رد
المحتار على الدر المختار كِتَابُ الْأَيْمَانِ
مُنَاسَبَتُهُ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ، وَقَدَّمَ
الْعَتَاقَ لِمُشَارَكَتِهِ لِلطَّلَاقِ فِي الْإِسْقَاطِ وَالسِّرَايَةِ.
(الْيَمِينُ) لُغَةً الْقُوَّةُ. وَشَرْعًا (عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ قَوِيٍّ
بِهِ عَزَمَ الْحَالِفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ
لَمْ يَصِحَّ تَأَمَّلْ وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ الْمِلْحَفَةِ وَالْقَمِيصِ
وَالْمِقْنَعَةِ فِي الْمُتْعَةِ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ وَلَا
شَيْءَ لِلْمُدَبَّرِ) أَيْ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا بَحْرٌ عَنْ
الْمُجْتَبَى، ثُمَّ هَلْ الْمُدَبَّرَةُ كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ،
وَلْيُنْظَرْ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ
لِمَوْلَاهُ إلَّا ثَوْبًا يُوَارِي الْعَبْدَ أَيَّ ثَوْبٍ شَاءَ
الْمَوْلَى.
[تَتِمَّةٌ] نَقَلَ ط فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ قَاضِي خَانَ: سُئِلَ أَبُو
بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ أُمَّ وَلَدٍ هَلْ يَجِبُ لَهَا
النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَلَهَا
النَّفَقَةُ وَإِلَّا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. اهـ.
قُلْت: الْمُرَادُ أَنَّهَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى وَلَدِهَا وَلَوْ
صَغِيرًا كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ عَنْ
الذَّخِيرَةِ أَيْ فَتُنْفِقُ مِنْ مَالِ وَلَدِهَا الَّذِي وَرِثَهُ لَا
مِنْ أَصْلِ مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ صَارَ مَالَ الْوَرَثَةِ وَهِيَ
أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُمْ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]
(قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْ
الْيَمِينِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ فِي أَنَّ الْهَزْلَ
وَالْإِكْرَاهَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ قُدِّمَ النِّكَاحُ
لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِبَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالطَّلَاقُ
رَفْعُهُ بَعْدَ تَحْقِيقِهِ فَإِيلَاؤُهُ إيَّاهُ أَوْجَهُ وَاخْتَصَّ
الْعَتَاقُ عَنْ الْيَمِينِ بِزِيَادَةِ مُنَاسَبَتِهِ بِالطَّلَاقِ مِنْ
جِهَةِ مُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي تَمَامِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ
الْإِسْقَاطُ، وَفِي لَازِمِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ السِّرَايَةُ
فَقَدَّمَهُ عَلَى الْيَمِينِ (قَوْلُهُ فِي الْإِسْقَاطِ) فَإِنَّ
الطَّلَاقَ إسْقَاطُ قَيْدِ النِّكَاحِ وَالْعَتَاقُ إسْقَاطُ قَيْدِ
الرِّقِّ ط (قَوْلُهُ وَالسِّرَايَةُ) فَإِذَا طَلَّقَ نِصْفَهَا سَرَى
إلَى الْكُلِّ، وَكَذَا الْعِتْقُ: أَيْ عِنْدَهُمَا، لِقَوْلِهِمَا
بِعَدَمِ تَجَزِّيهِ أَمَّا عِنْدَهُ فَهُوَ مُتَجَزٍّ ط (قَوْلُهُ لُغَةً
الْقُوَّةُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْيَمِينُ لُغَةً لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ
بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْقَسَمِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ
كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ: سُمِّي الْحَلِفُ يَمِينًا لِأَنَّ
الْحَالِفَ يَتَقَوَّى بِالْقَسَمِ، أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَكُونَ
بِأَيْمَانِهِمْ عِنْدَ الْقَسَمِ. يُفِيدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ
لَفْظَ الْيَمِينِ مَنْقُولٌ. اهـ.
أَقُولُ: هُوَ مَنْقُولٌ مِنْ أَصْلِ اللُّغَةِ إلَى عُرْفِهَا، فَلَا
يُنَافِي كَوْنَهُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ،
وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْقُوَّةِ لِظُهُورِ
الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ
الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ ح.
قُلْت: أَوْ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ
التَّعْلِيقِ: إنَّ الْيَمِينَ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ؛ وَسُمِّيَتْ
إحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْيَمِينِ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا عَلَى الْأُخْرَى،
وَسُمِّيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى يَمِينًا لِإِفَادَتِهِ
الْقُوَّةَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَلَا
شَكَّ أَنَّ تَعْلِيقَ الْمَكْرُوهِ لِلنَّفْسِ عَلَى أَمْرٍ يُفِيدُ
قُوَّةَ الِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَتَعْلِيقُ الْمَحْبُوبِ
لَهَا عَلَى ذَلِكَ يُفِيدُ الْحَمْلَ عَلَيْهِ فَكَانَ يَمِينًا. اهـ.
فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ أَصْلَ الْمَادَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ ثُمَّ
اُسْتُعْمِلَتْ فِي اللُّغَةِ لَمَعَانٍ أُخَرَ لِوُجُودِ الْمَعْنَى
الْأَصْلِيِّ فِيهَا كَلَفْظِ الْكَافِرِ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السِّتْرُ.
فَيُطْلَقُ عَلَى الْكَافِرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكَافِرِ النِّعْمَةِ؛
وَعَلَى اللَّيْلِ. وَعَلَى الْفَلَاحِ. وَهَكَذَا فِي كَثِيرِ مِنْ
الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى أَشْيَاءَ تَرْجِعُ
إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ عَامٍّ
(3/702)
عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ) فَدَخَلَ
التَّعْلِيقُ فَإِنَّهُ يَمِينٌ شَرْعًا إلَّا فِي خَمْسٍ مَذْكُورَةٍ فِي
الْأَشْبَاهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا لَفْظُ الِاشْتِرَاكِ نَظَرًا إلَى
اتِّحَادِ الْمَادَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَعَانِي، وَأَنْ يُطْلَقَ
عَلَيْهَا لَفْظُ الْمَنْقُولِ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ
الَّذِي تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ يُهْجَرُ
فِيهِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ،
فَإِنَّ الْيَمِينَ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْحَلِفِ لَا يُرَادُ بِهِ
الْقُوَّةُ لُغَةً، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِهِ
أَنَّهُ مَنْقُولٌ، وَمَفْهُومُهُ لُغَةً جُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ
صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكَّدُ بِهَا جُمْلَةٌ بَعْدَهَا خَبَرِيَّةٌ
فَاحْتُرِزَ بِأُولَى عَنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ بِالْجُمْلَةِ
نَحْوَ: زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ، فَإِنَّ الْمُؤَكِّدَ فِيهِ هُوَ
الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى عَكْسُ الْيَمِينِ، وَبِإِنْشَائِيَّةٍ عَنْ
التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا حَقِيقَةً لُغَةً إلَخْ وَقَوْلُهُ
يُؤَكَّدُ بِهَا إلَخْ إشَارَةٌ إلَى وُجُودِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ
وَهُوَ الْقُوَّةُ لَا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ، وَكَذَا إذَا
أُطْلِقَ عَلَى الْجَارِحَةِ لَا يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْقُوَّةِ بَلْ
الْيَدُ الْمُقَابِلَةُ لِلْيَسَارِ وَهِيَ ذَاتٌ وَالْقُوَّةُ عَرَضٌ،
فَقَدْ هَجَرَ فِيهِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيَّ وَإِنْ لُوحِظَ اعْتِبَارُهُ
فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ بَيَانُ
مَعْنَى الْيَمِينِ اللُّغَوِيِّ الْمُرَادِ بِهِ الْحَلِفُ لِيُقَابِلَ
بِهِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ بِالْمَعْنَى
الْأَصْلِيِّ فَغَيْرُ مَرْضِيٍّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ
التَّرْكِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعَزْمِ أَوْ ب (قَوِيَ) ط (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ
يَمِينٌ شَرْعًا) لِأَنَّهُ يَقْوَى بِهِ عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى
الْفِعْلِ فِي مِثْلِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ،
وَعَلَى التَّرْكِ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ:
وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ فِي اللُّغَةِ
أَيْضًا، قَالَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَمِينًا وَقَوْلُهُ
حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ.
مَطْلَبٌ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا فِي مَسَائِلَ
(قَوْلُهُ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ) عِبَارَتُهُ: حَلَفَ لَا يَحْلِفُ
حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: أَنْ يُعَلِّقَ بِأَفْعَالِ
الْقُلُوبِ أَوْ يُعَلِّقَ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ
أَوْ بِالتَّطْلِيقِ، أَوْ يَقُولُ إنْ أَدَّيْتَ إلَى كَذَا فَأَنْتَ
حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ، أَوْ إنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ
عِشْرِينَ حَيْضَةً أَوْ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا فِي الْجَامِعِ. اهـ.
قُلْت: وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ لِأَنَّهَا لَمْ
تَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ.
أَمَّا الْأُولَى كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَدْت أَوْ أَحْبَبْت فَلِأَنَّ
هَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّمْلِيكِ، وَلِذَا يُقْتَصَرُ عَلَى
الْمَجْلِسِ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ
إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ دُونَ
الْحَيْضِ فَلِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَيَانِ وَقْتِ السَّنَةِ لِأَنَّ
رَأْسَ الشَّهْرِ فِي حَقِّهَا وَقْتَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ لَا
فِي التَّعْلِيقِ.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَّقْتُك فَلِأَنَّهُ
يَحْتَمِلُ الْحِكَايَةَ عَنْ الْوَاقِعِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَالِكًا
لِتَطْلِيقِهَا فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ.
وَأَمَّا الرَّابِعَةُ كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ
حُرٌّ؛ وَإِنْ عَجَزْتَ فَأَنْتِ رَقِيقٌ فَلِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ
لِلْكِتَابَةِ.
وَأَمَّا الْخَامِسَةُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ عِشْرِينَ
حَيْضَةً فَلِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْكَامِلَةَ لَا وُجُودَ لَهَا إلَّا
بِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ فَيَقَعُ فِي الطُّهْرِ فَأَمْكَنَ
جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِطَلَاقِ السُّنَّةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ
لِلتَّعْلِيقِ، وَحَيْثُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ فِي هَذِهِ
الْخَمْسِ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيقِ حَيْثُ أَمْكَنَ غَيْرُهُ
صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْمَحْظُورِ وَهُوَ الْحَلِفُ
بِالطَّلَاقِ وَإِنَّمَا حَنِثَ فِي إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ
لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْبِدْعِيِّ لِأَنَّ الْبِدْعِيَّ
أَنْوَاعٌ، بِخِلَافِ السُّنِّيِّ فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَحَنِثَ
أَيْضًا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ مَعَ أَنَّ مَعْنَى
الْيَمِينِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ مَفْقُودٌ وَمَعَ أَنَّ
طُلُوعَ الشَّمْسِ مُتَحَقِّقُ الْوُجُودِ لَا خَطَرَ فِيهِ. لِأَنَّا
نَقُولُ: الْحَمْلُ وَالْمَنْعُ ثَمَرَةُ الْيَمِينِ وَحِكْمَتُهُ، فَقَدْ
تَمَّ الرُّكْنُ فِي الْيَمِينِ دُونَ الثَّمَرَةِ، وَالْحِكْمَةُ
وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ يَتَعَلَّقُ
بِالصُّورَةِ لَا بِالثَّمَرَةِ وَالْحِكْمَةِ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا
يَبِيعُ فَبَاعَ فَاسِدًا حَنِثَ لِوُجُودِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ
الْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَهُوَ الْمِلْكُ غَيْرُ ثَابِتٍ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ
شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِابْنِ بِلِبَانِ الْفَارِسِيِّ. وَبِهِ
ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْأَشْبَاهِ أَوْ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ سَبْقُ قَلَمٍ
وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ، أَوْ أَنْ يَقُولَ لَا بِطُلُوعِ
(3/703)
فَلَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ
بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ. وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَإِمْكَانُ
الْبِرِّ. وَحُكْمُهَا الْبِرُّ أَوْ الْكَفَّارَةُ. وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ
الْمُسْتَعْمَلُ فِيهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الشَّمْسِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ إلَخْ)
تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ التَّعْلِيقِ يَمِينًا، وَقَوْلُهُ حَنِثَ
بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ: أَيْ بِتَعْلِيقِهِمَا وَلَكِنْ فِيمَا عَدَا
الْمَسَائِلَ الْمُسْتَثْنَاةَ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ
الِاسْتِثْنَاءِ إلَى هُنَا كَمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ.
[تَنْبِيهٌ] يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا فِي كَافِي
الْحَاكِمِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَعَبْدِي
حُرٌّ وَقَالَ لِعَبْدِهِ إنْ حَلَفْت بِعِتْقِك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ
فَإِنَّ عَبْدَهُ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ،
وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَرَّرَهُ
ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ بِالْيَمِينِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَوْ
دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ
وَالتَّكْلِيفُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْحَالِفِ
مُكَلَّفًا مُسْلِمًا، وَفَسَّرَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ
التَّكْلِيفَ بِالْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، وَعَزَاهُ إلَى
الْبَدَائِعِ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى. اهـ. وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ
الْكَافِرَ عَلَى الصَّحِيحِ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ كَمَا
حَقَّقَ فِي الْأُصُولِ فَلَا يَخْرُجُ بِالتَّكْلِيفِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يُنَاسِبُ الْيَمِينَ
بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْيَمِينَ بِالْقُرَبِ نَحْوَ إنْ فَعَلَتْ كَذَا
فَعَلَيَّ صَلَاةٌ، وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ الْقُرَبِ نَحْوُ إنْ
فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْإِسْلَامُ كَمَا
لَا يَخْفَى ح.
مَطْلَبٌ فِي يَمِينِ الْكَافِرِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْيَمِينِ الْمُوجِبَةِ لِعِبَادَةٍ مِنْ
كَفَّارَةٍ أَوْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ فِي يَمِينِ التَّعْلِيقِ،
وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِيَمِينِ كَافِرٍ
وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا وَأَنَّ الْكُفْرَ يُبْطِلُهَا، فَلَوْ حَلَفَ
مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ
اهـ وَحِينَئِذٍ فَالْإِسْلَامُ شَرْطُ انْعِقَادِهَا وَشَرْطُ بَقَائِهَا.
وَأَمَّا تَحْلِيفُ الْقَاضِي لَهُ فَهُوَ يَمِينٌ صُورَةً رَجَاءَ
نُكُولِهِ كَمَا يَأْتِي، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ
فِي الْحِنْثِ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَلَا فِي تَرْكِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا
فِي حَالِ كُفْرِهِ بِالْأَوْلَى عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِ
بِالْفُرُوعِ. فَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ يَمِينَ الْكَافِرِ مُنْعَقِدَةٌ
لِغَيْرِ الْكَفَّارَةِ وَأَنَّ مَنْ شَرَطَ الْإِسْلَامَ نَظَرَ إلَى
حُكْمِهَا فَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَافْهَمْ. وَيُشْتَرَطُ خُلُوُّهَا عَنْ
الِاسْتِثْنَاءِ بِنَحْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي
غَيْرُ هَذَا أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى أَوْ أُحِبُّ كَمَا فِي ط عَنْ
الْهِنْدِيَّةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَنْ زَادَ الْحُرِّيَّةَ
كَالشُّمُنِّيِّ فَقَدْ سَهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ
وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. اهـ.
قُلْت: وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا عَدَمُ الْفَاصِلِ مِنْ سُكُوتٍ وَنَحْوِهِ.
فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَخَذَهُ الْوَالِي وَقَالَ قُلْ بِاَللَّهِ
فَقَالَ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ لَتَأْتِيَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ
الرَّجُلُ مِثْلَهُ فَلَمْ يَأْتِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ بِالْحِكَايَةِ
وَالسُّكُوتِ صَارَ فَاصِلَا بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَلِفِهِ.
اهـ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَعَهْدُ
الرَّسُولِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ عَهْدَ الرَّسُولِ
صَارَ فَاصِلًا هـ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَسَمًا بِخِلَافِ عَهْدِ اللَّهِ
(قَوْلُهُ وَإِمْكَانُ الْبِرِّ) أَيْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي
يُوسُفَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا
الْبِرُّ أَوْ الْكَفَّارَةُ) أَيْ الْبِرُّ أَصْلًا وَالْكَفَّارَةُ
خَلَفًا كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ
الْكَفَّارَةَ خَاصَّةٌ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ح وَأَرَادَ
الْبِرَّ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى
طَاعَةٍ، وَيَحْرُمُ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَيُنْدَبُ
فِيمَا إذَا كَانَ عَدَمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ جَائِزًا وَفِيهِ
زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي.
(3/704)
وَهَلْ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ
اللَّهِ تَعَالَى؟ قِيلَ نَعَمْ لِلنَّهْيِ وَعَامَّتُهُمْ لَا وَبِهِ
أَفْتَوْا لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى
الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ
بِأَبِيك وَلَعَمْرُك وَنَحْوَ ذَلِكَ عَيْنِيٌّ
(وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَمُوسِ
وَاللَّغْوِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى فَيَقَعُ بِهِمَا الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ
عَيْنِيٌّ فَلْيُحْفَظْ. وَلَا يُرَدُّ نَحْوُ هُوَ يَهُودِيٌّ لِأَنَّهُ
كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَجْهَ
الْكِنَايَةِ بَدَائِعُ (غَمُوسٌ) تَغْمِسُهُ فِي الْإِثْمِ ثُمَّ
النَّارِ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا، لَكِنَّ إثْمَ الْكَبَائِرِ
مُتَفَاوِتٌ نَهْرٌ (إنْ حَلَفَ عَلَى كَاذِبٍ عَمْدًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى
(قَوْلُهُ وَهَلْ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ)
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا
مَشْرُوعٌ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ
بِيَمِينٍ وَضْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ
لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ
الْمَنْعُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُكْرَهُ، وَتَقْلِيلُهُ
أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ
الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهَا، وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا
تُكْرَهُ لِأَنَّهَا يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي
زَمَانِنَا، وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ
بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ
وَأَبِيك وَلَعَمْرِي اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِهِ تَعَالَى تَارَةً يَحْصُلُ بِهَا
الْوَثِيقَةُ: أَيْ اتِّثَاقُ الْخَصْمِ بِصِدْقِ الْحَالِفِ
كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَرْفُ
الْقَسَمِ، وَتَارَةً لَا يَحْصُلُ مِثْلُ وَأَبِيك وَلَعَمْرِي فَإِنَّهُ
لَا يَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ فِيهِ شَيْءٌ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ
الْوَثِيقَةُ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثُ وَهُوَ
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا
فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى» إلَخْ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ
عَلَى غَيْرِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا لِمَا فِيهِ مِنْ
مُشَارَكَةِ الْمُقْسَمِ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْظِيمِ. وَأَمَّا
إقْسَامُهُ تَعَالَى بِغَيْرِهِ كَالضُّحَى وَالنَّجْمِ وَاللَّيْلِ
فَقَالُوا إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى، إذْ لَهُ أَنْ يُعَظِّمَ مَا
شَاءَ وَلَيْسَ لَنَا ذَلِكَ بَعْدَ نَهْيِنَا. وَأَمَّا التَّعْلِيقُ
فَلَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ بَلْ فِيهِ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ مَعَ
حُصُولِ الْوَثِيقَةِ فَلَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا
ذَكَرْنَاهُ.
وَإِنَّمَا كَانَتْ الْوَثِيقَةُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ
تَعَالَى فِي زَمَانِنَا لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْحِنْثِ وَلُزُومِ
الْكَفَّارَةِ. أَمَّا التَّعْلِيقُ فَيَمْتَنِعُ الْحَالِفُ فِيهِ مِنْ
الْحِنْثِ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَفِي
الْمِعْرَاجِ: فَلَوْ حَلَفَ بِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ أَوْ
عَلَى الْمَاضِي يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَلَعَمْرُك) أَيْ بَقَاؤُك
وَحَيَاتُك، بِخِلَافِ لَعَمْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَسَمٌ كَمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ) عَلَى حَذْفِ
مُضَافٍ: أَيْ تَصَوُّرِ حُكْمِهِمَا، وَإِلَّا نَافَى قَوْلَهُ فَيَقَعُ
بِهِمَا ح (قَوْلُهُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى) أَيْ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (قَوْلُهُ فَيَقَعُ بِهِمَا) أَيْ بِالْغَمُوسِ
وَاللَّغْوِ (قَوْلُهُ وَلَا يُرَدُّ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ
تَصَوُّرِ إلَخْ لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ، إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا
مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ أَوْ عَلَى ظَنِّ الصِّدْقِ فَهُوَ غَمُوسٌ أَوْ
لَغْوٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَجْهَ الْكِنَايَةِ) أَقُولُ: يُمْكِنُ
تَقْرِيرُ وَجْهِ الْكِنَايَةِ بِأَنْ يُقَالَ: مَقْصُودُ الْحَالِفِ
بِهَذِهِ الصِّيغَةِ الِامْتِنَاعُ عَنْ الشَّرْطِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ
النُّفْرَةَ عَنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ النُّفْرَةَ عَنْ
الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ تَعْظِيمَ اللَّهِ
تَعَالَى فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا.
اهـ. ح (قَوْلُهُ تَغْمِسُهُ فِي الْإِثْمِ ثُمَّ النَّارِ) بَيَانُ لِمَا
فِي صِيغَةِ فَعُولٍ مِنْ الْمُبَالَغَةِ ح (قَوْلُهُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ
مُطْلَقًا) أَيْ اقْتَطَعَ بِهَا حَقَّ مُسْلِمٍ أَوْ لَا، وَهَذَا رَدٌّ
عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً إذَا اقْتَطَعَ
بِهَا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ آذَاهُ، وَصَغِيرَةً إنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ
عَلَيْهَا مَفْسَدَةٌ، فَقَدْ نَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ
لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ،
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» ،
وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ عَلَيْهَا مَجَازٌ
لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ صَرِيحٌ فِيهِ،
وَمَعْلُومٌ أَنَّ إثْمَ الْكَبَائِرِ مُتَفَاوِتٌ. اهـ.
وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: أَيُّ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَتْكِ
حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَلَى كَاذِبٍ) أَيْ عَلَى
كَلَامٍ كَاذِبٍ: أَيْ مَكْذُوبٍ. وَفِي نُسْخَةٍ: عَلَى كَذِبٍ (قَوْلُهُ
عَمْدًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ حَلَفَ: أَيْ عَامِدًا، وَمَجِيءُ
(3/705)
وَلَوْ غَيْرَ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ
كَوَاللَّهِ إنَّهُ حَجَزَ الْآنَ فِي مَاضٍ (كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْت)
كَذَا (عَالِمًا بِفِعْلِهِ أَوْ) حَالٍّ (كَوَاللَّهِ مَا لَهُ عَلَيَّ
أَلْفٌ عَالِمًا بِخِلَافِهِ وَاَللَّهِ إنَّهُ بَكْرٌ عَالِمًا بِأَنَّهُ
غَيْرُهُ) وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْفِعْلِ وَالْمَاضِي اتِّفَاقِيٌّ أَوْ
أَكْثَرِيٌّ (وَيَأْثَمُ بِهَا) فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ.
(وَ) ثَانِيهَا (لَغْوٌ) لَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا إلَّا فِي ثَلَاثٍ طَلَاقٌ
وَعَتَاقٌ وَنَذْرٌ أَشْبَاهٌ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ
إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ
خِلَافُهُ (إنْ حَلَفَ كَاذِبًا يَظُنُّهُ صَادِقًا) فِي مَاضٍ أَوْ حَالٍّ
فَالْفَارِقُ بَيْنَ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ، وَأَمَّا
فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالْمُنْعَقِدَةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْحَالِ مَصْدَرًا كَثِيرٌ لَكِنَّهُ سَمَاعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ
فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ
وَاَللَّهِ إنَّهُ بَكْرٌ فَإِنَّهُ مِثَالٌ لِهَذَا فَيُسْتَغْنَى بِهِ
عَنْ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ تَأْخِيرِ قَوْلِهِ فِي مَاضٍ
(قَوْلُهُ الْآنَ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا تَعْرِفُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فِي
مَاضٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِمَوْصُوفِ كَاذِبٍ: أَيْ عَلَى
كَلَامٍ كَاذِبٍ وَاقِعٍ مَدْلُولُهُ فِي مَاضٍ، وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ
بِقَوْلِهِ حَلَفَ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ حَلِفَهُ وَقَعَ فِي
الْمَاضِي كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُمْ
بِالْفِعْلِ وَالْمَاضِي إلَخْ) رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ
جَعَلَ التَّقْيِيدَ لِلِاحْتِرَازِ، وَإِنْ وَاَللَّهِ إنَّهُ حَجَرٌ مِنْ
الْحَلِفِ عَلَى الْفِعْلِ بِتَقْدِيرِ كَانَ أَوْ يَكُونُ وَجَعَلَ
الْحَالَ مِنْ الْمَاضِي لِأَنَّ الْكَلَامَ يَحْصُلُ أَوَّلًا فِي
النَّفْسِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ، فَالْإِخْبَارُ الْمُعَلَّقُ
بِزَمَانِ الْحَالِ إذَا حَصَلَ فِي النَّفْسِ فَعُبِّرَ عَنْهُ
بِاللِّسَانِ انْعَقَدَ الْيَمِينُ وَصَارَ الْحَالُ مَاضِيًا
بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، فَإِذَا قَالَ كَتَبْت
لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ فَيَكُونُ
الْحَلِفُ عَلَيْهِ حَلِفًا عَلَى الْمَاضِي، وَأَشَارَ إلَى وَجْهِ
الرَّدِّ بِلَفْظِ الْآنَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مَعَهُ
كَانَ لِيَصِيرَ فِعْلًا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَاضِي
لِمُنَافَاتِهِ لِلَفْظِ الْآنَ، عَلَى أَنَّ الْحَالَ إنَّمَا يُعَبَّرُ
عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي
الِاسْتِقْبَالِ وَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَصْلًا
نَعَمْ قَدْ يُرَادُ تَقْرِيبُ الْمَاضِي مِنْ الْحَالِ فَيُؤْتَى
بِصِيغَةِ الْمَاضِي مَقْرُونَةً بِقَدْ نَحْوَ قَدْ قَامَ زَيْدٌ إذَا
أَرَدْت أَنَّ قِيَامَهُ قَرِيبٌ مِنْ زَمَنِ التَّكَلُّمِ فَإِذَا قَالَ
وَاَللَّهِ قُمْت لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَالُ أَصْلًا،
بِخِلَافِ أَقُومُ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ أَوْ الِاسْتِقْبَالُ
كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، فَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ
فِعْلًا وَلَا مَاضِيًا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدُهُمْ بِالْفِعْلِ
وَبِالْمَاضِي فِي قَوْلِهِمْ هُوَ حَلِفُهُ عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ إلَخْ
اتِّفَاقًا أَيْ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ أَكْثَرِيًّا أَيْ
لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَكْثَرُ (قَوْلُهُ وَيَأْثَمُ بِهَا) أَيْ إثْمًا
عَظِيمًا كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى
الْإِثْمِ
وَالْإِثْمُ فِي اللُّغَةِ: الذَّنْبُ، وَقَدْ تُسَمَّى الْخَمْرُ إثْمًا.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اسْتِحْقَاقُ الْعُقُوبَةِ.
وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لُزُومُ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ
الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَكْمَلُ فِي تَقْرِيرِهِ
بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ) إذْ لَا كَفَّارَةَ فِي
الْغَمُوسِ يَرْتَفِعُ بِهَا الْإِثْمُ فَتَعَيَّنَتْ التَّوْبَةُ
لِلتَّخَلُّصِ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ
الْكَلَامَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا فِي غَيْرِهِ
وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ:
لَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ
أَنَّ فِي حَلِفِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا
قَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ لَغَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ
وَاَللَّهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَفِي الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى
يَلْغُو الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ
وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حَجّ فَيَلْزَمُهُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ
فَيَقَعُ الطَّلَاقُ) أَيْ وَالْعَتَاقُ وَيَلْزَمُهُ النَّذْرُ كَمَا
عَلِمْت (قَوْلُهُ يَظُنُّهُ) أَيْ يَظُنُّ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ
فَالْفَارِقُ إلَخْ) أَقُولُ: هُنَاكَ فَارِقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ
الْغَمُوسَ تَكُونُ فِي الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي
وَاللَّغْوُ لَا تَكُونُ فِي الِاسْتِقْبَالِ ح (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي
الْمُسْتَقْبَلِ فَالْمُنْعَقِدَةُ) لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي
الْحَلِفِ كَاذِبًا يَظُنُّهُ صَادِقًا وَهَذَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا
يَكُونُ إلَّا يَمِينًا مُنْعَقِدَةً، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْغَمُوسَ
يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَمُوسَ لَا بُدَّ فِيهِ
مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ
(3/706)
وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ بِمَا جَرَى عَلَى
اللِّسَانِ بِلَا قَصْدٍ، مِثْلُ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَلَوْ
لِآتٍ، فَلِذَا قَالَ (وَيُرْجَى عَفْوُهُ) أَوْ تَوَاضُعًا وَتَأَدُّبًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ
تَفْسِيرَ اللَّغْوِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي
الْمُتُونِ وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا. وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ
رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَفِي الِاخْتِيَارِ
أَنَّهُ حَكَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا نَقَلَ فِي
الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ عَنْ أَصْحَابِنَا. ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَ
مُحَمَّدٌ عَلَى أَثَرِ حِكَايَتِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّغْوَ
مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى
وَاَللَّهِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ،
وَعِنْدَنَا ذَلِكَ لَغْوٌ. فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي يَمِينٍ لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ. فَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ.
