رد المحتار على الدر المختار

[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]
بَابُ الْجِنَايَاتِ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَقْسَامِ الْمُحْرِمِينَ وَأَحْكَامِهِمْ شَرَعَ فِي بَيَانِ عَوَارِضِهِمْ بِاعْتِبَارِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ. وَقَدَّمَ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ الْقَاصِرَ أَفْضَلُ مِنْ الْعَدَمِ وَهِيَ مَا تَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ. تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ

(2/542)


بَابُ الْجِنَايَاتِ الْجِنَايَةُ: هُنَا مَا تَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ، وَقَدْ يَجِبُ بِهَا دَمَانِ أَوْ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ فَفَصَّلَهَا بِقَوْلِهِ (الْوَاجِبُ دَمٌ عَلَى مُحْرِمٍ بَالِغٍ) فَلَا شَيْءَ عَلَى الصَّبِيِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَوْ نَاسِيًا) أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ، وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ: وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ) حَاصِلُ الْأَوَّلِ سَبْعَةٌ نَظَمَهَا الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ:
مُحْرَمُ الْإِحْرَامِ يَا مَنْ يَدْرِي ... إزَالَةُ الشَّعْرِ وَقَصُّ الظُّفْرِ
وَاللُّبْسُ وَالْوَطْءُ مَعَ الدَّوَاعِي ... وَالطِّيبُ وَالدَّهْنُ وَصَيْدُ الْبَرِّ
زَادَ فِي الْبَحْرِ ثَامِنًا وَهُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، فَلَوْ قَالَ. مُحْرِمُ الْإِحْرَامِ تَرْكُ وَاجِبٍ. إلَخْ كَانَ أَحْسَنَ.
وَحَاصِلُ الثَّانِي التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِسَبَبٍ إلَخْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُطْلَقًا فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ. وَقَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ ذِكْرَهُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ مُطْلَقًا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهُ، أَمَّا الْحَلَائِلُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ إلَّا الْمُحْرِمُ وَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا تَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَجِبُ بِهَا دَمَانِ) كَجِنَايَةِ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ بَعْدَ أَنْ تَلَبَّسَ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ ط (قَوْلُهُ أَوْ دَمٌ) كَأَكْثَرِ جِنَايَاتِ الْمُفْرِدِ (قَوْلُهُ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ) أَوْ فِيهَا لِلتَّخْيِيرِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى الصَّيْدِ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالتَّصَدُّقِ وَالصِّيَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، أَوْ أَنَّ الثَّانِيَةَ فَقَطْ لِلتَّخْيِيرِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ فِي نَحْوِ مَا لَوْ قَتَلَ عُصْفُورًا. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَكُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ اهـ زَادَ الشُّرَّاحُ أَوْ بِإِزَالَةِ شَعَرَاتٍ قَلِيلَةٍ، لَكِنْ أَرَادَ بِالصَّدَقَةِ هُنَا الْأَعَمَّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى أَوْ صَدَقَةٌ وَلَوْ رُبْعَ صَاعٍ بِقَتْلِ حَمَامَةٍ أَوْ ثَمَرَةٌ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ (قَوْلُهُ فَفَصَّلَهَا) أَيْ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا فَصَّلَهَا ط فَالْفَاءُ تَفْرِيعِيَّةٌ (قَوْلُهُ الْوَاجِبُ دَمٌ) فَسَّرَهُ ابْنُ مَالِكٍ بِالشَّاةِ، وَأَشَارَ فِي الْبَحْرِ إلَى سِرِّهِ بِقَوْلِهِ إنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ، بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ، لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ يَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَ الشَّاةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.
قُلْت: وَفِي أُضْحِيَّةِ الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ ذَبَحَ سَبْعَةٌ عَنْ أُضْحِيَّةٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ الْحَلْقِ وَالْعَقِيقَةِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الْأُصُولِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مُتَقَرِّبٌ جَازَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي النَّظْمِ اهـ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَشِّينَ قَالَ: وَمَا فِي الْبَحْرِ مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي بَابِ الْهَدْيِ أَنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ يُجْزِئُ وَكَذَلِكَ أَغْلَبُ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَالْمَنَاسِكِ مُصَرِّحَةٌ بِالْإِجْزَاءِ اهـ فَافْهَمْ [تَنْبِيهٌ]
فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ: ثُمَّ الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي، فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا فِي أَيِّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي وَقْتٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّهِ لَفَاتَ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ وَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلَوْ تَبَرَّعُوا عَنْهُ جَازَ إلَّا الصَّوْمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَاسِيًا إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بَيْنَ مَا إذَا جَنَى عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا، مُبْتَدِئًا أَوْ عَائِدًا، ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا، عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا، نَائِمًا أَوْ مُنْتَبِهًا، سَكْرَانًا أَوْ صَاحِيًا، مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُفِيقًا، مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ مُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ.

(2/543)


فَيَجِبُ عَلَى نَائِمٍ غَطَّى رَأْسَهُ (إنْ طَيَّبَ عُضْوًا) كَامِلًا وَلَوْ فَمَه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ عَامِدًا يَأْثَمُ، وَلَا يُخْرِجُهُ الْفِدْيَةُ وَالْعَزْمُ عَلَيْهَا عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَرُبَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْعَامَّةِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَقَالَ أَنَا أَفْدِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ بِالْتِزَامِ الْفِدَاءِ يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَالِ الْمَعْصِيَةِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ، فَإِذَا خَالَفَ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ مُبِيحَةً لِلْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَجَهَالَةُ هَذَا كَجَهَالَةِ مَنْ يَقُولُ أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ وَأَزْنِي وَالْحَدُّ يُطَهِّرُنِي، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ حَجَّهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا اهـ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِمِثْلِ هَذَا فِي الْحُدُودِ فَقَالُوا إنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ طُهْرَةً مِنْ الذَّنْبِ وَلَا يَعْمَلُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ، فَإِنْ تَابَ كَانَ الْحَدُّ طُهْرَةً لَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَرْفَعُ الْإِثْمَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ التَّيْسِيرَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] أَيْ اصْطَادَ بَعْدَ هَذَا الِابْتِدَاءِ قِيلَ هُوَ الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ الذَّنْبَ عَنْ الْمُصِرِّ اهـ وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ وَتَقْيِيدٌ مُسْتَحْسَنٌ يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالرِّوَايَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ أَيْ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَلَى غَيْرِ الْمُصِرِّ وَمَا فِي غَيْرِهِ عَلَى الْمُصِرِّ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا التَّوْفِيقَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ. [تَتِمَّةٌ]
يُسْتَثْنَى مِنْ الْإِطْلَاقِ الْمَارِّ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ مَا فِي اللُّبَابِ: لَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَهُ فِيهَا إلَّا فِيمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ، وَهِيَ تَرْكُ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةِ وَتَأْخِيرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ وَتَرْكُ الصَّدْرِ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَتَرْكُ الْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَتَرْكُ السَّعْيِ وَتَرْكُ الْحَلْقِ لِعِلَّةٍ فِي رَأْسِهِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ شَارِحُهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْعِبَادِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ اللُّبَابِ: وَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ بِإِحْصَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ. هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا مَانِعٌ مِنْ جَانِبِ الْمَخْلُوقِ فَلَا يُؤَثِّرُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ فِيمَنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَدَمًا لِتَرْكِ الرَّمْيِ وَدَمًا لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي إحْصَارِ الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فَيَجِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَقَامِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاخْتِيَارِ الَّذِي أَفَادَهُ ذِكْرُ النَّاسِي وَالْمَكْرُوهِ، وَوَجْهُ الْوُجُوبِ أَنَّ الِارْتِفَاقَ حَصَلَ لِلنَّائِمِ وَعَدَمُ الِاخْتِيَارِ أَسْقَطَ الْإِثْمَ عَنْهُ، كَمَا إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مِنَحٌ ط (قَوْلُهُ غَطَّى رَأْسَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ.
(قَوْلُهُ إنْ طَيَّبَ) أَيْ الْمُحْرِمُ عُضْوًا: أَيْ مِنْ أَعْضَائِهِ كَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ، وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ شَرْطِهِ أَنَّهُ لَوْ شَمَّ طِيبًا أَوْ ثِمَارًا طَيِّبَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كُرِهَ، وَقُيِّدَ بِالْمُحْرِمِ لِأَنَّ الْحَلَالَ لَوْ طَيَّبَ عُضْوًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَانْتَقَلَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ لِأَنَّهُ لَوْ طَيَّبَ عُضْوَ غَيْرِهِ أَوْ أَلْبَسَهُ الْمَخِيطَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَامِلًا) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْكَثْرَةُ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِاخْتِلَافِ عِبَارَاتِ مُحَمَّدٍ، فَفِي بَعْضِهَا جَعَلَ حَدَّ الْكَثْرَةِ عُضْوًا كَبِيرًا، وَفِي بَعْضِهَا فِي تَنَفُّسِ الطِّيبِ، فَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْأَوَّلَ، وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الثَّانِيَ فَقَالَ: إنْ بِحَيْثُ يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ كَالْكَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَالْكَفِّ مِنْ

(2/544)


بِأَكْلِ طِيبٍ كَثِيرٍ أَوْ مَا يَبْلُغُ عُضْوًا لَوْ جُمِعَ، وَالْبَدَنُ كُلُّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ وَإِلَّا فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ ذَبَحَ وَلَمْ يُزِلْهُ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ لِتَرْكِهِ، وَأَمَّا الثَّوْبُ الْمُطَيَّبُ أَكْثَرُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِسْكٍ وَغَالِيَةٍ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَمَا لَا فَلَا. وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ بِرُبْعِ الْعُضْوِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ: لَوْ طَيَّبَ رُبْعَ السَّاقِ أَوْ الْفَخِذَ يَلْزَمُ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ يَلْزَمُ الصَّدَقَةُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنْ كَانَ الطِّيبُ فِي نَفْسِهِ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ الْكَامِلِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يُعْتَبَرُ الْعُضْوُ اهـ مُلَخَّصًا، وَهَذَا تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِالْقَلِيلِ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بِالْكَثِيرِ رُبْعَ عُضْوٍ لَزِمَ الدَّمُ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ التَّوْفِيقُ وَرُجِّحَ فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا فِي الْمُتُونِ فَافْهَمْ.
هَذَا وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: قَوْلُهُ كَالرَّأْسِ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْعُضْوِ فَلَيْسَ كَأَعْضَاءِ الْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ الْأُذُنُ مَثَلًا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا. اهـ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ إنَّ الْمُرَادَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعُضْوِ الصَّغِيرِ مِثْلَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْعُضْوَ الْكَامِلَ قَيَّدَهُ بِالْكَبِيرِ اهـ ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ فِيمَا دُونَ الْكَامِلِ صَدَقَةً هُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ بَلَغَ نِصْفَ الْعُضْوِ تَجِبُ صَدَقَةٌ قَدْرَ نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ رُبْعًا فَرُبْعٌ وَهَكَذَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ بِلَا نَقْلِ خِلَافٍ (قَوْلُهُ بِأَكْلِ طِيبٍ) أَيْ خَالِصٍ بِلَا خَلْطٍ وَبِلَا طَبِيخٍ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ (قَوْلُهُ كَثِيرٍ) هُوَ مَا يَلْتَزِقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذِهِ تَشْهَدُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ مُطْلَقًا فِي لُزُومِ الدَّمِ، بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. بَحْرٌ أَيْ فَإِنَّ لُزُومَ الدَّمِ بِالطِّيبِ الْكَثِيرِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ جَمِيعَ الْفَمِ يَشْهَدُ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَوْ فَمَه بَعْدَ قَوْلِهِ عُضْوًا كَامِلًا فِيهِ مَا فِيهِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَثِيرِ هُنَا مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْفَمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَا يَبْلُغُ عُضْوًا إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى عُضْوًا: أَيْ أَوْ طَيَّبَ مَوَاضِعَ لَوْ جُمِعَتْ تَبْلُغُ عُضْوًا كَامِلًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ. وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ بُلُوغِ أَصْغَرِ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمُطَيَّبَةِ كَمَا اعْتَبَرُوهُ بِانْكِشَافِ الْعَوْرَةِ، لَكِنْ بَعْدَ كَوْنِ ذَلِكَ الْأَصْغَرِ عُضْوًا كَبِيرًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ إلَّا إذَا كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ فَلِكُلِّ طِيبٍ) أَيْ طِيبِ مَجْلِسٍ مِنْ تِلْكَ الْمَجَالِسِ إنْ شَمِلَ عُضْوًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ كَفَّارَةٌ) سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَمْ لَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِتَرْكِهِ) لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مَحْظُورًا فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ الْمُطَيَّبُ أَكْثَرُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ الثَّوْبِ لَا كَثْرَةُ الطِّيبِ، وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الشُّرُنْبُلَالِيَّةَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا وَفِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَثْرَةُ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ وَأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ الْعُرْفُ، حَتَّى إنَّهُ فِي الْبَحْرِ جَعَلَ هَذَا مُرَجِّحًا لِلْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ.
قُلْت: لَكِنْ نَقَلُوا عَنْ الْمُجَرَّدِ إنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَمَكَثَ عَلَيْهِ يَوْمًا يُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَقَبْضَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ دَاخِلٌ فِي الْقَلِيلِ اهـ أَيْ حَيْثُ أَوْجَبَ بِهِ صَدَقَةً لَا دَمًا، وَمَعَ هَذَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْكَثْرَةِ فِي الثَّوْبِ لَا فِي الطِّيبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ الثَّوْبِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الشِّبْرِ كَثِيرٌ مُوجِبٌ لِلدَّمِ لِكَثْرَةِ الطِّيبِ حِينَئِذٍ عُرْفًا، فَرَجَعَ إلَى اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ فِي الطِّيبِ لَا فِي الثَّوْبِ،

(2/545)


فَيُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الدَّمِ دَوَامُ لُبْسِهِ يَوْمًا (أَوْ خَضْبُ رَأْسِهِ بِحِنَّاءٍ) رَقِيقٍ، أَمَّا الْمُتَلَبِّدُ فَفِيهِ دَمَانِ (أَوْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ أَوْ حَلٍّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الشَّيْرَجُ (وَلَوْ) كَانَا (خَالِصَيْنِ) لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الطِّيبِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ

(فَلَوْ أَكَلَهُ) أَوْ اسْتَعَطَهُ (أَوْ دَاوَى بِهِ) جِرَاحَهُ أَوْ (شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنَيْهِ لَا يَجِبُ دَمٌ وَلَا صَدَقَةٌ) اتِّفَاقًا (بِخِلَافِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْغَالِيَةُ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهَا) مِمَّا هُوَ طِيبٌ بِنَفْسِهِ (فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ) وَلَوْ (عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي) وَلَوْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ قَدْ طُبِخَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ إجْرَاءُ التَّوْفِيقِ الْمَارِّ هُنَا أَيْضًا بِأَنَّ الطِّيبَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا لَزِمَ الدَّمُ وَإِنْ أَصَابَ مِنْ الثَّوْبِ أَقَلَّ مِنْ شِبْرٍ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَلْزَمُ حَتَّى يُصِيبَ أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ، وَرُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ لَوْ رَبَطَ مِسْكًا أَوْ كَافُورًا أَوْ عَنْبَرًا كَثِيرًا فِي طَرَفِ إزَارِهِ أَوْ رِدَائِهِ لَزِمَهُ دَمٌ، أَيْ إنْ دَامَ يَوْمًا وَلَوْ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَيُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الدَّمِ) أَفْرَدَ الدَّمَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّوْبِ ثَوْبُ الْمُحْرِمِ مِنْ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَخِيطًا فَيَجِبُ بِدَوَامِ لُبْسِهِ دَمٌ آخَرُ سَكَتَ عَنْ بَيَانِهِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ دَوَامُ لُبْسِهِ يَوْمًا) أَشَارَ بِتَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ بِالزَّمَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُضْوِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الزَّمَانُ، حَتَّى لَوْ غَسَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَالدَّمُ وَاجِبٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ أَوْ خَضَبَ رَأْسَهُ) أَيْ مَثَلًا وَإِلَّا فَلَوْ خَضَبَتْ يَدَهَا أَوْ خَضَبَ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءٍ وَجَبَ الدَّمُ أَيْضًا كَمَا حَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِحِنَّاءٍ) بِالْمَدِّ مُنَوَّنًا لِأَنَّهُ فُعَالٌ لَا فَعْلَاءُ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلِفُ التَّأْنِيثِ فَتْحٌ، وَصُرِّحَ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الطِّيبِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُتَلَبِّدُ إلَخْ) التَّلْبِيدُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْخِطْمِيَّ وَالْآسِ وَالصَّمْغِ فَيَجْعَلَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ لِيَتَلَبَّدَ بَحْرٌ؛ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَمَّا الثَّخِينُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَلَبَّدَ الرَّأْسَ فَفِيهِ دَمَانِ لِلطِّيبِ وَالتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعِهِ اهـ أَمَّا لَوْ غَطَّاهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَصَدَقَةٌ وَهَذَا فِي الرَّجُلِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُمْنَعُ مِنْ تَغْطِيَةِ رَأْسِهَا.
وَاسْتُشْكِلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلْزَامُ الدَّمِ بِالتَّغْطِيَةِ بِالْحِنَّاءِ بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ شَيْئًا.
قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالتَّلْبِيدِ مُعْتَادَةٌ لِأَهْلِ الْبَوَادِي لِدَفْعِ الشَّعَثِ وَالْوَسَخِ عَنْ الشَّعْرِ، وَقَدْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إحْرَامِهِ.
وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ التَّغْطِيَةِ الْكَائِنَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الطِّيبِ، لَكِنْ أَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ التَّلْبِيدَ الَّذِي فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ سَائِغٌ وَهُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا تَحْصُلُ بِهِ تَغْطِيَةٌ. قُلْت: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ رَشِيدِ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَحَسَنٌ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ (قَوْلُهُ أَوْ ادَّهَنَ) بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ دَهَنَ عُضْوًا كَامِلًا لُبَابٌ. وَذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ اعْتَبَرَ كَثْرَةَ الطِّيبِ بِمَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ. قَالَ: وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يَكُونُ عُضْوًا كَامِلًا عَلَى مَا مَرَّ: أَيْ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَأَنَّهُ فِي النَّوَادِرِ أَوْجَبَ الدَّمَ بِدَهْنِ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ، وَأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى رِوَايَةِ الرُّبْعِ فِي الطِّيبِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الطِّيبِ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَى فِيهِمَا الْأَنْوَارُ كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرَانِ طِيبًا، وَلَا يَخْلُوَانِ عَنْ نَوْعِ طِيبٍ، وَيَقْتُلَانِ الْهَوَامَّ، وَيُلَيِّنَانِ الشَّعْرَ، وَيُزِيلَانِ التَّفَثَ وَالشَّعَثَ بَحْرٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَا عَلَيْهِ صَدَقَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَأَرَادَ بِالزَّيْتِ دُهْنَ الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّيْرَجِ، فَخَرَجَ بَقِيَّةُ الْأَدْهَانِ كَالشَّحْمِ وَالسَّمْنِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ خُرُوجُ نَحْوِ دُهْنِ اللَّوْزِ وَنَوَى الْمِشْمِشِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ فَلَوْ أَكَلَهُ) أَيْ دُهْنَ الزَّيْتِ أَوْ الْحَلِّ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِمَكَانٍ أَوْ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ ادَّهَنَ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَعَطَهُ) أَيْ اسْتَنْشَقَهُ بِأَنْفِهِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُ الطِّيبِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي) لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَعَلَهُ) أَيْ الطِّيبَ فِي طَعَامٍ إلَخْ.

(2/546)


وَكَانَ مَغْلُوبًا كُرِهَ أَكْلُهُ كَشَمِّ طِيبٍ وَتُفَّاحٍ

(أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا) لُبْسًا مُعْتَادًا، وَلَوْ اتَّزَرَهُ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ) بِمُعْتَادٍ إمَّا بِحَمْلِ إجَّانَةٍ أَوْ عِدْلٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (يَوْمًا كَامِلًا) أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً، وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ (وَالزَّائِدُ) عَلَى الْيَوْمِ (كَالْيَوْمِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
اعْلَمْ أَنَّ خَلْطَ الطِّيبِ بِغَيْرِهِ عَلَى وُجُوهٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُخْلَطَ بِطَعَامٍ مَطْبُوخٍ أَوْ لَا فَفِي الْأَوَّلِ لَا حُكْمَ لِلطِّيبِ سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَمْ مَغْلُوبًا، وَفِي الثَّانِي الْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ إنْ غَلَبَ الطِّيبُ وَجَبَ الدَّمُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ مَعَهُ الرَّائِحَةُ كُرِهَ، وَإِنْ خُلِطَ بِمَشْرُوبٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ لِلطِّيبِ سَوَاءٌ غَلَبَ غَيْرُهُ أَمْ لَا غَيْرَ أَنَّهُ فِي غَلَبَةِ الطِّيبِ يَجِبُ الدَّمُ، وَفِي غَلَبَةِ الْغَيْرِ تَجِبُ الصَّدَقَةُ إلَّا أَنْ يُشْرَبَ مِرَارًا فَيَجِبَ الدَّمُ. وَبُحِثَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الْمَخْلُوطِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِطِيبٍ مَغْلُوبٍ. إمَّا بِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ أَصْلًا أَوْ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِمَا، وَتَمَامُهُ فِيهِ. [تَنْبِيهٌ]
قَالَ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ: لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي أَكْلِ الطِّيبِ وَحْدَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مِنْ الْمُخَالَطِ رَائِحَةُ الطِّيبِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ فَهُوَ غَالِبٌ وَإِلَّا فَمَغْلُوبٌ، وَإِذَا كَانَ غَالِبًا فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ شَيْئًا كَثِيرًا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَالْكَثِيرُ مَا يَعُدُّهُ الْعَارِفُ الْعَدْلُ كَثِيرًا وَالْقَلِيلُ مَا عَدَاهُ، فَإِنْ أَكَلَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَلْوَى الْمُبَخَّرَةِ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ وُجِدَتْ الرَّائِحَةُ مِنْهُ كُرِهَ بِخِلَافِ الْحَلْوَى الْمُضَافِ إلَى أَجْزَائِهَا الْمَاوَرْدُ وَالْمِسْكُ، فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ صَدَقَةً. اهـ. نَهْرٌ.
قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَ الْفَتْحِ الْمَارِّ فِي غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْغَلَبَةِ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِالرَّائِحَةِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْحَلْوَى الْغَيْرَ الْمَطْبُوخَةِ وَإِلَّا فَالْمَطْبُوخُ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ كَمَا عَلِمْت تَأَمَّلْ، هَذَا حُكْمُ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، وَأَمَّا إذَا خُلِطَ بِمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَدَنِ كَأُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ، فَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ الْمُنْتَقَى: إنْ كَانَ إذَا نَظَرَ إلَيْهِ قَالُوا هَذَا أُشْنَانٌ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَإِنْ قَالُوا هَذَا طِيبٌ عَلَيْهِ دَمٌ (قَوْلُهُ كُرِهَ) أَيْ إنْ وُجِدَتْ مَعَهُ الرَّائِحَةُ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا) تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ فِي فَصْلِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ لُبْسًا مُعْتَادًا) بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ فِي حِفْظِهِ عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ إلَى تَكَلُّفٍ. وَضِدُّهُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ، بِأَنْ يَجْعَلَ ذَيْلَ قَمِيصِهِ مَثَلًا أَعْلَى وَجَيْبَهُ أَسْفَلَ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ وَضَعَهُ إلَخْ) أَيْ لَوْ أَلْقَى الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِ يَدَيْهِ وَلَمْ يَزُرَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَرَاهَةُ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ فِي فَصْلِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ) أَيْ كُلَّهُ أَوْ رُبْعَهُ، وَمِثْلُهُ الْوَجْهُ كَمَا يَأْتِي؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَصَبَ نَحْوَ يَدِهِ، وَعَطَفَهُ عَلَى لُبْسِ الْمَخِيطِ لِأَنَّ السَّتْرَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ كَالرِّدَاءِ وَالشَّاشِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِمُعْتَادٍ) أَيْ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّغْطِيَةُ عَادَةً (قَوْلُهُ إجَّانَةٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ: أَيْ مِرْكَنٍ شَرْحُ اللُّبَابِ وَكَطَاسَةٍ وَطَسْتٍ (قَوْلُهُ أَوْ عِدْلٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَقَدْ تُفْتَحُ: أَيْ أَحَدِ شِقَّيْ حِمْلِ الدَّابَّةِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَقُيِّدَ الْعِدْلُ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ بِالْمَشْغُولِ، بَلْ لَا يُسَمَّى عِدْلًا إلَّا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَادَلُ بِهِ قَرِينُهُ، فَلِذَا أَطْلَقَهُ هُنَا رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: لَكِنِّي لَمْ أَرَ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ التَّقْيِيدَ بِمَا ذُكِرَ، فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى (قَوْلُهُ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ لَيْلَةً) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِقْدَارُ أَحَدِهِمَا فَلَوْ لَبِسَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ أَوْ بِالْعَكْسِ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ) أَيْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَشَمِلَ الْأَقَلُّ السَّاعَةَ الْوَاحِدَةَ أَيْ الْفَلَكِيَّةَ وَمَا دُونَهَا خِلَافًا لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ فِي سَاعَةٍ نِصْفُ صَاعٍ وَفِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ قَبْضَةٌ مِنْ بُرٍّ. اهـ. بَحْرٌ، وَمُشِيَ فِي اللُّبَابِ عَلَى مَا فِي الْخِزَانَةِ، وَأَقَرَّهُ شَارِحُهُ، وَاعْتَرَضَ بِمُخَالَفَتِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ. [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَنَاسِكِ: لَوْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَهُوَ لَابِسٌ الْمَخِيطَ وَأَكْمَلَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَحَلَّ مِنْهُ لَمْ

(2/547)


وَإِنْ نَزَعَهُ لَيْلًا وَأَعَادَهُ نَهَارًا وَلَوْ جَمِيعَ مَا يَلْبَسُ (مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ) لِلُبْسِهِ (عِنْدَ النَّزْعِ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ) أَيْ التَّرْكِ (ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا، وَكَذَا) يَتَعَدَّدُ دَمًا لِلُبْسِهِ (ثُمَّ دَامَ عَلَى الْجَزَاءِ لَوْ لَبِسَ يَوْمًا فَأَرَاقَ لُبْسَهُ يَوْمًا آخَرَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَيْضًا لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَكَانَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَدَوَامُ اللُّبْسِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ وَهُوَ لَابِسُهُ كَإِنْشَائِهِ بَعْدَهُ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا، وَلَوْ تَعَدَّدَ سَبَبُ اللُّبْسِ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ، وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ إلَى قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ عِمَامَتِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَأَثِمَ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ الْمُوجِبَ لِلدَّمِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِلُبْسِ يَوْمٍ كَامِلٍ أَنْ تَلْزَمَهُ صَدَقَةٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّقْدِيرَ بِالْيَوْمِ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ الِارْتِفَاقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا طَالَ زَمَنُ الْإِحْرَامِ، أَمَّا إذَا قَصُرَ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَقَدْ حَصَلَ كَمَالُ الِارْتِفَاقِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الدَّمِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا بُدَّ مِنْ نَقْلٍ صَرِيحٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَزَعَهُ لَيْلًا وَأَعَادَهُ نَهَارًا) وَمِثْلُهُ الْعَكْسُ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَمِيعَ مَا يَلْبَسُ) مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا: أَيْ لَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ مِنْ قَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَعِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ وَلَبِسَ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ إنْ اتَّحَدَ السَّبَبُ كَمَا فِي اللُّبَابِ أَيْ إنْ كَانَ لَبِسَ الْكُلَّ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا، فَلَوْ اُضْطُرَّ لِلْبَعْضِ تَعَدَّدَ الدَّمُ كَمَا يَأْتِي، وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لُبْسُ الْكُلِّ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِمَا قَيَّدَهُ بِهِ الْقَارِي. بَلْ يَكْفِي جَمْعُهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي اللُّبَابِ وَيَتَّحِدُ الْجَزَاءُ مَعَ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ بِأُمُورٍ مِنْهَا اتِّحَادُ السَّبَبِ، وَعَدَمُ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ، وَجَمْعُ اللِّبَاسِ كُلِّهِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَوْمٍ اهـ أَيْ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ كَمَا عَلِمْت؛ أَمَّا لَوْ لَبِسَ الْبَعْضَ فِي يَوْمٍ وَالْبَعْضَ فِي يَوْمٍ آخَرَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ وَإِنْ اتَّحَدَ السَّبَبُ.
(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ) فَإِنْ نَزَعَهُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَلْبَسَهُ ثَانِيًا أَوْ لِيَلْبَسَ بَدَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِتَدَاخُلِ لُبْسِهِ وَجَعْلِهِمَا لُبْسًا وَاحِدًا حُكْمًا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ كَإِنْشَائِهِ بَعْدَهُ) أَيْ فِي وُجُوبِ الدَّمِ إنْ دَامَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى صِحَّةِ إحْرَامِهِ وَهُوَ لَابِسٌ بِلَا عُذْرٍ خِلَافًا لِمَا يَعْتَقِدُهُ الْعَوَامُّ لِأَنَّ التَّجَرُّدَ عَنْ الْمَخِيطِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِحْرَامِ لَا مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ سَبَبُ اللُّبْسِ) كَمَا إذَا كَانَ بِهِ حُمَّى فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لَهَا فَزَالَتْ وَأَصَابَهُ مَرَضٌ آخَرُ أَوْ حُمَّى غَيْرُهَا وَلَبِسَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوَّلًا، وَإِذَا حَصَرَهُ الْعَدُوُّ فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لِلْقِتَالِ أَيَّامًا يَلْبَسُهَا إذَا خَرَجَ وَيَنْزِعُهَا إذَا رَجَعَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ، فَإِنْ ذَهَبَ وَجَاءَ عَدُوٌّ غَيْرُهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْحَلَبِيُّ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ لِدَفْعِ بَرْدٍ ثُمَّ صَارَ يَنْزِعُ وَيَلْبَسُ لِذَلِكَ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْبَرْدُ وَأَصَابَهُ بَرْدٌ آخَرُ فَلَيْسَ لِذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَخْ) تَخْصِيصٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ بِتَعَدُّدِ السَّبَبِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ لَا تُعْتَبَرُ جِنَايَةً مُبْتَدَأَةً. وَفِي اللُّبَابِ: فَإِنْ تَعَدَّدَ السَّبَبُ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ نَحْوَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ قَمِيصًا وَجُبَّةً أَوْ يَحْتَاجَ إلَى قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ الْعِمَامَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا.
قَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ لِضَرُورَةٍ بِهِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ لَبِسَ عِمَامَةً وَخُفًّا بِعُذْرٍ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ وَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِ الضَّرُورَةِ؛ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ الْعِمَامَةِ فَلَبِسَهَا مَعَ الْقَمِيصِ مَثَلًا، أَوْ لَبِسَ قَمِيصًا لِلضَّرُورَةِ وَخُفَّيْنِ لِغَيْرِهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ: كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا، وَكَفَّارَةُ الِاخْتِيَارِ لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَأَثِمَ) لُزُومُ الدَّمِ بِأَحَدِهِمَا وَالْإِثْمُ بِالْآخَرِ، وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ بِعُذْرٍ لَا يَتَعَيَّنُ الدَّمُ كَمَا سَيَأْتِي، وَلُزُومُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ فِي لُبْسِ الْعِمَامَةِ مَعَ الْقَلَنْسُوَةِ كَمَا فِي الْقَمِيصَيْنِ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ عَنْ اللُّبَابِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا نُبِّهَ عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ لُزُومِ الْإِثْمِ نُبِّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ

(2/548)


وَلَوْ تَيَقَّنَ زَوَالَ الضَّرُورَةِ فَاسْتَمَرَّ كَفَّرَ أُخْرَى وَتَغْطِيَةُ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ كَالْكُلِّ وَلَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ وَوَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ بِلَا ثَوْبٍ

(أَوْ حَلَقَ) أَيْ أَزَالَ (رُبْعَ رَأْسِهِ) أَوْ رُبْعَ لِحْيَتِهِ (أَوْ) حَلَقَ (مَحَاجِمَهُ) يَعْنِي وَاحْتَجَمَ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ (أَوْ) حَلَقَ (إحْدَى إبِطَيْهِ أَوْ عَانَتَهُ أَوْ رَقَبَتَهُ) كُلَّهَا (أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ) أَوْ الْكُلَّ (فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ) فَلَوْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ تَعَدَّدَ الدَّمُ إلَّا إذَا اتَّحَدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَنْ الْحَلَبِيِّ، ثُمَّ قَالَ. فَلْيُحْفَظْ هَذَا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُحْرِمِينَ يَغْفُلُ عَنْهُ كَمَا شَاهَدْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ إلَخْ) أَمَّا لَوْ اسْتَمَرَّ مَعَ الشَّكِّ فِي زَوَالِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَفَّرَ أُخْرَى) أَيْ بِلَا تَخْيِيرٍ إنْ دَامَ يَوْمًا بَعْدَ التَّيَقُّنِ (قَوْلُهُ كَالْكُلِّ) هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ) وَكَذَا بَقِيَّةُ الْبَدَنِ إلَّا الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لِلْمَنْعِ مِنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَمَرَّ تَمَامُهُ فِي فَصْلِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ بِلَا ثَوْبٍ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَضْعُ بِالثَّوْبِ فَفِيهِ الْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ فَقَطْ لِأَنَّ الْأَنْفَ لَا يَبْلُغُ رُبْعَ الْوَجْهِ أَفَادَهُ ط.

