ تَعَذُّرِهِمَا جَمِيعًا فِي الْأَقْرَعِ وَذِي قُرُوحٍ شَعْرُهُ قَصِيرٌ (قَوْلُهُ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ) أَيْ هُوَ مَسْنُونٌ وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَيُكْرَهُ لِمَرْأَةٍ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا كَحَلْقِ الرَّجُلِ لِحْيَتَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى حَلْقِ الرُّبُعِ جَازَ. كَمَا فِي التَّقْصِيرِ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ فَإِنَّ السُّنَّةَ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُ جَمِيعِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِطْلَاقُهُ أَيْ إطْلَاقُ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالْحَلْقُ أَحَبُّ يُفِيدُ أَنَّ حَلْقَ النِّصْفِ أَوْلَى مِنْ التَّقْصِيرِ وَلَمْ أَرَهُ. اهـ.
قُلْت: إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ تَقْصِيرِ الْكُلِّ فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت أَوْ مِنْ تَقْصِيرِ النِّصْفِ أَوْ الرُّبُعِ فَهُوَ مُمْكِنٌ. .
[تَنْبِيهٌ]
هَذَا فِي غَيْرِ الْمُحْصَرِ، أَمَّا الْمُحْصَرُ فَلَا حَلْقَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي بَدَائِعُ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ نُورَةٍ) كَحَلْقٍ وَنَتْفٍ، وَكَذَا لَوْ قَاتَلَ غَيْرَهُ فَنَتَفَهُ أَجْزَأَ عَنْ الْحَلْقِ قَصْدًا فَتْحٌ. .
[تَنْبِيهٌ]
قَالُوا يُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الْحَالِقِ لَا الْمَحْلُوقِ إلَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ يُفِيدُ الْعَكْسَ، وَذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْحَلَّاقِ خُذْ وَأَشَارَ إلَى الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَذْهَبِ. اهـ.
وَأَقُولُ: يُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ الْإِمَامِ: حَلَقْت رَأْسِي فَخَطَّأَنِي الْحَلَّاقُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: لَمَّا أَنْ جَلَسْت قَالَ اسْتَقْبِلْ

(2/516)


(وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ) قِيلَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ

(ثُمَّ طَافَ لِلزِّيَارَةِ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) الثَّلَاثَةِ بَيَانٌ لِوَقْتِهِ الْوَاجِبِ (سَبْعَةً)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْقِبْلَةَ وَنَاوَلْته الْجَانِبَ الْأَيْسَرَ فَقَالَ ابْدَأْ بِالْأَيْمَنِ، فَلَمَّا أَرَدْت أَنْ أَذْهَبَ قَالَ ادْفِنْ شَعْرَك فَرَجَعْت فَدَفَنْته. اهـ. نَهْرٌ أَيْ فَهَذَا يُفِيدُ رُجُوعَ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِ الْحَجَّامِ، وَلِذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ هُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ شَارِحُهُ كَمَا فِي مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ وَالْبَحْرِ، وَقَالَ فِي النُّخْبَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ رُوِيَ رُجُوعُ الْإِمَامِ عَمَّا نَقَلَ عَنْهُ الْأَصْحَابُ فَصَحَّ تَصْحِيحُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَانْدَفَعَ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ عِنْدَ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ السُّرُوجِيُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمَحْلُوقِ وَذَكَرَ كَذَلِكَ بَعْضَ أَصْحَابِنَا، وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى، وَقَدْ صَحَّ بُدَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشِقِّ رَأْسِهِ الْكَرِيمِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ كَلَامٌ، وَقَدْ أَخَذَ الْإِمَامُ بِقَوْلِ الْحَجَّامِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُهُ خِلَافَهُ لَمَا وَافَقَهُ اهـ مُلَخَّصًا وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ) أَيْ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ ط وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ بِالرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ شَيْءٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْقَارِي عَنْ الْفَارِسِيِّ، وَفِي شَرْحِهِ عَلَى النُّقَايَةِ وَالرَّمْيُ غَيْرُ مُحَلِّلٍ مِنْ الْإِحْرَامِ عِنْدَنَا فِي الْمَشْهُورِ، وَمُحَلِّلٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَفِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا فَقَدْ نَصَّ عَلَى التَّحَلُّلِ بِالرَّمْيِ عِنْدَنَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لِخُوَاهَرْ زَادَهْ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ: وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا اهـ (قَوْلُهُ إلَّا النِّسَاءُ) أَيْ جِمَاعُهُنَّ وَدَوَاعِيهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ وَالطِّيبُ وَالصَّيْدُ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ النَّهْرِ فَقَدْ عَزَا إلَى الْخَانِيَّةِ اسْتِثْنَاءَ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَإِلَى أَبِي اللَّيْثِ اسْتِثْنَاءَ الصَّيْدِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ: فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءُ وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ إلَخْ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَقَدْ اسْتَثْنَى الطِّيبَ مِنْ الْإِحْلَالِ بِالرَّمْيِ لَا مِنْ الْإِحْلَالِ بِالْحَلْقِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَقَدْ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا يُنْسَبُ لِقَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ بِهِ الطِّيبُ. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا حُكْمُ الْحَلْقِ فَهُوَ صَيْرُورَتُهُ حَلَالًا يُبَاحُ لَهُ جَمِيعُ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إلَّا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَقَالَ اللَّيْثُ إلَّا النِّسَاءُ وَالصَّيْدُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالسِّرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ فَقَدْ عَزَوْا الْأَوَّلَ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ فَقَطْ وَالثَّانِيَ إلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ عَزْوِهِ إلَى أَبِي اللَّيْثِ وَهُوَ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَحَدُ مَشَايِخِ مَذْهَبِنَا فَهُوَ تَصْحِيفٌ فَافْهَمْ.

[مطلب فِي طَوَاف الزِّيَارَة]
(قَوْلُهُ ثُمَّ طَافَ لِلزِّيَارَةِ) أَيْ لِفِعْلِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ الَّذِي هُوَ ثَانِي رُكْنَيْ الْحَجِّ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَيُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ اهـ.
وَشَرَائِطُ صِحَّتِهِ: الْإِسْلَامُ وَتَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ، وَالْوُقُوفُ، وَالنِّيَّةُ، وَإِتْيَانُ أَكْثَرِهِ، وَالزَّمَانُ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَمَا بَعْدَهُ وَالْمَكَانُ وَهُوَ حَوْلَ الْبَيْتِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وَكَوْنُهُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ مَحْمُولًا فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ إلَّا لِمُغْمًى عَلَيْهِ. وَوَاجِبَاتُهُ الْمَشْيُ لِلْقَادِرِ وَالتَّيَامُنُ وَإِتْمَامُ السَّبْعَةِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَفِعْلُهُ أَيَّامَ النَّحْرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَسُنَّةٌ وَلَا مُفْسِدَ لَهُ وَلَا فَوَاتَ قَبْلَ الْمَمَاتِ، وَلَا يُجْزِي عَنْهُ الْبَدَلُ إلَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَازَ حَجَّةُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ سَبْعَةً) أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ

(2/517)


بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَإِلَّا فَالرُّكْنُ أَرْبَعَةٌ (بِلَا رَمَلٍ وَ) لَا (سَعْيٍ إنْ كَانَ سَعَى قَبْلَ) هَذَا الطَّوَافِ (وَإِلَّا فَعَلَهُمَا) لِأَنَّ تَكْرَارَهُمَا لَمْ يُشْرَعْ

