رد المحتار على الدر المختار

[كِتَابُ الْوَقْفِ]
ِ هُوَ مَصْدَرُ وَقَفْت أَقِفُ: حَبَسَ، وَمِنْهُ الْمَوْقِفُ لِحَبْسٍ النَّاسِ فِيهِ لِلْحِسَابِ، وَأَوْقَفْت لُغَةٌ رَدِيئَةٌ حَتَّى ادَّعَى الْمَازِنِيُّ أَنَّهَا لَمْ تُعْرَفْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ أَوْقَفْت إلَّا حَرْفًا وَاحِدًا، أَوْقَفْت عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ، ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي الْمَوْقُوفِ فَقِيلَ هَذِهِ الدَّارُ وَقْفٌ وَلِذَا جُمِعَ عَلَى أَوْقَافٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ. وَفِي وَقْفِ الْمُنْيَةِ: الرِّبَاطُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إدْخَالُ غَيْرِهِ مَعَهُ فِي مَالِهِ) هَذَا فِي الشَّرِكَةِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ. وَمَا فِي النَّهْرِ أَوْضَحُ، حَيْثُ قَالَ: مُنَاسَبَتُهُ بِالشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ. وَفِي الْوَقْفِ يَخْرُجُ عَنْهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ) قَدْرُ لَفْظِ حُكْمٍ تَبَعًا لِلْإِسْعَافِ والشُّرُنبُلالِيَّة لِيَكُونَ تَعْرِيفًا لِلْوَقْفِ اللَّازِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. أَمَّا غَيْرُ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ حَقِيقَةً عِنْدَهُ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَشَرْعًا عِنْدَهُ حَبْسُ الْعَيْنِ وَمَنْعُ الرَّقَبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْقَوْلِ عَنْ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ حَالَ كَوْنِهَا مُقْتَصِرَةً عَلَى مِلْكِ الْوَقْفِ، فَالرَّقَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فِي حَيَاتِهِ وَمُلْكٌ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِحَيْثُ يُبَاعُ وَيُوهَبُ. ثُمَّ قَالَ: وَيُشْكِلُ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ حَبْسٌ عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْوَقْفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَرَّفَ الْوَقْفَ الْمُخْتَلَفَ وَالشَّارِحُ قَدَّرَ الْحُكْمَ اخْتِيَارًا لِلَازِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلِكُلٍّ جِهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا لَكِنَّ جِهَةَ الشَّارِحِ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ تَعْرِيفَ غَيْرِ اللَّازِمِ إذْ لَا حَبْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ بَيْعِهِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ مَحْبُوسٌ حَقِيقَةً، وَكَثِيرًا مَا تَخْفَى رُمُوزُ هَذَا الشَّرْحِ الْفَاضِلِ عَلَى النَّاظِرِينَ خُصُوصًا مَنْ هُوَ مُولَعٌ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ
(قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ) فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ،

(4/337)


وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ (عِنْدَهُ) جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْعَارِيَّةِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ حَبْسُهَا عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، أَمَّا لَوْ جَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قُرْبَةً فِي الْجُمْلَةِ اهـ وَبِهَذَا التَّعْمِيمِ صَارَ التَّعْرِيفُ جَامِعًا وَاسْتَغْنَى عَمَّا زَادَهُ فِيهِ الْكَمَالُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ صَرَفَ مَنْفَعَتَهَا إلَى مَنْ أَحَبَّ وَقَالَ إنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ لِمَنْ يُحِبُّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا قَصْدِ الْقُرْبَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فِي آخِرِهِ مِنْ الْقُرْبَةِ بِشَرْطِ التَّأْبِيدِ كَالْفُقَرَاءِ وَمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ لَكِنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا قِيلَ انْقِرَاضُ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا تَصَدُّقٍ اهـ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْغَنِيِّ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ مَجَازًا عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى الْغَنِيِّ نَوْعُ قُرْبَةٍ دُونَ قُرْبَةِ الْفَقِيرِ. اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْقُرْبَةِ لَوْ كَفَى فِي الْوَقْفِ لَصَحَّ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْعَلَ آخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَعَلِمْت تَصْرِيحَ الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفَصْلِ. قُلْت: وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَقْفَ تَصَدُّقٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إذْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ، وَلَكِنَّهُ إذَا جُعِلَ أَوَّلُهُ عَلَى مُعَيَّنِينَ صَارَ كَأَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ ذَلِكَ مِنْ الدَّفْعِ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلِذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ يُعْطَى النِّصْفَ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ مَا بَطَلَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الِابْنِ صَارَ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ أَبَدًا، فَقَدْ ابْتَدَأَهُ بِالصَّدَقَةِ وَخَتَمَهُ بِهَا كَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ صَدَقَةٌ ابْتِدَاءً، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ صَرْفِهِ لِمُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عِنْدَهُ جَائِزٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ فَأَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ؛ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ جَوَازٌ لَا إعَارَةٌ، فَتُصْرَفُ مَنْفَعَتُهُ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُورَثُ عَنْهُ. وَلَا يُلْزَم إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي أَوْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ. وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. ثُمَّ إنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ سَتَأْتِي. اهـ. ط مُلَخَّصًا.
وَبَحَثَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَفْظُ حَبَسَ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مَتَى شَاءَ فَلَمْ يُحْدِثْ الْوَقْفَ إلَّا مَشِيئَةَ التَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْوَقْفِ فَلَمْ يُفِدْ لَفْظُ الْوَقْفِ شَيْئًا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ مَا فِي الْأَصْلِ صَحِيحٌ. وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ سَلْبَ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِهِ، وَيَحِلُّ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَيُثَابَ الْوَاقِفُ بِهِ، وَيُتْبَعُ شَرْطُهُ، وَيَصِحُّ نَصْبُ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ. وَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَصْلًا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْحُكْمُ بِهِ. اهـ.
قُلْت: بَلْ ذُكِرَ فِي الْإِسْعَافِ أَنَّهُ عِنْدَهُ يَكُونُ نَذْرًا بِالتَّصَدُّقِ حَيْثُ قَالَ: وَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ فِي تَعْرِيفِهِ، فَلَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ جَازَ لَازِمًا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ نَذْرًا بِالصَّدَقَةِ بِغَلَّةِ الْأَرْضِ وَيَبْقَى مِلْكُهُ عَلَى حَالِهِ، فَإِذَا مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ اهـ: أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِغَلَّتِهِ (قَوْلُهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى) قَدَّرَ لَفْظَ حُكْمٍ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، بَلْ صَارَ عَلَى حُكْمِ

(4/338)


وَصَرْفُ مَنْفَعَتِهَا عَلَى مَنْ أَحَبَّ) وَلَوْ غَنِيًّا فَيَلْزَمُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ابْنُ الْكَمَالِ وَابْنُ الشِّحْنَةِ

(وَسَبَبُهُ إرَادَةُ مَحْبُوبِ النَّفْسِ) فِي الدُّنْيَا بِبِرِّ الْأَحْبَابِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ يَعْنِي بِالنِّيَّةِ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ

وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الزَّكَاةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَاهُ، وَإِلَّا فَالْكُلُّ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَاسْتَحْسَنَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ، لَكِنْ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ مِثْلُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَحَقَّقَهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
قُلْت: وَظَاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ حَبْسُ الْمَمْلُوكِ عَنْ التَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْحَبْسَ يُفِيدُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا كَانَ وَأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ (قَوْلُهُ: وَصَرْفُ مَنْفَعَتَهَا عَلَى مَنْ أَحَبَّ) عَبَّرَ بِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَالصِّدْقُ بِالْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ، وَإِلَى التَّعْمِيمِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ غَنِيًّا أَفَادَهُ ح، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَا يَجُوزُ؛ فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالتَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ صَرْفُ مَنْفَعَتِهَا عَلَى وَجْهِ التَّصَدُّقِ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ التَّعْرِيفُ مِنْ خُرُوجِ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ لِثُبُوتِ التَّلَازُمِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَقُّ تَرَجُّحُ قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ بِلُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَلِذَا تَرَجَّحَ خِلَافُ قَوْلِهِ اهـ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ بِبِرِّ الْأَحْبَابِ) أَيْ مَنْ يُحِبُّ بِرَّهُمْ وَنَفْعَهُمْ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ فَقِيرٍ أَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِالنِّيَّةِ) قُيِّدَ لِلثَّوَابِ؛ إذْ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِهَا) وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ النِّيَّةِ وَالثَّوَابِ بِهَا، بَلْ هُوَ شَرْطٌ هُنَا لِصِحَّةِ التَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ إلَخْ) يَعْنِي قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلتَّعَبُّدِ بِهِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ أَصْلًا بَلْ التَّقَرُّبُ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى نِيَّةِ الْقُرْبَةِ، فَهُوَ بِدُونِهَا مُبَاحٌ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ كَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ، لَكِنَّ الْعِتْقَ أَنْفَذُ مِنْهُ حَتَّى صَحَّ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا كَالْعِتْقِ لِلصَّنَمِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي صُورَةِ الْقُرْبَةِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ؛ إذْ لَوْ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ قُرْبَةً حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا) خَلَطَ الشَّارِحُ مَسْأَلَةَ النَّذْرِ بِالْوَقْفِ بِمَسْأَلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الْوَقْفِ نَذْرًا مَعَ أَنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَأَمَّا النَّذْرُ بِهِ فَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالثَّالِثُ الْمَنْذُورُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقِفَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَقَدِمَ فَهُوَ نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ جَازَ فِي الْحُكْمِ وَنَذْرُهُ بَاقٍ وَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ سَقَطَ، وَإِنَّمَا صَحَّ النَّذْرُ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَّخِذَ الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ مَسْجِدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيْتُ مَالٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَا لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الْوَقْفِ نَذْرًا فَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَ هَذَا: التَّاسِعُ لَوْ قَالَ: هِيَ لِلسَّبِيلِ إنْ تَعَارَفُوهُ وَقْفًا مُؤَبَّدًا لِلْفُقَرَاءِ كَانَ كَذَلِكَ وَإِلَّا سُئِلَ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْوَقْفَ صَارَ وَقْفًا لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لَفْظُهُ، أَوْ قَالَ أَرَدْت مَعْنَى صَدَقَةٍ فَهُوَ نَذْرٌ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَانَتْ مِيرَاثًا ذَكَرَهُ فِي النَّوَازِلِ. اهـ. ح.
قُلْت: صِيغَةُ النَّذْرِ بِالْوَقْفِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ غَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ فَلْيَكُنْ الشَّارِحُ أَشَارَ إلَى صِيغَةٍ غَيْرِهَا تَشْمَلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَأَنْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَعَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَ هَذِهِ الدَّارَ لِلسَّبِيلِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَرَادَ بِالسَّبِيلِ الصَّدَقَةَ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْوَقْفَ أَوْ كَانَ مُتَعَارَفًا كَانَتْ وَقْفًا وَقَدْ أَفَادَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ وَقَفَهَا إلَخْ

(4/339)


جَازَ فِي الْحُكْمِ وَبَقِيَ نَذْرُهُ وَبِهَذَا عُرِفَ صِفَتُهُ وَحُكْمُهُ مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِهِ

(وَمَحَلُّهُ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ)

(وَرُكْنُهُ الْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ كَ) أَرْضِي هَذِهِ (صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَلْفَاظِ كَمَوْقُوفَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَى وَجْهِ الْخَيْرِ أَوْ الْبِرِّ وَاكْتَفَى أَبُو يُوسُفَ بِلَفْظِ مَوْقُوفَةٍ فَقَطْ قَالَ الشَّهِيدُ وَنَحْنُ نُفْتِي بِهِ لِلْعُرْفِ

[مَطْلَبٌ قَدْ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ]
(وَشَرْطُهُ شَرْطُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ) كَحُرِّيَّةٍ وَتَكْلِيفٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَدِقَّةُ نَظَرِ الشَّارِحِ وَإِيجَازُهُ فِي التَّعْبِيرِ يَفُوقُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ مَارَسَ كِتَابَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: جَازَ فِي الْحُكْمِ) أَيْ صَحَّ الْوَقْفُ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَصَحَّ تَعْيِينُهُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ النَّذْرُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، وَصَرْفُهَا إلَى مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ لَهُ فَلَمْ تَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ صَرَفَ إلَيْهِ الْكَفَّارَةَ أَوْ الزَّكَاةَ وَقَعَتْ وَبَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ قُرْبَةً بِالنِّيَّةِ وَمُبَاحًا بِدُونِهَا وَوَاجِبًا بِالنَّذْرِ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) أَيْ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِهِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالْمَنْفَعَةِ

(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا فِيهِ تَعَامُلٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، ثُمَّ رَأَيْت هَذَا مَسْطُورًا فِي الْإِسْعَافِ. .

مَطْلَبٌ قَدْ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ الْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ) وَهِيَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ لَفْظًا عَلَى مَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: فَرْعٌ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُوصِيَ بِغَلَّةِ هَذِهِ الدَّارِ لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا أَوْ لِفُلَانٍ وَبَعْدَهُ لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا فَإِنَّ الدَّارَ تَصِيرُ وَقْفًا بِالضَّرُورَةِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهَا كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا اهـ أَيْ فَهُوَ مِنْ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ مِنْ الثُّلُثِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مِنْهَا لَوْ قَالَ: اشْتَرُوا مِنْ غَلَّةِ دَارِي هَذِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُبْزًا وَفَرِّقُوهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَارَتْ الدَّارُ وَقْفًا اهـ وَعَزَاهُ لِلذَّخِيرَةِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَيَصْرِفُ مِنْهَا الْخُبْزَ إلَى مَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ، وَالْبَاقِيَ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُمْ مَصْرِفُ الْوَقْفِ فِي الْأَصْلِ، مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَلَهُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ، وَقَدْ سَأَلْت عَنْ نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ كُلَّ سَنَةٍ كَذَا دَرَاهِمَ يُشْتَرَى بِهَا زَيْتٌ لِمَسْجِدِ كَذَا، ثُمَّ بَاعَ الْوَرَثَةُ الدَّارَ وَشَرَطُوا عَلَى الْمُشْتَرِي دَفْعَ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ فِي كُلِّ سَنَةٍ لِلْمَسْجِدِ، فَأَفْتَيْت بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَبِأَنَّهَا صَارَتْ وَقْفًا حَيْثُ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: وَاكْتَفَى أَبُو يُوسُفَ بِلَفْظِ: مَوْقُوفَةٌ إلَخْ) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ تَأْبِيدٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَفْظِ صَدَقَةٍ، أَوْ لَفْظِ الْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِ كَالْمَسْجِدِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَى مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ، فَإِنْ لَا يَصِحُّ بِلَفْظِ مَوْقُوفَةٍ لِمُنَافَاةِ التَّعْيِينِ لِلتَّأْبِيدِ، وَلِذَا فَرَّقَ بَيْنَ مَوْقُوفَةٍ وَبَيْنَ مَوْقُوفَةٍ عَلَى زَيْدٍ حَيْثُ أَجَازَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي. نَعَمْ تَعْيِينُ الْمَسْجِدِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يَصِحُّ أَيْ مَوْقُوفَةٌ فَقَطْ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ مَوْقُوفَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا كَانَ مُفِيدًا لِخُصُوصِ الْمَصْرِفِ أَعْنِي الْفُقَرَاءَ لَزِمَ كَوْنُهُ مُؤَبَّدًا لِأَنَّ جِهَةَ الْفُقَرَاءِ لَا تَنْقَطِعُ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَنَحْنُ نُفْتِي بِهِ أَيْضًا لِمَكَانِ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ إذَا كَانَ يَصْرِفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ كَانَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِمْ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ التَّأْبِيدِ أَوْ وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ غَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

(قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ شَرْطُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ) أَفَادَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ وَقْتَ الْوَقْفِ مِلْكًا بَاتًّا وَلَوْ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ

(4/340)


(وَأَنْ يَكُونَ) قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ مَعْلُومًا (مُنَجَّزًا) لَا مُعَلَّقًا إلَّا بِكَائِنٍ، وَلَا مُضَافًا، وَلَا مُوَقَّتًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ مَلَكَهُ بَعْدُ بِشِرَاءٍ أَوْ صُلْحٍ، وَلَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ وَقْفَ فُضُولِيٍّ جَازَ وَصَحَّ وَقْفُ مَا شَرَاهُ فَاسِدًا بَعْدَ الْقَبْضِ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْبَائِعِ وَكَالشِّرَاءِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِخِيَارِ الْبَائِعِ فَوَقَفَهَا وَإِنْ أَجَازَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ وَيُنْقَضُ وَقْفٌ اُسْتُحِقَّ بِمِلْكٍ أَوْ شُفْعَةٍ، وَإِنْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا وَوَقْفُ مَرِيضٍ أَحَاطَ دَيْنُهُ بِمَالِهِ بِخِلَافٍ صَحِيحٍ وسَيَأْتِي تَمَامُهُ حُكْمُ وَقْفِ الْمَرْهُونِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ وَكَذَا وَقْفُ مَحْجُورٍ لِسَفَهٍ أَوْ دَيْنٍ كَذَا أَطْلَقَهُ الْخَصَّافُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا وَقَفَهَا الْمَحْجُورُ لِسَفَهٍ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِ وَعِنْدَ الْكُلِّ إذَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ.
وَفِي النَّهْرِ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ التَّبَرُّعُ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ كَمَا هُنَا وَاسْتِحْقَاقُ الْغَيْرِ لَهُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إلَى ذَاتِهِ وَصُورَتِهِ قُرْبَةً، وَالْمُرَادُ أَنْ يَحْكُمَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ لَوْ صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ يَكُونُ قُرْبَةً حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْقُرْبَةَ، لَكِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ وَقَفَ الذِّمِّيُّ عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَقْفُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ مِنْ الذِّمِّيِّ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ قُرْبَةً فِي اعْتِقَادِ الْوَاقِفِ يَدْخُلُ فِيهِ وَقْفُ الذِّمِّيِّ عَلَى بِيعَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَنُعَيِّنُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي وَقْفِ الْمُسْلِمِ فَقَطْ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ شَرْطَ وَقْفِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ الْقُدْسِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى بِيعَةٍ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَقَطْ أَوْ عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا فَقَطْ فَأَفَادَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِوَقْفِ الذِّمِّيِّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ وَقْفَ الْمُسْلِمِ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قُرْبَةً عِنْدَهُمْ بَلْ عِنْدَنَا كَوَقْفِنَا عَلَى حَجٍّ وَعُمْرَةٍ بِخِلَافِهِ عَلَى بِيعَةٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ عِنْدَنَا بَلْ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: مَعْلُومًا) حَتَّى لَوْ وَقَفَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَقَفْت هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ، نَعَمْ لَوْ وَقَفَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ وَلَمْ يُسَمِّ السِّهَامَ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ قَالَ: وَهُوَ ثُلُثُ جَمِيعِ الدَّارِ فَإِذَا هُوَ الَّتِي كَانَ الْكُلُّ وَقْفًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ نَهْرٌ أَيْ كُلُّ النِّصْفِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَقَفَ أَرْضًا فِيهِ أَشْجَارٌ وَاسْتَثْنَاهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَثْنِيًا الْأَشْجَارَ بِمَوَاضِعِهَا فَيَصِيرُ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْوَقْفِ مَجْهُولًا.
(قَوْلُهُ: مُنَجَّزًا) مُقَابِلُهُ الْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ (قَوْلُهُ: لَا مُعَلَّقًا) كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَأَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ أَوْ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت يَكُونُ الْوَقْفُ: بَاطِلًا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْخَطَرِ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يُحْلَفُ بِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَيَحْلِفُ بِهِ، فَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إذَا قَدِمَ أَوْ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: إلَّا بِكَائِنٍ) أَوْ مَوْجُودٍ لِلْحَالِ فَلَا يُنَافِي عَدَمَ صِحَّتِهِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ فِي مِلْكِي فَهِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ صَحَّ الْوَقْفُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ تَنْجَبِرُ (قَوْلُهُ: وَلَا مُضَافًا) يَعْنِي إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. فَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بَاطِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. نَعَمْ سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّةً لَازِمَةً مِنْ الثُّلُثِ بِالْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ غَدًا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ الصَّرْفِ، فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِالْمُضَافِ الْأَوَّلِ فَلَا غَلَطَ فِي كَلَامِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا مُوَقَّتًا) كَمَا إذَا وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا قَالَهُ الْخَصَّافُ، وَفَصَلَ هِلَالٌ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَيَبْطُلَ وَإِلَّا فَلَا.
وَظَاهِرُ الْخَانِيَّةِ اعْتِمَادُهُ بَحْرٌ وَنَهْرٌ وَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ

(4/341)


وَلَا بِخِيَارِ شَرْطٍ، وَلَا ذَكَرَ مَعَهُ اشْتِرَاطَ بَيْعِهِ وَصَرْفَ ثَمَنِهِ، فَإِنْ ذَكَرَهُ بَطَلَ وَقْفُهُ بَزَّازِيَّةٌ.

وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ وَقَفَ الْمُرْتَدُّ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ بَطَلَ وَقْفُهُ، وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ عَلَى بِيعَةٍ أَوْ حَرْبِيٍّ قِيلَ أَوْ مَجُوسِيٍّ، وَجَازَ عَلَى ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ حَتَّى لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ وَلَدِهِ أَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ النَّصْرَانِيَّةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَإِذَا وَقَّتَهُ بَطَلَ (قَوْلُهُ: وَلَا بِخِيَارِ شَرْطٍ) مَعْلُومٍ كَانَ أَوْ مَجْهُولًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ إسْعَافٌ وَفِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ: وَصَحَّ اشْتِرَاطُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ الثَّانِي وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ جَازَ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا ذَكَرَ مَعَهُ اشْتِرَاطَ بَيْعِهِ إلَخْ) فِي الْخَصَّافِ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِي إخْرَاجَهَا مِنْ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ عَلَى أَنْ أَهَبَهَا وَأَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا، أَوْ عَلَى أَنْ أَهَبَهَا لِمَنْ شِئْت أَوْ عَلَى أَنْ أَرْهَنَهَا مَتَى بَدَا لِي وَأَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْفِ بَطَلَ الْوَقْفُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، أَمَّا الْمَسْجِدُ لَوْ اُشْتُرِطَ إبْطَالُهُ أَوْ بَيْعُهُ صَحَّ وَبَطَلَ الشَّرْطُ.
قُلْت: وَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي الْوَقْفِ اسْتِبْدَالُهُ صَحَّ وسَيَأْتِي بَيَانُهُ. [تَتِمَّةٌ] : لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ، فَلَوْ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَآخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ اُشْتُرِطَ قَبُولُهُ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ قَبِلَهُ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَإِنْ رَدَّهُ فَلِلْفُقَرَاءِ، وَمَنْ قَبِلَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَهُ، وَمَنْ رَدَّهُ أَوَّلَ الْأَمْرِ لَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِي الْإِسْعَافِ وَالْبَحْرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا وُجُودُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حِينَ الْوَقْفِ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا هَيَّأَ مَكَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَهُ فَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا تَحْدِيدَ الْعَقَارِ، بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ وَالْفَتْحِ، نَعَمْ هُوَ شَرْطُ الشَّهَادَةِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ وَقَفَ الْعَقَارَ بِبَقَرِهِ (قَوْلُهُ: بَطَلَ وَقْفُهُ) هُوَ الْمُخْتَارُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ. .

مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ (قَوْلُهُ: فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ) أَمَّا إنْ أَسْلَمَ صَحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ بَطَلَ وَقْفُهُ) وَيَصِيرُ مِيرَاثًا سَوَاءً قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَعَادَ الْوَقْفَ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ بَحْرٌ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الِاغْتِفَارُ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الْبَقَاءِ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ، فَإِنَّ الرِّدَّةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْوَقْفِ لَا تُبْطِلُهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ، بِخِلَافِ الطَّارِئَةِ فَإِنَّهَا تُبْطِلُهُ بَتًّا اهـ ط وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ عَلَى بِيعَةٍ) أَمَّا فِي الْمُسْلِمِ فَلِعَدَمِ كَوْنِهِ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ، وَأَمَّا فِي الذِّمِّيِّ فَلِعَدَمِ كَوْنِهِ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ كَمَا مَرَّ أَفَادَهُ ح. لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ لِمَا فِي الْفَتْحِ: لَوْ وَقَفَ أَيْ الذِّمِّيُّ عَلَى بِيعَةٍ مَثَلًا فَإِذَا خَرِبَتْ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ مِيرَاثًا عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ فِي وَقْفِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ، وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ سَقْطًا حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بِيعَةٍ فَإِذَا خَرِبَتْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَ مِيرَاثًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا. اهـ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ، وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ بِالتَّأْبِيدِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبِيعَةِ يُنَافِي التَّأْبِيدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ حَرْبِيٍّ) لِأَنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ بِرِّهِمْ ط (قَوْلُهُ: قِيلَ أَوْ مَجُوسِيٍّ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْقُنْيَةِ. وَفِي الْإِسْعَافِ لَوْ وَقَفَ نَصْرَانِيٌّ مَثَلًا عَلَى مَسَاكِينِ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ صَرْفُهَا لِمَسَاكِينِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوس لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ عَيَّنَ مَسَاكِينَ أَهْلِ دِينِهِ تَعَيَّنُوا، وَلَوْ صَرَفَهَا الْقَيِّمُ إلَى غَيْرِهِمْ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِلَّةً وَاحِدَةً لِتَعَيُّنِ الْوَقْفِ بِمَنْ يُعَيِّنُهُ الْوَاقِفُ.

(4/342)


لَزِمَ شَرْطُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ

[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ]
(وَالْمِلْكُ يَزُولُ) عَنْ الْمَوْقُوفِ بِأَرْبَعَةٍ بِإِفْرَازِ مَسْجِدٍ كَمَا سَيَجِيءُ وَ (بِقَضَاءِ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ شَرَائِطُ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ، حَيْثُ شَنَّعَ عَلَى الْخَصَّافِ، بِأَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْإِسْلَامَ سَبَبَ الْحِرْمَانِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَعَقَّبَ الْخَصَّافَ غَيْرَهُ، وَهَذِهِ لِلْبُعْدِ مِنْ الْفِقْهِ، فَإِنَّ شَرَائِطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ وَهُوَ مَالِكٌ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ صِنْفًا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ كَانَ الْوَضْعُ فِي كُلِّهِمْ قُرْبَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ قُرْبَةٌ حَتَّى جَازَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ عِنْدَنَا فَكَيْفَ لَا يُعْتَبَرُ شَرْطُهُ فِي صِنْفٍ دُونَ صِنْفٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ؟ أَرَأَيْت لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمْ أَلَيْسَ يُحْرَمُ مِنْهُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ دَفَعَ الْمُتَوَلِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ ضَمِنَ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْحِرْمَانِ بَلْ الْحِرْمَانُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِ تَمَلُّكِهِ لِهَذَا الْمَالِ وَهُوَ إعْطَاءُ الْوَاقِفِ الْمَالِكِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَالْمِلْكُ يَزُولُ) أَيْ مِلْكُ الْوَاقِفِ فَيَصِيرُ الْوَقْفُ لَازِمًا لِلْإِنْفَاقِ عَلَى التَّلَازُمِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بِأَرْبَعَةٍ) هَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، حَتَّى كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَا دَامَ حَيًّا كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ بِإِفْرَازِ مَسْجِدٍ) عَبَّرَ بِالْإِفْرَازِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَشَاعًا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِلَا قَضَاءٍ (قَوْلُهُ: وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي) أَيْ قَضَائِهِ بِلُزُومِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَعَبَّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَكُلُّ صَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا مِنْ التَّلَازُمِ بَيْنَ الْخُرُوجِ وَاللُّزُومِ.
[تَنْبِيهٌ] : قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ قَالُوا: الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِلُزُومِهِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الْوَقْفَ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ لَازِمٌ عِنْدَهُمَا فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَضَى بِذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ هَاهُنَا إلَّا الصِّحَّةُ، وَلَا يَلْزَمُهَا اللُّزُومُ فَيَحْتَاجُ فِي لُزُومِ الْوَقْفِ إلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَجْهُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقُلْ بِكَوْنِ الْوَقْفِ جَائِزًا غَيْرُ لَازِمٍ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ عِنْدَهُ لَازِمٌ إذَا عَلَّقَهُ الْوَاقِفُ بِالْمَوْتِ أَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَضَاءَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ قَضَاءٌ بِالْوَقْفِ، فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِصِحَّتِهِ مُقْتَضِيًا لِلُزُومِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصْرِيحِ بِاللُّزُومِ فِي الْقَضَاءِ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُ ابْنِ الْغَرْسِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْقَضَاءَ بِصِحَّتِهِ كَالْقَضَاءِ بِلُزُومِهِ أَوْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ فَالْإِمَامُ لَا يَقُولُ بِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ نَفَذَ حُكْمُهُ وَصَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ غَيْرِهِ نَقْضُهُ وَالْوَقْفُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِذَا حَكَمَ بِلُزُومِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ لَزِمَ اتِّفَاقًا وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِأَصْلِ الصِّحَّةِ فَلَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ الْخِلَافِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ اللُّزُومَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ خِلَافٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ فَقَوْلُهُمْ يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ بِالْقَضَاءِ بِلُزُومِهِ أَوْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ بِأَنْ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا فَقَطْ بِأَنْ ادَّعَى عَبْدُهُ تَعْلِيقَ عِتْقِهِ عَلَى وَقْفِهِ أَرْضَهُ فَأَنْكَرَ الْمَوْلَى صِحَّةَ الْوَقْفِ لِكَوْنِهِ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مَثَلًا فَأَثْبَتَ الْعَبْدُ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِكَائِنٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ اللُّزُومَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ هَذَا مَا يَظْهَرُ لِلْفِكْرِ الْفَاتِرِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) أَيْ إنَّهُ يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ رَافِعًا لِلْخِلَافِ كَمَا قُلْنَا، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَلُزُومِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ) أَيْ صُورَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِلُزُومِهِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُسَلِّمَهُ) أَيْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ

(4/343)


ثُمَّ يَظْهَرُ الرُّجُوعَ مُعِينُ الْمُفْتِي مَعْزِيًّا لِلْفَتْحِ (الْمُوَلَّى مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ) لَا الْمُحَكَّمِ وَسَيَجِيءُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى، ثُمَّ هَلْ الْقَضَاءُ بِالْوَقْفِ قَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ، فَلَا تُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى مِلْكٍ آخَرَ، وَوَقْفٍ آخَرَ أَمْ لَا فَتُسْمَعُ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ بِالْأَوَّلِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ صَوْنًا عَنْ الْحِيَلِ لِإِبْطَالِهِ، لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِي وَصَحَّحَهُ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ وَبِهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ.

(أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عُلِّقَ بِهِ) أَيْ بِمَوْتِهِ كَإِذَا مِتَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَقْفَهُ بَعْدَ أَنْ نَصَبَ لَهُ مُتَوَلِّيًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُظْهِرَ الرُّجُوعَ) أَيْ يَدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ وَقْفِهِ، وَيَطْلُبُ رَدَّهُ إلَيْهِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ وَيَمْتَنِعُ الْمُتَوَلِّي مِنْ رَدِّهِ إلَيْهِ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِلُزُومِهِ، فَيَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ بِالْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: لَا الْمُحَكَّمِ) فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ بِحُكْمِهِ لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ.
[تَنْبِيهٌ] : قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ مُجْتَهِدًا يَرَى لُزُومَ الْوَقْفِ فَأَمْضَى رَأْيَهُ فِيهِ وَعَزَمَ عَلَى زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ أَوْ مُقَلِّدًا فَسَأَلَ فَأَفْتَى بِالْجَوَازِ فَقَبِلَهُ وَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ الْوَقْفُ، وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ وَإِنْ تَبَدَّلَ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِ وأَفْتَى الْمُقَلِّدُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ فَهَذَا مِمَّا يُزَادُ عَلَى مَا يَلْزَمُ بِهِ الْوَقْفُ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لَهُ الظَّاهِرُ ضَعْفُهُ اهـ أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِ الْمُتُونِ يَزُولُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ يَحْكُمُ فِيهِ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ الْخَصْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْإِسْعَافِ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدِّيَانَةِ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا تَغَيَّرَ رَأْيُهُ لَا يَنْقُضُ مَا أَمْضَاهُ أَوَّلًا وَكَذَا الْمُقَلِّدُ فِي حَادِثَةٍ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِتَقْلِيدِهِ مُجْتَهِدًا آخَرَ، وَأَمَّا لَوْ رُفِعَتْ حَادِثَةُ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ أَوْ الْمُقَلِّدِ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ كَمَا قُلْنَا، وَلِذَا قَالَ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِخِلَافٍ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى) أَيْ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّ حُكْمَهُ هُوَ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ تَصْوِيرِهِ بِالدَّعْوَى غَيْرُ لَازِمٍ لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَالْكَلَامُ فِي الْحُكْم الرَّافِعِ لِلْخِلَافِ لَا الْحُكْمِ بِثُبُوتِ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الدَّعْوَى عِنْدَ الْبَعْضِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِاللُّزُومِ عِنْدَ دَعْوَى عَدَمِهِ فَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الدَّعْوَى فِيهِ لِيَصِيرَ فِي حَادِثَةٍ إذْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ حِينَئِذٍ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ فَيُرْفَعُ الْخِلَافُ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ إلَخْ) أَيْ لَا عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى ذِي الْيَدِ أَنَّ هَذَا مِلْكُهُ وَحَكَمَ بِهِ الْقَاضِي تُسْمَعُ دَعْوَى رَجُلٍ آخَرَ عَلَى الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ لِإِنْسَانٍ بِالْحُرِّيَّةِ وَلَوْ عَارِضَةً، أَوْ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ بِنَسَبٍ أَوْ بِوَلَاءِ عَتَاقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ دَعْوَى آخَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُفْتَى بِهِ وَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْنِ الْوَقْفِ عَنْ التَّعَرُّضِ إلَيْهِ بِالْحِيَلِ وَالتَّلَابِيسِ وَالدَّعَاوَى الْمُفْتَعَلَةِ قَصْدًا لِإِبْطَالِهِ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِلْوَقْفِ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْقُدْسِيُّ بِأَنَّهُ يُفْتِي بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَصِيَانَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِبْقَاءً لِلْخَيْرَاتِ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِي) قَالَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهَذَا إنْ عُرِفَ الْوَاقِفُ بِالْحِيَلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ عَقَارَ غَيْرِهِ، وَيَقْضِي الْقَاضِي بِلُزُومِهِ لِدَفْعِ دَعْوَى مَالِكِهِ وَإِلَّا فَيُفْتِي بِالْأَوَّلِ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِالْمَوْتِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِقَضَاءٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَزُولُ الْمِلْكُ بِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا أَيْ زَوَالُ الْمِلْكِ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، أَمَّا فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُهُ اهـ.

(4/344)


فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ تَلْزَمُ مِنْ الثُّلُثِ بِالْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ. قُلْت: وَلَوْ لِوَارِثِهِ وَإِنْ رَدُّوهُ لَكِنَّهُ يُقْسَمُ كَالثُّلُثَيْنِ فَقَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ إنَّهُ إرْثٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ لَكِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّصْرِيفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ.
وَمُحَصَّلُ هَذَا: أَنَّ الْمُغْلَقَ بِالْمَوْتِ لَا يَكُونُ وَقْفًا فِي الصَّحِيحِ فَلَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلَا بَعْدَهُ بَلْ يَكُونُ وَصِيَّةً لَازِمَةً بَعْدَهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّصَرُّفُ بِهِ لَا قَبْلَهُ، حَتَّى جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ إلَخْ فَإِنَّهُ قَصَدَ بِهِ تَحْوِيلَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ لَا فِيمَا يَلْزَمُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى التَّلَازُمِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْوَقْفِ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ فَلَيْسَ وَقْفًا كَمَا عَلِمْت فَلَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِهِ وَصِيَّةً أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ تَحْوِيلٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا تَفْرِيعٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحَ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ جَوَازِ تَعْلِيقِ الْوَقْفِ، وَالْوَقْفُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِكَائِنٍ وَهُوَ كَالْمُنَجَّزِ.
قُلْت: قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَائِنِ الْمُحَقَّقِ وُجُودُهُ لِلْحَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِوَارِثِهِ إلَخْ) أَيْ يَلْزَمُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى وَارِثِهِ وَإِنْ رَدُّوهُ أَيْ الْوَرَثَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَوْ وَارِثٌ آخَرُ.
مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَرِيضِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: امْرَأَةٌ وَقَفَتْ مَنْزِلًا فِي مَرَضِهَا عَلَى بَنَاتِهَا، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِنَّ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِنَّ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَإِذَا انْقَرَضُوا فَلِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ مَاتَتْ فِي مَرَضِهَا، وَخَلَّفَتْ بِنْتَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَالْأُخْتُ لَا تَرْضَى بِمَا صَنَعَتْ، وَلَا مَالَ لَهَا سِوَى الْمَنْزِلِ جَازَ الْوَقْفُ فِي الثُّلُثِ وَلَمْ يَجُزْ فِي الثُّلُثَيْنِ، فَيُقْسَمُ الثُّلُثَانِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ، وَيُوقَفُ الثُّلُثُ فَمَا خَرَجَ مِنْ غَلَّتِهِ قُسِمَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مَا عَاشَتْ الْبِنْتَانِ، فَإِذَا مَاتَتَا صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا كَمَا شَرَطَتْ الْوَاقِفَةُ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ.
رَجُلٌ وَقَفَ دَارًا لَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى ثَلَاثِ بَنَاتٍ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُنَّ قَالَ الثُّلُثُ مِنْ الدَّارِ وَقْفٌ وَالثُّلُثَانِ مُطْلَقٌ يَصْنَعْنَ بِهِمَا مَا شِئْنَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا لَمْ يُجِزْنَ أَمَّا إذَا أَجَزْنَ صَارَ الْكُلُّ وَقْفًا عَلَيْهِنَّ اهـ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ إسْعَافٌ أَيْ لِأَنَّهُ مَشَاعٌ حَيْثُ وَقَفَهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَقْسِمْهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُقْسَمُ) أَيْ إذَا رَدُّوهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ الَّذِي صَارَ وَقْفًا أَيْ تُقْسَمُ غَلَّتُهُ كَالثُّلُثَيْنِ فَتُصْرَفُ مَصْرِفَ الثُّلُثَيْنِ عَنْ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا أَمَّا إذَا مَاتَ تُقْسَمُ غَلَّةُ الثُّلُثِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ الْوَقْفُ كَمَا عَلِمْت: وَبَقِيَ مَا لَوْ مَاتَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ سَهْمُهُ إلَى وَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَيًّا كَمَا فِي الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: فَقَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ) عِبَارَتُهَا: أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى ابْنِي فُلَانٍ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَنَسْلِي، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَهِيَ إرْثٌ بَيْنَ كُلِّ الْوَرَثَةِ مَا دَامَ الِابْنُ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ صَارَ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ اهـ

(4/345)


أَيْ حُكْمًا فَلَا خَلَلَ فِي عِبَارَتِهِ فَاعْتَبَرُوا الْوَارِثَ بِالنَّظَرِ لِلْغَلَّةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ رَدُّوا بِالنَّظَرِ لِلْغَيْرِ وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ لَهُ بَلْ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ فَافْهَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: أَيْ حُكْمًا) اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَإِ، وَهُوَ قَوْلُ مَدْلُولِ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ مُفَسَّرٌ بِالْإِرْثِ حُكْمًا، وَحُكْمًا تَمْيِيزٌ عَنْ الْإِرْثِ الْمُقَدَّرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إرْثٌ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُقْسَمُ كَالْإِرْثِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ: مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ الثُّلُثُ وَقْفٌ وَالْبَاقِي مِلْكٌ (قَوْلُهُ: فَلَا خَلَلَ فِي عِبَارَتِهِ) أَيْ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيِّ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْبَحْرِ هِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِمَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الثُّلُثَيْنِ مِلْكٌ وَالثُّلُثَ وَقْفٌ، وَأَنَّ غَلَّةَ الثُّلُثِ تُقْسَمُ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا. اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى عِبَارَةِ الْبَزَّازِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: فَهِيَ إرْثٌ وَجَوَابُهُ مَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا إرْثٌ حُكْمًا: أَيْ حِصَّةُ الْوَقْفِ فَقَطْ. وَالثَّانِي قَوْلُهُ: فَإِذَا مَاتَ صَارَ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي يَصِيرُ لِلنَّسْلِ هُوَ الثُّلُثُ الْمَوْقُوفُ، أَمَّا الثُّلُثَانِ فَهُمْ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ حَيْثُ لَمْ يُجْبَرُوا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَهِيَ إرْثٌ رَاجِعٌ إلَى غَلَّةِ الثُّلُثِ الْمَوْقُوفِ، وَكَذَا ضَمِيرُ قَوْلِهِ صَارَ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ، أَوْ يُقَالُ مُرَادُهُ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ كُلُّهَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَصِيرُ كُلُّهَا وَقْفًا وَحَيْثُ لَمْ يُجِيزُوا تُقْسَمُ غَلَّتُهَا كَالْإِرْثِ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ الِابْنِ تَصِيرُ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا: وَقَفَ أَرْضَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ فَهُوَ كَمَا قَالُوا فِي الْوَصِيَّةِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ صَارَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا وَإِلَّا فَمِقْدَارُ مَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ يَصِيرُ وَقْفًا تُقْسَمُ جَمِيعُ غَلَّةِ الْوَقْفِ مَا جَازَ فِيهِ الْوَقْفُ، وَمَا لَمْ يَجُزْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمْ فِي الْأَحْيَاءِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا كُلُّهُمْ تُصْرَفُ غَلَّةُ الْأَرْضِ إلَى الْفُقَرَاءِ إنْ لَمْ يُوصِ الْوَاقِفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْوَرَثَةِ وَبَقِيَ الْآخَرُونَ فَإِنَّ الْمَيِّتَ فِي قِسْمَةِ الْغَلَّةِ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَحْيَاءً كَأَنَّهُ حَيٌّ، فَيُقْسَمُ ثُمَّ يُجْعَلُ سَهْمُهُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ لَا حِصَّةَ لَهُمْ مِنْ الْوَقْفِ. اهـ.
بَقِيَ لَوْ وَقَفَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَلَمْ تُجِزْ فَفِي الْبَحْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا السُّدُسُ وَالْبَاقِي وَقْفٌ، لِمَا فِي وَصَايَا الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَأَوْصَى بِكُلِّ مَالِهِ لِرَجُلٍ، فَإِنْ أَجَازَتْ فَالْكُلُّ لَهُ، وَإِلَّا فَالسُّدُسُ لَهَا وَخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ لَهُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ الثُّلُثَ أَوَّلًا بَقِيَ أَرْبَعَةٌ تَأْخُذُ الرُّبْعَ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ لَهُ فَحَصَلَ لَهُ خَمْسَةٌ مِنْ سِتَّةٍ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَقْفَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ اهـ (قَوْلُهُ: فَاعْتَبَرُوا الْوَارِثَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَقَفَ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِنَّ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ الْآخَرُ كَانَ الْكُلُّ وَقْفًا وَاتُّبِعَ الشَّرْطُ وَإِلَّا كَانَ الثُّلُثَانِ مِلْكًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالثُّلُثُ وَقْفًا مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْبَعْضِ لَا تَنْفُذُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لِغَيْرِهِ فَاعْتُبِرَ الْغَيْرُ بِالنَّظَرِ إلَى ثُلُثٍ وَاعْتُبِرَ الْوَارِثُ بِالنَّظَرِ إلَى غَلَّةِ الثُّلُثِ الَّذِي صَارَ وَقْفًا فَلَا يُتْبَعُ الشَّرْطُ مَا دَامَ الْوَارِثُ حَيًّا وَإِنَّمَا تُقْسَمُ غَلَّةُ هَذَا الثُّلُثِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا انْقَرَضَ الْوَارِثُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ فِي غَلَّةِ الثُّلُثِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ لِلْغَلَّةِ) وَلِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَسَمُوهَا كَالثُّلُثَيْنِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْوَارِثَ أَيْ وَاعْتَبَرُوا الْوَصِيَّةَ بِالنَّظَرِ لِلْغَيْرِ وَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: وَاعْتَبَرُوا الْغَيْرَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَصِيَّةِ أَيْ إلَى لُزُومِهَا ط (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَدُّوا) أَيْ الْوَرَثَةُ أَيْ بَقِيَّتُهُمْ ط، وَكَذَا لَوْ رَدَّ كُلُّهُمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ لِوَارِثِهِ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: لِعَدَمِ نَفَاذِهَا لِلْوَارِثِ، وَيَكُونُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ لِلْغَيْرِ يَعْنِي إنَّمَا اُعْتُبِرَ الْغَيْرُ فِي لُزُومِ الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ نَفَاذِهَا لِلْوَارِثِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ لَهُ) غَلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَاعْتَبَرُوا الْوَصِيَّةَ ح (قَوْلُهُ: فَافْهَمْ) أَمْرٌ بِالْفَهْمِ لِدِقَّةِ الْمَقَامِ.

(4/346)


(أَوْ بِقَوْلِهِ وَقَفْتهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ وَفَاتِي مُؤَبَّدًا) فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ، لَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ مَا دَامَ حَيًّا هُوَ نَذْرٌ بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ وَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ.
قُلْت: فَفِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَ حَيًّا غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا بِأَمْرِ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، فَقَوْلُ الدُّرَرِ لَوْ افْتَقَرَ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي لَوْ غَيْرَ مُسَجَّلٍ مَنْظُورٌ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ قُلْت: إلَى هُنَا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمِلْكِ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْ بَيَانٍ لِمَسْأَلَةٍ إجْمَاعِيَّةٍ كَمَا يَأْتِي عَنْ النَّهْرِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مُصَوَّرٌ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ فِي الْمَرَضِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ آخِرَ الْبَابِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى وَقْفِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ هُنَا يُوهِمُ أَنَّ الْوَقْفَ فِي الْمَرَضِ يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ نَظِيرُ التَّعْلِيقِ الْمَوْتُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْهِدَايَةِ وَلَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَقْفُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَكِنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِمَادُهُ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ فَلَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ نَقَلَ صَدْرَ عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ تَمَامَهَا فَافْهَمْ، ثُمَّ هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ تَكُونَ وَقْفًا بَعْدَ وَفَاتِهٍ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَاَلَّذِي نُجْزِهِ فِي مَرَضِهِ يَصِيرُ وَقْفَ الصِّحَّةِ إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ فَافْتَرَقَا كَمَا فِي الْخَصَّافِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِقَوْلِهِ إلَخْ) ذَكَرَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ غَيْرَ قَيْدٍ لِإِغْنَاءِ التَّأْبِيدِ عَنْهُ. قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا اشْتَرَطَ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَكُونُ نَذْرًا بِالصَّدَقَةِ بِغَلَّةِ الْأَرْضِ، وَيَبْقَى مِلْكُهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا مَاتَ تُورَثُ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَهَذَا أَيْضًا تَحْوِيلٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَنْ ظَاهِرِهِ إصْلَاحًا لَهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ غَيْرُ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ جَائِزٌ لَازِمٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَهُ الرُّجُوعُ) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: جَازَ مِنْ الثُّلُثِ) وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ، فَالْخِدْمَةُ لَهُ وَالرَّقَبَةُ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا، فَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ يَصِيرُ الْعَبْدُ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمَالِكِ، إلَّا أَنَّ فِي الْوَقْفِ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ الْمُوصَى لَهُمْ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ فَتَتَأَبَّدُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ إسْعَافٌ وَدُرَرٌ (قَوْلُهُ: فَفِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ، وَفِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْتهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي، وَقَدْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْخُرُوجَ وَاللُّزُومَ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ، وَهُمَا مَا إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ أَفْرَزَهُ مَسْجِدًا فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْخُرُوجَ وَاللُّزُومَ فِي حَيَاتِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى مَوْتِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فَاللُّزُومُ فِيهِمَا حَالِيٌّ وَفِي الْآخَرِينَ مَالِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لَهُ الرُّجُوعُ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقْفٌ لَازِمٌ، لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا فِي الصَّحِيحِ، بَلْ هُوَ وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى جَعْلِهِ وَقْفًا مِنْ جَوَازِ تَعْلِيقِهِ وَالْوَقْفُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ تَأَمَّلْ. نَعَمْ لَا تَعْلِيقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَاللُّزُومُ فِيهَا ظَاهِرٌ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ: لَوْ غَيْرَ مُسَجَّلٍ) أَيْ مَحْكُومٍ بِهِ فَأَطْلَقَ التَّسْجِيلَ، وَهُوَ الْكِتَابَةُ فِي السِّجِلِّ وَأَرَادَ مَلْزُومَهُ وَهُوَ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ إذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ كُتِبَ فِي السِّجِلِّ ط (قَوْلُهُ: مَنْظُورٍ فِيهِ) لِأَنَّ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ بِلَا اشْتِرَاطِ فَقْرٍ وَلَا فَسْخِ قَاضٍ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْته وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَطْلَقَ الْقَاضِي الْوَقْفَ غَيْرَ الْمُسَجَّلِ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ فَبَاعَ صَحَّ وَلَوْ لِغَيْرِهِ لَا.

(4/347)


(وَلَا يَتِمُّ) الْوَقْفُ (حَتَّى يُقْبَضَ) لَمْ يَقُلْ لِلْمُتَوَلِّي لِأَنَّ تَسْلِيمَ كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَفِي الْمَسْجِدِ بِالْإِفْرَازِ وَفِي غَيْرِهِ بِنَصْبِ الْمُتَوَلِّي وَبِتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ ابْنُ كَمَالٍ (وَيُفْرَزُ) فَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَشَاعٍ يُقْسَمُ خِلَافًا لِلثَّانِي (وَيُجْعَلُ آخِرُهُ لِجِهَةِ) قُرْبَةٍ (لَا تَنْقَطِعُ) هَذَا بَيَانُ شَرَائِطِهِ الْخَاصَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ شُرُوطُ الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي شُرُوطِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَسْلِيمَ إلَخْ) وَلِيَشْمَلَ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَفِي الْمَسْجِدِ بِالْإِفْرَازِ) أَيْ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَسَيَأْتِي وَفِي الْمَقْبَرَةِ بِدَفْنِ وَاحِدٍ فَصَاعِدًا بِإِذْنِهِ وَفِي السِّقَايَةِ بِشُرْبِ وَاحِدٍ، وَفِي الْخَانِ بِنُزُولِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَارَّةِ، لَكِنَّ السِّقَايَةَ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى صَبِّ الْمَاءِ فِيهَا، وَالْخَانَ الَّذِي يَنْزِلُهُ الْحَاجُّ بِمَكَّةَ وَالْغُزَاةُ بِالثَّغْرِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّ نُزُولَهُمْ يَكُونُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً، فَيُحْتَاجُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ وَإِلَى مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ فِيهَا إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ نَفْسَهُ قَيِّمًا، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ لِلْمُشْرِفِ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ لَا غَيْرُ اهـ لَكِنَّ فِيهِ أَنَّ مَنْ شَرَطَ التَّسْلِيمَ وَهُوَ مُحَمَّدٌ لَمْ يُصَحِّحْ تَوْلِيَةَ الْوَاقِفِ نَفْسَهُ وَمَنْ صَحَّحَهَا وَهُوَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيُفْرِزُ) أَيْ بِالْقِسْمَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِهِ إلَّا أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ إيضَاحًا وَأَبُو يُوسُفَ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْلِيمَ أَجَازَ وَقْفَ الْمَشَاعِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، أَمَّا مَا لَا يَقْبَلُهَا كَالْحَمَّامِ وَالْبِئْرِ وَالرَّحَى فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى نَهْرٌ وَفَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَشَاعٍ يُقْسَمُ إلَخْ) شَمِلَ مَا لَوْ اُسْتُحِقَّ جَزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ شَائِعٌ فَيَبْطُلُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مُقَارِنٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَجَعَ الْوَارِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ فِي مَرَضِهِ وَفِي الْمَالِ ضِيقٌ؛ لِأَنَّهُ شُيُوعٌ طَارِئٌ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ بَحْرٌ عَنْ الْهِدَايَةِ، وَلَوْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ وَقَفَاهَا وَدَفَعَاهَا مَعًا إلَى قَيِّمٍ وَاحِدٍ جَازَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا لِوُجُودِهِمَا مَعًا مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ عَلَى جِهَةٍ وَسَلَّمَاهُ مَعًا لِقَيِّمٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَقْتَ الْقَبْضِ.
وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْفَيْهِمَا جِهَةً وَقَيِّمًا وَاتَّحَدَ زَمَانُ تَسَلُّمِهِمَا مَالِهِمَا أَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِقَيِّمِهِ اقْبِضْ نَصِيبِي مَعَ نَصِيبِ صَاحِبِي لِأَنَّهُمَا صَارَا كَمُتَوَلٍّ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ وَسَلَّمَ لِقَيِّمِهِ وَحْدَهُ، فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الشُّيُوعِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَتَمَكُّنِهِ وَقْتَ الْقَبْضِ إسْعَافٌ وَفِيهِ أَيْضًا وَقَفَتْ دَارَهَا عَلَى بَنَاتِهَا الثَّلَاثِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا مَالَ لَهَا غَيْرُهُ وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُنَّ فَالثُّلُثُ وَقْفٌ وَالثُّلُثَانِ مِيرَاثٌ لَهُنَّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ مَشَاعٌ حَيْثُ لَمْ تَقْسِمْهُ بَيْنَهُنَّ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّأْبِيدِ (قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ آخِرَهُ لِجِهَةِ قُرْبَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) يَعْنِي لَا بُدَّ أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّأْبِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. ح وَيَأْتِي بَيَانُهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ إذْ لَا مُخَالَفَةَ لِمُحَمَّدٍ فِي لُزُومِهِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: هَذَا بَيَانُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَتِمُّ حَتَّى وَأَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ

(4/348)


لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ، وَجَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ كَالْإِعْتَاقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: هَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَالْمِلْكُ يَزُولُ بِالْقَضَاءِ إذْ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ.
قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ مَا قَالَهُ أَوَّلًا عَلَى مَسْأَلَةٍ إجْمَاعِيَّةٍ هِيَ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْقَضَاءِ يَزُولُ، أَمَّا إذَا خَلَا عَنْ الْقَضَاءِ فَلَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ هَذِهِ الشُّرُوطِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِعَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالُوا: إنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَمْ يُرَجِّحْ أَحَدٌ قَوْلَ الْإِمَامِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ كَيْفَ مَشَى أَوَّلًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَثَانِيًا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي يَعْنِي فِي الْمُتُونِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّعْلِيمِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ كَالْإِعْتَاقِ) فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبْضُ وَالْإِفْرَازُ. اهـ. ح: أَيْ فَيَلْزَمُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَالْإِعْتَاقِ بِجَامِعِ إسْقَاطِ الْمِلْكِ، قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ اتِّفَاقًا لَكِنَّ ذِكْرَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ اهـ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ وَقَفْت أَرْضِي هَذِهِ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ وَذِكْرُ جَمَاعَةً بِأَعْيَانِهِمْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ إرَادَةَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لِجَعْلِهِ إيَّاهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي فَصَحَّحَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ عُرْفًا، فَإِذَا ذَكَرَ الْوَلَدَ صَارَ مُقَيَّدًا، فَلَا يَبْقَى الْعُرْفُ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ التَّأْبِيدِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ.
مَطْلَبٌ: التَّأْبِيدُ مَعْنَى شَرْطِهِ اتِّفَاقًا وَأَمَّا التَّأْبِيدُ مَعْنًى فَشَرْطٌ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُقَيَّدَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّأْبِيدِ رِوَايَتَيْنِ الْأُولَى: أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ حَتَّى لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي، وَلَمْ يَزِدْ جَازَ الْوَقْفُ، وَإِذَا انْقَرَضُوا عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَوْ حَيًّا وَإِلَّا فَإِلَى مِلْكِ الْوَارِثِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ شَرْطٌ لَكِنَّ ذِكْرَهُ غَيْرُ شَرْطٍ حَتَّى تُصْرَفَ الْغَلَّةُ بَعْدَ الْأَوْلَادِ إلَى الْفُقَرَاءِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ الْوَقْفِ وَالتَّقْيِيدِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَبْطُلُ التَّقْيِيدُ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُجْتَبَى وَالْخُلَاصَةِ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِيمَا إذَا ذُكِرَ لَفْظُ الصَّدَقَةِ أَمَّا إذَا ذُكِرَ لَفْظُ الْوَقْفِ فَقَطْ، لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذَا كَانَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا. اهـ.
مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ وَقَوْلِهِ فَمَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ فَهِيَ وَقْفٌ بِلَا خِلَافٍ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ إنْسَانًا فَلَوْ عَيَّنَ وَذَكَرَ مَعَ لَفْظِ الْوَقْفِ لَفْظَ صَدَقَةٍ بِأَنْ قَالَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ جَازَ وَيُصْرَفُ بَعْدَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ يَجُوزُ مَا دَامَ فُلَانٌ حَيًّا، وَبَعْدَهُ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ اهـ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ عَيَّنَ كَوَقَفْتُهَا عَلَى فُلَانٍ لَا يَجُوزُ اهـ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ صَدَقَةٍ مَعَ مَوْقُوفَةٍ وَعَيَّنَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا أَفْرَدَ مَوْقُوفَةً وَعَيَّنَ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، خِلَافًا لِمَا

(4/349)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَقْفِ، وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا كَلَامُ الْإِسْعَافِ وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ: وَقِيلَ إنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطُ الْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ مُنْبِئٌ عَنْهُ.
وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذِكْرُهُ شَرْطٌ إلَخْ فَقَوْلُهُ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ ذَكَرَهُمَا مَعًا لَا فِي ذِكْرِ لَفْظِ الْوَقْفِ فَقَطْ، وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ صَحَّ وَيَصِيرُ تَقْدِيرُهُ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ مَحَلَّ الصَّدَقَةِ الْفُقَرَاءُ إلَّا أَنَّ غَلَّتَهَا تَكُونُ لِفُلَانٍ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَوْ قَالَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِي أَوْ عَلَى وَلَدِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُمْ يَنْقَطِعُونَ، فَلَا يَتَأَبَّدُ الْوَقْفُ وَبِدُونِ التَّأْبِيدِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ آخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ: مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي اهـ أَيْ لِأَنَّ الثَّانِيَ ذُكِرَ مُقَيَّدًا بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ، وَذَلِكَ يُنَافِي التَّأْبِيدَ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَلَا بِمَا فِي مَعْنَاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَوْقُوفَةٌ فَقَطْ لِانْصِرَافِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ عُرْفًا فَهُوَ مُؤَبَّدٌ، وَكَذَا صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ قُيِّدَ بِمُعَيَّنٍ لَكِنَّهُ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لِلْفُقَرَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ وَبَعْدَ فُلَانٍ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ فَيَكُونُ مُؤَبَّدًا، لَكِنْ إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِمَعْنًى فَهُوَ مُؤَبَّدٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا كَمَا مَرَّ لِعَدَمِ مُنَافِي التَّأْبِيدِ أَصْلًا.
وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَزِدْ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَلَوْ قَالَ: مَوْقُوفَةٌ صَدَقَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَزِدْ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ، وَقِيلَ لَا مَا لَمْ يَقُلْ وَآخِرُهَا لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الصَّدَقَةِ فِي الْأَصْلِ الْفُقَرَاءُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِمْ وَلَا انْقِطَاعَ لَهُمْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْأَبَدِ أَيْضًا اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالصَّدَقَةِ تَصْرِيحٌ بِالتَّأْبِيدِ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا بِلَا خِلَافٍ إنْ لَمْ يُعَيَّنْ، فَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَجَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ يَعُودُ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ كَالْقُدُورِيِّ وَالْمُلْتَقَى وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ تَصْحِيحَهُ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ السَّرَخْسِيِّ، وَأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ قَالُوا إنَّهُ خَطَأٌ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْعَافِ مِنْ أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ اتِّفَاقًا، وَإِذَا عَادَ إلَى الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ مُؤَبَّدًا إلَّا لَفْظًا وَمَعْنًى.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمَا فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ مَعَ عَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا ذُكِرَ لَفْظُ التَّأْبِيدِ، وَأَمَّا فِي مَعْنَاهُ كَالْفُقَرَاءِ وَكَلَفْظِ صَدَقَتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَكَمَوْقُوفَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَمَوْقُوفَةٍ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الصَّدَقَةِ، وَكَذَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْجِهَادِ أَوْ عَلَى أَكْفَانِ الْمَوْتَى، أَوْ حَفْرِ الْقُبُورِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظٍ مَوْقُوفَةٌ مَعَ التَّعَيُّنِ كَمَوْقُوفَةٍ عَلَى زَيْدٍ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا لَوْ اقْتَصَرَ بِلَا تَعْيِينٍ أَوْ جَمَعَ مَعَ التَّعْيِينِ كَصَدَقَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى فُلَانٍ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَصِحُّ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ وَالْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ مَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ كَأَوْلَادِ زَيْدٍ، أَوْ فُقَرَاءِ قَرَابَةِ فُلَانٍ وَهُمْ يُحْصَوْنَ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ وَقْفِ الْخَصَّافِ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، فَإِذَا سَمَّى مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ بُطُونٍ فَهِيَ وَقْفٌ مُؤَبَّدٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَبَقِيَ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ فَقِيلَ

(4/350)


وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ، وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ الثَّانِي أَحْوَطُ وَأَسْهَلُ بَحْرٌ وَفِي الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.

(وَإِذَا وَقَّتَهُ) بِشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ (بَطَلَ) اتِّفَاقًا دُرَرٌ وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ عَادَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ بِهِ يُفْتِي فَتْحٌ. قُلْت: وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِصِحَّةِ الْمَوْقُوفِ مُطْلَقًا فَتَنَبَّهْ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ

(فَإِذَا تَمَّ وَلَزِمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِتَأَبُّدِهِ مَسْجِدٌ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ يَصِحُّ اتِّفَاقًا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى مُلْهِمِ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ) مَعَ التَّصْرِيحِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَوْجَهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ.

(قَوْلُهُ: بَطَلَ اتِّفَاقًا) هَذَا إذَا شُرِطَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا عِنْدَ الْخَصَّافِ صَحِيحٌ مُؤَبَّدٌ عِنْدَ هِلَالٍ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ اعْتِمَادُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَهُوَ مِثْلُ مَا لَوْ وَقَفَهُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ، فَيَصِحُّ عِنْدَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ لَفْظَ صَدَقَةٍ يُفِيدُ التَّأْبِيدَ فَيَلْغُو التَّوْقِيتُ، أَمَّا إذَا شُرِطَ رُجُوعُهُ إلَيْهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ، فَقَدْ أَبْطَلَ التَّأْبِيدَ فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ، نَعَمْ ذُكِرَ فِي الْإِسْعَافِ عَنْ هِلَالٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ بَعْدَ مَوْتِي سَنَةً يَصِحُّ مُؤَبَّدًا إلَّا إذَا قَالَ فَإِذَا مَضَتْ السَّاعَةُ فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ فَهُوَ كَمَا شُرِطَ فَتَصِيرُ الْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ سَنَةً وَالْأَرْضُ مِلْكٌ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاطِ الْبُطْلَانِ خَرَجَتْ مِنْ الْوَقْفِ الْمُضَافِ اللَّازِمِ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَى الْوَصِيَّةِ الْمَحْضَةِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ) أَيْ مَقْرُونًا بِلَفْظِ صَدَقَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا كَمَا حَقَّقْنَاهُ قَرِيبًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى بُطْلَانِ الْوَقْفِ الْمُوَقَّتِ، بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ بَعْدَ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ بَلْ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِذَا وَقَّتَهُ لِيَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى أَبِي يُوسُفَ، لَكِنَّهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ، وَلِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَعُودُ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ لِلْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ مُوَقَّتًا لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، وَالتَّأْبِيدُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ فَلِذَا أَفَادَ فِي النَّهْرِ ضَعْفَ مَا هُنَا وَإِنْ نُقِلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْأَجْنَاسِ أَنَّهُ بِهِ يُفْتِي (قَوْلُهُ: قُلْت وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الدُّرَرِ بَطَلَ اتِّفَاقًا، وَعِبَارَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْ الدُّرَرِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ وَقْتًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ جَازَ الْوَقْفُ وَيَكُونُ وَقْفًا أَبَدًا. اهـ.
قُلْت: وَعَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الدُّرَرِ لَا يَرِدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ إلَيْهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِقَوْلِ الشَّارِحِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُفَسِّرُ الْإِطْلَاقَ بَلْ رُبَّمَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ شَرِطَ رُجُوعُهُ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَبْطُلُ اتِّفَاقًا كَمَا عَلِمْت، وَقَدْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ عَقِبَ عِبَارَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ شَهْرًا فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ كَانَ الْوَقْفُ بَاطِلًا فِي كُلِّ هِلَالٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَبَّدًا، فَإِذَا كَانَ التَّأْبِيدُ شَرْطًا لَا يَجُوزُ مُؤَقَّتًا اهـ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي قَوْلِ هِلَالٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ بَاطِلٌ مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْت آنِفًا، وَقَيَّدَ الصِّيغَةَ بِقَوْلِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِأَنَّهُ بِدُونِ لَفْظِ صَدَقَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا لَيْسَ صِيغَةَ الْوَقْفِ بَلْ حِكَايَةً عَنْ صِيغَةِ قَوْلِ الْوَاقِفِ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَنَحْوُهُ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّ وَلَزِمَ) لُزُومُهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الْمَارَّةِ عِنْدَهُمَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ وَالتَّأْبِيدِ لَفْظًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالتَّأْبِيدِ فَقَطْ وَلَوْ مَعْنَى كَمَا

(4/351)


لَا يُمَلَّكُ وَلَا يُمْلَكُ وَلَا يُعَارُ وَلَا يُرْهَنُ) فَبَطَلَ شَرْطُ وَاقِفِ الْكُتُبِ، الرَّهْنُ شَرْطٌ كَمَا فِي التَّدْبِيرِ

وَلَوْ سَكَنَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ وَقْفٌ أَوْ الصَّغِيرُ لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ قُنْيَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا يُمْلَكُ) أَيْ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِهِ وَلَا يُمَلَّكُ أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ لِغَيْرِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِ الْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يُعَارُ، وَلَا يُرْهَنُ لِاقْتِضَائِهِمَا الْمِلْكَ دُرَرٌ؛ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ تَمْلِيكِهِ مَا لَوْ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ اسْتِبْدَالَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَعَلَى بَيْعِ الْوَقْفِ إذَا افْتَقَرَ الْوَاقِفُ، لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْإِعَارَةِ مَا لَوْ كَانَ دَارًا مَوْقُوفَةً لِلسُّكْنَى؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَهُ الْإِعَارَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ لِلِاسْتِغْلَالِ.
قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَمَنْ وَقَفَ دُورَهُ لِلِاسْتِغْلَالِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا أَحَدٌ بِلَا أَجْرٍ اهـ وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَجَازَ بَيْعُ الْمُصْحَفِ الْمُخَرَّقِ وَشِرَاءُ آخَرَ بِثَمَنِهِ (قَوْلُهُ: فَبَطَلَ إلَخْ) لَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا يُرْهَنُ لِأَنَّهُ فِي رَهْنِ الْوَقْفِ لَا فِي الرَّهْنِ بِهِ، بَلْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا يُمَلَّكُ فَافْهَمْ وَوَجْهُهُ أَنَّ الرَّهْنَ حَبْسُ شَيْءٍ مَالِيٍّ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِالْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ لَوْ مُسَاوِيًا لِلرَّهْنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ وَالْوَقْفُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ وَلِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ. مَطْلَبٌ فِي شَرْطِ وَاقِفِ الْكُتُبِ أَنْ لَا تُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي الْقَوْلِ فِي الدَّيْنِ مَعْزِيًّا إلَى السُّبْكِيّ.
فَرْعٌ: حَدَثَ فِي الْأَعْصَارِ الْقَرِيبَةِ وَقْفُ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنْ لَا تُعَارَى إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا وَاَلَّذِي أَقُولُ هَذَا: إنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ بِهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ لَهَا عَارِيَّةٌ أَيْضًا بَلْ الْآخِذُ لَهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفُ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ وَيَدُهُ عَلَيْهَا فَشَرْطُ أَخْذِ الرَّهْنِ عَلَيْهَا فَاسِدٌ، وَإِنْ أَعْطَى كَانَ رَهْنًا فَاسِدًا، وَيَكُونُ فِي يَدِ خَازِنِ الْكُتُبِ أَمَانَةً هَذَا إنْ أُرِيدَ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ أُرِيدَ مَدْلُولُهُ لُغَةً وَأَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً فَيَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُ الْوَاقِفِ، فَالْأَقْرَبُ الْحَمْلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ وَفِي بَعْضِ الْأَوْقَافِ يَقُولُ لَا تُخْرَجُ إلَّا بِتَذْكِرَةٍ، فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنْ تَجُوزَ وَالْوَقْفُ الِانْتِفَاعُ مَشْرُوطٌ بِذَلِكَ، وَلَا نَقُولُ إنَّهَا تَبْقَى رَهْنًا بَلْ لَهُ أَخْذُهَا فَيُطَالِبُهُ الْخَازِنُ بِرَدِّ الْكِتَابِ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الرَّهْنِ وَلَا بَيْعُهُ، وَلَا بَدَلُ الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ بِتَلَفِهِ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ اهـ مُلَخَّصًا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ شَامِلٌ لِلْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ وَالرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ بَاطِلٌ، فَإِذَا هَلَكَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ كَالصَّحِيحِ، أَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَغَيْرُ بَعِيدٍ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ الْكُتُبِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ: وَيَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ. .

مَطْلَبٌ سَكَنَ دَارًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا سَكَنَ (قَوْلُهُ: لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ) بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ مَنَافِعَ الْعَقَارِ تُضْمَنُ إذَا كَانَ وَقْفًا أَوْ لِيَتِيمٍ أَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُفْتَى بِالضَّمَانِ إلَخْ وَبِهِ أَفْتَى الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ الدَّارَ سِنِينَ يَدَّعِي الْمِلْكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لِلْوَقْفِ لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا مَضَى اهـ ضَعِيفٌ، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَوُجُوبُ الْأُجْرَةِ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْعَافِ، أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ عِنْدَ

(4/352)


 [مَطْلَبٌ سَكَنَ دَارًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ]
(وَلَا يُقْسَمُ) بَلْ يَتَهَايَئُونَ (إلَّا عِنْدَهُمَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَسْأَلَةِ ابْنِ النَّقَّارِ فِي سِوَادَةِ الْفَصْلِ الْآتِي.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُقْسَمُ إلَّا عِنْدَهُمَا إلَخْ) أَيْ إذَا قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ وَقْفِ الْمَشَاعِ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ وَصَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَسَائِرُ الْمُخْتَلِفَاتِ، فَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْقِسْمَةَ فَعِنْدَهُ لَا يُقْسَمُ، وَيَتَهَايَئُونَ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ: أَيْ إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْوَاقِفِ وَالْمَالِكِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْأَرْبَابِ، فَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ لَا يُقْسَمُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ دُرَرٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا عِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْوَاقِفِ وَالْمَالِكِ لَا الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ. مَطْلَبٌ فِي التَّهَايُؤِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ
(قَوْلُهُ: بَلْ يَتَهَايَئُونَ) قَالَ فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ التَّهَايُؤِ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ أَرْضًا مَثَلًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ، فَتَرَاضَوْا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، يَأْخُذُ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ قِطْعَةً مُعَيَّنَةً يَزْرَعُهَا لِنَفْسِهِ هَذِهِ السَّنَةَ، ثُمَّ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى يَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمْ قِطْعَةً غَيْرَهَا، فَذَلِكَ سَائِغٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، فَلَهُمْ إبْطَالُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ بِقِسْمَةٍ إذْ الْقِسْمَةُ الْحَقِيقَةُ أَنْ يَخْتَصَّ بِبَعْضٍ مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الدَّوَامِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ، عَنْ الْإِسْعَافِ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ اسْتِدَامَةُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ نَقْضُهَا، وَاسْتِبْدَالُ الْأَمَاكِنِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إذْ لَوْ اُسْتُدِيمَتْ صَارَتْ مِنْ الْقِسْمَةِ الْمَمْنُوعَةِ بِالْإِجْمَاعِ، لِتَأَدِّيهَا فِي طُولِ الزَّمَانِ إلَى دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ، أَوْ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَوْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي الْوَقْفِ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَالْقِسْمَةُ فِي الْوَقْفِ مُتَعَذِّرَةٌ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ يُمْكِنُ نَقْضُهَا وَإِبْطَالُهَا بِإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ أَوْ بِاسْتِبْدَالِ الْأَمَاكِنِ كَمَا قُلْنَا، وَلَوْ ثَبَتَ عَدَمُ إمْكَانِ إبْطَالِهَا لَبَطَلَ مَا نَقَلُوهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ لَا يُقْسَمُ أَيْ قِسْمَةً مُسْتَدَامَةً، فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذَا كَلَامٌ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ التَّدَبُّرِ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ فَتَدَبَّرْ.
مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا ضَاقَتْ الدَّارُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ دَارًا شَرَطَ الْوَاقِفُ سُكْنَاهَا لِأَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: تَكُونُ سُكْنَاهَا لَهُمْ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلَوْ لَمْ يَبْقَ إلَّا وَاحِدٌ، وَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا أَوْ مَا فَضَلَ عَنْهُ مِنْهَا لَيْسَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ السُّكْنَى فَقَطْ، وَلَوْ كَثُرَتْ أَوْلَادُ الْوَاقِفِ، وَضَاقَتْ الدَّارُ عَلَيْهِمْ، لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُؤَجِّرُوهَا وَإِنَّمَا تَسْقُطُ سُكْنَاهَا عَلَى عَدَدِهِمْ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ سُكْنَاهَا، وَيَكُونُ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَلَوْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَأَرَادَ كُلٌّ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يُسْكِنُوا مَعَهُمْ نِسَاءَهُمْ وَأَزْوَاجَهُنَّ مَعَهُنَّ، جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ الدَّارُ ذَاتَ مَقَاصِيرَ وَحُجَرٍ يُغْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ بَابٌ، وَإِنْ كَانَتْ دَارًا وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُ أَنْ تَسْقُطَ بَيْنَهُمْ لَا يَسْكُنُهَا إلَّا مَنْ جَعَلَ لَهُمْ الْوَاقِفُ السُّكْنَى دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ نِسَاءِ الرِّجَالِ وَرِجَالِ النِّسَاءِ اهـ: أَيْ لِأَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ صِيَانَتَهُمْ، وَسَتْرَهُمْ، فَلَوْ سَكَنَ زَوْجُ امْرَأَةٍ مَعَهَا، وَلَهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ أَخَوَاتٌ مَثَلًا كَانَ فِيهِ بِذْلَةٌ لَهُنَّ بِدُخُولِ الرَّجُلِ عَلَيْهِنَّ، كَمَا فِي الْخَصَّافِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حُجْرَةٌ لَهَا بَابٌ يُغْلَقُ، فَإِنَّ لِكُلٍّ أَنْ يَسْكُنَ بِأَهْلِهِ وَحَشَمِهِ وَجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ كَمَا فِي الْخَصَّافِ أَيْضًا وَقَدَّمْنَا فِي السَّرِقَةِ: أَنَّ الْمَقْصُورَةَ الْحُجْرَةَ بِلِسَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَإِنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِيمَا لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ السَّرِقَةَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهَا مَقَاصِيرُ، فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَقْصُورَةٍ إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ، قَالَ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ: أَيْ إذَا

(4/353)


فَيُقْسَمُ الْمَشَاعُ وَبِهِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ (إذَا كَانَتْ) الْقِسْمَةُ (بَيْنَ الْوَاقِفِ وَ) شَرِيكِهِ (الْمَالِكِ) أَوْ لِوَاقِفِ الْآخَرِ أَوْ نَاظِرِهِ إنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ وَقْفِهِمَا قَارِئُ الْهِدَايَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً فِيهَا بُيُوتٌ كُلُّ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ أَهْلُ بَيْتٍ عَلَى حِدَتِهِمْ، وَيَسْتَغْنُونَ بِهِ اسْتِغْنَاءَ أَهْلِ الْمَنَازِلِ بِمَنَازِلِهِمْ عَنْ صَحْنِ الدَّارِ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَهُمْ بِالسِّكَّةِ اهـ وَهَلْ الْمُرَادُ هُنَا بِالْحُجْرَةِ، كَذَلِكَ الظَّاهِرُ نَعَمْ، كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْخَصَّافِ لِكُلٍّ أَنْ يَسْكُنَ فِي حُجْرَةٍ بِأَهْلِهِ وَحَشَمِهِ وَجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ.
ثُمَّ قَدْ صَرَّحَ الْخَصَّافُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَرٌ، لَا تُقْسَمُ، وَيَقَعُ فِيهَا مُهَايَأَةٌ بَيْنَهُمْ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا حُجَرٌ لَا تَكْفِيهِمْ، فَهِيَ كَذَلِكَ أَيْ يَسْكُنُهَا الْمُسْتَحِقُّونَ فَقَطْ، دُونَ نِسَاءِ الرِّجَالِ وَرِجَالِ النِّسَاءِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْخَصَّافِ، وَعَنْ هَذَا تَعْرِفُ أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ بَعْضُهُمْ، فَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ لَا يَسْتَوْجِبُ أُجْرَةَ حِصَّتِهِ عَلَى السَّاكِنِينَ، بَلْ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْكُنَ مَعَهُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ، بِلَا زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجٍ وَإِلَّا تَرَكَ الْمُتَضَيِّقَ وَخَرَجَ، أَوْ جَلَسُوا مَعًا كُلٌّ فِي بُقْعَةٍ إلَى جَنْبِ الْآخَرِ، ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّ الْخَصَّافَ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فِيمَا ذُكِرَ كَيْفَ وَقَدْ نَقَلُوا إجْمَاعَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَيْ عَلَى قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ الْكُلُّ وَقْفًا عَلَى أَرْبَابِهِ وَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ اهـ لَكِنْ هَذَا يُشْكَلُ عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ بَلْ يَتَهَايَئُونَ وَالتَّوْفِيقُ كَمَا أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِحَمْلِ مَا فِي الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ، وَالتَّهَايُؤُ عَلَى الْقِسْمَةِ تَمَلُّكٌ جَبْرًا، وَمَا فِي الشَّرْحِ تَبَعًا لِلْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ، عَلَى قِسْمَةِ التَّرَاضِي بِلَا لُزُومٍ، وَلِذَا قَالُوا وَلِمَنْ أَبَى مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ.
مَطْلَبٌ فِي قِسْمَةِ الْوَاقِفِ مَعَ شَرِيكِهِ (قَوْلُهُ: فَيُقْسَمُ الْمَشَاعُ) فَإِذَا تَقَاسَمَ الْوَاقِفُ مَعَ شَرِيكِهِ، فَوَقَعَ نَصِيبُ الْوَاقِفِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِفَهُ ثَانِيًا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَعْيِينُ الْمَوْقُوفِ، وَإِذَا أَرَادَ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْخِلَافِ يَقِفُ الْمَقْسُومُ ثَانِيًا بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ: أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ، إذْ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَبْقَ خِلَافٌ. مَطْلَبٌ قَاسَمَ وَجَمَعَ حِصَّةَ الْوَقْفِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ جَازَ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْضُونَ وَدُورٌ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ آخَرَ فَوَقَفَ نَصِيبَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقَاسِمَ شَرِيكَهُ، وَيَجْمَعَ الْوَقْفَ كُلَّهُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَدَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ. اهـ. مَطْلَبٌ لَوْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ فَضْلُ دَرَاهِمَ مِنْ الْوَقْفِ صَحَّ لَا مِنْ الشَّرِيكِ
وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ دَرَاهِمُ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ النِّصْفَيْنِ أَجْوَدَ، فَجُعِلَ بِإِزَاءِ الْجَوْدَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ لِلدَّرَاهِمِ هُوَ الْوَاقِفَ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ الْوُقُوفِ هُوَ الْأَحْسَنَ، لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَائِعًا بَعْضَ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ شَرِيكَهُ بِأَنْ كَانَ نَصِيبُ الْوَقْفِ أَحْسَنَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ مُشْتَرٍ لَا بَائِعٌ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بَعْضَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَوَقَفَهُ اهـ لَكِنْ فِي الْإِسْعَافِ، وَمَا اشْتَرَاهُ مِلْكٌ لَهُ وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ إذَا وَقَفَ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى حِدَةٍ صَارَا وَقْفَيْنِ
(قَوْلُهُ: إنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ وَقْفِهِمَا) أَيْ بِأَنْ كَانَ كُلُّ وَقْفٍ مِنْهُمَا غَيْرَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، لَكِنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَقَفَ نِصْفَ أَرْضِهِ عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ لِزَيْدٍ

(4/354)


وَلَوْ وَقَفَ نِصْفَ عَقَارٍ كُلُّهُ لَهُ فَالْقَاضِي يَقْسِمُهُ مَعَ الْوَاقِفِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ الْكَمَالِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ ذَلِكَ فَيُفْرِزُ الْقَاضِي الْوَقْفَ مِنْ الْمِلْكِ، وَلَهُمْ بَيْعُهُ بِهِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ (لَا الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ) فَلَا يُقْسَمُ الْوَقْف بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ إجْمَاعًا دُرَرٌ وَكَافِيٌّ وَخُلَاصَةٌ وَغَيْرُهَا لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَيْسَ فِي الْعَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي فَتَاوَاهُ، وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ، وَلَوْ سَكَنَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ فَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ وَلَا لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَسْتَعْمِلُ بِقَدْرِ مَا اسْتَعْمَلْته لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قُنْيَةٌ نَعَمْ لَوْ اسْتَعْمَلَهُ كُلَّهُ أَحَدُهُمْ بِالْغَلَبَةِ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ، لَزِمَهُ أَجْرُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ وَقْفًا عَلَى سُكْنَاهُمَا بِخِلَافِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ وَلَوْ مُعَدًّا لِلْإِجَارَةِ قُنْيَةٌ. قُلْت: وَلَوْ بَعْضُهُ مِلْكٌ وَبَعْضُهُ وَقْفٌ وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ.

(وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، ثُمَّ وَقَفَ النِّصْفَ الْآخَرَ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ لِعَمْرٍو فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَا وَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ فَيَكُونَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى حِدَةٍ صَارَا وَقْفَيْنِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِشَرِيكَيْنِ فَوَقَفَاهَا كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْقَاضِي يَقْسِمُهُ مَعَ الْوَاقِفِ) أَيْ بِأَنْ يَأْمُرَ رَجُلًا بِأَنْ يُقَاسِمَهُ وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ الثَّانِيَ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يُقَاسِمَ الْمُشْتَرِيَ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ مِنْهُ إنْ أَحَبَّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا اهـ (قَوْلُهُ: بِهِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ) حَيْثُ قَالَ نَعَمْ تَجُوزُ الْقِسْمَةُ وَيُفْرَزُ الْوَقْفُ مِنْ الْمِلْكِ، وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا وَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ مَا صَارَ إلَيْهِمْ بِالْقِسْمَةِ، وَإِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالْقِسْمَةِ إنْ شَاءَ عَيَّنَ جِهَةَ الْوَقْفِ وَجِهَةَ الْمِلْكِ بِقَوْلِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَ الْجُزْأَيْنِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَقْسِمُ الْوَقْفَ بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ إجْمَاعًا) وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِ جَبْرًا كَمَا حَرَّرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ) هَذَا ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ) مَفْهُومُهُ ثُبُوتُ الْمُهَايَأَةِ لَهُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا مُهَايَأَةَ فِي الْوَقْفِ. نَعَمْ هَذَا فِي الْمِلْكِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ الْوَقْفِ نَظْمًا (قَوْلُهُ لَزِمَهُ أَجْرُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ بِالْغَلَبَةِ صَارَ غَاصِبًا، وَمَنَافِعُ الْوَقْفِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ؛ لِأَنَّ السَّاكِنَ فِيهَا غَيْرُ غَاصِبٍ، كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ وَالْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقْفًا عَلَى سُكْنَاهُمَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَيْسَ لَهُ الْإِيجَارُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ لِأَنَّ هَذَا تَضْمِينٌ لَا إيجَارٌ قَصْدِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ بَيْنَ بَالِغَيْنِ فَلَوْ أَحَدُهُمَا يَتِيمًا وَسَكَنَهُ الْآخَرُ، لَزِمَهُ أَجْرُ حِصَّةِ الْيَتِيمِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُعَدًّا لِلْإِجَارَةِ) لِأَنَّهُ سَكَنَهُ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ اهـ ح (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْضُهُ مِلْكٌ وَبَعْضُهُ وَقْفٌ) جُمْلَةُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ وَاسْمُهَا مُسْتَتِرٌ فِيهَا عَائِدٌ عَلَى الْمَكَانِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ، وَالْوَلُوعُ بِالِاعْتِرَاضِ يَمْنَعُ الِاهْتِدَاءَ إلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ وَاوٍ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ لَوْ الْأَخِيرَةِ، لَكِنَّ نَسْخَ إثْبَاتِهَا أَحْسَنُ لِأَنَّ غَالِبَ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ مَسَائِلِ الْغَصْبِ، يَأْتِي فِي بَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَخِيرَةُ لَمْ تَذْكُرْ فِيهِ نَصًّا لَكِنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا هُنَاكَ عَلَى تَضْمِينِ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُ مِلْكًا عَلَى أَنَّهُ فِي الْغَصْبِ، قَالَ: أَمَّا فِي الْوَقْفِ إذَا سَكَنَهُ أَحَدُهُمَا بِالْغَلَبَةِ بِلَا إذْنٍ لَزِمَ الْآخَرَ. اهـ.
قَوْلُهُ: إذَا سَكَنَهُ أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، يَشْمَلُ الشَّرِيكَ فِي الْمِلْكِ أَوْ فِي الْوَقْفِ، وَاحْتُرِزَ بِالْغَلَبَةِ عَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ شَرِيكُ الْوَقْفِ مَوْضِعًا يَسْكُنُ فِيهِ فَخَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا وَقْفًا، فَإِنَّ السَّاكِنَ يَلْزَمُهُ أَجْرُهَا، وَلَوْ كَانَتْ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ كَمَا إذَا اشْتَرَاهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ كَمَا قَدَّمْنَا.

(قَوْلُهُ: وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْجِدَ يُخَالِفُ سَائِرَ الْأَوْقَافِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي

(4/355)


وَالْمُصَلَّى) بِالْفِعْلِ وَ (بِقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا) عِنْدَ الثَّانِي (وَشَرَطَ مُحَمَّدٌ) وَالْإِمَامُ (الصَّلَاةَ فِيهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي مَنْعِ الشُّيُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُصَلَّى) شَمِلَ مُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَمُصَلَّى الْعِيدِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ مَسْجِدًا حَتَّى إذَا مَاتَ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ، أَمَّا مُصَلَّى الْعِيدِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُعْطَى لَهُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الصُّفُوفِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ مَسْجِدًا حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ وَهُوَ وَالْجَبَّانَةُ سَوَاءٌ، وَيُجَنَّبُ هَذَا الْمَكَانُ عَمَّا يُجَنَّبُ عَنْهُ الْمَسَاجِدُ احْتِيَاطًا. اهـ. خَانِيَّةٌ وَإِسْعَافٌ وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ يُقَدَّمُ الْأَشْهَرُ (قَوْلُهُ بِالْفِعْلِ) أَيْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ فَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى إنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا خِلَافٍ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُلْتَقَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ لَا يَزُولُ بِدُونِهِ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ يَزُولُ بِالْفِعْلِ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ اهـ. مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ قُلْت: وَفِي الذَّخِيرَةِ وَبِالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ يَقَعُ التَّسْلِيمُ بِلَا خِلَافٍ، حَتَّى إنَّهُ إذَا بَنَى مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا اهـ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْفِعْلِ الْإِفْرَازُ، وَيَكُونَ بَيَانًا لِلشَّرْطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَوْ كَانَ مَشَاعًا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ: جَعَلْته مَسْجِدًا وَلَيْسَتْ الْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ فَافْهَمْ، لَكِنَّ عِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَازِهِ بِطَرِيقَةٍ فَفِي النَّهْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ إنْ شَرَطَ مَعَهُ الطَّرِيقَ صَارَ مَسْجِدًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَصِيرُ مَسْجِدًا وَيَصِيرُ الطَّرِيقُ مِنْ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَمَا لَوْ آجَرَ أَرْضَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الطَّرِيقَ اهـ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ إفْرَازِهِ أَيْ تَمْيِيزِهِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلَوْ كَانَ الْعُلُوُّ مَسْجِدًا وَالسُّفْلُ حَوَانِيتَ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ كَمَا فِي الْكَافِي. [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مُفَادَ كَلَامِ الْحَاوِي اشْتِرَاطُ كَوْنِ أَرْضِ الْمَسْجِدِ مِلْكًا لِلْبَانِي اهـ لَكِنْ ذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ جَوَازَهُ عَلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَخْذًا مِنْ جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ، وَسُئِلَ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَمَّنْ جَعَلَ بَيْتَ شَعْرٍ مَسْجِدًا فَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ مُحَمَّدٌ وَالْإِمَامُ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ مَعَ الْإِفْرَازِ كَمَا عَلِمْته وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا اُحْتِيجَ فِي لُزُومِهِ إلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ، بَلْ عَنْ الْإِبْقَاءِ فِيهِ، لِتَحْصُلَ الْغَلَّةُ عَلَى مِلْكِهِ، فَيَتَصَدَّقُ بِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: جَعَلْته مَسْجِدًا، فَإِنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ لِيَحْتَاجَ إلَى الْقَضَاءِ بِزَوَالِهِ، فَإِذَا أَذِنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، قَضَى الْعُرْفُ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ وَقَفْت وَنَحْوِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْته مَسْجِدًا، وَلَمْ يَأْذَنْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا حُكْمٍ وَهُوَ بَعِيدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا قَالَ جَعَلْته مَسْجِدًا فَالْعُرْفُ قَاضٍ، وَمَاضٍ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَرَدَّدَ فِيهِ نَهْرٌ.
قُلْت يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَوْلِ عِنْدَهُ، وَهُوَ خِلَافُ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ تَأَمَّلْ وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَقَدَّمَ

(4/356)


بِجَمَاعَةٍ وَقِيلَ: يَكْفِي وَاحِدٌ وَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ.

[فَرْعٌ] أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءَهُ أَحْكَمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبَانِيَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِلَّا لَا بَزَّازِيَّةٌ.

(وَإِذَا جَعَلَ تَحْتَهُ سِرْدَابًا لِمَصَالِحِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (جَازَ) كَمَسْجِدِ الْقُدْسِ (وَلَوْ جَعَلَ لِغَيْرِهَا أَوْ) جَعَلَ (فَوْقَهُ بَيْتًا وَجَعَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى طَرِيقٍ وَعَزَلَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا) يَكُونُ مَسْجِدًا.

(وَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ) خِلَافًا لَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي التَّنْوِيرِ وَالدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلِمْت أَرْجَحِيَّتَهُ فِي الْوَقْفِ وَالْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِجَمَاعَةٍ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَتَسْلِيمُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَفِي الْمَقْبَرَةِ بِدَفْنِ وَاحِدٍ وَفِي السِّقَايَةِ بِشُرْبِهِ وَفِي الْخَانِ بِنُزُولِهِ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ، وَاشْتِرَاطُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا شُرِطَ أَنْ تَكُونَ جَهْرًا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ مَسْجِدًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ اتَّحَدَ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ وَصَلَّى فِيهِ وَحْدَهُ صَارَ مَسْجِدًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْجَمَاعَةِ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ التَّسْلِيمِ، عَلِمْت أَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي يَكُونُ مَسْجِدًا دُونَهَا: أَيْ دُونَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ يَحْصُلُ تَمَامُ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ تَعَالَى، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَهُ إلَى الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَقِيلَ لَا وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَكْفِي وَاحِدٌ) لَكِنْ لَوْ صَلَّى الْوَاقِفُ وَحْدَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِأَجْلِ الْقَبْضِ لِلْعَامَّةِ، وَقَبْضُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفِي فَكَذَا صَلَاتُهُ فَتْحٌ وَإِسْعَافٌ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ) وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ كَالْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ فَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا.

[فَرْعٌ أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءَهُ أَحْكَمَ مِنْ الْأَوَّلِ]
(قَوْلُهُ: أَنَّ الْبَانِيَ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوَّلًا، لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يُرَادَ مُرِيدُ الْبِنَاءِ الْآنَ وَفِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ: مَسْجِدٌ مَبْنِيٌّ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيَبْنِيَهُ أَحْكَمَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ مُضْمَرَاتٌ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَنْهَدِمَ، إنْ لَمْ يُهْدَمْ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَتَأْوِيلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْبَانِي مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ، وَأَمَّا أَهْلُهَا فَلَهُمْ أَنْ يَهْدِمُوهُ وَيُجَدِّدُوا بِنَاءَهُ وَيَفْرِشُوا الْحَصِيرَ، وَيُعَلِّقُوا الْقَنَادِيلَ، لَكِنْ مِنْ مَالِهِمْ لَا مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي خُلَاصَةٌ، وَيَضَعُوا حِيضَانَ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمَسْجِدِ بَانٍ فَإِنْ عُرِفَ فَالْبَانِي أَوْلَى، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ مَنْعُهُمْ مِنْ نَقْضِهِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ، وَلِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ تَحْوِيلُ بَابِ الْمَسْجِدِ خَانِيَّةٌ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى لَهُمْ تَحْوِيلُ الْمَسْجِدِ إلَى مَكَان آخَرَ إنْ تَرَكُوهُ بِحَيْثُ لَا يُصَلَّى فِيهِ، وَلَهُمْ بَيْعُ مَسْجِدٍ عَتِيقٍ لَمْ يُعْرَفْ بَانِيهِ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ. اهـ. سَائِحَانِيٌّ. اهـ.
قُلْت: وَفِي الْهِنْدِيَّةِ آخِرَ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ نَقْلًا عَنْ الْكُبْرَى: أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَفِيهِ نَفْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَهُ ذَلِكَ كَذَا قَالَ هُنَا وَذُكِرَ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ لَا يَحْفِرُ، وَيَضْمَنُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْمَذْكُورِ هُنَا اهـ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ جُمْلَةٌ وَافِيَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا جَعَلَ تَحْتَهُ سِرْدَابًا) جَمْعُهُ سَرَادِيبُ، بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِغَرَضِ تَبْرِيدِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَشَرَطَ فِي الْمِصْبَاحِ أَنْ يَكُونَ ضَيِّقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ جَعَلَ فَوْقَهُ بَيْتًا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْإِسْعَافِ فَقَالَ: وَإِذَا كَانَ السِّرْدَابُ أَوْ الْعُلُوُّ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَا وَقْفًا عَلَيْهِ صَارَ مَسْجِدًا. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.

(4/357)


(كَمَا لَوْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ) حَيْثُ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا إلَّا إذَا شُرِطَ الطَّرِيقُ زَيْلَعِيٌّ. .

[فَرْعٌ] لَوْ بَنَى فَوْقَهُ بَيْتًا لِلْإِمَامِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ، أَمَّا لَوْ تَمَّتْ الْمَسْجِدِيَّةُ ثُمَّ أَرَادَ الْبِنَاءَ مُنِعَ وَلَوْ قَالَ عَنَيْت ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ تَتَارْخَانِيَّةٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ هَدْمُهُ وَلَوْ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْهُ مُسْتَغَلًّا وَلَا سُكْنَى بَزَّازِيَّةٌ.

(وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي) أَبَدًا إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ (وَبِهِ يُفْتِي) حَاوِي الْقُدْسِيِّ (وَعَادَ إلَى الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ الْبَانِي أَوْ وَرَثَتِهِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ مَسْجِدًا أَنْ يَكُونَ سِفْلُهُ وَعُلُوُّهُ مَسْجِدًا لِيَنْقَطِعَ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18]- بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السِّرْدَابُ وَالْعُلُوُّ مَوْقُوفًا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، فَهُوَ كَسِرْدَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُنَاكَ رِوَايَاتٌ ضَعِيفَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ جُعِلَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ خِلَافَهُمَا أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَنَحْوِهِ فِي الْهِدَايَةِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِيَكُونَ رَاجِعًا لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: وَأَذِنَ لِلصَّلَاةِ) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ لَا صِلَةَ أَذِنَ، وَالْأَوْضَحُ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَالْمُرَادُ الْإِذْنُ مَعَ الصَّلَاةِ إذَا لَوْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ لَا يَصِحُّ فِي الْمَسْجِدِ الْفَرْزُ فَهُنَا أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى.

[فَرْعٌ بِنَاء بيتا لِلْإِمَامِ فَوْق الْمَسْجِد]
(قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ تَمَّتْ الْمَسْجِدِيَّةُ) أَيْ بِالْقَوْلِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ أَوْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا ط وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ كَانَ حِينَ بَنَاهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَبْنِي لَا بِتَرْكٍ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا لَوْ تَمَّتْ الْمَسْجِدِيَّةُ، ثُمَّ أَرَادَ هَدْمَ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة ذِكْرُ الْهَدْمِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ وَالْإِشَارَةِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْبِنَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ) مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ شَيْئًا. اهـ. ط وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَهُ وَلَا يُوضَعُ الْجِذْعُ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْقَافِهِ. اهـ.
قُلْت: وَبِهِ حُكْمُ مَا يَصْنَعُهُ بَعْضُ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ مِنْ وَضْعِ جُذُوعٍ عَلَى جِدَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَلَوْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ (قَوْلُهُ: وَلَا أَنْ يَجْعَلَ إلَخْ) هَذَا ابْتِدَاءً عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَغِلِّ أَنْ يُؤَجَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَجْلِ عِمَارَتِهِ وَبِالسُّكْنَى مَحَلُّهَا وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ، وَلَا مَسْكَنًا وَقَدْ رُدَّ فِي الْفَتْحِ مَا بَحَثَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ الْمَسْجِدُ إلَى نَفَقَةٍ تُؤَجَّرُ قِطْعَةٌ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. قُلْت: وَبِهَذَا عُلِمَ أَيْضًا حُرْمَةُ إحْدَاثِ الْخَلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ كَاَلَّتِي فِي رِوَاقِ الْمَسْجِدِ الْأُمَوِيِّ، وَلَا سِيَّمَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَقْذِيرِ الْمَسْجِدِ بِسَبَبِ الطَّبْخِ وَالْغَسْلِ وَنَحْوِهِ وَرَأَيْت تَأْلِيفًا مُسْتَقِلًّا فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. .

مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ أَوْ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ) أَيْ وَلَوْ مَعَ بَقَائِهِ عَامِرًا وَكَذَا لَوْ خَرِبَ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعْمَرُ بِهِ وَقَدْ اسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي) فَلَا يَعُودُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، سَوَاءٌ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ أَوْ لَا وَهُوَ الْفَتْوَى حَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَيْهِ مُجْتَبَى وَهُوَ الْأَوْجَهُ فَتْحٌ. اهـ. بَحْرٌ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: وَعَادَ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ)

(4/358)


وَعَنْ الثَّانِي يُنْقَلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ بِإِذْنِ الْقَاضِي (وَمِثْلُهُ) فِي الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ (حَشِيشُ الْمَسْجِدِ وَحُصْرُهُ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا وَ) كَذَا (الرِّبَاطُ وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِمَا فَيُصْرَفُ وَقْفُ الْمَسْجِدِ وَالرِّبَاطِ وَالْبِئْرِ) وَالْحَوْضِ (إلَى أَقْرَبِ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ بِئْرٍ) أَوْ حَوْضٍ (إلَيْهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا دُرَرٌ وَفِيهَا: وَقْفُ ضَيْعَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَسَلَّمَهَا لِلْمُتَوَلِّي ثُمَّ قَالَ لِوَصِيِّهِ: أَعْطِ مِنْ غَلَّتِهَا فُلَانًا كَذَا وَفُلَانًا كَذَا لَمْ يَصِحَّ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّسْجِيلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا انْهَدَمَ الْوَقْفُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْغَلَّةُ مَا يُعْمَرُ بِهِ، فَيَرْجِعُ إلَى الْبَانِي أَوْ وَرَثَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا مِلْكُهُ مَا خَرَجَ عَنْ الِانْتِفَاعِ الْمَقْصُودِ لِلْوَاقِفِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَحَانُوتٍ احْتَرَقَ، وَلَا يُسْتَأْجَرُ بِشَيْءٍ وَرِبَاطٍ وَحَوْضِ مَحَلَّةٍ خَرِبٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعَمَّرُ بِهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مُعَدًّا لِلْغَلَّةِ فَلَا يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ إلَّا نَقْضُهُ وَتَبْقَى سَاحَتُهُ وَقْفًا تُؤَجَّرُ وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ بِخِلَافِ الرِّبَاطِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ لِلسُّكْنَى وَامْتَنَعَتْ بِانْهِدَامِهِ.
أَمَّا دَارُ الْغَلَّةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَخْرَبُ وَتَصِيرُ كَوْمًا وَهِيَ بِحَيْثُ لَوْ نُقِلَ نَقْضُهَا يَسْتَأْجِرُ أَرْضَهَا مَنْ يَبْنِي أَوْ يَغْرِسُ وَلَوْ بِقَلِيلٍ فَيُغْفَلُ عَنْ ذَلِكَ وَتُبَاعُ لِوَاقِفِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْهَا إلَّا النَّقْضُ وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ لِلْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِمَادُهُ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الثَّانِي إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْإِسْعَافِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ، وَمَا حَوْلَهُ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُبَاعُ نَقْضُهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَى بَعْضِ الْمَسَاجِدِ اهـ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ حَشِيشُ الْمَسْجِدِ إلَخْ) أَيْ الْحَشِيشُ الَّذِي يُفْرَشُ بَدَلَ الْحُصُرِ، كَمَا يُفْعَلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَبِلَادِ الصَّعِيدِ كَمَا أَخْبَرَنِي بِهِ بَعْضُهُمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَعَلَى هَذَا حَصِيرُ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشُهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَالِكِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُنْقَلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الرِّبَاطُ وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا اهـ وَصَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي آلَاتِ الْمَسْجِدِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي تَأْبِيدِ الْمَسْجِدِ اهـ وَالْمُرَادُ بِآلَاتِ الْمَسْجِدِ نَحْوُ الْقِنْدِيلِ وَالْحَصِيرِ، بِخِلَافِ أَنْقَاضِهِ لِمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَعُودُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الرِّبَاطُ) هُوَ الَّذِي يُبْنَى لِلْفُقَرَاءِ بَحْرٌ عَنْ الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: إلَى أَقْرَبِ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ وَقْفِ مَسْجِدٍ خَرِبٍ إلَى حَوْضٍ وَعَكْسُهُ وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى يُصْرَفُ وَقْفُهَا لِأَقْرَبِ مُجَانِسٍ لَهَا. اهـ. ط.
(قَوْلُهُ: تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهَا) أَيْ قَوْلُهُ فَيُصْرَفُ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ يَبْقَى مَسْجِدًا أَبَدًا لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي: نَعَمْ هَذَا التَّفْرِيعُ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ جَزَمَ بِهَا فِي الْإِسْعَافِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رِبَاطٌ بَعِيدٌ اسْتَغْنَى عَنْهُ الْمَارَّةُ وَبِجَنْبِهِ رِبَاطٌ آخَرُ قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو الشُّجَاعِ: تُصْرَفُ غَلَّتُهُ إلَى الرِّبَاطِ الثَّانِي كَالْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي فَبَاعَ الْخَشَبَ وَصَرَفَ الثَّمَنَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ جَازَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ مِيرَاثًا وَكَذَا حَوْضُ الْعَامَّةِ إذَا خَرِبَ اهـ وَنُقِلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْجِدٍ أَوْ حَوْضٍ خَرِبَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْهُ هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَصْرِفَ أَوْقَافَهُ إلَى مَسْجِدٍ أَوْ حَوْضٍ آخَرَ: فَقَالَ: نَعَمْ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ اعْتَرَضَ فِيهَا مَا فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ وَبِذَلِكَ تُعْلَمُ فَتْوَى بَعْضِ مَشَايِخِ عَصْرِنَا بَلْ وَمَنْ قَبْلَهُمْ كَالشَّيْخِ الْإِمَامِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ وَالشَّيْخِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الشَّلَبِيِّ وَالشَّيْخِ زَيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْوَفَائِيِّ فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِنَقْلِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِنَقْلِهِ وَنَقْلِ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَقَدْ مَشَى الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ عَدَمِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يُوَافِقْ الْمَذْكُورِينَ. اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّ هَذَا فِي

(4/359)


فَلَوْ قَبِلَهُ صَحَّ. قُلْت: لَكِنْ سَيَجِيءُ مَعْزِيًّا لِفَتَاوَى مُؤَيَّدٍ زَادَهْ أَنَّ لِلْوَاقِفِ الرُّجُوعَ فِي الشُّرُوطِ، وَلَوْ مُسَجَّلًا

(اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ وَقَلَّ مَرْسُومُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) بِسَبَبِ خَرَابِ وَقْفِ أَحَدِهِمَا (جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ الْوَقْفِ الْآخَرِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ.

(وَإِنْ اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا) بِأَنْ بَنَى رَجُلَانِ مَسْجِدَيْنِ أَوْ رَجُلٌ مَسْجِدًا وَمَدْرَسَةً وَوَقَفَ عَلَيْهِمَا أَوْقَافًا (لَا) يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ حَوْضٍ وَبِئْرٍ وَرِبَاطٍ وَدَابَّةٍ وَسَيْفٍ بِثَغْرٍ وَقِنْدِيلٍ وَبِسَاطٍ وَحَصِيرِ مَسْجِدٍ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا جَوَازُ نَقْلِهَا اهـ.
مَطْلَبٌ فِي نَقْلِ أَنْقَاضِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ قُلْت: لَكِنَّ الْفَرْقَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي مُتَابَعَةُ الْمَشَايِخِ الْمَذْكُورِينَ فِي جَوَازِ النَّقْلِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مَسْجِدٍ أَوْ حَوْضٍ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ أَبُو شُجَاعٍ وَالْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً، وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ الْمَسْجِدَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ رِبَاطٍ أَوْ حَوْضٍ إذَا لَمْ يُنْقَلْ يَأْخُذُ أَنْقَاضَهُ اللُّصُوصُ وَالْمُتَغَلَّبُونَ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَكَذَلِكَ أَوْقَافُهُ يَأْكُلُهَا النُّظَّارُ أَوْ غَيْرُهُمْ، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النَّقْلِ خَرَابُ الْمَسْجِدِ الْآخَرِ الْمُحْتَاجِ إلَى النَّقْلِ إلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ سُئِلْت عَنْهَا فِي أَمِيرٍ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ بَعْضَ أَحْجَارِ مَسْجِدٍ خَرَابٍ فِي سَفْحِ قَاسِيُونَ بِدِمَشْقَ لِيُبَلِّطَ بِهَا صَحْنَ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ فَأَفْتَيْت بِعَدَمِ الْجَوَازِ مُتَابَعَةً لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُتَغَلِّبِينَ أَخَذَ تِلْكَ الْأَحْجَارَ لِنَفْسِهِ، فَنَدِمْت عَلَى مَا أَفْتَيْت بِهِ، ثُمَّ رَأَيْت الْآنَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ رَحَلُوا وَتَدَاعَى مَسْجِدُهَا إلَى الْخَرَابِ، وَبَعْضُ الْمُتَغَلِّبَةِ يَسْتَوْلُونَ عَلَى خَشَبِهِ، وَيَنْقُلُونَهُ إلَى دُورِهِمْ هَلْ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَبِيعَ الْخَشَبَ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَيُمْسِكَ الثَّمَنَ لِيَصْرِفَهُ إلَى بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَوْ إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ؟
قَالَ: نَعَمْ وَحَكَى أَنَّهُ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ الْأَجَلِّ فِي رِبَاطٍ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ خَرِبَ، وَلَا يَنْتَفِعُ الْمَارَّةُ بِهِ وَلَهُ أَوْقَافٌ عَامِرَةٌ فَسُئِلَ هَلْ يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى رِبَاطٍ آخَرَ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِ قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ الْوَاقِفَ غَرَضُهُ انْتِفَاعُ الْمَارِّ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ التَّسْجِيلِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ لَا مُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ الَّذِي فِي صَدْرِ الْعِبَارَةِ، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بَعْدَ لُزُومِ الْوَقْفِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَلِذَا لَمْ يُذْكَرْ التَّسْجِيلُ فِي الْخَانِيَّةِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَفَ ضَيْعَةً فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ قَالَ لِوَصِيِّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ: أَعْطِ مِنْ غَلَّتِهَا لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا فَجَعْلُهُ لِأُولَئِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ إلَّا إذَا شَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَصْرِفَ غَلَّتَهَا إلَى مَنْ شَاءَ اهـ وَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَقًّا لَازِمًا لِفُلَانٍ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَوْ كَانَ فُلَانٌ فَقِيرًا لَا يَلْزَمُ إعْطَاؤُهُ بَلْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ) أَيْ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ) بِأَنْ وَقَفَ وَقْفَيْنِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْعِمَارَةِ وَالْآخَرُ إلَى إمَامِهِ أَوْ مُؤَذِّنِهِ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ لَا يَسْتَقِرُّ لِقِلَّةِ الْمَرْسُومِ لِلْحَاكِمِ الدَّيْنُ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ وَقْفِ الْمَصَالِحِ، وَالْعِمَارَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ بِاسْتِصْوَابِ أَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إنْ كَانَ الْوَقْفُ مُتَّحِدًا لِأَنَّ غَرَضَهُ إحْيَاءُ وَقْفِهِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَا قُلْنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْقَاضِي دُونَ النَّاظِرِ (قَوْلُهُ: بِسَبَبِ خَرَابِ وَقْفِ أَحَدِهِمَا) أَيْ خَرَابِ أَمَاكِنِ أَحَدِ الْوَقْفَيْنِ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ بَنَى رَجُلَانِ مَسْجِدَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ اخْتِلَافِهِمَا مَعًا أَمَّا اخْتِلَافُ الْوَاقِفِ فَفِيمَا إذَا وَقَفَ رَجُلَانِ وَقْفَيْنِ عَلَى مَسْجِدٍ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ

(4/360)


(وَلَوْ وَقَفَ الْعَقَارُ بِبَقَرِهِ وَأَكْرَتْهُ) بِفَتْحَتَيْنِ عَبِيدُهُ الْحَرَّاثُونَ (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا تَبَعًا لِلْعَقَارِ

[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ]
وَجَازَ وَقْفُ الْقِنِّ عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ خُلَاصَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَيْ الصَّرْفُ الْمَذْكُورُ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ هَذَا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَسْجِدٌ لَهُ أَوْقَافٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا بَأْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَخْلِطَ غَلَّتَهَا كُلَّهَا، وَإِنْ خَرِبَ حَانُوتٌ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ بِعِمَارَتِهِ مِنْ غَلَّةِ حَانُوتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لِلْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: وَمِنْ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ مَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ مَنْزِلَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلسُّكْنَى وَالْآخَرُ لِلِاسْتِغْلَالِ فَلَا يُصْرَفُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى. اهـ.

مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَفَ الْعَقَارُ) هُوَ الْأَرْضُ مَبْنِيَّةٌ أَوْ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ فَتْحٌ وَفِي الْقَامُوسِ هُوَ الضَّيْعَةُ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بِبَقَرِهِ إلَخْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: عَبِيدُهُ الْحَرَّاثُونَ) الْأَكَرَةُ الْحَرَّاثُونَ مِنْ أَكَرْت الْأَرْضَ حَرَثْتهَا وَاسْمُ الْفَاعِلِ أَكَّارٌ لِلْمُبَالَغَةِ مِصْبَاحٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا عَبِيدَهُ صَحَّ وَقْفُهُمْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَكَذَا آلَاتُ الْحِرَاثَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: صَحَّ اسْتِحْسَانًا إلَخْ) فَإِنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ مِنْ الْحُكْمِ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا كَالشِّرْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْبِنَاءِ فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ إفْرَادَ بَعْضِ الْمَنْقُولِ بِالْوَقْفِ فَالتَّبَعُ أَوْلَى. قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ دُونَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا لِلشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ كَالْإِجَارَةِ، وَلَوْ جَعَلَهَا مَقْبَرَةً وَفِيهَا أَشْجَارٌ عِظَامٌ وَأَبْنِيَةٌ لَا يَدْخُلُ، وَلَوْ زَادَ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ بِحُقُوقِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا وَعَلَى الشَّجَرَةِ ثَمَرَةٌ قَائِمَةٌ يَوْمَ الْوَقْفِ قَالَ هِلَالٌ: لَا تَدْخُلُ قِيَاسًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ لَا الْوَقْفِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا تَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا أَوْلَى خُصُوصًا إذَا زَادَ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا وَلَوْ وَقَفَ دَارًا بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَفِيهَا حَمَامَاتٌ يَطِرْنَ أَوْ بَيْتًا وَفِيهِ كُورَاتُ عَسَلٍ يَدْخُلُ الْحَمَامُ وَالنَّحْلُ تَبَعًا لِلدَّارِ وَالْعَسَلِ كَمَا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةً وَذَكَرَ مَا فِيهَا مِنْ الْعَبِيدِ وَالدَّوَالِيبِ وَآلَاتِ الْحِرَاثَةِ اهـ مُلَخَّصًا وَقَوْلُهُ وَذِكْرُ مَا فِيهَا إلَخْ يُفِيدُ عَدَمَ الدُّخُولِ بِلَا ذِكْرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ اخْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عِبَارَةَ الْإِسْعَافِ اخْتِصَارًا مُخِلًّا.

[مَطْلَبٌ التَّحْدِيدُ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ] 1
مَطْلَبٌ لَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ اشْتِرَاطَ تَحْدِيدِ الْعَقَارِ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا وَقَوْلُ الْفَتْحُ: إذَا كَانَتْ الدَّارُ مَشْهُورَةً مَعْرُوفَةً صَحَّ وَقْفُهَا وَإِنْ لَمْ تُحَدَّدْ اسْتِغْنَاءً بِشُهْرَتِهَا عَنْ تَحْدِيدِهَا اهـ ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ التَّحْدِيدِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ ذَلِكَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِوَقْفِيَّتِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ بَعْدَ مَا قَسَّمَ مَسْأَلَةَ التَّحْدِيدِ إلَى سَبْعِ صُوَرٍ: وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَيْ مَا لَوْ لَمْ يُحَدِّدْهَا أَصْلًا، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا فَقَالَ الْخَصَّافُ فِيهَا الْوَقْفُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةً وَقَالَ هِلَالٌ: الشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ كَمَا قَالَ هِلَالٌ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ التَّحْدِيدُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الشُّهُودِ لَمْ يُحَدِّدْهَا لَنَا وَلَا نَعْرِفُهَا وَلَا هِيَ مَشْهُورَةٌ اهـ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: وَجَازَ وَقْفُ الْقِنِّ عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ وَقْفِهِ اسْتِقْلَالًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي مَسَائِلِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ الَّذِي جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ

(4/361)


وَنَفَقَتُهُ وَجِنَايَتُهُ فِي مَالِ الْوَقْفِ، وَلَوْ قَتَلَ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ بَزَّازِيَّةٌ بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ لِيَشْتَرِيَ بِهَا بَدَلَهُ.

(كَ) مَا صَحَّ وَقْفُ (مَشَاعٍ قُضِيَ بِجَوَازِهِ) لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَلِلْحَنَفِيِّ الْمُقَلِّدِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَشَاعِ وَبُطْلَانِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ وَقَفَهُ تَبَعًا لِلرِّبَاطِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا وَقْفُ الْعَبِيدِ تَبَعًا لِلْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ جَوَّزَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ اهـ مَعَ أَنَّهُ فِيمَا سَيَأْتِي إنَّمَا ذَكَرَ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَنَفَقَتُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْوَاقِفُ وَفِي الْإِسْعَافِ لَوْ شَرَطَهَا مِنْ الْغَلَّةِ ثُمَّ مَرِضَ بَعْضُهُمْ اسْتِحْقَاقًا إنْ شَرَطَ إجْرَاءَهَا عَلَيْهِمْ مَا دَامُوا أَحْيَاءً وَإِنْ قَالَ لِعَمَلِهِمْ لَا يَجْرِي شَيْءٌ عَلَى مَنْ تَعَطَّلَ عَنْ الْعَمَلِ، وَلَوْ بَاعَ الْعَاجِزَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَبْدًا مَكَانَهُ جَازَ اهـ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَكَذَلِكَ الدَّوَالِيبُ وَالْآلَاتُ يَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهَا مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَجِنَايَتُهُ فِي مَالِ الْوَقْفِ) وَعَلَى الْمُتَوَلِّي مَا هُوَ الْأَصْلَحُ مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَوْ فَدَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي الزَّائِدِ فَيَضْمَنُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ فَدَاهُ أَهْلُ الْوَقْفِ كَانُوا مُتَطَوِّعِينَ وَيَبْقَى الْعَبْدُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: لَا قَوَدَ فِيهِ) كَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِي الْقَوَدِ ضَرَرَ الْوَقْفِ بِفَوَاتِ الْبَدَلِ. اهـ. ح وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْقَاتِلُ بِدَفْعِ الْبَدَلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَرْضَ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عِنْدَنَا هُوَ الْأَصْلُ ط (قَوْلُهُ: بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ) كَمَا لَوْ قُتِلَ خَطَأً وَيَشْتَرِي بِهِ الْمُتَوَلِّي عَبْدًا وَيَصِيرُ وَقْفًا كَمَا لَوْ قُتِلَ الْمُدَبَّرُ خَطَأً وَأَخَذَ مَوْلَاهُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْخَصَّافِ بَحْرٌ. .

مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ الْمَقْضِيِّ بِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا صَحَّ وَقْفُ مَشَاعٍ قَضَى بِجَوَازِهِ) وَيَصِيرُ بِالْقَضَاءِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَالْخِلَافُ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِهِ فَأَبُو يُوسُفَ أَجَازَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْلِيمَ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُجِزْهُ لِاشْتِرَاطِهِ التَّسْلِيمَ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُفْرِزُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُهَا فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَقَدَّمْنَا بَعْضَ فُرُوعِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) أَيْ لَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ لِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.
مَطْلَبٌ مُهِمٌّ إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٌ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ: فَلِلْحَنَفِيِّ الْمُقَلِّدِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَضَى بِجَوَازِهِ مَا يَشْمَلُ قَضَاءَ الْحَنَفِيِّ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالتَّفْرِيعِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ مَذْهَبٍ آخَرَ لِأَنَّ إمَامَ مَذْهَبِنَا غَيْرُ قَائِلٍ بِهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِهِ صَحَّ حُكْمُ مُقَلِّدِهِ بِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خِلَافُ أَصْلِ الْمَذْهَبِ كَالْحَنَفِيِّ إذَا حَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٌ أَوْ نَحْوُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ حُكْمًا بِخِلَافِ رَأْيِهِ. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ أَقْوَالَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْ مَذْهَبِهِ، فَقَدْ نَقَلُوا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مَا قَالُوا قَوْلًا إلَّا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِي فِي رَسْمِ الْمُفْتِي.
مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي إشْكَالِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ عَلَى النَّفْسِ وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ الْمَشْهُورُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَالْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي فَتَاوَاهُ وَهُوَ إنَّ وَقَفَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا سَيَأْتِي وَوَقْفُ الْمَنْقُولِ كَالْبِنَاءِ بِدُونِ أَرْضٍ

(4/362)


لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ

[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ الْمَقْضِيِّ بِهِ]
وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ جَازَ الْإِفْتَاءُ وَالْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا بَحْرٌ وَمُصَنَّفٌ.

(وَ) كَمَا صَحَّ أَيْضًا وَقْفُ كُلِّ (مَنْقُولٍ) قَصْدًا (فِيهِ تَعَامُلٌ) لِلنَّاسِ (كَفَأْسٍ وَقَدُومٍ) بَلْ (وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْكُتُبِ وَالْمُصْحَفِ مَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَجَازَهُ مُحَمَّدٌ فَوَقْفُ الْمَنْقُولِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَقُولُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ مُلَفَّقًا مِنْ قَوْلَيْنِ، وَالْحُكْمُ الْمُلَفَّقُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَجَابَ بِهِ الطَّرَسُوسِيُّ مِنْ أَنَّهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَفَادَ جَوَازَ الْحُكْمِ الْمُلَفَّقِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحُ الْحَامِدِيَّةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ) فَإِنْ كُلًّا مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ صُحِّحَ بِلَفْظِ الْفَتْوَى كَمَا مَرَّ. .

مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ) أَيْ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي لَفْظَيْ التَّصْحِيحِ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى الْأَخْذُ بِمَا هُوَ آكَدُ فِي التَّصْحِيحِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِلَفْظِ الصَّحِيحِ وَالْآخَرُ بِلَفْظٍ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمُتُونِ أَوْ كَانَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ كَانَ هُوَ الْأَرْفَقَ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ هُوَ وَمُقَابِلُهُ كَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرَادَ لَكِنْ إذَا قَضَى بِأَحَدِهِمَا فِي حَادِثَةٍ لَيْسَ لَهُ الْقَضَاءُ فِيهَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ نَعَمْ يَقْضِي بِهِ فِي حَادِثَةٍ غَيْرِهَا وَكَذَا الْمُفْتِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَطْمَحَ نَظَرِهِ إلَى مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَصْلَحُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَيْ الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ لَا مَصْلَحَتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ. .

مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ قَصْدًا (قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْقُولٍ قَصْدًا) إمَّا تَبَعًا لِلْعَقَارِ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ وَقْفِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ أَيْ الْخَيْلِ لِلْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَالْخِلَافُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَنُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ السِّيَرِ جَوَازُ وَقْفِ الْمَنْقُولِ مُطْلَقًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِذَا جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَقَدُومٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا.
مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (قَوْلُهُ: بَلْ وَدَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ) عَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ، وَعَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ إلَى زُفَرَ حَيْثُ قَالَ: وَعَنْ زُفَرَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَنْحِ: وَلَمَّا جَرَى التَّعَامُلُ فِي زَمَانِنَا فِي الْبِلَادِ الرُّومِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ دَخَلَتْ تَحْتَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ فِي وَقْفِ كُلِّ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ كَمَا لَا يَخْفَى؛ فَلَا يَحْتَاجُ عَلَى هَذَا إلَى تَخْصِيصِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ وَقْفِهَا بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ زُفَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَنْصَارِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَدْ أَفْتَى مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ بِجَوَازِ وَقْفِهَا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. اهـ. مَا فِي الْمَنْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَكِنْ فِي إلْحَاقِهَا بِمَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ نَظَرٌ إذْ هِيَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَإِفْتَاءُ صَاحِبِ الْبَحْرِ بِجَوَازِ وَقْفِهَا بِلَا حِكَايَةٍ خِلَافٌ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ فِي وَقْفِ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ زُفَرَ وَأَفْتَى بِهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْمِنَحِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ الْآتِيَةِ مَمْنُوعٌ بِمَا قُلْنَا إذْ يُنْتَفَعُ بِلَبَنِهَا وَسَمْنِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا لَكِنْ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ اهـ مُلَخَّصًا.

(4/363)


قُلْت: بَلْ وَرُدَّ الْأَمْرُ لِلْقُضَاةِ بِالْحُكْمِ بِهِ كَمَا فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ وَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ فَيُبَاعُ وَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً فَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَفَ كُرًّا عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ لِمَنْ لَا بَذْرَ لَهُ لِيَزْرَعَهُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا أَدْرَكَ أَخَذَ مِقْدَارَهُ ثُمَّ أَقْرَضَهُ لِغَيْرِهِ وَهَكَذَا جَازَ خُلَاصَةٌ، وَفِيهَا: وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ سَمْنِهَا لِلْفُقَرَاءِ إنْ اعْتَادُوا ذَلِكَ رَجَوْت أَنْ يَجُوزَ (وَقِدْرٍ وَجِنَازَةٍ) وَثِيَابِهَا وَمُصْحَفٍ وَكُتُبٍ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ لِحَدِيثِ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَثِيَابٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت وَإِنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا لَكِنْ بَدَلُهَا قَائِمٌ مَقَامَهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا، فَكَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْمَنْقُولِ، فَحَيْثُ جَرَى فِيهَا تَعَامُلٌ دَخَلَتْ فِيمَا أَجَازَهُ مُحَمَّدٌ وَلِهَذَا لَمَّا مَثَّلَ مُحَمَّدٌ بِأَشْيَاءَ جَرَى فِيهَا التَّعَامُلُ فِي زَمَانِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ زَادُوا أَشْيَاءَ مِنْ الْمَنْقُولِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لَمَّا رَأَوْا جَرَيَانَ التَّعَامُلِ فِيهَا، وَذَكَرَ مِنْهَا مَسْأَلَةَ الْبَقَرَةِ الْآتِيَةِ وَمَسْأَلَةَ الدَّرَاهِمِ وَالْمَكِيلِ حَيْثُ قَالَ: فَفِي الْخُلَاصَةِ: وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِمْ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ جَائِزًا، وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِيمَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ وَكَيْفَ قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ يُبَاعُ وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ لِمُضَارَبَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ قَالَ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا وَقَفَ كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ لِيَزْرَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ يُوجَدُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ، ثُمَّ يُقْرِضُ لِغَيْرِهِمْ بِهَذَا الْفُقَرَاءِ أَبَدًا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا قَالَ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الرَّيِّ وَنَاحِيَةِ دُومَاوَنْدَ اهـ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ صِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِهَا بِالْمَنْقُولِ الْمُتَعَارَفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ وَإِنَّمَا خَصُّوهَا بِالنَّقْلِ عَنْ زُفَرَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَارَفَةً إذْ ذَاكَ؛ ولِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَالَ بِهَا ابْتِدَاءً قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ أَيْ وَقْفُ الْحِنْطَةِ فِي الْأَقْطَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِعَدَمِ تَعَارُفِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. نَعَمْ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ تُعُورِفَ فِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَكِيلٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَدَرَاهِمَ (قَوْلُهُ: وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً) وَكَذَا يُفْعَلُ فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ الرِّبْحِ يَتَصَدَّقُ بِهِ فِي جِهَةِ الْوَقْفِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِ الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ بِرِبْحِهَا، وَعِبَارَةُ الْإِسْعَافِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا) أَيْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَكِيلِ (قَوْلُهُ: وَجِنَازَةٍ) بِالْكَسْرِ النَّعْشُ وَثِيَابُهَا مَا يُغَطَّى بِهِ الْمَيِّتُ وَهُوَ فِي النَّعْشِ ط.
مَطْلَبٌ فِي التَّعَامُلِ وَالْعُرْفِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّعَامُلَ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ) فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ التَّأْبِيدَ، وَالْمَنْقُولُ لَا يَدُومُ وَالتَّعَامُلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّحْرِيرِ، هُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَفِي شَرْح الْبِيرِيِّ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ اهـ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [نَشْرُ الْعُرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ] وَظَاهِرُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْحَادِثِ، فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا مِنْ زِيَادَةِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَشْيَاءَ جَرَى التَّعَامُلُ فِيهَا وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِي الْمَوْضِعِ، أَوْ زَمَانُ الَّذِي اُشْتُهِرَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَوَقْفُ الدَّرَاهِمِ مُتَعَارَفٌ فِي بِلَادِ الرُّومِ دُونَ بِلَادِنَا وَقْفُ الْفَأْسِ وَالْقَدُومِ كَانَ مُتَعَارَفًا فِي زَمَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ نَسْمَعْ بِهِ فِي زَمَانِنَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْآنَ وَلَئِنْ وُجِدَ نَادِرًا لَا يُعْتَبَرُ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ التَّعَامُلَ هُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فَتَأَمَّلَ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ، وَوَهَمَ مَنْ عَزَاهُ لِلْمُسْنَدِ

(4/364)


وَمَتَاعٍ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اخْتِيَارٌ وَأَلْحَقَ فِي الْبَحْرِ السَّفِينَةَ بِالْمَتَاعِ.

[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ قَصْدًا]
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: جَازَ وَقْفُ الْأَكْسِيَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَتُدْفَعُ إلَيْهِمْ شِتَاءً ثُمَّ يَرُدُّونَهَا بَعْدَهُ.

وَفِي الدُّرَرِ وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ لِلْقِرَاءَةِ إنْ يُحْصُونَ جَازَ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيَقْرَأُ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ مَحْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ وَبِهِ عُرِفَ حُكْمُ نَقْلِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ مِنْ مَحَلَهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَالْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ مُبْتَلَوْنَ فَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى مُسْتَحِقِّي وَقْفِهِ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِنْ حَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ لِلسَّخَاوِيِّ (قَوْلُهُ: وَمَتَاعٍ) مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ فَهُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، فَيَشْمَلُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ مِنْ أَثَاثِ الْمَنْزِلِ كَفِرَاشٍ وَبِسَاطٍ وَحَصِيرٍ لِغَيْرِ مَسْجِدٍ وَالْأَوَانِي وَالْقُدُورِ. نَعَمْ تُعُورِفَ وَقْفُ الْأَوَانِي مِنْ النَّحَّاسِ وَنَصَّ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَى وَقْفِ الْأَوَانِي وَالْقُدُورِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا فِي غَسْلِ الْمَوْتَى (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ جَوَازُ وَقْفِ الْمَنْقُولِ الْمُتَعَارَفِ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ فِي الْبَحْرِ السَّفِينَةَ بِالْمَتَاعِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ لَكِنْ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ: إنَّهُمْ تَعَامَلُوا وَقْفَهَا فَلَا تَرَدُّدَ فِي صِحَّتِهِ. اهـ. وَكَأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَلْحَقَ فِي الْمِنَحِ وَقْفَ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ، وَكَذَا وَقْفُ الْأَشْجَارِ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى. وسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَنَى عَلَى أَرْضٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: جَازَ وَقْفُ الْأَكْسِيَةِ إلَخْ) قُلْت: وَفِي زَمَانِنَا قَدْ وَقَفَ بَعْضُ الْمُتَوَلِّينَ عَلَى الْمُؤَذِّنِينَ الْفِرَاءَ شِتَاءً لَيْلًا فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ سِيَّمَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ فَتَدَبَّرْ شَرْحَ الْمُلْتَقَى: أَيْ مَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ جَوَازِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ مُطْلَقًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي وَقْفِ نَفْسِ الْأَكْسِيَةِ أَمَّا لَوْ وَقَفَ عَقَارًا وَشَرَطَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رِيعِهِ أَكْسِيَةً لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمُؤَذِّنِينَ فَلَا كَلَامَ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ ط. مَطْلَبٌ مَتَى ذُكِرَ لِلْوَقْفِ مَصْرِفًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ تَنْصِيصٌ عَلَى الْحَاجَةِ.

(قَوْلُهُ: إنْ يُحْصَوْنَ جَازَ) هَذَا الشَّرْطُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ الضَّابِطِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لِلْوَقْفِ مَصْرِفًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ تَنْصِيصٌ عَلَى الْحَاجَةِ حَقِيقَةً كَالْفُقَرَاءِ أَوْ اسْتِعْمَالًا بَيْنَ النَّاسِ كَالْيَتَامَى وَالزَّمْنَى؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ الْفَقْرُ، فَيَصِحُّ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ، وَإِلَّا فَلِفُقَرَائِهِمْ فَقَطْ، وَمَتَى ذَكَرَ مَصْرِفًا يَسْتَوِي فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ، فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ صَحَّ بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهِمْ وَإِلَّا بَطَلَ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا لَا يُحْصَى عَشْرَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِائَةٌ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَقِيلَ ثَمَانُونَ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ إسْعَافٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُ أَهْلِهِ مِمَّنْ يُحْصَوْنَ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَسْجِدِ لَا عَلَى أَهْلِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمُقَابَلَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمُخْتَارِ لِتَأَبُّدِهِ مَسْجِدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجْعَلُ آخِرَهُ لِجِهَةِ قُرْبَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ مَحْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ) هَذَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَكُونُ إلَخْ أَيْ وَذُكِرَ فِي كِتَابٍ آخَرَ فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: وَيَقْرَأُ فِيهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ حَيْثُ كَانَ الْوَاقِفُ عَيَّنَ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ، فَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الدُّرِّ حَيْثُ نَقَلَ الْعِبَارَةَ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَأَسْقَطَ مِنْهَا قَوْلَهُ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ مُنَاسِبٍ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَهِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَقْرَأُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَكُونُ مَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهُ تَأَمَّلْ، لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ: سَبَّلَ مُصْحَفًا فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ لِلْقِرَاءَةِ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لِلْقِرَاءَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لَا مَا ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اهـ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُتَغَايِرَانِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الدُّرَرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُرِفَ حُكْمُ إلَخْ) الْحُكْمُ هُوَ مَا بَيَّنَهُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ وَقَفَهَا إلَخْ ط (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا) وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ النَّاقِلُ

(4/365)


وَإِنْ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَجَعَلَ مَقَرَّهَا فِي خِزَانَتِهِ الَّتِي فِي مَكَانِ كَذَا فَفِي جَوَازِ النَّقْلِ تَرَدُّدٌ نَهْرٌ

(وَيَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَيْسَ مِنْهُمْ نَهْرٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ عَيَّنَ مَكَانَهَا بِأَنْ بَنَى مَدْرَسَةً وَعَيَّنَ وَضْعَ الْكُتُبِ فِيهَا لِانْتِفَاعِ سُكَّانِهَا.
مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ الْفَقْرُ كَمَا عُلِمَ مِنْ الضَّابِطِ الْمَارِّ آنِفًا. وَفِي الْبَحْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: فَعَلَى هَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي بَلْدَةِ كَذَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفَقْرَ غَالِبٌ فِيهِمْ، فَكَانَ الِاسْمُ مُنْبِئًا عَنْ الْحَاجَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الضَّابِطَ الْمَارَّ.
قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ يَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِمْ، فَعَلَى هَذَا وَقْفُ الْمُصْحَفِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْكُتُبِ فِي الْمَدَارِسِ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ فَقِيرٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَالْقُنْيَةِ فِي الْمُصْحَفِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا مِمَّا يَسْتَوِي فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهَا: مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْفَرِيقَانِ كَرِبَاطٍ وَخَانٍ وَمَقَابِرَ وَسِقَايَةٍ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ فِيهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ وَاقِفَ الْكُتُبِ يَقْصِدُ نَفْعَ الْفَرِيقَيْنِ ولِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ غَنِيٍّ يَجِدُ كُلَّ كِتَابٍ يُرِيدُهُ خُصُوصًا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي نَقْلِ كُتُبِ الْوَقْفِ مِنْ مَحَلِّهَا
(قَوْلُهُ: فَفِي جَوَازِ النَّقْلِ تَرَدُّدٌ) الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ كُتُبًا وَعَيَّنَ مَوْضِعَهَا فَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا مِنْهُ لَا لَهُمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِمْ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ، فَلِكُلِّ طَالِبٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي مَحَلِّهَا وَأَمَّا نَقْلُهَا مِنْهُ، فَفِيهِ تَرَدُّدٌ نَاشِئٌ مِمَّا تَقَدَّمَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ الْمُصْحَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَيْ بِلَا تَعْيِينِ أَهْلِهِ قِيلَ يَقْرَأُ فِيهِ أَيْ يَخْتَصُّ بِأَهْلِهِ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَيْ فَيَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْت تَقْوِيَةَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ وَبَقِيَ مَا لَوْ عَمَّمَ الْوَاقِفُ بِأَنَّ وَقْفَهُ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ لَكِنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَدْرَسَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَقَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُرْهَنُ عَنْ الْأَشْبَاهِ: أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِرَهْنٍ لَا يَبْعُدُ وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ وَحَمْلُ الرَّهْنِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ تَبَعًا لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْمِلْكُ يَزُولُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ شَرَائِطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ وَهُوَ مَالِكٌ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ صِنْفًا مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَكَذَا سَيَأْتِي فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ أَيْ فِي الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ، وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ قُلْت: لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَاقِفَ نَفْسَهُ شَرَطَ ذَلِكَ حَقِيقَةً أَمَّا مُجَرَّدُ كِتَابَةِ ذَلِكَ عَلَى ظَهْرِ الْكُتُبِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الشَّرْطُ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ قَوَّامِ مَدْرَسَةٍ إنَّ وَاقِفَهَا كَتَبَ ذَلِكَ لِيَجْعَلَ حِيلَةً لِمَنْعِ إعَارَةِ مَنْ يُخْشَى مِنْهُ الضَّيَاعُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. .

مَطْلَبٌ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ (قَوْلُهُ: وَيَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ) أَيْ قَبْلَ الصَّرْفِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْعِمَارَةُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ أَوْ اسْمٌ مَا يُعَمَّرُ بِهِ الْمَكَانُ. بِأَنْ يُصْرَفَ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ دُونَ الزِّيَادَةِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ. كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ شَجَرًا يُخَافُ هَلَاكُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهِ قَصِيلًا فَيَغْرِزَهُ

(4/366)


ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِعِمَارَتِهِ كَإِمَامِ مَسْجِدٍ وَمُدَرِّسِ مَدْرَسَةٍ يُعْطَوْنَ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِأَنَّ الشَّجَرَ يَفْسُدُ عَلَى امْتِدَادِ الزَّمَانِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ سَبِخَةً لَا يَنْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُصْلِحَهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. مَطْلَبٌ دَفْعُ الْمَرْصَدِ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ دَفْعُ الْمَرْصَدِ الَّذِي عَلَى الدَّارِ، فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا فِي فَتَاوَى تِلْمِيذِ الشَّارِحِ الْمَرْحُومِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ قَلَّ مَنْ تَنَبَّهَ لَهَا، فَإِنَّ الْمُرْصِدِينَ عَلَى الْوَقْفِ لِضَرُورَةِ تَعْمِيرِهِ فَإِذَا وُجِدَ فِي الْوَقْفِ مَالٌ وَلَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ شَيْءٌ حَتَّى تَتَلَخَّصَ رَقَبَةُ الْوَقْفِ وَيَصِيرَ يُؤَجَّرُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لَزِمَ النَّاظِرَ ذَلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. مَطْلَبٌ كَوْنُ التَّعْمِيرِ مِنْ الْغَلَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَرَابُ بِصُنْعِ أَحَدٍ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ كَوْنَ التَّعْمِيرِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَرَابُ بِصُنْعِ أَحَدٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ آجَرَ دَارَ الْوَقْفِ فَجَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ رُوَاتَهَا مَرْبُوطًا لِلدَّوَابِّ وَخَرَابَهَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ بِغَيْرِ إذْنٍ اهـ.
مَطْلَبٌ عِمَارَةُ الْوَقْفِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ [تَنْبِيهٌ] لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْعِمَارَةُ فِي مَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ، فَإِنْ خَرِبَ يَبْنِي كَذَلِكَ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِلَا رِضَاءٍ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ تَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ هِدَايَةً مُلَخَّصًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ عُمَارَةَ الْوَقْفِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ لَا تَجُوزُ بِلَا رِضَا الْمُسْتَحِقِّينَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى إلَخْ مَنْعُ الْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ عَلَى الْحِيطَانِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ الْوَاقِفُ وَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا مَنْعَ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ يَبْدَأُ بَعْدَ الْعِمَارَةِ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا
(قَوْلُهُ: ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِعِمَارَتِهِ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ انْتَهَتْ عِمَارَتُهُ وَفَضَلَ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ يَبْدَأُ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ لِلْعِمَارَةِ وَهُوَ عِمَارَتُهُ الْمَعْنَوِيَّةُ الَّتِي هِيَ قِيَامُ شَعَائِرِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَاَلَّذِي يَبْدَأُ بِهِ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ أَيْ مِنْ غَلَّتِهِ عِمَارَتُهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِمَارَةِ، وَأَعَمُّ
لِلْمَصْلَحَةِ
كَالْإِمَامِ لِلْمَسْجِدِ، وَالْمُدَرِّسِ لِلْمَدْرَسَةِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِمْ، ثُمَّ السِّرَاجُ وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ
الْمَصَالِحِ
، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا عَلَى شَيْءٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَعْدَ عِمَارَةِ الْبِنَاءِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالسِّرَاجِ بِالْكَسْرِ: الْقَنَادِيلُ وَمُرَادُهُ مَعَ زَيْتِهَا وَالْبِسَاطُ بِالْكَسْرِ أَيْضًا الْحَصِيرُ، وَيُلْحَقُ بِهِمَا مَعْلُومُ خَادِمِهِمَا وَهُمَا الْوَقَّادُ وَالْفَرَّاشُ فَيُقَدَّمَانِ وَقَوْلُهُ إلَى آخِرِ الْمَصَالِحِ: أَيْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُؤَذِّنُ وَالنَّاظِرُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِمَامِ الْخَطِيبُ لِأَنَّهُ إمَامُ الْجَامِعِ اهـ مُلَخَّصًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَعْبِيرَ الْحَاوِي بِثُمَّ يُفِيدُ تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ الْفَاضِلُ عَنْهَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُ كَلَامَ الْبَحْرِ نَعَمْ كَلَامُ الْفَتْحِ الْآتِي يُفِيدُ الْمُشَارَكَةَ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ) أَيْ لَا بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ الْمَشْرُوطِ لَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْحَاوِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا إلَخْ رَاجِعٌ إلَيْهِ كَمَا فَهِمَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَقَالَ: إنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ

(4/367)


ثُمَّ السِّرَاجُ وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَصَالِحِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْوَقْفُ) لِثُبُوتِهِ اقْتِضَاءً

[مَطْلَبٌ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ]
وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ لِلْعِمَارَةِ إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَتْحٌ، فَإِنْ خِيفَ كَإِمَامٍ وَخَطِيبٍ وَفِرَاشٍ قُدِّمُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْوَقْفُ عَلَى جُمْلَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا تَعْيِينٍ قُدِّرَ لِكُلٍّ فَلَوْ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي جَعْلُ الْحُكْمِ كَذَلِكَ اهـ أَيْ بَلْ يُصْرَفُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ الْقَدْرُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْعِمَارَةِ كَالْعِمَارَةِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ مُطْلَقًا، وَيُقَوِّيهِ تَجْوِيزُهُمْ مُخَالَفَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي سَبْعَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا: الْإِمَامُ لَوْ شَرَطَ لَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ يُخَالِفُ شَرْطَهُ اهـ. قُلْت: وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَالتَّسْوِيَةُ بِالْعِمَارَةِ تَقْتَضِي تَقْدِيمَهُمَا أَيْ الْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ عِنْدَ شَرْطِ الْوَاقِفِ إنَّهُ إذَا ضَاقَ رِيعُ الْوَقْفِ قُسِمَ الرِّيعُ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَّةِ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُعْتَبَرُ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْوَجْهَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعِمَارَةِ يُلْحَقُ بِهَا فِي التَّقْدِيمِ عَلَى بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ قِسْمَةَ الرِّيعِ عَلَى الْجَمِيعِ بِالْحِصَّةِ أَوْ جَعَلَ لِلْكُلِّ قَدْرًا وَكَانَ مَا قَدَّرَهُ لِلْإِمَامِ وَنَحْوِهِ لَا يَكْفِيهِ فَيُعْطِي قَدْرَ الْكِفَايَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْطِيلُ الْمَسْجِدِ، فَيُقَدِّمُ أَوَّلًا الْعِمَارَةَ الضَّرُورِيَّةَ ثُمَّ الْأَهَمَّ فَالْأَهَمَّ مِنْ الْمَصَالِحِ وَالشَّعَائِرِ بِقَدْرِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ الْحَالُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُعْطَى لِبَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ انْتِظَامُ حَالِ مَسْجِدِهِ أَوْ مَدْرَسَتِهِ لَا مُجَرَّدُ انْتِفَاعِ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِنْ لَزِمَ تَعْطِيلُهُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْحَاوِي الْمَذْكُورِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ إرْجَاعُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِ الْحَاوِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا إلَخْ إلَى صَدْرِ عِبَارَتِهِ، يَعْنِي أَنَّ الصَّرْفَ إلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِمَارَةِ كَالْإِمَامِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَدْرَسَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ أَوْ الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْعِمَارَةِ يُصْرَفُ الرِّيعُ إلَى مَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ بِلَا تَقْدِيمٍ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لَا بِقَدْرِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ الْآتِي: فَيُعْطُوا الْمَشْرُوطَ وَقَوْلُهُ: فَلَهُمْ أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ، فَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ اقْتِضَاءً) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفَ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا وَلَا تَبْقَى دَائِمَةً إلَّا بِالْعِمَارَةِ فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً بَحْرٌ وَمِثْلُهَا مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا.

مَطْلَبٌ فِي قَطْعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ (قَوْلُهُ: وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ) أَيْ تُمْنَعُ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهَا، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا لِلْعِمَارَةِ إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ اهـ أَيْ إنَّ مَنْ يُخَافُ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَإِمَامٍ وَنَحْوِهِ يُقَدَّمُ أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّنْ لَيْسَ فِي قَطْعِهِمْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا عَلَى الْعِمَارَةِ فَافْهَمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعِمَارَةَ الْغَيْرَ الضَّرُورِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: قُدِّمَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِقَرِينَةِ صَدْرِ الْعِبَارَةِ، لَكِنْ يَصِيرُ مُفَادُهُ أَنَّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ يُسَاوِي الْعِمَارَةَ فَيُصْرَفُ أَوَّلًا إلَيْهَا وَإِلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُفَادِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِثُمَّ فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي كَمَا مَرَّ، فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِثُمَّ مَعْنَى الْوَاوِ كَمَا هُوَ مُفَادُ كَلَامِ الْبَحْرِ، أَوْ يُرَادَ بِالْعِمَارَةِ فِيمَا مَرَّ الضَّرُورِيَّةُ كَرَفْعِ سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ، فَيُصْرَفُ الرِّيعُ إلَيْهَا أَوَّلًا كَمَا هُوَ مُفَادُ الْمُتُونِ، ثُمَّ الْفَاضِلُ إلَى الْجِهَاتِ الضَّرُورِيَّةِ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ دُونَ غَيْرِهَا كَالشَّاهِدِ وَالْجَابِي وَخَازِنِ الْكُتُبِ وَنَحْوِهِمْ، وَيُرَادُ بِمَا فِي الْفَتْحِ الْعِمَارَةُ الْغَيْرُ الضَّرُورِيَّةِ فَتُقَدَّمُ الْجِهَاتُ الضَّرُورِيَّةُ عَلَيْهَا أَوْ تُشَارِكُهَا إذَا كَانَ الرِّيعُ يَكْفِي كُلًّا مِنْهُمَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ اُحْتِيجَ قَطْعُ الْكُلِّ لِلْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ قُدِّمَتْ عَلَى جَمِيعِ الْجِهَاتِ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ خَرَابُ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ عِبَارَةِ الْحَاوِي بِالنَّظَرِ إلَى تَقْدِيمِ الْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ، عَلَى جَمِيعِ الْجِهَاتِ،

(4/368)


فَيُعْطَى الْمَشْرُوطُ لَهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْمُشَارَكَةِ الْمُفَادَةِ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ إذَا كَانَ فِي الرِّيعِ زِيَادَةٌ عَلَى الضَّرُورِيَّةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ التَّصْرِيحَ بِحَمْلِ مَا فِي الْحَاوِي عَلَى مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: فَيُعْطَى الْمَشْرُوطُ لَهُمْ) بِرَفْعِ الْمَشْرُوطِ نَائِبُ فَاعِلِ يُعْطَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيُعْطَوْا بِالْجَزْمِ بِحَذْفِ النُّونِ عَطْفًا عَلَى قُدِّمُوا وَنَصْبُ الْمَشْرُوطِ مَفْعُولٌ ثَانٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ تَابَعَ فِيهِ النَّهْرَ وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ، وَخِلَافُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَخْذِ قَدْرِ الْأُجْرَةِ.
قُلْت: لَا يَخْفَى عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْفَتْحِ الْمَارِّ، وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ يُخَافُ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا يُقْطَعُ مَعْلُومُهُ الْمَشْرُوطُ لَهُ بَلْ يُقَدَّمُ وَيَأْخُذُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ كَالنَّاظِرِ وَالشَّادِّ وَالْمُبَاشِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا أَيْ إلَّا إذَا عَمِلَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ، فَلَهُ قَدْرُ أُجْرَتِهِ فَقَطْ لَا الْمَشْرُوطُ، فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ قُدِّمَ، وَأَمَّا النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ مِنْ الْوَاقِفِ فَهُوَ كَأَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِذَا قَطَعُوا لِلْعِمَارَةِ قَطَعَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِمَا فَيَأْخُذُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا اهـ وَلِهَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مِمَّا يُخَافُ بِقَطْعِهِ الضَّرَرُ الْبَيِّنُ الْإِمَامُ وَالْخَطِيبُ، فَيُعْطَيَانِ الْمَشْرُوطَ لَهُمَا أَمَّا الْمُبَاشِرُ وَالشَّادُّ إذَا عَمِلَا زَمَنَ الْعِمَارَةِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقَّانِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِمَا لَا الْمَشْرُوطِ اهـ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَصَوَابُهُ وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ مُفَادُ كَلَامِ الْفَتْحِ كَمَا عَلِمْته، وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ خِلَافُ هَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْفَتْحِ قَالَ: فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ يَأْخُذُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ، لَكِنْ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَرْكُ عَمَلِهِ إلَّا بِضَرَرٍ بَيِّنٍ كَالْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ، وَلَا يُرَاعَى الْمَعْلُومُ الْمَشْرُوطُ زَمَنَ الْعِمَارَةِ، فَعَلَى هَذَا إذَا عَمِلَ الْمُبَاشِرُ وَالشَّادُّ زَمَنَ الْعِمَارَةِ يُعْطَيَانِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِمَا فَقَطْ وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا زَمَنَ الْعِمَارَةِ. اهـ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا نَسَبَهُ إلَى ظَاهِرِ الْفَتْحِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْفَتْحِ أَنَّ مَنْ لَا يُقْطَعُ يُعْطَى الْمَشْرُوطَ لَا الْأَجْرَ وَمَنْ يُقْطَعُ وَهُوَ مَنْ لَيْسَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا يُعْطَى، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّاظِرَ مِمَّنْ يُقْطَعُ وَأَنَّهُ إذَا عَمِلَ فَلَهُ قَدْرُ أُجْرَتِهِ: أَيْ لَا مَا شَرَطَهُ لَهُ الْوَاقِفُ فَأَفَادَ أَنَّ مَنْ يُقْطَعُ كَالنَّاظِرِ لَا يُعْطَى شَيْئًا إلَّا إذَا عَمِلَ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَا يُقْطَعُ كَالْإِمَامِ لَهُ الْأَجْرُ إذَا عَمِلَ، وَمَنْ يُقْطَعُ لَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا أَيْ لَا أَجْرًا وَلَا مَشْرُوطًا وَإِنْ عَمِلَ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ لِلشَّادِّ وَالْمُبَاشِرِ أُجْرَةً إذَا عَمِلَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا مِنْ الشَّعَائِرِ الَّتِي لَا تُقْطَعُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُهُ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِ أَوْرَاقٍ نَعَمْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَؤُلَاءِ يَعْنِي الْإِمَامَ وَالْمُدَرِّسَ وَالْخَطِيبَ وَالْمُؤَذِّنَ وَالْمِيقَاتِيَّ وَالنَّاظِرَ؛ وَكَذَا الشَّادُّ وَالْكَاتِبُ وَالْجَابِي زَمَنَ الْعِمَارَةِ اهـ لَكِنْ رَدَّ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ كَمَا مَرَّ، بَلْ النَّاظِرُ وَغَيْرُهُ إذَا عَمِلَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ، كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْحَقُّ اهـ وَمُرَادُهُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، مَا نَقَلَهُ عَنْ الْفَتْحِ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: بَلْ النَّاظِرُ وَغَيْرُهُ: أَيْ مَنْ لَيْسَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَوَجْهُ مُخَالَفَتِهِ لِلْمَنْقُولِ. أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ إذَا عَمِلُوا زَمَنَ الْعِمَارَةِ فَإِلْحَاقُهُمْ بِالْإِمَامِ وَأَخَوَيْهِ تَقْتَضِي أَنَّ لَهُمْ الشُّرُوطَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَتْحِ وَبِهِ ظَهَرَ خَلَلُ مَا فِي الْبَحْرِ وَصِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ خِلَافًا لِمَنْ نَسَبَهُمَا إلَى عَدَمِ الْفَهْمِ فَافْهَمْ.
نَعَمْ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ خَلَلٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَهُمَا مَبْنِيٌّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ عَمَلُهُ فِي وَظِيفَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ إذَا عَمِلَ فِي وَظِيفَتِهِ، وَأُعْطِيَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ بَلْ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قُدِّمَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ كَالْإِمَامِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ. وَأَيْضًا مَنْ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُ الْمَشْرُوطَ لَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا وَلَوْ كَانَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ

(4/369)


[مَطْلَبٌ فِي قَطْعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ]
وَأَمَّا النَّاظِرُ وَالْكَاتِبُ وَالْجَابِي، فَإِنْ عَمِلُوا زَمَنَ الْعِمَارَةِ، فَلَهُمْ أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ لَا الْمَشْرُوطُ بَحْرٌ: قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهَا عَنْ الذَّخِيرَةِ لَوْ صُرِفَ النَّاظِرُ لَهُمْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى التَّعْمِيرِ ضَمِنَ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ الظَّاهِرُ لَا لِتَعَدِّيهِ بِالدَّفْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْعَمَلِ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ عَلَى الْعَمَلِ فِي التَّعْمِيرِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَعْمَلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبَنَّاءِ وَنَحْوِهِمَا فَيَأْخُذَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ اهـ لَكِنْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا عَمِلَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ عَمِلَ الْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ بِأَجْرٍ جَازَ وَيُفْتَى بِعَدَمِهِ إذْ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجِرًا وَصَحَّ لَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ. اهـ.
وَعَلَيْهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ: إذَا عَمِلَ الْقَيِّمُ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَالْوَقْفِ كَعَمَلِ الْأَجِيرِ لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَا أَمْرِ الْحَاكِمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاظِرَ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ كُلُّ مَنْ عَمِلَ فِي التَّعْمِيرِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَى النَّاظِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجِرًا أَيْ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ كَانَ الْحَاكِمُ هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ هُوَ النَّاظِرُ، فَلَا شَبَهَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ كَالْأَجْنَبِيِّ.
وَحَيْثُ حَمَلْنَا كَلَامَ الْفَتْحِ عَلَى مَا قُلْنَا صَارَ حَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا يُقْطَعُ زَمَنَ التَّعْمِيرِ أَيْ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُقْطَعُ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا وَإِنْ عَمِلَ فِي وَظِيفَتِهِ. نَعَمْ يُعْطَى لِكُلٍّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ إذَا عَمِلَ فِي الْعِمَارَةِ وَلَوْ هُوَ النَّاظِرُ لَكِنْ لَوْ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ إذْ لَا أُجْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ فِي غَيْرِ التَّعْمِيرِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَشْرُوطِ مَا يَكْفِيهِ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ الْوَقْفِ لَوْ كَانَ دُونَ كِفَايَتِهِ وَكَانَ لَا يَقُومُ بِعَمَلِهِ إلَّا بِهَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لِلْقَاضِي الزِّيَادَةَ عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ، وَكَذَا الْخَطِيبُ.
قُلْت: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الْأَجِيرِ فِي التَّعْمِيرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ فَلَا يُعْطَى إلَّا الْكِفَايَةَ فِي زَمَنِ التَّعْمِيرِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى دَفْعِ الزَّائِدِ الْمُؤَدِّي إلَى قَطْعِ غَيْرِهِ فَيُصْرَفُ الزَّائِدُ إلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي مِنْ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ، وَبَيْنَ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ الْمَشْرُوطَ. وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَرَّرَ وَتَحَرَّرَ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالتَّعْمِيرِ الضَّرُورِيِّ حَتَّى لَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ الْغَلَّةِ صُرِفَتْ كُلُّهَا إلَيْهِ وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ وَلَوْ إمَامًا أَوْ مُؤَذِّنًا، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ التَّعْمِيرِ شَيْءٌ يُعْطَى مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِمَّا فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ التَّعْمِيرُ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ بِأَنْ كَانَ لَا يُؤَدِّي تَرْكُهُ إلَى خَرَابِ الْعَيْنِ، لَوْ أُخِّرَ إلَى غَلَّةِ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ ثُمَّ مَنْ لَا يُقْطَعُ يُعْطَى الْمَشْرُوطَ لَهُ إذَا كَانَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَإِلَّا يُزَادُ أَوْ يَنْقُصُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ قُدِّمَتْ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَأْخِيرُهَا إلَى غَلَّةِ الْعَامِ الْقَابِلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا وَإِنْ بَاشَرَ وَظِيفَتَهُ مَا دَامَ الْوَقْفُ مُحْتَاجًا إلَى التَّعْمِيرِ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْعِمَارَةِ فَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ لَا الْمَشْرُوطُ وَلَا قَدْرُ الْكِفَايَةِ فَهَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْأَفْهَامِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا النَّاظِرُ وَالْكَاتِبُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ وَمَا ادَّعَاهُ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ الْحَقُّ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ بِمَا حَرَّرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: ضَمِنَ) هَذَا إذَا كَانَ فِي تَأْخِيرِ التَّعْمِيرِ خَرَابُ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ الصَّرْفُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَتَأْخِيرُ الْعِمَارَةِ لِلْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ كَمَا فِي الزَّوَاهِرِ عَنْ الْبَحْرِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ لَا) قِيَاسًا عَلَى مُودَعِ الِابْنِ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ

(4/370)


وَمَا قُطِعَ لِلْعِمَارَةِ يَسْقُطُ رَأْسًا:

وَفِيهَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ. ثُمَّ الْفَاضِلُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ لَزِمَ النَّاظِرَ إمْسَاكُ قَدْرِ الْعِمَارَةِ كُلَّ سَنَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْهُ الْآنَ لِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَلَا غَلَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَلْيُحْفَظْ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ.

وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ لَوْ زَادَ الْمُتَوَلِّي دَانَقًا عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ ضَمِنَ الْكُلَّ؛ لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ لَهُ

وَفِي شَرْحِهَا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ:
وَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْمَصَالِحِ قَيِّمٌ ... إمَامٌ خَطِيبٌ وَالْمُؤَذِّنُ يَعْبُرُ
الشَّعَائِرُ الَّتِي تَقَدَّمَ شَرَطَ أَمْ لَمْ يَشْتَرِطْ بَعْدَ الْعِمَارَةِ هِيَ إمَامٌ وَخَطِيبٌ وَمُدَرِّسٌ وَوَقَّادٌ وَفَرَّاشٌ وَمُؤَذِّنٌ وَنَاظِرٌ، وَثَمَنُ زَيْتٍ وَقَنَادِيلُ وَحُصْرٌ وَمَاءُ وُضُوءٍ وَكُلْفَةُ نَقَلَهُ لِلْمِيضَأَةِ فَلَيْسَ مُبَاشِرٌ وَشَاهِدٌ، وَشَادٌّ، وَجَابٍ، وَخَازِنٌ وَكُتُبٍ مِنْ الشَّعَائِرِ، فَتَقْيِيدُهُمْ فِي دَفْتَرِ الْمُحَاسَبَاتِ لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِلَا إذْنِهِ وَلَا إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِلَا رُجُوعٍ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بَحْرٌ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا لَوْ هَلَكَ لِأَنَّهُ هِبَةٌ نَهْرٌ.
أَقُولُ: لَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ هِبَةً بَلْ هُوَ دَفْعُ مَالٍ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ قَائِمًا أَوْ مُسْتَهْلِكًا كَدَفْعِ الدَّيْنِ الْمَظْنُونِ، بِخِلَافِ مُودَعِ الِابْنِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَنَقَلَ ط نَحْوَهُ عَنْ الْبِيرِيِّ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الظَّاهِرَ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا لَا عَدَمُهُ مُطْلَقًا وَلَا التَّفْصِيلُ.

(قَوْلُهُ: وَمَا قُطِعَ إلَخْ) فِي الْأَشْبَاهِ إذَا حَصَلَ تَعْمِيرُ الْوَقْفِ فِي سَنَةٍ وَقُطِعَ مَعْلُومُ الْمُسْتَحِقِّينَ كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ فَمَا قُطِعَ لَا يَبْقَى دَيْنًا لَهُمْ عَلَى الْوَقْفِ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْغَلَّةِ زَمَنَ التَّعْمِيرِ، وَفَائِدَتُهُ لَوْ جَاءَتْ الْغَلَّةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَفَاضَ شَيْءٌ بَعْدَ صَرْفِ مَعْلُومِهِمْ هَذِهِ السَّنَةَ لَا يُعْطِيهِمْ الْفَاضِلَ عِوَضًا عَمَّا قُطِعَ اهـ.

(قَوْلُهُ: قَدْرِ الْعِمَارَةِ) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْحَاجَةُ إلَيْهِ حَمَوِيٌّ وَيَصْرِفُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: وَلَا غَلَّةَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا غَلَّةَ لِلْأَرْضِ حِينَ يَحْدُثُ حَدَثٌ (قَوْلُهُ: فَلْيُحْفَظْ الْفَرْقُ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِ الْعِمَارَةِ كُلَّ سَنَةٍ وَالسُّكُوتِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَعَ السُّكُوتِ تُقَدَّمُ الْعِمَارَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلَا يُدَّخَرُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَمَعَ الِاشْتِرَاطِ تُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيُدَّخَرُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ يُفَرَّقُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا جَعَلَ الْفَاضِلَ اهـ عَنْهَا لِلْفُقَرَاءِ. اهـ. ط.

(قَوْلُهُ: لَوْ زَادَ الْمُتَوَلِّي دَانَقًا) صُورَتُهُ اسْتَأْجَرَ الْمُتَوَلِّي رَجُلًا فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ بِدِرْهَمٍ وَدَانَقٍ وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ دِرْهَمٌ ضَمِنَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ زَادَ فِي الْأَجْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ، فَيَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ فَإِذَا نُقِضَ الْأَجْرُ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ، كَانَ ضَامِنًا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالدَّانَقُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ وَالْمَدَارُ عَلَى مَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ أَيْ مَا لَا يَقْبَلُ النَّاسُ الْغَبْنَ فِيهِ إذْ مَا دُونَهُ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِهَا) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ الشَّعَائِرُ إلَخْ قَصَدَ بِهَا لَفْظَهَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ (قَوْلُهُ: فِي وَقْفِ الْمَصَالِحِ) أَيْ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: يَعْبُرُ) مِنْ الْعُبُورِ بِمَعْنَى الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَقَدَّمَ) أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ (قَوْلُهُ: إمَامٌ وَخَطِيبٌ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ ذُكِرَ يَكُونُ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَخَصَّهُ فِي النَّهْرِ بِالْخَطِيبِ فَقَطْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ فِي الْبَلَدِ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَخْطُبُ حِسْبَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: مُبَاشِرٍ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَشَاهِدٍ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كَاتِبُ الْغَيْبَةِ الْمَعْرُوفُ بِالنُّقْطَجِيِّ بِعُرْفِ أَهْلِ الشَّامِ (قَوْلُهُ: وَشَادٍّ) هُوَ الْمُلَازِمُ لِلْمَسْجِدِ مَثَلًا لِتَفَقُّدِ حَالِهِ مِنْ تَنْظِيفٍ وَنَحْوِهِ ط، وَقِيلَ: هُوَ الْمُسَمَّى بِالدَّعْجِي.

(4/371)


وَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فِي بَوَّابٍ وَمُزَمِّلَاتِيٍّ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَلَا تَرَدُّدَ فِي تَقْدِيمِ بَوَّابٍ وَمُزَمِّلَاتِيٍّ وَخَادِمِ مَطْهَرَةٍ انْتَهَى. قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ الْمُدَرِّسُ مِنْ الشَّعَائِرِ لَوْ مُدَرِّسَ الْمَدْرَسَةِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا مُدَرِّسُ الْجَامِعِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَطَّلُ لِغَيْبَتِهِ بِخِلَافِ الْمَدْرَسَةِ حَيْثُ تُقْفَلُ أَصْلًا.

وَهَلْ يَأْخُذُ أَيَّامَ الْبَطَالَةِ كَعِيدٍ وَرَمَضَانَ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِبَطَالَةِ الْقَاضِي. وَاخْتَلَفُوا فِيهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُ؛ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ أَشْبَاهٌ مِنْ قَاعِدَةِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ الْإِشَادَةُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشَّيْءِ وَتَعْرِيفُ الضَّالَّةِ وَالْإِهْلَالُ وَالشِّيَادَةُ الدُّعَاءُ بِالْإِبِلِ وَدَلْكُ الطِّيبِ بِالْجِلْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُزَمِّلَاتِيٍّ) هُوَ الشَّاوِي بِعُرْفِ أَهْلِ الشَّامِ دُرٌّ مُنْتَقَى وَقِيلَ: هُوَ فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرٍ مَنْ يَنْقُلُ الْمَاءَ مِنْ الصِّهْرِيجِ إلَى الْجِرَارِ. وَفِي الْقَامُوسِ مُزَّمِّلَةٌ كَمُعَظِّمَةٍ الَّتِي يُبَرَّدُ فِيهَا الْمَاءُ (قَوْلُهُ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ قَالَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: الشَّعَائِرُ إلَى هُنَا (قَوْلُهُ: قُلْتُ وَلَا تَرَدُّدَ) رَدَّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ وَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ كَلَامُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَوْ مُدَرِّسَ الْمُدَرِّسَةِ) وَلَا يَكُونُ مُدَرِّسُهَا مِنْ الشَّعَائِرِ إلَّا إذَا لَازَمَ التَّدْرِيسَ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ، أَمَّا مُدَرِّسُو زَمَانِنَا فَلَا أَشْبَاهٌ وَلَوْ أَنْكَرَ النَّاظِرُ مُلَازَمَةَ الْمُدَرِّسِ فَالْقَوْلُ لِلْمُدَرِّسِ بِيَمِينِهِ وَكَذَا لِوَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ، وَكَذَا كُلُّ ذِي وَظِيفَةٍ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْبَحْرِ السَّادِسَةُ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ لَمْ يُدَرِّسْ لِعَدَمِ وُجُودِ الطَّلَبَةِ
وَفِي الْحَمَوِيِّ سُئِلَ الْمُصَنِّفُ عَمَّنْ لَمْ يُدَرِّسْ لِعَدَمِ وُجُودِ الطَّلَبَةِ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ؟ أَجَابَ: إنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلتَّدْرِيسِ بِأَنْ حَضَرَ الْمَدْرَسَةَ الْمُعَيَّنَةَ لِتَدْرِيسِهِ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ، لَا مَكَانَ التَّدْرِيسِ لِغَيْرِ الطَّلَبَةِ الْمَشْرُوطِينَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ: الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُدَرِّسِ يَقُومُ بِغَيْرِ الطَّلَبَةِ بِخِلَافِ الطَّالِبِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَقُومُ بِغَيْرِهِ اهـ وسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ دَرَّسَ فِي غَيْرِهَا لِتَعَذُّرِهِ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعُلُوفَةَ، وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ عِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْجَابِي. .

مَطْلَبٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ الْوَظِيفَةَ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِبَطَالَةِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْقَاضِي مَا رُتِّبَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ بَطَالَتِهِ، فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: إنَّهُ يَأْخُذُ لِأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ لِلْيَوْمِ الثَّانِي وَقِيلَ لَا. اهـ. وَفِي الْمُنْيَةِ الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْكِفَايَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ أَظْهَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَرِّسِ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْبَطَالَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ تَكُونُ لِلْمُطَالَعَةِ وَالتَّحْرِيرِ عِنْدَ ذَوِي الْهِمَّةِ، وَلَكِنَّ تَعَارُفَ الْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِنَا بَطَالَةٌ طَوِيلَةٌ أَدَّتْ إلَى أَنْ صَارَ الْغَالِبُ الْبَطَالَةَ، وَأَيَّامُ التَّدْرِيسِ قَلِيلَةٌ اهـ وَرَدَّهُ الْبِيرِيُّ بِمَا فِي الْقُنْيَةِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدَّرَ لِلدَّرْسِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَبْلَغًا فَلَمْ يُدَرِّسْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ الثُّلَاثَاءِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَيَصْرِفَ أَجْرَ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ إلَى مَصَارِفِ الْمَدْرَسَةِ مِنْ الْمَرَمَّةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لِكُلِّ يَوْمٍ مَبْلَغًا، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ وَإِنْ لَمْ يُدَرِّسْ فِيهِمَا لِلْعُرْفِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَنْ يَوْمٍ لَمْ يُدَرِّسْ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قُدِّرَ لَهُ أَجْرٌ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ لَا. اهـ. ط قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا قَدَّرَ لِكُلِّ يَوْمٍ دَرَسَ فِيهِ مَبْلَغًا أَمَّا لَوْ قَالَ يُعْطَى الْمُدَرِّسُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى لِيَوْمِ الْبَطَالَةِ الْمُتَعَارَفَةِ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي مُقَابِلِهِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْعُرْفِ، فَحَيْثُ كَانَتْ الْبَطَالَةُ مَعْرُوفَةً فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَفِي رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ يَحِلُّ الْأَخْذُ، وَكَذَا لَوْ بَطَلَ فِي يَوْمٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ لِتَحْرِيرِ دَرْسٍ إلَّا إذَا نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى تَقْيِيدِ الدَّفْعِ بِالْيَوْمِ الَّذِي يُدَرَّسُ فِيهِ كَمَا قُلْنَا. وَفِي الْفَصْلِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ

(4/372)


وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ غَابَ فَلْيُحْفَظْ

(وَلَوْ) كَانَ الْمَوْقُوفُ (دَارًا فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) وَلَوْ مُتَعَدِّدًا مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ الْغَلَّةِ إذْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ دُرَرٌ.

(وَلَمْ يَزِدْ فِي الْأَصَحِّ) يَعْنِي إنَّمَا تَجِبُ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الْوَاقِفُ

(وَلَوْ أَبَى) مَنْ لَهُ السُّكْنَى (أَوْ عَجَزَ) لِفَقْرِهِ (عَمَّرَ الْحَاكِمُ) أَيْ آجَرَهَا الْحَاكِمُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَعَمَرَهَا (بِأُجْرَتِهَا) كَعِمَارَةِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَزِدْ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِرِضَا مَنْ لَهُ السُّكْنَى زَيْلَعِيٌّ. وَلَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الْعِمَارَةِ.

وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَمَنْ يَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي يَوْمٍ لَا دَرْسَ فِيهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ جَائِزًا وَفِي الْحَاوِي إذَا كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْكِتَابَةِ وَالتَّدْرِيسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ عَنْ نَظْمِ الْوَهْبَانِيَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ مَاتَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ.

(قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ غَيْرَ سَاكِنٍ فِيهَا يَلْزَمُهُ التَّعْمِيرُ مَعَ السَّاكِنِينَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِحَقِّهِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْوَقْفِ فَيُعَمِّرُ مَعَهُمْ وَإِلَّا تُؤَجَّرْ حِصَّتُهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْ مَالِهِ) فَإِذَا رَمَّ حِيطَانَهَا بِالْآجُرِّ، أَوْ أَدْخَلَ فِيهَا جِذْعًا ثُمَّ مَاتَ وَلَا يُمْكِنُ نَزْعُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ نَزْعُهُ، بَلْ يُقَالُ لِمَنْ لَهُ السُّكْنَى بَعْدَهُ اضْمَنْ لِوَرَثَتِهِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ أَبَى أُوجِرَتْ الدَّارُ وَصُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَيْهِمْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، ثُمَّ أُعِيدَتْ السُّكْنَى إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْضَى بِالْهَدْمِ وَالْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَ مَا رَمَّ الْأَوَّلُ مِثْلَ تَجْصِيصِ الْحِيطَانِ، وَتَطْيِينِ السُّطُوحِ وَشَبَهِ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ الْوَرَثَةُ بِشَيْءٍ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَيْ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ عَيْنِهِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ بِخِلَافِ الْآجُرِّ، وَالْجِذْعِ وَلَوْ بَنَى الْأَوَّلُ مَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِلَا ضَرَرٍ أُمِرَ الْوَرَثَةُ بِرَفْعِهِ وَلَيْسَ لِلثَّانِي تَمَلُّكُهُ بِلَا رِضَاهُمْ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ لَوْ بَنَى وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الدَّارِ وَطَيَّنَ الْبَعْضُ وَجَصَّصَ الْبَعْضُ وَبُسِطَ فِيهِ الْآجُرُّ فَطَلَبَ الْآخَرُ حِصَّتَهُ لِيَسْكُنَ فِيهَا فَمَنَعَهُ حَتَّى يَدْفَعَ حِصَّةَ مَا أَنْفَقَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالطِّينُ وَالْجِصُّ صَارَا تَبَعًا لِلْوَقْفِ وَلَهُ نَقْضُ الْآجُرِّ إنْ لَمْ يَضُرَّ.
مَطْلَبٌ فِي عِمَارَةِ مَنْ لَهُ السُّكْنَى (قَوْلُهُ: لَا مِنْ الْغَلَّةِ) لِأَنَّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ بِلَا خِلَافٍ. وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ كَمَا حَرَّرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: إذْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ) أَيْ الْمَضَرَّةُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ.

(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الْوَاقِفُ) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَنْعُ الزِّيَادَةِ بِلَا رِضَاهُ كَمَا يُفِيدُهُ تَمَامُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا مَا يَأْتِي عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْإِسْعَافِ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ رَمَّهَا مَرَمَّةً لَا غِنَى عَنْهَا، وَهِيَ مَا يَمْنَعُ مِنْ خَرَابِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ اهـ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ وَلَا إعَادَةُ مِثْلِ مَا خَرِبَ فِي الْحُسْنِ وَالنَّفَاسَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. .

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ فَيُؤَجِّرُ حِصَّتَهُ الْآبِي ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَالْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: عَمَّرَ الْحَاكِمُ) أَيْ أَوْ الْمُتَوَلِّي قُهُسْتَانِيٌّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالُوا عَمَّرَهَا الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: كَعِمَارَةِ الْوَاقِفِ) أَتَى بِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ لِلِاسْتِثْنَاءِ ط (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَزِدْ فِي الْأَصَحِّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا لَكِنْ هَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَكَلَامُنَا الْآنَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَيْ كَذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ عَيَّنَ لَهُمْ السُّكْنَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ فِيهِ. .

مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ آجَرَ مَنْ لَهُ السُّكْنَى (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَلَا مُسْتَحِقَّ غَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا يُقْسَمُ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ مَا لَوْ ضَاقَتْ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ الْغَلَّةُ كَمَا

(4/373)


بَلْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي

(ثُمَّ رَدَّهَا) بَعْدَ التَّعْمِيرِ (إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ فَلَا عِمَارَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لِأَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْوُقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ بَقِيَ لَوْ آجَرَ وَلَمْ تَصِحَّ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْفِ بَحْرٌ، لَكِنْ قَالَ الْحَانُوتِيُّ إنَّهُ غَاصِبٌ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْأُجْرَةَ لِلْغَاصِبِ. اهـ. قُلْت: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُفْتَى بِهِ ضَمَانُ مَنَافِعِ الْوَقْفِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ يُفْتِي بِالضَّمَانِ فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ فَإِذَا كَانَتْ الْغَلَّةُ أَوْ السُّكْنَى لَهُ وَحْدَهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ لَهُ وَإِلَّا فَلِلْكُلِّ تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ بَلْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي) ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْقَاضِي الْإِجَارَةَ وَلَوْ أَبَى الْمُتَوَلِّي، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّوْزِيعَ فَالْقَاضِي يُؤَجِّرُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ أَوْ كَانَ وَأَبَى الْأَصْلَحُ وَأَمَّا مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ بَحْرٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فُرُوعًا وَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ وَلَوْ مِنْ قِبَلِهِ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وسَيَأْتِي أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَوَصِيَّةٌ تَنَبَّهْ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِيجَارُ مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي، وَأَيَّدَهُ الرَّمْلِيُّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَاسْتَنَدَ لَهُ بِالْقَاعِدَةِ الْمَارَّةِ لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ أَوْقَافِ هِلَالٍ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا آجَرَ دَارَ الْوَقْفِ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَمْرِهِ جَازَ قَالَ: وَظَاهِرُهُ إطْلَاقُ الْجَوَازِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ اهـ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ أَنَّ تَنْصِيصَهُمْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ، أَوْ الْقَاضِيَ يَقْتَضِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ فَلَا يُؤَجَّرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلٍّ أَوْ كَانَ وَامْتَنَعَ اهـ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ هِلَالٍ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ حُكْمَ الْعِمَارَةِ مِنْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا لِصَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ كَانَتْ لَهُ فَكَذَا بَدَلُهَا وَالْقَيِّمُ إنَّمَا أَجَّرَ لِأَجْلِهِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا كَمَا لَوْ عَمَّرَهَا بِنَفْسِهِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ) حَقِّ الْوَقْفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَلَا عِمَارَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَهَذَا مَعْلُومٌ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَوْ دَارًا إلَخْ. مَطْلَبٌ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَا يَمْلِكُ السُّكْنَى وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَتْحِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الدَّارُ سُكْنَاهَا بَلْ الِاسْتِغْلَالُ كَمَا لَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ السُّكْنَى بَلْ الِاسْتِغْلَالُ اهـ وَمَا فِي الظَّاهِرِيَّةِ: مِنْ أَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَلَّةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْعِمَارَةَ فِي غَلَّتِهَا وَلَمَّا كَانَتْ غَالِبُهَا لَهُ صَارَ كَأَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَيْهِ. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْخَصَّافَ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، لَكِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِأَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّ سُكْنَاهُ كَسُكْنَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ فِيهَا حَقًّا لِغَيْرِهِ، وَمَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ إذَا سَكَنَ لَا يُوجِبُ حَقًّا لِغَيْرِهِ وَادَّعَى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ أَنَّ الرَّاجِحَ هَذَا كَمَا قَدَّمْته قَرِيبًا وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ.

(4/374)


فَلَوْ سَكَنَ هَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ؟ الظَّاهِرُ لَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ لِلْعِمَارَةِ، فَيَأْخُذُهَا الْمُتَوَلِّي لِيُعَمِّر بِهَا وَلَوْ هُوَ الْمُتَوَلِّي يَنْبَغِي أَنْ يُجْبِرَهُ الْقَاضِي عَلَى عِمَارَتِهِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ مُتَوَلِّيًا لِيَعْمُرَهَا

وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ غَلَّتَهَا لَهُ وَمُؤْنَتَهَا عَلَيْهِ صَحَّا

وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا؟ الظَّاهِرُ: لَا نَهْرٌ

وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ لَمْ يَجِدْ الْقَاضِي مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ وَقْفُ الدَّارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ لَا عَلَى السُّكْنَى [تَنْبِيهٌ] يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِهَا لِلسُّكْنَى، أَوْ لِلِاسْتِغْلَالِ أَنَّهَا تَكُونُ لِلِاسْتِغْلَالِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي كُتُبِنَا أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ الْوَقْفَ فَهُوَ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ لَا السُّكْنَى قَالَ فِي النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ:
وَمَنْ وُقِفَتْ دَارٌ عَلَيْهِ فَمَا لَهُ ... سِوَى الْأَجْرِ وَالسُّكْنَى بِهَا لَا تَتَقَرَّرُ
ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ شَرْحِهِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ التَّجْنِيسِ وَفَتَاوَى الْخَاصِّيِّ، وَذُكِرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ.
مَطْلَبٌ: مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَا يَمْلِكُ السُّكْنَى وَبِالْعَكْسِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ أَوْ عَيَّنَ الِاسْتِغْلَالَ كَانَ لِلِاسْتِغْلَالِ، وَإِنْ قُيِّدَ بِالسُّكْنَى تَقَيَّدَ بِهَا، وَإِنْ صَرَّحَ بِهِمَا كَانَ لَهُمَا جَرَيَانٌ عَلَى كَوْنِ شَرْطِ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى خِلَافَ مَا رَجَّحَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ (قَوْلُهُ: فَلَوْ سَكَنَ) أَيْ مَنْ لَهُ الْغَلَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) لِأَنَّهَا إذَا أُخِذَتْ مِنْهُ دُفِعَتْ إلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْغَلَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ هُوَ الْمُتَوَلِّي) أَيْ لَوْ كَانَ السَّاكِنُ فِي دَارِ الْغَلَّةِ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: نَصَّبَ مُتَوَلِّيًا لِيُعَمِّرَهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِنَصْبِ مُتَوَلٍّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَبَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى، أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ يُنَصِّبُ مُتَوَلِّيًا مُطْلَقًا لَا لِخُصُوصِ التَّعْمِيرِ لِظُهُورِ خِيَانَةِ الْأَوَّلِ بِمَا فَعَلَ فَيُتَأَمَّلُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ غَلَّتَهَا لَهُ) أَيْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الدَّارُ (قَوْلُهُ: صَحَّا) أَيْ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، لَكِنَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَالْوَقْفُ جَائِزٌ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ اهـ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَوَازَ الْوَقْفِ مُقْتَرِنًا بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ هَذَا الشَّرْطِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ الظَّاهِرُ لَا) هَذَا خِلَافُ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ السُّكْنَى كَذَلِكَ. اهـ. وَاسْتَوْضَحَ فِي النَّهْرِ لِمَا اسْتَظْهَرَهُ بِقَوْلِ الْهِدَايَةِ فِيمَا مَرَّ وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ مِنْهُ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ الْمَرَمَّةَ؛ لِأَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ عَلَيْهِ كَانَ فِي إجْبَارِهِ إتْلَافُ مَالِهِ اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْجَبْرَ فَائِدَةُ صِحَّةِ الشَّرْطِ وَإِلَّا فَلَا ثَمَرَةَ لَهُ. قُلْت: عُلِمَتْ أَنَّ صِحَّةَ الشَّرْطِ غَيْرُ صَرِيحَةٍ فِي عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة وَتَعْلِيلُ الْهِدَايَةِ شَامِلٌ لِلشَّرْطِ وَغَيْرِهِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ فَافْهَمْ، عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ لِأَنَّ الْغَلَّةَ حَيْثُ كَانَتْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ

(4/375)


لَمْ أَرَهُ وَخَطَرَ لِي أَنَّهُ يُخَيِّرُهُ بَيْنَ أَنْ يَعْمُرَهَا أَوْ يَرُدَّهَا لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ. قُلْت: فَلَوْ هُوَ الْوَارِثُ لَمْ أَرَهُ.

وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا يُفِيدُ اسْتِبْدَالَهُ أَوْ رَدَّ ثَمَنِهِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ

[مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ]
(وَصَرَفَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
تَعْمِيرِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ الْعِمَارَةِ مِنْ مَالِهِ يُؤَجِّرُهَا الْمُتَوَلِّي وَيُعَمِّرُهَا مِنْ غَلَّتِهَا لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ لِلْغَلَّةِ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ وَامْتَنَعَ مِنْ عِمَارَتِهَا يُنَصِّبُ غَيْرَهُ لِيُعَمِّرَهَا أَوْ يُعَمِّرَهَا الْحَاكِمُ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ قَدْ تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَلَّتُهَا لَا تَفِي بِعِمَارَتِهَا، فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الشَّرْطِ لَزِمَهُ أَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ مَالِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ كَلَامَ الْوَاقِفِ لَا يَصْلُحُ مُلْزِمًا لَهُ بِتَعْمِيرِهَا إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ.

(قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ هَذَا وَالْحَالُ بِهَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَصِيرَ نَقْصًا عَلَى الْأَرْضِ كَرَمَادٍ تَسْفُوهُ الرِّيَاحُ اهـ أَيْ لَوْ تُرِكَتْ بِلَا عِمَارَةٍ تَصِيرُ هَكَذَا (قَوْلُهُ: أَوْ يَرُدُّهُ لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ عَجِيبٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِاسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَصَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْأَرْضِ وَالدَّارِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ هِشَامٌ: سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ الْوَقْفُ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلْقَاضِي. اهـ. وَأَمَّا عَوْدُ الْوَقْفِ بَعْدَ خَرَابِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا ضَعْفَهُ.
فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ السُّكْنَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْعِمَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مُسْتَأْجِرٌ بَاعَهَا الْقَاضِي وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا مَا يَكُونُ وَقْفًا، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِبْدَالِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ إنَّمَا هُوَ الْأَرْضُ لَا الْبَيْتُ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي رِسَالَةِ الِاسْتِبْدَالِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُنْتَقَى الْمَذْكُورِ شَامِلٌ لِلْأَرْضِ وَالْبَيْتِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْ هُوَ الْوَارِثُ لَمْ أَرَهُ) قَبْلَ هَذَا عَجِيبٌ مِنْ الشَّارِحِ بَعْدَ مَا رَأَى كَلَامَ الْبَحْرِ خُصُوصًا، وَقَدْ أَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الِاسْتِبْدَالُ فَقَطْ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْوَارِثِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ. اهـ.
قُلْت: بَلْ هُوَ عَجِيبٌ مِنْ الْمُعْتَرِضِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ الْبَحْرُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَشَايِخِ إلَخْ. نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ وَكَذَا مَا قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَادَ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ دَارَ الْغَلَّةِ إذَا خَرِبَتْ إنَّمَا يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَهُ نَقْضُهَا دُونَ سَاحَتِهَا لِأَنَّ سَاحَتَهَا يُمْكِنُ اسْتِغْلَالُهَا وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِلْغَلَّةِ كَرِبَاطٍ أَوْ حَوْضٍ خَرِبٍ فَهَذَا يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ كُلِّهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.

مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ سُئِلَ عَنْ وَقْفٍ انْهَدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُعَمِّرُ مِنْهُ، وَلَا أَمْكَنَ إجَارَتُهُ وَلَا تَعْمِيرُهُ، هَلْ تُبَاعُ أَنْقَاضُهُ مِنْ حَجَرٍ وَطُوبٍ وَخَشَبٍ؟ أَجَابَ: إذَا كَانَ الْأَمْوَالُ كَذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَقْفٌ مَكَانَهُ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدَّهُ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ إنْ وُجِدُوا وَلَا يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ. اهـ.
قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالرَّدُّ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ إلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، حَيْثُ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ. .
1 -
[تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَانَ لَوْ احْتَاجَ إلَى الْمَرَمَّةِ آجَرَ بَيْتًا أَوْ بَيْتَيْنِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ يُؤْذِنُ لِلنَّاسِ بِالنُّزُولِ سَنَةً، وَيُؤَجِّرُ سَنَةً أُخْرَى وَيَرُمُّ مِنْ أُجْرَتِهِ وَقَالَ النَّاطِفِيُّ الْقِيَاسُ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَجُوزَ إجَارَةُ سَطْحِهِ لِمِرَمَّتِهِ مُحِيطٌ، وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ عِمَارَةِ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ وَالْحَوْضِ وَالْبِئْرِ وَأَمْثَالِهَا حُكْمُ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. اهـ.

(4/376)


الْحَاكِمُ أَوْ الْمُتَوَلِّي حَاوِي (نَقْضَهُ) أَوْ ثَمَنَهُ إنْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ عَيْنِهِ (إلَى عِمَارَتِهِ إنْ احْتَاجَ وَإِلَّا حَفِظَهُ لَهُ لِيَحْتَاجَ) إلَّا إذَا خَافَ ضَيَاعَهُ فَيَبِيعَهُ وَيُمْسِكَ ثَمَنَهُ لِيَحْتَاجَ حَاوِي.

(وَلَا يُقْسَمُ) النَّقْضُ أَوْ ثَمَنُهُ (بَيْنَ مُسْتَحِقِّ الْوَقْفِ) لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَنَافِعِ لَا الْعَيْنِ

(جَعَلَ شَيْءٌ) أَيْ جَعَلَ الْبَانِي شَيْئًا (مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا) لِضِيقِهِ وَلَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّينَ (جَازَ) لِأَنَّهُمَا لِلْمُسْلِمِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: نَقْضُهُ) بِتَثْلِيثِ النُّونِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ أَيْ الْمَنْقُوضُ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ وَآجُرٍّ وَغَيْرِهَا شَرْحُ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ: إنْ احْتَاجَ) بِأَنْ أُحْضِرَتْ الْمُؤَنُ أَوْ كَانَ الْمُنْهَدِمُ لِقِلَّتِهِ لَا يُخِلُّ بِالِانْتِفَاعِ، فَيُؤَخِّرُهُ لِلِاحْتِيَاجِ وَإِلَّا فَبِالِانْهِدَامِ تَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ، فَلَا مَعْنَى لِلشَّرْطِ حِينَئِذٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَأَغْفَلَهُ فِي الْبَحْرِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لِيَحْتَاجَ) الْأَوْلَى لِلِاحْتِيَاجِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ (قَوْلُهُ: فَيَبِيعُهُ) فَعَلَى هَذَا يُبَاعُ النَّقْضُ فِي مَوْضُوعَيْنِ: عِنْدَ تَعَذُّرِ عَوْدِهِ وَعِنْدَ خَوْفِ هَلَاكِهِ بَحْرٌ، وَيُزَادُ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَقْفُ الْوَاقِفِ أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ مُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ فِي صَيْرُورَتِهِ وَقْفًا خِلَافًا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَبِيعَهُ مَتَى شَاءَ لِمَصْلَحَةٍ عَرَضَتْ. اهـ. وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مَتْنًا.

(قَوْلُهُ: لَا الْعَيْنُ) لِأَنَّهَا حَقُّ الْمَالِكِ أَوْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخِلَافِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ عَدَمُ جَوَازِ قِسْمَةِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَكَذَا مَا بَقِيَ مِنْ شَمْعِ رَمَضَانَ وَزَيْتِهِ لِلْإِمَامِ، وَالْوَقَّادِينَ حَمَوِيٌّ إلَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ الْمُؤَذِّنَ يَأْخُذُهُ بِلَا صَرِيحِ إذْنِ الدَّافِعِ، فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ ط.
قُلْت: وَشَجَرُ الْوَقْفِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ سَأَلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَنْ شَجَرَةِ وَقْفٍ يَبِسَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا قَالَ مَا يَبِسَ مِنْهَا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ غَلَّتِهَا وَمَا بَقِيَ مَتْرُوكٌ عَلَى حَالِهَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ إنْ لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَلْعِ لِأَنَّهُ غَلَّتُهَا وَالْمُثْمِرَةُ لَا تُبَاعُ إلَّا بَعْدَ الْقَلْعِ كَبِنَاءِ الْوَقْفِ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ غَصَبَ وَقْفًا فَنَقَضَ فَمَا يُؤْخَذُ بِنَقْصِهِ يُصْرَفُ إلَى مَرَمَّتِهِ لَا إلَى أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَحَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ لَا فِي الرَّقَبَةِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: جُعِلَ شَيْءٌ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَشَيْءٌ نَائِبُ فَاعِلٍ وَالْأَصْلُ مَا فَسَّرَ بِهِ الشَّارِحُ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِيمَا مَرَّ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: أَيْ جَعَلَ الْبَانِي) ظَاهِرُهُ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ لَيْسَ لَهُ ذِكْرُ ذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ. مَطْلَبٌ فِي جَعْلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا (قَوْلُهُ: مِنْ الطَّرِيقِ) أَطْلَقَ فِي الطَّرِيقِ فَعَمَّ النَّافِذَ وَغَيْرَهُ وَفِي عِبَارَتِهِمْ مَا يُؤَيِّدُهُ ط وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِضِيقِهِ وَلَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّينَ) أَفَادَ أَنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ ط (قَوْلُهُ: جَازَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْمَسْجِدُ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ بَلْ هُوَ طَرِيقٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ حَوَائِطَهُ عَادَ طَرِيقًا كَمَا كَانَ قَبْلَهُ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي مَسْجِدٍ جُعِلَ كُلُّهُ مِنْ الطَّرِيقِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا أُدْخِلَ مِنْ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهَذَا

(4/377)


(كَعَكْسِهِ) أَيْ كَجَوَازِ عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا جُعِلَ فِي الْمَسْجِدِ مَمَرٌّ لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ.

وَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرُ إلَّا الْجُنُبُ وَالْحَائِضَ وَالدَّوَابُّ زَيْلَعِيٌّ

(كَمَا جَازَ جَعْلُ) الْإِمَامِ (الطَّرِيقَ مَسْجِدًا لَا عَكْسُهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ جُعِلَ مِنْهُ كَمَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَقَدْ مَرَّ قُبَيْلَ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ فِي بَحْثِ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ أَنَّ مَا أُلْحِقَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْفَضِيلَةِ نَعَمْ تَحَرِّي الْأَوَّلِ أَوْلَى اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كَعَكْسِهِ) فِيهِ خِلَافٌ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ وَهَذَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ) لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فِي جَوَامِعِنَا.
نَعَمْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْمُرُورَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ بَابَانِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ طَرِيقًا، وَأَنْ يَدْخُلَهُ بِلَا طَهَارَةٍ اهـ. نَعَمْ يُوجَدُ فِي أَطْرَافِ صَحْنِ الْجَوَامِعِ رِوَاقَاتٌ مَسْقُوفَةٌ لِلْمَشْيِ فِيهَا وَقْتَ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْجَامِعِ لَا لِمُرُورِ الْمَارِّينَ مُطْلَقًا كَالطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَمَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ يَمُرُّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَطْ لِيَكُونَ بَعِيدًا عَنْ الْمُصَلِّينَ؛ وَلِيَكُونَ أَعْظَمَ حُرْمَةً لِمَحَلِّ الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى الْكَافِرُ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ حَتَّى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ غَايَةً هُنَا. قُلْت: فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ وَسَائِرَ الْمَسَاجِدِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ اهـ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ فِي دُخُولِهِ لِغَيْرِ مُهِمَّةٍ بَأْسًا وَبِهِ يُتَّجَهُ مَا هُنَا فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: كَمَا جَازَ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ بِمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ فِي اتِّخَاذِ بَعْضِ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا، وَهَذَا فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ ظَاهِرٌ فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِ الطُّرُقِ مَسْجِدًا الْإِبْطَالُ حَقُّ الْعَامَّةِ مِنْ الْمُرُورِ الْمُعْتَادِ لِدَوَابِّهِمْ وَغَيْرِهَا فَلَا يُقَالُ بِهِ إلَّا بِالتَّأْوِيلِ بِأَنْ يُرَادَ بَعْضُ الطَّرِيقِ لَا كُلُّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهُ مَا إذَا كَانَ لِمَقْصِدٍ طَرِيقَانِ، وَاحْتَاجَ الْعَامَّةُ إلَى مَسْجِدٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ جَعْلُ أَحَدِهِمْ مَسْجِدًا وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ طَرِيقًا وَفِيهِ نَوْعُ مُدَافَعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْبَعْضِ وَالْكُلِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.
قُلْت: إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ تَابَعَ صَاحِبَ الدُّرَرِ مَعَ أَنَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقَلَ أَوَّلًا جَعَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا وَمِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا جَازَ ثُمَّ رَمَزَ لِكِتَابٍ آخَرَ، لَوْ جَعَلَ الطَّرِيقَ مَسْجِدًا يَجُوزُ لَا جَعْلُ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ فَجَازَ جَعْلُهُ مَسْجِدًا، وَلَا يَجُوزُ الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ طَرِيقًا اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فِي جَعْلِ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ، وَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَجْعَلُوا شَيْئًا مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِلْمُسْلِمِينَ فَقَدْ قِيلَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا وَالْمَسْجِدُ وَاسِعًا لَا يَحْتَاجُونَ إلَى بَعْضِهِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ كُلَّهَا لِلْعَامَّةِ اهـ وَالْمُتُونُ عَلَى الثَّانِي، فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ فِي جَعْلِ شَيْءٍ مِنْهُ طَرِيقًا، وَأَمَّا جَعْلُ كُلِّ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا نَعَمْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ أَهْلِ مَسْجِدٍ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَسْجِدَ رَحْبَةً وَالرَّحْبَةَ مَسْجِدًا أَوْ يَتَّخِذُوا لَهُ بَابًا أَوْ يُحَوِّلُوا بَابَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَأَبَى الْبَعْضُ ذَلِكَ قَالَ إذَا اجْتَمَعَ أَكْثَرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ لَيْسَ لِلْأَقَلِّ مَنْعُهُ. اهـ.
قُلْت وَرَحْبَةُ الْمَسْجِدِ سَاحَتُهُ، فَهَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ جَعْلَ بَعْضِهِ رَحْبَةً فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ جَعْلَ كُلِّهِ فَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَحْوِيلُهُ بِجَعْلِ الرَّحْبَةِ مَسْجِدًا بَدَلَهُ بِخِلَافِ جَعْلِهِ طَرِيقًا تَأَمَّلْ، ثُمَّ ظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ أَوَّلًا بِالْبَانِي، وَثَانِيًا بِالْإِمَامِ غَيْرُ قَيْدٍ نَعَمْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي مَسْجِدٍ ضَاقَ بِأَهْلِهِ

(4/378)


لِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ لَا الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ

(تُؤْخَذُ أَرْضٌ) وَدَارٌ وَحَانُوتٌ (بِجَنْبِ مَسْجِدٍ ضَاقَ عَلَى النَّاسِ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا) دُرَرٌ وَعِمَادِيَّةٌ.

(جَعَلَ) الْوَاقِفُ (الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ جَازَ) بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِأَحَدٍ فَالْوِلَايَةُ لَهُ عِنْدَ الثَّانِي. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَهْرٌ، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَلِلْحَاكِمِ فَتَاوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَا بَأْسَ بِأَنْ يُلْحَقَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَامَّةِ إذَا كَانَ وَاسِعًا وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَقِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا فُتِحَتْ الْبَلْدَةُ عَنْوَةً لَا لَوْ صُلْحًا (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ) فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ مَكْرُوهَةٌ كَالْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ فَالصَّوَابُ لِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَعْنِي أَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَهِيَ أَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَجُزْ فَكَانَ فِي جَعْلِهِ مَسْجِدًا ضَرُورَةً، بِخِلَافِ جَعْلِ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَسْجِدِيَّةِ أَبَدًا فَلَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَخْفَى فِي أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذَا كَوْنُ الْمُرَادِ مُرُورَ أَيِّ مَارٍّ وَلَوْ غَيْرَ جُنُبٍ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ، وَقَدْ عَلِمْت تَرْجِيحَ خِلَافِهِ وَهُوَ جَوَازُ جَعْلِ شَيْءٍ مِنْهُ مَسْجِدًا وَتَسْقُطُ حُرْمَةُ الْمُرُورِ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ لَكِنْ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ، فَلِذَا لَمْ يَجُزْ الْمُرُورُ فِيهِ لِجُنُبٍ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَتُؤْخَذُ أَرْضٌ) فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَبِجَنْبِهِ أَرْضُ وَقْفٍ عَلَيْهِ أَوْ حَانُوتٌ جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ وَيُدْخَلَ فِيهِ اهـ زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَتَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ: وَقْفٌ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَسْجِدِ يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَكِنَّ جَوَازَ أَخْذِ الْمَمْلُوكَةِ كُرْهًا يُفِيدُ الْجَوَازَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْوَقْفُ كَذَلِكَ وَلِذَا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْقَيْدَ وَكَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِالْقِيمَةِ كُرْهًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا ضَاقَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَخَذُوا أَرَضِينَ بِكُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهَا بِالْقِيمَةِ وَزَادُوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَحْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: وَلَعَلَّ الْأَخْذَ كُرْهًا لَيْسَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ضَاقَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَسْجِدٌ آخَرُ إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ مَسْجِدٌ آخَرُ يُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرُورَةِ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ نَعَمْ فِيهِ حَرَجٌ لَكِنَّ الْأَخْذَ كُرْهًا أَشَدُّ حَرَجًا مِنْهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ إذْ لَا مَسْجِدَ فِي مَكَّةَ سِوَى الْحَرَامِ اهـ. .

مَطْلَبٌ فِي اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: جَازَ بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ: لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرٌ فَيُرَاعَى لَكِنَّ الَّذِي فِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَدْ رَدَّ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ اشْتِرَاطَهَا يُفْسِدُ الْوَقْفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ وَأَطَالَ وَأَطَابَ. وَحَاصِلُ: مَا ذَكَرَهُ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَاخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي تَأْوِيلِ مَا نُقِلَ عَنْهُ وَإِنَّ هِلَالًا أَدْرَكَ بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَفْظُ الْمَشَايِخِ يُقَالُ عَلَى مَنْ دُونَهُ. اهـ.
مَطْلَبٌ فِي تَرْجَمَةِ هِلَالِ الرَّائِيِّ الْبَصْرِيِّ وَفِي الْفَتْحِ هِلَالٌ الرَّائِيُّ هُوَ هِلَالُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ نُسِبَ إلَى الرَّأْيِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَرَأْيِهِمْ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ الْبَصْرِيِّ وَيُوسُفُ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: إنَّ هِلَالًا أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَوَقَعَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا الرَّازِيّ وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ تَحْرِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لَا مِنْ الرَّيِّ وَالرَّازِيِّ نِسْبَةً إلَى الرَّيِّ وَهَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ

(4/379)


ابْنِ نُجَيْمٍ وَقَارِئِ الْهِدَايَةِ وَسَيَجِيءُ

(وَيُنْزَعُ) وُجُوبًا بَزَّازِيَّةٌ (لَوْ) الْوَاقِفُ دُرَرٌ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى (غَيْرَ مَأْمُونٍ) أَوْ عَاجِزًا أَوْ ظَهَرَ بِهِ فِسْقٌ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ فَتْحٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْوَقْفُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتِي (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُ الْمَتْنِ وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ لِوَصِيِّهِ ثُمَّ لِلْقَاضِي.

مَطْلَبٌ يَأْثَمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ (قَوْلُهُ: وَيُنْزَعُ وُجُوبًا) مُقْتَضَاهُ إثْمُ الْقَاضِي بِتَرْكِهِ وَالْإِثْمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ وَلَا شَكَّ فِيهِ بَحْرٌ. لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْخَصَّافِ أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ أَوْ إدْخَالَ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَفْعُ ضَرَرِهِ عَنْ الْوَقْفِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ بَلْ بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ بِبَيِّنَةٍ، وَأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ وَتَابَ وَأَنَابَ أَعَادَهُ، وَأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ التَّعْمِيرِ خِيَانَةٌ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْوَقْفَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا جَائِزًا عَالِمًا بِهِ اهـ وَقَوْلُهُ: لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ إلَخْ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ قَرِيبًا عَلَى حُكْمِ عَزْلِ الْقَاضِي بِلَا حُجَّةٍ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ بَاعَ دَارًا حُكْمُ عَزْلِ الْوَاقِفِ لِلنَّاظِرِ. مَطْلَبٌ فِيمَا يُعْزَلُ بِهِ النَّاظِرُ [تَنْبِيهٌ] إذَا كَانَ نَاظِرًا عَلَى أَوْقَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ فِي بَعْضِهَا أَفْتَى الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّهُ يُعْزَلُ مِنْ الْكُلِّ.
قُلْت: وَيَشْهَدُ قَوْلُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَفِي الْجَوَاهِرِ الْقَيِّمُ إذَا لَمْ يُرَاعِ الْوَقْفَ يَعْزِلُهُ الْقَاضِي وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ إذَا زَرَعَ الْقَيِّمُ لِنَفْسِهِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ يَدِهِ قَالَ الْبِيرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّاظِرَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إعَارَةِ الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ كَانَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ، وَمِنْ الثَّانِي لَوْ سَكَنَ النَّاظِرُ دَارَ الْوَقْفِ وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لَهُ عَزْلُهُ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ السُّكْنَى وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ سَنَةً لَا أَقَلَّ وَلَوْ بَرِئَ عَادَ إلَيْهِ النَّظَرُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ أَمَّا الْمَنْصُوبُ الْقَاضِي فَلَا وَفِي الْبِيرِيِّ أَيْضًا عَنْ أَوْقَافِ النَّاصِحِيِّ الْوَاقِفُ عَلَى قَوْمٍ وَلَا يُوصَلُ إلَيْهِمْ مَا شُرِطَ لَهُمْ يَنْزِعُهُ الْقَاضِي مِنْ يَدِهِ وَيُوَلِّيهِ غَيْرُهُ اهـ وَيَنْعَزِلُ الْمُتَوَلِّي مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ إلَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لَوْ الْوَاقِفُ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي هُوَ الْوَاقِفَ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ الْمُتَوَلِّي الْخَائِنِ غَيْرِ الْوَاقِفِ بِالْأَوْلَى.
مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ الْمُتَوَلِّي (قَوْلُهُ: غَيْرَ مَأْمُونٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَا يُوَلَّى إلَّا أَمِينٌ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، وَكَذَا تَوْلِيَةُ الْعَاجِزِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَكَذَا الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَكَذَا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَقَالُوا: مَنْ طَلَبَ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ لَا يُعْطَى لَهُ وَهُوَ كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لَا يُقَلَّدُ اهـ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا شَرَائِطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا شَرَائِطُ الصِّحَّةِ وَأَنَّ النَّاظِرَ إذَا فَسَقَ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ كَالْقَاضِي إذَا فَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ.

(4/380)


أَوْ كَانَ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الْكِيمْيَاءِ نَهْرٌ بَحْثًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي تَوْلِيَةِ الصَّبِيِّ وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ بُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ لَا حُرِّيَّتُهُ وَإِسْلَامُهُ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ لَوْ أَوْصَى إلَى الصَّبِيِّ تَبْطُلُ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هِيَ بَاطِلَةٌ مَا دَامَ صَغِيرًا، فَإِذَا كَبِرَ تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانُهُ لِأَهْلِيَّةٍ فِي ذَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ الْمَوْقُوفَ لِحَقِّ الْمَوْلَى يَنْفُذُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ثُمَّ الذِّمِّيُّ فِي الْحُكْمِ كَالْعَبْدِ فَلَوْ أَخْرَجَهُمَا الْقَاضِي ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ لَا تَعُودُ إلَيْهِمَا. اهـ. بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَنَحْوُهُ فِي النَّهْرِ.
وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الشَّلَبِيِّ: وَأَمَّا الْإِسْنَادُ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ بِالنَّظَرِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ لِقُصُورِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَلَى غَيْرِهِ اهـ وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ وَقْفِ هِلَالٍ لَهُ قَالَ: وِلَايَتُهَا إلَى وَلَدِي وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ يُدْخِلُ الْقَاضِي مَكَانَ الصَّغِيرِ رَجُلًا وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ الْكِبَارَ مَقَامَهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْعَافِ بِهَذِهِ النُّقُولِ صَرِيحَةٌ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَصْلُحُ نَاظِرًا وَأَمَّا مَا فِي الْأَشْبَاهِ فِي أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ، مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ يَصْلُحُ وَصِيًّا وَنَاظِرًا وَيُقِيمُ الْقَاضِي مَكَانَهُ بَالِغًا إلَى بُلُوغِهِ كَمَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مِنْ الْوَصَايَا اهـ فَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَنْظُومَةِ قَوْلَهُ وَنَاظِرًا ثُمَّ رَأَيْت شَارِحَ الْأَشْبَاهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَصِيِّ عَنْ الْمُجْتَبَى. مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَوَّضَ وِلَايَةَ الْوَقْفِ لِلصَّبِيِّ صَحَّ اسْتِحْسَانًا فَفِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى صَرَّحَ بِهِ نَفْسُهُ فِي الْحَاوِي بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ فِي وَقْفِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي الْقِيَاسِ، وَلَكِنْ اسْتِحْسَانُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ إذَا كَبِرَ. اهـ. وَهَذَا هُوَ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْعَافِ نَعَمْ رَأَيْت فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ قَالَ الْقَاضِي: إذَا فَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إلَى صَبِيٍّ يَجُوزُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْحِفْظِ وَتَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الصَّبِيَّ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَا يَأْذَنُ اهـ وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ لِلْحِفْظِ بِأَنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، أَمَّا الْقَادِرُ عَلَيْهِ فَتَكُونُ تَوْلِيَتُهُ مِنْ الْقَاضِي إذْنًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ. مَطْلَبٌ فِيمَا شَاعَ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَفْوِيضِ نَظَرِ الْأَوْقَافِ لِلصَّغِيرِ
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا شَاعَ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَفْوِيضِ نَظَرِ الْأَوْقَافِ لِصَغِيرٍ لَا يَعْقِلُ وَحُكْمَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ ذَلِكَ خَطَأٌ مَحْضٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ تَوْلِيَةَ النَّظَرِ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إذَا وُلِّيَ بَالِغٌ عَاقِلٌ رَشِيدٌ وَكَانَ فِي أَهْلِ الْوَقْفِ أَرْشَدُ مِنْهُ لَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ لِمُخَالَفَتِهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ طِفْلًا لَا يَعْقِلُ، وَثَمَّ بَالِغٌ رَشِيدٌ إنَّ هَذَا لَهُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ وَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّ خَبَرَ الْأَبِ لِابْنِهِ لَا يُفِيدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرْعِ، وَمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِعْطَاءِ الْوَظَائِفِ مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَغَيْرِهَا إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي الْجِهَادِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْجِزْيَةِ كَيْفَ وَلَوْ أَوْصَى الْوَاقِفُ بِالتَّوْلِيَةِ لِابْنِهِ لَا تَصِحُّ مَا دَامَ صَغِيرًا حَتَّى يَكْبَرَ فَتَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْأَرْشَدَ إذَا فُوِّضَ، وَأُسْنِدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِمَنْ أَرَادَ صَحَّ؛ لِأَنَّ مُخْتَارَ الْأَرْشَدِ أَرْشَدُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الرُّشْدَ فِي أُمُورِ الْوَقْفِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالرَّشِيدِ لَا تَحْصُلُ لَهُ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَهُ كَمَا لَا يَصِيرُ الْجَاهِلُ عَالِمًا بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ الْغَيْرِ لَهُ فِي وَظِيفَةِ التَّدْرِيسِ، وَكُلُّ هَذِهِ أُمُورٌ نَاشِئَةٌ عَنْ جَهْلٍ وَاتِّبَاعِ الْعَادَةِ الْمُخَالِفَةِ لِصَرِيحِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ تَحْكِيمِ الْعَقْلِ الْمُخْتَارِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الْكِيمْيَاءِ) لِأَنَّهُ اُسْتُقْرِئَ مِنْ أَحْوَالِ مُتَعَاطِيهَا أَنَّهَا تَسْتَجِرُّهُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ بِهَذَا السَّبَبِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجُرَّهُ

(4/381)


[مَطْلَبٌ يَأْثَمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ]
(وَإِنْ شُرِطَ عَدَمُ نَزْعِهِ) أَوْ أَنْ لَا يَنْزِعَهُ قَاضٍ وَلَا سُلْطَانٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَبْطُلُ كَالْوَصِيِّ

فَلَوْ مَأْمُونًا لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَةُ غَيْرِهِ أَشْبَاهٌ

[مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْحَالُ إلَى إضَاعَةِ مَالِ الْوَقْفِ ط.

(قَوْلُهُ وَإِنْ شُرِطَ عَدَمُ نَزْعِهِ) هِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا شَرْطُ الْوَاقِفِ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَسَتَأْتِي ط (قَوْلُهُ: كَالْوَصِيِّ) فَإِنَّهُ يَنْزِعُهُ وَإِنْ شَرَطَ الْمُوصِي عَدَمَ نَزْعِهِ وَإِنْ خَانَ ط.

مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ مَأْمُونًا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ غَيْرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى إلَى الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ بِلَا خِيَانَةٍ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَا يَصِيرُ الثَّانِي مُتَوَلِّيًا وَيَصِحُّ عَزْلُ النَّاظِرِ بِلَا خِيَانَةٍ لَوْ مَنْصُوبَ الْقَاضِي أَيْ لَا الْوَاقِفِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يُعِيدَهُ وَإِنْ عَزَلَهُ الْأَوَّلُ بِلَا سَبَبٍ لِحَمْلِ أَمْرِهِ عَلَى السَّدَادِ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ أَهْلِيَّتُهُ اهـ وَأَمَّا الْوَاقِفُ فَلَهُ عَزْلُ النَّاظِرِ مُطْلَقًا بِهِ يُفْتِي وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ نَاظِرًا فَنَصَّبَهُ الْقَاضِي لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ إخْرَاجَهُ كَذَا فِي فَتَاوَى صَاحِبِ التَّنْوِيرِ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَذَكَرَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ شَاهِينُ عَنْ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ مُتَوَلٍّ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي نَصْبَ مُتَوَلٍّ آخَرَ بِلَا سَبَبٍ مُوجِبٍ لِذَلِكَ وَهُوَ ظُهُورُ خِيَانَةِ الْأَوَّلِ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ اهـ. قَالَ: وَهَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ أَبُو السُّعُودِ قَالَ وَكَذَا الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ عَزْلِهِ بِلَا خِيَانَةٍ وَإِنْ عَزَلَهُ مَوْلَانَا السُّلْطَانُ فَعَمَّ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ مَنْصُوبَ الْقَاضِي. اهـ. ط.
قُلْت: وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ كَلَامًا عَنْ الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ مَنْصُوبِ قَاضٍ آخَرَ بِغَيْرِ خِيَانَةٍ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ اهـ وَهَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، أَوْ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ عَجَزَ أَوْ فَسَقَ وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْ حَاوِي الْحَصِيرِيِّ عَنْ وَقْفِ الْأَنْصَارِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ يَتَوَلَّى مِنْ جِيرَانِ الْوَاقِفِ وَقَرَابَتِهِ إلَّا بِرِزْقٍ وَيَفْعَلُ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِلَا رِزْقٍ فَذَلِكَ إلَى الْقَاضِي يَنْظُرُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ اهـ. .

[مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ عَزْلُ صَاحِبِ وَظِيفَةٍ بِلَا جُنْحَةٍ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ] 1
ٍ [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عَزْلِ النَّاظِرِ بِلَا جُنْحَةٍ عَدَمُهَا لِصَاحِبِ وَظِيفَةٍ فِي وَقْفٍ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ وَعَدَمِ أَهْلِيَّةٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ غَيْبَةِ الْمُتَعَلِّمِ، مِنْ أَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ حُجْرَتُهُ وَوَظِيفَتُهُ عَلَى حَالِهَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَهَذَا مَعَ الْغَيْبَةِ فَكَيْفَ مَعَ الْحَضْرَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْغَيْبَةِ وَحُكْمُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وِلَايَةُ نِصْفِ الْقِيَمِ إلَى الْوَاقِفِ، وَفِي آخِرِ الْفَنِّ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْبَاهِ إذَا وَلَّى السُّلْطَانُ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ خُصُوصًا إنْ كَانَ الْمُقَرَّرُ عَنْ مُدَرِّسٍ أَهْلًا فَإِنَّ الْأَهْلَ لَمْ يَنْعَزِلْ وَصَرَّحَ الْبَزَّازِيُّ فِي الصُّلْحِ، بِأَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَعْطَى غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ فَقَدْ ظَلَمَ مَرَّتَيْنِ بِمَنْعِ الْمُسْتَحِقِّ وَأَعْطَاهُ غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ اهـ مُلَخَّصًا. .

[مَطْلَبٌ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ] 1
ِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْقَاضِي يُنَصِّبُ غَيْرَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْقَاضِي وَمَنْ عَزَلَ نَفْسَهُ لِفَرَاغٍ لِغَيْرِهِ عَنْ وَظِيفَةِ النَّظَرِ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَنْزُولُ لَهُ غَيْرَ أَهْلٍ لَا يُقَرِّرُهُ الْقَاضِي وَلَوْ أَهْلًا

(4/382)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّ مَنْ فَرَغَ لِإِنْسَانٍ عَنْ وَظِيفَتِهِ سَقَطَ حَقُّهُ وَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْ النَّاظِرُ الْمَنْزُولَ لَهُ اهـ فَالْقَاضِي بِالْأُولَى وَقَدْ جَرَى التَّعَارُفُ بِمِصْرَ الْفَرَاغُ بِالدَّرَاهِمِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَيَنْبَغِي الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ بَعْدَهُ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا، لَكِنْ يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى إذَا أَرَادَ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ هُنَاكَ مَطْلَبٌ لَا بُدَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي فِي الْوَظِيفَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ وَأَنَّهُ خُولِفَ فِي ذَلِكَ أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي. وَسُئِلَ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَمَّا إذَا قَرَّرَ السُّلْطَانُ رَجُلًا فِي وَظِيفَةٍ كَانَتْ لِرَجُلٍ فَرَغَ لِغَيْرِهِ عَنْهَا بِمَالٍ أَجَابَ بِأَنَّهَا لِمَنْ قَرَّرَهُ السُّلْطَانُ لَا لِلْمَفْرُوغِ لَهُ إذْ الْفَرَاغُ لَا يَمْنَعُ تَقْرِيرُهُ سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا أَوْ بِعَدَمِهَا الْمُوَافِقِ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ ثُمَّ رَأَيْت صَرِيحَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الشَّافِعِيَّةِ لِابْنِ حَجَرٍ مُعَلَّلًا بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفَرَاغِ سَبَبٌ ضَعِيفٌ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ تَقْرِيرِ النَّاظِرِ إلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا. .

مَطْلَبٌ لَوْ قَرَّرَ الْقَاضِي رَجُلًا ثُمَّ قَرَّرَ السُّلْطَانُ آخَرَ فَالْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ قَرَّرَ الْقَاضِي رَجُلًا ثُمَّ قَرَّرَ السُّلْطَانُ آخَرَ فَالْعِبْرَةُ لِتَقْرِيرِ الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ إذَا نَجَّزَ مَا وُكِّلَ فِيهِ ثُمَّ فَعَلَهُ الْمُوَكِّلُ.
1 -
مَطْلَبٌ النَّاظِرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ التَّقْدِيرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي وأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّ النَّاظِرَ الْمَشْرُوطَ لَهُ التَّقْرِيرُ لَوْ قَرَّرَ شَخْصًا فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ تَقْرِيرِ الْقَاضِي أَخْذًا مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ: وَهِيَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الْخَاصَّةَ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ لَهُ التَّقْرِيرَ فَالْمُعْتَبَرُ تَقْرِيرُ الْقَاضِي. اهـ. .

[مَطْلَبٌ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَالِ الْفَرَاغِ] 1
ِ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ فَرَغَ عَنْ الْوَظِيفَةِ بِمَالٍ فَلِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ حَقٍّ مُجَرَّدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً قَالَ وَمَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ فَقَدْ أَفْتَى بِخِلَافِ الْمَذْهَبِ لِبِنَائِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَالْمَسْأَلَةُ شَهِيرَةٌ وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ رَسَائِلُ وَاتِّبَاعُ الْجَادَّةِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَتَبَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا كِتَابَةً حَسَنَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْخَيْرِيَّةِ فَرَاجِعْهَا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَحَاصِلُهُ جَوَازُ أَخْذِ الْمَالِ بِلَا رُجُوعٍ.

(4/383)


(وَجَازَ جَعْلُ غَلَّةِ الْوَقْفِ) أَوْ الْوِلَايَةِ (لِنَفْسِهِ عِنْدَ الثَّانِي) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

(وَ) جَازَ (شَرْطُ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ جَعْلُ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ إلَخْ) أَيْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِهِ التَّسْلِيمَ إلَى مُتَوَلٍّ وَقِيلَ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ أَيْ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَوْجَهُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْغَلَّةِ لِمُدَبَّرَيْهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ اتِّفَاقًا لِثُبُوتِ حُرِّيَّتِهِمْ بِمَوْتِهِ، فَهُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَجَانِبِ وَثُبُوتُهُ لَهُمْ حَالَ حَيَاتِهِ تَبَعٌ لِمَا بَعْدَهَا، وَقُيِّدَ بِجَعْلِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: جَوَازُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى فُلَانٍ صَحَّ نِصْفُهُ وَهُوَ حِصَّةُ فُلَانٍ وَبَطَلَ حِصَّةُ نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ: ثُمَّ عَلَى فُلَانٍ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي تَضْعِيفِهِ وَاعْتِمَادُ الْجَوَازِ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ جَعْلِ الْغَلَّةِ لِنَفْسٍ وَالْوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى شَخْصٍ سِوَى صَرْفِ الْغَلَّةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّصْحِيحُ الْمَنْقُولُ فِي صِحَّةِ الْأَوَّلِ شَامِلًا لِصِحَّةِ الثَّانِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْفَتْحِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ إلَخْ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي جَعْلِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ.
مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْوِلَايَةِ) مُفَادُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوِلَايَة لِنَفْسِهِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ نِزَاعٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَعَ التَّوْفِيقِ بِأَنَّ عَنْ مُحَمَّدِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا تُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأُخْرَى تُخَالِفُهُ فَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى؛ وَدَعْوَى الْخِلَافِ عَلَى الثَّانِيَةِ فَلَا خَلَلَ فِي النَّقْلَيْنِ فَلِذَا مَشَى الشَّارِحُ عَلَيْهِمَا فِي مَوْضِعَيْنِ مُشِيرًا إلَى صِحَّةِ كُلٍّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) كَذَا قَالَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهُوَ مُخْتَارُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتَارَ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَفِي الْبَنْجَرِ عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ وَتَكْثِيرًا لِلْخَيْرِ. .

مَطْلَبٌ فِي اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ وَشُرُوطِهِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ شَرْطُ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَشْرِطَهُ الْوَاقِفُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، فَالِاسْتِبْدَالُ فِيهِ جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ اتِّفَاقًا. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَشْرُطَهُ سَوَاءٌ شَرَطَ عَدَمَهُ أَوْ سَكَتَ لَكِنْ صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا، أَوْ لَا يَفِي بِمُؤْنَتِهِ فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَرَأْيِهِ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَشْرُطَهُ أَيْضًا وَلَكِنْ فِيهِ نَفْعٌ فِي الْجُمْلَةِ وَبَدَلُهُ خَيْرٌ مِنْهُ رِيعًا وَنَفْعًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمُخْتَارِ كَذَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ قَنَالِي زَادَهْ فِي رِسَالَتِهِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الِاسْتِبْدَالِ، وَأَطْنَبَ فِيهَا عَلَيْهِ الِاسْتِدْلَالَ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ أَيْضًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْعَامِرِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ وَيَأْتِي بَقِيَّةُ شُرُوطِ الْجَوَازِ.
وَأَفَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ فِي الِاسْتِبْدَالِ أَنَّ الْخِلَافَ

(4/384)


أَرْضًا أُخْرَى حِينَئِذٍ (أَوْ) شَرْطُ (بَيْعِهِ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ أَرْضًا أُخْرَى إذَا شَاءَ فَإِذَا فَعَلَ صَارَتْ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى فِي شَرَائِطِهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا ثُمَّ لَا يَسْتَبْدِلُهَا) بِثَالِثَةٍ لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ وَالشَّرْطُ وُجِدَ فِي الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي الثَّالِثِ، إنَّمَا هُوَ فِي الْأَرْضِ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الِاسْتِغْلَالِ بِخِلَافِ الدَّارِ إذَا ضَعُفَتْ بِخَرَابِ بَعْضِهَا، وَلَمْ تَذْهَبْ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ الِاسْتِبْدَالُ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ قَالَ: وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهَا عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ الْأَرْضَ إذَا ضَعُفَتْ لَا يُرْغَبُ غَالِبًا فِي اسْتِئْجَارِهَا بَلْ فِي شِرَائِهَا أَمَّا الدَّارُ فَيُرْغَبُ فِي اسْتِئْجَارِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً لِأَجْلِ تَعْمِيرِهَا لِلسُّكْنَى عَلَى أَنَّ بَابَ الْقِيَاسِ مَسْدُودٌ فِي زَمَانِنَا وَإِنَّمَا لِلْعُلَمَاءِ النَّقْلُ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (قَوْلُهُ: أَرْضًا أُخْرَى) مَفْعُولٌ بِهِ لِلِاسْتِبْدَالِ وَعَمَلُ الْمَصْدَرِ الْمَقْرُونِ بِأَلْ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الِاسْتِبْدَالِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفَرَّعَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ شَرْطٌ وَالِاسْتِبْدَالُ لِنَفْسِهِ، فَيُجَوِّزُهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبْطَلَهُ مُحَمَّدٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ صِحَّةُ الشَّرْطِ إجْمَاعًا وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا ذُكِرَ الشَّرْطُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي مَا إذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِبْدَالِ بِقَرِينَةِ تَعْبِيرِ الْخَانِيَّةِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِهِ بِلَفْظِ الِاسْتِبْدَالِ أَوْ الْبَيْعِ، وَهُوَ خِلَافُ التَّوْفِيقِ الْمَذْكُورِ آنِفًا.
(قَوْلُهُ: وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ أَرْضًا) أَيْ وَأَنْ يَشْتَرِيَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ
وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي
وَقُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ فَقَطْ يُفْسِدُ الْوَقْفَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الِاسْتِبْدَالِ إلَّا بِذِكْرِ الشِّرَاءِ وَفِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وَاقِفٍ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الِاسْتِبْدَالَ وَالْبَيْعَ فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْوَقْفَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْبَيْعَ بَعْدَ الِاسْتِبْدَالِ كَانَ عَطْفَ مُغَايِرٍ، وَأَطْلَقَ الْبَيْعَ وَلَمْ يَقُلْ وَاشْتَرَى بِالثَّمَنِ مَا يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا فَأَبْطَلَ الْوَقْفَ لِقَوْلِ الْخَصَّافِ لَوْ اشْتَرَطَ بَيْعَ الْأَرْضِ وَلَمْ يَقُلْ اسْتِبْدَالٌ بِثَمَنِهَا مَا يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا شَاءَ) كَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ، وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ الَّتِي رَأَيْتهَا نَعَمْ رَأَيْته مَعْزِيًّا لِلذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْبَيْعِ لَا لِلشِّرَاءِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَيَشْتَرِي لِئَلَّا يُوهَمَ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلشِّرَاءِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْوَقْفِ كَمَا عَلِمْته هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا) أَيْ الشَّرَائِطَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهَا، وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى، وَلَمْ يَزِدْ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ وَقْفًا بِشَرَائِطِ الْأُولَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِيقَافِ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، إذَا قُتِلَ خَطَأً وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَبْدًا آخَرَ ثَبَتَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي خِدْمَتِهِ.
مَطْلَبٌ فِي اشْتِرَاطِ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَسْتَبْدِلُهَا بِثَالِثَةٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: إلَّا أَنْ يَذْكُرَ عِبَارَةً تُفِيدُ لَهُ ذَلِكَ دَائِمًا، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْقَيِّمِ الِاسْتِبْدَالُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى وِزَانِ هَذَا الشَّرْطِ لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ، أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الْمَعَالِيمِ إذَا شَاءَ، وَيَزِيدَ وَيُخْرِجَ مَنْ شَاءَ، وَمَنْ اسْتَبْدَلَ بِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِقَيِّمِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ لَهُ وَإِذَا أَدْخَلَ وَأَخْرَجَ مَرَّةً، فَلَيْسَ لَهُ ثَانِيًا

(4/385)


(وَأَمَّا) الِاسْتِبْدَالُ وَلَوْ لِلْمَسَاكِينِ آلَ (بِدُونِ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْقَاضِي) دُرَرٌ

[مَطْلَبٌ فِي اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ وَشُرُوطِهِ]
وَشَرْطَ فِي الْبَحْرِ خُرُوجُهُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَوْنُ الْبَدَلِ عَقَارًا وَالْمُسْتَبْدِلُ قَاضِي الْجَنَّةِ الْمُفَسَّرُ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَفِي النَّهْرِ أَنَّ الْمُسْتَبْدِلَ قَاضِي الْجَنَّةِ فَالنَّفْسُ بِهِ مُطْمَئِنَّةٌ فَلَا يُخْشَى ضَيَاعُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إلَّا بِشَرْطِهِ وَلَوْ شَرَطَهُ لِلْقَيِّمِ وَلَمْ يَشْرِطْهُ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِنَفْسِهِ اهـ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فُرُوعًا مُهِمَّةً فَلْتُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْمَسَاكِينِ آلَ) أَيْ رَجَعَ وَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الدُّرَرِ قَالَ ح: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهَا (قَوْلُهُ: بِدُونِ الشَّرْطِ) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ اشْتَرَطَ عَدَمَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ لَكِنَّهُ مُقْتَضَى قَوَاعِدَ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ كَلَامٌ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ، وَلِلْقَاضِي الْكَلَامُ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَعْلَى وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْطِيلٌ لِلْوَقْفِ فَيَكُونُ شَرْطًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْوَقْفِ وَلَا مَصْلَحَةَ فَلَا يُقْبَلُ اهـ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَشَرَطَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ قَاضِي خَانْ فِي مَوْضِعٍ جَوَّزَهُ لِلْقَاضِي بِلَا شَرْطِ الْوَاقِفِ، حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَفِي مَوْضِعٍ مَنَعَ مِنْهُ: لَوْ صَارَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ بِلَا شَرْطٍ يَجُوزُ لِلْقَاضِي بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ رِيعٌ لِلْوَقْفِ يُعَمِّرُ بِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَشَرْطُ الْإِسْعَافِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْدِلُ قَاضِيَ الْجَنَّةِ الْمُفَسَّرِ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لِئَلَّا يَحْصُلَ التَّطَرُّقُ إلَى إبْطَالِ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي زَمَانِنَا اهـ وَيَجِبُ أَنْ يُزَادَ آخَرُ فِي زَمَانِنَا: وَهُوَ أَنْ يُسْتَبْدَلَ بِعَقَارٍ لَا بِدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فَإِنَّا قَدْ شَاهَدْنَا النُّظَّارَ يَأْكُلُونَهَا، وَقَلَّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا بَدَلًا وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ الْقُضَاةِ فَتَّشَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِي زَمَانِنَا. اهـ.
مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ الِاسْتِبْدَالِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ أَسْقَطَ الشَّارِحُ مِنْهَا الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ، لِظُهُورِهِمَا لَكِنْ فِي الْخَامِسِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا، وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ زِيَادَةَ شَرْطٍ سَادِسٍ: وَهُوَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَلَا مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَيْثُ قَالَ وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَتَانِ لِلْفَتْوَى.
إحْدَاهُمَا: بَاعَ الْوَقْفَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ كَذَلِكَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا عُرِفَ فِي الْوَكَالَةِ.
ثَانِيهِمَا: بَاعَ مِنْ رَجُلٍ لَهُ عَلَى الْمُسْتَبْدِلِ دَيْنٌ وَبَاعَهُ الْوَقْفَ بِالدَّيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ لِأَنَّهُمَا لَا يُجَوِّزَانِ الْبَيْعَ بِالْعُرُوضِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى اهـ وَذَكَرَ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُ شَرْطًا سَابِعًا حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْقُنْيَةِ مُبَادَلَةُ دَارِ الْوَقْفِ بِدَارٍ أُخْرَى إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَحَلَّةِ الْأُخْرَى خَيْرًا وَبِالْعَكْسِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَةُ أَكْثَرَ مِسَاحَةً وَقِيمَةً وَأُجْرَةً لِاحْتِمَالِ خَرَابِهَا فِي أَدْوَنِ الْمَحَلَّتَيْنِ لِدَنَاءَتِهَا وَقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا اهـ وَزَادَ الْعَلَّامَةُ قَنَالِي زَادَهْ فِي رِسَالَتِهِ ثَامِنًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ اسْتِبْدَالَهَا بِدَارٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِبْدَالُهَا بِأَرْضٍ، وَبِالْعَكْسِ أَوْ بِأَرْضِ الْبَصْرَةِ تَقَيَّدَ اهـ فَهَذَا فِيمَا شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ، فَكَذَا يَكُونُ شَرْطًا فِيمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لِنَفْسِهِ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْمَوْقُوفَةِ لِلِاسْتِغْلَالِ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ فِيهَا كَثْرَةُ الرِّيعِ، وَقِلَّةُ الْمَرَمَّةِ وَالْمُؤْنَةِ فَلَوْ اُسْتُبْدِلَ الْحَانُوتُ بِأَرْضٍ تُزْرَعُ وَيَحْصُلُ مِنْهَا غَلَّةٌ قَدْرَ أُجْرَةِ الْحَانُوتِ كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَدْوَمُ وَأَبْقَى وَأَغْنَى عَنْ كَافَّةِ التَّرْمِيمِ وَالتَّعْمِيرِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفَةِ لِلسَّكَنِ لِظُهُورِ أَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الِانْتِفَاعُ بِالسَّكَنِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِيمَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ اسْتِبْدَالَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ،

(4/386)


وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ

وَكَذَا لَوْ شُرِطَ عَدَمُهُ وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَاهِرِهِ ثَامِنَةً وَهِيَ إذَا نَصَّ الْوَاقِفُ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَمَّ مَشَارِفِ جَازَ كَالْوَصِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَلَوْ شَرَطَهُ لَا يَلْزَمُ خُرُوجُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ وَلَا مُبَاشَرَةُ الْقَاضِي لَهُ وَلَا عَدَمُ رِيعٍ يُعَمِّرُ بِهِ كَمَا لَا يَخْفَى فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) رَدٌّ لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَدَلِ عَقَارًا، وَحَاصِلُهُ: إنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ الدَّرَاهِمِ يُخْشَى عَلَيْهَا أَكْلُ النُّظَّارِ لَهَا وَإِذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ كَوْنَ الْمُسْتَبْدِلِ قَاضِيَ الْجَنَّةِ لَا يُخْشَى ذَلِكَ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَاضِيَ الْجَنَّةِ شَرْطٌ لِلِاسْتِبْدَالِ فَقَطْ لَا لِلشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ أَيْضًا، فَقَدْ يَسْتَبْدِلُ قَاضِي الْجَنَّةِ بِالدَّرَاهِمِ وَيُبْقِيهَا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ النَّاظِرِ، ثُمَّ يُعْزَلُ الْقَاضِي وَيَأْتِي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ لَا يُفَتِّشُ عَلَيْهَا فَتَضِيعُ. نَعَمْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ صَرِيحَ كَلَامِ قَاضِي خَانْ جَوَازُهُ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَكِنْ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ وَلَكِنْ يَرْغَبُ شَخْصٌ فِي اسْتِبْدَالِهِ إنْ أَعْطَى مَكَانَهُ بَدَلًا أَكْثَرَ رِيعًا مِنْهُ فِي صُقْعٍ أَحْسَنَ مِنْ صُقْعِ الْوَقْفِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا فَقَدْ عَيَّنَ الْعَقَارَ لِلْبَدَلِ فَدَلَّ عَلَى مَنْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُخَالِفُ قَاضِي خَانْ مَعَ صَرَاحَتِهِ بِالْجَوَازِ بِمَا قَالَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلِاسْتِبْدَالِ بِالدَّرَاهِمِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ. اهـ.
قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ إنْ أَعْطَى مَكَانَهُ بَدَلًا إلَخْ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ بِدُونِ الْعَقَارِ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا: نَعَمْ يُرَدُّ عَلَى الْبَحْرِ أَنَّ كَلَامَ قَارِئِ الْهِدَايَةِ لَا يُعَارِضُ كَلَامَ قَاضِي خَانْ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ وَالْجَوَابُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ، لَمْ يُنْكِرْ كَوْنَ الْمَنْقُولِ فِي الْمَذْهَبِ مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ، وَلَكِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ هَذَا الْمَنْقُولَ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ وَأَنَّ مَا قَالَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَغَيُّرِ الزَّمَانِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ هَذَا قَوْلُهُ فِيمَا سَبَقَ، وَيَجِبُ أَنْ يُزَادَ آخَرُ فِي زَمَانِنَا إلَخْ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ الِاحْتِيَاطُ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَبْدِلُ مِنْ قُضَاةِ هَذَا الزَّمَنِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ نَعَمْ مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي الشُّرُوطِ مِنْ اشْتِرَاطِ خُرُوجِهِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قَرِيبًا. .

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَدَمَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَأَمَّا بِدُونِ الشَّرْطِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّ هَذَا لَا نَقْلَ فِيهِ بَلْ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيهِ مَطْلَبٌ يَجُوزُ مُخَالَفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي مَسَائِلَ (قَوْلُهُ: وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ) الثَّانِيَةُ: شَرَطَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْزِلُ النَّاظِرَ، فَلَهُ عَزْلُ غَيْرِ الْأَهْلِ. الثَّالِثَةُ: شَرَطَ أَنْ لَا يُؤْجَرُ وَقْفَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِ سَنَةٍ أَوْ كَانَ فِي الزِّيَادَةِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ فَلِلْقَاضِي الْمُخَالَفَةُ دُونَ النَّاظِرِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ. الْخَامِسَةُ: شَرَطَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَاضِلِ الْغَلَّةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي مَسْجِدِ كَذَا، فَلِلْقَيِّمِ التَّصَدُّقُ عَلَى سَائِلِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَسْأَلُ. السَّادِسَةُ: لَوْ شَرَطَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ خُبْزًا وَلَحْمًا مُعَيَّنًا كُلَّ يَوْمٍ فَلِلْقَيِّمِ دَفْعُ الْقِيمَةِ مِنْ النَّقْدِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُمْ طَلَبُ الْمُعَيَّنِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ: أَيْ فَالْخِيَارُ لَهُمْ لَا لَهُ وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ رَاجِحٌ. السَّابِعَةُ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ، إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ سَيَذْكُرُهَا الشَّارِحُ فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْآتِي، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ وَزَادَ عَلَيْهَا أُخْرَى وَهِيَ جَوَازُ مُخَالَفَةِ السُّلْطَانِ الشُّرُوطَ إذَا كَانَ أَصْلُ الْوَقْفِ لِبَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَاهِرِهِ) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ زَوَاهِرُ

(4/387)


وَعَزَاهَا لِأَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَفِيهَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْعَامِرِ إلَّا فِي الْأَرْبَعِ قُلْت: لَكِنْ فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ فِي سَنَةِ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَرَدَ الْأَمْرُ الشَّرِيفُ بِمَنْعِ اسْتِبْدَالِهِ، وَأَمَرَ أَنْ يَصِيرَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ تَبَعًا لِتَرْجِيحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ. .

وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْعَزْلَ وَالنَّصْبَ وَسَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ لِمَنْ يَتَوَلَّى مِنْ أَوْلَادِهِ وَلَا يُدَاخِلُهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَإِنْ دَاخَلُوهُمْ فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ هَلْ يُمْكِنُ مُدَاخَلَتُهُمْ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ قَدْ حُرِّرَتْ هَذِهِ الْوَقْفِيَّاتُ الْمَشْرُوطَةُ هَكَذَا فَالْمُتَوَلُّونَ لَوْ مِنْ الْأُمَرَاءِ يَعْرِضُونَ لِلدَّوْلَةِ الْعَلِيَّةِ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ وَمَنْ دُونَهُمْ رُتْبَةً يَعْرِضُ بِآرَائِهِمْ مَعَ قُضَاةِ الْبِلَادِ عَلَى مُقْتَضَى الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمَوَادِّ لَا يُخَالِفُ الْقُضَاةَ الْمُتَوَلِّينَ وَلَا الْمُتَوَلُّونَ الْقُضَاةَ بِهَذَا وَرَدَ الْأَمْرُ الشَّرِيفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْجَوَاهِرِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَنَصُّ عِبَارَةِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ هَكَذَا إذَا نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يُشَارِكُ النَّاظِرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْوَقْفِ، وَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مُشَارِفًا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَالْوَصِيِّ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ حَيْثُ يَصِحُّ اهـ وَهَذَا حَاصِلُ مَا يَأْتِي عَنْ الْمَعْرُوضَاتِ.
قُلْت: وَأَوْصَالُهَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى إلَى إحْدَى عَشْرَةَ فَرَاجِعْهُ وَزَادَ الْبِيرِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى: مَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَاجِرَ بِأَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَأَجْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرُ وَالثَّانِيَةُ: لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ لِمُتَجَوِّهٍ أَيْ لِصَاحِبِ جَاهٍ فَآجَرَهُ مِنْهُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْخَوْفُ عَلَى رَقَبَةِ الْوَاقِفِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. قُلْت: وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْخَوْفِ عَلَى الْأُجْرَةِ وَالْخَوْفِ عَلَى الْوَقْفِ فَفِي الْأَوَّلِ يَصِحُّ بِتَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ. مَطْلَبٌ لَا يَسْتَبْدِلُ الْعَامِرَ إلَّا فِي أَرْبَعٌ
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعٍ) الْأُولَى: لَوْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ. الثَّانِيَةُ: إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى صَارَ بَحْرًا فَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ، وَيَشْتَرِي الْمُتَوَلِّي بِهَا أَرْضًا بَدَلًا: الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْحَدَهُ الْغَاصِبُ وَلَا بَيِّنَةَ أَيْ وَأَرَادَ دَفْعَ الْقِيمَةِ، فَلِلْمُتَوَلِّي أَخْذُهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا بَدَلًا.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَرْغَبَ إنْسَانٌ فِيهِ بِبَدَلٍ أَكْثَرَ غَلَّةً، وَأَحْسَنَ صُقْعًا فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي كِتَابِهِ إجَابَةِ السَّائِلِ قَوْلُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مُعَارَضٌ مِمَّا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، نَحْنُ لَا نُفْتِي بِهِ وَقَدْ شَاهَدْنَا فِي الِاسْتِبْدَالِ مَا لَا يُعَدُّ وَيُحْصَى: فَإِنَّ ظَلَمَةَ الْقُضَاةِ جَعَلُوهُ حِيلَةً لِإِبْطَالِ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَقَدْ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ الْمُرَادُ بِالْقَاضِي: هُوَ قَاضِي الْجَنَّةِ الْمُفَسَّرُ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ اهـ وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ، وَمَا أَرَاهُ إلَّا لَفْظًا يُذْكَرُ فَالْأَحْرَى فِيهِ السَّدُّ خَوْفًا مِنْ مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ وَاَللَّهُ سَائِلُ كُلِّ إنْسَانٍ اهـ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ أَقُولُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ إمَّا عَنْ شَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ أَوَّلًا عَنْ شَرْطِهِ، فَإِنْ كَانَ لِخُرُوجِ الْوَقْفِ عَنْ انْتِفَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا لِذَلِكَ بَلْ اُتُّفِقَ أَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُؤْخَذَ بِثَمَنِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مَعَ كَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إبْقَاءُ الْوَقْفِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ دُونَ زِيَادَةٍ وَلِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِتَجْوِيزِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الْأَوَّلِ الشَّرْطُ وَفِي الثَّانِي الضَّرُورَةُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي هَذَا إذْ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ بَلْ نُبْقِيهِ كَمَا كَانَ. اهـ.
أَقُولُ: مَا قَالَهُ هَذَا الْمُحَقِّقُ هُوَ الْحَقُّ الصَّوَابُ اهـ كَلَامُ الْبِيرِيِّ وَهَذَا مَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْقَنَالِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: بِمَنْعِ اسْتِبْدَالِهِ) أَيْ اسْتِبْدَالِ الْعَامِرِ إذَا قَلَّ رِيعُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ تَبَعًا لِتَرْجِيحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ هُوَ هَذِهِ الصُّورَةُ كَمَا عَلِمْته آنِفًا

(قَوْلُهُ: فَالْمُتَوَلُّونَ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ الرَّكَاكَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُعَرَّبَةٌ مِنْ عِبَارَةٍ تُرْكِيَّةٍ.

(4/388)


فَالْوَاقِفُونَ لَوْ أَرَادُوا أَيَّ فَسَادٍ صَدَرَ يَصْدُرُ وَإِذَا دَاخَلَهُمْ الْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ فَعَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ فَهُمْ الْمَلْعُونُونَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرَائِطَ الْمُخَالِفَةَ لِلشَّرْعِ جَمِيعَهَا لَغْوٌ وَبَاطِلٌ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ. .

(بَنَى عَلَى أَرْضٍ ثُمَّ وَقَفَ الْبِنَاءَ) قَصْدًا (بِدُونِهَا أَنَّ الْأَرْضَ مَمْلُوكَةٌ لَا يَصِحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَحَاصِلُهَا: أَنَّهُ وَرَدَ الْأَمْرُ بِعَدَمِ الْعَمَلِ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْأُمَرَاءِ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بَلْ يَعْرِضُ أَمْرَ الْوَقْفِ عَلَى الدَّوْلَةِ الْعَلِيَّةِ أَيْ عَلَى السُّلْطَانِ لِقُرْبِ الْأَمِيرِ مِنْهُ فَيَتَصَرَّفُ بِالْوَقْفِ بِرَأْيِ السُّلْطَانِ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي مِمَّنْ دُونَ الْأُمَرَاءِ فِي الرُّتْبَةِ، وَهُوَ مَنْ لَا وُصُولَ لَهُ بِنَفْسِهِ إلَى السُّلْطَانِ يَعْرِضُ أَمْرَ الْوَقْفِ بِرَأْيِ الْأُمَرَاءِ عَلَى الْقُضَاةِ لِيَتَصَرَّفَ مَعَهُمْ عَلَى وَفْقِ الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمَوَادِّ الْحَادِثَةِ وَلَا يُخَالِفُ الْمُتَوَلِّي لِلْقَاضِي إذَا أَمَرَهُ بِالْمَشْرُوعِ وَلَا الْقَاضِي الْمُتَوَلِّي إذَا كَانَ تَصَرُّفُ الْمُتَوَلِّي عَلَى وَفْقِ الْمَشْرُوعِ (قَوْلُهُ: فَالْوَاقِفُونَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاقِفِينَ إذَا شَرَطُوا هَذَا الشَّرْطَ، وَلَعَنُوا مَنْ يُدَاخِلُ النَّاظِرَ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ كَانُوا هُمْ الْمَلْعُونِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ مَهْمَا صَدَرَ مِنْ النَّاظِرِ مِنْ الْفَسَادِ لَا يُعَارِضُهُ أَحَدٌ، وَهَذَا شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَفِيهِ تَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَتَعْطِيلُ الْوَقْفِ فَلَا يُقْبَلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ.

(قَوْلُهُ: بَنَى عَلَى أَرْضٍ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ مِنْ قَسْمِ الْمَنْقُولِ وَلِذَا لَا تَجْرِي فِيهِ الشُّفْعَةُ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي بَابِهَا وَلَزِمَ مِنْ ذِكْرِهَا هُنَا الْفَصْلُ بَيْنَ مَسَائِلِ الِاسْتِبْدَالِ وَالْبَيْعِ.
مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَرْضٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَقَفَ الْبِنَاءَ قَصْدًا) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ وَقْفِهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَلَّامَةَ قَاسِمًا أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَرْضٍ، وَعَزَاهُ فِي الْأَصْلِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ وَإِلَى هِلَالِ بْنِ يَحْيَى الْبَصْرِيِّ وَالْخَصَّافِ وَإِلَى الْوَاقِعَاتِ وَالْمُضْمَرَاتِ وَقَالَ: يُحْتَمَلُ هَذَا الْمَنْعُ أَنْ يَكُونَ لَا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ بَلْ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَنْقُولَاتِ تَبْقَى بِنَفْسِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، فَتَكُونُ مُتَأَبِّدَةً بِخِلَافِ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ الْأَرْضِ فَلَا يَتِمُّ التَّخْرِيجُ فَثَبَتَ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْحُكْمُ بِهِ بَاطِلٌ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَقْفُ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ وَقْفِ الْأَصْلِ لَمْ يَجُزْ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَقْفُهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْبُقْعَةِ مَوْقُوفًا عَلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ فَبَنَى عَلَيْهَا بِنَاءً وَوَقَفَ بِنَاءَهَا عَلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ. اهـ. مَطْلَبٌ مُنَاظَرَةُ ابْنِ الشِّحْنَةِ مَعَ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ فَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْجَوَازِ كَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فَحَيْثُ تُعُورِفَ وَقْفُهُ جَازَ وَعَنْ هَذَا خَالَفَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ فِي مَجْلِسِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ سَنَةَ 872 وَقَالَ: إنَّ النَّاسَ مِنْ زَمَنٍ قَدِيمٍ نَحْوِ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَإِلَى الْآنَ عَلَى جَوَازِهِ وَالْأَحْكَامُ بِهِ مِنْ الْقُضَاةِ الْعُلَمَاءِ مُتَوَاتِرَةٌ وَالْعُرْفُ جَارٍ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ اهـ وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ ظَهِيرَةَ الْقُرَشِيُّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ خَالَفَ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَخَالَفَ شَيْخَهُ الَّذِي أَجْمَعَ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى

(4/389)


وَقِيلَ صَحَّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) . سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِلَا أَرْضٍ؟ فَأَجَابَ: الْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهِ ذَلِكَ وَرَجَّحَهُ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ فَيَتَعَيَّنُ بِهِ الْإِفْتَاءُ (وَإِنْ مَوْقُوفَةً عَلَى مَا عُيِّنَ الْبِنَاءُ لَهُ جَازَ) تَبَعًا (إجْمَاعًا، وَإِنَّ) الْأَرْضَ (لَجِهَةٌ أُخْرَى فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ) وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ كَمَا فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ. .

وَسُئِلَ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ وَقْفِ الْأَشْجَارِ بِلَا أَرْضٍ؟ فَأَجَابَ: يَصِحُّ لَوْ الْأَرْضُ وَقْفًا، وَلَوْ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ.

وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عِلْمِهِ وَقَبُولِ قَوْلِهِ وَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ، وَأَنَّهُ احْتَجَّ بِالْعُرْفِ وَعَمَلِ الْقُضَاةِ وَالْعُرْفُ لَا يُصَادِمُ الْمَنْقُولَ وَحُكْمُ الْقُضَاةِ بِالْمَرْجُوحِ لَا يَنْفُذُ. اهـ.
قُلْت: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ جَوَازُ وَقْفِ الْمَنْقُولِ الْمُتَعَارَفِ وَحَيْثُ صَارَ وَقْفُ الْبِنَاءِ مُتَعَارَفًا كَانَ جَوَازُهُ مُوَافِقًا لِلْمَنْقُولِ، وَلَمْ يُخَالِفْ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ الْمَارُّ وَيَأْتِي قَرِيبًا نَصُّ الْخَصَّافِ عَلَى جَوَازِهِ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِي أَرْضٍ مُحْتَكَرَةٍ هَذَا: وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَانَتْ الْبُقْعَةُ وَقْفًا عَلَيْهَا جَازَ اتِّفَاقًا تَبَعًا لِلْبُقْعَةِ أَنَّ قَوْلَ الذَّخِيرَةِ لَمْ يَجُزْ هُوَ الصَّحِيحُ مَقْصُورٌ عَلَى مَا عَدَا صُورَةَ الِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى قَالَ وَقَصَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ عَلَى الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ وَالْأَرْضُ إذَا كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ فَلِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهَا، وَأَمْرُهُ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لَهُ فَإِنَّ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ الْوَقْفُ مُؤَبَّدًا وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ أَرْضِ الْوَقْفِ مَا إذَا كَانَتْ مُعَدَّةً لِلِاحْتِكَارِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَبْقَى فِيهَا كَمَا إذَا كَانَ وَقْفُ الْبِنَاءِ عَلَى جِهَةِ وَقْفِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا مُطَالِبَ لِنَقْضِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَجْهُ جَوَازِ وَقْفِهِ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا وَلِهَذَا أَجَازُوا وَقْفَ بِنَاءِ قَنْطَرَةٍ عَلَى النَّهْرِ الْعَامِّ وَقَالُوا إنَّ بِنَاءَهَا لَا يَكُونُ مِيرَاثًا وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ يَعْنِي فِيمَا سَبِيلُهُ الْبَقَاءُ كَمَا قُلْنَا وَبِهِ يَتَّضِحُ الْحَالُ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ وَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ صَحَّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَخَذَهُ مِنْ إطْلَاقِ مَا نَقَلَهُ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ فَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا لَكِنَّهُ لِمُخَالِفٍ لِمَا حَرَّرَهُ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَلِمَا يَأْتِي عَنْ فَتَاوَاهُ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ مُنَافَاتِهِ لِلتَّأْبِيدِ وَعَنْ هَذَا نَصٌّ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ فِي أَرْضٍ هِيَ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ كَمَا يَأْتِي فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ عَلَى غَيْرِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) لَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ التَّصْرِيحُ بِالْمِلْكِ، وَأَمَّا شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ نَظْمًا:
وَتَجْوِيزُ إيقَافِ الْبِنَا دُونَ أَرْضِهِ ... وَلَوْ تِلْكَ مِلْكُ الْغَيْرِ بَعْضٌ يُقَرَّرُ
(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً كَمَا عَلِمْت، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ إنَّهُ لَوْ بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَسْجِدًا أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ وَإِذَا جَازَ فَعَلَى مَنْ يَكُونُ حِكْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ وَأَخَوَاتِهِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

(قَوْلُهُ: لَوْ الْأَرْضُ وَقْفًا) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمَتْنُ.

(4/390)


فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ وَهَلْ يَجُوزُ وَقْفُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةِ؟ فَأَجَابَ نَعَمْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ فِي أَرْضِ عَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ

وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ فَفِي الْمُنْيَةِ حَانُوتٌ لِرَجُلٍ فِي أَرْضِ وَقْفٍ فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ أَنَّ الْعِمَارَةَ لَوْ رُفِعَتْ تُسْتَأْجَرُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ) أَصْلُ الْحِكْرِ الْمَنْعُ بَحْرٌ عَنْ الْخُطَطِ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ الِاسْتِحْكَارُ عَقْدُ إجَارَةٍ يُقْصَدُ بِهِ اسْتِبْقَاءُ الْأَرْضِ مُقَرَّرَةً لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: فَأَجَابَ نَعَمْ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ أَمَّا الْبَيْعُ فَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مُحَرَّرًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَأَمَّا وَقْفُ الْمَأْجُورِ فَفِي الْبَحْرِ يَصِحُّ وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، فَإِذَا انْقَضَتْ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا صُرِفَ إلَى جِهَاتِ الْوَقْفِ اهـ وَأَمَّا وَقْفُ الْمَرْهُونِ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ وَأَمَّا وَقْفُ الشَّجَرِ فَهُوَ كَوَقْفِ الْبِنَاءِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ غَرْسُ شَجَرَةٍ وَوَقْفُهَا إنْ غَرَسَهَا عَلَى أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يَجُوزُ وَقْفُهَا تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَإِنْ بِدُونِ أَصْلِهَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ إنْ وَقَفَهَا عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ جَازَ كَمَا فِي الْبِنَاءِ وَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ إجَارَةٍ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ مُتَقَرِّرَةً لِلِاحْتِكَارِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَحْرٌ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَذَكَرَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ إنَّ وَقْفَ حَوَانِيتِ الْأَسْوَاقِ، يَجُوزُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِإِجَارَةٍ فِي أَيْدِي الَّذِينَ بَنَوْهَا لَا يُخْرِجُهُمْ السُّلْطَانُ عَنْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّا رَأَيْنَاهَا فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْبِنَاءِ تَوَارَثُوهَا وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ السُّلْطَانُ فِيهَا، وَلَا يُزْعِجُهُمْ وَإِنَّمَا لَهُ غَلَّةٌ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَتَدَاوَلَهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ وَمَضَى عَلَيْهَا الدُّهُورُ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَهَا وَيُؤَجِّرُونَهَا وَتَجُوزُ فِيهَا وَصَايَاهُمْ وَيَهْدِمُونَ بِنَاءَهَا، وَيُعِيدُونَهُ وَيَبْنُونَ غَيْرَهُ فَكَذَلِكَ الْوَقْفُ فِيهَا جَائِزٌ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ مُخَصِّصٌ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ أَوْ إجَارَةٍ وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَهُ وَهُوَ بَقَاءُ التَّأْبِيدِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ تَخْصِيصِ الْوَقْفِ لِمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً. مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْكِرْدَارِ وَالْكَدَكِ
1 -
[تَتِمَّةٌ] فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقْفُ الْكِرْدَارِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ كَوَقْفِ الْبِنَاءِ بِلَا أَرْضٍ. اهـ. وَفِي مُزَارَعَةِ الْخَيْرِيَّةِ الْكِرْدَارُ هُوَ أَنْ يُحْدِثَ الْمَزَارِعُ فِي الْأَرْضِ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا أَوْ كَبْسًا بِالتُّرَابِ صَرَّحَ بِهِ غَالِبُ أَهْلِ الْفَتَاوَى اهـ.
قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي الْكِرْدَارِ فَإِنْ كَانَ كَبْسًا بِالتُّرَابِ، فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَإِنْ كَانَ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا فَفِيهِ مَا مَرَّ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ، وَمِنْ الْكِرْدَارِ مَا يُسَمَّى الْآنَ كَدَكًا فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا مِنْ وُقُوفِ مَرْكَبَةٍ فِي الْحَانُوتِ وَإِغْلَاقٍ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَمِنْهُ مَا يُسَمَّى قِيمَةً فِي الْبَسَاتِينِ وَفِي الْحَمَّامَاتِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَإِنَّهُ مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ فِي عَامَّةِ الْبِقَاعِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إلَخْ) مَحَلُّ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي عِنْدَ ذِكْرِ إجَارَةِ الْوَقْفِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مُسْتَأْجِرَ أَرْضِ الْوَقْفِ إذَا بَنَى فِيهَا ثُمَّ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ زِيَادَةً فَاحِشَةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ الْعِمَارَةِ وَالْبِنَاءِ أَوْ بِسَبَبِ زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ فِي نَفْسِهَا فَفِي الْأَوَّلِ لَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ عِمَارَتِهِ وَبِنَائِهِ، وَهَذَا لَوْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ مِلْكَهُ أَمَّا لَوْ كَانَتْ لِلْوَقْفِ كَمَا لَوْ بَنَى بِأَمْرِ النَّاظِرِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْوَقْفِ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلِهَذَا قُيِّدَ

(4/391)


أُمِرَ بِرَفْعِ الْعِمَارَةِ، وَتُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ وَإِلَّا تُتْرَكْ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْأَجْرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ لَوْ زِيدَ عَلَيْهِ أَنَّ إجَارَتَهُ مُشَاهَرَةٌ تُفْسَخُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ، ثُمَّ إنْ ضَرَّ رَفْعُ الْبِنَاءِ لَمْ يُرْفَعْ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ رُفِعَ أَوْ يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ تَبْقَى إلَى أَنْ يَخْلُصَ مِلْكُهُ مُحِيطٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِالْمُحْتَكَرَةِ، وَفِي الثَّانِي تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ (قَوْلُهُ: أُمِرَ بِرَفْعِ الْعِمَارَةِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ رَفْعُهُ بِالْأَرْضِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَتُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْعِمَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا تُرِكَ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْأَجْرِ) لِأَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ تَرْكُهَا بِيَدِهِ وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُمِرَ بِرَفْعِهَا لِتُؤَجَّرَ مِنْ غَيْرِهِ يَلْزَمُ ضَرَرُهُ، وَحَيْثُ كَانَ يَدْفَعُ أُجْرَةَ مِثْلِهَا لَمْ يُوجَدْ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ، فَتُتْرَكُ فِي يَدِهِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى الْجَانِبَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ لِوَرَثَتِهِ الِاسْتِبْقَاءُ أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ بِوَجْهٍ مَا، بِأَنْ كَانَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ مُفْلِسًا أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى عَلَى الْوَقْفِ مِنْهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ مِنْ الْإِجَارَاتِ. وَأَفْتَى بِهِ فِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ يُؤْمَرُ بِالرَّفْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا قُبَيْلَ بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ فِي خُصُوصِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ.
قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي تَخْصِيصُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَإِخْرَاجِ الْأَرْضِ الْمُعَدَّةِ لِلِاحْتِكَارِ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ لِيَتَوَافَقَ كَلَامُهُمْ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ الْخَصَّافِ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ وَهُوَ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ. فَيَبْقَى التَّأْبِيدُ الْمَشْرُوطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَمِثْلُ ذَلِكَ غَالِبُ الْقُرَى الَّتِي هِيَ وَقْفٌ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ أَهْلَهَا إذَا عَلِمُوا أَنَّ بِنَاءَهُمْ وَغِرَاسَهُمْ يُقْلَعُ كُلَّ سَنَةٍ وَتُؤْخَذُ الْقَرْيَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَتُدْفَعُ لِغَيْرِهِمْ لَزِمَ خَرَابُهَا، وَعَدَمُ مَنْ يَقُومُ بِعِمَارَتِهَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ أَصْحَابُ الْكِرْدَارِ فِي الْبَسَاتِينِ وَنَحْوِهَا وَكَذَا أَصْحَابُ الْكَدَكِ فِي الْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ إبْقَاءَهَا فِي أَيْدِيهِمْ سَبَبٌ لِعِمَارَتِهَا وَدَوَامِ اسْتِغْلَالِهَا فَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ لِلْأَوْقَافِ، وَبَيْتِ الْمَالِ وَلَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ كَوْنِهِمْ يُؤَدُّونَ أُجْرَةَ مِثْلِهَا بِلَا نُقْصَانٍ فَاحِشٍ، وَهَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي زَمَانِنَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا حَرَّرْته فِي رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةِ تَحْرِيرِ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ فَعَلَيْك بِهَا فَإِنَّهَا بَدِيعَةٌ فِي بَابِهَا مُغْنِيَةٌ لِطُلَّابِهَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي الْبَحْرِ وَعَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ زِيدَ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي نَفْسِهِ فَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ إلَخْ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَةُ مُتَعَنِّتٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: تُفْسَخُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ مُشَاهَرَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا تَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ صَحَّتْ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَتَمَلَّكَهُ الْقَيِّمُ) هَذَا فِيمَا إذَا ضَرَّ رَفْعُ الْبِنَاءِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ رُفِعَ وَإِنْ ضَرَّ لَا بَلْ يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ إلَخْ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ مُشَاهَرَةً إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ كَانَ لِلْقَيِّمِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ رَفْعُ الْبِنَاءِ لَا يَضُرُّ بِالْوَقْفِ فَلَهُ رَفْعُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَإِنْ كَانَ تَضُرُّ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ؛ وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُرَّ بِالْوَقْفِ، ثُمَّ إنْ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ

(4/392)


بَقِيَ لَوْ إجَارَتُهُ مُسَانَهَةً أَوْ مُدَّةً طَوِيلَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ لَا الزِّيَادَةِ فِي نَفْسِ الْأَرْضِ انْتَهَى. .

وَأَمَّا وَقْفُ الْإِقْطَاعَاتِ فَفِي النَّهْرِ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا لِلْإِمَامِ فَأَقْطَعَهَا رَجُلًا قَالَ: وَأَغْلَبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَنْ يَتَمَلَّكَهُ الْقَيِّمُ لِلْوَقْفِ بِالْقِيمَةِ مَبْنِيًّا أَوْ مَنْزُوعًا أَيُّهُمَا كَانَ أَخَفَّ يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَا يَتَمَلَّكُ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَخْلُصَ مِلْكُهُ. اهـ. .
قُلْت: سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ إنَّهُ إنْ ضَرَّ يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ فَيُعَوَّلُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْفَتَاوَى اهـ وَذُكِرَ مِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ هُنَاكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ فِي الْفَتَاوَى كَالْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ جَعَلُوا الْخِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ وَأَصْحَابُ الشُّرُوحِ جَعَلُوا الْخِيَارَ لِلنَّاظِرِ إنْ ضَرَّ وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامًا مِمَّا فِي الْفَتَاوَى وَالشُّرُوحِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِلَّا تُتْرَكْ فِي يَدِهِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا وَعَلِمْت التَّوْفِيقَ عَلَى التَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهَا مِثْلُ الْمُشَاهَرَةِ فَإِنَّهُ فِي الْمُشَاهَرَةِ لَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ أَيْضًا بَلْ يَصْبِرُ إلَى انْتِهَاءِ الشَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ فِي كُلِّ الصُّوَرِ حَيْثُ لَمْ تَزِدْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي ذَاتِهَا لِلُزُومِ الْعَقْدِ، وَعَدَمُ مُوجِبِ الْفَسْخِ فَلَوْ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَذَلِكَ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ. .

مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي وَقْفِ الْإِقْطَاعَاتِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا وَقْفُ الْإِقْطَاعَاتِ إلَخْ) هِيَ مَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ أَيْ يُعْطِيهِ مِنْ الْأَرَاضِيِ رَقَبَةً، أَوْ مَنْفَعَةً لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ: أَنَّ الْوَاقِفَ لِأَرْضٍ مِنْ الْأَرَاضِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهَا مِنْ الْأَصْلِ، بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا حِينَ يَمُنُّ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِهَا، أَوْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ مَالِكِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا خَفَاءَ فِي صِحَّةِ وَقْفِهِ لِوُجُودِ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ غَيْرَهُمَا فَلَا يَخْلُو أَمَّا إنْ وَصَلَتْ إلَى يَدِهِ بِإِقْطَاعِ السُّلْطَانِ إيَّاهَا لَهُ، أَوْ بِشِرَاءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مِلْكَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَتْ مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا لِلسُّلْطَانِ صَحَّ وَقْفُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَصِحُّ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: إنَّ مَنْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِمُقَابَلَةِ مَا أُعِدَّ لَهُ فَلَهُ إجَارَتُهَا وَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْإِقْطَاعِ لِأَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْهُ اهـ وَإِنْ وَصَلَتْ الْأَرْضُ إلَى الْوَاقِفِ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِوَجْهٍ مُسَوَّغٍ؛ فَإِنَّ وَقْفَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا، وَيُرَاعَى فِيهَا شُرُوطُهُ سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ أَمِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهَا الشَّرَائِطُ إنْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ كَانَ أَمِيرًا فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَصَلَتْ إلَى الْوَاقِفِ بِإِقْطَاعِ السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ فِي مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ لَهَا السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ شِرَاءٍ فَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَنَّ الْوَقْتَ صَحِيحٌ أَجَابَ بِهِ حِين سُئِلَ عَنْ وَقْفِ السُّلْطَانِ جَقْمَقَ فَإِنَّهُ أَرْصَدَ أَرْضًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَصَالِحِ مَسْجِدٍ وَأَفْتَى بِأَنَّ سُلْطَانًا آخَرَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ اهـ حَاصِلُ مَا فِي الرِّسَالَةِ.

(4/393)


أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ بِمِصْرَ إنَّمَا هُوَ إقْطَاعَاتٌ يَجْعَلُونَهَا مُشْتَرَاةً صُورَةً مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ

وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَلَوْ وَقَفَ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ مَالِنَا لِمَصْلَحَةٍ عَمَّتْ يَجُوزُ وَيُؤَجِّرُ. قُلْت: وَفِي شَرْحِهَا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَكَذَا يَصِحُّ إذْنُهُ بِذَلِكَ إنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا صُلْحًا لِبَقَاءِ مِلْكِ مَالِكِهَا قَبْلَ الْفَتْحِ

(أَطْلَقَ) الْقَاضِي (بَيْعَ الْوَقْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مُشْكِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْآتِي عَنْ الْمَبْسُوطِ، مِنْ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ إذَا كَانَ غَالِبُ جِهَاتِ الْوَقْفِ قُرًى وَمَزَارِعَ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ أَيْ فَلَمْ تَكُنْ وَقْفًا حَقِيقَةً بَلْ هِيَ أَرْصَادٌ أَخْرَجَهَا الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَيَّنَهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ شِرَاؤُهُ لَهَا وَلَا عَدَمُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ وَقْفِهَا لِأَنَّ شَرْطَهُ الْمِلْكُ، وَلَمْ يُعْلَمْ وَلَا يَلْزَمُ عِلْمُهُ مِنْ وَقْفِهِ لَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمَذْكُورُ عَنْ الْمَبْسُوطِ.
مَطْلَبٌ فِي أَوْقَافِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَلِهَذَا أَفْتَى الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَئُولُ إلَيْهِ اهـ وَأَمَّا ذِكْرُهُ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ الْحَالُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْأَصْلُ هُوَ الصِّحَّةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهَا إذَا عُلِمَ الشِّرَاءُ، وَلَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الصِّحَّةُ فَافْهَمْ، وَلَعَلَّ مُرَادَ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ أَيْ لَازِمٌ لَا يَنْقُصُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْصَادِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وُصُولُ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَى حُقُوقِهِمْ وَلَمْ يُزِدْ حَقِيقَةَ الْوَقْفِ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ ذَلِكَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: يَجْعَلُونَهَا مُشْتَرَاةً صُورَةً) أَيْ بِدُونِ شَرَائِطِهِ الْمُسَوِّغَةِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِ بَيْتِ الْمَالِ إلَى بَيْعِهَا فِي هَذِهِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا حَقِيقَةً بَلْ هُوَ إرْصَادٌ كَمَا عَلِمْته مِمَّا حَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَلَمْ يَكُنْ مِمَّا جُهِلَ حَالَ شِرَائِهِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الصِّحَّةِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: لِمَصْلَحَةٍ عَمَّتْ) كَالْوَقْفِ عَلَى الْمَسْجِدِ بِخِلَافِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ جَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا أَوْضَحَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ ط (قَوْلُهُ: وَيُؤَجَّرُ) لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا أَبَّدَهُ عَلَى مَصْرِفِهِ الشَّرْعِيِّ يُثَابُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ أُمَرَاءُ الْجَوْرِ الَّذِينَ يَصْرِفُونَهُ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ الشَّرْعِيِّ، فَيَكُونُ قَدْ مَنَعَ مَنْ يَجِيءُ مِنْهُمْ يَتَصَرَّفُ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ ط وَمُفَادُهُ أَنَّهُ إرْصَادٌ لَا وَقْفٌ حَقِيقَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) أَصْلُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَنَّ سُلْطَانًا أَذِنَ لِقَوْمٍ أَنْ يَجْعَلُوا أَرْضًا مِنْ أَرَاضِي بَلْدَةِ حَوَانِيتَ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا فِي مَسْجِدِهِمْ قَالُوا إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً يَنْفُذُ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ فَيَجُوزُ أَمْرُ السُّلْطَانِ فِيهَا، وَإِذَا فُتِحَتْ صُلْحًا تَبْقَى عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهَا فَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ فِيهَا. اهـ. قُلْت: وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً الَّتِي لَمْ تُقْسَمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إذْ لَوْ قُسِمَتْ صَارَتْ مِلْكًا لَهُمْ حَقِيقَةً فَتَأَمَّلْ. .

مَطْلَبٌ فِي إطْلَاقِ الْقَاضِي بَيْعَ الْوَقْفِ لِلْوَاقِفِ أَوْ لِوَارِثِهِ (قَوْلُهُ: أَطْلَقَ الْقَاضِي) أَيْ أَجَازَ ط عَنْ الْوَانِيِّ (قَوْلُهُ: بَيْعُ الْوَقْفِ) أَيْ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَلِيُّ أَبُو السُّعُودِ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا وَبَاعَهُ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ يَبْطُلُ وَقْفِيَّةُ مَا بَاعَهُ وَالْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ

(4/394)


غَيْرِ الْمُسَجَّلِ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ فَبَاعَ صَحَّ) وَكَانَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ لِعَدَمِ تَسْجِيلِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ الْوَاقِفُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ رَجَعَ عَنْهُ وَوَقَفَهُ لِجِهَةٍ أُخْرَى، وَحَكَمَ بِالثَّانِي قَبْلَ الْحُكْمِ بِلُزُومِ الْأَوَّلِ صَحَّ الثَّانِي لِوُقُوعِهِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ غَيْرِ الْمُسَجَّلِ) مَعْنَى قَوْلِهِمْ مُسَجَّلًا أَيْ مَحْكُومًا بِلُزُومِهِ بِأَنْ صَارَ اللُّزُومُ حَادِثَةً وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهَا فَحَكَمَ الْقَاضِي بِاللُّزُومِ بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ رَمْلِيٌّ، وَسُمِّيَ مُسَجَّلًا لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ يَكْتُبُ فِي سِجِلِّ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَكَانَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ) الضَّمِيرُ فِي كَانَ عَائِدٌ إلَى إطْلَاقِ الْقَاضِي وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ كَانَ حُكْمًا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَقْفِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ يَكُونُ بَعْدَ بَيْعِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَقَطْ بِعَدَمِ لُزُومِ الْوَقْفِ قَبْلَ التَّسْجِيلِ، بَلْ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا لِوُقُوعِهِ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا رَجَعَ الْوَاقِفُ عَمَّا وَقَفَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلُزُومِهِ صَحَّ عِنْدَهُ لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ بِلَا حُكْمٍ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا قَضَى بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ قَاضٍ حَنَفِيٌّ صَحَّ وَنَفَذَ فَإِذَا وَقَفَهُ ثَانِيًا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ صَحَّ وَلَزِمَ وَصَارَ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي لِتَأَيُّدِهِ بِالْحُكْمِ. اهـ.
وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ عَدَمِ النَّفَاذِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِالْمَرْجُوحِ اهـ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَلَا يَتَخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُصَحِّحٌ أَيْضًا فَقَدْ جَزَمَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ: وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى غَيْرِهِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ كَمَالٍ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِهِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ يَجُوزُ الْقَضَاءُ وَالْإِفْتَاءُ بِأَحَدِهِمَا هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ كُتُبَ الْمَذْهَبِ مُطْبِقَةٌ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا بِلُزُومِهِ بِلَا حُكْمٍ وَبِأَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ وَفِي الْفَتْحِ: أَنَّهُ الْحَقُّ كَمَا مَرَّ فَعَلَى الْمُفْتِي وَالْقَاضِي الْعَمَلُ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ جَزَمَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ إلَخْ فَفِيهِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَوَّلًا قَوْلَ الْإِمَامِ، لِكَوْنِ الْمُتُونِ مَوْضُوعَةً لِنَقْلِ مَذْهَبِهِ ثُمَّ ذَكَرُوا قَوْلَهُمَا وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُ السِّرَاجِيَّةِ إنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا يَتَخَيَّرُ فَذَاكَ فِي غَيْرِ مَا صَرَّحَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِتَرْجِيحِ خِلَافِهِ، وَلِذَا قَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ رَجَّحُوا قَوْلَهُمَا، فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُ تَرْجِيحِهِمْ وَإِلَّا كَانَ عَبَثًا كَمَا رَجَّحُوا قَوْلَهُمَا فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْحَجْرِ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ مَرْجُوحٌ، وَالْقَضَاءُ بِالْمَرْجُوحِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فَقَدْ أَفْتَى نَفْسَهُ بِخِلَافِهِ وَقَالَ لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلُزُومِهِ شَيْءٌ مِمَّا شَرَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَعَلَى هَذَا الْوَقْفِ هُوَ الْأَوَّلُ وَمَا فَعَلَهُ ثَانِيًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ إلَّا إنْ شَرَطَهُ فِي وَقْفِهِ اهـ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَضَى الْحَنَفِيُّ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ، فَهُوَ مَعْزُولٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ صِحَّةِ الْحُكْمِ بِبَيْعِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِوَقْفِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ مُجْتَهِدٌ أَوْ سَهْوٌ مِنْهُ اهـ فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ] صَرِيحُ كَلَامِ الْقُنْيَةِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ الْعَصْرِ بِفَسَادِهِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِلْكَ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ لَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبِلَادِ الرُّومِيَّةِ وأَفْتَى مُفْتِيهَا بِسَرَيَانِ الْفَسَادِ إذَا بِيعَ مِلْكٌ وَوَقْفٌ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا السَّيِّدُ الشَّرِيفُ مُحْيِي الدِّينِ الشَّهِيرُ بِمَعْلُولِ أَمِيرٍ وَأَلَّفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ رَسَائِلَ فِي ذَلِكَ حَتَّى الشَّافِعِيَّةُ

(4/395)


وَأَفْتَى بِهِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ وَقَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْمُنْلَا أَبِي السُّعُودِ. قُلْت: لَكِنْ حَمَلَهُ فِي النَّهْرِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ فَرَاجِعْهُ

(لَوْ) أَطْلَقَ الْقَاضِي الْبَيْعَ (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْوَارِثِ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ عَادَ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ وَبَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ دُرَرٌ يَعْنِي بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ بَاعَ الْقَيِّمُ الْوَقْفَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَرَأْيِهِ جَازَ. .

قُلْت: وَأَمَّا الْمُسَجَّلُ لَوْ انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ وَأَرَادَ أَوْلَادُ الْوَاقِفِ إبْطَالَهُ فَقَالَ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ فِي مَعْرُوضَاتِهِ قَدْ مَنَعَ الْقُضَاةُ مِنْ اسْتِمَاعِ هَذِهِ الدَّعْوَى انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ

(الْوَقْفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَهِبَةٍ فِيهِ) مِنْ الثُّلُثِ مَعَ الْقَبْضِ (فَإِنْ خَرَجَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَالشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ الطَّبَلَاوِيِّ، لِمَا وَقَعَ بَيْنَ قَاضِي الْقُضَاةِ نُورِ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيِّ وَقَاضِي الْقُضَاةِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ إلْيَاسَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى بِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوَاهُ (قَوْلُهُ: تَبَعًا لِشَيْخِهِ) أَيْ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِي فَتَاوَاهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي بَحْرِهِ مَا ارْتَضَاهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ حَمَلَهُ فِي النَّهْرِ) أَيْ تَبَعًا لِلْبَحْرِ كَمَا عَلِمْت وَمِثْلُ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ مَنْ قَلَّدَ مُجْتَهِدًا يَرَهُ أَفَادَهُ ح.

مَطْلَبٌ بَيْعُ الْوَقْفِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) يُفِيدُ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَاضِي بَيْعَ الْوَقْفِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ حُكْمٌ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ، وَيَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ غَايَتُهُ أَنَّ بَيْعَ غَيْرِ الْوَارِثِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ صَحِيحًا مَوْقُوفًا عَلَى إجَارَةِ الْوَارِثِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. ح لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِحُّ، قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ إطْلَاقِ الْقَاضِي بَيْعَهُ لِغَيْرِ الْوَارِثِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ يَعْنِي بَعْدَ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ بَاعَ الْقَيِّمُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي صُورَةِ الِاسْتِبْدَالِ. اهـ. ح وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالْمُسَوِّغِ الشَّرْعِيِّ وُجُودُ شَرَائِطِ الِاسْتِبْدَالِ وَقُيِّدَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ إذَا لَمْ يَشْرِطْهُ الْوَاقِفُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ. .

مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا انْقَطَعَ ثَوْبُهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُسَجَّلُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِ الْمَتْنِ غَيْرِ الْمُسَجَّلِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْمَحْكُومُ بِلُزُومِهِ وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَالٍ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ، وَأَمَّا لَوْ انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ فَفِي الْخَصَّافِ: أَنَّ الْأَوْقَافَ الَّتِي تَقَادَمَ أَمْرُهَا وَمَاتَ شُهُودُهَا فَمَا كَانَ لَهَا رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ، وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ أُجْرِيَتْ عَلَى رُسُومِهَا الْمَوْجُودَةِ فِي دَوَاوِينِهِمْ اسْتِحْسَانًا إذَا تَنَازَعَ أَهْلُهَا فِيهَا وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ الْقِيَاسُ فِيهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ حَقًّا حُكِمَ لَهُ بِهِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْفُرُوعِ.

مَطْلَبٌ: الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: الْوَقْفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَهِبَةٍ فِيهِ) أَيْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَقُولُ: إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ بَاقِيهِمْ لَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا جُعِلَ مِنْ الْغَلَّةِ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ. فَيُصْرَفُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ عَنْ الْوَاقِفِ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا، ثُمَّ يُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ تَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ كَوَصِيَّةٍ لِوَارِثٍ لِيَبْطُلَ أَصْلُهُ بِالرَّدِّ نَصَّ عَلَيْهِ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ: مِنْ الثُّلُثِ الْقَبْضُ) خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ قَوْلِهِ الْوَقْفُ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا. مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ اهـ وَأَصْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ

(4/396)


الْوَقْفُ (مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ نَفَذَ فِي الْكُلِّ وَإِلَّا بَطَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ) وَلَوْ أَجَازَ الْبَعْضُ جَازَ بِقَدْرِهِ.

وَبَطَلَ وَقْفُ رَاهِنٍ مُعْسِرٍ وَمَرِيضٍ مَدْيُونٍ بِمُحِيطٍ بِخِلَافٍ صَحِيحٍ لَوْ قَبْلَ الْحَجْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِيهَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ: الْوَقْفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْقَبْضُ وَالْإِفْرَازُ شَرْطٌ فِي الْأَوَّلِ كَالْهِبَةِ، دُونَ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَكَالْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ يُعْتَبَرْ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ فِي الْمَرَضِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهُ كَوَقْفِ الصِّحَّةِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ الْإِرْثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَقُولَ فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي اهـ مُلَخَّصًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْضِ قَبْضُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ وَالْإِفْرَازِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَإِنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِ وَقْفِ الْمَرَضِ كَوَقْفِ الصِّحَّةِ أَوْ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ثَمَرَتُهُ فِي كَوْنِهِ لَا يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، فَإِذَا مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ كَوَقْفِ الصِّحَّةِ أَوْ يَلْزَمُ فَلَا يُورَثُ كَالْمُضَافِ، وَحَيْثُ مَشَى الشَّارِحُ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ حَذْفُ قَوْلِهِ مَعَ الْقَبْضِ وَلِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَ) إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ إسْعَافٌ وَخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَجَازَ الْبَعْضُ) أَيْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ جَازَ بِقَدْرِهِ أَيْ نَفَذَ مِمَّا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَا أَجَازَهُ وَبَطَلَ بَاقِي مَا زَادَ. وَصُورَتُهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ تِسْعَةً وَوَقَفَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةً وَمَاتَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فَأَجَازَ أَحَدُهُمْ نَفَذَ فِي وَاحِدٍ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا أَوْ أَجَازَ الْبَعْضَ وَرَدَّ الْبَعْضَ جَازَ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: وَبَطَلَ وَقْفُ رَاهِنٍ مُعْسِرٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ سَيَبْطُلُ فَفِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ: لَوْ وَقَفَ الْمَرْهُونُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ صَحَّ، وَأَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى دَفْعِ مَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَبْطَلَ الْوَقْفَ وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ اهـ وَكَذَا لَوْ مَاتَ فَإِنْ عَنْ وَفَاءٍ عَادَ إلَى الْجِهَةِ وَإِلَّا بِيعَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَمَرِيضٍ مَدْيُونٍ بِمُحِيطٍ) أَيْ بِدَيْنٍ مُحِيطٍ بِمَالِهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُنْقَضُ الْوَقْفُ بَحْرٌ. وَيَأْتِي مُحْتَرَزُ الْمُحِيطِ وَفِي ط عَنْ الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ الدَّيْنُ الْمُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ مَانِعٌ مِنْ نُفُوذِ الْإِعْتَاقِ وَالْإِيقَافِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَالْمُحَابَاةِ فِي عُقُودِ الْعِوَضِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إلَّا بِإِجَازَةِ الدَّائِنِينَ وَكَذَا يَمْنَعُ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَمْنَعُ تَصَرُّفَهُمْ إلَّا بِالْإِجَازَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافٍ صَحِيحٍ) أَيْ وَقْفُ مَدْيُونٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ الْمُمَاطَلَةَ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكَهُ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ لَازِمٌ لَا يَنْقُضُهُ أَرْبَابُ الدُّيُونِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْحَجْرِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ. اهـ. وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ ابْنُ نُجَيْمٍ وَسَيَأْتِي فِيهِ كَلَامٌ عَنْ الْمَعْرُوضَاتِ (قَوْلُهُ: لَوْ قَبْلَ الْحَجْرِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَشَرْطُهُ شَرْطُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُصَحَّحِ وَعِنْدَ الْكُلِّ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ. اهـ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ وَقْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَيْسَ تَبَرُّعًا بَقِيَ أَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَحْجُورِ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِهِمَا بِصِحَّةِ حَجْرِ السَّفِيهِ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَرَى صِحَّةَ حَجْرِهِ فَيَبْقَى تَصَرُّفُهُ نَافِذًا وَعَنْ هَذَا حَكَمَ بَعْضِ الْقُضَاةِ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَجْرِهِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، فَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَيَصِحُّ وَقْفُهُ لَكِنَّ الْحُكْمَ بِلُزُومِهِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ قَالَ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ لَكِنَّهُ لَا يَقُولُ بِلُزُومِ الْوَقْفِ وَالْقَائِلُ بِلُزُومِهِ لَا يَقُولُ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ فَيَصِيرُ الْحُكْمُ بِلُزُومِ وَقْفِهِ مُرَكَّبًا مِنْ مَذْهَبَيْنِ هَذَا حَاصِلُ

(4/397)


فَإِنْ شُرِطَ وَفَاءُ دَيْنِهِ مِنْ غَلَّتِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ يُوَفَّى مِنْ الْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ بِلَا سَرَفٍ وَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَغَلَّتُهُ لِمَنْ جَعَلَهُ لَهُ خَاصَّةً فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ. قُلْت: قُيِّدَ بِمُحِيطٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُحِيطِ يَجُوزُ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ لَوْ لَهُ وَرَثَةٌ وَإِلَّا فَفِي كُلِّهِ، فَلَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي ثُمَّ ظَهَرَ مَالٌ شَرَى بِهِ أَرْضًا بَدَلَهَا وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ فِي بَابِ وَقْفِ الْمَرِيضِ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ:
وَإِنْ وَقَفَ الْمَرْهُونُ فَافْتَكَّهُ يَجُزْ ... فَإِنْ مَاتَ عَنْ عَيْنٍ تَفِي لَا يُغَيَّرُ
أَيْ وَإِلَّا فَيَبْطُلُ أَوْ لِلْعِلَّةِ يُمْهَلُ فَلْيُتَأَمَّلْ. قُلْت: لَكِنْ فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَهَرَبَ مِنْ الدُّيُونِ هَلْ يَصِحُّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَا ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي الْمُنْيَةِ الْمُفْتِي جَوَّزَ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى وَقْفِ الْمَشَاعِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ وَفَاءَ دَيْنِهِ) أَيْ وَقَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرَطَ وَفَاءَ دَيْنِهِ مِنْهُ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَحَذَفَهُ الشَّارِحُ اسْتِغْنَاءً بِالْمُقَابِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى غَيْرِهِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: يُوفِي مِنْ الْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ) أَيْ إذَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ شَيْءٌ عَنْ قُوتِهِ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ: لَوْ لَهُ وَرَثَةٌ) أَيْ وَلَمْ يُجِيزُوا فَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ أَوْ كَانَ وَأَجَازُوا. اهـ. ح (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي) أَيْ فِي صُورَةِ الْمُحِيطِ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: أَيْ وَإِلَّا فَيُبْطَلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ عَنْ مَالٍ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنَّ الْوَقْفَ يُغَيَّرُ أَيْ يُبْطِلُهُ الْقَاضِي، وَيَبِيعُهُ لِلدَّيْنِ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَهَذَا يُخَالِفُ عِتْقَ الْعَبْدِ لِلرَّهْنِ لَا يُبَاعُ؛ وَيَسْعَى فِي الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قِيمَتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ. وَبَحَثَ فَاضِلٌ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْوَقْفُ وَيُؤْخَذَ مِنْ غَلَّتِهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ كَسِعَايَةِ الْعَبْدِ إذَا لَمْ يُقَدَّرْ بِزَمَنٍ: وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا التَّحْرِيرُ فَإِنَّ الْوَقْفَ تَحْرِيرٌ عَنْ الْبَيْعِ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ يُقْضَى مِنْ رِيعِهِ كَسِعَايَةِ الْعَبْدِ بَلْ إنَّهُ أَمْكَنَ إذْ قَدْ يَمُوتُ الْعَبْدُ قَبْلَ أَدَاءِ السِّعَايَةِ وَالْعَقَارُ بَاقٍ رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَاسْتِهْلَاكٌ لِلرَّهْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلِهَذَا يَدُومُ الثَّوَابُ بِدَوَامِهِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي عَوْدِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ بَعْدَ خَرَابِهِ.
وَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ إذَا أَطْلَقَهُ الْقَاضِي لِلْوَاقِفِ أَوْ وَارِثِهِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ عَوْدِهِ إلَى الْمِلْكِ، فَلِذَا كَانَ الْوَقْفُ مَوْقُوفًا عَلَى الْفِكَاكِ، فَإِذَا افْتَكَّهُ نَفَذَ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ حَتَّى مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَإِنَّهُ يَفْتَكُّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا يَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ الْفِكَاكِ مِنْ الْعَيْنِ بِدُونِهِ وَالْمَنْفَعَةُ كَالْكَسْبِ خَارِجَةٌ عَنْ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الَّذِي كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الْحَبْسِ إنَّمَا هُوَ الْعَيْنُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ إلَى الْمِلْكِ بِوَجْهٍ فَلِذَا يُسْتَسْعَى وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ صَدَرَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مَوْقُوفٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: أَوْ لِلْغَلَّةِ يُمْهَلُ) حِكَايَةَ قَوْلٍ آخَرَ فَلَيْسَتْ أَوْ فِيهِ لِلتَّخْيِيرِ، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ بَحْثٌ غَيْرُ مَنْقُولٍ، وَأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ صَحِيحٌ. اهـ. ح وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ أَيْضًا.

