رد المحتار على الدر المختار

بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ
أَيْ مَنْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي قَبُولُ شَهَادَتِهِ وَمَنْ لَا يَجِبُ لَا مَنْ يَصِحُّ قَبُولُهَا، أَوْ لَا يَصِحُّ لِصِحَّةِ الْفَاسِقِ مَثَلًا كَمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِيَعْقُوبَ بَاشَا وَغَيْرِهِ.
(تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) أَيْ أَصْحَابِ بِدَعٍ لَا تُكَفِّرُ كَجَبْرٍ وَقَدَرٍ وَرَفَضٍ وَخُرُوجٍ وَتَشْبِيهٍ وَتَعْطِيلٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً فَصَارُوا اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ (إلَّا الْخَطَابِيَّةَ) صِنْفٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَلِكُلِّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فَرَدَّهُمْ لَا لِبِدْعَتِهِمْ بَلْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَمْ يَبْقَ لِمَذْهَبِهِمْ ذِكْرٌ بَحْرٌ (وَ) مِنْ (الذِّمِّيِّ) لَوْ عَدْلًا فِي دِينِهِمْ جَوْهَرَةٌ (عَلَى مِثْلِهِ) إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ مَشْهُورًا فَلَا تُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ تُقْبَلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُقْبَلُ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي الْعِنَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ مَاتَ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مَنْ شَهِدَ مَوْتَهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ جَازَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ حَامِدِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ.

[بَابُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي]
بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ.
(قَوْلُهُ أَيْ مَنْ يَجِبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي وَمَنْ لَا يَجِبُ لَا مَنْ يَصِحُّ قَبُولُهَا وَمَنْ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ مِمَّنْ ذَكَرَهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ الْفَاسِقُ وَهُوَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ صَحَّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْأَصْلِ، لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ أَوْ بِشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخَرَ لِصَاحِبِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ أَوْ عَكْسِهِ نَفَذَ حَتَّى لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ، وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ فَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ حِلِّهِ: وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي اخْتِلَافًا فِي النَّفَاذِ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ بَعْدَ التَّوْبَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ لِصِحَّةِ الْفَاسِقِ) أَيْ شَهَادَتِهِ.
(قَوْلُهُ مَثَلًا) إنَّمَا قَالَ مَثَلًا لِيَشْمَلَ الْأَعْمَى.
(قَوْلُهُ تُقْبَلُ إلَخْ) أَيْ لَا قَبُولًا عَامًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ بَلْ الْمُرَادُ أَصْلُ الْقَبُولِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَّارٌ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ، وَمَا أَوْقَعَهُمْ فِيهِ إلَّا التَّعَمُّقُ وَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ، وَالْفَاسِقُ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتُهْمَةِ الْكَذِبِ مَدَنِيٌّ.
(قَوْلُهُ لَا تُكَفِّرُ) فَمَنْ وَجَبَ إكْفَارُهُ مِنْهُمْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ كَمَا فِي التَّقْرِيرِ. وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ السِّرَاجِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مَاجِنًا، وَيَكُونَ عَدْلًا فِي تَعَاطِيهِ. وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي السُّنِّيِّ، فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلِكُلِّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فَرَدُّهُمْ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالرَّاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ بَدَلَ الْوَاوِ، وَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ فِي تَفْسِيرِهِمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ ابْنِ الْكَمَالِ، نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ كَمَا هُنَا حَيْثُ قَالَ: هُمْ صِنْفٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْأَجْدَعِ الْكُوفِيِّ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ الشَّهَادَةِ لِمَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ، وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الشَّهَادَةَ وَاجِبَةٌ لِشِيعَتِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا اهـ. وَفِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَالُوا الْأَئِمَّةُ الْأَنْبِيَاءُ وَأَبُو الْخَطَّابِ نَبِيٌّ، وَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِلُّونَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَقَالُوا الْجَنَّةُ نَعِيمُ الدُّنْيَا كَالنَّارِ آلَامُهَا.
(قَوْلُهُ بَلْ لِتُهْمَةِ إلَخْ) وَمِنْ التُّهْمَةِ الْمَانِعَةِ أَنْ يَجُرَّ الشَّاهِدُ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا خَانِيَّةٌ، فَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَيْسَتْ مَقْبُولَةً لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ هِدَايَةٌ، كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ الذِّمِّيِّ إلَخْ) قَالَ فِي فَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: مَاتَ وَعَلَيْهِ

(5/472)


عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَتَبْطُلُ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَكَذَا بَعْدَهُ لَوْ بِعُقُوبَةٍ كَقَوَدٍ بَحْرٌ (وَإِنْ اخْتَلَفَا مِلَّةً) كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (وَ) الذِّمِّيِّ (عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لَا عَكْسِهِ) وَلَا مُرْتَدٍّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْأَصَحِّ (وَتُقْبَلُ مِنْهُ عَلَى) مُسْتَأْمَنٍ (مِثْلِهِ مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ) لِأَنَّ اخْتِلَافَ دَارَيْهِمَا يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ كَمَا يَمْنَعُ التَّوَارُثَ (وَ) تُقْبَلُ مِنْ عَدُوٍّ بِسَبَبِ الدِّينِ (لِأَنَّهَا مِنْ التَّدَيُّنِ) بِخِلَافِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَجِيءُ؛ وَأَمَّا الصَّدِيقُ لِصَدِيقِهِ فَتُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَتْ الصَّدَاقَةُ مُتَنَاهِيَةً بِحَيْثُ يَتَصَرَّفُ كُلٌّ فِي مَالِ الْآخَرِ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ مَعْزِيًّا لِمُعِينِ الْحُكَّامِ (وَ) مِنْ (مُرْتَكِبِ صَغِيرَةٍ) بِلَا إصْرَارٍ (إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) كُلَّهَا وَغَلَبَ صَوَابُهُ عَلَى صَغَائِرِهِ دُرَرٌ وَغَيْرُهَا قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى الْعَدَالَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: كُلُّ فِعْلٍ يَرْفُضُ الْمُرُوءَةَ وَالْكَرَمَ كَبِيرَةٌ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ الْكَمَالِ. قَالَ: وَمَتَى ارْتَكَبَ كَبِيرَةً سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ (وَ) مِنْ (أَقْلَفَ) لَوْ لِعُذْرٍ وَإِلَّا لَا وَبِهِ نَأْخُذُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ وَدَيْنٌ لِنَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: بُدِئَ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ؛ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ ذَلِكَ لِلنَّصْرَانِيِّ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ) وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَمَا إذَا شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ مَيِّتٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ مَدْيُونٌ مُسْلِمٌ، وَمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِعَيْنٍ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَمَا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ نَصَارَى عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ إلَّا إذَا قَالُوا اسْتَكْرَهَهَا فَيُحَدُّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَمَا إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ عَبْدًا فِي يَدِ كَافِرٍ فَشَهِدَ كَافِرَانِ أَنَّهُ عَبْدُهُ قَضَى بِهِ فُلَانٌ الْقَاضِي الْمُسْلِمُ لَهُ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مَدَنِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ إسْلَامِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ، قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَمْ تُقْبَلْ هِدَايَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي كَانُوا لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ فِي دَارِنَا، وَبِهِ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَمَوِيِّ مِنْ تَمْثِيلِهِ لِاتِّحَادِ الدَّارِ بِكَوْنِهِمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا لَزِمَ تَوَارُثُهُمَا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ صَارَ كَالْمُسْلِمِ، وَشَهَادَةُ الْمُسْلِمِ تُقْبَلُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَا الذِّمِّيُّ.
(قَوْلُهُ عَلَى صَغَائِرِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَبِلَا غَلَبَةٍ، قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْكَبِيرَةِ بِالْإِصْرَارِ، وَكَذَا بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حَيْثُ قَالَ: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ أَوْ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَتَصِيرُ كَبِيرَةً وَلِذَا قَالَ وَغَلَبَ صَوَابُهُ اهـ، قَالَ فِي الْهَامِشِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ، هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ فَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ. وَفِيهَا: وَالْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ عَلَيْهِ أَثَرَ التَّوْبَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَقْضِيَةِ: وَاَلَّذِي اعْتَادَ الْكَذِبَ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ذَخِيرَةٌ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ كَبِيرَةٌ) الْأَصَحُّ أَنَّهَا كُلُّ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ الدِّينِ كَمَا بَسَطَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا، حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ: وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ لِتَصِيرَ كَبِيرَةً حَسَنٌ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِعِصَامٍ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، غَيْرَ أَنَّ الْحَاكِمَ بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ فَلِذَا شُرِطَ فِي شُرْبِ الْمُحَرَّمِ وَالسُّكْرِ الْإِدْمَانُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ) وَتَعُودُ إذَا تَابَ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ التَّوْبَةَ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ

(5/473)