(وَ) طَوَافُ الزِّيَارَةِ (أَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ فِيهِ) أَيْ الطَّوَافِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ الْأَوَّلِ (أَفْضَلُ وَيَمْتَدُّ) وَقْتُهُ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ (وَحَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) بِالْحَلْقِ السَّابِقِ، حَتَّى لَوْ طَافَ قَبْلَ الْحَلْقِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ، فَلَوْ قَلَّمَ ظُفُرَهُ مَثَلًا كَانَ جِنَايَةً لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْحَلْقِ (فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا) أَيْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَيَالِيهَا مِنْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ) أَيْ الطَّوَافِ الْكَامِلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ السَّبْعَةَ رُكْنٌ كَمَا يَقُولُهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ وَافَقَهُمْ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بَحْثًا فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ سَعَى قَبْلُ) لَمْ يَقُلْ إنْ كَانَ رَمَلَ وَسَعَى قَبْلُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَعَى قَبْلُ وَلَمْ يَرْمُلْ لَا يَرْمُلُ هُنَا لِأَنَّ الرَّمَلَ إنَّمَا يُشْرَعُ فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ كَمَا مَرَّ وَلَا سَعْيَ هَاهُنَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا فِي اللُّبَابِ وَفِيهِ وَأَمَّا الِاضْطِبَاعُ فَسَاقِطٌ مُطْلَقًا فِي هَذَا الطَّوَافِ اهـ سَوَاءٌ سَعَى قَبْلَهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَعَلَهُمَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى قَبْلُ رَمَلِ وَسَعَى وَإِنْ رَمَلَ قُهُسْتَانِيٌّ أَيْ لِأَنَّ رَمَلَهُ السَّابِقَ بِلَا سَعْيٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَمَا عَلِمْته فَلَا يُعْتَبَرُ. .
[تَنْبِيهٌ]
قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَفْعَلُهَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ فَعَلَهُمَا فِي طَوَافِ الصَّدْرِ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي الْجِنَايَاتِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّمَلَ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ فِيهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِي الصَّدْرِ لَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُمَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ إطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَكْرَارَهُمَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِلَا رَمَلٍ سَعَى إلَخْ ط. .
[تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَكَذَلِكَ الرَّمَلُ لِيَصِيرَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ دُونَ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. اهـ.
قُلْت: وَكَذَا لَا يُعْتَدُّ بِالسَّعْيِ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ كَامِلٍ، فَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَرَمَلَ فِيهِ وَسَعَى بَعْدَهُ، فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا فِي الْحَدَثِ نَدْبًا وَفِي الْجَنَابَةِ إعَادَةُ السَّعْيِ حَتْمًا وَالرَّمَلُ سُنَّةٌ لُبَابٌ

(قَوْلُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَيَمْتَدُّ وَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ صِحَّتِهِ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْقَاضِي مُحَمَّدِ عِيدٍ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ بِبَدَنَةٍ لِأَنَّهُ جَاءَ الْعُذْرُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَإِنْ كَانَ آثِمًا بِالتَّأْخِيرِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) أَيْ بَعْدَ الرُّكْنِ مِنْهُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ بَحْرٌ وَلَوْ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَإِنْ طَالَ وَمَضَتْ سُنُونَ بِإِجْمَاعٍ كَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ ط (قَوْلُهُ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ) أَيْ لَا بِالطَّوَافِ لِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ أُخِّرَ عَمَلُهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ، فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَخَّرَ عَمَلُهُ الْإِبَانَةَ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِاسْتِرْدَادِ زَيْلَعِيٌّ، فَتَسْمِيَةُ بَعْضِهِمْ الطَّوَافَ مُحَلِّلًا آخَرَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شَرْطٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْحَلْقِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الرَّمْيِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ (قَوْلُهُ كَانَ جِنَايَةً) أَيْ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ التَّحْلِيلَ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ التَّفْرِيعِ لِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّمْيَ مُحَلِّلٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَيَالِيهَا مِنْهَا) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْمُرَادُ بِلَيْلَةِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَعْقُبُ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي الْوُجُودِ كَمَا أَنَّ لَيْلَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَعْقُبُهُ فِي الْوُجُودِ ح.
قُلْت: وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ ظَاهِرٌ فِي حَقِّ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَرْمِ نَهَارًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ يَرْمِي فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَعْقُبُ ذَلِكَ، وَيَقَعُ أَدَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَهُ إلَى النَّهَارِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً وَيَلْزَمُهُ دَمٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الطَّوَافِ فَالْمُرَادُ بِهِ

(2/518)


(كُرِهَ) تَحْرِيمًا (وَوَجَبَ دَمٌ) لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ، فَلَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ إنْ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ وَلَمْ تَفْعَلْ لَزِمَ دَمٌ وَإِلَّا لَا

(ثُمَّ أَتَى مِنًى)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةُ بَيْنَ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّهُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ آخِرُ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَمْ يَطُفْ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْحَائِضِ فَاللَّيْلَةُ الَّتِي تَعْقُبُ الثَّالِثَ لَيْسَتْ تَابِعَةً لَهُ فِي حَقِّ الطَّوَافِ وَإِلَّا لَكَانَ فِيهَا أَدَاءً بِلَا لُزُومِ دَمٍ كَمَا فِي الرَّمْيِ فَتَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ كُرِهَ تَحْرِيمًا إلَخْ) أَيْ وَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ الَّذِي هُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَإِيضَاحِ الطَّرِيقِ. وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَبِهِ يُفْتَى وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّ آخِرَهُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَتَبِعَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَصَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَالْمُسْتَصْفِي شَرْحُ اللُّبَابِ. .
[تَنْبِيهٌ]
فِي السِّرَاجِ وَكَذَلِكَ إنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْحَلْقَ يَخْتَصُّ عِنْدَهُ بِزَمَانٍ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَبِمَكَانٍ وَهُوَ الْحَرَمُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْكَرَاهَةُ وَوُجُوبُ الدَّمِ بِالتَّأْخِيرِ ط (قَوْلُهُ إنْ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ) أَيْ إنْ بَقِيَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ مَا يَسَعُ طَوَافَ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ زَمَنٌ يَسَعُ خَلْعَ ثِيَابِهَا وَاغْتِسَالَهَا وَيُرَاجَعُ. اهـ. ح وَعَلَى قِيَاسِ بَحْثِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ زَمَنُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ أَنْ لَوْ كَانَتْ فِي بَيْتِهَا ط.
قُلْت: وَبِالْأَخِيرِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ إذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ أَمْكَنَهَا الطَّوَافُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا طَوَافُ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا اهـ فَإِنَّ إمْكَانَ الطَّوَافِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَمَا قَدَرَتْ عَلَى الطَّوَافِ فَلَمْ تَطُفْ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ لَزِمَهَا الدَّمُ لِأَنَّهَا مُقَصِّرَةٌ بِتَفْرِيطِهَا اهـ أَيْ بَعْدَمَا قَدَرَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ. زَادَ فِي اللُّبَابِ فَقَوْلُهُمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا حَاضَتْ فِي وَقْتٍ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرِ الطَّوَافِ أَوْ حَاضَتْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَمْ تَطْهُرْ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهَا، لَكِنَّ إيجَابَ الدَّمِ فِيمَا لَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتِهِ بَعْدَ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مُشْكِلٌ. لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا فِعْلُهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ عَلِمَتْ وَقْتَ حَيْضِهَا فَأَخَّرَتْهُ عَنْهُ تَأَمَّلْ. .
[تَنْبِيهٌ]
نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ: لَوْ هَمَّ الرَّكْبُ عَلَى الْقُفُولِ وَلَمْ تَطْهُرْ فَاسْتَفْتَتْ هَلْ تَطُوفُ أَمْ لَا؟ قَالُوا يُقَالُ لَهَا لَا يَحِلُّ لَك دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَإِنْ دَخَلْت وَطُفْت أَثِمْت وَصَحَّ طَوَافُك وَعَلَيْك ذَبْحُ بَدَنَةٍ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ يَتَحَيَّرُ فِيهَا النِّسَاءُ. اهـ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ طَوَافِ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي بَابِ الْحَيْضِ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى مِنًى) أَيْ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَابْنُ الْكَمَالِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. .
[تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَمَا يَرْجِعُ إلَى مِنًى وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ» وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إنَّهُ أَظْهَرُ نَقْلًا وَعَقْلًا وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيَجْمَعُ بِمِنًى إذَا كَانَ فِيهِ أَمِيرُ مَكَّةَ أَوْ الْحِجَازِ أَوْ الْخَلِيفَةِ، وَأَمَّا أَمِيرُ الْمَوْسِمِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا اُسْتُعْمِلَ عَلَى مَكَّةَ. اهـ. وَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدِ فَفِي شَرْحِ مَنَاسِكِ الْكَنْزِ لِلْمُرْشِدِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا بِهَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا بِهَا اتِّفَاقًا لِلِاشْتِغَالِ فِيهِ بِأُمُورِ الْحَجِّ اهـ أَيْ لِأَنَّ وَقْتَ