(4/398)


فَأَجَابَ: لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ وَالْقُضَاةُ مَمْنُوعُونَ مِنْ الْحُكْمِ وَتَسْجِيلِ الْوَقْفِ بِمِقْدَارِ مَا شُغِلَ بِالدَّيْنِ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ.

(الْوَقْف) عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (إمَّا لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ أَوْ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَرِيقَانِ كَرِبَاطٍ وَخَانٍ وَمَقَابِرَ وَسِقَايَاتٍ وَقَنَاطِرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَمَسَاجِدَ وَطَوَاحِينَ وَطَسْتٍ لِاحْتِيَاجِ الْكُلِّ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَدْوِيَةِ فَلَمْ يَجُزْ لِغَنِيٍّ بِلَا تَعْمِيمٍ أَوْ تَنْصِيصٍ فَيَدْخُلُ الْأَغْنِيَاءُ تَبَعًا لِلْفُقَرَاءِ قُنْيَةٌ.

[فَرْعٌ] أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ جَازَ الْوَقْفُ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى وَارِثِهِ قَضَاءً دُرَرٌ

وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَتَبْطُلُ أَوْقَافُ امْرِئٍ بِارْتِدَادِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الرَّاهِنِ وَالْمَرِيضِ وَالْمَدْيُونِ (قَوْلُهُ: فَأَجَابَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْفَتْحِ إلَّا أَنْ يُخَصَّصَ بِالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ.
وَعِبَارَةُ الْفَتَاوَى الْإِسْمَاعِيلِيَّة لَا يُنْفِذُ الْقَاضِي هَذَا الْوَقْفَ وَيُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَى بَيْعِهِ وَوَفَاءِ دَيْنِهِ وَالْقُضَاةُ مَمْنُوعُونَ عَنْ تَنْفِيذِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ اهـ وَهَذَا التَّعْبِيرُ أَظْهَرُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ عَنْ الْحُكْمِ بِهِ كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ، وَقَدْ نَهَاهُ الْمُوَكِّلُ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ، وَيَكُونُ جَبْرُهُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ الْقَاضِي بَيْعَ وَقْفٍ لَمْ يُسَجَّلْ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ بُطْلَانِ الْوَقْفِ بِذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ) أَمَّا لِلْأَغْنِيَاءِ فَقَطْ فَلَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: كَمَسَاجِدَ إلَخْ) وَكَذَا مَصَاحِفُ مَسَاجِدَ وَكُتُبُ مَدَارِسَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ (قَوْلُهُ: لِاحْتِيَاجِ الْكُلِّ لِذَلِكَ) أَيْ لِلنُّزُولِ فِي الْخَانِ وَالشِّرْبِ مِنْ السِّقَايَةِ إلَخْ زَادَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ لِلْغَلَّةِ، وَبَيْنَ هَذَا هُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي غَيْرِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَدْوِيَةِ) أَيْ الْمَوْقُوفَةِ فِي التيمارخانه فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا دُونَ الْحَاجَةِ إلَى السِّقَايَةِ، فَإِنَّ الْعَطْشَانَ لَوْ تَرَكَ شُرْبَ الْمَاءِ يَأْثَمُ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَرِيضُ التَّدَاوِي لَا يَأْثَمُ أَفَادَهُ ح عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ الْأَغْنِيَاءُ تَبَعًا) هَذَا فِي التَّعْمِيمِ أَمَّا فِي التَّنْصِيصِ فَهُمْ مَقْصُودُونَ. اهـ. ح.

[فَرْعٌ أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ]
(قَوْلُهُ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ) أَيْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ يُغْنِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَقْفِ بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ (قَوْلُهُ: وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: قَضَاءً) أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ يَعْنِي يُسَوَّغُ لَهُ السَّعْيُ فِي إبْطَالِهِ، وَأَخْذُهُ لِنَفْسِهِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ إقْرَارَ مُوَرِّثِهِ كَاذِبٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِهِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ لَا عَلَى نَفْسِ الْأَمْرِ. .

مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ: وَتَبْطُلُ أَوْقَافُ امْرِئٍ بِارْتِدَادِهِ إلَخْ) لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا، وَمَحَلُّهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ هُنَاكَ مِنْ الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وَقَفَ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ وَقْفُهُ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، مَا لَمْ يَعُدْ وَقْفُهُ بَعْدَ عَوْدِهِ لِحُبُوطِ عَمَلِهِ بِالرِّدَّةِ وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الْحُبُوطَ فِي إبْطَالِ الثَّوَابِ، لَا فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ، وَأَجَابَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ بِمَا فِي الْإِسْعَافِ، مِنْ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَذَلِكَ قُرْبَةٌ فَبَطَلَ. اهـ.

(4/399)


فَحَالُ ارْتِدَادٍ مِنْهُ لَا وَقْفَ أَجْدَرُ.

[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ]
فَصْلٌ يُرَاعَى شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي إجَارَتِهِ فَلَمْ يَزِدْ الْقَيِّمُ بَلْ الْقَاضِي لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ النَّظَرِ لِفَقِيرٍ وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ (فَلَوْ أَهْمَلَ الْوَاقِفُ مُدَّتَهَا قِيلَ تُطْلَقُ) الزِّيَادَةُ لِلْقَيِّمِ (وَقِيلَ تُقَيَّدُ بِسَنَةٍ) مُطْلَقًا (وَبِهَا) أَيْ بِالسَّنَةِ (يُفْتَى فِي الدَّارِ وَبِثَلَاثِ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ مُلَاقٍ لِلسُّؤَالِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِسْعَافِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَهُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ. فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ: أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ قُرْبَةٌ بَاقِيَةٌ إلَى حَالِ الرِّدَّةِ وَالرِّدَّةُ تُبْطِلُ الْقُرْبَةَ الَّتِي قَارَنَتْهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّ فِي حَالِ صَلَاتِهِ أَوْ صَوْمِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَوْ صِيَامِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ نَفْسَ الْفِعْلِ، بَلْ ثَوَابُهُ فَقَطْ وَأَمَّا حَقُّ الْفُقَرَاءِ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي الصَّدَقَةِ فَقَطْ، فَإِذَا بَطَلَ التَّصَدُّقُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَقْفِ بَطَلَ حَقُّهُمْ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ قَصْدًا كَمَا يَبْطُلُ فِي خَرَابِ الْوَقْفِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ حُكِمَ بِلِحَاقِهِ بَطَلَ، وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مِنْهُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: فَحَالَ ارْتِدَادٍ) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِاسْمِ لَا وَأَجْدَرُ أَيْ أَحَقُّ خَبَرُهَا، وَالْمَعْنَى لَا يَكُونُ الْوَقْفُ حَالَ الرِّدَّةِ أَحَقَّ بِالْبُطْلَانِ مِنْ الْوَقْفِ قَبْلَهَا بَلْ ذَاكَ أَحَقُّ بِالْبُطْلَانِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ إجَارَة الْوَاقِفِ]
فَصْلٌ هَذَا الْفَصْلُ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَيَانِ أَحْكَامِ إجَارَةِ الْوَقْفِ وَغَصْبِهِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَالدَّعْوَى بِهِ، وَالْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ وَزَادَ فِيهِ الشَّارِحُ فُرُوعًا مُهِمَّةً وَفَوَائِدَ جَمَّةً (قَوْلُهُ: يُرَاعَى شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي إجَارَتِهِ) أَيْ وَغَيْرِهَا لِمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِحِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ تَقَدَّمَتْ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَزِدْ الْقَيِّمُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤْجِرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهَا وَكَانَتْ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤْجِرَهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي، حَتَّى يُؤْجِرَهَا لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ فَلِلْقَيِّمِ ذَلِكَ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى فَقَالَ لَا تُؤَجَّره أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَلِلْقَيِّمِ ذَلِكَ إذَا رَآهُ خَيْرًا بِلَا إذْنِ الْقَاضِي إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: لِفَقِيرٍ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ مِنْهُمْ الْفَقِيرَ وَالْغَائِبَ بَلْ وَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ عِنْدَ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ) فَإِنَّهُ يَحْفَظُ اللُّقَطَةَ وَمَالَ الْمَفْقُودِ وَمَالَ الْمَيِّتِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ وَصِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُقَيَّدُ بِسَنَةٍ) لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْوَقْفِ، فَإِنَّ مَنْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ بِهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ يَظُنُّهُ مَالِكًا إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ ح (قَوْلُهُ: وَبِثَلَاثِ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ) أَيْ إذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الزِّرَاعَةِ فِيهَا إلَّا فِي الثَّلَاثِ كَمَا قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ إنْ كَانَتْ مِمَّا تُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً، أَوْ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤْجِرَهَا مُدَّةً يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الزِّرَاعَةِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ إجَارَةَ الضِّيَاعِ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَإِنْ آجَرَ أَكْثَرَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بَلْخٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: بِرَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يُبْطِلَهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ اهـ وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الثَّلَاثِ بِلَا تَفْصِيلٍ تَأَمَّلْ وَأَنَّ مُخْتَارَ الْفَقِيهِ جَوَازُ الْأَكْثَرِ، وَلَكِنْ لِلْقَاضِي

(4/400)


إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ زَمَانًا وَمَوْضِعًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ يَعْقِدُ عُقُودًا فَيَكُونُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَازِمًا لِأَنَّهُ نَاجِزٌ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُضَافٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إبْطَالُهَا أَيْ إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْوَقْتِ، ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ اعْتَرَضَ عَلَى الدُّرَرِ بِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَتْنَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا الْعَلَّامَةُ قَنَالِي زَادَهْ فِي رِسَالَتِهِ أَحَدُهَا: قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَدَمُ تَقْدِيرِ الْإِجَارَةِ بِمُدَّةٍ وَرَجَّحَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَالْمُفْتَى بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ خَوْفًا مِنْ ضَيَاعِ الْوَقْفِ كَمَا عَلِمْت.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ) هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّمَانِيَةِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الدُّورِ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْجَوَازِ، وَفِي الضِّيَاعِ يَجُوزُ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ وَهَذَا أَمْرٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ وَاخْتِلَافِ الزَّمَانِ اهـ وَعَزَاهُ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَتْنِ لِأَنَّ أَصْلَ عُدُولِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِعَدَمِ التَّوْقِيتِ إلَى التَّوْقِيتِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَقْفِ فَإِذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ الزِّيَادَةَ أَوْ النَّقْصَ اُتُّبِعَتْ، وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ.
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ مَا فِي الْإِسْعَافِ: دَارٌ لِرَجُلٍ فِيهَا مَوْضِعُ وَقْفٍ بِمِقْدَارِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَأَرَادَ صَاحِبُ الدَّارِ اسْتِئْجَارَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً قَالُوا إنْ كَانَ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَسْلَكٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَجَّرَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْلَكٌ جَازَ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا لَمْ تَحْصُلْ عِمَارَةُ الْوَقْفِ إلَّا بِذَلِكَ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيُؤَجِّرهُ أَكْثَرَ اهـ أَيْ إذَا اُحْتِيجَ إلَى عِمَارَتِهِ مِنْ أُجْرَتِهِ يُؤَجِّرُهُ الْحَاكِمُ مُدَّةً طَوِيلَةً بِقَدْرِ مَا يُعَمَّرُ بِهِ. [تَنْبِيهٌ]
مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْيِيدِ مَا إذَا كَانَ الْمُؤَجِّرُ غَيْرَ الْوَاقِفِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ آجَرَ الْوَاقِفُ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ خَمْسٍ وَانْتَقَلَ إلَى مَصْرِفٍ آخَرَ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ وَيَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ اهـ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ أَرْضُ الْيَتِيمِ وَأَرْضُ بَيْتِ الْمَالِ فِي حُكْمِ أَرْضِ الْوَقْفِ
ثُمَّ إنَّ أَرْضَ الْيَتِيمِ فِي حُكْمِ أَرْضِ الْوَقْفِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمُصَنِّفُ كَذَا أَرْضُ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَقَالَ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى إنَّ أَرَاضِيَ بَيْتِ الْمَالِ جَرَتْ عَلَى رَقَبَتِهَا أَحْكَامُ الْوُقُوفِ الْمُؤَبَّدَةِ (قَوْلُهُ لَوْ احْتَاجَ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْإِيجَارِ إلَى مُدَّةٍ زَائِدَةٍ عَنْ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ أَيْ بِأَنْ لَمْ تَحْصُلْ عِمَارَةُ الْوَقْفِ إلَّا بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: يَعْقِدُ عُقُودًا) أَيْ عُقُودًا مُتَرَادِفَةً كُلُّ عَقْدِ سَنَةٍ بِكَذَا خَانِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الدَّارِ أَمَّا فِي الْأَرْضِ فَيَصِحُّ كُلَّ عَقْدِ ثَلَاثِ سِنِينَ. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: آجَرْتُكَ الدَّارَ الْفُلَانِيَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ بِكَذَا وَآجَرْتُكَ إيَّاهَا سَنَةَ خَمْسِينَ بِكَذَا وَآجَرْتُكَ إيَّاهَا سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ بِكَذَا وَهَذَا إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ. مَطْلَبٌ فِي لُزُومِ الْأُجْرَةِ الْمُضَافَةِ تَصْحِيحَانِ
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا) أَيْ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَأَرَادَ بِالثَّانِي مَا عَدَا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا عَدَاهُ مُضَافٌ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُضَافَةَ تَكُونُ لَازِمَةً فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَيْضًا اعْتَرَضَ

(4/401)


قُلْت: لَكِنْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْفَتْوَى عَلَى إبْطَالِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ وَلَوْ بِعُقُودٍ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ وَأَقَرَّهُ قَدْرِي أَفَنْدِي وَسَيَجِيءُ فِي الْإِجَارَةِ

(وَيُؤَجَّرُ) بِأَجْرِ (الْمِثْلِ) فَ (لَا) يَجُوزُ (بِالْأَقَلِّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَاضِي خَانْ قَوْلَهُمْ إنْ احْتَاجَ الْقَيِّمُ إلَى تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ يَعْقِدُ عُقُودًا مُتَرَادِفَةً بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ بِاشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ: أَيْ فَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الرُّجُوعُ بِمَا عَجَّلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ مُفِيدًا لَكِنْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ قَنَالِي زَادَهْ بِأَنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ لُزُومِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ مُصَحَّحَةٌ أَيْضًا وَبِأَنَّ قَاضِيَ خَانْ نَفْسَهُ أَجَابَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ عَنْ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: لَكِنْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مِلْكَ الْأُجْرَةِ عِنْدَ التَّعْجِيلِ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فَيُؤْخَذُ بِرِوَايَةِ الْمِلْكِ هُنَا لِلْحَاجَةِ، وَهَذَا يُنَافِي دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ هُنَا.
قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ اللُّزُومِ تَأَيَّدَتْ بِأَنَّ عَلَيْهَا الْفَتْوَى، أَيْ فَتَكُونُ أَصَحَّ التَّصْحِيحَيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى فِي التَّصْحِيحِ أَقْوَى، لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ اللُّزُومِ هُنَا لَا تَنْفَعُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ فَيَرْجِعُ بِمَا عَجَّلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ فَيَنْبَغِي هُنَا تَرْجِيحُ رِوَايَةِ اللُّزُومِ لِلْحَاجَةِ نَظِيرُ مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ فِي رِوَايَةِ الْمِلْكِ. مَطْلَبٌ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ بِعُقُودٍ
(قَوْلُهُ: الْفَتْوَى عَلَى إبْطَالِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ وَلَوْ بِعُقُودٍ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الْمَحْذُورِ الْمَارِّ فِيهَا، وَهُوَ أَنَّ طُولَ الْمُدَّةِ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْوَقْفِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قُلْت: لَكِنْ الْكَلَامُ هُنَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ لِحَاجَةِ عِمَارَةِ الْوَقْفِ بِتَعْجِيلِ أُجْرَةِ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةٍ يَزُولُ الْمَحْذُورُ الْمَوْهُومُ عِنْدَ وُجُودِ الضَّرَرِ الْمُتَحَقِّقِ فَالظَّاهِرُ تَخْصِيصُ بُطْلَانِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ بِمَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ جَعْلُهَا حِيلَةً لِتَطْوِيلِ الْمُدَّةِ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت ط نَقَلَ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ بَعْضَ الصَّكَّاكِينَ أَرَادُوا بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ إبْقَاءَ الْوَقْفِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنَّا نُبْطِلُهَا صِيَانَةً لِلْوَقْفِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ اهـ مُلَخَّصًا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ إبْطَالَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ هُنَا فَافْهَمْ.

مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ إيجَارُ الْوَقْفِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ بِالْأَقَلِّ) أَيْ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ شَرْطُ إجَارَةِ الْوَقْفِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا نَابَتْهُ نَائِبَةٌ أَوْ كَانَ دَيْنٌ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِمُرْصَدٍ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ
قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِمَّا عَزَاهُ لِلْأَشْبَاهِ جَوَازُ إجَارَةِ الدَّارِ الَّتِي عَلَيْهَا مَرْصَدٌ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَرْصَدَ دَيْنٌ عَلَى الْوَقْفِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لِعِمَارَةِ الدَّارِ لِعَدَمِ مَالٍ حَاصِلٍ فِي الْوَقْفِ فَإِذَا زَادَتْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا بِهَذِهِ الْعِمَارَةِ

(4/402)


وَلَوْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ قَارِئُ الْهِدَايَةِ إلَّا بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ أَوْ إذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ إلَّا بِأَقَلَّ أَشْبَاهٌ (فَلَوْ رَخُصَ أَجْرُهُ) بَعْدَ الْعَقْدِ (لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ) لِلُزُومِ الضَّرَرِ (وَلَوْ زَادَ) أَجْرُهُ (عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الَّتِي صَارَتْ لِلْوَقْفِ لَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ النَّاظِرُ إيجَارَ هَذِهِ الدَّارِ لِمَنْ يَدْفَعُ ذَلِكَ الْمُرْصَدَ لِصَاحِبِهِ لَا يَرْضَى بِاسْتِئْجَارِهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا الْآنَ لَكِنْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِلُزُومِ الْأُجْرَةِ الزَّائِدَةِ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْفِ مَالٌ وَأَرَادَ النَّاظِرُ دَفْعَ الْمُرْصَدِ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا شَكَّ فِي لُزُومِ الزِّيَادَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُؤَجِّرِ وَعِبَارَةُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ عَنْ مُسْتَحِقٍّ لِوَقْفٍ عَلَيْهِ هُوَ نَاظِرُهُ آجَرَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ، فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِمَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْأُجْرَةِ اهـ أَيْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ، فَيَضُرُّ بِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ الْوَقْفُ أَيْضًا الْآنَ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِلتَّعْمِيرِ وَأَمَّا مَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ مِنْ قَوْلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَتُفْسَخَ هَذِهِ الْإِجَارَةُ اهـ فَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهَا لَا تُفْسَخُ بِمَوْتِ النَّاظِرِ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا هُوَ فِي إبْقَائِهَا بِالْإِجَارَةِ الْقَلِيلَةِ لَا فِي فَسْخِهَا لِأَنَّهَا إذَا فُسِخَتْ تُؤَجَّرُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَلَا يَتَضَرَّرُ أَحَدٌ تَأَمَّلْ، وَلَا يَجُوزُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ لِانْفِسَاخِهَا بِمَوْتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: إلَّا بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ) هُوَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ إسْعَافٌ أَيْ مَا يَقْبَلُونَهُ وَلَا يَعُدُّونَهُ غَبْنًا. مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ إلَّا الْإِقَالَةُ
(قَوْلُهُ: لَا يَفْسَخُ الْعَقْدَ) أَيْ لَوْ طَلَبَ الْمُسْتَأْجِرُ فَسْخَهُ لَا يُجِيبُهُ النَّاظِرُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَقْفِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ لَهُ الْإِقَالَةُ إلَّا إنْ كَانَتْ أَصْلَحَ لِلْوَقْفِ. مَطْلَبٌ فِيمَا زَادَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ أَجْرُهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ أَيْ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَقَيَّدَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ الزِّيَادَةَ بِالْفَاحِشَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَقْضِهَا بِالْيَسِيرَةِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَاحِشَةِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهَا كَمَا مَرَّ فِي طَرَفِ النُّقْصَانِ، وَالْوَاحِدُ فِي الْعَشَرَةِ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَهَذَا قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ دَارٍ عَشَرَةً مَثَلًا وَزَادَ أَجْرُ مِثْلِهَا وَاحِدًا فَإِنَّهَا لَا تُنْقَضُ كَمَا لَوْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي بِتِسْعَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُنْقَضُ بِخِلَافِ الدِّرْهَمَيْنِ فِي الطَّرَفَيْنِ اهـ.
قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ الْبِيرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْفَاحِشَةَ مِقْدَارُهَا نِصْفُ مَا آجَرَ بِهِ أَوْ لَا اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يَرُدُّ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ. نَعَمْ فِي إجَارَاتِ الْخَيْرِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا قَدْرُ الْخُمُسِ، وَهُوَ عَيْنُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إنْ آجَرَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَجْرِ مِثْلِهِ أَوْ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَإِنْ جَاءَ آخَرُ وَزَادَ فِي الْأُجْرَةِ دِرْهَمَيْنِ فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ يَسِيرٌ حَتَّى لَوْ آجَرَ بِثَمَانِيَةٍ وَأَجْرُ مِثْلِهِ عَشَرَةٌ لَا تَنْفَسِخُ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخُمُسَ قَلِيلٌ فِي طَرَفَيْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ لَكِنْ فِي وَكَالَةِ الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ أَوْ أَقَلُّ فَلَوْ أَكْثَرَ فَلَا، ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فِي الْعُرُوضِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَفِي الْحَيَوَانِ الْعُشْرُ وَفِي الْعَقَارِ الْخُمْسُ، وَمَا خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ، وَوَجْهُهُ كَثْرَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ وَقِلَّتُهُ فِي الْعَقَارِ وَتَوَسُّطَهُ فِي الْحَيَوَانِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ فَهَذَا يُؤَيِّدُ بَحْثَ الْبَحْرِ هُنَا، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ. وَانْظُرْ مَا فِي

(4/403)


قِيلَ يَعْقِدُ ثَانِيًا بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ) فِي الْأَشْبَاهِ وَلَوْ زَادَ أَجْرَ مِثْلِهِ فِي نَفْسِهِ بِلَا زِيَادَةِ أَحَدٍ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُهَا بِهِ يُفْتَى وَمَا لَمْ يُفْسَخْ فَلَهُ الْمُسَمَّى (وَقِيلَ لَا) يَعْقِدُ بِهِ ثَانِيًا (كَزِيَادَةِ) وَاحِدٍ (تَعَنُّتًا) فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ وَسَيَجِيءُ فِي الْإِجَارَةِ (وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ إذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ) أَوْ السُّكْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ آخِرَ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، فَإِنَّهُ نَقَلَ التَّفْصِيلَ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ، فَلَوْ عُلِمَتْ كَفَحْمٍ شَرَاهُ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَبِهِ يُفْتَى، وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ عَنْ الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْأَخِيرَ هُوَ الصَّحِيحُ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيَانٌ لِهَذَا الْقَوْلِ تَأَمَّلْ: [تَنْبِيهٌ]
حَرَّرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ طَرِيقَ عِلْمِ الْقَاضِي بِالزِّيَادَةِ أَنْ يَجْتَمِعَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْأَمَانَةِ فَيُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا مَعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا قَوْلُ الْوَاحِدِ يَكْفِي. اهـ. (قَوْلُهُ: قِيلَ يُعْقَدُ ثَانِيًا) أَيْ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُجَدِّدُ الْعَقْدَ بِالْأُجْرَةِ الزَّائِدَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَبُولَ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْمَتْنِ لَكِنَّهُ نَقَلَهُ لِأُمُورٍ سَكَتَ عَنْهَا الْمَتْنُ. أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ مَا يَشْمَلُ زِيَادَةَ تَعَنُّتٍ: أَيْ إضْرَارٍ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ فِي نَفْسِهَا عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَفَادَ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ نَفْسِ الْوَقْفِ لَا مِنْ عِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا لَهُ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ كَمَا مَرَّ قَبْلَ الْفَصْلِ. ثَانِيهَا: التَّصْحِيحُ بِأَنَّهُ بِهِ يُفْتَى فَإِنَّهُ أَقْوَى. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ بَلْ يَفْسَخُهُ الْمُتَوَلِّي كَمَا حَرَّرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَقَالَ فَإِنْ امْتَنَعَ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي: رَابِعُهَا: أَنَّهُ قَبْلَ الْفَسْخِ لَا يَجِبُ إلَّا الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَعْقِدُ بِهِ ثَانِيًا) أَيْ لَا يَفْسَخُ وَلَا يَعْقِدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَهَذَا رِوَايَةُ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ، وَعَلَيْهَا مَشَى فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْإِسْعَافِ وَالْأَوْلَى رِوَايَةُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَالْوَقْفُ يَجِبُ لَهُ النَّظَرُ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ يَعْقِدُ ثَانِيًا وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ مُسْتَأْجِرًا إجَارَةً صَحِيحَةً وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ وَتُقْبَلُ الزِّيَادَةُ وَيَخْرُجُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَوْلُهُ: إذَا قِيلَ الزِّيَادَةُ أَيْ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا: فَإِنْ قَبِلَهَا فَهُوَ الْأَحَقُّ وَإِلَّا آجَرَهَا مِنْ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ خَالِيَةً مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَإِلَّا وَجَبَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ مِنْ وَقْتِهَا إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ لِأَنَّ شَغْلَهَا بِمِلْكِهِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ إيجَارِهَا لِغَيْرِهِ فَإِذَا اسْتَحْصَدَ فَسَخَ وَأَجَّرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، لَكِنْ هُنَا يَبْقَى إلَى انْتِهَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ مَعْلُومَةٌ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِذَا انْتَهَى الْعَقْدُ فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ قَبْلَ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إلَخْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُنَاسِبَ ذِكْرُهَا هُنَا. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى [تَنْبِيهٌ]
قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ الْأَوَّلَ أَوْلَى إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ فَرَاغِ أُجْرَتِهِ وَقَدْ قَبِلَ الزِّيَادَةَ، وَأَمَّا إذَا فَرَغَتْ مُدَّتُهُ، فَلَيْسَ بِأَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْكِرْدَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْقَاءَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَقْفِ وَأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُوبِ الْقَلْعِ وَالتَّسْلِيمِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَهَذَا وَجْهُ كَوْنِهِ أَحَقَّ بِالِاسْتِئْجَارِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا وَجْهُهُ فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ

(4/404)


(لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ) وَلَا الدَّعْوَى لَوْ غُصِبَ مِنْهُ الْوَقْفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْمُدَّةِ، فَهُوَ أَنَّ مُدَّةَ إجَارَتِهِ قَائِمَةٌ لَمْ تَنْقَضِ، وَقَدْ عَرَضَ فِي أَثْنَائِهَا مَا يُسَوِّغُ الْفَسْخَ وَهُوَ الزِّيَادَةُ الْعَارِضَةُ، فَإِذَا قَبِلَهَا وَرَضِيَ بِدَفْعِهَا كَانَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْمُسَوِّغِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّتِهِ، فَلَا يَسُوغُ فَسْخُهَا وَإِيجَارُهَا لِغَيْرِهِ، بَلْ تُؤَجَّرُ مِنْهُ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى تَمَامِ مُدَّتِهِ ثُمَّ يُؤْجِرُهَا نَاظِرُ الْوَقْفِ لِمَنْ أَرَادَ وَإِنْ قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ الزِّيَادَةَ لِزَوَالِ عِلَّةِ الْأَحَقِّيَّةِ وَهِيَ بَقَاءُ مُدَّةِ إجَارَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْأُخْرَى كَمَا عَلِمْت.
وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لِأَرْضِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا مِنْ حَانُوتٍ أَوْ دَارٍ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ الْمُسَمَّى بِالْكِرْدَارِ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِالِاسْتِئْجَارِ بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ اسْتِئْجَارِهِ، سَوَاءٌ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ قَبِلَ الزِّيَادَةَ أَوْ لَا خِلَافًا لِمَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ زَمَانِنَا مِنْ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا، وَيُسَمُّونَهُ ذَا الْيَدِ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ مَتَى قَبِلَ الزِّيَادَةَ الْعَارِضَةَ لَا تُؤَجَّرْ لِغَيْرِهِ وَيَحْكُمُونَ بِذَلِكَ وَيُفْتُونَ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ الْمَذْهَبِ مِنْ مُتُونٍ وَشُرُوحٍ وَفَتَاوَى بَلْ مُسْتَنَدُهُمْ إطْلَاقُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مُصَوَّرٌ فِي زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قَبْلَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَاتِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِإِطْلَاقِهِ وَلَا يَخْفَى مَعَ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ وَضَيَاعِ الْأَوْقَافِ حَيْثُ لَزِمَ مِنْ إبْقَاءِ أَرْضِ الْوَقْفِ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ وَاحِدٍ مُدَّةً مَدِيدَةً تُؤَدِّيهِ إلَى دَعْوَى تَمَلُّكِهَا، مَعَ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ تَطْوِيلِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ كَمَا عَلِمْته، وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرْته فِي رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةِ بِتَحْرِيرِ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِجَارَةِ، وَبِمُرَاجَعَتِهَا يَظْهَرُ لَك الْعَجَبُ الْعُجَابُ وَتَقِفُ عَلَى حَقِيقَةِ الصَّوَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ الْوَهَّابِ

مَطْلَبٌ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ
(قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ بِلَا بَدَلٍ فَلَمْ يَمْلِكْ تَمْلِيكَهَا بِبَدَلٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَإِلَّا لَمَلَكَ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ ط (قَوْلُهُ: وَلَا الدَّعْوَى لَوْ غُصِبَ مِنْهُ الْوَقْفُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ دَعْوَى الْعَيْنِ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ دَعْوَى الْغَلَّةِ كَذَلِكَ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَيْهِ لَوْ ادَّعَاهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي يَصِحُّ وِفَاقًا، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْغَلَّةِ لَا غَيْرُ، فَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِي شَيْءٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ وَقَفَ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَمُسْتَحِقُّ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَا يَمْلِكُ دَعْوَى غَلَّةِ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْمُتَوَلِّي اهـ مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ
فَأَفَادَ أَنَّ دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي الْغَلَّةِ كَدَعْوَى عَيْنِ الْوَقْفِ، لِسَكِنْ تَعْلِيلُهُ لِلْأَصَحِّ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْغَلَّةِ لَا غَيْرُ يُفِيدُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ بِهَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَاهُ فِي الْغَلَّةِ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً بِخِلَافِ مَا إذْ كَانَ وَاحِدًا وَادَّعَى بِهَا لِأَنَّهُ يُرِيدُ إثْبَاتَ حَقِّهِ فَقَطْ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ: مَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ قِيلَ

(4/405)


(إلَّا بِتَوْلِيَةٍ) أَوْ إذْنِ قَاضٍ وَلَوْ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى عِمَادِيَّةٌ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْغَلَّةِ لَا الْعَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ بِغَيْرِ إطْلَاقِ الْقَاضِي إذْ الْحَقُّ لَا يَعْدُوهُ، وَيُفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّهُ أَخْذُ الْغَلَّةِ لَا التَّصَرُّفُ فِي الْوَقْفِ اهـ فَإِذَا كَانَ حَقُّهُ أَخْذَ الْغَلَّةِ وَغَصَبَهَا غَاصِبٌ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَرَدَّدَ فِي سَمَاعِ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ تَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْهُ، وَظَاهِرُ سَمَاعِهَا عَلَى عَيْنِ الْوَقْفِ أَيْضًا وَلِذَا قَالَ فِي نُورُ الْعَيْنِ إنَّ الْغَلَّةَ نَمَاءُ الْوَقْفِ فَبِزَوَالِ الْوَقْفِ تَزُولُ الْغَلَّةُ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ ادَّعَى شَطْرَ حَقِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ الصِّحَّةِ هِيَ الْأَصَحَّ. اهـ. وَاسْتَشْهَدَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بِعِدَّةِ مَسَائِلَ عَنْ الْخَصَّافِ.
قُلْت: وَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ ادَّعَى أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاعَ الْوَقْفَ مِنْ الْغَاصِبِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَبَرْهَنَ، أَوْ نَكَلَ الْآخَرُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَيَشْتَرِي بِهَا ضَيْعَةً تُوقَفُ كَالْأَوَّلِ اهـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: أَرْضٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُ وَقَفَهَا عَلَيْهِمْ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُمْ، وَحَكَمْت عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ، وَأَخْرَجْتُهَا مِنْ يَدِهِ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ. اهـ.
قُلْت: وَبَقِيَ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ بِأَنَّ حَقَّهُ فِيهَا كَذَا أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ يُعْطِيهِ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّرَدُّدِ أَيْضًا فِي سَمَاعِهَا لِأَنَّهُ يَزِيدُ مُجَرَّدَ إثْبَاتِ حَقِّهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْإِسْعَافِ لَوْ مَنَعَ الْوَاقِفُ أَهْلَ الْوَقْفِ مَا سُمِّيَ لَهُمْ فَطَالَبُوهُ بِهِ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ غَلَّتِهِ اهـ وَكَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بَعْدَ صَفْحَةٍ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَالْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الْوَقْفِ عِدَّةَ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مِنْهَا: دَعْوَاهُ أَنَّهُ مِنْ فُقَرَاءِ الْقَرَابَةِ فَرَاجِعْهُ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْتَحِقِّينَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ إذَا كَانَ أَصْلُ الْوَقْفِ ثَابِتًا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ دَعْوَى أَحَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَيُحْمَلُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْوَقْفِ ثَابِتًا، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ بِاسْتِحْقَاقِهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا
وَاعْلَمْ: أَنَّ عَدَمَ مِلْكِهِ الدَّعْوَى فِي عَيْنِ الْوَقْفِ لَا يُنَافِي قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا تُقْبَلُ حِسْبَةً وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا وَيَأْتِي بَيَانُهُ بَلْ سَيَأْتِي مَتْنًا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْت وَقَفْتُهَا أَوْ قَالَ وَقْفٌ عَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي
(قَوْلُهُ: إلَّا بِتَوْلِيَةٍ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّيًا مِنْ قَبْلُ أَوْ يَنْصِبَهُ الْقَاضِي مُتَوَلِّيًا لِيَسْمَعَ دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ تَصِحُّ دَعْوَى الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: أَوْ إذْنِ قَاضٍ) بِالدَّعْوَى وَالْإِيجَارِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ إلَخْ) هَذَا فِي الدَّعْوَى وَقَدْ عَلِمْت بَيَانَهُ وَأَمَّا فِي الْإِيجَارِ، فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، بَلْ قَالَ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَمْلِكُوا إجَارَةَ الْوَقْفِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَوْ كَانَ الْأَجْرُ كُلُّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، بِأَنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعِمَارَةِ، وَلَا شَرِيكَ مَعَهُ فِي الْغَلَّةِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ، وَأَمَّا الْأَرَاضِيِ فَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ، وَجَعَلَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْفَاضِلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ كَانَ كُلُّ الْأَجْرِ لَهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، فَيَفُوتُ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ وَيَكُونَ الْخَرَاجُ وَالْمُؤَنُ عَلَيْهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْإِسْعَافِ.

(4/406)


وَهَلْ يَمْلِكُ السُّكْنَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الرَّيْعَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ لَا وَفِي شَرْحِهَا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَالتَّحْرِيرِ نَعَمْ

(وَ) الْمَوْقُوفُ (إذَا آجَرَهُ الْمُتَوَلِّي بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ) لَا الْمُتَوَلِّيَ كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ (تَمَامُهُ) أَيْ تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ (كَأَبٍ) وَكَذَا وَصِيٌّ خَانِيَّةٌ (أَجَرَ مَنْزِلَ صَغِيرِهِ بِدُونِهِ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمَامُهُ إذْ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةُ الْحَطِّ وَالْإِسْقَاطِ وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالِاسْتِئْجَارِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ زَوْدِ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَيِّمُ سَاكِتًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّفْعِ لِلْقَاضِي لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِذَا ظَفِرَ النَّاظِرُ بِمَالِ السَّاكِنِ فَلَهُ أَخْذُ النُّقْصَانِ مِنْهُ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً اهـ فَلْيُحْفَظْ.
قُلْت: وَقَيَّدَ بِإِجَارَةِ الْمُتَوَلِّي لِمَا فِي غَصْبِ الْأَشْبَاهِ لَوْ آجَرَ الْغَاصِبُ مَا مَنَافِعُهُ مَضْمُونَةٌ مِنْ مَالِ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ مُعَدٍّ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى لَا أَجْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ لَا غَيْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي إيجَارِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا
فَقَدْ عُلِمَ صِحَّةُ إيجَارِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يُؤَجَّرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَمَا مَرَّ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ
قُلْت: وَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّرَدُّدِ فِي مُدَّةِ إيجَارِهِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ التَّوْلِيَةَ، وَالنَّظَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، أَوْ لِلْأَرْشَدِ مِنْهُمْ وَكَانَ هُوَ الْأَرْشَدَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَمْلِكُ السُّكْنَى إلَخْ) قَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا

(قَوْلُهُ: كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ) مَنْشَأُ غَلَطِهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ لَزِمَهُ فَأَرْجَعَ ذَلِكَ الْبَعْضُ الضَّمِيرُ لِلْمُتَوَلِّي، مَعَ أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتْوَاهُ مُسْتَنِدًا إلَى النُّقُولِ الصَّرِيحَةِ. مَطْلَبٌ إذَا آجَرَ الْمُتَوَلِّي بِغَبْنٍ فَاحِشٍ كَانَ خِيَانَةً
لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِيَانَةً مِنْ الْمُتَوَلِّي لَوْ عَالِمًا بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْوَاقِفَ أَيْضًا إذَا آجَرَ بِالْأَقَلِّ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ تَجُزْ، وَيُبْطِلُهَا الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مَأْمُونًا وَفَعَلَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ أَقَرَّهُ الْقَاضِي فِي يَدِهِ، وَأَمَرَهُ بِإِجَارَتِهَا بِالْأَصْلَحِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهَا فِي يَدِ مَنْ يَثِقُ بِدِينِهِ، وَكَذَا إذَا آجَرَهَا الْوَاقِفُ سِنِينَ كَثِيرَةً مِمَّنْ يَخَافُ أَنْ يَتْلَفَ فِي يَدِهِ يُبْطِلُ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ وَيُخْرِجُهَا مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ اهـ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَالْمُتَوَلِّي أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا) الْأَوْلَى مِنْهُمْ لِيَدْخُلَ الْمُتَوَلِّي ط (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ زَوْدِ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ) لَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِجَارَةَ مَا لَمْ تُفْسَخْ، كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ فِيمَا إذَا آجَرَ أَوْ لَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَادَ الْأَجْرُ فِي نَفْسِهِ ط أَيْ فَالْإِجَارَةُ وَقَعَتْ مِنْ ابْتِدَائِهَا صَحِيحَةً بِخِلَافِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ) وَعَلَيْهِ الْحُرْمَةُ وَلَا يُعْذَرُ، وَكَذَا أَهْلُ الْمَحَلَّةِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ، لَا يُعْذَرُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ الْمُسَبَّلَةِ إذَا أَمْكَنَهُمْ رَفْعُهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: فَيَأْثَمُ كُلُّهُمْ بِنَفْسِ السُّكُوتِ فَمَا بَالُك بِالْمُتَوَلِّي وَالْجَابِي وَالْكَاتِبِ إذَا تَرَكُوهَا وَلَا سِيَّمَا لِأَجْلِ الرِّشْوَةِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. اهـ. ط (قَوْلُهُ بِمَالِ السَّاكِنِ) يَعْنِي وَكَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: قَضَاءً وَدِيَانَةً) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَخَذَ ط (قَوْلُهُ: مَا مَنَافِعُهُ مَضْمُونَةٌ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ ط (قَوْلُهُ أَوْ مُعَدٍّ) أَيْ لِلِاسْتِغْلَالِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى) يَعْنِي لِلْغَاصِبِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا بَعْدَهُ قَالَ

(4/407)


لِتَأْوِيلِ الْعَقْدِ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ

(يُفْتَى بِالضَّمَانِ فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ وَغَصْبِ مَنَافِعِهِ) أَوْ إتْلَافِهَا كَمَا لَوْ سَكَنَ بِلَا إذْنٍ أَوْ أَسْكَنَهُ الْمُتَوَلِّي بِلَا أَجْرٍ كَانَ عَلَى السَّاكِنِ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ غَيْرَ مُعَدٍّ لِلِاسْتِغْلَالِ بِهِ يُفْتَى صِيَانَةً لِلْوَقْفِ وَكَذَا مَنَافِعُ مَالِ الْيَتِيمِ دُرَرٌ (وَكَذَا) يُفْتَى (بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ) حَاوِي الْقُدْسِيِّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَمَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ أَيْ إنْ كَانَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرَ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ، فَلَوْ أَكْثَرَ يَرُدُّ الزَّائِدَ أَيْضًا لِعَدَمِ طِيبِهِ لَهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْحَمَوِيُّ وَتَبِعَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ، وَتَضْمِينُ مَنَافِعِ مَالِ الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ وَالْمُعَدِّ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ آجَرَهُ الْمُتَوَلِّي بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِتَأْوِيلِ الْعَقْدِ) لَيْسَ هَذَا فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ ط

(قَوْلُهُ: فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ) بِأَنْ كَانَ أَرْضًا أَجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءَ حَتَّى صَارَتْ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَغَصْبِ مَنَافِعِهِ) يَشْمَلُ مَا لَوْ عَطَّلَهُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ إتْلَافِهَا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ، فَإِنَّ إتْلَافَهَا بِالِاسْتِعْمَالِ وَلِذَا قَالَ: كَمَا لَوْ سَكَنَ إلَخْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ: لَا تُضْمَنُ مَنَافِعُ الْغَصْبِ اسْتَوْفَاهَا أَوْ عَطَّلَهَا إلَّا فِي ثَلَاثٍ، فَمُقْتَضَاهُ ضَمَانُهَا فِيهَا بِالِاسْتِيفَاءِ، أَوْ التَّعْطِيلِ فَقَوْلُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ هُنَاكَ وَيُنْظَرُ لَوْ عَطَّلَ الْمَنْفَعَةَ هَلْ يَضْمَنُ الْأُجْرَةَ كَمَا لَوْ سَكَنَ اهـ لَا مَحَلَّ لَهُ،. نَعَمْ وَقَعَ فِي الْخَصَّافِ لَوْ قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلَمْ يَزْرَعْهَا لَا أَجْرَ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الدَّارُ إذَا قَبَضَهَا وَلَمْ يَسْكُنْهَا اهـ لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِسْعَافِ وَمُفَادُهُ لُزُومُ الْأُجْرَةِ بِالتَّمَكُّنِ فِي الْفَاسِدَةِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي أَوَائِلِ الْإِجَارَاتِ عَنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ أَوْ أَسْكَنَهُ الْمُتَوَلِّي) أَيْ أَسْكَنَ فِيهِ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ مَوْقُوفًا لِلسُّكْنَى وَانْحَصَرَتْ فِيهِ، فَإِنَّ لَهُ إعَارَتَهُ، وَلَوْ سَكَنَهُ الْمُتَوَلِّي بِنَفْسِهِ؛ وَلَمْ يَكُنْ لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَلْ قَدَّمْنَاهُ عَنْ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ لَوْ زَرَعَ الْوَقْفَ لِنَفْسِهِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ يَدِهِ. مَطْلَبٌ سَكَنُ الْمُشْتَرِي دَارَ الْوَقْفِ
(قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى السَّاكِنِ أَجْرُ الْمِثْلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمُتَوَلِّي دَارَ الْوَقْفِ فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَبْطَلَ الْقَاضِي الْبَيْعَ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَتْحٌ وَبِهِ أَفْتَى الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمَا فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة مِنْ الْإِفْتَاءِ بِخِلَافِهِ تَبَعًا لِلْقُنْيَةِ فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَدَخَلَ مَا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ مَسْجِدًا أَوْ مَدْرَسَةً سَكَنَ فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ قَالَ وَأَفْتَى بِهِ الْجَدُّ وَالْعَمُّ وَالرَّمْلِيُّ وَالْمَقْدِسِيُّ وَكَذَا مَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ مِلْكًا وَسَكَنَهُ الشَّرِيكُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الشَّرِكَةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنَافِعُ مَالِ الْيَتِيمِ) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ سَكَنَتْهُ أُمُّهُ مَعَ زَوْجِهَا فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ الْأُجْرَةُ وَكَذَا شَرِيكُ الْيَتِيمِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَا مَا لَوْ شَرَاهَا أَحَدٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا لِيَتِيمٍ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ) حَتَّى نَقَضُوا الْإِجَارَةَ عِنْدَ الزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ، وَصِيَانَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَيْضًا: أَيْ مَعَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ، وَكَذَا أَفْتَوْا بِالضَّمَانِ فِي غَصْبِ عَقَارِهِ، وَمَنَافِعِهِ مَعَ أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَضَبِ عِنْدَهُمَا بَلْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَذَا فِي مَسَائِلِ كَثِيرَةٍ مِنْهَا عَدَمُ اسْتِبْدَالِ مَا قَلَّ رَيْعُهُ وَكَذَا صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً كَمَا مَرَّ وَالتَّتَبُّعُ يَنْفِي الْحَصْرَ

(4/408)


وَمَتَى قَضَى بِالْقِيمَةِ شَرَى بِهَا عَقَارًا آخَرَ فَيَكُونُ وَقْفًا بَدَلَ الْأَوَّلِ

(وَ) الَّذِي (تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ) حِسْبَةً (بِدُونِ الدَّعْوَى) أَرْبَعَةَ عَشَرَ: مِنْهَا الْوَقْفُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ لِأَنَّ حُكْمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. بَقِيَ لَوْ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ هَلْ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى فِي الْخَانِيَّةِ يَنْبَغِي، لَا اتِّفَاقًا وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشَّيْخِ حَسَنٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنْ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تُقْبَلُ وَإِلَّا لَا إلَّا بِالدَّعْوَى فَلْيُحْفَظْ قُلْت: لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ، وَوَافَقَ الْمُصَنِّفَ بِقَبُولِهَا مُطْلَقًا لِثُبُوتِ أَصْلِ الْوَقْفِ لِمَآلِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَبِاشْتِرَاطِ الدَّعْوَى لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ كَانَ ثَمَّةَ مُسْتَحِقٌّ وَلَمْ يَدَّعِ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ وَتُصْرَفُ كُلُّهَا لِلْفُقَرَاءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَمَتَى قَضَى بِالْقِيمَةِ) أَيْ بِأَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَأَجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءَ، حَتَّى صَارَتْ بَحْرًا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ إسْعَافٌ، وَقَدَّمْنَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ غَصَبَ وَقْفًا فَنَقَصَ فَمَا يُؤْخَذُ بِنَقْصِهِ يُصْرَفُ إلَى مَرَمَّتِهِ لَا إلَى أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ، وَحَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ لَا فِي الرَّقَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ وَقْفًا بَدَلَ الْأَوَّلِ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى تَلَفُّظٍ بِوَقْفِهِ كَمَا فِي مُعِينِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط

(قَوْلُهُ: حِسْبَةً) الْحِسْبَةُ: بِالْكَسْرِ الْأَجْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَيْ لِقَصْدِ الْأَجْرِ، لَا لِإِجَابَةِ مُدَّعٍ أَفَادَهُ ط. مَطْلَبٌ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةِ حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى
(قَوْلُهُ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ) وَهِيَ الْوَقْفُ، وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ، وَتَعْلِيقُ طَلَاقِهَا وَحُرِّيَّةُ الْأَمَةِ وَتَدْبِيرُهَا، وَالْخُلْعُ وَهِلَالُ رَمَضَانَ وَالنَّسَبُ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ، وَحَدُّ الزِّنَا، وَحَدُّ الشُّرْبِ، وَالْإِيلَاءُ، وَالظِّهَارُ، وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَدَعْوَى الْمَوْلَى نَسَبُ الْعَبْدِ اهـ
قُلْت: وَيُزَادُ الشَّهَادَةُ بِالرَّضَاعِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: مِنْهَا الْوَقْفُ) أَيْ الشَّهَادَةُ بِأَصْلِهِ لَا بِرَيْعِهِ أَشْبَاهٌ، وَأَمَّا الدَّعْوَى بِهِ أَوْ بِرَيْعِهِ فَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَيَأْتِي قَرِيبًا وَيَأْتِي بَيَانُ الْمُرَادِ بِأَصْلِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ) أَيْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَلَا تُقْبَلُ وَبَيْنَ مَا إذَا قَامَتْ عَلَى أَنَّهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَتُقْبَلُ (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة) هُوَ عَيْنُ التَّفْصِيلِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ ابْن الشِّحْنَةِ إلَخْ) أَيْ بَحَثَ فِي الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ. اهـ. ح وَالْأَصْوَبُ إبْدَالُهُ بِابْنِ وَهْبَانَ، وَيَعُودُ الضَّمِيرُ إلَى التَّفْصِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى اهـ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَقْفَ وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَآخِرُهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِجِهَةِ بِرٍّ لَا تَنْقَطِعُ كَالْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَالشَّهَادَةُ تُقْبَلُ إمَّا حَالًا أَوْ مَآلًا اهـ قَالَ: ابْنُ الشِّحْنَةِ: التَّفْصِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا قَامَتْ بِأَنَّ هَذَا وَقْفٌ يَسْتَحِقُّهُ قَوْمٌ بِأَعْيَانِهِمْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى لِثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهِمْ، وَتَنَاوُلِهِمْ وَإِنْ كَانَ آخِرُهُ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَتْ عَلَى أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ اهـ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ ظَاهِرٌ جِدًّا وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ لَا يَنْتَهِضُ حُجَّةً عَلَيْهِ لِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ وَهْبَانَ فِي أَنَّ ثُبُوتَ أَصْلِ الْوَقْفِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لَا يُدْفَعُ لَهُ شَيْءٌ، عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ دَعْوَاهُ وَكَلَامُ ابْنِ الشِّحْنَةِ فِي ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا شَكَّ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْحَادِيَةَ عَشَرَ مِنْ دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ: بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا أَوْ قَالَ: وَقْفٌ عَلَيَّ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ لَا يَحْلِفُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنْ بَرْهَنَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ

(4/409)


قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتَحَقَّ مَعَ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ مِنْهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. وَفِي الْأَشْبَاهِ لَنَا شَاهِدٌ حِسْبَةً فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَيْسَ لَنَا مُدَّعٍ حِسْبَةً إلَّا فِي دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَصْلَ الْوَقْفِ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْمُفْتَى بِهِ لَا إلَّا التَّوْلِيَةَ فَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى انْتَهَى وَقَدْ مَرَّ فَتَنَبَّهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي الْوَقْفِ كَمَا عِتْقِ الْأَمَةِ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ فَإِنَّ الْوَقْفَ لَوْ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ وَإِنْ حَقَّ الْعَبْدِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا حَالًا أَوْ مَآلًا، وَهَذَا التَّصْحِيحُ لِلتَّفْصِيلِ الْمَارِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْحَالُ لَا الْمَآلُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ.
قَوْلُهُ وَإِنْ حَقَّ الْعَبْدِ إلَخْ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبَانَ حَيْثُ جَعَلَ الْوَقْفَ كُلَّهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ، وَمُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ حَيْثُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْحَالُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْوَقْفَ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ، فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الدَّعْوَى، لَكِنْ إذَا كَانَ أَوَّلُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَأُرِيدَ إثْبَاتُ اسْتِحْقَاقِهِ اُشْتُرِطَ لَهُ الدَّعْوَى وَإِنْ ثَبَتَ أَصْلُ الْوَقْفِ بِدُونِهَا فَثَبَتَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَحْقِيقٌ وَتَلْفِيقٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَتَوْفِيقٌ بِنَظَرٍ دَقِيقٍ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ اسْتِحْقَاقِهِ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ وَتَبْقَى الْبَيِّنَةُ مَسْمُوعَةً لِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ بَاعَ دَارًا (قَوْلُهُ: إلَّا بِتَوْلِيَةٍ) أَيْ أَوْ بِإِذْنِ قَاضٍ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ مَا مَرَّ فِي دَعْوَى عَيْنِ الْوَقْفِ لَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ، أَمَّا دَعْوَى الْمُسْتَحِقِّ اسْتِحْقَاقَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهَا وَلَا تَحْتَاجُ إلَى التَّدَبُّرِ أَفَادَهُ ح. قُلْت: قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِأَنَّ مُسْتَحِقَّ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَا يَمْلِكُ الدَّعْوَى بِهَا، وَهُوَ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ إلَى التَّدْبِيرِ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ، وَقَوْلُهُ فَلَا شُبْهَةَ إلَخْ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: لَنَا شَاهِدٌ حِسْبَةً فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ) هَذَا مُكَرَّرٌ بِمَا تَقَدَّمَ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَنَا مُدَّعٍ حِسْبَةً) بِتَنْوِينِ مُدَّعٍ وَنَصْبِ حِسْبَةٍ عَلَى التَّمْيِيزِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُدَّعِي بِالْيَاءِ فَهُوَ مُضَافٌ وَحِسْبَةٌ مَجْرُورٌ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُفْتَى بِهِ لَا) أَيْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَلَا يَحْلِفُ الْخَصْمُ لَوْ أَنْكَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ كَمَا عَلِمْت تَحْرِيرَهُ.
(قَوْلُهُ: فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ عَقِبَ هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا اهـ أَيْ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَذْكُورٌ فِي دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ هَلْ تُسْمَعُ أَمْ لَا وَالْمُفْتَى بِهِ لَا فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ اتِّفَاقًا اهـ لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ: بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَوْنُ الْمَحَلِّ قَابِلًا لِدَعْوَى الْحِسْبَةِ أَمْ لَا فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ قَابِلٌ جَوَّزَ ذَلِكَ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَحِينَئِذٍ يَتَّجِهُ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى لِإِثْبَاتِ عَيْنِ الْوَقْفِ يَكُونُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى حِسْبَةً مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ إلَّا إذَا بَاعَ الْوَقْفَ ثُمَّ ادَّعَى فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَتْ لِإِثْبَاتِ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ شَاهِدَ الْحِسْبَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَدَّعِيَ مَا يَشْهَدُ بِهِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مُدَّعٍ غَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ حِسْبَةً يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ الدَّعْوَى حِسْبَةً، وَهَذَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُدَّعِيًا أَوْ أَنَّ مُدَّعِيَ الْحِسْبَةِ لَا يَحْلِفُ لَهُ الْخَصْمُ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الشَّهَادَةِ فَلِذَا نَفَاهُ فَلْيَتَأَمَّلْ وَفِي الْفُصُولَيْنِ وَفِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَالطَّلَاقِ قِيلَ يَحْلِفُ وَقِيلَ لَا. [تَنْبِيهٌ]
شَاهِدُ الْحِسْبَةِ إذَا أَخَّرَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا تُقْبَلُ لِفِسْقِهِ أَشْبَاهٌ عَنْ الْقُنْيَةِ وَقَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِيمَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ حِسْبَةً وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الشَّاهِدَ فِي الْوَقْفِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ) أَيْ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَوْ غُصِبَ مِنْهُ الْوَقْفُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ وَلَوْ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّعْوَى عَلَى الْغَاصِبِ دَعْوَى

(4/410)


(وَيُشْتَرَطُ) فِي دَعْوَى الْوَقْفِ (بَيَانُ الْوَقْفِ) وَلَوْ الْوَقْفُ قَدِيمًا (فِي الصَّحِيحِ) بَزَّازِيَّةٌ لِئَلَّا يَكُونَ إثْبَاتًا لِلْمَجْهُولِ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ تُقْبَلُ

(وَ) تُقْبَلُ فِيهِ (الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَالشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ) لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ وَإِنْ صَرَّحُوا بِهِ أَيْ بِالسَّمَاعِ، فِي الْمُخْتَارِ وَلَوْ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ حِفْظًا لِلْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الِاسْتِهْلَاكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَصْلِ الْوَقْفِ أَيْ لَا دَعْوَى الْغَلَّةِ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَكُونَ إثْبَاتًا لِلْمَجْهُولِ) هَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ الْوَقْفَ حَبْسُ أَصْلِ الْمِلْكِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ ط (قَوْلُهُ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ تُقْبَلُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْوَاقِفِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُ بَلْخٍ كَأَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْخَصَّافُ، وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِهِ هُنَا أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ ط. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ وَقْفٌ قَدِيمٌ مَشْهُورٌ لَا يُعْرَفُ وَاقِفُهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ فَادَّعَى الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى كَذَا مَشْهُورٍ وَشَهِدَا بِذَلِكَ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ وَعَزَاهُ إلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْإِسْعَافِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَتَصِحُّ دَعْوَى الْوَقْفِ وَالشَّهَادَةُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْوَاقِفِ. مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى الْوَقْفِ بِلَا بَيَانِ الْوَاقِفِ وَبِلَا بَيَانِ أَنَّهُ وَقْفٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي الْإِسْعَافِ لَوْ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ وَقَفَهَا فُلَانٌ عَلَيَّ وَذُو الْيَدِ يَجْحَدُ وَيَقُولُ هِيَ مِلْكِي لَا يَصِحُّ وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ وَقَفَهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقِفُ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ بِيَدِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ اهـ مُلَخَّصًا. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَعْدَ بَيَانِ الْوَاقِفِ بَيَانُ أَنَّهُ وَقَفَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي نَحْوِ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ وَقَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ بَعْدَ مَا بَاعَهُ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّ فُلَانًا وَقَفَهُ أَوْ لَا أَوْ كَانَ وَقْفًا قَدِيمًا مَشْهُورًا فَبَاعَهُ أَحَدٌ أَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ، فَهَذَا شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ لَا لِلْحُكْمِ بِنَفْسِ الْوَقْفِ، فَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِوَقْفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ ثُبُوتُ مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُؤَجِّرِ وَحِيَازَتُهُ أَمْ لَا، أَجَابَ: إنَّمَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا وَقَفَهُ أَوْ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِيجَارِ أَوْ الْبَيْعِ لِمَا بَاعَهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِيَابَةٍ وَكَذَا فِي الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِنَفْسِ الْوَقْفِ وَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ اهـ

(قَوْلُهُ لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالشَّهَادَةِ بِالشُّهْرَةِ فَقَطْ ح وَفِي الْمِنَحِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ أَصْلِهِ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ. مَطْلَبٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَقْفِ بِالتَّسَامُعِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ صَرَّحُوا بِهِ) بِأَنْ قَالُوا عِنْدَ الْقَاضِي نَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ دُرَرٌ وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِهِ لِأَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاسِ أَوْ بِسَبَبِ أَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاسِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالسَّمَاعِ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَأْوِيلِ الشُّهْرَةِ بِالسَّمَاعِ فَسَاغَ تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فَأَفَادَ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ ط وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي: الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ هَذِهِ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَى كَذَا مَشْهُورٌ وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِذَلِكَ وَالشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ: أَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَآلَ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَادَّةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فِي الْمُخْتَارِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ الشَّهَادَاتِ فَفِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي وَأَصْلُهُ الْوَقْفُ، فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ

(4/411)


بِخِلَافِ غَيْرِهِ (لَا) تُقْبَلُ بِالشُّهْرَةِ (لِ) لِإِثْبَاتِ (شَرَائِطِهِ فِي الْأَصَحِّ) دُرَرٌ وَغَيْرُهَا لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ قَبُولُهَا عَلَى شَرَائِطِهِ أَيْضًا وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِمْ يُسْلَكُ بِمُنْقَطِعِ الثُّبُوتِ الْمَجْهُولَةِ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ انْتَهَى وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَهُ وَإِنْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ. قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ فِي مَوْضِعِ يَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ، أَوْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ يَعْنِي بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَزِيدُ عِلْمًا بِذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ مَبْسُوطًا. وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ فِيهَا خِلَافٌ وَالْمُتُونُ قَاطِبَةً قَدْ أَطْلَقَتْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ لَا تُقْبَلُ، وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ مَجْمُوعَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ.
قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُفْتَى بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَى وَجْهِهِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بِقَوْلِهِ حِفْظًا لِلْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ إلَخْ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَإِنْ صَرَّحَا بِالتَّسَامُعِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَكُونُ سِنُّهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَارِيخُ الْوَقْفِ مِائَةُ سَنَةٍ، فَيَتَيَقَّنُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَا بِالْعِيَانِ فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ أَشَارَ إلَيْهِ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهَا إذَا صَرَّحَا بِهِ لَا نَقْبَلُ اهـ أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوَقْفِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ فِيهَا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ فَيُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَشَايِخَ رَجَّحُوا اسْتِثْنَاءَ الْوَقْفِ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ: وَهِيَ حِفْظُ الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الضَّيَاعِ وَلِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالتَّسَامُعِ فِيهِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِفْصَاحِ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِإِثْبَاتِ شَرَائِطِهِ) الْمُرَادُ مِنْ الشَّرَائِطِ أَنْ يَقُولُوا إنَّ قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ لِكَذَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْفَاضِلُ إلَى كَذَا بَعْدَ بَيَانِ الْجِهَةِ بَحْرٌ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَقَوْلُهُ: بَعْدَ بَيَانِ الْجِهَةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَنْ يَقُولُوا لِأَنَّ بَيَانَ الْجِهَةِ هُوَ بَيَانُ الْمَصْرِفِ وَيَأْتِي أَنَّهُ مِنْ الْأَصْلِ لَا مِنْ الشَّرَائِطِ، فَالْمُرَادُ مِنْ الشَّرَائِطِ مَا يَشْتَرِطُهُ الْوَاقِفُ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ لَا الشَّرَائِطُ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّةُ الْوَقْفِ كَالْمِلْكِ وَالْإِفْرَازِ وَالتَّسْلِيمِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هِنْدِيَّةٌ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ ط (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ) وَعَزَاهُ إلَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ الْقَدِيمِ الْمَجْهُولَةِ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ
(قَوْلُهُ: وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِمْ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَأَنْتَ إذَا عَرَفْت قَوْلَهُمْ ذَلِكَ لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ تَحْسِينِ مَا فِي الْمُجْتَبَى لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ هِيَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ وَالْعَمَلُ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ عَمَلٌ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ، وَأَيْضًا قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا لَمْ يُجْهَلْ مِنْهَا يُعْمَلُ بِمَا عُلِمَ مِنْهَا، وَذَلِكَ الْعِلْمُ قَدْ لَا يَكُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْوَاقِفِ بَلْ بِالتَّصَرُّفِ الْقَدِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ وَقْفٍ مَشْهُورٍ اشْتَبَهَتْ مَصَارِفُهُ وَقَدْرُ مَا يُصْرَفُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَ سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ قِوَامَهُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ وَإِلَى مَنْ يَصْرِفُونَهُ، فَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ

(4/412)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ الْمَظْنُونُ بِحَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ اهـ فَهَذَا عَيْنُ الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ إنْ كَانَ لِلْوَقْفِ كِتَابٌ فِي دِيوَانِ الْقُضَاةِ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالسِّجِلِّ، وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ اُتُّبِعَ مَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا إذَا تَنَازَعَ أَهْلُهُ فِيهِ وَإِلَّا يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ قُوَّامَهُ كَيْفَ كَانُوا يَعْمَلُونَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ فِيمَا سَبَقَ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ بِالْبُرْهَانِ حَقًّا حُكِمَ لَهُ بِهِ اهـ لَكِنْ قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ عُلِمَتْ وَلَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ تَصَرُّفِ الْقُوَّامِ لَا يُرْجَعُ إلَى مَا فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ وَهَذَا عَكْسُ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. مَطْلَبٌ أَحْضَرَ صَكًّا فِيهِ خُطُوطُ الْعُدُولِ وَالْقُضَاةِ لَا يُقْضَى بِهِ [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْإِسْعَافِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ ضَيْعَةٌ أَنَّهَا وَقْفٌ وَأَحْضَرَ صَكًّا فِيهِ خُطُوطُ الْعُدُولِ وَالْقُضَاةِ الْمَاضِينَ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْقَضَاءَ بِذَلِكَ الصَّكِّ قَالُوا لَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَقْضِي بِالْحُجَّةِ وَالْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ، أَمَّا الصَّكُّ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى بَابِ الدَّارِ لَوْحٌ مَضْرُوبٌ يَنْطِقُ بِالْوَقْفِ، لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ مَا لَمْ تَشْهَدْ الشُّهُودُ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُنَافِي مَا هُنَا مِنْ الْعَمَلِ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعَمَلَ بِمَا فِيهَا اسْتِحْسَانٌ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّكِّ وُجُودٌ فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ أَمَّا لَوْ وُجِدَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ كَمَا فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ الْخَيْرِيَّةِ إنْ كَانَ لِلْوَاقِفِ كِتَابٌ إلَخْ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ كِتَابٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ يَزْدَادُ بِهِ قُوَّةً وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْكِتَابُ عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ. مَطْلَبٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى الْخَطِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ
فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْأَشْبَاهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا فِي كِتَابِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِطَلَبِ الْأَمَانِ إلَى الْإِمَامِ، وَفِي دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ وَالْبَيَّاعِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَا أَفَادَهُ الْبِيرِيُّ فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ الْمُسْتَثْنَاةُ ثَلَاثًا وَتَمَامُ بَيَانِهَا فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. مَطْلَبٌ فِي الْبَرَاءَاتِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالدَّفَاتِرِ الْخَاقَانِيَّةِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِكِتَابِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْبَرَاءَاتُ السُّلْطَانِيَّةُ بِالْوَظَائِفِ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ أَنَّهُ لَا يُزَوَّرُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ هَذَا وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الزَّكَاةِ إذَا قَالَ أَعْطَيْتهَا وَأَظْهَرَ الْبَرَاءَةَ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الِاحْتِيَالَ فِي الْخَطِّ نَادِرٌ كَمَا فِي الْمُصَفَّى. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي رِسَالَةٍ عَمِلَهَا فِي الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيِّ الْمُعَنْوَنِ بِالطُّرَّةِ السُّلْطَانِيَّةِ الْمَأْمُونَةِ مِنْ التَّزْوِيرِ إلَى أَنْ قَالَ: فَلَوْ وَجَدَ فِي الدَّفَاتِرِ أَنَّ الْمَكَانَ الْفُلَانِيَّ وَقْفٌ عَلَى الْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ مَثَلًا يَعْمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ

(4/413)


وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ بَحْرٌ

(وَبَيَانُ الْمَصْرِفِ) كَقَوْلِهِمْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا (مِنْ أَصْلِهِ) لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ فَتُقْبَلُ بِالتَّسَامُعِ (وَبَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ) وَكَذَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ.
قُلْت: وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فِي وَجْهِ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ وَبِذَلِكَ يُفْتِي مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَهْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي وَغَيْرِهَا اهـ لَكِنْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ فِي الدَّفْتَرِ السُّلْطَانِيِّ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْخَطِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي جَهْلِ الشَّرَائِطِ كَمَا عَلِمْت إذْ عِنْدَ عِلْمِهَا لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهَا فَالْكَلَامُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَا أَعَمُّ فَكَلَامُ الْكَمَالِ أَتَمُّ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ وَبَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَصْرِفِ بِالتَّسَامُعِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَصْلِهِ كُلُّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَوْنُهُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا، تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ صَرْفِ غَلَّتِهِ لِزَيْدٍ أَوْ لِلذُّرِّيَّةِ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ فِي الْوَقْفِ بِذِكْرِ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ لَازِمٍ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَوْلَى، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ لَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ وَالْجِهَاتِ بِالتَّسَامُعِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِهَاتِ هِيَ بَيَانُ الْمَصَارِفِ، فَقَدْ سَاوَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّرَائِطِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْجِهَاتُ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهَا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْفِ بِالِاسْتِفَاضَةِ مِنْ غَيْرِ الدَّعْوَى وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا وَجْهًا وَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اهـ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ ذَكَرُوا الْوَاقِفَ لَا الْمَصْرِفَ تُقْبَلُ لَوْ قَدِيمًا وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ بَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَمَا سَمِعْت نَقْلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْإِسْعَافِ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَصْرِفُ جِهَةَ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَمَّا لَوْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالتَّسَامُعِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَقْفِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالتَّسَامُعِ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ بِدُونِ ذِكْرِهِمْ كَمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة وَالْفُصُولَيْنِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ تَوْفِيقًا آخَرَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَيْنَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ بِحَمْلِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ ثَابِتًا عَلَى جِهَةٍ بِأَنْ اُدُّعِيَ عَلَى ذِي يَدٍ يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ بِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ كَذَا، فَشَهِدُوا بِالسَّمَاعِ. وَحَمَلَ عَدَمَ الْجَوَازِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَصْلُهُ ثَابِتًا عَلَى جِهَةٍ فَادُّعِيَ جِهَةٌ غَيْرُهَا، وَشَهِدُوا عَلَيْهَا بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ أَصْلَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ فِيهِ بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وَجَازَتْ إذْ قَدَّمَ قَالَ وَقَدْ رَأَيْت شَيْخَنَا الْحَانُوتِيَّ أَجَابَ بِذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا.
مَطْلَبٌ فِيمَنْ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَبَعْضُ مُسْتَحَقِّيهِ) مُبْتَدَأٌ أَوْ مُضَافٌ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَكَذَا بَعْضُ نُظَّارِ الْوَقْفِ لِمَا فِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى قَرَابَتِهِ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَالْوَاقِفُ حَيٌّ فَهُوَ خَصْمُهُ وَإِلَّا فَالْقَيِّمُ وَلَوْ مُتَعَدِّدًا وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ جَازَ وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمْ، وَلَا يَكُونُ خَصْمًا وَارِثُ الْمَيِّتِ، وَلَا أَحَدُ أَرْبَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ) أَيْ يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِهِمْ فِيمَا لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فِي وَجْهِ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ) فَإِنَّهُ

(4/414)


كَمَا سَيَجِيءُ فَتَأَمَّلْ وَقَالُوا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِفْلَاسِ لِغَيْبَةِ الْمُدَّعِي وَكَذَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِينَ يَثْبُتُ الِاعْتِرَاضُ لِكُلٍّ كَمَلًا وَكَذَا الْأَمَانُ وَالْقَوَدُ وَوِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِإِزَالَةِ الضَّرَرِ الْعَامِّ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّتَبُّعُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَصْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
يَنْصِبُ خَصْمًا عَنْ بَقِيَّتِهِمْ فَلَا يُحْبَسُ لَهُمْ ط (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) لَمْ أَرَهُ فِي فَصْلِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الْقُضَاةِ وَلَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهِمَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَقَالُوا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِفْلَاسِ بِغَيْبَةِ الْمُدَّعِي) هَذَا تَأْيِيدٌ لِقَبُولِهَا فِي وَجْهِ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ لَا بَيَانٌ لِمَوْضِعٍ آخَرَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا لِعَدَمِ انْتِصَابِ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِينَ) كَذَا خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَبَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَجُمْلَةُ يَثْبُتُ إلَخْ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ يَعْنِي أَنَّ رِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِينَ بِنِكَاحِ غَيْرِ الْكُفْءِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ كَرِضَا الْكُلِّ لِأَنَّ حَقَّ الِاعْتِرَاضِ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَلًا.
وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَلِيِّ. اهـ. ح أَيْ أَنَّ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا لِغَيْرِ كُفْءٍ بَاطِلٌ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ لَمْ يَرْضَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَا يُفِيدُ رِضًا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، ثُمَّ حَيْثُ ثَبَتَ الْحَقُّ لِكُلٍّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَلًا فَإِذَا رَضِيَ أَحَدُهُمْ فَكَأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي الرِّضَا حَتَّى لَا يَثْبُتَ لِغَيْرِهِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ وَلَوْ قَالَ يَثْبُتُ الِاعْتِرَاضُ وَكَذَا الْإِنْكَاحُ فِي الصَّغِيرِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأَمَانُ) يَعْنِي أَمَانَ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِحَرْبِيٍّ كَأَمَانِ جَمِيعِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السِّيَرِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَالْقَوَدُ) يَعْنِي إذَا عَفَا وَاحِدٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ سَقَطَ الْقَوَدُ كَمَا إذَا عَفَا جَمِيعُهُمْ. اهـ. ح.
قُلْت: وَكَذَا اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ فَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ لِلْكِبَارِ الْقَوَدَ قَبْلَ الصِّغَارِ خِلَافًا لَهُمَا وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ كَامِلًا، يَثْبُتُ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ إنْكَاحٍ، وَأَمَانٍ إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ إجْمَاعًا زَيْلَعِيٌّ وَذَلِكَ كَابْنٍ لِلْمُتَوَفَّى صَغِيرٍ وَامْرَأَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ أُمِّ الصَّغِيرِ اهـ ط (قَوْلُهُ: وَوِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ إلَخْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ نَحْوِ الْكَنِيفِ وَالْمِيزَابِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ وَلَوْ ذِمِّيًّا مَنْعُهُ ابْتِدَاءً وَمُطَالَبَتُهُ بِنَقْضِهِ وَرَفْعِهِ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْبِنَاءِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُطَالِبِ مِثْلُهُ اهـ فَقَوْلُهُ بِإِزَالَةِ الضَّرَرِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَقُومُ أَحَدُ مَنْ لَهُ الْخُصُومَةُ بِالْمُطَالَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَالتَّتَبُّعُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَصْرِ) يَعْنِي أَنَّهُ زَادَ مَا ذَكَرَ وَلَمْ يَحْصُرْ الْمَوَاضِعَ بِعَدَدٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّتَبُّعُ لِلزِّيَادَةِ عَلَيْهَا خِلَافًا لِمَا فَعَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ، وَقَدْ زَادَ الْبِيرِيُّ مَسْأَلَةً وَهِيَ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ قَالَ سَالِمٌ وَبُزَيْغٌ وَمَيْمُونٌ أَحْرَارٌ وَأَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ غَيْرُهُ لَا يُعِيدُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ وَاحِدٌ. اهـ.
قُلْت: وَيُزَادُ أَيْضًا مَا فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَرْهَنَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَهُ، وَفُلَانًا الْغَائِبَ قِنًّا بِكَذَا يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ، لَا عَلَى الْغَائِبِ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ وَيُعِيدَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ قَدْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ وَيَقْضِي عَلَيْهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ، وَلَا لَهُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مَا يُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ كَمَا إذَا بَرْهَنَ

(4/415)


ثُمَّ إنَّمَا يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ لَوْ فِي دَعْوَى دَيْنٍ لَا عَيْنٍ مَا لَمْ تَكُنْ بِيَدِهِ فَلْيُحْفَظْ (يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ) أَيْ إذَا كَانَ وَقْفٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَوَاقِفُهُ وَاحِدٌ فَلَوْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ وَكِيلُهُ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ وَكِيلِهِ (وَقِيلَ لَا) يَنْتَصِبُ فَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ إلَّا بِقَدْرِ مَا فِي يَدِ الْحَاضِرِينَ (وَهَذَا) أَيْ انْتِصَابُ بَعْضِهِمْ (إذَا كَانَ الْأَصْلُ ثَابِتًا وَإِلَّا فَلَا) يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ خَصْمًا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ

(اشْتَرَى الْمُتَوَلِّي بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا) لِلْوَقْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَى ذِي الْيَدِ أَنَّهُ اشْتَرَى الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ عَلَى الْحَاضِرِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ لَمْ يُعْتَبَرْ قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَلَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ مِنْهَا فِي الْمُجْتَبَى تِسْعًا وَعِشْرِينَ. مَطْلَبٌ فِي انْتِصَابِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّمَا يَنْتَصِبُ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى بَيْتًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِإِخْوَتِهِ الْغُيَّبِ وَسَمَّاهُمْ وَقَالَ الشُّهُودُ: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي ثُبُوتِ الْبَيْتِ لِلْمَيِّتِ إذْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا يُسْتَحَقُّ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا بِحَضْرَةِ أَحَدِهِمْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ لِلْمَيِّتِ وَبَرْهَنَ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ إلَّا نَصِيبَهُ يَعْنِي فِي الْبَيْتِ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ ثُمَّ قَالَا يُؤْخَذُ نَصِيبُ الْغَائِبِ وَيُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْخَذُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ مُقِرًّا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نَصِيبُ الْغَائِبِ هَذَا فِي الْعَقَارِ أَمَّا فِي النَّقْلِيِّ فَعِنْدَهُمَا يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ، وَعِنْدَهُ قِيلَ كَذَلِكَ وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ كَمَا لَوْ كَانَ مُقِرًّا وَلَوْ مَاتَ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ فَغَابَ اثْنَانِ، وَبَقِيَ ابْنٌ وَالدَّارُ فِي يَدِهِ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ، فَادَّعَى رَجُلٌ كُلَّهَا مِلْكًا مُرْسَلًا أَوْ الشِّرَاءَ مِنْ أَبِيهِمْ يُحْكَمُ لَهُ بِالْكُلِّ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَحَدِهِمْ أَنَّ الْمَيِّتَ غَصَبَ شَيْئًا وَبَعْضُهُ بِيَدِ الْحَاضِرِ وَبَعْضُهُ بِيَدِ وَكِيلِ الْغَائِبِ قَضَى عَلَى الْحَاضِرِ بِدَفْعِ مَا بِيَدِهِ دُونَ وَكِيلِ الْغَائِبِ.
فَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِي عَيْنٍ هُوَ فِي يَدِ هَذَا الْوَارِثِ لَا فِيمَا لَيْسَ بِيَدِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ لَيْسَتْ فِي يَدِهِ لَا يُسْمَعُ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ. مَطْلَبٌ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ
(قَوْلُهُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَكَذَا بَعْضُ النُّظَّارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُحِيطِ وَالْقُنْيَةِ وَقْفٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ فِي يَدِ الْحَيِّ، وَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ فَبَرْهَنَ الْحَيُّ عَلَى أَحَدِهِمْ أَنَّ الْوَاقِفَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَالْبَاقِي غُيَّبٌ وَالْوَاقِفُ وَاحِدٌ يُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْأَوْلَادُ أَنَّ الْوَقْفَ مُطْلَقٌ عَلَيْنَا وَعَلَيْك فَبَيِّنَةُ الْأَوَّلِ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَهَذَا إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا، وَمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ الدَّعْوَى لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ ثَابِتًا وَأَرَادَ إثْبَاتَ أَنَّهُ وَقْفٌ وَمَرَّ تَقْرِيرُهُ.

مَطْلَبٌ اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لِلْوَقْفِ يَجُوزُ بَيْعُهَا
(قَوْلُهُ: اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ) أَيْ بِغَلَّةِ الْوَقْفِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ اشْتَرَى بِبَدَلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ عَلَى شُرُوطِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ الِاسْتِبْدَالِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا إذَا لَمْ يَحْتَجْ الْوَقْفُ إلَى الْعِمَارَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَيْسَ لَهُ الشِّرَاءُ كَمَا لَيْسَ لَهُ الصَّرْفُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا مَرَّ وَفِي الْبَحْرِ

(4/416)


(لَا تُلْحَقُ بِالْمَنَازِلِ الْمَوْقُوفَةِ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ لِلُزُومِهِ كَلَامًا كَثِيرًا وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا

[مَطْلَبٌ اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لِلْوَقْفِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]
(مَاتَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَوْفِيَا وَظِيفَتَهُمَا مِنْ الْوَقْفِ سَقَطَ) لِأَنَّهُ كَالصِّلَةِ (كَالْقَاضِي وَقِيلَ لَا) يَسْقُطُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ كَذَا فِي الدُّرَرِ قَبْلَ بَابِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ: وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِحِكَايَةِ الثَّانِي بِقِيلَ.
قُلْت: قَدْ جَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ بِخِلَافِ رِزْقِ الْقَاضِي كَذَا فِي وَقْفِ الْأَشْبَاهِ وَمَغْنَمِ النَّهْرِ وَلَوْ عَلَى الْإِمَامِ دَارُ وَقْفٍ فَلَمْ يَسْتَوْفِ الْأُجْرَةَ حَتَّى مَاتَ إنْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي سَقَطَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَنْ الْقُنْيَةِ إنَّمَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ الشِّرَاءُ مِنْ مُجَرَّدِ تَفْوِيضِ الْقِوَامَةِ إلَيْهِ فَلَوْ اسْتَدَانَ فِي ثَمَنِهِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ الْفَقِيهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ احْتِيَاطًا فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بَيْعُهَا فِي الْأَصَحِّ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ وَقْفًا وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. اهـ. رَمْلِيٌّ.
قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ.

مَطْلَبٌ فِي الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ
(قَوْلُهُ: كَالْقَاضِي) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ إلَّا إذَا مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ فَيُسْتَحَبُّ الصَّرْفُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ بَابِ الْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ) أَيْ بَلْ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا عَنْهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: قُلْت قَدْ جَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ إلَخْ) أَيْ فَجَزْمُهُ بِهِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ. قُلْت: وَوَجْهُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِكِيَّةِ أَنَّ لَهَا شَبَهَ الْأُجْرَةِ وَشَبَهَ الصِّلَةِ، ثُمَّ إنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مَنَعُوا أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِجَوَازِهِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ رَجَّحَ شَبَهَ الصِّلَةِ فَقَالَ بِسُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ، لِأَنَّ الصِّلَةَ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ رَجَّحَ شِبْهَ الْأُجْرَةِ فَقَالَ بِعَدَمِ السُّقُوطِ، وَحَيْثُ كَانَ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ جَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ بِالثَّانِي، بِخِلَافِ رِزْقِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَبَهٌ بِالْأُجْرَةِ أَصْلًا إذْ لَا قَائِلَ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ. مَطْلَبٌ إذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ وَنَحْوُهُ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ
وَعَلَى هَذَا مَشَى الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَلَى أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْوَظَائِفِ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي وَقَالَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِمْ وَقْتُ ظُهُورِ الْغَلَّةِ، فَمَنْ مَاتَ بَعْدَ ظُهُورِهَا وَلَوْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا صَارَ مَا يَسْتَحِقُّهُ لِوَرَثَتِهِ وَإِلَّا سَقَطَ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي حَرَّرَهُ الْمَرْحُومُ مُفْتِي الرُّومِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ، وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقِسْمَةِ، وَقُبَيْلَ بَابِ الْمُرْتَدِّ وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ يُؤَجَّرُ أَقْسَاطًا فَتَمَامُ كُلِّ قِسْطٍ بِمَنْزِلَةِ طُلُوعِ الْغَلَّةِ فَمَنْ وُجِدَ وَقْتَهُ اسْتَحَقَّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْحَانُوتِيُّ تَبَعًا لِلْفَتْحِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ سُقُوطُ مَا نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ عَنْ شَيْخِ الشُّيُوخِ الدِّيرِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ عَدَمُ السُّقُوطِ بِالْمَوْتِ فِي حَقِّ الْمُدَرِّسِ وَالطَّلَبَةِ لَا فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ لِأَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِمَامَةَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَلَا تَكُونُ بِمُقَابَلَةِ أُجْرَةٍ اهـ مُلَخَّصًا فَإِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ.