وَعِنْدَهُ هِيَ لَغْوٌ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا اهـ فَقَوْلُهُ فَذَلِكَ
مَحْمُولٌ عِنْدَنَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ خَبَرُ قَوْلِهِ وَمَا ذَكَرَ
مُحَمَّدٌ إلَخْ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ
الْمَحْكِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْفَرْقِ
بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ
الْمُسْتَقْبَلَ يَكُونُ لَغْوًا عِنْدَهُ لَا عِنْدَنَا. وَقَدْ فَهِمَ
صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ
عِنْدَنَا وَقَوْلُهُ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
الشَّافِعِيِّ إلَخْ أَنَّ مَذْهَبَنَا فِي الْيَمِينِ اللَّغْوُ أَنَّهَا
الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ كَمَا
يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
قُلْت: هَذَا وَإِنْ كَانَ يُوهِمُهُ آخِرُ كَلَامِ الْبَدَائِعِ، لَكِنَّ
أَوَّلَهُ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ حَيْثُ عَزَا مَا فِي الْمُتُونِ إلَى
أَصْحَابِنَا ثُمَّ نَقَلَ مَا حَكَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
فَعَلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَنَا إلَخْ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ
الرِّوَايَةِ كَمَا قُلْنَا وَبَيْنَ الْمَذْهَبِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ
مُنَافَاةٌ، فَإِنَّ حَلِفَهُ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ لَا
يَكُونُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فِينَا فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ بِاَلَّتِي لَا
يَقْصِدُهَا، نَعَمْ ادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمَقْصُودَةَ إذَا
كَانَتْ لَغْوًا فَالَّتِي لَا يَقْصِدُهَا كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى
فَيَكُونُ تَفْسِيرُنَا اللَّغْوَ أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْجَادَّةِ وَعَنْ ظَاهِرِ
كَلَامِهِمْ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَقْلٍ صَرِيحٍ. وَاَلَّذِي دَعَاهُ
إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ نَظَرُهُ إلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ
الْأَخِيرَةِ وَقَدْ سَمِعْتَ تَأْوِيلَهَا، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ نَظَرَ
إلَى كَلَامِ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَعَمُّ مِنْ مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ فَلِذَا قَالَ وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ فَافْهَمْ، نَعَمْ
قَدْ يُقَالُ: إذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ لَغْوًا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ
قَسَمًا خَارِجًا عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ
يُقَالَ إنَّ اللَّغْوَ عِنْدَنَا قِسْمَانِ:
الْأَوَّلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُتُونِ،
وَالثَّانِي مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ
بَيَانًا لِلْقَسَمِ الَّذِي سَكَتَ عَنْهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ،
وَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ
فِي اللَّغْوِ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ، فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِهَذَا
التَّوْفِيقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ لِآتٍ) أَيْ وَلَوْ لِزَمَانٍ آتٍ أَيْ مُسْتَقْبَلٍ
فَإِنَّهُ لَغْوٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا حَتَّى عَلَى
الرِّوَايَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ فَلِذَا قَالَ
إلَخْ) أَيْ لِلِاخْتِلَافِ فِي اللَّغْوِ. قَالَ: وَيُرْجَى عَفْوُهُ،
وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَعْلِيقِ مُحَمَّدٍ الْعَفْوَ
بِالرَّجَاءِ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى - {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89]- مَقْطُوعٌ بِهِ فَأَجَابَ
فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِي
تَفْسِيرِ اللَّغْوِ.
وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اللَّغْوَ
بِالتَّفْسِيرَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فِي
الْآخِرَةِ وَكَذَا فِي الدُّنْيَا بِالْكَفَّارَةِ قَالَ: فَالْأَوْجَهُ
مَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ التَّعْلِيقُ، بَلْ التَّبَرُّكُ
بِاسْمِهِ تَعَالَى وَالتَّأَدُّبُ «كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ
لَاحِقُونَ» وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي
الْمُؤَاخَذَةِ الْمَنْفِيَّةِ هَلْ هِيَ الْمُعَاقَبَةُ فِي الْآخِرَةِ
أَوْ الْكَفَّارَةُ قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ تَفْسِيرَ اللَّغْوِ عَلَى
رَأَيْنَا لَيْسَ أَمْرًا مَقْطُوعًا بِهِ إذْ الشَّافِعِيُّ قَائِلٌ
بِأَنَّهُ مِنْ الْمُنْعَقِدَةِ فَلَا جَرَمَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ
وَهَذَا مَعْنًى دَقِيقٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ. اهـ.
قُلْت: إنَّمَا لَمْ يُعَرِّجْ أَحَدٌ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمَتْ مِنْ
الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَة بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَا فِي
الدُّنْيَا بِالْكَفَّارَةِ
(3/707)
وَكَاللَّغْوِ حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ
صَادِقًا كَوَاللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ فِي حَالِ قِيَامِهِ
(وَ) ثَالِثُهَا (مُنْعَقِدَةٌ وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى) مُسْتَقْبَلٍ (آتٍ)
يُمْكِنُهُ، فَنَحْوُ: وَاَللَّهِ لَا أَمُوتُ وَلَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ
مِنْ الْغَمُوسِ (وَ) هَذَا الْقِسْمُ (فِيهِ الْكَفَّارَةُ) لِآيَةِ -
{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]- وَلَا يُتَصَوَّرُ حِفْظٌ
إلَّا فِي مُسْتَقْبَلٍ (فَقَطْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكَفِّرُ فِي
الْغَمُوسِ أَيْضًا (إنْ حَنِثَ، وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (تَرْفَعُ
الْإِثْمَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ) مِنْهُ (التَّوْبَةُ) عَنْهَا (مَعَهَا)
أَيْ مَعَ الْكَفَّارَةِ سِرَاجِيَّةٌ (وَلَوْ) الْحَالِفُ (مُكْرَهًا)
أَوْ مُخْطِئًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَكَاللَّغْوِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ حَلِفَهُ عَلَى مَاضٍ
صَادِقًا يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَقْسَامِ
الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ قِسْمًا رَابِعًا، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِحَصْرِهِمْ
الْيَمِينَ فِي الثَّلَاثَةِ. وَأَجَابَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّهُمْ
أَرَادُوا حَصْرَ الْيَمِينِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ وَرَتَّبَ
عَلَيْهَا الْأَحْكَامَ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ عَدَمَ الْإِثْمِ
فِيهَا حُكْمٌ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ح: وَالْحَقُّ
مَا فِي الْبَحْرِ، وَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ. اهـ.
قُلْت: وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا
يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ
كَوَاللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرُ، وَكَأَنَّهُ
تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَاضِيَ كَالْحَالِ.
وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الْفَتْحِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ أَمْسِ
(قَوْلُهُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. اهـ. ح. وَقَدْ
يُجَابُ بِأَنَّ لَفْظَ آتٍ اسْمُ فَاعِلٍ، وَحَقِيقَتُهُ مَا اتَّصَفَ
بِالْوَصْفِ فِي الْحَالِ فَمِثْلُ قَائِمٍ حَقِيقَةً فِيمَنْ اتَّصَفَ
بِالْإِتْيَانِ فِي الْحَالِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِقْبَالَ، وَكَذَا لَفْظُ
آتٍ حَقِيقَةً فِيمَنْ اتَّصَفَ بِالْإِتْيَانِ فِي الْحَالِ، وَيَحْتَمِلُ
الِاسْتِقْبَالَ فَزَادَ الشَّارِحُ لَفْظَ مُسْتَقْبَلٍ لِدَفْعِ إرَادَةِ
الْحَالِ.
وَلَا يَرِدُ أَنَّ لَفْظَ مُسْتَقْبَلٍ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ أَيْضًا.
لِأَنَّا نَقُولُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ فِي الْحَالِ بِكَوْنِهِ
مُسْتَقْبَلًا أَيْ مُنْتَظَرًا وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي حُصُولَهُ فِي
الْحَالِ، لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرَ مُسْتَقْبَلٍ عَنْ آتٍ
(قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ) أَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ:
وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْفِعْلِ فِعْلُ الْحَالِفِ لِيَخْرُجَ نَحْوُ
وَاَللَّهِ لَا أَمُوتُ إلَخْ، لَكِنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ الْمُمْكِنِ
وَغَيْرِهِ، وَتَعْبِيرُ الشَّارِحِ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى
عِبَارَةِ النَّهْرِ نَحْوِ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ
الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ مَعَ
أَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ مِنْ
الْغَمُوسِ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا عَلِمَ وَقْتَ
الْحَلِفِ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَيْسَ
مِنْهَا وَلَا مِنْ الْمُنْعَقِدَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ
جُعِلَتْ مِنْ اللَّغْوِ انْتَقَضَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ
عَلَى الِاسْتِقْبَالِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا غَيْرُ يَمِينٍ
أَصْلًا سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَا، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ
الْيَمِينِ إمْكَانُ الْبِرِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ
حِفْظٌ إلَّا فِي مُسْتَقْبَلٍ) قُلْت: كَوْنُ الْحِفْظِ لَا يُتَصَوَّرُ
إلَّا فِي مُسْتَقْبَلٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي مَاضٍ أَوْ
فِي حَالٍ لِأَنَّ الْحِفْظَ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ الْحِنْثِ فِيهَا بَعْدَ
وُجُودِهَا مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْهَتْكِ وَالْحِفْظِ وَذَلِكَ لَا
يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا
يَسْتَلْزِمُ أَنَّ كُلَّ مُسْتَقْبَلٍ كَذَلِكَ: أَيْ يُتَصَوَّرُ فِيهِ
الْحِفْظُ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ الْغَمُوسُ الْمُسْتَقْبَلَةُ الَّتِي
لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا نَعَمْ يَرِدُ لَوْ قَالَ وَلَا يُتَصَوَّرُ
مُسْتَقْبَلٌ إلَّا مَحْفُوظًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ
ظَاهِرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَقَطْ) قَيْدٌ لِلْهَاءِ مِنْ فِيهِ،
فَالْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ قَسِيمَيْهِ الْكَفَّارَةَ
لَا لِلْكَفَّارَةِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ
لَا غَيْرَهَا مِنْ الْإِثْمِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَفِيهِ
فَقَطْ الْكَفَّارَةُ. اهـ. ح وَهَذَا جَوَابٌ لِلْعَيْنِيِّ دَفَعَ بِهِ
اعْتِرَاضَ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى الْكَنْزِ بِأَنَّ الْمُنْعَقِدَةَ فِيهَا
إثْمٌ أَيْضًا.
وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْإِثْمَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهَا
لِأَنَّ الْحِنْثَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا. وَأَجَابَ فِي
النَّهْرِ بِأَنَّهُ تَخَلَّفَ لِعَارِضٍ فَلَا يُرَدُّ (قَوْلُهُ وَإِنْ
لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ التَّوْبَةُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْيَمِينِ،
وَالْمُرَادُ عَنْ حِنْثِهِ فِيهَا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوْبَةِ
وَقَوْلُهُ مَعَهَا مُتَعَلِّقٌ بِتُوجَدْ وَفِي عَدَمِ لُزُومِ
التَّوْبَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي جِنَايَاتِ
الْحَجِّ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ أَوْ مُخْطِئًا) مَنْ أَرَادَ شَيْئًا
فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ
فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ.
(3/708)
أَوْ ذَاهِلًا أَوْ سَاهِيًا (أَوْ
نَاسِيًا) بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ وَحَلَفَ،
فَيُكَفِّرُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً لِحِنْثِهِ وَأُخْرَى إذَا فَعَلَ
الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَيْنِيٌّ لِحَدِيثِ «ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ»
مِنْهَا الْيَمِينُ (فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ) فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مُكْرَهًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَكَذَا)
يَحْنَثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ
(قَوْلُهُ أَوْ ذَاهِلًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ
حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَجَزَمَ كَثِيرٌ بِاتِّحَادِ السَّهْوِ
وَالنِّسْيَانِ، لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ
فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ السَّهْوَ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنْ
الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ. وَالنِّسْيَانَ
زَوَالُهَا عَنْهُمَا مَعًا فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ فِي حُصُولِهَا إلَى
سَبَبٍ جَدِيدٍ وَقِيلَ النِّسْيَانُ عَدَمُ ذِكْرِ مَا كَانَ مَذْكُورًا.
وَالسَّهْوُ غَفْلَةٌ عَمَّا كَانَ مَذْكُورًا وَمَا لَمْ يَكُنْ
مَذْكُورًا، فَالنِّسْيَانُ أَخَصُّ مِنْهُ. مُطْلَقًا. وَقِيلَ يُسَمَّى
زَوَالُ إدْرَاكٍ سَابِقٍ قَصُرَ زَمَانُ زَوَالِهِ نِسْيَانًا وَغَفْلَةً
لَا سَهْوًا، وَزَوَالُ إدْرَاكٍ سَابِقٍ طَالَ زَمَانُ زَوَالِهِ سَهْوًا
وَنِسْيَانًا، فَالنِّسْيَانُ أَعَمُّ مِنْهُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الشَّيْخُ
سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ
الْوُجْدَانِيَّاتِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إلَى تَعْرِيفٍ بِحَسَبِ
الْمَعْنَى، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ النِّسْيَانَ كَمَا يَعْلَمُ
الْجُوعَ وَالْعَطَشَ اهـ ح.
قُلْت: لَكِنَّ ظُهُورَ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّهْوِ يَتَوَقَّفُ
عَلَى التَّعْرِيفِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: فَرَّقُوا بَيْنَ السَّاهِي
وَالنَّاسِي، بِأَنَّ النَّاسِيَ إذَا ذَكَّرْتَهُ تَذَكَّرَ، وَالسَّاهِي
بِخِلَافِهِ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَالسَّهْوُ أَبْلَغُ مِنْ النِّسْيَانِ،
وَفِيهِ ذَهَلَ بِفَتْحَتَيْنِ ذُهُولًا غَفَلَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
ذَهَلَ عَنْ الْأَمْرِ تَنَاسَاهُ عَمْدًا وَشُغِلَ عَنْهُ وَفِي لُغَةٍ
مِنْ بَابِ تَعِبَ (قَوْلُهُ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفُ) قَالَ فِي
النَّهْرِ: أَرَادَ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئَ. وَفِي الْكَافِي: وَعَلَيْهِ
اقْتَصَرَ فِي الْعِنَايَةِ. وَالْفَتْحِ هُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ
ذَاهِلًا عَنْهُ، وَالْمُلْجِئُ إلَى ذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ
فِي الْيَمِينِ لَا تُتَصَوَّرُ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقَالَ
الْعَيْنِيُّ وَتَبِعَهُ الشُّمُنِّيُّ: بَلْ تُصَوَّرُ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ
لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ الْحَلِفَ السَّابِقَ فَحَلَفَ. وَرَدَّهُ فِي
الْبَحْرِ بِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا أَنَّ
حَلِفَهُ كَانَ نَاسِيًا. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ
عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ يَمِينًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ
يُكَفِّرُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ
عَلَيْهِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ حِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ اهـ كَلَامُ
النَّهْرِ.
أَقُولُ: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ، فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ
نَاسِيًا وَإِنْ لَمْ يُنَافِ كَوْنَهُ يَمِينًا، لَكِنْ تَعَلَّقَ
النِّسْيَانُ بِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ حِنْثًا لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ
يَمِينًا إذْ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ النِّسْيَانُ
كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) فِي
شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي: لَفْظُ
الْيَمِينِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ
السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَسَّنَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ
وَالرَّجْعَةُ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فَقَالَ «الطَّلَاقُ
وَالنِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ» ". اهـ.
وَفِي الْفَتْحِ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ
يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلِ
بِالْيَمِينِ جِدًّا وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ الْيَمِينَ غَيْرَ رَاضٍ
بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ
مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا، وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ
الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صُنِعَ،
وَكَذَا الْمُخْطِئ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ
آخَرَ، فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي
الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ فَلَا يَثْبُتُ فِي
حَقِّهِ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْيَمِينِ أَوْ
الْحِنْثِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا أَيْ
سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ أَوْ النِّسْيَانُ فِي نَفْسِ الْيَمِينِ
وَقَدْ مَرَّ، أَوْ فِي الْحِنْثِ بِأَنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ
مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْفِعْلَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ سَبَبُ
الْكَفَّارَةِ وَالْفِعْلُ الْحَقِيقِيُّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ
وَالنِّسْيَانِ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ)
فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ فَصَبَّ
الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا
(3/709)
(لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ
أَوْ مَجْنُونٌ) فَيُكَفِّرُ بِالْحِنْثِ كَيْفَ كَانَ.
(وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) وَلَوْ بِرَفْعِ الْهَاءِ أَوْ
نَصْبِهَا أَوْ حَذْفِهَا كَمَا يَسْتَعْمِلُهُ الْأَتْرَاكُ، وَكَذَا
وَاسْمُ اللَّهِ كَحَلِفِ النَّصَارَى وَكَذَا بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلُ
كَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ، بِخِلَافِ بِلِّهِ
بِكَسْرِ اللَّامِ إلَّا إذَا كَسَرَ الْهَاءَ وَقَصَدَ الْيَمِينَ
(وَبِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ) وَلَوْ مُشْتَرَكًا تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ
أَوْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ (كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ) وَالْحَلِيمِ
وَالْعَلِيمِ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى
إلَخْ) أَمَّا لَوْ حَلَفَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
لِعَدَمِ شَرْطِ الصِّحَّةِ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ
الْكَرِيمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِرَفْعِ الْهَاءِ) مِثْلُهُ سُكُونُهَا كَمَا
فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ. قَالَ وَهَذَا إذَا ذُكِرَ بِالْبَاءِ، وَأَمَّا
بِالْوَاوِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالْجَرِّ. اهـ. ح.
قُلْت: أَمَّا الرَّفْعُ مَعَ الْوَاوِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُبْتَدَأً
وَكَذَا النَّصْبُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَفْعُولًا لِنَحْوِ أَعْبُدُ فَلَا
يَكُونُ يَمِينًا، وَأَمَّا السُّكُونُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إذَا
كَانَ مَجْرُورًا وَسَكَنَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ يَمِينًا، عَلَى
أَنَّ الرَّفْعَ يَحْتَمِلُ تَقْدِيرَ خَبَرِهِ قَسَمِي كَمَا سَيَأْتِي
فِي حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَخْصِيصَ مَا ذُكِرَ بِالْبَاءِ مُشْكِلٌ، وَلَعَلَّ
الْمُرَادَ أَنَّ غَيْرَ الْمَجْرُورِ مَعَ الْوَاوِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا
فِي الْقَسَمِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ مَا
ذَكَرَهُ مَنْقُولًا وَلَمْ أَرَهُ، نَعَمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي حَذْفِ
حَرْفِ الْقَسَمِ. فَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ
كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا
لِانْعِدَامِ حَرْفِ الْقَسَمِ إلَّا أَنْ يُعْرِبَهَا بِالْكَسْرِ،
لِأَنَّ الْكَسْرَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْخَافِضِ وَهُوَ حَرْفُ الْقَسَمِ.
وَقِيلَ يَكُونُ يَمِينًا بِدُونِ الْكَسْرِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي
الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنْ نَصَبَهُ
اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ يَكُونُ يَمِينًا. اهـ.
قُلْت: وَمِثْلُهُ تَسْكِينُ الْهَاءِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ
مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِعْرَابِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ
عَلَى حُرُوفِ الْقَسَمِ (قَوْلُهُ أَوْ حَذْفِهَا) قَالَ فِي
الْمُجْتَبَى: وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ بِغَيْرِ هَاءٍ كَعَادَةِ
الشُّطَّارِ فَيَمِينٌ.
قُلْت: فَعَلَى هَذَا مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْأَتْرَاكُ بِاَللَّهِ بِغَيْرِ
هَاءٍ يَمِينٌ أَيْضًا اهـ وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ،
وَلَعَلَّ أَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ بِغَيْرِ هَاءٍ وَبِالْوَاوِ لَا
بِالْهَمْزِ أَيْ بِغَيْرِ الْأَلْفِ الَّتِي هِيَ الْحَرْفُ الْهَاوِي
تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ
الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهَا: الْمُرَادُ بِالْهَاوِي الْأَلِفُ بَيْنَ
الْهَاءِ وَاللَّامِ، فَإِذَا حَذَفَهَا الْحَالِفُ أَوْ الذَّابِحُ أَوْ
الدَّاخِلُ فِي الصَّلَاةِ قِيلَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ سُمِعَ حَذْفُهَا
فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ يَضُرُّ (قَوْلُهُ وَكَذَا وَاسْمُ اللَّهِ)
فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ: قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ
الْمُخْتَارُ لَيْسَ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَعَلَى هَذَا
بِالْوَاوِ، إلَّا أَنَّ نَصَارَى دِيَارِنَا تَعَارَفُوهُ فَيَقُولُونَ
وَاسْمُ اللَّهِ اهـ أَيْ فَيَكُونُ يَمِينًا لِمَنْ تَعَارَفَهُ
مِثْلُهُمْ لَا لَهُمْ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ الْإِسْلَامُ
(قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ
بِاسْمِ اللَّهِ يَمِينٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلَّلًا
بِأَنَّ الِاسْمَ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ فَكَانَ الْحَلِفُ بِالِاسْمِ حَلِفًا بِالذَّاتِ كَأَنَّهُ
قَالَ بِاَللَّهِ اهـ وَالْعُرْفُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْأَسْمَاءِ.
اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ " وَاسْمِ اللَّهِ " كَذَلِكَ فَلَا يَخْتَصُّ
بِهِ النَّصَارَى (قَوْلُهُ بِكَسْرِ اللَّامِ إلَخْ) أَيْ بِدُونِ مَدٍّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ بِالْأَوْلَى الْمَدُّ عَلَى صُورَةِ
الْإِمَالَةِ، وَكَذَا فَتْحُ اللَّامِ بِدُونِ مَدٍّ لِأَنَّ ذَلِكَ
كُلَّهُ يَتَكَلَّمُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْبِلَادِ فَهُوَ لُغَتُهُمْ،
لَكِنْ إذَا تَكَلَّمَ بِهِ مَنْ كَانَ ذَلِكَ لُغَتَهُ فَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ
وَلَوْ مُشْتَرَكًا إلَخْ) وَقِيلَ كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ
تَعَالَى كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ؛ وَمَا يُسَمَّى بِهِ
غَيْرُهُ كَالْحَلِيمِ وَالْعَلِيمِ، فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ كَانَ
يَمِينًا وَإِلَّا لَا وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ
مُسْتَعْمَلًا لِغَيْرِهِ تَعَالَى أَيْضًا لَمْ تَتَعَيَّنْ إرَادَةُ
أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَرَدَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ
دَلَالَةَ الْقَسَمِ مُعَيِّنَةٌ لِإِرَادَةِ الْيَمِينِ إذْ الْقَسَمُ
بِغَيْرِهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ، نَعَمْ إذَا نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ
لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا
مُنَافٍ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْعَامَّةَ يُجَوِّزُونَ الْحَلِفَ
بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى نَهْرٌ.
(3/710)
وَالطَّالِبِ الْغَالِبِ (وَالْحَقِّ)
مُعَرَّفًا لَا مُنَكَّرًا كَمَا سَيَجِيءُ. وَفِي الْمُجْتَبَى: لَوْ
نَوَى بِغَيْرِ اللَّهِ غَيْرَ الْيَمِينِ دُيِّنَ (أَوْ بِصِفَةٍ)
يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا (مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّ
الَّذِي جَوَّزَهُ الْعَامَّةُ مَا كَانَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ
لَا مَا كَانَ فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلَا عَلَى الْعُرْفِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ
مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ، مِنْ أَنَّهُ: لَوْ قَالَ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ
إنْ أَرَادَ بِهِ السُّورَةَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ
كَأَنَّهُ قَالَ وَالْقُرْآنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى
يَكُونُ يَمِينًا. اهـ. لِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الرَّحْمَنِ قَوْلُ
بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ (قَوْلُهُ وَالطَّالِبِ الْغَالِبِ) فَهُوَ يَمِينٌ
وَهُوَ مُتَعَارَفُ أَهْلِ بَغْدَادَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
وَالْوَلْوَالِجِيَّة. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَلْزَمُ إمَّا
اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّ
الطَّالِبَ لَمْ يُسْمَعْ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْغَالِبُ فِي قَوْله تَعَالَى
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21]- وَإِمَّا كَوْنُهُ بِنَاءً
عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ فِي الْأَسْمَاءِ اهـ أَيْ مِنْ أَنَّهُ
تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ وَالْعُرْفُ فِي الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا
مَرَّ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بَعْدَ مَا
حُكِمَ بِكَوْنِهِ يَمِينًا أَخْبَرَ بِأَنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ تَعَارَفُوا
الْحَلِفَ بِهَا. اهـ.
قُلْت: يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ فَهُوَ يَمِينٌ
لِتَعَارُفِ أَهْلِ بَغْدَادَ، حَيْثُ جَعَلَ التَّعَارُفَ عِلَّةَ
كَوْنِهِ يَمِينًا فَلَا مَحِيصَ عَمَّا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ. وَأَيْضًا
عَدَمُ ثُبُوتِ كَوْنِ الطَّالِبِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لَا بُدَّ
لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ تُعَيِّنُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِهِ اسْمَ اللَّهِ
تَعَالَى وَهِيَ الْعُرْفُ مَعَ اقْتِرَانه بِالْغَالِبِ الْمَسْمُوعِ
إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا لَكِنَّهُ
لَمْ يُجْعَلْ مُقْسَمًا بِهِ أَصَالَةً بَلْ جُعِلَ صِفَةً لَهُ فَلَا
يَكُونُ قَسَمًا بِدُونِهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ
شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ بِالْأَوَّلِ بِدُونِ هَذِهِ الصِّفَةِ،
وَمِثْلُهُ الْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ فَافْهَمْ. وَمَا
وَقَعَ فِي الْبَحْرِ مِنْ عَطْفِ الْغَالِبِ بِالْوَاوِ فَهُوَ خِلَافُ
الْمَوْجُودِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا
(قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ بَعْدَ وَرَقَةٍ، وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ
وَبَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ
الْأَسْمَاءُ الْمُشْتَرَكَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَاهُ آنِفًا
عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ
وَظَاهِرُهُ أَنْ يُصَدَّقَ قَضَاءً. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى:
وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَصَدَ بِهَا غَيْرَ اللَّهِ
تَعَالَى لَمْ يَكُنْ حَالِفًا بِاَللَّهِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ
الْبَدَائِعِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ
فَيُصَدَّقُ فِي أَمْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى اهـ وَلَا
يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ.
[تَنْبِيهٌ] اعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ التَّعْبِيرَ بِالْقَضَاءِ
وَالدِّيَانَةِ بِمَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا
إلَخْ مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا
يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ
تَعَالَى لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّهُ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا
مَدْخَلٌ حَتَّى يُرْفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْقَاضِي. اهـ.
قُلْت: قَدْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا عَلَى
حَلِفِهِ ثُمَّ حَلَفَ بِذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِصِفَةٍ إلَخْ)
الْمُرَادُ بِهَا اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا
يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ
وَالْعَظَمَةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ، وَتَتَقَيَّدُ بِكَوْنِ
الْحَلِفِ بِهَا مُتَعَارَفًا سَوَاءٌ كَانَتْ صِفَةَ ذَاتٍ أَوْ فِعْلٍ،
وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. وَلِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ
تَفْصِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ يَمِينٌ لَا
بِصِفَاتِ الْفِعْلِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُمْ
لِلْعُرْفِ وَعَدَمِهِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي
الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ بِزِيَادَةِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ
الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالصَّحِيحُ
الْأَوَّلُ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا صِفَاتُ الذَّاتِ
وَكُلُّهَا قَدِيمَةٌ وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، مَا
يَتَعَارَفُ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا
اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّهَا صِفَاتُ الذَّاتِ أَنَّ الذَّاتَ
الْكَرِيمَةَ مَوْصُوفَةٌ بِهَا فَيُزَادُ بِهَا الذَّاتُ، سَوَاءٌ كَانَتْ
مِمَّا يُسَمَّى صِفَةَ ذَاتٍ أَوْ صِفَةَ فِعْلٍ فَيَكُونُ الْحَلِفُ
بِهَا حَلِفًا بِالذَّاتِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ نَفْيُ صِفَةِ الْفِعْلِ
تَأَمَّلْ.
(3/711)
صِفَةِ ذَاتٍ لَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا
(كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) وَمَلَكُوتِهِ
وَجَبَرُوتِهِ (وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ) أَوْ صِفَةِ فِعْلٍ يُوصَفُ
بِهَا وَبِضِدِّهَا كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَإِنَّ الْأَيْمَانَ
مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، فَمَا تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ فَيَمِينٌ
وَمَا لَا فَلَا.
(لَا) يُقْسَمُ (بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ
وَالْكَعْبَةِ) قَالَ الْكَمَال: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ
بِالْقُرْآنِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا. وَأَمَّا الْحَلِفُ
بِكَلَامِ اللَّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ اسْتَشْكَلَهُ وَأَجَابَ بِأَنَّ مُرَادَهُ
أَنَّ صِفَاتِ الْفِعْلِ تَرْجِعُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْقُدْرَةِ
عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْقُدْرَةُ صِفَةُ ذَاتٍ اهـ وَمَا قُلْنَاهُ
أَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صِفَةَ ذَاتٍ) مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ أَوْ
صِفَةَ فِعْلٍ بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ، وَقَوْلُهُ لَا يُوصَفُ
بِضِدِّهَا إلَخْ بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ
وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ كَعِزَّةِ اللَّهِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَيْ
غَلَبَتِهِ مِنْ حَدِّ نَصَرَ، أَوْ عَدَمِ النَّظِيرِ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ،
أَوْ عَدِمَ الْحَطَّ مِنْ مَنْزِلَتِهِ مِنْ حَدِّ عَلِمَ، وَقَوْلُهُ
وَجَلَالِهِ: أَيْ كَوْنِهِ كَامِلَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُهُ
وَكِبْرِيَائِهِ: أَيْ كَوْنِهِ كَامِلَ الذَّاتِ اهـ (قَوْلُهُ
وَمَلَكُوتِهِ وَجَبَرُوتِهِ) بِوَزْنِ فَعَلُوتٍ وَزِيَادَةُ الْهَمْزَةِ
فِي جَبَرُوتٍ خَطَأٌ فَاحِشٌ. وَفِي شَرْحِ الشِّفَاءِ لِلشِّهَابِ:
الْمَلَكُوتُ صِفَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ الْمُلْكِ كَالرَّحَمُوتِ مِنْ
الرَّحْمَةِ، وَقَدْ يُخَصُّ بِمَا يُقَابِلُ عَالَمَ الشَّهَادَةِ
وَيُسَمَّى عَالَمَ الْأَمْرِ، كَمَا أَنَّ مُقَابِلَهُ يُسَمَّى عَالَمَ
الشَّهَادَةِ وَعَالَمَ الْمُلْكِ اهـ وَفِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ: قَالَ
الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْجَبْرِ إصْلَاحُ الشَّيْءِ بِضَرْبٍ مِنْ الْقَهْرِ.
