رد
المحتار على الدر المختار بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ
يَشْمَلُ الْمُشْرِكَ وَالْكِتَابِيَّ. وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ أُصُولٍ:
الْأَوَّلُ أَنَّ (كُلَّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ
صَحِيحٌ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَيَرُدُّهُ قَوْله
تَعَالَى - {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]- وَقَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ
سِفَاحٍ»
(وَ) الثَّانِي أَنَّ (كُلَّ نِكَاحٍ حَرُمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
لِفَقْدِ شَرْطِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
صَرَّحَ بِالْبَيْعِ فَقَالَ بِعْتُكَهُ وَأَعْتَقْته لَا يَقَعُ عَنْ
الْآمِرِ بَلْ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ ضِمْنًا فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَثْبُتُ صَرِيحًا كَبَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي
الْأَرْحَامِ فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ ثَبَتَ بِشَرْطِ نَفْسِهِ وَالْبَيْعُ
لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَعْتِقُ عَنْ نَفْسِهِ
اهـ أَيْ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ
وَمُفَادُهُ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ح.
(قَوْلُهُ لَوْ قَالَ) أَيْ الْآمِرُ، وَالْأَوْلَى التَّصْرِيحُ بِهِ
وَالْإِتْيَانُ بَعْدَهُ بِضَمِيرِهِ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ الْمَهْرُ)
لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ عَلَى عَبْدِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا يَفْسُدُ)
أَيْ النِّكَاحُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ]
لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي نِكَاحِ الْكُفَّارِ وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ
بَابِ الْمَهْرِ حُكْمُ مَهْرِ الْكَافِرِ، وَأَنَّهُ تَثْبُتُ بَقِيَّةُ
أَحْكَامِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ: مِنْ وُجُوبِ
النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا:
كَعِدَّةٍ وَنَسَبٍ، وَخِيَارِ بُلُوغٍ، وَتَوَارُثٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ،
وَحُرْمَةِ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا وَنِكَاحِ مَحَارِمَ (قَوْلُهُ يَشْمَلُ
الْمُشْرِكَ وَالْكِتَابِيَّ) لَوْ قَالَ يَشْمَلُ الْكِتَابِيَّ
وَغَيْرَهُ لَكَانَ أَوْلَى، لِيَدْخُلَ مَنْ لَيْسَ بِمُشْرِكٍ وَلَا
كِتَابِيٍّ كَالدَّهْرِيِّ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ
بِالْكَافِرِ لِشُمُولِهِ الْكِتَابِيَّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ
الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ بِالْمُشْرِكِ. اهـ. ح وَاعْتَذَرَ
فِي الْفَتْحِ عَنْ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُشْرِكِ مَا
يَشْمَلُ الْكِتَابِيَّ إمَّا تَغْلِيبًا أَوْ ذَهَابًا إلَى مَا
اخْتَارَهُ الْبَعْضُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ دَاخِلُونَ فِي
الْمُشْرِكِينَ، أَوْ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عُزَيْرٌ
ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ رَبُّ
الْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ.
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ) فَلَا يَقُولُ بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ
وَلَوْ صَحَّتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَخَذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا
يَقُولُ بِالْأَصْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ
وَيَرُدُّهُ) أَيْ قَوْلَ مَالِكٍ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ خِلَافًا
لِمَالِكٍ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ ط
(قَوْلُهُ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) أَيْ فَهَذِهِ الْإِضَافَةُ
قَاضِيَةٌ عُرْفًا وَلُغَةً بِالنِّكَاحِ، وَقَدْ قَصَّهَا اللَّهُ
تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مُفِيدَةً لِهَذَا الْمَعْنَى ط (قَوْلُهُ «وُلِدْت
مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» ) أَيْ لَا مِنْ زِنًا، وَالْمُرَادُ بِهِ
نَفْيُ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ
تُسَافِحُ رَجُلًا مُدَّةً ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، وَقَدْ اسْتَدَلَّ
بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى مَا وُجِدَ قَبْلَ
الْإِسْلَامِ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ نِكَاحًا.
مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَبَوَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلِ الْفَتْرَةِ
وَلَا يُقَالُ: إنَّ فِيهِ إسَاءَةَ أَدَبٍ لِاقْتِضَائِهِ كُفْرَ
الْأَبَوَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُمَا
لَهُ وَآمَنَا بِهِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ. لِأَنَّا نَقُولُ:
إنَّ الْحَدِيثَ أَعَمُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي
نُعَيْمٍ وَابْنِ عَسَاكِرَ «خَرَجْت مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ
سِفَاحٍ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي لَمْ
يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ» وَإِحْيَاءُ الْأَبَوَيْنِ
بَعْدَ مَوْتِهِمَا لَا يُنَافِي كَوْنَ النِّكَاحِ كَانَ فِي زَمَنِ
الْكُفْرِ.
وَلَا يُنَافِي أَيْضًا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ
مِنْ أَنَّ وَالِدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَا
عَلَى الْكُفْرِ، وَلَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «اسْتَأْذَنْت رَبِّي
أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي» وَمَا فِيهِ أَيْضًا
(3/184)
لِعَدَمِ شُهُودٍ (يَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ
إذَا اعْتَقَدُوهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَيُقَرُّونَ عَلَيْهِ بَعْدَ
الْإِسْلَامِ.)
(وَ) الثَّالِثُ (أَنَّ) (كُلَّ نِكَاحٍ حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ)
كَمَحَارِمَ (يَقَعُ جَائِزًا) . (وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: لَا) بَلْ
فَاسِدًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
«أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي
النَّارِ، فَلَمَّا قَفَّا دَعَاهُ إنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّارِ»
لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَوْنُ الْإِيمَانِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ غَيْرُ
نَافِعٍ فَكَيْفَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَذَاكَ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ
الَّتِي أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى نَجَاتِهِمَا بِأَنَّهُمَا
مَاتَا فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِ الْأَشَاعِرَةِ
أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى يَمُوتُ نَاجِيًا، أَمَّا
الْمَاتُرِيدِيَّةُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ
فِيهَا التَّأَمُّلُ وَلَمْ يَعْتَقِدْ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا فَلَا
عِقَابَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَ كُفْرًا أَوْ مَاتَ بَعْدَ
الْمُدَّةِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ شَيْئًا.
نَعَمْ الْبُخَارِيُّونَ مِنْ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَافَقُوا
الْأَشَاعِرَةَ، وَحَمَلُوا قَوْلَ الْإِمَامِ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي
الْجَهْلِ بِخَالِقِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ، وَاخْتَارَهُ
الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ، لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ
مَنْ مَاتَ مُعْتَقِدًا لِلْكُفْرِ، فَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ
وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ مُشْرِكًا
فَهُوَ فِي النَّارِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مَا صَحَّ
مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي تَعْذِيبِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ
يُشْرِكْ مِنْهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ بَلْ بَقِيَ عُمُرُهُ فِي غَفْلَةٍ مِنْ
هَذَا كُلِّهِ فَفِيهِمْ الْخِلَافُ، وَبِخِلَافِ مَنْ اهْتَدَى مِنْهُمْ
بِعَقْلِهِ كَقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ
فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاتِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَالظَّنُّ فِي كَرَمِ
اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، بَلْ قِيلَ إنَّ آبَاءَهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُمْ مُوَحِّدُونَ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] لَكِنْ رَدَّهُ
أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّافِضَةِ وَمَعْنَى
الْآيَةِ وَتَرَدُّدُك فِي تَصَفُّحِ أَحْوَالِ الْمُتَهَجِّدِينَ
فَافْهَمْ.
وَبِالْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّهُ لَا
يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَعَ مَزِيدِ الْأَدَبِ.
وَلَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَضُرُّ جَهْلُهَا أَوْ يُسْأَلُ
عَنْهَا فِي الْقَبْرِ أَوْ فِي الْمَوْقِفِ، فَحِفْظُ اللِّسَانِ عَنْ
التَّكَلُّمِ فِيهَا إلَّا بِخَيْرٍ أَوْلَى وَأَسْلَمُ، وَسَيَأْتِي
زِيَادَةُ كَلَامٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ
قَوْلِهِ وَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ
(قَوْلُهُ كَعَدَمِ شُهُودٍ) وَعِدَّةٌ مِنْ كَافِرٍ (قَوْلُهُ عِنْدَ
الْإِمَامِ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ.
وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ فِي النِّكَاحِ
بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَمَعَ زُفَرَ فِي النِّكَاحِ فِي عِدَّةِ الْكَافِرِ ح.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا
يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ
بِحُقُوقِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ
لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ
لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الْكَافِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ
أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ
لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ إذَا
أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَقِيلَ
تَجِبُ، لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ،
فَيَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ وَالنَّسَبُ. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ
كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَمِثْلُهُ فِي
الْعِنَايَةِ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْلَى وَلَكِنْ مَنَعَ
عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا ذَلِكَ عَنْ
الْإِمَامِ بَلْ فَرَّعُوهُ عَلَى قَوْلِهِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ بِنَاءً
عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا
وَبِثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ مَنْ لَهُ الْوَلَدُ
بِطَرِيقٍ آخَرَ وَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ عَنْ فِرَاشٍ
صَحِيحٍ، وَمَجِيئُهَا بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ
الطَّلَاقِ مِمَّا يُفِيدُ ذَلِكَ. اهـ.
وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ
الْمَذْكُورَ فِي الْمُحِيطِ وَالزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ
النَّسَبُ قَالَ: وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ
بِأَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ لَمْ يَدَّعِ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرُوهُ
بَلْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَازَعَهُمْ فِي التَّخْرِيجِ
وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ الْعِدَّةِ عَدَمُ ثُبُوتِ
النَّسَبِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ) أَيْ مَحَلِّ الْعَقْدِ وَهُوَ
الزَّوْجَةُ، بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحَلٍّ لَهُ أَصْلًا، فَإِنَّ
الْمَحْرَمِيَّةَ مُنَافِيَةٌ لَهُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، بِخِلَافِ عَدَمِ
الشُّهُودِ وَالْعِدَّةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَحَارِمَ)
وَكَمُطَلَّقَةٍ ثَلَاثٍ وَمُعْتَدَّةِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ بَلْ فَاسِدًا)
أَفَادَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ مَعَ
(3/185)
وَعَلَيْهِ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَيُحَدُّ
قَاذِفُهُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَتَوَارَثُونَ لِأَنَّ
الْإِرْثَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي النِّكَاحِ
الصَّحِيحِ مُطْلَقًا فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ.
(أَسْلَمَ الْمُتَزَوِّجَانِ بِلَا) سَمَاعِ (شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ
كَافِرٍ مُعْتَقِدَيْنِ ذَلِكَ) (أُقِرَّا عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَمَرَنَا
بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ (وَلَوْ) (كَانَا) أَيْ
الْمُتَزَوِّجَانِ اللَّذَانِ أَسْلَمَا (مُحَرَّمَيْنِ أَوْ أَسْلَمَ
أَحَدُ الْمُحَرَّمَيْنِ أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا وَهُمَا عَلَى
الْكُفْرِ) (فَرَّقَ) الْقَاضِي أَوْ الَّذِي حَكَمَاهُ (بَيْنَهُمَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَدَمِ التَّعَرُّضِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ
وَالْمُرَافَعَةِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ
مِنْ وُقُوعِهِ جَائِزًا تَجِبُ النَّفَقَةُ إذَا طَلَبَتْهَا، وَإِذَا
دَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ يُحَدُّ كَمَا فِي
الْبَحْرِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ فَاسِدًا لَا تَجِبُ
وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَلَا
يَكُونُ مُحْصَنًا (قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ
إنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ يَنْبَغِي ثُبُوتُ الْإِرْثِ أَيْضًا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ ثُبُوتِ الْإِرْثِ لِأَحَدِ
الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَجْنَبِيَّانِ، لَكِنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ
عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مُطْلَقًا أَيْ مَا
يُسَمَّى صَحِيحًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالنِّكَاحِ الْمُعْتَبَرِ
شَرْعًا.
وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَيُسَمَّى صَحِيحًا لَا مُطْلَقًا بَلْ
بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُفَّارِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ.
قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ مَا فَقَدَ شَرْطَهُ لَيْسَ صَحِيحًا عِنْدَ
الْإِطْلَاقِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ التَّوَارُثُ كَمَا
سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، حَيْثُ قَالَ
مَعْزِيًّا لِلْجَوْهَرَةِ: وَكُلُّ نِكَاحٍ لَوْ أَسْلَمَا يُقَرَّانِ
عَلَيْهِ يَتَوَارَثَانِ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا. قَالَ وَصَحَّحَهُ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ اهـ تَأَمَّلْ ثُمَّ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ تَبَعًا
لِلْبَدَائِعِ نَظَرٌ، فَقَدْ جَرَى الْقُهُسْتَانِيُّ عَلَى ثُبُوتِ
الْإِرْثِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ كَمَا سَمِعْت وَكَذَا قَالَ فِي
سَكْبِ الْأَنْهُرِ، وَلَا يَتَوَارَثُونَ بِنِكَاحٍ لَا يُقَرَّانِ
عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ اهـ
(قَوْلُهُ أَسْلَمَ الْمُتَزَوِّجَانِ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ تَرَافَعَا
إلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ أُقَرَّا عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ
لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ) احْتَرَزَ عَنْ عِدَّةِ مُسْلِمٍ
كَمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ، وَقَيَّدَ فِي الْهِدَايَةِ
الْإِسْلَامَ وَالْمُرَافَعَةَ بِمَا إذَا كَانَا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ.