(قَوْلُهُ أَيْ أَزَالَ) أَيْ أَرَادَ بِالْحَلْقِ الْإِزَالَةَ بِالْمُوسَى أَوْ غَيْرِهِ مُخْتَارًا أَوْ لَا، فَلَوْ أَزَالَهُ بِالنُّورَةِ أَوْ نَتَفَ لِحْيَتَهُ أَوْ احْتَرَقَ شَعْرُهُ بِخَبْزِهِ أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ وَسَقَطَ فَهُوَ كَالْحَلْقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاثَرَ شَعْرٌ بِالْمَرَضِ أَوْ النَّارِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.
قُلْت: وَشَمِلَ أَيْضًا التَّقْصِيرَ كَمَا فِي اللُّبَابِ، قَالَ شَارِحُهُ وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْكَرْمَانِيِّ وَهُوَ الصَّوَابُ قِيَاسًا عَلَى التَّحَلُّلِ. وَوَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ التَّقْصِيرَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ رُبْعَ رَأْسِهِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ الدَّمُ مَا لَمْ يَحْلِقْ أَكْثَرَ رَأْسِهِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلَعَ إنْ بَلَغَ شَعْرُهُ رُبْعَ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ بَلَغَتْ لِحْيَتُهُ الْغَايَةَ فِي الْخِفَّةِ إنْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِهَا كَامِلَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ لُبَابٌ، وَاللِّحْيَةُ مَعَ الشَّارِبِ عُضْوٌ وَاحِدٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَحَاجِمَهُ) أَيْ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ مِنْ الْعُنُقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجِمْ بَعْدَ الْحَلْقِ فَالْوَاجِبُ صَدَقَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي نُسْخَتِي مِنْ الْفَتْحِ. اهـ.
قُلْت: كَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَأَيْته فِي الْفَتْحِ، وَاسْتُشْهِدَ لَهُ بِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ: إنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ، لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِيهَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ، فَلَا يَكُونُ حَلْقُ الْبَعْضِ ارْتِفَاقًا كَامِلًا، بِخِلَافِ رُبْعِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ لِبَعْضِ النَّاسِ. وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الرَّقَبَةِ كَالْكُلِّ لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ يَقُومُ أَكْثَرُهُ مَقَامَ كُلِّهِ، ضَعِيفٌ، وَكَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْإِبِطَ إذَا كَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ يُعْتَبَرُ الرُّبْعُ لِوُجُوبِ الدَّمِ، وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُ. وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْكُلِّ فِي غَيْرِهِمَا فِي لُزُومِ الدَّمِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا. وَذُكِرَ فِي اللُّبَابِ: مِثْلُ الثَّلَاثَةِ مَا لَوْ حَلَقَ الصَّدْرَ أَوْ السَّاقَ أَوْ الرُّكْبَةَ أَوْ الْفَخِذَ أَوْ الْعَضُدَ أَوْ السَّاعِدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقِيلَ صَدَقَةٌ. وَإِنْ حَلَقَ أَقَلَّهُ فَصَدَقَةٌ، وَلَا يَقُومُ الرُّبْعُ مِنْهَا مَقَامَ الْكُلِّ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ: يُشِيرُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ صَدَقَةٌ إلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ مَتَى حَلَقَ عُضْوًا مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ حَلَقَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَصَدَقَةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ حَلْقُ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ، وَمِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ حَلْقُ الرَّأْسِ وَالْإِبِطَيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ والتمرتاشي. وَفِي النُّخْبَةِ: وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ إنَّهُ الْحَقُّ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْإِبِطَ أَوْ الْعَانَةَ وَالرَّقَبَةَ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ وَحْدَهُ فَيَجِبُ بِهِ دَمٌ، لَكِنْ لَا يَقُومُ رُبْعُهُ مَقَامَ كُلِّهِ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَنَحْوِهِمَا فَيَجِبُ بِهِمَا صَدَقَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى

(2/549)


الْمَحَلُّ كَحَلْقِ إبِطَيْهِ فِي مَجْلِسَيْنِ أَوْ رَأْسِهِ فِي أَرْبَعَةٍ (أَوْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ) إذْ الرُّبْعُ كَالْكُلِّ (أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ) لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ (أَوْ لِلصَّدْرِ جُنُبًا) أَوْ حَائِضًا (أَوْ لِلْفَرْضِ مُحْدِثًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
حَلْقِهِمَا إنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِمَا، إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ تَنْوِيرَ السَّاقِ وَحْدَهُ بَلْ تَنْوِيرَ الْمَجْمُوعِ مِنْ الصُّلْبِ إلَى الْقَدَمِ فَكَانَ بَعْضُ الْمَقْصُودِ بِالْحَلْقِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا فَالتَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ مِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَفَرِّقَ مِنْ الْحَلْقِ بِجَمْعٍ كَالطِّيبِ، فَلَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ لُبَابٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ صَدَقَةً. [تَنْبِيهٌ]
ذِكْرُ الْحَلْقِ فِي الْإِبِطَيْنِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ إيمَاءً إلَى جَوَازِهِ وَإِنْ كَانَ النَّتْفُ هُوَ السُّنَّةَ، وَلِذَا عُبِّرَ بِهِ فِي الْأَصْلِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْنُونِ فِي الشَّارِبِ هَلْ هُوَ الْقَصُّ أَوْ الْحَلْقُ؟ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ الْقَصُّ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْقَصُّ حَسَنٌ وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ نَهْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتَفْسِيرُ الْقَصِّ أَنْ يَنْقُصَ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: مُلْتَقَى الْجِلْدَةِ وَاللَّحْمِ مِنْ الشَّفَةِ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنْ يُحَاذِيَهُ. اهـ. وَأَمَّا طَرَفَا الشَّارِبِ وَهُمَا السِّبَالَانِ، فَقِيلَ هُمَا مِنْهُ، وَقِيلَ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ لَا بَأْسَ بِتَرْكِهِمَا، وَقِيلَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ. وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ أَيْ الْوَارِدُ فِي الصَّحِيحَيْنِ تَرْكُهَا حَتَّى تَكْثُرَ، وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ، فَمَا زَادَ قَطَعَهُ اهـ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ وَمَرَّ بَعْضُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. وَأَمَّا الْعَانَةُ، فَفِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْحَلْقُ، لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «عَشْرٌ مِنْ السُّنَّةِ مِنْهَا الِاسْتِحْدَادُ» وَتَفْسِيرُهُ حَلْقُ الْعَانَةِ بِالْحَدِيدِ (قَوْلُهُ كَحَلْقِ إبِطَيْهِ فِي مَجْلِسَيْنِ) كَوْنُ ذَلِكَ مِنْ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ قَصِّ أَظْفَارِ الْيَدَيْنِ مُشْكِلٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ: أَيْ بَلْ هُوَ مِنْ تَخْرِيجِ بَعْضِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ أَحَدٌ نَقَلَ أَنَّ فِيهِ دَمًا وَاحِدًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الشَّارِحِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ.
وَأَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْإِشْكَالِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ ثَمَّةَ مَا يُوجِبُ اتِّحَادَ الْمَحَالِّ وَهُوَ التَّنْوِيرُ، فَإِنَّهُ لَوْ نَوَّرَ جَمِيعَ الْبَدَنِ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْحَلْقُ مِثْلُ التَّنْوِيرِ، وَلَيْسَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ: أَيْ مَسْأَلَةِ الْقَصِّ مَا يَجْعَلُهَا كَذَلِكَ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْقَصَّ كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ مَحَلُّ الْحَلْقِ وَاخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ يَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ مَجْلِسٍ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ رَأْسِهِ فِي أَرْبَعَةٍ) أَيْ بِأَنْ حَلَقَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ رُبْعًا مِنْهُ فَفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ، فَيَجِبُ الدَّمُ لَوْ طَافَهُ جُنُبًا، وَالصَّدَقَةُ لَوْ مُحْدِثًا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَأَفَادَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ الِاصْطِلَاحِيِّ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْأَقْوَى وَالْأَضْعَفِ، فَإِنَّ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ دُونَ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِهِ تَعَالَى كَطَوَافِ الصَّدْرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ الْفَرْضِ الثَّابِتِ بِالْقَطْعِ فَلِذَا وَجَبَتْ فِيهِ مَعَ الْجِنَايَةِ بَدَنَةٌ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ لِلْفَرْضِ مُحْدِثًا) قُيِّدَ بِالْحَدَثِ لِأَنَّ الطَّوَافَ مَعَ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ. وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ إيجَابِ الدَّمِ فِي نَجَاسَةِ كُلِّ الثَّوْبِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَافَ عُرْيَانًا قَدْرَ مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ بِتَرْكِ السَّتْرِ الْوَاجِبِ، وَقُيِّدَ بِالْفَرْضِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ

(2/550)


وَلَوْ جُنُبًا فَبَدَنَةٌ إنْ) لَمْ يُعِدْهُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا فِي الْجَنَابَةِ وَنَدْبُهَا فِي الْحَدَثِ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ، فَلَا تَجِبُ إعَادَةُ السَّعْيِ جَوْهَرَةٌ
وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِهَا شَوْطًا لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
دَمًا فَيُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ جُنُبًا فَبَدَنَةٌ) أَمَّا لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ جُنُبًا وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ، فَإِنْ أَعَادَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ لِتَأْخِيرِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بَحْرٌ، لَكِنْ فِي اللُّبَابِ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ جُنُبًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ، وَإِنْ أَعَادَهُ سَقَطَتْ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ الطَّوَافَ الشَّامِلَ لِلْقُدُومِ وَالصَّدْرِ وَالْفَرْضِ، فَإِنْ أَعَادَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَتَى طَافَ أَيَّ طَوَافٍ مَعَ أَيِّ حَدَثٍ ثُمَّ أَعَادَهُ سَقَطَ مُوجِبُهُ. اهـ. ح قُلْت: لَكِنْ إذَا أَعَادَ طَوَافَ الْفَرْضِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلتَّأْخِيرِ، وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْإِعَادَةُ لِطَوَافِهِ جُنُبًا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَصَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ، وَزَعَمَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ سَهْوٌ لِتَصْرِيحِ الرِّوَايَةِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِلُزُومِ الدَّمِ بِالتَّأْخِيرِ مُطْلَقًا، وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى. [تَنْبِيهٌ]
مِنْ فُرُوعِ الْإِعَادَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي اللُّبَابِ: لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا، فَإِنْ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الصَّدْرِ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى الزِّيَارَةِ، وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ ثَانِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ لِانْتِقَالِ الزِّيَارَةِ إلَى الصَّدْرِ، وَإِنْ طَافَ لِلصَّدْرِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ: دَمٌ لِتَرْكِ الصَّدْرِ: أَيْ لِتَحَوُّلِهِ إلَى الزِّيَارَةِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ طَافَ لِلصَّدْرِ ثَانِيًا سَقَطَ عَنْهُ دَمُهُ، وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا، فَإِنْ حَصَلَ الصَّدْرُ فِي النَّحْرِ انْتَقَلَ إلَى الزِّيَارَةِ، ثُمَّ إنْ طَافَ لِلصَّدْرِ ثَانِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ، وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا يَنْتَقِلُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا، وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا) أَيْ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَهَذَا أَيْضًا شَامِلٌ لِلْقُدُومِ وَالصَّدْرِ وَالْفَرْضِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ جُنُبًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ. اهـ. وَإِذَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ فِي الْقُدُومِ فَفِي الصَّدْرِ وَالْفَرْضِ أَوْلَى. اهـ. ح. [تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا الشَّاةُ أَوْ الْإِعَادَةُ وَالْإِعَادَةُ هِيَ الْأَصْلُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ لِيَكُونَ الْجَابِرُ مِنْ جِنْسِ الْمَجْبُورِ، فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الدَّمِ. وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، فَفِي الْحَدَثِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بَعْثَ الشَّاةِ أَفْضَلُ مِنْ الرُّجُوعِ. وَفِي الْجَنَابَةِ اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الرُّجُوعَ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْبَعْثَ أَفْضَلُ لِمَنْفَعَةِ الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا رَجَعَ لِلْأَوَّلِ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا، فَإِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَبْدَأُ بِهَا ثُمَّ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَوَّلُ) عَطْفٌ عَلَى وُجُوبِهَا، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ خِلَافًا لِلرَّازِيِّ، وَهَذَا فِي الْجِنَايَةِ أَمَّا فِي الْحَدَثِ فَالْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ اتِّفَاقًا سِرَاجٌ، وَقَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ إلَخْ بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْخِلَافِ، فَعَلَى قَوْلِ الرَّازِيّ تَجِبُ إعَادَةُ السَّعْيِ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سِرَاجٌ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ لَا ثَمَرَةَ لِلْخِلَافِ خِلَافُ الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتْحِ إلَخْ) عَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ، وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي اللُّبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ وَلَوْ شَوْطًا جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لِلْبَدَنَةِ وَلَا لِلصَّدَقَةِ، بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مِنْهُ أَيْ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَقَلَّهُ وَلَوْ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ أَعَادَهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ اهـ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دَمًا فَيَنْقُصُ مِنْهُ مَا شَاءَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ فَافْهَمْ،

(2/551)


فِي الْعُمْرَةِ

(أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ) وَلَوْ بِنَدِّ بَعِيرِهِ (قَبْلَ الْإِمَامِ) وَالْغُرُوبِ، وَيَسْقُطُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ وَلَوْ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ غَايَةٌ (أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ سَبْعِ الْفَرْضِ) يَعْنِي وَلَمْ يَطُفْ غَيْرَهُ، حَتَّى لَوْ طَافَ لِلصَّدْرِ انْتَقَلَ إلَى الْفَرْضِ مَا يُكْمِلُهُ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ أَقَلُّ الصَّدْرِ فَصَدَقَةٌ وَإِلَّا فَدَمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَأَمَّا مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكُلُّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ فَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ كَالْقَارِنِ، فَلَا يَرِدُ عَلَى مَا هُنَا وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُتَمَتِّعِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ وَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ الْجِنَايَةُ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَهُنَا الْجِنَايَةُ بِتَرْكِ وَاجِبِ الطَّهَارَةِ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ بِفِعْلِ الْمَحْظُورِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَمِّمْ فِي اللُّبَابِ، بَلْ قَالَ لَا مَدْخَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لِلصَّدَقَةِ وَإِنْ أَطْلَقَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ تَبَعًا لِلْفَتْحِ فَتَنَبَّهْ.

(قَوْلُهُ أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَخْ) بِأَنْ جَاوَزَ حُدُودَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِنَدِّ بَعِيرِهِ) النَّدُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: الْهُرُوبُ ح.
قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَوْ نَدَّ بِهِ بَعِيرُهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَكَذَا لَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ فَتَبِعَهُ لِأَخْذِهِ اهـ. قَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لِعُذْرٍ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ. اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ بِالْعَوْدِ، وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ.
قُلْت: الْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ الْمُسْقِطِ لِلدَّمِ مَا لَا يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي الْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ وَالْغُرُوبِ) قَصَدَ بِهَذَا الْعَطْفِ بَيَانَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْإِمَامِ الْغُرُوبُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُلَابَسَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ النَّفْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَانَ النَّفْرُ مَعَهُ نَفْرًا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَإِلَّا فَلَوْ غَرَبَتْ فَنَفَرُوا وَلَمْ يَنْفِرْ الْإِمَامُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ نَفَرَ الْإِمَامُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَتَابَعُوهُ كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الدَّمُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوُقُوفَ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاجِبٌ فَبِتَرْكِهِ يَلْزَمُ الدَّمُ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) إذَا عَادَ بَعْدَهُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ السُّقُوطِ. وَصَحَّحَ الْقُدُورِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَسْقُطُ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَسْقُطُ الدَّمُ عَلَى الْأَصَحِّ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَالْأَظْهَرُ عَدَمُ السُّقُوطِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْوُقُوفِ إلَى الْغُرُوبِ وَاجِبٌ فَيَفُوتُ بِفَوْتِ الْبَعْضِ. اهـ.
قُلْت: وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الشُّرَّاحَ هُنَا أَخْطَئُوا فِي نَقْلِ الرِّوَايَةِ، لِمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ نَفْرِ الْإِمَامِ سَقَطَ عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بَعْدَمَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ عَرَفَةَ رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَاعْتَمَدَهُ الْقُدُورِيُّ. وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ عَدَمُهُ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَسْقُطُ بِلَا خِلَافٍ لِتَقَرُّرِ الْوَاجِبِ فَلَا يُحْتَمَلُ السُّقُوطُ بِالْعَوْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ سَبْعِ الْفَرْضِ) بِفَتْحِ السِّينِ، وَالْفَرْضُ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ: أَيْ الطَّوَافِ الْفَرْضِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ طَوَافِ الْفَرْضِ، لِقَوْلِ الْوِقَايَةِ أَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْفَرْضِ أَوْ تَرَكَ أَقَلَّهُ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِضَافَةُ سَبْعٍ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا بَيَانِيَّةً عَلَى مَعْنَى سَبْعٍ هِيَ الْفَرْضُ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي أَشْوَاطِ الطَّوَافِ أَكْثَرُ السَّبْعِ لَا كُلُّهَا وَإِنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ إنَّ الَّذِي يَدِينُ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ أَنْ لَا يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ السَّبْعِ وَلَا يُجْبَرُ بَعْضُهُ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَبْحَاثِهِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ قَاطِبَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ قَالَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ إنَّ أَبْحَاثَهُ الْمُخَالِفَةَ لِلْمَذْهَبِ لَا تُعْتَبَرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ طَافَ لِلصَّدْرِ) أَيْ مَثَلًا لِأَنَّ أَيَّ طَوَافٍ حَصَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَانَ لِلْفَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَأَفَادَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يَعْنِي وَلَمْ يَطُفْ غَيْرَهُ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ بَقِيَ أَقَلُّ الصَّدْرِ) أَيْ إنْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَقَلُّ أَشْوَاطِ الصَّدْرِ وَهُوَ قَدْرُ مَا انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى الرُّكْنِ، بِأَنْ تَرَكَ مِنْ الْفَرْضِ ثَلَاثَةَ

(2/552)


(وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَبَدًا فِي حَقِّ النِّسَاءِ (حَتَّى يَطُوفَ) فَكُلَّمَا جَامَعَ لَزِمَهُ دَمٌ إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الرَّفْضَ فَتْحٌ

(أَوْ) تَرَكَ (طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ) وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ (أَوْ) تَرْكِ (السَّعْيِ) أَوْ أَكْثَرِهِ أَوْ رَكْبٍ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ (أَوْ الْوُقُوفَ بِجَمْعٍ فِيهِ) يَعْنِي مُزْدَلِفَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَشْوَاطٍ وَطَافَ لِلصَّدْرِ سَبْعَةً فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ لِطَوَافِ الْفَرْضِ وَتَبْقَى هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَلَيْهِ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ فَيَلْزَمُهُ لَهَا صَدَقَةٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ سِتَّةً وَانْتَقَلَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ يَبْقَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّدْرِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيَلْزَمُهُ لَهَا دَمٌ، ثُمَّ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَّرَ طَوَافَ الصَّدْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِلَّا لَزِمَهُ مَعَ الصَّدَقَةِ أَوْ الدَّمِ صَدَقَةٌ أُخْرَى لِتَأْخِيرِ أَقَلِّ الْفَرْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَاللُّبَابِ، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ وَإِنْ كَانَ تَرَكَ أَقَلَّهُ: أَيْ أَقَلَّ طَوَافِ الْفَرْضِ لَزِمَهُ لِلتَّأْخِيرِ دَمٌ وَصَدَقَةٌ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّدْرِ اهـ فَأَوْجَبَ دَمًا لِتَأْخِيرِ الْأَقَلِّ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَقِيَ مُحْرِمًا) فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ حَتْمًا أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الْبَدَلُ لُبَابٌ.
(قَوْلُهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ) لِأَنَّهُ بِالْحَلْقِ حَلَّ لَهُ مَا سِوَاهُنَّ حَتَّى يَطُوفَ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمٌ) أَيْ شَاةٌ أَوْ بَدَنَةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الرَّفْضَ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ مَعَ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَحْظُورَاتُ مُسْتَنِدَةً إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ كَانَتْ مُتَّحِدَةً فَكَفَاهُ دَمٌ وَاحِدٌ بَحْرٌ
قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَجَعَلَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالْجِمَاعِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ مُحْرِمًا، وَيَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبَ وَلَوْ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ إذَا لَمْ يَنْوِ الرَّفْضَ، ثُمَّ نِيَّةُ الرَّفْضِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِجَهْلِهِ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْهُ. اهـ.
قُلْت: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالرَّفْضِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ آخِرَ الْجِنَايَاتِ، وَمِنْ الْمَأْمُورِ بِالرَّفْضِ الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ لِأَنَّهُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ يَحِلُّ وَيُرْتَفَضُ إحْرَامُهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ كُلَّ مَنْ مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجَبِ الْإِحْرَامِ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِغَيْرِ الْهَدْيِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَوْ أَحْرَمَا بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، فَإِنَّ لَهُمَا أَنْ يُحَلِّلَاهُمَا فِي الْحَالِ بِلَا ذَبْحٍ.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ حَيْثُ زَعَمَ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ تَحْلِيلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِنَحْوِ قَصِّ ظُفْرٍ أَوْ جِمَاعٍ.

(قَوْلُهُ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ) أَمَّا لَوْ تَرَكَ أَقَلَّهُ فَفِيهِ صَدَقَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. [تَنْبِيهٌ]
لَمْ يُصَرِّحُوا بِحُكْمِ طَوَافِ الْقُدُومِ لَوْ شَرَعَ فِيهِ وَتَرَكَ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالصَّدْرِ لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِيهَا لَمْ يُطَالَبْ بِهِ مَا لَمْ يُرِدْ السَّفَرَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِالتَّرْكِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ اهـ أَيْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَفُوتُ بِفَوْتِهِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ وَاللُّبَابِ أَنَّهُ لَوْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِيَطُوفَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ فَخُيِّرَ بَيْنَ إرَاقَةِ الدَّمِ وَالرُّجُوعِ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِعُمْرَةٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) قَيْدٌ لِلتَّرْكِ وَالرُّكُوبِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَهَذَا حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ أَيْ أَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ بِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ فِيمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا

(2/553)


أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ، أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ، وَأَكْثَرَهُ: أَيْ أَكْثَرَ رَمْيِ يَوْمٍ

(أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ بِحَجٍّ) فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، فَلَوْ بَعْدَهَا فَدَمَانِ (أَوْ عُمْرَةٍ) لِاخْتِصَاصِ الْحَلْقِ بِالْحَرَمِ (لَا) دَمَ (فِي مُعْتَمِرٍ) خَرَجَ (ثُمَّ رَجَعَ مِنْ حِلٍّ) إلَى الْحَرَمِ (ثُمَّ قَصَرَ) وَكَذَا الْحَاجُّ إنْ رَجَعَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَإِلَّا فَدَمٌ لِلتَّأْخِيرِ (أَوْ قَبَّلَ) عَطْفٌ عَلَى حَلْقٍ (أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ أَنْزَلَ أَوْ لَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُوجِبُهُ وَلَوْ بِعُذْرٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، ثُمَّ لَوْ أَعَادَ السَّعْيَ مَاشِيًا بَعْدَمَا حَلَّ وَجَامَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَدْ وُجِدَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ) إنَّمَا وَجَبَ بِتَرْكِهِ كُلَّهُ دَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهُوَ الرَّابِعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةٌ إلَّا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ، ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بَحْرٌ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّرْكَ غَيْرُ قَيْدٍ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ كُلِّهِ أَوْ تَأْخِيرِ رَمْيِ يَوْمٍ إلَى مَا يَلِيهِ، أَمَّا لَوْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي بَحْثِ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) وَلَوْ يَوْمَ النَّحْرِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ) دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ كَمَا عَلِمْت، لَكِنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الرَّمْيِ فِيهَا بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا كُلُّ رَمْيَةٍ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَأَكْثَرَهُ) كَأَرْبَعِ حَصَيَاتٍ فَمَا فَوْقَهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ فِيمَا بَعْدَهُ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ تَرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَخَّرَهُ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ أَيْ أَكْثَرَ رَمْيِ يَوْمٍ) الْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الرَّمْيِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ رَمْيُ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَفْوَدُ.