(2/519)


فَيَبِيتُ بِهَا لِلرَّمْيِ (وَبَعْدَ الزَّوَالِ ثَانِي النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ يَبْدَأُ) اسْتِنَانًا (بِمَا يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ بِمَا يَلِيهِ) الْوُسْطَى (ثُمَّ بِالْعَقَبَةِ سَبْعًا سَبْعًا وَوَقَفَ) حَامِدًا مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا مُصَلِّيًا قَدْرَ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ (بَعْدَ تَمَامِ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَقَطْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْعِيدِ وَقْتُ مُعْظَمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، بِخِلَافِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا نَادِرًا بِخِلَافِ الْعِيدِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَأَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ الْإِجْمَاعَ إذْ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ. اهـ.
مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ فِي مِنًى
وَفِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ مِنًى مَوْضِعٌ تَجُوزُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا أَنَّهَا سَقَطَتْ عَنْ الْحَاجِّ، وَلَمْ نَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا مَعَ كَثْرَةِ الْمُرَاجَعَةِ وَلَا صَلَاةُ الْعِيدِ بِمَكَّةَ يَوْمَ الْأَضْحَى لِأَنَّا وَمَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ نُصَلِّهَا بِمَكَّةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ. اهـ.
قُلْت: أَمَّا عَدَمُ صَلَاتِهَا بِمِنًى فَقَدْ عَلِمْت نَقْلَهُ وَأَمَّا بِمَكَّةَ فَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّ مَنْ لَهُ إقَامَةُ الْعِيدِ يَكُونُ بِمِنًى حَاجًّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَيَبِيتُ بِهَا لِلرَّمْيِ) أَيْ لَيَالِيَ أَيَّامِ الرَّمْيِ هُوَ السُّنَّةُ فَلَوْ بَاتَ بِغَيْرِهَا كُرِهَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ زَوَالِ ثَانِي النَّحْرِ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَهُوَ ثَانِي أَيَّامِ النَّحْرِ خَطَبَ الْإِمَامُ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ الظُّهْرِ لَا يَجْلِسُ فِيهَا كَخُطْبَةِ الْيَوْمِ السَّابِعِ يُعَلِّمُ النَّاسَ أَحْكَامَ الرَّمْيِ وَمَا بَقِيَ مِنْ أُمُورِ الْمَنَاسِكِ وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ سُنَّةٌ وَتَرْكُهَا غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ. اهـ. .
مَطْلَبٌ فِي رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ
(قَوْلُهُ يَبْدَأُ اسْتِنَانًا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ مَسْنُونٌ لَا مُتَعَيِّنٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيِّ وَالْمُحِيطِ وَالسِّرَاجِيَّةِ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ كَلَامَ الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْخِلَافِ وَفِي اخْتِيَارِ السُّنِّيَّةِ اهـ وَكَذَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ آخِرَ الْحَجِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ صَرِيحَ مَا فِي الْمُحِيطِ اخْتِيَارُ التَّعْيِينِ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ جَعَلَ التَّعْيِينَ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ فَتَدَبَّرْ، قَالَ فِي اللُّبَابِ: فَلَوْ بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالْأُولَى، ثُمَّ تَذَكَّرَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ حَتْمًا أَوْ سُنَّةً وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْأُولَى وَرَمَى الْآخِرَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَرْمِي الْأُولَى وَيَسْتَقْبِلُ الْبَاقِيَ، وَلَوْ رَمَى كُلَّ جَمْرَةٍ بِثَلَاثٍ أَتَمَّ الْأُولَى بِأَرْبَعٍ ثُمَّ أَعَادَ الْوُسْطَى بِسَبْعٍ ثُمَّ الْقُصْوَى بِسَبْعٍ، وَإِنْ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعٍ أَتَمَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثَلَاثٍ ثَلَاثٍ وَلَا يُعِيدُ اهـ أَيْ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ رَمَى الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بَعْدَ الْأُولَى (قَوْلُهُ بِمَا يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ) وَحَدُّهَا مِنْ بَابِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ الْكَبِيرِ إلَيْهَا بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ عَدَدَ (1254) وَسُدُسُ ذِرَاعٍ وَمِنْهَا، إلَى الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى عَدَدَ (875) ، وَمِنْ الْوُسْطَى إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ عَدَدَ (208) كَمَا نَقَلَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ وَنَحْوُهُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ سَبْقُ قَلَمٍ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ الْوُسْطَى) بَدَلٌ مِنْ مَا ح (قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ بِكُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ قَائِلًا بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ) زَادَ فِي اللُّبَابِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَحْزَابٍ: أَيْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ مِنْ الْجُزْءِ أَوْ عِشْرِينَ آيَةً قَالَ شَارِحُهُ: وَهُوَ أَقَلُّ الْمَوَاقِيتِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمُضْمَرَاتِ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَمَامِ كُلِّ رَمْيٍ)

(2/520)


فَلَا يَقِفُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَ (لَا بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ (وَدَعَا) لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ رَافِعًا كَفَّيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ أَوْ الْقِبْلَةِ (ثُمَّ) رَمَى (غَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثَ وَهُوَ أَحَبُّ وَإِنْ قَدَّمَ الرَّمْيَ فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ (عَلَى الزَّوَالِ جَازَ) فَإِنْ وَقَّتَ الرَّمْيَ فِيهِ مِنْ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَمِنْ الزَّوَالِ لِطُلُوعِ ذُكَاءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَا عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ لُبَابٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَقِفُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ) أَيْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَ بَعْدَهَا رَمْيٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا وَقَوْلُهُ: وَلَا بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَتَى فِيهِ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّفْرِيعِ إشَارَةً إلَى مَا فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ مِنْ الْقُصُورِ (قَوْلُهُ وَدَعَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَوَقَفَ حَامِدًا (قَوْلُهُ نَحْوَ السَّمَاءِ أَوْ الْقِبْلَةِ) حِكَايَةٌ لِقَوْلَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَحْوَ السَّمَاءِ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَمَى غَدًا) أَيْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ فِيهِ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُسَمَّى يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ بِمُرَاعَاةِ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ إنْ مَكَثَ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ فَقَطْ لَا فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ غَدًا كَذَلِكَ أَيْضًا. اهـ. ح قَالَ فِي النَّهْرِ: أَيْ إنْ مَكَثَ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ الرَّابِعِ فِي الظَّاهِرِ، عَنْ الْإِمَامِ وَعَنْهُ إلَى الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحَبُّ) اقْتِدَاءً بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]- الْآيَةَ فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ كَالْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ حَيْثُ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ اتِّفَاقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ صَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ، وَقَالَ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَقَّتَ الرَّمْيَ فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ أَيْ غُرُوبِ شَمْسِهِ، وَلَا يَتْبَعُهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ اللَّيْلِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَيَّامِ وَالْمُرَادُ وَقْتُ جَوَازِهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ، وَمَا بَعْدَهُ مَسْنُونٌ؛ وَبِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ يَفُوتُ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ اتِّفَاقًا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَمِنْ الزَّوَالِ لِطُلُوعِ ذُكَاءِ) أَيْ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَقْتُ الْجَوَازِ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَقْتُ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ فِي الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ يَجُوزُ.
وَالْوَقْتُ الْمَسْنُونُ فِيهِمَا يَمْتَدُّ مِنْ الزَّوَالِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمِنْ الْغُرُوبِ إلَى الطُّلُوعِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ، وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ: أَيْ فَجْرُ الرَّابِعِ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَبَقِيَ وَقْتُ الْقَضَاءِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ أَيْ الْمُعَيَّنِ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْجَزَاءُ، وَيَفُوتُ وَقْتُ الْقَضَاءِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الرَّابِعِ اهـ: ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَرْمِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثَ رَمَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ أَيْ الْآتِيَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِسَاءَةِ مَا لَمْ يَكُنْ بِعُذْرٍ، وَلَوْ رَمَى لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ غَدِهَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ فِي الْحَجِّ فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ لَا الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرْمِ فِي اللَّيْلِ رَمَاهُ فِي النَّهَارِ قَضَاءً وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا إلَى الرَّابِعِ مَثَلًا قَضَاهَا كُلَّهَا فِيهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْهُ فَاتَ وَقْتُ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ تَابِعَةً لِمَا قَبْلَهَا اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ يَرْمِي فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي أَخَّرَ رَمْيَهُ وَكَانَ أَدَاءً لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ، وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ، وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَ قَضَاءً وَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْكُلَّ إلَى الرَّابِعِ مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمْسُهُ، فَلَوْ غَرَبَتْ سَقَطَ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ دَمٌ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ

(2/521)


(وَلَهُ النَّفْرُ) مِنْ مِنًى (قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الرَّابِعِ لَا بَعْدَهُ) لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ (وَجَازَ الرَّمْيُ) كُلُّهُ (رَاكِبًا، وَ) لَكِنَّهُ (فِي الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْأُولَى وَالْوُسْطَى (مَاشِيًا أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ (إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ) أَيْ الْعَقَبَةِ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ وَالرَّاكِبُ أَقْدَرُ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ أَفْضَلِيَّةَ الْمَشْيِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ (وَلَوْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ) بِفَتْحَتَيْنِ مَتَاعَهُ وَخَدَمَهُ (إلَى مَكَّةَ وَأَقَامَ بِمِنًى) أَوْ ذَهَبَ لِعَرَفَةَ (كُرِهَ) إنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا إنْ أَمِنَ؛ وَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ انْتِهَاءَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ بَيَانًا لِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَقَطْ، بَلْ يَشْمَلُ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ فَجْرِ الرَّابِعِ وَقْتٌ لِرَمْيِ الرَّابِعِ أَدَاءً، وَلِرَمْيِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَضَاءٌ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَلَهُ النَّفْرُ) بِسُكُونِ الْفَاءِ: أَيْ الرُّجُوعُ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الرَّابِعِ) وَلَكِنْ يَنْفِرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: أَيْ شَمْسِ الثَّالِثِ، فَإِنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ حَتَّى يَرْمِيَ فِي الرَّابِعِ، وَلَوْ نَفَرَ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ الرَّابِعِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، فَإِنْ نَفَرَ لَزِمَهُ دَمٌ، وَلَوْ نَفَرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ الدَّمُ اتِّفَاقًا لُبَابٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُنْتَقَى أَخْصَرُ، وَهِيَ: وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَغَيْرُ رَاكِبٍ أَفْضَلُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. اهـ.
وَفِي اللُّبَابِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا وَغَيْرَهَا مَاشِيًا فِي جَمِيعِ أَيَّامِ الرَّمْيِ اهـ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقِفُ: أَيْ لِلدُّعَاءِ بَعْدَ رَمْيِ الْأُولَيَيْنِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ لَا دُعَاءَ بَعْدَهَا. وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ يَقِفُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْمِيهِ مَاشِيًا وَهُوَ كُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ كَمَا مَرَّ، وَمَا لَا فَلَا ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَلَهُ حِكَايَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا ط وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمَا فَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَفْضَلَ الرُّكُوبُ فِي الْكُلِّ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمَشْيُ فِي الْكُلِّ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَالَ: فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) أَيْ بِأَنَّ أَدَاءَهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنْ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ بِالزَّحْمَةِ، وَرَمْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاكِبًا إنَّمَا هُوَ لِيُظْهِرَ فِعْلَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ كَطَوَافِهِ بِهِ رَاكِبًا. اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ مَاشِيًا أَفْضَلُ إلَّا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، وَغَالِبُ النَّاسِ رَاكِبٌ فَلَا إيذَاءَ فِي رُكُوبِهِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَعْسَرُ رُكُوبُهُ بَعْدَ رَمْيِ الْعَقَبَةِ، وَرُبَّمَا ضَلَّ عَنْهُ مَحْمَلُهُ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، فَلَوْ قِيلَ إنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ يَرْمِي الْكُلَّ رَاكِبًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ أَيْضًا مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ فِي الْكُلِّ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْكُلَّ يَرْكَبُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ سَائِرِينَ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَيَرْمِي الْكُلَّ مَاشِيًا (قَوْلُهُ بِفَتْحَتَيْنِ إلَخْ) وَبِكَسْرِ الثَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ الْمَصْدَرُ وَبِسُكُونِهَا وَاحِدُ الْأَثْقَالِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ذَهَبَ لِعَرَفَةَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ بَدَلَ أَوْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَوْ تَرَكَهُ فِيهَا وَذَهَبَ لِعَرَفَةَ إذْ لَا يَصْلُحُ تَسْلِيطُ قَدَّمَ هُنَا إلَّا بِتَأْوِيلٍ (قَوْلُهُ كُرِهَ) لِأَثَرِ ابْنِ شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - " مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفَرِ فَلَا حَجَّ لَهُ " أَيْ كَامِلًا وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَبْلِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ بَحْرٌ.
وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ خِلَافِ الْأَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا إنْ أَمِنَ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ أَخُوهُ أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ التَّعْلِيلِ بِشَغْلِ الْقَلْبِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ، وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ

(2/522)


يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي جَعْلُ نَحْوِ نَعْلِهِ خَلْفَهُ لِشَغْلِ قَلْبِهِ.

(وَإِذَا نَفَرَ) الْحَاجُّ (إلَى مَكَّةَ نَزَلَ) اسْتِنَانًا وَلَوْ سَاعَةً (بِالْمُحَصَّبِ) بِضَمٍّ فَفَتْحَتَيْنِ: الْأَبْطُحُ، وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْهُ

(ثُمَّ) إذَا أَرَادَ السَّفَرَ (طَافَ لِلصَّدِّ) أَيْ الْوَدَاعِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ، وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ فَلَا يَجِبُ بَلْ يُنْدَبُ كَمَنْ مَكَثَ بَعْدَهُ؛ ثُمَّ النِّيَّةُ لِلطَّوَافِ شَرْطٌ؛ فَلَوْ طَافَ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لَمْ يَجُزْ لَكِنْ يَكْفِي أَصْلُهَا، فَلَوْ طَافَ بَعْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدْرِ كَمَا لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
خَلْفَهُ وَيُصَلِّيَ مِثْلَ النَّعْلِ وَشِبْهِهِ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ خَاطِرَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا اهـ