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَأَمَّا إذَا كَانَا بَعْدَ انْقِضَاءِ
الْعِدَّةِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ
مُعْتَقِدَيْنِ ذَلِكَ) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا عِنْدَهُمْ يُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيَجِبُ التَّجْدِيدُ
بَحْرٌ. وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ أَنَّ الشَّرْطَ
جَوَازُهُ فِي دِينِ الزَّوْجِ خَاصَّةً. اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الَّذِي
طَلَّقَهَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ، فَإِذَا
كَانَ لَا يَعْتَقِدُهَا لَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ
كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْهِدَايَةِ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أُقِرَّا عَلَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا
فِيمَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ فِي
الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: إذَا أَسْلَمَا وَالْعِدَّةُ
مُنْقَضِيَةٌ لَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّا أُمِرْنَا
بِتَرْكِهِمْ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا
تَرَافَعَا وَهُمَا كَافِرَانِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَالْعِلَّةُ
مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ حَالَةَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ
حَالَةُ الْبَقَاءِ وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا.
وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ
بِشُبْهَةٍ. اهـ. ط. أَيْ فَإِنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ تَجِبُ
الْعِدَّةُ عَلَيْهَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا وَتَحْرُمُ
عَلَيْهِ فَتْحٌ: أَيْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
(قَوْلُهُ مُحَرَّمَيْنِ) بِأَنْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ أَوْ
بِنْتَه، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ جَمَعَ
بَيْنَ خَمْسٍ أَوْ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ
أَحَدُهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا فَتْحٌ، وَكَذَا قَالَ فِي
النَّهْرِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْمَحْرَمِيَّةِ، بَلْ
كَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا إلَخْ ثُمَّ قَيَّدْنَا
بِكَوْنِهِ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهُنَّ
عَلَى التَّعَاقُبِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَامِسَةِ فَقَطْ، وَلَوْ
تَزَوَّجَ وَاحِدَةً ثُمَّ أَرْبَعًا جَازَ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ لَا
غَيْرُ، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا فَارَقَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ أُقِرَّا
عَلَيْهِ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَرَّقَ الْقَاضِي) أَمَّا
عَلَى قَوْلِهِمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ لَهَا
(3/186)
لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ (وَبِمُرَافَعَةِ
أَحَدِهِمَا لَا) يُفَرَّقُ لِبَقَاءِ حَقِّ الْآخَرِ، بِخِلَافِ
إسْلَامِهِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى (إلَّا إذَا
طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَطَلَبَتْ التَّفْرِيقَ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا) إجْمَاعًا
(كَمَا لَوْ) (خَالَعَهَا ثُمَّ أَقَامَ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ أَوْ
تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ) أَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ
زَوْجٍ آخَرَ وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ
الثَّلَاثَةِ يُفَرَّقُ مِنْ غَيْرِ مُرَافَعَةٍ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ
فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الْأَصَحِّ حَتَّى
تَجِبَ النَّفَقَةُ وَيُحَدَّ قَاذِفُهُ إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ
وَمَا مَعَهَا تُنَافِي الْبَقَاءَ كَمَا تُنَافِي الِابْتِدَاءَ بِخِلَافِ
الْعِدَّةِ نَهْرٌ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ قَالَ
الْبُرْجَنْدِيُّ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقَعُ
الْبَيْنُونَةُ بِالْإِسْلَامِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: تَبِينُ بِدُونِ
تَفْرِيقِ الْقَاضِي، ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ
الْمَحَلِّيَّةِ) أَيْ مَحَلِّيَّةِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَمَا مَعَهَا
لِعَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَهَذَا تَعْلِيلٌ عَلَى
قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا
لَا يُفَرَّقُ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا
تَرَافَعَا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ أَيْضًا.
لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ الْقَاضِي
كَالْمُحَكِّمِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ حَقِّ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ
يَرْضَ بِحُكْمِنَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إسْلَامِهِ) أَيْ إسْلَامِ
أَحَدِهِمَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بِمُرَافَعَةِ
أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَمَا يُفَرَّقُ بِإِسْلَامِهِ. وَبَيَانُ الْجَوَابِ
عَلَى قَوْلِهِ بِالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا
ظَهَرَتْ حُرْمَةُ الْآخَرِ لِتَغَيُّرِ اعْتِقَادِهِ وَاعْتِقَادُ
الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ
يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، بِخِلَافِ مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ
فَإِنَّهُ لَا أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ ط (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقٍّ
عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ قَاطِعَةٌ لِمِلْكِ
النِّكَاحِ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا بَحْرٌ
قُلْت: لَكِنَّ الْمَشْهُورَ الْآنَ مِنْ اعْتِقَادِ أَهْلِ الذِّمَّةِ
أَنَّهُ لَا طَلَاقَ عِنْدَهُمْ، وَلَعَلَّهُ مِمَّا غَيَّرَهُ مِنْ
شَرَائِعِهِمْ
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا) تَشْبِيهٌ فِي مُطْلَقِ تَفْرِيقٍ لَا
بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَعْدَ مُرَافَعَةِ، لِقَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدُ
فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يُفَرَّقُ مِنْ غَيْرِ مُرَافَعَةٍ ط
(قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ
وَالذِّمِّيُّ يَعْتَقِدُ كَوْنَ الطَّلَاقِ مُزِيلًا لِلنِّكَاحِ
وَالْوَطْءُ بَعْدَهُ حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا يَحُدُّونَ بِهِ
نَهْرٌ أَيْ بِالْوَطْءِ بَعْدَهُ، وَمَحَلُّ الْحَدِّ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ
شُبْهَةَ الْحِلِّ فِي الْعِدَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحُدُودِ
وَمِثْلُ هَذَا التَّعْلِيلِ يُقَالُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ
الْآتِيَةِ ط (قَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ)
وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً، فَفِي
الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا
وَيُعَاقَبُ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَلَا يَبْلُغُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا
وَتُعَزَّرُ الْمَرْأَةُ وَمَنْ زَوَّجَهَا لَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ
النِّكَاحِ لَمْ يُتْرَكْ عَلَى نِكَاحِهِ.
[تَنْبِيهٌ] : قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ
الْمُتَزَوِّجِ كَافِرًا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً
فِي عِدَّةِ كَافِرٍ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَا
يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَهُ، وَقَالَا
النِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَقُولُ: وَيَنْبَغِي
أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي وُجُوبِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْلِمِ
لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ
وُجُوبِهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمْ لَا يَدِينُونَهَا
وَبِكَوْنِهِ جَائِزًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا
بِأَنْ اعْتَقَدُوا وُجُوبَهَا يُفَرَّقُ إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ:
فَيَلْزَمُ فِي الْمُهَاجِرَةِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ إنْ كَانُوا
يَعْتَقِدُونَهُ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى تَبَايُنِ الدَّارِ الْفُرْقَةُ
لَا نَفْيُ الْعِدَّةِ. اهـ. قُلْت: قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ قَدْ
يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ
الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِلزَّوْجِ: أَيْ الَّذِي طَلَّقَهَا
وَلَا تَجِبُ لَهُ بِدُونِ اعْتِقَادِهِ، وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا
عَنْ ابْنِ كَمَالٍ مِنْ اعْتِبَارِ دِينِ الزَّوْجِ خَاصَّةً، وَكَذَا مَا
قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ
الْكَافِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَصْلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ
تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ
الْأُولَى مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَقَامَ مَعَهَا
مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ حَتَّى تَكُونَ مَسْأَلَةً أُخْرَى
وَيَشْكُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ التَّفْرِيقُ
فِي الْأُولَى عَلَى طَلَبِ الْمَرْأَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَتَوَقَّفَ هُنَا
عَلَى طَلَبِهَا
(3/187)
خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَالْحَاوِي مِنْ
اشْتِرَاطِ الْمُرَافَعَةِ.
(وَإِذَا) (أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ
امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ
أَسْلَمَ) فِيهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَبَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ إذَا جَدَّدَ عَقْدَهُ عَلَيْهَا قَبْلَ زَوْجٍ
آخَرَ حَصَلَتْ شُبْهَةُ الْعَقْدِ، فَكَيْفَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِلَا
طَلَبٍ أَصْلًا مَعَ وُجُودِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَلَا يُفَرَّقُ إلَّا
بِطَلَبٍ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَلِذَا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ إذَا
طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، إنْ أَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ
عَلَيْهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي،
وَإِنْ جَدَّدَهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ فَلَا
تَفْرِيقَ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لِأَنَّهُ
سَوَّى فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا أَوْ لَا حَيْثُ
لَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِهِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ
وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ مِثْلَ الْمُحَرَّمِينَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ
مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِمَا إذَا أَسْلَمَا
أَوْ أَحَدُهُمَا، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، حَيْثُ
قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْجَمْعُ
بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَالْخَمْسِ اهـ أَيْ الْخِلَافُ الْمَارُّ بَيْنَ
الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بِمُرَافَعَتِهِمَا
عِنْدَهُ لَا بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ
خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) أَقُولُ مَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ
لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا هُنَا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ
الْحَاوِي الَّتِي نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَنْحٍ هـ فَرَاجِعْهَا.
وَأَمَّا الزَّيْلَعِيُّ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا
قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ
مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَوْ طَلَبَتْ
التَّفْرِيقَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا
يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ وَعِدَّةِ
الْمُسْلِمِ لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ
زَوْجٍ آخَرَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا. اهـ. وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ
أَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ إلَخْ يُفِيدُ تَوَقُّفَ
التَّفْرِيقِ عَلَى الطَّلَبِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ كَالْمَسْأَلَةِ
الْأُولَى كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي
الْفَتْحِ حَيْثُ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْغَايَةِ.
وَقَالَ عَقِبَ قَوْلِهِ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ: يَعْنِي اخْتَلَعَتْ مِنْ
زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ ثُمَّ أَمْسَكَهَا فَرَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ
فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ إمْسَاكَهَا ظُلْمٌ إلَخْ، "
فَمَا عَزَاهُ فِي الْغَايَةِ إلَى الْمُحِيطِ وَنَقَلَهُ عَنْهَا
الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْفَتْحِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ
الْمُحِيطِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ
تَوَقُّفِهِ عَلَى الْمُرَافَعَةِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ.
وَتَوَقُّفِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَقَطْ. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ
أَيْضًا عِبَارَةَ الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَهِيَ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ
صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمُصَنِّفُ، فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ
الَّذِي أَرَادَهُ الشَّارِحُ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ أَيْضًا
وَقَدْ خَفِيَ عَلَى الْمُحَشِّينَ فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي كَلَامِ
الزَّيْلَعِيِّ مُخَالَفَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ
أَوَّلًا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا مِثْلُ الْمُحَرَّمَيْنِ فِي
جَرَيَانِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي
الْغَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بِطَلَبِهَا إجْمَاعًا، رَأَيْت فِي
كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْغَايَةِ، وَذَلِكَ
حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ
أَقَامَ عَلَيْهَا فَرَافَعَتْهُ إلَى السُّلْطَانِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ اخْتَلَعَتْ. وَإِذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ
الذِّمِّيَّةَ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ مُسْلِمٍ قَدْ طَلَّقَهَا
أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنِّي أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا اهـ لَكِنْ مُفَادُهُ
أَنَّ التَّفْرِيقَ فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى
مُرَافَعَةٍ وَطَلَبٍ أَصْلًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَمِثْلُهَا
مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي أَيْضًا. وَهُوَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ
الذِّمِّيُّ مُسْلِمَةً
(قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ) حَاصِلُ صُوَرِ
إسْلَامِ أَحَدِهِمَا عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا
أَنْ يَكُونَا كِتَابِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ، أَوْ الزَّوْجُ
كِتَابِيٌّ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَعَلَى كُلٍّ
فَالْمُسْلِمُ إمَّا الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ، وَفِي كُلٍّ مِنْ
الثَّمَانِيَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَا فِي دَارِنَا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ
أَوْ الزَّوْجُ فَقَطْ فِي دَارِنَا أَوْ بِالْعَكْسِ، أَفَادَهُ فِي
الْبَحْرِ. وَفِيهِ أَيْضًا قَيْدٌ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ
النَّصْرَانِيَّةَ إذَا تَهَوَّدَتْ أَوْ عَكْسَهُ لَا يُلْتَفَتُ
إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَكَذَا لَوْ
تَمَجَّسَتْ زَوْجَةُ النَّصْرَانِيِّ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا كَمَا
لَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً فِي الِابْتِدَاءِ اهـ وَالْمُرَادُ
بِالْمَجُوسِيِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ سَمَاوِيٌّ، فَيَشْمَلُ
الْوَثَنِيَّ وَالدَّهْرِيَّ.
وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالزَّوْجَيْنِ الْمُجْتَمِعَيْنِ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ؛ وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ
أَحَدُهُمَا ثَمَّةَ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ) أَمَّا
إذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى
(3/188)
أَوْ سَكَتَ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ
كَانَ) الزَّوْجُ (صَبِيًّا مُمَيِّزًا) اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ
(وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ) فِيمَا ذُكِرَ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ
صَحَّ مِنْهُ الْإِسْلَامُ إذَا أَتَى بِهِ صَحَّ مِنْهُ الْإِبَاءُ إذَا
عُرِضَ عَلَيْهِ
(وَيُنْتَظَرُ عَقْلُ) أَيْ تَمْيِيزُ (غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَوْ) كَانَ
(مَجْنُونًا) لَا يُنْتَظَرُ لِعَدَمِ نِهَايَتِهِ بَلْ (يُعْرَضُ)
الْإِسْلَامُ (عَلَى أَبَوَيْهِ) فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ تَبِعَهُ فَيَبْقَى
النِّكَاحُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْهُ
وَصِيًّا فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ بَاقَانِيٌّ عَنْ
الْبَهْنَسِيِّ عَنْ رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ لِلزَّاهِدِيِّ.
(وَلَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ فَتَهَوَّدَتْ أَوْ
تَنَصَّرَتْ بَقِيَ نِكَاحُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ
كَذَلِكَ) لِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ مَآلًا (وَالتَّفْرِيقُ) بَيْنَهُمَا
(طَلَاقٌ) يُنْقِصُ الْعَدَدَ (لَوْ أَبَى لَا لَوْ أَبَتْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَمَا يَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ أَوْ سَكَتَ) غَيْرَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ يُكَرِّرُ عَلَيْهِ الْعَرْضَ ثَلَاثًا احْتِيَاطًا، كَذَا فِي
الْمَبْسُوطِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) وَمَا لَمْ يُفَرِّقْ
الْقَاضِي فَهِيَ زَوْجَتُهُ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ
تُسْلِمَ امْرَأَتُهُ الْكَافِرَةُ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ: أَيْ كَمَالُهُ
وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ قَائِمًا
وَيَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ فَتْحٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَارَثَا لِمَانِعِ
الْكُفْرِ (قَوْلُهُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا) أَيْ يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ،
لِأَنَّ رِدَّتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فَكَذَا إبَاؤُهُ فَتْحٌ. قَالَ فِي
أَحْكَامِ الصِّغَارِ: وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ إبَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ عِنْدَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِيمَا
ذُكِرَ) أَيْ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَالْإِبَاءِ وَالسُّكُوتِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ) أَيْ الصَّبِيُّ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ
الْفَتْحِ، وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْبَالِغُ مِثْلُهُ
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ نِهَايَتِهِ) بِخِلَافِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ فَإِنَّ
لَهُ نِهَايَةً (قَوْلُهُ بَلْ يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَى أَبَوَيْهِ
إلَخْ) قَالَ فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ: وَإِنَّمَا يَعْرِضُ
الْإِسْلَامَ عَلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا
بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أُقَرَّا عَلَى
النِّكَاحِ وَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ
الْمُسْلِمَةِ، وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهِ
وَلِحَاقِهِمَا بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
أَوْ بَلَغَ مُسْلِمًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَسْلَمَ عَاقِلًا فَجُنَّ قَبْلَ
الْبُلُوغِ فَارْتَدَّا وَلَحِقَا بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا
بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ عَنْهُ زَوَالِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ
بِتَقَرُّرِ رُكْنِ الْإِيمَانِ مِنْهُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ:
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ
يَعْرِضَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ
الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْآبَاءِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَادَةً فَلَعَلَّ
ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُسْلِمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ
يَكُنْ لَهُ وَالِدَانِ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ خَصْمًا وَفَرَّقَ
بَيْنَهُمَا، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِبَاءَ يَسْقُطُ
اعْتِبَارُهُ هُنَا لِلتَّعَذُّرِ. اهـ. وَهَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ
الْبَاقَانِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَائِدَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ الْحُكْمُ بِالتَّفْرِيقِ
بِلَا عَرْضٍ بَلْ يَسْقُطُ الْعَرْضُ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ
مُسْلِمًا بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا
ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ فَقَطْ يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ
عَلَيْهَا، فَإِنْ أَبَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا،
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَنَاطَ هُنَا
التَّبَعِيَّةُ لَا الْوِلَايَةُ، فَقَوْلُ بَعْضِ الْمُحَشِّينَ إنَّهُ
عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لَا يَعْرِضُ عَلَى الْأُمِّ بَلْ يَنْصِبُ لَهُ
وَصِيًّا غَيْرُ صَحِيحٍ، نَعَمْ لَوْ كَانَ أَبَوَيْهِ مَجْنُونَيْنِ
أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصِبَ عَنْهُ وَصِيًّا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ
الْمَجْنُونَ كَالصَّبِيِّ فِي تَبَعِيَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ إسْلَامًا
وَكُفْرًا مَا لَمْ يُسْلِمْ قَبْلَ جُنُونِهِ
(قَوْلُهُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ إلَخْ) بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا لَوْ
كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَقْتَ إسْلَامِهِ ثُمَّ تَمَجَّسَتْ فَإِنَّهُ
تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلَا عَرْضٍ عَلَيْهَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.
وَظَاهِرُهُ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِلَا تَفْرِيقِ الْقَاضِي لِأَنَّهَا
صَارَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ طَلَاقٌ يُنْقِصُ الْعَدَدَ)
أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّلَاقِ حَقِيقَتُهُ لَا الْفَسْخُ،
فَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَتَيْنِ
فَقَطْ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهُ فَسْخٌ، ثُمَّ هَذَا الطَّلَاقُ بَائِنٌ
قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: حَتَّى لَوْ
أَسْلَمَ الزَّوْجُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ:
وَأَشَارَ بِالطَّلَاقِ إلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ
دَخَلَ بِهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً فَقَدْ
الْتَزَمَتْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَمِنْ حُكْمِهِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ
وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً لَا تَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا فَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ
وَالْعِدَّةُ حَقُّهُ، وَحُقُوقُنَا لَا تَبْطُلُ بِدِيَانَتِهِمْ وَإِلَى
وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ هِيَ مُسْلِمَةً لِأَنَّ
الْمَنْعَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَتْ
(3/189)
لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ مِنْ
النِّسَاءِ
(وَإِبَاءُ الْمُمَيِّزِ وَأَحَدُ أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ طَلَاقٌ) فِي
الْأَصَحِّ، وَهُوَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ
مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ زَيْلَعِيٌّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ الطَّلَاقُ
مِنْ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَيْهِمَا لَا مِنْهُمَا فَلَيْسَا بِأَهْلٍ
لِلْإِيقَاعِ بَلْ لِلْوُقُوعِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَافِرَةً وَأَسْلَمَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهَا. وَلِذَا
لَا مَهْرَ لَهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ.
أَمَّا لَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى الزَّوْجُ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ
الدُّخُولِ وَكُلُّهُ بَعْدَهُ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. ثُمَّ قَالَ
فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا مَا
دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْخُلْعِ أَوْ
بِالْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا
فَرْقَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآتِي
أَوْ هِيَ. وَظَاهِرُهُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا
أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. اهـ.
أَقُولُ: مَا فِي الْفَتْحِ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، حَيْثُ قَالَ: إذَا
أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا
بِإِبَاءِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ وَإِنْ كَانَتْ
هِيَ الْآبِيَةُ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فَسْخٌ وَبِهِ يُنْتَقَضُ مَا
قِيلَ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ
اهـ نَعَمْ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ يُفِيدُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا
كَانَ هُوَ الْآبِي وَهُوَ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ
بِالْخُلْعِ إلَخْ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ جَانِبِهِ فَتَكُونُ طَلَاقًا،
وَمُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، أَمَّا لَوْ
كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ تَكُونُ الْفُرْقَةُ فَسْخًا وَالْفَسْخُ رَفْعٌ
لِلْعَقْدِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهِ نَعَمْ فِي الْبَحْرِ
أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي عِدَّةِ الْفَسْخِ
إلَّا فِي ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا وَتَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ
أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِذَا أَسْلَمَ
أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ، لَكِنْ قَالَ
الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إنَّ هَذَا فِي طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ: أَيْ
فِيمَا لَوْ هَاجَرَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ
عَلَيْهَا.
قُلْت: إنَّ هَذَا الْحَمْلَ مُمْكِنٌ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ
دُونَ عِبَارَةِ طَلَاقِ الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي تَمَامُ
الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ بَابِ الْكِنَايَاتِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ
الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ مِنْ النِّسَاءِ) بَلْ الَّذِي يَكُونُ مِنْ
الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفُرْقَةِ شَرْعًا هُوَ الْفَسْخُ،
فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهَا فِيمَا تَمْلِكُهُ
(قَوْلُهُ وَإِبَاءُ الْمُمَيِّزِ) أَيْ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بِسَبَبِ
الْإِبَاءِ، وَإِلَّا فَالْإِبَاءُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ح (قَوْلُهُ وَأَحَدِ
أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ) أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَحَدُهُمَا أَبًا
أَوْ أُمًّا، أَمَّا لَوْ وُجِدَا فَلَا بُدَّ مِنْ إبَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا
لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا تَبِعَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ
طَلَاقٌ فِي الْأَصَحِّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْأَصَحِّ
يَكُونُ فَسْخًا أَبُو السُّعُودِ
مَطْلَبٌ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا بِأَهْلٍ لِإِيقَاعِ طَلَاقٍ
بَلْ لِلْوُقُوعِ
(قَوْلُهُ فَلَيْسَا بِأَهْلٍ لِلْإِيقَاعِ) أَيْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ
مِنْهُمَا، بَلْ هُمَا أَهْلٌ لِلْوُقُوعِ: أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ
بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ وُجُودِ مُوجِبِهِ. وَفِي شَرْحِ
التَّحْرِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ
شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ عَدَمُهَا
عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ. فَأَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِهَا فَمَشْرُوعٌ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا
أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ.
حَتَّى أَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، وَهَذَا
وَهْمٌ عِنْدِي، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ إذْ لَا
ضَرَرَ فِي إثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ بَلْ الضَّرَرُ فِي الْإِيقَاعِ،
حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى صِحَّةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ
جِهَتِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ صَحِيحًا، فَإِذَا أَسْلَمَتْ
زَوْجَتُهُ وَأَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَإِذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى
وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ وَكَانَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَإِذَا
وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا فَخَاصَمَتْهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا
عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. اهـ.
(3/190)
كَمَا لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ جُنِنْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجُنَّ لَمْ يَقَعْ،
بِخِلَافِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا مَجْنُونًا وَقَعَ.