(4/417)


وَإِنْ آجَرَهَا الْإِمَامُ لَا عِمَادِيَّةٌ أَخَذَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ، وَذَهَبَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ غَلَّةَ بَاقِي السَّنَةِ فَصَارَ كَالْجِزْيَةِ وَمَوْتِ الْقَاضِي قَبْلَ الْحَوْلِ، وَيَحِلُّ لِلْإِمَامِ غَلَّةُ بَاقِي السَّنَةِ لَوْ فَقِيرًا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي الْمَدَارِسِ دُرَرٌ. وَنَظَمَ ابْنُ الشِّحْنَةِ الْغَيْبَةَ الْمُسْقِطَةَ لِلْمَعْلُومِ الْمُقْتَضِيَةَ لِلْعَزْلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الصِّرِّ وَالْحَبِّ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ الْبِيرِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ ظَهِيرَةَ الْقُرَشِيُّ الْحَنَفِيُّ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ شَيْءٌ مِنْ الصِّرِّ وَالْحَبِّ وَوَرَّدَ ذَلِكَ عَنْ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ فِي حَيَاتِهِ وَفِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا هَلْ يَسْتَحِقُّهُ بِقِسْطِهِ؟ أَجَابَ: نَعَمْ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَبَرَّةً مِنْ السُّلْطَانِ صَارَ نَصِيبُهُ فِي حُكْمِ الْمَحْلُولِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَكُونُ لِوَارِثِهِ اهـ وَمُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ قَوْمٌ أَمَرُوا أَنْ يَكْتُبُوا مَسَاكِينَ مَسْجِدِهِمْ فَكَتَبُوا وَرَفَعُوا أَسَامِيَهُمْ وَأَخْرَجُوا الدَّرَاهِمَ عَلَى عَدَدِهِمْ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَسَاكِينِ قَالَ: يُعْطَى وَارِثُهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ رَفْعِ اسْمِهِ اهـ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ الْأَمَانَاتِ الْوَاصِلَةِ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَالْمَبَرَّةِ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِدَفْعِ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ بِيرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ آجَرَهَا الْإِمَامُ لَا) أَيْ لَا يَسْقُطُ مَعْلُومُهُ تَنْزِيلًا لِعَقْدِهِ مَنْزِلَةَ الْقَبْضِ تَأَمَّلْ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ أَوْ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالسُّقُوطِ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا قَبَضَ الْمَعْلُومَ وَغَابَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ
(قَوْلُهُ: أَخَذَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ) أَيْ قَبَضَ مَعْلُومَ السَّنَةِ بِتَمَامِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: إمَامُ الْمَسْجِدِ رَفَعَ الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ الصِّلَةَ وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْحَصَادِ فَإِنْ كَانَ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ وَقْتَ الْحَصَادِ يَسْتَحِقُّ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَكْلُ حِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ إنْ كَانَ فَقِيرًا، يَحِلُّ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ يُعْطَوْنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ شَيْئًا مُقَدَّرًا مِنْ الْغَلَّةِ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ فَأَخَذَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قِسْطَهُ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ، فَتَحَوَّلَ عَنْ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْحَصَادِ ظَاهِرُهُ الْمُنَافَاةُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ لَكِنْ أَجَابَ فِي الْبَحْرِ: بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِهِ فِيمَا إذَا قَبَضَ مَعْلُومَ السَّنَةِ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَا لِاسْتِحْقَاقِهِ بِلَا قَبْضٍ قَالَ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْإِمَامِ حِصَّةَ مَا لَمْ يَؤُمَّ فِيهِ قَالَ ط: قُلْت: وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِغَرَضِ الْوَاقِفِ. اهـ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُقَدَّرًا لِكُلِّ يَوْمٍ لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدَّرَ لِلْمُدَرِّسِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَبْلَغًا فَلَمْ يُدَرِّسْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ الثُّلَاثَاءِ، لَا يَحِلُّ أَجْرُ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ دَارًا فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْجِزْيَةِ) أَيْ إذَا مَاتَ الَّذِي فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا عَجَّلَهَا أَثْنَاءَ السَّنَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ لَا تُسْتَرَدُّ ط (قَوْلُهُ وَنَظَمَ ابْنُ شِحْنَةٍ الْغَيْبَةَ إلَخْ) أَقُولُ: حَاصِلُ مَا فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِلْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ الْمَدْرَسَةِ فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ لَا فَإِنْ خَرَجَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ ثُمَّ رَجَعَ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ مَا مَضَى مِنْ مَعْلُومِهِ بَلْ يَسْقُطُ، وَكَذَا لَوْ سَافَرَ لِحَجٍّ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لِسَفَرٍ بِأَنْ خَرَجَ إلَى الرُّسْتَاقِ فَإِنْ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ فَإِنْ بِلَا عُذْرٍ كَالْخُرُوجِ لِلتَّنَزُّهِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لِعُذْرٍ كَطَلَبِ الْمَعَاشِ فَهُوَ عَفْوٌ إلَّا أَنْ تَزِيدَ غَيْبَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَلِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ أَيْ مَعْلُومِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِصْرِ فَإِنْ اشْتَغَلَ

(4/418)


وَمِنْهُ:
وَمَا لَيْسَ بُدٌّ مِنْهُ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ... ثَلَاثِ شُهُورٍ فَهْوَ يُعْفَى وَيُغْفَرُ
وَقَدْ أَطْبَقُوا لَا يَأْخُذُ السَّهْمَ مُطْلَقًا ... لِمَا قَدْ مَضَى وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ يُسْفَرُ
قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ فِي سُكَّانِ الْمَدْرَسَةِ، وَفِي غَيْرِ فَرْضِ الْحَجِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ أَمَّا فِيهِمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَالْمَعْلُومَ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ:
لَا تُجِزْ اسْتِنَابَةَ الْفَقِيهِ لَا ... وَلَا الْمُدَرِّسِ لِعُذْرٍ حَصَلَا
كَذَاكَ حُكْمُ سَائِرِ الْأَرْبَابِ ... أَوْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَذَا مِنْ بَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِكِتَابَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ، فَهُوَ عَفْوٌ وَإِلَّا جَازَ عَزْلُهُ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ، فِيمَا إذَا خَرَجَ لِلرُّسْتَاقِ وَأَقَامَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقِيلَ: يَسْقُطُ، وَقِيلَ: لَا هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ.
وَمُلَخَّصَةُ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مَعْلُومُهُ الْمَاضِي، وَلَا يُعْزَلُ فِي الْآتِي إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ مُشْتَغِلًا بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ خَرَجَ لِغَيْرِ سَفَرٍ، وَأَقَامَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ، لَكِنْ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَطَلَبِ الْمَعَاشِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ الْمَاضِي، وَلَا يُعْزَلُ لَوْ خَرَجَ مُدَّةَ سَفَرٍ وَرَجَعَ أَوْ سَافَرَ لِحَجٍّ وَنَحْوِهِ أَوْ خَرَجَ لِلرُّسْتَاقِ لِغَيْرِ عُذْرٍ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ الْمَاضِي وَيُعْزَلُ لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ وَأَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ لِعُذْرٍ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَكُلُّ هَذَا إذَا لَمْ يُنَصَّبْ نَائِبًا عَنْهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ وَظِيفَتِهِ. اهـ. وَيَأْتِي قَرِيبًا حُكْمُ النِّيَابَةِ، هَذَا وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْإِمَامَةِ إمَامٌ يَتْرُكُ الْإِمَامَةَ لِزِيَارَةِ أَقْرِبَائِهِ فِي الرَّسَاتِيقِ أُسْبُوعًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ لِمُصِيبَةٍ أَوْ لِاسْتِرَاحَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ عَفْوٌ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ اهـ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ خُرُوجَهُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، لَا يُسْقِطُ مَعْلُومَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ الْعَادَةِ مُحَكَّمَةٌ عِبَارَةُ الْقُنْيَةِ هَذِهِ وَحَمَلَهَا عَلَى أَنَّهُ يُسَامَحُ أُسْبُوعًا فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ مُحَشِّيهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ، لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قُلْت: وَالْأَظْهَرُ مَا فِي آخِرِ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِلْحَلَبِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ فِي كُلِّ سَنَةٍ. [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ الْقَيِّمُ خَرَسٌ أَوْ عَمًى أَوْ جُنُونٌ أَوْ فَالِجٌ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ الْآفَاتِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْكَلَامُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ فَلَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ إذَا أَصَابَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَجٍّ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُبَاشَرَةُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْحُكْمَ فِي الْمَعْلُومِ عَلَى نَفْسِ الْمُبَاشَرَةِ فَإِنْ وُجِدَتْ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ الْمُسَامَحَةِ بِأُسْبُوعٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مُغْتَفَرٌ كَمَا سُومِحَ بِالْبَطَالَةِ الْمُعْتَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّظْمِ لِأَنَّ ابْنَ الشِّحْنَةِ نَظَمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةَ أَبْيَاتٍ فَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى بَيْتَيْنِ مِنْهَا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا لَكِنْ بَعْدَ كَوْنِهِ مَسِيرَةَ سَفَرٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ يَسْفُرُ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ السَّفَرِ قَالَ نَاظِمُهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِنَا فِي الشَّرْعِ يَسْفُرُ أَيْ مِنْ يُعَدُّ مُسَافِرًا شَرَعَا. لَكِنْ اعْتَرَضَهُ ط بِقَوْلِ الْقَامُوسِ السَّافِرُ وَالْمُسَافِرُ لَا فِعْلَ لَهُ. مَطْلَبٌ فِي الْغَيْبَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْعَزْلَ عَنْ الْوَظِيفَةِ وَمَا لَا يَسْتَحِقُّ
(قَوْلُهُ: قُلْت وَهَذَا) أَيْ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْغَيْبَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى سَاكِنِي مَدْرَسَتِي، وَأَطْلَقَ أَمَّا لَوْ شَرَطَ شَرْطًا اُتُّبِعَ كَحُضُورِ الدَّرْسِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ إلَّا مَنْ بَاشَرَ خُصُوصًا إذَا قَالَ مَنْ غَابَ عَنْ الدَّرْسِ قُطِعَ مَعْلُومُهُ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَمَّا فِيهِمَا) أَيْ فِي فَرْضِ الْحَجِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْلُومَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْعَزْلِ (قَوْلُهُ: لَا تَجُزْ اسْتِنَابَةُ الْفَقِيهِ) لَا نَاهِيَةٌ وَتَجُزْ مَجْزُومٌ بِهَا وَهُوَ

(4/419)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ، وَلَا الثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى وَقَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْأَرْبَابِ أَيْ أَصْحَابُ الْوَظَائِفِ وَقَوْلُهُ: فَذَا مِنْ بَابِ أَيْ عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقَدْ تَابَعَ النَّاظِمَ فِي هَذَا مَا فَهِمَهُ الطَّرَسُوسِيٌّ مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ الْمَارِّ آنِفًا قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ مَعَ قِيَامِ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا لَوْ جَازَتْ لَقَالَ، وَيَجْعَلُ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَى زَوَالِ عُذْرِهِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْخَصَّافَ صَرَّحَ بِأَنَّ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِنْ الْمَعْلُومِ شَيْئًا وَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَهَذَا كَالتَّصْرِيحِ بِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ، لِأَنَّ النَّائِبَ وَكِيلٌ بِالْأُجْرَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ خَلِيفَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَؤُمَّ فِيهِ زَمَانَ غَيْبَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْخَلِيفَةُ مِنْ أَوْقَافِ الْإِمَامَةِ شَيْئًا إنْ كَانَ الْإِمَامُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ بِلَا إذْنٍ بِخِلَافِ الْقَاضِي، وَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ وَظِيفَتُهُ شَاغِرَةً، وَتَصِحُّ النِّيَابَةُ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي الِاسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ: أَنَّ النَّائِبَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّقْرِيرِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَيَسْتَحِقُّ الْأَصِيلُ الْكُلَّ إنْ عَمِلَ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَسَكَتَ عَمَّا يُعَيِّنُهُ الْأَصِيلُ لِلنَّائِبِ كُلَّ شَهْرٍ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَقَدْ وَفَّى الْعَمَلَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ إذَا لَمْ يَعْمَلْ الْأَصِيلُ وَعَمِلَ النَّائِبُ كَانَتْ الْوَظِيفَةُ شَاغِرَةً، وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَعَمَلُ النَّاسِ بِالْقَاهِرَةِ عَلَى الْجَوَازِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا شَاغِرَةً مَعَ وُجُودِ النِّيَابَةِ ثُمَّ قَالَ: فَاَلَّذِي تَحَرَّرَ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ تَرْجِيحِ جَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخُلَاصَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى، وَيَجِبُ تَقْيِيدُ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ بِوَظِيفَةٍ تَقْبَلُ الْإِنَابَةَ كَالتَّدْرِيسِ، بِخِلَافِ التَّعْلِيمِ، وَحَيْثُ تَحَرَّرَ الْجَوَازُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنَابُ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْفَضِيلَةِ، أَوْ فَوْقَهُ أَوْ دُونَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَرَأَيْت لِمُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَيَّدَهُ بِالْمُسَاوِي، وَبِمَا فَوْقَهُ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ دُونَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
وَقَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: بَعْدَ نَقْلِ حَاصِلِ مَا فِي الْبَحْرِ وَالْمَسْأَلَةُ وُضِعَ فِيهَا رَسَائِلُ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ وَخُصُوصًا مَعَ الْعُذْرِ وَعَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْمَعْلُومِ لِلْمُسْتَنِيبِ وَلَيْسَ لِلنَّائِبِ إلَّا الْأُجْرَةُ الَّتِي اسْتَأْجَرَهُ بِهَا. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا اخْتِيَارٌ لِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ عَلَّامَةُ الْوُجُودِ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ وَكَوْنِ الْوَظِيفَةِ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَكَوْنِ النَّائِبِ مِثْلَ الْأَصِيلِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ وَأَنَّ الْمَعْلُومَ بِتَمَامِهِ يَكُونُ لِلنَّائِبِ لَيْسَ لِلْأَصِيلِ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ وَنَقَلَهُ الْبِيرِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ الْحَقُّ، لَكِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ الشَّهَاوِيِّ الْحَنَفِيِّ مِثْلَ مَا فِي الْبَحْرِ، وَعَنْ شَيْخِ مَشَايِخِهِ الْقَاضِي عَلِيِّ بْنِ ظَهِيرَةَ الْحَنَفِيِّ اشْتِرَاطُ الْعُذْرِ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْمَعْلُومَ لِمُبَاشِرِ الْإِمَامَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ
قُلْت: أَمَّا اشْتِرَاطُ الْعُذْرِ، فَلَهُ وَجْهٌ وَأَمَّا كَوْنُ النَّائِبِ مِثْلَ الْأَصِيلِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ فَهُوَ بَعِيدٌ حَيْثُ وُجِدَتْ فِي النَّائِبِ أَهْلِيَّةُ تِلْكَ الْوَظِيفَةِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ مِثْلُهُ فِي الْأَهْلِيَّةِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ النَّاظِرِ

(4/420)


وَالْمُتَوَلِّي لَوْ لِوَقْفٍ أَجَرَا ... لَكِنَّهُ فِي صَكِّهِ مَا ذَكَرَا
مِنْ أَيِّ جِهَةٍ تَوَلَّى الْوَقْفَا ... مَا جَوَّزُوا ذَلِكَ حَيْثُ يُلْفَى
وَمِثْلُهُ الْوَصِيُّ إذْ يَخْتَلِفُ ... حُكْمُهُمَا فِي ذَا عَلَى مَا يُعْرَفُ
بِحَسَبِ التَّقْلِيدِ وَالنَّصْبِ فَقِسْ ... كُلَّ التَّصَرُّفَاتِ كَيْ لَا تَلْتَبِسْ
قُلْت: لَكِنْ لِلسُّيُوطِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا الضَّبَابَةَ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ، وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُحْفَظْ

(وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إذَا ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ عَنْ التَّحَدُّثِ عَلَى الْوَقْفِ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ فِيهِ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ وَهَلْ لَهُ النُّزُولُ عَنْ النَّظَرِ؟ أَجَابَ: نَعَمْ لَهُ اسْتِنَابَةُ مَنْ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَالْكِفَايَةُ وَلَا يَصِحُّ نُزُولُهُ عَنْ النَّظَرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ اهـ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَعْلُومِ لِلنَّائِبِ فَيُنَافِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّقْرِيرِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا بَاشَرَ الْأَصِيلُ أَكْثَرَ السَّنَةِ، فَصَرِيحُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ النَّائِبُ شَيْئًا أَيْ إلَّا إذَا شَرَطَ لَهُ الْأَصِيلُ أُجْرَةً أَمَّا إذَا كَانَ الْمُبَاشِرُ هُوَ النَّائِبَ وَحْدَهُ وَشَرَطَ الْوَاقِفُ الْمَعْلُومَ لِمُبَاشِرِ الْإِمَامَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ مَثَلًا فَلَا خَفَاءَ فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْمَعْلُومِ بِتَمَامِهِ، وَكَتَبْت فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْمُحَقِّقِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ فِيمَا إذَا كَانَ لِمُؤَذِّنِي جَامِعٍ مُرَتَّبَاتٌ فِي أَوْقَاتٍ شَرَطَهَا وَاقِفُوهَا لَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ أَدْعِيَةٍ يُبَاشِرُونَهَا لِلْوَاقِفِينَ الْمَذْكُورِينَ وَجَعَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ لَهُمْ نُوَّابًا عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ النُّوَّابُ الْمُبَاشِرُونَ لِلْأَذَانِ وَالْأَدْعِيَةِ وَالْمَزْبُورَةِ الْمَرْتَبَاتِ الْمَرْمُوقَةَ دُونَ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ الْجَوَابُ، نَعَمْ مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا أَجَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةَ تَوْلِيَتِهِ
(قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَلِّي لَوْ لِوَقْفٍ أَجَرَا إلَخْ) فِي الْإِسْعَافِ النَّاظِرُ إذَا آجَرَ أَوْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا آخَرَ، وَكَتَبَ فِي الصَّكِّ آجَرَ وَهُوَ مُتَوَلِّي عَلَى هَذَا الْوَقْفِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مُتَوَلٍّ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ قَالُوا تَكُونُ فَاسِدَةً اهـ.
قُلْت: وَهَذَا مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ الْقَاضِي يَصِحُّ إيجَارُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فَسَادُ كِتَابَةِ الصَّكِّ لِأَنَّ الصُّكُوكَ تُبْنَى عَلَى زِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ إيجَارِهِ وَبَاقِي تَصَرُّفَاتِهِ مَا لَمْ يَصِحَّ نَصْبُهُ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ كَانَ الْوَصِيُّ أَوْ الْمُتَوَلِّي مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَالْأَوْثَقُ أَنْ يَكْتُبَ فِي الصُّكُوكِ، وَالسِّجِلَّاتِ، وَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ جِهَةِ حَاكِمٍ لَهُ وِلَايَةُ نَصْبِ الْوَصِيَّةِ وَالتَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ الْحَاكِمِ رُبَّمَا يَكُونُ مِنْ حَاكِمٍ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ نَصْبُ الْوَصِيِّ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي إلَّا إذَا كَانَ ذِكْرُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوْقَافِ وَالْأَيْتَامِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي مَنْشُورِهِ فَصَارَ كَحُكْمِ نَائِبِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرُوا أَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ مَأْذُونٌ بِالْإِنَابَةِ تَحَرُّزًا عَنْ هَذَا الْوَهْمِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ السُّلْطَانِ جَعَلْتُك قَاضِيَ الْقُضَاةِ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمَنْشُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ: بِحَسْبِ التَّقْلِيدِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَخْتَلِفُ (قَوْلُهُ: فَقِسْ كُلَّ التَّصَرُّفَاتِ) أَيْ عَلَى الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَوْلُهُ: كَيْ لَا تَلْتَبِسَ أَيْ الْأَحْكَامُ وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مَا جَوَّزُوا ط (قَوْلُهُ: سَمَّاهَا الضَّبَابَةَ) اسْمُهَا كَشْفُ الضَّبَابَةِ فِي الْقَامُوسِ الضَّبَابُ بِالْفَتْحِ: نَدًى كَالْغَيْمِ أَوْ سَحَابٌ رَقِيقٌ كَالدُّخَانِ ط.

مَطْلَبٌ وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ لِوَصِيِّهِ ثُمَّ لِلْقَاضِي
(قَوْلُهُ: وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ قَدَّمْنَا أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا وَأَنَّ لَهُ عَزْلَ الْمُتَوَلِّي، وَأَنَّ مَنْ وَلَّاهُ لَا يَكُونُ لَهُ النَّظَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَيْ مَوْتِ الْوَاقِفِ إلَّا بِالشَّرْطِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

(4/421)


ثُمَّ لِوَصِيِّهِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَلَوْ جَعَلَهُ عَلَى أَمْرِ الْوَقْفِ فَقَطْ كَانَ وَصِيًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ خِلَافًا لِلثَّانِي وَلَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِرَجُلٍ ثُمَّ جَعَلَ آخَرَ وَصِيًّا كَانَا نَاظِرَيْنِ مَا لَمْ يُخَصِّصْ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ فَلَوْ وُجِدَ كِتَابَا وَقْفٍ فِي كُلٍّ اسْمُ مُتَوَلٍّ وَتَارِيخُ الثَّانِي مُتَأَخِّرٌ اشْتَرَكَا بَحْرٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ الْأَفْضَلُ فِي زَمَانِنَا نَصْبُ الْمُتَوَلِّي بِلَا إعْلَامِ الْقَاضِي وَكَذَا وَصِيُّ الْيَتِيمِ
ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَهْلَ الْمَسْجِدِ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى نَصْبِ رَجُلٍ مُتَوَلِّيًا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَعِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ يَصِحُّ وَلَكِنْ الْأَفْضَلُ كَوْنُهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي، ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُعْلِمُوا الْقَاضِيَ فِي زَمَانِنَا لِمَا عُرِفَ مِنْ طَمَعِ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ يُحْصَى عَدَدُهُمْ إذَا نَصَّبُوا مُتَوَلِّيًا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ. اهـ.
قُلْت: ذَكَرُوا مِثْلَ هَذَا فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ وَأَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّكَّةِ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ جَازَ فِي زَمَانِنَا لِلضَّرُورَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَبِهِ يُفْتَى. وَأَمَّا وِلَايَةُ نَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ فَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ. مَطْلَبٌ الْوَصِيُّ يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا بِلَا نَصٍّ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ لِوَصِيِّهِ) فَلَوْ نَصَبَ الْوَاقِفُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَصِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ شَيْئًا تَكُونُ وِلَايَةُ الْوَقْفِ إلَى الْوَصِيِّ بَحْرٌ. وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ وَصِيُّ الْقَاضِي كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ إلَّا فِي مَسَائِلَ، أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي هُنَا كَذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ.
قُلْت: وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: كَانَ وَصِيًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ إذَا قَالَ لَهُ أَنْتَ وَصِيٌّ فِي أَمْرِ الْوَقْفِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي الْوَقْفِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا وَجَعَلَ فِي الْخَانِيَّةِ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ إسْعَافٌ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَجَعَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَأَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُخَصِّصْ) بِأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ أَرْضِي عَلَى كَذَا وَجَعَلْتُ وِلَايَتَهَا لِفُلَانٍ، وَجَعَلْت فُلَانًا وَصِيِّي فِي تَرِكَاتِي وَجَمِيعِ أُمُورِي، فَحِينَئِذٍ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا فَوَّضَ إلَيْهِ إسْعَافٌ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ تَخْصِيصَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ لَكِنْ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ فِي الْوَقْفِ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فِي وَلَدِهِ كَانَا وَصِيَّيْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اهـ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ نَصَبَ مُتَوَلِّيًا ثُمَّ آخَرَ اشْتَرَكَا
(قَوْلُهُ: فَلَوْ وَجَدَ كِتَابَا وَقْفٍ إلَخْ) أَيْ كِتَابَانِ لِوَقْفٍ وَاحِدٍ وَهَذَا الْجَوَابُ أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْإِسْعَافِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُقَالُ إنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَصَّافِ فِي الشَّرَائِطِ أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا تُبَاعَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: عَلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ كَانَ لَهُ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ التَّوْلِيَةَ مِنْ الْوَاقِفِ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا التَّغْيِيرَ وَالتَّبْدِيلَ، كُلَّمَا بَدَا لَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي عُقْدَةِ الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا بَاقِي الشَّرَائِطِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ تَعْلِيلُهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ فَتَأَمَّلْ. نَعَمْ ذَكَرَ

(4/422)


فَرْعٌ] طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى إلَّا الْمَشْرُوطَ لَهُ النَّظَرُ لِأَنَّهُ مُوَلًّى فَيُرِيدُ التَّنْفِيذَ نَهْرٌ

[مَطْلَبٌ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى]
(ثُمَّ) إذَا مَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ فَوِلَايَةُ النَّصْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الْخَصَّافِ إذَا وَقَفَ أَرْضِينَ كُلُّ أَرْضٍ عَلَى قَوْمٍ وَجَعَلَ وِلَايَةَ كُلِّ أَرْضٍ إلَى رَجُلٍ، ثُمَّ أَوْصَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَى زَيْدٍ فَلِزَيْدٍ أَنْ يَتَوَلَّى مَعَ الرَّجُلَيْنِ، فَإِنْ أَوْصَى زَيْدٌ إلَى عَمْرٍو فَلِعَمْرٍو مِثْلُ مَا كَانَ لِزَيْدٍ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَقَدْ جَعَلَ وَصِيَّ الْوَصِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ، حَتَّى جَعَلَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مَنْ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لَهُ اهـ وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَمَكَثَ زَمَانًا فَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُمَا وَصِيَّانِ فِي كُلِّ وَصَايَاهُ، سَوَاءٌ تَذَكَّرَ إيصَاءَهُ إلَى الْأَوَّلِ أَوْ نَسِيَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ عِنْدَنَا لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ الْمُوصِي، حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ وَصِيَّتَيْهِ مُدَّةُ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ عَنْ الْوِصَايَةِ اهـ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْوَقْفَ يُسْتَقَى مِنْ الْوَصِيَّةِ. نَعَمْ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ نَصَبَ الْقَاضِي قَيِّمًا آخَرَ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ مَنْصُوبًا مِنْ الْوَاقِفِ فَلَوْ مِنْ جِهَتِهِ وَيَعْلَمُهُ وَقْتَ نَصْبِ الثَّانِي يَنْعَزِلُ، وَمُفَادُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاقِفِ وَالْقَاضِي فِي نَصْبِ الثَّانِي فَفِي الْوَاقِفِ يُشَارِكُ، وَفِي الْقَاضِي يَخْتَصُّ الثَّانِي وَيَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ يَعْلَمُهُ وَقْتَ نَصْبِ الثَّانِي فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ.

[فَرْعٌ طَالِبُ تولية الْوَقْف لَا يُوَلَّى]
مَطْلَبٌ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى
(قَوْلُهُ: طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى) كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لَا يُقَلَّدُ فَتْحٌ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَوْ لَا يَحِلُّ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إلَّا الْمَشْرُوطَ لَهُ النَّظَرُ) بِأَنْ قَالَ جَعَلْتُ نَظَرَ وَقْفِي لِفُلَانٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ شَرَطَهُ لِلذُّكُورِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُ ذَكَرٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا لَوْ انْحَصَرَ الْوَقْفُ فِي وَاحِدٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّاظِرَ عَلَيْهِ بِلَا شَرْطِ الْوَاقِفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ الْإِيجَارَ وَلَا الدَّعْوَى.

مَطْلَبٌ التَّوْلِيَةُ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ
لِأَنَّ لَهُ فِيهَا التَّغْيِيرَ بِلَا شَرْطٍ بِخِلَافِ بَاقِي الشَّرَائِطِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ إلَخْ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وِلَايَةُ النَّصْبِ لِلْوَاقِفِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ النَّصْبُ لِلْقَاضِي اهـ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الرَّأْيُ لِلْوَاقِفِ لَا لِلْقَاضِي، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مَيِّتًا فَوَصِيُّهُ أَوْلَى مِنْ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْصَى فَالرَّأْيُ لِلْقَاضِي. اهـ. بَحْرٌ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي وَمِنْهُ الْإِيجَارُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا إلَخْ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ. مَطْلَبٌ وِلَايَةُ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَوَصِيِّهِ
فَأَفَادَ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَوَصِيِّهِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي فِي الْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ التَّقْرِيرَ لِلْمُتَوَلِّي، وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي الْقَاهِرَةِ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ بِيَسِيرٍ اهـ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِهَذَا الْمُسْتَفَادِ وَقَالَ: وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُوصِ) أَيْ الْمَشْرُوطُ لَهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: إذَا مَاتَ الْمُتَوَلِّي الْمَشْرُوطُ لَهُ بَعْدَ الْوَاقِفِ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ غَيْرَهُ، وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى أَنْ لَا يَكُونَ الْمُتَوَلِّي أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ أَوْصَى لَا يَنْصِبُ الْقَاضِي. اهـ.

(4/423)


(لِلْقَاضِي) إذْ لَا وِلَايَةَ لِمُسْتَحِقٍّ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ كَمَا مَرَّ (وَمَا دَامَ أَحَدٌ يَصْلُحُ لِلتَّوَلِّيَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ لَا يُجْعَلُ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْأَجَانِبِ) لِأَنَّهُ أَشْفَقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ شَرَطَ بَعْدَ الْمُتَوَلِّي الْمَذْكُورِ إلَى آخَرَ لِأَنَّهُ، يَصِيرُ مَشْرُوطًا أَيْضًا وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا مَطْلَبٌ الْمُرَادُ قَاضِي الْقُضَاةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرُوا الْقَاضِيَ فِي أُمُورِ الْأَوْقَافِ
(قَوْلُهُ: لِلْقَاضِي) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَاضِي الْقُضَاةِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا قَبْلَ وَرَقَةٍ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي الِاسْتِدَانَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرُوا الْقَاضِيَ فِي أُمُورِ الْأَوْقَافِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ: وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. مَطْلَبٌ نَائِبُ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْوَقْفِ
قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَهُ السُّلْطَانُ فِي مَنْشُورِهِ نَصْبِ الْوُلَاةِ وَالْأَوْصِيَاءِ، وَفَوَّضَ لَهُ أُمُورَ الْأَوْقَافِ، وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَإِنْ بَحَثَ فِيهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ لِمَا فِي إطْلَاقِ مِثْلِهِ لِلنُّوَّابِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الِاخْتِلَالِ. وَالْمَسْأَلَةُ لَا نَصَّ فِيهَا بِخُصُوصِهَا فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، وَكَذَا فِيمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا اسْتَخْرَجَهَا تَفَقُّهًا اهـ وَنَقَلَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَحْرِ عِبَارَةَ شَيْخِهِ الْحَانُوتِيِّ بِطُولِهَا، وَأَقَرَّهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ قَاضِي الْقُضَاةِ بِاسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ، بَلْ يَجُوزُ مِنْ نَائِبِهِ أَيْضًا أَنَّ نَائِبَهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَلِذَا كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي مَنْشُورِهِ تَزْوِيجَ الصَّغَائِرِ وَالصِّغَارِ كَانَ لِمَنْصُوبِهِ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ السُّلْطَانُ ثُمَّ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ فِي عَهْدِهِ ذَلِكَ ثُمَّ مَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي اهـ مُلَخَّصًا. [تَنْبِيهٌ]
قَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ إلَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ يَبْقَى مَا نَصَّهُ عَلَى حَالِهِ قِيَاسًا عَلَى نَائِبِهِ فِي الْقَضَاءِ اهـ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا عَمَّمَ لَهُ الْوِلَايَةَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي أَعَمُّ وَفِعْلُهُ حُكْمٌ، وَحُكْمُهُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا عَزْلِهِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَقْفِ لِلْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا السُّلْطَانُ فِي تَقْلِيدِهِ، وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: إذْ لَا وِلَايَةَ لِمُسْتَحِقٍّ) تَعْلِيلٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ حَصْرِ الْوِلَايَةِ بِمَنْ ذُكِرَ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ وَقَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا. مَطْلَبٌ لَا يُجْعَلُ النَّاظِرُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوَقْفِ
(قَوْلُهُ وَمَا دَامَ أَحَدٌ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَنَصُّهَا: وَلَا يَجْعَلُ الْقَيِّمَ فِيهِ مِنْ الْأَجَانِبِ مَا وَجَدَ فِي وَلَدِ الْوَاقِفِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَجَعَلَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ صَارَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ صَرَفَهُ إلَيْهِ اهـ وَمُفَادُهُ: تَقْدِيمُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ لَهُ التَّعْلِيلُ الْآتِي وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التَّهْذِيبِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْصِبَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَأَقَارِبِهِ مَا دَامَ يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ اهـ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ، فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ تَعْبِيرُهُ بِالْأَفْضَلِ

(4/424)


وَمِنْ قَصْدِهِ نِسْبَةُ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ

[مَطْلَبٌ التَّوْلِيَةُ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ]
(أَرَادَ الْمُتَوَلِّي إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِي حَيَاتِهِ) وَصِحَّتِهِ (إنْ كَانَ التَّفْوِيضُ لَهُ) بِالشَّرْطِ (عَامًّا صَحَّ) وَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْوَاقِفُ جَعَلَ لَهُ التَّفْوِيضَ وَالْعَزْلَ (وَإِلَّا) فَإِنْ فَوَّضَ فِي صِحَّتِهِ (لَا) يَصِحُّ وَإِنْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَحَّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ وَالتَّفْوِيضُ إلَى غَيْرِهِ كَالْإِيصَاءِ أَشْبَاهٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَ أَجْنَبِيًّا مَعَ وُجُودِ مَنْ يَصْلُحُ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ يَصِحُّ فَافْهَمْ: وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ كَوْنَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُمْ بِلَا خِيَانَةٍ، وَلَوْ فَعَلَ لَا يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا. اهـ. لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَكَلَامُنَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَوَقَعَ قَرِيبًا مِنْ أَوَاخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْخَيْرِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ فَهِمَ عَدَمَ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ لَا يَجْعَلُ فَتَأَمَّلْ. وَأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا بِالْفِعْلِ بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ مَنْ ذُكِرَ مَشْرُوطٌ بِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِ حَتَّى لَوْ كَانَ خَائِنًا يُوَلَّى أَجْنَبِيٌّ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ أَهْلٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ نَفْسُهُ يُعْزَلُ بِالْخِيَانَةِ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى. مَطْلَبٌ إذَا قَبِلَ الْأَجْنَبِيُّ النَّظَرَ مَجَّانًا فَلِلْقَاضِي نَصِيبُهُ [تَنْبِيهٌ]
قَدَّمْنَا عَنْ الْبِيرِيِّ عَنْ حَاوِي الْحَصِيرِيِّ عَنْ وَقْفِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَتَوَلَّى الْوَقْفَ مِنْ جِيرَانِ الْوَاقِفِ وَقَرَابَتِهِ إلَّا بِرِزْقٍ وَيَقْبَلُ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِلَا رِزْقٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ الْأَصْلَحَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ قَصْدِهِ) أَيْ قَصْدِ الْوَاقِفِ. وَعِبَارَةُ الْإِسْعَافِ أَوْ لِأَنَّ مِنْ قَصْدِ الْوَاقِفِ نِسْبَةَ الْوَقْفِ إلَيْهِ وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا.

مَطْلَبٌ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ
(قَوْلُهُ: أَرَادَ الْمُتَوَلِّي إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ، أَمَّا بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَرَضِ الْمَوْتِ وَفِي الْفَتْحِ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقُومُ بِمَا كَانَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ وَيَجْعَلَ لَهُ مِنْ جُعْلِهِ شَيْئًا وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ أَوْ لَا يَسْتَبْدِلَ، وَلَوْ جُنَّ انْعَزَلَ وَكِيلُهُ وَيَرْجِعُ إلَى الْقَاضِي فِي النَّصْبِ اهـ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَوَلِّيَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوْ الْوَاقِفِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ التَّتِمَّةِ، وَقَالَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْقُنْيَةِ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يُفَوِّضَ فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ إنْ عَمَّمَ الْقَاضِي التَّفْوِيضَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْمُتَوَلِّي مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَقَطْ (قَوْلُهُ وَصِحَّتُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَرَادَ بِهِ بَيَانَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَيَاةِ مَا قَابَلَ الْمَرَضَ، وَهُوَ الصِّحَّةُ لَا مَا يَشْمَلُهُمَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ التَّفْوِيضُ لَهُ بِالشَّرْطِ عَامًّا صَحَّ) لَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى قَوْلُهُ بِالشَّرْطِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ اشْتِرَاطُ الْوَاقِفِ أَوْ الْقَاضِي ذَلِكَ لَهُ وَقْتَ النَّصْبِ، وَمَعْنَى الْعُمُومِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ وَلَّاهُ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُسْنِدَهُ وَيُوصِيَ بِهِ إلَى مَنْ شَاءَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجُوزُ التَّفْوِيضُ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَفِي حَالَةِ الْمَرَضِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بَحْثًا وَقَالَ بِخِلَافِ الْوَاقِفِ، فَإِنَّ لَهُ عَزْلَ الْقَيِّمِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ وَالْقَيِّمُ لَا يَمْلِكُهُ كَالْوَكِيلِ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي أَنْ يُوَكِّلَ فَوَكَّلَ حَيْثُ لَمْ يَمْلِكْ الْعَزْلَ وَكَالْقَاضِي إذَا أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَاسْتَخْلَفَ شَخْصًا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ، إلَّا إنْ شَرَطَ لَهُ السُّلْطَانُ الْعَزْلَ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّفْوِيضُ لَهُ عَامًّا لَا يَصِحُّ، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ فَوَّضَ فِي صِحَّتِهِ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّحَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ وَإِنْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا صَحَّ إذَا فَوَّضَ فِي مَرَضِ

(4/425)


قَالَ: وَسُئِلْت عَنْ نَاظِرٍ مُعَيَّنٍ بِالشَّرْطِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِلْحَاكِمِ فَهَلْ إذَا فَوَّضَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ؟ فَأَجَبْت: إنْ فَوَّضَ فِي صِحَّتِهِ فَنَعَمْ، وَإِنْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا مَا دَامَ الْمُفَوَّضُ لَهُ بَاقِيًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّفْوِيضُ لَهُ عَامًّا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ اهـ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْأَشْبَاهِ الْفِعْلُ فِي الْمَرَضِ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْفِعْلِ فِي الصِّحَّةِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ إسْنَادِ النَّاظِرِ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ بِلَا شَرْطٍ فَإِنَّهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ صَحِيحٌ لَا فِي الصِّحَّةِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. وَوَجْهُهُ مَا عَلِمْته مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ. وَلَمَّا كَانَ الْوَصِيُّ لَهُ عَزْلُ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَنَصْبُ غَيْرِهِ اتَّجَهَ قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ وَالتَّفْوِيضُ كَالْإِيصَاءِ بِخِلَافِ الْإِسْنَادِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ كَالْوَكِيلِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْعَزْلَ كَمَا مَرَّ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَفْوِيضِ النَّاظِرِ النَّظَرَ فِي صِحَّتِهِ وَبَيْنَ فَرَاغِهِ عَنْهُ [تَنْبِيهٌ]
صَرَّحُوا بِصِحَّةِ الْفَرَاغِ عَنْ النَّظَرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ، وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِسُقُوطِ حَقِّ الْفَارِغِ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُتَابَعْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا شَامِلٌ لِلْفَرَاغِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، فَيُنَافِي مَا هُنَا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ التَّفْوِيضِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِلَا تَعْمِيمٍ، وَتَوَقَّفْت فِي ذَلِكَ مُدَّةً وَظَهَرَ لِي الْآنَ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْفَرَاغَ مَعَ التَّقْرِيرِ مِنْ الْقَاضِي عَزْلٌ لَا تَفْوِيضٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْصِبُ غَيْرَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يُبْلِغْ الْقَاضِيَ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ الْفَرَاغُ عَنْ وَظِيفَةِ النَّظَرِ لِرَجُلٍ عِنْدَ الْقَاضِي إلَخْ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا لَا يَصِحُّ إقَامَةُ الْمُتَوَلِّي غَيْرَهُ مُقَامَهُ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْقَاضِي. وَأَمَّا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي كَانَ عَزْلًا لِنَفْسِهِ وَتَقْرِيرُ الْقَاضِي لِلْغَيْرِ نَصْبٌ جَدِيدٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْفَرَاغِ بِعَيْنِهَا وَبِهَذَا يَتَّجِهُ عَدَمُ سُقُوطِ حَقِّ الْفَارِغِ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْقَاضِي، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ إذْ لَوْ سَقَطَ قَبْلَهُ انْتَقَضَ قَوْلُهُمْ لَا تَصِحُّ إقَامَتُهُ فِي صِحَّتِهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ بَعْدَهُ يَصِيرُ عَزْلًا لِنَفْسِهِ عَنْ الْوَظِيفَةِ. وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْعَزْلَ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ عِلْمِ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْرِيرِ لِأَنَّ الْفَرَاغَ عَزْلٌ خَاصٌّ مَشْرُوطٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعَزْلِ نَفْسِهِ إلَّا لِتَصِيرَ الْوَظِيفَةُ لِمَنْ نَزَلَ لَهُ عَنْهَا فَإِذَا قَرَّرَ الْقَاضِي الْمَنْزُولَ لَهُ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فَتَحَقَّقَ الْعَزْلُ وَبِهَذَا تُجْمَعُ كَلِمَاتُهُمْ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ فَرِيدٌ (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: فَأَجَبْتُ إنْ فَوَّضَ إلَخْ) أَيْ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْوَاقِفِ عَدَمُ الْإِذْنِ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ مُقَامَهُ لَا فِي الصِّحَّةِ وَلَا فِي الْمَرَضِ حَيْثُ شُرِطَ انْتِقَالُهُ مِنْ بَعْدِهِ لِلْحَاكِمِ وَكَذَا نَقَلَ الْحَمَوِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ انْتِقَالُهُ لِلْحَاكِمِ وَلَوْ فَوَّضَ فِي مَرَضِهِ

(4/426)


وَعَنْ وَاقِفٍ شَرَطَ مُرَتَّبًا لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَفَرَغَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ هَلْ يَنْتَقِلُ لِلْفُقَرَاءِ؟ فَأَجَبْت: بِالِانْتِقَالِ وَفِيهَا لِلْوَاقِفِ عَزْلُ النَّاظِرِ مُطْلَقًا، بِهِ يُفْتَى، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْلِهِ لِمُدَرِّسٍ وَإِمَامٍ وَلَّاهُمَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِأَنَّ فِي التَّفْوِيضِ تَفْوِيتَ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاقِفِ اهـ وَنَقَلَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا لَمْ يُطَّلَعْ عَلَى نَصٍّ فِيهَا. اهـ. مَطْلَبٌ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ لِزَيْدٍ لَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ أَنْ يُفَوِّضَ لِرَجُلٍ آخَرَ
قُلْت: بَلْ هِيَ مَنْصُوصَةٌ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ أَوْقَافِ هِلَالٍ، وَنَصُّهُ: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ وِلَايَةَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ وَمِنْ بَعْدِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى زَيْدٍ فَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَيَكُونُ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةٌ مَعَ زَيْدٍ قَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ وِلَايَةٌ مَعَ زَيْدٍ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: فَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ فَمَا قِيلَ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْأَشْبَاهِ مَرْدُودٌ، بَلْ الْعَمَلُ بِالْمُتَبَادِرِ مِنْ الْمَنْقُولِ مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَسْتَنِدْ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى نَقْلٍ حَتَّى يُعْدَلَ عَنْ هَذَا الْمَنْقُولِ الْوَاجِبِ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى نَصِّ الْوَاقِفِ، وَهَذَا مَا حَرَّرَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ رَادًّا عَلَى الْأَشْبَاهِ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ الْحَانُوتِيُّ أَيْضًا فِيمَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فَفَوَّضَ الْأَرْشَدُ لِزَوْجِ بِنْتِهِ وَمَاتَ فَقَالَ يَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهُ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَتَمَامُهُ فِي فَتَاوَاهُ. وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: التَّفْوِيضُ الْمُخَالِفُ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَا يَصِحُّ فَإِذَا شَرَطَ لِلْأَرْشَدِ فَفَوَّضَ الْأَرْشَدُ فِي الْمَرَضِ لِغَيْرِ الْأَرْشَدِ وَظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ يُوَلِّي الْقَاضِي الْأَرْشَدَ اهـ وَقَوْلُهُ: وَظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ أَيْ خِيَانَةُ الْمُفَوِّضِ حَيْثُ خَالَفَ فِي تَفْوِيضِ ذَلِكَ شَرْطَ الْوَاقِفِ، وَمَا اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ أَنَّ مُخْتَارَ الْأَرْشَدِ أَرْشَدُ قَدَّمْنَا رَدَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ إلَخْ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ: شَرَطَ مُرَتَّبًا) أَيْ رَتَّبَ لَهُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ. مَطْلَبٌ لِلْوَاقِفِ عَزْلُ النَّاظِرِ
(قَوْلُهُ: لِلْوَاقِفِ عَزْلُ النَّاظِرِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَ بِجُنْحَةٍ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ شَرَطَ لَهُ الْعَزْلَ أَوْ لَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ وَخَالَفَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عَزْلُ الْقَاضِي لِلنَّاظِرِ فَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) وَاَلَّذِي فِي التَّجْنِيسِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَيْ بِعَدَمِ الْعَزْلِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَكَذَلِكَ الْمُؤَلِّفُ أَيْ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رَسَائِلِهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ. بِيرِيٌّ أَيْ فِيهِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ.
قُلْت: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ شَرْطٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فَلَا تَبْقَى لِلْوَاقِفِ وِلَايَةٌ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَغَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَتَبْقَى وِلَايَتُهُ فَاخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِ هُنَاكَ. مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ الْوَاقِفِ الْمُدَرِّسَ وَالْإِمَامَ وَعَزْلِ النَّاظِرِ نَفْسَهُ
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْلِهِ لِمُدَرِّسٍ وَإِمَامٍ وَلَا هُمَا) أَقُولُ: وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ كَذَلِكَ بِلَا فَرْقٍ. فَفِي لِسَانِ الْحُكَّامِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: إذَا عَرَضَ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَعْزِلَهُ وَيُوَلِّيَ غَيْرَهُ، وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ عَزْلِهِ إذَا مَضَى شَهْرٌ بِيرِيٌّ. أَقُولُ: إنَّ هَذَا الْعَزْلَ لِسَبَبٍ مُقْتَضٍ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِهِ ط.

(4/427)


وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ نَاظِرًا فَنَصَبَ الْقَاضِي لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ إخْرَاجَهُ، وَلَوْ عَزَلَ النَّاظِرُ نَفْسَهُ إنْ عَلِمَ الْوَاقِفُ أَوْ الْقَاضِي صَحَّ وَإِلَّا لَا.

(بَاعَ دَارًا) ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ (ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْتُ وَقَفْتُهَا أَوْ قَالَ وُقِفَ عَلَيَّ لَمْ تَصِحَّ) فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي (وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) أَوْ أَبْرَزَ حُجَّةً شَرْعِيَّةً (قُبِلَتْ) فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِيهِ لَا فِي الْمِلْكِ لَوْ اُسْتُحِقَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ مُنْيَةٌ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ. -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُؤَيَّدَةِ التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ لَوْ غَيْرُهُ أَصْلَحُ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ حُكْمَ عَزْلِ الْقَاضِي الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِجُنْحَةٍ وَعَدَمِ أَهْلِيَّةٍ (قَوْلُهُ: فَنَصَبَ الْقَاضِي) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ فَنَصَبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا وَقَضَى بِقِوَامَتِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ شَرْطٌ لِعَدَمِ إخْرَاجِ الْوَاقِفِ لَهُ. وَذَكَرَ الْبِيرِيُّ أَنَّ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقِوَامَتِهِ لَا يَمْلِكُ الْوَاقِفُ إخْرَاجَهُ وَعَزَاهُ لِلْأَجْنَاسِ (قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ الْوَاقِفُ أَوْ الْقَاضِي صَحَّ) فَهُوَ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى عَزْلِ نَفْسِهِ وَفَرَاغِهِ لِآخَرَ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِلَا عَزْلٍ لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ مَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ قَالَ وَفِي الْقُنْيَةِ النَّاظِرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ الْوَاقِفُ أَوْ الْقَاضِي اهـ تَأَمَّلْ.

مَطْلَبٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ) لَيْسَ هَذَا قَيْدٌ بَلْ ذَكَرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ بَيْنَ بَقَائِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْهَا إلَى آخَرَ أَوْ لِأَنَّهُ صُورَةُ وَاقِعَةٍ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِيمَنْ يَمْلِكُ عَقَارًا فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مُدَّةُ سِنِينَ ثُمَّ أَظْهَرَ الْبَائِعُ مَكْتُوبًا شَرْعِيًّا بِإِيقَافِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَأَجَابَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِذَا ثَبَتَ بَطَلَ الْبَيْعُ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ وَقِفَ عَلَيَّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاقِفَ أَوْ غَيْرُهُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ) أَيْ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ التَّحْلِيفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ أَفَادَهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ ط (قَوْلُهُ: أَوْ أَبْرَزَ حُجَّةً شَرْعِيَّةً) أَيْ كِتَابَ وَقْفٍ لَهُ أَصْلٌ فِي دِيوَانِ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ، كَمَا قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ حِسْبَةً لَا الدَّعْوَى إلَخْ
وَفِي الْقُنْيَةِ: أَمَّا الْكِتَابُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي وُجِدَ فِي يَدِ الْخَصْمِ هَلْ يَدْفَعُ الدَّعْوَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَدْفَعُ وَيَعْمَلُ الْقُضَاةُ بِكِتَابِ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ اهـ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْوَقْفِ الْقَدِيمِ (قَوْلُهُ: قُبِلَتْ) أَيْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَإِنْ بَطَلَتْ لِلتَّنَاقُضِ بَقِيَتْ الشَّهَادَةُ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ فِي الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِيهِ) أَيْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَنَافِعَ الْوَقْفِ مَضْمُونَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِشُبْهَةِ مِلْكٍ كَمَا مَرَّ وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لَا فِي الْمِلْكِ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مِلْكُ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ كَالْوَقْفِ، وَأَمَّا الْمُعَدُّ لِلِاسْتِغْلَالِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ إذَا سَكَنَهُ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ كَسُكْنَى شَرِيكٍ أَوْ مُشْتَرٍ أَوْ بِتَأْوِيلِ عَقْدِ رَهْنٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ عَقَارِ الْوَقْفِ أَوْ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّ الْحَبْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ وَالْوَقْفُ لَا يُرْهَنُ ط. مَطْلَبٌ مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ
(قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ أَنَّهَا تِسْعٌ: الْأُولَى: اشْتَرَى عَبْدًا قَبَضَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ قَبْلَهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ لِأَنَّهُ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ مِلْكُ

(4/428)


وَاعْتَمَدَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى وَقْفًا مَحْكُومًا بِلُزُومِهِ قُبِلَ وَإِلَّا لَا وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، لَكِنْ اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ آخِرَ الْكِتَابِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ: وَهُوَ أَحْوَطُ. وَفِي دَعْوَى الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ وَهَذَا فِي وَقْفٍ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى الْعِبَادِ لَمْ يَجُزْ.
قُلْت: قَدْ قَدَّمْنَا قَبُولَهَا مُطْلَقًا لِثُبُوتِ أَصْلِهِ لِمَآلِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَتَدَبَّرْ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ: نَعَمْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْغَائِبِ. الثَّانِيَةُ: وَهَبَ جَارِيَةً وَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْوَاهِبُ أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ وَيَسْتَرِدُّهَا وَالْعُقْرَ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقُ الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ وَنَدِمَ. الثَّالِثَةُ: بَاعَهُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ. وَفِي الْفَتْحِ التَّنَاقُضُ لَا يَضُرُّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا اهـ وَظَاهِرُهُ قَبُولُ دَعْوَى الْبَائِعِ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ فَالْهِبَةُ مِثَالُ الرَّابِعَةِ: اشْتَرَى أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَائِعَهَا كَانَ جَعَلَهَا مَقْبَرَةً أَوْ مَسْجِدًا الْخَامِسَةُ: اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ عِنْدَ الثَّانِي لَا عِنْدَهُمَا السَّادِسَةُ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ السَّابِعَةُ: بَاعَ الْأَبُ مَالَ وَلَدِهِ ثُمَّ ادَّعَى الْغَبْنَ الْفَاحِشَ إلَّا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، الثَّامِنَةُ: إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ ثُمَّ ادَّعَى كَذَلِكَ. التَّاسِعَةُ: الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ بَاعَ ثُمَّ ادَّعَى الْفَسَادَ وَشَرَطَ الْعِمَادِيُّ التَّوْفِيقَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ وَذَكَرَ فِيهَا اخْتِلَافًا اهـ مَا فِي الْأَشْبَاهِ مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَةٍ. مَطْلَبٌ بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَقْفٌ
(قَوَّاهُ وَاعْتَمَدَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ إلَخْ) أَيْ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ جَزَمَ بِهِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ يُقْبَلُ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ فِي مَتْنِهِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ هُنَا: يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ اهـ. قَالَ ط: وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَتِمُّ بِلَفْظِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ اهـ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْمَوْتِ أَوْ كَانَ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ لَا تُقْبَلُ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ تُقْبَلُ وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ (قَوْلُهُ: قُلْت قَدْ قَدَّمْنَا) أَيْ عَنْ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ ابْتِدَاءً أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ) يَعْنِي الدَّعْوَى الْمَقْرُونَةَ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَلَا تُسْمَعُ حَتَّى لَا يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا فِي الصَّحِيحِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ دُونَ الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ هُنَا وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِهِ تَرْجِيحَهُ. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ أَجَابَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَكِنْ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْمُسَجَّلِ فَتُقْبَلُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا تُقْبَلُ وَالْأَصَحُّ مَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَقْفٌ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ اهـ وَقَالَ

(4/429)


وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ

[مَطْلَبٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ]
(الْبَانِي) لِلْمَسْجِدِ (أَوْلَى) مِنْ الْقَوْمِ (بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ فِي الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّنْ عَيَّنَهُ) الْبَانِي

(صَحَّ الْوَقْفُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ أَوْ عَلَى مَكَان هَيَّأَهُ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ صَحَّ (فِي الْأَصَحِّ) وَتُصْرَفُ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يُولَدَ لِزَيْدٍ أَوْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ عِمَادِيَّةٌ زَادَ فِي النَّهْرِ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الشَّارِحُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ تُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ. اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ التَّحْقِيقَ هُوَ التَّفْصِيلُ وَالتَّوْفِيقُ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا ادَّعَى فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى إثْبَاتِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ دَعْوَاهُ وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى تَحْقِيقُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَ أَصْلِ الْوَقْفِ لَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يُدْفَعُ لَهُ شَيْءٌ بِلَا دَعْوَى حِينَئِذٍ، فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَنَاقُضِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ مِنْهُمْ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيَثْبُتُ الْوَقْفُ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهٌ]
بَقِيَ مَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا وَقْفٌ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ هُوَ الْمُتَوَلِّي وَإِلَّا نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ مُتَوَلِّيًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرَ وَغَيْرِهِ: وَإِنْ لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ الْمُتَوَلِّي لِلتَّنَاقُضِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي الثُّلُثِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ

(قَوْلُهُ الْبَانِي أَوْلَى) وَكَذَا وَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ) أَمَّا فِي الْعِمَارَةِ فَنَقَلَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّ الْبَانِيَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّنْ عَيَّنَهُ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَرْجِعُ إلَيْهِمْ أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ

(قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى مَكَان هَيَّأَهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَكَانَ مَوْجُودٌ فَيَكُونُ وَقْفًا عَلَى مَوْجُودٍ وَاَلَّذِي فِي الْمِنَحِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ هَيَّأَ مَوْضِعًا لِبِنَاءِ مَدْرَسَةٍ وَقَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَقْفًا لِشَرَائِطِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ إلَخْ وَقَيَّدَ بِتَهْيِئَةِ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ سَيُعَمِّرُهُ وَلَمْ يُهَيِّئْ مَكَانَهُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ كَمَا أَفْتَى بِهِ مُفْتِي دِمَشْقَ الْمُحَقِّقُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ (قَوْلُهُ وَتُصْرَفُ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْوَقْفُ يُسَمَّى مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَنْ يَحْدُثُ لِي مِنْ الْوَلَدِ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ يَصِحُّ فَإِذَا أَدْرَكَتْ الْغَلَّةُ تُقْسَمُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ تُصْرَفُ الْغَلَّةُ الَّتِي تُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى هَذَا الْوَلَدِ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ الْوَلَدَ الْحَادِثَ لِلِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا إنْ حَدَثَ لِي وَلَدٌ فَغَلَّتُهَا لَهُ مَا بَقِيَ اهـ وَمِنْهُ مَا فِي الْإِسْعَافِ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدُ ابْنٍ تُصْرَفُ الْغَلَّةُ لِوَلَدِ الِابْنِ إلَى أَنْ يَحْدُثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ فَتُصْرَفُ إلَيْهِ اهـ وَقَدْ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَمِنْهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ وَلَدٍ يُصْرَفُ نِصْفُ الْغَلَّةِ إلَى الْبَاقِي وَالنِّصْفَ إلَى الْفُقَرَاءِ فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ يُصْرَفُ الْجَمِيعُ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَازِمٌ وَالْوَاقِفُ إنَّمَا جَعَلَ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يُصْرَفُ النِّصْفُ إلَى الْفُقَرَاءِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَالْمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ [تَنْبِيهٌ]
عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ وَمُنْقَطِعَ الْوَسَطِ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ. وَوَقَعَ فِي الْخَيْرِيَّةِ خِلَافٌ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ مَا نَصَّهُ لِلِانْقِطَاعِ الَّذِي صَرَّحُوا، بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْأَقْرَبِ لِلْوَاقِفِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِغَرَضِهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ

(4/430)


وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ وَقَفَهُ عَلَى مَدْرَسَةٍ يُدَرِّسُ فِيهَا الْمُدَرِّسُ مَعَ طَلَبَتِهِ فَدَرَّسَ فِي غَيْرِهَا لِتَعَذُّرِ التَّدْرِيسِ فِيهَا أَنْ تُصْرَفَ الْعَلُوفَةُ لَهُ لَا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا يَقَعُ فِي الرُّومِ.

[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ حَدَثَتْ لِلْفَتْوَى] أَرْصَدَ الْإِمَامُ أَرْضًا عَلَى سَاقِيَةٍ لِيَصْرِفَ خَرَاجَهَا لِكُلْفَتِهَا فَاسْتَغْنَى عَنْهَا لِخَرَابِ الْبَلَدِ فَنَقَلَهَا وَكِيلُ الْإِمَامِ لِسَاقِيَةٍ هِيَ مِلْكٌ هَلْ يَصِحُّ؟ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْإِرْصَادَ عَلَى الْمِلْكِ إرْصَادٌ عَلَى الْمَالِكِ يَعْنِي فَيَصِحُّ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْمُرْصَدَ عَلَيْهِ إدَارَتُهَا كَمَا كَانَتْ لِمَا فِي الْحَاوِي الْحَوْضُ إذَا خَرِبَ صُرِفَتْ أَوْقَافُهُ فِي حَوْضٍ آخَرَ فَتَدَبَّرْ.

دَارٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا بُيُوتٌ وَقَفَ بَيْتًا مِنْهَا عَلَى عَتِيقَةِ فُلَانٍ وَالْبَاقِي عَلَى ذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ ثُمَّ عَلَى عُتَقَائِهِ فَآلَ الْوَقْفُ إلَى الْعُتَقَاءِ هَلْ يَدْخُلُ مَنْ خَصَّهُ بِالْبَيْتِ فِي الثَّانِي؟ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ أَخْذًا مِنْ خِلَافٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَهَذَا سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ قَالَ نَفْسُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مِنْ الْخَيْرِيَّةِ وَالْمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يُصْرَفُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَالْمُتَظَافِرُ عَلَى أَلْسِنَةِ عُلَمَائِنَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ آخَرَ وَفِي مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ الْأَصَحُّ صَرْفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ اهـ (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي إلَخْ) وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْوَقْفَ الْمَعْلُومَ لِأَحَدٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْجَابِي. اهـ.

[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ]
(قَوْلُهُ: أَرْصَدَ الْإِمَامُ أَرْضًا) أَيْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَعَيَّنَهَا لِهَذِهِ الْجِهَةِ وَالْإِرْصَادُ لَيْسَ بِوَقْفٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ بَلْ يُشْبِهُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فَيَصِحُّ) عِبَارَةُ النَّهْرِ بَعْدَهُ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ عُلَمَائِنَا إلَّا أَنَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْمَسْجِدُ إذَا خَرِبَ أَوْ الْحَوْضُ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ لِتَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْهُ صُرِفَتْ أَوْقَافُهُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ حَوْضٍ آخَرَ اهـ وَعَلَى هَذَا فَيَلْزَمُ الْمُرْصَدَ عَلَيْهِ أَنْ يُدِيرَهُمَا لِسَقْيِ الدَّوَابِّ وَتَسْبِيلِ الْمَاءِ كَمَا كَانَتْ، وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِهِ إرْصَادًا عَلَى الْمَالِكِ أَنْ لَا يَلْزَمَ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَنْقُولَ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ إذَا خَرِبَ يُصْرَفُ وَقْفُهُ إلَى مُجَانِسِهِ فَتُصْرَفُ أَوْقَافُ الْمَسْجِدِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَأَوْقَافُ الْحَوْضِ إلَى حَوْضٍ آخَرَ وَالْإِرْصَادُ نَظِيرُ الْوَقْفِ، فَحَيْثُ اسْتَغْنَى عَنْ السَّاقِيَةِ الْأُولَى وَأَرْصَدَ وَكِيلُ الْإِمَامِ الْأَرْضَ عَلَى السَّاقِيَةِ الثَّانِيَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَكَانَ ذَلِكَ إرْصَادًا عَلَى مَالِكِهَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يُدِيرَ تِلْكَ الْأَرْضَ أَيْ غَلَّتَهَا وَخَرَاجَهَا إلَى سَقْيِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا لِيَكُونَ صَرْفًا إلَى مَا يُجَانِسُ الْأَوَّلَ كَمَا فِي الْوَقْفِ، لِأَنَّ وَكِيلَ الْإِمَامِ لَمْ يَرْصُدْهَا لِيَنْتَفِعَ الْمَالِكُ بِخَرَاجِهَا كَيْفَمَا أَرَادَ بَلْ لِيَكُونَ لِسَقْيِ الْمَاءِ كَمَا كَانَتْ حِينَ أَرْصَدَهَا الْإِمَامُ أَوْ لَا، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ إدَارَةُ خَرَاجِ الْأَرْضِ عَلَى سَاقِيَتِهِ الَّتِي أَرْصَدَ عَلَيْهَا وَكِيلُ الْإِمَامِ بَلْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى سَاقِيَةٍ أُخْرَى إذْ لَا يَلْزَمُهُ بِالْإِرْصَادِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُسَبِّلَ مِلْكَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ لَك أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ إدَارَتُهَا كَمَا كَانَتْ عَائِدٌ إلَى الْأَرْضِ الْمُرْصَدَةِ لَا إلَى السَّاقِيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَجْعَلَ سَاقِيَتَهُ سَبِيلًا لِلنَّاسِ جَبْرًا وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِمَا فِي الْحَاوِي إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ مَا خَرِبَ تُصْرَفُ أَوْقَافُهُ إلَى مُجَانِسِهِ فَكَذَا الْإِرْصَادُ، فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى قَوْلِهِ تَلْزَمُ إدَارَتُهَا أَيْ الْأَرْضِ الْمُرْصَدَةِ كَمَا كَانَتْ أَيْ بِأَنْ يَصْرِفَ خَرَاجَهَا فِي تَسْبِيلِ الْمَاءِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَالْمَقْصُودُ إلْحَاقُ الْإِرْصَادِ بِالْوَقْفِ لِأَنَّهُ نَظِيرُهُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ النَّقْلِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ وَقْفٍ إلَى وَقْفٍ وَفِي الْحَادِثَةِ وَمِنْ وَقْفٍ إلَى مِلْكٍ فَافْهَمْ.

مَطْلَبٌ وَقَفَ بَيْتًا عَلَى عَتِيقَةِ فُلَانٍ وَالْبَاقِي عَلَى عُتَقَائِهِ هَلْ يَدْخُلُ فُلَانٌ مَعَهُمْ؟
(قَوْلُهُ: فِي الثَّانِي) مُتَعَلِّقٌ بِيَدْخُلُ أَيْ فِي الْوَقْفِ الثَّانِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالْعَقِبِ ثُمَّ عَلَى الْعُتَقَاءِ وَالْمُرَادُ هَلْ يُشَارِكُ عَتِيقَةَ فُلَانٍ بَقِيَّةُ الْعُتَقَاءِ فِيمَا آلَ إلَيْهِمْ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ أَوْ لَا يَدْخُلُ لِكَوْنِ الْوَاقِفِ خَصَّهُ بِوَقْفٍ عَلَى حِدَةٍ

(4/431)


مَذْكُورٍ فِي الذَّخِيرَةِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِمَالٍ وَالْمُوصَى لَهُ مُحْتَاجٌ هَلْ يُعْطَى مِنْ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ؟ اخْتَلَفُوا وَالْأَصَحُّ نَعَمْ.

اسْتَأْجَرَ دَارًا مَوْقُوفَةً فِيهَا أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ هَلْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ شَرْطَ الْوَاقِفِ لَمْ يَأْكُلْ لِمَا فِي الْحَاوِي: غَرَسَ فِي الْمَسْجِدِ أَشْجَارًا تُثْمِرُ إنْ غَرَسَ لِلسَّبِيلِ فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الْأَكْلُ وَإِلَّا فَتُبَاعُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ: مَذْكُورٌ فِي الذَّخِيرَةِ) عِبَارَتُهَا لَوْ جَعَلَ نِصْفَ غَلَّةِ أَرْضِهِ لِفُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِلْمَسَاكِينٍ فَاحْتَاجَ فُقَرَاءُ قَرَابَتِهِ هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْ نِصْفِ الْمَسَاكِينِ؟ قَالَ هِلَالٌ لَا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِي: يُعْطَوْنَ. اهـ. نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ إفْتَاءُ بَعْضِ عُلَمَاءِ الرُّومِ يَعْنِي حَيْثُ وُجِدَ تَصْرِيحُ الْخَانِيَّةِ بِالْأَصَحِّ فَلَا وَجْهَ لِلِاخْتِلَافِ بَلْ يَلْزَمُ مُتَابَعَةُ الْأَصَحِّ بَعْدَ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا مُلَخَّصُ رِسَالَةٍ كَبِيرَةٍ لِمَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ عَلِيٍّ جَلَبِي وَضَعَهَا حِينَ نَقَضَ حُكْمَ مَوْلَانَا مُحَمَّدٍ شَاهْ بَادِرْنَهْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا رَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَاعْتَمِدْهُ، اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. مَطْلَبٌ وَقَفَ النِّصْفَ عَلَى ابْنِهِ زَيْدٍ وَالنِّصْفَ عَلَى امْرَأَتِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ يَدْخُلُ زَيْدٌ فِيهِمْ
قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحَ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ وَقَفَ ضَيْعَةً نِصْفَهَا عَلَى امْرَأَتِهِ وَنِصْفَهَا عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَنَصِيبُهَا لِأَوْلَادِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَالنِّصْفُ لِابْنِهِ زَيْدٍ وَنَصِيبُ الْمَرْأَةِ لِسَائِرِ الْأَوْلَادِ وَلِزَيْدٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَصِيبَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لِأَوْلَادِهِ وَزَيْدٌ مِنْهُمْ أَيْضًا اهـ مُلَخَّصًا وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِيهَا تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ أَوْصَى لِلْكُلِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يَأْخُذُ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ ثُمَّ أَوْصَى بِوَصَايَا أُخَرَ ثُمَّ أَوْصَى فِي آخِرِهِ لِلْفُقَرَاءِ بِكَذَا فَلَهُ الْأَخْذُ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمَّا قَالَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مَيَّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ. اهـ. وَأَفْتَى الْحَانُوتِيُّ فِي الْوَقْفِ بِمِثْلِهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ فِيمَنْ وَقَفَ ثُلُثَيْ كَذَا عَلَى طَائِفَةٍ وَالثُّلُثُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَرَاجِعْهُ، لَكِنْ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ يُخَالِفُهُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ الْكُلَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْهَا أَيْضًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّفْصِيلِ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

مَطْلَبٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا فِيهَا أَشْجَارٌ
(قَوْلُهُ لَمْ يَأْكُلْ) أَيْ يَبِيعُهَا الْمُتَوَلِّي وَيَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إنْ غَرَسَ لِلسَّبِيلِ) وَهُوَ الْوَقْفُ عَلَى الْعَامَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَغْرِسْهَا لِلسَّبِيلِ بِأَنْ غَرَسَهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ غَرَضَهُ بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي، وَهَذَا مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ شَرْطَ الْوَاقِفِ لَمْ يَأْكُلْ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ أَيْ مُقْتَضَى مَا فِي الْحَاوِي أَنَّهُ فِي الْبَيْتِ الْمَوْقُوفِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْطَ أَنْ يَأْخُذَهَا الْمُتَوَلِّي لِيَبِيعَهَا وَيَصْرِفَهَا فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَكْلُ مِنْهَا اهـ وَضَمِيرُ يَبِيعُهَا لِلثِّمَارِ لَا لِلْأَشْجَارِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ شَجَرَةُ وَقْفٍ فِي دَارِ وَقْفٍ خَرِبَتْ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَ الشَّجَرَةَ وَيُعَمِّرَ الدَّارَ وَلَكِنْ يَكْرِي الدَّارَ وَيَسْتَعِينُ بِالْكِرَاءِ عَلَى

(4/432)


[مَطْلَبٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا فِيهَا أَشْجَارٌ]
قَوْلُهُمْ: شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ أَيْ فِي الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عِمَارَةِ الدَّارِ لَا بِالشَّجَرَةِ اهـ فَهَذَا مَعَ خَرَابِ الدَّارِ فَكَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُهَا مَعَ عَمَارِهَا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا يَدْفَعُ الشَّجَرَةَ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاقَاةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ كَانَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ شَجَرٌ فَدَفَعَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ مَثَلًا جَازَ اهـ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْجَارَ فِي الدَّارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ اسْتِئْجَارِهَا لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ شَاغِلَةً لِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، وَهُوَ السُّكْنَى بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ ظِلَّهَا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِالزِّرَاعَةِ، وَلِهَذَا شَرَطُوا أَنْ يَتَقَدَّمَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ عَلَى الْأَشْجَارِ وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ غَرْسِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُتَوَلِّي.

مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ
(قَوْلُهُ: قَوْلُهُمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ) فِي الْخَيْرِيَّةِ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الشُّرُوطِ لِمَا هُوَ الْوَاقِعُ لَا لِمَا كُتِبَ فِي مَكْتُوبِ الْوَقْفِ، فَلَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ لِمَا لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عُمِلَ بِهَا بِلَا رَيْبٍ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ خَطٌّ مُجَرَّدٌ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ. اهـ. ط. مَطْلَبٌ بَيَانُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ
(قَوْلُهُ أَيْ فِي الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ إلَخْ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْأَشْبَاهِ وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ عِنْدَنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي النُّصُوصِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ الْمُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ مَفْهُومُ الصِّفَةِ، وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْعَدَدِ وَاللَّقَبِ أَيْ الِاسْمِ الْجَامِدِ كَثَوْبٍ مَثَلًا، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي النُّصُوصِ أَنَّ مِثْلَ قَوْلِك: أَعْطِ الرَّجُلَ الْعَالِمَ أَوْ أَعْطِ زَيْدًا إنْ سَأَلَك أَوْ أَعْطِهِ إلَى أَنْ يَرْضَى أَوْ أَعْطِهِ عَشَرَةً أَوْ أَعْطِهِ ثَوْبًا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمُخَالِفِ لِلْمَنْطُوقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْ إعْطَاءِ الرَّجُلِ الْجَاهِلِ، بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَبَاقٍ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، حَتَّى يَأْتِيَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِإِعْطَائِهِ أَوْ النَّهْيِ عَنْهُ وَكَذَا فِي الْبَوَاقِي وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. مَطْلَبٌ مَفْهُومُ التَّصْنِيفِ حُجَّةٌ
نَعَمْ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا فِي الرِّوَايَاتِ فِي الْكُتُبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَفْهُومُ التَّصْنِيفِ حُجَّةٌ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ يَقْصِدُونَ بِذِكْرِ الْحُكْمِ فِي الْمَنْطُوقِ نَفْيَهُ عَنْ الْمَفْهُومِ غَالِبًا كَقَوْلِهِمْ: يَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُقِيمٍ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ نَفْيَ الْوُجُوبِ عَنْ مُخَالِفِهَا، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ الْفَقِيهُ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إلَخْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْمَفْهُومِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي نُصُوصِ الشَّارِعِ. مَطْلَبٌ لَا يُعْتَبَرُ الْمَفْهُومُ فِي الْوَقْفِ
وَفِي الْبِيرِيِّ نَحْنُ لَا نَقُولُ بِالْمَفْهُومِ فِي الْوَقْفِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ وَأَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ اهـ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا أَيْ فَإِذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي الذُّكُورِ يُصْرَفُ إلَى الذُّكُورِ مِنْهُمْ بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ، وَأَمَّا الْإِنَاثُ فَلَا يُعْطَى لَهُنَّ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْطَاءِ إلَّا إذَا دَلَّ فِي كَلَامِهِ دَلِيلٌ عَلَى إعْطَائِهِنَّ فَيَكُونُ مُثْبِتًا لِإِعْطَائِهِنَّ

(4/433)


وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ وَظِيفَتِهِ أَوْ تَرْكِهَا لِمَنْ يَعْمَلُ، وَإِلَّا أَثِمَ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهَا تَعْطِيلُ الْكُلِّ مِنْ النَّهْرِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ الْجَامِكِيَّةِ فِي الْأَوْقَافِ لَهَا شَبَهُ الْأُجْرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
ابْتِدَاءً لَا بِحُكْمِ الْمُعَارَضَةِ لَكِنْ نَقَلَ الْبِيرِيُّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَنْ الْمُصَفَّى وَخِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ وَالسِّرَاجِيَّةِ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَفِي الْمَعْقُولَاتِ وَفِي الرِّوَايَاتِ. مَطْلَبٌ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ
قُلْت: وَكَذَا قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ لِلْخَبَّازِيِّ، عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ: أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ، لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فِي خِطَابَاتِ الشَّارِعِ. أَمَّا فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ يَدُلُّ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَتَدَاوَلَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَعَلَيْهِ مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ مَالَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ، كَانَ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فِي غَيْرِ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي شَرْحِنَا عَلَى مَنْظُومَتِنَا فِي رَسْمِ الْمُفْتِي، وَحَيْثُ كَانَ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرًا فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى عُرْفِهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، نَصَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ وَفِي كِتَابِ الْوَقْفِ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ نُصُوصُهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَهُ وَالْمُوصِي، وَالْحَالِفِ، وَالنَّاذِرِ وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ وَلُغَةَ الشَّرْعِ أَمْ لَا. اهـ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ قُلْت: وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى مَا ذُكِرَ فَمَا كَانَ مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ مِنْ قَبِيلِ الْمُفَسَّرِ لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلًا يُعْمَلُ بِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الظَّاهِرِ كَذَلِكَ وَمَا احْتَمَلَ وَفِيهِ قَرِينَةٌ حُمِلَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ لِيَتَرَجَّحَ أَحَدُ مَدْلُولَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا يُرْجَعُ إلَى بَيَانِهِ هَذَا مَعْنَى مَا أَفَادَاهُ اهـ (قَوْلُهُ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا، مَعَ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ نَقَلَهُ أَيْضًا وَقَالَ عَقِبَهُ فَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ مُبَاشَرَتَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فِيهَا الْعَمَلُ لَا يَأْثَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ اهـ نَعَمْ فِي الْأَشْبَاهِ جَزَمَ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ، وَعَزَاهُ فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ إلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي عَدَمُ التَّنَافِي وَذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْوَظِيفَةَ أَصْلًا وَبَاشَرَهَا غَيْرُهُ لَمْ يَأْثَمْ، وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ بِاعْتِبَارِ حِلِّ تَنَاوُلِ الْمَعْلُومِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَتَنَاوَلَ الْمَعْلُومَ أَثِمَ لِتَنَاوُلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ: الْكُلُّ مِنْ النَّهْرِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ كُلُّ هَذِهِ الْفُرُوعِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّهْرِ. مَطْلَبُ الْجَامِكِيَّةِ فِي الْأَوْقَافِ (قَوْلُهُ: الْجَامِكِيَّةِ) هِيَ مَا يُرَتَّبُ فِي الْأَوْقَافِ لِأَصْحَابِ الْوَظَائِفِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ عَنْ ابْنِ الصَّائِغِ وَفِي الْفَتْحِ الْجَامِكِيَّةِ كَالْعَطَاءِ، وَهُوَ مَا يَثْبُتُ فِي الدِّيوَانِ بِاسْمِ الْجَامِكِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّ الْعَطَاءَ سَنَوِيٌّ وَالْجَامِكِيَّةُ شَهْرِيَّةٌ.

(4/434)


أَيْ فِي زَمَنِ الْمُبَاشَرَةِ وَالْحِلِّ لِلْأَغْنِيَاءِ، وَشَبَهُ الصِّلَةِ فَلَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ لَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ، وَشَبَهُ الصَّدَقَةِ لِتَصْحِيحِ أَصْلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ابْتِدَاءً وَتَمَامُهُ فِيهَا.

[مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ]
يُكْرَهُ إعْطَاءُ نِصَابٍ لِفَقِيرٍ وَمِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ إلَّا إذَا وُقِفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ اخْتِيَارٌ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ الْمُرَتَّبِ الْكَثِيرِ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْفُقَرَاءِ فَلْيُحْفَظْ.

لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّرِ الْأَخْذُ إلَّا النَّظَرَ عَلَى الْوَاقِفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْمُدَرِّسُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ (قَوْلُهُ أَيْ فِي زَمَنِ الْمُبَاشَرَةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ اعْتِبَارَ شَبَهِهَا بِالْأُجْرَةِ مِنْ حَيْثُ حِلُّ تَنَاوُلِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ إذْ لَوْ كَانَتْ صَدَقَةً مَحْضَةً لَمْ تَحِلَّ لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُدَرِّسَ لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَظُهُورِهَا مِنْ الْأَرْضِ، يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ، وَيَصِيرُ مِيرَاثًا عَنْهُ كَالْأَجِيرِ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ صِلَةً مَحْضَةً لَمْ يُعْطَ شَيْئًا لِأَنَّ الصِّلَةَ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ رِزْقُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَبَهُ الْأُجْرَةِ لَهُ لِعَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ، أَمَّا عَلَى التَّدْرِيسِ، وَهُوَ التَّعْلِيمُ فَأَجَازَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَبِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ظُهُورِ الْغَلَّةِ سَقَطَ أَيْضًا لِأَنَّهُ صِلَةٌ مَحْضَةٌ كَمَا حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَاتَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَوْفِيَا وَظِيفَتَهُمَا إلَخْ (قَوْلُهُ لَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) أَيْ لَوْ قَبَضَ جَامَكِيَّةَ السَّنَةِ بِتَمَامِهَا، وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ لَا يَسْتَرِدُّ حِصَّةَ مَا بَقِيَ لِأَنَّ الصِّلَةَ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَحِلُّ لَهُ لَوْ فَقِيرًا كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَلَوْ كَانَتْ أُجْرَةً مَحْضَةً اسْتَرَدَّ مِنْهُ مَا بَقِيَ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ابْتِدَاءً) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً مِنْ ابْتِدَائِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ أَبَدًا وَنَحْوُهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ، وَأَشَرْنَا إلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ صَرْفِ الْغَلَّةِ لِمُعَيِّنٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ قَائِمًا مَقَامَهُمْ، فَصَارَ فِي مَعْنَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ هَذَا غَايَةُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ فَهْمِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهَا) قَدَّمْنَا حَاصِلَهُ

(قَوْلُهُ: يُكْرَهُ إعْطَاءُ نِصَابٍ لِفَقِيرٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ) أَيْ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ أَشْبَاهٌ وَلِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنِينَ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِمْ فِيهِ فَيَأْخُذُونَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ (قَوْلُهُ: لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْفُقَرَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُرَتَّبِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَتَّبُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَلَا شُبْهَةَ فِي جَوَازِ مَا رَتَّبَهُ، وَإِنْ كَثُرَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ كَالْمُتَوَلِّي، فَلَا يَجُوزُ النِّصَابُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ الْمُرَتَّبُ إعْطَاءُ شَيْءٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ خِدْمَةٍ بَلْ لِصَلَاحِ الْمُعْطِي أَوْ عِلْمِهِ أَوْ فَقْرِهِ وَيُسَمَّى فِي عُرْفِ الرُّومِ الزَّوَائِدُ اهـ:

مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَّا النَّظَرَ
(قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَخْ) يَعْنِي وَظِيفَةً حَادِثَةً لَمْ يَشْرِطْهَا الْوَاقِفُ أَمَّا لَوْ قَرَّرَ فِي وَظِيفَةٍ مَشْرُوطَةٍ جَازَ إلَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ التَّقْرِيرَ لِلْمُتَوَلِّي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ، وَهَذَا أَيْ عَدَمُ التَّقْرِيرِ بِغَيْرِ شَرْطٍ إذَا لَمْ يَقُلْ وَقَفْتُ عَلَى مَصَالِحِهِ، فَلَوْ قَالَ يَفْعَلُ الْقَاضِي كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِ اهـ وَهَذَا أَيْضًا فِي غَيْرِ أَوْقَافِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ أَمَّا هِيَ فَهِيَ أَوْقَافٌ صُورِيَّةٌ لَا تُرَاعَى شُرُوطُهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: إلَّا النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ) اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْإِحْدَاثِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ، أَمَّا مَا دَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ وَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ كَخِدْمَةِ الرَّبْعَةِ الشَّرِيفَةِ وَقِرَاءَةِ الْعُشْرِ وَالْجِبَايَةِ

(4/435)


بِأَجْرِ مِثْلِهِ قُنْيَةٌ.

[مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَّا النَّظَرَ]
تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ وَالْخَطِيبُ يُلْحَقُ بِالْإِمَامِ بَلْ هُوَ إمَامُ الْجُمُعَةِ قُلْت: وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَشَهَادَةِ الدِّيوَانِ فَيُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي، وَيُثْبِتُ عِنْدَهُ الْحَاجَةَ فَيُقَرِّرُ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَيُقَدِّرُ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ أَوْ يَأْذَنُ لِلنَّاظِرِ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ وَالنَّصُّ فِي مِثْلِ هَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَبُو السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَعَلَيْهِ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى النَّظَرِ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا أَفَادَهُ ط.
قُلْت: لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ فِرَاشًا فِي الْمَسْجِدِ بِلَا شَرْطِ الْوَاقِفِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ فِي تَقْرِيرِهِ مَصْلَحَةً لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمُتَوَلِّي فِرَاشًا، وَالْمَمْنُوعُ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةٍ تَكُونُ حَقًّا لَهُ وَلِذَا صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَأْجِرَ خَادِمًا لِلْمَسْجِدِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي، بِلَا شَرْطٍ فِي شَهَادَةٍ وَمُبَاشَرَةٍ وَطَلَبٍ بِالْأَوْلَى. اهـ. مَطْلَبٌ الْمُرَادُ مِنْ الْعُشْرُ لِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ الْمِثْلِ
(قَوْلُهُ: بِأَجْرِ مِثْلِهِ) وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْعُشْرِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُشْرِ أَجْرُ الْمِثْلِ حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ رَدَّ الزَّائِدَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْوَلْوَالِجيَّةِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: جَعَلَ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ عُشْرَ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَهُوَ أَجْرُ مِثْلِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي إجَابَةِ السَّائِلِ، وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ عُشْرُ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَيْ الَّتِي هِيَ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا مَا تَوَهَّمَهُ أَرْبَابُ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ إلَخْ بِيرِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَضَاءِ.
قُلْت: وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يَشْرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا وَأَمَّا النَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَلَهُ مَا عَيَّنَهُ لَهُ الْوَاقِفُ: وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ أَقَلَّ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُكْمِلَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بِطَلَبِهِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ وَهَذَا مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَخْذُ زِيَادَةٍ عَلَى مَا قَرَّرَ لَهُ الْوَاقِفُ أَصْلًا

مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ الْقَاضِي فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ
(قَوْلُهُ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي إلَخْ) أَيْ إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ قُبَيْلَ فَصْلِ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ، يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ لِلْإِمَامِ إذَا كَانَ يَتَعَطَّلُ لَوْ لَمْ يُصْرَفْ إلَيْهِ يَجُوزُ صَرْفُ الْفَاضِلِ عَنْ الْمَصَالِحِ لِلْإِمَامِ الْفَقِيرِ بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَلَوْ زَادَ الْقَاضِي فِي مَرْسُومِهِ مِنْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، وَالْإِمَامُ مُسْتَغْنٍ وَغَيْرُهُ يَؤُمُّ بِالْمَرْسُومِ الْمَعْهُودِ تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ لَوْ عَالِمًا تَقِيًّا، وَلَوْ نُصِبَ إمَامٌ آخَرُ أَخَذَ الزِّيَادَةَ إنْ كَانَتْ لِقِلَّةِ وُجُودِ الْإِمَامِ لَا لَوْ كَانَتْ لِمَعْنًى فِي الْأَوَّلِ كَفَضِيلَةٍ أَوْ زِيَادَةِ حَاجَةٍ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إذَا كَانَ يَتَعَطَّلُ الْمَسْجِدُ بِدُونِهَا أَوْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ عَالِمًا تَقِيًّا، فَالْمُنَاسِبُ الْعَطْفُ بِأَوْ فِي قَوْلِهِ: وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا، وَأَمَّا مَا فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ لَوْ قَضَى بِالزِّيَادَةِ لَا يَنْفُذُ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فُقِدَتْ مِنْهُ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ كَمَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَمُقْتَضَى التَّقْيِيدِ بِالْقَاضِي أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ لِلْإِمَامِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: يَلْحَقُ بِالْإِمَامِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ إذَا كَانَ الْمُعَيَّنُ لَا يَكْفِيهِ كَالنَّاظِرِ، وَالْمُؤَذِّنِ وَمُدَرِّسِ الْمَدْرَسَةِ، وَالْبَوَّابِ وَنَحْوِهِمْ إذَا لَمْ يَعْمَلُوا بِدُونِ الزِّيَادَةِ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ لَا يَسْتَقِرُّ لِقِلَّةِ الْمَرْسُومِ لِلْحَاكِمِ، الدِّينُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مِنْ فَاضِلِ وَقْفِ الْمَصَالِحِ وَالْعِمَارَةِ بِاسْتِصْوَابِ أَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَوْ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ لِأَنَّ غَرَضَهُ

(4/436)


وَنَقَلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ السُّلْطَانَ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ إذَا كَانَ غَالِبُ جِهَاتِ الْوَقْفِ قُرًى وَمَزَارِعَ فَيُعْمَلُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ غَايَرَ شَرْطَ الْوَاقِفِ لِأَنَّ أَصْلَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إحْيَاءُ وَقْفِهِ لَا لَوْ اخْتَلَفَ، أَوْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ بِأَنْ بَنَى مَدْرَسَةً وَمَسْجِدًا وَعَيَّنَ لِكُلٍّ وَقْفًا وَفَضَلَ مِنْ غَلَّةِ أَحَدِهِمَا لَا يُبَدَّلُ شَرْطُهُ. مَطْلَبٌ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
(قَوْلُهُ: وَنَقَلَ) أَيْ صَاحِبُ الْمُحِبِّيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَيْ مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَاَلَّذِي فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ يَنْبُوعِ السُّيُوطِيّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَظَائِفَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ، إنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَالِمٍ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ، وَطَالِبِ عِلْمٍ كَذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ مَا نَصُّهُ، وَقَدْ اغْتَرَّ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِنَا فَاسْتَبَاحُوا تَنَاوُلَ مَعَالِيمَ الْوَظَائِفِ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ، وَمُخَالَفَةُ الشُّرُوطِ وَالْحَالُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ عَنْ فُقَهَائِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَاقِلٌ أَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي بَاعَهَا السُّلْطَانُ وَحُكِمَ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا ثُمَّ وَقَفَهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ، فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ الشِّرَاءَ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَهِيَ جَوَابُ الْوَاقِعَةِ الَّتِي أَجَابَ عَنْهَا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْأَشْرَفِ بِرِسْبَاي أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا وَقْفًا فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ جَوَازَهُ وَلَا يُرَاعَى مَا شَرَطَهُ دَائِمًا اهـ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِيمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِبِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ اشْتَرَى الْأَرَاضِيَ وَالْمَزَارِعَ، مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ يَجِبُ مُرَاعَاةُ شَرَائِطِهِ، وَإِنْ وَقَفَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا. اهـ. ط.
قُلْت: وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْأَشْبَاهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَاقِلٌ إلَخْ أَنَّهُ يُرَاعَى شُرُوطُهُ إذَا ثَبَتَ النَّاقِلُ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَاقِفِ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ إقْطَاعِ رَقَبَةٍ بِأَنْ كَانَتْ مَوَاتًا لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا فَأَقْطَعَهَا السُّلْطَانُ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَمَّا بِدُونِ ثُبُوتِ النَّاقِلِ فَلَا لِأَنَّهَا بَعْدَمَا عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا عَلَى مَا كَانَتْ فَيَكُونُ وَقْفُهَا أَرْصَادًا وَهُوَ مَا يُفْرِزُهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُعَيِّنُهُ لِمُسْتَحِقِّيهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى وُصُولِهِمْ إلَى بَعْضِ حَقِّهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَتَجُوزُ مُخَالَفَةُ شَرْطِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُصُولُ الْمُسْتَحِقِّ إلَى حَقِّهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي دَارِ السَّلْطَنَةِ إنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ اهـ
قُلْت: وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ مُرَاعَاةِ شَرْطِهَا أَنَّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا وَيَنْقُصَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا عَنْ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِأَنْ يَقْطَعَ وَظَائِفَ الْعُلَمَاءِ، وَيَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِهِمْ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَرَادَ ذَلِكَ وَمَنَعَهُمْ عُلَمَاءُ عَصْرِهِمْ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَمَّا وَقْفُ الْإِقْطَاعَاتِ وَلَا يُقَاسَ عَلَى ذَلِكَ أَوْقَافُ غَيْرِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ بَلْ تَجِبُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِهِمْ لِأَنَّ أَوْقَافَهُمْ كَانَتْ أَمْلَاكًا لَهُمْ.

(4/437)


[مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ الْقَاضِي فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ]
يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ فَلَوْ قَالَ الْقَاضِي إنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ شَغَرَتْ وَظِيفَةُ كَذَا فَقَدْ قَرَّرْتُكَ فِيهَا صَحَّ لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ بِمُجَرَّدِ شِكَايَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ
(قَوْلُهُ: يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ تَفَقُّهًا أَخْذًا مِنْ جَوَازِ تَعْلِيقِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ بِجَامِعِ الْوِلَايَةِ فَلَوْ مَاتَ الْمُعَلِّقُ بَطَلَ التَّقْرِيرُ، وَهُوَ تَفَقُّهٌ حَسَنٌ أَشْبَاهٌ. قُلْت: وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» الْحَدِيثَ، ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَ الْحَدِيثَ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ: لَوْ جَاءَ مَعَ الْمَدَدِ أَمِيرٌ وَعَزَلَ الْأَمِيرَ الْأَوَّلَ بَطَلَ تَنْفِيلُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لِزَوَالِ وِلَايَتِهِ بِالْعَزْلِ، لَا لَوْ مَاتَ أَمِيرُهُمْ فَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَهُ إلَّا إذَا أَبْطَلَهُ الثَّانِي أَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ قَالَ لَهُمْ إنْ مَاتَ أَمِيرُكُمْ فَأَمِيرُكُمْ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَنْفِيلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَائِبُ الْخَلِيفَةِ بِتَقْلِيدِهِ مِنْ جِهَتِهِ فَكَأَنَّهُ قَلَّدَهُ ابْتِدَاءً فَيَنْقَطِعُ رَأْيُ الْأَوَّلِ بِرَأْيِ فَوْقِهِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَحَاصِلُهُ: بُطْلَانُ تَنْفِيلِ الْأَمِيرِ بِعَزْلِهِ وَكَذَا بِمَوْتِهِ إذَا نُصِبَ غَيْرُهُ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَسْكَرِ إلَّا إذَا أَبْطَلَهُ الثَّانِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّنْفِيلَ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فِيهِ تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقِ النَّفْلِ بِالْقَتْلِ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعَلِّقُ بَطَلَ التَّقْرِيرُ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى بُطْلَانِهِ بِالْعَزْلِ، بَقِيَ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الشُّغُورِ، فَاَلَّذِي حَرَّرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَالِ عِنْدَنَا، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ وَكَالَةً مُرْسَلَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلٌ فِي ذَلِكَ وَكَالَةً مُسْتَقْبَلَةً، ثُمَّ قَالَ: عَزَلْتُك فِي تِلْكَ الْوَكَالَةِ كُلِّهَا فَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْعَزِلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ التَّعْلِيقَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَصَلَ فِي ضِمْنِ الْوَكَالَةِ الْمُنْجَزَةِ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ سَبَبًا، وَقَدْ يَثْبُتُ ضِمْنًا مَالًا يَثْبُتُ قَصْدًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ هُنَا بِصِحَّةِ الْعَزْلِ لِأَنَّهُ قَصْدِيٌّ فَيَبْقَى جَوَابُ مُحَمَّدٍ وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ هُنَا وَاحِدًا فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَزْلُ هَذَا خُلَاصَةُ مَا أَطَالَ بِهِ.
قُلْت: لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ لِلْأَمِيرِ الثَّانِي إبْطَالَ التَّنْفِيلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ كَذَلِكَ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا لَوْ رَجَعَ عَنْ التَّعْلِيقِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ لَيْسَ عَزْلًا بِلَا جُنْحَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْوَظِيفَةِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ، وَقَبْلَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ فِيهَا إذْ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَبْطُلْ التَّقْرِيرُ بِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ شَغَرَتْ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ خَلَتْ عَنْ الْعَمَلِ، وَالْبَلَدُ الشَّاغِرُ الْخَالِيَةُ عَنْ النَّصْرِ وَالسُّلْطَانِ ط. مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ
(قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ) قَيَّدَ بِالْقَاضِي لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ بِلَا جُنْحَةٍ بِهِ يُفْتَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ بِلَا خِيَانَةٍ وَلَوْ عَزَلَهُ لَا يَصِيرُ الثَّانِي مُتَوَلِّيًا، وَيَصِحُّ عَزْلُهُ لَوْ مَنْصُوبَ الْقَاضِي وَأَنَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ: لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي عَزْلَهُ مُطْلَقًا إلَّا لِمُوجِبٍ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ وَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ أُخِذَ مِنْهُ عَدَمُ الْعَزْلِ لِصَاحِبِ وَظِيفَةٍ إلَّا بِجُنْحَةٍ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَيْضًا بَعْضَ مُوجِبَاتِ الْعَزْلِ، وَأَحْكَامَ الْفَرَاغِ وَالتَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ.

(4/438)


حَتَّى يُثْبِتُوا عَلَيْهِ خِيَانَةً وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالنَّاظِرُ إذَا آجَرَ إنْسَانًا فَهَرَبَ وَمَالُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ فَرَّطَ فِي خَشَبِ الْوَقْفِ حَتَّى ضَاعَ ضَمِنَ.

[مَطْلَبٌ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ]
لَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ كَتَعْمِيرٍ وَشِرَاءِ بَذْرٍ فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ، الْأَوَّلُ: إذْنُ الْقَاضِي فَلَوْ بِبُعْدٍ مِنْهُ يَسْتَدِينُ بِنَفْسِهِ الثَّانِي: أَنْ لَا تَتَيَسَّرَ إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالصَّرْفُ مِنْ أُجْرَتِهَا وَالِاسْتِدَانَةُ الْقَرْضُ وَالشِّرَاءُ نَسِيئَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ لِلْقَاضِي أَنْ يُدْخِلَ مَعَ النَّاظِرِ غَيْرَهُ بِمُجَرَّدِ الشِّكَايَةِ
(قَوْلُهُ: حَتَّى يُثْبِتُوا عَلَيْهِ خِيَانَةً) نَعَمْ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ مَعَهُ غَيْرَهُ بِمُجَرَّدِ الشِّكَايَةِ وَالطَّعْنِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْخَصَّافِ إنْ طُعِنَ عَلَيْهِ فِي الْأَمَانَةِ لَا يَنْبَغِي إخْرَاجُهُ إلَّا بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ مَعَهُ رَجُلًا فَأَجْرُهُ بَاقٍ وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ لِلرَّجُلِ رِزْقًا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَيَقْتَصِدَ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَصَرُّفِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ ضَمَّ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ ثِقَةً إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ) أَيْ وَصِيُّ الْمَيِّتِ لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ بِمُجَرَّدِ الشِّكَايَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَمِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ آخِرَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: إذَا آجَرَ إنْسَانًا) أَيْ وَامْتَنَعَ عَنْ مُطَالَبَتِهِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَرَّطَ فِي خَشَبِ الْوَقْفِ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا إذَا قَصَّرَ الْمُتَوَلِّي فِي عَيْنٍ ضَمِنَهَا إلَّا فِيمَا كَانَ فِي الْبَحْرِ، فَلَوْ تَرَكَ بِسَاطَ الْمَسْجِدِ بِلَا نَفْضٍ حَتَّى أَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ ضَمِنَ إنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ، وَكَذَا خَازِنُ الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ وَالْبِيرِيِّ.

مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ
(قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ الْوَاقِفِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْيَتِيمِ شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ بِلَا ضَرُورَةٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَالْيَتِيمُ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ مَعْلُومٌ فَتُتَصَوَّرُ مُطَالَبَتُهُ أَمَّا الْوَقْفُ فَلَا ذِمَّةَ لَهُ وَالْفُقَرَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ ذِمَّةٌ لَكِنْ لِكَثْرَتِهِمْ لَا تُتَصَوَّرُ مُطَالَبَتُهُمْ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا عَلَى الْقَيِّمِ، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ قَضَاءً مِنْ غَلَّةٍ لِلْفُقَرَاءِ ذَكَرَهُ هِلَالٌ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنَّهُ تُرِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ بُدٌّ تَجُوزُ بِأَمْرِ الْقَاضِي إنْ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا عَنْهُ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ أَعَمُّ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ تَجُوزُ مُطْلَقًا لِلْعِمَارَةِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ. أَمَّا مَالَهُ مِنْهُ بُدٌّ كَالصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فَلَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ إلَّا الْإِمَامَ وَالْخَطِيبَ، وَالْمُؤَذِّنَ فِيمَا يَظْهَرُ لِقَوْلِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِضَرُورَةِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ اهـ وَإِلَّا لِلْحُصْرِ وَالزَّيْتِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْمَصَالِحِ وَهُوَ الرَّاجِحُ هَذَا خُلَاصَةُ مَا أَطَالَ بِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ إذْنُ الْقَاضِي) فَلَوْ ادَّعَى الْإِذْنَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي مَقْبُولَ الْقَوْلِ، لِمَا أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْغَلَّةِ وَهُوَ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ مِنْ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ بِلَا إذْنٍ مُتَبَرِّعٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: الثَّانِي أَنْ لَا تَتَيَسَّرَ إجَارَةُ الْعَيْنِ إلَخْ) أَطْلَقَ الْإِجَارَةَ، فَشَمِلَ الطَّوِيلَةَ مِنْهَا، وَلَوْ بِعُقُودٍ فَلَوْ وَجَدَ ذَلِكَ لَا يَسْتَدِينُ أَفَادَهُ الْبِيرِيُّ، وَمَا سَلَف مِنْ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فَذَاكَ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ، كَمَا حَرَّرْنَاهُ سَابِقًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِدَانَةُ الْقَرْضُ وَالشِّرَاءُ نَسِيئَةً) صَوَابُهُ الِاسْتِقْرَاضُ. اهـ. ح

(4/439)


[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ]
وَهَلْ لِلْمُتَوَلِّي شِرَاءُ مَتَاعٍ فَوْقَ قِيمَتِهِ ثُمَّ بَيْعُهُ لِلْعِمَارَةِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى الْوَقْفِ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَتَفْسِيرُ الِاسْتِدَانَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَاقِفِ غَلَّةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَرْضِ وَالِاسْتِدَانَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِإِصْلَاحِ الْوَقْفِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْضِ الْإِقْرَاضُ مِنْ مَالِهِ لَا الِاسْتِقْرَاضُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ لِدُخُولِهِ فِي الِاسْتِدَانَةِ مَطْلَبٌ فِي إنْفَاقِ النَّاظِرِ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ
وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ الَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّاظِرَ إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ، لِيَرْجِعَ فِي غَلَّتِهِ لَهُ الرُّجُوعُ دِيَانَةً، لَكِنْ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ كَمَا فِي الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَلَمْ يُكَلَّفْ الْإِشْهَادَ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْقَاضِي كَمَا أَفَادَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَتَفْسِيرُ الِاسْتِدَانَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْوَقْفِ شَيْئًا وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، فَاشْتَرَى لِلْوَقْفِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ، وَلَوْ بِلَا أَمْرِ قَاضٍ اهـ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي إنْفَاقِهِ بِنَفْسِهِ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي إذْنِهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ غَيْرِهِ بِالْإِنْفَاقِ فَلَيْسَ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ مَطْلَبٌ فِي إذْنِ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالْعِمَارَةِ
وَفِي الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِي عِلِّيَّةِ جَارِيَةٍ فِي وَقْفٍ تَهَدَّمَتْ فَأَذِنَ النَّاظِرُ لِرَجُلٍ بِأَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ مَالِهِ فَمَا الْحُكْمُ فِيمَا صَرَفَهُ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِهِ أَجَابَ: اعْلَمْ أَنَّ عِمَارَةَ الْوَقْفِ بِإِذْنِ مُتَوَلِّيهِ: لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي عِمَارَةِ النَّاظِرِ بِنَفْسِهِ قَوْلَيْنِ، وَعِمَارَةُ مَأْذُونِهِ كَعِمَارَتِهِ فَيَقَعُ فِيهَا الْخِلَافُ وَقَدْ جَزَمَ فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي بِالرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ إذَا كَانَ يَرْجِعُ مُعْظَمُ الْعِمَارَةِ إلَى الْوَقْفِ اهـ.
قُلْت: وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ إجَارَاتِ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحَاوِي سُئِلَ عَمَّنْ آجَرَ مَنْزِلًا لِرَجُلٍ وَقَفَهُ وَالِدُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ وَأَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي عِمَارَتِهِ بِأَمْرِ الْمُؤَجِّرِ قَالَ: إنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةٌ عَلَى الْوَقْفِ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْوَقْفِ وَإِلَّا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مُتَطَوِّعًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ اهـ وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْقَيِّمِ مَالٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَلَعَلَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِدَانَةِ إذْنُ الْقَاضِي، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ وَإِذَا قُلْنَا بِبِنَائِهِ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا فِي إثْبَاتِ الْمُرْصَدِ مِنْ تَحْكِيمِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ إذْنِ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ بِلَا أَمْرِ قَاضٍ غَيْرُ لَازِمٍ

(قَوْلُهُ: فَوْقَ قِيمَتِهِ) أَيْ شِرَاءٍ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَوْقَ مَا يُبَاعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُؤَجَّلِ فَوْقَ قِيمَةِ الْحَالِّ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ) أَيْ مَا رَبِحَهُ بَائِعُ الْمَتَاعِ بِسَبَبِ التَّأْجِيلِ. مَطْلَبٌ لَوْ اشْتَرَى الْقَيِّمُ الْعَشَرَةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ فَالرِّبْحُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: الْجَوَابُ نَعَمْ) كَذَا حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ أَشْبَاهٌ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَلَّةٌ لِلْعِمَارَةِ فِي الْحَالِ، فَاسْتَقْرَضَ الْعَشَرَةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي السَّنَةِ وَاشْتَرَى مِنْ الْمُقْرِضِ شَيْئًا يَسِيرًا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ يَرْجِعُ فِي غَلَّتِهِ الْعَشَرَةُ وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ اهـ

(4/440)


أَقَرَّ بِأَرْضٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ وَكَذَّبَهُ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ وَقْفًا. يُعْمَلُ بِالْمُصَادَقَةِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ الْوَقْفِ لَكِنْ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْبَحْرِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ مِنْ أَنَّهُ لَا جَوَابَ لِلْمَشَايِخِ فِيهَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَكَذَا نَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِثْلَ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ وَهَذَا الَّذِي نُفْتِي بِهِ، وَمَنْشَأُ مَا حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ عَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى تَحْرِيرِ الْحُكْمِ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنَّفِ أَيْ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ كَيْفَ اخْتَارَهُ وَرَضِيَ بِهِ. اهـ.