(قَوْلُهُ أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) أَيْ يَجِبُ دَمٌ لَوْ حَلَقَ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فِي الْحِلِّ لِتَوَقُّتِهِ بِالْمَكَانِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي (قَوْلُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِحَلَقَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِلْحَجِّ، وَلِذَا قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ عُمْرَةٍ فَيَتَقَيَّدُ حَلْقُ الْحَاجِّ بِالزَّمَانِ أَيْضًا، وَخَالَفَ فِيهِ مُحَمَّدٌ، وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّضْمِينِ بِالدَّمِ لَا فِي التَّحَلُّلِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْحَلْقِ فِي أَيِّ زَمَانٍ أَوْ مَكَان فَتْحٌ. وَأَمَّا حَلْقُ الْعُمْرَةِ فَلَا يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ إجْمَاعًا هِدَايَةٌ، وَكَلَامُ الدُّرَرِ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَيْدٌ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَعَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَا إيهَامَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ (قَوْلُهُ فَدَمَانِ) دَمٌ لِلْمَكَانِ وَدَمٌ لِلزَّمَانِ ط (قَوْلُهُ لِاخْتِصَاصِ الْحَلْقِ) أَيْ لَهُمَا بِالْحَرَمِ وَلِلْحَجِّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ط (قَوْلُهُ خَرَجَ) أَيْ مِنْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ حِلٍّ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ فِي الْحِلِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحَاجُّ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَابْنِ كَمَالٍ حَيْثُ أَطْلَقُوا وُجُوبَ الدَّمِ بِخُرُوجِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ ثُمَّ رُجُوعِهِ، فَإِنَّ ذَاتَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِهِ شَيْءٌ.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ اعْتَمَرَ فَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَصَّرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى رَجَعَ وَقَصَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مَكَانِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ. اهـ.
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَوْ فَعَلَ الْحَاجُّ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَمُ التَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَلْزَمُ الْحَاجَّ إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيُفِيدُ أَنَّهُ إذَا عَادَ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَحَلَقَ فِيهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِمَسَائِلِ الْفِقْهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ، أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ قَبَّلَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ دَوَاعِيَ الْجِمَاعِ كَالْمُعَانَقَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرَجِ وَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ، أَنْزَلَ أَوْ لَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا يُفْسِدُ حَجَّهُ شَيْءٌ مِنْهَا كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَالْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ، أَوْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ، فَفِي الْأُولَيَيْنِ

(2/554)


فِي الْأَصَحِّ أَوْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ أَوْ جَامَعَ بَهِيمَةً وَأَنْزَلَ (أَوْ أَخَّرَ) الْحَاجُّ (الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الْفَرْضِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) لِتَوَقُّتِهِمَا بِهَا

(أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى آخَرَ) فَيَجِبُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الرَّمْيُ، ثُمَّ الذَّبْحُ لِغَيْرِ الْمُفْرِدِ، ثُمَّ الْحَلْقُ ثُمَّ الطَّوَافُ، لَكِنْ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ؛ نَعَمْ يُكْرَهُ لِبَابٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ، كَمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُفْرِدِ إلَّا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ لِأَنَّ ذَبْحَهُ لَا يَجِبُ

(وَيَجِبُ دَمَانِ عَلَى قَارِنٍ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ) دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَدَمٌ لِلْقِرَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّوَاعِي وَالْجِمَاعِ لِمُقْتَضٍ، وَهُوَ أَنَّ الْجِمَاعَ فِي الْأُولَى مُفْسِدٌ لِتَعَلُّقِ فَسَادِ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ حَقِيقَةً كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ بِالدَّوَاعِي كَمَا لَا يَفْسُدُ بِهَا الصَّوْمُ لِأَنَّ فَسَادَهُ مُعَلَّقٌ بِالْجِمَاعِ حَقِيقَةً بِالنَّصِّ، وَالْجِمَاعُ مَعْنًى دُونَهُ فَلَمْ يَلْحَقُ بِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُوجِبٌ لِلْبَدَنَةِ لِغِلَظِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يُفْسِدْ لِتَمَامِ حَجِّهِ بِالْوُقُوفِ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ فِي الدَّوَاعِي. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَاشْتَرَكَ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ فِي وُجُوبِ الشَّاةِ لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لِلتَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ هُنَا لَيْسَ جِنَايَةً غَلِيظَةً لِوُجُودِ الْحِلِّ الْأَوَّلِ بِالْحَلْقِ، فَلِذَا لَمْ تَجِبْ بِهِ بَدَنَةٌ وَدَوَاعِيهِ مُلْحَقَةٌ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ]
أَطْلَقَ فِي التَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ فَعَمَّ مَا لَوْ صَدَرَا فِي أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْحَمَوِيُّ، وَأَخْرَجَ بِهِمَا النَّظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ؛ وَلَوْ أَطَالَ النَّظَرَ أَوْ تَكَرَّرَ وَكَذَا الِاحْتِلَامُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِطْلَاقِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي اللُّبَابِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الدَّوَاعِيَ مُحَرَّمَةٌ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا فَيَجِبُ الدَّمُ مُطْلَقًا، وَاشْتَرَطَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْإِنْزَالَ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْزَلَ) قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فِيهِمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ أَوْ أَخَّرَ الْحَاجُّ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ حَلْقَ الْمُعْتَمِرِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ وَكَذَا طَوَافُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِهِمَا شَيْءٌ ط (قَوْلُهُ أَوْ طَوَافَ الْفَرْضِ) أَيْ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ فَلَوْ أَخَّرَ أَقَلَّهُ يَجِبُ صَدَقَةٌ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الصَّدْرِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ لِتَوَقُّتِهِمَا) أَيْ الْحَلْقِ وَطَوَافِ الْفَرْضِ بِهَا أَيْ بِأَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِتَأْخِيرِهِمَا. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَهَذَا إذَا كَانَ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ بِلَا عُذْرٍ، حَتَّى لَوْ حَاضَتْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ وَإِنْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الدَّمُ بِالتَّفْرِيطِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْوَجِيزِ، وَأَفَادَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الطَّوَافِ عَيْنًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ، فَفِي إلْزَامِهَا بِالدَّمِ وَقَدْ حَاضَتْ فِي الْأَثْنَاءِ نَظَرٌ. اهـ. وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ فِي بَحْثِ الطَّوَافِ.

(قَوْلُهُ أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى آخَرَ) أَيْ وَقَدْ فَعَلَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لِئَلَّا يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ إلَخْ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ أَوْ قَدَّمَ إلَخْ بَيَانًا لِوُجُوبِ الدَّمِ بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ فُرِّعَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ مَعَ بَيَانِ مَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ وَمَا لَا يَجِبُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِغَيْرِ الْمُفْرِدِ) أَمَّا هُوَ فَالذَّبْحُ لَهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ طَافَ) أَيْ مُفْرِدًا أَوْ غَيْرَهُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ) أَيْ وَكَذَا قَبْلَ الذَّبْحِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الرَّمْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الذَّبْحِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُ الطَّوَافِ عَلَى الرَّمْيِ لَا يَجِبُ عَلَى الذَّبْحِ (قَوْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ) أَيْ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُفْرِدِ إلَخْ) فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الْحَلْقِ لِلْمُفْرِدِ وَغَيْرِهِ، وَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الذَّبْحِ وَالذَّبْحِ عَلَى الْحَلْقِ لِغَيْرِ الْمُفْرِدِ، وَلَوْ طَافَ الْمُفْرِدُ وَغَيْرُهُ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لُبَابٌ وَكَذَا لَوْ طَافَ قَبْلَ الذَّبْحِ كَمَا عَلِمْت.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ تَرْتِيبُ الثَّلَاثَةِ الرَّمْيِ ثُمَّ الذَّبْحِ ثُمَّ الْحَلْقِ، لَكِنَّ الْمُفْرِدَ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ) وَكَذَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ

(2/555)


كَمَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ جَعْلِ الدَّمَيْنِ لِلْجِنَايَةِ (وَإِنْ طَيَّبَ) جَوَابُهُ قَوْلُهُ الْآتِي تَصَدَّقَ (أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ وَسَتَرَ رَأْسَهُ أَوْ لَبِسَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ) فِي الْخِزَانَةِ فِي السَّاعَةِ نِصْفُ صَاعٍ، وَفِيمَا دُونَهَا قَبْضَةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّاعَةَ فَلَكِيَّةٌ (أَوْ حَلَقَ) شَارِبَهُ أَوْ (أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ رَأْسِهِ) أَوْ لِحْيَتِهِ أَوْ بَعْضَ رَقَبَتِهِ (أَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرِهِ أَوْ خَمْسَةٍ) إلَى سِتَّةَ عَشَرَ (مُتَفَرِّقَةٍ) مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ أَنَّ لِكُلِّ ظُفْرٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ

(أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا وَتَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سَبْعِ الصَّدْرِ) وَيَجِبُ لِكُلِّ شَوْطٍ مِنْهُ وَمِنْ السَّعْيِ نِصْفُ صَاعٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الرَّمْيِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ، وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَارِنِ لِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَأْخِيرُ النُّسُكِ وَتَقْدِيمُهُ بِالْحَلْقِ قَبْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِشَيْخِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ أَحَدَ الدَّمَيْنِ لِلتَّأْخِيرِ وَالْآخَرَ لِلْقِرَانِ الَّذِي هُوَ دَمُ شُكْرٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ) أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ اهـ وَقَدْ خَطَّأَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ وُجُوهٍ.
مِنْهَا: مُخَالَفَتُهُ لِمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ أَحَدَ الدَّمَيْنِ لِلْقِرَانِ وَالْآخَرَ لِلتَّأْخِيرِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ دِمَاءٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَا يَنْتَهِي بِالْوُقُوفِ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ جِنَايَتَانِ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ وَدَمُ الْقِرَانِ.
وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى غَيْرُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ خِلَافَهُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّضَاعُفَ عَلَى الْقَارِنِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ نَقْصًا فِي إحْرَامِ عُمْرَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ؛ وَلِهَذَا إذَا أَفَاضَ الْقَارِنُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ طَافَ لِلزِّيَادَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْجَوَابِ عَنْ بَقِيَّةِ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مَبْسُوطٌ فِيهِ وَفِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ) أَيْ وَلَوْ أَكْثَرَهُ كَمَا مَرَّ ط وَهَذَا إذَا كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ فِي الْخِزَانَةِ إلَخْ) أَفَادَ فِي الْبَحْرِ ضَعْفَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ حَلَقَ شَارِبَهُ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ وَلَا يَبْلُغُ رُبْعَهَا، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ، وَقِيلَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقِيلَ دَمٌ كَمَا حُرِّرَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ رَأْسِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ كَالْكَنْزِ أَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ صَاعٍ وَلَوْ كَانَ شَعْرَةً وَاحِدَةً، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ إنْ نَتَفَ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٍ فَلِكُلِّ شَعْرَةٍ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِي خُصْلَةٍ نِصْفُ صَاعٍ فَظَهَرَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اشْتِبَاهًا لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الصَّدَقَةَ وَلَمْ يُفَصِّلْهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَقَرَّ إلَخْ) إشَارَةً إلَى مَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِيهَامِ كَعِبَارَةِ الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَابْنِ كَمَالٍ لِأَنَّ مُفَادَهَا أَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ إلَى الْخَمْسِ نِصْفُ صَاعٍ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ، وَلَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفْرًا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةٌ يَجِبُ بِكُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ مَا شَاءَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي اللُّبَابِ: كُلُّ صَدَقَةٍ تَجِبُ فِي الطَّوَافِ فَهِيَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ، أَوْ فِي الرَّمْيِ فَلِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ أَوْ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ فَلِكُلِّ ظُفْرٍ، أَوْ فِي الصَّيْدِ وَنَبَاتِ الْحَرَمِ فَعَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ اهـ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ) أَيْ لِئَلَّا يَجِبَ فِي الْأَقَلِّ مَا يَجِبُ فِي الْأَكْثَرِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَقِيلَ يُنْقِصُ نِصْفَ صَاعٍ اهـ وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ) وَكَذَا كُلُّ طَوَافِ تَطَوُّعٍ جَبْرًا لِمَا دَخَلَهُ مِنْ النَّقْصِ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ سَبْعِ الصَّدْرِ) أَمَّا لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سَبْعِ الْقُدُومِ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَمِنْ السَّعْيِ) أَيْ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ

(2/556)


(أَوْ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) وَيَجِبُ لِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَكَمَا مَرَّ وَأَفَادَ الْحَدَّادِيُّ أَنَّهُ يُنْقِصُ نِصْفَ صَاعٍ

(أَوْ حَلَقَ رَأْسَ) مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ (غَيْرَهُ) أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَيَّبَ عُضْوَ غَيْرِهِ أَوْ أَلْبَسَهُ مَخِيطًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا ظَهِيرِيَّةٌ (تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) كَالْفِطْرَةِ

(وَإِنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ) أَوْ لَبِسَ (بِعُذْرٍ) خُيِّرَ إنْ شَاءَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ مِنْهُ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُخَيَّرَ بَيْنَ الدَّمِ وَتَنْقِيصِ الصَّدَقَةِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ أَوْ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) أَيْ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ ط وَالْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَ أَقَلَّ جِمَارِ يَوْمٍ كَثَلَاثٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَعَشْرَةٍ مِمَّا بَعْدَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَمَا مَرَّ) أَيْ يُنْقِصُ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ الْحَدَّادِيُّ) أَيْ فِي السِّرَاجِ وَتَقَدَّمَ عَنْ اللُّبَابِ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِقِيلَ إشَارَةً إلَى ضَعْفِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ إطْلَاقِ التَّنْقِيصِ بِمَا شَاءَ. لَكِنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا لَوْ شَاءَ شَيْئًا قَلِيلًا مِثْلَ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ فِي تَرْكِ ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ مَثَلًا لَوْ بَلَغَ الْوَاجِبُ فِيهَا قِيمَةَ دَمٍ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ حَصَاةً وَاحِدَةً يَجِبُ نِصْفُ صَاعٍ، وَقَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ اللُّبَابِ وَقَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ، وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا عَلِمْت؛ لِأَنَّهُمْ نَقَصُوا عَنْ قِيمَةِ الدَّمِ لِئَلَّا يَجِبَ فِي الْقَلِيلِ مَا يَجِبُ فِي الْكَثِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا فِي السِّرَاجِ بَيَانًا لِمَا أَطْلَقُوهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُنْقِصُ مَا شَاءَ إلَّا نِصْفَ صَاعٍ لَا أَكْثَرَ لِمَا قُلْنَا، لَكِنَّ مَا فِي السِّرَاجِ مُجْمَلٌ، وَقَدْ فَسَّرَهُ مَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ إذَا بَلَغَ قِيمَةُ الصَّدَقَاتِ دَمًا يُنْقِصُ مِنْهُ نِصْفَ صَاعٍ لِيَبْلُغَ قِيمَةُ الْمَجْمُوعِ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الشَّاةِ، وَهَكَذَا إذَا نَقَصَ نِصْفُ صَاعٍ وَكَانَ ثَمَنُ الْبَاقِي مِقْدَارَ ثَمَنِ الشَّاةِ يُنْقِصُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ثَمَنُ الصَّدَقَةِ الْبَاقِيَةِ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الشَّاةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً نِصْفَ صَاعٍ فَقَطْ بِأَنْ قَلَمَ ظُفْرًا وَاحِدًا وَكَانَ يَبْلُغُ هَدْيًا يَنْقُصُ مِنْهُ مَا شَاءَ بِحَيْثُ يَصِيرُ ثَمَنُ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْهَدْيِ. اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ حَلَقَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَالِقَ وَالْمَحْلُوقَ إمَّا أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ حَلَّالَيْنِ، أَوْ الْحَالِقُ مُحْرِمًا وَالْمَحْلُوقُ حَلَالًا أَوْ بِالْعَكْسِ؛ فَفِي كُلٍّ عَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَا حَلَالَيْنِ، وَعَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَلَالًا نِهَايَةٌ، لَكِنْ فِي حَلْقِ الْمُحْرِمِ رَأْسَ حَلَالٍ يَتَصَدَّقُ الْحَالِقُ بِمَا شَاءَ، وَفِي غَيْرِهِ الصَّدَقَةُ نِصْفُ صَاعٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِهِ أَوْ حَلَالٍ، وَوَقَعَ فِي الْعِنَايَةِ: فِيمَا إذَا كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا وَالْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ اتِّفَاقًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفَاعِلِ، أَمَّا الْمَفْعُولُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إذَا كَانَ مُحْرِمًا لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ) أَفَادَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِنِصْفِ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ اتِّفَاقِيٌّ فَيَجُوزُ إخْرَاجُ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الشَّعِيرِ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: وَأَمَّا الْمَخْلُوطُ بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلشَّعِيرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَاعٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْحِنْطَةِ فَنِصْفُهُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا يَنْبَغِي وُجُوبُ الصَّاعِ احْتِيَاطًا، وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْفِطْرَةِ يَجْرِي هُنَا. اهـ.

(قَوْلُهُ بِعُذْرٍ) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ وَلَيْسَتْ الثَّلَاثَةُ قَيْدًا، فَإِنَّ جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ فَفِيهِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيُّ، وَأَمَّا تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ اللُّبَابِ وَفِيهِ: وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْحُمَّى وَالْبَرْدُ وَالْجُرْحُ وَالْقُرْحُ وَالصَّدْعُ وَالشَّقِيقَةُ وَالْقَمْلُ، وَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْعِلَّةِ وَلَا أَدَاؤُهَا إلَى التَّلَفِ بَلْ وُجُودُهَا مَعَ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ يُبِيحُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْإِكْرَاهُ وَالنَّوْمُ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ فَلَيْسَتْ بِأَعْذَارٍ فِي حَقِّ التَّخْيِيرِ وَلَوْ اُرْتُكِبَ الْمَحْظُورُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوَاجِبُهُ الدَّمُ عَيْنًا، أَوْ الصَّدَقَةُ فَلَا يَجُوزُ عَنْ الدَّمِ طَعَامٌ وَلَا صِيَامٌ، وَلَا عَنْ الصَّدَقَةِ صِيَامٌ؛ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ. اهـ.
وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الدَّمِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ: مِنْ الْأَعْذَارِ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ الظَّنُّ لَا مُجَرَّدُ الْوَهْمِ، فَتَجُوزُ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ، فَيُغَطِّي رَأْسَهُ بِالْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ إنْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا مُوجِبٌ لِلدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ. اهـ.

(2/557)


(ذَبَحَ) فِي الْحَرَمِ (أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعِ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) أَيْنَ شَاءَ (أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً

(وَوَطْؤُهُ فِي إحْدَى السَّبِيلَيْنِ) مِنْ آدَمِيٍّ (وَلَوْ نَاسِيًا) أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ، لَكِنْ لَا دَمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ يُفْسِدُ حَجَّهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: يَعْنِي إذَا كَانَتْ نَازِلَةً عَنْ الرَّأْسِ بِحَيْثُ تُغَطِّي رُبْعًا مِمَّا تَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ، وَإِلَّا فَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ التَّصْرِيحَ بِخِلَافٍ وَأَنَّهُ مِثْلُ مَا لَوْ اُضْطُرَّ لِجُبَّةٍ فَلَبِسَ جُبَّتَيْنِ، نَعَمْ يَأْثَمُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَبِسَ جُبَّةً وَقَلَنْسُوَةً فَإِنَّ فِيهِ كَفَّارَتَيْنِ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ ذَبَحَ إلَخْ) هَذَا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، أَمَّا مَا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ أَوْ أَقَلَّ عَلَى مِسْكِينٍ أَوْ صَامَ يَوْمًا كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ ذَبَحَ) أَفَادَ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ، فَلَوْ هَلَكَ أَوْ سَرَقَ لَا يَجِبُ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ وَهُوَ حَيٌّ وَإِنَّمَا لَا يَأْكُلُ مِنْهُ رِعَايَةً لِجِهَةِ التَّصَدُّقِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي الْحَرَمِ) فَلَوْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْرُ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعِ حِنْطَةٍ فَيُجْزِيهِ بَدَلًا عَنْ الْإِطْعَامِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَصَدَّقَ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْلِيكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ، فَلَا تَكْفِي الْإِبَاحَةُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعِ طَعَامٍ) بِإِضَافَةِ أَصْوُعٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَوْ بِسُكُونِ الصَّادِ وَضَمِّ الْوَاوِ: جَمْعُ صَاعٍ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ، وَالطَّعَامُ الْبُرُّ بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفُ صَاعٍ. حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اكْتَفَى بِالْإِبَاحَةِ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا وَعَشَّاهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَنْ يَجُوزَ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَاتِ نَهْرٌ تَبَعًا لِلْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَيْنَ شَاءَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ فِيهِ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، بِخِلَافِ الذَّبْحِ وَالتَّصَدُّقِ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ أَفْضَلُ بَحْرٌ، وَكَذَا الصَّوْمُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ، فَيَصُومُهُ أَيْنَ شَاءَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي بَحْرٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا.

(قَوْلُهُ وَوَطْؤُهُ) أَيْ بِإِيلَاجِ قَدْرِ الْحَشَفَةِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَلَوْ بِحَائِلٍ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الْحَرَارَةِ وَاللَّذَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ لَا، مَرَّةً أَوْ مِرَارًا، وَلَا يَتَعَدَّدُ الدَّمُ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَجْلِسِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِالثَّانِي رَفْضَ الْإِحْرَامِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي إحْدَى السَّبِيلَيْنِ) السَّبِيلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ أَيْ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ هَذَا فِي الدُّبُرِ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا (قَوْلُهُ مِنْ آدَمِيٍّ) فَلَا يَفْسُدُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ مُطْلَقًا لِقُصُورِهِ بَحْرٌ أَيْ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَا، وَقَدْ أَلْحَقُوا الَّتِي لَا تُشْتَهَى بِالْبَهِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ فَيَقْتَضِي عَدَمَ الْفَسَادِ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى رَمْلِيٌّ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَاسِيًا) شَمِلَ التَّعْمِيمُ الْعَبْدَ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ وَقَضَاءُ الْحَجِّ بَعْدَ الْعِتْقِ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ، وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ لِيَحِلَّ هُوَ، فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مُكْرَهًا) وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَحَكَى فِي الْفَتْحِ خِلَافًا فِي رُجُوعِ الْمَرْأَةِ بِالدَّمِ إذَا أَكْرَههَا الزَّوْجُ، وَلَمْ أَرَ قَوْلًا فِي رُجُوعِهَا بِمُؤْنَةِ حَجِّهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ صَبِيًّا) يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ، وَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ ضَعِيفٌ بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا دَمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ، وَأُفْرِدَ الضَّمِيرُ لِمَكَانِ أَوْ، وَكَذَا لَا مُضِيَّ عَلَيْهِمَا فِي إحْرَامِهِمَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ) بِالْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ: أَيْ وُقُوفٍ هُوَ فَرْضٌ أَوْ بِدُونِهَا مَعَ التَّنْوِينِ فِيهِمَا عَلَى الْوَصْفِيَّةِ: أَيْ وُقُوفٍ مَفْرُوضٍ، وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِيَّةِ الرُّكْنِيَّةُ فَشَمِلَ حَجَّ النَّفْلِ، وَخَرَجَ وُقُوفُ الْمُزْدَلِفَةِ إذَا جَامَعَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ لَكِنَّ فِيهِ بَدَنَةً (قَوْلُهُ يُفْسِدُ حَجَّهُ) أَيْ يُنْقِصُهُ نُقْصَانًا فَاحِشًا وَلَمْ يُبْطِلْهُ كَمَا فِي

(2/558)


وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ حِمَارٍ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَسَدَ حَجُّهَا إجْمَاعًا (وَيَمْضِي) وُجُوبًا فِي فَاسِدِهِ كَجَائِزِهِ (وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي) وَلَوْ نَفْلًا، وَلَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ؟ لَمْ أَرَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْإِعَادَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيُّ. قَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يُزِيلُ بَعْضَ الْإِشْكَالَاتِ.
قَالَ الْقَارِي: قُلْت: مِنْ جُمْلَتِهَا الْمُضِيُّ فِي الْأَفْعَالِ، لَكِنَّ فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ أَيْضًا نَوْعَ إشْكَالٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ لِيُؤَدَّى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. اهـ.
أَقُولُ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَسَادِ هُنَا الْبُطْلَانَ بِمَعْنَى عَدَمِ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ الشَّرْعِيَّةِ كَالصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَةٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْخَلَلُ الْفَاحِشُ الْمُوجِبُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ وَلِوُجُوبِ الْقَضَاءِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ مَوْجُودَةٌ نَاقِصَةٌ نُقْصَانًا أَخْرَجَهَا عَنْ الْإِجْزَاءِ، وَلِهَذَا صُرِّحَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ بِإِفْسَادِ الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا عَنْهُ قَبْلَ الْإِعْمَالِ اهـ وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكَانَ خَارِجًا عَنْهُ، وَلَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ مُوجِبُ مَا يَرْتَكِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ.
وَذُكِرَ فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أُخْرَى يَنْوِي قَبْلَ أَدَائِهَا فَهِيَ هِيَ، وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ لَا تَصِحُّ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْفَاسِدَةِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ مُعَاصِرِي صَاحِبِ الْبَحْرِ أَنَّ الْحَجَّ إذَا فَسَدَ لَمْ يَفْسُدْ الْإِحْرَامُ مَعْنَاهُ لَمْ يَبْطُلْ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، فَلَا يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِفَسَادِهِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صُرِّحَ فِي اللُّبَابِ فِي فَصْلِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ بِأَنَّ مُفْسِدَهُ الْجِمَاعُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَمُبْطِلَهُ الرِّدَّةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ حِمَارٍ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً حَيْثُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ أَنَّ دَاعِيَ الشَّهْوَةِ فِي النِّسَاءِ أَتَمُّ فَلَمْ تَكُنْ فِي جَانِبِهِنَّ قَاصِرَةٌ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ إذَا جَامَعَ بَهِيمَةً ط (قَوْلُهُ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا) وَلَوْ لِغَيْرِ آدَمِيٍّ ط (قَوْلُهُ وَيَمْضِي إلَخْ) لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ أَوْ الْإِحْصَارِ وَلَا وُجُودَ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْمُضِيُّ فِيهِ مَعَ فَسَادِهِ لِمَا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ الْوَاجِبُ بِهِ لِنُقْصَانِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَجَائِزِهِ) أَيْ فَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ فِي الْحَجِّ الصَّحِيحِ وَيَجْتَنِبُ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ، وَإِنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الصَّحِيحِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَيَذْبَحُ) وَيَقُولُ سُبْعُ الْبَدَنَةِ مَقَامُ الشَّاةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَحْرٌ. قُلْت: وَهَذَا صَرِيحٌ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَ هَذَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَيَقْضِي) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ. وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَيَقْضِي أَيْ مِنْ قَابِلٍ لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ، فَلَا يَقْضِي إلَّا مِنْ قَابِلٍ، وَسَيَأْتِي فِي مُجَاوَزَةِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَنَّهُ لَوْ عَادَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ تِلْكَ الْعُمْرَةَ أَوْ الْحَجَّةَ وَقَضَى الْحَجَّ فِي عَامِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ مِنْ عَامِهِ لِتَدَارُكِ مَا فَاتَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ) أَيْ قَضَاءُ الْقَضَاءِ الَّذِي أَفْسَدَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّتَيْنِ لِلْأُولَى وَالثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ إنَّمَا شُرِعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْزِمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَأَعَادَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُهُ. اهـ.
وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ إنَّ تَسْمِيَتَهُ قَضَاءً مَجَازٌ قَالَ شَارِحُهُ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْعُمُرُ فَهُوَ أَدَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا اهـ أَيْ وَحَيْثُ كَانَ الثَّانِي أَدَاءً لَمْ يَكُنْ حَجًّا آخَرَ أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ مُلْزِمًا نَفْسَهُ حَجًّا آخَرَ، بَلْ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لِمَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ هُوَ ظَانًّا حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الظَّانَّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ

(2/559)


(وَلَمْ يَتَفَرَّقَا) وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا إنْ خَافَ الْوِقَاعَ

(وَ) وَطْؤُهُ (بَعْدَ وُقُوفِهِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ، وَتَجِبُ بَدَنَةٌ، وَبَعْدَ الْحَلْقِ) قَبْلَ الطَّوَافِ (شَاةٌ) لِخِفَّةِ الْجِنَايَةِ (وَ) وَطْؤُهُ (فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ طَوَافِهِ أَرْبَعَةً مُفْسِدٌ لَهَا فَمَضَى وَذَبَحَ وَقَضَى) وُجُوبًا (وَ) وَطْؤُهُ (بَعْدَ أَرْبَعَةٍ ذَبَحَ وَلَمْ يَفْسُدْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

(فَإِنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَمَا لَا يَخْفَى، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ حَجٍّ آخَرَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ ثَالِثًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حَجٌّ كَامِلٌ حَتَّى يَسْقُطَ بِهِ الْوَاجِبُ، فَكُلَّمَا أَفْسَدَهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَوَّلًا كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ فَأَفْسَدَهَا. وَقَدْ وَجَدَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً فَقَالَ: وَلَفْظُ الْمُبْتَغَى لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ يُرِيدُ قَضَاءَ تِلْكَ الْحَجَّةِ فَأَفْسَدَ حَجَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ اهـ. [تَنْبِيهٌ]
تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِعْلٌ مِثْلَ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ وَهُنَا الْخَلَلُ هُوَ الْفَسَادُ فَلَا يَكُونُ إعَادَةً، لَكِنَّ مُرَادَهُمْ هُنَاكَ بِالْفَسَادِ الْبُطْلَانُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ عَلِمْت آنِفًا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَجِّ فَصَدَقَ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّا قَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْمِيزَانِ تَعْرِيفَهَا بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْقَضَاءِ بَعْدَمَا أَفْسَدَا حَجَّهُمَا بِالْجِمَاعِ أَيْ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ الْآخَرِ بِحَيْثُ لَا يَرَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بَلْ نُدِبَا إنْ خَافَ الْوِقَاعَ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي اللُّبَابِ، وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ، وَقَدْ رَاجَعْت الِاخْتِيَارَ فَرَأَيْته كَذَلِكَ فَافْهَمْ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَأَمَّا مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَتْ الْفُرْقَةُ بِشَيْءٍ أَيْ بِأَمْرٍ ضَرُورِيٍّ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: يَعْنِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ افْتِرَاقُهُمَا. وَأَمَّا وَقْتُ الِافْتِرَاقِ. فَعِنْدَنَا وَزُفَرَ إذَا أَحْرَمَا وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَيْتِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا انْتَهَيَا إلَى مَكَانِ الْجِمَاعِ.