(وَلَوْ) (أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ
امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمُلْحَقٌ
بِهَا كَالْبَحْرِ الْمِلْحِ (لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا) أَوْ
تَمْضِيَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ (قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ) إقَامَةً لِشَرْطِ
الْفُرْقَةِ مَقَامَ السَّبَبِ، وَلَيْسَتْ بِعِدَّةٍ لِدُخُولِ غَيْرِ
الْمَدْخُولِ بِهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْبَالِغِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْهُ
بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إيقَاعُهُ مِنْهُ
ابْتِدَاءً لِلضَّرَرِ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ، وَبِهِ ظَهَرَ
أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى أَنَّهُ إيقَاعٌ مِنْ الْقَاضِي وَلِأَنَّ
تَفْرِيقَ الْقَاضِي هُنَا كَتَفْرِيقِهِ بِإِبَاءِ الْبَالِغِ عَنْ
الْإِسْلَامِ، وَهُوَ طَلَاقٌ مِنْهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، فَكَذَا فِي
الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا
يَقَعُ طَلَاقُهُمَا أَيْ ابْتِدَاءً وَكَانَ وُقُوعُهُ مِنْهُمَا
بِعَارِضٍ غَرِيبًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ مِنْ أَغْرَبِ
الْمَسَائِلِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ) أَيْ الرَّحِمَ الْمَحْرَمَ مِنْهُ
كَأَنْ وَرِثَ أَبَاهُ الْمَمْلُوكَ لِأَخِيهِ مِنْ أُمٍّ مَثَلًا
فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَمْلُوكَةَ أَبِيهِ
فَوَرِثَهَا مِنْهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّهُ
عَلَّقَهُ عَلَى مَا يُنَافِي وُقُوعَهُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ وَهُوَ
أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ
الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ صَالِحًا لَهُ فَهُوَ
كَقَوْلِهِ إنْ مِتّ فَأَنْتِ طَالِقٌ، كَذَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَقَعَ)
لَمَّا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ
وَقْتَ التَّعْلِيقِ لَا وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ الشَّرْطُ
هُنَا وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ مُنَافِيًا لِانْعِقَادِ الْجَزَاءِ سَبَبًا
لِلطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا
بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ مِنْ وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَهُ
وَعَدَمِ مُنَافَاةِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِلْجَزَاءِ
الْمُعَلَّقِ وَهُنَا وُجِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْأُولَى
فَإِنَّهُ وُجِدَتْ فِيهَا الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَفُقِدَ
الْآخَرُ وَهُوَ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثَمَّةَ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ
فِيمَا مَرَّ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ
أَوْ امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ إلَخْ فَإِنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا
اجْتَمَعَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَا: أَطْلَقَ فِي إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فِي
دَارِ الْحَرْبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْآخَرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَقَامَ الْآخَرُ فِيهَا أَوْ خَرَجَ إلَى دَارِ
الْإِسْلَامِ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُصِرِّ،
سَوَاءٌ خَرَجَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْآخَرُ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى لِغَائِبٍ
وَلَا عَلَى غَائِبٍ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْبَحْرِ
الْمِلْحِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا لَيْسَ
بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا إسْلَامٍ مُلْحَقًا بِدَارِ الْحَرْبِ كَالْبَحْرِ
الْمِلْحِ لِأَنَّهُ لَا قَهْرَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ
أَحَدُهُمَا وَهُوَ رَاكِبُهُ تَوَقَّفَتْ الْبَيْنُونَةُ عَلَى مُضِيِّ
ثَلَاثِ حَيْضٍ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِتَعَذُّرِ الْعَرْضِ لِعَدَمِ
الْوِلَايَةِ. اهـ. وَهَلْ حُكْمُ الْبَحْرِ الْمِلْحِ فِي غَيْرِ هَذِهِ
حُكْمُ دَارِ الْحَرْبِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ الذِّمِّيُّ صَارَ
حَرْبِيًّا وَانْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَإِذَا خَرَجَ إلَيْهِ الْحَرْبِيُّ
وَعَادَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى دَارِهِ يُنْقَضُ أَمَانُهُ وَيُعْشَرُ مَا
مَعَهُ يُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ إلَخْ) أَفَادَ
بِتَوَقُّفِ الْبَيْنُونَةِ عَلَى الْحَيْضِ أَنَّ الْآخَرَ لَوْ أَسْلَمَ
قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا بَيْنُونَةَ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَمْضِي ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) أَيْ إنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ
لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا
فَحَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ إقَامَةً
لِشَرْطِ الْفُرْقَةِ) وَهُوَ مُضِيُّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَقَامَ السَّبَبِ
وَهُوَ الْإِبَاءُ لِأَنَّ الْإِبَاءَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْعَرْضِ،
وَقَدْ عُدِمَ الْعَرْضُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ وَمَسَّتْ الْحَاجَةُ
إلَى التَّفْرِيقِ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ
وَإِقَامَةُ الشَّرْطِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعِلَّةِ جَائِزٌ، فَإِذَا
مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ صَارَ مُضِيُّهَا بِمَنْزِلَةِ تَفْرِيقِ
الْقَاضِي وَتَكُونُ فُرْقَةً بِطَلَاقٍ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا،
وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ لِأَنَّهَا
بِسَبَبِ الْإِبَاءِ حُكْمًا وَتَقْدِيرًا بَدَائِعُ. وَبَحَثَ فِي
الْبَحْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ
الْمَرْأَةُ تَكُونُ فُرْقَةً بِطَلَاقٍ، لِأَنَّ الْآبِيَ هُوَ الزَّوْجُ
حُكْمًا وَالتَّفْرِيقُ بِإِبَائِهِ طَلَاقٌ عِنْدَهُمَا.
فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الزَّوْجَ فَهِيَ
فَسْخٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ بِعِدَّةٍ) أَيْ لَيْسَتْ
(3/191)
(وَلَوْ) (أَسْلَمَ زَوْجُ
الْكِتَابِيَّةِ) وَلَوْ مَآلًا كَمَا مَرَّ (فَهِيَ لَهُ، وَ) الْمَرْأَةُ
(تَبِينُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ) حَقِيقَةً وَحُكْمًا (لَا) بِ
(السَّبْيِ، فَلَوْ) (خَرَجَ) أَحَدُهُمَا (إلَيْنَا مُسْلِمًا) أَوْ
ذِمِّيًّا أَوْ أَسْلَمَ أَوْ صَارَ ذَا ذِمَّةٍ فِي دَارِنَا (أَوْ
أُخْرِجَ مَسْبِيًّا) وَأُدْخِلَ فِي دَارِنَا (بَانَتْ) بِتَبَايُنِ
الدَّارِ، إذْ أَهْلُ الْحَرْبِ كَالْمَوْتَى، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَ حَيٍّ
وَمَيِّتٍ
(وَإِنْ) (سُبِيَا) أَوْ خَرَجَا إلَيْنَا (مَعًا) ذِمِّيَّيْنِ أَوْ
مُسْلِمَيْنِ أَوْ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ صَارَا ذِمِّيَّيْنِ (لَا) تَبِينُ
لِعَدَمِ التَّبَايُنِ.
حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَسْبِيَّةُ مَنْكُوحَةَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ
لَمْ تَبِنْ، وَلَوْ نَكَحَهَا ثَمَّةَ ثُمَّ خَرَجَ قَبْلَهَا بَانَتْ
وَإِنْ خَرَجَتْ قَبْلَهُ لَا، وَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ
تَحْرِيفٌ نَهْرٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
هَذِهِ الْمُدَّةُ عِدَّةً لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا دَاخِلَةٌ
تَحْتَ هَذَا الْحُكْمِ، وَلَوْ كَانَتْ عِدَّةً لَاخْتَصَّ ذَلِكَ
بِالْمَدْخُولِ بِهَا، وَهَلْ تَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ
الْمُدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَرْبِيَّةً فَلَا لِأَنَّهُ لَا
عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ
فَخَرَجَتْ إلَيْنَا فَتَمَّتْ الْحَيْضَ هُنَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الْمُهَاجِرَةَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا
عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي بَدَائِعُ وَهِدَايَةٌ وَجَزَمَ
الطَّحَاوِيُّ بِوُجُوبِهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ
عَلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا
(وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ) هَذَا مُحْتَرَزُ
قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ أَوْ امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا
مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَلِكَ،
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ يُمْكِنُ
انْفِهَامُهُ مِنْ هُنَا بِأَنْ يُرَادَ بِالْكِتَابِيَّةِ الْكِتَابِيَّةُ
حَالًا أَوْ مَآلًا.
(قَوْلُهُ فَهِيَ لَهُ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا
ابْتِدَاءً، فَالْبَقَاءُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْهَلُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ
حَقِيقَةً وَحُكْمًا) الْمُرَادُ بِالتَّبَايُنِ حَقِيقَةُ تَبَاعُدِهِمَا
شَخْصًا، وَبِالْحُكْمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي دَخَلَهَا
عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْقَرَارِ وَالسُّكْنَى،
حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ لَمْ تَبِنْ
زَوْجَتُهُ لِأَنَّهُ فِي دَارِهِ حُكْمًا إلَّا إذَا قَبْلَ الذِّمَّةِ
نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا بِالسَّبْيِ) تَنْصِيصٌ عَلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ
فَإِنَّهُ عَكَسَ وَجَعَلَ سَبَبَ الْفُرْقَةِ السَّبْيَ لَا التَّبَايُنَ
فَتَفَرَّعَ أَرْبَعُ صُوَرٍ وِفَاقِيَّتَانِ وَخِلَافِيَّتَانِ،
فَقَوْلُهُ فَلَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَخْ وَقَوْلُهُ وَإِنْ سُبِيَا
إلَخْ خِلَافِيَّتَانِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أُخْرِجَ مَسْبِيًّا، وَقَوْلُهُ
أَوْ خَرَجَا إلَيْنَا إلَخْ وِفَاقِيَّتَانِ (قَوْلُهُ فَلَوْ خَرَجَ
أَحَدُهُمَا إلَخْ) هَذِهِ خِلَافِيَّةٌ لِوُجُودِ التَّبَايُنِ دُونَ
السَّبْيِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ
الَّذِي خَرَجَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا
حَرْبِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا.
اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ كَانَ الْخَارِجُ هُوَ الرَّجُلُ يَحِلُّ لَهُ
عِنْدَنَا التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ فِي الْحَالِ وَبِأُخْتِ امْرَأَتِهِ
الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ أَوْ أُخْرِجَ) هَذِهِ وِفَاقِيَّةٌ لِوُجُودِ التَّبَايُنِ
وَالسَّبْيِ (قَوْلُهُ وَأُدْخِلَ فِي دَارِنَا) أَفَادَ أَنَّهُ لَا
يَتَحَقَّقُ التَّبَايُنُ بِمُجَرَّدِ السَّبْيِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ
الْإِحْرَازِ فِي دَارِنَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ كَالْمَوْتَى)
وَلِهَذَا لَوْ الْتَحَقَ بِهِمْ الْمُرْتَدُّ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ
الْمَوْتَى ط
(قَوْلُهُ وَإِنْ سُبِيَا) هَذِهِ خِلَافِيَّةٌ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا
وِفَاقِيَّةٌ لِعَدَمِ السَّبْيِ فِيهَا (قَوْلُهُ أَوْ ثُمَّ أَسْلَمَا)
عِبَارَةُ الْبَحْرِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا إلَخْ فَأَوْ
هُنَا عَاطِفَةٌ لِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ عَلَى الْحَالِ السَّابِقَةِ وَهِيَ
قَوْلُهُ ذِمِّيَّيْنِ، وَثُمَّ عَاطِفَةٌ لَأَسْلَمَا عَلَى تِلْكَ
الْحَالِ الْمَحْذُوفَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ
عَلَى اشْتِرَاطِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا.
(قَوْلُهُ لَمْ تَبِنْ) لِأَنَّ الدَّارَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ حَقِيقَةً
لَكِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ حُكْمًا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا
نَكَحَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ ثَمَّةَ ثُمَّ سُبِيَتْ، وَلَا يُمْكِنُ
فَرْضُهَا فِيمَا لَوْ نَكَحَهَا هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ
تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ فَيَمْنَعُ
ابْتِدَاءَهُ بِالْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَلَوْ نَكَحَهَا
وَهِيَ هُنَا بِأَمَانٍ صَارَتْ ذِمِّيَّةً لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَبَعٌ
لِزَوْجِهَا فِي الْمُقَامِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ
الْمُسْتَأْمِنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَهَا) أَيْ الْمُسْلِمُ
أَوْ الذِّمِّيُّ (قَوْلُهُ بَانَتْ) لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً
وَحُكْمًا ط (قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَتْ قَبْلَهُ لَا) أَيْ لَا تَبِينُ
لِأَنَّ الزَّوْجَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا خَرَجَتْ
قَبْلَهُ صَارَتْ ذِمِّيَّةً لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ لِأَنَّهَا
تَبَعٌ لِزَوْجِهَا فِي الْمُقَامِ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ (قَوْلُهُ
وَمَا فِي الْفَتْحِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْمُحِيطِ:
مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ بِهَا رَجُلٌ
إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِالتَّبَايُنِ، فَلَوْ
خَرَجَتْ بِنَفْسِهَا قَبْلَ زَوْجِهَا لَمْ تَبِنْ لِأَنَّهَا صَارَتْ
مِنْ أَهْلِ دَارِنَا بِالْتِزَامِهَا أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ، إذْ لَا
تُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ
فَلَا تَبَايُنَ.
(3/192)
(وَمَنْ) (هَاجَرَتْ إلَيْنَا) مُسْلِمَةً
أَوْ ذِمِّيَّةً (حَائِلًا) (بَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ) فَيَحْصُلُ
تَزَوُّجُهَا، أَمَّا الْحَامِلُ فَحَتَّى تَضَعَ عَلَى الْأَظْهَرِ لَا
لِلْعِدَّةِ بَلْ لِشَغْلِ الرَّحِمِ بِحَقِّ الْغَيْرِ
(وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (فَسْخٌ) فَلَا يُنْقِصُ
عَدَدًا (عَاجِلٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ: يُرِيدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى
إذَا أَخْرَجَهَا الرَّجُلُ قَهْرًا حَتَّى مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ
التَّبَايُنِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا.
إمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَإِمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهَا فِي دَارِ
الْحَرْبِ حُكْمًا وَزَوْجُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي
الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَفِي قَوْلِهِ وَأَمَّا حُكْمًا إلَخْ
بَحْثٌ. اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ
أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي دَخَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ
بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْقَرَارِ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ إذْ لَا تُمَكَّنُ
مِنْ الرُّجُوعِ، ثُمَّ رَاجَعْت الْمُحِيطَ الرَّضَوِيَّ فَإِذَا الَّذِي
فِيهِ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً كِتَابِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ
فَخَرَجَ عَنْهَا الزَّوْجُ وَحْدَهُ بَانَتْ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ
قَبْلَ الزَّوْجِ لَمْ تَبِنْ، وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ وَهَذَا لَا
غُبَارَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ صَاحِبِ
الْفَتْحِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا أَسْمَعْتُك. اهـ. ح.
قُلْت: وَمَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي
كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فَالصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
الَّتِي نَقَلَهَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَا تَبِينُ
لِاخْتِلَافِ الدَّارِ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا
(قَوْلُهُ وَمَنْ هَاجَرَتْ إلَيْنَا إلَخْ) الْمُهَاجِرَةُ التَّارِكَةُ
دَارَ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَزْمِ عَدَمِ الْعَوْدِ،
وَذَلِكَ بِأَنْ تَخْرُجَ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ صَارَتْ
كَذَلِكَ بَحْرٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةٌ فِيمَا قَبْلَهَا،
لَكِنْ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمَا مُهَاجِرًا وَقَعَتْ
الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ
الْمُهَاجِرَةُ الْمَرْأَةَ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فَلَا عِدَّةَ
عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا
فَتُزَوَّجُ لِلْحَالِ، إلَّا الْحَامِلَ فَتَتَرَبَّصُ لَا عَلَى وَجْهِ
الْعِدَّةِ بَلْ لِيَرْتَفِعَ الْمَانِعُ بِالْوَضْعِ.
وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَتْحٌ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ
تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِالْحَائِلِ أَيْ غَيْرِ الْحُبْلَى لَا وَجْهَ
لَهُ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْكَنْزِ وَتُنْكَحُ الْمُهَاجِرَةُ الْحَائِلُ
بِلَا عِدَّةٍ فَإِنَّهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْحَامِلِ كَمَا عَلِمْت
لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عِدَّةٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ
مَالِكٍ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ)
مُقَابِلُهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُهَا قَبْلَ
الْوَضْعِ، لَكِنْ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ كَالْحُبْلَى
مِنْ الزِّنَا وَرَجَّحَهَا الْأَقْطَعُ، لَكِنْ الْأَوْلَى ظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ نَهْرٌ، وَصَحَّحَهَا الشَّارِحُونَ وَعَلَيْهَا الْأَكْثَرُ
بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا لِلْعِدَّةِ) نَفْيٌ لِقَوْلِهِمَا وَلِمَا
تَوَهَّمَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ بَلْ لِشَغْلِ الرَّحِمِ بِحَقِّ الْغَيْرِ) أَفَادَ بِهِ
الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ هَذِهِ
حَمْلُهَا ثَابِتُ النَّسَبِ فَيُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ احْتِيَاطًا
لِئَلَّا يَقَعَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ
بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ وَطْئًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، بِخِلَافِ الْحَامِلِ
مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ مَاءَ الزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ
حَقُّ الْغَيْرِ فَلِذَا صَحَّ نِكَاحُهَا فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ فَسْخٌ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْإِبَاءِ عَنْ
الْإِسْلَامِ. وَسَوَّى مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
طَلَاقٌ وَأَبُو يُوسُفَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَسْخٌ، وَفَرَّقَ
الْإِمَامُ بِأَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِمُنَافَاتِهَا
الْعِصْمَةَ، وَالطَّلَاقُ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ فَتَعَذَّرَ
جَعْلُهَا طَلَاقًا، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَقَعُ طَلَاقُ زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَيْهَا
مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ
مُتَأَبَّدَةٍ فَإِنَّهَا تَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ
عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ مُسْتَتْبِعًا فَائِدَتَهُ مِنْ حُرْمَتِهَا
عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ حُرْمَةً مُغَيَّاةً بِوَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ،
بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا مُتَأَبَّدَةٌ لَا غَايَةَ
لَهَا فَلَا يُفِيدُ لُحُوقُ الطَّلَاقِ فَائِدَةً اهـ. قُلْت: وَهَذَا
إذَا لَمْ تَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ. فَفِي الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ
الْكِنَايَاتِ: الْمُرْتَدُّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَ
امْرَأَتَهُ لَا يَقَعُ وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ
فَطَلَّقَهَا يَقَعُ وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ فَطَلَّقَهَا
زَوْجُهَا ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً قَبْلَ الْحَيْضِ، فَعِنْدَهُمَا
يَقَعُ.
(قَوْلُهُ فَلَا يُنْقِصُ عَدَدًا) فَلَوْ ارْتَدَّ مِرَارًا وَجَدَّدَ
الْإِسْلَامَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ تَحِلُّ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ إصَابَةِ
(3/193)
بِلَا قَضَاءٍ (فَلِلْمَوْطُوءَةِ) وَلَوْ
حُكْمًا (كُلُّ مَهْرِهَا) لِتَأَكُّدِهِ بِهِ (وَلِغَيْرِهَا نِصْفُهُ)
لَوْ مُسَمًّى أَوْ الْمُتْعَةُ
(لَوْ) (ارْتَدَّ) وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ (وَلَا شَيْءَ مِنْ
الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ سِوَى السُّكْنَى) (بِهِ يُفْتَى) (لَوْ
ارْتَدَّتْ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْهَا قَبْلَ تَأَكُّدِهِ وَلَوْ
مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ اسْتِحْسَانًا،
وَصَرَّحُوا بِتَعْزِيرِهَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ، وَتُجْبَرُ عَلَى
الْإِسْلَامِ وَعَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ زَجْرًا لَهَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ
كَدِينَارٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلْوَالِجِيَّةٌ.
وَأَفْتَى مَشَايِخُ بَلْخٍ بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ بِرِدَّتِهَا زَجْرًا
وَتَيْسِيرًا لَا سِيَّمَا الَّتِي تَقَعُ فِي الْمُكَفِّرِ ثُمَّ
تُنْكِرُ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْإِفْتَاءُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ
الْإِفْتَاءِ بِمَا فِي النَّوَادِرِ لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَنْ
تَصَفَّحَ أَحْوَالَ نِسَاءِ زَمَانِنَا وَمَا يَقَعُ مِنْهُنَّ مِنْ
مُوجِبَاتِ الرِّدَّةِ مُكَرَّرًا فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي
الْإِفْتَاءِ بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
زَوْجٍ ثَانٍ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ بِلَا قَضَاءٍ) أَيْ
بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَا بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى
مُضِيِّ عِدَّةٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ
وَلَوْ حُكْمًا) أَرَادَ بِهِ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ ح (قَوْلُهُ كُلُّ
مَهْرِهَا) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ ارْتِدَادَهُ وَارْتِدَادَهَا بَحْرٌ
(قَوْلُهُ لِتَأَكُّدِهِ) أَيْ تَأَكُّدِ تَمَامِ الْمَهْرِ بِهِ: أَيْ
بِالْوَطْءِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْحُكْمِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ الْمُتْعَةُ)
أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى
(قَوْلُهُ لَوْ ارْتَدَّ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَلِغَيْرِهَا النِّصْفُ
إلَخْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ) أَيْ لَوْ مَدْخُولًا
بِهَا إذْ غَيْرُهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَأَفَادَ وُجُوبَ الْعِدَّةِ
سَوَاءٌ ارْتَدَّ أَوْ ارْتَدَّتْ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ لَوْ
صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمَهْرِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ
بِهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِ لَوْ ارْتَدَّ،
وَقَوْلُهُ لَوْ ارْتَدَّتْ.
(قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ
الْمَدْخُولِ بِهَا، وَهَذِهِ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ لَا
لِكَوْنِ الرِّدَّةِ مِنْهَا، لَكِنْ الْمَدْخُولُ بِهَا كَذَلِكَ لَا
نَفَقَةَ لَهَا لَوْ ارْتَدَّتْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُ
نَفَقَةِ الْعِدَّةِ كَحُكْمِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ
هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، وَإِنْ ارْتَدَّتْ فَلَا
نَفَقَةَ لَهَا (قَوْلُهُ سِوَى السُّكْنَى) فَلَا تَسْقُطُ سُكْنَى
الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ، بِخِلَافِ
نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَلِذَا صَحَّ الْخُلْعُ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ
السُّكْنَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ أَسْلَمَتْ
وَإِلَّا فَالْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ حَتَّى تَعُودَ وَسَيَأْتِي أَنَّ
الْمَحْبُوسَةَ كَالْخَارِجَةِ بِلَا إذْنِهِ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا
سُكْنَى
(قَوْلُهُ لَوْ ارْتَدَّتْ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ
وَالصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ تَأَكُّدِهِ) أَيْ
الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِالْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولِ وَلَوْ
حُكْمًا (قَوْلُهُ وَرِثَهَا زَوْجُهَا اسْتِحْسَانًا) هَذَا إذَا
ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ
الْحَرْبِ، وَبِخِلَافِ رِدَّتِهَا فِي الصِّحَّةِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ
ارْتَدَّ هُوَ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مُطْلَقًا إذَا مَاتَ أَوْ لَحِقَ
وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْمُعْتَدَّةِ
الَّتِي تَرِثُ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي طَلَاقِ
الْمَرِيضِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ رِدَّتَهُ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ إنْ
لَمْ يُسْلِمْ يُقْتَلُ فَيَكُونُ فَارًّا فَتَرِثُهُ مُطْلَقًا، أَمَّا
الْمَرْأَةُ فَلَا تُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ فَلَمْ تَكُنْ فَارَّةً إلَّا
إذَا كَانَتْ رِدَّتُهَا فِي الْمَرَضِ (قَوْلُهُ وَصَرَّحُوا
بِتَعْزِيرِهَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ) هُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ فَإِنَّ نِهَايَةَ تَعْزِيرِ الْحُرِّ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ
وَسَبْعُونَ وَعِنْدَهُمَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ. قَالَ فِي الْحَاوِي
الْقُدْسِيِّ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ:
فَعَلَى هَذَا الْمُعْتَمَدُ فِي نِهَايَةِ التَّعْزِيرِ قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ فِي تَعْزِيرِ الْمُرْتَدَّةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ
وَتُجْبَرُ) أَيْ بِالْحَبْسِ إلَى أَنْ تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ (قَوْلُهُ
وَعَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ) فَلِكُلِّ قَاضٍ أَنْ يُجَدِّدَهُ بِمَهْرٍ
يَسِيرٍ وَلَوْ بِدِينَارٍ رَضِيَتْ أَمْ لَا وَتُمْنَعُ مِنْ التَّزَوُّجِ
بِغَيْرِهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا
طَلَبَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ سَكَتَ أَوْ تَرَكَهُ صَرِيحًا
فَإِنَّهَا لَا تُجْبَرُ وَتُزَوَّجُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ
حَقَّهُ بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ زَجْرًا لَهَا) عِبَارَةُ الْبَحْرِ
حَسْمًا لِبَابِ الْمَعْصِيَةِ: وَالْحِيلَةُ لِلْخَلَاصِ مِنْهُ اهـ وَلَا
يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْجَبْرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ
مَقْصُورًا عَلَى مَا إذَا ارْتَدَّتْ لِأَجْلِ الْخَلَاصِ مِنْهُ، بَلْ
قَالُوا ذَلِكَ سَدًّا لِهَذَا الْبَابِ مِنْ أَصْلِهِ سَوَاءٌ تَعَمَّدَتْ
الْحِيلَةَ أَمْ لَا كَيْ لَا تَجْعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً (قَوْلُهُ قَالَ فِي
النَّهْرِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِمَا
اخْتَارَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخٍ أَوْلَى مِنْ الْإِفْتَاءِ بِمَا
(3/194)
قُلْت: وَقَدْ بَسَطْت فِي الْقُنْيَةِ
وَالْمُجْتَبَى وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: وَحَاصِلُهَا أَنَّهَا
بِالرِّدَّةِ تُسْتَرَقُّ وَتَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيَشْتَرِيهَا الزَّوْجُ مِنْ
الْإِمَامِ أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ لَوْ مَصْرِفًا. وَلَوْ اسْتَوْلَى
عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا وَلَهُ بَيْعُهَا مَا
لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَتَكُونُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَنَقَلَ
الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- هَجَمَ عَلَى نَائِحَةٍ فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَقَطَ
خِمَارُهَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ سَقَطَ
خِمَارُهَا، فَقَالَ إنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا.
وَمِنْ هُنَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ حِينَ مَرَّ
بِنِسَاءٍ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ كَاشِفَاتٍ الرُّءُوسَ وَالذِّرَاعَ فَقِيلَ
لَهُ كَيْفَ تَمُرُّ؟ فَقَالَ، لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ إنَّمَا الشَّكُّ فِي
إيمَانِهِنَّ كَأَنَّهُنَّ حَرْبِيَّاتٌ
(وَبَقِيَ النِّكَاحُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي النَّوَادِرِ، وَلَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ الْمَشَاقِّ فِي تَجْدِيدِهَا
فَضْلًا عَنْ جَبْرِهِ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا
يُحَدُّ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْ عُلَمَاءِ الْعَجَمِ
اُبْتُلِيَ بِامْرَأَةٍ تَقَعُ فِيمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَثِيرًا ثُمَّ
تُنْكِرُ وَعَنْ التَّجْدِيدِ تَأْبَى، وَمِنْ الْقَوَاعِدِ: الْمَشَقَّةُ
تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ. اهـ.