وَقَدْ يُقَالُ فِي الْإِصْلَاحِ الْمُجَرَّدِ كَقَوْلِ عَلِيٍّ: يَا
جَابِرَ كُلِّ كَسِيرٍ وَمُسَهِّلَ كُلِّ عَسِيرٍ، وَتَارَةً فِي الْقَهْرِ
الْمُجَرَّدِ اهـ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَعَظَمَتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ
كَامِلَ الذَّاتِ أَصَالَةً وَكَامِلَ الصِّفَاتِ تَبَعًا، وَقَوْلُهُ
وَقُدْرَتِهِ: أَيْ كَوْنِهِ يَصِحُّ مِنْهُ كُلٌّ مِنْ الْفِعْلِ
وَالتَّرْكِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا) أَيْ
الِانْتِقَامِ وَالْإِنْعَامِ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي
حَدِّ ذَاتِهَا، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي أَنَّ الرِّضَا وَالْغَضَبَ
لَا يُحْلَفُ بِهِمَا ط (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى
الْعُرْفِ) عِلَّةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ عُرْفًا ط وَهَذَا خَاصٌّ
بِالصِّفَاتِ، بِخِلَافِ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ
فِيهَا كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ لَا يُقْسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ
وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى: أَيْ لَا يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ
بِغَيْرِهِ تَعَالَى أَيْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَلَوْ بِطَرِيقِ
الْكِنَايَةِ كَمَا مَرَّ، بَلْ يَحْرُمُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ،
بَلْ يُخَافُ مِنْهُ الْكُفْرُ فِي نَحْوِ وَحَيَاتِي وَحَيَاتِك كَمَا
يَأْتِي.
مَطْلَبٌ فِي الْقُرْآنِ
(قَوْلُهُ قَالَ الْكَمَالُ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ
بِمَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ، فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَمَا
يُفِيدُهُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ
اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ،
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ
حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ " وَكَذَا إذَا حَلَفَ
بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ اهـ. فَقَوْلُهُ وَكَذَا
يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَسَمٍ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى
بَلْ هُوَ مِنْ قَسَمِ الصِّفَاتِ وَلِذَا عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ
مُتَعَارَفٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ
الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْقُدُورِيِّ لَكَانَتْ
الْعِلَّةُ فِيهِ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ
التَّعَارُفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا فِي
غَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتَعْلِيلُ عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا
بِأَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ
وَغَيْرُ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مُنِعَ بِأَنَّ
الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَلَا يَخْفَى
أَنَّ الْمُنَزَّلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الْحُرُوفَ
الْمُنْقَضِيَةَ الْمُنْعَدِمَةَ، وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ
عَدَمُهُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَوَّامَ إذَا
قِيلَ لَهُمْ إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ تَعَدَّوْا إلَى الْكَلَامِ
مُطْلَقًا. اهـ. وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى إلَخْ رُدَّ لِلْمَنْعِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْقُرْآنُ بِمَعْنَى كَلَامِ
اللَّهِ الصِّفَةُ النَّفْسِيَّةُ الْقَائِمَةُ بِهِ تَعَالَى لَا
بِمَعْنَى الْحُرُوفِ الْمُنَزَّلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ
الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إرَادَةُ الْمَعْنَى
الْأَوَّلِ.
(3/712)
فَيَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ. وَقَالَ
الْعَيْنِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمُصْحَفَ يَمِينٌ لَا سِيَّمَا فِي
زَمَانِنَا. وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ الْمُصْحَفُ وَالْقُرْآنُ وَكَلَامُ
اللَّهِ يَمِينٌ. زَادَ أَحْمَدُ وَالنَّبِيُّ أَيْضًا، وَلَوْ تَبَرَّأَ
مِنْ أَحَدِهَا فَيَمِينٌ إجْمَاعًا إلَّا مِنْ الْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ
يَتَبَرَّأَ مِمَّا فِيهِ، بَلْ لَوْ تَبَرَّأَ مِنْ دَفْتَرٍ فِيهِ
بَسْمَلَةٌ كَانَ يَمِينًا، وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ آيَةٍ فِيهِ أَوْ
مِنْ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ؛ وَلَوْ كَرَّرَ
الْبَرَاءَةَ فَأَيْمَانٌ بِعَدَدِهَا، وَبَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ
مِنْ رَسُولِهِ يَمِينَانِ؛ وَلَوْ زَادَ: وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ
بَرِيئَانِ مِنْهُ فَأَرْبَعٌ، وَبَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَلْفَ مَرَّةٍ
يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَبَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقِبْلَةِ أَوْ
صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ الصَّلَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: فَحَيْثُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ
يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُهُ
تَعَالَى بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ صِفَةً لَهُ لِأَنَّ الصِّفَاتِ
لَيْسَتْ عَيْنًا وَلَا غَيْرًا كَمَا قَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَلِذَا
قَالُوا: مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَنَقَلَ فِي
الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ: وَقَدْ قِيلَ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ،
أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَيَمِينٌ وَبِهِ نَأْخُذُ وَنَأْمُرُ وَنَعْتَقِدُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ: إنَّهُ يَمِينٌ، وَبِهِ
أَخَذَ جُمْهُورُ مَشَايِخِنَا اهـ فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِكَوْنِهِ صِفَةً
تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهَا كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ (قَوْلُهُ
فَيَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ مُشْتَرَكَةٌ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: وَعِنْدِي لَوْ حَلَفَ
بِالْمُصْحَفِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَحَقِّ هَذَا فَهُوَ
يَمِينٌ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ
الْأَيْمَانُ الْفَاجِرَةُ وَرَغْبَةُ الْعَوَّامِ فِي الْحَلِفِ
بِالْمُصْحَفِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ
الْمُصْحَفُ لَيْسَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ
الْعُرْفُ وَإِلَّا لَكَانَ الْحَلِفُ بِالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ يَمِينًا
لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ، وَكَذَا بِحَيَاةِ رَأْسِك وَنَحْوِهِ وَلَمْ
يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْحَالِفِ وَحَقِّ اللَّهِ لَيْسَ
بِيَمِينٍ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ، وَحَقِّ الْمُصْحَفِ مِثْلُهُ
بِالْأَوْلَى، وَكَذَا وَحَقُّ كَلَامِ اللَّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ
تَعْظِيمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَذَلِكَ صِفَةُ الْعَبْدِ، نَعَمْ لَوْ
قَالَ أُقْسِمُ بِمَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَمِينًا (قَوْلُهُ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ
أَحَدِهَا) أَيْ أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ النَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ
وَالْقِبْلَةِ.
(قَوْلُهُ إلَّا مِنْ الْمُصْحَفِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ التَّبَرِّي مِنْهُ
يَمِينًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَرَقُ وَالْجِلْدُ، وَقَوْلُهُ إلَّا
أَنْ يَتَبَرَّأَ مِمَّا فِيهِ لِأَنَّ مَا فِيهِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَمَا
ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّأَ
مِنْ الْمُصْحَفِ انْعَقَدَ يَمِينًا فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ، فَإِنَّ
عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى هَكَذَا: وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ
الْقُرْآنِ أَوْ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ فَيَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ مِنْ
الْمُصْحَفِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ
بَلْ لَوْ تَبَرَّأَ مِنْ دَفْتَرٍ) صَوَابُهُ مِمَّا فِي دَفْتَرٍ كَمَا
عَلِمْته فِي الْمُصْحَفِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ رَفَعَ كِتَابَ
الْفِقْهِ أَوْ دَفْتَرَ الْحِسَابِ فِيهِ مَكْتُوبٌ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِيهِ إنْ فَعَلَ
كَذَا فَفَعَلَ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا
بَرِيءٌ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ آيَةٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُصْحَفِ
كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَلَوْ
كَرَّرَ الْبَرَاءَةَ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ فَهُوَ
بَرِيءٌ مِنْ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا
هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالزَّبُورِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ،
وَلَوْ قَالَ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَبَرِيءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ
وَبَرِيءٌ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَبَرِيءٌ مِنْ الزَّبُورِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ
أَيْمَانٍ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ
هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى تَعَدَّدَتْ صِيغَةُ الْبَرَاءَةِ
تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا اتَّحَدَتْ اتَّحَدَتْ (قَوْلُهُ
يَمِينَانِ) أَيْ لِتَكَرُّرِ الْبَرَاءَةِ مَرَّتَيْنِ؛ أَمَّا لَوْ قَالَ
بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقِيلَ يَمِينَانِ وَصَحَّحَ فِي
الذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى الْأَوَّلَ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ هُنَا
مُوهِمَةٌ خِلَافَ الْمُرَادِ.
(قَوْلُهُ فَأَرْبَعٌ) لِأَنَّ لَفْظَ الْبَرَاءَةِ فِي الثَّانِيَةِ
مَذْكُورٌ مَرَّتَيْنِ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ يَمِينٌ
وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ لِلْمُبَالَغَةِ فَلَمْ
يَتَكَرَّرْ فِيهَا اللَّفْظُ حَقِيقَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ صَوْمِ
رَمَضَانَ إلَخْ) زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ
هَذِهِ الثَّلَاثِينَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ إنْ فَعَلْت كَذَا، فَإِنْ
نَوَى الْبَرَاءَةَ مِنْ فَرْضِيَّتِهَا فَيَمِينٌ أَوْ مِنْ أَجْرِهَا
فَلَا، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِلشَّكِّ؛ وَلَوْ قَالَ
فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ حُجَّتِي الَّتِي حَجَجْت أَوْ مِنْ صَلَاتِي الَّتِي
صَلَّيْت لَا يَكُونُ يَمِينًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِنْ الْقُرْآنِ
الَّذِي تَعَلَّمْت فَإِنَّهُ يَمِينٌ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ
الْمُحِيطِ: لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَبَرَّأَ عَنْ فِعْلِهِ لَا عَنْ
الْحَجَّةِ
(3/713)
أَوْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أَعْبُدُ
الصَّلِيبَ يَمِينٌ، لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ
يَمِينٌ وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِهِ يَكْفُرُ
وَإِلَّا يُكَفِّرُ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالتَّجْرِيدِ: وَتَتَعَدَّدُ
الْكَفَّارَةُ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ، وَالْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ
سَوَاءٌ؛ وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِالثَّانِي الْأَوَّلَ فَفِي حَلِفِهِ
بِاَللَّهِ لَا يُقْبَلُ، وَبِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ يُقْبَلُ. وَفِيهِ
مَعْزِيًّا لِلْأَصْلِ: هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ يَمِينَانِ،
وَكَذَا وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فِي
الْأَصَحِّ. وَاتَّفَقُوا أَنَّ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ يَمِينَانِ،
وَبِلَا عَطْفٍ وَاحِدَةٌ. وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلْفَتْحِ. قَالَ
الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك وَحَيَاةِ
رَأْسِك أَنَّهُ يَكْفُرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْمَشْرُوعَةِ، وَفِي الثَّانِي الْقُرْآنُ قُرْآنٌ، وَإِنْ تَعَلَّمَهُ
فَالتَّبَرِّي عَنْهُ كُفْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) لِأَنَّ
الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ تَكُونُ لِإِنْكَارِ الْأَيْمَانِ خَانِيَّةٌ
(قَوْلُهُ أَوْ أَعْبُدُ الصَّلِيبَ) كَأَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا
فَأَنَا أَعْبُدُ الصَّلِيبَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كُفْرٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ
لِقَوْلِهِ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ أَحَدِهَا مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ إلَخْ) وَلَوْ قَالَ هُوَ يَسْتَحِلُّ
الْمَيْتَةَ أَوْ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ إنْ فَعَلَ كَذَا لَا
يَكُونُ يَمِينًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً
بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِحَالٍ كَالْكُفْرِ وَأَشْبَاهِهِ،
فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ يَكُونُ يَمِينًا، وَمَا تَسْقُطُ
حُرْمَتُهُ بِحَالٍ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا
ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ
وَإِلَّا يُكَفِّرُ) بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.
مَطْلَبٌ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ
(قَوْلُهُ وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ) وَفِي
الْبُغْيَةِ: كَفَّارَاتُ الْأَيْمَانِ إذَا كَثُرَتْ تَدَاخَلَتْ،
وَيَخْرُجُ بِالْكَفَّارَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ عُهْدَةِ الْجَمِيعِ.
وَقَالَ شِهَابُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. قَالَ صَاحِبُ
الْأَصْلِ: هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي. اهـ. مَقْدِسِيٌّ، وَمِثْلُهُ فِي
الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَبِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ
يُقْبَلُ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ
حَجَّةٌ ثُمَّ حَلَفَ ثَانِيًا كَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي
إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُهُ
مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ فَلَا تَصِحُّ
بِهِ نِيَّةُ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي
ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَإِنْ كَانَ إحْدَى
الْيَمِينَيْنِ بِحَجَّةٍ وَالْأُخْرَى بِاَللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ
كَفَّارَةٌ وَحَجَّةٌ (قَوْلُهُ وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلْأَصْلِ إلَخْ) أَيْ
وَفِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا، فَإِنَّ
الَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْلِ: لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ
نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ هُوَ
يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُمَا
يَمِينَانِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ: أَيْ
إذَا ذَكَرَ الْوَاوَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا
يَمِينَانِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّانِي لَا يَصْلُحُ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ أَوْ
يَصْلُحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ
كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قُلْت: لَكِنْ يُسْتَثْنَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ
عَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ وَمِيثَاقِهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ
فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ
يَجِبُ عَلَيْهِ بِكُلِّ لَفْظٍ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَمِينٌ
بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِنَا إذَا كُرِّرَتْ الْوَاوُ كَمَا فِي
وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ.
اهـ. (قَوْلُهُ وَاتَّفَقُوا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ
إذَا دَخَلَتْ الْوَاوُ عَلَى الِاسْمِ الثَّانِي وَكَانَتْ وَاحِدَةً،
فَلَوْ تَكَرَّرَتْ الْوَاوُ مِثْلَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُمَا
يَمِينَانِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ إحْدَاهُمَا لِلْعَطْفِ وَالْأُخْرَى
لِلْقَسَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَى
الِاسْمِ الثَّانِي وَاوٌ أَصْلًا كَقَوْلِك وَاَللَّهِ اللَّهِ
وَكَقَوْلِك وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا
كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِلَا
عَطْفِ وَاحِدَةٍ.
(قَوْلُهُ قَالَ الرَّازِيّ) هُوَ عَلِيُّ حُسَامُ الدِّينِ الرَّازِيّ.
لَهُ كُتُبٌ: مِنْهَا خُلَاصَةُ الدَّلَائِلِ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ.
سَكَنَ دِمَشْقَ وَتُوُفِّيَ
(3/714)
وَإِنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْبِرِّ فِيهِ
يُكَفِّرُ، وَلَوْلَا أَنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَهُ
لَقُلْت إنَّهُ مُشْرِكٌ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ
بِغَيْرِهِ صَادِقًا.
(وَلَا) يُقْسَمُ (بِصِفَةٍ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهَا مِنْ
صِفَاتِهِ تَعَالَى كَرَحْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَرِضَائِهِ وَغَضَبِهِ
وَسَخَطِهِ وَعَذَابِهِ) وَلَعْنَتِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَدِينِهِ وَحُدُودِهِ
وَصِفَتِهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْعُرْفِ.
(وَ) الْقَسَمُ أَيْضًا (بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ) أَيْ بَقَاؤُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِهَا سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ
اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْبِرِّ فِيهِ يُكَفِّرُ) لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ
الرَّازِيّ الْمَنْقُولِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ بَلْ مَا بَعْدَهُ،
وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ قَبْلَ نَقْلِ كَلَامِ الرَّازِيّ،
وَكَأَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَهُ هُنَا لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّهُ الْمُرَادُ
مِنْ قَوْلِهِ يُكَفِّرُ، وَكَانَ الْأَوْلَى التَّصْرِيحُ بِأَيٍّ
التَّفْسِيرِيَّةِ. ثُمَّ الْمُرَادُ بِاعْتِقَادِ وُجُوبِ الْبِرِّ فِيهِ
كَمَا قَالَ ح اعْتِقَادُ الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ بِحَيْثُ لَوْ حَنِثَ
أَثِمَ وَهَذَا قَلَّمَا يَقَعُ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَعْلَمُونَ) أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْيَمِينَ مَا
كَانَ مُوجِبُهَا الْبِرَّ أَوْ الْكَفَّارَةَ السَّاتِرَةَ لِهَتْكِ
حُرْمَةِ الِاسْمِ وَأَنَّ فِي الْحَلِفِ بِاسْمِ غَيْرِهِ تَعَالَى
تَسْوِيَةً بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَقُلْت
إنَّهُ مُشْرِكٌ) أَيْ إنَّ الْحَالِفَ بِذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ
إنَّهُ شِرْكٌ بِدُونِ مِيمٍ: أَيْ أَنَّ الْحَلِفَ الْمَذْكُورَ. وَفِي
الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يَحْلِفُ
بِرُوحِ الْأَمِيرِ وَحَيَاتِهِ وَرَأْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ إسْلَامُهُ
بَعْدُ. وَفِيهِ: وَمَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ ذَاتِهِ
وَصِفَاتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَالضُّحَى وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ
أَنْ يَحْلِفَ بِهَا (قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ) لَعَلَّ
وَجْهَهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْكَذِبِ فِي الْحَلِفِ بِهِ تَعَالَى قَدْ
تَسْقُطُ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْحَلِفُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى أَعْظَمُ
حُرْمَةً وَلِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْكُفْرِ وَلَا كَفَّارَةَ لَهُ ط
(قَوْلُهُ وَلَا بِصِفَةٍ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ الْمَارِّ أَوْ
بِصِفَةٍ يَحْلِفُ بِهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ مَا
وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي الصِّفَاتِ مُطْلَقًا
بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ وَهُوَ
الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، فَالْعِلَّةُ فِي إخْرَاجِ هَذِهِ عَدَمُ
الْعُرْفِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّ
الْقِيَاسَ فِي الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِأَنَّهُ صِفَةُ ذَاتٍ،
لَكِنْ اسْتَحْسَنُوا عَدَمَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ
وَهُوَ غَيْرُهُ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا أَرَادَ
الصِّفَةَ لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرِضَائِهِ)
الْأَنْسَبُ مَا فِي الْبَحْرِ وَرِضَاهُ لِأَنَّهُ مَقْصُورٌ لَا
مَمْدُودٌ (قَوْلُهُ وَسَخَطِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: سَخِطَ سَخَطًا
مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَالسُّخْطُ بِالضَّمِّ اسْمٌ مِنْهُ: وَهُوَ الْغَضَبُ
(قَوْلُهُ وَشَرِيعَتِهِ وَدِينِهِ وَحُدُودِهِ) لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهَا
هُنَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصِّفَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَبَّدُ بِهَا وَهِيَ غَيْرُهُ تَعَالَى فَلَا
يُقْسَمُ بِهَا وَإِنْ تُعُورِفَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي،
فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمِ لَا
بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ
وَصِفَتُهُ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ بِصِفَةِ
اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مِنْ صِفَاتِهِ
تَعَالَى مَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الصِّفَةِ
كَذِكْرِ الِاسْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ) قَالَ فِي
الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا
يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ، وَكَذَا قَوْلُهُ " سُبْحَانَ
اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " لَا أَفْعَلُ كَذَا لِعَدَمِ الْعَادَةِ اهـ
قُلْت: وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ الْوَكِيلُ لَا أَفْعَلُ كَذَا يَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ يَمِينًا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ مِثْلُ اللَّهُ أَكْبَرُ
لَكِنَّهُ مُتَعَارَفٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ:
وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ.
(قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ) بِخِلَافِ لَعَمْرُك وَلَعَمْرُ
فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَدْ مَرَّ،
وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالضَّمِّ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ
إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ
التَّخْفِيفِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ، وَهُوَ مَعَ اللَّامِ مَرْفُوعٌ
عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا لِسَدِّ جَوَابِ
الْقَسَمِ مَسَدَّهُ، وَمَعَ حَذْفِهَا مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصَادِرِ
وَحَرْفُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ، تَقُولُ: عَمْرُ اللَّهِ فَعَلْت.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَمْرُك اللَّهُ مَا فَعَلْت
فَمَعْنَاهُ بِإِقْرَارِك لَهُ بِالْبَقَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا
يَنْعَقِدَ يَمِينًا لِأَنَّهُ بِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ
(3/715)
(وَاَيْمُ اللَّهِ) أَيْ يَمِينُ اللَّهِ
(وَعَهْدُ اللَّهِ) وَوَجْهُ اللَّهِ وَسُلْطَانُ اللَّهِ إنْ نَوَى بِهِ
قُدْرَتَهُ (وَمِيثَاقُهُ) وَذِمَّتُهُ.
(وَ) الْقَسَمُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَعْزِمُ
أَوْ أَشْهَدُ) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ، وَكَذَا الْمَاضِي بِالْأَوْلَى
كَأَقْسَمْتُ وَحَلَفْت وَعَزَمْت وَآلَيْت وَشَهِدْت (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ
بِاَللَّهِ) إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ (وَعَلَيَّ نَذْرٌ) فَإِنْ نَوَى
بِلَفْظِ النَّذْرِ قُرْبَةً لَزِمَتْهُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ
الْكَفَّارَةُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَهُوَ إقْرَارُهُ وَاعْتِقَادُهُ. اهـ. نَهْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ
وَاَيْمُ اللَّهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَأَيْمُن اُسْتُعْمِلَ فِي
الْقَسَمِ وَالْتُزِمَ رَفْعُهُ، وَهَمْزَتُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ
وَصْلٌ وَاشْتِقَاقُهُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْيُمْنِ: وَهُوَ الْبَرَكَةُ،
وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ قَطْعٌ لِأَنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ عِنْدَهُمْ
وَقَدْ يُخْتَصَرُ مِنْهُ فَيُقَالُ وَاَيْمُ اللَّهِ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ
وَالنُّونِ ثُمَّ اُخْتُصِرَ ثَانِيًا فَقِيلَ مُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ
وَكَسْرِهَا اهـ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ
مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ يَمِينِي؛ وَمَعْنَى يَمِينُ اللَّهِ
مَا حَلَفَ اللَّهُ بِهِ نَحْوَ الشَّمْسِ وَالضُّحَى أَوْ الْيَمِينِ
الَّذِي يَكُونُ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ الْوَصِيُّ
(قَوْلُهُ أَيْ يَمِينُ اللَّهِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ
الْبَصْرِيِّينَ إنَّهُ مُفْرَدٌ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْيُمْنِ وَهُوَ
الْبَرَكَةُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِحَاصِلِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا
فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ بَرَكَةُ اللَّهِ أَوْ يَقُولَ
أَيْ أَيْمُنُ اللَّهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَهْدُ اللَّهِ) - {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ
إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ} [النحل: 91]- فَقَدْ
جَعَلَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْمُرَادَ بِالْأَيْمَانِ الْعُهُودَ
السَّابِقَةَ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ إيَّاهَا
أَيْمَانًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِفًا بِصِفَةِ اللَّهِ، كَمَا حَكَمَ
بِأَنَّ " أَشْهَدُ " يَمِينٌ كَذَلِكَ. وَأَيْضًا غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ
فَلَا يُصْرَفُ عَنْ الْيَمِينِ إلَّا بِنِيَّةِ عَدَمِهِ، وَتَمَامُهُ فِي
الْفَتْحِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: إذَا قَالَ وَعَهْدُ اللَّهِ وَلَمْ
يَقُلْ عَلَى عَهْدِ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ يَمِينٌ،
وَعِنْدَهُمَا لَا. اهـ. قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ
يَمِينٌ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ.
[تَنْبِيهٌ] أَفَادَ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ
لَا يَكُونُ يَمِينًا، بَلْ قَدَّمْنَا عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ
عَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَعَهْدِ الرَّسُولِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَصِحُّ،
لِأَنَّ عَهْدَ الرَّسُولِ صَارَ فَاصِلًا اهـ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ اللَّهِ)
لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ
بَحْرٌ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْوِيلِ، وَإِلَّا فَيُرَادُ بِهِ
صِفَةٌ لَهُ تَعَالَى هُوَ أَعْلَمُ بِهَا (قَوْلُهُ إنْ نَوَى بِهِ
قُدْرَتَهُ) وَإِلَّا لَا يَكُونُ يَمِينًا كَمَا فِي الْبَحْرِ،
وَكَأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا نَوَى بِالسُّلْطَانِ الْبُرْهَانَ
وَالْحُجَّةَ (قَوْلُهُ وَمِيثَاقُهُ) هُوَ عَهْدٌ مُؤَكَّدٌ بِيَمِينٍ
وَعَهْدٍ كَمَا فِي الْمُفْرَدَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَذِمَّتُهُ)
أَيْ عَهْدُهُ وَلِذَا سُمِّيَ الذِّمِّيُّ مُعَاهَدًا فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَعْزِمُ) مَعْنَاهُ أُوجِبُ فَكَانَ إخْبَارًا عَنْ
الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ وَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ
عَزَمْت لَا أَفْعَلُ كَذَا كَانَ حَالِفًا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ
(قَوْلُهُ أَوْ أَشْهَدُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ، وَضَمُّ
الْهَمْزَةِ وَكَسْرُ الْهَاءِ خَطَأٌ مُجْتَبَى: أَيْ خَطَأٌ فِي الدِّينِ
لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا كَفَّارَةَ
لِعَدَمِ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ) لِأَنَّهُ لِلْحَالِ
حَقِيقَةً، وَيُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ كَالسِّينِ
وَسَوْفَ فَجُعِلَ حَالِفًا لِلْحَالِ بِلَا نِيَّةٍ هُوَ الصَّحِيحُ،
وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) لِدَلَالَتِهِ عَلَى
التَّحَقُّقِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الِاسْتِقْبَالِ (قَوْلُهُ وَآلَيْت)
بِمَدِّ الْهَمْزَةِ مِنْ الْأَلِيَّةِ: وَهِيَ الْيَمِينُ كَمَا فِي
الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ) يَعْنِي بِمُقْسَمٍ
عَلَيْهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ
وَتَبِعَهُ فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْقَائِلِ أُقْسِمُ
وَأَحْلِفُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ
وَلَا حِنْثَ تَمَسُّكًا بِمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ
يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَأُقْسِمُ مُلْحَقٌ بِهِ، وَهَذَا وَهْمٌ
بَيِّنٌ إذْ الْيَمِينُ بِذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ. وَمَا فِي
الذَّخِيرَةِ مَعْنَاهُ إذَا وُجِدَ ذِكْرُ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ
وَنُقِضَتْ الْيَمِينُ وَتَرْكُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ
قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ
أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا
لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَحَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهـ.
قُلْت: وَأَصْلُ الرَّدِّ لِصَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَتَبِعْهُ فِي
الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ أَيْضًا وَهُوَ وَجِيهٌ، لَكِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ
عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ
فَإِنْ نَوَى) مُقَابِلُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ
يَمِينًا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ قُرْبَةً، فَإِنْ نَوَى
(3/716)
وَسَيَتَّضِحُ (وَ) عَلَيَّ (يَمِينٌ أَوْ
عَهْدٌ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ
مُجْتَبًى
(وَ) الْقَسَمُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ) يَهُودِيٌّ
أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِالنَّصْرَانِيَّةِ أَوْ
شَرِيكٌ لِلْكُفَّارِ أَوْ (كَافِرٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إلَخْ. قَالَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ، فَإِنْ
نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ مَا
نَوَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
(قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ) أَيْ قُبَيْلَ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ
لَمْ يُضَفْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَكَذَا إنْ أُضِيفَ بِالْأَوْلَى
كَأَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ أَوْ عَهْدُ
اللَّهِ (قَوْلُهُ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ) أَيْ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ
حَتَّى يَكُونَ يَمِينًا مُنْعَقِدَةً مِثْلُ عَلَيَّ نَذَرَ اللَّهِ
لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا، فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا
حَلَفَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، لَكِنْ فِي لَفْظِ النَّذْرِ
إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ هَذَا
الْتِزَامُ الْكَفَّارَةِ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَمَا فِي
الْفَتْحِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ عَلَيَّ
يَمِينٌ مِثْلُهُ إذَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ لَا الْإِخْبَارِ
وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ مِنْ صِيَغِ
النَّذْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَغَا، بِخِلَافِ أَحْلِفُ
وَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ فَلَا
يَثْبُتُ بِهِ الِالْتِزَامُ ابْتِدَاءً. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَلَيَّ نَذْرٌ يُرَادُ بِهِ نَذْرُ الْكَفَّارَةِ،
وَكَذَا عَلَيَّ يَمِينٌ هُوَ نَذْرٌ لِلْكَفَّارَةِ ابْتِدَاءً بِمَعْنَى
عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَا حَلِفٍ إلَّا بَعْدَ تَعْلِيقِهِ
بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ لَا
قَبْلَهُ: وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا فِي الْمُجْتَبَى: لَوْ قَالَ
عَلَيَّ يَمِينٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا
لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ. اهـ.