(قَوْلُهُ وَلَوْ سَاعَةً) يَقِفُ فِيهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَدْعُوا سِرَاجٌ، فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ أَصْلُ السُّنَّةِ. وَأَمَّا الْكَمَالُ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ بَحْرٌ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي: وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسَعُ الْحَاجَّ جَمِيعَهُمْ، وَيَنْبَغِي لِأُمَرَاءِ الْحَجِّ وَكَذَا غَيْرُهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا فِيهِ وَلَوْ سَاعَةً إظْهَارًا لِلطَّاعَةِ (قَوْلُهُ الْأَبْطُحُ) وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْبَطْحَاءُ وَالْخَيْفُ قَارِي. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ فِنَاءُ مَكَّةَ، حَدُّهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِالْمَقَابِرِ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لِذَلِكَ مُصَعِّدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا عَنْ بَطْنِ الْوَادِي

(قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ) أَتَى بِثُمَّ وَمَا بَعْدَهَا إشَارَةً إلَى مَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ، حَتَّى لَوْ طَافَ كَذَلِكَ ثُمَّ أَطَالَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَتَّخِذْهَا دَارًا جَازَ طَوَافُهُ وَلَا آخِرَ لَهُ وَهُوَ مُقِيمٌ، بَلْ لَوْ أَقَامَ عَامًا لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ يَطُوفَ، وَيَقَعُ أَدَاءً، نَعَمْ الْمُسْتَحَبُّ إيقَاعُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ. اهـ.
وَفِي اللُّبَابِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَلَوْ سِنِينَ، وَيَسْقُطُ بِنِيَّةِ الِاسْتِيطَانِ بِمَكَّةَ أَوْ بِمَا حَوْلَهَا قَبْلَ حِلِّ النَّفْرِ الْأَوَّلِ: أَيْ قَبْلَ ثَالِثِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَوْ نَوَى الِاسْتِيطَانَ بَعْدَهُ لَا يَسْقُطُ، وَإِنْ نَوَاهُ قَبْلَ النَّفْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ الْخُرُوجُ لَمْ يَجِبْ كَالْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي طَوَافِ الصَّدَرِ
(قَوْلُهُ أَيْ الْوَدَاعِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهُوَ اسْمٌ لِهَذَا الطَّوَافِ أَيْضًا، وَيُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ آخِرِ الْعَهْدِ وَأَمَّا الصَّدَرُ فَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ: رُجُوعُ الْمُسَافِرِ مِنْ مَقْصِدِهِ وَالشَّارِبِ مِنْ مَوْرِدِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ) أَيْ إنْ كَانَ فَعَلَهُمَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الصَّدَرِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ) فَلَوْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِيَطُوفَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ إرَاقَةِ الدَّمِ وَالرُّجُوعِ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِعُمْرَةٍ مُبْتَدِئًا بِطَوَافِهَا ثُمَّ بِالصَّدَرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى تَيْسِيرًا عَلَيْهِ وَنَفْعًا لِلْفُقَرَاءِ نَهْرٌ وَلُبَابٌ (قَوْلُهُ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) أَفَادَ وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ حَاجٍّ آفَاقِيٍّ مُفْرِدٍ أَوْ مُتَمَتِّعٍ أَوْ قَارِنٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُدْرِكًا مُكَلَّفًا غَيْرَ مَعْذُورٍ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَمِرِ مُطْلَقًا، وَفَائِتِ الْحَجِّ وَالْمُحْصَرِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءِ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ) أَيْ مِمَّنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ، وَكَذَا مَنْ نَوَى الِاسْتِيطَانَ قَبْلَ حِلِّ النَّفْرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْمَنْفِيُّ عَنْهُمْ إنَّمَا هُوَ وُجُوبُهُ لَا نَدْبُهُ.
وَقَدْ قَالَ الثَّانِي أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ الْمَكِّيُّ طَوَافَ الصَّدَرِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِخَتْمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِمْ (قَوْلُهُ كَمَنْ مَكَثَ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إيقَاعُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَلَوْ طَافَ) أَيْ دَارَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ أَصْلًا (قَوْلُهُ أَوْ طَالِبًا) أَيْ لِغَرِيمٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَكْفِي أَصْلُهَا) أَيْ أَصْلُ نِيَّةِ الطَّوَافِ بِلَا لُزُومِ تَعْيِينِ كَوْنِهِ لِلصَّدَرِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا تَعْيِينِ وُجُوبٍ أَوْ فَرْضِيَّةٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ طَافَ إلَخْ) الْحَاصِلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ طَافَ طَوَافًا فِي وَقْتِهِ وَقَعَ عَنْهُ، نَوَاهُ بِعَيْنِهِ أَوَّلًا أَوْ نَوَى طَوَافًا آخَرَ، وَمِنْ فُرُوعِهِ لَوْ قَدِمَ مُعْتَمِرًا وَطَافَ وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ، أَوْ حَاجًّا وَطَافَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَعَ لِلْقُدُومِ، أَوْ قَارِنًا وَطَافَ طَوَافَيْنِ وَقَعَ الْأَوَّلُ عَنْ الْعُمْرَةِ وَالثَّانِي لِلْقُدُومِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَقَعَ لِلزِّيَارَةِ

(2/523)


فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ (ثُمَّ) بَعْدَ رَكْعَتَيْهِ (شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ (وَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَى الْمُلْتَزَمِ وَتَشَبَّثَ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً) كَالْمُسْتَشْفِعِ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَنَلْهَا يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الْجِدَارِ قَائِمَتَيْنِ وَالْتَصَقَ بِالْجِدَارِ (وَدَعَا مُجْتَهِدًا وَيَبْكِي) أَوْ يَتَبَاكَى (وَيَرْجِعُ قَهْقَرَى) أَيْ إلَى خَلَفٍ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَوْ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ بَعْدَمَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ فَهُوَ لِلصَّدَرِ، وَإِنْ نَوَاهُ لِلتَّطَوُّعِ فَلَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ إلَّا إذَا كَانَ الثَّانِي أَقْوَى، كَمَا لَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدَرِ ثُمَّ عَادَ بِإِحْرَامِ عُمْرَةٍ فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ الصَّدَرِ، وَتَمَامُهُ فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ رَكْعَتَيْهِ) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ يَلْتَزِمُ الْمُلْتَزَمَ أَوَّلًا ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ، وَأَنَّهُ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ التَّرْتِيبِ هُوَ الْأَصَحُّ الْمَشْهُورُ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ.
وَعَبَّرَ عَنْ الْآخَرِ بِقِيلَ لَكِنْ جَزَمَ بِالْقِيلِ هُنَا (قَوْلُهُ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ) أَيْ قَائِمًا مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ مُتَضَلِّعًا مِنْهُ مُتَنَفِّسًا فِيهِ مِرَارًا نَاظِرًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى الْبَيْتِ مَاسِحًا بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ صَابًّا مِنْهُ عَلَى جَسَدِهِ إنْ أَمْكَنَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ عَقَدَ فِي الْفَتْحِ لِذَلِكَ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَى زَمْزَمَ آخِرَ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) أَيْ ثُمَّ قَبَّلَ الْعَتَبَةَ الْمُرْتَفِعَةَ عَنْ الْأَرْضِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَضَعَ) أَيْ ثُمَّ وَضَعَ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَجْهَهُ) أَيْ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ وَيَرْفَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى عَتَبَةِ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَتَشَبَّثَ) أَيْ تَعَلَّقَ كَمَا يَتَعَلَّقُ عَبْدٌ ذَلِيلٌ بِطَرَفِ ثَوْبٍ لِمَوْلًى جَلِيلٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَدَعَا) أَيْ حَالَ تَشَبُّثِهِ بِالْأَسْتَارِ مُتَضَرِّعًا مُتَخَشِّعًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ قَهْقَرَى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ وَلَا أَثَرٌ مَحْكِيٌّ، وَمَا لَا أَثَرَ لَهُ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ اهـ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَالطَّرَابُلُسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ وَقَدْ فَعَلَهُ الْأَصْحَابُ يَعْنِي أَصْحَابَ مَذْهَبِنَا. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْعَادَةُ بِهِ جَارِيَةٌ فِي تَعْظِيمِ الْأَكَابِرِ، وَالْمُنْكِرُ لِذَلِكَ مُكَابِرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنَّهُ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ صَدْمٌ أَوْ وَطْءٌ لِأَحَدٍ.
مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
[تَنْبِيهٌ]
فِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُجَاوِرُ بِمَكَّةَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ، وَالْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ مَكْرُوهَةٌ أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَبِقَوْلِهِ قَالَ الْخَائِفُونَ الْمُحْتَاطُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ، قَالَ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ كَرَاهَةَ الْقِيَامِ تُنَاقِضُ فَضْلَ الْبُقْعَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ عِلَّتُهَا ضَعْفُ الْخَلْقِ وَقُصُورُهُمْ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّ الْمَوْضِعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ. وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ الْجِوَارِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ كَذَلِكَ يَعْنِي مَكْرُوهًا عِنْدَهُ، فَإِنَّ تَضَاعُفَ السَّيِّئَاتِ أَوْ تَعَاظُمَهَا إنْ فُقِدَ فِيهَا فَمَخَافَةُ السَّآمَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ الْمُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِوُجُوبِ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ قَائِمٌ. اهـ. نَهْرٌ.
مَطْلَبٌ فِي مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ.
[تَتِمَّةٌ]
قَالَ السَّيِّدُ الْفَاسِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ: يَتَحَصَّلُ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا «أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَفْضُلُ عَلَى الصَّلَاةِ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ» . الثَّانِيَةُ «بِأَلْفِ صَلَاةٍ» . الثَّالِثَةُ «بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» كَمَا فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ وَإِتْحَافِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ حَسَبَ النِّقَاشِ الْمُفَسِّرِ الصَّلَاةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَبَلَغَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِيهِ عُمُرَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ عُمُرَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَسَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ.