قُلْت: الْمَشَقَّةُ فِي التَّجْدِيدِ لَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ
أَئِمَّةِ بَلْخٍ أَوْلَى مِمَّا فِي النَّوَادِرِ، بَلْ أَوْلَى مِمَّا
مَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّينَ لِأَنَّ
مَا فِي النَّوَادِرِ هُوَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ
تُسْتَرَقُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ بَسَطْت) أَيْ رِوَايَةَ
النَّوَادِرِ (قَوْلُهُ وَالْفَتْحُ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى
قَوْلِهِ وَلَا تُسْتَرَقُّ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ تُسْتَرَقُّ اهـ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْفَتْحِ بَسَطَ
ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهَا إلَخْ) قَالَ فِي
الْقُنْيَةِ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ
عَالِمًا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ تَكُونُ فَيْئًا
لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْ
الْإِمَامِ أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ مَصْرِفًا، فَلَوْ أَفْتَى
مُفْتٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ حَسْمًا لِهَذَا الْأَمْرِ لَا بَأْسَ بِهِ.
اهـ.، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى، وَنَقَلَ
قَوْلَهُ فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ إلَخْ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ
السَّرَخْسِيِّ. اهـ.
قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا إلَخْ أَنَّهُ إنْ كَانَ
مَصْرِفًا لَا يَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا
وَقَوْلُهُ تَكُونُ فَيْئًا قَالَ ط: ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ
لِأَنَّ إسْلَامَ الرَّقِيقِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرِّقِّ. اهـ. (قَوْلُهُ
وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ) فِيهِ اخْتِصَارٌ مُخِلٌّ.
وَعِبَارَةُ الْقُنْيَةِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ قُلْت: وَفِي زَمَانِنَا
بَعْدَ فِتْنَةِ التَّتَرِ الْعَامَّةِ صَارَتْ هَذِهِ الْوِلَايَةُ
الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا
كَخَوَارِزْمَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَخُرَاسَانَ وَنَحْوِهَا صَارَتْ
دَارَ الْحَرْبِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ
بَعْدَ الرِّدَّةِ يَمْلِكُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهَا مِنْ
الْإِمَامِ فَيُفْتَى بِحُكْمِ الرِّقِّ حَسْمًا لِكَيْدِ الْجَهَلَةِ
وَمَكْرِ الْمَكَرَةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ
اهـ فَقَوْلُهُ يَمْلِكُهَا إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
مِنْ أَنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا
حَاجَةَ إلَى الْإِفْتَاءِ بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ لِمَا ذَكذذَرَهُ مِنْ
صَيْرُورَةِ دَارِهِمْ دَارَ حَرْبٍ فِي زَمَانِهِمْ فَيَمْلِكُهَا
بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَهُ بَيْعُهَا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا أَخْذًا
مِنْ قَوْلِ الْقُنْيَةِ يَمْلِكُهَا وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ مَا لَمْ
تَكُنْ إلَخْ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ لَحِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ
بَعْدَ ارْتِدَادِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا
الزَّوْجُ يَعُودُ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدِهِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ
تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالدِّرَّةِ)
بِالْكَسْرِ: السَّوْطُ وَالْجَمْعُ دِرَرٌ مِثْلَ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ
مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالذِّرَاعُ) أَلْ لِلْجِنْسِ وَالْمُنَاسِبُ لِمَا
قَبْلَهُ الْأَذْرُعُ بِالْجَمْعِ ط (قَوْلُهُ فَقَالَ) تَأْكِيدٌ فَقَالَ
الْأَوَّلُ ط وَالدَّاعِي إلَيْهِ طُولُ الْفَاصِلِ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُنَّ
حَرْبِيَّاتٌ) أَيْ فَهُنَّ فَيْءٌ مَمْلُوكَاتٌ وَالرَّأْسُ وَالذِّرَاعُ
لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْ الرَّقِيقِ. وَوَجْهُ الْأَخْذِ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ إذَا سَقَطَتْ حُرْمَةُ
النَّائِحَةِ تَسْقُطُ حُرْمَةُ هَؤُلَاءِ الْكَاشِفَاتِ رُءُوسَهُنَّ فِي
مَمَرِّ الْأَجَانِبِ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ حَالِهِنَّ أَنَّهُنَّ
مُسْتَخِفَّاتٌ مُسْتَهِينَاتٌ وَهَذَا سَبَبٌ مُسْقِطٌ لِحُرْمَتِهِنَّ
فَافْهَمْ.
(3/195)
إنْ) (ارْتَدَّا مَعًا) بِأَنْ يَعْلَمَ
السَّبْقَ فَيُجْعَلُ كَالْغَرْقَى (ثُمَّ أَسْلَمَا كَذَلِكَ)
اسْتِحْسَانًا (وَفَسَدَ إنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ) وَلَا
مَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَوْ الْمُتَأَخِّرُ هِيَ، وَلَوْ هُوَ
فَنِصْفُهُ أَوْ مُتْعَةٌ.
(وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا) إنْ اتَّحَدَتْ
الدَّارُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَصَلْنَ إلَى حَالِ الْكُفْرِ وَصِرْنَ
مُرْتَدَّاتٍ فَحُكْمُهُنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُنَّ لَا يُمْلَكْنَ مَا
دُمْنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا مَا
مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ مِنْ الْإِفْتَاءِ بِمَا فِي النَّوَادِرِ
مِنْ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِنَّ فَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى رِدَّةِ
الزَّوْجَةِ لِلضَّرُورَةِ لَا مُطْلَقًا إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِ
الزَّوْجَةِ إلَى الْإِفْتَاءِ بِالرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ، وَلَا
يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْحُرْمَةِ وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ جَوَازُ
تَمَلُّكِهِنَّ فِي دَارِنَا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُنَّ صِرْنَ فَيْئًا
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ جَوَازُ الِاسْتِيلَاءِ
وَالتَّمَتُّعُ بِهِنَّ وَطْئًا وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ
إلَى مَمْلُوكَةِ الْغَيْرِ وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِلَا عَقْدِ نِكَاحٍ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ غَلَطُ مَنْ يَنْسُبُ نَفْسَهُ إلَى الْعِلْمِ فِي
زَمَانِنَا فِي زَعْمِهِ الْبَاطِلِ أَنَّ الزَّانِيَاتِ اللَّاتِي
يَظْهَرْنَ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا احْتِشَامٍ يَجُوزُ وَطْؤُهُنَّ
بِحُكْمِ الِاسْتِيلَاءِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ قَبِيحٌ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ
كُفْرًا حَيْثُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَةِ الزِّنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا
قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. [فَرْعٌ]
فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ
الدُّخُولِ بِهَا فَأَخْبَرَهُ بِرِدَّتِهَا مُخْبِرٌ وَلَوْ مَمْلُوكًا
أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ،
لَكِنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ
سِوَاهَا وَإِنْ أُخْبِرَتْ بِرِدَّةِ زَوْجِهَا لَهَا التَّزَوُّجُ
بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فِي رِوَايَةِ الِاسْتِحْسَانِ. قَالَ
السَّرَخْسِيُّ وَهِيَ الْأَصَحُّ
(قَوْلُهُ إنْ ارْتَدَّا مَعًا) الْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ
يَلْحَقْ أَحَدُهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ لَحِقَ بَانَتْ
وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ تَبَايُنَ
الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفُرْقَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ
السَّبْقَ) أَمَّا الْمَعِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ فَمُتَعَذِّرَةٌ. وَمَا
فِي الْبَحْرِ هِيَ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا ارْتَدَّا بِكَلِمَةٍ
وَاحِدَةٍ فَفِيهِ بُعْدٌ ظَاهِرٌ، نَعَمْ ارْتِدَادُهُمَا مَعًا
بِالْفِعْلِ مُمْكِنٌ، بِأَنْ حَمَلَا مُصْحَفًا وَأَلْقَيَاهُ فِي
الْقَاذُورَاتِ أَوْ سَجَدَا لِلصَّنَمِ مَعًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ
كَالْغَرْقَى) فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ سَبْقَ أَحَدِهِمْ بِالْمَوْتِ
يَنْزِلُونَ مَنْزِلَةَ مَنْ مَاتُوا مَعًا وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْهُمْ
الْآخَرَ فَالتَّشْبِيهُ فِي أَنَّ الْجَهْلَ بِالسَّبْقِ كَحَالَةِ
الْمَعِيَّةِ ط (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ مَعًا بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ
السَّبْقَ (قَوْلُهُ وَفَسَدَ إلَخْ) لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِهِمَا
مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً نَهْرٌ، وَهَذَا
تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا كَذَلِكَ، وَسَكَتَ عَنْ
مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ ارْتَدَّا مَعًا لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ
وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ عَاجِلٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْآخَرِ)
وَكَذَا لَوْ بَقِيَ أَحَدُهُمَا مُرْتَدًّا بِالْأَوْلَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ
قَبْلَ الدُّخُولِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ فِي الْوَجْهَيْنِ
لِأَنَّ الْمَهْرَ يَتَقَرَّرُ بِالدُّخُولِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ
وَالدُّيُونُ لَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَوْ
الْمُتَأَخِّرُ هِيَ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا بِسَبَبِ
تَأَخُّرِهَا (قَوْلُهُ فَنِصْفُهُ) أَيْ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ أَوْ
مُتْعَةٌ عِنْدَ عَدَمِهَا.
[مَطْلَبُ الْوَلَدِ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا]
(قَوْلُهُ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا) هَذَا
يُتَصَوَّرُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ الْعَارِضِ، بِأَنْ
كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ
قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْآخَرِ، وَالتَّفْرِيقِ أَوْ بَعْدَهُ فِي
مُدَّةٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي مِثْلِهَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ
صَغِيرٌ قَبْلَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا
يَصِيرُ الْوَلَدُ مُسْلِمًا. وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ الْأَصْلِيِّ
فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ كِتَابِيَّةً وَالْأَبُ
مُسْلِمًا فَتْحٌ وَنَهْرٌ [تَنْبِيهٌ]
يُشْعِرُ التَّعْبِيرُ بِالْأَبَوَيْنِ إخْرَاجَ وَلَدِ الزِّنَا.
وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الشَّلَبِيِّ قَالَ: وَاقِعَةُ
الْفُتُونِ فِي زَمَانِنَا: مُسْلِمٌ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَأَتَتْ
بِوَلَدٍ فَهَلْ يَكُونُ مُسْلِمًا؟ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
بِعَدَمِهِ وَبَعْضُهُمْ بِإِسْلَامِهِ. وَذُكِرَ
(3/196)
وَلَوْ حُكْمًا، بِأَنْ كَانَ الصَّغِيرُ
فِي دَارِنَا وَالْأَبُ ثَمَّةَ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَالْمَجُوسِيُّ،
وَمِثْلُهُ) كَوَثَنِيٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَنَّ السُّبْكِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّ
الشَّارِعَ قَطَعَ نَسَبَ وَلَدِ الزِّنَا وَبِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا
تَحِلُّ لَهُ عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْلِمًا. وَأَفْتَى قَاضِي
الْقُضَاةِ الْحَنْبَلِيُّ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا، وَتَوَقَّفْت عَنْ
الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ النَّسَبِ عَنْ أَبِيهِ
حَتَّى لَا يَرِثَهُ فَقَدْ صَرَّحُوا عِنْدَنَا بِأَنَّ بِنْتَه مِنْ
الزِّنَا لَا تَحِلُّ لَهُ، وَبِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لِابْنِهِ
مِنْ الزِّنَا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَاَلَّذِي يَقْوَى
عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا،
وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ احْتِيَاطًا نَظَرًا
لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا. اهـ.
قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ
هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ» فَإِنَّهُمْ قَالُوا
إنَّهُ جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْفِطْرَةِ، فَإِذَا
لَمْ يَتَّفِقَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ أَوْ عَلَى مَا هُوَ
أَقْرَبُ إلَيْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيًّا وَالْآخَرُ
كِتَابِيًّا فَهُوَ كِتَابِيٌّ كَمَا يَأْتِي وَهُنَا لَيْسَ لَهُ
أَبَوَانِ مُتَّفِقَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْفِطْرَةِ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا
إنَّ إلْحَاقَهُ بِالْمُسْلِمِ أَوْ بِالْكِتَابِيِّ أَنْفَعُ لَهُ، وَلَا
شَكَّ أَنَّ النَّظَرَ لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ أَنْفَعُ لَهُ،
وَأَيْضًا حَيْثُ نَظَرُوا لِلْجُزْئِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ
احْتِيَاطًا فَلْيُنْظَرْ إلَيْهَا هُنَا احْتِيَاطًا أَيْضًا، فَإِنَّ
الِاحْتِيَاطَ بِالدِّينِ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْكُفْرَ أَقْبَحُ الْقَبِيحِ
فَلَا يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِهِ عَلَى شَخْصٍ بِدُونِ أَمْرٍ صَرِيحٍ
وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي حُرْمَةِ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَا إنَّ الشَّرْعَ
قَطَعَ النِّسْبَةَ إلَى الزَّانِي لِمَا فِيهَا مِنْ إشَاعَةِ
الْفَاحِشَةِ فَلَمْ يُثْبِتْ النَّفَقَةَ وَالْإِرْثَ لِذَلِكَ، وَهَذَا
لَا يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ
لَهَا فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّسْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ
فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. [تَتِمَّةٌ]
ذَكَرَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي سَيْرِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ أَنَّ الْوَلَدَ
لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ وَلَوْ أَبُوهُ مَيِّتًا،
وَأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْجَدُّ
كَالْأَبِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَابِعًا لَهُ لَكَانَ تَابِعًا لِجَدِّ
الْجَدِّ وَهَكَذَا، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مُسْلِمِينَ
بِإِسْلَامِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِيهِ أَيْضًا الصَّغِيرُ
تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الدِّينِ فَإِنْ انْعَدَمَا
فَلِذِي الْيَدِ فَإِنْ عُدِمَتْ فَلِلدَّارِ وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا
أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ
تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ. اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِالْبُلُوغِ أَوْ
بِالْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ مِنْ
بَابِ الْجَنَائِزِ. وَذَكَرَ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ
فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ
الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصَّغِيرِ بَيْنَ أَنْ يَعْقِلَ أَوْ
لَا، وَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَشَرْحِهِ
قُلْت: وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ
قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ مَا نَصُّهُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ
يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا
يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ، فَقَدْ نَصَّ هَا هُنَا عَلَى
أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَيْضًا أَنَّ
التَّبَعِيَّةَ تَنْقَطِعُ بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا. اهـ. أَيْ فَلَوْ بَلَغَ
مَجْنُونًا تَبْقَى التَّبَعِيَّةُ، فَقَدْ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مَا فِي
الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلَدِ هُنَا الطِّفْلُ
الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ خَطَأٌ كَمَا سَمِعْته مِنْ عِبَارَةِ
السَّرَخْسِيِّ وَإِنْ أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الشَّلَبِيُّ
لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ
الْكَبِيرِ وَالسِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي هَذِهِ
الْكُتُبِ، وَلِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ أَيْضًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاتِّحَادُ حَقِيقَةً أَوْ
حُكْمًا كَأَنْ يَكُونَ خَيْرُ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ حُكْمًا فَقَطْ كَمَا
مَثَّلَ بِهِ الشَّارِحُ. وَاحْتَرَزَ عَنْ اخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً
وَحُكْمًا بِأَنْ كَانَ الْأَبُ فِي دَارِنَا وَالصَّغِيرَةُ ثَمَّةَ،
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. اهـ. ح. قُلْت وَمَا
فِي الْفَتْحِ مِنْ جَعْلِهِ حُكْمَ الْعَكْسِ كَمَا قَبْلَهُ قَالَ فِي
الْبَحْرِ إنَّهُ سَهْوٌ (قَوْلُهُ وَالْمَجُوسِيُّ شَرٌّ مِنْ
الْكِتَابِيِّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَرْدَفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ
لِبَيَانِ أَنَّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ لَوْ كَانَ كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ
مَجُوسِيًّا كَانَ الْوَلَدُ كِتَابِيًّا نَظَرًا لَهُ فِي الدُّنْيَا
لِاقْتِرَابِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَحْكَامِ مِنْ حِلِّ
الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ نُقْصَانِ
الْعِقَابِ كَذَا فِي الْفَتْحِ؛ يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ بَعْدَ
الْبُلُوغِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ
فِي الْجَنَّةِ
(3/197)
وَسَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ (شَرٌّ مِنْ
الْكِتَابِيِّ) وَالنَّصْرَانِيُّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ فِي
الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ لَا ذَبِيحَةَ لَهُ بَلْ يُخْنَقُ كَمَجُوسِيٍّ
وَفِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ عَذَابًا. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ
قَالَ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ
كَفَرَ لِإِثْبَاتِهِ الْخَيْرَ لِمَا قَبُحَ بِالْقَطْعِيِّ.
لَكِنْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ الْمَجُوسَ أَسْعَدُ حَالَةً مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ لِإِثْبَاتِ الْمَجُوسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ الْإِمَامُ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي حَيِّزِ
الْجُمْلَةِ الْأُولَى تَحَامِيًا عَمَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ
مِنْ إطْلَاقِ الْخَيْرِ عَلَى الْكِتَابِيِّ، بَلْ الشَّرُّ ثَابِتٌ فِيهِ
غَيْرَ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ شَرٌّ. اهـ.، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ
وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا الْمُرَادُ بِهِ دِينُ
الْإِسْلَامِ فَقَطْ لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ،
فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهَا مُجَرَّدَ بَيَانِ أَنَّ
الْمَجُوسِيَّ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ إذْ لَا دَخْلَ لَهُ فِي بَحْثِهِ،
بَلْ الْمُرَادُ بَيَانُ لَازِمِهِ الْمَقْصُودِ هُنَا وَهُوَ تَبَعِيَّةُ
الْوَلَدِ لِأَخَفِّهِمَا شَرًّا فَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ،
وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ عَنْهَا بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى بِأَنْ يُرَادَ
بِالدِّينِ الْأَعَمُّ تَحَامِيًا عَنْ إطْلَاقِ الْخَيْرِيَّةِ عَلَى
غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَسَائِرُ أَهْلِ
الشِّرْكِ) مِمَّنْ لَا دِينَ لَهُ سَمَاوِيًّا (قَوْلُهُ
وَالنَّصْرَانِيُّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ) وَكَذَا نَقَلَهُ فِي
الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخَبَّازِيَّةِ. وَنَقَلَ عَنْ
الْخُلَاصَةِ عَكْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ
كَوْنُ الْوَلَدِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ يَهُودِيَّةٍ وَنَصْرَانِيٍّ أَوْ
عَكْسَهُ تَبَعًا لِلْيَهُودِيِّ لَا النَّصْرَانِيِّ اهـ أَيْ وَلَيْسَ
بِالْوَاقِعِ نَهْرٌ.
قُلْت: بَلْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ لِأَنَّهُ
قَالَ إنَّ فَائِدَتَهُ خِفَّةُ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَكَذَا فِي
الدُّنْيَا، لِمَا فِي أُضْحِيَّةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ: يُكْرَهُ الْأَكْلُ
مِنْ طَعَامِ الْمَجُوسِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ
يَطْبُخُ الْمُنْخَنِقَةَ وَالْمَوْقُوذَةَ وَالْمُتَرَدِّيَةَ
وَالنَّصْرَانِيُّ لَا ذَبِيحَةَ لَهُ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ ذَبِيحَةَ
الْمُسْلِمِ أَوْ يَخْنُقُ وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ الْيَهُودِيِّ لِأَنَّهُ
لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ. اهـ.،
فَعُلِمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ فِي أَحْكَامِ
الدُّنْيَا أَيْضًا. اهـ. كَلَامُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا
ذَبِيحَةَ لَهُ) أَيْ لَا يَذْبَحُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَلْ يَخْنُقُ،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ
لِمُنَافَاتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ حِلِّ
ذَبِيحَتِهِ وَلَوْ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ خ (قَوْلُهُ أَشَدُّ
عَذَابًا) لِأَنَّ نِزَاعَ النَّصَارَى فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَنِزَاعَ
الْيَهُودِ فِي النُّبُوَّاتِ وقَوْله تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] كَلَامُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ
قَلِيلَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ، وقَوْله تَعَالَى
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً} [المائدة: 82] الْآيَةَ لَا
يُرَدُّ لِأَنَّ الْبَحْثَ فِي قُوَّةِ الْكُفْرِ وَشِدَّتِهِ لَا فِي
قُوَّةِ الْعَدَاوَةِ وَضَعْفِهَا. اهـ. بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَفَرَ
إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ
الْكِتَابِيَّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ يَكْفُرُ مَعَ أَنَّ هَذِهِ
الْعِبَارَةَ وَقَعَتْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ
بِالْفَرْقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَا خَيْرِيَّةَ لِإِحْدَى
الْمِلَّتَيْنِ أَيْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ عَلَى الْأُخْرَى
فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ
بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجُوسِيِّ لِلْفُرْقَةِ بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ
مُخَالِفٌ لِمَا حَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ شَرٌّ مِنْ
الْيَهُودِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وَأَمَّا
ثَانِيًا فَلِأَنَّ عِلَّةَ الْإِكْفَارِ هِيَ إثْبَاتُ الْخَيْرِ لِمَا
قَبُحَ قَطْعًا لَا لِعَدَمِ خَيْرِيَّةِ إحْدَى الْمِلَّتَيْنِ عَلَى
الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ هَذِهِ لَمْ يَلْزَمْ
الْإِكْفَارُ، وَحِينَئِذٍ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ خَيْرٌ
مِنْ الْيَهُودِيَّةِ مِثْلُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكِتَابِيَّ خَيْرٌ مِنْ
الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْخَيْرِيَّةِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ
لَا خَيْرَ فِيهِ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ شَرًّا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ
الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ، وَأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ
لَفْظَ خَيْرٍ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا كَمَا يُقَالُ
فِي الْمِثْلِ: الرَّمَدُ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَى، وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ
وَلَكِنْ قَتْلُ الْحُرِّ خَيْرٌ مِنْ الْأَسْرِ
ثُمَّ رَأَيْت فِي آخِرِ الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ يَقُولُونَ
هَذَا أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفًا وَلَا
يُرِيدُونَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ. اهـ. وَهَذَا عَيْنُ مَا قُلْته،
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ حِينَئِذٍ، فَالْقَوْلُ بِالْإِكْفَارِ مَبْنِيٌّ
عَلَى إرَادَةِ ثُبُوتِ الْخَيْرِيَّةِ سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَ أَفْعَلُ
التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ أَوْ أُرِيدَ أَصْلُ الْفِعْلِ كَمَا فِي -
أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ - وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا
قُلْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَكِنْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ
إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ
الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَخْ،
وَوَجْهُ
(3/198)
خَالِقَيْنِ فَقَطْ وَهَؤُلَاءِ خَالِقًا
لَا عَدَدَ لَهُ بَزَّازِيَّةٌ وَنَهْرٌ
(وَلَوْ) (تَمَجَّسَ أَبُو صَغِيرَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ تَحْتَ مُسْلِمٍ)
بَانَتْ بِلَا مَهْرٍ وَلَوْ كَانَ (قَدْ مَاتَتْ الْأُمُّ نَصْرَانِيَّةً)
مَثَلًا وَكَذَا عَكْسُهُ (لَمْ تَبِنْ) لِتَنَاهِي التَّبَعِيَّةِ
بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ذِمِّيًّا أَوْ مُسْلِمًا أَوْ مُرْتَدًّا فَلَمْ
تَبْطُلْ بِكُفْرِ الْآخَرِ.
وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ ارْتَدَّا لَمْ تَبِنْ مَا لَمْ يَلْحَقَا، وَلَوْ
بَلَغْت عَاقِلَةً مُسْلِمَةً ثُمَّ جُنَّتْ فَارْتَدَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ تَعْبِيرَ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقَوْلِ بِأَنَّ
النَّصْرَانِيَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَبِأَنَّ الْكِتَابِيَّ
خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ أَسَعْدِيَّةِ
الْمَجُوسِ وَخَيْرِيَّتِهِمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ. قَالَ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ: أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ
كَوْنُهُمْ خَيْرًا مِنْ كَذَا مُطْلَقًا لَا كَوْنُهُمْ أَسْعَدَ حَالًا
بِمَعْنَى أَقَلَّ مُكَابَرَةً وَأَدْنَى إثْبَاتًا لِلشِّرْكِ، إذْ
يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كُفْرُ بَعْضِهِمْ أَخَفُّ مِنْ بَعْضٍ وَعَذَابُ
بَعْضٍ أَدْنَى مِنْ بَعْضٍ وَأَهْوَنُ، أَوْ الْحَالُ بِمَعْنَى الْوَصْفِ
كَذَا قِيلَ وَلَا يَتِمُّ. اهـ. أَيْ لَا يَتِمُّ هَذَا الْجَوَابُ
لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ تَأْوِيلُ هَذَا بِمَا ذُكِرَ صَحَّ تَأْوِيلُ ذَاكَ
بِمِثْلِهِ، وَكَوْنُ أَسْعَدَ مُسْنَدًا إلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ فَاعِلَ
مَعْنَى أَوْ كَوْنَ الْحَالِ بِمَعْنَى الْوَصْفِ لَا يُفِيدُ. قَالَ فِي
النَّهْرِ: لَكِنْ مُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
الْقَوْلُ بِالْكُفْرِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ
لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ.