بَحْرٌ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ كُفْرٌ ابْنُ كَمَالٍ (وَخَصِيٍّ) وَأَقْطَعَ (وَوَلَدِ الزِّنَا) وَلَوْ بِالزِّنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَخُنْثَى) كَأُنْثَى لَوْ مُشْكِلًا وَإِلَّا فَلَا إشْكَالَ (وَعَتِيقٍ لِمُعْتِقِهِ وَعَكْسُهُ) إلَّا لِتُهْمَةٍ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ شَهِدَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا أَنَّ الثَّمَنَ كَذَا عِنْدَ اخْتِلَافِ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ لَمْ تُقْبَلْ لِجَرِّ النَّفْعِ بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ (وَلِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَمِنْ مُحَرَّمٍ رَضَاعًا أَوْ مُصَاهَرَةً) إلَّا إذَا امْتَدَّتْ الْخُصُومَةُ وَخَاصَمَ مَعَهُ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَفِي الْخِزَانَةِ: تَخَاصَمَ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَلُ لَوْ عُدُولًا (وَمِنْ كَافِرٍ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ مَوْلَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ) عَلَى وَكِيلٍ (حُرٍّ كَافِرٍ مُوَكِّلُهُ مُسْلِمٌ لَا) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) لِقِيَامِهَا عَلَى مُسْلِمٍ قَصْدًا وَفِي الْأَوَّلِ ضِمْنًا.
(وَ) تُقْبَلُ (عَلَى ذِمِّيٍّ مَيِّتٍ وَصِيَّةُ مُسْلِمٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ فَاسِقًا سِرًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِفِسْقِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الْمُدَّعِي وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ أَيْضًا اهـ.
[فَائِدَةٌ] مَنْ اُتُّهِمَ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ، وَالْمُعَدِّلُ إذَا قَالَ لِلشَّاهِدِ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ خَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ بَحْرٌ) مِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ كُفْرٌ) أَشَارَ إلَى فَائِدَةِ تَقْيِيدِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ لَا يَتْرُكَ الْخِتَانَ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ: وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ سَبْعٌ وَآخِرَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ.
(قَوْلُهُ وَخَصِيٍّ) لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِهِ أَنَّهُ مَظْلُومٌ، نَعَمْ لَوْ كَانَ ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ وَفَعَلَهُ مُخْتَارًا مُنِعَ. وَقَدْ قَبِلَ عُمَرُ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنَحٌ.
(قَوْلُهُ وَأَقْطَعَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْهَدُ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُ» مِنَحٌ.
(قَوْلُهُ بِالزِّنَا) أَيْ وَلَوْ شَهِدَ بِالزِّنَا عَلَى غَيْرِهِ تُقْبَلُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا لِأَنَّ فِسْقَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الْأَوَّلِ اهـ مَدَنِيٌّ.
(قَوْلُهُ كَأُنْثَى) فَيُقْبَلُ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ.
(قَوْلُهُ بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تَحَالُفَ بَعْدَ خُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي التَّحَالُفِ فَرَاجِعْهُ، وَقَوْلُهُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِ الْعِتْقِ مِنَحٌ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ مُحَرَّمٍ رَضَاعًا) قَالَ فِي الْأَقْضِيَةِ: تُقْبَلُ لِأَبَوَيْهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلِمَنْ أَرْضَعَتْهُ امْرَأَتُهُ وَلِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَأَبِيهَا بَزَّازِيَّةٌ مِنْ الشَّهَادَةِ فِيمَا تُقْبَلُ وَفِيمَا لَا تُقْبَلُ اهـ. وَتُقْبَلُ لِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَأَبِيهَا وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَلِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَلِأُخْتِ امْرَأَتِهِ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ عَنْ الْحَامِدِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْخُلَاصَةِ.
(قَوْلُهُ امْتَدَّتْ الْخُصُومَةُ) أَيْ سَنَتَيْنِ مِنَحٌ.
(قَوْلُهُ لَوْ عُدُولًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَاعِدْ الْمُدَّعِي فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يُكْثِرْ ذَلِكَ تَوْفِيقًا اهـ. وَوَفَّقَ الرَّمْلِيُّ بِغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَوْ عُدُولًا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَسْتُورِينَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَدَّ الْخُصُومَةُ لِلتُّهْمَةِ بِالْمُخَاصَمَةِ، وَإِذَا كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ؛ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا تَوْفِيقًا، وَمَا قُلْنَاهُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ الْعَدَالَةُ.
(قَوْلُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ مَيِّتٍ) نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا مِنْ النَّصَارَى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَقَامَ نَصْرَانِيٌّ آخَرِينَ كَذَلِكَ فَالْأَلْفُ الْمَتْرُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَحَاصَّانِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَبُولَ عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَطْ دُونَ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي فِي حَقِّهِمَا ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَبُولَهَا عَلَى الْمَيِّتِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ، نَعَمْ هُوَ قَيْدٌ لِإِثْبَاتِهَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي الْآخَرِ فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ نَصْرَانِيًّا أَيْضًا يُشَارِكُهُ وَإِلَّا فَالْمَالُ لِلْمُسْلِمِ، إذْ لَوْ شَارَكَهُ لَزِمَ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ ضِيقُ التَّرِكَةِ عَنْ الدَّيْنَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَخْفَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي بَعْدَ التَّنْقِيرِ التَّامِّ حَتَّى ظَفِرْتُ بِعِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَادْعُ لِي. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْبَحْرِ عَنْ الْمِنْهَاجِ لِأَبِي حَفْصٍ الْعُقَيْلِيِّ: نَصْرَانِيٌّ مَاتَ فَجَاءَ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ شُهُودُ الْفَرِيقَيْنِ ذِمِّيِّينَ أَوْ شُهُودُ النَّصْرَانِيِّ ذِمِّيِّينَ بُدِئَ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ

(5/474)


بَحْرٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ إلَّا تَبَعًا كَمَا مَرَّ أَوْ ضَرُورَةً فِي مَسْأَلَتَيْنِ: فِي الْإِيصَاءِ. شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى كَافِرٍ وَأَحْضَرَ مُسْلِمًا عَلَيْهِ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ. وَفِي النَّسَبِ شَهِدَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّ ابْنَ الْمَيِّتِ فَادَّعَى عَلَى مُسْلِمٍ بِحَقٍّ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ فِي الدُّرَرِ (وَالْعُمَّالِ) لِلسُّلْطَانِ (إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِغَلَبَةِ ظُلْمِهِمْ كَرَئِيسِ الْقَرْيَةِ وَالْجَابِي وَالصَّرَّافِ وَالْمُعَرِّفِينَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَمُحْضِرِ قُضَاةِ الْعَهْدِ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ وَالصَّكَّاكِ وَضُمَّانِ الْجِهَاتِ كَمُقَاطِعَةِ سُوقِ النَّخَّاسِينَ حَتَّى حَلَّ لَعْنُ الشَّاهِدِ لِشَهَادَتِهِ عَلَى بَاطِلٍ فَتْحٌ وَبَحْرٌ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: أَمِيرٌ كَبِيرٌ ادَّعَى فَشَهِدَ لَهُ عُمَّالُهُ وَنُوَّابُهُ وَرَعَايَاهُمْ لَا تُقْبَلُ كَشَهَادَةِ الْمُزَارِعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الْمُحْتَرَفِينَ: أَيْ بِحِرْفَةٍ لَائِقَةٍ بِهِ وَهِيَ حِرْفَةُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ لَوْ دَنِيئَةً، فَلَا شَهَادَةَ لَهُ لِمَا عُرِفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ فَتْحٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.

(لَا) تُقْبَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
صُرِفَ إلَى دَيْنِ النَّصْرَانِيِّ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ دَيْنِهِمَا، قِيلَ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ، وَإِنْ كَانَ شُهُودُ الْفَرِيقَيْنِ مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الذِّمِّيِّ خَاصَّةً مُسْلِمِينَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِمْ اهـ.
(قَوْلُهُ بَحْرٌ) عِبَارَتُهُ: فَإِنْ كَانَ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ اهـ. وَاَلَّذِي كَتَبَهُ هُوَ قَوْلُهُ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ، فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ بِمِثْلِهِ فَالثُّلُثَانِ لَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَالشَّرِكَةُ لَا تُمْنَعُ لِأَنَّهَا بِإِقْرَارِهِ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ الثَّانِيَةَ لَا تُثْبِتُ لِلذِّمِّيِّ مُشَارَكَتَهُ مَعَ الْمُسْلِمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ لَمَّا ادَّعَى الْمِائَةَ مَعَ النَّصْرَانِيِّ صَارَ طَالِبًا نِصْفَهَا وَالْمُنْفَرِدُ يَطْلُبُ كُلَّهَا فَتُقْسَمُ عَوْلًا، فَلِمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثَانِ لِأَنَّ لَهُ نِصْفَيْنِ، وَلِلْمُسْلِمِ الْآخَرِ الثُّلُثَ لِأَنَّ لَهُ نِصْفًا فَقَطْ، لَكِنْ لَمَّا ادَّعَاهُ مَعَ النَّصْرَانِيِّ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالشَّرِكَةُ لَا تُمْنَعُ لِأَنَّهَا بِإِقْرَارِهِ، وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُ أَوَّلَ كِتَابِ الْفَرَائِضِ عِنْدَ قَوْلِهِ ثَمَّ تُقَدَّمُ دُيُونُهُ.
(قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ) حُمِلَ الْقَبُولُ فِيهِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَحْثًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ مُنْكِرًا لِلْوِصَايَةِ وَالنَّسَبِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُنْكِرًا لِلدَّيْنِ كَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَأَحْضَرَ) أَيْ الْوَصِيُّ.
(قَوْلُهُ ابْنُ الْمَيِّتِ) أَيْ النَّصْرَانِيِّ.
(قَوْلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ) وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَسَبِهِ تُقْبَلُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَوَجْهُهُ الضَّرُورَةُ لِعَدَمِ حُضُورِ الْمُسْلِمِينَ مَوْتَهُمْ وَلَا نِكَاحَهُمْ كَذَا فِي الدُّرَرِ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ بِحَقٍّ) أَيْ ثَابِتٍ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ كَرَئِيسِ الْقَرْيَةِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخَ الْبَلَدِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا، فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ النَّخَّاسِينَ) جَمْعُ نَخَّاسٍ مِنْ النَّخْسِ وَهُوَ الطَّعْنُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِدَلَّالِ الدَّوَابِّ نَخَّاسٌ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ) هَذَا مُمْكِنٌ فِي مِثْلِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا إلَخْ.
(قَوْلُهُ الْمُحْتَرِفِينَ) فَيَكُونُ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْحِرَفِ الْخَسِيسَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ الدَّنِيئَةِ كَالْقَنَوَاتِيِّ وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَلَّاهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَادِحُ لَا يُبْنَى عَلَى ظَاهِرِ الصِّنَاعَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَبُوهُ تَاجِرًا وَاحْتَرَفَ هُوَ بِالْحِيَاكَةِ أَوْ الْحِلَاقَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الدَّنَاءَةَ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ فَتْحٌ) لَمْ أَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَلْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرٌ يَظْهَرُ لِمَنْ لَهُ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ: أَيْ فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ بِحِرْفَةٍ لَائِقَةٍ إلَخْ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْعِبْرَةَ لِلْعَدَالَةِ لَا لِلْحِرْفَةِ، فَكَمْ مِنْ دَنِيءِ صِنَاعَةٍ أَنْقَى مِنْ ذِي مَنْصِبٍ وَوَجَاهَةٍ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا إلَّا لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ أَوْ صُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا عَلَّمَهُ إيَّاهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي صِغَرِهِ وَلَمْ يُتْقِنْ غَيْرَهَا فَتَأَمَّلْ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ هُوَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الصِّنَاعَةِ الدَّنِيئَةِ كَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي الصَّحِيحِ اهـ.