(2/524)


وَبَصَرُهُ مُلَاحِظٌ لِلْبَيْتِ

(وَسَقَطَ طَوَافُ الْقُدُومِ عَمَّنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَسَاءَ (وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً) عُرْفِيَّةً وَهُوَ الْيَسِيرُ مِنْ الزَّمَانِ، وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ (مِنْ زَوَالِ يَوْمِهَا) أَيْ عَرَفَةَ (إلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، أَوْ اجْتَازَ) مُسْرِعًا أَوْ (نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ السَّيِّدُ: وَرَأَيْت لِشَيْخِنَا بَدْرِ الدِّينِ بْنِ الصَّاحِبِ الْمِصْرِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ فُرَادَى بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَجَمَاعَةً بِأَلْفَيْ أَلْفٍ وَسَبْعِمِائَةِ أَلْفٍ، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِيهِ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مُنْفَرِدًا فِي وَطَنِهِ غَيْرِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمُعَظَّمَيْنِ كُلُّ مِائَةِ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَثَمَانِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَكُلُّ أَلْفِ سَنَةٍ بِأَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ.
فَتَلَخَّصَ أَنَّ صَلَاةً وَاحِدَةً جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَفْضُلُ ثَوَابُهَا عَلَى ثَوَابِ مَنْ صَلَّى فِي بَلَدِهِ فُرَادَى حَتَّى بَلَغَ عُمُرَ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَحْوِ الضَّعْفِ اهـ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي هَذَا الْفَضْلِ هَلْ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، أَوْ يَخْتَصُّ بِالْفَرْضِ؟ وَهُوَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ مَذْهَبِنَا: أَيْ الْمَالِكِيَّةِ وَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالتَّعْمِيمُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قِيلَ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ وَأَيَّدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَقِيلَ الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَقِيلَ الْكَعْبَةُ خَاصَّةً، وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ ثَوَابِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقُرُبَاتِ بِمَكَّةَ إلَّا أَنَّهَا فِي الثُّبُوتِ لَيْسَتْ كَأَحَادِيثِ الصَّلَاةِ فِيهَا اهـ بِاخْتِصَارٍ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ صَحَّ فِي الْأَحَادِيثِ بِتَكْرَارِ الْأَلْفِ ثَلَاثًا، كَذَا كَتَبَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ. وَذَكَرَ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّضْعِيفَ يَعُمُّ جَمِيعَ مَكَّةَ بَلْ جَمِيعَ حَرَمِ مَكَّةَ الَّذِي يَحْرُمُ صَيْدُهُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ.

(قَوْلُهُ وَسَقَطَ طَوَافُ الْقُدُومِ إلَخْ) هَذِهِ مَسَائِلُ شَتَّى عَنْوَنَ لَهَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ بِفَصْلٍ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي اللَّازِمِ، فَهُوَ هُنَا مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ سُنِّيَّتِهِ فِي حَقِّهِ. إمَّا لِأَنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً عِنْدَ التَّأْخِيرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَإِمَّا لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَغْنَى عَنْهُ كَالْفَرْضِ يُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ قُدُومٍ لِأَنَّ طَوَافَهَا أَغْنَى عَنْهُ، قَيَّدَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِرَفْضِهَا وَقَضَاؤُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْقِرَانِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَسَاءَ) أَيْ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَيْ التَّحْرِيمِيَّةِ (قَوْلُهُ عُرْفِيَّةً) أَيْ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ لُغَوِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً كَمَا عَبَّرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْيَسِيرُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ مِنْ زَوَالِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِسَاعَةٍ لَا بِوَقْفٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ اجْتَازَ) أَيْ مَرَّ. وَقَوْلُهُ مُسْرِعًا حَالٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ الْيَسِيرَةَ يَكْفِي مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الْوُقُوفِ، فَإِنَّ الْمُسْرِعَ لَا يَخْلُو عَنْ وُقُوفٍ يَسِيرٍ عَلَى قَدَمٍ عِنْدَ نَقْلِ الْأُخْرَى، وَلِذَا صَحَّ اعْتِكَافُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَلِهَذَا يَتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى تَعْيِينِهِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْوُقُوفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلِذَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فِي الْوُقُوفِ اهـ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُتَنَفَّلُ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي عَنْهُ جَوَابٌ.
قُلْت: قَدْ يُمْنَعُ كَوْنُ الْقِرَاءَةِ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً وَالتَّنَفُّلُ بِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُتَنَفَّلُ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً: وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ وَكَذَا الْقِرَاءَةُ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ الِاعْتِكَافِ أَنَّ النَّذْرَ بِهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا فُرِضَتْ

(2/525)