أَقُولُ: الَّذِي فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَ مَا رَمَزَ بِلَفْظِ ط
لِلْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ
فَيَمِينٌ. ثُمَّ قَالَ: أَيْ صَاحِبُ الرَّمْزِ الْمَذْكُورِ عَلَيَّ
يَمِينٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ
يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ
هَكَذَا. رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيَّ
يَمِينٌ لَا كَفَّارَةَ لَهَا يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ
لَهَا كَفَّارَةٌ اهـ مَا فِي الْمُجْتَبِي. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ فِي
الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، وَإِذَا كَانَ عَلَيَّ يَمِينٌ
مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ تَرَجَّحَتْ الرِّوَايَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ فَالرَّدُّ عَلَى الْفَتْحِ بِالرِّوَايَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ صَحِيحٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحَاوِي مَا نَصُّهُ:
لَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ
فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ اهـ فَهَذَا صَرِيحُ مَا فِي الْفَتْحِ
فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُطْلَقُ عَلَى التَّعْلِيقِ
أَيْضًا، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَ
الْفُقَهَاءِ فَصَارَ لَفْظُ الْيَمِينِ مُشْتَرَكًا، وَلَعَلَّهُمْ
إنَّمَا صَرَفُوهُ هُنَا إلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ
هُوَ الْأَصْلِيُّ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْنَى
اللُّغَوِيُّ أَيْضًا فَيَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ،
وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَنْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ
لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا
عَلَى مَا حَلَفَ وَتَقَعُ بِهِ عِنْدَ الْحِنْثِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ لَا
بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، خِلَافًا لِمَنْ
زَعَمَ أَنَّهُ مِنْهَا، وَلِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا
كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ الْكِنَايَاتِ، لَكِنْ
بَقِيَ لَوْ قَالَ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي إنْ فَعَلْت كَذَا
فَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ الطُّورِيُّ بِأَنَّهُ إنْ حَنِثَ وَكَانَتْ لَهُ
زَوْجَةٌ تَطْلُقُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَرَدَّهُ
السَّيِّدُ مُحَمَّدُ أَبُو السُّعُودِ وَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ لَا صَرِيحًا وَلَا
كِنَايَةً، وَأَقَرَّهُ الْمُحَشِّيُّ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ
أَيْمَانَ جَمْعُ يَمِينٍ وَالْيَمِينُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ
إلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَعِنْدَ النِّيَّةِ يَصِحُّ إرَادَةُ
الطَّلَاقِ بِهِ كَمَا عَلِمْت وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ حَلَّفَ
رَجُلًا عَلَى طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَهَدْيٍ وَصَدَقَةٍ وَمَشْيٍ إلَى بَيْتِ
اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ الْحَالِفُ لِرَجُلٍ آخَرَ عَلَيْك هَذِهِ
الْأَيْمَانُ فَقَالَ نَعَمْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَالصَّدَقَةُ لَا
الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، لِأَنَّهُ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ
لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي فَلَا
يُجْبَرُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ
يَعْتِقَ، وَإِنْ قَالَ الْحَالِفُ لِرَجُلٍ آخَرَ هَذِهِ الْأَيْمَانُ
لَازِمَةٌ لَك فَقَالَ نَعَمْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ أَيْضًا
اهـ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هَذِهِ
الْأَيْمَانُ لَازِمَةٌ لِي فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ إنْشَائِهِ الْحَلِفَ
بِهَا فَتَلْزَمُهُ كُلُّهَا حَتَّى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمُقْتَضَى
هَذَا أَنْ يَلْزَمَهُ كُلُّ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ
تَلْزَمُنِي خُصُوصًا الْهَدْيُ وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ
لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ
وَالصَّدَقَةُ، فَالْقَوْلُ بَعْدَ لُزُومِ شَيْءٍ أَوْ بِلُزُومِ
الطَّلَاقِ فَقَطْ
(3/717)
فَيُكَفِّرُ بِحِنْثِهِ لَوْ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا الْمَاضِي عَالِمًا بِخِلَافِهِ فَغَمُوسٌ.
وَاخْتُلِفَ فِي كُفْرِهِ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَالِفَ (لَمْ
يَكْفُرْ) سَوَاءٌ (عَلَّقَهُ بِمَاضٍ أَوْ آتٍ) إنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي
اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ (يَمِينٌ وَإِنْ كَانَ) جَاهِلًا. وَ (عِنْدَهُ
أَنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَلِفِ) بِالْغَمُوسِ وَبِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ
فِي الْمُسْتَقْبَلِ (يَكْفُرُ فِيهِمَا) لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ، بِخِلَافِ
الْكَافِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَيْمَانَ
مَذْكُورَةٌ صَرِيحًا فِي فَرْعِ الْخَانِيَّةِ، بِخِلَافِهَا فِي
فَرْعِنَا الْمَذْكُورِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، فَإِنَّ لَفْظَ أَيْمَانٍ
جَمْعُ يَمِينٍ وَمَعَ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْلِمِينَ زَادَتْ فِي
الشُّمُولِ. فَيَنْبَغِي لُزُومُ أَنْوَاعِ الْأَيْمَانِ الَّتِي يَحْلِفُ
بِهَا الْمُسْلِمُونَ لَا خُصُوصُ الطَّلَاقِ وَلَا خُصُوصُ الْيَمِينِ
بِاَللَّهِ تَعَالَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ فَيُكَفِّرُ بِحِنْثِهِ) أَيْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا
حَنِثَ إلْحَاقًا لَهُ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ
الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ
الِامْتِنَاعِ وَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ جَعَلْنَاهُ
يَمِينًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْمَاضِي) كَإِنْ كُنْت فَعَلَتْ كَذَا
فَهُوَ كَافِرٌ أَوْ يَهُودِيٌّ وَمِثْلُهَا الْحَالُ (قَوْلُهُ عَالِمًا
بِخِلَافِهِ) أَمَّا إذَا كَانَ ظَانًّا صِحَّتَهُ فَلَغْوٌ ح (قَوْلُهُ
فَغَمُوسٌ) لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ
وَاخْتُلِفَ فِي كُفْرِهِ) أَيْ إذَا كَانَ كَاذِبًا (قَوْلُهُ
وَالْأَصَحُّ إلَخْ) وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ؛ وَقِيلَ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ
تَنْجِيزُ مَعْنًى لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ
فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً هُوَ كَافِرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةِ
غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» "
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ
مِمَّنْ يَحْلِفُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا لَا
يَعْرِفُ إلَّا لُزُومَ الْكُفْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ، فَإِنْ تَمَّ
هَذَا وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ شَاهِدٌ لِمَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِكُفْرِهِ
فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي اعْتِقَادِهِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عِنْدَهُ ح.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَتَكُونُ عِنْدَ بِمَعْنَى الْحُكْمِ، يُقَالُ:
هَذَا عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا: أَيْ فِي حُكْمِي (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ
أَنَّهُ يَكْفُرُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ جَاهِلًا. وَعِبَارَةُ
الْفَتْحِ: وَإِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ يَكْفُرُ
لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي
عُلِّقَ عَلَيْهِ كُفْرُهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَكْفُرُ إذَا
فَعَلَهُ اهـ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَكَفَرَ إنْ كَانَ جَاهِلًا
اعْتَقَدَ أَنَّهُ كُفْرٌ إلَخْ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ عَطْفَ وَعِنْدَهُ
بِالْوَاوِ هُوَ الصَّوَابُ، وَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ
عَطْفِهِ بِأَوْ خَطَأٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَاهِلِ
هُوَ الَّذِي لَا يَعْتَمِدُ شَيْئًا، وَلَا وَجْهَ لِتَكْفِيرِهِ لِمَا
عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا اعْتَقَدَهُ كُفْرًا لِيَكُونَ
رَاضِيًا بِالْكُفْرِ، أَمَّا الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ كَذَلِكَ لَمْ يَرْضَ
بِالْكُفْرِ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ يَكْفُرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ يَكْفُرُ
فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغَمُوسِ وَالْمُنْعَقِدَةِ. أَمَّا فِي الْغَمُوسِ
فَفِي الْحَالِ، وَأَمَّا فِي الْمُنْعَقِدَةِ فَعِنْدَ مُبَاشَرَةِ
الشَّرْطِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَحُرُوفُهُ
ح.
وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ نَوَى الْكُفْرَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَفَرَ فِي
الْحَالِ.
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ. لِأَنَّا نَقُولُ:
إنَّ مَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا كَافِرٌ مُرَادُهُ
الِامْتِنَاعُ بِالتَّعْلِيقِ وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَلَيْسَ
فِيهِ رِضًا بِالْكُفْرِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاشَرَ
الْفِعْلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يَكْفُرُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَإِنَّهُ
يَكْفُرُ وَقْتَ مُبَاشَرَتِهِ لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ
بِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِمَا لَهُ خَطَرُ الْوُجُودِ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ
فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا جَاءَ يَوْمُ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ
فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُحَقَّقِ
الْوُجُودِ، فَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ يَكْفُرُ
أَيْضًا كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ كَذَا غَدًا فَأَنَا أَكْفُرُ فَإِنَّهُ
يَكْفُرُ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِأَنَّهُ
رَضِيَ فِي الْحَالِ بِكُفْرِهِ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ
كَذَا فَافْهَمْ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ وَقْتَ الْحَلِفِ
نَاوِيًا عَلَى الْفِعْلِ وَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ
يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَازِمًا فِي
الْحَالِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي يُعْتَقَدُ كُفْرُهُ
بِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ) أَيْ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا
فَأَنَا مُسْلِمٌ. قَالَ ح: فِي بَعْضِ النُّسَخِ: بِخِلَافِ الْكُفْرِ.
وَعَلَيْهَا فَضَمِيرُ يَصِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْكَافِرِ الَّذِي
اسْتَلْزَمَهُ الْكُفْرُ
(3/718)
فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالتَّعْلِيقِ
لِأَنَّهُ تَرْكٌ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيه وَهَلْ
يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ يَعْلَمُ أَوْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ
فَعَلَ كَذَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا كَاذِبًا؟ قَالَ الزَّاهِدِيُّ:
الْأَكْثَرُ نَعَمْ. وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ: الْأَصَحُّ لَا لِأَنَّهُ
قَصَدَ تَرْوِيجَ الْكَذِبِ دُونَ الْكُفْرِ؛ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ
الْمُصْحَفَ قَائِلًا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لِتَرْوِيجِ كَذِبِهِ لَا إهَانَةِ
الْمُصْحَفِ مُجْتَبًى. وَفِيهِ: أُشْهِدُ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ
يَسْتَغْفِرُ اللَّهُ وَلَا كَفَّارَةَ، وَكَذَا أُشْهِدُك وَأُشْهِدُ
مَلَائِكَتَك لِعَدَمِ الْعُرْفِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إنْ فَعَلْت كَذَا
فَلَا إلَهَ فِي السَّمَاءِ يَكُونُ يَمِينًا وَلَا يَكْفُرُ وَفِي فَأَنَا
بَرِيءٌ مِنْ الشَّفَاعَةِ لَيْسَ بِيَمِينٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْأُولَى أَظْهَرُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَرْكٌ) أَيْ لِأَنَّ
الْكُفْرَ تَرْكُ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ
بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ فِعْلٌ وَالْأَفْعَالُ لَا
يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ. قَالَ ح: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ
عَرَفْت أَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ يَكْفُرُ فِيهِمَا لَا
لِقَوْلِهِ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالتَّعْلِيقِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْمُخَالَفَةِ وَبَيَانٌ
لِوَجْهِ الْفَرْقِ، وَإِلَّا لِعَطْفِهِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ
(قَوْلُهُ كَاذِبًا) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ
الْأَكْثَرُ نَعَمْ) لِأَنَّهُ نَسَبَ خِلَافَ الْوَاقِعِ إلَى عِلْمِهِ
تَعَالَى فَيَضْمَنُ نِسْبَةَ الْجَهْلِ إلَيْهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ
وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ الْأَصَحُّ لَا) جَعَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى
وَغَيْرِهِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَنَقَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ
عَنْ الْفَتَاوَى تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ
الْكُفْرِ قَالَ ح يَكُونُ حِينَئِذٍ يَمِينًا غَمُوسًا لِأَنَّهُ عَلَى
مَاضٍ، وَهَذَا إنْ تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ
يَمِينًا، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ اهـ
لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ التَّعَارُفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّفَاتِ
الْمُشْتَرَكَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْمُصْحَفَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى
بَعْدَ التَّعْلِيلِ الْمَنْقُولِ هُنَا عَنْ الشُّمُنِّيِّ: هَكَذَا قُلْت
فَعَلَى هَذَا إذَا وَطِئَ الْمُصْحَفَ قَائِلًا إنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَوْ
لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ
بِهِ تَرْوِيجَ كَذِبِهِ لَا إهَانَةَ الْمُصْحَفِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي
الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي: وَلَوْ قَالَ لَهَا ضَعِي رِجْلَك عَلَى
الْكُرَّاسَةِ إنْ لَمْ تَكُونِي فَعَلْت كَذَا فَوَضَعَتْ عَلَيْهَا
رِجْلَهَا لَا يَكْفُرُ الرَّجُلُ لِأَنَّ مُرَادَهُ التَّخْوِيفُ
وَتَكْفُرُ الْمَرْأَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَعَلَى هَذَا لَوْ
لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ التَّخْوِيفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ، وَلَوْ
وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى الْمُصْحَفِ حَالِفًا يَتُوبُ، وَفِي غَيْرِ
الْحَالِفِ اسْتِخْفَافًا يَكْفُرُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَضْعَ
لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِخْفَافَ، وَمِثْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ حَيْثُ
قَالَ: يَكْفُرُ بِوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى الْمُصْحَفِ مُسْتَخِفًّا
وَإِلَّا فَلَا. اهـ.
وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ نَفْسَ الْوَضْعِ بِلَا ضَرُورَةٍ يَكُونُ
اسْتِخْفَافًا وَاسْتِهَانَةً لَهُ، وَلِذَا قَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ
مُرَادُهُ التَّخْوِيفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا
أَرَادَ التَّخْوِيفَ يَكُونُ مُعَظِّمًا لَهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ حَمْلُهَا
عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّهَا فَعَلَتْ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ وَضْعَ
الرِّجْلِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا تَفْعَلُهُ فَتُقِرُّ بِمَا أَنْكَرَتْهُ،
أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ التَّخْوِيفَ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ
أَمَرَهَا بِمَا هُوَ كُفْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ
وَالِاسْتِهَانَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَكْفُرُ
مَنْ صَلَّى بِلَا طَهَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ
اسْتِهَانَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) قُلْت: هُوَ
فِي زَمَانِنَا مُتَعَارَفٌ، وَكَذَا: اللَّهُ يَشْهَدُ أَنِّي لَا
أَفْعَلُ، وَمِثْلُهُ شَهِدَ اللَّهُ، عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي لَا أَفْعَلُ
فَيَنْبَغِي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِلتَّعَارُفِ
الْآنَ (قَوْلُهُ يَكُونُ يَمِينًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي
أَنَّ الْحَالِفَ إذَا قَصَدَ نَفْيَ الْمَكَانِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى
أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِكُفْرٍ بَلْ
هُوَ الْإِيمَانُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُرُ) لَمَّا كَانَ
مُقْتَضَى حَلِفِهِ كَوْنَهُ الْإِلَهَ فِي السَّمَاءِ كَانَ مَظِنَّةَ
أَنْ يُتَوَهَّمَ كُفْرُهُ بِنَفْسِ الْحَلِفِ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ
الْمَكَانِ لَهُ تَعَالَى فَقَالَ وَلَا يَكْفُرُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ
أَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ وَارِدٌ فِي النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]- وقَوْله
تَعَالَى - {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]- فَلَا
يَكْفُرُ بِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ
الظَّرْفِيَّةِ غَيْرَ مُرَادَةٍ، فَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِ هَذَا
اللَّفْظِ وَارِدًا فِي الْقُرْآنِ كَانَ نَفْيُهُ كُفْرًا وَلِذَا
انْعَقَدَتْ بِهِ الْيَمِينُ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى
أَنَّ اعْتِقَادَ حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ كُفْرٌ كَانَ مَظِنَّةَ
كُفْرِهِ لِاقْتِضَاءِ حَلِفِهِ كَوْنَ الْإِلَهِ فِي السَّمَاءِ، هَذَا
غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ. وَفِي أَوَاخِرِ جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ: قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ عَالِمٌ لَوْ
أَرَادَ بِهِ الْمَكَانَ كَفَرَ لَا لَوْ أَرَادَ بِهِ حِكَايَةً عَمَّا
جَاءَ فِي ظَاهِرِ الْأَخْبَار
(3/719)
لِأَنَّ مُنْكِرَهَا مُبْتَدِعٌ لَا
كَافِرٌ، وَكَذَا فَصَلَاتِي وَصِيَامِي لِهَذَا الْكَافِرِ: وَأَمَّا
فَصَوْمِي لِلْيَهُودِ فَيَمِينٌ إنْ أَرَادَ بِهِ الْقُرْبَةَ لَا إنْ
أَرَادَ بِهِ الثَّوَابَ
(وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَا (وَحَقًّا) إلَّا
إذَا أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى (وَحَقَّ اللَّهِ) وَاخْتَارَ
فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ يَمِينٌ لِلْعُرْفِ، وَلَوْ بِالْبَاءِ
فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (وَحُرْمَتُهُ) وَبِحُرْمَةِ - شَهِدَ اللَّهُ
- وَبِحُرْمَةِ - لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ - وَبِحَقِّ الرَّسُولِ أَوْ
الْإِيمَانِ أَوْ الصَّلَاةِ (وَعَذَابُهُ وَثَوَابُهُ وَرِضَاهُ
وَلَعْنَةُ اللَّهِ وَأَمَانَتُهُ) لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَمَانَةُ
اللَّهِ يَمِينٌ. وَفِي النَّهْرِ: إنْ نَوَى الْعِبَادَاتِ فَلَيْسَ
بِيَمِينٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَلَوْلَا نِيَّةَ لَهُ يَكْفُرُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ اهـ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ مُنْكِرَهَا مُبْتَدِعٌ لَا كَافِرٌ) أَيْ وَالْيَمِينُ
إنَّمَا تَنْعَقِدُ إذَا عُلِّقَتْ بِكُفْرٍ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا
فَصَلَاتِي إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى
ط (قَوْلُهُ وَأَمَّا فَصَوْمِي إلَخْ) فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ:
وَصَلَوَاتِي وَصِيَامَاتِي لِهَذَا الْكَافِرِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ
وَعَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارُ، وَقِيلَ هَذَا إذَا نَوَى الثَّوَابَ، وَإِنْ
نَوَى الْقُرْبَةَ فَيَمِينٌ. اهـ.
قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا هُنَا قَوْلٌ آخَرُ، إذْ لَا يَظْهَرُ
فَرْقٌ بَيْنَ صَلَاتِي وَصَوْمِي بَلْ التَّفْصِيلُ جَازَ فِيهِمَا عَلَى
هَذَا الْقَوْلِ أَيْ إنْ أَرَادَ الْقُرْبَةَ وَالْعِبَادَةَ يَكُونُ
يَمِينًا لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا عَلَى كُفْرٍ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ
الثَّوَابَ فَلَا لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَى ذَلِكَ أَمْرٌ غَيْبِيٌّ غَيْرُ
مُحَقَّقٍ وَلِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ لِلْغَيْرِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا
فَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَخْفِيفَ عَذَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَافِرُ
أَهْلًا لِثَوَابِ الْعِبَادَةِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَحَقًّا) فِي الْمُجْتَبَى: وَفِي قَوْلِهِ وَحَقًّا أَوْ
حَقًّا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ
بِيَمِينٍ اهـ أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِهِ بِالْوَاوِ وَبِدُونِهَا،
فَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ مِنْ ذِكْرِهِ بِدُونِهَا لَيْسَ
بِقَيْدٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ
تَعَالَى) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَتْنًا وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى
أَنَّ الْمُنَاسِبَ ذِكْرُهُ هُنَا ح.
(قَوْلُهُ وَحَقَّ اللَّهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقَّ إمَّا أَنْ يُذْكَرَ
مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا أَوْ مُضَافًا فَالْحَقُّ مُعَرَّفًا سَوَاءٌ
كَانَ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْبَاءِ يَمِينٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَمُنَكَّرًا يَمِينٌ عَلَى الْأَصَحِّ
إنْ نَوَى، وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ
النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَعِنْدَهُمَا،
وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ يَمِينًا.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَمِينٌ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ
صِفَاتِهِ تَعَالَى وَالْحَلِفَ بِهِ مُتَعَارَفٌ. وَفِي الِاخْتِيَارِ
أَنَّهُ الْمُخْتَارُ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ. اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ
أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَمِينٌ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ
مُطْلَقًا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنْكَرَ
بِدُونِ وَاوٍ أَوْ بَاءٍ لَيْسَ بِيَمِينٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. هَذَا
وَقَدْ اعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا فِي الِاخْتِيَارِ بِأَنَّ
التَّعَارُفَ يُعْتَبَرُ بَعْدَ كَوْنِ الصِّفَةِ مُشْتَرَكَةً فِي
الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةِ غَيْرِهِ،
وَلَفْظُ حَقٍّ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مَا هُوَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى
بَلْ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ الْأَقْوَالِ
الضَّعِيفَةِ مَا قَالَ الْبَلْخِيّ إنَّ قَوْلَهُ بِحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ
لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ، وَضَعَّفَهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ
مِثْلُ وَحَقِّ اللَّهِ.
(قَوْلُهُ وَحُرْمَتُهُ) اسْمٌ بِمَعْنَى الِاحْتِرَامِ، وَحُرْمَةُ
اللَّهِ مَا لَا يَحِلُّ انْتِهَاكُهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَسَمٌ
بِغَيْرِهِ تَعَالَى حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ ط (قَوْلُهُ
وَبِحُرْمَةِ شَهِدَ اللَّهُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ
النُّسَخِ وَالْكُتُبِ، وَفِي بَعْضِهَا شَهَرَ اللَّهُ بِالرَّاءِ،
وَكُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحُ الْمَعْنَى ح (قَوْلُهُ وَبِحَقِّ
الرَّسُولِ) فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لَكِنَّ حَقَّهُ عَظِيمٌ ط عَنْ
الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَرِضَاهُ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ فِي
قَوْلِهِ وَلَا بِصِفَةٍ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهَا إلَخْ
وَكَوْنُهُ لَيْسَ يَمِينًا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ
صِفَةِ فِعْلٍ يُوصَفُ بِهَا وَبِضِدِّهَا إلَخْ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ
هُنَاكَ (قَوْلُهُ لَكِنَّ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ
وَأَمَانَةُ اللَّهِ يَمِينٌ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَهُوَ رِوَايَةٌ
عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ
يَكُونُ يَمِينًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ لِأَنَّهَا طَاعَتُهُ. وَوَجْهُ
مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْأَمَانَةَ الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى
عِنْدَ الْقَسَمِ يُرَادُ بِهَا صِفَتُهُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ
فَعِنْدَنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ هُوَ يَمِينٌ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ
بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا فُسِّرَتْ ط بِالْعِبَادَاتِ. قُلْنَا غَلَبَ
إرَادَةُ الْيَمِينِ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ حَرْفِ الْقَسَمِ فَوَجَبَ
عَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ اهـ وَبِهِ
عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) أَيْ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
صِفَةً، لَكِنْ
(3/720)
(وَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ أَوْ
سَخَطُهُ أَوْ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ
خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا لَا) يَكُونُ قَسَمًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ،
فَلَوْ تُعُورِفَ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ،
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ لَا، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. وَفِي
الْبَحْرِ: مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ كَدَمٍ
وَخِنْزِيرٍ (إلَّا إذَا أَرَادَ) الْحَالِفُ (بِقَوْلِهِ حَقًّا اسْمَ
اللَّهِ تَعَالَى فَيَمِينٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي
الْخَانِيَّةِ.
(و) مِنْ (حُرُوفِهِ الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَى الْمُعْتَمَدِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ
(قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْضًا
لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ
الْمَدْعُوِّ بَلْ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ
وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ زَانٍ إلَخْ)
لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ
فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ
بِمُتَعَارَفٍ هِدَايَةٌ: أَيْ أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ
تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ لِلضَّرُورَةِ أَوْ نَحْوِهَا (قَوْلُهُ لِعَدَمِ
التَّعَارُفِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْجَمِيعِ، وَقَدْ عَلِمْت
أَنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَوْ تُعُورِفَ إلَخْ) أَيْ فِي هُوَ زَانٍ وَمَا
بَعْدَهُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ
فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ) فِيهِ
نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى التَّعْلِيلِ بِالتَّعَارُفِ،
بَلْ عَلَّلُوا بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ كَوْنِهِ يَمِينًا مُطْلَقًا وَهُوَ
كَوْنُ عَلَيْهِ غَضَبُهُ وَنَحْوُهُ دُعَاءً عَلَى نَفْسِهِ، وَكَوْنُ
هُوَ زَانٍ يَحْتَمِلُ النَّسْخَ ثُمَّ عَلَّلُوا بِعَدَمِ التَّعَارُفِ
لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّعَارُفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ كَانَ
مِمَّا يُمْكِنُ الْحَلِفُ بِهِ فِي غَيْرِ الِاسْمِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ
مِمَّا لَا يُمْكِنُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ لَا) حَيْثُ
قَالَ: إنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ الْحَالِفُ مَا يُوجِبُ
امْتِنَاعَهُ مِنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِهِ: أَيْ وُجُودِ مَا
عَلَّقَهُ كَالْكُفْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ
كَدُخُولِ الدَّارِ، وَهُنَا لَا يَصِيرُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ زَانِيًا
أَوْ سَارِقًا حَتَّى يُوجِبَ امْتِنَاعَهُ عَنْ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ
الْكُفْرِ فَإِنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ الدُّخُولِ يَتَحَقَّقُ الرِّضَا
بِالْكُفْرِ فَيُوجِبُ الْكُفْرَ اهـ مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا، وَالْمُرَادُ
أَنَّهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ عِنْدَ الْجَهْلِ وَالْكَفَّارَةَ عِنْدَ
الْعِلْمِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَصْلُحُ أَيْضًا
لِنَحْوِ عَلَيْهِ غَضَبُهُ لِأَنَّهُ لَا تَتَحَقَّقُ اسْتِجَابَةُ
دُعَائِهِ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَلَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَنْ
مُبَاشَرَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَإِنْ تُعُورِفَ
(قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ مَنْقُولٍ بَلْ فَهِمَهُ
فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ هُوَ
يَسْتَحِلُّ الدَّمَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ إنْ فَعَلَ كَذَا لَا
يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ كُفْرًا لَا
مَحَالَةَ فَإِنَّهُ حَالَةُ الضَّرُورَةِ يَصِيرُ حَلَالًا اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ الْمُحَشِّيُّ بِأَنَّهُ وَهْمٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ قَوْلَ
الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا مَحَالَةَ قَيْدٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَكُونُ لَا
لِلنَّفْيِ وَهُوَ لَا يَكُونُ، فَالْمَعْنَى أَنَّ كَوْنَ اسْتِحْلَالِهِ
كُفْرًا عَلَى الدَّوَامِ مَنْفِيٌّ بَلْ قَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا،
يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا
لِلشَّكِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اسْتِحْلَالُهُ كُفْرًا كَمَا فِي غَيْرِ
حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ يَمِينًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا
كَمَا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، فَقَدْ حَصَلَ
الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا أَوْ لَا بِخِلَافِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ
فَعَلَ كَذَا لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ مَنْ يُنْكِرُ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ كُفْرٌ دَائِمًا، فَكُلُّ
مَا حَرُمَ مُؤَبَّدًا فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ يَكُونُ
يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا اهـ مُلَخَّصًا.
مَطْلَبُ حُرُوفِ الْقَسَمِ
(قَوْلُهُ وَمِنْ حُرُوفِهِ) أَفَادَ أَنَّ لَهُ حُرُوفًا أُخَرَ نَحْوُ
مِنْ اللَّهِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ
عَنْ الرَّضِيِّ ح.
قُلْت: وَفِي الدَّمَامِينِيِّ عَنْ التَّسْهِيلِ: وَمِنْ مُثَلَّثِ
الْحَرْفَيْنِ مَعَ تَوَافُقِ الْحَرَكَتَيْنِ اهـ فَافْهَمْ، وَالْمُرَادُ
بِالْحُرُوفِ الْأَدَوَاتُ لِأَنَّ مِنْ اللَّهِ وَكَذَا الْمِيمُ اسْمٌ
مُخْتَصَرٌ مِنْ أَيْمُنِ كَمَا مَرَّ، وَالضَّمِيرُ فِي حُرُوفِهِ رَاجِعٌ
إلَى الْقَسَمِ أَوْ الْحَلِفِ أَوْ إلَى الْيَمِينِ بِتَأْوِيلِ الْقَسَمِ
وَإِلَّا فَالْيُمْنَى مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا (قَوْلُهُ الْوَاوُ وَالْبَاءُ
وَالتَّاءُ) قَدَّمَ الْوَاوَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي
الْقَسَمِ وَلِذَا
(3/721)
وَلَامُ الْقَسَمِ وَحَرْفُ التَّنْبِيهِ
وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلْفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمِ
الْمَكْسُورَةِ وَالْمَضْمُومَةِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَمِ
اللَّهِ.
(وَقَدْ تُضْمَرُ) حُرُوفُهُ إيجَازًا فَاخْتَصَّ اسْمُ اللَّهِ
بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ وَغَيْرُهُ بِغَيْرِ الْجَرِّ وَالْتَزَمَ
رَفْعَ ايْمُنُ وَلَعَمْرُ اللَّهِ (كَقَوْلِهِ اللَّهَ) بِنَصَبِهِ
بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَجَرَّهُ الْكُوفِيُّونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَمْ تَقَعْ الْبَاءُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي - بِاَللَّهِ {إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]- مَعَ احْتِمَالِ تَعَلُّقِهَا ب
" لَا تُشْرِكْ " وَقَدَّمَ غَيْرُهُ الْبَاءَ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ
لِأَنَّهَا صِلَةُ أَحْلِفُ وَأُقْسِمُ وَلِذَا دَخَلَتْ فِي الْمُظْهَرِ
وَالْمُضْمَرِ نَحْوِ بِك لَأَفْعَلَنَّ (قَوْلُهُ وَلَامُ الْقَسَمِ)
وَهِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ
قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ لَا تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَهِيَ
مَكْسُورَةٌ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا كَمَا فِي حَوَاشِي شَرْحِ
الْآجُرُّومِيَّةِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَا تُسْتَعْمَلُ اللَّامُ إلَّا
فِي قَسَمٍ مُتَضَمِّنٍ مَعْنَى التَّعَجُّبِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ، فَلِلَّهِ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ،
وَقَوْلُهُمْ لِلَّهِ مَا يُؤَخَّرُ الْأَجَلُ فَاسْتِعْمَالُهَا قَسَمًا
مُجَرَّدًا عَنْهُ لَا يَصِحُّ فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنْ يُتَعَارَفَ
كَذَلِكَ.
وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ
احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ زَيْدًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا
أَنْ يَنْوِيَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلنَّذْرِ، وَيَحْتَمِلُ مَعْنَى
الْيَمِينِ اهـ (قَوْلُهُ وَحَرْفُ التَّنْبِيهِ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا
مَحْذُوفُ الْأَلْفِ أَوْ ثَابِتُهَا مَعَ وَصْلِ أَلْفِ اللَّهِ
وَقَطْعِهَا كَمَا فِي التَّسْهِيلِ لِابْنِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ هَمْزَةُ
الِاسْتِفْهَامِ) هِيَ هَمْزَةٌ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ
بَعْدَهَا مَجْرُورٌ، وَتَسْمِيَتُهَا بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَجَازٌ
كَذَا فِي الدَّمَامِينِيِّ عَلَى التَّسْهِيلِ ح. وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْجَرَّ بِهَذِهِ الْأَحْرُفِ لِنِيَابَتِهَا عَنْ أَحْرُفِ الْقَسَمِ ط
(قَوْلُهُ وَقَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ) أَيْ مَعَ جَرِّ الِاسْمِ الشَّرِيفِ
ح أَيْ فَالْهَمْزَةُ نَابَتْ عَنْ حَرْفِ الْقَسَمِ وَلَيْسَ حَرْفُ
الْقَسَمِ مُضْمَرًا لِأَنَّ مَا يُضْمَرُ فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ تَبْقَى
هَمْزَتُهُ هَمْزَةَ وَصْلٍ، نَعَمْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ تُقْطَعُ
الْهَمْزَةُ فَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ.
أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الِابْتِدَاءِ كَقَوْلِك يَا زَيْدُ اللَّهِ
لَأَفْعَلَنَّ فَإِنْ قَطَعْتهَا كَانَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَإِلَّا
فَهُوَ مِنْ الْإِضْمَارِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ
وَالْمَضْمُومَةُ) وَكَذَا الْمَفْتُوحَةُ، فَقَدْ نَقَلَ الدَّمَامِينِيُّ
فِيهَا التَّثْلِيثَ. وَفِي ط لَعَلَّهُمْ اعْتَبَرُوا صُورَتَهَا
فَعَدُّوهَا مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ وَإِلَّا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا مِنْ
جُمْلَةِ اللُّغَاتِ فِي أَيْمُنِ اللَّهِ كُمِنَ اللَّهِ (قَوْلُهُ
لِلَّهِ) بِكَسْرِ لَامِ الْقَسَمِ وَجَرِّ الْهَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَا اللَّهِ) مِثَالٌ لِحَرْفِ التَّنْبِيهِ
وَالْهَاءُ مَجْرُورَةٌ ح (قَوْلُهُ مُ اللَّهِ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ
كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْهَاءُ مَجْرُورَةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ تُضْمَرُ
حُرُوفُهُ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي يُضْمَرُ هُوَ الْبَاءُ فَقَطْ، لِأَنَّهَا
حَرْفُ الْقَسَمِ الْأَصْلِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ
الْكَشْفِ وَالرَّضِيِّ، وَأَرَادَ بِالْإِضْمَارِ عَدَمَ الذِّكْرِ
فَيَصْدُقُ بِالْحَذْفِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ بِخِلَافِ
الْحَذْفِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي كَوْنُ الْحَرْفِ
مَحْذُوفًا فِي حَالَةِ النَّصْبِ وَمُضْمَرًا فِي حَالَةِ الْجَرِّ
لِظُهُورِ أَثَرِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ تُضْمَرُ وَلَمْ
يَقُلْ تُحْذَفُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إلَخْ يُوهِمُ أَنَّهُ مَعَ
النَّصْبِ لَا يَكُونُ حَالِفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي
النَّهْرِ إنَّهُ بِمَعْزِلٍ عَنْ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ
حَالِفًا مَعَ بَقَاءِ الْأَثَرِ يَكُونُ أَيْضًا حَالِفًا مَعَ النَّصْبِ
بَلْ هُوَ الْكَثِيرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَذَاكَ شَاذٌّ اهـ أَيْ شَاذٌّ
فِي غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالْحَرَكَاتِ
الثَّلَاثِ) أَمَّا الْجَرُّ وَالنَّصْبُ فَعَلَى إضْمَارِ الْحَرْفِ أَوْ
حَذْفِهِ مَعَ تَقْدِيرِ نَاصِبٍ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا الرَّفْعُ
فَقَالَ فِي الْفَتْحِ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَإٍ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ
عَلَى إضْمَارِ خَبَرٍ، لِأَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ
فَهُوَ أَوْلَى بِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ قَسَمِي أَوْ
قَسَمِي اللَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) أَيْ وَيَخْتَصُّ غَيْرُ
اسْمِ الْجَلَالَةِ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ بِغَيْرِ الْجَرِّ أَيْ
بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ، أَمَّا الْجَرُّ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
حَذْفُ الْجَارِّ وَإِبْقَاءُ عَمَلِهِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا لَفْظُ
الْجَلَالَةِ فِي الْقَسَمِ دُونَ عِوَضٍ نَحْوَ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ
(قَوْلُهُ بِنَصْبِهِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ) هَذَا خِلَافُ أَهْلِ
الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ بِفِعْلِ الْقَسَمِ لَمَّا حَذَفَ
الْحَرْفَ اتَّصَلَ الْفِعْلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ عِنْدَ انْتِزَاعِ
الْخَافِضِ: أَيْ بِالْفِعْلِ عِنْدَهُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ أَيْ
فَالْبَاءُ فِي بِنَزْعِ لِلسَّبَبِيَّةِ لَا صِلَةَ نَصْبِهِ لِأَنَّ
النَّزْعَ لَيْسَ مِنْ عَوَامِلِ النَّصْبِ، بَلْ النَّاصِبُ هُوَ
الْفِعْلُ، وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ تَوَسُّعًا بِسَبَبِ نَزْعِ الْخَافِضِ
كَمَا فِي - {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 150]- أَيْ عَنْ
أَمْرِهِ - {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]- أَيْ
عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَجَرَّهُ الْكُوفِيُّونَ) كَذَا حُكِيَ الْخِلَافُ فِي
الْمَبْسُوطِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُمَا أَيْ
(3/722)
مِسْكِينٌ (لَأَفْعَلَنَّ كَذَا) أَفَادَ
أَنَّ إضْمَارَ حَرْفِ التَّأْكِيدِ فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ
ثُمَّ صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ (الْحَلِفُ) بِالْعَرَبِيَّةِ (فِي
الْإِثْبَاتِ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ وَهُوَ اللَّامُ
وَالنُّونُ كَقَوْلِهِ وَوَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
النَّصْبَ وَالْجَرَّ وَجْهَانِ سَائِغَانِ لِلْعَرَبِ لَيْسَ أَحَدٌ
يُنْكِرُ أَحَدَهُمَا لِيَتَأَتَّى الْخِلَافُ اهـ وَسَكَتَ الشَّارِحُ
عَنْ الرَّفْعِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ بِالْحَرَكَاتِ
الثَّلَاثِ.
[تَنْبِيهٌ] هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَكَذَا سُكُونُ الْهَاءِ
يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِبَاءِ الْقَسَمِ. فَفِي
الظَّهِيرِيَّةِ: بِاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ
نَصَبَهَا أَوْ رَفَعَهَا يَكُونُ يَمِينًا؛ وَلَوْ قَالَ اللَّهَ لَا
أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا
إلَّا أَنْ يُعْرِبَهَا بِالْجَرِّ فَيَكُونُ يَمِينًا، وَقِيلَ يَكُونُ
يَمِينًا مُطْلَقًا اهـ.
قُلْت: وَقَوْلُ الْمُتُونِ وَقَدْ تُضْمَرُ يُشِيرُ إلَى الْقَوْلِ
الْأَوَّلِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ فَلَا
بُدَّ مِنْ الْجَرِّ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي
الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ تَجْوِيزِ النَّصْبِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ
الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، بَلْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي
أَنَّهُ إذَا نَصَبَ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ
أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ،
وَلَكِنَّ النَّصْبَ أَكْثَرُ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي
مُقْتَصِدِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. اهـ.
قُلْت: بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا مَعَ سُكُونِ
الْهَاءِ. وَقَدْ رَدَّهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي
ثُبُوتِ الْيَمِينِ بَيْنَ أَنْ يُعْرِبَ الْمُقْسَمَ بِهِ خَطَأً أَوْ
صَوَابًا أَوْ يُسَكِّنَهُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا
سَكَّنَهُ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ
تَعَالَى لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ مَعْقُودًا بِمَا أُرِيدَ مَنْعُهُ
أَوْ فِعْلُهُ ثَابِتٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خُصُوصِيَّةٍ فِي
اللَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنَّ إضْمَارَ حَرْفِ التَّأْكِيدِ)
الْإِضَافَةُ فِي " حَرْفِ " لِلْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُرَادَ اللَّامُ
وَالنُّونُ فَإِنَّ حَذْفَهُمَا فِي جَوَابِ الْقَسَمِ الْمُسْتَقْبَلِ
الْمُثْبَتِ لَا يَجُوزُ، نَعَمْ حَذْفُ أَحَدِهِمَا جَائِزٌ عِنْدَ
الْكُوفِيِّينَ لَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَكَذَا يَجُوزُ إنْ كَانَ
الْفِعْلُ حَالًّا كَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ - لَأُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ - وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
يَمِينًا لَأَبْغَضُ كُلَّ امْرِئٍ ... يُزَخْرِفُ قَوْلًا وَلَا يَفْعَلُ
مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ أَسْقَطَ اللَّامَ وَالنُّونَ مِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ
(قَوْلُهُ الْحَلِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ) مَقْدِسِيٌّ، يَعْنِي لَا يَكُونُ
يَمِينًا عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَقَوْلُهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ
فِيهَا: أَيْ إذَا تَرَكُوا ذَلِكَ الشَّيْءَ. ثُمَّ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ:
لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ لِتَعَارُفِهِمْ الْحَلِفَ بِذَلِكَ،
وَيُؤَيِّدُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ سَكَّنَ
الْهَاءَ أَوْ رَفَعَ أَوْ نَصَبَ فِي بِاَللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا مَعَ
أَنَّ الْعَرَبَ مَا نَطَقَتْ بِغَيْرِ الْجَرِّ فَلْيُتَأَمَّلْ،
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ خَلَا مِنْ اللَّامِ وَالنُّونِ،
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: سُبْحَانَ اللَّهِ
أَفْعَلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَفْعَلُ كَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا
أَنْ يَنْوِيَهُ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ مَا
نَقَلَهُ لَا يَدُلُّ لِمُدَّعَاهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ
تَغْيِيرٌ إعْرَابِيٌّ لَا يَمْنَعُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ فَلَا يَضُرُّ
التَّسْكِينُ وَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّحْنَ
لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، إذْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ
لَا أَنَّهُ يَمِينٌ وَالنَّقْلُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ. اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ اللَّحْنَ الْخَطَأُ
كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: اللَّحْنُ الْخَطَأُ فِي
الْعَرَبِيَّةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ
سُبْحَانَ اللَّهِ أَفْعَلُ عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَا غَيْرُهُ
فَإِنَّهُ أَتَى بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ مُجَرَّدًا مِنْ اللَّامِ
وَالنُّونِ وَجَعَلَهُ يَمِينًا مَعَ النِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى
النَّفْيِ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَعَ النِّيَّةِ يَمِينٌ عَلَى
عَدَمِ الْفِعْلِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ النِّيَّةَ
لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ كَمَا مَرَّ. وَقَالَ ج: وَبَحْثُ
الْمَقْدِسِيَّ وَجِيهٌ. وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ إنَّهُ يُصَادِمُ
الْمَنْقُولَ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْمَذْهَبِ كَانَ
عَلَى عُرْفِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَتَغَيَّرَ اللُّغَةُ،
وَأَمَّا الْآنُ فَلَا يَأْتُونَ بِاللَّامِ
(3/723)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالنُّونُ فِي مُثْبَتِ الْقَسَمِ أَصْلًا وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ
الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ بِوُجُودِ لَا وَعَدَمِهَا، وَمَا اصْطِلَاحُهُمْ
عَلَى هَذَا إلَّا كَاصْطِلَاحِ لُغَةِ الْفُرْسِ وَنَحْوِهَا فِي
الْأَيْمَانِ لِمَنْ تَدَبَّرَ. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ
أَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَوَاقِفٍ عَلَى
عُرْفِهِ وَعَادَتِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ كَلَامَ الْعَرَبِ أَمْ لَا،
وَيَأْتِي نَحْوُهُ عَنْ الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي. وَقَدْ
فَرَّقَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ بَيْنَ بَلَى وَنَعَمْ فِي الْجَوَابِ
بِأَنَّ بَلَى لِإِيجَابِ مَا بَعْدَ النَّفْيِ وَنَعَمْ لِلتَّصْدِيقِ،
فَإِذَا قِيلَ أَمَا قَامَ زَيْدٌ؟ فَإِنْ قُلْت بَلَى كَانَ مَعْنَاهُ
قَدْ قَامَ، وَإِنْ قُلْت نَعَمْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا قَامَ. وَنَقَلَ فِي
شَرْح الْمَنَارِ عَنْ التَّحْقِيقِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي أَحْكَامِ
الشَّرْعِ الْعُرْفُ حَتَّى يُقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ
الْآخَرِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّلْوِيحِ. وَقَوْلُ الْمُحِيطِ هُنَا
وَالْحَلِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَقُولَ فِي الْإِثْبَاتِ وَاَللَّهِ
لَأَفْعَلَنَّ إلَخْ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ
وَعُرْفِ الْعَرَبِ وَعَادَتِهِمْ الْخَالِيَةِ عَنْ اللَّحْنِ، وَكَلَامُ
النَّاسِ الْيَوْمَ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ سِوَى
النَّادِرِ، فَهُوَ لُغَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَهُمْ كَبَاقِي اللُّغَاتِ
الْأَعْجَمِيَّةِ، فَلَا يُعَامِلُونَ بِغَيْرِ لُغَتِهِمْ وَقَصْدِهِمْ
إلَّا مَنْ الْتَزَمَ مِنْهُمْ الْإِعْرَابَ أَوْ قَصَدَ الْمَعْنَى
اللُّغَوِيَّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُدَيَّنَ. وَعَلَى هَذَا قَالَ شَيْخِ
مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ: إنَّ أَيْمَانَنَا الْآنَ لَا تَتَوَقَّفُ
عَلَى تَأْكِيدٍ، فَقَدْ وَضَعْنَاهَا وَضْعًا جَدِيدًا وَاصْطَلَحْنَا
عَلَيْهَا وَتَعَارَفْنَاهَا، فَيَجِبُ مُعَامَلَتُنَا عَلَى قَدْرِ
عُقُولِنَا وَنِيَّاتِنَا كَمَا أَوْقَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ الطَّلَاقَ
بِعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَمَنْ لَمْ يَدْرِ بِعُرْفِ أَهْلِ زَمَانِهِ
فَهُوَ جَاهِلٌ. اهـ.
قُلْت: وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْفَاءَ
الرَّابِطَةَ لِجَوَابِ الشَّرْطِ فَهُوَ تَنْجِيزٌ لَا تَعْلِيقٌ، حَتَّى
لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ
الْمُتَعَارَفِ الْآنَ فَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا
قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ، وَقَدَّمْنَا
هُنَاكَ مَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ هُنَا فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ] مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَسَمِ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ
فَإِنَّهُ وَإِنْ سُمِّيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَلِفًا وَيَمِينًا
لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى قَسَمًا، فَإِنَّ الْقَسَمَ خَاصٌّ بِالْيَمِينِ
بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، أَمَّا
التَّعْلِيقُ فَلَا يَجْرِي اشْتِرَاطُ اللَّامِ وَالنُّونِ فِي
الْمُثْبَتِ مِنْهُ لَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ،
وَمِنْهُ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا
فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ
فَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ
وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ ح: فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا تَوَهَّمَهُ
بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مِنْ أَنَّ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ
أَجِيءُ الْيَوْمَ، إنْ جَاءَ فِي الْيَوْمِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا
فَلَا لِعَدَمِ اللَّامِ وَالنُّونِ؛ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النُّحَاةَ
إنَّمَا اشْتَرَطُوا ذَلِكَ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ الْمُثْبَتِ لَا فِي
جَوَابِ الشَّرْطِ، وَإِلَّا كَانَ مَعْنَى قَوْلِك إنْ قَامَ زَيْدٌ
أَقُمْ إنْ قَامَ زَيْدٌ لَمْ أَقُمْ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ عَاقِلٌ فَضْلًا
عَنْ فَاضِلٍ. عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَجِيءُ لَيْسَ جَوَابَ الشَّرْطِ بَلْ
هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ لَمْ أَجِئْ الْيَوْمَ
فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْوَهْمُ بِعَيْنِهِ لِلشَّيْخِ الرَّمْلِيِّ فِي
الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَلِغَيْرِهِ أَيْضًا. قَالَ السَّيِّدُ
أَحْمَدُ الْحَمَوِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ الْكُبْرَى: رُفِعَ إلَيَّ سُؤَالٌ
صُورَتُهُ: رَجُلٌ اغْتَاظَ مِنْ وَلَدِ زَوْجَتِهِ فَقَالَ عَلَيَّ
الطَّلَاقُ إنِّي أُصْبِحُ أَشْتَكِيك مِنْ النَّقِيبِ فَلَمَّا أَصْبَحَ
تَرَكَهُ وَلَمْ يَشْتَكِهِ وَمَكَثَ مُدَّةً فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ
يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ: إذَا تَرَكَ شِكَايَتَهُ وَمَضَى
مُدَّةً بَعْدَ حَلِفِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْفِعْلَ
الْمَذْكُورَ وَقَعَ فِي جَوَابِ الْيَمِينِ وَهُوَ مُثْبَتٌ فَيُقَدَّرُ
النَّفْيُ حَيْثُ لَمْ يُؤَكِّدْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ؛ كَتَبَهُ
الْفَقِيرُ عَبْدُ الْمُنْعِمِ النَّبْتِيتِيُّ فَرَفَعَهُ إلَى جَمَاعَةٍ
قَائِلِينَ مَاذَا يَكُونُ الْحَالُ، فَقَدْ زَادَ بِهِ الْأَمْرُ
وَتَقَدَّمَ بَيْنَ الْعَوَامّ وَتَأَخَّرَتْ أُولُو الْفَضْلِ أَفِيدُوا
الْجَوَابَ؟
(3/724)
وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت كَذَا
مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ التَّوْكِيدِ وَفِي النَّفْيِ بِحَرْفِ النَّفْيِ،
حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ كَانَتْ يَمِينُهُ
عَلَى النَّفْيِ وَتَكُونُ لَا مُضْمَرَةً كَأَنَّهُ قَالَ لَا أَفْعَلُ
كَذَا لِامْتِنَاعِ حَذْفِ حَرْفِ التَّوْكِيدِ فِي الْإِثْبَاتِ
لِإِضْمَارِ الْعَرَبِ فِي الْكَلَامِ الْكَلِمَةَ لَا بَعْضَ الْكَلِمَةِ
مِنْ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.
(وَكَفَّارَتُهُ) هَذِهِ إضَافَةٌ لِلشَّرْطِ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَنَا
الْحِنْثُ (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَأَجَبْت بَعْدَ الْحَمْدِ لِلَّهِ: مَا أُفْتِيَ بِهِ مِنْ عَدَمِ
وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ
جَوَابًا لِيَمِينٍ وَهُوَ مُثْبَتٌ فَيُقَدَّرُ النَّفْيُ حَيْثُ لَمْ
يُؤَكَّدْ، فَمُنْبِئٌ عَنْ فَرْطِ جَهْلِهِ وَحُمْقِهِ وَكَثْرَةِ
مُجَازَفَتِهِ فِي الدِّينِ وَخَرْقِهِ إذْ ذَاكَ فِي الْفِعْلِ إذَا
وَقَعَ جَوَابًا لِلْقَسَمِ بِاَللَّهِ نَحْوَ - {تَاللَّهِ تَفْتَأُ}
[يوسف: 85]- أَيْ لَا تَفْتَأُ لَا فِي جَوَابِ الْيَمِينِ بِمَعْنَى
التَّعْلِيقِ بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَنَحْوِهِمَا.
وَحِينَئِذٍ إذَا أَصْبَحَ الْحَالِفُ وَلَمْ يَشْتَكِهِ وَقَعَ عَلَيْهِ
الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَبَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ بَيْنُونَةً كُبْرَى.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذَا الْمُفْتِيَ أَخْطَأَ
خَطَأً صَرَاحًا لَا يَصْدُرُ عَنْ ذِي دِينٍ وَصَلَاحٍ، وَلِلَّهِ دَرُّ
الْقَائِلِ:
مِنْ الدِّينِ كَشْفُ السِّتْرِ عَنْ كُلِّ كَاذِبٍ ... وَعَنْ كُلِّ
بِدْعِيٍّ أَتَى بِالْعَجَائِبِ
فَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ لَهُدِّمَتْ ... صَوَامِعُ دِينِ اللَّهِ
مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
(قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت) بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَلَا بُدَّ
فِيهَا مِنْ اللَّامِ مَقْرُونَةً بِقَدْ أَوْ رُبَّمَا إنْ كَانَ
مُتَصَرِّفًا وَإِلَّا فَغَيْرَ مَقْرُونَةٍ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ
(قَوْلُهُ وَفِي النَّفْيِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْإِثْبَاتِ
أَيْ أَنَّ الْحَلِفَ إذَا كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ مُضَارِعًا مَنْفِيًّا
لَا يَكُونُ بِاللَّامِ وَالنُّونِ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ شُذُوذٍ بَلْ
يَكُونُ بِحَرْفِ النَّفْيِ وَلَوْ مُقَدَّرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى -
{تَاللَّهِ تَفْتَأُ} [يوسف: 85]- فَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ إلَخْ
تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ أَفَادَ بِهِ أَنَّ حَرْفَ النَّفْيِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ
يُقَدَّرْ، وَأَنَّ الدَّالَ عَلَى تَقْدِيرِهِ عَدَمُ شَرْطِ كَوْنِهِ
مُثْبَتًا وَهُوَ حَرْفُ التَّوْكِيدِ وَأَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ
بَيْنَ تَقْدِيرِ النَّافِي وَحَرْفِ التَّوْكِيدِ تَعَيَّنَ تَقْدِيرُ
النَّافِي لِأَنَّهُ كَلِمَةُ لَا بَعْضُ كَلِمَةٍ فَافْهَمْ، لَكِنْ
اعْتَرَضَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ حَرْفَ التَّوْكِيدِ كَلِمَةٌ
أَيْضًا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلِمَةِ مَا يُتَكَلَّمُ بِهَا
بِدُونِ غَيْرِهَا أَوْ مَا لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً بِغَيْرِهَا فِي الْخَطِّ
(قَوْلُهُ وَكَفَّارَتُهُ) أَيْ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْحَلِفِ أَوْ
الْقَسَمِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا مُؤَنَّثٌ سَمَاعًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ
هَذِهِ إضَافَةٌ لِلشَّرْطِ) لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي إضَافَةِ
الْأَحْكَامِ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَحَدِّ الزِّنَا أَوْ
الشُّرْبِ أَوْ السَّرِقَةِ، وَالْيَمِينُ لَيْسَ سَبَبًا عِنْدَنَا
لِلْكَفَّارَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
بَلْ السَّبَبُ عِنْدَنَا هُوَ الْحِنْثُ كَمَا يَأْتِي بَيَّنَ أَنَّ
ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ وَأَنَّهُ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الشَّرْطِ
مَجَازًا، وَهِيَ جَائِزَةٌ وَثَابِتَةٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي
كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَكَوْنُ الْيَمِينِ
شَرْطًا لَا سَبَبًا مُبَيَّنٌ بِأَدِلَّتِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ.
مَطْلَبُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ
(قَوْلُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) لَمْ يَقُلْ عِتْقُ رَقَبَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ
وَرِثَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَنَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ
نَهْرٌ (قَوْلُهُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا،
حَتَّى لَوْ أَعْطَى مِسْكَيْنَا وَاحِدًا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلَّ
يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ
بِدَفَعَاتٍ فِي عَشْرِ سَاعَاتٍ، قِيلَ يُجْزِئُ، وَقِيلَ لَا، وَهُوَ
الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ إعْطَاؤُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي
تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ مِسْكِينٍ آخَرَ لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ مِنْ
حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ. وَفِيهَا: يَجُوزُ أَنْ يَكْسُوَ
مِسْكِينًا وَاحِدًا فِي عَشْرِ سَاعَاتٍ مِنْ يَوْمٍ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ
أَوْ ثَوْبًا وَاحِدًا، بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَسْتَرِدَّهُ
مِنْهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّ
لِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ تَأْثِيرًا فِي تَبَدُّلِ الْعَيْنِ، لَكِنْ لَا
يَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَشْفِ، وَقَوْلُهُ
لَكِنْ لَا يَجُوزُ يَحْتَمِلُ تَعَلُّقَهُ بِالثَّانِيَةِ فَقَطْ أَوْ
بِهَا وَبِالْأَوْلَى أَيْضًا وَهُوَ الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ مَا
قَدَّمْنَاهُ. اهـ.
قُلْت: وَمُرَادُهُ بِالثَّانِيَةِ قَوْلُهُ أَوْ ثَوْبًا وَاحِدًا. وَفِي
الْجَوْهَرَةِ: وَإِذَا أَطْعَمَهُمْ بِلَا إدَامٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي
خُبْزِ الْحِنْطَةِ
(3/725)
كَمَا مَرَّ فِي الظِّهَارِ (أَوْ
كِسْوَتُهُمْ بِمَا) يَصْلُحُ لِلْأَوْسَاطِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فَوْقَ
ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَ (يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ) فَلَمْ يَجُزْ
السَّرَاوِيلُ إلَّا بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْإِطْعَامِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَإِذَا غَدَّى مِسْكِينًا وَعَشَّى غَيْرَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ
يُجْزِهِ لِأَنَّهُ فَرَّقَ طَعَامَ الْعَشَرَةِ عَلَى عِشْرِينَ، كَمَا
إذَا فَرَّقَ حِصَّةَ الْمِسْكِينِ عَلَى مِسْكِينَيْنِ، وَلَوْ غَدَّى
مِسْكِينًا وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ الْعِشَاءِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا إذَا
فَعَلَهُ فِي عَشَرَةِ مَسَاكِينَ؛ وَلَوْ عَشَّاهُمْ فِي رَمَضَانَ
عِشْرِينَ لَيْلَةً أَجْزَأَهُ اهـ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا
غَدَّاهُمْ فِي يَوْمٍ وَعَشَّاهُمْ فِي يَوْمٍ آخَرَ فَعَنْ الثَّانِي
فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ شَرَطَ وُجُودَهُمَا فِي يَوْمٍ
وَاحِدٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُعَلَّى لَمْ يَشْتَرِطْ. وَفِي كَافِي
الْحَاكِمِ: وَإِنْ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينِ كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا
عَنْ يَمِينَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ إحْدَاهُمَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُجْزِيه عَنْهُمَا (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي
الظِّهَارِ) أَيْ كَالتَّحْرِيرِ وَالْإِطْعَامِ الْمَارَّيْنِ فِي
الظِّهَارِ مِنْ كَوْنِ الرَّقَبَةِ غَيْرَ فَائِتَةٍ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ
وَلَا مُسْتَحَقَّةً لِلْحُرِّيَّةِ بِجِهَةٍ. وَفِي الِاطِّعَامِ، إمَّا
التَّمْلِيكُ، أَوْ الْإِبَاحَةُ، فَيُعَشِّيهِمْ وَيُغَدِّيهِمْ؛ وَلَوْ
أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْإِطْعَامِ
إنْ كَانَ أَرْخَصَ مِنْ الْكِسْوَةِ.
وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ، هَذَا فِي إطْعَامِ الْإِبَاحَةِ؛ أَمَّا
إذَا مَلَكَهُ فَيَجُوزُ وَيُقَامُ مَقَامَ الْكِسْوَةِ؛ وَلَوْ أَعْطَى
عَشَرَةً كُلَّ وَاحِدٍ أَلْفَ مَنٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ عَنْ كَفَّارَةِ
الْيَمِينِ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ
وَالثَّانِي، وَكَذَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
نَهْرٌ.
قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ حِيلَةَ الدُّرَرِ لَا تَنْفَعُ هُنَا
بِخِلَافِهَا فِي إسْقَاطِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ بِمَا يَصْلُحُ
لِلْأَوْسَاطِ) وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي الثَّوْبِ حَالُ الْقَابِضِ، إنْ
كَانَ يَصْلُحُ لَهُ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ السَّرَخْسِيُّ:
وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَيَنْتَفِعُ
بِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ نِصْفِ مُدَّةِ
الثَّوْبِ الْجَدِيدِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ
جَدِيدًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَدِيدًا رَقِيقًا لَا يَبْقَى
هَذِهِ الْمُدَّةَ لَا يُجْزِئُ (قَوْلُهُ وَيَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ)
أَيْ أَكْثَرَهُ كَالْمُلَاءَةِ أَوْ الْجُبَّةِ أَوْ الْقَمِيصِ أَوْ
الْقَبَاءِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَهَذَا بَيَانٌ لِأَدْنَاهُ عِنْدَهُمَا.
وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَعَلَيْهِ
فَيُجْزِيه دَفْعُ السَّرَاوِيلِ عِنْدَهُ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ
(قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ السَّرَاوِيلُ) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ لَابِسَهُ
يُسَمَّى عُرْيَانًا عُرْفًا فَلَا بُدَّ عَلَى هَذَا أَنْ يُعْطِيَهُ
قَمِيصًا أَوْ جُبَّةً أَوْ رِدَاءً أَوْ قَبَاءً أَوْ إزَارًا سَابِلًا
بِحَيْثُ يَتَوَشَّحُ بِهِ عِنْدَهُمَا وَإِلَّا فَهُوَ كَالسَّرَاوِيلِ،
وَلَا تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ إلَّا إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا
ثَوْبٌ مُجْزِئٌ. وَأَمَّا الْقَلَنْسُوَةُ فَلَا تُجْزِئُ بِحَالٍ، وَلَا
بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ خِمَارٍ مَعَ الثَّوْبِ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَا
تَصِحُّ بِدُونِهِ، وَهَذَا: أَيْ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يُشَابِهُ
الْمَرْوِيَّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي
لِلْمَرْأَةِ. وَظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي
وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ
وَعَدَمُهَا، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا
وَخِمَارًا غَطَّى رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي
ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةُ وَمَعَ هَذَا لَا
تَصِحُّ صَلَاتُهَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الثَّوْبِ مِنْ الْخِمَارِ، لَكِنْ لَا
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخِمَارُ مِمَّا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ.
وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عَلَى صَدْرِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ
فَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْخِمَارُ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ
فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. الشُّرُنْبُلَالِيَّةُ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا
يُغَطِّي رَأْسَ الرَّجُلِ. اهـ.