(قَوْلُهُ بَعْدَ وُقُوفِهِ) أَيْ قَبْلَ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ بَدَنَةٌ) شَمِلَ مَا إذَا جَامَعَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ فَبَدَنَةٌ لِلْأَوَّلِ وَشَاةٌ لِلثَّانِي بَحْرٌ، وَشَمِلَ الْعَامِدَ وَالنَّاسِيَ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْمُتُونِ وَاللُّبَابِ خِلَافًا لِمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّ النَّاسِيَ عَلَيْهِ شَاةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الرِّوَايَاتِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ. وَصُرِّحَ بِخُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الطَّوَافِ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِخِفَّةِ الْجِنَايَةِ) أَيْ لِوُجُودِ الْحِلِّ الْأَوَّلِ بِالْحَلْقِ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ، وَمُشِيَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي عَلَى وُجُوبِ الْبَدَنَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَهُ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ لِإِطْلَاقِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وُجُوبَهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِلَا تَفْصِيلٍ، وَنَاقَشَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ.
وَأَمَّا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ لُبَابٌ. قَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: كَذَا فِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ وَغَيْرِهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ تَعْظِيمَ الْجِنَايَةِ إنَّمَا كَانَ لِمُرَاعَاةِ هَذَا الرُّكْنِ، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ هَذَا الْحُكْمُ وَلَوْ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ إلَّا أَنَّهُ سُومِحَ فِيهِ لِصُورَةِ التَّحَلُّلِ وَلَوْ كَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَى أَدَاءِ الطَّوَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجِمَاعِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ وُجُوبَ الشَّاةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا نِزَاعَ فِيهِ لِأَحَدٍ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ حَيْثُ جَعَلَهَا مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، نَعَمْ اسْتَشْكَلَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ الْحَلْقِ لَمْ يَحِلَّ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَكَانَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْبَدَنَةِ. وَيُعْلَمُ جَوَابُهُ مِنْ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ.
هَذَا، وَلَمْ يُذْكَرْ حُكْمُ جِمَاعِ الْقَارِنِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَلَزِمَهُ دَمَانِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَإِنْ بَعْدَهُمَا قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا بَعْدَهُ اهـ وَتَوْضِيحُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَوَطْؤُهُ فِي عُمْرَتِهِ) شَمِلَ عُمْرَةَ الْمُتْعَةِ ط (قَوْلُهُ وَذَبَحَ) أَيْ شَاةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَوَطْؤُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةٍ ذَبَحَ وَلَمْ يَفْسُدْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَفْسُدْ وَذَبَحَ لِيَصِحَّ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمُبْتَدَأِ بِلَا تَكَلُّفٍ إلَى تَقْدِيرِ الْعَائِدِ.

(2/560)


أَيْ حَيَوَانًا بَرِّيًّا مُتَوَحِّشًا بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ (أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ) مُصَدِّقًا لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا طَافَ الْبَاقِيَ وَسَعَى أَوَّلًا لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَتَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّهُ بِالْحَلْقِ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ بِخِلَافِ إحْرَامِ الْحَجِّ. وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْمُفْرِدِ بِالْعُمْرَةِ عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ اهـ.

(قَوْلُهُ أَيْ حَيَوَانًا بَرِّيًّا إلَخْ) زَادَ غَيْرُهُ فِي التَّعْرِيفِ مُمْتَنِعًا بِجَنَاحِهِ أَوْ قَوَائِمِهِ، احْتِرَازًا عَنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ. وَالْبَرِّيُّ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَثْوَى، أَيْ الْمَكَانِ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْبَحْرِيِّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ مَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ لِأَنَّ التَّوَالُدَ أَصْلٌ وَالْكَيْنُونَةَ بَعْدَهُ عَارِضٌ، فَكَلْبُ الْمَاءِ وَالضُّفْدَعُ الْمَائِيُّ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ وَمِثْلُهُ السَّرَطَانُ وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَحْرِيُّ يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ لِلْمُحْرِمِ بِنَصِّ الْآيَةِ وَعُمُومِهَا مُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. خِلَافًا لِمَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالسَّمَكِ خَاصَّةً. أَمَّا الْبَرِّيُّ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ كَالْخِنْزِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ إلَّا مَا يَسْتَثْنِيهِ بَعْدُ مِنْ الذِّئْبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالسَّبْعِ الصَّائِلِ، وَأَمَّا بَاقِي الْفَوَاسِقِ فَلَيْسَتْ بِصَيْدٍ.
قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَأَمَّا طُيُورُ الْبَحْرِ فَلَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهَا لِأَنَّ تَوَالُدَهَا فِي الْبَرِّ، وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ فَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَوَالُدَهَا فِي الْمَاءِ سَبْقُ قَلَمٍ وَإِلَّا نَافَى مَا مَرَّ مِنْ اعْتِبَارِ التَّوَالُدِ فَافْهَمْ، وَدَخَلَ فِي الْمُتَوَحِّشِ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ نَحْوُ الظَّبْيِ الْمُسْتَأْنَسِ وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُ بِالذَّبْحِ، وَخَرَجَ الْبَعِيرُ وَالشَّاةُ إذَا اسْتَوْحَشَا وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُمَا بِالْبَقَرِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الصَّيْدِيَّةِ أَصْلُ الْخِلْقَةِ، وَفِي الذَّكَاةِ الْإِمْكَانُ وَعَدَمُهُ بَحْرٌ، وَخَرَجَ الْكَلْبُ وَلَوْ وَحْشِيًّا لِأَنَّهُ أَهْلِيٌّ فِي الْأَصْلِ، وَكَذَا السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ، أَمَّا الْبَرِّيُّ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ فَتْحٌ وَجُزِمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ كَالْكَلْبِ. [تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ يَحِلُّ صَيْدُهُ أَيْضًا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ " وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَحْرُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ. اهـ. وَفِيهِ: وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ مَا تَكُونُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَحْشِيَّةَ الْخِلْقَةِ، وَفِي بَعْضِهَا مُسْتَأْنَسَةً كَالْجَامُوسِ، فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ مُسْتَوْحِشٌ وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ اهـ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُحْرِمَ مِنْهُمْ فِي بِلَادِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ صَيْدُهُ مَا دَامَ فِيهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلُهُ) أَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَلَالَةً حَقِيقِيَّةً بِالْإِعْلَامِ بِمَكَانِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا بَحْرٌ، فَدَخَلَ فِيهَا الْإِشَارَةُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ وَهِيَ مَا يَكُونُ بِالْحَضْرَةِ، وَفَسَّرَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا تَحْصِيلُ الدَّلَالَةِ بِغَيْرِ اللِّسَانِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّلَالَةَ أَعَمُّ لِحُصُولِهَا بِاللِّسَانِ وَغَيْرِهِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الدَّلَالَةِ يُغْنِي عَنْ الْإِشَارَةِ، وَقَدْ تُخَصُّ الْإِشَارَةُ بِالْحَضْرَةِ وَالدَّلَالَةُ بِالْغَيْبَةِ اهـ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ الْمُصَنِّفُ أَوْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا لَا. قَالَ: فَكُلُوا» وَقَوْلُ الْبَحْرِ إنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةُ لَا يَشْمَلُ الْأَمْرَ، إذْ لَا إعَانَةَ فِيهِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ دَلَالَةٌ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، نَعَمْ يَشْمَلُ مَا لَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ مَكَانًا فَدَلَّهُ عَلَى طَرِيقِهِ أَوْ عَلَى بَابِهِ، وَمَا لَوْ دَلَّهُ عَلَى آلَةٍ يَرْمِيهِ بِهَا، وَكَذَا لَوْ أَعَارَهَا لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ الْقَاتِلِ سِلَاحٌ غَيْرُهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. [تَنْبِيهٌ]
قُيِّدَ الدَّالُّ بِالْمُحْرِمِ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إلَيْهِ، وَأُطْلِقَ فِي الْقَاتِلِ لِأَنَّ الدَّالَّ الْحَلَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْإِثْمُ عَلَى مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الْكُتُبِ، وَقِيلَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَدْلُولِ مُحْرِمًا فَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ دُونَ الْمَدْلُولِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ مُصَدِّقًا لَهُ) هَذِهِ الشُّرُوطُ لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى

(2/561)


غَيْرَ عَالِمٍ وَاتَّصَلَ الْقَتْلُ بِالدَّلَالَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ وَالدَّالُّ وَالْمُشِيرُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ وَأَخَذَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَلِتَ عَنْ مَكَانِهِ (بَدْءًا أَوْ عَوْدًا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا) مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا (فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَلَوْ سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ) أَوْ مُسْتَأْنَسًا (أَوْ حَمَامًا) وَلَوْ (مُسَرْوَلًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ: مَا فِي رِجْلَيْهِ رِيشٌ كَالسَّرَاوِيلِ (أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ) كَمَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا وَأَكَلَ لَحْمَهُ، وَيُقَدِّمُ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الدَّالِّ الْمُحْرِمِ؛ أَمَّا الْإِثْمُ فَمُتَحَقِّقٌ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. زَادَ فِي النَّهْرِ: وَلَيْسَ مَعْنَى التَّصْدِيقِ أَنْ يَقُولَ لَهُ صَدَقْت؛ بَلْ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ؛ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ مُحْرِمٌ بِصَيْدٍ فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَلَمْ يُصَدِّقْ الْأَوَّلَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ ثُمَّ طَلَبَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ؛ وَلَوْ كَذَّبَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ غَيْرَ عَالِمٍ) حَتَّى لَوْ دَلَّهُ وَالْمَدْلُولُ يَعْلَمُ بِهِ: أَيْ بِرُؤْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ لِكَوْنِ دَلَالَتِهِ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ فَكَانَتْ كَلَا دَلَالَةٍ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ.
وَعَلَيْهِ فَيُشْكِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ خُذْ أَحَدَ هَذَيْنِ وَهُوَ يَرَاهُمَا فَقَتَلَهُمَا فَعَلَى الدَّالِّ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِلَّا فَجَزَاءَانِ: وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ فَيُوجِبُ الْجَزَاءَ مُطْلَقًا. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ: لَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِأَخْذِ صَيْدٍ فَأَمَرَ الْمَأْمُورُ آخَرَ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ بِالْأَمْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَلَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ وَأَمَرَهُ فَأَمَرَ الثَّانِي ثَالِثًا بِالْقَتْلِ حَيْثُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ وَالْأَمْرِ مَعَ الدَّلَالَةِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ شَرْطٌ لِلدَّلَالَةِ لَا لِلْأَمْرِ، بَلْ هُوَ مُوجِبٌ لِلْجَزَاءِ مُطْلَقًا بِشَرْطِ الِائْتِمَارِ (قَوْلُهُ وَاتَّصَلَ الْقَتْلُ بِالدَّلَالَةِ) أَيْ تَحْصُلُ بِسَبَبِهَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالدَّالُّ وَالْمُشِيرُ) الْأَوْلَى أَوْ الْمُشِيرُ بِأَوْ لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِيَصِحَّ قَوْلُهُ بَعْدَ بَاقٍ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا تَحَلَّلَ الدَّالُّ أَوْ الْمُشِيرُ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَأْثَمُ هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَلِتَ عَنْ مَكَانِهِ) فَلَوْ انْفَلَتَ عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ بَدْءًا أَوْ عَوْدًا) أَيْ لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ بَيْنَ قَتْلِ أَوَّلِ صَيْدٍ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا جَزَاءَ عَلَى الْعَائِدِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَشُرَيْحٌ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ اذْهَبْ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْك مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا) وَكَذَا مُبَاشِرًا وَلَوْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى صَيْدٍ أَوْ مُتَسَبِّبًا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا، كَمَا إذَا نَصَبَ شَبَكَةً أَوْ حَفَرَ لَهُ حَفِيرَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ لِحَيَوَانٍ مُبَاحِ الْقَتْلِ كَذِئْبٍ فَعَطِبَ فِيهَا صَيْدٌ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ أَوْ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ حَلَالٌ فَجَاوَزَ إلَى الْحَرَمِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ مَمْلُوكًا) وَيَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ وَجَزَاؤُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَانَ مُعَلَّمًا فَيَأْتِي حُكْمُهُ.
(قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ) وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّحَلُّلَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَبُعًا) اسْمٌ لِكُلِّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً، وَأَرَادَ بِهِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّبْعَةِ وَالْحَشَرَاتِ سَوَاءٌ كَانَ سَبُعًا أَمْ لَا وَلَوْ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ بَحْرٌ. وَدَخَلَ فِيهِ سِبَاعُ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ، وَقُيِّدَ بِغَيْرِ الصَّائِلِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ (قَوْلُهُ أَوْ مُسْتَأْنَسًا) عَطْفٌ عَلَى سَبُعًا: أَيْ وَلَوْ ظَبْيًا مُسْتَأْنَسًا لِأَنَّ اسْتِئْنَاسَهُ عَارِضٌ، وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُسَرْوَلًا) صُرِّحَ بِهِ لِخِلَافِ مَالِكٍ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا جَزَاءَ فِيهِ لِأَنَّهُ أَلُوفٌ لَا يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ كَالْبَطِّ (قَوْلُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُضْطَرَّ إلَى الْأَكْلِ (قَوْلُهُ وَيُقَدِّمُ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ) أَيْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ: يَذْبَحُ الصَّيْدَ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ح.
قُلْت: وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا بِأَنَّ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ ارْتِكَابَ حُرْمَتَيْنِ الْأَكْلِ وَالْقَتْلِ، وَفِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ ارْتِكَابُ

(2/562)


وَالصَّيْدَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَلَحْمِ الْإِنْسَانِ، قِيلَ وَالْخِنْزِيرِ؛ وَلَوْ الْمَيِّتُ نَبِيًّا لَمْ يَحِلَّ بِحَالٍ كَمَا لَا يَأْكُلُ طَعَامَ مُضْطَرٍّ آخَرَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الصَّيْدُ الْمَذْبُوحُ أَوْلَى اتِّفَاقًا أَشْبَاهٌ، وَيَغْرَمُ أَيْضًا مَا أَكَلَهُ لَوْ بَعْدَ الْجَزَاءِ (وَ) الْجَزَاءُ (هُوَ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ) وَقِيلَ الْوَاحِدُ وَلَوْ الْقَاتِلَ يَكْفِي (فِي مَقْتَلِهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ مَكَان مِنْهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
حُرْمَةِ الْأَكْلِ فَقَطْ اهـ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، فَالْمَيْتَةُ أَوْلَى اهـ وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ وَالْحُرْمَتَيْنِ مَا هُوَ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ الِاضْطِرَارِ إذْ لَا حُرْمَةَ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَالصَّيْدَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ) تَرْجِيحًا لِحَقِّ الْعَبْدِ لِافْتِقَارِهِ زَيْلَعِيٌّ. [تَنْبِيهٌ]
فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ، وَهَكَذَا عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ وَبِشْرٍ أَنَّ الْغَصْبَ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ، وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هُوَ بِالْخِيَارِ (قَوْلُهُ وَلَحْمِ الْإِنْسَانِ) أَيْ لِكَرَامَتِهِ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْآدَمِيُّ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ ح (قَوْلُهُ قِيلَ وَالْخِنْزِيرِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْإِنْسَانِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ اهـ. وَأَفَادَ الشَّارِحُ ضَعْفَهَا، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْخِنْزِيرِ الْمَيِّتَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَوَجْهُ الضَّعْفِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ كَبَاقِي الْمَيْتَةِ فِيهِ ارْتِكَابُ حُرْمَةِ الْأَكْلِ فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ صَيْدٌ أَيْضًا فَاصْطِيَادُ غَيْرِهِ أَوْلَى لِأَنَّ فِي كُلٍّ ارْتِكَابَ حُرْمَتَيْنِ، لَكِنَّ حُرْمَتَهُ أَشَدُّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَالْكَلْبُ أَوْلَى مِنْ الصَّيْدِ لِأَنَّ فِي الصَّيْدِ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمَيِّتُ نَبِيًّا إلَخْ) غَيْرُ مَنْصُوصٍ فِي الْمَذْهَبِ، بَلْ نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ الصَّيْدُ الْمَذْبُوحُ أَوْلَى) أَيْ مَا ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ أَوْ ذَبَحَهُ هُوَ قَبْلَ الِاضْطِرَارِ لِأَنَّ فِي أَكْلِهِ ارْتِكَابَ مَحْظُورٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ اصْطِيَادِ غَيْرِهِ لِلْأَكْلِ (قَوْلُهُ وَيَغْرَمُ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ يَغْرَمُ الذَّابِحُ قِيمَةَ مَا أَكَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْجَزَاءِ لَوْ كَانَ الْأَكْلُ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَدْخُلُ مَا أَكَلَ فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ، فَلَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ بِانْفِرَادِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَكْلِهِ وَإِطْعَامِ كِلَابِهِ. وَقَالَا لَا يَغْرَمُ بِأَكْلِهِ شَيْئًا، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.
قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ غَيْرُ الذَّابِحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَكَلَ الْحَلَالُ مِمَّا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ الضَّمَانِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَكْلِ (قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ هُوَ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ) أَيْ مَا جَعَلَهُ الْعَدْلَانِ قِيمَةً لِلصَّيْدِ، فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَا قَوَّمَهُ بِهِ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَافْهَمْ. وَيُقَوَّمُ بِصِفَتِهِ الْخِلْقِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ كَالْمَلَاحَةِ وَالْحُسْنِ وَالتَّصْوِيتِ لَا مَا كَانَتْ بِصُنْعِ الْعِبَادِ إلَّا فِي تَضْمِينِ قِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ فَيُقَوَّمُ بِهَا أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَتْ لِلَّهْوِ كَنَقْرِ الدِّيكِ وَنَطْحِ الْكَبْشِ فَلَا تُعْتَبَرُ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَدْلِ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَبَصَارَةٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ، لَا الْعَدْلُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا، وَأُطْلِقَ فِي كَوْنِ الْجَزَاءِ هُوَ الْقِيمَةُ فَشَمِلَ الصَّيْدَ الَّذِي لَهُ مِثْلٌ وَغَيْرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَخَصَّهُ مُحَمَّدٌ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَأُوجِبَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِثْلُهُ فَفِي نَحْوِ الظَّبْيِ شَاةٌ وَالنَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ، وَتَوْجِيهُ كُلٍّ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْوَاحِدُ وَلَوْ الْقَاتِلَ يَكْفِي) الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَلَوْ الْقَاتِلَ لِأَنَّهُ بَحْثٌ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: لَكِنَّهُ يُتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ وَلَمْ أَرَهُ. اهـ. عَلَى أَنَّ صَاحِبَ اللُّبَابِ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ وَيُشْتَرَطُ لِلتَّقْوِيمِ عَدْلَانِ غَيْرُ الْجَانِي، وَقِيلَ الْوَاحِدُ يَكْفِي اهـ وَعُكِسَ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ اُكْتُفِيَ بِالْوَاحِدِ، وَعُبِّرَ عَنْ الْمُثَنَّى بِقِيلِ مَيْلًا إلَى أَنَّ الْعَدَدَ فِي الْآيَةِ لِلْأَوْلَوِيَّةِ وَتَبِعَهُ فِي التَّبْيِينِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَالسِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا فَافْهَمْ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَاللُّبَابُ اسْتَظْهَرَهُ فِي الْفَتْحِ.
وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ عَلَى طَرِيقَةِ الْقِيَاسِ: يَكْفِي الْوَاحِدُ لِلتَّقْوِيمِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنْ كَانَ الْمُثَنَّى أَحْوَطَ لَكِنْ تُعْتَبَرُ حُكُومَةُ الْمُثَنَّى بِالنَّصِّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَمُقْتَضَاهُ اخْتِيَارُ الْمُثَنَّى، وَعَزَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ تَصْحِيحَهُ

(2/563)


إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَقْتَلِهِ قِيمَةٌ، فَأَوْ لِلتَّوْزِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ

(وَ) الْجَزَاءُ فِي (سَبُعٍ) أَيْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ خِنْزِيرًا أَوْ فِيلًا (لَا يُزَادُ عَلَى) قِيمَةِ (شَاةٍ وَإِنْ كَانَ) السَّبْعُ (أَكْبَرَ مِنْهَا) لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ لَيْسَ إلَّا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا دَمٌ؛ وَكَذَا لَوْ قَتَلَ مُعَلَّمًا ضَمِنَهُ لِحَقِّ اللَّهِ غَيْرَ مُعَلَّمٍ وَلِمَالِكِهِ مُعَلَّمًا (ثُمَّ لَهُ) أَيْ لِلْقَاتِلِ (أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَدَايَا وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقَ) أَيْنَ شَاءَ (عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا (نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) كَالْفِطْرَةِ (لَا) يُجْزِئُهُ (أَقَلُّ) أَوْ أَكْثَرُ (مِنْهُ) بَلْ يَكُونُ تَطَوُّعًا (أَوْ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا وَإِنْ فَضَلَ عَنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ) أَوْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إلَى شَرْحِ الدُّرَرِ، وَكَأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ مُتَنَاوِبُهُ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرَّحْ فِي الدُّرَرِ بِتَصْحِيحِهِ، وَالْمُرَادُ بِالدُّرَرِ لِمُنْلَا خُسْرو وَمِثْلُهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ لِلْقَنَوِيِّ، وَمَشَى فِي شَرْحِهَا غُرَرَ الْأَذْكَارِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ (قَوْلُهُ فِي مَقْتَلِهِ) أَيْ مَوْضِعِ قَتْلِهِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ اُعْتُبِرَ مَعَ الْمَكَانِ الزَّمَانُ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَأَوْ لِلتَّوْزِيعِ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَكَانُهُ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِيهِ الصَّيْدُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ أَقْرَبُ مَكَان يُبَاعُ فِيهِ، لَا أَنَّ الْعَدْلَيْنِ يُخَيَّرَانِ فِي تَقْوِيمِهِ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ فِي سَبُعٍ) أَيْ غَيْرِ صَائِلٍ كَمَا مَرَّ، أَمَّا الصَّائِلُ فَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ أَيْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ) تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَإِلَّا فَالسَّبُعُ أَخَصُّ كَمَا عَلِمْت مِنْ تَفْسِيرِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ: وَلَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّبْعَةِ وَالْحَشَرَاتِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ عَلَى قِيمَةِ شَاةٍ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا أَدْنَى مَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ: وَهُوَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَكْبَرَ مِنْهَا) الْأَوْلَى أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْهَا لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يُنَاسِبُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِاعْتِبَارِ الْمِثْلِ صُورَةً (قَوْلُهُ لَيْسَ إلَّا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ) أَيْ دُونَ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ.
أَمَّا مَأْكُولُ اللَّحْمِ فَفِيهِ فَسَادُ اللَّحْمِ أَيْضًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ نَهْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ كَمَا أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَإِنْ كَانَ السَّبْعُ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْهَا، فَكَذَا لَوْ كَانَ مُعَلَّمًا لَا يَضْمَنُ مَا زَادَ بِالتَّعْلِيمِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَيَضْمَنُ قِيمَةً ثَانِيَةً لِمَالِكِهِ مُعَلَّمًا، وَقُيِّدَ بِالتَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا زِيَادَةَ الْوَصْفِ الْخِلْقِيِّ كَالْحُسْنِ وَالْمَلَاحَةِ كَمَا فِي الْحَمَامَةِ الْمُطَوَّقَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَهُ أَيْ لِلْقَاتِلِ إلَخْ) وَقِيلَ الْخِيَارُ لِلْعَدْلَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي جَزَاءِ صَيْدٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدَايَا مُتَعَدِّدَةً فَذَبَحَ هَدَايَا وَأَطْعَمَ عَنْ هَدْيٍ وَصَامَ عَنْ آخَرَ، وَكَذَا لَوْ بَلَغَتْ هَدْيَيْنِ، إنْ شَاءَ ذَبَحَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِمَا أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَوْ ذَبَحَ أَحَدَهُمَا وَأَدَّى بِالْآخَرِ أَيْ الْكَفَّارَاتِ شَاةً أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ بَدَنَةً، إنْ شَاءَ اشْتَرَاهَا أَوْ اشْتَرَى سَبْعَ شِيَاهٍ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهِ هَدْيًا آخَرَ إنْ بَلَغَهُ أَوْ صَرَفَهُ إلَى الطَّعَامِ أَوْ صَامَ وَتَمَامُهُ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ) أَيْ بِالْحَرَمِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الْآيَةِ الْحَرَمُ كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ نَهْرٌ؛ فَلَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْهَدْيِ بَلْ عَنْ الْإِطْعَامِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِطْعَامِ.
وَأَفَادَ بِالذَّبْحِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّقَرُّبُ بِالْإِرَاقَةِ فَلَوْ سَرَقَ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ لَا لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا، وَلَوْ أَكَلَهُ بَعْدَ ذَبْحِهِ غَرِمَهُ وَيَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ لَحْمِهِ أَوْ بِمَا غَرِمَهُ مِنْ قِيمَةِ أَكْلِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا) تَقَدَّمَ فِي الْمَصْرِفِ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ الثَّانِي إنَّهُ لَا يَصِحُّ دَفْعُ الْوَاجِبَاتِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ نِصْفَ صَاعٍ) حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ وَأَعْطَى لِأَنَّ تَصَدَّقَ لَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُضَمَّنَ مَعْنَى قَسَمَ مَثَلًا (قَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِقْدَارِ لَا غَيْرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَا يَرِدُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ هُنَا كَافِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَكْثَرُ) كَأَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ ثَلَاثَ صِيعَانٍ مَثَلًا دَفَعَهَا إلَى مِسْكِينَيْنِ. وَكَذَا لَوْ دَفَعَ الْكُلَّ إلَى وَاحِدٍ لَكِنَّهُ سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَلْ يَكُونُ تَطَوُّعًا) أَيْ يَكُونُ الْجَمِيعُ فِي صُورَةِ الْأَقَلِّ وَالزَّائِدِ عَلَى نِصْفِ صَاعِ كُلِّ مِسْكِينٍ فِي صُورَةِ الْأَكْثَرِ تَطَوُّعًا ح (قَوْلُهُ أَوْ صَامَ) أَطْلَقَ فِيهِ وَفِي الْإِطْعَامِ. فَدَلَّ أَنَّهُمَا يَجُوزَانِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ

(2/564)


أَقَلَّ مِنْهُ (تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ يَوْمًا) بَدَلَهُ

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى مَسَاكِينَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ: هَكَذَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَقُدِّمَ فِي الْفِطْرَةِ الْجَوَازُ فَيَنْبَغِي كَذَلِكَ هُنَا، وَتَكْفِي الْإِبَاحَةُ هُنَا كَدَفْعِ الْقِيمَةِ (وَلَا) أَنْ (يَدْفَعَ) كُلَّ الطَّعَامِ (إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ هُنَا) بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ (كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ) أَيْ الْجَزَاءِ (إلَى) مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَ (أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا، وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا، وَ) هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَمُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ فِيهِمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ) بِأَنْ قَتَلَ يَرْبُوعًا أَوْ عُصْفُورًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ أَيْضًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِ الَّذِينَ أَعْطَاهُمْ أَوَّلًا شَرْحُ اللُّبَابِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ لَا أَقَلَّ مِنْهُ (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ الصَّاعِ عَلَى مَسَاكِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ الْكَرْخِيُّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا، وَالنَّصُّ هُنَا مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَالْفِطْرَةِ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ اخْتِيَارُ الْجَوَازِ إذَا فَرَّقَ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَقِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ، إلَّا إذَا أَعْطَى كُلَّ الْوَاجِبِ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ لِتَفْوِيتِ الْعَدَدِ الْمَنْصُوصِ فِي قَوْله تَعَالَى - {طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95]- لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَوَازَ التَّفْرِيقِ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ. عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ النَّصِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ دَفْعُ نِصْفِ الصَّاعِ لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَكْفِي الْإِبَاحَةُ هُنَا) أَيْ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ عَنْ الْأَذَى.
وَأَمَّا كَفَّارَةُ الصَّيْدِ فَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ بِلَا خِلَافٍ، فَيَصْنَعُ لَهُمْ طَعَامًا بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَيُمَكِّنُهُمْ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ غَدَاءً وَعِشَاءً. وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعِشَاءِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ. وَالْمُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ مَأْدُومًا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ فِي خُبْزِ الْبُرِّ. وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِهِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَسْتَوْفُوا الْأَكْلَتَيْنِ بِمَا صُنِعَ لَهُمْ مِنْ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَزِيدَ إلَى أَنْ يَشْبَعُوا وَالظَّاهِرُ نَعَمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَدَفْعِ الْقِيمَةِ) فَيَدْفَعُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْهَا كَمَا فِي الْعَيْنِ بَحْرٌ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ؛ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَسَطٍ أَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُعْتَبَرُ، بَلْ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَلْزَمُهُ تَكْمِيلُ الْبَاقِي شَرْحُ اللُّبَابِ.
قُلْت: وَالْمَنْصُوصُ هُوَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَدَقِيقُهُمَا وَسَوِيقُهُمَا وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ، بِخِلَافِ نَحْوِ الذُّرَةِ وَالْمَاشِّ وَالْعَدَسِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَكَذَا الْخُبْزُ، فَلَا يَجُوزُ مِقْدَارُ وَزْنِ نِصْفِ صَاعٍ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَا أَنْ يَدْفَعَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَلَوْ دَفَعَ طَعَامَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ دَفَعَاتٍ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. وَعَامَّتُهُمْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي يَوْمٍ عَمَّا لَوْ دَفَعَ إلَى وَاحِدٍ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عِنْدَنَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ قَبْلَهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمِسْكِينَ الْوَاحِدَ غَيْرُ قَيْدٍ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ الْكُلَّ إلَى مِسْكِينَيْنِ يَكْفِي عَنْ اثْنَيْنِ فَقَطْ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ (قَوْلُهُ إلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ) عَدَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ تَعْبِيرِهِمْ بِهَذَا إلَى التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ إلَى أَصْلِهِ إلَخْ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْلَى، فَلِذَا تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ خَالَفَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُ أَحْضُرُ وَأَظْهَرُ لِشُمُولِهِ مَمْلُوكَهُ، وَلَا يَرِدُ النَّقْضُ بِالشَّرِيكِ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِيمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لَا مُطْلَقًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى أَصْلِهِ إلَخْ

(2/565)


(هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ) كَمَا مَرَّ فِي الْمَصْرِفِ