(5/475)


(مِنْ أَعْمَى) أَيْ لَا يَقْضِي بِهَا، وَلَوْ قَضَى صَحَّ، وَعَمَّ قَوْلُهُ (مُطْلَقًا) مَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَا جَازَ بِالسَّمَاعِ خِلَافًا لِلثَّانِي، وَأَفَادَ عَدَمَ قَبُولِ الْأَخْرَسِ مُطْلَقًا بِالْأَوْلَى.

(وَمُرْتَدٍّ وَمَمْلُوكٍ) وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا (وَصَبِيٍّ) وَمُغَفَّلٍ وَمَجْنُونٍ (إلَّا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْتُ: وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُرُوءَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حِرْفَةُ أَبِيهِ دَنِيئَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُوَ كَذَلِكَ إنْ عَدَلَ بِلَا عُذْرٍ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ مِنْ أَعْمَى) إلَّا فِي رِوَايَةِ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يُجْزِي فِيهِ التَّسَامُعُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى السَّمَاعِ وَلَا خَلَلَ فِيهِ بَاقَانِيٌّ عَلَى الْمُلْتَقَى كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يَقْضِي بِهَا) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا تَحَمَّلَهُ بَصِيرًا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ غَيْرُ مُوفٍ وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ، وَفِيهِ شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ وَالنِّسْبَةِ لِتَمْيِيزِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ وَصَارَ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ اهـ. بَاقَانِيٌّ عَلَى الْمُلْتَقَى كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ بِالسَّمَاعِ) كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ.
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ فِيهِمَا، وَاسْتَظْهَرَ قَوْلَهُ بِالْأَوَّلِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَقَالَ وَقَوْلُهُ أَظْهَرُ، لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ أَظَهْرِيَّتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بِالثَّانِي فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَاخْتِيَارَهُ.
(قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى إنَّمَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ فِي نِسْبَتِهِ وَهُنَا تَتَحَقَّقُ فِي نِسْبَتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَدْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأُمُورٍ أُخَرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ مُكَاتَبًا) وَالْمُعْتَقُ فِي الْمَرَضِ كَالْمُكَاتَبِ فِي زَمَنِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ.
[تَنْبِيهَاتٌ] مَاتَ عَنْ عَمٍّ وَأَمَتَيْنِ وَعَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا الْعَمُّ فَشَهِدَا بِبُنُوَّةِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ لِأَنَّ فِي قَبُولِهَا ابْتِدَاءً بُطْلَانَهَا انْتِهَاءً؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَمُكَاتَبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الثَّانِيَةَ أُخْتُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا، أَوْ مَعَهَا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ فَيَخْرُجُ الْعَمُّ عَنْ الْوِرَاثَةِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.
أَقُولُ: هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا عِنْدَ سَبْقِ شَهَادَةِ الْأُخْتِيَّةِ فَالْعِلَّةُ فِيهَا هِيَ عِلَّةُ الْبِنْتِيَّةِ فَتَفَقَّهْ. وَفِي الْمُحِيطِ: مَاتَ عَنْ أَخٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَقَالَ عَبْدَانِ مِنْ رَقِيقِ الْمَيِّتِ إنَّهُ أَعْتَقَنَا فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ هَذَا الْآخَرَ ابْنُهُ فَصَدَّقَهُمَا الْأَخُ فِي ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ فِي دَعْوَى الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِمَا بَلْ هُمَا عِنْدَهُ لِلْآخَرِ لِإِقْرَارِ الْأَخِ أَنَّهُ وَارِثٌ دُونَهُ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا فِي النَّسَبِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْآخَرِ أُنْثَى جَازَ شَهَادَتُهُمَا وَثَبَتَ نَسَبُهَا وَيَسْعَيَانِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِمَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فَتَجِبُ السِّعَايَةُ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ: وَأَقُولُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقَانِ كَمَا قَالَا، غَيْرَ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالْبِنْتِيَّةِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَتَفَقَّهْ.
[فَائِدَةٌ] قَضَى بِشَهَادَةٍ فَظَهَرُوا عَبِيدًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، فَلَوْ قَضَى بِوَكَالَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَأَخَذَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ ثُمَّ وُجِدُوا عَبِيدًا لَمْ تَبْرَأْ الْغُرَمَاءُ وَلَوْ كَانَ بِمِثْلِهِ فِي وِصَايَةٍ بَرِئُوا لِأَنَّ قَبْضَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِيصَاءُ كَإِذْنِهِ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ إلَى ابْنِهِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذْ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ لِغَرِيمٍ فِي دَفْعِ دَيْنِ الْحَيِّ لِغَيْرِهِ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فَعَلَى هَذَا مَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا مِنْ تَوْلِيَةِ شَخْصٍ نَظَرَ وَقْفٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ مِثْلِهِ مِنْ قَبْضٍ وَصَرْفٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ أَنَّ إنْهَاءَهُ بَاطِلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَالْوَصِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ، قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ مَا يُؤَيِّدُهُ سَائِحَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَمُغَفَّلٍ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّا نَرُدُّ شَهَادَةَ أَقْوَامٍ نَرْجُو شَفَاعَتَهُمْ

(5/476)


فِي حَالِ صِحَّتِهِ إلَّا (أَنْ يَتَحَمَّلَا فِي الرِّقِّ وَالتَّمْيِيزِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) وَلَوْ لِمُعْتِقِهِ كَمَا مَرَّ (وَ) بَعْدَ (الْبُلُوغِ) وَكَذَا بَعْدَ إبْصَارٍ وَإِسْلَامٍ وَتَوْبَةِ فِسْقٍ وَطَلَاقِ زَوْجَةٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الْأَدَاءِ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ. وَفِي الْبَحْرِ: مَتَى حَكَمَ بِرَدِّهِ لِعِلَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ فَشَهِدَ بِهَا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَرْبَعَةٌ عَبْدٌ وَصَبِيٌّ وَأَعْمَى وَكَافِرٌ عَلَى مُسْلِمٍ وَإِدْخَالُ الْكَمَالِ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ سَهْوٌ.

(وَمَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ) تَمَامُ الْحَدِّ وَقِيلَ بِالْأَكْثَرِ (وَإِنْ تَابَ) بِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ فَتْحٌ، لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ بِالنَّصِّ وَالِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفٌ لِمَا يَلِيهِ وَهُوَ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] (إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرًا) فِي الْقَذْفِ (فَيُسْلِمَ) فَتُقْبَلُ وَإِنْ ضُرِبَ أَكْثَرَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى الظَّاهِرِ بِخِلَافِ عَبْدٍ حُدَّ فَعَتَقَ لَمْ تُقْبَلْ (أَوْ يُقِيمَ) الْمَحْدُودُ (بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ) إمَّا أَرْبَعَةً عَلَى زِنَاهُ أَوْ اثْنَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ، كَمَا لَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْحَدِّ بَحْرٌ. وَفِيهِ: الْفَاسِقُ إذَا تَابَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا الْمَحْدُودَ بِقَذْفٍ وَالْمَعْرُوفَ بِالْكَذِبِ وَشَاهِدَ الزُّورِ لَوْ عَدْلًا لَا تُقْبَلُ أَبَدًا مُلْتَقَطٌ، لَكِنْ سَيَجِيءُ تَرْجِيحُ قَبُولِهَا.

(وَمَسْجُونٍ فِي حَادِثَةٍ) تَقَعُ فِي (السِّجْنِ) وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْمَلَاعِبِ، وَلَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَاتُ لِمَنْعِ الشَّرْعِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ بِهِ السِّجْنَ وَمَلَاعِبِ الصِّبْيَانِ وَحَمَّامَاتِ النِّسَاءِ، فَكَانَ التَّقْصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِمْ لَا إلَى الشَّرْعِ بَزَّازِيَّةٌ وَصُغْرَى وشُرُنْبُلالِيَّة، لَكِنْ فِي الْحَاوِي: تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي الْقَتْلِ فِي الْحَمَّامِ بِحُكْمِ الدِّيَةِ كَيْ لَا يُهْدَرُ الدَّمُ اهـ فَلْيُتَنَبَّهْ عِنْدَ الْفَتْوَى، وَقَدَّمْنَا قَبُولَ شَهَادَةِ الْمُعَلِّمِ فِي حَوَادِثِ الصِّبْيَانِ.

(وَالزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا وَهُوَ لَهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَعْنَاهُ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُغَفَّلِ وَأَمْثَالِهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا صَالِحًا تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ) أَيْ وَقْتَ كَوْنِهِ صَاحِيًا كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ بَعْدَ إبْصَارٍ) بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَمَّلَ وَهُوَ بَصِيرٌ أَيْضًا بِأَنْ كَانَ بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ ثُمَّ أَبْصَرَ فَأَدَّى فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ زَوْجَةٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ بِرَدِّهَا لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ) أَيْ عَنْ الْخُلَاصَةِ.
(قَوْلُهُ فَشَهِدَ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْحَادِثَةِ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَرْبَعَةٌ) أَمَّا مَا سِوَى الْأَعْمَى فَظَاهِرٌ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَيْسَتْ شَهَادَةً، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ اُسْتُشْكِلَ قَبُولُ شَهَادَةِ الْأَعْمَى.
(قَوْلُهُ عَبْدٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ وَالْأَجِيرِ وَالْمُغَفَّلِ وَالْمُتَّهَمِ وَالْفَاسِقِ بَعْدَ رَدَّهَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرْدُودِ لِتُهْمَةٍ وَبَيْنَ الْمَرْدُودِ لِشُبْهَةٍ، فَالثَّانِي يُقْبَلُ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي النَّوَازِلِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِدْخَالُ إلَخْ) مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي صَدْرِ عِبَارَتِهِ بِخِلَافِهِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ سَهْوٌ) لِأَنَّ الزَّوْجَ لَهُ شَهَادَةٌ وَقَدْ حُكِمَ بِرَدِّهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ بِتَكْذِيبِهِ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ تَأَمَّلْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَرَاجِعْهَا.
(قَوْلُهُ فَتُقْبَلُ) لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَبِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ شَهَادَةٌ أُخْرَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُقْبَلُ بَعْدَ إسْلَامِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُدُوثِهَا فَإِذَا حَدَثَتْ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ زِنَاهُ) أَيْ الْمَقْذُوفِ.
(قَوْلُهُ إذَا تَابَ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانَ: الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ أَثَرَ التَّوْبَةِ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، كُلُّ شَهَادَةٍ رُدَّتْ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ فَإِذَا ادَّعَاهَا لَا تُقْبَلُ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ سَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ.
(قَوْلُهُ تَرْجِيحُ قَبُولِهَا) وَكَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَجُعِلَ الْأَوَّلُ رِوَايَةً عَنْ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ لَا إلَى الشَّرْعِ) وَقِيلَ فِي كُلِّ ذَلِكَ تُقْبَلُ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ جَامِعُ الْفَتَاوَى.
(قَوْلُهُ وَحْدَهُنَّ) قَدَّمَ فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْضِي قَضَاءَ قَاضٍ آخَرَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي شِجَاجِ الْحَمَّامِ سَائِحَانِيٌّ، وَيُمْكِنُ

(5/477)


وَجَازَ عَلَيْهَا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْأَشْبَاهِ (وَلَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ ثَلَاثٍ) لِمَا فِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا شَهَادَتُهَا لَهُ، وَلَوْ شَهِدَ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَطَلَتْ خَانِيَّةٌ، فَعُلِمَ مَنْعُ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ لَا تَحَمُّلٌ أَوْ أَدَاءٌ.

(وَالْفَرْعِ لِأَصْلِهِ) وَإِنْ عَلَا إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ لِابْنِ ابْنِهِ عَلَى أَبِيهِ أَشْبَاهٌ. قَالَ: وَجَازَ عَلَى أَصْلِهِ إلَّا إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ لِأُمِّهِ وَلَوْ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا وَالْأُمُّ فِي نِكَاحِهِ، وَفِيهَا بَعْدَ ثَمَانِ وَرَقَاتٍ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاتِلِ إذَا شَهِدَ بِعَفْوِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَرَاجِعْهَا (وَبِالْعَكْسِ) لِلتُّهْمَةِ.

(وَسَيِّدٍ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) لِأَنَّهَا لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ. فِي الْأَشْبَاهِ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَطْعَنَ بِثَلَاثَةٍ: بِرِقٍّ وَحَدٍّ وَشَرِكَةٍ. وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: لَوْ شَهِدَ بَعْضُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ بِزِيَادَةِ الْخَرَاجِ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ خَرَاجُ كُلِّ أَرْضٍ مُعَيَّنًا أَوْ لَا خَرَاجَ لِلشَّاهِدِ، وَكَذَا أَهْلُ قَرْيَةٍ شَهِدُوا عَلَى ضَيْعَةٍ أَنَّهَا مِنْ قَرْيَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا أَهْلُ سِكَّةٍ يَشْهَدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِهِ لَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ، وَفِي النَّافِذَةِ إنْ طَلَبَ حَقًّا لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ لَا آخُذُ شَيْئًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
حَمْلُهُ عَلَى الْقِصَاصِ بِالشِّجَاجِ

(قَوْلُهُ وَجَازَ عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ مَقْبُولَةٌ إلَّا بِزِنَاهَا وَقَذْفِهَا كَمَا فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَفِيمَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِأَنَّهَا أَمَةٌ لِرَجُلٍ يَدَّعِيهَا فَلَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ وَالْمُدَّعِي يَقُولُ: أَذِنْتُ لَهَا فِي النِّكَاحِ كَمَا فِي شَهَادَةِ الْخَانِيَّةِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ) وَهُمَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ لَهَا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَارَ أَجِيرًا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ فَعُلِمَ إلَخْ) الَّذِي يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ مَنْعُ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا مَنْعُهَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فَلَمْ يُعْلَمْ مِمَّا ذَكَرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِيمَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ تَحَمَّلَهَا حَالَ نِكَاحِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا وَشَهِدَ لَهَا: أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا تُقْبَلُ، وَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي: لَوْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ عَدْلٌ فَلَمْ يَرُدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا بَائِنًا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا. رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَاضِيَ يُنَفِّذُ شَهَادَتَهُ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَقْتَ الزَّوْجِيَّةِ، وَأَمَّا فِي بَابِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَقْتَ الْهِبَةِ لَا وَقْتَ الرُّجُوعِ، فَلَوْ وُهِبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْفَرْعِ) وَلَوْ فَرْعِيَّةً مِنْ وَجْهٍ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ) مَحَلُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبِالْعَكْسِ إذْ الْجَدُّ أَصْلٌ لَا فَرْعٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِأُمِّهِ بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ وَالْأُمُّ فِي نِكَاحِهِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا فُرُوعًا حَسَنَةً فَلْتُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاتِلِ) وَصُورَتُهُ: ثَلَاثَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ التَّوْبَةِ أَنَّ الْوَلِيَّ قَدْ عَفَا عَنَّا. قَالَ الْحَسَنُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إلَّا أَنْ يَقُولَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ، فَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ، وَانْظُرْ مَا فِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْحَمَوِيِّ وَالْكُفَيْرِيِّ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْعَكْسِ) وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ لِشَرِيكِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الشَّرِكَاتِ بِأَنْوَاعِهَا، وَفِي الْمُفَاوَضَةِ كَلَامٌ فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) وَتُقْبَلُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ أَنْ يَطْعَنَ بِثَلَاثَةٍ إلَخْ) اُنْظُرْ حَاشِيَةَ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ لَا خَرَاجَ لِلشَّاهِدِ) أَيْ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ عَلَى ضَيْعَةٍ) لَعَلَّهُ عَلَى قِطْعَةٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ كَمَا هُنَا. وَفِي الْقَامُوسِ: الضَّيْعَةُ الْعَقَارُ وَالْأَرْضُ الْمُغِلَّةُ اهـ. وَفِي الْهَامِشِ عَنْ الْحَامِدِيَّةِ: شَهِدُوا

(5/478)


تُقْبَلُ وَكَذَا فِي وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ.

(وَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ لِمُسْتَأْجِرِهِ) مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ الْخَادِمِ أَوْ التَّابِعِ أَوْ التِّلْمِيذِ الْخَاصِّ الَّذِي يُعَدُّ ضَرَرُ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعُهُ نَفْعَ نَفْسِهِ دُرَرٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» أَيْ الطَّالِبِ مَعَاشَهُ مِنْهُمْ، مِنْ الْقُنُوعِ لَا مِنْ الْقَنَاعَةِ، وَمُفَادُهُ قَبُولُ شَهَادَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأُسْتَاذِ لَهُ (وَمُخَنَّثٍ) بِالْفَتْحِ (مَنْ يَفْعَلُ الرَّدِيءَ) وَيُؤْتَى. وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَالْمُتَكَسِّرُ الْمُتَلَيِّنُ فِي أَعْضَائِهِ وَكَلَامِهِ خِلْقَةً فَتُقْبَلُ بَحْرٌ.

(وَمُغَنِّيَةٍ) وَلَوْ لِنَفْسِهَا لِحُرْمَةِ رَفْعِ صَوْتِهَا دُرَرٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمُدَاوَمَتِهَا عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا فِي مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ ذَكَرَهُ الْوَانِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَعَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ عَلَى آخَرَ أَنَّ هَذِهِ الْقِطْعَةَ الْأَرْضَ مِنْ جُمْلَةِ أَرَاضِي قَرْيَتِهِمْ تُقْبَلُ اهـ تُمُرْتَاشِيٌّ مِنْ الشَّهَادَةِ.
(قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ) وَقِيلَ تُقْبَلُ مُطْلَقًا فِي النَّافِذَةِ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ تُقْبَلُ.
(قَوْلُهُ الْمَدْرَسَةِ) أَيْ فِي وَقْفِيَّةِ وَقْفٍ عَلَى مَدْرَسَةٍ كَذَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ مَكْتَبٍ وَلِلشَّاهِدِ صَبِيٌّ فِي الْمَكْتَبِ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي وَقْفٍ عَلَيْهَا، وَشَهَادَتُهُمْ بِوَقْفِ الْمَسْجِدِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَذَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إذَا شَهِدُوا بِوَقْفٍ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، فَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ فِي الْكُلِّ بَزَّازِيَّةٌ.
قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي وَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ أَوْ مُسْتَحِقٍّ فِيهِ اهـ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي شَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ: أَمَّا شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِيهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا، وَقَدْ كَتَبْتُ فِي حَوَاشِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مِثْلَهُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَوْقَافِ الْمُقَرَّرِينَ فِي وَظَائِفِ الشَّهَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَتَقْرِيرُهُ فِيهَا لَا يُوجِبُ قَبُولَهَا، وَفَائِدَتُهَا إسْقَاطُ التُّهْمَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَلَا يَحْلِفُ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ بَحْرٌ مُلَخَّصًا فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ انْتَهَى) أَيْ مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ.