وَ) كَذَا لَوْ (أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ) وَكَذَا غَيْرُ رَفِيقِهِ فَتْحٌ (بِهِ) أَيْ بِالْحَجِّ مَعَ إحْرَامِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا انْتَبَهَ أَوْ أَفَاقَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ؛ وَلَوْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ إحْرَامِهِ طِيفَ بِهِ الْمَنَاسِكَ، وَإِنْ أَحْرَمُوا عَنْهُ اُكْتُفِيَ بِمُبَاشَرَتِهِمْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
تَبَعًا لِلصَّلَاةِ لَا لِعَيْنِهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ) أَيْ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ النَّائِمِ الْمَرِيضِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ عِنْدَنَا كَالْوُضُوءِ فِي الصَّلَاةِ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ بَعْدَ وُجُودِ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ، وَهُوَ خُرُوجُهُ لِلْحَجِّ مِعْرَاجٌ.
وَفِي النَّهْرِ: وَمَعْنَى الْإِهْلَالِ عَنْهُ أَنْ يَنْوِيَ عَنْهُ وَيُلَبِّيَ فَيَصِيرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُحْرِمًا بِذَلِكَ لِانْتِقَالِ إحْرَامِ الرَّفِيقِ إلَيْهِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُجَرِّدَهُ وَأَنْ يُلْبِسَهُ الْإِزَارَ. لِأَنَّ هَذَا كَفٌّ عَنْ بَعْضِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لَا عَنْ الْإِحْرَامِ لِمَا مَرَّ اهـ وَيُجْزِيهِ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَهُ مُوجَبُهُ لَا الرَّفِيقَ لُبَابٌ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ عَنْهُ سَوَاءٌ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَا وَلَا يَلْزَمُهُ التَّجَرُّدُ عَنْ الْمَخِيطِ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ عَنْهُ. وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَعَنْ نَفْسِهِ وَارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْقَارِنِ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ بَحْرٌ. وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِحْرَامِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي اللُّبَابِ: أَيْ خِلَافًا لَهُمَا حَيْثُ اشْتَرَطَا الْأَمْرَ، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ. أَمَّا النَّائِمُ فَيُشْتَرَطُ مِنْهُ صَرِيحُ الْإِذْنِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ إذَا طَافَ بِهِ رَفِيقُهُ وَهُوَ نَائِمٌ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ.
قُلْت: وَقَيَّدَ الْجَوَازَ فِي اللُّبَابِ فِي فَصْلِ طَوَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ بِالْفَوْرِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ طَافُوا بِمَرِيضٍ وَهُوَ نَائِمٌ مِنْ غَيْرِ إغْمَاءٍ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَحَمَلُوهُ عَلَى فَوْرِهِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الْفَتْحِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالْحَاصِلُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي اشْتِرَاطِ صَرِيحِ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ. قَالَ شَارِحُ اللُّبَابِ: وَقَدْ أَطْلَقُوا الْإِجْزَاءَ بَيْنَ حَالَتَيْ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ فِي الْوُقُوفِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الطَّوَافِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَالْكَلَامُ فِي الْإِحْرَامِ عَنْ النَّائِمِ. لَكِنْ إذَا كَانَ الطَّوْفُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرِهِ فَالْإِحْرَامُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَكَذَا غَيْرُ رَفِيقِهِ) هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ. وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ لِلْكُلِّ دَلَالَةً كَمَا لَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ فِي أَيَّامِهَا بِلَا إذْنِهِ. وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَيْ بِالْحَجِّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَشَمِلَ إحْرَامُ الرَّفِيقِ عَنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ؟ وَقَدْ يَمْتَدُّ الْإِغْمَاءُ وَلَا يَحْصُلُ إحْرَامُهُ عَنْهُ بِالْحَجِّ فَيَفُوتُ مَقْصِدُهُ ظَاهِرًا. اهـ. وَظَاهِرُ الْفَتْحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِقَصْدِهِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ عَلِمَ فَلَا كَلَامَ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي تَعْيِينُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ مَعَ إحْرَامِهِ عَنْ نَفْسِهِ) أَوْ بِدُونِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ إذَا انْتَبَهَ أَوْ أَفَاقَ) الْأَوَّلُ لِلنَّائِمِ وَالثَّانِي لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ جَازَ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ عَجْزَهُ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطْ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ فِيهِ ثُمَّ يَجْرِي هُوَ عَلَى مُوجَبِهِ بَحْرٌ أَيْ مُوجَبِ إحْرَامِ الرَّفِيقِ عَنْهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى لُزُومِ إتْيَانِ الْأَفْعَالِ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ الْعَجْزِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ إنْ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ إحْرَامِهِ) أَيْ بِنَفْسِهِ وَفِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي إحْرَامِ الرَّفِيقِ عَنْهُ، فَكَانَ الْأَظْهَرُ وَالْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ اُكْتُفِيَ بِمُبَاشَرَتِهِمْ وَلَوْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ إحْرَامِهِ طِيفَ بِهِ الْمَنَاسِكَ: أَيْ أُحْضِرَ الْمَشَاهِدَ مِنْ وُقُوفٍ وَطَوَافٍ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ. وَتُشْتَرَطُ نِيَّتُهُمْ الطَّوَافَ إذَا حَمَلُوهُ كَمَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ (قَوْلُهُ اُكْتُفِيَ بِمُبَاشَرَتِهِمْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ الْمَشَاهِدَ مِنْ الطَّوَافِ

(2/526)


وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ جُنَّ فَأَحْرَمُوا عَنْهُ وَطَافُوا بِهِ الْمَنَاسِكَ، وَكَلَامُ الْفَتْحِ يُفِيدُ الْجَوَازَ (أَوْ جَهِلَ أَنَّهَا عَرَفَةُ صَحَّ حَجُّهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَيْنُونَةُ لَا النِّيَّةُ.

(وَمَنْ لَمْ يَقِفْ فِيهَا فَاتَ حَجُّهُ) لِحَدِيثِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» (فَطَافَ وَسَعَى وَتَحَلَّلَ) أَيْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ (وَقَضَى) وَلَوْ حَجَّةً نَذْرًا أَوْ تَطَوُّعًا (مِنْ قَابِلٍ) وَلَا دَمَ عَلَيْهِ

(وَالْمَرْأَةُ) فِيمَا مَرَّ (كَالرَّجُلِ) لِعُمُومِ الْخِطَابِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ الْخُصُوصِ (لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا؛ وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ نَعَمْ ذَلِكَ أَوْلَى نَهْرٌ، وَانْظُرْ هَلْ يَكْتَفِي الْمُبَاشِرُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ عَنْهُ وَعَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَمَلَهُ وَطَافَ بِهِ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَهُ أَبُو السُّعُودِ.
قُلْت: الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ إذَا أُحْضِرَ الْمَوْقِفَ كَانَ هُوَ الْوَاقِفَ، وَإِذَا طِيفَ بِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الطَّائِفِ رَاكِبًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا إذَا لَمْ يُحْضَرْ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ وُقُوفٍ عَنْهُ وَإِنْشَاءِ طَوَافٍ وَسَعْيٍ عَنْهُ غَيْرِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُبَاشِرُ عَنْ نَفْسِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ جُنَّ قَبْلَ الْإِحْرَامِ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ فُرُوضِ الْحَجِّ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ تَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ إنَّ إحْرَامَ وَلِيِّهِ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَى مَجْنُونٍ مُسْلِمٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ اهـ فَمَنْ خَرَجَ عَاقِلًا يُرِيدُ الْحَجَّ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ إحْرَامِهِ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِالْأَوْلَى، وَلَعَلَّ التَّوَقُّفَ فِي إحْرَامِ رَفِيقِهِ عَنْهُ وَكَلَامُ الْفَتْحِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَحْرَمَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ أَصَابَهُ عَتَهٌ فَقَضَى بِهِ أَصْحَابُهُ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفُوا بِهِ فَمَكَثَ كَذَلِكَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا رُبَّمَا يُومِئُ إلَى الْجَوَازِ اهـ وَإِنَّمَا قَالَ يُومِئُ إلَى الْجَوَازِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِي الْمَعْتُوهِ وَكَلَامُنَا فِي الْمَجْنُونِ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ الْعَتَهُ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا جُنَّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِيمَاءُ الْفَتْحِ إلَى الْجَوَازِ فِي ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ فَافْهَمْ. .
[فَرْعٌ]
الصَّبِيُّ الْغَيْرُ الْمُمَيِّزِ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ وَلَا أَدَاؤُهُ، بَلْ يَصِحَّانِ مِنْ وَلِيِّهِ لَهُ، فَيُحْرِمُ عَنْهُ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ وَالِدٌ وَأَخٌ يُحْرِمُ الْوَالِدُ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا جُنَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ وَيَصِحُّ مِنْهُ الْأَدَاءُ وَتَمَامُهُ فِي اللُّبَابِ