(وَوَجَبَ بِجُرْحِهِ وَنَتْفِ شَعْرِهِ وَقَطْعِ عُضْوِهِ مَا نَقَصَ) إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِصْلَاحَ، فَإِنْ قَصَدَهُ كَتَخْلِيصِ حَمَامَةٍ مِنْ سِنَّوْرٍ أَوْ شَبَكَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَتْ (وَ) وَجَبَ (بِنَتْفِ رِيشِهِ وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ) حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ (وَكَسْرِ بَيْضِهِ) غَيْرِ الْمَذِرِ (وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ) أَيْ بِالْكَسْرِ

(وَذَبْحِ حَلَالٍ صَيْدَ الْحَرَمِ وَحَلْبِهِ) لَبَنَهُ (وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَصْرِفِ) أَيْ فِي بَابِ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ قَالَ وَلَا إلَى مَنْ بَيْنَهُمَا أَوْلَادٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ إلَخْ فَذِكْرُ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَوَجَبَ بِجُرْحِهِ) أَفَادَ بِذِكْرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَتْلِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ، فَلَوْ غَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ وَلَا حَيَاتَهُ فَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَلْزَمَهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ احْتِيَاطًا، كَمَنْ أَخَذَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ الْحَرَمَ أَمْ لَا مُحِيطٌ؛ وَلَوْ بَرِئَ مِنْ الْجُرْحِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَسْقُطُ الْجَزَاءُ بَدَائِعُ. وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ وَاسْتُظْهِرَ فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلُ، وَمَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى الثَّانِي، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ مَا نَقَصَ) فَيُقَوَّمُ صَحِيحًا ثُمَّ نَاقِصًا، فَيَشْتَرِي بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ هَدَايَا أَوْ يَصُومُ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. قَالَ: وَهَذَا لَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الْجُرْحُ وَنَحْوُهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَإِلَّا ضَمِنَ كُلَّ الْقِيمَةِ اهـ وَلَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى قَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَقَطْ وَسَقَطَ نُقْصَانُ الْجِرَاحَةِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ (قَوْلُهُ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ) عَبَّرَ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بِحَرْفِ الْغَايَةِ دُونَ التَّعْلِيلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّيشِ وَالْقَوَائِمِ جِنْسُهُمَا الصَّادِقُ بِالْقَلِيلِ مِنْهُمَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ كُلِّ الْقِيمَةِ نَتْفُ كُلِّ الرِّيشِ وَقَطْعُ كُلِّ الْقَوَائِمِ، بَلْ الْمُرَادُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ: أَيْ عَنْ أَنْ يَبْقَى مُمْتَنِعًا بِنَفْسِهِ فَافْهَمْ.
وَالْحَيِّزُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ: بِمَعْنَى النَّاحِيَةِ، فَهُوَ هُنَا مُقْحَمٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَهُوَ كَظَهْرٍ فِي قَوْلِهِمْ ظَهْرِ الْغَيْبِ، وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ غَيْرِ الْمَذِرِ) بِكَسْرِ الذَّالِ بِمَعْنَى الْفَاسِدِ، قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَةً مَذِرَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ضَمَانَهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا بَلْ لِعَرْضِيَّةِ أَنْ تَصِيرَ صَيْدًا وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْفَاسِدَةِ وَلَوْ كَانَ لِقِشْرِهَا قِيمَةٌ كَبِيضِ النَّعَامِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْقِشْرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِنَتْفِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا: أَيْ مِنْ الْبَيْضَةِ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا وَلَا شَيْءَ فِي الْبَيْضَةِ اهـ وَقَوْلُهُ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَيِّتٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَوْتَهُ بِغَيْرِ الْكَسْرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْفَرْخِ لِانْعِدَامِ الْإِمَاتَةِ وَلَا لِلْبِيضِ لِعَدَمِ الْعَرْضِيَّةِ اهـ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْكَسْرِ أَوْ لَا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ غَيْرَ الْبَيْضَةِ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا عِنَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَذَبْحِ حَلَالِ صَيْدِ الْحَرَمِ) سَيُعِيدُ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَحَلْبِهِ لَبَنَهُ) لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي النُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ بَيْضَهُ أَوْ جَرَحَهُ يَضْمَنُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ إنَّ ذِكْرَ الشَّارِحِ الْمَفْعُولَ وَهُوَ لَبَنَهُ يُفِيدُ أَنَّ الْحَلْبَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى ضَمِيرِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الْحَلَالُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ فَلَوْ تَرَكَ ذِكْرَ لَبَنِهِ وَجَعَلَ الْمَصْدَرَ مُضَافًا إلَى ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الصَّيْدُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَشْمَلُ حِينَئِذٍ مَا إذَا كَانَ الْحَالِبُ مُحْرِمًا لَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِصَيْدِ الْحَرَمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْعُشْبَ وَالْخَلَا بِالْقَصْرِ اسْمٌ لِلرَّطْبِ وَالْحَشِيشَ لِلْيَابِسِ، وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ أَيْضًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَالشَّجَرُ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ. اهـ. وَأُطْلِقَ فِي الْقَاطِعِ فَشَمِلَ الْحَلَالَ وَالْمُحْرِمَ، وَقُيِّدَ بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَقْلُوعِ ضَمَانٌ، وَأَشَارَ بِضَمَانِ قِيمَتِهِ إلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ هُنَا، وَإِلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُشْتَرِي،

(2/566)


حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مَمْلُوكٍ) يَعْنِي النَّابِتَ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا؛ حَتَّى قَالُوا لَوْ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غَيْلَانٍ فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهَا وَأُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ مَنْ تَمَلَّكَ أَرْضَ الْحَرَمِ (وَلَا مُنْبَتٍ) أَيْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَقْلُوعٍ وَوَرَقٍ لَمْ يَضُرَّ بِالشَّجَرِ، وَلِذَا حَلَّ قَطْعُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ لِأَنَّ إثْمَارَهُ أُقِيمَ مَقَامَ الْإِنْبَاتِ (قِيمَتُهُ) فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ (إلَّا مَا جَفَّ) أَوْ انْكَسَرَ لِعَدَمِ النَّمَاءِ، أَوْ ذَهَبَ بِحَفْرِ كَانُونٍ أَوْ ضَرْبِ فُسْطَاطٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ (وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ لَا لِغُصْنِهِ وَبَعْضِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (كَهُوَ) تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَلَا مُنْبَتٍ) اعْلَمْ أَنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ إمَّا جَافٌّ أَوْ مُنْكَسِرٌ أَوْ إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا يَأْتِي. وَغَيْرُهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ أَنْبَتَهُ النَّاسُ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ كَالزَّرْعِ أَوْ لَا كَأُمِّ غَيْلَانٍ.
وَالثَّانِي إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَفِيهِ الْجَزَاءُ، فَمَا فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ النَّابِتُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِمَّا يُسْتَنْبَتُ، وَمُنْكَسِرًا وَلَا جَافًّا وَلَا إذْخِرًا كَمَا قَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ هُوَ النَّبَاتُ بِنَفْسِهِ مَمْلُوكًا أَوْ لَا، لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ نَبَتَ فِي مِلْكِ رَجُلٍ مَا لَا يُسْتَنْبَتُ كَأُمِّ غَيْلَانٍ فَإِنَّهُ مَضْمُونُ أَيْضًا كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ. وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْرِ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ صِحَّتِهِ، فَلِذَا خَالَفَ الشَّارِحُ عَادَتَهُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ بَلْ تَابَعَ الْبَحْرَ وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ) لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا قَطَعَهَا الْمَالِكُ.
وَنُقِلَ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي أُمِّ غَيْلَانٍ تَنْبُتُ فِي الْحَرَمِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ قَطْعُهُ، وَلَوْ قَطَعَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَفِيهِ الْقِيمَةُ، سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ، أَفَادَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي، وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِضَمَانِهِ جَازِمًا بِهِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا إلَخْ) أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ أَرْضَ الْحَرَمِ سَوَائِبُ: أَيْ أَوْقَافٌ فِي حُكْمِ السَّوَائِبِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُمْ لَوْ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ بَحْرٌ، وَعَلَيْهِ فَالْوَاجِبُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ إلَخْ) لِأَنَّ الَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لِلْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا لَا يُنْبِتُونَهُ عَادَةً إذَا أَنْبَتُوهُ الْتَحَقَ بِمَا يُنْبِتُونَهُ عَادَةً، فَكَانَ مِثْلُهُ بِجَامِعِ انْقِطَاعِ كَمَالِ النِّسْبَةِ إلَى الْحَرَمِ عِنْدَ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَمَقْلُوعٍ) أَيْ إذَا انْقَلَعَتْ شَجَرَةٌ إنْ كَانَ عُرُوقُهَا لَا تَسْقِيهَا فَلَا شَيْءَ بِقَطْعِهَا لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الشَّجَرِ أَوْ الْحَشِيشِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ جَزَاءٍ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَلَا مِنْ حُرْمَةٍ ط (قَوْلُهُ حَلَّ قَطْعُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ، لَكِنْ إنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ تُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَإِلَّا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ إثْمَارَهُ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلِذَا إلَخْ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ إذَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ إنَّمَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا أَنْبَتُوهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ قِيمَتُهُ) فَاعِلُ وَجَبَ، وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ: أَيْ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ، فَفِي الْأُولَيَيْنِ وَالْخَامِسَةِ قِيمَةُ الصَّيْدِ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْبَيْضُ، وَفِي الرَّابِعَةِ الْفَرْخُ، وَفِي السَّادِسَةِ اللَّبَنُ، وَفِي السَّابِعَةِ الْحَشِيشُ، وَفِي الثَّامِنَةِ الشَّجَرُ (قَوْلُهُ إلَّا مَا جَفَّ أَوْ انْكَسَرَ) أَيْ فَلَا يَضْمَنُهُ الْقَاطِعُ إلَّا إذَا كَانَ مَمْلُوكًا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِمَالِكِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَالْجَافُّ بِالْجِيمِ: الْيَابِسُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُسَمَّى حَطَبًا (قَوْلُهُ أَوْ ضَرْبِ فُسْطَاطٍ) أَيْ خَيْمَةٍ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ذَهَبَ بِمَشْيِهِ أَوْ مَشْيِ دَوَابِّهِ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ ذِكْرُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا لِغُصْنِهِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَجْنَاسِ الْأَغْصَانُ تَابِعَةٌ لِأَصْلِهَا وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

(2/567)


(وَالْعِبْرَةُ لِمَكَانِ الطَّائِرِ، فَإِنْ كَانَ) عَلَى غُصْنٍ بِحَيْثُ (لَوْ وَقَعَ) الصَّيْدُ (وَقَعَ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ كَانَ قَوَائِمُ الصَّيْدِ) الْقَائِمِ (فِي الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ فِي الْحِلِّ فَالْعِبْرَةُ لِقَوَائِمِهِ) وَبَعْضُهَا كَكُلِّهَا (لَا لِرَأْسِهِ) وَهَذَا فِي الْقَائِمِ، وَلَوْ كَانَ نَائِمًا فَالْعِبْرَةُ لِرَأْسِهِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ قَوَائِمِهِ حِينَئِذٍ، فَاجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ، وَالْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الرَّمْيِ إلَّا إذَا رَمَاهُ مِنْ الْحِلِّ وَمَرَّ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ يَجِبُ الْجَزَاءُ اسْتِحْسَانًا بَدَائِعُ

(وَلَوْ شَوَى بَيْضًا أَوْ جَرَادًا) أَوْ حَلَبَ لَبَنَ صَيْدٍ (فَضَمِنَهُ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا فِي الْحَرَمِ وَالْأَغْصَانُ فِي الْحِلِّ، فَعَلَى قَاطِعِ الْأَغْصَانِ الْقِيمَةُ.
الثَّانِي عَكْسُهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا.
الثَّالِثُ بَعْضُ الْأَصْلِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ سَوَاءٌ كَانَ الْغُصْنُ مِنْ جَانِبِ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِمَكَانِ الطَّائِرِ) أَيْ لِمَكَانِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ لَا لِأَصْلِهَا لِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ تَابِعًا لَهَا ط (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَ الصَّيْدُ) فُسِّرَ الضَّمِيرُ بِهِ مَعَ أَنَّ مَرْجِعَهُ الطَّائِرُ قَصْدًا لِلتَّعْمِيمِ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الطَّيْرَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ لَوْ وَقَعَ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ، وَلَوْ أَخَذَ الْغُصْنُ شَيْئًا مِنْ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَالْعِبْرَةُ لِلْحَرَمِ تَرْجِيحًا لِلْحَاظِرِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ نَظَائِرِهِ ط (قَوْلُهُ الْقَائِمِ) مُحْتَرَزُهُ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ النَّائِمِ؛ وَلَوْ قَالَ وَالْعِبْرَةُ لِقَوَائِم الطَّيْرِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِأَنَّهُ يُفِيدُ حُكْمَ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْحِلِّ ط (قَوْلُهُ وَبَعْضُهَا كَكُلِّهَا) أَيْ لَوْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ كَكُلِّهَا فَيَجِبُ الْجَزَاءُ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: أَيْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ مِنْ الْقَوَائِمِ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ، وَهَذَا فِي الْقَائِمِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا الْقَائِمِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ نَائِمًا فَالْعِبْرَةُ لِرَأْسِهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحِلِّ فَقَطْ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ، وَبِهِ صُرِّحَ فِي السِّرَاجِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فَاجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ. لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ تَرْجِيحُ الْمُحَرِّمِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ كَالصَّرِيحَةِ فِيمَا قُلْنَا، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي اللُّبَابِ لَوْ كَانَ مُضْطَجِعًا فِي الْحِلِّ وَجُزْءٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَرُئِيَ قَالَ شَارِحُهُ الْقَاضِي: أَيُّ جُزْءٍ كَانَ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَوْ مُضْطَجِعًا فِي الْحِلِّ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ يَضْمَنُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْسِهِ وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الرَّأْسُ لَا غَيْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا عَلَى قَوَائِمِهِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ مُلْقًى، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا.
فَفِي الْبَدَائِعِ: إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْقَوَائِمُ فِي الصَّيْدِ إذَا كَانَ قَائِمًا عَلَيْهَا وَجَمِيعُهُ إذَا كَانَ مُضْطَجِعًا اهـ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ كَمَا قَالَ فِي الْغَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحِلَّ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا كَانَ جَمِيعُهُ فِي الْحِلِّ حَالَةَ الِاضْطِجَاعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَفِي الْمَبْسُوطِ: إذَا كَانَ جَزْءٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ حَالَةَ النَّوْمِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الرَّمْيِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي الرَّامِي حَالَةُ الرَّمْيِ لَا حَالَةُ الْوُصُولِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ حَتَّى لَوْ رَمَى مَجُوسِيٌّ إلَى صَيْدٍ فَأَسْلَمَ ثُمَّ وَصَلَ السَّهْمُ إلَيْهِ لَا يُؤْكَلُ؛ وَلَوْ رَمَى مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ ثُمَّ وَصَلَ السَّهْمُ يُؤْكَلُ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا رَمَاهُ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَهَرَبَ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ، وَلَوْ رَمَاهُ فِي الْحِلِّ وَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ فَدَخَلَ الْحَرَمُ فَمَاتَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَلَوْ كَانَ الرَّمْيُ فِي الْحِلِّ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا قِطْعَةً مِنْ الْحَرَمِ فَمَرَّ فِيهَا السَّهْمُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ اسْتِحْسَانٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَإِنَّمَا حَكَى ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ نَقَلَ أَوَّلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وُجُوبَ

(2/568)


وَجَازَ بَيْعُهُ وَيُكْرَهُ، وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي الْفِدَاءِ إنْ شَاءَ لِعَدَمِ الذَّكَاةِ، بِخِلَافِ ذَبْحِ الْمُحْرِمِ أَوْ صَيْدِ الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ

(وَلَا يَرْعَى حَشِيشَهُ) بِدَابَّةٍ (وَلَا يَقْطَعُ) بِمِنْجَلٍ (إلَّا الْإِذْخِرُ، وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ كَمَاءَتِهِ) لِأَنَّهَا كَالْجَافِّ (وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ) مِنْ بَدَنِهِ أَوْ إلْقَائِهَا أَوْ إلْقَاءِ ثَوْبِهِ فِي الشَّمْسِ لِتَمُوتَ (تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ كَجَرَادَةٍ، وَيَجِبُ الْجَزَاءُ فِيهَا) أَيْ الْقَمْلَةِ (بِالدَّلَالَةِ كَمَا فِي الصَّيْدِ، وَ) يَجِبُ (فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ، وَ) الْكَثِيرُ (هُوَ الزَّائِدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْجَزَاءِ وَأَنَّهُ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ، فَفِي مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَجِبُ، وَأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْوُجُوبَ اسْتِحْسَانٌ وَعَدَمَهُ قِيَاسٌ، وَوَفَّقَ بِهِ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا صَرَّحَ الْقَارِي عَنْ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ احْتِيَاطًا فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الشَّارِحَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ النَّهْرِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا مَرَّ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ وَأَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّيْدُ وَقْتَ الرَّمْيِ فِي الْحَرَمِ لَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ اعْتِبَارِ حَالَةِ الرَّمْيِ وَيَكُونُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ لَا شَكَّ فِيهِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَمَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْبَحْرِ لَمْ أَرَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ وَقْتَ الرَّمْيِ فِي الْحِلِّ وَالْإِصَابَةُ فِي الْحَرَمِ يَصِيرُ قَوْلُهُ وَمَرَّ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَجَازَ بَيْعُهُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ لَوْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ وَأَدَّى قِيمَتَهُ مَلَكَهُ، وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ مِلْكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ شَرْعًا، فَلَوْ أُطْلِقَ لَهُ بَيْعُهُ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى مِثْلِهِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الذَّكَاةِ) عِلَّةٌ لِجَوَازِ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الذَّكَاةِ فَلَا يَصِيرُ مَيْتَةً وَلِذَا يُبَاحُ أَكْلُهُ قَبْلَ الشَّيْءِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ ذَبْحِ الْمُحْرِمِ) أَيْ ذَبْحِهِ صَيْدَ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ، وَقَوْلُهُ أَوْ صَيْدِ الْحَرَمِ عَطْفٌ عَلَى الْحَرَمِ أَيْ وَبِخِلَافِ ذَبْحِ صَيْدِ الْحَرَمِ مِنْ حَلَالٍ أَوْ مُحْرِمٍ، فَالْمَصْدَرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَفِي الْمَعْطُوفِ إلَى مَفْعُولِهِ. وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ حَلَالِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَهِيَ أَحْسَنُ، لَكِنَّ كَوْنَ ذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ مَيْتَةً أَحَدُ قَوْلَيْنِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَرْعَى حَشِيشَهُ) أَيْ عِنْدَهُمَا. وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ مَنْعَ الدَّوَابِّ عَنْهُ مُتَعَذِّرٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْبُرْهَانِ تَأْيِيدَ قَوْلِهِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ لِلرَّعْيِ فَوْقَ الِاحْتِيَاجِ لِلْآخَرِ. وَأَقْرَبُ حَدِّ الْحَرَمِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ؛ فَفِي خُرُوجِ الرُّعَاةِ إلَيْهِ ثُمَّ عَوْدِهِمْ قَدْ لَا يَبْقَى مِنْ النَّهَارِ وَقْتٌ تَشْبَعُ فِيهِ الدَّوَابُّ، وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» وَسُكُوتُهُ عَنْ نَفْيِ الرَّعْيِ إشَارَةٌ لِجَوَازِهِ وَإِلَّا لَبَيَّنَهُ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لِيَلْحَقَ بِهِ دَلَالَةٌ إذْ الْقَطْعُ فِعْلُ الْعَاقِلِ وَالرَّعْيُ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ وَهُوَ جَبَّارٌ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ؛ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الرَّعْيِ لِيَلْزَمَ مِنْ اعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ مُعَارَضَتُهُ، بِخِلَافِ الِاحْتِشَاشِ اهـ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ وَالرَّعْيُ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَوْ أَرْتَعَتْ بِنَفْسِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إرْسَالِهَا لِلرَّعْيِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ بِمِنْجَلٍ) كَمِفْصَلٍ: مَا يُحْصَدُ بِهِ الزَّرْعُ (قَوْلُهُ إلَّا الْإِذْخِرُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: نَبْتٌ بِمَكَّةَ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ لَهُ قُضْبَانٌ دِقَاقٌ يُسْقَفُ بِهَا الْبُيُوتُ بَيْنَ الْخَشَبَاتِ وَيُسَدُّ بِهَا الْخَلَاءُ فِي الْقُبُورِ بَيْنَ اللَّبِنَاتِ قُهُسْتَانِيُّ مُلَخَّصًا.
وَوَجْهُ اسْتِثْنَائِهِ فِي الْحَدِيثِ مَذْكُورٌ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ) هِيَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ لِمُقَابَلَتِهَا بِالْحُرْمَةِ لَا لِمَا تَرَكَهُ أَوْلَى قَارِي (قَوْلُهُ وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ تَصَدَّقَ وَالْمُرَادُ بِالْقَتْلِ مَا يَشْمَلُ الْمُبَاشَرَةَ وَالتَّسَبُّبَ الْقَصْدِيَّ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ لِتَمُوتَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِلْقَاءِ الثَّوْبِ الْقَتْلَ، كَمَا لَوْ غَسَلَ ثَوْبَهُ فَمَاتَتْ وَكَإِلْقَاءِ الثَّوْبِ إلْقَاؤُهَا لِأَنَّ الْمُوجِبَ إزَالَتُهَا عَنْ الْبَدَنِ لَا خُصُوصُ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَمْلَةِ مَا دُونَ الْكَثِيرِ الْآتِي بَيَانُهُ، وَفُصِّلَ فِي اللُّبَابِ بِأَنَّ فِي الْوَاحِدَةِ تَصَدُّقًا بِكِسْرَةٍ، وَفِي الِاثْنَيْنِ

(2/569)


وَالْجَرَادُ كَالْقَمْلِ بَحْرٌ

(وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ) إلَّا الْعَقْعَقَ عَلَى الظَّاهِرِ ظَهِيرِيَّةٌ، وَتَعْمِيمُ الْبَحْرِ رَدُّهُ فِي النَّهْرِ (وَحِدَأَةٍ) بِكَسْرٍ فَفَتْحَتَيْنِ وَجَوَّزَ الْبُرْجَنْدِيُّ فَتْحَ الْحَاءِ (وَذِئْبٍ وَعَقْرَبٍ وَحَيَّةٍ وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزَةِ وَجَوَّزَ الْبُرْجَنْدِيُّ التَّسْهِيلَ (وَكَلْبٍ عَقُورٍ) أَيْ وَحْشِيٍّ، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِصَيْدٍ أَصْلًا (وَبَعُوضٍ وَنَمْلٍ) لَكِنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُ مَا لَا يُؤْذِي، وَلِذَا قَالُوا لَمْ يَحِلَّ قَتْلُ الْكَلْبِ الْأَهْلِيِّ إذَا لَمْ يُؤْذِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ إذَا لَمْ تَضُرَّ (وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاةٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَسُكُونٍ (وَفَرَاشٍ) وَذِئَابٍ وَوَزَغٍ وَزُنْبُورٍ وَقُنْفُذٍ وَصَرْصَرٍ وَصَيَّاحِ لَيْلٍ وَابْنِ عِرْسٍ وَأُمِّ حُبَيْنٍ وَأُمِّ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَكَذَا جَمِيعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيُودٍ وَلَا مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ (وَسَبُعٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالثَّلَاثِ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي الزَّائِدِ مُطْلَقًا نِصْفُ صَاعٍ (قَوْلُهُ وَالْجَرَادُ كَالْقَمْلِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرَادِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْقَمْلِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَمْلِ، فَفِي الثَّلَاثِ وَمَا دُونَهَا يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ وَفِي الْأَكْثَرِ نِصْفُ صَاعٍ. وَفِي الْمُحِيطِ: مَمْلُوكٌ أَصَابَ جَرَادَةً فِي إحْرَامِهِ، إنْ صَامَ يَوْمًا فَقَدْ زَادَ، وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا حَتَّى تَصِيرَ عِدَّةَ جَرَادَاتٍ فَيَصُومَ يَوْمًا. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَمْلُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حُكْمِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ مِقْدَارِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ إلَخْ وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ إلَّا الْعَقْعَقَ) هُوَ طَائِرٌ أَبْيَضُ فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ يُشْبِهُ صَوْتُهُ الْعَيْنَ وَالْقَافَ قَامُوسٌ وَمِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ الزَّاغُ. وَأَنْوَاعُ الْغُرَابِ عَلَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي خَمْسَةٌ: الْعَقْعَقُ، وَالْأَبْقَعُ: الَّذِي فِي ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ بَيَاضٌ. وَالْغُدَافُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بِالْأَبْقَعِ، وَيُقَالُ لَهُ غُرَابُ الْبَيْنِ، لِأَنَّهُ بَانَ عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاشْتَغَلَ بِجِيفَةٍ حِينَ أَرْسَلَهُ لِيَأْتِيَ بِخَبَرِ الْأَرْضِ. وَالْأَعْصَمُ: وَهُوَ مَا فِي رِجْلِهِ أَوْ جَنَاحِهِ أَوْ بَطْنِهِ بَيَاضٌ أَوْ حُمْرَةٌ. وَالزَّاغُ، وَيُقَالُ لَهُ غُرَابُ الزَّرْعِ: وَهُوَ الْغُرَابُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَتَعْمِيمُ الْبَحْرِ) حَيْثُ جَعَلَ الْعَقْعَقَ كَالْغُرَابِ.
وَاعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ إنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى بِقَوْلِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ دَائِمًا يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ) أَيْ بِمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ غَالِبًا، وَبِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْعَقْعَقِ رِوَايَتَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الصُّيُودِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَلْبٍ عَقُورٍ) قُيِّدَ بِالْعَقُورِ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ، وَإِلَّا فَالْعَقُورُ وَغَيْرُهُ، سَوَاءٌ أَهْلِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ وَحْشِيٍّ) لَيْسَ تَفْسِيرًا لِعَقُورٍ بَلْ تَقْيِيدٌ لَهُ ح أَيْ لِأَنَّ الْعَقُورَ مِنْ الْعَقْرِ: وَهُوَ الْجُرْحُ، وَهُوَ مَا يَفْرُطُ شَرُّهُ وَإِيذَاؤُهُ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ أَمَّا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْوَحْشِيِّ: وَهُوَ الْأَهْلِيُّ، فَلَيْسَ بِصَيْدٍ أَصْلًا فَلَا مَعْنَى لِاسْتِثْنَائِهِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الْكَلْبَ مُطْلَقًا لَيْسَ بِصَيْدٍ لِأَنَّهُ أَهْلِيٌّ فِي الْأَصْلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَقْرَبَ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَبَعُوضٍ) هُوَ صَغِيرُ الْبَقِّ، وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَحِلُّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي النَّمْلِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُ إطْلَاقِ قَتْلِهِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ مَا لَا يُؤْذِي، وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا لَا يُؤْذِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ط (قَوْلُهُ أَيْ إذَا لَمْ تَضُرَّ) تَقْيِيدٌ لِلنَّسْخِ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْمُلْتَقَطِ: إذَا كَثُرَتْ الْكِلَابُ فِي قَرْيَةٍ وَأَضَرَّتْ بِأَهْلِهَا أُمِرَ أَرْبَابُهَا بِقَتْلِهَا، فَإِنْ أَبَوْا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبُرْغُوثٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْغَيْنِ ط (قَوْلُهُ وَفَرَاشٍ) جَمْعُ فَرَاشَةٍ: هِيَ الَّتِي تَهَافَتْ فِي السِّرَاجِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَوَزَغٍ) هُوَ سَامٌّ أَبْرَصُ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ.
(قَوْلُهُ وَأُمِّ حُبَيْنٍ) بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ عَلَى وَزْنِ زُبَيْرٍ: دُوَيْبَّةٌ تُشْبِهُ الضَّبَّ (قَوْلُهُ وَكَذَا جَمِيعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ) الْأَوْلَى إبْدَالُ جَمِيعٍ بِبَاقِي لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْهَوَامِّ وَهِيَ جَمْعُ هَامَّةٍ كُلُّ حَيَوَانٍ ذِي سُمٍّ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مُؤْذٍ لَيْسَ لَهُ سُمٌّ كَالْقَمْلَةِ؛ أَمَّا الْحَشَرَاتُ فَهِيَ جَمْعُ حَشَرَةٍ: وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَمَا فِي الدِّيوَانِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَسَبُعٍ) هُوَ

(2/570)


أَيْ حَيَوَانٍ (صَائِلٌ) لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ، فَلَوْ أَمْكَنَ بِغَيْرِهِ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ كَمَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لَوْ مَمْلُوكًا