(قَوْلُهُ أَوْ مُشَاهَرَةً) أَيْ أَوْ مُيَاوَمَةً هُوَ الصَّحِيحُ جَامِعُ الْفَتَاوَى.
(قَوْلُهُ أَوْ التِّلْمِيذِ الْخَاصِّ) وَفِي الْخُلَاصَةِ، هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَفِي الْهَامِشِ، وَلَوْ شَهِدَ الْأَجِيرُ لِأُسْتَاذِهِ وَهُوَ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ لَا تُقْبَلُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ مُيَاوَمَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً إنْ أَجِيرًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا تُقْبَلُ. وَفِي الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا فَشَهِدَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ، وَلَوْ أَجِيرًا خَاصًّا فَشَهِدَ وَلَمْ يُعَدَّلْ حَتَّى ذَهَبَ الشَّهْرُ ثُمَّ عُدِّلَ لَا تُقْبَلْ كَمَنْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَلَوْ شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَارَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا تُقْبَلُ بَزَّازِيَّةٌ، ثُمَّ نَقَلَ فِي الْهَامِشِ فَرْعًا لَيْسَ مَحَلُّهُ هُنَا، وَهُوَ: بِيَدِهِ ضَيْعَةٌ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا وَقْفٌ وَأَحْضَرَ صَكًّا فِيهِ خُطُوطُ الْعُدُولِ وَالْقُضَاةِ الْمَاضِينَ وَطَلَبَ الْحُكْمَ بِهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالصَّكِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِالْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ لَا الصَّكُّ لِأَنَّ الْخَطَّ مِمَّا يُزَوَّرُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ لَوْحٌ مَضْرُوبٌ يَنْطِقُ بِوَقْفِيَّةِ الْحَانُوتِ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِوَقْفِيَّتِهِ بِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَا فِي دَفْتَرِ الْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَا يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهِ لِمُحَرِّرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ جَازِمًا بِهِ، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْمُحِيطِ السَّرَخْسِيُّ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ وَلَا الْأُسْتَاذِ لِأَجِيرِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْحَدِيثِ.

(قَوْلُهُ رَفْعِ صَوْتِهَا) فِي النِّهَايَةِ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ مُغَنِّيَةٍ، وَقَيَّدَ فِي غِنَاءِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَهِيَ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ فَلِذَا اخْتَصَّ الظُّهُورُ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْمُدَاوَمَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ دُرَرٌ) مَا ذَكَرَهُ جَارٍ فِي النَّوْحِ بِعَيْنِهِ، فَمَا بَالُهُ لَمْ يَكُنْ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ إذَا نَاحَتْ فِي مُصِيبَةِ

(5/479)


(وَنَائِحَةٍ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا) بِأَجْرٍ دُرَرٌ وَفَتْحٌ. زَادَ الْعَيْنِيُّ: فَلَوْ فِي مُصِيبَتِهَا تُقْبَلُ وَعَلَّلَهُ الْوَانِيُّ بِزِيَادَةِ اضْطِرَارِهَا وَانْسِلَابِ صَبْرِهَا وَاخْتِيَارِهَا فَكَانَ كَالشُّرْبِ لِلتَّدَاوِي.

(وَعَدُوٍّ بِسَبَبِ الدُّنْيَا) جَعَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَكْسَ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ فَتُقْبَلُ لَهُ لَا عَلَيْهِ، وَاعْتَمَدَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْمُحِبِّيَّةِ قَبُولَهَا مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا. قَالُوا: وَالْحِقْدُ فِسْقٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي تَتِمَّةِ قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ: وَلَوْ الْعَدَاوَةُ لِلدُّنْيَا لَا تُقْبَلُ سَوَاءً شَهِدَ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فِسْقٌ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ. وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْجَاهِلِ عَلَى الْعَالِمِ لِفِسْقِهِ بِتَرْكِ مَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ شَرْعًا فَحِينَئِذٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مِثْلِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، وَلِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُهُ عَلَى تَرْكِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَالْعَالِمُ مَنْ يَسْتَخْرِجُ الْمَعْنَى مِنْ التَّرْكِيبِ كَمَا يَحِقُّ وَيَنْبَغِي.

(وَمُجَازِفٍ فِي كَلَامِهِ) أَوْ يَحْلِفُ فِيهِ كَثِيرًا أَوْ اعْتَادَ شَتْمَ أَوْلَادِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ كَتَرْكِ زَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ عَلَى رِوَايَةِ فَوْرِيَّتِهِ أَوْ تَرْكِ جَمَاعَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ، أَوْ أَكْلٍ فَوْقَ شِبَعٍ بِلَا عُذْرٍ، وَخُرُوجٍ لِفُرْجَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
نَفْسِهَا سَعْدِيَّةٌ. وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُ صَوْتٍ يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةُ.
(قَوْلُهُ وَنَائِحَةٍ إلَخْ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّائِحَةِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْ ذَلِكَ مَكْسَبَةً تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَنَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَتَعَقَّبْ هَذَا مِنْ الْمَشَايِخِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ وَاخْتِيَارِهَا) مُقْتَضَاهُ لَوْ فَعَلَتْهُ عَنْ اخْتِيَارِهَا لَا تُقْبَلُ.

(قَوْلُهُ وَعَدُوٍّ إلَخْ) أَيْ عَلَى عَدُوِّهِ مُلْتَقَى. قَالَ الْحَانُوتِيُّ: سُئِلَ فِي شَخْصٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَالَ: إنَّهُمْ ضَرَبُونِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْخُصُومَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَهَلْ تُسْمَعُ؟ الْجَوَابُ: قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً وَهَذَا قَبْلَ الْحُكْمِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ، كَمَا قَالُوا إنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِذَا قَضَى لَا يُنْقَضُ اهـ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي شَهَادَةِ الْعَدُوِّ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ فُقَهَائِنَا وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبْ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ شَاهِدٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلَ الْقَضَاءِ.
أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ بَعْدَ كَلَامٍ مَا نَصُّهُ فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَالْمَسْأَلَةُ دَوَّارَةٌ فِي الْكُتُبِ، وَذَكَرَ فِي الشَّارِحِ عِبَارَةَ يَعْقُوبَ بَاشَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ.

(قَوْلُهُ أَوْ اعْتَادَ شَتْمَ أَوْلَادِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ أَحْيَانَا يُقْبَلُ وَكَذَا الشَّتَّامُ لِلْحَيَوَانِ كَدَابَّتِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ كَتَرْكِ زَكَاةٍ) الصَّحِيحُ أَنَّ تَأْخِيرَ الزَّكَاةِ لَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ، وَذَكَرَ الْخَاصِّيُّ عَنْ قَاضِي خَانَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى سُقُوطِ الْعَدَالَةِ بِتَأْخِيرِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ دُونَ الْحَجِّ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا، كَذَا فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ مِنَحٌ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَرْكِ جَمَاعَةٍ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا كَأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا أَفْضَلِيَّتَهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِالتَّرْكِ، وَكَذَا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَالسَّرَخْسِيِّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ اهـ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَرَادَ التَّقَوِّيَ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ مُؤَانَسَةِ

(5/480)


قُدُومِ أَمِيرٍ وَرُكُوبِ بَحْرٍ وَلُبْسِ حَرِيرٍ، وَبَوْلٍ فِي سُوقٍ أَوْ إلَى قِبْلَةٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ طُفَيْلِيٍّ وَمُسَخَّرَةٍ وَرَقَّاصٍ وَشَتَّامٍ لِلدَّابَّةِ وَفِي بِلَادِنَا يَشْتُمُونَ بَائِعَ الدَّابَّةِ فَتْحٌ وَغَيْرُهُ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ لِأَنَّهُ لِبُخْلِهِ يَسْتَقْصِي فِيمَا يَتَقَرَّضُ مِنْ النَّاسِ فَيَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ، فَلَا يَكُونُ عَدْلًا وَلَا شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ لِتَعَصُّبِهِمْ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، وَلَا مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَذَا بَائِعُ الْأَكْفَانِ وَالْحَنُوطِ لِتَمَنِّيهِ الْمَوْتَ، وَكَذَا الدَّلَّالُ وَالْوَكِيلُ لَوْ بِإِثْبَاتِ النِّكَاحِ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ تُقْبَلُ وَالْحِيلَةُ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَذْكُرُ الْوَكَالَةَ بَزَّازِيَّةٌ وَتَسْهِيلٌ، وَاعْتَمَدَهُ قَدْرِي أَفَنْدِي فِي وَاقِعَاتِهِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي إجَارَةِ مُعَيَّنَةٍ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ؛ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الدَّلَّالِينَ وَالصَّكَّاكِينَ وَالْمُحْضِرِينَ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ عَلَى أَبْوَابِهِمْ، وَنَحْوُهُ فِي فَتَاوَى مُؤَيَّدِ زَادَهْ، وَفِيهَا وَصِيٌّ أُخْرِجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَ قَبُولِهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لِلْمَيِّتِ أَبَدًا، وَكَذَا الْوَكِيلُ بَعْدَمَا أُخْرِجَ مِنْ الْوَكَالَةِ إنْ خَاصَمَ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.

(وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ) لِغَيْرِ الْخَمْرِ لِأَنَّ بِقَطْرَةٍ مِنْهَا يَرْتَكِبُ الْكَبِيرَةَ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ غَلَطٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الضَّيْفِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَالْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ قُدُومِ أَمِيرٍ) إلَّا أَنْ يَذْهَبَ لِلِاعْتِبَارِ فَحِينَئِذٍ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ.
(قَوْلُهُ فِيمَا يَتَقَرَّضُ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ يُقْرِضُ.
(قَوْلُهُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ) أَيْ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَعَصَّبُونَ فَإِذَا نَابَتْ أَحَدَهُمْ نَائِبَةٌ أَتَى سَيِّدَ قَوْمِهِ فَيَشْهَدُ لَهُ وَيَشْفَعُ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِزُورٍ اهـ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ اسْتِخْفَافًا. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ: لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِيُزَوَّجَ لَهُ أَخَافُ أَنْ يَمُوتَ مَسْلُوبَ الْإِيمَانِ لِإِهَانَتِهِ لِلدِّينِ لِجِيفَةٍ قَذِرَةٍ. وَفِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمِنَحِ: وَإِنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْجَرَاءَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ كَمَا يَتَّفِقُ لَهُ وَيَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ لِغَرَضٍ يَحْصُلُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ. فَعُلِمَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِانْتِقَالِ الْحَنَفِيِّ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فَافْهَمْ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ فَتَحْرُمَ بَرَكَةُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَقَدَّمْنَا هَذَا الْبَحْثَ مُسْتَوْفًى فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا بَائِعُ الْأَكْفَانِ) إذَا ابْتَكَرَ وَتَرَصَّدَ لِذَلِكَ جَامِعُ الْفَتَاوَى وَبَحْرٌ.
(قَوْلُهُ لِتَمَنِّيهِ الْمَوْتَ) وَإِنْ لَمْ يَتَمَنَّهُ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا تُقْبَلْ كَذَا قَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ س.
(قَوْلُهُ وَكَذَا الدَّلَّالُ) أَيْ فِيمَا عَقَدَهُ أَوْ مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ كَذِبِهِ.
(قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعِلَّةٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْفِيَهَا وَيَشْهَدَ، كَمَا إذَا كَانَ عَبْدًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا، وَشَهَادَةُ الْوَكِيلَيْنِ أَوْ الدَّلَّالَيْنِ إذَا قَالَا نَحْنُ بِعْنَا هَذَا الشَّيْءَ أَوْ الْوَكِيلَانِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْخُلْعِ إذَا قَالَا نَحْنُ فَعَلْنَا هَذَا النِّكَاحَ أَوْ الْخُلْعَ لَا تُقْبَلُ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ الْوَكِيلَانِ بِالْبَيْعِ أَوْ النِّكَاحِ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مِلْكُهُ تُقْبَلُ، وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ، أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ النِّكَاحَ فَشَهِدَ رَجُلٌ قَدْ تَوَلَّى الْعَقْدَ وَالنِّكَاحَ يَذْكُرُ النِّكَاحَ وَلَا يَذْكُرُ أَنَّهُ تَوَلَّاهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعِلَةِ) أَيْ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْقُضَاةِ يَتَوَكَّلُونَ لِلنَّاسِ بِالْخُصُومَاتِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ عَلَى أَبْوَابِهِمْ) أَيْ الْقُضَاةِ.
(قَوْلُهُ وَفِيهَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَتْنًا.