(قَوْله وَكَذَّبَهُ) أَيْ الْغَيْرُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَلَكهَا) أَيْ الْمُقِرُّ وَلَوْ بِسَبَبٍ جَبْرِيٍّ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: صَارَتْ وَقْفًا) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِزَعْمِهِ أَشْبَاهٌ. مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ
(قَوْلُهُ يُعْمَلُ بِالْمُصَادَقَةِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ إلَخْ) أَقُولُ: اغْتَرَّ كَثِيرٌ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ، وَأَفْتَوْا بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ وَالْحَقُّ الصَّوَابُ أَنَّ السُّقُوطَ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ يَعْرِفُهَا الْفَقِيهُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكَبِيرُ الْخَصَّافُ أَقَرَّ فَقَالَ غَلَّةُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ لِفُلَانٍ دُونِي وَدُونَ النَّاسِ جَمِيعًا بِأَمْرٍ حَقٍّ وَاجِبٍ ثَابِتٍ لَازِمٍ عَرَفْتُهُ، وَلِزَمَنِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِذَلِكَ قَالَ أُصَدِّقُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأُلْزِمَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ رَدَدْتُ الْغَلَّةَ إلَى مَنْ جَعَلَهَا الْوَاقِفُ لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ جَعَلْتُهُ كَأَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَعَلَّلَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ لِجَوَازِ أَنَّ الْوَاقِفَ قَالَ إنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ، وَأَنْ يَخْرُجَ وَأَنْ يُدْخِلَ مَكَانَهُ مَنْ رَأَى فَيُصَدَّقُ زَيْدٌ عَلَى حَقِّهِ. اهـ.
أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا أَقَرَّ بِذَلِكَ لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ لِكَيْ يَسْتَبِدَّ بِالْوَقْفِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ خَالٍ عَمَّا يُوجِبُ تَصْحِيحَهُ مِمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ وَهُوَ الْإِقْرَارُ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا فَتَأَمَّلْهُ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ بِيرِيٌّ: أَيْ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ ابْتِدَاءً لَا يَصِحُّ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ الْوَقْفِ) حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ، وَشَرَطَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ أَشْبَاهٌ.
أَقُولُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ مَا نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ آنِفًا؛ وَلَيْسَ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ وَلِذَا قَالَ الْحَمَوِيُّ إنَّهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا لَزِمَ لَزِمَ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ إلَّا أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَيُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى وَقْفٍ لَمْ يُسَجَّلْ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّقْلِ عَنْ الْخَصَّافِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً) فَإِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى هَذَا الرَّجُلِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فِي إدْخَالِ النَّقْصِ عَلَيْهِمْ، بَلْ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ عَلَى زَيْدٍ وَعَلَى مَنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ، فَمَا أَصَابَ زَيْدًا مِنْهَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ مَا دَامَ زَيْدٌ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ إقْرَارُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُقَرِّ لَهُ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِهَذَا الْإِقْرَارِ لِهَذَا الرَّجُلِ شَارَكَهُ الرَّجُلُ فِي الْغَلَّةِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ زَيْدٌ كَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ زَيْدٌ عَلَيْهِمْ

(4/441)


فَلَوْ أَقَرَّ الْمَشْرُوطُ لَهُ الرَّيْعُ أَوْ النَّظَرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ دُونَهُ صَحَّ، وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَا وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْإِقْرَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَإِنْ مَاتَ الرَّجُلُ الْمُقَرُّ لَهُ وَزَيْدٌ حَيٌّ فَنِصْفُ الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَالنِّصْفُ لِزَيْدٍ فَإِذَا مَاتَ زَيْدٌ صَارَتْ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْفُقَرَاءِ. اهـ. خَصَّافٌ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَإِنَّمَا عَادَ نِصْفُ الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ إذَا مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْمَذْكُورَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لِلرَّجُلِ، فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّجُلِ، فَيَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُمْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ وَذَوِيهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَمَاتَ الرَّجُلُ الْمُقَرُّ لَهُ يَرْجِعُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا إلَى زَيْدٍ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلَا إلَى أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُمْ بِهِ وَلَمْ يَنْقُصْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ الْمُقَرُّ لَهُ يَرْجِعُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ إلَى الْفُقَرَاءُ لَا إلَى زَيْدٍ لِمَا قُلْنَا وَلَا إلَى أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي حُكْمِ مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ قُبَيْلَ الْفُرُوعِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ السَّنِيَّةَ

مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى النَّظَرِ
(قَوْلُهُ: أَوْ النَّظَرُ) أَفَادَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّظَرِ مِثْلُ الْإِقْرَارِ بِرَيْعِ الْوَقْفِ: أَيْ غَلَّتِهِ، فَلَوْ أَقَرَّ النَّاظِرُ أَنَّ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ مَعَهُ نِصْفَ النَّظَرِ مَثَلًا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيُشَارِكُهُ فُلَانٌ فِي وَظِيفَتِهِ مَا دَامَا حَيَّيْنِ بَقِيَ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُقِرَّ فَالْحُكْمُ ظَاهِرٌ وَهُوَ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ وَانْتِقَالُ النَّظَرِ لِمَنْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ بَعْدَهُ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَقَعُ كَثِيرًا وَقَدْ سُئِلْت عَنْهَا مِرَارًا. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا لَكِنْ لَا تَعُودُ الْحِصَّةُ الْمُقَرُّ بِهَا إلَى الْمُقِرِّ لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يُوَجِّهُهَا الْقَاضِي لِلْمُقِرِّ أَوْ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّا صَحَّحْنَا إقْرَارَهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَصَّافِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ جَعَلَ النَّظَرَ لِاثْنَيْنِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَمَا شَرَطَهُ لِاثْنَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ، وَلَيْسَ لِلْحَيِّ الِانْفِرَادُ إلَّا إذَا أَقَامَهُ كَمَا فِي الْقَاضِي كَمَا فِي الْإِسْعَافِ اهـ وَلَا يُمْكِنُ هُنَا الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى الْمَسَاكِينِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْغَلَّةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي النَّظَرِ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ فَقَطْ هَذَا مَا حَرَّرْته فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ: صَحَّ) أَيْ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ حَيْثُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَقَرَّ كَاذِبًا لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ كَمَا صَرَّحُوا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ إذْ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ لَا تَمْلِيكٌ عَلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ. مَطْلَبٌ فِي جَعْلِ النَّظَرِ أَوْ الرَّيْعِ لِغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْإِقْرَارِ إنَّمَا هُوَ مُعَامَلَةٌ لَهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُ الْحَالِ تَصْدِيقًا لَهُ فِي إخْبَارِهِ مَعَ إمْكَانِ تَصْحِيحِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَمَا مَرَّ أَمَّا إذَا قَالَ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْغَلَّةُ، أَوْ النَّظَرُ جَعَلْتُ ذَلِكَ لِفُلَانٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إنْشَاءِ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ. نَعَمْ لَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَصِحُّ إنْ لَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا عَنْهُ وَكَذَا لَوْ فَرَغَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَقَرَّرَ الْقَاضِي ذَلِكَ الْغَيْرَ يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ وَالْفَرَاغُ عَزْلٌ، وَلَا يَصِيرُ الْمَفْرُوغُ لَهُ نَاظِرًا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي كَمَا حَرَّرْنَاهُ سَابِقًا، فَإِذَا قَرَّرَ الْقَاضِي

(4/442)


وَلَا يَكْفِي صَرْفُ النَّاظِرِ لِثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ نَسَبِهِ وَسَيَجِيءُ فِي دَعْوَى ثُبُوتِ النَّسَبِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْمَفْرُوغَ لَهُ صَارَ نَاظِرًا بِالتَّقْرِيرِ لَا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ، وَهَذَا غَيْرُ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَافْهَمْ. وَأَمَّا جَعْلُ الرَّيْعِ لِغَيْرِهِ فَقَالَ ط: إنْ كَانَ الْجَعْلُ بِمَعْنَى التَّبَرُّعِ بِمَعْلُومِهِ لِغَيْرِهِ، بِأَنْ يُوَكِّلَهُ لِيَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ التَّبَرُّعِ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: إنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الْمَشْرُوطَ كَإِرْثٍ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ. اهـ.
قُلْت: مَا عَزَاهُ لِلْخَانِيَّةِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِهِ فَرَاجِعْهَا. نَعَمْ الْمَنْقُولُ فِي الْخَانِيَّةِ مَا سَيَأْتِي، وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ مَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ مِنْ الْحُقُوقِ بَيْنَ إسْقَاطِهِ لِمُعَيَّنٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا نَقْلًا فَقَالَ إذَا أَسْقَطَ لِمَشْرُوطٍ لَهُ الرَّيْعُ حَقَّهُ لَا لِأَحَدٍ لَا يَسْقُطُ كَمَا فَهِمَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ لِغَيْرِهِ اهـ أَيْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي بَيَانِ مَا يَسْقُطُ مِنْ الْحُقُوقِ، وَمَا لَا يَسْقُطُ أَخْذًا مِمَّا فِي شَهَادَاتِ الْخَانِيَّةِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَقْفِ اسْتِحْقَاقًا لَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ فَلَوْ قَالَ أَبْطَلْت حَقِّي كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ اهـ
قُلْت: لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إسْقَاطٌ لَا لِأَحَدٍ نَعَمْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ إذْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الرَّيْعُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِذَا قَالَ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْهُ لِفُلَانٍ أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ، حَيْثُ أَدْخَلَ فِي وَقْفِهِ مَا لَمْ يَرْضَهُ الْوَاقِفُ لِأَنَّ هَذَا إنْشَاءُ اسْتِحْقَاقٍ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ رَأَيْت الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ وَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي شَهَادَاتِ الْخَانِيَّةِ وَهَذَا فِي وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ، فَكَيْفَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَقْرِيرِ الْحَاكِمِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ فِي عَدَمِ قَبُولِهِ الْإِسْقَاطَ، وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ يَجِبُ أَنْ يُحْذَرَ. اهـ. مَطْلَبٌ لَا يَكْفِي صَرْفُ النَّاظِرِ لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي صَرْفُ النَّاطِرِ إلَخْ) أَيْ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ النَّاظِرَ كَانَ يَدْفَعُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقَ، لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ نَسَبِهِ، وَفِي الْخَيْرِيَّةِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّهُ هُوَ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مُتَصَرِّفُونَ فِي أَرْبَعَةِ قَرَارِيطَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمُدَّعَى كَمَنْ ادَّعَى حَقَّ الْمُرُورِ أَوْ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ عَلَى آخَرَ وَبَرْهَنَ أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ فِي هَذِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَالِبُ عُلَمَائِنَا وَالشَّاهِدُ إذَا فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَأَنْوَاعُ التَّصَرُّفِ كَثِيرَةٌ فَلَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ بِالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ هُوَ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مُتَصَرِّفُونَ فَقَدْ يَكُونُ تَصَرُّفُهُمْ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمِمَّا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ دَعْوَى بُنُوَّةِ الْعَمِّ تَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ نِسْبَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ إلَى الْجَدِّ لِيَصِيرَ مَعْلُومًا لِأَنَّ انْتِسَابَهُ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ الْقَاضِي، فَيُشْتَرَطُ الْبَيَانُ لِيُعْلَمَ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي بِدُونِ ذِكْرِ الْجَدِّ وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاقِفِ، وَكَوْنُهُ ابْنَ عَمِّ فُلَانٍ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقٌ مِنْ وَقْفِ الْجَدِّ الْأَعْلَى لِتَحَقُّقِ الْعُمُومَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنْهَا الْعَمُّ لِلْأُمِّ. اهـ.
قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَرَادَ إثْبَاتَ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ ابْنَ عَمِّ فُلَانٍ الَّذِي هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ نَسَبِهِ إلَى الْجَدِّ الْجَامِعِ. وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَقْفِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي إثْبَاتُ ذَلِكَ بِدُونِ ذِكْرِ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِخِلَافِ بُنُوَّةِ الْعَمِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ابْنَ عَمٍّ لِلْمُتَوَفَّى وَلَا يَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِف لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ لِأُمٍّ تَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْقَرَابَةِ وَبَيَانِ جِهَتِهَا (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ فِي دَعْوَى ثُبُوتِ النَّسَبِ) أَيْ

(4/443)


[مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى النَّظَرِ]
مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ. الْوَصْفُ بَعْدَ الْجُمَلِ يَرْجِعُ إلَى الْأَخِيرِ عِنْدَنَا وَإِلَى الْجَمِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ بِالْوَاوِ وَلَوْ بِثُمَّ فَإِلَى الْأَخِيرِ اتِّفَاقًا الْكُلُّ مِنْ وَقْفِ الْأَشْبَاهِ وَتَمَامُهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ.
مَتَى وَقَفَ حَالَ صِحَّتِهِ وَقَالَ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ قُسِمَ عَلَى ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَخْبَارِ كَمَا حَقَّقَهُ مُفْتِي دِمَشْقَ يَحْيَى ابْنُ الْمِنْقَارِ فِي الرِّسَالَةِ الْمَرْضِيَّةِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي الْفُرُوعِ حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ أَحْضَرَ رَجُلًا لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ حَقًّا لِأَبِيهِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ أَوْ لَا فَلَهُ إثْبَاتُ نَسَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي بِحَضْرَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ ط.

مَطْلَبٌ مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ
(قَوْلُهُ: مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ إلَخْ) فِي الْإِسْعَافِ لَوْ كَتَبَ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَقْفِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُمْلَكُ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ عَلَى أَنَّ لِفُلَانٍ بَيْعَهُ وَالِاسْتِبْدَالَ بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ جَازَ بَيْعُهُ وَيَكُونُ الثَّانِي نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ عَكَسَ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِفُلَانٍ بَيْعَهُ وَالِاسْتِبْدَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ آخِرَهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا شَرَطَهُ أَوَّلًا وَهَذَا إذَا تَعَارَضَ الشَّرْطَانِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَارَضَا وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَجَبَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِيرِيُّ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ، وَمَا ذَكَرُوهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَإِنَّ النَّصَّيْنِ إذَا تَعَارَضَا عُمِلَ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا ط (قَوْلُهُ: الْوَصْفُ بَعْدَ الْجُمَلِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ نَظْمِ الْمُحِبِّيَّةِ مَعَ مَا يُنَاسِبُهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ
(قَوْلُهُ: مَتَى وَقَفَ) أَيْ عَلَى أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُ مَنْشَأُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ كَمَا تَعْرِفُهُ، وَبِهِ يَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ حَالَ صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ كَمَا حَقَّقَهُ مُفْتِي دِمَشْقَ إلَخْ) أَقُولُ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ وَلَوْ كُنْت مُؤْثِرًا أَحَدًا لَآثَرْت النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» فَالْعَدْلُ مِنْ حُقُوقِ الْأَوْلَادِ فِي الْعَطَايَا وَالْوَقْفُ عَطِيَّةٌ فَيُسَوِّي بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْعَدْلَ فِي الْأَوْلَادِ بِالتَّسْوِيَةِ فِي الْعَطَايَا حَالَ الْحَيَاةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ وَهَبَ شَيْئًا لِأَوْلَادِهِ فِي الصِّحَّةِ، وَأَرَادَ تَفْضِيلَ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ التَّفْضِيلُ لِزِيَادَةِ فَضْلٍ فِي الدِّينِ وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً يُكْرَهُ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْإِضْرَارَ وَإِلَّا سَوَّى بَيْنَهُمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُعْطِي لِلذَّكَرِ ضِعْفَ الْأُنْثَى، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ: ذَكَرَ فِي الِاسْتِحْسَانِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطَايَا وَالْعَدْلُ فِي ذَلِكَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ حُكْمَ وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَتَبِعَهُ أَعْيَانُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَأَوْجَبُوا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَقَالُوا يَكُونُ آثِمًا فِي التَّخْصِيصِ وَفِي التَّفْضِيلِ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي بَابِ الْوَقْفِ إلَّا هَذِهِ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ اجْتِنَابُ الْمَكْرُوهِ، فَلَا تَنْصَرِفُ الْفَرِيضَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي بَابِ الْوَقْفِ إلَّا إلَى التَّسْوِيَةِ وَالْعُرْفُ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدُ الْحِجَازِيُّ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ سَالِمُ السَّنْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ وَالْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَغَيْرُهُمْ اهـ.

(4/444)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَقَدْ كُنْت قَدِيمًا جَمَعْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً سَمَّيْتهَا الْعُقُودَ الدُّرِّيَّةَ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ حَقَّقْتُ فِيهَا الْمَقَامَ وَكَشَفْتُ عَنْ مُخَدَّرَاتِهِ اللِّثَامَ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبَرَّ أَوْلَادَهُ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنْ يَجْعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجْعَلُهُمَا سَوَاءً وَهُوَ الْمُخْتَارُ، ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قُبَيْلَ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى كِتَابَةِ صَكِّ الْوَقْفِ إنْ أَرَادَ الْوَقْفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، يَقُولُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ يَقُولُ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى السَّوَاءِ، وَلَكِنْ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَأَجْلَبُ لِلثَّوَابِ اهـ. مَطْلَبٌ مُرَاعَاةُ غَرَضِ الْوَاقِفِينَ وَاجِبَةٌ وَالْعُرْفُ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا
وَهَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى بِلَفْظِ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، فَهْدًا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْوَقْفِ فَتَكُونُ الْفَرِيضَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْوَقْفِ هِيَ الْمُفَاضَلَةَ فَإِذَا أَطْلَقَهَا الْوَاقِفُ انْصَرَفَتْ إلَيْهَا لِأَنَّهَا هِيَ الْكَامِلَةُ الْمَعْهُودَةُ فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ الْكَامِلُ عَكْسَهَا فِي بَابِ الصَّدَقَةِ فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُرَاعَاةَ غَرَضِ الْوَاقِفِينَ وَاجِبَةٌ، وَصَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ الْعُرْفَ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَالْعُرْفُ الْعَامُّ بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ أَنَّ الْفَرِيضَةَ الشَّرْعِيَّةَ يُرَادُ بِهَا الْمُفَاضَلَةُ: وَهِيَ إعْطَاءُ الذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلِذَا يَقَعُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ فِي غَالِبِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ، بِأَنْ يَقُولَ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا تَكَادُ تَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا اللَّفْظِ،
وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ، أَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ تُبْنَى عَلَى عُرْفِهِمْ كَمَا فِي وَقْفِ فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ، وَنَقَلَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُطْلَقُ الْكَلَامِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَقَدْ مَرَّ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَحَيْثُ شَرَطَ الْقِسْمَةَ كَذَلِكَ وَكَانَ عَرَّفَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُفَاضَلَةِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا أَرَادَهُ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ مَدْلُولِهِ الْعُرْفِيِّ لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالْأَلْفَاظُ تُحْمَلُ عَلَى مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ اللُّغَوِيَّةِ إنْ لَمْ يُعَارِضْهَا نَقْلٌ فِي الْعُرْفِ إلَى مَعْنًى آخَرَ، فَلَفْظُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا كَانَ مَعْنَاهُ لُغَةً أَوْ شَرْعًا التَّسْوِيَةَ وَكَانَ مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ الْمُفَاضَلَةَ، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ كَمَا عَلِمْت، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ فِي الْوَقْفِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي الْهِبَةِ وَارِدٌ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا نَقُولُ إنَّ هَذَا الْوَاقِفَ أَرَادَ الْمُفَاضَلَةَ، وَارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ، فَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْعُرْفِ عَلَى النَّصِّ بَلْ فِيهِ إعْمَالُ النَّصِّ بِإِثْبَاتِ الْكَرَامَةِ فِيمَا فَعَلَهُ، وَإِعْمَالُ لَفْظِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَدْلُولِهِ الْعُرْفِيِّ، فَإِنَّ النَّصَّ لَا يُغَيِّرُ الْأَلْفَاظَ عَنْ مَعَانِيهَا الْمُرَادَةِ، بَلْ يَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى مَدْلُولِهِ الْعُرْفِيِّ، وَهُوَ الْمُفَاضَلَةُ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَيْهَا، وَهِيَ فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ، فَإِذَا ذَكَرَهَا فِي وَقْفِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمُرَادِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ فِي الْوَقْفِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَقَدْ سَمِعْت التَّصْرِيحَ بِخِلَافِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.
وَقَدْ وَقَعَ سُؤَالٌ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ فِيهِ ذِكْرُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ، بِأَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَأَجَابَ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ بِالْمُفَاضَلَةِ، وَأَجَابَ فِي الْخَيْرِيَّةِ قَبْلَهُ فِي سُؤَالٍ آخَرَ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَبِهِ أَفْتَى مُفْتِي دِمَشْقَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ تِلْمِيذُ الشَّارِحِ، وَكَذَا شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ، وَرَأَيْت مِثْلَ ذَلِكَ

(4/445)


وَنَحْوُهُ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَفِيهَا مَتَى ثَبَتَ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ وَقْفِيَّةُ مَكَان وَجَبَ نَقْضُ الْبَيْعِ وَلَا إثْمَ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ وَلِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ فَذَلِكَ لَهُمَا فَيُسْلَكُ مَعَهُمَا بِالْأَنْفَعِ لِلْوَقْفِ. -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ أَحْمَدَ بْنِ الشَّلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ شَيْخِ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الشِّهَابُ أَحْمَدُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَرَأَيْت مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُحَقِّقِ الشَّافِعِيَّةِ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَعَزَاهُ أَيْضًا إلَى الْمَقْدِسِيَّ وَالطَّبَلَاوِيِّ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ أَفْتَوْا بِمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ مِنْ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرْته فِي الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهَا وَلْيَعْتَمِدْ عَلَيْهَا فَفِيهَا الْمَقْنَعُ لِمَنْ يَتَدَبَّرُ مَا يَسْمَعُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ) هَذَا عَجِيبٌ بَلْ الَّذِي فِيهَا خِلَافُهُ وَهُوَ انْصِرَافُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ إلَى الْقِسْمَةِ بِالْمُفَاضَلَةِ حَيْثُ وُجِدَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، نَعَمْ وَقَعَ فِي السُّؤَالِ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ آلَ الْوَقْفُ إلَى أَخِي الْمَيِّتِ لِأُمِّهِ وَأَخِيهِ الشَّقِيقِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهَا تُقْسَمُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَا قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ: أَيْ لَا يُعْطَى لِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقِ وَقَالَ: إنَّ هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِغَالِبِ أَحْوَالِ الْوَاقِفِينَ وَهُوَ قَصْدُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَإِذَا قَالَ عَلَى حُكْمِ الْفَرِيضَةِ يَنْزِلُ عَلَى الْغَالِبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ أَجَابَ بِهَذَا الْجَوَابِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عُمْدَةُ الْأَنَامِ مُفْتِي الْوَقْتِ بِالْقَاهِرَةِ الْمَحْرُوسَةِ هُوَ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيَّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدُ الطَّبَلَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ مُفْتِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. اهـ.
وَحَاصِلُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ ذُكُورٌ فَقَطْ كَمَا فِي وَاقِعَةِ السُّؤَالِ مِنْ أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأُمٍّ وَالْآخَرُ شَقِيقٌ يُحْمَلُ لَفْظُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْقِسْمَةِ بِالسَّوِيَّةِ لَا عَلَى قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ الْوَاقِفِينَ إرَادَةُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَيُحْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى الْغَالِبِ إذَا وُجِدَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى لَا إذَا كَانَا ذَكَرَيْنِ. قُلْت: وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ نَظَرَ إلَى قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْجَوَابِ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى بَاقِيهِ مَعَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَيْنِهِمَا رَاجِعٌ لِلْأَخَوَيْنِ لَا إلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ الْمِنْقَارِ فِي رِسَالَتِهِ نَظِيرُ مَا وَقَعَ لِلشَّارِحِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ فَتْوَى اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى كَلَامِهِ مَعَ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى خِلَافِ مَرَامِهِ.
فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ وَاقِفًا شَرَطَ انْتِقَالَ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى أَقْرَبِ الطَّبَقَاتِ إلَيْهِ فَمَاتَ شَخْصٌ عَنْ ابْنِ عَمٍّ وَبِنْتَيْ عَمٍّ، فَأَجَابَ: بِانْتِقَالِ النَّصِيبِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فَقَطْ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ ابْنُ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ عَصَبَةً.
وَحَاصِلُهُ: حَمْلُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْمُفَاضَلَةِ لَا عَلَى التَّسْوِيَةِ وَلَا عَلَى قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَذَا عَيْنُ مَا أَجَابَ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ مِثْلِهِ) أَيْ أَجْرُ مِثْلِ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ فِي مُدَّةِ وَضْعِ الْمُشْتَرِي يَدَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ اشْتَرَطَ دَارَ الْوَقْفِ وَعَمَّرَ أَوْ غَرَسَ فِيهَا
(قَوْلُهُ: فَذَلِكَ لَهُمَا) هَكَذَا عِبَارَةُ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَنَصُّهَا: وَإِذَا زَادَ الْمُشْتَرَى فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ زِيَادَةً هِيَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَذَلِكَ لَهُمَا وَلَهُمَا الْمُطَالَبَةُ فَيُسْلَكُ مَعَهُمَا فِيهِ طَرِيقًا يَظْهَرُ نَفْعُهَا لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَيَعْظُمُ وَقْعُهَا اهـ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: فَذَلِكَ لَهُ أَيْ لِلْمُشْتَرِي، وَالْمُرَادُ بِالْأَنْفَعِ لِلْوَقْفِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَلْعُ وَالتَّسْلِيمُ لِلْمُشْتَرِي أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ يُفْعَلُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ بِالْوَقْفِ يَتَمَلَّكُهُ النَّاظِرُ لِلْوَقْفِ كَمَا مَرَّ فِي بِنَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ تَأَمَّلْ.

(4/446)


وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْجَامِعِ إنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بَعْدَ نَقْضِهِ إنْ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَمْسَكَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ لَوْ انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ فَمَا كَانَ فِي دَوَاوِينِ الْقَضَاءِ اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَمَنْ بَرْهَنَ عَلَى شَيْءٍ حُكِمَ لَهُ بِهِ وَإِلَّا صُرِفَ لِلْفُقَرَاءِ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ بُطْلَانِهِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ فَيَعُودُ لِمِلْكِ وَاقِفِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ إذَا هَدَمَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ دَارَ الْوَقْفِ ضَمِنَ
قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَ النَّقْضُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ بَنَاهُ بِنَقْضِ الْوَقْفِ فَهُوَ لِلْوَقْفِ وَبَقِيَ لَوْ هَدَمَهُ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ إنْ شَاءَ الْقَاضِي ضَمَّنَ الْبَائِعَ قِيمَةَ الْبِنَاءِ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ أَوْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ، وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ بِالضَّمَانِ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ لِلْوَقْفِ لَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ اهـ وَالْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ نَقْضُهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تُمْكِنْ إعَادَتُهُ وَإِلَّا أُمِرَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْغَصْبِ، وَبَقِيَ أَيْضًا لَوْ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ فَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي قَلْعَ مَا بَنَاهُ وَقِيمَةُ مَا قَلَعَهُ. اهـ.
قُلْت: هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْبِنَاءُ الثَّانِي أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ، فَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ إذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ دَارًا وَقْفًا ثُمَّ إنَّهُ هَدَمَهَا وَجَعَلَهَا طَاحُونًا أَوْ فُرْنًا أَوْ غَيْرَهُ مَا يَلْزَمُهُ؟ أَجَابَ: يَنْظُرُ الْقَاضِي إنْ كَانَ مَا غَيَّرَهَا إلَيْهِ أَنْفَعَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ أَخَذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ وَبَقِيَ مَا عَمَّرَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْعِمَارَةِ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْفَعَ وَلَا أَكْثَرَ رَيْعًا أُلْزِمَ بِهَدْمِ مَا صَنَعَ وَإِعَادَةِ الْوَقْفِ إلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَعْزِيرِهِ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) الَّذِي فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَكَذَا لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا نَقَضَ الْمُسْتَحِقُّ الْبِنَاءَ بِلَا قَيْدٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا نَقْلًا عَنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَتِهِ مَبْنِيًّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي سَلَّمَ النَّقْضَ إلَى الْبَائِعِ وَأَمَّا إذَا أَمْسَكَ النَّقْضَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ اهـ مَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ بِلَا قَيْدٍ أَيْ قَيْدَ التَّسْلِيمِ الْمُقَيَّدِ بِهِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ، وَمِثْلُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ عَنْ الْمُنْيَةِ شَرَى دَارًا وَبَنَى فِيهَا فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا عَلَى الْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ النَّقْضَ إلَيْهِ يَوْمَ تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَبِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ اهـ وَقَوْلُهُ يَوْمَ تَسْلِيمِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقِيمَةِ، حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ عَشَرَةَ آلَافٍ وَسَكَنَ فِي الدَّارِ حَتَّى تَغَيَّرَ الْبِنَاءُ وَتَهَدَّمَ بَعْضُهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يُسَلِّمُ الْبِنَاءَ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ غَلَا حَتَّى صَارَ بِعِشْرِينَ أَلْفًا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يُسَلِّمُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا أَنْفَقَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بَعْدَ نَقْضِهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَرْجِعُ لَا بِقِيمَةٍ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْبَائِعِ فَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ جِصٍّ وَطِينٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَلَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا سَمِعْت، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَهَذَا يُوهِمُ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْوَقْفَ وَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مَالِكٌ وَلَمْ نَرَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا كَمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَتِهِ فِي الْفَتَاوَى فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ
(قَوْلُهُ: لَوْ انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ إلَخْ) الْمُرَادُ عُلِمَ أَنَّهُ وَقْفٌ بِالشُّهْرَةِ وَلَكِنْ جُهِلَتْ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ، وَلَا تَصَرُّفُ قُوَّامِهِ السَّابِقِينَ كَيْفَ كَانُوا يَعْمَلُونَ وَإِلَى مَنْ يَصْرِفُونَهُ، فَحِينَئِذٍ يُنْظَرْ إلَى مَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا لَا يُعْطَى أَحَدٌ مِمَّنْ يَدَّعِي فِيهِ حَقًّا مَا لَمْ يُبَرْهِنْ فَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي الْأَصْلِ لَهُمْ وَقَدْ عُلِمَ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ وَقْفًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِمْ فَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ فَقَطْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: يَجْعَلُهَا الْقَاضِي مَوْقُوفَةً إلَى

(4/447)


أَوْ وَارِثِهِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَوْ أَوْقَفَهُ السُّلْطَانُ عَامًا جَازَ، وَلَوْ لِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَصِحُّ.

[مَطْلَبٌ مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ]
لَوْ شَهِدَ الْمُتَوَلِّي مَعَ آخَرَ بِوَقْفِ مَكَانِ كَذَا عَلَى الْمَسْجِدِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَبُولُهَا.

لَا تَلْزَمُ الْمُحَاسَبَةُ فِي كُلِّ عَامٍ وَيَكْتَفِي الْقَاضِي مِنْهُ بِالْإِجْمَالِ لَوْ مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ، وَلَوْ مُتَّهَمًا يُجْبِرُهُ عَلَى التَّعْيِينِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَحْبِسُهُ بَلْ يُهَدِّدُهُ، وَلَوْ اتَّهَمَهُ يُحَلِّفُهُ قُنْيَةٌ.
قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي الشَّرِكَةِ أَنَّ الشَّرِيكَ وَالْمُضَارِبَ وَالْوَصِيَّ وَالْمُتَوَلِّيَ لَا يُلْزَمُ بِالتَّفْصِيلِ، وَأَنَّ غَرَضَ قُضَاتِنَا لَيْسَ إلَّا الْوُصُولَ لِسُحْتِ الْمَحْصُولِ. لَوْ ادَّعَى الْمُتَوَلِّي الدَّفْعَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ لَكِنْ أَفْتَى الْمُنْلَا أَبُو السُّعُودِ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى الدَّفْعَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ وَارِثِهِ) أَيْ إنْ مَاتَ مَالِكُهُ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ (قَوْلُهُ: فَلَوْ وَقَفَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ بَعْدَمَا صَارَ لِبَيْتِ الْمَالِ بِمَوْتِ أَرْبَابِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا إرْصَادٌ لَا وَقْفٌ حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: عَامًّا) كَالْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالسِّقَايَةِ، وَمِثْلُهُ مَا وَظَّفَهُ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ لِلْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إبْطَالُهُ نَعَمْ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةُ شَرْطِ وَاقِفِهِ بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا بِصَرْفِهِ عَنْ جِهَتِهِ إلَى غَيْرِ جِهَتِهِ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَنُقِلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجِهَةٍ خَاصَّةٍ) كَذُرِّيَّتِهِ أَوْ عُتَقَائِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْطِيلَ حَقِّ بَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ بَسَطَ الْمَقَامَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَرَاجِعْهُ

(قَوْلُهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَبُولُهَا) كَمَا لَوْ شَهِدَ بِوَقْفِ مَدْرَسَةٍ وَهُوَ صَاحِبُ وَظِيفَةٍ بِهَا فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِوَقْفٍ عَلَيْهَا، وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ بِوَقْفٍ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَهَذَا فِي الشَّهَادَةِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ لَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَةٍ بِإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تُقْبَلُ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِيهَا فَكَانَ مُتَّهَمًا كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا جُبِرَ الْخَاصُّ، وَوَجْهُ الْقَبُولِ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ فِي الْوَقْفِ حِسْبَةً بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا مَرَّ

(قَوْلُهُ: بَلْ يُهَدِّدُهُ) يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا يَكْتَفِي مِنْهُ بِالْيَمِينِ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي مُحَاسَبَةِ الْمُتَوَلِّي وَتَحْلِيفِهِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اتَّهَمَهُ يُحَلِّفُهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَمِينًا كَالْمُودَعِ يَدَّعِي هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ أَوْ رَدِّهَا قِيلَ: إنَّمَا يَسْتَحْلِفُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَقِيلَ يَحْلِفُ عَلَى كُلِّ حَالٍ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ.
قُلْت: وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عَلَى حَقٍّ مَجْهُولٍ إلَّا فِي سِتٍّ: إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ يَتِيمٍ وَمُتَوَلِّيَ وَقْفٍ وَفِي رَهْنٍ مَجْهُولٍ وَدَعْوَى سَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَخِيَانَةِ مُودَعٍ اهـ (قَوْلُهُ: قُلْت وَقَدَّمْنَا إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ مُتَّهَمًا يُجْبِرُهُ عَلَى التَّعْيِينِ، وَقَدْ يُجَابُ مَا قَدَّمَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ. مَطْلَبٌ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْمُتَوَلِّي فِي ضَيَاعِ الْغَلَّةِ وَتَفْرِيقِهَا
(قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ وَقْفِ النَّاصِحِي إذَا آجَرَ الْوَاقِفُ أَوْ قَيِّمُهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ أَمِينُهُ ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ الْغَلَّةَ فَضَاعَتْ أَوْ فَرَّقْتهَا عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ شُرُوطِ الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَسَيَجِيءُ فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا أَنْكَرُوهُ بَلْ يَدْفَعُهُ ثَانِيًا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي هَذَا الزَّمَانِ. اهـ.

(4/448)


لِمَنْ نَصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ فِي وَقْفِهِ كَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى الْإِمَامِ بِالْجَامِعِ وَالْبَوَّابِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِلْبِنَاءِ فِي الْجَامِعِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ ادَّعَى تَسْلِيمَ الْأُجْرَةِ إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ تَفْصِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فَيُعْمَلُ بِهِ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ.
قُلْت: وَسَيَجِيءُ فِي الْعَارِيَّةِ مَعْزِيًّا لِأَخِي زَادَهْ لَوْ آجَرَ الْقَيِّمُ، ثُمَّ عُزِلَ، فَقَبْضُ الْأُجْرَةِ لِلْمَنْصُوبِ فِي الْأَصَحِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ إذَا كَانَ النَّاظِرُ مُفْسِدًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ
قُلْت: بَلْ نُقِلَ فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُفْسِدًا مُبَذِّرًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِصَرْفِ مَالِ الْوَقْفِ بِيَمِينِهِ، وَفِيهَا الْقَوْلُ فِي الْأَمَانَةِ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ، فَحِينَئِذٍ تَزُولُ الْأَمَانَةُ وَتَظْهَرُ الْخِيَانَةُ، فَلَا يُصَدَّقُ بِيرِيٌّ عَنْ أَحْكَامِ الْأَوْصِيَاءِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ظَهَرَتْ خِيَانَةُ نَاظِرٍ لَا يُصَدَّقُ قَوْلُهُ وَلَوْ بِيَمِينِهِ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ اهـ وَفِيهَا عَنْ فَتَاوَى الشَّلَبِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ، وَمَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَات الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ الَّتِي صَارَ بِهَا فَاسِقًا لَا يُقْبَلُ فِيمَا صَرَفَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ النَّاظِرِ الثِّقَةِ بَعْدَ الْعَزْلِ أَيْضًا ذَكَرَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ مِنْ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الْقَبُولُ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا، وَأَطَالَ فِيهِ فَرَاجِعْهُ وَبِهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيِّ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِ الْيَتِيمِ أَنَّهُ أَنْفَقَ كَذَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ (قَوْلُهُ: فِي وَقْفِهِ) أَيْ وَقْفِ الْوَاقِفِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ: قُبِلَ قَوْلُهُ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ كَمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَنَحْوُهُ، لَيْسَ مُجَرَّدَ صِلَةٍ، بَلْ فِيهِ شَوْبُ الْأُجْرَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي فَتَاوَاهُ لَكِنْ قَالَ فِي كِتَابِهِ تُحْفَةُ الْأَقْرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى الْإِفْتَاءِ بِخِلَافِهِ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ: أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْأُجْرَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمُقْتَضَى مَا قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَيُلْزَمُ الضَّمَانَ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْوَقْفِ فَالْإِفْتَاءُ بِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مُتَعَيِّنٌ، وَقَوْلُهُ يَعْنِي: الْمُصَنِّفُ هُوَ تَفْصِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إذْ يَلْزَمُ مِنْهُ تَضْمِينُ النَّاظِرِ إذَا دَفَعَ لَهُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ لِتَعَدِّيهِ. اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الضَّمَانُ عَلَى الْوَقْفِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَلَا تَعَدِّي مِنْهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ دَفَعَ حَقًّا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَأَيْنَ التَّعَدِّيَ إذَا لَمْ يُشْهَدْ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ يَضْمَنُ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِهِ شَخْصًا لِلْبِنَاءِ إذَا دَفَعَ لَهُ الْأُجْرَةَ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْحَامِدِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قُلْت: تَفْصِيلُ أَبِي السُّعُودِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ بِاعْتِبَارِ التَّمْثِيلِ بِالْأُجْرَةِ فَهِيَ مِثْلُهَا، وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدَّفْعِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا لَا يَسْتَحِقُّونَ الْوَظِيفَةَ فَهِيَ كَالْأُجْرَةِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ كَأَنَّهُ أَجِيرٌ فَإِذَا اكْتَفَيْنَا بِيَمِينِ النَّاظِرِ يَضِيعُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ لَا سِيَّمَا نُظَّارُ هَذَا الزَّمَانِ، وَقَالَ الْمَوْلَى عَطَاءُ اللَّهِ أَفَنْدِي فِي مَجْمُوعَتِهِ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا أَفَنْدِي عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْوَظِيفَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْخِدْمَةِ، فَهِيَ أُجْرَةٌ لَا بُدَّ لِلْمُتَوَلِّي مِنْ إثْبَاتِ الْأَدَاءِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَهِيَ صِلَةٌ وَعَطِيَّةٌ يُقْبَلُ فِي أَدَائِهِ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي مَعَ يَمِينِهِ، وَإِفْتَاءُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ الْإِسْلَامِيَّةِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ عَلَى هَذَا مُتَمَسِّكِينَ بِتَجْوِيزِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الطَّاعَاتِ اهـ (قَوْلُهُ: قُلْت وَسَيَجِيءُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الصَّرْفَ إلَى وَظَائِفِ الْمُرْتَزِقَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِمْ، لَكِنْ لَا يَضْمَنُ مَا أَنْكَرُهُ لَهُ بَلْ يَدْفَعُهُ ثَانِيًا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ كَمَا بُسِطَ فِي حَاشِيَةِ أَخِي زَادَهْ. اهـ.
قُلْت: وَسَيَجِيءُ قَبْلَهُ فِي الْوَدِيعَةِ حُكْمُ مَا لَوْ مَاتَ النَّاظِرُ مُجَهِّلًا غَلَّاتِ الْوَقْفِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) ذَكَرَ

(4/449)


وَهَلْ يَمْلِكُ الْمَعْزُولُ مُصَادَقَةَ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى التَّعْمِيرِ قِيلَ نَعَمْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي لَا. لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَخْذُ زِيَادَةٍ عَلَى مَا قَرَّرَ لَهُ الْوَاقِفُ أَصْلًا وَيَجِبُ صَرْفُ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ مِنْ نَمَاءٍ وَعَوَائِدَ شَرْعِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ لِمَصَارِفِ الْوَقْفِ الشَّرْعِيَّةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَعْزُولَ آجَرَهَا لِلْوَقْفِ لَا لِنَفْسِهِ، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ فِي فَتَاوَاهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ

(قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَاَلَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ مُصَادَقَتُهُ، وَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَنْ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ إنْ كَانَ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفْيُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ صُدِّقَ قَالَ: وَحِكَايَةُ الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ تَصْدِيقِهِ وَهَذَا مَا تَرَجَّحَ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا يَشْمَلُ الْمَعْزُولَ وَالْمَنْصُوبَ فَذِكْرُ الْمَعْزُولِ غَيْرُ قَيْدٍ، وَأَصْرَحُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَنْفُذُ إقْرَارُ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ وَمِثْلُهُ فِي السَّابِعِ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ مِنْ الْإِجَارَةِ التَّصَادُقُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى الْوَقْفِ وَإِقْرَارُ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي إلَخْ) فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا. مَطْلَبٌ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْعَوَائِدِ الْعُرْفِيَّةِ
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ صَرْفُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَرْيَةٍ مَوْقُوفَةٍ يُرِيدُ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَهَالِيِهَا مَا يَدْفَعُونَهُ بِسَبَبِ الْوَقْفِ مِنْ الْعَوَائِدِ الْعُرْفِيَّةِ مِنْ سَمْنٍ وَدَجَاجٍ وَغِلَالٍ يَأْخُذُونَهَا لِمَنْ يَحْفَظُ الزَّرْعَ، وَلِمَنْ يَحْضُرُ تَذْرِيَتَهُ فَيَدْفَعُ الْمُتَوَلِّي لَهُمَا مِنْهَا يَسِيرًا وَيَأْخُذُ الْبَاقِي مَعَ مَا ذُكِرَ لِنَفْسِهِ زِيَادَةً عَلَى مَعْلُومِهِ فَأَجَابَ: جَمِيعُ مَا تَحَصَّلَ مِنْ الْوَقْفِ مِنْ نَمَاءٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ تَعْلِيقَاتِ الْوَقْفِ يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِهِ الشَّرْعِيَّةِ كَعِمَارَتِهِ وَمُسْتَحَقِّيهِ اهـ مُلَخَّصًا لَكِنْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي رَيْعِ الْوَقْفِ عَوَائِدُ قَدِيمَةٌ مَعْهُودَةٌ يَتَنَاوَلُهَا النَّاظِرُ بِسَعْيِهِ لَهُ طَلَبَهَا لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ عَنْ إجَارَاتِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي تَحْرِيرِ حُكْمِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ عَوَائِدَ
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْإِمَامِ فَاضِلَ الشَّمْعِ فِي رَمَضَانَ إذَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ هَذَا فِي الْمُتَعَارَفِ أَخْذُهُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ بِأَنْ تُعُورِفَ مَثَلًا أَنَّ هَذَا الْوَقْفَ يَأْخُذُهُ مُتَوَلِّيهِ عُشْرَ رَيْعِهِ فَحَيْثُ كَانَ قَدِيمًا يُجْعَلُ كَأَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَهُ لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ كَاَلَّذِي يُهْدَى لَهُ مِنْ دَجَاجٍ وَسَمْنٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ رِشْوَةٌ، وَكَاَلَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْ الْغِلَالِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي جُعِلَتْ لِلْحَافِظِ فَافْهَمْ. لَكِنْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْغِلَالَ إذَا كَانَتْ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ، يَجِبُ صَرْفُهَا فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ.

(4/450)


وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَمْرُ الْمُرْتَشِي بِرَدِّ الرِّشْوَةِ عَلَى الرَّاشِي غِبَّ الدَّعْوَى الشَّرْعِيَّةِ. الْكُلُّ مِنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ.
قُلْت: لَكِنْ سَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا وَمَرَّ أَيْضًا أَنَّ لِلْمُتَوَلِّي أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ فَتَنَبَّهْ.

لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مُدَّعِيهَا وَلَوْ وَلِيًّا لِصَغِيرٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى فَقْرِهِ وَقَرَابَتِهِ مَعَ بَيَانِ جِهَتِهَا، فَإِذَا -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَأَمَّا مِثْلُ الدَّجَاجِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَمْرُ الْمُرْتَشِي بِرَدِّ الرِّشْوَةِ عَلَى الرَّاشِي. مَطْلَبٌ فِيمَا يُسَمَّى خِدْمَةً وَتَصْدِيقًا فِي زَمَانِنَا
نَعَمْ إنْ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ تَكْمِلَةُ أَجْرِ الْمِثْلِ يَجِبُ صَرْفُهُ فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ وَذَلِكَ كَمَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا كَثِيرًا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا كَانَ لَهُ كَدَكٌ أَوْ كِرْدَار فِي دُكَّانٍ أَوْ عَقَارٍ لَا يَسْتَأْجِرُ إلَّا بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَيَدْفَعُ لِلنَّاظِرِ دَرَاهِمَ تُسَمَّى خِدْمَةً لِأَجْلِ أَنْ يَرْضَى النَّاظِرُ بِالْإِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلَوْ قُلْنَا يَرُدُّهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ يَلْزَمُ ضَرَرُ الْوَقْفِ وَلَا تَحِلُّ لِلنَّاظِرِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْوَقْفِ بِمَا شَرَطَهُ لَهُ الْوَاقِفُ، أَوْ الْقَاضِي س وَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ النَّاظِرَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَظَفِرَ بِمَالِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ الْأُجْرَةِ مِنْهُ فَهَذِهِ الْخِدْمَةُ إنْ كَانَتْ رِشْوَةً لَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الرَّاشِي حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْهُ بَلْ عَلَيْهِ صَرْفُهَا فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ، وَبِهَذَا عُلِمَ حُكْمُ مَا يَفْعَلُهُ النُّظَّارُ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَخْذِهِمْ مَا يُسَمُّونَهُ تَصْدِيقًا فِيمَا إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْكَدَكِ أَوْ الْكِرْدَارِ فَيَأْخُذُ النَّاظِرُ مِنْ وَرَثَتِهِ دَرَاهِمَ لِيُصَدِّقَ لَهُمْ عَلَى انْتِقَالِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى أَحَدَ ذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَكْمِلَةَ أَجْرِ الْمِثْلِ، فَأَخْذُهُ جَائِزٌ إنْ صَرَفَهُ فِي مَصَارِفِهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إلَخْ) لَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتِي مِنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ (غِبِّ الدَّعْوَى الشَّرْعِيَّةِ) الْغِبُّ بِالْكَسْرِ عَاقِبَةُ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ط، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَجِبُ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحُكْمِ عَلَى الْحَاكِمِ بَعْدَ الدَّعْوَى الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا ادَّعَى الرَّاشِي عَلَى الْمُرْتَشِي بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَمْرُ الْمُرْتَشِي بِرَدِّ الرِّشْوَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَتَاوَاهُ: لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَخْذُ زِيَادَةٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ لَهُ الْوَاقِفُ. قُلْت: وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا مُعَيَّنًا: وَمَا سَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا وَمَرَّ أَيْضًا عَقِبَ مَسْأَلَةِ الْجَامِكِيَّةِ فِيمَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي، وَلَمْ يَشْرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَحْثًا أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ عَيَّنَ لَهُ الْوَاقِفُ أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، فَلِلْقَاضِي أَنْ يُكْمِلَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بِطَلَبِهِ فَهَذَا مُقَيِّدٌ لِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ.

مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ إلَخْ) سَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْقَرَابَةِ، وَالْفَقْرِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ، وَهُوَ فَقِيرٌ كُلِّفَ أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى الْفَقْرِ وَأَنَّهُ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ وَأَنَّهُ لَا أَحَدَ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَالْفَقْرُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا أَصْلِيًّا يَثْبُتُ بِظَاهِرِ الْحَالِ، لَكِنْ الظَّاهِرُ يَكْفِي لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا شُرِطَ عَدَمُ الْمُنْفِقِ لِأَنَّهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يُعَدُّ غَنِيًّا فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَشُرِطَ

(4/451)


قُضِيَ لَهُ اسْتَحَقَّهُ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ. وَفِيهَا سُئِلَ عَمَّنْ شَرَطَ السُّكْنَى لِزَوْجَتِهِ فُلَانَةَ بَعْدَ وَفَاتِهِ مَا دَامَتْ عَزَبًا فَمَاتَ وَتَزَوَّجَتْ وَطُلِقَتْ هَلْ يَنْقَطِعُ حَقُّهَا بِالتَّزْوِيجِ. أَجَابَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ إلَّا مَنْ تَزَوَّجَ أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ إلَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَخَرَجَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ عَادَ أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ مِمَّنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ فَتَرَكَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ فَلَهُ، فَلْيُحْفَظْ خِزَانَةُ الْمُفْتِينَ. -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لُزُومُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ تَرْكُ الْإِنْفَاقِ، فَيَكُونُ فَقِيرًا قَالَ هِلَالٌ وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ فِي السِّرِّ، ثُمَّ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ مَالَك مَالٌ وَلَا لَك أَحَدٌ تَجِبُ نَفَقَتُك عَلَيْهِ، وَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَأَخْبَرَ عَدْلَانِ بِغِنَاهُ فَهُمَا أَوْلَى، وَالْخَبَرُ وَالشَّهَادَةُ هُنَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ خَبَرٌ وَلَوْ قَالَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَفَى، وَلَوْ زَعَمَ الْبَعْضُ أَنَّهُ غَنِيٌّ إنْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ مَا لَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَا يَلْزَمُ فَإِذَا أَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ وَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْوَاقِفُ لَوْ حَيًّا، وَإِلَّا فَمَنْ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ وَلَوْ أَحَدَ الْوَصِيِّينَ دُونَ الْوَارِثِ وَأَصْحَابِ الْوَقْفِ.
فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ قَرِيبُ الْوَاقِفِ لَا يُقْبَلُ، حَتَّى يُبَرْهِنَ عَلَى نَسَبٍ مَعْلُومٍ كَالْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لَا عَلَى الْأُخُوَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْعُمُومَةِ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ بِهِ وَارِثًا آخَرَ أَعْطَاهُ، وَإِلَّا يَتَأَنَّى زَمَانًا ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ إثْبَاتَ قَرَابَةِ وَلَدِهِ أَوْ فَقْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ لَوْ صَغِيرًا بِخِلَافِ الْكِبَارِ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ فَقْرَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَوَصِيُّ الْأَبِ مِثْلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فَلِلْأُمِّ أَوْ الْعَمِّ إثْبَاتُ ذَلِكَ لَوْ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِمَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَفْعًا لَهُ فَأَشْبَهَ قَبُولَ الْهِبَةِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِيهَا فَرَاجِعْهَا وَسَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي مَالَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا هُنَا (قَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ حِينِ وُجُودِ شَرْطِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَهُوَ الْفَقْرُ وَالْقَرَابَةُ لَا مِنْ حِينِ الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: فَإِنْ شَهِدَا لَهُ بِالْفَقْرِ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْهَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا لَهُ فِي وَقْفٍ وَيُسْنِدَ فَقْرَهُ إلَى زَمَنٍ سَابِقٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ مَبْدَأِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ طَالَ. اهـ. مَطْلَبٌ إذَا قَالَ مَا دَامَتْ عَزَبًا فَتَزَوَّجَتْ وَطَلُقَتْ يَنْقَطِعُ حَقُّهَا
(قَوْلُهُ: أَجَابَ نَعَمْ) أَيْ يَنْقَطِعُ حَقُّهَا بِالتَّزَوُّجِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَادَ حَقُّهَا إسْعَافٌ وَفَتْحٌ وَفِي لِسَانِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ أَنَّ جَدَّهُ أَجَابَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الْكَافِيجِيَّ خَالَفَهُ وَقَالَ يَعُودُ الدَّوَامُ كَمَا كَانَ بِالْفِرَاقِ وَوَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ يَدَيْ السُّلْطَانِ، وَأَنَّ جَدَّهُ أَخْرَجَ الْقَوْلَ فَوَافَقَهُ الْحَاضِرُونَ (قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَسْكُنُ بَغْدَادَ مِنْ فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ فَانْتَقَلَ بَعْضُهُمْ وَسَكَنَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا وَسَكَنَ فَإِنَّهُ يَعُودُ حَقًّا لِأَنَّ النَّظَرَ هَاهُنَا إلَى حَالِهِمْ يَوْمَ قِسْمَةِ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ افْتَقَرَ الْأَغْنِيَاءُ

(4/452)


وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: قَضَى بِدُخُولِ وَلَدِ الْبِنْتِ بَعْدَ مُضِيِّ السِّنِينَ فَلَهُ غَلَّةُ الْآتِي لَا الْمَاضِي لَوْ مُسْتَهْلَكَةً

[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ]
وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ فَلَهُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ لَهُ الْكُلُّ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَاسْتَغْنَى الْفُقَرَاءُ تَكُونُ الْغَلَّةُ لِمَنْ افْتَقَرَ دُونَ مَنْ اسْتَغْنَى وَلَوْ لَمْ يُنْظَرْ إلَى حَالِهِمْ يَوْمَ الْقِسْمَةِ لِرُبَّمَا لَزِمَ دَفْعُ الْغَلَّةِ إلَى الْأَغْنِيَاءِ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ فَافْهَمْ: مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا قَضَى بِدُخُولِ وَلَدِ الْبِنْتِ
(قَوْلُهُ: قَضَى بِدُخُولِ وَلَدِ الْبِنْتِ) أَيْ فِي صُورَةِ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ (قَوْلُهُ: لَا الْمَاضِي لَوْ مُسْتَهْلَكَةً) لِأَنَّ الْحُكْمَ وَإِنْ كَانَ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْوَقْفِ، لَكِنْ فِي حَقِّ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحُكْمِ وَغَلَّاتُ تِلْكَ السِّنِينَ مَعْدُومَةٌ كَالْحُكْمِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، لَا يَظْهَرُ فِي الْوَطَآتِ الْمَاضِيَةِ، وَالْمَهْرِ، حَتَّى لَوْ كَانَ غَلَّاتُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَائِمَةً يَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ حِصَّتَهُمْ مِنْهَا شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ مُلَخَّصًا. لَكِنْ تَقَدَّمَ آنِفًا فِي الْوَقْفِ لِفُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ أَنَّهُ مَنْ قَضَى لَهُ اسْتَحَقَّهُ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَفِي قَضَاءِ الْخَيْرِيَّةِ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْوَقْفَ سَوِيَّةً بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَكَانَ زَيْدٌ يَتَنَاوَلُ زِيَادَةَ عَمَلٍ يَخُصُّهُ مُدَّةَ سِنِينَ أَجَابَ: لِعَمْرٍو الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا تَنَاوَلَهُ زَائِدًا عَنْ حَقِّهِ الْمُدَّةَ الْمَاضِيَةَ، وَالْقَضَاءُ هُنَا مُظْهِرٌ وَمُعَيِّنٌ لِكَوْنِهِ كَاشِفًا فَيَسْتَنِدُ لَا مُثْبِتٌ وَعَامِلٌ، حَتَّى يَقْتَصِرَ كَمَا قَرَّرَهُ أَصْحَابُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَيْضًا. اهـ. مَطْلَبٌ أَثْبَتَ وَاحِدٌ أَنَّهُ مِنْ الذُّرِّيَّةِ يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ فِي الْمَاضِي
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ سُئِلَ عَنْ وَاقِفٍ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ فَفَرَّقَ النَّاظِرُ الْغَلَّةَ سِنِينَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَثْبَتَ وَاحِدٌ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَقَضَى بِهِ عَلَى النَّاظِرِ فَطَالَبَهُ بِمَا يَخُصُّهُ فِي الْمَاضِي فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَجَابَ: بِأَنَّهُ إنْ دَفَعَ إلَى الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ رَجَعَ بِمَا يَخُصُّهُ عَلَى النَّاظِرِ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَى الْجَمَاعَةِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصِيِّ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ آخَرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنْ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ رَجَعَ الدَّائِنُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا عَلَى الْقَابِضِينَ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَضَى بِدُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ إلَخْ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِلِاتِّفَاقِ اهـ وَذَكَرَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِي الْفَتَاوَى الْحَانُوتِيُّ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ خِلَافًا كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ، فَإِذَا قَضَى بِدُخُولِهِمْ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ دُخُولُهُمْ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْوَقْفِ لَكِنْ بِسَبَبِ الِاخْتِلَافِ صَارَ الْحُكْمُ مُثْبِتًا حَقَّهُمْ الْآنَ فِي الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ، فَلَهُمْ غَلَّةُ سَنَةِ الْحُكْمِ وَغَلَّةُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً لِلِاسْتِنَادِ دُونَ الْمُسْتَهْلَكَةِ لِشُبْهَةِ الِاقْتِصَارِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِي دُخُولِهِ، ثُمَّ أَثْبَتَ دُخُولَهُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِهِ مُظْهِرٌ أَنَّهُ مِنْهُمْ لَا مُثْبِتٌ فَيَسْتَنِدُ وَلَا يَقْتَصِرُ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ) أَيْ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ بِخِلَافِ بَنِيهِ، وَعِبَارَةُ الْإِسْعَافِ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ هُنَا اثْنَانِ وَاسْمُ الْوَلَدِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ فَلِهَذَا اخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ. اهـ. مَطْلَبٌ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ هَلْ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ أَوْ لَا [تَنْبِيهٌ]
فِي الْبَحْرِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ أَوْ عَلَى بَنِيهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ كَانَ النِّصْفُ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْفُقَرَاءِ هَكَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ فِي الْأَوْلَادِ يَسْتَحِقُّ الْوَاحِدُ الْكُلَّ وَفِي الْبَنِينَ لَا يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ، وَقَالَ كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ. اهـ.
قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ وَبَنِيهِ فِي أَنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ فَقَطْ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ أَقَلُّهُ فِي الْوَقْفِ اثْنَانِ كَالْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ وَلَدِهِ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ لِمَا مَرَّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مَشَى عَلَيْهِ فِي أَيْمَانِ الْأَشْبَاهِ

(4/453)


لِلْمُتَوَلِّي الْإِقَالَةُ لَوْ خَيِّرًا. أَجَرَ بِعَرَضٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ، وَخَصَّاهُ بِالنُّقُودِ، لِلْمُسْتَأْجِرِ غَرْسُ الشَّجَرِ بِلَا إذْنِ النَّاظِرِ، إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
حَيْثُ قَالَ: الْجَمْعُ لَا يَكُونُ لِلْوَاحِدِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ فَلَهُ كُلُّ الْغَلَّةِ بِخِلَافِ بَنِيهِ إلَخْ، وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى آخِرَ الْوَقْفِ: وَأَمَّا مَا فِي الْأَشْبَاهِ فَقَدْ عَزَاهُ لِلْعُمْدَةِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا، فَلَمْ يَبْقَ الْكَلَامُ إلَّا فِي التَّوْفِيقِ.
فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: قَدْ لَاحَ لِي أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ وَلَدَانِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ وَاحِدٌ وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ، كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَلَهُ وَلَدٌ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ فَيَنْدَفِعُ عَنْ الْأَشْبَاهِ الِاشْتِبَاهُ فَتَدَبَّرْ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. اهـ.
قُلْت: وَيَكْفِي فِي التَّوْفِيقِ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ ابْتِنَائِهِ عَلَى الْعُرْفِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، يَأْخُذُ الْوَقْفَ كُلَّهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مَنْقُولٌ أَيْضًا. .

مَطْلَبٌ فِي إقَالَةِ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: لِلْمُتَوَلِّي الْإِقَالَةُ لَوْ خَيِّرًا) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: إقَالَةُ النَّاظِرِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ جَائِزَةٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى: إذَا كَانَ الْعَاقِدُ نَاظِرًا قَبْلَهُ كَمَا فُهِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ النَّاظِرُ تَعَجَّلَ الْأُجْرَةَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ. اهـ. لَكِنْ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَحْرِيرٌ فَإِنَّ قَبْضَ الْأُجْرَةِ وَعَدَمَهُ لَيْسَ فِيهِ نَظَرٌ لِلْخَيِّرِ وَعَدَمِهِ، بَلْ النَّظَرُ إنَّمَا هُوَ لِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُتَوَلِّي يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ لَوْ خَيِّرًا وَإِطْلَاقُهُ يَشْمَلُ الْقَبْضَ وَعَدَمَهُ، وَيَشْمَلُ إقَالَةَ عَقْدِ نَاظِرٍ قَبْلَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَسْأَلَةٌ هِيَ لَوْ بَاعَ الْقَيِّمُ دَارًا اشْتَرَاهَا بِمَالِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يُقِيلَ الْبَيْعَ مَعَ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَكَذَا إذَا عُزِلَ وَنُصِبَ غَيْرُهُ، فَلِلْمَنْصُوبِ إقَالَتُهُ بِلَا خِلَافٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَفِي الْأَشْبَاهِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ لَوْ آجَرَ الْوَقْفَ ثُمَّ أَقَالَ وَلَا مَصْلَحَةَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْوَقْفِ، فَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ وَعَدَمُهَا وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ إذَا بَاعَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْوَصِيُّ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا تَجُوزُ إقَالَتُهُ اهـ مَعَ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا عَادَ تَرْجِعُ مَالِيَّتُهُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَالْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ لَا تَبْقَى الْأُجْرَةُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ إلَّا بِالِاسْتِئْجَارِ فَيَفُوتُ النَّفْعُ الَّذِي لَزِمَ بِالِاسْتِئْجَارِ فَكَانَ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ مَعَ فَوَاتِ النَّفْعِ أَلْزَمَ مِنْ إقَالَةِ الْبَيْعِ خُصُوصًا، وَقَدْ تَرْبُو الْمَضَرَّةُ بِاحْتِيَاجِ الْعَيْنِ الَّتِي كَانَتْ مُؤَجَّرَةً لِمُؤْنَةٍ كَطَعَامٍ وَمَرَمَّةٍ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَخَصَّاهُ بِالنُّقُودِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّاظِرَ وَكِيلٌ يَتَصَرَّفُ بِالْعَرْضِ وَبِالنَّقْدِ وَبِالنَّسِيئَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالنُّقُودِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ كَذَا قِيلَ وَالْمَسْأَلَةُ نَظْمُهَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ. مَطْلَبٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ غَرْسُ الشَّجَرِ
(قَوْلُهُ: لِلْمُسْتَأْجِرِ غَرْسُ الشَّجَرِ إلَخْ) كَذَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ، وَأَصْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ غَرْسُ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ فِي الْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ، إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ بِدُونِ صَرِيحِ الْإِذْنِ مِنْ الْمُتَوَلِّي، دُونَ حَفْرِ الْحِيَاضِ. مَطْلَبٌ إنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُتَوَلِّي الْإِذْنُ فِيمَا يَزِيدُ الْوَقْفُ بِهِ خَيْرًا
وَإِنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُتَوَلِّي الْإِذْنُ فِيمَا يَزِيدُ الْوَقْفُ بِهِ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقُّ قَرَارِ الْعِمَارَةِ فِيهَا أَمَّا إذَا كَانَ، يَجُوزُ الْحَفْرُ وَالْغَرْسُ وَالْحَائِطُ مِنْ تُرَابِهَا لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِي مِثْلِهَا دَلَالَةً اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ قُلْت إلَخْ: مَحَلُّهُ عِنْدَ

(4/454)


وَلَيْسَ لَهُ الْحَفْرُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَيَأْذَنُ لَوْ خَيِّرًا وَإِلَّا لَا وَمَا بَنَاهُ مُسْتَأْجِرٌ أَوْ غَرَسَهُ، فَلَهُ مَا لَمْ يَنْوِهِ لِلْوَقْفِ وَالْمُتَوَلِّي بِنَاؤُهُ وَغَرْسُهُ لِلْوَقْفِ مَا لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَدَمِ الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ، كَمَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ إلَخْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَادَةَ فِي زَمَانِنَا أَنَّ النَّاظِرَ لَا يُمَكِّنُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْغِرَاسِ إلَّا بِإِذْنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَرْضِ حَقُّ الْقَرَارِ الْمُسَمَّى بِمِشَدِّ الْمَسْكَةِ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنِهِ، وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ لِأَنَّ الْأَنْفَعَ أَنْ يَغْرِسَ النَّاظِرُ لِلْوَقْفِ أَوْ يَأْذَنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالْمُنَاصَبَةِ: وَهِيَ أَنْ يَغْرِسَ عَلَى أَنَّ الْغِرَاسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْفِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَنْفَعُ مِنْ غَرْسِهِ لِنَفْسِهِ فَقَطْ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ بِنَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْوَقْفِ بِلَا إذْنٍ
(قَوْلُهُ وَمَا بَنَاهُ مُسْتَأْجِرٌ أَوْ غَرَسَهُ فَلَهُ) أَيْ إذَا بَنَاهُ مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِ النَّاظِرِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَضُرَّ رَفْعُهُ بِالْبِنَاءِ الْقَدِيمِ رَفَعَهُ وَإِنْ ضَرَّ فَهُوَ الْمُضَيِّعُ مَالَهُ فَلْيَتَرَبَّصْ، إلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ تَحْتِ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهُ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ غَيْرِهِ إذْ لَا يَدَ لَهُ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ رَفْعَهُ، وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ لِلْوَقْفِ بِثَمَنٍ لَا يُجَاوِزُ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ مَنْزُوعًا فِيهِ أَوْ مَبْنِيًّا صَحَّ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ أَقُولُ: ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الرِّضَا إذْ الصُّلْحُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي الْإِجَارَةِ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَكَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُؤَجِّرُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ جَبْرًا، وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ إذْ لَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَيُحْمَلُ الصُّلْحُ فِي كَلَامِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ بِالصِّحَّةِ لَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَيِّنٌ فِي ذَلِكَ اهـ وَفِي الْخَانِيَّةِ: طَرَحَ فِيهَا السِّرْقِينَ، وَغَرَسَ الْأَشْجَارَ، ثُمَّ مَاتَ فَالْأَشْجَارُ لِوَرَثَتِهِ وَيُؤْمَرُونَ بِقَلْعِهَا وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بِمَا زَادَ السِّرْقِينُ فِي الْأَرْضِ عِنْدَنَا. اهـ. وَقَدَّمْنَا مَسْأَلَةَ اسْتِبْقَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ الْعِمَارَةَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ قَبْلَ الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَقَدَّمْنَا مَسْأَلَةَ الْعِمَارَةِ بِإِذْنِ النَّاظِرِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْدَالِ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ بِنَاءِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ
(قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَلِّي بِنَاؤُهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْبِنَاءَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ الْبَانِي الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِمَالِ الْوَقْفِ فَهُوَ وَقْفٌ سَوَاءٌ بَنَاهُ لِلْوَقْفِ أَوْ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ مِنْ مَالِهِ لِلْوَقْفِ أَوْ أَطْلَقَ فَهُوَ وَقْفٌ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الْوَاقِفَ وَأَطْلَقَ فَهُوَ لَهُ، كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ بَنَاهُ مِنْ مَالِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ فَهُوَ لَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا فَإِنْ بَنَى بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي لِيَرْجِعَ فَهُوَ وَقْفٌ، وَإِلَّا فَإِنْ بَنَى لِلْوَقْفِ فَوَقْفٌ، وَإِنْ لِنَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ فَلَهُ رَفْعُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ وَتَمَامُهُ فِي ط عَنْ الْأَشْبَاهِ وَحَوَاشِيهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ غَرَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَكُونُ لِلْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَا يَغْرِسُ فِيهِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيُشْهِدُ، وَهَذَا إذَا بَنَاهُ مِنْ مَالِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ قَبْلَهُ، وَقَيَّدَ بِالْإِشْهَادِ تَبَعًا لِجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ صَرَّحَ الْخَصَّافُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: إذَا اخْتَلَفَ هُوَ وَأَهْلُ الْوَقْفِ بِأَنْ قَالَ زَرَعْتُهَا لِنَفْسِي بِبَذْرِي وَنَفَقَتِي وَقَالُوا: بَلْ لَنَا لِأَنَّ الْبَذْرَ لَهُ فَمَا حَدَثَ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ فِيمَا يَزْرَعُ لَهُ، قَالَ الْخَصَّافُ: وَأَرَى إخْرَاجَهُ مِنْ يَدِهِ بِمَا فَعَلَ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَكُونُ خِيَانَةً مِنْهُ يَسْتَحِقُّ بِهَا الْعَزْلَ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَرَهُ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِيَانَةً وَقَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيُنْزَعُ وُجُوبًا لَوْ خَائِنًا عَنْ شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ النَّاظِرَ لَوْ سَكَنَ دَارَ الْوَقْفِ وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ السُّكْنَى وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ

(4/455)


[مَطْلَبٌ فِي إقَالَةِ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ الْإِجَارَةِ]
وَلَوْ آجَرَ لِابْنِهِ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لَهُمَا كَعَبْدِهِ اتِّفَاقًا هَذَا لَوْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ فَلَوْ الْقَاضِيَ صَحَّ وَكَذَا الْوَصِيُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. وَقَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الشَّافِعِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ وَيَدْخُلُ الْحَنَفِيُّ كَانَ فِي طَلَبِهِ أَوْ لَا بَزَّازِيَّةٌ: أَيْ لِكَوْنِهِ يَعْمَلُ بِالْمُرْسَلِ وَيُقَدِّمُ خَبَرَ الْوَاحِدِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَجَازَ عَلَى حَفْرِ الْقُبُورِ وَالْأَكْفَانِ لَا عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْعُمْيَانِ فِي الْأَصَحِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ لَوْ آجَرَ الْمُتَوَلِّي لِابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ آجَرَ لِابْنِهِ) أَيْ الْكَبِيرِ إذْ الصَّغِيرُ تَبَعٌ لَهُ شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَ الْقَيِّمُ مَالَ الْوَقْفِ أَوْ آجَرَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ لَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ وَقِيلَ الْوَصِيُّ كَمُضَارِبٍ، وَفِيهِ الْمُتَوَلِّي إذَا آجَرَ دَارَ الْوَقْفِ مِنْ ابْنِهِ الْبَالِغِ أَوْ أَبِيهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَبَيْعِ الْوَصِيِّ لَوْ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، صَحَّ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا مُتَوَلٍّ آجَرَ مِنْ نَفْسِهِ لَوْ خَيِّرًا صَحَّ، وَإِلَّا لَا وَمَعْنَى الْخَيِّرِ مَرَّ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ، وَبِهِ يُفْتَى اهـ وَاَلَّذِي مَرَّ هُوَ قَوْلُهُ فِي شِرَاءِ مَالِ الصَّغِيرِ جَازَ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ لَوْ خَيِّرًا وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَأْخُذَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً أَوْ يَبِيعُ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. (قَوْلُهُ: كَعَبْدِهِ اتِّفَاقًا) وَكَذَا لَوْ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: هَذَا لَوْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ) أَمَّا لَوْ ذَهَبَ إلَى الْقَاضِي فَآجَرَهُ صَحَّ شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ.
قُلْت: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ ثُمَّ لِلْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ النِّزَاعِ عِنْدَ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُتَوَلِّي بِنَفْسِهِ، وَهُنَا لَا يَصِحُّ وَقَدَّمْنَا عِنْدَ الْكَلَامِ، عَلَى قَطْعِ الْجِهَاتِ لِلتَّعْمِيرِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ عَمِلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبَنَّاءِ، فَلَهُ قَدْرُ أُجْرَتِهِ لَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجَرًا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ جَارِيَةٌ هُنَا وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَوَّلَ الْفَصْلِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفَ أَنْ لَا تُؤْجَرَ الْأَرْضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَكَانَتْ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤْجِرَهَا أَكْثَرَ بَلْ يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي لِيُؤْجِرَهَا لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ النَّظَرِ لِلْفُقَرَاءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ) أَيْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ بِخِلَافِ وَصِيِّ الْقَاضِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ مَالَ الْيَتِيمِ وَلَوْ خَيْرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَالْإِجَارَةُ بَيْعُ الْمَنَافِعِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) فَإِنَّهُ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا أَطْلَقَ لَهُ الْمُوَكِّلُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: أَيْ لِكَوْنِهِ يَعْمَلُ بِالْمُرْسَلِ) هُوَ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ ط وَهَذَا التَّعْلِيلُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَفِي حِفْظِي تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ إلَخْ، وَلَكِنِّي لَمْ أَظْفَرْ بِهِ الْآنَ. اهـ.
قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَمِلَ بِكُلِّ الْأَحَادِيثِ حَيْثُ لَمْ يَتْرُكْ الْعَمَلَ بِهَذَيْنِ، فَصَارَ أَحَقَّ بِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ أَمَّا إذَا تُعُورِفَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَذَا الْعِلْمُ حَتَّى اُشْتُهِرَ بِهِ، وَصَارَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ تَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى عُرْفِ الْوَاقِفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْمِنْقَارِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ عَلَى حَفْرِ الْقُبُورِ وَالْأَكْفَانِ) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتَاوَى، وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ الصِّحَّةَ أَظْهَرُ. مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْعُمْيَانِ
(قَوْلُهُ: لَا عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْعُمْيَانِ فِي الْأَصَحِّ) فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ، وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ السَّعْدِيُّ الرِّوَايَةُ مِنْ وَقْفِ الْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْعُمْيَانِ، فَرَجَعُوا إلَى جَوَابِهِ. اهـ.

(4/456)


وَلَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَاسْتَوَيَا اشْتَرَكَا بِهِ أَفْتَى بِهِ الْمُنْلَا أَبُو السُّعُودِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يَنْتَظِمُ الْوَاحِدَ وَالْمُتَعَدِّدَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْإِسْعَافِ شَرَطَهُ لِأَفْضَلِ أَوْلَادِهِ فَاسْتَوَيَا فَلِأَسَنِّهِمْ وَلَوْ أَحَدُهُمَا أَوْرَعَ وَالْآخَرُ أَعْلَمَ بِأُمُورِ الْوَقْفِ فَهُوَ أَوْلَى إذَا أُمِنَ خِيَانَتُهُ انْتَهَى جَوْهَرَةٌ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ لِأَرْشَدِهِمْ كَمَا فِي نَفْعِ الْوَسَائِلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنْ فِي الْإِسْعَافِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إذَا ذُكِرَ مَصْرِفٌ فِيهِمْ تَنْصِيصٌ عَلَى الْحَاجَةِ، فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ اسْتَوَى فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ، فَإِنْ يُحْصَوْا صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ إلَّا إنْ كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَاجَةِ عُرْفًا كَالْيَتَامَى فَالْوَقْفُ عَلَيْهِمْ صَحِيحٌ، وَيُصْرَفُ لِفُقَرَائِهِمْ فَإِذًا الضَّابِطُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَى الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانِ، وَقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَالْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَيُصْرَفُ لِفُقَرَائِهِمْ لِإِشْعَارِ الْأَسْمَاءِ بِالْحَاجَةِ اسْتِعْمَالًا لِأَنَّ الْعَمَى، وَالِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ يَقْطَعُ عَنْ الْكَسْبِ، فَيَغْلِبُ فِيهِمْ الْفَقْرُ وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْبَاطِلِ أَنَّهُ بَاطِلٌ عَلَى هَؤُلَاءِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الصُّوفِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفَقْرَ فِيهِمْ أَغْلَبُ مِنْ الْعُمْيَانِ بَلْ اصْطِلَاحُهُمْ تَسْمِيَتُهُمْ بِالْفُقَرَاءِ وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْإِمَامِ أَبِي الْيُسْرِ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ أَنْوَاعٌ، فَمِنْهُمْ قَوْمٌ يَضْرِبُونَ بِالْمَزَامِيرِ، وَيَشْرَبُونَ الْخُمُورَ إلَى أَنْ قَالَ فِيهِمْ إذَا كَانُوا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، كَيْفَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ اهـ فَأَفَادَ: أَنَّ الْعِلَّةَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْهُمْ إذَا عَيَّنَهُمْ الْوَاقِفُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَظْهَرُ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّوفِيَّةِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ فِي الْعَادَةِ مَنْ كَانُوا عَلَى طَرِيقَةٍ مَرْضِيَّةٍ أَمَّا غَيْرُهُمْ، فَلَيْسُوا مِنْهُمْ حَقِيقَةً وَإِنْ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ فَإِذَا أُطْلِقَ الِاسْمُ لَا يَدْخُلُونَ فِيهِ، فَيَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ ذَلِكَ الِاسْمِ حَقِيقَةً، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ عِلَّةُ الصِّحَّةِ مَا مَرَّ مِنْ غَلَبَةِ وَصْفِ الْفَقْرِ عَلَيْهِمْ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ

(قَوْلُهُ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْإِسْعَافِ إلَخْ) تَخْصِيصٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ أَوْلَى) أَيْ الْأَعْلَمُ بِأُمُورِ الْوَقْفِ أَوْلَى، وَمِثْلُهُ لَوْ اسْتَوَيَا فِي الدِّيَانَةِ وَالسَّدَادِ وَالْفَضْلِ وَالرَّشَادِ فَالْأَعْلَمُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ أَوْلَى بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. مَطْلَبٌ فِي شَرْطِ التَّوْلِيَةِ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ شَرَطَهُ لِأَرْشَدِهِمْ) فَيُقَدَّمُ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِيهِ الْأَسَنُّ، وَلَوْ أُنْثَى كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَالْأَعْلَمُ بِأُمُورِ الْوَقْفِ، وَأَفْتَى فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة بِتَقْدِيمِ الرَّجُلِ عَلَى الْأُنْثَى وَالْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ: أَيْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالرُّشْدِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّشْدَ صَلَاحُ الْمَالِ، وَهُوَ حُسْنُ التَّصَرُّفِ وَفِيهِ عَنْ الْإِسْعَافِ، وَلَوْ قَالَ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ فَأَبَى الْأَفْضَلُ الْقَبُولَ، أَوْ مَاتَ يَكُونُ لِمَنْ يَلِيهِ عَلَى التَّرْتِيبِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَقَالَ هِلَالٌ: الْقِيَاسُ أَنْ يُدْخِلَ الْقَاضِي بَدَلَهُ رَجُلًا مَا دَامَ حَيًّا، فَإِنْ مَاتَ صَارَتْ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ، وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَيْرَ مَوْضِعٍ أَقَامَ رَجُلًا مَقَامَهُ، وَإِذَا مَاتَ تَنْتَقِلُ لِمَنْ يَلِيهِ فِيهِ، وَإِذَا صَارَ أَهْلًا بَعْدَهُ تُرَدُّ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَهْلٌ أَقَامَ الْقَاضِي أَجْنَبِيًّا إلَى أَنْ يَصِيرَ فِيهِمْ أَهْلٌ، وَلَوْ صَارَ الْمَفْضُولُ مِنْهُمْ أَفْضَلَ مِمَّنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ فَيُنْظَرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى أَفْضَلِهِمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَفْقَرِ فَالْأَفْقَرِ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ إذَا صَارَ غَيْرُ الْأَرْشَدِ أَرْشَدَ
قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمْ أَرْشَدِيَّتَهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ آخَرَ أَنَّهُ صَارَ أَرْشَدَ وَاسْتَنَدَ لِمَا فِي حَاوِي السُّيُوطِيّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَنْ فِيهِ هَذَا الْوَصْفُ فِي الِابْتِدَاءِ، لَا فِي الْأَثْنَاءِ، وَبَيَّنْت الْجَوَابَ عَنْهُ

(4/457)


وَلَوْ ضَمَّ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ ثِقَةً أَيْ نَاظِرَ حِسْبَةٍ هَلْ لِلْأَصِيلِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ لَمْ أَرَهُ وَأَفْتَى الشَّيْخُ الْأَخُ أَنَّهُ إنْ ضَمَّ إلَيْهِ الْخِيَانَةَ لَمْ يَسْتَقِلَّ وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ وَهُوَ حَسَنٌ نَهْرٌ وَفِي فَتَاوَى مُؤَيَّدِ زَادَهْ مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ لِلْمُشْرِفِ التَّصَرُّفُ بَلْ الْحِفْظُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي تَنْقِيحِهَا وَذَكَرْتُ فِيهِ تَفْصِيلًا أَخْذًا مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى آخَرُ الْأَرْشَدِيَّةَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لِلْأَوَّلِ، وَتَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ اشْتَرَكَا فِي التَّوْلِيَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يَنْتَظِمُ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَرْجِيحِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى قَبْلَ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَقَصُرَ الزَّمَنُ لَا تُسْمَعُ الثَّانِيَةُ لِتَرَجُّحِ الْأُولَى بِالْحُكْمِ بِهَا فَتَلْغُو الثَّانِيَةُ، وَأَمَّا إذَا طَالَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ الثَّانِي أَرْشَدَ فَكَذَلِكَ إلَّا إذَا شَهِدَتْ الثَّانِيَةُ بِأَنَّ صَاحِبَهَا صَارَ الْآنَ أَرْشَدَ مِنْ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِالْأَرْشَدِيَّةِ لِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْرِيحِهَا بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ تَجَدَّدَ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْأَرْشَدِيَّةِ تَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ مَعْلُومِينَ مَحْصُورِينَ، لِيَكُونَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَرْشَدَ مِنْ غَيْرِهِمْ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ ضَمَّ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ ثِقَةً) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ: لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ بِمُجَرَّدِ شِكَايَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ، أَنَّهُ يَضُمُّهُ إلَيْهِ إذَا طَعَنَ فِي أَمَانَتِهِ بِدُونِ إثْبَاتِ خِيَانَةٍ وَإِلَّا عَزَلَهُ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ) قَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا ضَمَّهُ إلَيْهِ لِلطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ وَكَانَ لِلْأَصِيلِ الِاسْتِقْلَالُ بِالتَّصَرُّفِ لَمْ يَبْقَ فَائِدَةٌ لِضَمِّهِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ فِيمَا إذَا ضَمَّهُ إلَيْهِ إعَانَةً لَهُ لَا لِطَعْنٍ وَلَا لِخِيَانَةٍ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْمُشْرِفِ التَّصَرُّفُ
(قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْمُشْرِفِ التَّصَرُّفُ) بَلْ لَهُ الْحِفْظُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْوَقْفِ مُفَوَّضٌ إلَى الْمُتَوَلِّي خَانِيَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِفْظِ حِفْظُ مَالِ الْوَقْفِ عِنْدَهُ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِي مَعْنَى الْمُشْرِفِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ تَصَرُّفُهُ مَعَ الْمُتَوَلِّي اُعْتُبِرَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحِفْظِ مُشَارَفَتُهُ لِلْمُتَوَلِّي عِنْدَ التَّصَرُّفِ لِئَلَّا يَفْعَلَ مَا يَضُرُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي مُشْرِفِ الْوَصِيِّ، فَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ يَكُونُ الْوَصِيُّ أَوْلَى بِإِمْسَاكِ الْمَالِ، وَلَا يَكُونُ الْمُشْرِفُ وَصِيًّا وَأَثَرُ كَوْنِهِ مُشْرِفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ إلَّا بِعِلْمِهِ وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ، وَبِقَوْلِ الْفَضْلِيِّ يُفْتَى، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ يَسْتَقِي مِنْ الْوَصِيَّةِ وَمَسَائِلُهُ تُنْزَعُ مِنْهَا، وَعَنْ هَذَا أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي التَّصَرُّفُ فِي أُمُورِ الْوَقْفِ، بِدُونِ إذْنِ الْمُشْرِفِ وَاطِّلَاعِهِ. مَطْلَبٌ الْقَيِّمُ وَالْمُتَوَلِّي وَالنَّاظِرُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ
وَفِي الْخَيْرِيَّةِ إنْ كَانَ النَّاظِرُ بِمَعْنَى الْمُشْرِفِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِعِلْمِ الْمُشْرِفِ وَفِيهَا سُئِلَ فِي وَقْفٍ لَهُ نَاظِرٌ وَمُتَوَلٍّ هَلْ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ بِلَا عِلْمِ الْآخَرِ أَجَابَ لَا يَجُوزُ وَالْقَيِّمُ وَالْمُتَوَلِّي وَالنَّاظِرُ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. اهـ.
قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِفْرَادِ أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ مُتَوَلِّيًا وَنَاظِرًا عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا، فَيُرَادُ بِالنَّاظِرِ الْمُشْرِفُ وَعَنْ هَذَا أَجَبْتُ فِي حَادِثَةٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي الْإِيجَارُ، بِلَا عِلْمِ النَّاظِرِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتَاوَى الرَّحِيمِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ آجَرَ الْمُتَوَلِّي إجَارَةً شَرْعِيَّةً بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يَمْلِكُ النَّاظِرُ مُعَارَضَتَهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُشْرِفِ تَأَمَّلْ. وَأَفْتَى فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ مُعَارَضَةُ الْمُتَوَلِّي إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ نِظَارَتَهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ. اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ نَصَبَهُ الْقَاضِي نَاظِرًا عَلَى الْمُتَوَلِّي لِثُبُوتِ خِيَانَتِهِ لَمْ يَسْتَقِلَّ الْمُتَوَلِّي بِالصَّرْفِ كَمَا مَرَّ

(4/458)


لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْوَقْفِ لِلْعِمَارَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي

مَاتَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُبَاةُ يَدَّعُونَ تَسْلِيمَ الْغَلَّةِ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ صُدِّقُوا بِيَمِينِهِمْ؛ لِإِنْكَارِهِمْ الضَّمَانَ. لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَقْفِ إذَا كَانَ مُسَجَّلًا، وَلَكِنْ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمَشْرُوطِ كَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ وَالْمُعَلِّمِ وَإِنْ كَانُوا أَصْلَحَ اهـ جَوْهَرَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَنْ النَّهْرِ، بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ نَصَبَهُ عَلَيْهِ لِلطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ كَمَا بَحَثْنَاهُ آنِفًا تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَدِينَ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ

(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مُسَجَّلًا) مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَالتَّسْجِيلِ، وَمَرَّ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُهُمَا. مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الشُّرُوطِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانُوا أَصْلَحَ) الَّذِي رَأَيْته فِي فَتَاوَى مُؤَيَّدِ زَادَهْ إذَا لَمْ يَكُونُوا أَصْلَحَ أَوْ فِي أَمْرِهِمْ تَهَاوُنٌ فَيَجُوزُ لِلْوَاقِفِ؟ الرُّجُوعُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ اهـ وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى. ثُمَّ قَالَ بِحَذْفِ فِي ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ: لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَقْفِ إذَا كَانَ مُسَجَّلًا، وَلَكِنْ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَتَغْيِيرُهُ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا كَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ وَالْمُعَلِّمِ إنْ لَمْ يَكُونُوا أَصْلَحَ أَوْ تَهَاوَنُوا فِي أَمْرِهِمْ، فَيَجُوزُ لِلْوَاقِفِ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ اهـ.
قَالَ ط: أَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُونُوا أَصْلَحَ لَيْسَ مِنْ الرُّجُوعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَالَفَةٌ لِلشَّرْطِ لِكَوْنِهَا أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ بِنَصْبِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَصْلُحُ، فَهُوَ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْ الْوِلَايَةِ فَخَانَ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الشَّرْطُ وَيُوَلَّى غَيْرُهُ، وَكَمَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤْجِرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلَا رَغْبَةَ فِيمَا عَيَّنَهُ فَإِنَّهُ يُخَالَفُ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُفْرِدَ هَذَا بِفَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي جَمِيعِ الشُّرُوطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
قُلْت: وَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَفَادَ، أَعْطَاهُ مَوْلَاهُ غَايَةَ الْمُرَادِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْمُعَلِّمُ شَخْصًا مُعَيَّنًا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لَوْ كَانَ مُتَهَاوِنًا فِي مُبَاشَرَةِ وَظِيفَتِهِ أَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَغْيِيرٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ: أَيْ تَغْيِيرُ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ بِغَيْرِهِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ الْبَانِي أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ فِي الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّنْ عَيَّنَهُ، وَبِهِ ظَهَرَ الْجَوَابُ عَمَّا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْأَشْبَاهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْلِهِ لِمُدَرِّسٍ وَإِمَامٍ وَلَا هُمَا، وَهُوَ أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْمَصْلَحَةِ إذَا كَانَا مَشْرُوطَيْنِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ فَبِدُونِهِ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ عَنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ، حَتَّى تَكَلَّفَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى لِلْجَوَابِ عَمَّا قَدَّمَهُ عَنْ الدُّرَرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إعْطَاءُ الْغَلَّةِ لِغَيْرِ مَنْ عَيَّنَهُ لِخُرُوجِ الْوَقْفِ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّسْجِيلِ. اهـ.
فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْ الشُّرُوطِ، وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُؤَيِّدِيَّةِ عَلَى مَا عَلِمْتَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ التَّوْلِيَةَ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشُّرُوطِ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا التَّغْيِيرَ كُلَّمَا بَدَا لَهُ، وَأَمَّا بَاقِي الشَّرَائِطِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ اهـ وَفِي الْإِسْعَافِ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ إلَّا مَا شُرِطَ وَقْتَ الْعَقْدِ. اهـ. وَفِيهِ: لَوْ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ يَزِيدَ وَظِيفَةَ مَنْ يَرَى زِيَادَتَهُ أَوْ يَنْقُصَ مِنْ وَظِيفَةِ مَنْ يَرَى نُقْصَانَهُ أَوْ يُدْخِلَ مَعَهُمْ مَنْ يَرَى إدْخَالَهُ أَوْ يُخْرِجَ مَنْ يَرَى إخْرَاجَهُ جَازَ، ثُمَّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ لِأَنَّ شَرْطَهُ وَقَعَ عَلَى فِعْلٍ يَرَاهُ، فَإِذَا رَآهُ وَأَمْضَاهُ فَقَدْ انْتَهَى مَا رَآهُ اهـ وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ: وَمَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ مُعْتَبَرٍ فِي الْوَقْفِ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ تَغْيِيرُهُ وَلَا تَخْصِيصُهُ بَعْدَ

(4/459)


وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا، ثُمَّ لِوَلَدِهِ فُلَانٍ مَا عَاشَ، ثُمَّ بَعْدَهُ لِلْأَعَفِّ الْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَالْهَاءُ تَنْصَرِفُ لِلِابْنِ لَا لِلْوَاقِفِ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَنْصَرِفُ لِأَقْرَبِ الْمُكْنِيَّاتِ بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ وَكَذَلِكَ مَسَائِلُ ثَلَاثٌ: وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَنَسْلِهِ فَالْهَاءُ لِعَمْرٍو فَقَطْ، وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ، فَالذُّكُورِ رَاجِعٌ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَحَسْبُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
تَقَرُّرِهِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ الْحُكْمِ. اهـ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشُّرُوطِ لَا يَصِحُّ إلَّا التَّوْلِيَةَ مَا لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوطِ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّمَا بَدَا لَهُ وَإِلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ اقْتَضَتْهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا) أَيْ الْكِنَايَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِهَا الضَّمِيرُ وَتَسْمِيَةُ الضَّمِيرِ كِنَايَةً اصْطِلَاحُ الْكُوفِيِّينَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: لِأَقْرَبِ الْمُكَنَّيَاتِ) أَيْ لِأَقْرَبِ الْمَذْكُورَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ كِنَايَةً عَنْهَا. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْأَصْلَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ
(قَوْلُهُ: بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ) أَيْ الْأَصْلِ وَهُوَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إلَيْهِ. قُلْت: وَهَذَا الْأَصْلُ عِنْدَ الْخُلُوِّ عَنْ الْقَرَائِنِ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الذُّكُورِ
وَلِذَا قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ حَسَنٍ وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الْإِنَاثِ وَأَوْلَادِهِنَّ. ثُمَّ حَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ ثُمَّ مَاتَ حَسَنٌ الْمَذْكُورُ فَهَلْ الضَّمِيرُ فِي يَحْدُثُ لَهُ رَاجِعٌ إلَى حَسَنٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ أَمْ إلَى الْوَاقِفِ فَيَدْخُلُ مُحَمَّدٌ فَأَجَابَ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِمِصْرَ مَوْلَانَا الشَّيْخُ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ إنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ ذُو فَهْمٍ فِيهِ إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لَهُ. مَطْلَبٌ إذَا كَانَ لِلَّفْظِ مُحْتَمَلَانِ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِغَرَضِ الْوَاقِفِ
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلَّفْظِ مُحْتَمَلَانِ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِالْغَرَضِ، وَإِذَا أَرْجَعْنَا الضَّمِيرَ إلَى حَسَنٍ لَزِمَ حِرْمَانُ وَلَدِ الْوَاقِفِ لِصُلْبِهِ وَاسْتِحْقَاقُ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَفِيهِ غَايَةُ الْبُعْدِ، وَلَا تَمَسُّكَ بِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مَذْكُورٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَحْظُورِ، وَهَذَا لِغَايَةِ ظُهُورِهِ غَنِيٌّ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَسَائِلُ ثَلَاثٌ) أَيْ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْأَقْرَبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ضَمِيرٌ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ لَا ضَمِيرَ فِيهِمَا ط (قَوْلُهُ: فَالْهَاءُ لِعَمْرٍو فَقَطْ) أَيْ فَلَا يَدْخُلُ نَسْلُ زَيْدٍ زَادَ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ: فَإِنْ قَالَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَنَسْلِهِمَا، فَالْغَلَّةُ لِعَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَنَسْلِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو دُونَ نَسْلِ عَبْدِ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالذُّكُورُ رَاجِعٌ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَحَسْبُ) أَيْ فَقَطْ: أَيْ لِلْمُضَافِ الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَدُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ عَلَى وَلَدِي بَقِيَ شَامِلًا لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ صُلْبِهِ، وَقَوْلُهُ وَوَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ: أَيْ بِالْمُضَافِ فَقَطْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ. وَلَا يُقَالُ الْمُضَافُ إلَيْهِ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُضَافِ؛ كَمَا إذَا قُلْت جَاءَ غُلَامُ زَيْدٍ وَأَكْرَمْته: أَيْ الْغُلَامَ لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ ذُكِرَ مُعَرِّفًا لِلْمُضَافِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالْحُكْمِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَحَسْبُ احْتِرَازًا عَنْ رُجُوعِهِ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ، فَلَا يُنَافِي رُجُوعَهُ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَهَذَا

(4/460)