(وَلَهُ ذَبْحُ شَاةٍ وَلَوْ أَبُوهَا ظَبْيًا) لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ (وَبَقَرٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجٍ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ وَأَكْلُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ) وَلَوْ لِمُحْرِمٍ (وَذَبْحُهُ) فِي الْحِلِّ (بِلَا دَلَالَةِ مُحْرِمٍ وَ) لَا (أَمْرِهِ بِهِ) وَلَا إعَانَتِهِ عَلَيْهِ، فَلَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا حَلَّ لِلْحَلَالِ لَا لِلْمُحْرِمِ عَلَى الْمُخْتَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كُلُّ حَيَوَانٍ مُخْتَطِفٍ عَادٍ عَادَةً (قَوْلُهُ أَيْ حَيَوَانٍ) أَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ السَّبُعَ لِأَنَّ غَيْرَهُ إذَا صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ أَوْلَى، إذْ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ اتِّفَاقًا اهـ لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ؛ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْجَمَلَ لَوْ صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً. مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي قَتْلِ السَّبُعِ حَاصِلٌ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّارِعُ، وَأَمَّا الْجَمَلُ فَلَمْ يَحْصُلْ الْإِذْنُ مِنْ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ صَائِلٍ) أَيْ قَاهِرٍ حَامِلٍ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ الصَّوْلَةِ أَوْ الصَّأْلَةِ بِالْهَمْزَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَقُيِّدَ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الصَّائِلِ يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ وَلَا يُجَاوِزُ عَنْ شَاةٍ. وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ هَذَا أَيْ عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى كَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَغَيْرِهِمَا، أَمَّا مَا يَبْتَدِئُ بِهِ غَالِبًا كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ فَلِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْسَبُ نَهْرٌ.
قُلْت: وَالْقَائِلُ ابْنُ كَمَالٍ، لَكِنْ ذَكَر فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ كَلَامَ الْبَدَائِعِ، وَجَعَلَهُ مُقَابِلَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْنَاهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الذِّئْبِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صَيْدٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالذِّئْبَ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) أَيْ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِمَالِكِهِ يَعْنِي وَقِيمَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا تُجَاوِزُ قِيمَةَ شَاةٍ بَحْرٌ.
قُلْت: هَذَا لَوْ غَيْرَ صَائِلٍ، أَمَّا الصَّائِلُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ؛ فَلِذَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبُوهَا ظَبْيًا) أَخْرَجَ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ ظَبْيَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ط (قَوْلُهُ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ) هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ لِأَنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، احْتِرَازًا عَنْ الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِمُحْرِمٍ) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ وَلَوْ صَادَهُ الْحَلَالُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ بِلَا أَمْرِهِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَذَبْحُهُ فِي الْحِلِّ) أَمَّا لَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مَيْتَةٌ كَمَا قَدَّمَهُ.
وَفِي اللُّبَابِ: إذَا ذَبَحَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ عِنْدَنَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ مُحْرَمٍ أَوْ حَلَالٍ سَوَاءٌ اصْطَادَهُ هُوَ أَيْ ذَابِحُهُ أَوْ غَيْرُهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ وَلَوْ فِي الْحِلِّ، فَلَوْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ الذَّابِحُ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ غَيْرُ الذَّابِحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَكَلَ الْحَلَالُ مِمَّا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ الضَّمَانِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَكْلِ، وَلَوْ اصْطَادَ حَلَالٌ فَذَبَحَ لَهُ مُحْرِمٌ أَوْ اصْطَادَ مُحْرِمٌ فَذَبَحَ لَهُ حَلَالٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ. اهـ.
وَقَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: اعْلَمْ أَنَّهُ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَاحِبِ الْإِيضَاحِ وَالْبَحْرِ الزَّاخِرِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ ذَبْحَ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ يَجْعَلُهُ مَيْتَةً لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِخِلَافٍ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ تَنْزِيهًا.
وَفِي اخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ: اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَقَالَ الْكَرْخِيُّ: هُوَ مَيْتَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مُبَاحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَا لِلْمُحْرِمِ، وَهَذَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لَا يَحْرُمُ، وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ وَاعْتَمَدَ رِوَايَةَ الطَّحَاوِيِّ

(2/571)


(وَتَجِبُ قِيمَتُهُ بِذَبْحِ حَلَالٍ صَيْدَ الْحَرَمِ وَتَصَدَّقَ بِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ) لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ لَا كَفَّارَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الذَّابِحُ مُحْرِمًا أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ؛ وَقُيِّدَ بِالذَّبْحِ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي دَلَالَتِهِ إلَّا الْإِثْمُ

(وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ) وَلَوْ حَلَالًا (أَوْ أَحْرَمَ) وَلَوْ فِي الْحِلِّ (وَفِي يَدِهِ حَقِيقَةً) يَعْنِي الْجَارِحَةَ (صَيْدٌ وَجَبَ إرْسَالُهُ) أَيْ إطَارَتُهُ أَوْ إرْسَالُهُ لِلْحِلِّ وَدِيعَةً قُهُسْتَانِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَتْحٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ بِذَبْحِ حَلَالٍ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا وَذَبْحُ حَلَالٍ صَيْدَ الْحَرَمِ إلَّا أَنَّهُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ ط وَأَرَادَ بِالذَّبْحِ الْإِتْلَافَ وَلَوْ تَسَبُّبًا عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ؛ فَلَوْ أَدْخَلَ فِي الْحَرَمِ بَازِيًا فَأَرْسَلَهُ فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ أَقَامَ وَاجِبًا وَمَا قَصَدَ الِاصْطِيَادَ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا فِي السَّبَبِ بَلْ كَانَ مَأْمُورًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الصَّوْمِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْهَدْيَ جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي اللُّبَابِ: فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَيَجُوزُ فِيهِ الْهَدْيُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مِثْلَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَلَالِ وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ) لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الصَّيْدُ فَصَارَ كَغَرَامَةِ الْأَمْوَالِ، بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ لَا الْمَحَلِّ وَالصَّوْمُ يَصْلُحُ لَهُ لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي دَلَالَتِهِ) أَيْ دَلَالَةِ الْحَلَالِ وَلَوْ لِمُحْرِمٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ دَلَالَةِ الْمُحْرِمِ وَدَلَالَةِ الْحَلَالِ أَنَّ الْمُحْرِمَ الْتَزَمَ تَرْكَ التَّعَرُّضِ بِالْإِحْرَامِ، فَلَمَّا دَلَّ تَرَكَ مَا الْتَزَمَهُ فَضَمِنَ كَالْمُودَعِ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَلَا الْتِزَامَ مِنْ الْحَلَالِ فَلَا ضَمَانَ بِهَا كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَالًا) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَهُوَ حَلَالٌ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ قَيْدِ الدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْإِرْسَالِ فِي الْمُحْرِمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قِيلَ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا. اهـ. وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَهُوَ فِي الْحِلِّ بَدَلَ قَوْلِهِ وَلَوْ فِي الْحِلِّ. اهـ. ح.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ كَانَ حَلَالًا فِي الْحِلِّ وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ أَوْ دُخُولَ الْحَرَمِ وَكَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ. وَفِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ: اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ يَصِيرُ آمِنًا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِإِحْرَامِ الصَّائِدِ، أَوْ بِدُخُولِهِ فِي الْحَرَمِ، أَوْ بِدُخُولِ الصَّيْدِ فِيهِ، وَلَوْ أَخَذَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ لَمْ يَمْلِكْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ قَفَصِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ؛ وَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى هَلَكَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ (قَوْلُهُ يَعْنِي الْجَارِحَةَ) مُحْتَرَزُهُ قَوْلُهُ لَا إنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ (قَوْلُهُ وَجَبَ إرْسَالُهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ أَيْ إطَارَتُهُ) لَوْ قَالَ أَيْ إطْلَاقُهُ لَكَانَ أَشْمَلَ لِتَنَاوُلِ الْوَحْشِ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الطَّيْرَ. اهـ. ح وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ غَصَبَهُ وَهُوَ حَلَالٌ مِنْ حَلَالٍ فَأَحْرَمَ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ؛ فَلَوْ رَدَّهُ لَهُ بَرِئَ وَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى نَهْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا لُغْزٌ غَاصِبٌ يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الرَّدِّ، بَلْ إذَا فَعَلَ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ (قَوْلُهُ أَوْ إرْسَالُهُ لِلْحِلِّ وَدِيعَةً) هَذَا قَوْلٌ ثَانٍ فِي تَفْسِيرِ الْإِرْسَالِ حَكَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَوَّلِ، وَعَزَاهُ لِلتُّحْفَةِ.
وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْغَاصِبِ حَيْثُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ. وَأَيْضًا فَالرَّسُولُ فِي حَالِ أَخْذِ الصَّيْدِ هُوَ فِي الْحَرَمِ فَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْمَالِكِ كَالْغَاصِبِ كَمَا أَفَادَهُ ط. وَأَيْضًا اعْتَرَضَهُ ابْنُ كَمَالٍ بِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ يَدُ الْمُودِعِ لَكِنْ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي فَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ يَدَ خَادِمِهِ كَرِجْلِهِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْظُورَ كَوْنُ الصَّيْدِ فِي يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ وَيَدُهُ فِيمَا عِنْدَ الْمُودَعِ غَيْرُ حَقِيقَةٍ؛ بَلْ هِيَ مِثْلُ يَدِهِ عَلَى مَا فِي رِجْلِهِ أَوْ قَفَصِهِ أَوْ خَادِمِهِ؛ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ ط. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ لِمَنْ هُوَ فِي الْحِلِّ أَوْ يُرْسِلَهُ فِي قَفَصٍ.

(2/572)


(عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُضِيعٍ لَهُ) لِأَنَّ تَسْيِيبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ
وَفِي كَرَاهَةِ جَامِعِ الْفَتَاوَى: شَرَى عَصَافِيرَ مِنْ الصَّيَّادِ وَأَعْتَقَهَا جَازَ إنْ قَالَ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ. اهـ. قُلْت: وَحِينَئِذٍ فَتَقْيِيدُ الْإِطَارَةِ بِالْإِبَاحَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَهِيَ مَنْ أَحْرَمَ فِي الْحِلِّ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ، أَمَّا الْأُولَى وَهِيَ لَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ بِمَعْنَى الْإِطَارَةِ لِقَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ فِيهِ: أَيْ فِي الْحَرَمِ، وَتَعْلِيلُهُ لَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَصَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ يَصِيرُ آمِنًا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إلَخْ؛ وَكَذَا قَوْلُ اللُّبَابِ: وَلَوْ أَدْخَلَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ صَيْدَ الْحِلِّ الْحَرَمَ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَكَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَلَوْ كَانَ جَارِحًا إلَخْ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ إيدَاعُ الْجَارِحِ بَعْدَمَا أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَمْ يَجُزْ لَهُ إرْسَالُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ عَادَةَ الْجَارِحِ قَتْلُ الصَّيْدِ، وَكَذَا قَوْلُ اللُّبَابِ لَوْ أَخَذَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَأَرْسَلَهُ فِي الْحِلِّ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ وُصُولَهُ إلَى الْحَرَمِ آمِنًا فَكَيْفَ إذَا أَوْدَعَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُضِيعٍ لَهُ) يُفَسِّرُهُ مَا قَبْلَهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَالَ كَأَنْ يُودِعَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ فِي قَفَصٍ (قَوْلُهُ وَفِي كَرَاهَةِ جَامِعِ الْفَتَاوَى) إلَى قَوْلِهِ لَا يَجِبُ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ إعْتَاقَ الصَّيْدِ أَيْ إطْلَاقَهُ مِنْ يَدِهِ جَائِزٌ إنْ أَبَاحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ وَهُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ تَسْيِيبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ، وَقِيلَ لَا: أَيْ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ حُرْمَةِ التَّسْيِيبِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَبَاحَهُ فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدٍ فَيَبْقَى سَائِبَةً، وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَقَوْلُهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَحَدٌ فَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدٌ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ مَلَكَهُ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لِمَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا أَوْ لَا لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ لِمَا فِي لُقَطَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْهِدَايَةِ إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً حَتَّى جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ، وَلَكِنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا مِنْهُ إلَّا إذَا قَالَ عِنْدَ الرَّمْيِ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَخْسِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ اهـ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إعْتَاقُ الصَّيْدِ كَذَلِكَ وَتَكُونَ فَائِدَةُ الْإِبَاحَةِ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ، لَكِنْ فِي لَفْظَةِ التَّتَارْخَانِيَّة: تَرَكَ دَابَّةً لَا قِيمَةَ لَهَا مِنْ الْهُزَالِ وَلَمْ يُبِحْهَا وَقْتَ التَّرْكِ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ وَأَصْلَحَهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ لِلْآخِذِ كَقُشُورِ الرُّمَّانِ الْمَطْرُوحَةِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَكُونُ لِصَاحِبِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ لَجَوَّزْنَا فِي الْجَارِيَةِ تُرْمَى فِي الْأَرْضِ مَرِيضَةً لَا قِيمَةَ لَهَا فَيَأْخُذُهَا رَجُلٌ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا فَيَطَؤُهَا مِنْ غَيْرِ شِرَاءٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا إرْثٍ وَلَا صَدَقَةٍ أَوْ يُعْتِقُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَهَا وَهَذَا أَمْرٌ قَبِيحٌ اهـ مُلَخَّصًا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَيَوَانِ كَالْقُشُورِ يَكُونُ طَرْحُهُ إبَاحَةً بِدُونِ تَصْرِيحٍ وَأَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَمْ يُبِحْهَا، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ.
وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ مَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ؛ وَيَأْتِي قَرِيبًا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ غَيْرَ الْمُحْرِمِ لَوْ أَرْسَلَهُ يَكُونُ إبَاحَةً لِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيَكُونُ كَقُشُورِ الرُّمَّانِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا كَانَ إعْتَاقُ الصَّيْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَبَاحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ تَقْيِيدَ الْإِطَارَةِ: أَيْ الَّتِي فُسِّرَ بِهَا الْإِرْسَالُ بِالْإِبَاحَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمِعْرَاجِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ، فَإِنَّ إرْسَالَ الصَّيْدِ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ كَتَسْيِيبِ الدَّابَّةِ؛ بَلْ هُوَ حَرَامٌ إلَّا أَنْ يُرْسِلَهُ لِلْعَلَفِ أَوْ يُبِيحَ لِلنَّاسِ أَخْذَهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَقَالَ بَعْدَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُضِيعُ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ

(2/573)


تَأَمَّلْ اهـ
وَفِي كَرَاهَةِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا آخَرُ وَأَصْلَحَهَا فَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهَا إنْ قَالَ فِي تَسْيِيبِهَا هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا وَإِنْ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا، وَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ. اهـ. (لَا) يَجِبُ (إنْ كَانَ) الصَّيْدُ (فِي بَيْتِهِ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ الْفَاشِيَةِ بِذَلِكَ، وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْحُجَجِ (أَوْ قَفَصِهِ) وَلَوْ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ بِدَلِيلِ أَخْذِ الْمُحْدِثِ الْمُصْحَفَ بِغُلَافِهِ. (وَلَا يَخْرُجُ) الصَّيْدُ (عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ فِي الْحِلِّ وَ) لَهُ (أَخْذُهُ مِنْ إنْسَانٍ أَخَذَهُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَهُوَ حَلَالٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ لِمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَنْ اخْتِيَارٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي بَيْتِهِ أَوْ يُودِعَهُ عِنْدَ حَلَالٍ اهـ لَكِنَّ ظَاهِرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِ الْإِرْسَالِ أَنَّ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْإِطَارَةِ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْإِرْسَالَ وَاجِبٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى التَّسْيِيبِ الْمَحْظُورِ، وَمَنْ فَسَّرَ الْإِرْسَالَ الْوَدِيعَةِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ دَفْعُ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ بِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَارَةِ الْمُضِيعَةِ لِلْمِلْكِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِدُونِهَا، وَلِذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لَوْ أَحْرَمَ وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا بِإِبْطَالِ الْمِلْكِ. اهـ.
وَكَوْنُ الْإِبَاحَةِ تَنْفِي التَّضْيِيعَ مَمْنُوعٌ. لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الصَّيْدِ أَنَّهُ إذَا أُرْسِلَ لَا يُصَادُ ثَانِيًا فَيَبْقَى مِلْكُهُ ضَائِعًا، وَالتَّسْيِيبُ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِرْسَالُ مُطْلَقًا فِيمَا صَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَيْسَ فِيهِ تَضْيِيعُ مِلْكٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا لَوْ أَخَذَ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ؛ أَمَّا لَوْ دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ بِمَعْنَى إطَارَتِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إيدَاعُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا قَبْلُ. وَقَالَ ح، هُوَ ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ أَيْ قَبْلَ الْإِطَارَةِ الْعَامِلُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ (قَوْلُهُ وَأَصْلَحَهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي التَّمْلِيكِ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِمَنْعِ الْأَخْذِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ يَنْزِلُ هِبَةً وَالْإِصْلَاحُ زِيَادَةٌ تَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ مِنْهَا وَبِدُونِهِ لَهُ الرُّجُوعُ إذْ لَا مَانِعَ وَيُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْهَا لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إبَاحَةَ التَّمْلِيكِ وَإِنْ بَرْهَنَ الْآخِذُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ سُلِّمَتْ لِلْآخِذِ ط عَنْ لُقَطَةِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا إنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ اصْطَادَهُ فِي الْإِحْرَامِ أَمَّا لَوْ اصْطَادَهُ فِي الْإِحْرَامِ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ بِالْإِجْمَاعِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ) أَيْ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنَ، وَهُمْ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يُحْرِمُونَ وَفِي بُيُوتِهِمْ حَمَامٌ فِي أَبْرَاجٍ وَعِنْدَهُمْ دَوَاجِنُ وَطُيُورٌ لَا يُطْلِقُونَهَا وَهِيَ إحْدَى الْحُجَجِ، فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ اسْتِبْقَاءَهَا فِي الْمِلْكِ مَحْفُوظَةً بِغَيْرِ الْيَدِ لَيْسَ هُوَ التَّعَرُّضَ الْمُمْتَنِعَ فَتْحٌ. وَالدَّوَاجِنُ: جَمْعُ دَاجِنٍ، وَهُوَ الَّذِي أَلِفَ الْمَكَانَ مِنْ صَيُودٍ وَحْشِيَّاتٍ وَمُسْتَأْنَسَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ) أَيْ مَعَ خَادِمِهِ أَوْ فِي رَحْلِهِ مِعْرَاجٌ.
وَقِيلَ إنْ كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ هِدَايَةٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي النَّهْرِ. قَالَ ح: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا كَانَ الْحَبْلُ الْمَشْدُودُ فِي رَقَبَةِ الصَّيْدِ فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ إلَخْ) فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْغِلَافَ بِيَدِهِ لَمْ يَجْعَلْ الْمُصْحَفَ بِيَدِهِ فَكَذَا بِأَخْذِ الْقَفَصِ لَا يَكُونُ الطَّيْرُ فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ أَخَذَهُ مِنْهُ) صِفَةٌ لِإِنْسَانٍ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلْحِلِّ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْحَرَمِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ فَالْمَمْلُوكُ أَوْلَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي لِأَنَّهُ عَيْنُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَهُوَ حَلَالٌ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ خُرُوجِ الصَّيْدِ عَنْ مِلْكِهِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ مَعَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ، فَلَوْ قَالَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ وَهُوَ حَلَالٌ لَكَانَ أَحْسَنُ ح (قَوْلُهُ لِمَا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالصَّيْدُ لَا يَمْلِكُهُ الْمُحْرِمُ إلَخْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَنْ اخْتِيَارٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَهُ بِإِرْسَالِهِ فَكَانَ مُضْطَرًّا شَرْعًا إلَيْهِ، وَالْمُنَاسِبُ عَطْفُهُ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ لِقَوْلِهِ وَلَهُ أَخْذُهُ إلَخْ.
وَقَدْ عَلَّلَ بِهِ التُّمُرْتَاشِيُّ كَمَا عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ يَكُونُ إبَاحَةً اهـ أَيْ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِبَاحَةِ وَقْتَ

(2/574)


(فَلَوْ) كَانَ (جَارِحًا) كَبَازٍ (فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِفِعْلِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ (فَلَوْ بَاعَهُ رَدَّ الْمَبِيعَ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ تَمْنَعُ بَيْعَ الصَّيْدِ
(وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ) مِنْ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ اتِّفَاقًا، وَمِنْ الْحَقِيقِيَّةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إرْسَالِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ فَكَانَ مُجَرَّدُ إرْسَالِهِ إبَاحَةً كَإِلْقَاءِ قِشْرِ الرُّمَّانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ جَارِحًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَجَبَ إرْسَالُهُ.
وَالْجَارِحُ: مِنْ الصَّيْدِ مَا لَهُ نَابٌ أَيْ مِخْلَبٌ يَصِيدُ بِهِ (قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ) وَهُوَ إرْسَالُهُ لَا عَلَى قَصْدِ الِاصْطِيَادِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ بِمَعْنَى إطَارَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَلَيْسَ لَهُ إيدَاعُهُ وَإِلَّا لَكَانَ الْوَاجِبُ الْإِيدَاعَ فِي الْجَوَارِحِ دُونَ الْإِرْسَالِ لِأَنَّ الْجَوَارِحَ عَادَتُهَا قَتْلُ الصَّيْدِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِإِرْسَالِهِ فِي الْحَرَمِ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَاعَهُ) مُفَرَّعٌ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَجَبَ إرْسَالُهُ وَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلصَّيْدِ الَّذِي أَخَذَهُ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ رَدَّ الْمَبِيعَ إلَخْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَأُطْلِقَ فِي الْبَيْعِ فَشَمِلَ مَا إذَا بَاعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الشَّارِحِينَ؛ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ خِلَافُهُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ.
قُلْت: لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ جَزَاءَهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، أَمَّا لَوْ أَدَّاهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ صَيْدَ الْحَرَمِ كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الظَّبْيَةِ.
ثُمَّ إنَّ هَذَا أَيْضًا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ إلَى الْحِلِّ وَدِيعَةً لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ بَلْ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَمَّا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ فَلَهُ أَخْذُهُ فِي الْحِلِّ وَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ؛ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ وَأَكْلَهُ أَيْضًا، فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا لَوْ أَرْسَلَهُ وَخَرَجَ الصَّيْدُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهُ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَوْ خَرَجَ الصَّيْدُ مِنْ الْحَرَمِ بِنَفْسِهِ حَلَّ أَخْذُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهُ أَحَدٌ لَمْ يَحِلَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، بِأَنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ أَوْ غَابَ الْمُشْتَرِي وَلَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا بَيَانُهُ وَأَنَّ الصَّوْمَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ لِلْحَلَالِ وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَدْخَلَ الصَّيْدَ الْحَرَمَ ثُمَّ بَاعَهُ فِيهِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ لِكَوْنِهِ صَارَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ وَالْإِحْرَامِ: أَيْ فِيمَا لَوْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ) أَيْ فِي الْحِلِّ لُبَابٌ، وَقَوْلُهُ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ لِأَنَّ الْآخِذَ مَلَكَ الصَّيْدَ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ، بِخِلَافِ مَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ، وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا هِدَايَةٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ فَأَرْسَلَهُ أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ الْمُرْسِلُ لِأَنَّ الْآخِذَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ تَخْلِيَتُهُ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُرْسِلُ مُتَعَدِّيًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ) وَجْهُهُ أَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ -. مَطْلَبٌ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِكَسْرِ آلَاتِ اللَّهْوِ
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَنَظِيرُهُ الِاخْتِلَافُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ أَيْ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالطُّنْبُورِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا هُنَا لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ بِكَسْرِ الْمَعَازِفِ. اهـ. قَالَ ط: وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى ذَلِكَ

(2/575)


(وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا) يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَأْخُذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ (وَالصَّيْدُ لَا يَمْلِكُهُ الْمُحْرِمُ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ) كَشِرَاءٍ وَهِبَةٍ (بَلْ) بِسَبَبٍ (جَبْرِيٍّ) وَالسَّبَبُ الْجَبْرِيُّ فِي إحْدَى عَشْرَ مَسْأَلَةً مَبْسُوطَةً فِي الْأَشْبَاهِ فَلِذَا قَالَ تَبَعًا لِلْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (كَالْإِرْثِ) وَجَعَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْمِيرَاثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ

(فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ) بَالِغٌ مُسْلِمٌ (ضَمِنَا) جَزَاءَيْنِ الْآخِذُ بِالْأَخْذِ وَالْقَاتِلُ بِالْقَتْلِ (وَرَجَعَ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ بِمَعْرِضِ السُّقُوطِ وَهَذَا (إنْ كَفَّرَ بِمَالٍ وَإِنْ) كَفَّرَ (بِصَوْمٍ فَلَا) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا

(وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ) بَهِيمَةً لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّهَا وَلَوْ (صَبِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ (قَوْلُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ) لِأَنَّ الصَّيْدَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْخَمْرَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ بَلْ بِسَبَبٍ جَبْرِيٍّ) هُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ بِلَا اخْتِيَارٍ وَقَبُولٍ (قَوْلُهُ وَالسَّبَبُ الْجَبْرِيُّ) أَتَى بِهِ ظَاهِرًا. وَلَمْ يَقُلْ وَهُوَ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ السَّبَبِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي الصَّيْدِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ فِي إحْدَى عَشَرَ) حَقُّ الْعِبَارَةِ إحْدَى عَشْرَةَ لِأَنَّهُ تَجِبُ الْمُطَابَقَةُ فِيهِ بِتَأْنِيثِ الْجُزْأَيْنِ لِتَأْنِيثِ الْمَعْدُودِ (قَوْلُهُ مَبْسُوطَةً فِي الْأَشْبَاهِ) لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهَا هُنَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُحَشِّيُّ (قَوْلُهُ فَلِذَا قَالَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمُثِّلَ لِلْجَبْرِيِّ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِقَوْلِهِ إلَخْ ط.
(قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ بِالِاتِّفَاقِ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ شَيْءٌ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَّا الْإِرْثُ اتِّفَاقًا إلَخْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَشْبَاهِ كَمَا رَأَيْت مُطْلَقٌ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَا شَكَّ فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِ الْإِرْثِ مُطْلَقًا سَبَبًا جَبْرِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي صُورَةِ الْمُحْرِمِ إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ عَنْ صَيْدٍ عَلَى كَلَامِ السِّرَاجِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ كَقِيَامِ الْمَوَانِعِ الْأَرْبَعَةِ: أَيْ الرِّقِّ، وَالْكُفْرِ، وَالْقَتْلِ، وَاخْتِلَافِ الْمِلْكِ؛ فَكَمَا لَا يَقْدَحُ قِيَامُ تِلْكَ الْمَوَانِعِ فِي سَبَبِيَّةِ الْإِرْثِ لَا يَقْدَحُ هَذَا فِيهَا. اهـ. ح وَإِنْ جُعِلَ اسْتِدْرَاكًا عَلَى الْمَتْنِ كَانَ فِي مَحَلِّهِ ط (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا سَيَأْتِي: أَيْ مِنْ كَوْنِ الصَّيْدِ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ ظُهُورِهِ، إذْ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْإِرْثِ وَهُوَ مَوْتُ الْمُوَرِّثِ لَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ نَصٍّ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْإِحْرَامِ مَانِعًا مِنْ إرْثِ الصَّيْدِ كَقِيَامِهِ عَلَى الْمَوَانِعِ الْأَرْبَعَةِ وَكَوْنُ الصَّيْدِ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]- وَلِذَا لَوْ مُنِعَ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ إرْثِهِ. فَإِنَّ الْجَمْرَةَ مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ أَيْضًا وَتُورَثُ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الصَّيْدَ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ (قَوْلُهُ مُحْرِمٌ آخَرُ إلَخْ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْبَهِيمَةِ. وَبِالْبَالِغِ الْمُسْلِمِ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ كَمَا يَأْتِي، وَكَانَ يَنْبَغِي زِيَادَةُ عَاقِلٍ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّبِيِّ كَمَا فِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ قَتَلَهُ حَلَالٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِمَا ضَمِنَ، فَالرُّجُوعُ فِيهِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ بِمَعْرِضِ السُّقُوطِ) فَإِنَّهُ كَانَ مُحْتَمَلَ الْإِرْسَالِ قَبْلَ قَتْلِهِ؛ وَلِلتَّقْرِيرِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ) وَجَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُبْتَغَى. وَظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنْ يَرْجِعَ الْآخِذُ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا ح عَنْ الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّهَا) عِبَارَةُ اللُّبَابِ: وَلَوْ قَتَلَهُ بَهِيمَةٌ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ. قَالَ شَارِحُهُ: أَيْ مِنْ صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ أَوْ رَاكِبِهَا وَسَائِقِهَا وَقَائِدِهَا، وَالْمَسْأَلَةُ مُصَرَّحَةٌ فِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ. اهـ.
أَقُولُ: وَهَذَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الرَّاكِبِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا ضَمَانُ الرَّاكِبِ وَنَحْوِهِ الْجَزَاءَ فَلَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَكَذَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا فَأَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ فَمِهَا صَيْدًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَالِغٌ مُسْلِمٌ.