(قَوْلُهُ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ) الْإِدْمَانُ أَنْ يَكُونَ فِي نِيَّتِهِ الشُّرْبُ مَتَى وَجَدَ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَخْرُجَ سَكْرَانَ وَيَسْخَرَ مِنْهُ الصِّبْيَانُ أَوْ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ، وَكَذَلِكَ مُدْمِنُ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ، وَكَذَا مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ فِي الشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ بَزَّازِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ غَلَطٌ) حَيْثُ قَالَ وَمُدْمِنُ الشَّرَابِ يَعْنِي شَرَابَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ مُطْلَقًا عَلَى اللَّهْوِ، لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ نَفْسَ شُرْبِ الْخَمْرِ يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ، وَشَرَطَ فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ الْإِدْمَانَ لَا لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ فِي السِّرِّ لَا تَسْقُطُ

(5/481)


كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَفِي غَيْرِ الْخَمْرِ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَانُ لِأَنَّ شُرْبَهُ صَغِيرَةٌ، وَإِنَّمَا قَالَ (عَلَى اللَّهْوِ) لِيُخْرِجَ الشُّرْبَ لِلتَّدَاوِي فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ (وَمَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ) لِعَدَمِ مُرُوءَتِهِ وَكَذِبِهِ غَالِبًا كَافِي (وَالطُّيُورِ) إلَّا إذَا أَمْسَكَهَا لِلِاسْتِئْنَاسِ فَيُبَاحُ إلَّا أَنْ يَجُرَّ حَمَامَ غَيْرِهِ فَلَا لِأَكْلِهِ لِلْحَرَامِ عَيْنِيٌّ وَعِنَايَةٌ (وَالطُّنْبُورِ) وَكُلُّ لَهْوٍ شَنِيعٍ بَيْنَ النَّاسِ كَالطَّنَابِيرِ وَالْمَزَامِيرِ، وَإِنْ يَكُنْ شَنِيعًا نَحْوَ الْحُدَاءِ وَضَرْبِ الْقَصَبِ فَلَا إلَّا إذَا فَحُشَ بِأَنْ يَرْقُصُوا بِهِ خَانِيَّةٌ لِدُخُولِهِ فِي حَدِّ الْكَبَائِرِ بَحْرٌ.

(وَمَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) لِأَنَّهُ يَجْمَعُهُمْ عَلَى كَبِيرَةٍ هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا، وَكَلَامُ سَعْدِيٍّ أَفَنْدِي يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِالْأُجْرَةِ فَتَأَمَّلْ. وَأَمَّا الْمُغَنِّي لِنَفْسِهِ لِدَفْعِ وَحْشَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ عِنَايَةٌ، وَصَحَّحَهُ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ: وَلَوْ فِيهِ وَعْظٌ وَحِكْمَةٌ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الْعُرْسِ كَمَا جَازَ ضَرْبُ الدُّفِّ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ: وَالْمُذْهَبُ حُرْمَتُهُ مُطْلَقًا فَانْقَطَعَ الِاخْتِلَافُ، بَلْ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَلَوْ لِنَفْسِهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَسْمَعُ الْغِنَاءَ أَوْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْغِنَاءِ. زَادَ الْعَيْنِيُّ: أَوْ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالشَّرَابِ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ بِهِمْ وَتَرْكَهُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ (أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُحَدُّ بِهِ) لِلْفِسْقِ، وَمُرَادُهُ مَنْ يَرْتَكِبُ كَبِيرَةً قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ) لِأَنَّهُ حَرَامٌ (أَوْ يَلْعَبُ بِنَرْدٍ) أَوْ طَابٍ مُطْلَقًا قَامَرَ أَوْ لَا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَدَالَتُهُ لِأَنَّ الْإِدْمَانَ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ الْإِعْلَانِ بَلْ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ إلَّا الْإِصْرَارُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْإِدْمَانِ، قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ بِنَفْسِ الشُّرْبِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ مَا ثَبَتَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ إلَّا إذَا دَامَ عَلَى ذَلِكَ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ، لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ إلَّا بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمُتَقَدِّمَةِ اهـ. لَكِنْ فِي الْهَامِشِ قَالَ تَحْتَ قَوْلِ الشَّارِحِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ مِنْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ شُرْبَ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْمَشَايِخُ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ شُرْبُهُ عِنْدَ الْقَاضِي اهـ ح.
(قَوْلُهُ الْقَصَبِ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ الْقَضِيبُ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ يَرْقُصُوا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ كَانُوا فَتَأَمَّلْ. وَالْوَجْهُ أَنَّ اسْمَ مُغَنِّيَةٍ وَمُغَنٍّ: إنَّمَا هُوَ فِي الْعُرْفِ لِمَنْ كَانَ الْغِنَاءُ حِرْفَتَهُ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا الْمَالَ وَهُوَ حَرَامٌ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، وَحِينَئِذٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ اتَّخَذَ التَّغَنِّيَ صِنَاعَةً يَأْكُلُ بِهَا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) كَابْنِ كَمَالٍ.
(قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الْعَيْنِيُّ.
(قَوْلُهُ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا) اعْلَمْ أَنَّ التَّغَنِّيَ لِإِسْمَاعِ الْغَيْرِ وَإِينَاسِهِ حَرَامٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ فَصِيحَ اللِّسَانِ لَا بَأْسَ. أَمَّا التَّغَنِّي لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ، قِيلَ لَا يُكْرَهُ وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، لِمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَزْهَدِ الصَّحَابَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْمَكْرُوهُ عَلَى قَوْلِهِ مَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَبِهِ أَخَذَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَزَّازِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ ضَرْبُ الدُّفِّ فِيهِ) جَوَازُ ضَرْبِ الدُّفِّ فِيهِ خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ فِي النِّكَاحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَادِثِ سُرُورٍ. قَالَ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ.
(قَوْلُهُ فَانْقَطَعَ الِاخْتِلَافُ) فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْتُهُ فِي حَاشِيَتِي عَلَى الْبَحْرِ، وَقَدْ رَدَّ السَّائِحَانِيُّ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ أَوْ يَلْعَبُ بِنَرْدٍ) أَيْ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ طَابٍ) نَوْعٌ مِنْ اللَّعِبِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلِعْبُ الطَّابِ فِي بِلَادِنَا مِثْلُهُ لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطْرَحُ بِلَا حِسَابٍ وَإِعْمَالِ فِكْرٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ وَعَمِلَهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ قُومِرَ بِهِ أَوْ لَا اهـ.

(5/482)


أَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَلِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ شَرْطٌ وَاحِدٌ مِنْ سِتٍّ فَلِذَا قَالَ (أَوْ يُقَامِرُ بِشِطْرَنْجٍ أَوْ يَتْرُكُ بِهِ الصَّلَاةَ) حَتَّى يَفُوتَ وَقْتُهَا (أَوْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ) كَثِيرًا (أَوْ يَلْعَبُ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا) أَشْبَاهٌ أَوْ يُدَاوِمُ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي مَعْزِيًّا لِلْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ.

(أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا) قَيَّدُوهُ بِالشُّهْرَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفِسْقَ يَمْنَعُهَا شَرْعًا إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ بَحْرٌ فَلْيُحْفَظْ (أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) وَكَذَا كُلُّ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ، وَمِنْهُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ لِيَسْتَنْجِيَ مِنْ جَانِبِ الْبِرْكَةِ وَالنَّاسُ حُضُورٌ وَقَدْ كَثُرَ فِي زَمَانِنَا فَتْحٌ (أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ، بِخِلَافِ مَنْ يُخْفِيهِ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ مَسْتُورٌ عَيْنِيٌّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالسَّلَفِ تَبَعًا لِكَلَامِهِمْ؛ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ سَبُّ مُسْلِمٍ لِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ بِسَبِّ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّلَفِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَالنِّهَايَةِ. وَفِيهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْخَلَفَ: بِالْفَتْحِ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْخَيْرِ، وَبِالسُّكُونِ فِي الشَّرِّ بَحْرٌ، وَفِيهِ عَنْ الْعِنَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ وَأَقْبَلُهَا مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ دِينًا وَإِنْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ فَلَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُ بِخِلَافِ السَّابِّ.