وَعَكْسُهُ وَقَفْتُ عَلَى بَنِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو لَمْ يَدْخُلْ بَنُو عَمْرٍو لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، إلَى زَيْدٍ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوَصْفَ بَعْدَ مُتَعَاطِفَيْنِ لِلْأَخِيرِ عِنْدَنَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ فَحَوَى الْعِبَارَةِ لَكِنَّهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ هِلَالٌ بِقَوْلِهِ قُلْت أَرَأَيْت إنْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ، قَالَ: فَهِيَ لِمَنْ كَانَ ذَكَرًا مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، قَالَ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ قَالَ نَعَمْ اهـ فَقَدْ جَعَلَهُ قَيْدًا لِلْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ. وَنَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي الْإِنَاثِ يَكُونُ لِلْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِهِ دُونَ ذُكُورِهِمْ وَالْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَهُنَّ فِيهِمَا سَوَاءٌ اهـ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ أَيْضًا، لَكِنْ يَأْتِي أَنَّ الْوَصْفَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فِي عِبَارَةِ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، وَمُقْتَضِي كَلَامِ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَتَمَامُ تَحْرِيرِ الْمَقَامِ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ فَرَاجِعْهُ. مَطْلَبٌ إذَا تَقَدَّمَ الْقَيْدُ يَكُونُ لِمَا قَبْلَ الْعَاطِفِ
(قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ وَقَفْتُ إلَخْ) عَكْسُ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ أُرِيدَ بِهَا لَفْظُهَا خَبَرٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَكْسُ مَا قَبْلَهُ فِي كَوْنِ الْقَيْدِ فِيهِ مُتَقَدِّمًا فَيَكُونُ لِمَا قَبْلَ الْعَاطِفِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْقَيْدَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ فَيَكُونُ لِمَا بَعْدَ الْعَاطِفِ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَفِي قَوْلِهِ فَيُصْرَفُ عَائِدٌ لِلْقَيْدِ وَهُوَ لَفْظُ بَنِي لَا لِعَمْرٍو كَمَا وَهَمَ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْوَصْفَ يَعُودُ إلَى مَا يَلِيهِ سَوَاءٌ تَأَخَّرَ أَوْ تَقَدَّمَ، فَإِذَا قَالَ عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِي وَجِيرَانِي يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْعَطْفُ عَلَى الْمُضَافِ، وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ تَوَسَّطَ الْوَصْفُ مِثْلُ عَلَى أَوْلَادِي الذُّكُورِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، وَالظَّاهِرُ انْصِرَافُهُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ، فَيَخُصُّ الذُّكُورَ لِصُلْبِهِ وَيَعُمُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ وَأَوْلَادِهِمْ يَخُصُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ إلَيْهِمْ. وَفِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِي وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ فَهِيَ لِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَلِوَلَدِ الذُّكُورِ: إنَاثًا كَانُوا أَوْ ذُكُورًا دُونَ بَنَاتِ الصُّلْبِ، فَلَا تُعْطَى الْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ وَتُعْطَى بِنْتُ أُخْتِهَا. وَلَوْ قَالَ عَلَى ذُكُورِ وَلَدِي وَذُكُورِ وَلَدِ وَلَدَى يَكُونُ لِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَلِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ، وَيَكُونُ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِيهِ سَوَاءً وَلَا يَدْخُلُ أُنْثَى مِنْ وَلَدِهِ وَلَا وَلَدِ وَلَدِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَعَلَى أَوْلَادِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِي يَكُونُ عَلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَعَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ وَلَا يَدْخُلُ بَنَاتُ الصُّلْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَنْصَرِفُ لِلْوَاقِفِ لَا لِابْنِهِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمِنَحِ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي بَاقِي الْمَسَائِلِ كَذَلِكَ. مَطْلَبٌ الْوَصْفُ بَعْدَ جُمَلٍ يَرْجِعُ إلَى الْأَخِيرِ عِنْدَنَا
(قَوْلُهُ: قُلْت وَقَدَّمْنَا) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ: الْوَصْفُ بَعْدَ الْجُمَلِ يَرْجِعُ إلَى الْأَخِيرِ عِنْدَنَا إلَخْ وَيَأْتِي قَرِيبًا، وَهَذَا تَأْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فَالذُّكُورُ رَاجِعٌ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَحَسْبُ، لَكِنْ عَلِمْت مُخَالَفَتَهُ لِكَلَامِ هِلَالٍ وَالْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: عِنْدَنَا)

(4/461)


وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: مِنْ بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ: وَقَوْلُهُمْ يَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا وَهُوَ الْأَصْلُ قُلْنَا ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فَتُصْرَفُ إلَى مَا يَلِيهِ، نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْعَالِمُ إلَى آخِرِهِ فَلْيُحْفَظْ وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ قَالَ:
وَالْوَصْفُ بَعْدَ جُمَلٍ إذَا أَتَى ... يَرْجِعُ لِلْجَمِيعِ فِيمَا ثَبَتَا
عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا ... إنْ كَانَ ذَا الْعَطْفُ بِوَاوٍ أَمَّا
-
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلْجَمِيعِ إنْ لَمْ يُعْطَفْ بِثُمَّ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ) أَيْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصْلُ) أَيْ انْصِرَافُ الشَّرْطِ إلَى الْمُتَعَاطِفَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي الشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ) مِثْلُ فُلَانَةُ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَيَكُونُ دُخُولُ الدَّارِ شَرْطًا لِطَلَاقِهِمَا لَا لِلْمَعْطُوفِ فَقَطْ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ شَرْطٌ حَقِيقَةً وَإِنْ سُمِّيَ اسْتِثْنَاءً عُرْفًا. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا فَفِي التَّلْوِيحِ: إذَا وَرَدَ الِاسْتِثْنَاءُ عَقِيبَ جُمَلٍ مَعْطُوفٍ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ رَدِّهِ إلَى الْجَمِيعِ وَالْأَخِيرِ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الظُّهُورِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعَوْدِ إلَى الْجَمِيعِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى التَّوَقُّفِ وَبَعْضُهُمْ إلَى التَّفْصِيلِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعَوْدِ إلَى الْأَخِيرَةِ اهـ وَالْمُرَادُ بِالتَّفْصِيلِ هُوَ أَنَّهُ إنْ اسْتَقَلَّتْ الثَّانِيَةُ عَنْ الْأُولَى بِالْإِضْرَابِ عَنْهَا فَلِلْأَخِيرَةِ وَإِلَّا فَلِلْجَمِيعِ.
وَاحْتَرَزَ بِالْجُمَلِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ عَقِيبَ مُفْرَدَاتٍ فَإِنَّهُ لِلْكُلِّ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مِثَالُ الْأَوَّلِ: وَقَفْتُ دَارِي عَلَى أَوْلَادِي وَوَقَفْتُ بُسْتَانِي عَلَى إخْوَتِي إلَّا إذَا خَرَجُوا، وَمِثَالُ الثَّانِي: وَقَفَتْ دَارِي عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ إلَّا إذَا خَرَجُوا (قَوْلُهُ: فَتُصْرَفُ إلَى مَا يَلِيهِ) أَيْ إلَى مَا يَلِي الْعَاطِفَ وَهُوَ الْمَعْطُوفُ الْمُتَأَخِّرُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ مِنْ صَرْفِهَا لِلْجَمِيعِ كَمَا فِي تَحْرِيرِ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْعَالِمُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَصْفَ هُنَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِلْجَمِيعِ وَإِنْ أَمْكَنَ لِلْأَوَّلِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَالْمُنَاسِبُ تَمْثِيلُ ابْنِ الْهُمَامِ بِقَوْلِهِ كَتَمِيمٍ وَقُرَيْشٍ الطِّوَالِ فَعَلُوا، فَإِنَّ الطِّوَالَ جَمْعُ طَوِيلٍ يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِلْمُتَعَاطِفَيْنِ وَلِلْأَخِيرِ فَقَطْ، وَالثَّانِي مَذْهَبُنَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا عَلِمْت، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ: الصِّفَةُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ إلَى كُلِّ الْمُتَعَدِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ، نَحْوُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ الْمُحْتَاجِينَ وَوَقَفْت عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ، فَيَعُودُ الْوَصْفُ فِي الْأَوَّلِ إلَى الْأَوْلَادِ مَعَ أَوْلَادِهِمْ. وَفِي الثَّانِي إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مَعَ الْأَوْلَادِ، وَقِيلَ لَا. أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ نَحْوُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَوْلَادِهِمْ فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ تَعُودُ إلَى مَا وَلِيَهَا أَيْضًا اهـ. مَطْلَبٌ الشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ اتِّفَاقًا لَا الْوَصْفُ فَإِنَّهُ لِلْأَخِيرِ عِنْدَنَا [تَنْبِيهٌ]
حَاصِلُ مَا مَرَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْوَصْفِ يَعُودُ إلَى الْمُتَعَاطِفَيْنِ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا عِنْدَنَا إلَّا الْوَصْفَ فَإِلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ، لَكِنْ عَلِمْت مُخَالِفَتَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ هِلَالٍ وَغَيْرِهِ. مَطْلَبٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ
وَقَدْ سُئِلَ الْمُصَنِّفُ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَدَدَهُمْ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ لِلْإِنَاثِ حَقٌّ إلَّا إذَا كُنَّ عَازِبَاتٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَهَلْ هَذَا الشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلْكُلِّ أَوْ لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ الْمَعْطُوفَةِ بِثُمَّ وَمَا بَعْدَهَا لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْإِنَاثِ حَقٌّ إلَخْ

(4/462)


إنْ كَانَ ذَا عَطْفًا بِثُمَّ وَقَعَا ... إلَى الْأَخِيرِ بِاتِّفَاقٍ رَجَعَا
وَلَوْ عَلَى الْبَنِينَ وَقْفًا يَجْعَلُ ... فَإِنَّ فِي ذَاكَ الْبَنَاتُ تَدْخُلُ
وَوَلَدُ الِابْنِ كَذَاكَ الْبِنْتُ ... يَدْخُلُ فِي ذُرِّيَّةٍ بِثَبْتِ
لَوْ وَقَفَ الْوَقْفَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ ... مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فَبِالسَّوِيَّةِ
يُقْسَمُ بَيْنَ مَنْ عَلَا وَالْأَسْفَلِ ... مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ لِبَعْضٍ فَانْقُلْ
وَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ فِي كُلِّ سَنَهْ ... وَيُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى مَنْ عَيَّنَهْ
وَلَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى ... أَوْلَادِ أَوْلَادٍ لَهُ قَدْ جَعَلَا
وَقْفًا فَقَالُوا لَيْسَ فِي ذَا يَدْخُلُ ... أَوْلَادُ بِنْتِهِ عَلَى مَا يُنْقَلُ
بَنِيَّ أَوْلَادِي كَذَا أَقَارِبِي ... وَإِخْوَتِي وَلَفْظَ آبَائِي احْسِبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَجَابَ: صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ كَذَا مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى اللُّزُومِ، وَوُجُودُ الْجَزَاءِ يُلَازِمُهُ وُجُودُ الشَّرْطِ كَمَا قَالَ تَعَالَى - {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ} [الممتحنة: 12]- أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ وَبِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ، بِخِلَافِ الصِّفَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فَإِلَى الْأَخِيرِ عِنْدَنَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَالْعَطْفِ بِثُمَّ، وَعَلَى هَذَا فَيَعُودُ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ لِوَلَدِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِغَرَضِ الْوَاقِفِينَ اهـ مُلَخَّصًا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ طُولَ الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ لَا يَضُرُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ ذَا الْعَطْفِ بِوَاوٍ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي فَتَاوَاهُ: وَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الْعَطْفَ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِأَدَاةٍ، وَمِمَّنْ حَكَى الْإِطْلَاقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالشَّيْخَانِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَجَعَلَ ثُمَّ كَالْوَاوِ كَالْمُتَوَلِّي حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ، وَمَثَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَسْأَلَةَ بِثُمَّ ثُمَّ قَيَّدَهَا بِطَرِيقِ الْبَحْثِ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِالْوَاوِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَى الْأَخِيرِ) مُتَعَلِّقٌ بِرَجَعَا الَّذِي هُوَ جَوَابُ أَمَّا. مَطْلَبٌ فِي تَحْرِيرِ الْكَلَامِ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى الْبَنِينَ وَقْفًا يَجْعَلُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ قَالَ عَلَى بَنِيَّ وَلَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَنَاتُ لِأَنَّ الْبَنَاتِ إذَا جُمِعْنَ مَعَ الْبَنِينَ ذُكِرْنَ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَلَوْ لَهُ بَنَاتٌ فَقَطْ، أَوْ قَالَ عَلَى بَنَاتِي وَلَهُ بَنُونَ لَا غَيْرُ فَالْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ، وَهَذَا الْبَيْتُ يُغْنِي عَنْهُ الْبَيْتَانِ الْأَخِيرَانِ (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الِابْنِ كَذَاكَ الْبِنْتُ) أَيْ كَذَاكَ وَلَدُ الْبِنْتِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَبْقَى الْمُضَافَ إلَيْهِ عَلَى جَرِّهِ. اهـ. ح أَيْ لَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَفَ الْوَقْفَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ) أَيْ لَوْ قَالَ عَلَى ذُرِّيَّةِ زَيْدٍ أَوْ قَالَ عَلَى نَسْلِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ، وَوَلَدُ الْبَنِينَ وَوَلَدُ الْبَنَاتِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ خَصَّافٌ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يُرَتِّبْ بَيْنَ الْبُطُونِ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ يَوْمَ تَجِيءُ عَلَى عَدَدِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَالْأَسْفَلِ دَرَجَةً بِالسَّوِيَّةِ بِلَا تَفْضِيلٍ، ثُمَّ كُلَّمَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَقَطَ سَهْمُهُ، وَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ وَتُقْسَمُ بَيْنَ مَنْ يَكُونُ مَوْجُودًا يَوْمَ تَأْتِي الْغَلَّةُ، أَمَّا لَوْ رَتَّبَ، بِأَنْ قَالَ يُقَدَّمُ الْبَطْنُ الْأَعْلَى عَلَى الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَصَّافِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الْأَوْلَادِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَوْ بِلَفْظِ اسْمِ الْجِنْسِ كَوَلَدِي، وَسَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا مَثَّلْنَا أَوْ ذَكَرَ الْبَطْنَ الثَّانِي مُضَافًا إلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ الْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْوَاقِفِ كَأَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، أَوْ الْعَائِدِ عَلَى الْأَوْلَادِ كَأَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ عَلَى مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَقَالَ الْخَصَّافُ: يَدْخُلُونَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ. وَقَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ

(4/463)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إنْ ذَكَرَ الْبَطْنَ الثَّانِيَ بِلَفْظِ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْوَاقِفِ كَوَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي لَا يَدْخُلُونَ، وَإِنْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ الْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْأَوْلَادِ كَأَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ دَخَلُوا. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لَا يَدْخُلُونَ فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الدُّخُولُ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ اسْمٌ لِمَنْ وَلَدُهُ وَلَدُهُ وَابْنَتُهُ وَلَدُهُ، فَمَنْ وَلَدَتْهُ بِنْتُهُ يَكُونُ وَلَدَ وَلَدِهِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ لَا يَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَهُ لِصُلْبِهِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ عُرْفًا، وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ هِلَالٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ مُسْتَنِدًا لِكَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَفِي الْإِسْعَافِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَجَزَمَ بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ نُورُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ وَتِلْمِيذُهُ الشَّلَبِيُّ وَابْنُ الشِّحْنَةِ وَابْنُ نُجَيْمٍ وَالْحَانُوتِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَذَا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ مِنْ فَتَاوَاهُ، وَخَالَفَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَتَمَامُ تَحْرِيرِ ذَلِكَ وَتَرْجِيحُ مَا جَنَحَ إلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي كِتَابِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ، وَقَدَّمْنَا فِي الْجِهَادِ بَعْضَ ذَلِكَ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ جَوَابًا مُطَوَّلًا لِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ، مُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ ضَمَّ إلَى الْوَلَدِ وَلَدَ الْوَلَدِ فَقَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي اشْتَرَكَ الصُّلْبِيُّونَ وَأَوْلَادُ بَنِيهِ وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ، كَذَا اخْتَارَهُ هِلَالٌ وَالْخَصَّافُ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَأَنْكَرَ الْخَصَّافُ رِوَايَةَ حِرْمَانِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَقَالَ لَمْ أَجِدْ مَنْ يَقُولُ بِرِوَايَةِ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِوَلَدِ زَيْدٍ فَإِنْ وُجِدَ لَهُ وَلَدٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ لِصُلْبِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ بَلْ وَلَدُ وَلَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ كَانَ لِأَوْلَادِ الذُّكُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْإِنَاثِ، فَكَأَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى ذَلِكَ. وَفَرَّقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بَيْنَهُمَا بِالْفَرْقِ الْمَشْهُورِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَيْ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، فَهَذَا ابْنُ الْهُمَامِ الْمَعْرُوفُ بِالتَّحْقِيقِ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ قَدْ اعْتَمَدَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْعِظَامِ أَمَّا هِلَالٌ فَإِنَّهُ تِلْمِيذُ أَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا الْخَصَّافُ فَقَدْ شَهِدَ لَهُ بِالْفَضْلِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فَقَالَ: إنَّ الْخَصَّافَ إمَامٌ كَبِيرٌ فِي الْعُلُومِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ أَئِمَّةُ الشَّافِعِيَّةِ. وَأَمَّا قَاضِي خَانْ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَمَا فِي الطَّبَقَاتِ يُغْنِي عَنْ التَّطْوِيلِ، وَإِذَا كَانَ مِثْلُ الْإِمَامِ الْخَصَّافِ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقُولُ بِرِوَايَةِ حِرْمَانِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي صُورَةِ وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي يَعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ قَطْعًا بَلْ دُخُولُ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِيهَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. فَعَنْ هَذَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السُّرِّيُّ ابْنُ الشِّحْنَةِ: يَنْبَغِي أَنْ تُصَحَّحَ رِوَايَةُ الدُّخُولِ قَطْعًا لِأَنَّ فِيهَا نَصُّ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَالْمُرَادُ بِهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَقَدْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَفْهَمُونَ سِوَى ذَلِكَ وَلَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُهُمْ وَعُرْفُهُمْ مَعَ كَوْنِهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ. وَقَدْ وَقَعَ لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا الصَّدْرِ الْأَجَلِّ الْمَوْلَى ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِثْلُ مَا وَقَعَ مِنْ ابْنِ الْهُمَامِ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْعِظَامِ.
قَالَ: وَيَقْطَعُ عِرْقَ شُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ فِي صُورَةِ أَوْلَادِ أَوْلَادِي مَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا قَالَ آمِنُونِي عَلَى أَوْلَادِي. اهـ. وَبِهَذَا الْبَيَانِ اتَّضَحَ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ كَالتَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ وَالْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَبِيلِ نَقْلِ الْخِلَافِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْأُخْرَى مَعَ قِيَامِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ أَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ يُنْسَبُ لِأَبِيهِ لَا يُسَاعِدُهُمْ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْأُمِّ لُغَةً وَشَرْعًا فَلَا وَجْهَ لَهُ، إذْ لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ قَوْلِ الْوَاقِفِ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِ بَنَاتِي، وَإِنْ أُرِيدَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا عُرْفًا فَلَا يُجْدِي نَفْعًا فِي عَدَمِ دُخُولِ وَلَدِ الْبِنْتِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ دُخُولَهُ فِيهَا بِحُكْمِ الْعِبَارَةِ لَا بِحُكْمِ الْعُرْفِ، وَالدُّخُولُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ إنَّمَا هُوَ فِي صُورَتَيْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُمَا وَلَدِي

(4/464)


يَشْتَرِكُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ ... فِيهِ وَذَاكَ وَاضِحٌ مَسْطُورُ
وَمِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ مُرَتَّبًا وَجَعَلَ مِنْ شَرْطِهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ وَلَهُ وَلَدٌ قَامَ مَقَامَهُ لَوْ بَقِيَ حَيًّا فَهَلْ لَهُ حَظُّ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَيُشَارِكُ الطَّبَقَةَ الْأُولَى أَوْ لَا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَأَوْلَادِي، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِمَا. وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّ الْعُرْفَ مُوَافِقٌ لِلْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. اهـ. وَقَدْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْحَانُوتِيُّ بِمِثْلِ مَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ: يَشْتَرِكُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ) أَيْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ تَغْلِيبًا لِلْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ

مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَشْبَاهِ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَاشْتِبَاهٌ وَلَا سِيَّمَا عَلَى صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ. وَلَمَّا رَأَيْت الْأَمْرَ كَذَلِكَ جَمَعْت فِيهَا حِينَ وُصُولِي إلَى هَذَا الْمَحَلِّ رِسَالَةً سَمَّيْتهَا الْأَقْوَالُ الْوَاضِحَةُ الْجَلِيَّةُ فِي مَسْأَلَةِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَمَسْأَلَةِ الدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ وَكُنْت ذَكَرْت شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَأَوْضَحْت فِيهِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَا تَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ، فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَلْيَرْجِعْ إلَى هَذَيْنِ التَّأْلِيفَيْنِ: فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَلَامًا طَوِيلًا، وَلْنَذْكُرْ لَك خُلَاصَةَ ذَلِكَ بِاخْتِصَارٍ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا مُرَتِّبًا بَيْنَ الْبُطُونِ وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ وَلَهُ وَلَدٌ قَامَ وَلَدُهُ مَقَامَهُ وَاسْتَحَقَّ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّ لَوْ بَقِيَ حَيًّا فَمَاتَ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ عَشَرَةِ أَوْلَادٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ وَلَدٍ يُعْطَى سَهْمُهُ لِوَلَدِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، فَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ آخَرُ عَنْ وَلَدٍ وَعَنْ وَلَدِ وَلَدٍ مَاتَ وَالِدُهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَهَلْ يُعْطَى هَذَا الْوَلَدُ مَعَ عَمِّهِ حِصَّةَ جَدِّهِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ دَرَجَتَهُ دَرَجَةَ أَبِيهِ وَهِيَ دَرَجَتُهُ الْجَعْلِيَّةُ فَيُشَارِكُ أَهْلَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَهِيَ دَرَجَةُ عَمِّهِ أَوْ لَا يُعْطَى لَهُ شَيْئًا أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ، وَخَصَّ الْعَمَّ بِحِصَّةِ أَبِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ لَا يُسَمَّى مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدِهِ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، فَكُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ يُعْطَى سَهْمُهُ لِوَلَدِهِ دُونَ وَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْعَاشِرُ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا فَإِذَا مَاتَ هَذَا الْعَاشِرُ عَنْ وَلَدِهِ لَا يُعْطَى نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ بَلْ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ وَيُقْسَمُ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي قِسْمَةً مُسْتَأْنَفَةً، وَيَبْطُلُ قَوْلُ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدِهِ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَيُرْجَعُ إلَى الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ حَيْثُ رَتَّبَ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ وَبَعْدَ ذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي عَنْ وَلَدِهِ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَمُوتَ آخِرُ هَذِهِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ وَتُسْتَأْنَفُ قِسْمَةٌ أُخْرَى عَلَى الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الطَّبَقَاتِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّ السُّبْكِيَّ قَسَمَ عَلَى الْمَوْتَى مِنْ كُلِّ طَبَقَةٍ عِنْدَ اسْتِئْنَافِ الْقِسْمَةِ وَأَعْطَى حِصَّةَ كُلِّ مَيِّتٍ لِأَوْلَادِهِ وَأَمَّا الْخَصَّافُ فَقَسَمَ عَلَى عَدَدِ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الَّتِي تُسْتَأْنَفُ الْقِسْمَةُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أُصُولِهِمْ، فَهَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَخَالَفَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فَاخْتَارَ أَنَّ وَلَدَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ يَقُومُ مَقَامَ وَالِدِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ وَيَسْتَحِقُّ مَنْ جَدِّهِ مَعَ أَعْمَامِهِ وَأَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَعْمَامِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ اسْتَحَقَّ مَعَهُمْ أَيْضًا لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مَمْنُوعٌ، بَلْ صَرِيحٌ

(4/465)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلِ الْوَاقِفِ وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ؛ فَأَهْلُ الْوَقْفِ يَشْمَلُ الْمُسْتَحِقَّ وَمَنْ كَانَ بِصَدَدِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَأَنَّهُ إذَا مَاتَ آخِرُ مَنْ فِي الطَّبَقَةِ عَنْ وَلَدٍ يُعْطَى سَهْمُهُ لِوَلَدِهِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ أَوْلَادَ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ لَا يُحْرَمُونَ مَعَ بَقَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، بَلْ يَسْتَحِقُّونَ مَعَهُمْ عَمَلًا بِاشْتِرَاطِ الدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ. ثَانِيهمَا أَنَّهُ إذَا انْقَرَضَتْ الطَّبَقَةُ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ إعْطَائِهِ سَهْمَ آخِرِ مَنْ مَاتَ مِنْ الطَّبَقَةِ لِوَلَدِهِ، فَقَوْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ وَافَقَ السُّبْكِيَّ عَلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ قَالَ: إنَّ مُخَالَفَتَهُ لِلسُّبْكِيِّ فِي أَوْلَادِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَاجِبَةٌ. وَأَمَّا نَقْضُ الْقِسْمَةِ بَعْدَ انْقِرَاضِ كُلِّ بَطْنٍ فَقَدْ أَفْتَى بِهِ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ وَعَزَوْهُ لِلْخَصَّافِ وَلَمْ يَتَنَبَّهُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَ صُورَتَيْ الْخَصَّافِ وَالسُّبْكِيِّ، فَإِنَّ صُورَةَ السُّبْكِيّ ذَكَرَ فِيهَا الْعَطْفَ بِكَلِمَةٍ ثُمَّ بَيَّنَ الطَّبَقَاتِ، وَصُورَةُ الْخَصَّافِ قَالَ فِيهَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِمْ مُرَتِّبًا: أَيْ قَائِلًا عَلَى أَنْ يُبْدَأَ بِالْبَطْنِ الْأَعْلَى ثُمَّ بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، فَصَدْرُ مَسْأَلَةِ الْخَصَّافِ اقْتَضَى اشْتِرَاكَ الْبَطْنِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يُبْدَأَ بِالْبَطْنِ الْأَعْلَى إخْرَاجٌ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَصَدْرُ مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ اقْتَضَى عَدَمَ الِاشْتِرَاكِ لِلْعَطْفِ بِثُمَّ لَا بِالْوَاوِ فَنَقْضُ الْقِسْمَةِ خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ الْخَصَّافِ دُونَ مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِكَلَامِ الْخَصَّافِ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ مُرَتِّبًا بَعْدَهُ، بِأَنْ يُبْدَأَ بِالْبَطْنِ الْأَعْلَى تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ عِنْدَ انْقِرَاضِ كُلِّ بَطْنٍ كَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ وَإِنْ عَبَّرَ بِثُمَّ لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ، بَلْ كُلَّمَا مَاتَ أَحَدٌ عَنْ وَلَدٍ يُعْطَى سَهْمُهُ لِوَلَدِهِ فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ، حَتَّى إنَّ الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ أَلَّفَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً ذَكَرَهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَجْمُوعِ رَسَائِلِهِ، وَحَقَّقَ فِيهَا عَدَمَ الْفَرْقِ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْعَطْفِ بِثُمَّ وَالْعَطْفِ بِالْوَاوِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ. وَقَالَ: قَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَفَاضِلِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: مِنْهُمْ السَّرِيُّ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ الْحَنَفِيُّ وَنُورُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ الشَّافِعِيُّ وَبُرْهَانُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ الْحَنَفِيُّ وَنُورُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ الْحَنَفِيُّ وَشِهَابُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ وَالْبُرْهَانُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيُّ وَعَلَاءُ الدِّينِ الْإِخْمِيمِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
قُلْت: وَأَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي سُؤَالٍ مُرَتَّبٍ بِثُمَّ، وَقَالَ الصَّوَابُ نَقْضُ الْقِسْمَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ صَرِيحُ كَلَامِ الْخَصَّافِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ، بَلْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ اهـ. وَقَدْ أَيَّدَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتَاوَاهُ الْقَوْلَ بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ عَنْ الْخَصَّافِ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ فِي صُورَةِ التَّرْتِيبِ بِثُمَّ، فَقَدْ تَحَرَّرَ بِهَذَا أَنَّ الصَّوَابَ الْقَوْلُ بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْعَطْفِ بِثُمَّ أَوْ بِالْوَاوِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ مُعْتَبَرٌ، لَكِنْ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قِيَامُ مَنْ مَاتَ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ مَقَامَ وَالِدِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ سَهْمِ جَدِّهِ. وَأَمَّا دُخُولُهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ الْمُتَوَفَّى قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ مُعْتَرَكٌ عَظِيمٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِدُخُولِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السُّيُوطِيّ كَمَا مَرَّ، وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ وَاعْتَمَدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَأَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً تَبِعَ فِيهَا الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ،

(4/466)


أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِالْمُشَارَكَةِ وَخَالَفَهُ السُّيُوطِيّ، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ وَاجِبَةٌ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُعَبِّرُ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ بِثُمَّ وَبَعْضَهُمْ بِالْوَاوِ، فَبِالْوَاوِ يُشَارِكُ بِخِلَافِ ثُمَّ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا مَعَ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ السُّبْكِيّ وَاقِعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَلَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاءُ مُتَحَيِّرِينَ فِي فَهْمِ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ إلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ. وَلَقَدْ أَفْتَيْت فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ الظُّهُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَمَاتَتْ مُسْتَحِقَّةٌ عَنْ وَلَدَيْنِ أَبُوهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ بِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهُمَا لِصِدْقِ كَوْنِهِمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ بِاعْتِبَارِ أَبِيهِمَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْإِسْعَافِ والتتارخانية: لَوْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ يَكُونُ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ الذُّكُورِ، كُلُّ مَنْ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إلَى الْوَاقِفِ بِالْآبَاءِ فَهُوَ مِنْ عَقِبِهِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ غَيْرِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الْوَاقِفِ فَلَيْسَ مِنْ عَقِبِهِ انْتَهَى وَسَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِآلِهٍ أَوْ جِنْسِهِ دَخَلَ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ، وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَنَّهَا لَوْ أَوْصَتْ إلَى أَهْلِ بَيْتِهَا أَوْ لِجِنْسِهَا لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مِنْ قَوْمِهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ لَا لِأُمِّهِ.
قُلْتُ: وَبِهِ عُلِمَ جَوَابُ حَادِثَةِ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ الظُّهُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْبُطُونِ فَمَاتَتْ مُسْتَحِقَّةٌ عَنْ وَلَدَيْنِ أَبُوهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ هَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهَا، فَأَجَبْتُ: نَعَمْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهَا لِصِدْقِ كَوْنِهِمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ بِاعْتِبَارِ وَالِدِهِمَا الْمَذْكُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ]
فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَنَسَبِهِ وَعَقِبِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقْتُهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَفِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، فَاغْتَنِمْ تَوْضِيحَ هَذَا الْمَحَلِّ، وَاشْكُرْ مَوْلَاك عَزَّ وَجَلَّ.
(قَوْلُهُ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِالْمُشَارَكَةِ وَخَالَفَهُ السُّيُوطِيّ) الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ كَمَا ظَهَرَ لَك مِمَّا قَرَّرْنَاهُ، وَإِنَّ السُّبْكِيَّ أَفْتَى بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ وَبِنَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالسُّيُوطِيُّ خَالَفَهُ فِي الْأَمْرَيْنِ لَا فِي أَحَدِهِمَا خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ يَجِبُ الْقَوْلُ بِمُشَارَكَتِهِ لِأَهْلِ دَرَجَةِ أَبِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَاهُ أَوْ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: فَبِالْوَاوِ) أَيْ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ، وَقَوْلُهُ يُشَارِكُ صَوَابُهُ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ ثُمَّ) فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُنْقَضُ فِيهَا بِانْقِرَاضِ كُلِّ طَبَقَةٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّوَابَ نَقْضُ الْقِسْمَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَقَدْ أَفْتَيْتُ إلَخْ) أَفْتَى بِمِثْلِهِ الْحَانُوتِيُّ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهُمَا) أَيْ إذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مَا يَدُلُّ عَلَى انْتِقَالِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِسْعَافِ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ إلَى الْفَصْلِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي أَصْلِ النُّسْخَةِ مَا فِيهِ مِنْ التَّكْرَارِ بِإِعَادَةِ الْحَادِثَةِ الَّتِي أَفْتَى بِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَهَذَا دَلِيلُ مَا أَفْتَى بِهِ، وَهُوَ مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْإِسْعَافِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ سُقُوطَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ أَصْلِ النُّسْخَةِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ يَرْجِعُ إلَخْ) تَوْضِيحٌ لِمَا قَبْلَهُ ط وَسَيَذْكُرُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي تَفْسِيرَ الْعَقِبِ وَالنَّسْلِ وَالْآلِ وَالْجِنْسِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا]
فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ فِي وَقْفِ الْأَوْلَادِ مَا قَدَّمَهُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى وَمَا بَعْدَهُ إلَى هُنَا مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ هَذَا الْفَصْلِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ) أَيْ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لِلْعَلَّامَةِ بُرْهَانِ الدِّينِ إبْرَاهِيمَ الطَّرَابُلُسِيِّ صَاحِبِ الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ)

(4/467)


جَعَلَ رَيْعَهُ لِنَفْسِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ ثُمَّ وَثُمَّ جَازَ عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى، كَجَعْلِهِ لِوَلَدِهِ، وَلَكِنْ يَخْتَصُّ بِالصُّلْبِيِّ وَيَعُمُّ الْأُنْثَى مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالذَّكَرِ وَيَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ، فَإِنْ انْتَفَى الصُّلْبِيُّ فَلِلْفُقَرَاءِ دُونَ وَلَدِ الْوَلَدِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ حِينَ الْوَقْفِ صُلْبِيٌّ، فَيَخْتَصُّ بِوَلَدِ الِابْنِ وَلَوْ أُنْثَى دُونَ مَنْ دُونِهِ مِنْ الْبُطُونِ وَدُونَ وَلَدِ الْبِنْتِ فِي الصَّحِيحِ؛ وَلَوْ زَادَ وَوَلَدِ وَلَدِي فَقَطْ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ زَادَ الْبَطْنَ الثَّالِثَ عَمَّ نَسْلَهُ، وَيَسْتَوِي الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَيْ فِي فَصْلِ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ عِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ: جَعَلَ رَيْعَهُ لِنَفْسِهِ إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَجَازَ جَعْلُ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ عِنْدَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَثُمَّ) حِكَايَةٌ لِمَا يَذْكُرُهُ الْوَاقِفُ مِنْ الْعَطْفِ بِثُمَّ فِي وَقْفِهِ كَقَوْلِهِ ثُمَّ بَعْدِي عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي جَعْلِهِ الرَّيْعَ لِنَفْسِهِ لَا لِأَوْلَادِهِ وَنَحْوِهِمْ، نَعَمْ مَنْ جَعَلَ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ بَاطِلًا أَبْطَلَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَجَعْلِهِ لِوَلَدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَازَ لَكِنْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عِنْدَ الثَّانِي كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَخْتَصُّ بِالصَّبِيِّ) أَيْ بِالْبَطْنِ الْأَوَّلِ إنْ وُجِدَ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الْبُطُونِ لِأَنَّ لَفْظَ وَلَدِي مُفْرَدٌ وَإِنْ عَمَّ مَعْنًى، بِخِلَافِ أَوْلَادِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَيَعُمُّ الْأُنْثَى) أَيْ كَالذَّكَرِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوِلَادَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا دُرَرٌ وَإِسْعَافٌ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالذَّكَرِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالذُّكُورِ وَهِيَ كَذَلِكَ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ حِينَ الْوَقْفِ فَمَاتُوا إلَّا وَاحِدًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ يَأْخُذُ جَمِيعَ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِأَنَّ لَفْظَ وَلَدِي مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى بَنِيهِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ نِصْفَهَا وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ انْتَفَى الصُّلْبِيُّ) أَيْ مَاتَ وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِ (قَوْلُهُ: دُونَ وَلَدِ الْوَلَدِ) لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَلَا اسْتِحْقَاقَ بِدُونِ شَرْطِ إسْعَافٍ، وَإِنَّمَا صُرِفَ لِلْفُقَرَاءِ لِانْقِطَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَهَذَا يُسَمَّى مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: فَيَخْتَصُّ بِوَلَدِ الِابْنِ) أَيْ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْغَلَّةِ مَنْ دُونَهُ مِنْ الْبُطُونِ وَيَكُونُ وَلَدُ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الصُّلْبِيِّ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْبِيِّ دُرَرٌ أَيْ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَفِي الْخَصَّافِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ وَكَانَ لَهُ وَلَدٌ وَوَلَدُ وَلَدٍ فَالْغَلَّةُ لَهُ وَلِمَنْ كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْبُطُونِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّلْبِيِّ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الصُّلْبِيِّ مَنْ هُوَ أَسْفَلَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ إلَى ثَلَاثَةِ أَبْطُنٍ فَقَدْ صَارُوا مِثْلَ الْفَخِذِ وَالْقَبِيلَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لِوَلَدِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لِمَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعَبَّاسِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَوْ أُنْثَى) لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ يَعُمُّهَا كَمَا قَدَّمَهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَبِهِ أَخَذَ هِلَالٌ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ لَا آبَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ، بِخِلَافِ وَلَدِ الِابْنِ دُرَرٌ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الِابْنِ أَيْ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبِنْتِ وَقَدَّمْنَا تَحْرِيرَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ وَوَلَدَ وَلَدِي فَقَطْ) أَيْ مُقْتَصَرًا عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (قَوْلُهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْبَطْنَيْنِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: يَشْتَرِكُونَ فِي الْغَلَّةِ، وَلَا يُقَدَّمُ الصُّلْبِيُّ عَلَى وَلَدِ الِابْنِ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَيْ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَتَّبَ كَمَا يَأْتِي ثُمَّ قَالَ فِي الدُّرَرِ: ثُمَّ إذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَيْ صُورَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَصُورَةِ زِيَادَةِ الثَّانِي صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى الْفُقَرَاءِ لِانْقِطَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا يَدْخُلُ الْبَطْنُ الثَّالِثُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ الْوَلَدَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ الْبَطْنَ الثَّالِثَ) بِأَنْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي دُرَرٌ (قَوْلُهُ: عَمَّ نَسْلَهُ) أَيْ صُرِفَ إلَى أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا لَا لِلْفُقَرَاءِ مَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلَ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ) أَيْ يَشْتَرِكُ جَمِيعُ الْبُطُونِ فِي الْغَلَّةِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَعَلَّلَهُ الْخَصَّافُ بِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّى ثَلَاثَةَ أَبْطُنِ صَارُوا بِمَنْزِلَةِ الْفَخِذِ وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُمْ مَا تَنَاسَلُوا قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ وَزَيْدٌ قَدْ مَاتَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَبْطُنٍ أَوْ أَكْثَرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْفَخِذِ

(4/468)


إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، كَمَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَى أَوْلَادِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَوْ عَلَى وَلَدِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي؛.

وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَلَكِنْ سَمَّاهُمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْغَلَّةُ لِمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ زَيْدٍ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِمْ أَبَدًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ) بِأَنْ يَقُولَ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، أَوْ يَقُولَ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي، أَوْ يَقُولَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَحِينَئِذٍ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْوَاقِفُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ عَمَّ نَسْلَهُ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ كَذَا أَيْ صُرِفَ إلَى أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا لَا الْفُقَرَاءِ إذَا قَالَ: عَلَى وَلَدِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، أَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَى أَوْلَادِي يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا مَرَّ. اهـ. قَالَ مُحَشِّيهِ عَزْمِي زَادَهْ: قَوْلُهُ أَوْ قَالَ ابْتِدَاءً إلَخْ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ، قَالَ هِلَالٌ: يُصْرَفُ الْوَقْفُ إلَى الْبَاقِي، فَإِنْ مَاتُوا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالنُّتَفِ، مَطْلَبٌ لَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ هَلْ يَدْخُلُ كُلُّ الْبُطُونِ نَعَمْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي يَدْخُلُ فِيهِ الْبُطُونُ كُلُّهَا لِعُمُومِ اسْمِ الْأَوْلَادِ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، فَإِذَا انْقَرَضَ فَالثَّانِي ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ يَشْتَرِكُ جَمِيعُ الْبُطُونِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ اهـ وَقَدْ اُسْتُفْتِيَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ وَأَدْرَجَ فِي سُؤَالِهِ عِبَارَةً وَاقِعَةً فِي بَعْضِ الْكُتُبِ مُوَافِقَةً لِمَا مَرَّ عَنْ الِاخْتِيَارِ. فَأَجَابَ عَنْهُ الْمَوْلَى الْمَذْكُورُ بِمَا حَاصِلُهُ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَدْ خَطَأً فِيهَا رَضِيُّ الدِّينِ السَّرَخْسِيُّ فِي مُحِيطِهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ اهـ وَمَا قَالَهُ حَقٌّ مُطَابِقٌ لِلْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ كَمَا تَحَقَّقَتْ وَخِلَافُهُ شَاذٌّ ثُمَّ إنَّ مَا فِي الدُّرَرِ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِذَلِكَ الْقَوْلِ الشَّاذِّ أَيْضًا لِأَنَّ مُؤَدَّى كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ ثُمَّ الْبَطْنُ الثَّانِي ثُمَّ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ، بِخِلَافِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الدُّرَرِ مِنْ اسْتِوَاءِ الْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ أَوَّلًا وَآخِرًا اهـ مَا فِي الْعَزْمِيَّةِ مُلَخَّصًا، وَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ كَلَامَ الدُّرَرِ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، لَكِنْ جَزَمَ بِمِثْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ: الْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ، نَعَمْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَيْضًا. .

مَطْلَبٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَسَمَّاهُمْ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ سَمَّاهُمْ) فَقَالَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ دُرَرٌ. قُلْت: فَلَوْ كَانَ أَوْلَادُهُ أَرْبَعَةً وَسَمَّى مِنْهُمْ ثَلَاثَةً لَمْ يَدْخُلْ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ، فَلَوْ قَالَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ فِي أَوْلَادِهِمْ إلَى الْمُسَمَّيْنَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ وَلَدِي وَأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَلَهُ أَوْلَادُهُمْ وَلَهُ أَوْلَادٌ مَاتَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ الْوَقْفِ يَكُونُ عَلَى الْأَحْيَاءِ وَأَوْلَادِهِمْ فَقَطْ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْأَحْيَاءِ وَمَنْ سَيَحْدُثُ دُونَ الْأَمْوَاتِ، وَقَدْ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى أَوْلَادِ الْأَحْيَاءِ يَوْمَ الْوَقْفِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدَى وَوَلَدِ وَلَدِي وَأَوْلَادِهِمْ دَخَلُوا لِقَوْلِهِ وَوَلَدِ وَلَدِي، فَإِنَّ وَلَدَ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَلَدُ وَلَدِهِ اهـ مُلَخَّصًا.
[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ] قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِي فَحَدَثَ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ يَدْخُلُ بِقَوْلِهِ وَنَسْلِي، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: وَنَسْلِهِمْ فَإِنَّ الْحَادِثَ لَا يَدْخُلُ هُوَ وَلَا أَوْلَادُهُ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِهِمْ وَكُلِّ وَلَدٍ يَحْدُثُ لِي فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْحَادِثُ دُونَ أَوْلَادِهِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِهِمْ وَنَسْلِ مَنْ يَحْدُثُ لِي دَخَلَ أَوْلَادُ الْحَادِثِ دُونَهُ.

(4/469)


صُرِفَ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ؛ وَلَوْ عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ ثُمَّ مَاتَتْ لَمْ يَخْتَصَّ ابْنُهَا بِنَصِيبِهَا إذَا لَمْ يَشْتَرِط رَدَّ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ إلَى وَلَدِهِ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلَى بَنِيَّ أَوْ عَلَى إخْوَتِي دَخَلَ الْإِنَاثُ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَعَلَى بَنَاتِي لَا يَدْخُلُ الْبَنُونَ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى بَنِيَّ وَلَهُ بَنَاتٌ فَقَطْ أَوْ قَالَ: عَلَى بَنَاتِي وَلَهُ بَنُونَ فَالْغَلَّةُ لِمَسَاكِينَ وَيَكُونُ وَقْفًا مُنْقَطِعًا فَإِنْ حَدَثَ مَا ذُكِرَ عَادَ إلَيْهِ. وَيَدْخُلُ فِي قِسْمَةِ الْغَلَّةِ مَنْ وُلِدَ لِدُونِ نِصْفِ حَوْلٍ مُذْ طُلُوعِ الْغَلَّةِ لَا أَكْثَرَ إلَّا إذَا أَكْثَرَ إلَّا إذَا وَلَدَتْ مُبَانَتُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ الْمُعْتَقَةِ لِدُونِ سَنَتَيْنِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ بِلَا حِلِّ وَطْئِهَا، -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَلَوْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ بِقَوْلِهِ وَنَسْلِهِمْ وَإِنْ تَجَاوَزَهُمْ بِبَطْنٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَعَلَى نَسْلِ أَوْلَادِهِمْ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْخَصَّافِ (قَوْلُهُ صُرِفَ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ) لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ لِلْفُقَرَاءِ أَيْ وَلَمْ يُسَمِّ الْأَوْلَادَ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْبَاقِي لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْكُلِّ لَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَخْتَصَّ ابْنُهَا) أَيْ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْوَقْفِ بَلْ يَكُونُ نَصِيبُهَا لِجَمِيعِ الْأَوْلَادِ دُرَرٌ، لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَيَانِ الْمُنْقَطِعِ أَنْ يُصْرَفَ نَصِيبُهَا إلَى الْفُقَرَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: دَخَلَ الْإِنَاثُ عَلَى الْأَوْجَهِ) لِأَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يَشْمَلُ الْإِنَاثَ كَمَا سَلَفَ ط (قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ الْبَنُونَ) وَكَذَا لَا تَدْخُلُ الْخُنْثَى فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا هُوَ؟ هِنْدِيَّةٌ ط.
(قَوْلُهُ: فَالْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ) وَلَا شَيْءَ لِلْبَنَاتِ أَوْ الْبَنِينَ لِعَدَمِ صِدْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَدْلُولَ الْآخَرِ بُرْهَانٌ ط (قَوْلُهُ وَيَكُونُ وَقْفًا مُنْقَطِعًا) أَيْ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَدَثَ مَا ذُكِرَ) أَيْ بِأَنْ وُلِدَ لَهُ بَنُونَ فِي الْأَوَّلِ أَوْ بَنَاتٌ فِي الثَّانِي عَادَ الْوَقْفُ إلَيْهِ: أَيْ إلَى الْحَادِثِ مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ طُلُوعِ الْغَلَّةِ الَّذِي أُنِيطَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَخْ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ الْوَلَدِ كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ خُرُوجَ الْغَلَّةِ عَالِقًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اسْتَحَقَّ، وَمَنْ حَدَثَ إلَى تَمَامِهَا فَصَاعِدًا لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْأَوَّلِ فِي الْبَطْنِ عِنْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ فَاسْتَحَقَّ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ لِوَرَثَتِهِ وَهَذَا فِي وَلَدِ الزَّوْجِيَّةِ أَمَّا لَوْ جَاءَتْ أَمَتُهُ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى الْغَيْرِ أَعَنَى بَاقِيَ الْمُسْتَحَقِّينَ، بِخِلَافِ وَلَدِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ حِينَ يُولَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ (قَوْلُهُ: مُذْ طُلُوعِ الْغَلَّةِ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَخُرُوجُ الْغَلَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَنَاطُ وَقْتَ انْعِقَادِ الزَّرْعِ حَبًّا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ يَصِيرُ الزَّرْعُ مُتَقَوِّمًا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَهَذَا فِي الْحَبِّ خَاصَّةً، وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ يَوْمَ طَلَعَتْ الثَّمَرَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ أَمَانَةِ الْعَاهَةِ كَمَا فِي الْحَبِّ لِأَنَّهُ بِالِانْعِقَادِ يَأْمَنُ الْعَاهَةَ وَقَدْ اُعْتُبِرَ انْعِقَادُهُ.
وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ بِلَادِنَا مِنْ إجَازَةِ أَرْضِ الْوَقْفِ لِمَنْ يَزْرَعُهَا لِنَفْسِهِ بِأُجْرَةٍ تَسْتَحِقُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَاطٍ كُلُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قِسْطٌ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ إدْرَاكِ الْقِسْطِ فَهُوَ كَإِدْرَاكِ الْغَلَّةِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَخْلُوقًا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ الرَّابِعِ حَتَّى تَمَّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ اسْتَحَقَّ هَذَا الْقِسْطَ، وَمَنْ لَا فَلَا اهـ (قَوْلُهُ: لِدُونِ سَنَتَيْنِ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْإِبَانَةِ وَالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ الْغَلَّةِ لِحُكْمِ الشَّرْعِ بِوُجُودِ الْحَمْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ فَيَكُونُ مَوْجُودًا عِنْدَ طُلُوعِ الْغَلَّةِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ نَسَبِهِ بِلَا حِلِّ وَطْئِهَا) هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا لِحُكْمِ الشَّرْعِ إلَخْ

(4/470)


فَلَوْ يَحِلُّ فَلَا لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْغَلَّةِ، وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إنْ لَمْ يُرَتِّبْ الْبُطُونَ، وَإِنْ قَالَ: لِلذَّكَرِ كَأُنْثَيَيْنِ فَكَمَا قَالَ، فَلَوْ وَصِيَّةَ فَرْضٍ ذَكَرٍ مَعَ الْإِنَاثِ وَأُنْثَى مَعَ الذُّكُورِ وَيَرْجِعُ سَهْمُهُ لِلْوَرَثَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْمَعْدُومِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَرْضِهِ لِيَعْلَمَ مَا يَرْجِعُ لِلْوَرَثَةِ.

[مَطْلَبٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَسَمَّاهُمْ]
وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَنَسْلِي أَبَدًا وَكُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ نَصِيبُهُ لِنَسْلِهٍ فَالْغَلَّةُ لِجَمِيعِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ أَيْضًا بِالْإِرْثِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ؛ وَلَوْ قَالَ: وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَسْلٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فَرَّقَهُ وَلَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ أَحَدٌ، أَوْ سَكَتَ عَنْهُ يَكُونُ رَاجِعًا لِأَصْلِ الْغَلَّةِ لَا لِلْفُقَرَاءِ مَا دَامَ نَسْلُهُ بَاقِيًا وَالنَّسْلُ اسْمٌ لِلْوَلَدِ وَوَلَدِهِ أَبَدًا -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ إلَّا إذَا وَلَدَتْ: أَيْ يَدْخُلُ فِي قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إذَا وَلَدَتْ مُبَانَتُهُ إلَخْ، وَالْمُرَادُ دُخُولُهُ فِي كُلِّ غَلَّةٍ خَرَجَتْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ عِنْدَهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ يَحِلُّ) أَيْ وَطْؤُهَا بِأَنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ غَيْرَ مُعْتَقَةٍ أَوْ زَوْجَةً أَوْ مُعْتَدَّةَ رَجْعِيٍّ (قَوْلُهُ: فَلَا) أَيْ لَا يَدْخُلُ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْغَلَّةِ ط (قَوْلُهُ: وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ سَابِقًا وَيَسْتَوِي الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَخْ ط.
مَطْلَبٌ قَالَ: لِلذَّكَرِ كَأُنْثَيَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ: لِلذَّكَرِ كَأُنْثَيَيْنِ إلَخْ) فِيهِ اخْتِصَارٌ وَأَصْلُهُ مَا فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ قَالَ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ جَاءَتْ الْغَلَّةُ وَالْبَطْنُ الْأَعْلَى ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ يَكُونُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ فَبِالسَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْرَضَ ذَكَرٌ مَعَ الْإِنَاثِ أَوْ أُنْثَى مَعَ الذُّكُورِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَا لَهُ لِوَلَدِ زَيْدٍ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَكَانُوا ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ، فَإِنَّهُ يُفْرَضُ مَعَ الذُّكُورِ أُنْثَى وَمَعَ الْإِنَاثِ ذَكَرٌ وَيُقْسَمُ الثُّلُثُ عَلَيْهِمْ، فَمَا أَصَابَهُمْ أَخَذُوهُ وَمَا أَصَابَ الْمَضْمُومَ إلَيْهِمْ يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا يَبْطُلُ مِنْ الثُّلُثِ يَرْجِعُ مِيرَاثًا إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي، وَمَا يَبْطُلُ مِنْ الْوَقْفِ لَا يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي وَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَعْلَى بَاقِيًا، فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الِاخْتِلَاطِ لَا مُطْلَقًا، وَعَلَى هَذَا أُمُورُ النَّاسِ وَمَعَانِيهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَرَضَ ذَكَرٌ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا ذَكَرًا بِالنَّصْبِ فَيَكُونُ " فَرَضَ " مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ.

(قَوْلُهُ: فَالْغَلَّةُ لِجَمِيعِ وَلَدِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ بَيْنَ الْبُطُونِ وَلَمْ يُفَضِّلْ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (قَوْلُهُ: وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ أَيْضًا) أَيْ مَا أَصَابَ الْمَيِّتَ يَأْخُذُهُ وَلَدُهُ مُنْضَمًّا إلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ مِنْ وَجْهَيْنِ إسْعَافٌ، وَكَذَا يُقَالُ لَوْ رَتَّبَ بَيْنَ الْبُطُونِ وَشَرَطَ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ بِالْإِرْثِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ إرْثًا حَقِيقَةً وَلِذَا لَوْ كَانَ وَلَدُ الْمَيِّتِ ذَكَرًا وَأُنْثَى اسْتَحَقَّهُ سَوِيَّةً، نَعَمْ هُوَ شَبِيهٌ بِالْإِرْثِ مِنْ حَيْثُ انْتِقَالُ نَصِيبِ الْأَصْلِ إلَى فَرْعِهِ.
مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَا لَوْ شَرَطَ عَوْدَ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ لِأَعْلَى طَبَقَةً (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: إلَخْ) أَيْ فِي صُورَةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْبُطُونِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ كَمَا صَوَّرَهُ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ فِي الْإِسْعَافِ وَقَوْلُهُ أَوْ سَكَتَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا رَتَّبَ بَيْنَ الْبُطُونِ لَا يُعْطَى الثَّانِي مَا لَمْ يَنْقَرِضْ الْأَوَّلُ إلَّا إذَا شَرَطَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَيُعْطَى لِوَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي فَإِنْ سَكَتَ عَنْ بَيَانِ نَصِيبِهِ لَا يُعْطَى لِوَلَدِهِ بَلْ يَرْجِعُ لِأَصْلِ الْغَلَّةِ فَيُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحَقِّينَ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ بِأَنْ شَرَطَ عَوْدَهُ لِأَعْلَى طَبَقَةً أَوْ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَطَبَقَتِهِ أَوْ لِمَنْ دُونَهُ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَا شَرَطَهُ عَادَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْمَيِّتِ لِأَصْلِ الْغَلَّةِ فَبَقِيَ

(4/471)


وَلَوْ أُنْثَى، وَالْعَقِبُ لِلْوَلَدِ وَوَلَدِهِ مِنْ الذُّكُورِ أَيْ دُونَ الْإِنَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ الذُّكُورِ وَآلِهِ وَجِنْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَسْلَمَ أَوَّلًا وَقَرَابَتُهُ وَأَرْحَامُهُ وَأَنْسَابُهُ كُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ أَبَوَيْهِ سِوَى أَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ قَرَابَةً اتِّفَاقًا، وَكَذَا مَنْ عَلَا مِنْهُمْ أَوْ سَفَلَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعَدَّهُمْ مِنْهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَى الْجَمِيعِ لَا عَلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ شَرَطَ تَقْدِيمَ النَّسْلِ عَلَيْهِمْ فَلَا حَقَّ لَهُمْ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ نَسْلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَتَ عَنْ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الْغَلَّةِ قُلْت: وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَوْدَ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْأَوْقَافِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الدَّرَجَةِ أَحَدٌ يَرْجِعُ نَصِيبُهُ إلَى أَصْلِ الْغَلَّةِ لَا إلَى أَعْلَى طَبَقَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ الرَّمْلِيُّ وَلَا إلَى الْأَقْرَبِ مِنْ أَيِّ طَبَقَةٍ كَانَتْ كَمَا أَفْتَى بِهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَطَ الدَّرَجَةَ وَاشْتَرَطَ الْأَقْرَبَ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ.
فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الدَّرَجَةِ أَحَدٌ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ فَتَلْغُو الْأَقْرَبِيَّةُ أَيْضًا، وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ يَرْجِعُ نَصِيبُهُ إلَى أَصْلِ الْغَلَّةِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِأَعْلَى طَبَقَةً، وَقَوْلِهِ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، فَمَنْ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ فِي الْإِسْعَافِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى نَقْلٍ يُعَارِضُ ذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ بِمَا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ وَرَدَ عَلَيَّ السُّؤَالُ مِنْ طَرَابُلُسِ الشَّامِ مَضْمُونُهُ أَنَّهُ وُجِدَ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى أَوْلَادُ عَمٍّ وَفِي الدَّرَجَةِ الَّتِي تَحْتَهَا أَوْلَادُ أُخْتٍ وَفِيهِ فَتَاوَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ تَبَعًا لِمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ بِانْتِقَالِ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَى أَوْلَادِ الْأُخْتِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا وَإِنْ كَانُوا أَنْزَلَ دَرَجَةً، وَأَفْتَيْت بِعَوْدِهِ لِأَوْلَادِ الْعَمِّ تَبَعًا لِمَا فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَلِمَا نَقَلَهُ فِيهَا عَنْ الْبَهْنَسِيِّ شَارِحِ الْمُتَلَقَّى وَلِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا اشْتَرَطَ عَوْدَ النَّصِيبِ لِلْأَقْرَبِ مِنْ أَهْلِ دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى لَا إلَى مُطْلَقِ أَقْرَبَ، وَأَوْضَحْت ذَلِكَ غَايَةَ الْإِيضَاحِ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا غَايَةُ الْمَطْلَبِ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ عَوْدَ النَّصِيبِ إلَى أَهْلِ دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَبَيَّنْت فِيهَا مَا وَقَعَ فِي جَوَابِ الرَّمْلِيِّ مِنْ الْأَوْهَامِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُنْثَى) ذَكَرَ هِلَالٌ رِوَايَتَيْنِ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي النَّسْلِ، وَكَذَا قَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَرَجَّحَ كُلًّا مُرَجِّحُونَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْبَرِّ. اهـ. ط.
(قَوْلُهُ: وَالْعَقِبُ لِلْوَلَدِ وَوَلَدِهِ مِنْ الذُّكُورِ) أَيْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا، فَكُلُّ مَنْ يَرْجِعُ بِنَسَبِهِ إلَى الْوَاقِفِ بِالْآبَاءِ فَهُوَ مِنْ عَقِبِهِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ غَيْرِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الْوَاقِفِ فَلَيْسَ مِنْ عَقِبِهِ إسْعَافٌ.
مَطْلَبٌ فِي النَّسْلِ وَالْعَقِبِ وَالْآلِ وَالْجِنْسِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ وَالْقَرَابَةِ وَالْأَرْحَامِ وَالْأَنْسَابِ (قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ) أَيْ بِآبَائِهِ إسْعَافٌ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ النَّسَبِ: أَيْ مَنْ يُدَاخِلُهُ فِي نَسَبِهِ بِمَحْضِ الْآبَاءِ إلَى أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ، فَكُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى هَذَا الْأَبِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَكَذَا مِنْ آلِهِ وَجِنْسِهِ، وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُمْ حَالَ الْوَقْفِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَجِيءِ الْغَلَّةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْأَبِ الْأَعْلَى، فَفِي الْعَلَوِيِّ أَقْصَى أَبٍ لَهُ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ هُوَ أَبُو طَالِبٍ، فَيَدْخُلُ أَوْلَادُهُ عَقِيلٌ وَجَعْفَرٌ وَعَلِيٌّ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَدْخُلُ إلَّا أَوْلَادُ عَلِيٍّ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَبٍ أَسْلَمَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: مِنْ قِبَلِ أَبَوَيْهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعَدَّهُمْ مِنْهَا) أَيْ عَدَّ مُحَمَّدٌ مِنْ الْقَرَابَةِ مَنْ عَلَا مِنْ جِهَةِ أَبَوَيْهِ وَمَنْ سَفَلَ مِنْ جِهَةِ وَلَدِهِ، وَيُوهِمُ هَذَا التَّعْبِيرُ ضَعْفَهُ مَعَ أَنَّهُ فِي الْإِسْعَافِ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا، وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ.

(4/472)


وَإِنْ قَيَّدَهُ بِفُقَرَائِهِمْ يُعْتَبَرُ الْفَقْرُ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ وَهُوَ الْمُجَوِّزُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ، فَلَوْ تَأَخَّرَ صَرْفُهَا سِنِينَ لِعَارِضٍ فَافْتَقَرَ الْغَنِيُّ وَاسْتَغْنَى الْفَقِيرُ شَارَكَ الْمُفْتَقِرُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ الْفَقِيرَ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ وَلِأَنَّ الْغَلَّاتِ إنَّمَا تُمْلَكُ حَقِيقَةً بِالْقَبْضِ وَطُرُوِّ الْغِنَى وَالْمَوْتُ لَا يُبْطِلُ مَا اسْتَحَقَّهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ يُعْتَبَرُ فِي لَفْظِ الْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَقَالَ: وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَحَارِمُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْإِنَاثِ وَإِنْ بَعُدُوا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ الْمَحْرَمِيَّةُ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ قُلْت: وَقَوْلُ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَقُلْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ قَالَ: عَلَى أَقَارِبِي أَوْ أَقْرِبَائِي أَوْ أَرْحَامِي أَوْ أَنْسَابِي لَا يَكُونُ لِأَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا. قَالَ: فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ عَنْ الْحَقَائِقِ إذَا ذَكَرَ مَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْأَقْرَبَ اسْمٌ فَرْدٌ خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَحْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ لِصَرِيحِ شَرْطِهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَيَّدَهُ بِفُقَرَائِهِمْ) أَمَّا لَوْ قَالَ: مَنْ افْتَقَرَ مِنْهُمْ، قَالَ مُحَمَّدٌ: تَكُونُ لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا مِنْهُمْ ثُمَّ افْتَقَرَ وَنَفَيَا اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الْغِنَى، وَلَوْ قَالَ: مَنْ احْتَاجَ مِنْهُمْ فَهِيَ لِكُلِّ مَنْ يَكُونُ مُحْتَاجًا وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا ثُمَّ احْتَاجَ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا مِنْ الْأَصْلِ وَمِثْلُهُ الْمِسْكِينُ وَالْفَقِيرُ إسْعَافٌ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُجَوِّزُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ) أَيْ الْفَقْرُ هُنَا هُوَ الْمُجَوِّزُ إلَخْ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِسْعَافِ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلَدَ غَنِيٍّ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ، بَلْ قَدَّمْنَا فِي الْفُرُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ، لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَحَدٌ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يُعَدُّ غَنِيًّا فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَذَكَرَ فِي الْإِسْعَافِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الصَّغِيرَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَى أَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ فَقَطْ وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ بِغِنَى فُرُوعِهَا وَزَوْجِهَا فَقَطْ وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا قَالَ الْخَصَّافُ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي إعْطَاؤُهُمْ وَإِنْ كَانَ تُفْرَضُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَرَدَّهُ هِلَالٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَأَخَّرَ صَرْفُهَا سِنِينَ إلَخْ) لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فَاسْتِحْقَاقُ الْغَلَّةِ يُعْتَبَرُ يَوْمَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَوْمَ الْوَقْفِ، فَالْمَوْجُودُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْوَقْفِ وَالْمَوْلُودُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ إذَا كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ، فَمَنْ كَانَ فَقِيرًا يَوْمَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ يُعْطَى لَهُ وَلَوْ اسْتَغْنَى بَعْدَهُ أَوْ كَانَ غَنِيًّا قَبْلَهُ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْمُسْتَحِقُّ لِلْغَلَّةِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا يَوْمَ تَجِيءُ الْغَلَّةُ عِنْدَ هِلَالٍ وَبِهِ نَأْخُذُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّ الْخَصَّافَ يَعْتَبِرُ يَوْمَ الْقِسْمَةِ لَا يَوْمَ طُلُوعِ الْغَلَّةِ.
وَقَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ لَوْ اجْتَمَعَتْ عِدَّةُ سِنِينَ بِلَا قِسْمَةٍ حَتَّى اسْتَغْنَى قَوْمٌ وَافْتَقَرَ آخَرُونَ ثُمَّ قُسِمَتْ يُعْطَى مَنْ كَانَ فَقِيرًا يَوْمَ الْقِسْمَةِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ كَانَ فَقِيرًا يَوْمَ الْغَلَّةِ ثُمَّ اسْتَغْنَى اهـ وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَهُ شَارَكَ الْمُفْتَقِرَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ إلَخْ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ هِلَالٍ وَلَا عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الْغَلَّةِ ثُمَّ افْتَقَرَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ يَسْتَحِقُّ مَعَ مَنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الْقِسْمَةِ فَقِيرًا وَقْتَ الْغَلَّةِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِ هِلَالٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: لَا يُشَارِكُ بِلَا النَّافِيَةِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ هِلَالٍ الْمُفْتَى بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَوْ تَأَخَّرَ إلَخْ فَإِنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَهُ يُعْتَبَرُ الْفَقْرُ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصِّلَاتِ إلَخْ) بِكَسْرِ الصَّادِ جَمْعُ صِلَةٍ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ اخْتِصَاصِ الِاسْتِحْقَاقِ بِمَنْ كَانَ فَقِيرًا وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ لَا يُشَارِكُ بِلَا النَّافِيَةِ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لَهُ أَيْضًا وَبَيَانُ التَّعْلِيلِ حِينَئِذٍ أَنَّ مَنْ كَانَ فَقِيرًا وَقْتَ الْغَلَّةِ فِي هَذِهِ السِّنِينَ يَسْتَحِقُّ غَلَّةَ كُلِّ سَنَةٍ وَلَا يَصِيرُ

(4/473)


وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ لِدُونِ نِصْفِ حَوْلٍ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ فَلَا حَظَّ لَهُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيِّ، وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ لِأَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالْحَمْلُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ قَيَّدَهُ بِصُلَحَائِهِمْ أَوْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
غَنِيًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ لِأَنَّهُ صِلَةٌ لَا تُمَلَّكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَإِذَا جَاءَ يَوْمُ الْقِسْمَةِ وَكَانَ غَنِيًّا يَأْخُذُ مَا اسْتَحَقَّهُ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ بِصِفَةِ الْفَقْرِ لِأَنَّ طُرُوُّ الْغِنَى لَا يُبْطِلُ ذَلِكَ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْغَلَّةِ فَإِنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَظَّ لَهُ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْغَلَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ وَهُوَ حَمْلٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ) لِأَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الْمُحْتَاجُ وَالْحَمْلَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ يُدْخِلُ الْحَمْلَ لِتَعَلُّقِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالنَّسَبِ وَهُنَا بِالْفَقْرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ) هَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ هِلَالٍ. مَطْلَبُ تَفْسِيرٍ فِي الصَّالِحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَيَّدَهُ بِصُلَحَائِهِمْ) الصَّالِحُ: مَنْ كَانَ مَسْتُورًا وَلَمْ يَكُنْ مَهْتُوكًا، وَلَا صَاحِبَ رِيبَةٍ، وَكَانَ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ سَلِيمَ النَّاحِيَةِ كَامِنَ الْأَذَى، قَلِيلَ الشَّرِّ، لَيْسَ بِمُعَاقِرٍ لِلنَّبِيذِ وَلَا يُنَادِمُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ، وَلَا قَذَّافًا لِلْمُحْصَنَاتِ، وَلَا مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ فَهَذَا هُوَ الصَّلَاحُ عِنْدَنَا، وَمِثْلُهُ أَهْلُ الْعَفَافِ وَالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ، وَمَنْ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَلَا الْعَفَافِ إسْعَافٌ.
مَطْلَبُ الْمُرَادِ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) الْمُرَادُ بِالْأَقْرَبِ أَقْرَبُ النَّاسِ رَحِمًا لَا الْإِرْثُ وَالْعُصُوبَةُ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَذَكَرَ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يَعْتَبِرْ لَفْظَ أَقْرَبَ فِي التَّقْدِيمِ بَلْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبْعَدِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ إنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إلْغَاءُ صِيغَةِ أَفْعَلَ بِلَا دَلِيلٍ وَإِلْغَاءُ مَقْصُودِ الْوَاقِفِ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ. اهـ. فَالْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارُ الْأَقْرَبِيَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ، لَكِنْ أَفْتَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِخِلَافِهِ حَيْثُ شَارَكَ جَمِيعَ أَهْلِ الدَّرَجَةِ فِي وَقْفٍ اشْتَرَطَ فِيهِ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذُهُولٌ مِنْهُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَلِمْت.
وَفِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ: عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ مِنِّي أَوْ إلَيَّ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَهُ وَلَدٌ وَأَبَوَانِ فَهِيَ لِلْوَلَدِ وَلَوْ أُنْثَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَبَوَيْهِ، ثُمَّ تَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ دُونَ أَبَوَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَلَوْ لَهُ أَبَوَانِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ لَهُ أُمٌّ وَإِخْوَةٌ فَلِلْأُمِّ، وَكَذَا لَوْ لَهُ أُمٌّ وَجَدَّةٌ لِأَبٍ، وَلَوْ لَهُ جَدٌّ لِأَبٍ وَإِخْوَةٌ فَلِلْجَدِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لِلْإِخْوَةِ لِأَنَّ مَنْ ارْتَكَضَ مَعَهُ فِي رَحِمٍ أَوْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ صُلْبٍ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِمَّنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ وَلَوْ لَهُ أَبٌ وَابْنُ ابْنٍ فَلِلْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ النَّافِلَةِ، وَلَوْ لَهُ بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ فَلِبِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِرْثِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَقْرَبِ قَرَابَةٍ مِنِّي وَلَهُ أَبَوَانِ وَوَلَدٌ لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي الْوَقْفِ إذْ لَا يُقَالُ لَهُمْ قَرَابَةٌ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَقَارِبِي عَلَى أَنْ يَبْدَأَ بِأَقْرَبِهِمْ إلَيَّ نَسَبًا أَوْ رَحِمًا ثُمَّ مَنْ يَلِيهِ وَلَهُ أَخَوَانِ أَوْ أُخْتَانِ يَبْدَأُ بِمَنْ لِأَبَوَيْهِ ثُمَّ بِمَنْ لِأَبٍ؛ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِأَبٍ وَالْآخَرُ لِأُمٍّ يَبْدَأُ بِمَنْ لِأَبِيهِ عِنْدَهُ. وَقَالَا: هُمَا سَوَاءٌ، وَالْخَالُ أَوْ الْخَالَةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَعَكْسِهِ، وَالْعَمُّ أَوْ الْعَمَّةُ لِأَبَوَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ هُمَا سَوَاءٌ؛ وَمَنْ لِأَبٍ مِنْهُمَا أَوْلَى مِمَّنْ لِأُمٍّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ؛ وَحُكْمُ الْفُرُوعِ إذَا اجْتَمَعُوا مُتَفَرِّقِينَ كَحُكْمِ الْأُصُولِ. وَعِنْدَهُمَا قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ سَوَاءٌ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا أَوْ مُخْتَلَطِينَ، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ.

(4/474)


أَوْ فَالْأَحْوَجِ أَوْ بِمَنْ جَاوَرَهُ مِنْهُمْ أَوْ بِمَنْ سَكَنَ مِصْرَ تَقَيَّدَ الِاسْتِحْقَاقُ بِهِ عَمَلًا بِشَرْطِهِ، وَتَمَامِهِ فِي الْإِسْعَافِ. وَمَنْ أَحْوَجَهُ حَوَادِثُ زَمَانِهِ إلَى مَا خَفِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْأَوْقَافِ فَلْيَنْظُرْ إلَى كِتَابِ [الْإِسْعَافُ الْمَخْصُوصُ بِأَحْكَامِ الْأَوْقَافِ، الْمُلَخَّصُ مِنْ كِتَابِ هِلَالٍ وَالْخَصَّافِ] كَذَا فِي الْبُرْهَانِ شَرْحِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ أَبِي بَكْرٍ الطَّرَابُلُسِيِّ الْحَنَفِيِّ نَزِيلِ الْقَاهِرَةِ بَعْدَ دِمَشْقَ الْمُتَوَفَّى فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَهُوَ أَيْضًا صَاحِبُ الْإِسْعَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

(قَوْلُ الْأَشْبَاهِ) اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ مَانِعٌ إلَّا فِي إحْدَى وَأَرْبَعِينَ قَالَ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ حَاشِيَتُهَا لِلشَّيْخِ صَالِحِ بْنِ الْمُصَنِّفِ: قَدْ ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَسَائِلَ لَا يَضُرُّ فِيهَا اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ وَأَنَا أَذْكُرُهَا سَرْدًا فَأَقُولُ: [الْأُولَى] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
تَنْبِيهٌ] قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ لَفْظَ الْأَقْرَبِ لَا يَخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهَا بِأَنْ يَقُولَ: الْأَقْرَبُ مِنْ قَرَابَتِي، أَمَّا لَوْ قَالَ: عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ مِنِّي يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ وَغَيْرَهَا وَلِذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَبَوَانِ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْقَرَابَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ عَادَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فِي ذَلِكَ وَوُجِدَ فِي دَرَجَتِهِ أَوْلَادُ عَمٍّ وَفِي الدَّرَجَةِ الَّتِي تَحْتَهَا ابْنُ أُخْتٍ، يُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ عَمِّهِ دُونَ ابْنِ أُخْتِهِ، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ حَيْثُ صَرَفَهُ لِابْنِ الْأُخْتِ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ وَكَوْنِ أَوْلَادِ الْعَمِّ لَيْسُوا رَحِمًا مُحَرَّمًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خَطَأٌ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ لَا يَخُصُّ الرَّحِمَ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْقَرَابَةِ كَمَا عَلِمْت وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ وَرَقَةٍ عَنْ الْحَقَائِقِ يَظْهَرُ لَك الْحَقُّ (قَوْلُهُ: أَوْ فَالْأَحْوَجُ) قَالَ: الْحَسَنُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ مِنْ قَرَابَتِهِ وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَمْلِكُ مِائَةَ دِرْهَمٍ مَثَلًا، وَمَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْهَا يُعْطَى ذُو الْأَقَلِّ إلَى أَنْ يَصِيرَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ يُقْسَمَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ جَمِيعًا بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ الْخَصَّافُ: وَالْوَقْفُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَنْ جَاوَرَهُ) لَوْ قَالَ: عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِي فَهِيَ عِنْدَهُ لِلْفَقِيرِ الْمُلَاصِقَةِ دَارُهُ لِدَارِهِ السَّاكِنِ هُوَ فِيهَا لِتَخْصِيصِهِ الْجَارَ بِالْمُلَاصِقِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَالْوَقْفُ مِثْلُهَا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ، وَيَكُونُ لِجَمِيعِ السُّكَّانِ فِي الدُّورِ الْمُلَاصِقَةِ لَهُ الْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ وَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَالْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ، وَبُعْدُ الْأَبْوَابِ وَقُرْبُهَا سَوَاءٌ، وَلَا يُعْطِي الْقَيِّمُ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ بَلْ يَقْسِمُهَا عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ.
وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ لِلْجِيرَانِ الَّذِينَ يَجْمَعُهُمْ مَحَلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْوَجَهُ حَوَادِثُ زَمَانِهِ) مِنْ هُنَا إلَى كِتَابِ الْبُيُوعِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ سُقُوطُهُ مِنْ نُسْخَةِ الْأَصْلِ خُصُوصًا الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ فَإِنَّهَا لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِكِتَابِ الْوَقْفِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ لَمَّا انْتَهَى إلَى هُنَا بَقِيَ مَعَهُ بَيَاضُ وَرَقٍ هُوَ آخِرُ الْجُزْءِ فَكَتَبَ فِيهِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ لَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْكِتَابِ فَأَلْحَقَهَا النَّاسِخُ بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِحَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى ذَكَرَ عِدَّةَ مَسَائِلَ الَّتِي لَا يَحْلِفُ فِيهَا الْمُنْكِرُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّطْوِيلِ لَسَرَدْتهَا، وَذَكَرَ نَحْوَهُ قَبْلَ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَإِلَّا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: قَدَّمْتهَا فِي مَحَلِّ كَذَا لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الْآخِرِ فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَامَ فَإِنَّهُ مِنْ جَوَاهِرِ هَذَا الْكِتَابِ يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَهُ جَعْلُهَا مِنْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا نَقَلَهُ عَنْ زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ لَا مِنْ كَلَامِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: قَوْلُ الْأَشْبَاهِ) أَيْ صَاحِبِهَا ط. مَطْلَبٌ ذَكَرَ مَسَائِلَ اسْتِطْرَادِيَّةً خَارِجَةً عَنْ كِتَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي إحْدَى وَأَرْبَعِينَ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ، وَقَدْ ذَكَرْت فِي الشَّرْحِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً وَبَيَّنْتهَا مُفَصَّلَةً، وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إلَّا فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثَةَ عَشْرَ أُخَرَ تَرَكْتهَا خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ (قَوْلُهُ: فِي الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) يَعْنِي الْبَحْرَ (قَوْلُهُ: وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ)

(4/475)


الثَّانِيَةُ] ادَّعَى كُرَّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْجَوْدَةِ وَالْآخَرُ بِالرَّدِيَّةِ تُقْبَلُ بِالرَّدِيَّةِ وَيُقْضَى بِالْأَقَلِّ.

[الثَّالِثَةُ] ادَّعَى مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: نَيْسَابُورِيَّةٌ وَالْآخَرُ بُخَارِيَّةٌ، وَالْمُدَّعَى نَيْسَابُورِيَّةٌ وَهِيَ أَجْوَدُ يُقْضَى بِالْبُخَارِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ.

[الرَّابِعَةُ] لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ [الْخَامِسَةُ] لَوْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ [السَّادِسَةُ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَبَدًا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لِزَيْدٍ نِصْفَهَا تُقْبَلُ عَلَى الثُّلُثِ.

[السَّابِعَةُ] ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ بَيْعَ الْوَفَاءِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِذَلِكَ تُقْبَلُ [الثَّامِنَةُ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ [التَّاسِعَةُ] ادَّعَى أَلْفًا مُطْلَقًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَلْفٍ قَرْضٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَدِيعَةٍ تُقْبَلُ.

[الْعَاشِرَةُ] ادَّعَى الْإِبْرَاءَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ هِبَةٌ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ حَلَّلَهُ جَازَ [الْحَادِيَةَ عَشَرَ] ادَّعَى الْهِبَةَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَرَاءَةِ وَالْآخَرُ بِالْهِبَةِ أَوْ أَنَّهُ حَلَّلَهُ جَازَ [الثَّانِيَةَ عَشَرَ] ادَّعَى الْكَفِيلُ الْهِبَةَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِالْإِبْرَاءِ جَازَ وَثَبَتَ الْإِبْرَاءُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَرَجَّحَهُ الصَّدْرُ. وَقَالَا: لَا تُقْبَلُ، وَمَثَّلَهَا كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالطَّلَاقِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَزَادَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى قَرْضِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ ط.

(قَوْلُهُ: بِالرَّدِيَّةِ) الْأَنْسَبُ بِالرَّدَاءَةِ. اهـ. ح.

(قَوْلُهُ: يُقْضَى بِالْبُخَارِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ) وَمِثْلُهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ بِيضٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ سُودٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَفْضَلَ تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَوَجَّهَهُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْكَمِّيَّةِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ وَصْفٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ إلَّا إنْ وُفِّقَ بِالْإِبْرَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: الرَّابِعَةُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ ذَلِكَ، أَوْ مُرَادِفِهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ يُقْبَلُ. اهـ. وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِثْنَاءِ، لَكِنْ قَالَ: فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَقَدْ خَرَجَ عَنْ ظَاهِرِ قَوْلِ الْإِمَامِ مَسَائِلُ وَإِنْ أَمْكَنَ رُجُوعُهَا إلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي الْمَقَامِ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: الْخَامِسَةُ إلَخْ) فِيهَا مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ عَلَى الثُّلُثِ) وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْكُلِّ وَالْآخَرُ بِالنِّصْفِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالنِّصْفِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حَمَوِيٌّ، وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُقِرُّ بِالْوَقْفِ وَيُنْكِرُ الِاسْتِحْقَاقَ، أَوْ يُنْكِرُهُمَا وَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا ذَكَرَ ط.

(قَوْلُهُ: السَّابِعَةُ ادَّعَى إلَخْ) لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ يَتَّحِدُ الْإِنْشَاءُ وَلَفْظُ الْإِقْرَارِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَا خُصُوصِيَّةَ لِبَيْعِ الْوَفَاءِ وَلَا لِلْبَيْعِ، بَلْ كُلُّ قَوْلٍ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَالنِّكَاحِ مِنْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: إنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ ط (قَوْلُهُ: ادَّعَى أَلْفًا مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدٍ بِقَرْضٍ وَلَا وَدِيعَةٍ قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ ادَّعَى أَحَدَ السَّبَبَيْنِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَكْذَبُ ط شَاهِدَهُ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَلْفٍ قَرْضٍ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ قَرْضٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَدِيعَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْقَرْضَ فِعْلٌ وَالْإِيدَاعَ فِعْلٌ آخَرُ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقَرْضِ وَالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلٌ وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالْمَقَرُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ. لَكِنَّ الْوَدِيعَةَ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ الْإِنْكَارِ، وَالشَّهَادَةُ إنَّمَا قَامَتْ بَعْدَ الْإِنْكَارِ فَكَانَتْ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا قَائِمَةً عَلَى إقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ لِإِنْفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ الْأَلْفُ وَقَدْ جَحَدَ فَصَارَ ضَامِنًا

(قَوْلُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ هِبَةٌ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ وَهَبَهُ (قَوْلُهُ: جَازَ) لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ عَلَيْهِ، وَتَحْلِيلُهُ مِنْهُ إبْرَاءٌ لَهُ ط بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى صَدَقَةٍ لَا تُقْبَلُ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: ادَّعَى الْهِبَةَ) أَيْ أَنَّ الدَّائِنَ وَهَبَهُ الدَّيْنَ وَالْوَجْهُ فِيهَا مَا ذُكِرَ فِي سَابِقَتِهَا ط (قَوْلُهُ: وَثَبَتَ الْإِبْرَاءُ) لِأَنَّهُ أَقَلُّهُمَا فَلَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى

(4/476)


الثَّالِثَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ الْعَبْدَ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ أُودِعَ مِنْهُ هَذَا الْعَبْدُ تُقْبَلُ [الرَّابِعَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّ فُلَانًا أُودِعَ مِنْهُ هَذَا الْعَبْدُ يُقْضَى لِلْمُدَّعِي [الْخَامِسَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْهُ تُقْبَلُ [السَّادِسَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَقَالَ الْآخَرُ إنَّهُ سَكَنَ فِيهَا تُقْبَلُ.

[السَّابِعَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَكَنَ فِيهَا تُقْبَلُ [الثَّامِنَةَ عَشَرَ] أَنْكَرَ إذْنَ عَبْدِهِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إذْنِهِ فِي الثِّيَابِ وَالْآخَرُ فِي الطَّعَامِ يُقْبَلُ [التَّاسِعَةَ عَشَرَ] اخْتَلَفَ شَاهِدُ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ فِي كَوْنِهِ أَقَرَّ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ، بِخِلَافِهِ فِي الطَّلَاقِ [الْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ إزادى تُقْبَلُ.

[الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ] قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَلَّمَتْهُ غَدْوَةً وَالْآخَرُ عَشِيَّةً طَلُقَتْ [الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ] إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَّقَهَا الْيَوْمَ وَالْآخَرُ أَنَّهَا طَلَّقَهَا أَمْسِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ [الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ أَلْبَتَّةَ يُقْضَى بِطَلْقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْأَصِيلِ بَزَّازِيَّةٌ: أَيْ لِأَنَّ إبْرَاءَ الطَّالِبِ لِلْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ رُجُوعَ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ، بِخِلَافِ هِبَةِ الطَّالِبِ الْكَفِيلِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ) صُورَتُهَا: ادَّعَى رَجُلٌ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي بِمَا ذَكَرَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ ط. وَوَجْهُ الْقَبُولِ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ، لَكِنْ بِحُكْمِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْأَخْذِ مُفْرَدًا بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: الْخَامِسَةَ عَشَرَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ صُورَتَهَا فِيهَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْحَبَلِ فَإِنَّ الْوِلَادَةَ يَلْزَمُهَا الْحَبَلُ، فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ تَصْوِيرُهَا بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْحَبَلِ فَإِنَّ الْحُبْلَى قَدْ لَا تَلِدُ لِمَوْتِهَا أَوْ مَوْتِ الْوَلَدِ فِي بَطْنِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: السَّادِسَةَ عَشَرَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَهُ) هَذِهِ الصُّورَةُ ذُكِرَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَرَّتَيْنِ السَّادِسَةَ عَشَرَ وَالسَّابِعَةَ عَشَرَ فَالْمُنَاسِبُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبَحْرِ: السَّادِسَةَ عَشَرَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى تُقْبَلُ وَلَكِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ مَعَ الْخَامِسَةَ عَشَرَ فِي التَّصْوِيرِ، وَلِذَا عَطَفَهَا عَلَيْهَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَوْ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ بَدَلَهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ فُلَانٍ كَذَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ تُقْبَلُ اهـ.

(قَوْلُهُ إنَّهُ أَقَرَّ) أَيْ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَهُ: أَيْ لِلْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَكَنَ فِيهَا) أَيْ إنَّ الْمُدَّعِيَ سَكَنَ فِيهَا فَهِيَ شَهَادَةٌ بِثُبُوتِ يَدِ الْمُدَّعِي عَلَيْهَا وَالْأَصْلُ فِي الْيَدِ الْمِلْكُ فَقَدْ وَافَقَتْ الْأُولَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ فِي الطَّعَامِ يُقْبَلُ) لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي نَوْعٍ يَعُمُّ الْأَنْوَاعَ كُلَّهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَأْذُونِ ط (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي الطَّلَاقِ) قَالَ: فِي الْأَشْبَاهِ: وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: إزادى) كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ بِمَعْنَى حُرٍّ قَالَ: ط: وَفِي نُسَخٍ زِيَادَةُ لَامٍ بَيْنَ الدَّالِ وَالْيَاءِ.

(قَوْلُهُ: طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَكَرَّرُ فَيُمْكِنُ أَنَّهَا كَلَّمَتْهُ فِي الْوَقْتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهُمَا أَمْسِ) أَيْ فِي النَّوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِ الشَّهَادَةِ لَا قَبْلَ يَوْمِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ مُسْتَقْبَلٌ (قَوْلُهُ يُقْضَى بِطَلْقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ أَلْبَتَّةَ فِي ثَلَاثٍ بَحْرٌ عَنْ الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الثَّلَاثَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، فَقَوْلُهُ أَلْبَتَّةَ لَغْوٌ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ وَانْفَرَدَ بِذِكْرِهِ الشَّاهِدُ الثَّانِي فَصَارَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ فِي مُجَرَّدِ الْعَدَدِ، وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الثِّنْتَيْنِ فَيُقْضَى بِهِمَا وَتَلْغُو الثَّالِثَةُ لِانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهَا، كَمَا لَغَا لَفْظُ أَلْبَتَّةَ لِذَلِكَ، فَلِذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَافْهَمْ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَزَاهُ إلَيْهِ.

(4/477)


الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ بِالْفَارِسِيَّةِ تُقْبَلُ [الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ] اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَهْرِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ [السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةٍ مَعَ فُلَانٍ فِي دَارٍ سَمَّاهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةٍ وَفِيهِ وَفِي شَيْءٍ آخَرَ تُقْبَلُ فِي دَارٍ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ [السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَقَفَهُ فِي صِحَّتِهِ وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ وَقَفَهُ فِي مَرَضِهِ قُبِلَا.

[الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ] لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَآخَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَازَتْ [التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ] ادَّعَى مَالًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ أَحَالَ غَرِيمَهُ بِهَذَا الْمَالِ تُقْبَلُ [الثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ كَذَا إلَى شَهْرٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ تُقْبَلُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى أَلْفٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالثَّلَاثُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ وَرَقَةٍ مُسْتَدْرِكًا عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي هُوَ الْمَذْهَبُ.

(قَوْلُهُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَ بِالْعَرَبِيَّةِ إلَخْ) هَذَا لَفْظُ الشَّاهِدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ أزاد فَلَا تَكُونُ مُكَرَّرَةً مَعَ الْعِشْرِينَ ط تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَهْرِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ عَلَى مَالٍ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا تُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ تُقْبَلُ وَيَرْجِعُ فِي الْمَهْرِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَقَالَا: لَا تُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا. اهـ. بَحْرٌ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَا الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى النِّكَاحِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ وَوَجَّهَ عَدَمَ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوَ أَنَّ الْعَقْدَ بِأَلْفٍ مَثَلًا غَيْرُ الْعَقْدِ بِأَلْفَيْنِ وَكَذَا النِّكَاحُ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِهِ بِاسْتِثْنَاءِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَلِذَا صَحَّ بِدُونِ ذِكْرِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ آنِفًا عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ فِي دَارٍ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ) أَيْ فِيمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي دَارِ كَذَا دُونَ مَا زَادَهُ الْآخَرُ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: إذْ الْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَفِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ لَا فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا، فَلَوْ ادَّعَى وَكَالَةً مُعَيَّنَةً فَشَهِدَ بِهَا وَالْآخَرُ بِوَكَالَةٍ عَامَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ الْمُعَيَّنَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: قُبِلَا) إذْ شَهِدَا بِوَقْفٍ بَاتَ لَا أَنَّ حُكْمَ الْمَرَضِ يُنْتَقَضُ فِيمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، وَبِهَذَا لَا تَمْتَنِعُ الشَّهَادَةُ بَحْرٌ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، قَالَ فِي الْإِسْعَافِ، ثُمَّ إنْ خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَانَتْ كُلُّهَا وَقْفًا وَإِلَّا فَبِحِسَابِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَحَدُهُمَا وَقَفَهَا فِي صِحَّتِهِ وَقَالَ الْآخَرُ: جَعَلَهَا وَقْفًا بَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الثَّانِيَ شَهِدَ بِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: ادَّعَى مَالًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ أَحَالَ غَرِيمَهُ بِهَذَا الْمَالِ) سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ غَرِيمِهِ بِهَذَا الْمَالِ تُقْبَلُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقَلَهَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ احْتَالَ عَنْ غَرِيمِهِ بِهَذَا الْمَالِ إلَخْ. قَالَ ط: اعْلَمْ أَنَّ الْغَرِيمَ يُطْلَقُ عَلَى الدَّائِنِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَعَلَى الْمَدْيُونِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي وَصُورَتُهُ: ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو مَالًا فَأَقَامَ زَيْدٌ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَمْرًا مُحَالٌ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ دَائِنَهُ أَحَالَ زَيْدًا عَلَيْهِ بِمَالِهِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَشَهِدَ الثَّانِي أَنَّ عَمْرًا كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِ زَيْدٍ بِهَذَا الْمَالِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَالَ عَلَى عَمْرٍو غَيْرَ أَنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ أَنَّ الْمَالَ لَزِمَهُ بِطَرِيقِ الْإِحَالَةِ عَلَيْهِ وَالْآخَرَ شَهِدَ أَنَّ الْمَالَ لَزِمَهُ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الصُّورَةُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ صَالِحٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُقْضَى بِالْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ اهـ لَكِنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ لَا يُوَافِقُ عِبَارَةَ الشَّارِحِ، وَالْمُوَافِقُ لَهَا مَا لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو

(4/478)


الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يُقْبَلُ فِيهِمَا.

[الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ عِنْدَ قَاضِي الْكُوفَةِ وَآخَرُ عِنْدَ قَاضِي الْبَصْرَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا [الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ جَرَّاهُ تُقْبَلُ [الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضٍ وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ تُقْبَلُ [الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ بِقَبْضِهِ فِي حَيَاتِهِ تُقْبَلُ [السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ دَيْنِهِ وَالْآخَرُ: بِتَقَاضِيهِ تُقْبَلُ [السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ بِطَلَبِهِ تُقْبَلُ [الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَخْذِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ لِيَأْخُذَهُ تُقْبَلُ

[التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ] اخْتَلَفَا فِي زَمَنِ إقْرَارِهِ فِي الْوَقْفِ تُقْبَلُ [الْأَرْبَعُونَ] اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ إقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ [الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ] اخْتَلَفَا فِي وَقْفِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ تُقْبَلُ [الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِوَقْفِهِ عَلَى زَيْدٍ وَالْآخَرُ بِوَقْفِهِ عَلَى عَمْرٍو تُقْبَلُ وَتَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ انْتَهَى. .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَلْفٌ مَثَلًا فَأَحَالَ عَمْرٌو زَيْدًا بِالْأَلْفِ عَلَى بَكْرٍ وَدَفَعَهَا بَكْرٌ ثُمَّ ادَّعَى بِهَا بَكْرٌ عَلَى عَمْرٍو فَشَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِمَا ذَكَرَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ بَكْرًا كَفَلَ عَمْرًا بِإِذْنِهِ وَأَنَّهُ دَفَعَ الْأَلْفَ لِزَيْدٍ وَعَلَى هَذَا فَغَرِيمُهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ أَحَالَ، وَالْمُرَادُ بِهِ عَمْرٌو الْمَدْيُونُ لِأَنَّهُ الْمُحِيلُ لِزَيْدٍ عَلَى بَكْرٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْقُنْيَةِ إنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ احْتَالَ عَنْ غَرِيمِهِ أَيْ إنَّ بَكْرًا قَبِلَ الْحَوَالَةَ عَنْ غَرِيمِهِ عَمْرٍو (قَوْلُهُ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ وَالْآخَرُ بِلَا شَرْطٍ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: يُقْبَلُ فِيهِمَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا لَكِنْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا صَرَّحَ بِقَوْلِهِ تُقْبَلُ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ فِيهِمَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْأَجَلُ وَالشَّرْطُ.

(قَوْلُهُ: جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا) أَيْ عَلَى أَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ جَرَّاهُ) فِي بَابِ الْأَلِفِ الْمَقْصُورَةِ مِنْ الصِّحَاحِ: الْجَرِيُّ الْوَكِيلُ وَالرَّسُولُ. اهـ. وَعَلَّلَ الْقَبُولَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْجِرَايَةَ وَالْوَكَالَةَ سَوَاءٌ، وَالْجَرِيَّ وَالْوَكِيلَ سَوَاءٌ، فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَعْنَى وَاخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ بِقَبْضِهِ فِي حَيَاتِهِ تُقْبَلُ) لِأَنَّ الْوِصَايَةَ فِي الْحَيَاةِ وَكَالَةٌ كَمَا أَنَّ الْوَكَالَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وِصَايَةٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَالْمُرَادُ بِالْوَصَايَا هُنَا الْوَكَالَةُ حَقِيقَةً لِتَقْيِيدِهَا بِقَوْلِهِ فِي حَيَاتِهِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ إنْشَاءٍ وَإِقْرَارٍ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إنْشَاءٍ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارٍ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي فِعْلٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا يَعْنِي فِي تَصَرُّفٍ فِعْلِيٍّ كَجِنَايَةٍ وَغَصْبٍ أَوْ فِي قَوْلٍ مُلْحَقٍ بِالْفِعْلِ كَنِكَاحٍ لِتَضَمُّنِهِ فِعْلًا وَهُوَ إحْضَارُ الشُّهُودِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي قَوْلٍ مَحْضٍ كَبَيْعٍ وَطَلَاقٍ وَإِقْرَارٍ وَإِبْرَاءٍ وَتَحْرِيرٍ أَوْ فِي فِعْلٍ مُلْحَقٍ بِالْقَوْلِ وَهُوَ الْفَرْضُ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْفِعْلِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِ الْمُقْرِضِ أُقْرِضْتُك فَصَارَ كَطَلَاقٍ وَتَحْرِيرٍ وَبَيْعٍ. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَوْلَ إذَا تَكَرَّرَ فَمُدَاوِلُهُ وَاحِدٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ بِخِلَافِ الْفِعْلِ، وَإِطْلَاقُ الْإِقْرَارِ يُفِيدُ أَنَّ الْوَقْفَ غَيْرُ قَيْدٍ (قَوْلُهُ: الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ ح (قَوْلُهُ تَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ) لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ

(4/479)


قُلْت: وَزِدْت بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ: مِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَارِيخِ الرَّهْنِ، بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَهَنَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَهَنَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تُسْمَعُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى. وَمِنْهَا لَوْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ وَاحِدٍ بِمَالٍ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: كُنَّا جَمِيعًا فِي مَكَانِ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: كُنَّا فِي مَكَانِ كَذَا تُقْبَلُ. وَمِنْهَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا: كَانَ ذَلِكَ بِالْغَدَاةِ وَقَالَ الْآخَرُ: كَانَ ذَلِكَ بِالْعَشِيِّ تُقْبَلُ وَهُمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. .

وَمِنْهَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ: إنَّهُ عَيَّنَ مَنْكُوحَتَهُ بِنْتَ فُلَانٍ وَالْآخَرُ يَقُولُ: مَا عَيَّنَهَا إنِّي أَعْلَمُ وَأَشْهَدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَتْ لَهُ سِوَى ابْنَةِ فُلَانٍ قَدْ طَلَّقَهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ دَارِهِ قَبْلَ هَذَا التَّطْلِيقِ. قَالَ فَخْرُ الدِّينِ: إذَا شَهِدَا عَلَى الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْمَرْأَةَ وَذَكَرَهَا بِاسْمِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الْآخَرُ الَّتِي هِيَ فِي نِكَاحِهِ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ وَهِيَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. وَمِنْهَا ادَّعَى مِلْكَ دَارِهِ فَشَهِدَ لَهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْ قَالَ مِلْكُهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ تُقْبَلُ مُنْيَةُ الْمُفْتِي. وَمِنْهَا ادَّعَى أَلْفَيْنِ أَوْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُضِيَ لَهُ بِالْأَلْفِ إجْمَاعًا مُنْيَةٌ. وَمِنْهَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْأَلْفِ مَقْبُولَةٌ وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَمِنْهَا ادَّعَى جَارِيَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا جَارِيَتُهُ غَصَبَهَا مِنْهُ هَذَا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَى الْوَقْفِ وَهُوَ صَدَقَةٌ.

(قَوْلُهُ: قُلْت) مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ صَالِحٍ وَمَا قَبْلَهُ وَمِنْ الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَحْرُ (قَوْلُهُ: مِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَارِيخِ الرَّهْنِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الشَّهَادَةُ بِعَقْدٍ تَمَامُهُ بِالْفِعْلِ كَرَهْنٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ يُبْطِلُهَا الِاخْتِلَافُ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَنَقَلَ الْخِلَافَ هُنَا عَلَى الْعَكْسِ كَمَا تَرَى ثُمَّ قَالَ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ شَهِدَا بِرَهْنٍ وَاخْتَلَفَا فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ وَهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَبْضِ تُقْبَلُ شِرَاءً وَهِبَةً وَصَدَقَةً لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَرَّةٍ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ اخْتِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ فِي الْمَكَانِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا فِي الزَّمَانِ، وَهُمَا مُكَرَّرَتَانِ مَعَ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَتَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْوَقْفِ وَهَاتَانِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، فَإِنَّ كُلَّ إقْرَارٍ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَتْ لَهُ إلَخْ) بِهَذَا تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْآنَ هِيَ بِنْتُ فُلَانٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: قُبِلَ هَذَا التَّطْلِيقُ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّعْيِينِ مِنْ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ ط (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا ادَّعَى مِلْكَ دَارِهِ) الْأُولَى دَارٌ بِلَا ضَمِيرٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ مَعَ الثَّامِنَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا ادَّعَى أَلْفَيْنِ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَلْفًا وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ: أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قَالَ فِي الْكَنْزِ: فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَلْفِ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ. قُبِلَتْ عَلَى أَلْفٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَدْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِالْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَلِفِ وَالْأَلِفَيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَلِفِ غَيْرُ لَفْظِ الْأَلِفَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) أَيْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ

(4/480)


وَلَمْ يَقُلْ غَصَبَهَا مِنْهُ قُبِلَتْ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. وَمِنْهَا شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ، خِلَافًا لَهُمَا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. .

وَمِنْهَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكَفَالَةٍ وَالْآخَرُ بِحَوَالَةٍ تُقْبَلُ فِي الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. .

وَمِنْهَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا وَحْدَهَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا وَطَلَاقِ فُلَانَةَ الْأُخْرَى فَهُوَ وَكِيلٌ فِي طَلَاقِ الَّتِي اتَّفَقَا عَلَيْهَا وَهِيَ فِيهِ أَيْضًا. وَمِنْهَا شَهِدَا بِوَكَالَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَزَلَهُ تُقْبَلُ فِي الْوَكَالَةِ لَا فِي الْعَزْلِ وَهِيَ مِنْهُ أَيْضًا. .

وَمِنْهَا ادَّعَتْ أَرْضًا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهَا عَنْ الدِّسْتِيمَانِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا تَمْلِكُهَا لِأَنَّ زَوْجَهَا أَقَرَّ أَنَّهَا مِلْكُهَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ كُلَّ بَائِعٍ مُقِرٌّ بِالْمِلْكِ لِمُشْتَرِيهِ فَكَأَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ مِلْكُهَا، وَقِيلَ: تُرَدُّ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَفَعَهَا عِوَضًا وَشَهِدَ بِالْعَقْدِ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ. أَمَّا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ زَوْجَهَا دَفَعَهَا عِوَضًا وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ دَفَعَهَا عِوَضًا تُقْبَلُ لِاتِّفَاقِهِمَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَهِيَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ صَالِحِ بْنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ. .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ بِهَا آخَرُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَكْذِيبًا لِشَاهِدِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِيمَا شَهِدَ لَهُ بَلْ فِيمَا شَهِدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) اسْتَظْهَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ قَوْلَهُمَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّعِي لَوْنَهَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ط.

(قَوْلُهُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكَفَالَةٍ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ التَّاسِعَةِ وَالْعِشْرِينَ ط (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ فِي الْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ) وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ جُعِلَا كَلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ، وَالْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ كَفَالَةٌ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قُلْت: وَوَجْهُ كَوْنِ الْكَفَالَةِ أَقَلَّ أَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَتَثْبُتُ مُطَالَبَتُهُ أَيْضًا فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى ثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ وَاخْتَلَفَا فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْهَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا إلَخْ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ لِقَبُولِ الْوَكَالَةِ التَّخْصِيصَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ فِيهِ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ فِي الْوَكَالَةِ لَا فِي الْعَزْلِ) فَهِيَ نَظِيرُ مَا لَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَطْلُوبَ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ.

(قَوْلُهُ: عِوَضًا عَنْ الدِّسْتِيمَانِ) بِالدَّالِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الِاسْتِيمَانُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَبْلَ السِّينِ. وَاَلَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا يَدْفَعُهُ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ لِأَجْلِ الْجِهَازِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ بَائِعٍ إلَخْ) أَيْ وَالزَّوْجُ هُنَا بَاعَهَا الدَّارَ بِالدَّسْتِيمَانِ ط (قَوْلُهُ: وَشَهِدَ بِالْعَقْدِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ الْوَاوِ كَمَا رَأَيْته مُصَلَّحًا فِي نُسْخَةِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، فَيَكُونُ جَوَابًا لِمَا، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ جَوَابِهَا قَوْلَهُ فَاخْتُلِفَ لِأَنَّ اقْتِرَانَ جَوَابِهَا بِالْفَاءِ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ لِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَهِدَ عَلَى الْقَوْلِ، لِأَنَّ قَوْلَ أَحَدِهِمَا دَفَعَهَا عِوَضًا بِمَعْنَى بَاعَهَا وَالْآخَرُ شَهِدَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ وَالْإِقْرَارُ بِالْبَيْعِ يَصْلُحُ لِإِنْشَائِهِ وَبِالْعَكْسِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى شِرَاءً وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّ لَفْظَ الشِّرَاءِ يَصْلُحُ لِلْإِقْرَارِ وَلِلِابْتِدَاءِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ اهـ أَيْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِفِعْلٍ وَالْآخَرُ بِقَوْلٍ.

(4/481)


فِي الْأَشْبَاهِ: السُّكُوتُ كَالنُّطْقِ فِي مَسَائِلَ] عَدَّ مِنْهَا سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ. -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا السُّكُوتُ كَالْقَوْلِ (قَوْلُهُ: عَدَّ مِنْهَا سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ) سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ اسْتِئْمَارِ وَلِيِّهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ سُكُوتُهَا عِنْدَ قَبْضِ مَهْرِهَا سُكُوتُهَا إذَا بَلَغَتْ بِكْرًا فَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَهُ حَلَفَتْ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ حَنِثَتْ سُكُوتُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ قَبُولٌ لَا الْمَوْهُوبِ لَهُ سُكُوتُ الْمَالِكِ عِنْدَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إذْنٌ سُكُوتُ الْوَكِيلِ قَبُولٌ، وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ سُكُوتُ الْمُقَرِّ لَهُ قَبُولٌ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ سُكُوتُ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ الْقَضَاءُ أَوْ الْوِلَايَةُ قَبُولٌ وَلَهُ رَدُّهُ سُكُوتُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبُولٌ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ.
وَقِيلَ: لَا سُكُوتُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ حِينَ قَالَ صَاحِبُهُ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ أَجْعَلَهُ بَيْعًا صَحِيحًا وَالتَّلْجِئَةُ أَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى إظْهَارِ الْبَيْعِ عِنْدَ النَّاسِ لَكِنْ بِلَا قَصْدِهِ سُكُوتُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ حِينَ قُسِمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ رِضًا سُكُوتُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ حِينَ رَأَى الْعَبْدَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يُسْقِطُ الْخِيَارَ بِخِلَافِ سُكُوتِ الْبَائِعِ بِالْخِيَارِ سُكُوتُ الْبَائِعِ الَّذِي لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حِينَ رَأَى الْمُشْتَرِيَ قَبَضَ الْمَبِيعَ إذْنٌ بِقَبْضِهِ صَحِيحًا كَانَ الْبَيْعُ أَوْ فَاسِدًا سُكُوتُ الشَّفِيعِ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ سُكُوتُ الْمَوْلَى حِينَ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذْنٌ فِي التِّجَارَةِ: أَيْ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لَا فِيهِ لَوْ حَلَفَ الْمَوْلَى لَا يَأْذَنُ لَهُ فَسَكَتَ حَنِثَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سُكُوتُ الْقِنِّ وَانْقِيَادُهُ عِنْدَ بَيْعِهِ أَوْ رَهْنِهِ أَوْ دَفْعِهِ بِجِنَايَةٍ إقْرَارٌ بِرِقِّهِ إنْ كَانَ يَعْقِلُ، بِخِلَافِ سُكُوتِهِ عِنْدَ إجَارَتِهِ أَوْ عَرْضِهِ لِلْبَيْعِ أَوْ تَزْوِيجِهِ أَيْ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ لَوْ حَلَفَ لَا يُنْزِلُ فُلَانًا فِي دَارِهِ وَهُوَ نَازِلٌ فِي دَارِهِ فَسَكَتَ حَنِثَ، لَا لَوْ قَالَ: اُخْرُجْ مِنْهَا فَأَبَى الْخُرُوجَ فَسَكَتَ أَيْ لِأَنَّ النُّزُولَ مِمَّا يَمْتَدُّ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ الِانْفِصَالُ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ سُكُوتُ الزَّوْجِ عِنْدَ وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ وَتَهْنِئَتِهِ إقْرَارٌ بِهِ فَلَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ سُكُوتُ الْمَوْلَى عِنْدَ وِلَادَةِ أُمِّ وَلَدِهِ إقْرَارٌ بِهِ أَيْ بِخِلَافِ سُكُوتِهِ عِنْدَ وِلَادَةِ قِنَّتِهِ السُّكُوتُ قَبْلَ الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِالْعَيْبِ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا لَا لَوْ فَاسِقًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا رِضًا.
وَلَوْ فَاسِقًا سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ إخْبَارِهَا بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ سُكُوتُهُ عِنْدَ بَيْعِ زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبِهِ عَقَارًا إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ، عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ خِلَافًا لِمَشَايِخِ بُخَارَى فَلْيَنْظُرْ الْمُفْتِي أَيْ لِاخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ، لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى آخِرَ الْكِتَابِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى، وَاحْتَرَزَ بِالْبَيْعِ عَنْ نَحْوِ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَآهُ يَبِيعُ عَرَضًا أَوْ دَارًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي زَمَانًا وَهُوَ سَاكِتٌ تَسْقُطُ دَعْوَاهُ أَيْ إنَّ الْأَجْنَبِيَّ كَالْجَارِ مَثَلًا لَا يُجْعَلُ سُكُوتُهُ مُسْقِطًا لِدَعْوَاهُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبَيْعِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سُكُوتِهِ أَيْضًا عِنْدَ رُؤْيَتِهِ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ سُكُوتِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ يَمْنَعُ دَعْوَاهُ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ قَالَ لِلْآخَرِ: إنِّي أَشْتَرِي هَذِهِ الْأَمَةَ لِنَفْسِي خَاصَّةً فَسَكَتَ الشَّرِيكُ لَا تَكُونُ لَهُمَا: أَيْ بَلْ لِلْمُشْتَرِي، أَمَّا فِي الْمُفَاوَضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ سُكُوتُ الْمُوَكِّلِ حِينَ قَالَ لَهُ الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ مُعَيَّنٍ: أُرِيدُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِي فَشَرَاهُ كَانَ لَهُ سُكُوتُ وَلِيِّ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذْنٌ سُكُوتُهُ عِنْدَ رُؤْيَةِ غَيْرِهِ يَشُقُّ زِقَّهُ حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ رِضًا لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِمَا فِي الْأَشْبَاهِ أَيْضًا: لَوْ رَأَى غَيْرَهُ يُتْلِفُ مَالَهُ فَسَكَتَ لَا يَكُونُ إذْنًا بِإِتْلَافِهِ سُكُوتُ الْحَالِفِ لَا يَسْتَخْدِمُ مَمْلُوكَهُ إذَا خَدَمَهُ بِلَا أَمْرِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ حِنْثٌ دَفَعَتْ فِي تَجْهِيزِهَا لِبِنْتِهَا أَشْيَاءَ مِنْ أَمْتِعَةِ الْأَبِ وَهُوَ سَاكِتٌ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ فِي جِهَازِهَا مَا هُوَ مُعْتَادٌ فَسَكَتَ الْأَبُ لَمْ تَضْمَنْ الْأُمُّ بَاعَ جَارِيَةً وَعَلَيْهَا حُلِيٌّ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي لَكِنْ تَسَلَّمَهَا وَذَهَبَ بِهَا وَالْبَائِعُ سَاكِتٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ فَكَانَ الْحُلِيُّ لَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ سَاكِتٌ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ فِي الْأَصَحِّ سُكُوتُ الْمُدَّعَى

(4/482)


قُلْت: وَزَادَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ مَسْأَلَتَيْنِ: [الْأُولَى] مَسْأَلَةُ السُّكُوتِ فِي الْإِجَارَةِ قَبُولٌ وَرِضًا وَكَقَوْلِهِ لِسَاكِنِ دَارِهِ اُسْكُنْ بِكَذَا وَإِلَّا فَانْتَقِلْ فَسَكَتَ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْإِجَارَةِ.

[الثَّانِيَةُ] سُكُوتُ الْمُودَعِ قَبُولٌ دَلَالَةً. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَحْرِهِ: سُكُوتُهُ عِنْدَ وَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ قَبُولٌ دَلَالَةً. اهـ. [وَزَادَ عَلَيْهَا فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ مَسَائِلَ] مِنْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ سُكُوتُهُ عِنْدَ بَيْعِ زَوْجَتِهِ، فَقَالَ: وَكَذَا سُكُوتُهَا عِنْدَ بَيْعِ زَوْجِهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ السَّمَاعِ الدَّعْوَى فِي الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ اهـ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهَا تُسْمَعُ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. قُلْت: وَيُزَادُ مَا فِي مُتَفَرِّقَاتِ التَّنْوِيرِ مِنْ سُكُوتِ الْجَارِ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً وَعَزَيْنَاهُ لِلْبَزَّازِيِّ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ مَعْزِيًّا إلَيْهَا، فَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ الزَّوَاهِرِ كَيْفَ ذَكَرَ صَدْرَ كَلَامِ الْبَزَّازِيَّةُ وَتَرَكَ الْآخِرَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَيْهِ وَلَا عُذْرَ بِهِ إنْكَارٌ.
وَقِيلَ: لَا وَيُحْبَسُ: أَيْ قِيلَ: لَا يَكُونُ إنْكَارًا وَلَا إقْرَارًا فَيُحْبَسُ عِنْدَ الثَّانِي، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ وَبِهِ أَفْتَى صَاحِبُ الْبَحْرِ سُكُوتُ الْمُزَكِّي عِنْدَ سُؤَالِهِ عَنْ الشَّاهِدِ تَعْدِيلٌ سُكُوتُ الرَّاهِنِ عِنْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ اهـ مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَاتٍ (قَوْلُهُ: وَزَادَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ) أَيْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ لِسَاكِنِ دَارِهِ) أَيْ سَاكِنِهَا بِإِعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ) أَيْ مُؤَلِّفُ الْأَشْبَاهِ.

(قَوْلُهُ: قَالَ الْمُؤَلِّفُ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ سُكُوتُ الْمُودَعِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ قَبُولٌ دَلَالَةً) أَيْ فَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي (قَوْلُهُ: عِنْدَ قَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ) أَيْ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى: إذَا بَاعَ عَقَارًا وَامْرَأَتُهُ أَوْ وَوَلَدُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ إلَى أَنْ قَالَ: بَعْدَ حِكَايَتِهِ اخْتِلَافَ الْفَتْوَى مَا نَصُّهُ: وَفِي الْفَتَاوَى: يَتَأَمَّلُ الْمُفْتِي فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رَأْي الْمُدَّعِيَ السَّاكِتَ الْحَاضِرَ ذَا حِيلَةٍ أَفْتَى بِعَدَمِ السَّمَاعِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الزَّمَانِ الْفَسَادُ فَلَا يُفْتَى إلَّا بِمَا اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ فِي حُضُورِهِمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى) أَيْ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي الْمُدَّعِي هَلْ هُوَ ذُو حِيلَةٍ أَوْ لَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى عَدَمِ السَّمَاعِ؛ وَوَجْهُهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ غَلَبَةِ الْفَسَادِ. قُلْت: لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ غَلَبَةِ الْفَسَادِ أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُعْلَمُ حَالُهُ بِالصَّلَاحِ وَعَدَمُ التَّزْوِيرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ سُكُوتِ الْجَارِ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَعِنْدَ الْبَيْعِ، فَسُكُوتُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ فَقَطْ لَا يَمْنَعُ دَعْوَاهُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَيْسَ لِهَذَا مُدَّةٌ مَحْدُودَةٌ وَأَمَّا عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا تُرِكَتْ بِلَا عُذْرٍ فَذَاكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّهُ مَنْعٌ سُلْطَانِيٌّ فَيَكُونُ الْقَاضِي مَعْزُولًا عَنْ سَمَاعِهَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ الْمَنْعُ تُسْمَعُ مَا لَمْ يَمْضِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا إذَا تُرِكَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ عُذْرٌ كَمَا أَوْضَحْته فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ، ثُمَّ إنَّ مَنْ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِمَانِعٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى وَارِثِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ غَيْرُهَا (قَوْلُهُ: وَعَزَيْنَاهُ لِلْبَزَّازِيِّ) أَيْ عَزَا مَا فِي مُتَفَرِّقَاتِ التَّنْوِيرِ (قَوْلُهُ: فَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ الزَّوَاهِرِ إلَخْ) أَيْ الشَّيْخِ صَالِحِ ابْنِ صَاحِبِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ذَكَرَ أَوَّلًا الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ آنِفًا، ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ أَرَادَ الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى الْأَشْبَاهِ بِزِيَادَةِ صُوَرٍ أُخْرَى فَنَقَلَ عَلَى الْبَزَّازِيَّةِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَتَرَكَ هَذِهِ مَعَ أَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَوَّلِ الْعِبَارَةِ وَتَرَكَ آخِرَهَا. قُلْت: لَا عَجَبَ أَصْلًا، بَلْ إنَّمَا تَرَكَ هَذِهِ لِكَوْنِهَا مَذْكُورَةً فِي الْأَشْبَاهِ فَإِنَّهَا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمَقْصُودُ

(4/483)


وَمِنْهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَ الْوَلِيُّ حَتَّى وَلَدَتْ كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا زَيْلَعِيُّ. وَمِنْهَا مَا فِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ زَوَّجَ رَجُلًا بِغَيْرِ أَمَرَهُ فَهَنَّأَهُ الْقَوْمُ وَقَبِلَ التَّهْنِئَةَ فَهُوَ رِضًا لِأَنَّ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. لَوْ قَالَ ابْنُ الْعَمِّ لِلْكَبِيرَةِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَك مِنْ نَفْسِي فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَهَا جَازَ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَحْرِهِ مِنْ بَحْثِ الْأَوْلِيَاءِ. وَمِنْهَا سُكُوتُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فِي التَّعْدِيلِ كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَحْرِ. قَالَ: وَيُكْتَفَى بِالسُّكُوتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَيَكُونُ سُكُوتُهُ تَزْكِيَةً لِلشَّاهِدِ؛ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ: وَكَانَ اللَّيْثُ بْنُ مُسَاوِرٍ قَاضِيًا فَاحْتَاجَ إلَى تَعْدِيلٍ وَكَانَ الْمُزَكِّي مَرِيضًا فَعَادَهُ الْقَاضِي وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاهِدِ فَسَكَتَ الْمُعَدَّلُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ أَسْأَلُك وَلَا تُجِيبُنِي؟ فَقَالَ الْمُعَدَّلُ: أَمَا يَكْفِيك مِنْ مِثْلِي السُّكُوتُ. قُلْت: قَدْ عَدَّ هَذِهِ فِي الْأَشْبَاهِ مَعْزِيًّا لِشَهَادَاتِ شَرْحِهِ فَكَيْفَ تَكُونُ زَائِدَةً نَعَمْ زَادَ تَقْيِيدَهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَعَدَّهَا مِنْ الزَّوَائِدِ. وَمِنْهَا لَوْ أَنَّ الْعَبْدَ خَرَجَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَرَآهُ مَوْلَاهُ فَسَكَتَ حَلَّ لَهُ الْخُرُوجُ لَهَا، لِأَنَّ السُّكُوتَ بِمَنْزِلَةِ الرِّضَا كَمَا فِي جَمْعِهِ الْبَحْرُ. وَمِنْهَا مَا فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ بِعَلَامَةٍ (قَعْ عت) وَلَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِمَا بَعَثَ إلَيْهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَإِنْ كَانَ الْجِهَازُ قَلِيلًا فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا يَلِيقُ بِالْمَبْعُوثِ فِي عُرْفِهِمْ (نج) يُفْتَى بِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُجَهَّزْ بِمَا يَلِيقُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ مَا بَعَثَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَشْبَاهِ.

(قَوْلُهُ: لَوْ تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ إلَخْ) هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُفْتَى بِهَا فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ) أَيْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ وَقْتَ التَّزْوِيجِ كَانَ رِضًا وَإِجَازَةً، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَبُولُ التَّهْنِئَةِ بِدُونِ قَوْلٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ كَمَا تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ. وَفِي نُسْخَةٍ: كَمَا تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ وَهِيَ أَوْضَحُ، وَالْمُرَادُ بِالْوَكَالَةِ التَّوْكِيلُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّمْثِيلُ، وَإِلَّا فَقَدْ عُدَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْمَزِيدِ عَلَيْهَا وَهُوَ السَّابِعُ مِنْهَا سُكُوتُ الْوَكِيلِ قَبُولٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّوَكُّلُ لَا التَّوْكِيلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَكَيْفَ تَكُونُ إلَخْ) اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَاَلَّذِي فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ: فَكَيْفَ يَكُونُ أَنَّ فِيهِ تَقْيِيدَهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَعَدَّهَا مِنْ الزَّوَائِدِ، وَفِي بَعْضِهَا لِكَوْنِ بِاللَّامِ وَنَعُدُّهَا بِالنُّونِ بَدَلَ الْفَاءِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ لِكَوْنِ عِلَّةٌ لِقَوْلِ نَعُدُّهَا، وَالْمَعْنَى كَيْفَ نَعُدُّهَا مِنْ الزَّوَائِدِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ قَيَّدَ الْمُزَكِّي بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ.
وَحَاصِلُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى صَاحِبِ زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْأَشْبَاهِ سُكُوتُ الْمُزَكِّي عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْ الشَّاهِدِ تَعْدِيلٌ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَلَا يَكُونُ بِزِيَادَةِ هَذَا الْقَيْدِ، زَادَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَكَيْفَ تَكُونُ مِنْ الزَّوَائِدِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: فِيهِ تَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَعَدَّهَا مِنْ الزَّوَائِدِ اهـ وَعَلَيْهِ فَهُوَ اعْتِذَارٌ لَا اعْتِرَاضٌ (قَوْلُهُ: بِعَلَامَةِ قَعْ عت) الْأَوَّلُ بِالْقَافِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ رَمْزٌ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَالثَّانِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّاءِ رَمْزٌ لِعَلَاءِ الدِّينِ التَّرْجُمَانِيِّ اهـ ح (قَوْلُهُ: مِنْ الدَّنَانِيرِ) أَيْ الَّتِي يَبْعَثُهَا الزَّوْجُ إلَى أَبِي الزَّوْجَةِ بِمُقَابَلَةِ الْجِهَازِ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي عُرْفِهِمْ بِالدَّسْتِيمَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَاخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ وَالتَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسَمَّى فِي الْمَهْرِ أَوْ كَانَ الْمُسَمَّى غَيْرَهُ، فَفِي الثَّانِي لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْجِهَازِ لَا فِي الْأَوَّلِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: نج) بِالنُّونِ وَالْجِيمِ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُصَحَّحَةٍ مِنْ الْقُنْيَةِ، وَهُوَ رَمْزٌ لِنَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْحَكِيمِيِّ،

(4/484)


وَالْمُعْتَبَرُ مَا يُتَّخَذُهُ لِلزَّوْجِ لَا مَا يُتَّخَذُ لَهَا؛ وَلَوْ سَكَتَ بَعْدَ الزِّفَافِ زَمَانًا يُعْرَفُ بِذَلِكَ رِضَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُتَّخَذْ لَهُ شَيْءٌ. وَمِنْهَا إذَا أَبْرَأهُ فَسَكَتَ صَحَّ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُرْهَانُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَمِنْهَا سُكُوتُ الرَّاهِنِ عِنْدَ بَيْعِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ يَكُونُ مُبْطِلًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ تُعْلَمُ مِنْ الْأَشْبَاهِ أَوَّلَ الْقَاعِدَةِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[قَوْلُ الْأَشْبَاهِ يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً بَيَّنَّاهَا فِي الشَّرْحِ] قَالَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهَا الْمُسَمَّاةُ بِتَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. أَقُولُ: قَالَ فِي شَرْحِهِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْلَافِ عِنْدَهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ التِّسْعَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ خَصْلَةً بَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَبَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ سَرْدًا اخْتِصَارَ التِّسْعَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَبَعْدَ هَذَا الرَّمْزِ يُفْتَى بِأَنَّهُ: وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ فح بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ وَبَعْدَهُ يَعْنِي مُضَارِعَ عَنَى وَهُوَ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَكَتَ إلَخْ) هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا إذَا أَبْرَأهُ فَسَكَتَ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ سَائِرَ الدُّيُونِ، وَقَيَّدَهُ فِي مُدَايَنَاتِ الْأَشْبَاهِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ بِغَيْرِ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، فَفِيهَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ: أَيْ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْهُمَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ عَقْدِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ فَوَاتَ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ. وَزَادَ الْحَمَوِيُّ ثَالِثَةً، وَهِيَ مَا لَوْ أَبْرَأ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ أَوْ مَوْتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ قَبُولٌ حُكْمًا (قَوْلُهُ: وَهِيَ تُعْلَمُ مِنْ الْأَشْبَاهِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ رَأْي الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَلَا يَكُونُ رِضًا فِي رِوَايَةٍ اهـ قَالَ: الزَّيْلَعِيُّ: وَالْمَذْهَبُ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رِضًا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ. قَالَ: ح: وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ هُوَ الرَّاهِنُ وَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ هُوَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا لَا يَخْفَى، لَكِنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبِيعُهُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ اهـ.
[تَتِمَّةٌ] زَادَ بَعْضُهُمْ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِحَضْرَةِ الْوَصِيَّيْنِ مَنْ يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ وَالسُّكُوتُ عَلَى الْبِدْعَةِ وَالْمُنْكَرِ فَإِنَّهُ رِضًا أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِزَالَةِ وَإِلَّا كَفَاهُ الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ وَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ فَسَكَتَ فِي حَيَاتِهِ فَلَمَّا مَاتَ بَاعَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ أَوْ تَقَاضَى دَيْنَهُ فَهُوَ قَبُولٌ لِلْوِصَايَةِ كَمَا عَزَاهُ الْحَمَوِيُّ إلَى مُعِينِ الْحُكَّامِ. وَزَادَ الْبِيرِيُّ: مَا لَوْ غَزَلَتْ امْرَأَتُهُ قُطْنَهُ أَوْ نَسَجَتْ غَزْلَهُ لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهَا قِيمَتَهُ مَحْلُوجًا أَوْ مَغْزُولًا وَبَعْدَ سُكُوتِهِ رِضًا، وَكَذَا لَوْ عَجَنَ الْعَجِينَ أَوْ أَضْجَعَ شَاةً فَجَاءَ إنْسَانٌ وَخَبَزَهُ أَوْ ذَبَحَهَا يَكُونُ السُّكُوتُ كَالْأَمْرِ دَلَالَةً.

(قَوْلُهُ: قَوْلُ الْأَشْبَاهِ يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ) صَوَابُهُ لَا يَحْلِفُ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ إلَّا فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ (قَوْلُهُ: بَيَّنَّاهَا فِي الشَّرْحِ) أَيْ فِي الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْلِفُ فِيهَا الْمُنْكِرِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْيَاءِ التِّسْعَةِ) بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ كَاَلَّتِي بَعْدَهَا. اهـ. ح وَهِيَ مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَحْلِيفَ فِي نِكَاحٍ أَنْكَرَهُ هُوَ أَوْ هِيَ وَرَجْعَةٍ جَحَدَهَا هُوَ أَوْ هِيَ عِدَّةٌ وَفِي إيلَاءٍ أَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْمُدَّةِ وَاسْتِيلَادٍ تَدَّعِيهِ الْأَمَةُ وَرِقِّ نَسَبٍ وَوَلَاءٍ، بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ قِنُّهُ أَوْ ابْنُهُ وَبِالْعَكْسِ، وَحَدٍّ وَلِعَانٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ التَّحْلِيفُ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْحُدُودِ. اهـ. وَأَفَادَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ التَّحْلِيفِ فِي هَذِهِ التِّسْعَةِ

(4/485)


وَفِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً. وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي الصَّغِيرَةِ. وَفِي تَزْوِيجِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي دَعْوَى الدَّائِنِ الْإِيصَاءَ فَأَنْكَرَهُ لَا يَحْلِفُ. وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيِّ وَفِي الدَّعْوَى عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْوَصِيِّ: وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شَيْءٌ فَادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلٌّ اشْتَرَى مِنْهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهَا وَأَنْكَرَ لِلْآخَرِ لَا يُحَلِّفُهُ؛ وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَهُمَا فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ وَقَضَى عَلَيْهِ لَمْ يَحْلِفْ لِلْآخَرِ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْهِبَةَ مَعَ التَّسْلِيمِ مِنْ ذِي الْيَدِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ، وَكَذَا لَوْ نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ لِلْآخِرِ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ وَقَبَضَهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الرَّهْنَ وَالتَّسْلِيمَ وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ بِالرَّهْنِ وَأَنْكَرَ الْبَيْعَ لَا يَحْلِفُ لِلْمُشْتَرِي. وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ هَذَيْنِ الْإِجَارَةَ وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ بِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ) عَطْفٌ عَلَى التِّسْعَةِ أَيْ وَذَكَرَ عَدَمَ الِاسْتِحْلَافِ فِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ اهـ ح أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا زَادَتْ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ ط.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي الصَّغِيرَةِ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا يُسْتَحْلَفُ، وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ بِدُونِ لَا وَهِيَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ: وَفِي دَعْوَى الدَّائِنِ الْإِيصَاءَ) أَيْ دَعْوَاهُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّك وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَادْفَعْ لِي دَيْنِي مِنْ تَرِكَتِهِ (قَوْلُهُ وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيِّ) أَيْ دَعْوَاهُ الْوَصِيَّ الثَّابِتَةَ وِصَايَتُهُ بِأَنَّ لِي عَلَى الْمَيِّتِ كَذَا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي فَلَا يَحْلِفُ الْوَصِيُّ إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ (قَوْلُهُ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْوَصِيِّ) أَيْ إذَا ادَّعَى الدَّائِنُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ فَأَنْكَرَهَا أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ ثَابِتُ الْوَكَالَةِ فَأَنْكَرَهُ، فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَحْلِفُ كَالْوَصِيِّ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: كُلٌّ اشْتَرَى مِنْهُ) أَيْ ادَّعَى مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ الشِّرَاءُ بِالْمَدِّ (قَوْلُهُ: لَا يُحَلِّفُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا صَارَ لَهُ فَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَصِيرُ لِلْآخَرِ فَلَا يَحْلِفُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ (قَوْلُهُ: لَوْ أَنْكَرَهُمَا) أَيْ أَنْكَرَ دَعْوَاهُمَا (قَوْلُهُ: فَحُلِّفَ لِأَحَدِهِمَا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ: أَيْ طَلَبَ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ لِأَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْلِفْ لِلْآخَرِ) لِأَنَّ نُكُولَهُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِهِ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا ادَّعَى مِنْهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ وَقَبَضَهُ) أَيْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ ذَا الْيَدِ رَهَنَ عِنْدِي هَذَا الشَّيْءَ وَقَبَضْته مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَأَقَرَّ بِالرَّهْنِ وَأَنْكَرَ الْبَيْعَ إلَخْ) أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الرَّهْنَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ صَارَ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بَعْدَهُ بِالرَّهْنِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ.
وَفَائِدَةُ التَّحْلِيفِ النُّكُولُ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: لَا يَحْلِفُ لِلْمُشْتَرِي) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَوْ طُلِبَ تَحْلِيفُهُ فَنَكَلَ حَتَّى صَارَ نُكُولُهُ إقْرَارًا بِالْبَيْعِ لَا يَكُونُ لَهُ فَائِدَةٌ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يُمْكِنُهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فَسْخَ الْبَيْعِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا لَهُمَا حَبْسُ الرَّهْنِ وَالْمَأْجُورِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَأَقَرَّ بِهَا) أَيْ بِالْإِجَازَةِ. وَفِي بَعْضٍ فَأَقَرَّ بِهِمَا: أَيْ بِالرَّهْنِ فِي الصُّورَةِ

(4/486)


وَأَنْكَرَهُ لَا يَحْلِفُ لِمُدَّعِيهِ وَيُقَالُ لِمُدَّعِيهِ: إنْ شِئْت فَانْتَظِرْ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ أَوْ فُكَّ الرَّهْنَ، وَإِنْ شِئْت فَافْسَخْ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِجَارَةَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ نَكَلَ لَا يَحْلِفُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ذِي الْيَدِ الْغَصْبَ مِنْهُ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ يَحْلِفُ لِلثَّانِي؛ كَمَا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِيدَاعَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي، وَكَذَا الْإِعَارَةُ وَيَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْك كَذَا وَلَا قِيمَتُهُ وَهِيَ كَذَا وَكَذَا. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَحْلِفْ وَكِيلُهُ. وَفِيمَا إذَا أَنْكَرَ تَوْكِيلَهُ لَهُ بِالنِّكَاحِ. وَفِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَالْمُسْتَصْنِعُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الصَّانِعُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَهُ فِي كَذَا فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ.

الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ - لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَبِالْخُصُومَةِ فَأَنْكَرَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمَدْيُونُ عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا، هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُسْتَحْلَفُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ تَسَاهُلٌ وَقُصُورٌ حَيْثُ قَالَ: كُلُّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ إذَا أَنْكَرَهُ يُسْتَحْلَفُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْأُولَى وَبِالْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ، وَالْأُولَى أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَهُ) أَيْ أَنْكَرَ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لِمُدَّعِيهِ إلَخْ) أَيْ مُدَّعِي الشِّرَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ، هَذَا إذَا أَثْبَتَ الشِّرَاءَ، وَإِلَّا فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْقَوْلِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ لَا إنْ طَلَبَ التَّحْلِيفَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْبَيِّنَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: وُجِدَ بَيِّنَةٌ بَعْدَ (قَوْلِهِ أَوْ فَكَّ الرَّهْنِ) مَعْطُوفٌ عَلَى انْقِضَاءِ، وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ (قَوْلُهُ: فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي الْمِلْكَ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ، وَلَا يُصَدَّقُ بَعْدَهُ بِنُكُولِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَكَلَ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: الْغَصْبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: يَحْلِفُ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِلثَّانِي بِالْغَصْبِ يُؤَاخَذُ بِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَحْلِفُ رَجَاءَ نُكُولِهِ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ لِلثَّانِي ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ لَا رَدُّ عَيْنِ مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ صَارَ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ عَنْهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ ادَّعَى إلَخْ) لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ صَارَ غَاصِبًا (قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْك وَلَا قِيمَتُهُ) أَيْ يَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ وَمَا بَعْدَهَا، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ بِالْإِنْكَارِ يَصِيرُ غَاصِبًا.
(قَوْلُهُ: وَلَا قِيمَتُهُ وَهِيَ كَذَا وَكَذَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْلِيفُ عَلَى مِقْدَارِ الْقِيمَةِ إذَا ادَّعَى أَنَّهَا أَقَلُّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَثَبَتَ لَهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ لِلثَّانِي لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَيْضًا بِالنُّكُولِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ الْقِيمَةَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَقِيمَتُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُوَكِّلِ إلَخْ) أَيْ لَوْ بَاعَ لِوَكِيلِ رَجُلٍ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ أَرَادَ الْوَكِيلُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْوَكِيلِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَحْلِفْ الْوَكِيلُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ مَا إذَا أَرَادَ الْمُوَكِّلُ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَنَّك رَضِيت بِالْعَيْبِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعُدَّهَا صُورَةً أُخْرَى مَعَ أَنَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ جَعَلَهُمَا صُورَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا أَنْكَرَ تَوْكِيلَهُ لَهُ بِالنِّكَاحِ) أَيْ لَوْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ فَأَنْكَرَ تَوْكِيلَهُ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنْكَارٌ لِلنِّكَاحِ وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ لَوْ عَمِلَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَلِلْمُتَصَنِّعِ أَخْذُهُ وَتَرْكُهُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ آخِرَ السَّلَمِ، فَمِنْ بَابٍ أَوْلَى إذَا اخْتَلَفَا ط.

(قَوْلُهُ: لَا يُسْتَحْلَفُ الْمَدْيُونُ) لِأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ وَهُوَ ضَرَرٌ بِهِ، إذْ قَدْ يُصَدِّقُ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ عِنْدَ حُضُورِهِ فَيُضَيِّعُ عَلَيْهِ مَا دَفَعَهُ إنْ هَلَكَ عِنْدَ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ ط (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَحْرُ (قَوْلُهُ: تَسَاهُلٌ وَقُصُورٌ) لِاقْتِصَارِهِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ ثَلَاثٍ ط وَهَذِهِ الثَّلَاثُ تَقَدَّمَتْ

(4/487)


مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ بِالْمُشْتَرَى عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يَحْلِفُ، فَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ حَقُّ الرَّدِّ. الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْآمِرِ رِضَاهُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ. الثَّالِثَةُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأهُ عَنْ الدَّيْنِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْوَكِيلِ عَنْ الْعِلْمِ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ انْتَهَى. وَزِدْت عَلَى الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثِينَ السَّابِقَةِ: الْبَائِعُ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ كَمَا مَرَّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. وَالشَّاهِدُ إذَا أَنْكَرَ رُجُوعَهُ لَا يُسْتَحْلَفُ؛ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا، وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَهَا لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ؛ وَلَوْ أَقَرَّ بِهَا قُطِعَ وَكَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ؛ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَلَا الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَلَا الْمُتَوَلِّي لِلْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ الْعَقْدَ فَيَحْلِفُونَ حِينَئِذٍ انْتَهَى.

قُلْت: وَزِدْت عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ. فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ لِابْنِي الصَّغِيرِ فَلَا يَحْلِفُ. وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، فَإِذَا اُسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْأُولَى مِنْهَا فَقَطْ فِي الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ) أَيْ بِرِضَا الْمُوَكِّلِ ط (قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْآمِرِ رِضَاهُ) أَيْ رِضَا الْآمِرِ فَافْهَمْ. وَصُورَتُهَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ شَيْئًا فَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَأَرَادَ الْآمِرُ أَيْ الْمُوَكِّلُ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْآمِرِ أَنَّك رَضِيت بِالْعَيْبِ لَا يَحْلِفُ الْآمِرُ أَيْ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهِ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ مَا دَامَ حَيًّا وَلِوَصِيِّهِ مِنْ بَعْدِهِ لَا لِلْمُوَكِّلِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْوَكِيلَ إقْرَارُهُ: أَيْ مُقْتَضَى إقْرَارِهِ وَهُوَ تَرْكُ الْمُخَاصَمَةِ مَعَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَكِيلُهُ أَفَادَهُ ط وَمِثْلُهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ: وَزِدْت عَلَى الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثِينَ السَّابِقَةِ) هَذَا مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ وَهُوَ عَجِيبٌ، فَإِنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ وَهُمَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ (قَوْلُهُ: الْبَائِعُ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِّ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي إبَاقَ الْعَبْدِ مَثَلًا لَمْ يَحْلِفْ بَائِعُهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي لِتَتَوَجَّهَ الْخُصُومَةُ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ بَرْهَنَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِقِيَامِ الْعَيْبِ لِلْحَالِّ أَيْ بِأَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ إقْرَارُهُ أَيْ حُكْمُ إقْرَارِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ صَارَ خَصْمًا حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى أَنَّهُ مَا أَبَقَ عِنْدَك أَيْضًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ بِإِبَاقِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ أَيْضًا حَتَّى يَثْبُتَ الرَّدُّ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ) أَيْ مَرَّ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى لَا هُنَا (قَوْلُهُ: ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) أَيْ بِشَهَادَتِهِ (قَوْلُهُ وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَهَا) أَيْ أَنْكَرَ السَّرِقَةَ (قَوْلُهُ: لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ حَلَفَ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ عَنْ عِصَامٍ حِينَ سَأَلَهُ أَمِيرُ بَلْخٍ عَنْ سَارِقٍ يُنْكِرُ فَقَالَ عِصَامٌ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا قَالَ: الْإِسْبِيجَابِيُّ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ إلَى إلَخْ) أَيْ لَوْ جَنَى الصَّبِيُّ جِنَايَةً فَأَنْكَرَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ ادَّعَى أَحَدٌ جِدَارَ الْمَسْجِدِ أَوْ الدَّارَ الْمَوْقُوفَةَ، وَأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى الْوَقْفِ شَيْئًا بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي السَّابِقِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ الْعَقْدَ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمْ أَنَّهُ آجَرَ كَذَا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ الصَّبِيِّ مَثَلًا وَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لِمَنْ ادَّعَى الِاسْتِئْجَارَ ط (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ مَا فِي الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ط.

(قَوْلُهُ: قُلْت) مِنْ كَلَامِ الشَّرَفِ الْغَزِّيّ ط (قَوْلُهُ وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ خِلَافُهُ، وَلِذَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ. اهـ. سَائِحَانِيٌّ.

(4/488)


وَالْمُدَّعَى أَرْضٌ يُقْضَى بِالْأَرْضِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّبِيِّ، إنْ صَدَّقَ الْمُدَّعِيَ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ ضَمِنَ الْوَلَدُ قِيمَةَ الْأَرْضِ، وَيُؤْخَذُ الْأَرْضُ مِنْ الْمُدَّعِي وَتُدْفَعُ لِلصَّبِيِّ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ لَمْ يَظْهَرْ جُحُودُهُ وَلَا تَصْدِيقُهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ فَكَذَلِكَ هُنَا. قُلْت: وَعَلَى الْأَوَّلِ رُجُوعُ هَذِهِ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهَا لِلصَّبِيِّ ظَهَرَ أَنَّهَا مِنْ مَالِهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. الثَّانِيَةُ - لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَحَضَرَ الشَّفِيعُ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ. قَالَ فِي النَّوَازِلِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا فَحَضَرَ الشَّفِيعُ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ أَوْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَا بَيِّنَةَ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ لِابْنِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. .

الثَّالِثَةُ - لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ غُلَامٌ أَوْ جَارِيَةٌ أَوْ ثَوْبٌ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ فَقَدَّمَاهُ إلَى الْقَاضِي فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَرَادَ الْآخَرُ تَحْلِيفَهُ، فَإِنْ ادَّعَى مِلْكًا مُرْسَلًا أَوْ شِرَاءً مِنْ جِهَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ، فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَذَا فِي النَّوَازِلِ. الرَّابِعَةُ - لَوْ اشْتَرَى الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارًا ثُمَّ اخْتَلَفَ مَعَ الشَّفِيعِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ بِلَا يَمِينٍ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ فَنِّ الْحِيَلِ: إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا بَاطِلًا فَالْحِيلَةُ لِمَنْعِ الْيَمِينِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِابْنِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُبَايِنٌ لِقَوْلِ الْفَضْلِيِّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ سَوَّوْا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْأَجْنَبِيِّ دَفْعًا لِلْحِيَلِ، وَبَعْضَهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلْغَائِبِ يَتَوَقَّفُ عَمَلُهُ عَلَى تَصْدِيقِهِ، فَلَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ فَلَا تَسْقُطُ الْيَمِينُ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِلصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّعَى أَرْضٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَرْضًا.
وَفِي بَعْضِهَا: وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَرْضٌ وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ الْوَلَدُ قِيمَةَ الْأَرْضِ) أَيْ لِلْمُدَّعِي اهـ ح (قَوْلُهُ: وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ لَمْ يُظْهِرْ جُحُودَهُ وَلَا تَصْدِيقَهُ) جُمْلَةُ لَمْ يُظْهِرْ إلَخْ صِفَةٌ لِغَائِبٍ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ لِغَائِبٍ مَا نَصُّهُ: أَيُّ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكِي فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ مَثَلًا لَمْ يُظْهِرْ جُحُودَهُ وَلَا تَصْدِيقَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا هَامِشٌ أُلْحِقَتْ بِالْأَصْلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ) أَيْ فَيَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَيُنْتَظَرُ قُدُومُ الْغَائِبِ فَإِنْ صَدَّقَ الْمُدَّعِيَ فِيهَا وَإِلَّا دَفَعَ لَهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمُدَّعِي ط (قَوْلُهُ: قُلْت) مِنْ كَلَامِ الشَّرَفِ الْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ بَعْدَ التَّحْلِيفِ (قَوْلُهُ: إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ وَهُوَ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَالُ الصَّبِيِّ وَهُنَا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ مَالُهُ إلَّا بِإِقْرَارِ الْأَبِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَقَرَّ تَحَيُّلًا لِدَفْعِ الدَّعْوَى عَنْهُ ط (قَوْلُهُ: فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ) يَعْنِي وَأَقَرَّ أَنَّهَا لِابْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ عَنْ النَّوَازِلِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ إنْكَارِ الشِّرَاءِ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ التَّحْلِيفَ بَلْ يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ) الصَّوَابُ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ وَلِمَا عَلِمْت. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى شُفْعَةً بِجِوَارٍ فَقَالَ خَصْمُهُ: هَذِهِ الدَّارُ لِابْنِي هَذَا الطِّفْلِ صَحَّ إقْرَارُهُ لِابْنِهِ، إذْ الدَّارُ فِي يَدِهِ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَكَانَ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ فَصَحَّ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ تَحْلِيفُهُ بِاَللَّهِ مَا أَنَا شَفِيعُهَا لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ بِالشُّفْعَةِ عَلَى ابْنِهِ لَمْ يَجُزْ فَلَا يُفِيدُ التَّحْلِيفُ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ فِي الْخُصُومَاتِ؛ وَلَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ عَلَى الشِّرَاءِ كَانَ الْأَبُ خَصْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الِابْنِ.

(قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِ الْبَحْرِ. وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شَيْءٌ فَادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلٌّ الشِّرَاءَ مِنْهُ، نَعَمْ فِي هَذِهِ زِيَادَةُ الدَّعْوَى فِي الْمِلْكِ الْمُرْسَلِ فِي الزَّوَاهِرِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ الثَّمَنَ مَالُ الصَّبِيِّ وَلَا يُسْتَحْلَفُ

(4/489)


الْخَامِسَةُ - لَوْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ وَرَبُّ الْمَسْرُوقِ أَنَّهُ قَائِمٌ عِنْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلسَّارِقِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ: وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ السَّارِقِ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهُ هَلْ يَضْمَنُ قَالَ لَا. وَيَسْتَوِي حُكْمُهُ فِيمَا اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَبَعْدَ الْقَطْعِ، قِيلَ: لَهُ: فَإِنْ قَالَ السَّارِقُ قَدْ هَلَكَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ: لَمْ تَسْتَهْلِكْهُ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَك هَلْ يَحْلِفُ؟ قَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّارِقِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. السَّادِسَةُ - إذَا وَهَبَ رَجُلٌ شَيْئًا وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَاكَ الْمَوْهُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا.

السَّابِعَةُ - ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَصِيُّ فُلَانٍ الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ. الثَّامِنَةُ - ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّك وَكِيلُ فُلَانٍ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ لَا يَحْلِفُ وَهُمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. التَّاسِعَةُ - قَالَ الْوَاهِبُ: اشْتَرَطْتُ الْعِوَضَ وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ تَشْتَرِطْهُ فَالْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ. الْعَاشِرَةُ - اشْتَرَى الْعَبْدُ شَيْئًا فَقَالَ الْبَائِعُ: أَنْتِ مَحْجُورٌ وَقَالَ الْعَبْدُ: أَنَا مَأْذُونٌ فَالْقَوْلُ لَهُ بِدُونِ الْيَمِينِ. الْحَادِيَةَ عَشَرَ - إذَا اشْتَرَى عَبْدٌ مِنْ عَبْدٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا مَحْجُورٌ وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا وَأَنْتَ مَأْذُونٌ لَنَا فَالْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ. الثَّانِيَةَ عَشَرَ - بَاعَ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَقَالَ الْقَاضِي: أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَهُ إجَارَةَ أَرْضِ الْيَتِيمِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ؛ كَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يَدَّعِي عَلَيْهِ. .

الثَّالِثَةَ عَشَرَ - لَوْ طَالَبَ أَبُو الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا بِالْمَهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ لَوْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا وَلَوْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالزَّوْجُ فِي بَكَارَتِهَا وَلَا بَيِّنَةَ لِلزَّوْجِ وَالْتَمَسَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ عَلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ. عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْلِفُ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ صَاحِبَ الدِّينِ أَبْرَأهُ وَأَنْكَرَ الْوَكِيلُ لَا يَحْلِفُ الْوَكِيلُ وَكَذَلِكَ هُنَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلسَّارِقِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بَعْدَ الْقَطْعِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُ الْمَسْرُوقِ إلَّا بِالْقَطْعِ فَيَكُونُ قَبْلَهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَإِنْ سَقَطَ الضَّمَانُ بِالْقَطْعِ بَعْدُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي حُكْمُهُ) وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: فِيمَا اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ) يَعْنِي ثُمَّ قُطِعَ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ، أَمَّا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَلَمْ يُقْطَعْ بَعْدُ بَقِيَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُ تَقَوُّمَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: السَّارِقُ قَدْ هَلَكَ إلَخْ) هَذَا مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَعَبَّرَ بِالْهَلَاكِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ لَازِمُ الِاسْتِهْلَاكِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الرَّدَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ ط.

(قَوْلُهُ: السَّابِعَةُ) تَقَدَّمَتْ هِيَ وَالثَّامِنَةُ فِي جُمْلَةِ الْإِحْدَى وَالثَّلَاثِينَ الْمَارَّةِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْهِبَةِ أَنْ تَكُونَ بِلَا عِوَضٍ ط (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهُ بِدُونِ الْيَمِينِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ إقْدَامَ الْبَائِعِ عَلَى بَيْعِهِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِالْإِذْنِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَنَاقُضِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَقَالَ الْقَاضِي: أَبْرَأْتَنِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ) فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ الْقَوْلِيَّ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى، وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ: ط أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ لَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا) أَمَّا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً ثَيِّبًا فَإِنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ قَبْضُ مَهْرِهَا مِنْ الزَّوْجِ بِلَا إذْنِهَا (قَوْلُهُ: عَلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا ثَيِّبٌ.

(4/490)


الرَّابِعَةَ عَشَرَ - اشْتَرَى أَمَةً فَادَّعَى أَنَّ لَهَا زَوْجًا فَقَالَ الْبَائِعُ: لَهَا زَوْجُ عَبْدِي فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ مَاتَ فَالْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: وَهَذَا التَّحْرِيرُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ، كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ أَيْضًا. .

[قُلْت: وَفِي حَاشِيَتِهَا لِلشَّيْخِ صَالِحٍ زَادَ سَبْعَةً أُخَرَ فَنَقُولُ] : الْخَامِسَةَ عَشَرَ - لَوْ طَعَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشَّاهِدِ وَقَالَ: هُوَ ادَّعَى هَذِهِ الدَّارَ لِنَفْسِهِ قَبْلَ شَهَادَتِهِ فَأَنْكَرَ فَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. السَّادِسَةَ عَشَرَ - إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرِقَةً بِدُيُونِ جَمَاعَةٍ بِأَعْيَانِهَا فَجَاءَ غَرِيمٌ آخَرُ وَادَّعَى دَيْنًا لِنَفْسِهِ فَالْخَصْمُ هُوَ الْوَارِثُ لَكِنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَوْ أَقَرَّ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ فَلَمْ يَحْلِفْ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. .

السَّابِعَةَ عَشَرَ - رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِهَا ثُمَّ أَنْكَرَ إقْرَارَهُ هَلْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَقْرَرْت قَالَ الدَّبُوسِيُّ: نَعَمْ وَقَالَ الصَّفَّارُ: لَا، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. .

الثَّامِنَةَ عَشَرَ - دَفَعَ لِآخَرَ مَالًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ: قَبَضْت وَدِيعَةً وَقَالَ الدَّافِعُ: بَلْ لِنَفْسِك لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي: الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ قَبْضُ مَالِ الْغَيْرِ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. .

التَّاسِعَةَ عَشَرَ - رَجُلٌ قَدَّمَ رَجُلًا لِلْقَاضِي وَقَالَ: إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرِي وَلَهُ عَلَى هَذَا كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَاهُ، فَقَالَ الِابْنُ: اسْتَحْلِفْهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي ابْنُهُ وَأَنَّهُ مَاتَ لَمْ يَحْلِفْ بَلْ يُبَرْهِنُ الِابْنُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ يُحَلِّفُهُ عَلَى مَا يَدَّعِي لِأَبِيهِ مِنْ الْمَالِ، وَقِيلَ: يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ، الْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَحْلِفُ وَلْوَالِجِيَّةٌ. الْعِشْرُونَ - مِنْهَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْقَاضِي: إنَّهُ قَدْ كَانَ ادَّعَى عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ كَذَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْ دَعْوَاهُ ذَلِكَ فَأَبْرَأنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَحَلِّفْهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَرِّئْنِي مِنْهَا، فَإِنْ حَلَفَ حَلَفْت لَهُ مَا لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، اُخْتُلِفَ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى دَعْوَاهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَمِنْهَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ خَرَقَ ثَوْبَهُ وَأَحْضَرَ الثَّوْبَ مَعَهُ لِلْقَاضِي وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى السَّبَبِ لَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ: فَادَّعَى أَنَّ لَهَا زَوْجًا) أَيْ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةً وَهِيَ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا.

(قَوْلُهُ وَقَالَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ أَيْ الشَّاهِدُ

(قَوْلُهُ: فَأَقَرَّ بِهَا) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ) أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَقَرَّ كَاذِبًا، فَفِي إلْزَامِهِ بِالْحَلِفِ عَلَى الْإِقْرَارِ إضْرَارٌ بِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بَلْ لِنَفْسِك) أَيْ قَرْضًا أَوْ غَصْبًا فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْك بِالْهَلَاكِ (قَوْلُهُ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلدَّافِعِ، فَقَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ ط.

(قَوْلُهُ: بَلْ يُبَرْهِنُ الِابْنُ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي ابْنُهُ وَأَنَّهُ مَاتَ (قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ قَوْلُ الثَّانِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَوْلُ الثَّانِي وَهِيَ أَوْلَى، لِأَنَّ الثَّانِيَ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَقَطْ وَحَيْثُ كَانَ الصَّحِيحُ التَّحْلِيفَ فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا الَّتِي بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ دَعْوَاهُ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ نَفْسِ دَعْوَاهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ تَرَكَهَا أَوْ مِنْ مَكَانِ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ) أَيْ مُدَّعِي الْمَالِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى دَعْوَاهُ: أَيْ دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَبْرَأهُ عَنْ الدَّعْوَى كَمَا يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى التَّحْلِيفِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ: أَيْ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ حَلَّفَنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ فُلَانٍ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى السَّبَبِ) أَيْ سَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْخَرْقُ لَا يُحَلِّفُهُ عَلَى السَّبَبِ بِأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ مَا خَرَقْته لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرِقُهُ بِإِذْنِهِ أَوْ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ بَاعَهُ لَهُ مَخْرُوقًا

(4/491)


فَائِدَةٌ] قُلْت: وَبِهَذِهِ مَعَ مَا قَبْلَهَا صَارَتْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ فَلْيُحْفَظْ، وَقَدْ أَفَادَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْجَهَالَةَ كَمَا تَمْنَعُ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ تَمْنَعُ الِاسْتِحْلَافَ أَيْضًا، إلَّا إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ الْيَتِيمِ أَوْ قَيِّمَ مَوْقِفٍ، وَلَا يَدَّعِي شَيْئًا مَعْلُومًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. .

[قَوْلُ الْأَشْبَاهِ: الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَخْ] أَيْ فَيُنْقَضُ فِيهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ. قَالَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخُ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهَا الْمُسَمَّاةِ بِزَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ فِي التَّفْسِيرِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَقَدْ ظَفِرْت بِمَسَائِلَ أُخَرَ فَزِدْتهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ، وَقَسَمْتهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، بَلْ يُحَلِّفُهُ لَا ضَمَانَ لَهُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْخَرْقِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: فَائِدَةٌ) سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: وَبِهَذِهِ مَعَ مَا قَبْلَهَا صَارَتْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ) أَقُولُ: بَلْ هِيَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ فِي الْخَانِيَّةِ إحْدَى وَثَلَاثُونَ.
وَزَادَ فِي الْبَحْرِ سِتَّةً. وَفِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ. وَفِي الزَّوَاهِرِ سَبْعَةٌ. اهـ. ح. قُلْت: بَلْ هِيَ سِتُّونَ بِزِيَادَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَبِمَسْأَلَةِ الْجَهَالَةِ الْآتِيَةِ تَصِيرُ إحْدَى وَسِتِّينَ. وَزِدْت عَلَيْهَا ثَمَانِيَ مَسَائِلَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الشَّاهِدُ لَوْ أَنْكَرَ الشَّهَادَةَ لَا يَحْلِفُ. الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ قَالَ: كَذَبَ الشَّاهِدُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِيَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَحْلِفُ. ادَّعَى عَلَيْهِ عِتْقَ أَمَتِهِ أَوْ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ قِيلَ: يَحْلِفُ، وَقِيلَ: لَا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. ادَّعَيَا امْرَأَةً وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: تَزَوَّجْتهَا فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا وَأَنْكَرَتْ لِلْآخَرِ لَا تَحْلِفُ لَهُ وِفَاقًا، وَكَذَا لَوْ لَمْ تُقِرَّ وَلَكِنْ حَلَفَتْ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَتْ لَا تَحْلِفُ لِلْآخَرِ. بَالِغَةٌ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا فَادَّعَى الزَّوْجُ رِضَاهَا وَأَنْكَرَتْ لَا تَحْلِفُ. وَكَذَا أَوْ زَوَّجَهَا رَجُلٌ لِآخَرَ ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ. ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ فِي يَدِهِ وَلَا بَيِّنَةَ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا تَحْلِيفَ الْآخَرِ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ فِي يَدِي، قِيلَ: يَحْلِفُ، وَقِيلَ: لَا اهـ فَصَارَتْ تِسْعَةً وَسِتِّينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (قَوْلُهُ: تُمْنَعُ الِاسْتِحْلَافَ أَيْضًا) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ خِيَانَةً مُبْهَمَةً (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي إلَخْ) زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ أَرْبَعَةً غَيْرَ هَاتَيْنِ: الْأُولَى إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ عَلَى الْمُودَعِ خِيَانَةً مُطْلَقَةً فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ فِي الْقُنْيَةِ. الثَّانِيَةُ الرَّهْنُ الْمَجْهُولُ. الثَّالِثَةُ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ. الرَّابِعَةُ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ. اهـ. .

[مَطْلَبٌ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهِدٍ فِيهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ]
َ (قَوْلُهُ: قَوْلُ الْأَشْبَاهِ الْقَاضِي إذَا قَضَى إلَخْ) عِبَارَتُهُ مَعَ زِيَادَةِ تَفْسِيرٍ لِلتَّوْضِيحِ: الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهِدٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ نَصَّ أَصْحَابُنَا فِيهَا عَلَى عَدَمِ النَّفَاذِ لَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إذَا لَمْ يُخَاصِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَهُوَ فِي الْمِصْرِ بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَهْجُورٌ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ إذَا رُفِعَ إلَى آخَرَ أَبْطَلَهُ وَجَعَلَ الْمُدَّعِيَ عَلَى حَقِّهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ بُطْلَانَ الْحَقِّ فِي الْآخِرَةِ بَلْ بُطْلَانَ الدَّعْوَى بِهِ، لَكِنَّ كَوْنَهُ مَهْجُورًا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ هُوَ مَعْمُولٌ عِنْدَنَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى بُطْلَانِ الدَّعْوَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ السُّكُوتِ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى إذَا سَكَتَ عِنْدَ بَيْعِ الْقَرِيبِ أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ سَكَتَ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، أَوْ سَكَتَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً مُطْلَقًا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ قَالَ: أَوْ بِالتَّفْرِيقِ لِلْعَجْزِ عَلَى الْإِنْفَاقِ غَائِبًا عَلَى الصَّحِيحِ لَا حَاضِرًا: أَيْ فَإِنَّهُ إذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ عَلَى الزَّوْجِ الْحَاضِرِ بِالْفُرْقَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ نَفَذَ حُكْمُهُ عِنْدَنَا، بِخِلَافِ الْغَائِبِ لِأَنَّ عَجْزَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَا يَنْفُذُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ لِظُهُورِ مُجَازَفَةِ الشُّهُودِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ

(4/492)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي النَّفَقَةِ فَافْهَمْ قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ مَزْنِيَّةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ: لِأَنَّ النِّكَاحَ لُغَةً الْوَطْءُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْفُذُ لِأَنَّ هَذَا النَّصَّ ظَاهِرٌ وَالتَّأْوِيلُ فِيهِ سَائِغٌ.
قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ أُمِّ مَزْنِيَّتِهِ أَوْ بِنْتِهَا: أَيْ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، وَسَتَأْتِي فِي عِبَارَةِ الزَّوَاهِرِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ: أَوْ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَيْ لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا قَالَ: أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ أَيْ بِأَنْ لَمْ يُخَاصِمْ زَوْجُهَا فِيهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ ثُمَّ خَاصَمَتْهُ يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي الصَّدَاقِ، وَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى خُصُومَتِهَا شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ قَضَى عَلَيْهَا بِبُطْلَانِهِ لَمْ يَنْفُذْ قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ: أَيْ فَلَوْ رُفِعَ قَضَاؤُهُ لِقَاضٍ أَبْطَلَهُ وَأَجَلَّ الزَّوْجَ حَوْلًا خَانِيَّةٌ، قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بِلَا رِضَاهَا أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى الْحُبْلَى، أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ عَلَى الْحَائِضِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ: أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، فَمَنْ قَالَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَوْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فَقَدْ أَثْبَتَ الْحِلَّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِدُونِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابِ، فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِهِ شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ.
قُلْت: فَمَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ إلَى ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ وُقُوعِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَفْتَى بِهِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا فَهُوَ جَاهِلٌ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي إفْتَاءٍ طَوِيلٍ قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ عَقِبَهُ عِبَارَتُهُ فِي الْبَحْرِ، أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ. قَالَ: أَوْ بِنِصْفِ الْجِهَازِ لِمَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ بَعْدَ الْمَهْرِ وَالتَّجْهِيزِ: أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَمَا قَبَضَتْ الْمَهْرَ وَتَجَهَّزَتْ بِهِ فَقَضَى الْقَاضِي لِلزَّوْجِ بِنِصْفِ الْجِهَازِ لِرَأْيِهِ أَنَّ الزَّوْجَ بِدَفْعِ الْمَهْرِ رَضِيَ بِتَصَرُّفِهَا فِيهِ فَصَارَ كَأَنَّ الزَّوْجَ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ وَسَاقَهُ إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ نِصْفُهُ لَمْ يَنْفُذْ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِخِلَافِ النَّصِّ، لِأَنَّهُ - تَعَالَى - جَعَلَ لَهُ نِصْفَ الْمَفْرُوضِ أَيْ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ وَالْجِهَازُ غَيْرُ مُسَمًّى فَلَا يَتَنَصَّفُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ: أَوْ بِشَهَادَةٍ بِخَطِّ أَبِيهِ أَيْ شَهَادَتِهِ عَلَى شَيْءٍ بِسَبَبِ رُؤْيَتِهِ بِخَطِّ أَبِيهِ قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: صُورَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ فَوَجَدَ ابْنُهُ خَطَّ أَبِيهِ فِي صَكٍّ وَعَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ الصَّكِّ لِأَنَّ الِابْنَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ مَهْجُورٌ إلَخْ.
قُلْت: وَزَادَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، أَوْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِمَا فِي دِيوَانِهِ وَقَدْ نَسِيَ، وَبِشَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَى صَكٍّ لَمْ يَذْكُرْ مَا فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَاتَمَهُ، أَوْ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَى قَضِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ وَبِقَضَاءِ الْمَرْأَةِ فِي حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ اهـ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْفُصُولَيْنِ بِنَفَاذِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَإِنَّمَا حُكِيَ خِلَافًا فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَلَعَلَّهُ أَسْقَطَهَا مِنْ الْأَشْبَاهِ لِهَذَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ: أَوْ فِي قَسَامَةٍ بِقَتْلٍ: أَيْ قُضِيَ فِيمَا فِيهِ الْقَسَامَةُ بِالْقَتْلِ. وَصُورَتُهُ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَدَاوَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ دُخُولِهِ فِي الْمَحَلَّةِ وَوُجُودِ الْقَتِيلِ مُدَّةً قَرِيبَةً فَالْقَاضِي يُحَلِّفُ الْوَلِيَّ عَلَى دَعْوَاهُ؛ فَإِذَا حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِالْقِصَاصِ، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عِنْدَنَا قَالَ: أَوْ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ أَوْ قُضِيَ لِوَلَدِهِ أَيْ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ. أَمَّا لَوْ قُضِيَ بِشَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ عِنْدَهُ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَنْفُذُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُهُ عِنْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاءً فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ. قَالَ: أَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ، أَيْ لَوْ قَضَى بِمَا حَكَمَ بِهِ هَؤُلَاءِ

(4/493)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ غَيْرُ نَافِذٍ. قَالَ: أَوْ الْحَاكِمُ بِحَجْرِ سَفِيهٍ، يَعْنِي لَوْ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى سَفِيهٍ فَأَطْلَقَهُ آخَرُ جَازَ وَبَطَلَ قَضَاءُ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لِقَاضٍ ثَالِثٍ أَنْ يُنْفِذَهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ قَضَاءً بَلْ فَتْوًى لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَلَئِنْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ كَمَا لَوْ قَضَى الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْإِمْضَاءُ مِنْ قَاضٍ آخَرَ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مِنْ بَابِ الْحَجْرِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ الْحُكْمُ بِحَجْرِ سَفِيهٍ أَبْطَلَهُ قَاضٍ آخَرُ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَوْ رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ لَا يُنْفِذُهُ. أَمَّا لَوْ أَجَازَهُ الثَّانِي لَزِمَ الثَّالِثَ تَنْفِيذُهُ فَافْهَمْ. قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ نَصِيبِ السَّاكِتِ مِنْ قِنٍّ حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا أَيْ حَرَّرَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مُعْسِرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ لَوْ بَاعَ السَّاكِتُ نِصْفَهُ وَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ اخْتَصَمُوا إلَى آخَرَ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِدَامَةُ الرِّقِّ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ قَالَ: أَوْ بَيْعٌ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا: أَيْ عِنْدَ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ: وَقَالَا: يَنْفُذُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. قَالَ: أَوْ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ. عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ: يَنْفُذُ عَلَى الْأَصَحِّ: أَيْ الْأَظْهَرُ عَدَمُ النَّفَاذِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ: ثُمَّ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَبِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ السَّابِقُ عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْتَفِعُ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ. وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى عَدَمِ النَّفَاذِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
قَالَ: أَوْ بِبُطْلَانِ عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَوَدِ: أَيْ لَوْ قُتِلَ زَوْجُهَا أَوْ أَبُوهَا عَمْدًا فَعَفَتْ عَلَى الْقَاتِلِ فَأَبْطَلَهُ مَنْ لَا يَرَى لِلنِّسَاءِ حَقًّا فِي الْقِصَاصِ ثُمَّ قَبْلَ الْقَوَدِ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يُنْفِذُهُ وَيَحْكُمْ بِصِحَّةِ الْعَفْوِ وَبُطْلَانِ الْقَوَدِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْجُمْهُورِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَوَدِ فَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَتَعَرَّضُ بِشَيْءٍ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ سَدِيدٍ بَلْ السَّدِيدُ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَوَدِ يَلْزَمُهُ أَيْ الْقَائِدَ الْقِصَاصُ لَوْ عَالِمًا لِأَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا مَحْقُونَ الدَّمِ، وَلَوْ جَاهِلًا فَالدِّيَةُ. قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْخَلَاصِ، أَيْ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لِلْمُشْتَرِي: إنْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ الْمُشْتَرَاةُ مِنْ يَدِك فَأَنَا ضَامِنٌ لَك اسْتِخْلَاصَهَا بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْهِبَةِ وَأُسَلِّمُهَا إلَيْك، فَهَذَا الضَّمَانُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى قِيَاسٍ صَحِيحٍ فَالْقَضَاءُ بِهِ بَاطِلٌ. وَفَسَّرَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْخَلَاصَ بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ الدَّرَكُ وَالْعُهْدَةُ وَاحِدٌ عِنْدَهُمَا، وَحِينَئِذٍ فَالْقَضَاءُ بِهِ صَحِيحٌ وَإِذَا رُفِعَ إلَى آخَرَ لَا يُبْطِلُهُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ.
قَالَ: أَوْ بِزِيَادَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ مِنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ: أَيْ إذَا كَانَتْ بِلَا مُوجِبٍ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي زِيَادَةُ مَرْسُومِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ يَتَعَطَّلُ الْمَسْجِدُ بِدُونِهَا، أَوْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ عَالِمًا تَقِيًّا. قَالَ: أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الثَّانِي: أَيْ بِلَا دُخُولٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، نَعَمْ فِي قَضَاءِ الْفَتْحِ عَنْ الْفُصُولِ: إذَا طَلَّقَهَا الثَّانِي بَعْدَ الدُّخُولِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ نَفَذَ، إذْ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] الْآيَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ اهـ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الطَّلَاقِ فَرَاجِعْهُ. قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ مِلْكِ الْكَافِرِ مَالَ الْمُسْلِمِ بِإِحْرَازِهِ بِدَارِهِمْ، أَيْ دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِهِ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِهِمْ.
قَالَ: أَوْ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ: أَيْ لَوْ قَضَى بِبَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا مَعَ الْقَابِضِ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَصِحَّ إذْ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمُحْدِثِ، أَيْ لَوْ قَالَ: إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَمْرُك بِيَدِك فَرَعَفَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ وَقَضَى قَاضٍ بِصِحَّتِهَا وَبِأَنَّهُ صَارَ أَمْرُ الْمَرْأَةِ بِيَدِهَا، فَلِلْحَنَفِيِّ إبْطَالُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، " مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ " كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ فَتَأَمَّلْ

(4/494)


الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالثَّانِي مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالثَّالِثُ مَا لَا نَصَّ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَتَعَارَضَتْ فِيهِ تَصَانِيفُهُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ: أَوْ بِقَسَامَةٍ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ بِتَلَفِ الْمَالِ أَيْ إذَا تَلِفَ مَالُ إنْسَانٍ فِي مَحَلَّةٍ فَقَضَى بِضَمَانِهِمْ بِالْقَسَامَةِ قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ، فَلِلثَّانِي أَنْ يَنْقُضَهُ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ. قَالَ: أَوْ بِحَدِّ الْقَذْفِ بِالتَّعَرُّضِ، أَيْ كَقَوْلِهِ أَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ، وَقَالَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ قَوْلٌ مَهْجُورٌ خَالَفَهُ فِيهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَلِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يُبْطِلَهُ وَيَجْعَلَ ذَلِكَ الْمَحْدُودَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ قَالَ: أَوْ بِالْقُرْعَةِ فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ: أَيْ فِي مَرِيضٍ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبِيدِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، لَكِنْ صَرَّحَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ بِنَفَاذِهِ، نَعَمْ نَقَلَ فِي تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ نَوْعُ قِمَارٍ قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا لَمْ يَنْفُذْ فِي الْكُلِّ: أَيْ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، هَذَا مَا حَرَّرْته مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ وَالصَّيْرَفِيَّةِ والتتارخانية اهـ كَلَامُ الْأَشْبَاهِ بِزِيَادَاتٍ تُوَضِّحُهُ مَعَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي زَادَهَا فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَقِبَ ذَلِكَ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّ الْقَضَاءَ يُنْقَضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ مَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ بِلَا دَلِيلٍ وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ نَصُّهُ فِي الْوَقْفِ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَشَايِخِنَا كَغَيْرِهِمْ، شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ مَشَايِخُنَا فِيهِ) أَيْ فِي نَقْضِهِ، وَكَذَا هُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ بَعْدَهُ، وَأَرَادَ بِالْمَشَايِخِ الْإِمَامَ وَصَاحِبَيْهِ وَأَرَادَ بِالْأَصْحَابِ فِي قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الصَّاحِبَيْنِ ط.
مَطْلَبٌ الْمُرَادُ بِأَصْحَابِنَا أَئِمَّتُنَا الثَّلَاثَةُ، وَبِالْمَشَايِخِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ قُلْت: لَكِنَّ الْمَشْهُورَ إطْلَاقُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَأَمَّا الْمَشَايِخُ فَفِي وَقْفِ النَّهْرِ عَنْ الْعَلَامَةِ قَاسِمٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ فِي الِاصْطِلَاحِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ مَا لَا نَصَّ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ) أَيْ لَا نَصَّ فِيهِ ظَاهِرٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِي فِي قِسْمِ الثَّالِثِ إذَا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى خِلَافَهُ نَقَضَهُ عِنْدَ الثَّانِي، وَعَنْ الْإِمَامِ لَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَتَعَارَضَتْ فِيهِ تَصَانِيفُهُمْ) أَيْ تَصَانِيفُ الْأَصْحَابِ بِمَعْنَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ. مَطْلَبٌ قَضَايَا الْقُضَاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَضَايَا الْقُضَاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ حُكْمُهُ بِخِلَافِ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ وَهَذَا بَاطِلٌ، فَلِكُلٍّ مِنْ الْقُضَاةِ نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ. الثَّانِي حُكْمُهُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ يَنْفُذُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ. وَالثَّالِثُ حُكْمُهُ لِشَيْءٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْخِلَافُ بَعْدَ الْحُكْمِ فِيهِ: أَيْ يَكُونُ الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ فَقِيلَ: نَفَذَ وَقِيلَ: تَوَقَّفَ عَلَى إمْضَاءٍ آخَرَ، فَلَوْ أَمْضَاهُ يَصِيرُ كَالْقَاضِي الثَّانِي إذَا حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَلَيْسَ لِلثَّانِي نَقْضُهُ، فَلَوْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي بَطَلَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ. اهـ. ط وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ

(4/495)


فَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ] إذَا بَاعَ دَارًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَاسْتُحِقَّتْ مِنْهُ وَتَعَذَّرَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّهَا فَقُضِيَ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِدَارٍ مِثْلِهَا فِي الْمَوَاضِعِ وَالْخُطَّةِ وَالذَّرْعِ وَالْبِنَاءِ، كَقَوْلِ عُثْمَانَ الْبُسْتِيِّ: ثُمَّ رُفِعَ لِقَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ وَأَلْزَمَ بِرَدِّ الثَّمَنِ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا فَيُلْزِمْهُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ مَعَ الثَّمَنِ.

(وَمِنْهُ) حَاكِمٌ قَضَى بِبُطْلَانِ شُفْعَةِ الشَّرِيكِ ثُمَّ رُفِعَ لِقَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ وَيُثْبِتُ الشُّفْعَةَ لِلشَّرِيكِ لِمُخَالِفَتِهِ لِنَصِّ الْحَدِيثِ (وَمِنْهُ) الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ إذَا قَذَفَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ثُمَّ رَفَعَ الْحَاكِمُ لِقَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ أَبْطَلَهُ (وَمِنْهُ) مَا لَوْ حَكَمَ أَعْمَى ثُمَّ رُفِعَ لِمَنْ لَمْ يَرَهُ نَقَضَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءُ فَوْقَهَا.

(وَمِنْهُ) إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ نَقَضَهُ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ، وَكَذَا مَا أَدَّاهُ النَّائِمُ فِي نَوْمِهِ.

(وَمِنْهُ) الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي شِجَاجِ الْحَمَّامِ وَرُفِعَ لِآخَرَ لَا يُمْضِيهِ (وَمِنْهُ) الْحُكْمُ بِإِجَارَةِ الْمَدْيُونِ فِي دَيْنِهِ لَا يَنْفُذُ (وَمِنْهُ) الْقَضَاءُ بِخَطِّ شُهُودٍ أَمْوَاتٍ لَا يَنْفُذُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَتَعَذَّرَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّهَا) أَيْ إلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: فِي الْمَوَاضِعِ) أَيْ الْمَسَاكِنِ وَالْخُطَّةِ: أَيْ الْمَحَلَّةِ وَالذَّرْعِ أَيْ عَدَدِ الْأَذْرُعِ اهـ ح (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ عُثْمَانَ الْبُسْتِيِّ) هَذَا خِلَافُ مَا فِي الزَّوَاهِرِ، فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا أَنَّ عُثْمَانَ الْبُسْتِيَّ قَالَ: إذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْحَدِيثِ) هُوَ مَا وَرَدَ. أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ رَبْعٍ وَحَائِطٍ، فَلَا يُعْمَلُ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ط (قَوْلُهُ: إذَا قَضَى بَعْدَ ثُبُوتِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ أَيْ بَعْدَ أَنْ تَابَ وَهِيَ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِشَيْءٍ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، لَكِنْ كُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الزَّوَاهِرِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُحَشِّي أَبُو السُّعُودِ عَنْهَا. قُلْت: وَالصَّوَابُ قَبْلَ تَوْبَتِهِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَنْقُضُ وَلَا يُنْفِذُهُ أَحَدٌ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: وَأَمَّا الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إذَا قَضَى قَبْلَ التَّوْبَةِ فَالْقَاضِي الثَّانِي يُبْطِلُ قَضَاءَهُ لَا مَحَالَةَ، حَتَّى لَوْ نَفَذَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ ثَالِثٍ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْقَضَاءُ الثَّانِي مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلًا، أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا، لَكِنْ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُنْفِذَهُ، حَتَّى لَوْ نَفَذَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ لَيْسَ لِلثَّالِثِ أَنْ يُبْطِلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ مَا لَوْ حَكَمَ أَعْمَى إلَخْ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ أَمْضَى حُكْمَ الْأَعْمَى نَفَذَ إذْ فِي أَهْلِيَّةِ شَهَادَتِهِ خِلَافٌ ظَاهِرٌ، وَلَوْ رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى جَوَازَ قَضَائِهِ أَبْطَلَهُ: إذْ نَفْسُ الْحُكْمِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَارَّةِ آنِفًا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ ثَانٍ، فَإِنْ أَمْضَاهُ الثَّانِي نَفَذَ فَلَيْسَ لِثَالِثٍ إبْطَالُهُ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي بَطَلَ، فَهُوَ نَظِيرُ حُكْمِ الْمَحْدُودِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَعَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ ط.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا مَا أَدَّاهُ النَّائِمُ فِي نَوْمِهِ) يَعْنِي إذَا أَدَّى النَّائِمُ شَهَادَةً فَقَضَى بِهَا وَرُفِعَ لِقَاضٍ آخَرَ نَقَضَهُ ط

(قَوْلُهُ: فِي شِجَاجِ الْحَمَّامِ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الشَّهَادَاتِ: وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْمَلَاعِبِ، وَلَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ لِمَنْعِ الشَّرْعِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ بِهِ السَّجْنَ وَمَلَاعِبَ الصِّبْيَانِ وَحَمَّامَاتِ النِّسَاءِ فَكَانَ التَّقْصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِمْ لَا إلَى الشَّرْعِ بَزَّازِيَّةٌ وَصُغْرَى وَشُرُنْبُلَالِيُّ، لَكِنْ فِي الْحَاوِي: تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْقَتْلِ فِي الْحَمَّامِ بِحُكْمِ الدِّيَةِ لِئَلَّا يُهْدَرَ الدَّمُ اهـ فَلْيُتَنَبَّهْ عِنْدَ الْفَتْوَى. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْحُكْمُ بِإِجَارَةِ الْمَدْيُونِ فِي دَيْنِهِ) أَيْ لَوْ حَكَمَ لِلدَّائِنِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ مَدْيُونَهُ لِيَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْ أُجْرَتِهِ لَا يَنْفُذُ لِمُخَالَفَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] نَعَمْ، قَالُوا: إنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ يَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِدَفْعِ الْفَاضِلِ. هَذَا وَقَدْ أَسْقَطَ الشَّارِحُ مِنْ عِبَارَةِ الزَّوَاهِرِ مَسْأَلَةً قَبْلَ هَذِهِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: كُلِي أَوْ اشْرَبِي يُرِيدُ الطَّلَاقَ فَقَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رُفِعَ إلَى مَنْ لَا يَرَاهُ نَقَضَهُ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْقَضَاءُ بِخَطِّ شُهُودٍ أَمْوَاتٍ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَةِ فَالْحُكْمُ

(4/496)


(وَمِنْهُ) الْقَضَاءُ بِجَوَازِ بَيْعِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً.

(وَمِنْهُ) الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْأَسْفَارِ فِي الْوَصِيَّةِ ثُمَّ رُفِعَ لِمَنْ لَا يَرَاهُ نَقَضَهُ (وَمِنْهُ) إذَا قَضَى بِشَيْءٍ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ فَنَقَضَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ النَّقْضِ أُمْضِيَ النَّقْضُ (وَمِنْهُ) إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ لَمْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِهِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ فَرَدَّهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ رُفِعَ حُكْمُهُ لِآخَرَ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الرَّدَّ وَيُعِيدُهُ لِلْمُشْتَرِي.

(وَمِنْهُ) إذَا حَكَمَ بِتَحْرِيمِ بِنْتِ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا ثُمَّ رُفِعَ لِحَاكِمٍ آخَرَ أَبْطَلَ حُكْمَهُ الْأَوَّلَ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ. .

[وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي] إذَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ عَلَى قَوْلَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ النَّاسُ بِأَحَدِ قَوْلَيْهِمْ وَتَرَكُوا الْآخَرَ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِالْمَتْرُوكِ لَمْ يُنْقَضْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلثَّانِي (وَمِنْهُ) إذَا وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ وَحُكِمَ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ يَرَى خِلَافَهُ لَمْ يُبْطِلْهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ جَاهِلًا فَهُوَ فِي سَعَةٍ، وَإِنْ عَالِمًا لَا يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُحَلِّلُ وَلَا يُحَرِّمُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُنْتَقَى فِي رَجُلٍ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ فَقَضَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ ذَلِكَ مُطْلَقًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُهُ أَوْ قَوْلُ الْإِمَامِ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ {وَلا تَنْكِحُوا} [النساء: 22] وَهُوَ الْوَطْءُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِالْخَطِّ حُكْمٌ بِلَا شَهَادَةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: نَسِيئَةً) وَكَذَا مَعَ التَّفَاضُلِ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: نَقَضَهُ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: أَمْضَى النَّقْضَ) عِبَارَةُ الزَّوَاهِرِ ثُمَّ رُفِعَ النَّقْضُ إلَى آخَرَ أَمْضَى النَّقْضَ اهـ أَيْ حَمْلًا لِحُكْمِهِ بِالنَّقْضِ عَلَى الصِّحَّةِ، بِأَنْ عَلِمَ النَّاقِضُ أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ فَعَدَّ هَذِهِ هُنَا بِالنَّظَرِ إلَى هَذَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ) قَيَّدَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ بِالْجُنُونِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: يَرُدُّ الْعَبْدَ بِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ نُقْصَانٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَيَكُونُ مِنْ عِنْدِ الْبَائِعِ.

(قَوْلُهُ: الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: الْآيَةَ) تَتِمَّتُهَا {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] .

(قَوْلُهُ: لَمْ يُنْقَضْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) كَذَا فِي الزَّوَاهِرِ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْعِبَارَةَ مَقْلُوبَةٌ وَالصَّوَابُ يُنْقَضُ عِنْدَهُ بِإِسْقَاطِ لَمْ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأُصُولِيَّةُ، وَهِيَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ اللَّاحِقَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ؟ فَعِنْدَهُمَا لَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ، فَإِذَا حَكَمَ بِالْقَوْلِ الْمَتْرُوكِ أَيْ الَّذِي تَرَكَهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ، فَعِنْدَهُمَا لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِعَدَمِ ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ السَّابِقِ فَكَانَ حُكْمًا فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْقَضُ لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ فَيَكُونُ حُكْمًا مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَمِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إذَا وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ إلَخْ) فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: لَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا فَخَاصَمَتْهُ زَوْجَتُهُ إلَى قَاضٍ يَرَى أَنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ فَقَضَى بِهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ رَفَعَتْهُ إلَى قَاضٍ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّمُهَا عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يُبْطِلَ قَضَاءَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ، فَإِذَا قَضَى نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا قَضَى الثَّانِي بِخِلَافِهِ كَانَ قَضَاؤُهُ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، ثُمَّ هَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُقَامُ مَعَهَا، فَلَوْ جَاهِلًا وَقَضَى بِالْمَرْأَةِ لَهُ حَلَّ بِلَا شُبْهَةٍ لَا لَوْ قَضَى بِتَحْرِيمِهَا وَلَوْ عَالِمًا؟ فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ هُوَ لَا يَرَى تَحْرِيمَهَا وَالْقَاضِي قَضَى بِتَحْرِيمِهَا نَفَذَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا؟ وَإِنْ قَضَى لَهُ بِأَنْ كَانَ هُوَ يَرَى تَحْرِيمَهَا وَقَضَى لَهُ بِحِلِّهَا، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ، وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ اهـ مُلَخَّصًا.
وَرَأَيْت بِهَامِشِهِ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِذَا قَضَى نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْإِجْمَاعِ مَا نَصُّهُ: ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ الصُّغْرَى أَنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ وَلِلثَّانِي أَنْ يُبْطِلَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْفُذُ وَلَيْسَ لِلثَّانِي ذَلِكَ، فَكَانَ النَّفَاذُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مَوْقُوفًا عَلَى قَضَاءٍ ثَانٍ بِصِحَّةِ قَضَاءِ الْأَوَّلِ اهـ وَرَأَيْت نَحْوَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَالِمًا لَا يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ) أَيْ إنْ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا مُعْتَقِدًا لَهَا وَقُضِيَ لَهُ بِالْحِلِّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ ذَلِكَ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُهُ) أَيْ مَذْهَبُ صَاحِبِ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ أَوْ قَوْلُ الْإِمَامِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ {وَلا تَنْكِحُوا} [النساء: 22] أَيْ {مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] ،

(4/497)


(وَمِنْهُ) إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ غَلَطًا وَوَافَقَ قَوْلَ مُجْتَهِدٍ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ أَمْضَاهُ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَا: يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُ غَلَطٌ وَالْغَلَطُ لَيْسَ بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ (وَمِنْهُ) الْمَدْيُونُ إذَا حُبِسَ لَا يَكُونُ حَبْسُهُ حَجْرًا عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ: حَجْرٌ، فَلَوْ حَكَمَ بِهِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ نَقَضَهُ. وَقَالَا: يُنْفِذُهُ، فَلَوْ حَكَمَ الثَّانِي بِهِ نَفَذَ وَلَا يُنْقَضُ. .

[وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ] إذَا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ ثُمَّ رُفِعَ لِحَاكِمٍ يَرَى خِلَافَهُ نَقَضَهُ عِنْدَ الثَّانِي. وَعَنْ الْإِمَامِ لَا لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ (وَمِنْهُ) إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ أَوْ جَدِّهِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ لَا يَرَاهُ أَمْضَاهُ عِنْدَ الثَّانِي، وَيَنْقُضُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (وَمِنْهُ) إذَا تَزَوَّجَ الزَّانِي بِابْنَتِهِ مِنْ الزِّنَا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِحِلِّ ذَلِكَ ثُمَّ رُفِعَ لِمَنْ لَا يَرَاهُ أَبْطَلَهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَشْنِعُهُ النَّاسُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

(وَمِنْهُ) رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَلَا وَارِثَ لَهُ، ثُمَّ قَضَى الْقَاضِي بِمِيرَاثِهِ لِلْمُعْتَقِ ثُمَّ رُفِعَ لِحَاكِمٍ آخَرَ نَقَضَهُ وَجَعَلَ مَالَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلَا يَلْزَمُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ قَائِمٌ بِهِمَا فَاسْتَوَيَا كَالزَّوْجِيَّةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَهَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، بَلْ إنَّمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ قُضِيَ بِجَوَازِ نِكَاحِ مَزْنِيَّةِ الْأَبِ لِلِابْنِ أَوْ الِابْنِ لِلْأَبِ لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذْ الْحَادِثَةُ نُصَّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ اهـ ط.

[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ]
ِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَخْ) فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ: لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا نَفَذَ عِنْدَهُ. وَفِي الْعَامِدِ رِوَايَتَانِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَالْوَجْهُ الْآنَ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونَ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ حَجْرٌ) أَيْ الْحَبْسُ حَجْرٌ ط. قُلْت: وَالْقَاسِمُ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أَخَذَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَمَا فِي طَبَقَاتِ عَبْدِ الْقَادِرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ حَكَمَ الثَّانِي) أَيْ الْحَاكِمُ الثَّانِي بِأَنَّهُ حَجْرٌ نَفَذَ وَلَا يُنْقَضُ، مُفَادُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَقْسَامِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.

(قَوْلُهُ: إذَا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ) قَالَ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَنْفُذُ، وَفِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْإِمَامِ لَا) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَا نَصَّ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَشْنِعُهُ النَّاسُ) أَيْ يَعُدُّونَهُ أَمْرًا شَنِيعًا لِأَنَّهَا بِنْتُهُ حَقِيقَةً وَلُغَةً لِوُجُودِ الْجُزْئِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَطَعَ الشَّرْعُ نِسْبَتَهَا إلَيْهِ فَقَطْ، إذْ الْجُزْئِيَّةُ لَا تَنْتَفِي بِالزِّنَا ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَمُقْتَضَى عَدِّهِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُودُ الْخِلَافِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ بِفَتْحِهَا ط (قَوْلُهُ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) لِأَنَّ إنَّمَا تُفِيدُ قَصْرَ الْوَلَاءِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْوَلَاءِ الْإِرْثُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ لَا يَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ كَذَلِكَ: أَيْ إنَّهُ يَكُونُ إرْثُهُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَقَطْ كَمَا قُلْنَا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لِأَنَّهُ: أَيْ الْوَلَاءَ الْمَفْهُومَ مِنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَعْقِدَ رَجُلَانِ مَجْهُولَا النَّسَبِ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَهَذَا الْعَقْدُ قَائِمٌ بِهِمَا أَيْ وُجِدَ مِنْهُمَا فَيَتَوَارَثَانِ بِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْإِعْتَاقُ وَهُوَ قَائِمٌ

(4/498)


فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَامَ فَإِنَّهُ مِنْ جَوَاهِرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ: بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِالْمُعْتَقِ فَقَطْ كَالزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ وَالْإِرْثُ ثَابِتٌ بِهَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِقِيَامِ عَقْدِهَا بِهِمَا مَعًا فَيَتَوَارَثَانِ بِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ مِقْدَارُ الْإِرْثِ بِهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ تَفْضِيلُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِذُكُورَتِهِ وَكَوْنِهِ قَوَّامًا عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَامَ) أَيْ فُزْ بِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، حَيْثُ قَالَ: غَنِمَ بِالْكَسْرِ غُنْمًا بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ وَبِالتَّحْرِيكِ وَغَنِيمَةً وَغُنْمَانًا بِالضَّمِّ: الْفَوْزُ بِالشَّيْءِ بِلَا مَشَقَّةٍ اهـ وَالِاغْتِنَامُ افْتِعَالٌ مِنْهُ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا عَلَّمَ وَفَهَّمَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَبَارَكَ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ الْمُعَظَّمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ فِي سِلْكِهِ انْتَظَمَ، لَا سِيَّمَا إمَامُنَا الْأَعْظَمُ، وَقُدْوَتُنَا الْمُقَدَّمُ، وَأَصْحَابُهُ وَمَشَايِخُ مَذْهَبِهِ الْمُحْكَمِ، وَأَتْبَاعُهُمْ ذَوُو الْمَقَامِ الْأَفْخَمِ وَالْمُصَنِّفُ ذُو الْفَضْلِ الْمُسَلَّمِ، وَالشَّارِحُ الَّذِي أَتْقَنَ مَسَائِلَهُ وَأَحْكَمَ، وَوَالِدِينَا وَمَشَايِخُنَا وَأَهَالِينَا وَمَنْ أَسْدَى إلَيْنَا مَعْرُوفًا وَأَكْرَمَ {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15] وَتَقَبَّلْ مِنِّي هَذَا الْعَمَلَ، وَبَلِّغْنِي فِي إكْمَالِهِ غَايَةَ الْأَمَلِ، وَجَنِّبْنِي فِيهِ عَنْ الْخَطَإِ وَالْخَلَلِ، وَاجْعَلْهُ سَبَبًا لِغُفْرَانِ الذَّنْبِ وَالزَّلَلِ، وَلِحُسْنِ الْخِتَامِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَجَلِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

(4/499)