(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ) أَيْ مُعْظَمُ رُكْنَيْهِ الْوُقُوفُ بِهَا بِاعْتِبَارِ الْأَمْنِ مِنْ الْبُطْلَانِ عِنْدَ فِعْلِهِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ ط (قَوْلُهُ فَطَافَ إلَخْ) عَطْفُ تَحَلَّلَ عَلَى طَافَ وَسَعَى عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ فِي الثَّلَاثَةِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، بَلْ الْأَوْلَى قَوْلُ الْكَنْزِ فِي بَابِ الْفَوَاتِ فَلْيُحْلِلْ بِعُمْرَةٍ لِيُفِيدَ الْوُجُوبَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَفْعَلُ مِثْلَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعُمْرَةٍ حَقِيقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَابِ الْفَوَاتِ مِنْ اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ بَاقٍ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ الثَّانِي: انْقَلَبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ عَمْرَةٍ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى صَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَيَرْفُضُهَا لِئَلَّا يَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجٍّ، وَعَلَيْهِ دَمٌ وَحَجَّتَانِ وَعُمْرَةٌ مِنْ قَابِلٍ. وَقَالَ الثَّانِي: يَمْضِي فِيهَا لِانْقِلَابِ إحْرَامِ الْأُولَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ أَصْلًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَجَّةً نَذْرًا أَوْ تَطَوُّعًا) وَكَذَا لَوْ فَاسِدًا سَوَاءٌ طَرَأَ فَسَادُهُ أَوْ انْعَقَدَ فَاسِدًا كَمَا إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا نَهْرٌ

(قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجِّ ط (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا) كَذَا عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ. وَاعْتَرَضَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي كَشْفِ الْوَجْهِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا لَكَانَ أَوْلَى. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ كَشْفُ وَجْهِهَا خَفِيًّا لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْفِتْنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ عَدَمُ مُمَاسَّةِ شَيْءٍ لَهُ، فَلِذَلِكَ يُكْرَهُ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْبُرْقُعَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمَاسُّ وَجْهَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. قُلْت: لَوْ عَطَفَ قَوْلَهُ وَالْمُرَادُ بِأَوْ لَكَانَ جَوَابًا آخَرَ أَحْسَنَ

(2/527)


وَجَافَتْهُ عَنْهُ جَازَ) بَلْ يُنْدَبُ (وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا) بَلْ تُسْمِعُ نَفْسَهَا دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ؛ وَمَا قِيلَ إنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ ضَعِيفٌ (وَلَا تَرْمُلُ) وَلَا تَضْطَبِعُ (وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ وَلَا تَحْلِقُ بَلْ تُقَصِّرُ) مِنْ رُبُعِ شَعْرِهَا كَمَا مَرَّ (وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ) وَالْخُفَّيْنِ وَالْحُلِيَّ (وَلَا تَقْرَبُ الْحَجَرَ فِي الزِّحَامِ) لِمَنْعِهَا مِنْ مُمَاسَّةِ الرِّجَالِ (وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ) احْتِيَاطًا

(وَحَيْضُهَا لَا يَمْنَعُ) نُسُكًا (إلَّا الطَّوَافَ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِتَأْخِيرِهِ إذَا لَمْ تَطْهُرْ إلَّا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَلَوْ طَهُرَتْ فِيهَا بِقَدْرِ أَكْثَرِ الطَّوَافِ لَزِمَهَا الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ لُبَابٌ (وَهُوَ بَعْدَ حُصُولِ رُكْنَيْهِ يُسْقِطُ طَوَافَ الصَّدْرِ) وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ (وَالْبُدْنُ) جَمْعُ بَدَنَةٍ (مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ، وَالْهَدْيُ مِنْهُمَا وَمِنْ الْغَنَمِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِنْ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَجَافَتْهُ) أَيْ بَاعَدَتْهُ عَنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ جَعَلُوا لِذَلِكَ أَعْوَادًا كَالْقُبَّةِ تُوضَعُ عَلَى الْوَجْهِ وَيُسْدَلُ مِنْ فَوْقِهَا الثَّوْبُ اهـ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِحْرَامُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَتْرٍ وَقَوْلُهُ بَلْ يُنْدَبُ: أَيْ خَوْفًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَجَانِبِ.
وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ بِالِاسْتِحْبَابِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِالْوُجُوبِ وَفِي الْمُحِيطِ: وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ إظْهَارِ وَجْهِهَا لِلْأَجَانِبِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ تَغْطِيَتِهِ لِحَقِّ النُّسُكِ لَوْلَا ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْإِرْخَاءِ فَائِدَةٌ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْخَانِيَّةِ.
وَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَحْمَلَ الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَجَانِبِ. وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِمْ فَالْإِرْخَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ يَجِبُ عَلَى الْأَجَانِبِ غَضُّ الْبَصَرِ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ النَّوَوِيَّ نَقَلَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي طَرِيقِهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ الْغَضُّ. قَالَ: وَظَاهِرُهُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ عُلَمَاءُ مَذْهَبِهِ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا سَمِعْته مِنْ تَصْرِيحِ عُلَمَائِنَا بِالْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ. .
[تَنْبِيهٌ]
عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمَ صِحَّةِ مَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ غَيْرُ مَنْهِيَّةٍ عَنْ سَتْرِ الْوَجْهِ مُطْلَقًا إلَّا بِشَيْءٍ فُصِّلَ عَلَى قَدْرِ الْوَجْهِ كَالنِّقَابِ وَالْبُرْقُعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ) أَيْ فِتْنَةِ الرِّجَالِ بِسَمَاعِ صَوْتِهَا (قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ) رَدٌّ عَلَى الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا تَرْمُلُ إلَخْ) لِأَنَّ أَصْلَ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَهُوَ لِلرِّجَالِ وَلِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالسَّتْرِ، وَكَذَا السَّعْيُ: أَيْ الْهَرْوَلَةُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فِي السَّعْيِ وَالِاضْطِبَاعُ سُنَّةُ الرَّمَلِ (قَوْلُهُ وَلَا تَحْلِقُ) لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ كَحَلْقِ الرَّجُلِ لِحْيَتَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ رُبُعِ شَعْرِهَا) أَيْ كَالرَّجُلِ وَالْكُلُّ أَفْضَلُ قُهُسْتَانِيٌّ، خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ فِي حَقِّهَا بِالرُّبُعِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ قَصَّرَ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ (قَوْلُهُ وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ) أَيْ الْمُحَرَّمَ عَلَى الرِّجَالِ غَيْرَ الْمَصْبُوغِ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يُنْفَضُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالْخُفَّيْنِ) زَادَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ الْقُفَّازَيْنِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّ لُبْسَ الْقُفَّازَيْنِ لَيْسَ إلَّا تَغْطِيَةَ يَدَيْهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» نَهْيُ نَدْبٍ حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَا تَقْرَبُ الْحَجَرَ فِي الزِّحَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا فِي اللُّبَابِ مِنْ أَنَّهَا عِنْدَ الزَّحْمَةِ لَا تَصْعَدُ الصَّفَا وَلَا تُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ

(قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ نُسُكًا) أَيْ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ إلَّا الطَّوَافَ) فَهُوَ حَرَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ وَتَرْكِ وَاجِبِ الطَّهَارَةِ. .
[تَنْبِيهٌ]
قَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ شَرْطُ صِحَّةِ السَّعْيِ، فَعَنْ هَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ وَأَحْرَمَتْ وَشَهِدَتْ جَمِيعَ الْمَنَاسِكِ إلَّا الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ اهـ أَيْ لِأَنَّ سَعْيَهَا بِدُونِ طَوَافٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ طَهُرَتْ فِيهَا إلَخْ) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ ثُمَّ أَتَى مِنًى (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْحَيْضُ بَعْدَ حُصُولِ رُكْنَيْهِ: أَيْ رُكْنَيْ الْحَجِّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ يُسْقِطُ طَوَافَ الصَّدَرِ) أَيْ يَسْقِطُ وُجُوبَهُ عَنْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهَا كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالْبُدْنُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ وَمَنْ قَلَّدَ

(2/528)


كَمَا سَيَجِيءُ.