شَهِدَا أَنَّ أَبِيهِمَا أَوْصَى إلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْتُ: وَمِثْلُهُ اللَّعِبُ بِالصِّينِيَّةِ وَالْخَاتَمِ فِي بِلَادِنَا، وَإِنْ تَوَرَّعَ وَلَمْ يَلْعَبْ وَلَكِنْ حَضَرَ فِي مَجْلِسِ اللَّعِبِ بِدَلِيلِ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسَ الْغِنَاءِ، وَبِهِ يَظْهَرُ جَهْلُ أَهْلِ الْوَرَعِ الْبَارِدِ.
(قَوْلُهُ أَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَلِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ) أَيْ اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا بِإِبَاحَتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ.
أَقُولُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ تَشْتَهِرْ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، بَلْ الْمَشْهُورُ الرَّدُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَابْنُ الشِّحْنَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ سَائِحَانِيٌّ، وَانْظُرْ مَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ لِلْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْغَنِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ) أَيْ لِحُرْمَتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ إنَّمَا تَسْقُطُ بِالشِّطْرَنْجِ إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسَةٍ: الْقِمَارُ وَفَوْتُ الصَّلَاةِ بِسَبَبِهِ وَإِكْثَارُ الْحَلِفِ عَلَيْهِ وَاللَّعِبُ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ عَلَى الطَّرِيقِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ مَنْ يَلْعَبَهُ عَلَى الطَّرِيقِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ فَلِإِتْيَانِهِ الْأُمُورَ الْمُحَقَّرَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ يُدَاوِمُ عَلَيْهِ) هَذَا سَادِسُ السِّتَّةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ.

(قَوْلُهُ قَيَّدُوهُ بِالشُّهْرَةِ) قِيلَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ كَانَ الْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا تُهْمَةَ أَكْلِ الرِّبَا وَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ، وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا ذَكَرَ فِي وَجْهِ تَقْيِيدِ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْإِدْمَانِ.
(قَوْلُهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ) أَيْ كُلُّ الْمُفَسِّقَاتِ لَا خُصُوصُ الرِّبَا سَائِحَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ بَحْرٌ) أَصْلُ الْعِبَارَةِ لِلْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِسْقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَانِعٌ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُرَتِّبُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ قَبْلَهُ: وَأَمَّا أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَحَدٌ وَنَصُّوا أَنَّهُ بِمَرَّةٍ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الظُّهُورِ لِلْقَاضِي لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَرُدُّ بِهِ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ فَكَأَنَّهُ بِمَرَّةٍ يَظْهَرُ لِأَنَّهُ يُحَاسَبُ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ اسْتَنْقَصَ مِنْ الْمَالِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ بِمَرْأَى مِنْ النَّاسِ بَحْرٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا فِي الصَّغِيرَةِ الْإِدْمَانَ، وَمَا شَرَطُوهُ فِي فِعْلِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ فِيمَا رَأَيْتُ، وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ بِالْأَوْلَى، وَإِذَا فَعَلَ مَا يُخِلُّ بِهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا حَيْثُ كَانَ مُبَاحًا، فَفَاعِلُ الْمُخِلِّ بِهَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ وَلَا عَدْلٍ، فَالْعَدْلُ مَنْ اجْتَنَبَ الثَّلَاثَةَ، وَالْفَاسِقُ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَعْتَادُ الصِّيَاحَ فِي الْأَسْوَاقِ بَحْرٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا إذَا شَرِبَ الْمَاءَ أَوْ أَكَلَ الْفَوَاكِهَ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يُقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا تَسْتَقْبِحُ ذَلِكَ مِنَحٌ س.

(قَوْلُهُ أَوْصَى إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ،

(5/483)


فَإِنْ ادَّعَاهُ (صَحَّتْ) شَهَادَتُهُمَا اسْتِحْسَانًا كَشَهَادَةِ دَائِنَيْ الْمَيِّتِ وَمَدْيُونَيْهِ وَالْمُوصَى لَهُمَا وَوَصِيَّيْهِ لِثَالِثٍ عَلَى الْإِيصَاءِ (وَإِنْ أَنْكَرَ لَا) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ عَيْنِيٌّ (كَمَا) لَا تُقْبَلُ (لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبِيهِمَا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ.

(شَهِدَ الْوَصِيُّ) أَيْ وَصِيُّ الْمَيِّتِ (بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ) بَعْدَمَا عَزَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ وَنَصَّبَ غَيْرَهُ أَوْ بَعْدَ مَا أَدْرَكَ الْوَرَثَةُ (لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ لِلْمَيِّتِ فِي مَالِهِ أَوْ غَيْرِهِ (خَاصَمَ أَوْ لَا) لِحُلُولِ الْوَصِيِّ مَحَلَّ الْمَيِّتِ، وَلِذَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بِلَا عَزْلِ قَاضٍ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ نَفْسِهِ فَاسْتَوَى خِصَامُهُ وَعَدَمُهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَلِذَا قَالَ (وَلَوْ شَهِدَ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَزْلِهِ لِلْمُوَكِّلِ إنْ خَاصَمَ) فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ عَزْلِهِ (لَا تُقْبَلُ) اتِّفَاقًا لِلتُّهْمَةِ (وَإِلَّا قُبِلَتْ) لِعَدَمِهَا خِلَافًا لِلثَّانِي فَجَعَلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْأَوْلَى إظْهَارُهُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ رَضِيَ بِهِ سَعْدِيَّةٌ وَعَزْمِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ وَالْمُوصَى لَهُمَا) أُورِدَ عَلَى هَذَا أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ لَهُ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ آخَرَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ كَذَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ لِثَالِثٍ) أَيْ لِرَجُلٍ ثَالِثٍ مُتَعَلِّقٌ بِشَهَادَةٍ كَقَوْلِهِ عَلَى الْإِيصَاءِ، أَيْ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ لَا بِالْأَخِيرَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَيِّتِ مَعْرُوفًا فِي الْكُلِّ، أَيْ ظَاهِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَدْيُونَيْنِ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُهُ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا، وَقِيلَ مَعْنَى الثُّبُوتِ أَمْرُ الْقَاضِي إيَّاهُمَا بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ لَا بَرَاءَتُهُمَا عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا، وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْكَافِي اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْوَصِيَّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ كَمَا لَا تُقْبَلُ لَوْ شَهِدَا إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ يَجْحَدُ الْوَكَالَةَ وَإِلَّا جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ بِإِقْرَارِهِ بِدُونِ الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا قَامَتْ الشَّهَادَةُ لِإِبْرَاءِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ إذَا حَضَرَ الطَّالِبُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ فَكَانَتْ شَهَادَةً عَلَى أَبِيهِمَا فَتُقْبَلُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِي دَارٍ بِعَيْنِهَا وَقَبَضَهَا وَشَهِدَ ابْنَا الْمُوَكِّلِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الدَّارِ إلَى الْوَكِيلِ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ بَلْ بِالشَّهَادَةِ فَكَانَتْ لِأَبِيهِمَا فَلَا تُقْبَلُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ أَبَاهُمَا) أَشَارَ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ ابْنِ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا بِالْأَوْلَى، وَالْمُرَادُ عَدَمُ قَبُولِهَا فِي الْوَكَالَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْمُوَكِّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ الْغَائِبَ) قَيَّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَا يُمْكِنُ الدَّعْوَى بِهَا لِيَشْهَدَا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِرَةِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ صُورَةِ شَهَادَتِهِمَا فِي غَيْبَتِهِ مَعَ جَحْدِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى. وَيُمْكِنُ أَنْ تُصَوَّرَ بِأَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُ وَدِيعَةٍ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ وَدِيعَةِ الْمُوَكِّلِ فِي دَفْعِهَا فَيَجْحَدُ فَيَشْهَدَانِ بِهِ وَبِقَبْضِ دُيُونِ أَبِيهِمَا، وَإِنَّمَا صَوَّرْنَاهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِ مَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا بَحْرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَيَّنَّاهُ فِي حَاشِيَتِهِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ عَنْ الْغَائِبِ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ لِوُجُودِ رَجَاءِ حُضُورِهِ س. قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذِكْرِ الْغَائِبِ إلَّا فِي الْمَفْقُودِ.

(قَوْلُهُ بَعْدَ) وَكَذَا قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ بَعْدَ مَا عَزَلَهُ الْقَاضِي وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَزَلَ الْوَصِيَّ يَنْعَزِلُ بَزَّازِيَّةٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَزْلُهُ بِجُنْحَةٍ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ إلَخْ) أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَكَّلَهُ بِطَلَبِ أَلْفِ دِرْهَمٍ قِبَلَ فُلَانٍ وَالْخُصُومَةِ فَخَاصَمَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي ثُمَّ عُزِلَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ثُمَّ شَهِدَ الْوَكِيلُ بِهَذَا الْمَالِ لِمُوَكِّلِهِ يَجُوزُ. وَقَالَ الثَّانِي لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْوَكِيلِ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ اهـ فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ خَاصَمَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ، فَإِنْ خَاصَمَ فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي اهـ.