قُلْت: إنْ كَانَ تَوَقُّفُهُ فِي إجْزَائِهِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِهِ،
وَإِنْ كَانَ فِي اشْتِرَاطِهِ مَعَ الثَّوْبِ فَظَاهِرُ مَا مَرَّ
عَدَمُهُ. وَفِي الْكَافِي: الْكِسْوَةُ ثَوْبٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إزَارٌ
وَرِدَاءٌ أَوْ قَمِيصٌ أَوْ قَبَاءٌ أَوْ كِسَاءٌ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ
الْمُرَادَ مَا يَسْتُرُ أَكْثَرَ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ
قِيمَةِ الْإِطْعَامِ) وَمِثْلُهُ لَوْ أَعْطَى نِصْفَ ثَوْبٍ تَبْلُغُ
قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ
شَعِيرٍ أَجْزَأَهُ عَنْ إطْعَامِ فَقِيرٍ، وَكَذَا لَوْ أَعْطَى عَشَرَةَ
مَسَاكِينَ ثَوْبًا كَبِيرًا لَا يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ حِصَّتُهُ مِنْهُ
(3/726)
(وَلَوْ أَدَّى الْكُلَّ) جُمْلَةً أَوْ
مُرَتَّبًا وَلَمْ يَنْوِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا لِلُزُومِ النِّيَّةِ
لِصِحَّةِ التَّكْفِيرِ (وَقَعَ عَنْهَا وَاحِدٌ هُوَ أَعْلَاهَا قِيمَةً،
وَلَوْ تَرَكَ الْكُلَّ عُوقِبَ بِوَاحِدٍ هُوَ أَدْنَاهَا قِيمَةً)
لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِالْأَدْنَى (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) كُلِّهَا
(وَقْتَ الْأَدَاءِ) عِنْدَنَا، حَتَّى لَوْ وَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ
ثُمَّ صَامَ ثُمَّ رَجَعَ بِهِبَةٍ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ مُجْتَبًى. قُلْت:
وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ مِنْ
الْأَصْلِ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وِلَاءً) وَيَبْطُلُ بِالْحَيْضِ،
بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ. وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ التَّفْرِيقَ،
وَاعْتَبَرَ الْعَجْزَ عِنْدَ الْحِنْثِ مِسْكِينٌ (وَالشَّرْطُ
اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ، فَلَوْ صَامَ
الْمُعْسِرُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ) قَبْلَ فَرَاغِهِ وَلَوْ بِسَاعَةٍ
(أَيْسَرَ) وَلَوْ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ مُوسِرًا (لَا يَجُوزُ لَهُ
الصَّوْمُ) وَيَسْتَأْنِفُ بِالْمَالِ خَانِيَّةٌ، وَلَوْ صَامَ نَاسِيًا
لِلْمَالِ وَلَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ مُجْتَبًى. وَلَوْ نَسِيَ كَيْفَ
حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِصَوْمٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا
أَنْ يَتَذَكَّرَ خَانِيَةً (وَلَمْ يَجُزْ) التَّكْفِيرُ وَلَوْ
بِالْمَالِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (قَبْلَ حِنْثٍ) وَلَا يَسْتَرِدُّهُ
مِنْ الْفَقِيرِ لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِلْكِسْوَةِ وَتَبْلُغُ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ قِيمَةَ مَا ذَكَرْنَا
أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِالْإِطْعَامِ. ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْإِجْزَاءِ عَنْ الْإِطْعَامِ أَنْ يَنْوِيَ
بِهِ عَنْ الْإِطْعَامِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُشْتَرَطُ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْوِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا) شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ
مُرَتَّبًا فَقَطْ. وَفِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ بَعْدَ تَمَامِهَا إنَّمَا
تُلَائِمُ الْإِطْعَامَ وَالْكِسْوَةَ لِصِحَّةِ النِّيَّةِ بَعْدَ
الدَّفْعِ مَا دَامَا فِي يَدِ الْفَقِيرِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَأَمَّا
الْإِعْتَاقُ فَلَا، إلَّا أَنْ تُصَوَّرَ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا
تَقَدَّمَتْ الْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ وَعِنْدَ الْإِعْتَاقِ نَوَى
الثَّلَاثَةَ عَنْ الْكَفَّارَةِ. اهـ. ح وَالْمُرَادُ بِالْإِطْعَامِ
التَّمْلِيكُ لَا الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَكَلُوا عِنْدَهُ ثُمَّ
نَوَى لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يَظْهَرُ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ مُرَادَ
الشَّارِحِ بَيَانُ إمْكَانِ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ وُقُوعُ
الْأَعْلَى قِيمَةً عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا بُدَّ
مِنْ النِّيَّةِ فَإِذَا فَعَلَ الثَّلَاثَةَ، فَمَا نَوَاهُ أَوَّلًا
وَقَعَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَدْنَى، فَبَيَّنَ إمْكَانَ ذَلِكَ
بِمَا إذَا فَعَلَ الْكُلَّ جُمْلَةً أَوْ مُرَتَّبًا لَكِنَّهُ أَخَّرَ
النِّيَّةَ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ النِّيَّةِ) عِلَّةٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ
مِنْ الْمَقَامِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّكْفِيرِ مِنْ النِّيَّةِ،
وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ
إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ
وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ
كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ.
فَفِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ يَمْلِكُ مَا هُوَ
مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ أَوْ يَمْلِكُ بَدَلَهُ فَوْقَ
الْكَفَافِ، وَالْكَفَافُ مَنْزِلٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يَلْبَسُهُ
وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَقُوتُ يَوْمِهِ، وَلَوْ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُهُ
لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ؛ وَلَوْ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ
دَيْنٌ مِثْلُهُ، فَإِنْ قَضَى: دَيْنَهُ بِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ
صَامَ قَبْلَ قَضَائِهِ قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا؛ وَلَوْ لَهُ مَالٌ
غَائِبٌ أَوْ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ صَامَ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالُ الْغَائِبُ
عَبْدًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى إعْتَاقِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي
الْجَوْهَرَةِ: وَالْمَرْأَةُ الْمُعْسِرَةُ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ
الصَّوْمِ لِأَنَّ كُلَّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِهَا لَهُ
مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَذَا الْعَبْدُ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ
فَلَا يَمْنَعُهُ الْمَوْلَى لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَرْأَةِ بِهِ لِأَنَّهُ
لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ)
أَيْ لَا وَقْتَ الْحِنْثِ، فَلَوْ حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ جَازَ
لَهُ الصَّوْمُ، وَفِي عَكْسِهِ لَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى
الْعَكْسِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) قَائِلُهُ صَاحِبُ
الْبَحْرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَسْخًا: أَيْ كَأَنَّهُ لَمْ
يَقَعْ لَكَانَ الْمَالُ مَوْجُودًا فِي يَدِهِ فَلَا يُجْزِيه الصَّوْمُ
ط.
(قَوْلُهُ وِلَاءً) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ: أَيْ مُتَتَابِعَةً
لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ - فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
مُتَتَابِعَاتٍ - فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا لِأَنَّهَا مَشْهُورَةٌ
فَصَارَتْ كَخَبَرِهِ الْمَشْهُورِ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ
فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ مُدَّتَهَا لَا تَخْلُو غَالِبًا عَنْ الْحَيْضِ
(قَوْلُهُ التَّفْرِيقَ) أَيْ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ مُتَفَرِّقَةً (قَوْلُهُ
فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ) مِثْلُهُ الْعَبْدُ إذَا أُعْتِقَ وَأَصَابَ
مَالًا قَبْلَ فَرَاغِ الصَّوْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ
قَبْلَ فَرَاغِهِ) أَيْ مِنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِقَرِينَةِ
ثُمَّ فَافْهَمْ، وَالْأَفْضَلُ إكْمَالُ صَوْمِهِ، فَإِنْ أَفْطَرَ لَا
قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ
عَلَى الصَّحِيحِ) وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ صَامَ لِعَجْزِهِ فَظَهَرَ
أَنَّ مُوَرِّثَهُ مَاتَ قَبْلَ صَوْمِهِ أَنْ لَا يُجْزِيَهُ نَهْرٌ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّكْفِيرُ إلَخْ) لِأَنَّ الْحِنْثَ هُوَ
السَّبَبُ كَمَا مَرَّ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ. وَفِي
الْقُهُسْتَانِيِّ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ
أَثِمَ وَلَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ. وَفِي سُقُوطِ كَفَّارَةِ
الظِّهَارِ خِلَافٌ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَرِدُّهُ)
أَيْ لَوْ كَفَّرَ بِالْمَالِ
(3/727)
(وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ) فَمَا
لَا فَلَا، قِيلَ إلَّا الذِّمِّيَّ خِلَافًا لِلثَّانِي، وَبِقَوْلِهِ
يُفْتَى كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا
(وَلَا كَفَّارَةَ بِيَمِينِ كَافِرٍ وَإِنْ حَنَّثَ مُسْلِمًا) بِآيَةِ -
{إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12]- وَأَمَّا - {وَإِنْ
نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 12]- فَيَعْنِي الصُّورِيَّ كَتَحْلِيفِ
الْحَاكِمِ (وَهُوَ) أَيْ الْكُفْرُ (يُبْطِلُهَا) إذَا عَرَضَ بَعْدَهَا.
(فَلَوْ حَلَّفَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ
تَعَالَى (ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ) أَصْلًا، لِمَا
تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَوْصَافَ الرَّاجِعَةَ لِلْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهَا
الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَا
لَوْ نَذَرَ الْكَافِرُ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
(وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَعَدَمِ الْكَلَامِ مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ
قَتْلِ فُلَانٍ) وَإِنَّمَا قَالَ (الْيَوْمَ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْحِنْثِ
لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ. أَمَّا الْمُطْلَقَةُ
فَحِنْثُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَيُوصَى بِالْكَفَّارَةِ بِمَوْتِ
الْحَالِفِ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِهَلَاكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ
غَايَةٌ (وَجَبَ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ) لِأَنَّهُ أَهْوَنُ
الْأَمْرَيْنِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إمَّا فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ،
وَكُلُّ مِنْهُمَا إمَّا مَعْصِيَةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ، أَوْ
وَاجِبٌ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ الظُّهْرَ الْيَوْمَ وَبِرُّهُ فَرْضٌ،
أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَحَلِفِهِ
عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا وَنَحْوِهِ وَحِنْثُهُ أَوْلَى،
أَوْ مُسْتَوِيَانِ كَحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ مَثَلًا
وَبِرُّهُ أَوْلَى، وَآيَةُ - {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]-
تُفِيدُ وُجُوبَهُ فَتْحٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَبْلَ الْحِنْثِ وَقُلْنَا لَا يُجْزِيه لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ
مِنْ الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَصَدَ بِهِ
الْقُرْبَةَ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ، وَقَدْ حَصَلَ التَّقَرُّبُ وَتَرَتَّبَ
الثَّوَابُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فَمَا لَا فَلَا) أَيْ مَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ
إلَيْهِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ إلَّا
الذِّمِّيَّ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَيَجُوزُ
دَفْعُ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ لَا
اسْتِثْنَاءَ (قَوْلُهُ فِي بَابِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ
(قَوْلُهُ فَيَعْنِي الصُّورِيَّ) أَيْ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ
الْيَمِينُ صُورَةً كَتَحْلِيفِ الْقَاضِي لَهُمْ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا
رَجَاءُ النُّكُولِ، وَالْكَافِرُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ
شَرْعًا الْيَمِينُ الْمُسْتَعْقِبُ لِحُكْمِهِ لَكِنَّهُ فِي نَفْسِهِ
يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةَ الْيَمِينِ بِهِ
كَاذِبًا فَيَمْتَنِعُ عَنْهُ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَشُرِعَ إلْزَامُهُ
بِصُورَتِهَا لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
يُبْطِلُهَا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْحِنْثِ بَعْدَ
الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْكُفْرِ
الْعَارِضِ مُبْطِلًا لِلْيَمِينِ كَالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ كَحُرْمَةِ
الْمُصَاهَرَةِ الْعَارِضَةِ؛ كَمَا إذَا زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ
فَإِنَّهَا تَمْنَعُ بَقَاءَ الصِّحَّةِ كَالْحُرْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ
لِأَنَّ الْكُفْرَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ مِنْ الْأَوْصَافِ الرَّاجِعَةِ
لِلْمَحَلِّ وَهُوَ الْكَافِرُ وَالْمُحَرَّمُ، فَيَسْتَوِي فِيهَا
الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ: أَيْ الطُّرُوُّ وَالْعُرُوضُ، وَلَمْ أَرَ
هَذَا التَّعْلِيلَ لِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَحِنْثُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) هَذَا
إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إثْبَاتًا، أَمَّا إنْ كَانَ نَفْيًا
فَيَتَأَتَّى الْحِنْثُ فِي الْحَالِ بِأَنْ يُكَلِّمَ أَبَوَيْهِ،
وَبِهَذَا عَرَفْت أَنَّ الْيَوْمَ قَيْدٌ فِي الثَّانِي فَقَطْ ح
(قَوْلُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي آخِرِ
الْحَيَاةِ لِيَشْمَلَ حَيَاةَ الْحَالِفِ وَحَيَاةَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ وَيُكَفِّرُ) عَطْفٌ عَلَى يُوصِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ
الْأَمْرَيْنِ) لِأَنَّهُ فِيهِ تَفْوِيتُ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ
الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ لَوْ بَرَّ كَمَا فِي
الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ) أَيْ حَاصِلُ مَا قِيلَ فِي هَذَا
الْعَامِ لَا حَاصِلُ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى الْحَلِفِ
بِمَعْصِيَةٍ فِعْلًا وَتَرْكًا ط (قَوْلُهُ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ
الظُّهْرَ الْيَوْمَ) هَذَا مِثَالٌ لِلْفِعْلِ، وَمِثَالُ التَّرْكِ
وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ الْيَوْمَ ح (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ
أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ) مِثَالُ الْفِعْلِ مِنْهُ وَاَللَّهِ
لَأُصَلِّيَنَّ الضُّحَى الْيَوْمَ، وَمِثَالُ التَّرْكِ وَاَللَّهِ لَا
آكُلُ الْبَصَلَ، وَحُكْمُ هَذَا الْقَسَمِ بِقِسْمَيْهِ أَنَّ بِرَّهُ
أَوْلَى أَوْ وَاجِبٌ ح أَيْ عَلَى مَا بَحَثَهُ الْكَمَالُ فِي الْقِسْمِ
الْخَامِسِ (قَوْلُهُ كَحَلِفِهِ عَلَى تَرْكٍ إلَخْ) هَذَا مِثَالُ
التَّرْكِ، وَمِثَالُ الْفِعْلِ وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ الْبَصَلَ الْيَوْمَ
ح (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ الشَّهْرِ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْ
مُدَّةَ الْإِيلَاءِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ قَسَمِ الْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ
أَوْ مُسْتَوِيَانِ) أَيْ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ بِأَنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ
أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحَلِفِ بِوُجُوبٍ وَلَا أَوْلَوِيَّةٍ (قَوْلُهُ
تُفِيدُ وُجُوبَهُ) هُوَ بَحْثٌ وَجِيهٌ، وَيَجْرِي أَيْضًا فِي الْقَسَمِ
الثَّالِثِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ
قَوْلِهِمْ أَوْلَى وَعَبَّرَ فِي الْمُجْتَمَعِ بِقَوْلِهِ تَرَجَّحَ
الْبِرُّ.
(3/728)
فَهِيَ عَشَرَةٌ.
(وَمَنْ حَرَّمَ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت
هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا كَفَّارَةَ
خُلَاصَةٌ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُصَنِّفُ (شَيْئًا) وَلَوْ حَرَامًا أَوْ
مَلَكَ غَيْرَهُ كَقَوْلِهِ الْخَمْرُ أَوْ مَالُ فُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ
فَيَمِينٌ مَا لَمْ يُرِدْ الْإِخْبَارَ خَانِيَّةٌ (ثُمَّ فَعَلَهُ)
بِأَكْلٍ أَوْ نَفَقَةٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ اسْتَعْمَلُوا لَفْظَ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يَجِبُ
وَيُقِرُّ بِهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا وَمَنْ
حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فَإِنَّ الْحِنْثَ
وَاجِبٌ كَمَا عَلِمْت، فَأَرَادُوا بِلَفْظِ يَنْبَغِي الْوُجُوبَ مَعَ
أَنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ فَكَذَا هَذَا، كَمَا
تَقُولُ الْأَوْلَى بِالْمُسْلِمِ أَنْ يُصَلِّيَ (قَوْلُهُ فَهِيَ
عَشَرَةٌ) مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ وَهِيَ صُورَتَا الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ
فِي خَمْسَةٍ: الْمَعْصِيَةُ، وَالْوَاجِبُ، وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْ
غَيْرِهِ، وَمَا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ، وَمَا اسْتَوَى فِيهِ
الْأَمْرَانِ ط.
مَطْلَبٌ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ
(قَوْلُهُ أَيْ عَلَى نَفْسِهِ) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ
الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ
لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ حُرْمَتَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى فِعْلِهِ فَإِنَّهُ
لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ إنْ
أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا حِنْثَ
عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ فِي
التَّعْلِيقِ أَيْضًا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ
تَحْرِيمٌ مُعَلَّقٌ فَلَا تَحْسُنُ الْمُقَابَلَةُ، وَالْأَوْلَى أَنْ
يَقُولَ قَيَّدَ بِتَنْجِيزِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهَا إلَخْ.
اهـ. ح.
قُلْت: وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مِثْلُ إنْ
كَلَّمْت زَيْدًا فَهَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ مَعَ أَنَّهُ
عَلَّقَهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَيَّدَ
بِتَنْجِيزِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهَا عَلَى فِعْلِ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَ الْبَحْرِ
فِي قَوْلُهُ عَلَى فِعْلِهِ: أَيْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ حَيْثُ قَالَ قُلْت وَهُوَ
مُشْكِلٌ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ
عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ. اهـ. وَالْجَوَابُ بِالْفَرْقِ هُنَا بَيْنَ
الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْمُنَجَّزِ حَرَّمَ عَلَى
نَفْسِهِ طَعَامًا مَوْجُودًا، أَمَّا فِي الْمُعَلَّقِ فَإِنَّهُ مَا
حَرَّمَهُ إلَّا بَعْدَ الْأَكْلِ، لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْجَزَاءَ
يَنْزِلُ عَقِبَ الشَّرْطِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الطَّعَامُ مَوْجُودًا
اهـ ح.
قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مَسْأَلَةَ الْخُلَاصَةِ
الْمَذْكُورَةَ. ثُمَّ قَالَ عَقِبَهَا: وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ
قَالَ كُلُّ طَعَامٍ آكُلُهُ فِي مَنْزِلِك فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَفِي
الْقِيَاسِ لَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهُ، هَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ
عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ؛ وَالنَّاسُ
يُرِيدُونَ بِهَذَا أَنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ اهـ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ فِي
الَّتِي قَبْلَهَا أَنْ يَحْنَثَ إذَا أَكَلَهُ، وَكَذَا مَا ذُكِرَ فِي
الْحِيَلِ إنْ أَكَلْت طَعَامًا عِنْدَك أَبَدًا فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ
فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابَ الْقِيَاسِ اهـ
وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فَيَمِينٌ) لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا
تَمْنَعُ كَوْنَهُ حَالِفًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَرُدَّ
الْإِخْبَارَ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إنْ أَرَادَ الْإِنْشَاءَ،
فَيَخْرُجُ مَا إذَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا،
لِأَنَّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: إذَا قَالَ هَذِهِ الْخَمْرُ
عَلَيَّ حَرَامٌ فِيهِ قَوْلَانِ.
وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَنْوِي فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ الْخَبَرَ
لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ
الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.
اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ أَوْ لَمْ يُرِدْ
شَيْئًا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ
إخْبَارًا (قَوْلُهُ بِأَكْلٍ أَوْ نَفَقَةٍ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ
لُبْسِ ثَوْبٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ، كُلُّ شَيْءٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ
وَيُقْصَدُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ
تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ انْصِرَافُ الْيَمِينِ إلَى الْفِعْلِ
الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَمَا فِي تَحْرِيمِ الشَّرْعِ لَهَا فِي نَحْوِ -
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]- وَحُرِّمَتْ
الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ
وَالشُّرْبِ وَالْأَكْلِ.
وَلِذَا
(3/729)
وَلَوْ تَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ لَمْ
يَحْنَثْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ زَيْلَعِيٌّ (كَفَّرَ) لِيَمِينِهِ، لِمَا
تَقَرَّرَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهَا
لِزَوْجِهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك عَلَى نَفْسِي، فَلَوْ
طَاوَعَتْهُ فِي الْجِمَاعِ أَوْ أَكْرَههَا كَفَّرَتْ مُجْتَبًى. وَفِيهِ
قَالَ: لِقَوْمٍ كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ كَلَامُ الْفُقَرَاءِ
أَوْ أَهْلِ بَغْدَادَ أَوْ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ
حَنِثَ بِالْبَعْضِ، وَفِي وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكُمْ أَوْ لَا آكُلُهُ
لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْكُلِّ. زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ إلَّا إذَا لَمْ
يُمْكِنْ أَكْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ عَلَيَّ حَرَامٌ
فَلَبِسَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ
تَصَدَّقَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ قَالَ لِدَرَاهِمَ فِي يَدِهِ
هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عَلَيَّ حَرَامٌ، إنْ اشْتَرَى بِهَا حَنِثَ، وَإِنْ
تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا لَمْ يَحْنَثْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ اهـ أَيْ
أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ
بِهَا لِنَفْسِهِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا يَأْكُلُهُ أَوْ يَلْبَسُهُ
لَا بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهَا
دَيْنَهُ لَا يَحْنَثُ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَا خُصُوصِيَّةَ
لِلدَّرَاهِمِ، بَلْ لَوْ وَهَبَ مَا جَعَلَهُ حَرَامًا أَوْ تَصَدَّقَ
بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ
الِاسْتِمْتَاعِ (قَوْلُهُ لِيَمِينِهِ) أَيْ لِأَجْلِ يَمِينِهِ الَّتِي
حَنِثَ بِهَا، فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ كَفَّرَ، وَقَوْلُهُ لِمَا
تَقَرَّرَ إلَخْ عِلَّةٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ يَمِينًا فَهُوَ عِلَّةٌ
لِلْعِلَّةِ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَدْ لَا
يَكُونُ يَمِينًا بِأَنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ
الْإِخْبَارَ لَمْ يُوجَدْ التَّحْرِيمُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنْشَاءٌ
وَالْإِخْبَارَ حِكَايَةٌ فَافْهَمْ، وَدَلِيلُ كَوْنِ التَّحْرِيمِ
يَمِينًا مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ حَنِثَ الْبَعْضُ)
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ إذَا فَعَلَ مِمَّا حَرَّمَهُ قَلِيلًا أَوْ
كَثِيرًا حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا
ثَبَتَ تَنَاوَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا
بِالْكُلِّ) أَيْ بِكَلَامِ كُلِّ الْقَوْمِ الْمُخَاطَبِينَ وَأَكْلِ
كُلِّ الرَّغِيفِ، فَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ بَعْضِهِمْ وَلَا أَكْلِ
لُقْمَةٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ
فِي: أَكْلُ الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِلُقْمَةٍ،
وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ تَحْرِيمَهُ الرَّغِيفَ عَلَى نَفْسِهِ
تَحْرِيمُ أَجْزَائِهِ أَيْضًا، وَفِي لَا آكُلُهُ إنَّمَا مَنَعَ نَفْسَهُ
مِنْ أَكْلِ الرَّغِيفِ كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ، وَبِهَذَا
يَضْعُفُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ، قَالَ مَشَايِخُنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ
لَوْ قَالَ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ
لُقْمَةٍ مِنْهُ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ
هَذَا الرَّغِيفَ؛ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْبَعْضِ.
اهـ.
قُلْت: وَيُشِيرُ إلَى هَذَا الْفَرْقِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ.
وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الرَّغِيفَ اسْمٌ لِكُلِّهِ وَبِأَكْلِ بَعْضِهِ لَا
يُسَمَّى آكِلًا لَهُ لَكِنْ إذَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ
جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ حَيْثُ نَسَبَ التَّحْرِيمَ
إلَى ذَاتِ الرَّغِيفِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ
وَمَا كَانَ مُحَرَّمًا لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ قَلِيلِهِ وَلَا كَثِيرِهِ،
وَحَيْثُ جَعَلْنَا هَذَا التَّحْرِيمَ يَمِينًا صَارَ حَالِفًا عَلَى
عَدَمِ تَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَدْلُولُ الْأَصْلِ وَهُوَ
التَّحْرِيمُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بَلْ عَنْ جَمِيعِهِ،
لَكِنْ أَيَّدَ فِي الْبَحْرِ كَلَامَ الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ حُرْمَةَ
الْعَيْنِ يُرَادُ مِنْهَا تَحْرِيمُ الْفِعْلِ، فَإِذَا قَالَ هَذَا
الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَالْمُرَادُ أَكْلُهُ وَفِي هَذَا الثَّوْبِ
الْمُرَادُ لُبْسُهُ.
قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ إسْنَادَ الْحُرْمَةِ إلَى الْعَيْنِ حَقِيقَةٌ
عِنْدَنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَلَى مَعْنَى إخْرَاجِ
الْعَيْنِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْفِعْلِ لِيَنْتَفِ الْفِعْلُ بِالْأَوْلَى،
فَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الْفِعْلِ وَتَوْصِيفُهُ بِالْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ
الْكِنَايَةِ وَالِانْتِقَالِ عَنْ نَفْيِ الْعَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ
ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ إسْنَادِ الْحُرْمَةِ إلَى الْفِعْلِ ابْتِدَاءً
وَإِسْنَادِهَا إلَى الْعَيْنِ وَقَدْ ظَهَرَ فِيمَا ذَكَرُوهُ هُنَا،
لَكِنَّ هَذَا يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ.
أَمَّا لَوْ قَالَ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يَحْنَثُ
بِالْبَعْضِ لِإِسْنَادِهِ الْحُرْمَةَ إلَى الْفِعْلِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ
وَاَللَّهِ لَا آكُلُهُ وَمِثْلُهُ كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ، لِأَنَّ
الْحُرْمَةَ لَمْ تُضَفْ إلَى الْعَيْنِ بَلْ الْفِعْلِ وَهُوَ الْكَلَامُ
بِمَعْنَى التَّكْلِيمِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ مَعَ
أَنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هَذَا الرَّغِيفُ بِدُونِ لَفْظَةِ أَكْلُ
عَلَى خِلَافِ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ
الْفَرْقُ الْمَارُّ إلَّا بِدُونِ لَفْظَةِ أَكْلُ، نَعَمْ وَقَعَ
التَّعْبِيرُ بِهَا فِي غَيْرِ الْخَانِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ
الْمَسْأَلَةَ مُشْكِلَةٌ فَلْتُحَرَّرْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا لَمْ
يُمْكِنْ إلَخْ) أَيْ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ
الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا.
(3/730)
أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا
وَفُلَانًا وَنَوَى أَحَدَهُمَا أَوْ لَا يُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مُعَيَّنًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ
وَالْأَصْلُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مُعَيَّنًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ
إنْ كَانَ يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَشْرَبُهُ فِي شَرْبَةٍ
فَالْحَلِفُ عَلَى جَمِيعِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَكْلِهِ، وَكُلُّ مَا لَا يُطَاقُ
أَكْلُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا شُرْبُهُ فِي شَرْبَةٍ يَحْنَثُ بِأَكْلِ
بَعْضِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعُ عَنْ
أَصْلِهِ لَا عَنْ جَمِيعِهِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ لَبَنَ هَاتَيْنِ
الشَّاتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ كُلِّ شَاةٍ،
وَلَمْ يُعْتَبَرْ شُرْبُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، أَوْ لَا
يَأْكُلُ سَمْنَ هَذِهِ الْخَابِيَةِ فَأَكَلَ بَعْضَهُ حَنِثَ؛ وَلَوْ
كَانَ مَكَانَ الْأَكْلِ بَيْعٌ فَبَاعَ بَعْضَهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ
الْأَكْلَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى جَمِيعِهِ فِي مَجْلِسٍ وَيَتَأَتَّى
الْبَيْعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. زَادَ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ الْأَصْلِ:
لَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً أَوْ
حَبَّتَيْنِ حَنِثَ فِي الِاسْتِحْسَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا
يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ إنَّهُ أَكَلَهَا، وَإِنْ
تَرَكَ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا لَا يَجْرِي فِي
الْعُرْفِ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الرُّمَّانَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ
لَا يُسَمَّى أَكْلًا لِجَمِيعِهَا. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْيَسِيرَ
مِنْ الرَّغِيفِ وَغَيْرِهِ كَاللُّقْمَةِ كَالْعَدَمِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ
الْبَحْرِ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَيَأْتِي هَذَا
الْأَصْلُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ أَوْ حَلَفَ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى
الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَكْلُهُ. قَالَ فِي
النَّهْرِ: وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: وَكَذَا كَلَامُ فُلَانٍ
وَفُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا
كَلَامُ أَهْلِ بَغْدَادَ. وَفِي الْمُحِيطِ فِي: كَلَامُ فُلَانٍ
وَفُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا
وَفُلَانًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا
لَمْ يُكَلِّمْهُمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَلَامَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
فَيَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَا بَعْدَ الْعَاطِفِ.
مَطْلَبٌ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا،
بِخِلَافِ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَشَرَابًا فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: حَلَفَ
بِالطَّلَاقِ لَا يَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَذَاقَ أَحَدَهُمَا
طَلُقَتْ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا.
وَلَوْ قَالَ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَشَرَابًا فَذَاقَ أَحَدَهُمَا لَا
يَحْنَثُ. اهـ. وَإِذَا كَرَّرَ لَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ يَمِينَيْنِ كَمَا
سَنَذْكُرُ فِي بَحْثِ الْكَلَامِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ وَنَوَى
أَحَدَهُمَا) أَيْ نَوَى أَنْ لَا يُكَلِّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
[تَنْبِيهٌ] فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ عَنْ الْجَامِعِ: إنْ لَمْ أَكُنْ
ضَرَبْت هَذَيْنِ السَّوْطَيْنِ فِي دَارِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حُرٌّ
فَضَرَبَ أَحَدَهُمَا فِي دَارِ غَيْرِهِ، أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ
فُلَانًا وَفُلَانًا الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا
الْيَوْمَ فَقَطْ يَحْنَثُ. قَالَ: وَأَلْحَقَ بَعْضَهُمْ بِذَلِكَ: إنْ
لَمْ تَحْضُرِي فِرَاشِي وَلَمْ تُرَاعِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَمْ
تَحْضُرْ فِرَاشَهُ وَلَكِنْ رَاعَتْهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. قَالَ: وَفِيهِ
إشْكَالٌ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ جَلِيٌّ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ
إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا صَدَقَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ الشَّرْطِ،
فَفِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا صَدَقَ دَخَلْت، وَفِي
إنْ لَمْ أَدْخُلْ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا صَدَقَ لَمْ أَدْخُلْ، فَإِذَا
قَالَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ الْيَوْمَ أَوْ إنْ لَمْ
أَكُنْ ضَرَبْت هَذَيْنِ السَّوْطَيْنِ فِي دَارِ فُلَانٍ فَحَرْفُ
الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى النَّفْيِ وَهُوَ لَمْ أَكُنْ دَخَلْت أَوْ ضَرَبْت
هَاتَيْنِ وَهُوَ نَفْيٌ لِمَجْمُوعِ دُخُولِ الدَّارَيْنِ وَضَرْبِ
السَّوْطَيْنِ وَنَفْيُ الْمَجْمُوعِ يَتَحَقَّقُ بِنَفْيِ أَحَدِ
أَجْزَائِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَحْضُرِي فِرَاشِي وَلَمْ
تُرَاعِينِي فَإِنَّهُ لَمَّا كَرَّرَ حَرْفَ النَّفْيِ كَانَ نَفْيًا
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَنَفْيُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصْدُقُ
مَعَ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَوْلُنَا لَمْ يَقْدُمْ
زَيْدٌ وَلَمْ يَقْدُمْ عَمْرٌو مَعَ قُدُومِ أَحَدِهِمَا، وَيَصْدُقُ إنْ
لَمْ يَقْدُمْ زَيْدٌ وَعَمْرٌو مَعَ أَحَدِهِمَا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي
الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْجَوَابِ، فَإِنَّهُ قَالَ
إذَا قَالَ إنْ لَمْ تُكَلِّمِي فُلَانًا وَلَمْ تُكَلِّمِي
(3/731)
وَلَهُ أَخٌ وَاحِدٌ وَتَمَامُهُ فِيهَا.
قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ جَوَابُ حَادِثَةٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَنَّ
أَوْلَادَ زَوْجَتِهِ لَا يَطْلُعُونَ بَيْتَهُ فَطَلَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ
لَمْ يَحْنَثْ.
(كُلُّ حِلٍّ) أَوْ حَلَالِ اللَّهِ أَوْ حَلَالِ الْمُسْلِمِينَ (عَلَيَّ
حَرَامٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فُلَانًا الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ أَحَدَهُمَا وَمَضَى
الْيَوْمُ طَلُقَتْ، فَقَدْ صَحَّ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ حَيْثُ
الرِّوَايَةُ، لَكِنْ مَا قُلْته مِنْ الْإِشْكَالِ قَوِيٌّ. اهـ.
قُلْت: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ حَرْفَ النَّفْيِ يَكُونُ نَفْيُ
كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ مَقْصُودًا؛ فَفِي: إنْ لَمْ تَحْضُرِي
فِرَاشِي وَلَمْ تُرَاعِينِي يَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ بِنَفْيِ كُلِّ
وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّهُ إذَا كَرَّرَ النَّفْيَ تَتَكَرَّرُ
الْيَمِينُ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا
بَعْدَ غَدٍّ فَهِيَ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ النَّفْيَ
فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ لَيْلًا يَحْنَثُ
بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ
الْوَاقِعَاتِ فِي بَحْثِ الْكَلَامِ. وَأَمَّا عَدَمُ الصِّدْقِ فِي لَمْ
يَقْدُمْ زَيْدٌ وَلَمْ يَقْدُمْ عَمْرٌو مَعَ قُدُومِ زَيْدٍ مَثَلًا
فَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ قُدُومِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْثُ
جَعَلَهُ مَقْصُودًا بِالنَّفْيِ، فَإِذَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ
يَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدُمُ زَيْدٌ، هَذَا
مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَخٌ وَاحِدٌ) أَيْ وَهُوَ
عَالِمٌ بِهِ كَمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الْيَمِينِ
بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهُ لِأَنَّهُ
ذَكَرَ الْجَمْعَ وَأَرَادَ الْوَاحِدَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ
الْأَخَ وَاحِدٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْوَاحِدَ فَبَقِيَتْ
الْيَمِينُ عَلَى الْجَمْعِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ
أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ
وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ بَحْرٌ عَنْ الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ
قُلْت إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فِي الْبَابِ الْآتِي،
وَقَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ: أَيْ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ
الْإِخْوَةِ فَإِنَّهُ جَمْعٌ لَيْسَ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ بَلْ هُوَ
مُضَافٌ مِثْلُ أَوْلَادِ زَوْجَتِهِ، فَحَيْثُ كَانَ عَالِمًا
بِتَعَدُّدِهِمْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجَمْعِ كَمَا فِي لَا أُكَلِّمُ
رِجَالًا أَوْ نِسَاءً، بِخِلَافِ مَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِثْلُ
لَا أُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ الرِّجَالَ فَإِنَّهُ
يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ.
مَطْلَبُ الْجَمْعِ الْمُضَافِ كَالْمُنَكَّرِ، بِخِلَافِ الْمُعَرَّفِ
بِأَلْ
وَمَا مَرَّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ فِي إخْوَةِ فُلَانٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّ
الْجَمْعَ الْمُضَافَ كَالْمُنَكَّرِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ
الْيَمِينِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ تَمَامُ تَحْقِيقِ
الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ وَالْمُضَافِ. وَتَحْرِيرُ جَوَابِ هَذِهِ
الْحَادِثَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إنْ
أَحْسَنْت إلَى أَقْرِبَائِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَحْسَنَتْ إلَى وَاحِدٍ
مِنْهُمْ يَحْنَثُ وَلَا يُرَادُ الْجَمْعُ فِي عُرْفِنَا اهـ فَيَحْتَاجُ
إلَى الْفَرْقِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فِي الْعُرْفِ فَرْقًا. اهـ.
قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ الْعُرْفَ الْآنَ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ
إخْوَةِ فُلَانٍ وَأَقْرِبَائِك وَأَوْلَادِ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِ مِنْ
الْجَمْعِ الْمُضَافِ فِي أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ
بِالْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ، فَيَنْبَغِي الْحِنْثُ فِي الْحَادِثَةِ
الْمَذْكُورَةِ.
مَطْلَبُ كُلِّ حِلٍّ عَلَيْهِ حَرَامٌ
(قَوْلُهُ كُلُّ حِلٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ قَالَ كُلُّ
حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا أَنْ
يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ
لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ،
وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ
الْبِرُّ لَا يَحْصُلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَنْصَرِفُ إلَى
الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا
يُتَنَاوَلُ عَادَةً، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ
لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ، وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً، وَلَا
يُصْرَفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ
(3/732)
زَادَ الْكَمَالُ: أَوْ الْحَرَامُ
يَلْزَمُنِي وَنَحْوُهُ (فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَ)
لَكِنَّ (الْفَتْوَى) فِي زَمَانِنَا (عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ)
بِطَلْقَةٍ، وَلَوْ لَهُ أَكْثَرُ بِنَّ جَمِيعًا بِلَا نِيَّةٍ، وَإِنْ
نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا لَمْ
يُصَدَّقْ قَضَاءً لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ
إلَّا الرِّجَالُ ظَهِيرِيَّةٌ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ) وَقْتَ
الْيَمِينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْمَشْرُوبِ، وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ
لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ
عَادَةً أَنَّ الْعُرْفَ كَانَ أَوَّلًا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّعَامِ
أَوْ الشُّرْبِ ثُمَّ تَغَيَّرَ ذَلِكَ إلَى عُرْفٍ آخَرَ وَغَلَبَ
اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا لَا
يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ فِي الْإِيلَاءِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ نِيَّةِ
تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ الْكَذِبِ أَوْ الطَّلَاقِ
لِأَنَّ ذَاكَ فِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَمَا هُنَا فِي التَّحْرِيمِ
بِاللَّفْظِ الْعَامِّ. وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ
بِانْصِرَافِهِ إلَى الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عَامًّا أَوْ خَاصًّا كَمَا
ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ زَادَ الْكَمَالُ إلَخْ) لَا مَحَلَّ
لِذِكْرِ هَذَا هُنَا لِأَنَّ مُرَادَ الْكَمَالِ أَنَّ هَذَا يُرَادُ بِهِ
الطَّلَاقُ فَقَطْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ
الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا) أَيْ الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ زَمَانِ
الْمُتَقَدِّمِينَ. وَتَوَقَّفَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ فِي كَوْنِ
عُرْفِ النَّاسِ إرَادَةَ الطَّلَاقِ بِهِ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا
يُخَالِفَ الْمُتَقَدِّمِينَ. مَطْلَبٌ: تَعَارَفُوا: الْحَرَامُ
يَلْزَمُنِي وَالطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ
يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ
كَلَامُك وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ
الْعَامَّةِ. وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي. وَلَا شَكَّ
فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ
بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَأَفْعَلَنَّ، وَهُوَ مِثْلُ
تَعَارُفِهِمْ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ
يُرَادُ بِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ
عَلَيْهِمْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ انْصِرَافُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ
عَرَبِيَّةً أَوْ فَارِسِيَّةً إلَى مَعْنًى بِلَا نِيَّةِ التَّعَارُفِ
فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَارَفْ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ وَفِيمَا يَنْصَرِفُ
بِلَا نِيَّةٍ لَوْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي،
وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْمُصَدَّقُ اهـ
وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيِّ
وَالشُّرُنْبُلاليّ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى
ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَهُ أَكْثَرُ بِنَّ جَمِيعًا) فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ طَلَاقِ
غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي بَابِ الْإِيلَاءِ: وَاَلَّذِي
حَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَنْتِ عَلَيَّ
حَرَامٌ يَخُصُّ الْمُخَاطَبَةَ، وَفِي كُلِّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ
يَعُمُّ الزَّوْجَاتِ الْأَرْبَعَ لِصَرِيحِ أَدَاةِ الْعُمُومِ
الِاسْتِغْرَاقِيِّ، وَفِي امْرَأَتِي حَرَامٌ أَوْ طَالِقٌ يَقَعُ عَلَى
وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَحْوِ حَلَالُ اللَّهِ
أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ، فَقِيلَ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ غَيْرِ
مُعَيَّنَةٍ نَظَرًا إلَى صُورَةِ أَفْرَادِهِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ
يَعُمُّ الْكُلَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ
إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ
لَا يُصَدَّقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ صَارَ طَلَاقًا عُرْفًا. ثُمَّ قَالَ:
وَإِنْ حَلَفَ بِهِ، إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَلَهُ
امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ بِنَّ جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
لَهُ امْرَأَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ يَمِينًا
بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ
غَمُوسٌ، وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ
ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ
تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَحَلَفَ عَلَى مَاضٍ
كَذِبًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ جُعِلَ طَلَاقًا عَلَى الْمُفْتَى
بِهِ فَيَلْغُو لِعَدَمِ الزَّوْجَةِ؛ وَلَوْ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ
تَعَالَى فَغَمُوسٌ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ
تَعَالَى كَمَا مَرَّ فِي هُوَ يَهُودِيٌّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ،
(3/733)
سَوَاءٌ نَكَحَ بَعْدَهُ أَوْ لَا
(فَيَمِينٌ) فَيُكَفِّرُ بِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ لَوْ يَمِينُهُ عَلَى
آتٍ، وَلَوْ بِاَللَّهِ عَلَى مَاضٍ فَغَمُوسٌ أَوْ لَغْوٌ، وَلَوْ لَهُ
امْرَأَةٌ وَقْتَهَا فَبَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ فَأَكَلَ فَلَا كَفَّارَةَ
لِانْصِرَافِهَا لِلطَّلَاقِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِيلَاءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَجْهَهَا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ
شَيْءٌ سِوَى الِاسْتِغْفَارِ، وَقِيلَ إنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ جُعِلَ
يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى أَيْ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ
إذَا قَالَ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ يَصِيرُ
بِمَعْنَى إنْ كُنْت فَعَلْته فَو اللَّهِ لَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ،
فَإِذَا كَانَ قَدْ فَعَلَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ
وَالشُّرْبِ فَيُكَفِّرُ بِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ فَلَا تَكُونُ لَغْوًا
فَافْهَمْ. وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ النَّوَازِلِ مِنْ
أَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى مَعَ كَوْنِ
الْحَلِفِ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَإِلَّا كَانَ غَمُوسًا فَلَا تَلْزَمُهُ
الْكَفَّارَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ مَعْنَاهُ إذَا أَكَلَ
أَوْ شَرِبَ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَى الطَّعَامِ
وَالشَّرَابِ لَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ اهـ فَفِيهِ
نَظَرٌ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ
وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ
بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا وَإِلَّا وَرَدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ
النَّظَرِ السَّابِقِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ انْصِرَافَهُ إلَى الطَّعَامِ
وَالشَّرَابِ كَانَ فِي الْعُرْفِ السَّابِقِ ثُمَّ تَغَيَّرَ ذَلِكَ
الْعُرْفُ وَصَارَ مَصْرُوفًا إلَى الطَّلَاقِ كَمَا مَرَّ، فَبَعْدَ مَا
صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى
الْعُرْفِ الْمَهْجُورِ بَلْ يَبْقَى مُرَادًا بِهِ الطَّلَاقُ غَيْرَ
أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ يَبْقَى مُرَادًا بِهِ الطَّلَاقُ
فَيَلْغُو وَيُجْعَلُ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَتَجِبُ بِهِ
الْكَفَّارَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ غَمُوسًا؛ فَالتَّرْدِيدُ فِي كَلَامِ
الظَّهِيرِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلَيْنِ بِدَلِيلِ مَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ
الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ إنْ حَنِثَ
لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَالنَّسَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ اهـ
فَمَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى مُرَادًا بِهِ
الطَّلَاقُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ، فَاغْتَنِمْ
تَحْقِيقَ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ مِنَحِ الْمَلِكِ السَّلَامِ.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ نَكَحَ بَعْدَهُ أَوْ لَا) هُوَ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى
كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَيُكَفِّرُ بِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ) مَبْنِيٌّ
عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عِبَارَةَ النَّوَازِلِ، وَقَدْ
عَلِمْت مَا فِيهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَيُكَفِّرُ بِحِنْثِهِ أَيْ
بِفِعْلِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، كَأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ
فَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ دَخَلَهَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ
الْيَمِينِ لِأَنَّهَا يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ لَا عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ حَتَّى لَوْ
أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
(قَوْلُهُ وَلَوْ بِاَللَّهِ عَلَى مَاضٍ) لَفْظُ بِاَللَّهِ سَبْقُ
قَلَمٍ: أَيْ وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَاضٍ، كَمَا إذَا قَالَ إنْ
كُنْت فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَكَانَ عَالِمًا
بِأَنَّهُ فَعَلَهُ فَهِيَ غَمُوسٌ إنْ جُعِلَتْ يَمِينًا بِاَللَّهِ
تَعَالَى فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَغْوٌ: أَيْ إنْ
جُعِلَتْ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ كَمَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ. وَظَاهِرُ مَا
مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ جُعِلَ يَمِينًا
بِالطَّلَاقِ اعْتِمَادُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ
أَيْضًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ
فَغَمُوسٌ أَوْ لَغْوٌ هُوَ حَاصِلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ
الظَّهِيرِيَّةِ، فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ خَلَلٌ سِوَى زِيَادَةِ لَفْظِ
بِاَللَّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقَّتَهَا إلَخْ)
مُقَابِلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ. قَالَ
فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا عَلَى أَمْرٍ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ
امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ فَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ بَانَتْ لَا
إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ
لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الطَّلَاقِ وَقْتَ وُجُودِهَا، وَإِنْ
لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً
ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو
جَعْفَرٍ: تَبِينُ الْمُتَزَوِّجَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَبِينُ،
وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ
يَمِينَهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَقْتَ وُجُودِهَا فَلَا
يَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي
عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَلَلٌ نَبَّهْنَا
عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ (قَوْلُهُ فَأَكَلَ) صَوَابُهُ فَبَاشَرَ
الشَّرْطَ كَمَا فِي عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ
كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا، وَلَا نَظَرَ فِيهِ لِلْأَكْلِ وَعَدَمِهِ
كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِيلَاءِ) مَا مَرَّ هُنَاكَ
فِيهِ خَلَلٌ تَابَعَ فِيهِ الْبَزَّازِيَّةَ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ.
(3/734)
(وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا أَوْ
مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ) أَيْ فَرْضٌ كَمَا
سَيُصَرِّحُ بِهِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالدُّرَرِ (وَهُوَ عِبَادَةٌ
مَقْصُودَةٌ) خَرَجَ الْوُضُوءُ وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ (وَوُجِدَ
الشَّرْطُ) الْمُعَلَّقُ بِهِ (لَزِمَ النَّاذِرَ) لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ
وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» (كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ
وَصَدَقَةٍ) وَوَقْفٍ (وَاعْتِكَافٍ) وَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَحَجٍّ وَلَوْ
مَاشِيًا فَإِنَّهَا عِبَادَاتٌ مَقْصُودَةٌ، وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ
لِوُجُوبِ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْمَشْيِ لِلْحَجِّ عَلَى
الْقَادِرِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ النَّذْرِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ
بِشَرْطٍ مِثْلِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ فَتْحٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ
يَلْزَمُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ
كَلَامًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ
كَالْجِدِّ كَالطَّلَاقِ كَمَا فِي صِيَامِ الْفَتْحِ، وَكَمَا لَوْ
أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى
لِسَانِهِ صَوْمُ شَهْرٍ كَمَا فِي صِيَامِ الْبَحْرِ عَنْ
الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ،
أَمَّا كَوْنُهُ قُرْبَةً فَلِمَا يُلَازِمُهُ مِنْ الْقُرَبِ كَالصَّلَاةِ
وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا شَرْعِيَّتُهُ
فَلِلْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِإِيفَائِهِ، وَتَمَامُهُ فِي
الِاخْتِيَارِ.
قُلْت: وَإِنَّمَا ذَكَرُوا النَّذْرَ فِي الْأَيْمَانِ لِمَا يَأْتِي مِنْ
أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ
وَمَرَّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمًا، فَإِنْ
لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ فَقَطْ أَوْ نَوَى النَّذْرَ
وَأَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا كَانَ نَذْرًا فَقَطْ وَإِنْ نَوَى
الْيَمِينَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ يَمِينًا وَعَلَيْهِ
كَفَّارَةٌ إنْ أَفْطَرَ، وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ
نَذْرًا وَيَمِينًا " حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ قَضَى وَكَفَّرَ وَمَرَّ
هُنَاكَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ) أَيْ
الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى ط (قَوْلُهُ وَهُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ
لِلنَّذْرِ، بِمَعْنَى الْمَنْذُورِ لَا لِلْوَاجِبِ، خِلَافًا لِمَا فِي
الْبَحْرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ مَقْصُودَةٌ
لِنَفْسِهَا، وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ إلَخْ.
وَفِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً
فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَتَشْيِيعِ
الْجِنَازَةِ، وَالْوُضُوءِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ،
وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالْأَذَانِ، وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ
وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قُرَبًا إلَّا أَنَّهَا
غَيْرُ مَقْصُودَةٍ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ
الْمَنْذُورِ نَفْسِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ،
وَلِذَا صَحَّحُوا النَّذْرَ بِالْوَقْفِ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا
وَهُوَ بِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّك
عَلِمْت أَنَّ بِنَاءَ الْمَسَاجِدِ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ (قَوْلُهُ
خَرَجَ الْوُضُوءُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا
وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهِيَ الصَّلَاةُ ط عَنْ
الْمِنَحِ.
(قَوْلُهُ وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً
مَقْصُودَةً، بَلْ هُوَ لِأَجْلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ
سِتْرَهُ شَرْطُ صِحَّتِهَا ط (قَوْلُهُ وَوُجِدَ الشَّرْطُ) مَعْطُوفٌ
عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ عِبَادَةٌ وَهَذَا إنْ كَانَ
مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَإِلَّا لَزِمَ فِي الْحَالِ وَالْمُرَادُ الشَّرْطُ
الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ كَمَا يَأْتِي تَصْحِيحُهُ (قَوْلُهُ لَزِمَ
النَّاذِرُ) أَيْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ
يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِأَصْلِ الْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا لَا
بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ لِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ دِرْهَمًا أَوْ
فَقِيرًا أَوْ مَكَانًا لِلتَّصَدُّقِ أَوْ لِلصَّلَاةِ فَالتَّعْيِينُ
لَيْسَ بِلَازِمٍ بَحْرٌ، وَتَحْقِيقُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ
إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إلَّا أَنَّهُ
مُسْتَغْنًى عَنْهُ، فَفِي لُزُومِ الْمَنْذُورِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
وَالْإِجْمَاعُ، قَالَ تَعَالَى - {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]-
وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ
بِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِلْآيَةِ، وَتَقَدَّمَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهَا
تُوجِبُ الِافْتِرَاضَ لِلْقَطْعِيَّةِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّهَا
مُؤَوَّلَةٌ إذْ خُصَّ مِنْهَا النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ وَمَا لَيْسَ
مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ، وَمَنْ
قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِافْتِرَاضِهِ اسْتَدَلَّ بِالْإِجْمَاعِ
عَلَى وُجُوبِ الْإِيفَاءِ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي
الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ: أَيْ الِافْتِرَاضَ هُوَ
الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ الْعِتْقِ) تَرَكَ ذِكْرَ الْوَاجِبِ مِنْ
الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ لِظُهُورِهِ ط (قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ
لِلْحَجِّ) الْمُرَادُ الْحَجُّ مَاشِيًا وَإِلَّا فَالْمَشْيُ لَيْسَ
عِبَادَةً مَقْصُودَةً. اهـ. ح. وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ كَوْنُهُ
عِبَادَةً مَقْصُودَةً هُوَ الْمَنْذُورُ لَا مَا كَانَ
(3/735)
وَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي
الصَّلَاةِ، وَهِيَ لُبْثٌ كَالِاعْتِكَافِ، وَوَقْفُ مَسْجِدٍ
لِلْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا
فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَلَمْ يَلْزَمْ) النَّاذِرَ (مَا لَيْسَ مِنْ
جِنْسِهِ فَرْضٌ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ وَدُخُولِ
مَسْجِدٍ) وَلَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَوْ الْأَقْصَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَرْضٌ مَقْصُودٌ
وَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْبَحْرِ شَرَائِطُهُ
خَمْسٌ فَزَادَ: أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ فَصَحَّ نَذَرَ
صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِنْ جِنْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي
الْبَيْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ
الْكَعْبَةِ يَلْزَمُهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَسَنَذْكُرُ أَنَّ هَذَا
اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِقُرْبَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ إلَخْ)
كَذَا ذَكَرَهُ فِي اعْتِكَافِ الْبَحْرِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ
التَّشْبِيهَ إنْ كَانَ فِي خُصُوصِ الْقَعْدَةِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي
الِاعْتِكَافِ لِجَوَازِ الْوُقُوفِ فِي مُدَّتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي
مُطْلَقِ الْكَيْنُونَةِ فَلِمَ خَصَّ التَّشْبِيهَ بِالْقَعْدَةِ مَعَ
أَنَّ الرُّكُوعَ كَذَلِكَ؟
وَالْجَوَابُ: اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ، وَالْغَالِبُ فِي الِاعْتِكَافِ
الْقُعُودُ وَذُكِرَ فِي اعْتِكَافِ الْمِعْرَاجِ. قُلْنَا بَلْ مِنْ
جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اللَّبْثُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ
الْوُقُوفُ، وَالنَّذْرُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ
جِنْسِهِ وَاجِبٌ، أَوْ مُشْتَمِلًا عَلَى الْوَاجِبِ وَهَذَا كَذَلِكَ
لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَشْتَمِلُ عَلَى الصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ
وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اللَّبْثِ وَاجِبٌ وَتَعَقَّبَهُ
فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ بِأَنَّ
وُجُوبَ الصَّوْمِ فَرْعُ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ، وَالْكَلَامُ
الْآنَ فِي صِحَّةِ وُجُوبِ الْمَتْبُوعِ. فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَى
لُزُومِهِ بِلُزُومِهِ وَلُزُومُ الشَّرْطِ فَرْعُ لُزُومِ الْمَشْرُوطِ.
ثُمَّ قَدْ يُقَالُ: تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِ الِاعْتِكَافِ
بِالنَّذْرِ مُوجِبٌ إهْدَارَ اشْتِرَاطِ وُجُودِ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ
اهـ أَيْ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ وَوَقْفُ مَسْجِدٍ) أَيْ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ عَلَى الظَّاهِرِ ط
(قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْإِمَامُ فَعَلَى
الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ) هَذَا هُوَ
الَّذِي وَعَدَ بِذِكْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا
يُثْبِتُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ جِنْسِهِ
وَاجِبُ الْفَرْضِ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُنَا فِي بَحْرِهِ إلَخْ وَيَأْتِي
تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ إلَخْ) هَذَا
يُفِيدُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْفَرْضِ هُنَا فَرْضُ الْعَيْنِ دُونَ مَا
يَشْمَلُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ. اهـ. ح أَيْ فَإِنَّ هَذِهِ فَرْضُ
كِفَايَةٍ كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ أَبِي اللَّيْثِ فَافْهَمْ، وَقَدَّمْنَا
عَنْ الْبَدَائِعِ خُرُوجَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِقَوْلِهِ: عِبَادَةٌ
مَقْصُودَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ
لِلطَّوَافِ، وَلِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنَّ
الدُّخُولَ حِينَئِذٍ فَرْضٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ
وَكَذَا عِيَادَةُ الْوَالِدَيْنِ إذَا احْتَاجَا إلَيْهِ لِأَنَّ
بِرَّهُمَا فَرْضٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْرُوطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً
مَقْصُودَةً هُوَ الْمَنْذُورُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الْأَوْلَى ذِكْرُ مَسْجِدِ مَكَّةَ
لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ ط (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ)
الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ
فَرْضٌ لَا يَلْزَمُ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ
أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ لَزِمَ النَّاذِرَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ
وَالصَّدَقَةِ وَالِاعْتِكَافِ؛ وَمَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْفُرُوضِ
فَلَا يَلْزَمُ النَّاذِرَ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَتَشْيِيعِ
الْجِنَازَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَبِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ وَالرِّبَاطِ
وَالسِّقَايَةِ وَنَحْوِهَا هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْكُلِّيُّ (قَوْلُهُ
فَزَادَ) أَيْ عَلَى الشَّرْطَيْنِ الْمَارَّيْنِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ
أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا
كَوْنُ الْمَنْذُورِ مَعْصِيَةً يَمْنَعُ انْعِقَادَ النَّذْرِ فَيَجِبُ
أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذًا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ أَوْ لَيْسَ فِيهِ
جِهَةُ قُرْبَةٍ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ نَذْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ
يَنْعَقِدُ، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِصَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِهِ وَلَوْ صَامَهُ
خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ:
إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى الْمَعَاصِي كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ
فُلَانًا كَانَ يَمِينًا وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ اهـ.
قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً فَيُعْلَمُ مِنْهُ
أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْصِيَةً لَمْ يَصِحَّ فَهَذَا لَيْسَ شَرْطًا
خَارِجًا عَمَّا مَرَّ، لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ مُسْتَقِلًّا لِبَيَانِ أَنَّ
مَا كَانَ فِيهِ جِهَةُ الْعِبَادَةِ يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ لِمَا مَرَّ
مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْبَةٌ
لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ بِهِ فَصَحَّ الْتِزَامُ الصَّوْمِ مِنْ
حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَعَ إلْغَاءِ كَوْنِهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَلِذَا
قَالَ فِي الْفَتْحِ:
(3/736)
لِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ
وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ
لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ غَيْرَهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ مَا الْتَزَمَهُ
أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُهُ أَوْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، فَلَوْ نَذَرَ
التَّصَدُّقَ بِأَلْفٍ وَلَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً لَزِمَهُ الْمِائَةُ
فَقَطْ خُلَاصَةٌ انْتَهَى.
قُلْت: وَيُزَادُ مَا فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ
مُسْتَحِيلَ الْكَوْنِ فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَمْسِ أَوْ اعْتِكَافَهُ لَمْ
يَصِحَّ نَذْرُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إنْ قُلْت مِنْ شُرُوطِ النَّذْرِ كَوْنُهُ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَكَيْفَ
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ بِلَا وُضُوءٍ يَصِحُّ
نَذْرُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ
صَحَّحَهُ بِوُضُوءٍ لِأَنَّهُ حِينَ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ لَزِمَتَاهُ
بِوُضُوءٍ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَشْرُوطِ الْتِزَامُ الشَّرْطِ،
فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَغْوٌ لَا يُؤَثِّرُ وَنَظِيرُهُ
إذَا نَذَرَ بِلَا قِرَاءَةٍ أَلْزَمْنَاهُ رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ، أَوْ
نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً أَلْزَمْنَاهُ رَكْعَتَيْنِ،
أَوْ ثَلَاثًا أَلْزَمْنَاهُ بِأَرْبَعٍ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ
لِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَعْصِيَةً لِغَيْرِهِ وَهُوَ
الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ الْحَقِّ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا
يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّذْرِ) فِي أُضْحِيَّةٍ.
الْبَدَائِعُ: لَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ شَاةً، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ
النَّحْرِ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ
عِنْدَنَا شَاةٌ لِلنَّذْرِ وَشَاةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً إلَّا
إذَا عَنَى بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ
إلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ شَاتَانِ،
بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ
الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ
مُعْسِرًا ثُمَّ أَيْسَرَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ شَاتَانِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَذْرَ الْأُضْحِيَّةَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ يَنْصَرِفُ
إلَى شَاةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِإِيجَابِ
الشَّرْعِ إلَّا إذَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ،
وَكَانَ فِي أَيَّامِهَا وَمِثْلُهُ مَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ لِأَنَّ
الْأُضْحِيَّةَ وَالْحَجَّ قَدْ يَكُونَانِ غَيْرَ وَاجِبَيْنِ، بِخِلَافِ
حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا نَفْسُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا
اسْمٌ لِفَرِيضَةِ الْعُمْرِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَا
يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا بِخِلَافِ مَا قَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا وَاجِبًا
كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ أَوْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ) فَإِنْ قِيلَ:
إنَّ النَّذْرَ بِهِ مَعْصِيَةٌ فَيُغْنِي عَنْهُ مَا مَرَّ قُلْنَا إنَّهُ
لَيْسَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْغَيْرِ أَفَادَهُ
فِي الْبَحْرِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ بِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُهُ فَيَشْمَلُ
الزَّائِدَ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَمَا لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا
كَهَذَا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ
أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الشَّاةَ وَهِيَ مِلْكُ الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ
النَّذْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَأُهْدِيَنَّ وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ
كَانَ يَمِينًا اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ
وَعَدَمِهِ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ
وَعَدَمِهِ، ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ هَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا أَوْ
يَتَوَقَّفُ الْحَالُ إلَى مِلْكِهَا؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. اهـ.