(2/576)


فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ) لِلَّهِ تَعَالَى (وَ) لَكِنْ (رَجَعَ الْآخِذُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى (وَكُلِّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ) يَعْنِي بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ لَا مُطْلَقًا، إذْ لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ قَطَعَ نَبَاتَ الْحَرَمِ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ (فَعَلَى الْقَارِنِ) وَمِثْلُهُ مُتَمَتِّعٌ سَاقَ الْهَدْيَ (دَمَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّدَقَةِ) فَتُثَنَّى أَيْضًا لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامَيْهِ (إلَّا بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِقَارِنٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَعِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ: لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ، فَزَادَ الْمَجْنُونَ لِأَنَّهُ كَالصَّبِيِّ كَمَا مَرَّ، وَعَبَّرَ بِالْكَافِرِ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ غَيْرُ قَيْدٍ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ قَوْلِهِ مُحْرِمٌ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ، وَإِلَّا فَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِلنِّيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ) بَلْ عَلَى الْآخِذِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ) وَهُنَا لَمَّا قَرَّرَ عَلَى الْآخِذِ مَا كَانَ بِمَعْرِضِ السُّقُوطِ لَزِمَهُ.
(قَوْلُهُ وَكُلِّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ) لَوْ قَالَ كَفَّارَةٌ لَشَمِلَ الصَّدَقَةَ وَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّدَقَةِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْكَفَّارَةِ مَا يَشْمَلُ كَفَّارَةَ الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْقَارِنَ إذَا لَبِسَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ لِلضَّرُورَةِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ إلَخْ) أَيْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ: أَيْ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بِسَبَبِ نَفْسِ الْإِحْرَامِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَلَا مَا حَرُمَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ كَاللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ وَإِزَالَةِ شَعْرٍ أَوْ ظُفْرٍ، فَخَرَجَ مَا لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا؛ كَمَا لَوْ تَرَكَ السَّعْيَ أَوْ الرَّمْيَ أَوْ أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَلَا تَتَعَدَّدُ عَلَى الْقَارِنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ بَلْ هُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَكَذَا لَوْ طَافَ جُنُبًا وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، بِخِلَافِ نَحْوِ اللُّبْسِ فَإِنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَلِذَا حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَفْعَالِهِمَا، فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ عَلَى الْقَارِنِ لِتَلَبُّسِهِ بِإِحْرَامَيْنِ. وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ قَطَعَ نَبَاتَ الْحَرَمِ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْقَارِنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ لَا تَعَلُّقَ لِلْإِحْرَامِ بِهِ، بِخِلَافِ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا قَتَلَهُ الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى كَوْنِهِ جِنَايَةً عَلَى الْحَرَمِ لِأَنَّ أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ تَسْتَتْبِعُ أَدْنَاهُمَا وَالْإِحْرَامُ أَقْوَى فَكَانَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ لَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْحَرَمِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا. اهـ.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَقْرِيرُهُ هُنَا. وَظَاهِرُ تَقْرِيرِ السِّرَاجِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَمَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ مَا كَانَ فِعْلًا احْتِرَازًا عَمَّا كَانَ تَرْكًا كَتَرْكِ السَّعْيِ وَحَدِّ الْوُقُوفِ وَالطَّهَارَةِ، وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الشَّارِحِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّبَاتِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ مُتَمَتِّعٌ سَاقَ الْهَدْيَ) أَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ اللُّبَابِ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الْجَزَاءَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ هُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْهُ، لَكِنْ لَمْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَوْ الْعُمْرَتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِمِائَةِ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ ثُمَّ جَنَى قَبْلَ رَفْضِهَا فَعَلَيْهِ مِائَةُ جَزَاءٍ. اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامَيْهِ) أَيْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِتَعَدُّدِ الدَّمِ وَالصَّدَقَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ تَعَدُّدِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَارِنِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا جَوَابَهُ هُنَاكَ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ) لِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمِيقَاتِ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ سَقَطَ الدَّمُ ط.
وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ صُورَةً يَلْزَمُ الْقَارِنَ فِيهَا دَمَانِ لِلْمُجَاوَزَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ جَاوَزَ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْحِلِّ مُحْرِمًا، وَهِيَ غَيْرُ وَارِدَةٍ لِأَنَّ الدَّمَ الْأَوَّلَ لِلْمُجَاوَزَةِ، وَالثَّانِيَ لِتَرْكِهِ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ الْتَحَقَ بِأَهْلِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْمُجَاوَزَةِ لَيْسَ بِقَارِنٍ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ الْوَاحِدِ

(2/577)


(وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمَانِ صَيْدًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ) لِتَعَدُّدِ الْفِعْلِ (وَلَوْ حَلَالَانِ) صَيْدَ الْحَرَمِ (لَا) لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ

(وَبَطَلَ بَيْعُ مُحْرِمٍ صَيْدًا) وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ (وَشِرَاؤُهُ) إنْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ (فَلَوْ قَبَضَ) الْمُشْتَرَى (فَعَطِبَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْجَزَاءُ) وَفِي الْفَاسِدِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ (وَلَدَتْ ظَبْيَةٌ) بَعْدَمَا (أُخْرِجَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَمَاتَا غَرِمَهُمَا وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا) أَيْ الْأُمِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّمَ يَلْزَمُهُ، سَوَاءٌ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا، أَوْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا، فَلَا دَخْلَ لِكَوْنِهِ قَارِنًا فِي وُجُوبِ ذَلِكَ الدَّمِ ط.

(قَوْلُهُ لِتَعَدُّدِ الْفِعْلِ) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّرِكَةِ يَصِيرُ جَانِيًا جِنَايَةً تَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ هِدَايَةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ) فَإِنَّ الضَّمَانَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ، وَفِي حَقِّ صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ الْمَحَلِّ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ كَرَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْفِعْلِ بَحْرٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ إذَا قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ، وَلَوْ قَتَلَهُ حَلَالٌ وَمُحْرِمٌ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَعَلَى الْحَلَالِ نِصْفُهَا، وَلَوْ قَتَلَهُ حَلَالٌ وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ فَعَلَى الْحَلَالِ ثُلُثُ الْجَزَاءِ وَعَلَى الْمُفْرِدِ جَزَاءٌ وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ وَبَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْعَاقِدَانِ مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَأَفَادَ أَنَّ بَيْعَ الْمُحْرِمِ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَالًا وَأَنَّ شِرَاءَهُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا. وَأَمَّا الْجَزَاءُ فَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُحْرِمِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا وَالْمُشْتَرِي مُحْرِمًا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ) أَيْ مِنْ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَجَعَلَهُ مَهْرًا وَبَدَلَ خُلْعٍ لِأَنَّ الْعَيْنَ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ ط. ثُمَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَشِرَاؤُهُ لِيَكُونَ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ (قَوْلُهُ إنْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ كَمَا مَرَّ. وَأَفَادَ بِهَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الْبُطْلَانَ إذَا صَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ كَذَلِكَ، أَمَّا لَوْ صَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ كَمَا فِي السِّرَاجِ؛ وَلَوْ صَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا صُرِّحَ بِهِ تَبَعًا لِلسِّرَاجِ أَيْضًا: أَيْ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَالًا، أَمَّا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا كَمَا مَرَّ آنِفًا. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الْمُحْرِمِ كَمَا مَرَّ فِي النَّهْرِ قَالَ ح إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِك وَبَطَلَ شِرَاءُ الْمُحْرِمِ إنْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ الشَّرْطَ بَعْدَ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْفَاسِدِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ) أَيْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الصَّيْدِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ مَعَ ضَمَانِهِ: أَيْ الْمُشْتَرِي الْجَزَاءَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْجَزَاءُ فَافْهَمْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ضَمَانَهُ الْجَزَاءَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِلَّا فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) الْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ: أَيْ نَظِيرِ مَا مَرَّ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْسِلِ الْقِيمَةَ فِي قَوْلِهِ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا ضَمِنَ مُرْسِلُهُ. [تَنْبِيهٌ]
ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ لَوْ وَهَبَ مُحْرِمٌ لِمُحْرِمٍ صَيْدًا فَأَكَلَهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى الْآكِلِ ثَلَاثَةُ أَجْزِأَةٍ: قِيمَةٌ لِلذَّبْحِ، وَقِيمَةٌ لِلْأَكْلِ الْمَحْظُورِ. وَقِيمَةٌ لِلْوَاهِبِ لِأَنَّ الْهِبَةَ كَانَتْ فَاسِدَةً وَعَلَى الْوَاهِبِ قِيمَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَى الْآكِلِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِلْوَاهِبِ وَقِيمَةٌ لِلذَّبْحِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَكْلِ عِنْدَهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وُجُوبَ قِيمَةٍ لِلْوَاهِبِ خَاصٌّ فِيمَا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ لِيَكُونَ مِلْكَهُ وَإِلَّا لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَا يَجِبُ لَهُ قِيمَةٌ، وَلِذَا كَانَتْ الْهِبَةُ فَاسِدَةً لَا بَاطِلَةً قِيلَ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، أَمَّا عَنْ مُقَابِلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْوَاهِبِ.
قُلْت: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَضْمَنُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بَعْدَمَا أُخْرِجَتْ) أَيْ أَخْرَجَهَا مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَمَاتَا) عُلِمَ حُكْمُ ذَبْحِهِمَا وَإِتْلَافِهِمَا بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ غَرِمَهُمَا) لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ

(2/578)


(ثُمَّ وَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ الْوَلَدَ لِعَدَمِ سِرَايَةِ الْأَمْنِ حِينَئِذٍ وَهَلْ يَجِبُ رَدُّهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ الظَّاهِرُ: نَعَمْ

(آفَاقِيٌّ) مُسْلِمٌ بَالِغٌ (يُرِيدُ الْحَجَّ) وَلَوْ نَفْلًا (أَوْ الْعُمْرَةَ) فَلَوْ لَمْ يُرِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، وَإِنْ وَجَبَ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ إنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا (وَجَاوَزَ وَقْتَهُ) ظَاهِرُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مُسْتَحِقَّ الْأَمْنَ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ لَمْ يَجْزِهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ جَزَاهُ بِهِ وَهُوَ ثُلَاثِيٌّ مُعْتَلُّ الْآخِرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَضَمِيرُهُ الْمُسْتَتِرُ لِلْمُخْرِجِ وَالْبَارِزُ لِلْوَلَدِ ح. وَكُلُّ زِيَادَةٍ فِي الصَّيْدِ كَالسِّمَنِ وَالشَّعْرِ فَضَمَانُهَا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ نَهْرٌ: أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ جَزَاءَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا ضَمِنَ الزِّيَادَةَ وَإِنْ أَدَّاهُ فَلَا بَحْرٌ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهَا لَوْ حَبِلَتْ بَعْدَ إخْرَاجِهَا، فَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ سِرَايَةِ الْأَمْنِ) أَيْ إلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى ضَمَانَ الْأَصْلِ مَلَكَهَا فَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَيْدَ الْحَرَمِ وَبَطَلَ اسْتِحْقَاقُ الْأَمْنِ قَاضِي خَانْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: حَتَّى لَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ وَالْأَوْلَادَ يَحِلُّ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْغَايَةِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا أَدَّى الْجَزَاءَ مَلَكهَا مِلْكًا خَبِيثًا، وَلِذَا قَالُوا بِكَرَاهَةِ أَكْلِهَا وَهِيَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَنْصَرِفُ إلَى التَّحْرِيمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ. اهـ.

(قَوْلُهُ آفَاقِيٌّ إلَخْ) تَرْجَمَهُ فِي الْكَنْزِ بِبَابِ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَوَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا سَبَقَ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ أَيْضًا، لَكِنَّ مَا سَبَقَ جِنَايَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَهَذَا قَبْلَهُ قَالَ ح: لَوْ عَبَّرَ بِمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْكَنْزِ لَشَمِلَ قَوْلَهُ كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ إلَخْ وَلَشَمِلَ حَرَمِيًّا أَحْرَمَ لِعُمْرَتِهِ مِنْ الْحَرَمِ وَبُسْتَانِيًّا أَحْرَمَ لِحَجَّتِهِ أَوْ لِعُمْرَتِهِ مِنْ الْحَرَمِ. فَإِنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ مِيقَاتِهِ الْمُعَيَّنِ لَهُ لَزِمَهُ دَمٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ حَرَمِيًّا أَمْ بُسْتَانِيًّا أَمْ آفَاقِيًّا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الْإِحْرَامِ فِي الْبُسْتَانِيِّ وَالْحَرَمِيِّ قَصْدُ النُّسُكِ، وَيَكْفِي الْآفَاقِيَّ قَصْدُ دُخُولِ الْحَرَمِ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ نُسُكًا أَمْ لَا. اهـ. وَأَرَادَ بِالْبُسْتَانِيِّ الْحِلِّيَّ أَيْ مَنْ كَانَ فِي الْحِلِّ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحْرِمَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ آفَاقِيٌّ وَحُلِيٌّ وَحَرَمِيٌّ، وَلِكُلٍّ مِيقَاتٌ مَخْصُوصٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمَوَاقِيتِ، فَمَنْ أَرَادَ نُسُكًا وَجَاوَزَ وَقْتَهُ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ مُسْلِمٌ بَالِغٌ) فَلَوْ جَاوَزَهُ كَافِرٌ أَوْ صَبِيٌّ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْحُرِّ لِيَشْمَلَ الرَّقِيقَ. فَإِنَّهُ لَوْ جَاوَزَهُ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَابْنُ كَمَال بَاشَا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا نَذْكُرُ. وَمَنْشَأُ ذَلِكَ قَوْلُ الْهِدَايَةِ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَيْ مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُوهِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَتَلَافَاهُ، مَحَلُّهُ مَا إذَا قَصَدَ النُّسُكَ، فَإِنْ قَصَدَ التِّجَارَةَ أَوْ السِّيَاحَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ نَاطِقَةٌ بِلُزُومِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ قَصَدَ النُّسُكَ أَمْ لَا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي فِعْلِ الْمَوَاقِيتِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ مِنْ الْآفَاقِيِّينَ قَصْدُ النُّسُكِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إذَا أَرَادَ مَكَّةَ. اهـ.
مُلَخَّصًا مِنْ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَكَّةَ خُصُوصَهَا، بَلْ قَصْدُ الْحَرَمِ مُطْلَقًا مُوجِبٌ لِلْإِحْرَامِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يُرِدْ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ ح (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي بَحْثِ الْمَوَاقِيتِ فِي قَوْلِهِ وَحَرُمَ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنْهَا لِمَنْ قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ وَلَوْ لِحَاجَةٍ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا: أَيْ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامِ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ وَجَاوَزَ وَقْتَهُ) أَيْ مِيقَاتَهُ، وَالْمُرَادُ آخِرُ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي يَمُرُّ

(2/579)


اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ (ثُمَّ أَحْرَمَ لَزِمَهُ دَمٌ؛ كَمَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ، فَإِنْ عَادَ) إلَى مِيقَاتٍ مَا (ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ) عَادَ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (مُحْرِمًا لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ) صِفَةُ: مُحْرِمًا كَطَوَافٍ وَلَوْ شَوْطًا، وَإِنَّمَا قَالَ (وَلَبَّى) لِأَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ الْإِمَامِ تَجْدِيدُ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَيْهِ خِلَافًا لَهُمَا (سَقَطَ دَمُهُ) وَالْأَفْضَلُ عَوْدُهُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَيْهَا، إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِهَا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ أَنَّ الْآفَاقِيَّ الَّذِي جَاوَزَ وَقْتَهُ تُعْتَبَرُ إرَادَتُهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ قَصْدِ الْمُجَاوَزَةِ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا بِأَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَان فِي الْحِلِّ لِحَاجَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَاسْتُظْهِرَ فِي الْبَحْرِ اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ، لَكِنْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْبُسْتَانِ الْآتِيَةِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ حَيْثُ ذُكِرَ ذَلِكَ فِيهِمَا، وَسَنَذْكُرُ عِبَارَةَ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَى مِيقَاتٍ مَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ لَفْظَةِ مَا، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ أَيُّ مِيقَاتٍ كَانَ، سَوَاءٌ كَانَ مِيقَاتُهُ الَّذِي جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَوْ غَيْرُهُ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ لِأَنَّهَا كُلَّهَا فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ سَوَاءٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ مِنْ وَقْتِهِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ) أَيْ بِحَجٍّ وَلَوْ نَفْلًا أَوْ بِعُمْرَةٍ، وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ كَمَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَادَ إلَخْ نَاظِرٌ إلَى قَوْلِهِ جَاوَزَ وَقْتَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ. وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ بِمُجَرَّدِهَا فِيهَا حَزَازَةٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صِفَةُ مُحْرِمًا) أَيْ صِفَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وَإِلَّا فَجُمْلَةُ لَمْ يَشْرَعْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِهِ الْمُسْتَتِرِ أَوْ مِنْ فَاعِلِ عَادَ، فَهِيَ حَالٌ بَعْدَ حَالٍ مُتَدَاخِلَةٌ أَوْ مُتَرَادِفَةٌ (قَوْلُهُ كَطَوَافٍ) وَكَذَا لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْقُدُومِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَوْطًا) أَخَذَهُ مِنْ الْبَحْرِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي لُزُومِ الدَّمِ وَعَدَمِ إمْكَانِ سُقُوطِهِ مِنْ الشَّوْطِ الْكَامِلِ.
وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ فَقَالَ: وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِالْوَاوِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهَا بِالْفَاءِ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي شَرْحِهَا: إنَّمَا ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الشَّوْطُ التَّامُّ، فَإِنَّ الْمَسْنُونَ الْفَصْلُ بَيْنَ الشَّوْطَيْنِ بِالِاسْتِلَامِ، وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ.
وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالِاسْتِلَامِ مَا يَكُونُ بَيْنَ الشَّوْطَيْنِ لَا مَا يَكُونُ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْبَدَائِعِ بَعْدَ مَا طَافَ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ عَطْفِهِ بِأَوْ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِاقْتِضَائِهِ الِاكْتِفَاءَ بِبَعْضِ الشَّوْطِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ) أَيْ فِي سُقُوطِ الدَّمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النُّسُكِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ حَتَّى يُجْبَرَ بِالدَّمِ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَكَانَ فَرْضًا، وَبِتَرْكِهِ يَفْسُدُ الْحَجُّ أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ ط (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ) احْتِرَازٌ عَنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَا خَارِجِهِ، حَتَّى لَوْ عَادَ مُحْرِمًا وَلَمْ يُلَبِّ فِيهِ لَكِنْ لَبَّى بَعْدَ مَا جَاوَزَهُ ثُمَّ رَجَعَ وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا يَسْقُطُ الدَّمُ وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ كَمَا لَوْ مَرَّ مُحْرِمًا سَاكِتًا؛ وَلَهُ أَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا تَرَخَّصَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَقِّهِ بِإِنْشَاءِ التَّلْبِيَةِ، فَكَانَ التَّلَافِي بِعَوْدِهِ مُلَبِّيًا هِدَايَةٌ. وَفِي شَرْحِهَا لِابْنِ الْكَمَالِ: اعْلَمْ أَنَّ النَّاظِرِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَزِيمَةَ لِلْآفَاقِيِّ مَا ذُكِرَ، وَلَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ اتِّفَاقُ الْكُلِّ عَلَى تَرْكِ الْعَزِيمَةِ وَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَيْ مِمَّا قَرُبَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ عَنْ الْمِيقَاتِ، وَقَدْ وَرَدَ فِعْلُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَوَرَدَ طَلَبُهُ فِي الْحَدِيثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ عِنْدَ بَحْثِ الْمَوَاقِيتِ. وَفَسَّرَ الصَّحَابَةُ الْإِتْمَامَ فِي - وَأَتِمُّوا الْحَجَّ - بِذَلِكَ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ هُنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ عَوْدُهُ) ظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وُجُوبُ الْعَوْدِ، وَبِهِ صُرِّحَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ) أَيْ فَإِنَّهُ

(2/580)


(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ بَعْدَ شُرُوعِهِ (لَا) يَسْقُطُ الدَّمُ (كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ) وَصَارَ مَكِّيًّا (وَخَرَجَا مِنْ الْحَرَمِ وَأَحْرَمَا بِالْحَجِّ) مِنْ الْحِلِّ، فَإِنَّ عَلَيْهَا دَمًا لِمُجَاوَزَةِ مِيقَاتِ الْمَكِّيِّ بِلَا إحْرَامٍ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَا بِعُمْرَةٍ مِنْ الْحَرَمِ وَبِالْعَوْدِ كَمَا مَرَّ يَسْقُطُ الدَّمُ

(دَخَلَ كُوفِيٌّ) أَيْ آفَاقِيٌّ (الْبُسْتَانَ) أَيْ مَكَانًا مِنْ الْحِلِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ (لِحَاجَةٍ) قَصَدَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَا يَعُودُ وَيَمْضِي فِي إحْرَامِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ وَالْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ أَهْوَنُ مِنْ تَرْكِ الْفَرْضِ. اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ الْفَوْتَ يَجِبُ الْعَوْدُ كَمَا قُلْنَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ، وَأَنَّهُ إذَا خَافَهُ يَجِبُ عَدَمُ الْعَوْدِ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ النَّهْرِ وَمَتَى خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ لَوْ عَادَ فَالْأَفْضَلُ عَدَمُهُ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ عَوْدُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ.
هَذَا وَفِي الْبَحْرِ: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ: أَيْ مِمَّا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي الْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ يَعُودُ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ أَصْلًا. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى الْفَوَاتِ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْصُلُ مَانِعٌ مِنْ الْعَوْدِ غَيْرَ الْفَوَاتِ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَيَسْقُطُ وُجُوبُ الْعَوْدِ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَوْ عَادَ بَعْدَ شُرُوعِهِ) بَقِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَلَمْ يُلَبِّ عِنْدَ الْمِيقَاتِ ح (قَوْلُهُ كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ إلَخْ) أَمَّا لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ لِحَاجَةٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ كَالْآفَاقِيِّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ قَاصِدًا الْبُسْتَانَ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْهُ، وَلَمْ أَرَ تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمُتَمَتِّعِ بِمَا إذَا خَرَجَ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ بِهِ؛ وَأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْمَكِّيِّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَصَارَ مَكِّيًّا) لِأَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى مَكَان عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِهِ، وَهُنَا لَمَّا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ وَفَرَغَ مِنْهَا صَارَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَا، فَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فَمِيقَاتُهُ الْحَرَمُ أَوْ الْعُمْرَةُ فَالْحِلُّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْحِلِّيِّ، وَهُوَ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْحِلُّ، فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إلَّا أَنْ يَعُودَ كَمَا مَرَّ عَنْ ح وَصَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ فِي النَّهْرِ وَاللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَا) أَيْ الْمَكِّيُّ وَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي فِي حُكْمِهِ، فَإِنَّ مِيقَاتَ الْمَكِّيِّ لِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ (قَوْلُهُ وَبِالْعَوْدِ) أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الذَّهَابِ إلَى الْمِيقَاتِ الْوَاجِبِ لِيَشْمَلَ قَوْلَهُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَا بِعُمْرَةٍ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ خُرُوجُهُمَا إلَى الْحِلِّ لِيَسْقُطَ الدَّمُ؛ وَلَيْسَ فِيهِ عَوْدٌ إلَيْهِ بَعْدَ الْكَيْنُونَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عَوْدًا مُمَاثِلًا لِمَا مَرَّ فِي الْآفَاقِيِّ بِأَنْ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ ثُمَّ يُحْرِمَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ، وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ يَعُودُ إلَيْهِ وَيُلَبِّي.

(قَوْلُهُ أَيْ آفَاقِيٌّ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُوفِيِّ كُلُّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَوَاقِيتِ (قَوْلُهُ الْبُسْتَانَ) أَيْ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ: وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْآنَ نَخْلَةَ مَحْمُودِ بْنِ كَمَالٍ. زَادَ غَيْرُهُ أَنَّ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلًا. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذِهِ الْقَرْيَةُ عَلَى يَسَارِ مُسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةِ إذَا وَقَفَ بِأَرْضِ عَرَفَاتٍ. وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ: بِالْقُرْبِ مِنْ جَبَلِ عَرَفَاتٍ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ (قَوْلُهُ أَيْ مَكَانًا مِنْ الْحِلِّ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْبُسْتَانَ غَيْرُ قَيْدٍ؛ وَأَنَّ الْمُرَادَ مَكَانٌ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ مِنْ الْحِلِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْرَطُ أَنْ يَقْصِدَ مَكَانًا مُعَيَّنًا لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ قَصْدِ دُخُولِ الْحَرَمِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ؛ فَأَيُّ مَكَان قَصَدَهُ مِنْ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ حَصَلَ الْمُرَادُ كَمَا سَيَتَّضِحُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِحَاجَةٍ) كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَرَادَ دُخُولَ مَكَان مِنْ الْحِلِّ لِمُجَرَّدِ الْمُرُورِ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا مُحْرِمًا فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَإِلَّا فَكُلُّ آفَاقِيٍّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دُخُولِ مَكَان فِي الْحِلِّ.
عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ جَعَلَ الشَّرْطَ قَصْدَهُ الْحِلَّ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ: أَيْ لِيَكُونَ سَفَرُهُ لِأَجْلِهِ لَا لِدُخُولِ الْحَرَمِ كَمَا يَأْتِي، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي شَرْحِهِ وَمُنْلَا مِسْكِينٍ لِحَاجَةٍ لَهُ بِالْبُسْتَانِ لَا لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فَافْهَمْ

(2/581)


وَلَوْ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَنِيَّةُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَذْهَبِ (لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِآفَاقِيٍّ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَصْدِهَا أَيْ وَلَوْ كَانَ قَصَدَ الْحَاجَةَ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ إرَادَتِهِ دُخُولَ الْبُسْتَانِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، أَمَّا بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ الْحَاجَةِ لِكَوْنِهِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَانَ قَاصِدًا مَكَّةَ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ مَا لَمْ يَرْجِعْ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ لِحَاجَةٍ قَبْلَ الْمُجَاوَزَةِ فَهُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَإِنْ قَصَدَهُ لِذَلِكَ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ غَيْرُ شَرْطٍ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ ذِكْرِهِ إنَّ ذَلِكَ حِيلَةٌ لِآفَاقِيٍّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَلَمْ أَرَ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ أَوَّلًا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْآفَاقِيَّ يُرِيدُ دُخُولَ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْحَرَمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَافِيًا فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ قَصْدِ مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ الْحِلِّ الدَّاخِلِ الْمِيقَاتَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ لِأَجْلِ دُخُولِ الْحِلِّ وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ بِلَا إحْرَامٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ الْقَصْدِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَافٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَ: هَذَا إذَا جَاوَزَ أَحَدٌ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ الْخَمْسَةَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ دُخُولَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَاجَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ فَاعْتُبِرَ الْإِرَادَةُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا تَرَى اهـ أَيْ إرَادَةُ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ وَإرَادَةُ دُخُولِ الْبُسْتَانِ، فَالْإِرَادَةُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ مُعْتَبَرَةٌ فِيهِمَا. وَلِذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ. وَقَوْلُ الْبَحْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ قَصْدِ مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ الْحِلِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلْ الشَّرْطُ قَصْدُ الْحِلِّ فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ ظَاهِرُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) مُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ إنْ نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الْبُسْتَانِ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَإِلَّا فَلَا ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) أَيْ إذَا أَرَادَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ لِحَاجَةٍ لَا لِدُخُولِ مَكَّةَ ثُمَّ بَدَا لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَهُ دُخُولُهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ وَمُنْلَا مِسْكِينٍ. قَالَ فِي الْكَافِي لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ دُخُولَهَا، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْبُسْتَانَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ التَّعْظِيمَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِقَصْدِ دُخُولِهِ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا إذَا أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ غَيْرِ النُّسُكِ وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ مِيقَاتَهُ إلَّا بِإِحْرَامٍ، وَلِذَا قَالَ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوَاقِيتِ: وَحَلَّ لِأَهْلِ دَاخِلِهَا دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا (قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ) أَيْ لَوْ أَرَادَ النُّسُكَ فَمِيقَاتُهُ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْبُسْتَانُ، يَعْنِي جَمِيعَ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَالْحَرَمِ كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ الْمَوَاقِيتِ فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ مَا لَمْ يَعُدْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ النَّهْرِ وَاللُّبَابِ، إلَّا إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ أَرَادَ النُّسُكَ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ صَارَ مَكِّيًّا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا لَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ كَخَلِيصٍ وَحِدَةٍ حَلَّ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِلَا إحْرَامٍ، فَإِذَا حَلَّ بِهِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ. فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ (قَوْلُهُ هَذِهِ حِيلَةٌ لِآفَاقِيٍّ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ مُشْكِلَةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ مَا لَمْ يَكُنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَان فِي الْحِلِّ لِحَاجَةٍ، وَإِلَّا فَكُلُّ آفَاقِيٍّ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ لَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ دُخُولَ الْحِلِّ وَقَدَّمْنَا أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَاجَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ وَإِنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُهَا بِلَا إحْرَامٍ إذَا بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ دُخُولُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ وَمُنْلَا مِسْكِينٍ.