اهـ. وَفِيهِ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْفُصُولَيْنِ مَعَ تَعْلِيلِهِ هُوَ
مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَالتَّحْرِيرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ
وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ " الْجَوَازُ لِمَا سَمِعْت مِنْ
وُقُوعِهِ فِي كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ خَالِقَيْنِ) هُمَا النُّورُ
الْمُسَمَّى يَزْدَانُ وَالظُّلْمَةُ الْمُسَمَّاةُ أَهْرَمْنُ ح (قَوْلُهُ
خَالِقًا لَا عَدَدَ لَهُ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا إنَّ الْحَيَوَانَ يَخْلُقُ
أَفْعَالَهُ الِاخْتِيَارِيَّةَ ح.
قُلْت: وَتَكْفِيرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِيهِ كَلَامٌ وَالْمُعْتَمَدُ
خِلَافُهُ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
الْبُغَاةِ
(قَوْلُهُ بَانَتْ) أَيْ تَمَجَّسَتْ الْأُمُّ أَيْضًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى
هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَعَ هَذَا الْإِيهَامِ، وَالْأَحْسَنُ إبْقَاءُ
الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ. وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّارِحَ زَادَ أَلِفًا فِي
قَوْلِ الْمَتْنِ أَبُو صَغِيرَةٍ فَصَارَ أَبَوْا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ
فَأَسْقَطَهَا النُّسَّاخُ، فَلْتُرَاجِعْ النُّسَخُ. وَذَكَرَ ط عَنْ
الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ مِثْلَ الصَّغِيرَةِ مَا إذَا بَلَغَتْ مَعْتُوهَةً
لِبَقَائِهَا تَابِعَةً لِلْأَبَوَيْنِ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ لَيْسَ
لِلْمَعْتُوهَةِ إسْلَامٌ بِنَفْسِهَا حَقِيقَةً فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ
الصَّغِيرَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
(قَوْلُهُ بِلَا مَهْرٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ح (قَوْلُهُ
مَثَلًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ مَاتَتْ: أَيْ أَنَّ الْمَوْتَ غَيْرُ
قَيْدٍ، أَوْ إلَى قَوْلِهِ نَصْرَانِيَّةً أَيْ أَوْ يَهُودِيَّةً
(قَوْلُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ) بِأَنْ تَمَجَّسَتْ أُمُّهَا بَعْدَ أَنْ
مَاتَ أَبُوهَا نَصْرَانِيًّا ح (قَوْلُهُ لِتَنَاهِي التَّبَعِيَّةِ) أَيْ
انْتِهَاءِ تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأَبَوَيْنِ (قَوْلُهُ بِمَوْتِ
أَحَدِهِمَا ذِمِّيًّا إلَخْ) أَيْ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْكِتَابِيَّيْنِ
ذِمِّيًّا أَوْ مُسْلِمًا ثُمَّ تَمَجَّسَ الْبَاقِي مِنْهُمَا لَا
يَتْبَعُهُ الْوَلَدُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا مُرْتَدًّا، لِأَنَّ
حُكْمَ الْمُرْتَدِّ الْجَبْرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَهُ حُكْمُ
الْمُسْلِمِ، حَتَّى أَنَّ كَسْبَ إسْلَامِهِ يَرِثُهُ وَارِثُهُ
الْمُسْلِمُ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ الْكِتَابِيِّ
وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فِي دَارِنَا
مُسْلِمًا أَوْ مُرْتَدًّا ثُمَّ ارْتَدَّ الْآخَرُ وَلَحِقَ بِهَا ثُمَّ
بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَبِنْ وَيُصَلَّى عَلَيْهَا إذَا مَاتَتْ لِأَنَّ
التَّبَعِيَّةَ حُكْمٌ تَنَاهَى بِالْمَوْتِ مُسْلِمًا وَكَذَا بِالْمَوْتِ
مُرْتَدًّا لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ
تَبْطُلْ) أَيْ التَّبَعِيَّةُ بِكُفْرِ الْآخَرِ. قَالَ ط: وَالْأَوْلَى
أَنْ يَقُولَ يَتَمَجَّسُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا كَافِرًا
غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى حَالَةٍ مِنْ الْكُفْرِ شَرٍّ
مِنْ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّبَعِيَّةَ
إنَّمَا تَنَاهَتْ وَانْقَطَعَتْ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ الْوَالِدَيْنِ
بِتَمَجُّسِهِ لَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ مَنْ
بَقِيَ تَبِعَتْهُ ابْنَتُهُ. اهـ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ انْقِطَاعُ التَّبَعِيَّةِ عَنْ الْبَاقِي
مِنْهُمَا إذَا انْتَقَلَ إلَى حَالَةٍ دُونَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا،
لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ
دِينًا أَوْ أَخَفَّهُمَا شَرًّا، فَالْمُرَادُ بِالتَّبَعِيَّةِ
الْمُتَنَاهِيَةِ هَذِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَمْ تَبِنْ) لِأَنَّ
الْبِنْتَ مُسْلِمَةٌ تَبَعًا لَهُمَا وَتَبَعًا لِلدَّارِ بَحْرٌ
(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَلْحَقَا) أَيْ بِالْبِنْتِ، فَإِنْ لَحِقَا بِهَا
بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الدَّارِ بَحْرٌ أَيْ
بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَلِأَنَّهَا صَارَتْ
مُرْتَدَّةً تَبَعًا لَهُمَا قَالَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ
الْكَبِيرِ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَعْقِلُ
(3/199)
لَمْ تَبِنْ مُطْلَقًا. مُسْلِمٌ تَحْتَهُ
نَصْرَانِيَّةٌ فَتَمَجَّسَا أَوْ تَنَصَّرَا بَانَتْ.
(وَلَا) يَصْلُحُ (أَنْ يُنْكِحَ مُرْتَدٌّ أَوْ مُرْتَدَّةٌ أَحَدًا) مِنْ
النَّاسِ مُطْلَقًا.
(أَسْلَمَ) الْكَافِرُ (وَتَحْتَهُ خَمْسُ نِسْوَةٍ فَصَاعِدًا أَوْ
أُخْتَانِ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتُهَا) (بَطَلَ نِكَاحُهُنَّ إنْ
تَزَوَّجَهُنَّ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ رَتَّبَ فَالْآخَرُ) بَاطِلٌ.
وَخَيَّرَهُ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ عَمَلًا بِحَدِيثِ فَيْرُوزَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَتُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا حَيْثُ لَا تَبِينُ وَإِنْ لَحِقَا بِهَا،
إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ بِنَفْسِهَا فَحِينَئِذٍ تَبِينُ عِنْدَهُمَا
خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ
أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَا تَنْقَطِعُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَقَيَّدْنَا
بِلِحَاقِهِمَا بِالْبِنْتِ لِأَنَّهُ إذَا لَحِقَا وَتَرَكَاهَا
فَإِنَّهَا لَا تَبِينُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَوْ تَمَجَّسَا أَوْ
ارْتَدَّا تَأَمَّلْ فَتَدَبَّرْ. اهـ.
قُلْت: الْفَرْقُ ظَاهِرٌ: وَهُوَ أَنَّ الْبِنْتَ بِارْتِدَادِ
أَبَوَيْهَا الْمُسْلِمَيْنِ تَبْقَى مُسْلِمَةً تَبَعًا لَهُمَا
وَلِلدَّارِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُسْلِمٌ حُكْمًا لِجَبْرِهِ عَلَى
الْإِسْلَامِ، فَلِذَا لَمْ تَبُنْ مِنْ زَوْجِهَا مَا لَمْ يَلْحَقَا
بِهَا لِلتَّبَايُنِ وَانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْجَبْرِ، بِخِلَافِ
تَمَجُّسِ أَبَوَيْهَا النَّصْرَانِيِّينَ لِأَنَّهَا تَتْبَعُهُمَا فِي
التَّمَجُّسِ لِعَدَمِ جَبْرِهِمَا عَلَى الْعَوْدِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ
فَصَارَ كَارْتِدَادِ الْمُسْلِمَيْنِ مَعَ لِحَاقِهِمَا، وَلَا يُمْكِنُ
تَبَعِيَّتُهَا لِلدَّارِ مَعَ بَقَاءِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ فَلِذَا
بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَمْ تَبِنْ مُطْلَقًا) أَيْ
سَوَاءٌ لَحِقَا بِهَا أَوْ لَا لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ أَصَالَةً لَا
تَبَعًا، وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّةُ الْعَاقِلَةُ أَسْلَمَتْ ثُمَّ جُنَّتْ
لِأَنَّهَا صَارَتْ أَصْلًا فِي الْإِسْلَامِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ
(قَوْلُهُ فَتَمَجَّسَا) أَيْ الْمُسْلِمُ وَزَوْجَتُهُ النَّصْرَانِيَّةُ
مَعًا، وَقَوْلُهُ أَوْ تَنَصَّرَا صَوَابُهُ أَوْ تَهَوَّدَا لِأَنَّ
مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الزَّوْجَةَ نَصْرَانِيَّةٌ. قَالَ فِي
النَّهْرِ: قَيَّدَ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ
نَصْرَانِيَّةٌ فَتَهَوَّدَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا.
وَاخْتَلَفَ الشَّيْخَانِ فِيمَا لَوْ تَمَجَّسَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ
تَقَعُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَقَعُ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الزَّوْجَ
لَا يُقِرُّ عَلَى ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ تُقِرُّ فَصَارَ كَرِدَّةِ
الزَّوْجِ وَحْدَهُ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بِأَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَا
تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ فَأَحْدَثَهَا كَالِارْتِدَادِ اهـ أَيْ
فَكَأَنَّهُمَا ارْتَدَّا مَعًا. ثُمَّ الَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ
الْمُحِيطِ تَأْخِيرُ تَعْلِيلِ أَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُهُ،
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا تَقَعُ الْفُرْقَةُ عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ
(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مُرْتَدًّا وَهُوَ
تَأْكِيدٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ النَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ ح
(قَوْلُهُ وَخَيَّرَهُ مُحَمَّدٌ) أَيْ خَيَّرَ مُحَمَّدٌ هَذَا الَّذِي
أَسْلَمَ فِي اخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ مُطْلَقًا أَيْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ
أَيِّ أَرْبَعٍ كَانَتْ، وَخَيَّرَهُ أَيْضًا فِي اخْتِيَارِ أَيِّ
الْأُخْتَيْنِ شَاءَ وَالْبِنْتُ أَيْ يَخْتَارُ الْبِنْتَ فِي هَذِهِ
الصُّورَةِ لَا الْأُمَّ أَوْ يَتْرُكُهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ رُوِيَ
«أَنَّ غَيْلَانَ الدَّيْلَمِيَّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرَةُ نِسْوَةٍ
أَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَخَيَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَاخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ، وَكَذَا فَيْرُوزُ
الدَّيْلَمِيُّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ فَخَيَّرَهُ فَاخْتَارَ
إحْدَاهُمَا» وَإِنَّمَا يَخْتَارُ الْبِنْتَ لِأَنَّ نِكَاحَهَا أَمْنَعُ
فِي نِكَاحِ الْأُمِّ مِنْ نِكَاحِ الْأُمِّ لَهَا.
وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ فَاسِدَةٌ، لَكِنْ لَا نَتَعَرَّضُ
لَهُمْ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ، فَإِذَا
أَسْلَمُوا يَجِبُ التَّعَرُّضُ وَتَخْيِيرُ غَيْلَانَ وَفَيْرُوزَ كَانَ
فِي التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ح عَنْ الْمِنَحِ. وَقَوْلُهُ فِي
التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ: أَيْ التَّزَوُّجِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ
وَمَا ذَكَرَهُ فِي نِكَاحِ الْبِنْتِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ
بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ فَإِنْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَ
الثَّانِيَةَ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الدُّخُولَ مُحَرَّمٌ سَوَاءٌ
كَانَ بِالْأُمِّ أَوْ الْبِنْتِ، وَإِنْ دَخَلَ بِالثَّانِيَةِ فَقَطْ،
فَإِنْ كَانَتْ الْأُمَّ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا جَمِيعًا اتِّفَاقًا لِأَنَّ
نِكَاحَ الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَالدُّخُولُ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ
الْبِنْتَ وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لَا أَنَّ لَهُ
تَزَوُّجَ الْبِنْتِ دُونَ الْأُمِّ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: نِكَاحُ الْبِنْتِ هُوَ الْجَائِزُ قَدْ دَخَلَ بِهَا
وَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَنِكَاحُ الْأُمِّ بَاطِلٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ
(3/200)
قُلْنَا: كَانَ تَخْيِيرُهُ فِي التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَلَغَتْ
الْمُسْلِمَةُ الْمَنْكُوحَةُ وَلَمْ تَصِفْ الْإِسْلَامَ بَانَتْ وَلَا
مَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى
بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ عِنْدَهَا وَتُقِرُّ بِذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِي
الْكَافِي. |