قُلْت: الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى
الْحَرَمِ فَإِذَا صَحَّ نَذْرُهُ تَوَقَّفَ إلَى مِلْكِهَا لِيُمْكِنَ
إهْدَاؤُهَا تَأَمَّلْ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَهُ لَأُهْدِيَنَّ
يَمِينٌ لَا نَذْرٌ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا
رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنْ تَمَّ هَذَا اتَّضَحَ
الْفَرْقُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْمِائَةُ فَقَطْ) سَيَذْكُرُ
الشَّارِحُ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ قُلْت وَيُزَادُ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا
الشَّرْطَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَعَزَا الْفَرْعَ
الْمَذْكُورَ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ ط: وَبِهِ صَارَتْ الشُّرُوطُ
سَبْعَةً مَا فِي الْمَتْنِ وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ لَكِنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ
لَا يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُ وَأَنْ لَا يَكُونَ مِلْكُ الْغَيْرِ
خَاصًّا بِبَعْضِ صُوَرِ النَّذْرِ (قَوْلُهُ مُسْتَحِيلَ الْكَوْنِ)
يَشْمَلُ الِاسْتِحَالَةَ الشَّرْعِيَّةَ لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ: لَوْ
نَذَرَتْ صَوْمَ أَيَّامِ حَيْضِهَا أَوْ قَالَتْ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ
أَصُومَ غَدًا فَحَاضَتْ فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ
لِأَنَّهَا أَضَافَتْ الصَّوْمَ إلَى وَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ: تَقْضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ
الْإِيجَابَ صَدَرَ صَحِيحًا فِي حَالٍ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ وَلَا
إضَافَةَ إلَى زَمَانٍ يُنَافِيه إذْ الصَّوْمُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ
وَالْعَجْزُ بِعَارِضٍ مُحْتَمَلٍ كَالْمَرِيضِ فَتَقْضِيه، كَمَا إذَا
نَذَرَتْ صَوْمَ شَهْرٍ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ أَيَّامِ حَيْضِهَا لِأَنَّهُ
لَا يَجُوزُ خُلُوُّ الشَّهْرِ
(3/737)
وَفِي الْقُنْيَةِ نَذَرَ التَّصَدُّقِ
عَلَى الْأَغْنِيَاءِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَنْوِ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ،
وَلَوْ نَذَرَ التَّسْبِيحَاتِ دُبُرَ الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ
نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كُلَّ يَوْمٍ كَذَا لَزِمَهُ وَقِيلَ لَا (ثُمَّ إنَّ)
الْمُعَلَّقَ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ (عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ كَأَنْ
قَدِمَ غَائِبِي) أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي (يُوَفِّي) وُجُوبًا (إنْ وُجِدَ)
الشَّرْطُ (وَ) إنْ عَلَّقَهُ (بِمَا لَمْ يُرِدْهُ كَإِنْ زَنَيْت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَنْ الْحَيْضِ فَيَصِحُّ الْإِيجَابُ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِي
الْقُنْيَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ: نَذَرَ أَنْ
يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا نَوَى أَبْنَاءَ السَّبِيلِ
لِأَنَّهُمْ مَحَلُّ الزَّكَاةِ اهـ.
قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ
كَوْنِهَا قُرْبَةً أَوْ مُسْتَحِيلَةَ الْكَوْنِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا
لِأَنَّهَا لِلْغَنِيِّ هِبَةٌ كَمَا أَنَّ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ التَّسْبِيحَاتِ) لَعَلَّ مُرَادَهُ التَّسْبِيحُ
وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فِي كُلٍّ وَأَطْلَقَ
عَلَى الْجَمِيعِ تَسْبِيحًا تَغْلِيبًا لِكَوْنِهِ سَابِقًا وَفِيهِ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، وَلَا فَرْضٌ
وَفِيهِ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ
وَكَذَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ
فَيَنْبَغِي صِحَّةُ النَّذْرِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
بِالْوَاجِبِ هُوَ الْمُصْطَلَحُ ط.
قُلْت: لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَيْسَ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ
وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَقُولَ دُعَاءَ
كَذَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ
لَمْ يَلْزَمْهُ) وَكَذَا لَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَعَلَّلَهُ
الْقُهُسْتَانِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ بِأَنَّهَا لِلصَّلَاةِ وَفِي
الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ
بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ إنْ
فَعَلْت كَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَمِنْ
جِنْسِهَا وَاجِبٌ، وَكَذَا الطَّوَافُ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ
أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ قَالَ فِي بَابِ أَنْوَاعِ
الْأَطْوِفَةِ: الْخَامِسُ طَوَافُ النَّذْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَلَا
يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ (قَوْلُهُ
لَزِمَهُ) لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضًا وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ
وَتَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا هِيَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ قَالَ ح:
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْفَرْضِ قَطْعِيًّا ط
(قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) لَعَلَّ وَجْهَهُ اشْتِرَاطُهُ كَوْنَهُ فِي
الْفَرْضِ قَطْعِيًّا ح (قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّ الْمُعَلَّقَ إلَخْ) اعْلَمْ
أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ
يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا
يُرَادُ كَوْنُهُ أَيْ يُطْلَبُ حُصُولُهُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي
أَوْ لَا كَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَذَا، وَهُوَ
الْمُسَمَّى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ
قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ قَوْلُ
مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَمَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ
كَالْمُخْتَارِ وَالْمَجْمَعِ وَمُخْتَصَرِ النُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى
وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ
أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ فِي النَّوَادِرِ وَأَنَّهُ مُخْتَارُ
الْمُحَقِّقِينَ وَقَدْ انْعَكَسَ الْأَمْرُ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ،
فَظَنَّ أَنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ
النَّوَادِرِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَأَنَّ فِي
الْخُلَاصَةِ قَالَ: وَبِهِ يُفْتَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَرْوِيَّ فِي
النَّوَادِرِ هُوَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ
أَنَّ الَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ التَّعْلِيقُ بِمَا لَا يُرَادُ
كَوْنُهُ فَالْإِطْلَاقُ مَمْنُوعٌ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ سِوَى قَوْلَيْنِ
الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ التَّخْيِيرِ أَصْلًا وَالثَّانِي
التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَأَمَّا مَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ
الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ الْمُفْتَى
بِهِ فَلَا أَصْلَ لَهُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْعَلَّامَةُ
الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ تُحْفَةُ التَّحْرِيرِ
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ
فَاسِقًا يُرِيدُ شَرْطًا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَعَلَّقْ عَلَيْهِ كَمَا فِي
قَوْلِ الشَّاعِرِ:
(3/738)
بِفُلَانَةَ) مَثَلًا فَحَنِثَ (وَفَّى)
بِنَذْرِهِ (أَوْ كَفَّرَ) لِيَمِينِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ
نَذْرٌ بِظَاهِرِهِ يَمِينٌ بِمَعْنَاهُ فَيُخَيَّرُ ضَرُورَةً.
(نَذَرَ) مُكَلَّفٌ (بِعِتْقِ رَقَبَةٍ فِي مِلْكِهِ وَفَّى بِهِ وَإِلَّا)
يَفِ (أَثِمَ) بِالتَّرْكِ (وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ) فَلَا
يُجْبِرُهُ الْقَاضِي.
(نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِقِصَّةِ الْخَلِيلِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَلْغَاهُ الثَّانِي وَالشَّافِعِيُّ
كَنَذْرِهِ بِقَتْلِهِ (وَلَغَا لَوْ كَانَ يَذْبَحُ نَفْسَهُ أَوْ)
عَبْدَهُ وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ الشَّاةَ، وَلَوْ (بِذَبْحِ أَبِيهِ أَوْ
جَدِّهِ أَوْ أُمِّهِ) لَغَا إجْمَاعًا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَسْبَهُ.
(وَلَوْ قَالَ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً أَوْ عَلَيَّ
شَاةٌ أَذْبَحُهَا فَبَرِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَيَّ إذَا مَا زُرْت لَيْلَى بِخُفْيَةٍ ... زِيَارَةُ بَيْتِ اللَّهِ
رَجْلَانَ حَافِيًا
فَهَلْ يُقَالُ إذَا بَاشَرَ الشَّرْطَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُعَلَّقُ أَمْ
لَا؟ وَيَظْهَرُ لِي الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ طَاعَةٌ وَقَدْ
عَلَّقَ وُجُوبَهَا عَلَى شَرْطٍ فَإِذَا حَصَلَ الشَّرْطُ لَزِمَتْهُ،
وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَعْصِيَةً يَحْرُمُ فِعْلُهَا لِأَنَّ هَذِهِ
الطَّاعَةَ غَيْرُ حَامِلَةٍ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ
بِالْعَكْسِ، وَتَعْرِيفُ النَّذْرِ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَلِذَا صَحَّ
النَّذْرُ فِي قَوْلِهِ: إنْ زَنَيْت بِفُلَانَةَ لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا
يُرِيدُهُ يَصِيرُ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا يَأْتِي
تَقْرِيرُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُرِيدُهُ لِفَوَاتِ مَعْنَى
الْيَمِينِ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِلُزُومِ الْمَنْذُورِ فِيهِ وَإِنْ
لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِظَاهِرِهِ
إلَخْ) لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْمَنْعَ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ فَيَمِيلُ
إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِشَرْطٍ
يُرِيدُ ثُبُوتَهُ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ قَصْدُ الْمَنْعِ
غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ لِأَنَّ قَصْدَهُ إظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيمَا
جُعِلَ شَرْطًا دُرَرٌ (قَوْلُهُ فَيُخَيَّرُ ضَرُورَةً) جَوَابٌ عَنْ
قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ.
أَقُولُ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ حَرَامًا كَإِنْ زَنَيْت يَنْبَغِي أَنْ لَا
يَتَخَيَّرَ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَخْفِيفٌ وَالْحَرَامُ لَا يُوجِبُ
التَّخْفِيفَ قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَقُولُ لَيْسَ الْمُوجِبُ
لِلتَّخْفِيفِ هُوَ الْحَرَامُ بَلْ وُجُودُ دَلِيلِ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ
اللَّفْظَ لَمَّا كَانَ نَذْرًا مِنْ وَجْهٍ وَيَمِينًا مِنْ وَجْهٍ لَزِمَ
أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ إهْدَارُ
أَحَدِهِمَا فَلَزِمَ التَّخْيِيرُ الْمُوجِبُ لِلتَّخْفِيفِ
بِالضَّرُورَةِ فَتَدَبَّرْ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَثْبُتْ
لَهُ حَقُّ الْعِتْقِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ
حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِيَعْتِقَهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ عَلَى
أَنْ يَبَرَّ يَمِينَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ
فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَغَيْرِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ
وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ أَنَّهُ يَجِبُ بِهِ ذَبْحُ كَبْشٍ فِي
الْحَرَمِ أَوْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَأَنَّهُ
يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنْ
يَقُولَ فِي النَّذْرِ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَوْ بِمَكَّةَ وَفِي
رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ، وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ نَذَرَ
ذَبْحَ وَلَدِهِ أَوْ نَحْرَهُ لَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا النَّذْرُ بِذَبْحِ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَزُفَرُ: لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا
يَصِحُّ وَلَهُمَا فِي الْوَلَدِ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
كَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا، وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ
قِيَاسًا فَيَكُونُ سَمَاعًا وَلِأَنَّ إيجَابَ ذَبْحِ الْوَلَدِ عِبَارَةٌ
عَنْ إيجَابِ ذَبْحِ الشَّاةِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ ذَبْحَهُ بِمَكَّةَ
يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الشَّاةِ بِالْحَرَمِ.
بَيَانُهُ قِصَّةُ الذَّبِيحِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى
الْخَلِيلِ ذَبْحَ وَلَدِهِ وَأَمَرَهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ حَيْثُ قَالَ -
{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105]- فَيَكُونُ كَذَلِكَ فِي
شَرِيعَتِنَا أَمَّا - {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]- أَوْ لِأَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ
قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا حَتَّى يَثْبُتَ النَّسْخُ، وَلَهُ نَظَائِرُ
مِنْهَا أَنَّ إيجَابَ الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى عِبَارَةٌ
عَنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَإِيجَابُ الْهَدْيِ عِبَارَةٌ عَنْ إيجَابِ
شَاةٍ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ وَإِذَا كَانَ نَذْرُ ذَبْحِ الْوَلَدِ
عِبَارَةً عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ لَا يَكُونُ مَعْصِيَةً بَلْ قُرْبَةً
حَتَّى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ إنْ أَرَادَ
عَيْنَ الذَّبْحِ وَعَرَفَ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا يَصِحُّ، وَنَظِيرُهُ
الصَّوْمُ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي مَعْصِيَةٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى
إهْلَاكِهِ، وَصَحَّ نَذْرُهُ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ،
وَجَعَلَ ذَلِكَ الْتِزَامًا لِلْفِدْيَةِ كَذَا هَذَا وَلِمُحَمَّدٍ فِي
النَّفْسِ وَالْعَبْدِ أَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِمَا فَوْقَ وِلَايَتِهِ
عَلَى وَلَدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُجُوبَ الشَّاةِ عَلَى خِلَافِ
الْقِيَاسِ
(3/739)
لِأَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ
فَرْضٌ بَلْ وَاجِبٌ كَالْأُضْحِيَّةِ (فَلَا يَصِحُّ) (إلَّا إذَا زَادَ
وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا فَيَلْزَمُهُ) لِأَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ
جِنْسِهَا فَرْضٌ وَهِيَ الزَّكَاةُ فَتْحٌ وَبَحْرٌ فَفِي مَتْنِ
الدُّرَرِ تَنَاقُضٌ مِنَحٌ.
(وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ جَزُورًا وَأَتَصَدَّقَ
بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ) كَذَا فِي مَجْمُوعِ
النَّوَازِلِ وَوَجْهُهُ لَا يَخْفَى.
وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ ذَهَبَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَعَلَى كَذَا
فَذَهَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
(نَذَرَ لِفُقَرَاءِ مَكَّةَ جَازَ الصَّرْفُ لِفُقَرَاءِ غَيْرِهَا) لِمَا
تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ النَّذْرَ غَيْرَ الْمُعَلَّقِ لَا
يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَرَفْنَاهُ اسْتِدْلَالًا بِقِصَّةِ الْخَلِيلِ، وَإِنَّمَا وَرَدَتْ فِي
الْوَلَدِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَذَرَ بِلَفْظِ الْقَتْلِ لَا
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِلَفْظِ
الذَّبْحِ، وَالنَّحْرُ مِثْلُهُ وَلَا كَذَلِكَ الْقَتْلُ وَلِأَنَّ
الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ وَرَدَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ
وَالتَّعَبُّدِ وَالْقَتْلُ لَمْ يَرِدْ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ
وَالِانْتِقَامِ وَالنَّهْيِ وَلِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ ذَبْحَ الشَّاةِ
بِلَفْظِ الْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ فَهَذَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ لَغَا
إجْمَاعًا) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ إلَخْ) هَذَا
التَّعْلِيلُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَيُنَافِيه مَا فِي الْخَانِيَّةِ
قَالَ: إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً فَبَرِئَ لَا
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ
شَاةً اهـ: وَهِيَ عِبَارَةُ مَتْنِ الدُّرَرِ وَعَلَّلَهَا فِي شَرْحِهِ
بِقَوْلِهِ لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ وَالدَّالُّ
عَلَيْهِ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ لِكَوْنِ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا
تَدُلُّ عَلَى النَّذْرِ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَبَحْت شَاةً وَعْدٌ لَا
نَذْرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ إنْ سَلِمَ
وَلَدِي أَصُومُ مَا عِشْت فَهَذَا وَعْدٌ لَكِنَّ فِي الْبَزَّازِيَّةِ
أَيْضًا إنْ عُوفِيت صُمْت كَذَا لَمْ يَجِبْ مَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ
عَلَيَّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا
فَأَنَا أَحُجُّ فَفَعَلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ. اهـ. فَعَلِمَ أَنَّ
تَعْلِيلَ الدُّرَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانُ
خِلَافُهُ وَيُنَافِيه أَيْضًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيَّ شَاةٌ
أَذْبَحُهَا أَوْ عِبَارَةُ الْفَتْحِ فَعَلَيَّ بِالْفَاءِ فِي جَوَابِ
الشَّرْطِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ وَعْدًا وَلَا يُقَالُ إنَّمَا
لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ لِأَنَّ
الْمُصَرَّحَ بِهِ صِحَّةُ النَّذْرِ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ
أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ
وَحَمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالدُّرَرِ مِنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ لِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَكْفِي أَنْ
يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْأُضْحِيَّةَ عَنْ
الْخَانِيَّةِ لَوْ نَذَرَ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ
لِمَجِيءِ الْأَمْرِ بِهِمَا، وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ الْأَصَحُّ
وُجُوبُ الْكُلِّ لِإِيجَابِهِ مَا لِلَّهِ مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ،
وَنَقَلَ الشَّارِحُ هُنَاكَ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُفَادَهُ لُزُومُ
النَّذْرِ بِمَا مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ اعْتِقَادِيٌّ أَوْ اصْطِلَاحِيٌّ
اهـ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَبِهِ
يُعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ مَا يَشْمَلُ
الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ الِاصْطِلَاحِيَّ لَا خُصُوصَ الْفَرْضِ فَقَطْ
(قَوْلُهُ فَتْحٌ وَبَحْرٌ) يُوهِمُ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذُكِرَ هَذَا
التَّعْلِيلُ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ عِبَارَةُ الْمَتْنِ فَقَطْ
وَكَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ
(قَوْلُهُ فَفِي مَتْنِ الدُّرَرِ تَنَاقُضٌ) أَيْ حَيْثُ صَرَّحَ أَوَّلًا
بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي النَّذْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِي
الْفُرُوضِ وَنَصَّ ثَانِيًا عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً مَعَ أَنَّ النَّذْرَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي
الْفُرُوضِ، بَلْ فِي الْوَاجِبَاتِ وَأَجَابَ ط: بِأَنَّ مُرَادَهُ
بِالْفَرْضِ مَا يَعُمُّ الْوَاجِبَ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ اللَّازِمُ فَلَا
تَنَاقُضَ
(قَوْلُهُ كَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي
الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ بَرِئْتُ إلَى قَوْلِهِ جَازَ
(قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ لَا يَخْفَى) هُوَ أَنَّ السَّبْعَ تَقُومُ مَقَامَهُ
فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا ط.
مَطْلَبُ النَّذْرِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ
وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ
(قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ) أَيْ فِي آخِرِهِ
قُبَيْلَ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ مَعَ الْمَتْنِ:
وَالنَّذْرُ مِنْ اعْتِكَافٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ
غَيْرِهَا غَيْرِ الْمُعَلَّقِ وَلَوْ مُعَيَّنًا لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ
وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ فَلَوْ نَذَرَ
(3/740)
(نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ
دَرَاهِمَ مِنْ الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ جَازَ إنْ سَاوَى
الْعَشَرَةَ) كَتَصَدُّقِهِ بِثَمَنِهِ.
(نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَكِنْ إنْ
أَفْطَرَ) فِيهِ (يَوْمًا قَضَاهُ) وَحْدَهُ وَإِنْ قَالَ مُتَتَابِعًا
(بِلَا لُزُومِ اسْتِقْبَالٍ) لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ
الْأَبَدِ فَأَكَلَ لِعُذْرٍ فَدَى.
(نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ دُونَهَا
لَزِمَهُ) مَا يَمْلِكُ مِنْهَا (فَقَطْ) هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ
فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
التَّصَدُّقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَكَّةَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ عَلَى
فُلَانٍ فَخَالَفَ جَازَ وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَهُ فَلَوْ عَيَّنَ
شَهْرًا لِلِاعْتِكَافِ أَوْ لِلصَّوْمِ فَعَجَّلَ قَبْلَهُ عَنْهُ صَحَّ،
وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ سَنَةَ كَذَا فَحَجَّ سَنَةً قَبْلَهَا
صَحَّ أَوْ صَلَاةً فِي يَوْمِ كَذَا فَصَلَّاهَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ
تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ النَّذْرُ فَيَلْغُو
التَّعْيِينُ بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ
تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ.
قُلْت: وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ الْفَرْقَ وَهُوَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى
شَرْطٍ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ
بَلْ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، فَلَوْ جَازَ تَعْجِيلُهُ لَزِمَ وُقُوعُهُ
قَبْلَ سَبَبِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ
يَتَعَيَّنُ فِيهِ الزَّمَانُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّعْجِيلِ، أَمَّا
تَأْخِيرُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَائِزٌ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ،
وَكَذَا يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَكَانُ
وَالدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا أَثَّرَ فِي
انْعِقَادِ السَّبَبِيَّةِ فَقَطْ، فَلِذَا امْتَنَعَ فِيهِ التَّعْجِيلُ،
وَتَعَيَّنَ فِيهِ الْوَقْتُ أَمَّا الْمَكَانُ وَالدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ
فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ التَّعْيِينِ، وَلِذَا
اقْتَصَرَ الشَّارِحُ فِي بَيَانِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ
فَقَطْ حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ فَتَدَبَّرْ.
قُلْت: وَكَمَا لَا يَتَعَيَّنُ الْفَقِيرُ لَا يَتَعَيَّنُ عَدَدُهُ فَفِي
الْخَانِيَّةِ إنْ زَوَّجْت بِنْتِي فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي
صَدَقَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ دِرْهَمٌ فَزَوَّجَ وَدَفَعَ الْأَلْفَ إلَى
مِسْكِينٍ جُمْلَةً جَازَ.
[تَنْبِيهٌ] إنَّمَا لَمْ يَخْتَصَّ فِي النَّذْرِ بِزَمَانٍ وَنَحْوِهِ
خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ لُزُومَ مَا الْتَزَمَهُ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ
قُرْبَةٌ لَا بِاعْتِبَارَاتٍ أُخَرَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي صَيْرُورَتِهِ
قُرْبَةً كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَذَا إذَا نَذَرَ
رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَدَّاهَا فِي أَقَلَّ شَرَفًا
مِنْهُ أَوْ فِيمَا لَا شَرَفَ لَهُ أَجْزَأَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ
الْمَعْرُوفَ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ الْتِزَامَهُ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ
مُوجِبٌ وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ الشَّرْعِ اعْتِبَارُ تَخْصِيصِ الْعَبْدِ
الْعِبَادَةَ بِالْمَكَانِ، بَلْ إنَّمَا عُرِفَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
قُلْت: وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْمَكَانُ فِي نَذْرِ الْهَدْيِ وَالزَّمَانُ
فِي نَذْرِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ
مُعَيَّنٌ، فَالْهَدْيُ مَا يُهْدَى لِلْحَرَمِ وَالْأُضْحِيَّةَ مَا
يُذْبَحُ فِي أَيَّامِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ
الِاسْمُ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ تَحْقِيقِهِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي
الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ جَازَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ تَعْيِينَ مَا يُشْتَرَى بِهِ مِثْلُ
تَعْيِينِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ.
(قَوْلُهُ قَضَاهُ وَحْدَهُ) أَيْ قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَطْ لِئَلَّا
يَقَعَ كُلُّ الصَّوْمِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ فِي الصِّيَامِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ مُتَتَابِعًا) لِأَنَّ شَرْطَ التَّتَابُعِ فِي
شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ مُتَتَابِعٌ لِتَتَابُعِ الْأَيَّامِ
وَأَيْضًا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ دُرَرٌ،
وَأَمَّا إذَا كَانَ لِشَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ،
وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ إلَّا إذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ فَيَلْزَمُهُ
وَيَسْتَقْبِلُ فَتْحٌ أَيْ يَسْتَقْبِلُ شَهْرًا غَيْرَهُ لَوْ أَفْطَرَ
يَوْمًا وَلَوْ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ
وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ
التَّتَابُعُ وَمَا لَا يَجِبُ وَمَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ أَوْ تَأْخِيرُهُ
وَمَا لَا يَجُوزُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَأَكَلَ لِعُذْرٍ) وَكَذَا
لِدُونِهِ ح (قَوْلُهُ فَدَى) أَيْ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ
أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ
تَعَالَى كَمَا مَرَّ
. (قَوْلُهُ لَزِمَهُ مَا يَمْلِكُ مِنْهَا فَقَطْ) وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ
عُرُوضٌ أَوْ خَادِمٌ يُسَاوِي مِائَةً فَإِنَّهُ يَبِيعُ وَيَتَصَدَّقُ،
وَإِنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً يَتَصَدَّقُ بِعَشَرَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَلْفَ
حَجَّةٍ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا عَاشَ فِي كُلِّ سَنَةٍ حَجَّةٌ
شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ
الدَّيْنُ كَمَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ؟ ظَاهِرُ
التَّعْلِيلِ: عَدَمُ الدُّخُولِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْلِكُهُ
(3/741)
لَمْ يُوجَدْ النَّذْرُ فِي الْمِلْكِ
وَلَا مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ (قَالَ مَا لِي
فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَا مَالٌ لَهُ لَمْ يَصِحَّ) اتِّفَاقًا
(نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ يَوْمَ كَذَا عَلَى زَيْدٍ
فَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ أُخْرَى قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ
(عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ جَازَ) لِمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ
(قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ
فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَلَوْ نَوَى صِيَامًا بِلَا عَدَدٍ
لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَوْ صَدَقَةً فَإِطْعَامُ عَشَرَةِ
مَسَاكِينَ كَالْفِطْرَةِ وَلَوْ نَذَرَ ثَلَاثِينَ حَجَّةً لَزِمَهُ
بِقَدْرِ عُمْرِهِ.
(وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ) يَمِينُهُ (وَكَذَا يَبْطُلُ
بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ (كُلُّ مَا تَعَلَّقَ
بِالْقَوْلِ عِبَادَةً أَوْ مُعَامَلَةً) لَوْ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ
وَلَوْ بِالْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ كَأَعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي
إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَصِحَّ وَبِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ
لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ (بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْقَلْبِ)
كَالنِّيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِذَا قَبَضَهُ صَارَ مِلْكًا حَادِثًا بَعْدَ
النَّذْرِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ يُعْتَبَرُ مَالُهُ
عِنْدَ الْمَوْتِ تَأَمَّلْ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الشَّرِكَةِ
أَنَّ الْحَقَّ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا (قَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ إلَخْ) أَيْ
وَشَرْطُ صِحَّةِ النَّذْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ مِلْكًا لِلنَّاذِرِ
أَوْ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ كَقَوْلِهِ إنَّ اشْتَرَيْتُك فَلِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَك ط (قَوْلُهُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ) أَيْ
يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَفِي بِمَعْنَى عَلَى.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا) أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ
يَصِحُّ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ مَالِ الزَّكَاةِ اسْتِحْسَانًا
أَيَّ جِنْسٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ
أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أَمْسَكَ مِنْهُ قَدْرَ قُوتِهِ
فَإِذَا مَلَكَ غَيْرَهُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ: أَيْ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ
كَمَا سَيَأْتِي فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ عَنْ الْبَحْرِ قَالَ: إنْ فَعَلَتْ كَذَا
فَمَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ، فَحِيلَتُهُ أَنْ يَبِيعَ مِلْكَهُ مِنْ رَجُلٍ
بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ، وَيَقْبِضَهُ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ يَفْعَلَ ذَلِكَ
ثُمَّ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ قَالَ
الْمَقْدِسِيَّ هُنَاكَ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِلْكُ
حِينَ الْحِنْثِ لَا حِينَ الْحَلِفِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ النَّذْرَ غَيْرَ
الْمُعَلَّقِ لَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ
. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ) فَلَوْ قَالَ نَذْرَ حَجٍّ مَثَلًا
لَزِمَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى صِيَامًا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ:
وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ
أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى كَمَا فِي كَافِي
الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّ إيجَابَ
الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَدْنَى ذَلِكَ فِي
الصِّيَامِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَحْرٌ عَنْ
الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَدَقَةً) أَيْ بِلَا عَدَدٍ
(قَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ) أَيْ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ بُرٌّ
وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامُ مِسْكِينٍ لَزِمَهُ نِصْفُ
صَاعٍ بُرٌّ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أُطْعِمَ
الْمَسَاكِينَ عَلَى عَشَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ
لَزِمَهُ بِقَدْرِ عُمْرِهِ) أَيْ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِقَدْرِ مَا
يَعِيشُ وَمَشَى فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ
الْكُلُّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ قَدْرَ مَا عَاشَ وَيَجِبُ
الْإِيصَاءُ بِالْبَقِيَّةِ وَعَزَاهُ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ إلَى
الْعُيُونِ وَالْخَانِيَّةِ وَالسِّرَاجِيَّةِ قَالَ وَفِي النَّوَازِلِ
أَنَّهُ قَوْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي الْفَتْحِ
الْحَقُّ لُزُومُ الْكُلِّ اهـ مُلَخَّصًا
(قَوْلُهُ وَصَلَ بِحَلِفِهِ) قَيَّدَ بِالْوَصْلِ لِأَنَّهُ لَوْ فَصَلَ
لَا يُفِيدُ، إلَّا إذَا كَانَ لِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ نَحْوِهِ،
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ
الْمُنْفَصِلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الْعُقُودِ
كُلِّهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً وَأَنْ لَا يُحْتَاجَ لِلْمُحَلِّلِ
الثَّانِي لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُسْتَثْنَى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ حِكَايَةُ
الْإِمَامِ مَعَ الْمَنْصُورِ ذَكَرَهَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) مَفْعُولُ وَصَلَ (قَوْلُهُ عِبَادَةً)
كَنَذْرٍ وَإِعْتَاقٍ أَوْ مُعَامَلَةً كَطَلَاقٍ وَإِقْرَارٍ ط (قَوْلُهُ
أَوْ النَّهْيِ) كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ: لَا تَبِعْ لِفُلَانٍ إنْ شَاءَ
اللَّهُ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ) جَوَابُ قَوْلِهِ:
وَلَوْ بِالْأَمْرِ فَافْهَمْ: أَيْ فَلِلْمَأْمُورِ أَنْ يَبِيعَهُ
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيجَابَ يَقَعُ مُلْزِمًا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ
عَلَى إبْطَالِهِ بَعْدُ، فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى لَا
يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِيجَابِ، وَالْأَمْرُ لَا يَقَعُ لَازِمًا فَإِنَّهُ
يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بِعَزْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ
إلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ ذَخِيرَةٌ وَقَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ
الِاسْتِيلَادِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا
وَصَلَ الْمَشِيئَةَ بِالتَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا
لِطَلَبِ التَّوْفِيقِ حَمَوِيٌّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهِ
لِلِاسْتِثْنَاءِ، حَتَّى يُقَالَ إنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ
الْأَقْوَالِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(3/742)
|