(2/582)


(وَ) يَجِبُ (عَلَى مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) لِكُلِّ مَرَّةٍ (حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ) فَلَوْ عَادَ فَأَحْرَمَ بِنُسُكٍ أَجْزَأَهُ عَنْ آخِرِ دُخُولِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (وَصَحَّ مِنْهُ) أَيْ أَجْزَأَهُ عَمَّا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ (لَوْ أَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ) مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ نَذْرٍ أَوْ عُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ لَكِنْ (فِي عَامِهِ ذَلِكَ) لِتَدَارُكِهِ الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ (لَا بَعْدَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ لِسُقُوطِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَقْصِدَ دُخُولَ الْحِلِّ فَقَطْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ دُخُولَهَا أَيْ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْبُسْتَانَ، وَكَذَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي اللُّبَابِ: وَمَنْ جَاوَزَ وَقْتَهُ يَقْصِدُ مَكَانًا مِنْ الْحِلِّ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَقَوْلُهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَيْ ظَهَرَ وَحَدَثَ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ لِأَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ لَمْ يَبْدُ لَهُ بَلْ هُوَ مَقْصُودُهُ الْأَصْلِيُّ، وَقَدْ أَشَارَ فِي الْبَحْرِ إلَى هَذَا الْإِشْكَالِ وَأَشَارَ إلَى جَوَابِهِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْبُسْتَانَ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ: أَيْ بِأَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ الْمَقْصُودُ لِأَجْلِ الْبُسْتَانِ لَا لِأَجْلِ دُخُولِهِ مَكَّةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَجَابَ أَيْضًا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِقَوْلِهِ وَالْوَجْهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْبُسْتَانَ قَصْدًا أَوَّلِيًّا، وَلَا يَضُرُّهُ دُخُولُ الْحَرَمِ بَعْدَهُ قَصْدًا ضِمْنِيًّا أَوْ عَارِضِيًّا، كَمَا إذَا قَصَدَ هِنْدِيٌّ جُدَّةَ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ أَوَّلًا وَيَكُونُ فِي خَاطِرِهِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ ثَانِيًا، بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ مِنْ الْهِنْدِ بِقَصْدِ الْحَجِّ أَوَّلًا وَيَقْصِدُ دُخُولَ جُدَّةَ تَبَعًا وَلَوْ قَصَدَ بَيْعًا وَشِرَاءً. اهـ.
وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ جَوَابِ الْبَحْرِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ سَفَرِهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْحِلِّ وَيَكُونُ دُخُولُ مَكَّةَ تَبَعًا، لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ ثُمَّ بَدَا لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهَا عَارِضًا غَيْرَ مَقْصُودٍ لَا أَصَالَةً وَلَا تَبَعًا، بَلْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ دُخُولَ الْحِلِّ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ جَوَابِ الْبَحْرِ وَكَلَامِ الْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ الْحِيلَةُ لِآفَاقِيٍّ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَصْدُهُ دُخُولَ الْحِلِّ فَقَطْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى حِيلَةٍ إذَا بَدَا لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ، عَلَى أَنَّ هَذَا أَيْضًا فِيمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ غَيْرِ النُّسُكِ؛ أَمَّا لَوْ أَرَادَ النُّسُكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُهَا بِلَا إحْرَامٍ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحِلِّ فَمِيقَاتُهُ مِيقَاتُهُمْ وَهُوَ الْحِلُّ كَمَا مَرَّ مِرَارًا، فَكَيْفَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِأَجْلِ الْحَجِّ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ) أَيْ وَالْحَرَمَ سَوَاءٌ قَصَدَ التِّجَارَةَ أَوْ النُّسُكَ أَمْ غَيْرَهُمَا كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ السَّابِقَةُ وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ شَرْحًا وَمَتْنًا قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَلَوْ عَادَ) أَيْ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ يُجْزِئُهُ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ الْحَرَمُ لِلْحَجِّ وَالْحِلُّ لِلْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا. اهـ. وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّ تَحَوُّلَ السَّنَةِ غَيْرُ قَيْدٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ لِأَجْلِ سُقُوطِ الدَّمِ لَا لِلْإِجْزَاءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ أَمْرَانِ: الدَّمُ وَالنُّسُكُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ عَنْ آخِرِ دُخُولِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا بَقِيَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ عُلِّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَصَحَّ مِنْهُ إلَخْ) أَيْ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَلَزِمَهُ بِذَلِكَ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فَخَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَمَّا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَامِ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَخْ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدُّخُولِ، فَإِنَّهُ قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ عَادَ إلَخْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَنَوَى نُسُكًا نَفْلًا يَقَعُ وَاجِبًا عَمَّا عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ، وَلَا يَكُونُ نَفْلًا لِأَنَّهُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَاهُ نَفْلًا قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا لِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ بَعْدُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلَ الْحَجِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ عَامِ الدُّخُولِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ تَلَافَى

(2/583)


لِصَيْرُورَتِهِ دَيْنًا بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ (جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) بِلَا إحْرَامٍ (فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا مَضَى وَقَضَى وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) لِتَرْكِ الْوَقْتِ لِجَبْرِهِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ

(مَكِّيٌّ) وَمَنْ بِحُكْمِهِ (طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَلَوْ شَوْطًا) أَيْ أَقَلَّ أَشْوَاطِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ إذَا أَتَاهُ: أَيْ الْمِيقَاتَ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ مَقْصُودٍ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ، فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي. اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا دَيْنًا يُقْضَى، فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدَّى هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ كَمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ فَنَوَى مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ، وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا نَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدِ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. اهـ.
وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِصَيْرُورَتِهِ) أَيْ الْمَتْرُوكِ دَيْنًا، وَعَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ بَحْثِ الْفَتْحِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ الْعُمْرَةُ الْوَاجِبَةُ بِدُخُولِ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْعُمْرَةِ الْمَنْذُورَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَالْمَنْذُورَةِ فِي الْأُولَى لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا لِعَدَمِ تَوَقُّتِهَا بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الْحَجِّ. وَأَجَابَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ إلَى أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ، فَإِذَا أَخَّرَهَا إلَيْهَا صَارَ كَالْمُفَوِّتِ لَهَا فَصَارَتْ دَيْنًا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ فِعْلُهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَا بَعْدَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) يُعْلَمُ مِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْوَقْتِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَكَانِهِ أَيْ لِتَرْكِ إحْرَامِهِ فِي الْمِيقَاتِ (قَوْلُهُ لِجَبْرِهِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إلَخْ وَضَمِيرُ مِنْهُ لِلْوَقْتِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي سُقُوطِ الدَّمِ مِنْ إحْرَامِهِ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ الْمَكِّيِّ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ أَيْضًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ.

(قَوْلُهُ مَكِّيٌّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ، وَهُوَ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ جِنَايَةٌ دُونَ الْآفَاقِيِّ إلَّا فِي إضَافَةِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَبِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ ذَكَرَهُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَبِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي جَعَلَ لَهُ فِي الْكَنْزِ بَابًا عَلَى حِدَةٍ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَهُ أَرْبَعَةٌ: إدْخَالُ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَالْحَجِّ عَلَى مِثْلِهِ، وَالْعُمْرَةِ عَلَى مِثْلِهَا، وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ؛ قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ أَدْخَلَ فِي الْجِنَايَةِ، وَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ بِهِ الدَّمُ بِحَالٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِيَ مُقَدِّمًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ لِقُوَّةِ حَالِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا هُوَ فَرْضٌ، ثُمَّ الثَّالِثَ عَلَى الرَّابِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِي الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ بِحُكْمِهِ) أَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكِّيِّ غَيْرُ الْآفَاقِيِّ، فَشَمِلَ كُلَّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ مِنْ الْحِلِّيِّ وَالْحَرَمِيِّ فَافْهَمْ، فَالِاحْتِرَازُ بِالْمَكِّيِّ عَنْ الْآفَاقِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَضَافَ بَعْدَ فِعْلِ الْأَقَلِّ كَانَ قَارِنًا وَإِلَّا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا مَرَّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ أَقَلَّ أَشْوَاطِهَا) يُفِيدُ أَنَّ الشَّوْطَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ: وَلَوْ طَافَ الْأَكْثَرَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَجِّ، فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَارَ جَامِعًا مِنْ وَجْهٍ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا قَيْدٌ بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَطَافَ لَهُ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ رَفَضَهَا اتِّفَاقًا، وَبِكَوْنِهِ طَافَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطُفْ رَفَضَهَا أَيْضًا اتِّفَاقًا، وَبِالْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْأَكْثَرِ رَفَضَهُ أَيْ الْحَجَّ اتِّفَاقًا. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا،

(2/584)


(فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ) وُجُوبًا بِالْحَلْقِ لِنَهْيِ الْمَكِّيِّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَجْلِ (الرَّفْضِ وَحَجٌّ وَعُمْرَةٌ) لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ، حَتَّى لَوْ حَجَّ فِي سَنَتِهِ سَقَطَتْ الْعُمْرَةُ، وَلَوْ رَفَضَهَا قَضَاهَا فَقَطْ (فَلَوْ أَتَمَّهَا صَحَّ) وَأَسَاءَ (وَذَبَحَ) وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ، وَفِي الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَجَعَلَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ رَفَضَهُ) أَيْ تَرَكَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَضَرَبَ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَهَذَا: أَيْ رَفْضُ الْحَجِّ أَوْلَى عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا الْأَوْلَى رَفْضُ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا. وَلَهُ أَنَّ إحْرَامَهَا تَأَكَّدَ بِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا، وَرَفْضُ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ أَيْسَرُ وَلِأَنَّ فِي رَفْضِهَا إبْطَالَ الْعَمَلِ وَفِي رَفْضِهِ امْتِنَاعًا عَنْهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وُجُوبًا) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رَفْضَ الْحَجِّ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ اهـ أَيْ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ رَفْضُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ بِالْحَلْقِ) أَيْ مَثَلًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا يَكُونُ رَافِضًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّفْضُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَحْلِقَ مَثَلًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَلَا يَكْفِي بِالْقَوْلِ أَوْ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ تَحَلُّلًا وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. اهـ.
قُلْت: وَفِي اللُّبَابِ: كُلُّ مَنْ عَلَيْهِ الرَّفْضُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الرَّفْضِ إلَّا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ أَوْ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ قَبْلَ السَّعْيِ لِلْأُولَى، فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تُرْتَفَضُ إحْدَاهُمَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ رَفْضٍ، لَكِنْ إمَّا بِالسَّيْرِ إلَى مَكَّةَ أَوْ الشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِ أَحَدِهِمَا اهـ.
فَعُلِمَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ مَعَ نِيَّةِ الرَّفْضِ بِهِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَائِلَ الْجِنَايَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ بَقِيَ مُحْرِمًا مِنْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَصَنَعَ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسٍ وَحَلْقٍ وَنَحْوِهِمَا لَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَأَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالرَّفْضِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْحَلْقِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ لِئَلَّا يَكُونَ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ) وَحُكْمُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ ط (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَجَّ) غَايَةٌ لِلتَّعْلِيلِ الْمُفِيدِ أَنَّهُ قَضَاهُ فِي غَيْرِ عَامِهِ ط (قَوْلُهُ سَقَطَتْ الْعُمْرَةُ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ بَلْ كَالْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ط وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَفَضَهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ الَّتِي طَافَ لَهَا وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ (قَوْلُهُ قَضَاهَا) أَيْ وَلَوْ فِي ذَلِكَ الْعَامِ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْعُمْرَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ، أَفَادَهُ صَاحِبُ الْهِنْدِيَّةِ ط (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ نَفْيَ الدَّمِ. لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ: وَعَلَيْهِ دَمٌ بِالرَّفْضِ أَيُّهُمَا رَفَضَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ صَحَّ) لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَأَسَاءَ) أَيْ مَعَ الْإِثْمِ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ مَنْهِيٌّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ، وَقَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ وَفَوْقَهَا وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَذَبَحَ) أَيْ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ مِنْ نُسُكِهِ بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَارِنٌ، وَلَوْ أَضَافَ بَعْدَ فِعْلِ الْأَكْثَرِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَمُتَمَتِّعٌ، وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ نَفْيَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ لِمَكِّيٍّ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْحِلِّ كَمَا مَرَّ نَهْرٌ: أَيْ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ.
قُلْت: وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَحْقِيقَ قَوْلٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ أَنَّ تَمَتُّعَ الْمَكِّيِّ بَاطِلٌ وَقِرَانَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَذَكَّرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ) لِأَنَّ كُلَّ دَمٍ يَجِبُ بِسَبَبِ الْجَمْعِ أَوْ الرَّفْضِ، فَهُوَ دَمُ جَبْرٍ وَكَفَّارَةٌ فَلَا يَقُومُ الصَّوْمُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يُطْعِمَهُ غَنِيًّا، بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ،

(2/585)


(وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ) وَحَجَّ (ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِآخَرَ، فَإِنْ) كَانَ قَدْ (حَلَقَ لِلْأَوَّلِ) لَزِمَهُ الْآخَرُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (بِلَا دَمٍ) لِانْتِهَاءِ الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) يَحْلِقُ لِلْأَوَّلِ (فَمَعَ دَمٍ قَصَرَ) عَبَّرَ بِهِ لِيَعُمَّ الْمَرْأَةَ (أَوْ لَا) لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ بِالتَّقْصِيرِ أَوْ التَّأْخِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
شَرْحُ اللُّبَابِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَعْنِي إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى مِثْلِهِ وَالْعُمْرَةِ عَلَى مِثْلِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِحَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا، إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي، أَوْ مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ؛
فَالْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ وَلِذَا أَتَى بِثُمَّ. وَأَمَّا الْأَخِيرَانِ، فَفِي النَّهْرِ يَلْزَمُهُ الْحَجَّتَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَالثَّانِي: لَكِنْ يُرْتَفَضُ أَحَدُهُمَا إذَا تَوَجَّهَ سَائِرًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ الثَّانِي: عَقِبَ صَيْرُورَتِهِ مُحْرِمًا بِلَا مُهْلَةٍ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَنَى قَبْلَ الشُّرُوعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ فِي الْمَعِيَّةِ أَحَدُهُمَا وَفِي التَّعَاقُبِ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَالْعُمْرَتَانِ كَالْحَجَّتَيْنِ. اهـ.
قُلْت: وَأَثَرُ الْخِلَافِ لُزُومُ دَمَيْنِ بِالْجِنَايَةِ عِنْدَهُمَا، وَدَمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّهُ عِنْدَ الثَّانِي يُرْتَفَضُ أَحَدُهُمَا عَقِبَ الْإِحْرَامِ بِلَا مُكْثٍ أَيْ فَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ عِنْدَهُ عَلَى إحْرَامَيْنِ بَلْ عَلَى وَاحِدٍ، فَيَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ دَمٌ وَاحِدٌ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِآخَرَ) قُيِّدَ بِكَوْنِهِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا رَفَضَ الثَّانِيَةَ وَعَلَيْهِ دَمُ الرَّفْضِ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، ثُمَّ عِنْدَ الثَّانِي يُرْتَفَضُ كَمَا مَرَّ، وَعِنْدَ الْأَوَّلِ بِوُقُوفِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ نَهَارًا أَنْ يَرْتَفِضَ بِالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَا بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ سَابِقٌ بَحْرٌ، لَكِنَّ قِيَاسَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ تَبْطُلَ بِالْمَسِيرِ إلَيْهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِحَجِّهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالثَّانِي (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْآخَرُ) أَيْ فَيَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ لِانْتِهَاءِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْحَلْقِ الرَّمْيُ، وَبِذَلِكَ لَا يَصِيرُ جَانِيًا بِالْإِحْرَامِ ثَانِيًا نَهْرٌ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ الثَّانِيَ وَقَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَبَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ لَزِمَهُ دَمُ الْجَمْعِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْأَوَّلَ بَقِيَ فِي حَقِّ حُرْمَةِ النِّسَاءِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْمَانِيُّ؛ لَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْمَتْنِ وَغَيْرِهِ كَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْكَافِي خِلَافُهُ، لِإِطْلَاقِهِمْ نَفْيَ الدَّمِ بَعْدَ الْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا بَعْدَ الطَّوَافِ أَيْضًا، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إنَّ إطْلَاقَهُمْ لَا يُنَافِي تَقْيِيدَ الْكَرْمَانِيِّ اهـ أَيْ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
قُلْت: لَكِنَّ مَا فِي الْكَرْمَانِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ دَمٍ لِلْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ كَإِحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَمَعَ دَمٍ) الْفَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ فَيَلْزَمُهُ الْآخَرُ مَعَ دَمٍ (قَوْلُهُ قَصَرَ أَوْ لَا) أَيْ إذَا لَمْ يَحْلِقْ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ، سَوَاءٌ حَلَقَ عَقِبَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي أَوْ لَا بَلْ أَخَّرَهُ حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَهَذَا عِنْدَهُ، وَهُمَا يَخُصَّانِ الْوُجُوبَ بِمَا إذَا حَلَقَ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ بِالتَّأْخِيرِ شَيْئًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَبَّرَ بِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ غَيْرُ قَيْدٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ لِيَشْمَلَ الْمَرْأَةَ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ عَبَّرَ قَبْلَهُ بِالْحَلْقِ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِبَاكِ، وَهُوَ أَنْ يُصَرِّحَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي الْآخَرِ لِيُفِيدَ إرَادَةَ كُلٍّ مَعَ الِاخْتِصَارِ. وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالتَّقْصِيرِ الْحَلْقُ إذْ التَّقْصِيرُ لَا دَمَ فِيهِ إنَّمَا فِيهِ الصَّدَقَةُ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْجِنَايَاتِ أَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ) أَيْ إحْرَامِ الْحَجَّةِ الثَّانِيَةِ، أَمَّا إحْرَامُ الْحَجَّةِ الْأُولَى فَقَدْ انْتَهَى بِهَذَا التَّقْصِيرِ فَلَا جِنَايَةَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ التَّأْخِيرُ عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ اللَّامِ لَا عَلَى التَّقْصِيرِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَلْقِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ تَرْكُ وَاجِبِ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ عَلَى إحْرَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَأَشَارَ بِجَعْلِ الْعِلَّةِ لِوُجُوبِ الدَّمِ أَحَدَ هَذَيْنِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً كَمَا يَأْتِي.

أَفَادَهُ

(2/586)


(وَمَنْ أَتَى بِعُمْرَةٍ إلَّا الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ذَبَحَ) الْأَصْلُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ لِعُمْرَتَيْنِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا فَيَلْزَمُ الدَّمُ لَا لِحَجَّتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَلْزَمُ

(آفَاقِيٌّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ) أَحْرَمَ (بِعُمْرَةٍ لَزِمَاهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَمَنْ أَتَى بِعُمْرَةٍ إلَّا الْحَلْقَ إلَخْ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَيْ فِي اللُّزُومِ وَالرَّفْضِ وَوَقْتُهُ مِمَّا يُتَصَوَّرُ فِي الْعُمْرَةِ كَمَا فِي اللُّبَابِ. ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ لَهَا شَوْطًا أَوْ كُلَّهُ أَوْ لَمْ يَطُفْ شَيْئًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِأُخْرَى لَزِمَهُ رَفْضُ الثَّانِيَةِ وَقَضَاؤُهَا وَدَمٌ لِلرَّفْضِ؛ وَلَوْ طَافَ وَسَعَى لِلْأُولَى وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْحَلْقُ فَأَهَلَّ بِأُخْرَى لَزِمَتْهُ وَلَا يَرْفُضُهَا وَعَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ، وَإِنْ حَلَقَ لِلْأُولَى قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ، وَلَوْ بَعْدَهُ لَا؛ وَلَوْ أَفْسَدَ الْأُولَى أَيْ بِأَنْ جَامَعَ قَبْلَ طَوَافِهَا فَأَهَلَّ بِالثَّانِيَةِ رَفَضَهَا وَيَمْضِي فِي الْأُولَى، وَلَوْ نَوَى رَفْضَ الْأُولَى وَأَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ لِلثَّانِيَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ وَكَذَا هَذَا فِي الْحَجَّتَيْنِ اهـ.
لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ قَبْلَ السَّعْيِ لِلْأُولَى تُرْتَفَضُ إحْدَاهُمَا بِالشُّرُوعِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ رَفْضٍ؛ فَقَوْلُهُ هُنَا لَزِمَهُ رَفْضُ الثَّانِيَةِ فِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُ الدَّمُ) أَيْ لِجِنَايَةِ الْجَمْعِ وَلَا دَمَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ هُنَا لِأَنَّهُ فِي الْعُمْرَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِالزَّمَانِ كَمَا مَرَّ إلَّا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَيَلْزَمُ دَمٌ آخَرُ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ لَا لِحَجَّتَيْنِ) عَطْفٌ عَلَى الْعُمْرَتَيْنِ؛ وَقَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ أَيْ دَمُ الْجَمْعِ، بَلْ يَلْزَمُ دَمُ التَّأْخِيرِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ أَيْ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامِي حُجِّينِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ بِدْعَةٌ، وَأَفْرَطَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَهُوَ سَهْوٌ، لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِي الْحَجِّ لَا يُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي الْعُمْرَةِ إنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ الْحَجِّ اهـ فَلِذَا فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ دَمًا وَاحِدًا لِلْحَجِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَجِبُ دَمٌ آخَرُ لِلْجَمْعِ اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْأَصْلِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْبَحْرِ.
أَقُولُ: وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْكَافِي: قِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ: أَيْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ سَكَتَ فِي الْجَامِعِ عَنْ إيجَابِ الدَّمِ لِلْجَمْعِ وَمَا نَفَاهُ، وَقِيلَ بَلْ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَقَالُوا: فِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ، وَبِهِ صَرَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ لَيْسَ إلَّا رِوَايَةُ الْوُجُوبِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. اهـ.
وَتَعَقَّبَ ابْنُ الْهُمَامِ مَا فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ كَوْنَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ فِي سَنَةٍ لَا يُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِعْلًا، فَاسْتَوَى الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ.
قُلْت: وَكِتَابُ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْمَبْسُوطُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا فَلِذَا صَحَّحُوا رِوَايَةَ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ فِي أَحَدِهِمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَيَّدَهُ فِي الْآخَرِ، فَلِذَا اسْتَوْجَبَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّةَ إلَّا رِوَايَةُ الْوُجُوبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ سَهْوٌ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْعَتَّابِيُّ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ.

(قَوْلُهُ آفَاقِيٌّ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ لُبَابٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُقَابَلَةُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ طَافَ لَهُ: أَيْ شَرَعَ فِيهِ وَلَوْ قَلِيلًا كَمَا تَعْرِفُهُ قَرِيبًا وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِرَانِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ خِلَافُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ قَارِنًا

(2/587)


وَصَارَ قَارِنًا مُسِيئًا (وَ) لِذَا (بَطَلَتْ) عُمْرَتُهُ (بِالْوُقُوفِ قَبْلَ أَفْعَالِهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُرَتَّبَةً عَلَى الْحَجِّ (لَا بِالتَّوَجُّهِ) إلَى عَرَفَةَ (فَإِنْ طَافَ لَهُ) طَوَافَ الْقُدُومِ (ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا فَمَضَى عَلَيْهِمَا ذَبَحَ) وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ (وَنُدِبَ رَفْضُهَا) لِتَأَكُّدِهِ بِطَوَافِهِ (فَإِنْ رَفَضَ قَضَى) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِمَا (وَأَرَاقَ دَمًا) لِرَفْضِهَا

(حَجَّ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ) أَيَّامٍ (بَعْدَهُ لَزِمَتْهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَكِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ فَيَصِيرُ مُسِيئًا هِدَايَةٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْقِرَانِ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ يُقَدِّمَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ زَيْلَعِيٌّ لَكِنَّ الثَّانِيَ يُسَمَّى تَمَتُّعًا عُرْفًا (قَوْلُهُ وَصَارَ قَارِنًا مُسِيئًا) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَعَلَيْهِ دَمُ شُكْرٍ لِقِلَّةِ إسَاءَتِهِ وَلِعَدَمِ وُجُوبِ رَفْضِ عُمْرَتِهِ. اهـ.
قُلْت: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِعَدَمِ نَدْبِ رَفْضِ عُمْرَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ لَهَا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْحَجِّ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ رَفْضُهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْقِرَانِ (قَوْلُهُ وَلِذَا بَطَلَتْ عُمْرَتُهُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَخْ لِأَنَّ كَوْنَهُ صَارَ قَارِنًا مُسِيئًا مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ الْعُمْرَةِ لَمْ تُشْرَعْ مُرَتَّبَةً عَلَى الْحَجِّ، وَبُطْلَانُ عُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ مُفَرَّعٌ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالْوُقُوفِ) أَيْ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَقِفْ بِهَا بَعْدُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا زَيْلَعِيٌّ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَلَمْ يَأْتِ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِهَا حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ، فَالْإِتْيَانُ بِالْأَقَلِّ كَالْعَدَمِ بَحْرٌ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ أَفْعَالِهَا أَكْثَرُ أَشْوَاطِهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ طَافَ لَهُ) أَيْ لِلْحَجِّ وَلَوْ شَوْطًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْقِرَانِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ شَيْئًا مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ فَهُوَ قَارِنٌ مُسِيءٌ وَعَلَيْهِ دَمُ شُكْرٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِيهِ وَلَوْ قَلِيلًا فَهُوَ أَكْثَرُ إسَاءَةً وَعَلَيْهِ دَمٌ اهـ وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ عَنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ دَمُ شُكْرٍ أَيْ اتِّفَاقًا وَالثَّانِيَ دَمُ جَبْرٍ أَوْ شُكْرٍ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي وَفِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّوَافِ فِيهِمَا الشُّرُوعُ فِيهِ وَلَوْ شَوْطًا فَافْهَمْ.
وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْأَقَلَّ كَالْعَدَمِ فَذَاكَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَالْكَلَامُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَمَضَى عَلَيْهِمَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُضِيِّ عَلَيْهَا أَنْ يُقَدِّمَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ قَارِنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ أَخَّرَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى طَوَافِ الْحَجِّ أَيْ طَوَافِ الْقُدُومِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ) أَيْ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَدَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ زَيْلَعِيٌّ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَ الثَّانِيَ فِي الْفَتْحِ وَقَوَّاهُ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ بَحْرٌ. قُلْت: وَكَذَا اخْتَارَهُ فِي اللُّبَابِ، وَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِقِيلَ (قَوْلُهُ لِتَأَكُّدِهِ بِطَوَافِهِ) أَيْ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ قَدْ تَأَكَّدَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ هِدَايَةٌ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ رَفْضُهَا لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ إلَّا الْإِحْرَامَ، وَلَا تَرْتِيبَ فِيهِ، أَمَّا هُنَا فَقَدْ فَاتَهُ التَّرْتِيبُ مِنْ وَجْهٍ لِتَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الرَّفْضُ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَيْسَ بِرُكْنِ الْحَجِّ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ قَضَى) أَيْ الْعُمْرَةَ، وَقَوْلُهُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ: أَيْ وَهِيَ مِمَّا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ط.

(قَوْلُهُ حَجَّ إلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ قَبْلَهُ، وَهَذَا فِيمَا لَوْ أَدْخَلَهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ بَعْدَهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا أَفَادَهُ فِي اللُّبَابِ وَصَرَّحَ فِيهِ

(2/588)


بِالشُّرُوعِ، لَكِنْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ (وَرُفِضَتْ) وُجُوبًا تَخَلُّصًا مِنْ الْإِثْمِ (وَقُضِيَتْ مَعَ دَمٍ) لِلرَّفْضِ (وَإِنْ مَضَى) عَلَيْهَا (صَحَّ وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِارْتِكَابِ الْكَرَاهَةِ فَهُوَ دَمُ جَبْرٍ (فَائِتُ الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ بِهِ أَوْ بِهَا وَجَبَ الرَّفْضُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ لِحَجَّتَيْنِ أَوْ لِعُمْرَتَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ (وَ) لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ بَقِيَ فِي إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ (يَتَحَلَّلَ) عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ (بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِنًا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بِالشُّرُوعِ) لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهَا مُلْزِمٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَرُفِضَتْ) حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَرْفُضُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ بِرَفْضِهَا احْتِرَازًا عَنْ النَّهْيِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَشَايِخُنَا عَلَى هَذَا اهـ: أَيْ عَلَى وُجُوبِ الرَّفْضِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ مِنْ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسَنَةِ الْمَبِيتِ. وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَيَكُونُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَارِنٌ مُسِيءٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صَحَّ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِارْتِكَابِ الْكَرَاهَةِ) أَيْ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا إمَّا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي الْأَعْمَالِ الْبَاقِيَةِ هِدَايَةٌ: أَيْ فِي الْإِحْرَامِ إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَفِي الْأَعْمَالِ إنْ أَحْرَمَ بَعْدَهُ مِعْرَاجٌ وَيَلْزَمُ مِنْ الْأَوَّلِ الثَّانِي بِلَا عَكْسٍ.
[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بَعْدَ تَقْرِيرِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ يَعْتَمِرُونَ قَبْلَ أَنْ يَسْعَوْا لِحَجِّهِمْ. اهـ.
أَيْ فَيَلْزَمُهُمْ دَمُ الرَّفْضِ أَوْ دَمُ الْجَمْعِ لَكِنَّ مُقْتَضَى تَقْيِيدِهِمْ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يَلْزَمُ الدَّمُ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا عَلِمْته مِنْ تَعْلِيلِ الْهِدَايَةِ فَالسَّعْيُ وَإِنْ جَازَ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ، لَكِنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَعْمَالِ الْحَجِّ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْكَرَاهَةِ وَلُزُومِ الرَّفْضِ هِيَ الْجَمْعُ أَوْ وُقُوعُ الْإِحْرَامِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ كَفَى لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ هِيَ أَيَّامُ أَدَاءِ بَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ قَيَّدُوا بِهَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ؛ وَكَذَا قَوْلُهُ فِيهَا مُعَلِّلًا لِلُزُومِ الرَّفْضِ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ رَفْضُهَا اهـ فَنَقُولُهُ وقَدْ كُرِهَتْ إلَخْ بَيَانٌ لِلْعِلَّةِ الْأُخْرَى وَلَمَّا لَمْ يَأْتِ بِهَا عَلَى طَرِيقِ التَّعْلِيلِ كَمَا أَتَى بِمَا قَبْلَهَا صُرِّحَ بِكَوْنِهَا عِلَّةً أَيْضًا بِقَوْلِهِ فَلِذَا يَلْزَمُهُ رَفْضُهَا (قَوْلُهُ فَائِتُ الْحَجِّ إلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ أَيْضًا وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَاتَهُ فَإِنَّ الْحَجَّ بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ الْجَمْعِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ (قَوْلُهُ بِهِ أَوْ بِهَا) أَيْ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ حَاجٌّ إحْرَامًا لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ بَاقٍ وَمُعْتَمِرٌ أَدَاءً لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا وَهُوَ بِدْعَةٌ فَيَرْفُضُهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ أَفْعَالًا وَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا فَيَرْفُضُهَا، كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا أَمْرَيْنِ.
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ بِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ إحْرَامَيْنِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ اللَّازِمَ مِنْ الْإِحْرَامِ بِعُمْرَةٍ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ أَفْعَالًا لَا إحْرَامًا إذَا لَمْ يَنْقَلِبْ إحْرَامُ الْحَجِّ إحْرَامَ عُمْرَةٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَتَيْنِ مَكْرُوهٌ دُونَ الْحَجَّتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ مَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ الْمَكْرُوهُ، وَالْمَشْرُوعُ بِخِلَافِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَلَى الْكَيْدَانِيَّةِ.

(2/589)


بَعْدَهُ (يَقْضِي) مَا أَحْرَمَ بِهِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ (وَيَذْبَحُ) لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ بِالرَّفْضِ