(5/484)


كَالْوَصِيِّ سِرَاجٌ. وَفِي قَسَامَةِ الزَّيْلَعِيِّ: كُلُّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَتَمَامُهُ فِيهِ، قَيَّدْنَا بِمَجْلِسِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَوْ خَاصَمَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ عَزَلَهُ قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا كَمَا لَوْ شَهِدَ فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ فِيهِ وَعَلَيْهِ جَامِعُ الْفَتَاوَى. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ عَزَلَهُ فَشَهِدَ أَنَّ لِمُوَكِّلِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِائَةُ دِينَارٍ تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَخَاصَمَ وَتَمَامُهُ فِيهَا. (كَ) مَا قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي (شَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ) لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَشْهَدُ بِالدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ تَقْبَلُ حُقُوقًا شَتَّى فَلَمْ تَقَعْ الشَّرِكَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَنَقَلَ فِي الْهَامِشِ فَرْعًا هُوَ: ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يَجْحَدُ فَشَهِدَ لَهُ الْبَائِعُ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَائِعُ إذَا شَهِدَ لِغَيْرِهِ بِمَا بَاعَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ فَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ كَالْوَصِيِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْوَكَالَةِ يَصِيرُ خَصْمًا وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِيرُ خَصْمًا بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ وَفِي قَسَامَةِ الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا) فِيهِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ الْوَكِيلَ كَالْوَصِيِّ وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ مَعَ أَنَّهُ بِعُرْضَةِ أَنْ يُخَاصِمَ.
(قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا) أَيْ خِلَافًا لِلثَّانِي كَمَا تَقَدَّمَ ح.
(قَوْلُهُ أَوْ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُوَكِّلِ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي) مُتَعَلِّقٌ بِوُكِّلَ لَا بِالْخُصُومَةِ.
(قَوْلُهُ مِائَةَ دِينَارٍ) أَيْ مَالٌ غَيْرُ الْمُوَكَّلِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهَا) حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَخَاصَمَ مَعَ الْمَطْلُوبِ بِأَلْفٍ وَبَرْهَنَ عَلَى الْوَكَالَةِ ثُمَّ عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ عَنْهَا فَشَهِدَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَمَا كَانَ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا اتَّصَلَ بِهَا الْقَضَاءُ صَارَ الْوَكِيلُ خَصْمًا فِي حُقُوقِ الْمُوَكِّلِ عَلَى غُرَمَائِهِ فَشَهَادَتُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ بِالدَّنَانِيرِ شَهَادَةُ الْخَصْمِ فَلَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ عِلْمَ الْقَاضِي بِوَكَالَتِهِ لَيْسَ بِقَضَاءٍ فَلَمْ يَصِرْ خَصْمًا فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ فِي حَقٍّ آخَرَ اهـ بِزِيَادَةٍ مِنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى. وَزَادَ فِي الذَّخِيرَةِ: إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِمَالٍ حَادِثٍ بَعْدَ تَارِيخِ الْوَكَالَةِ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَهُ اهـ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَمَا مَرَّ: وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِيمَا يَحْدُثُ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَقَبْضِهِ عَلَى رَجُلٍ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ أَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ فَالْخُصُومَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَادِثِ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا فَإِذًا تُحْمَلُ الْمَذْكُورَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَ الْخُصُومَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ فِي الْقَائِمَةِ وَلَا فِي الْحَادِثَةِ إلَّا فِي الْوَاجِبِ بَعْدَ الْعَزْلِ اهـ يَعْنِي وَأَمَّا فِي الْخَاصَّةِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا كَانَ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ وَتُقْبَلُ فِي الْحَادِثِ بَعْدَهَا أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَإِنَّمَا جَاءَ عَدَمُ الِاسْتِقَامَةِ بِالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ بِمَا كَانَ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ، وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ، بَلْ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ الْحَادِثَ تُقْبَلُ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ عِبَارَةَ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَنَصُّهَا: لِأَنَّهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَمَّا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهَا أَيْ بِالْوَكَالَةِ صَارَ الْوَكِيلُ خَصْمًا فِي جَمِيعِ حُقُوقِ الْمُوَكِّلِ عَلَى غُرَمَائِهِ، فَإِذَا شَهِدَ بِالدَّنَانِيرِ فَقَدْ شَهِدَ بِمَا هُوَ خَصْمٌ فِيهِ، وَفِي الْأَوَّلِ: عِلْمُ الْقَاضِي بِوَكَالَتِهِ لَيْسَ بِقَضَاءٍ فَلَمْ يَصِرْ خَصْمًا فَكَانَ فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ فِي حَقٍّ آخَرَ اهـ.
(قَوْلُهُ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ إلَخْ) رَاجِعْ الْفَصْلَ الرَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَوَجْهُ قَوْلِ

(5/485)


بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ عَيْنٍ كَمَا فِي وَصَايَا الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ وَسَيَجِيءُ ثَمَّةَ (وَ) كَ (شَهَادَةِ وَصِيَّيْنِ لِوَارِثٍ كَبِيرٍ) عَلَى أَجْنَبِيٍّ (فِي غَيْرِ مَالِ الْمَيِّتِ) فَإِنَّهَا مَقْبُولَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِوَارِثٍ بَالِغٍ تُقْبَلُ بَزَّازِيَّةٌ (وَلَوْ) شَهِدَا (فِي مَالِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (لَا) خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ لِصَغِيرٍ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا، وَسَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا.

(كَمَا) لَا تُقْبَلُ (الشَّهَادَةُ عَلَى جَرْحٍ) بِالْفَتْحِ: أَيْ فِسْقٍ (مُجَرَّدٍ) عَنْ إثْبَاتِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ، فَإِنْ تَضَمَّنَتْهُ قُبِلَتْ وَإِلَّا لَا (بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَ) لَوْ (قَبْلَهُ قُبِلَتْ) أَيْ الشَّهَادَةُ بَلْ الْإِخْبَارُ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ كَذَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِمَا قَرَّرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَأَقَرَّهُ مُنْلَا خُسْرو وَأَدْخَلَهُ تَحْتَ قَوْلِهِمْ: الدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ، وَأَطْلَقَ ابْنُ الْكَمَالِ رَدَّهَا تَبَعًا لِعَامَّةِ الْكُتُبِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَانِيِّ وَعَزْمِي زَادَهْ الْمَيْلُ إلَيْهِ، وَكَذَا الْقُهُسْتَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَلْتَفِتْ لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يُزَكَّى الشُّهُودُ سِرًّا وَعَلَنًا، فَإِنْ عُدِّلُوا قَبِلَهَا وَعَزَاهُ لِلْمُضْمَرَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ الْقَبُولِ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ إذَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بِدَيْنِهِ شَارَكَهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ فَصَارَ كُلٌّ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ عَيْنٍ) كَمَا إذَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِأَلْفٍ فَادَّعَى الشَّاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُمَا بِأَلْفٍ وَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُمَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ التَّرِكَةِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُثْبِتًا لِنَفْسِهِ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا، وَاحْتُرِزَ بِالْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ عَيْنٍ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ أُخْرَى فَإِنَّهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ وَلَا تُهْمَةَ اهـ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى) وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ تَعْزِيرًا، وَانْظُرْ بَابَ التَّعْزِيرِ مِنْ الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ يَا فَاسِقُ يَا زَانِي.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) تَكْرَارٌ س. (قَوْلُهُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ) وَلَوْ قَبْلَهُ قُبِلَتْ. ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ جَهْرًا أَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِيَ بِهِ سِرًّا وَكَانَ مُجَرَّدًا طُلِبَ مِنْهُ الْبُرْهَانُ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ سِرًّا أَبْطَلَ الشَّهَادَةَ لِتَعَارُضِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَيُقَدَّمُ الْجَرْحُ، فَإِذَا قَالَ الْخَصْمُ لِلْقَاضِي سِرًّا إنَّ الشَّاهِدَ أَكَلَ رِبًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ رَدَّ شَهَادَتَهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْكَافِي اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبُرْهَانُ جَهْرًا لَا يُقْبَلُ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ لِفِسْقِ الشُّهُودِ بِهِ بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدُوا سِرًّا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الْجَرْحِ وَلَوْ مُجَرَّدًا أَوْ بَعْدَ التَّعْدِيلِ لَوْ شَهِدُوا بِهِ سِرًّا، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا تُقْبَلُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ بِمَا إذَا كَانَ جَهْرًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَافِي أَنَّ الْخَصْمَ لَا يَضُرُّهُ الْإِعْلَانُ بِالْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَبِهْ بِالشُّهُودِ سِرًّا وَفَسَقَ بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ، بِخِلَافِ الشُّهُودِ فَإِنَّمَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُمْ بِفِسْقِهِمْ بِذَلِكَ، وَكَذَا يُقْبَلُ عِنْدَ سُؤَالِ الْقَاضِي.
قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ الْبَابِ الْمَارِّ: وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ إطْلَاقِ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْجَرْحَ يُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مُجَرَّدًا أَوْ لَا عِنْدَ سُؤَالِ الْقَاضِي عَنْ الشَّاهِدِ وَالتَّفْصِيلُ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُجَرَّدًا لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بِهِ أَوْ لَا فَتُسْمَعُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ طَعْنِ الْخَصْمِ فِي الشَّاهِدِ عَلَانِيَةً اهـ. هَذَا، وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ بِلَا طَعْنٍ مِنْ الْخَصْمِ. وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ مُطْلَقًا، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِرَدِّ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ. وَأَجَابَ السَّائِحَانِيُّ بِأَنَّ مَنْ قَالَ تُقْبَلُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي حِينَئِذٍ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ، وَمَنْ قَالَ تُرَدُّ أَرَادَ أَنَّ التَّعْدِيلَ لَوْ كَانَ ثَابِتًا أَوْ أُثْبِتَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُهُ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ فَلَا تَبْطُلُ الْعَدَالَةُ اهـ وَيُشِيرُ إلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْكَمَالِ.

(5/486)


وَجَعَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا قَوْلِهِ فَتَنَبَّهْ (مِثْلُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى شُهُودِ الْمُدَّعِي) عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ (بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ) فَلَا تُقْبَلُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ بَلْ قَبْلَهُ دُرَرٌ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ (وَتُقْبَلُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى) الْجَرْحِ الْمُرَكَّبِ (كَإِقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ إقْرَارِهِ بِشَهَادَتِهِمْ بِزُورٍ أَوْ بِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ) أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوا الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَقُّ عَيْنِيٌّ (أَوْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ الْخَبَرُ عَنْ فِسْقِ الشُّهُودِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ يَمْنَعُ الْقَاضِيَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا.
قُلْتُ: نَعَمْ، لَكِنَّ ذَلِكَ لِلطَّعْنِ فِي عَدَالَتِهِمْ لَا لِسُقُوطِ أَمْرٍ يُسْقِطُهُمْ عَنْ حَيِّزِ الْقَبُولِ، وَلِذَا لَوْ عُدِّلُوا بَعْدَ هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى فِسْقِهِمْ مَقْبُولَةً لَسَقَطُوا عَنْ حَيِّزِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَجَالُ التَّعْدِيلِ اهـ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَمُنْلَا خُسْرو، وَيَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ.
(قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ) أَقُولُ: الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِ لَكِنْ يُزَكَّى الشُّهُودُ سِرًّا وَعَلَنًا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَيُكْتَفَى بِالتَّزْكِيَةِ عَلَنًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ. أَمَّا إذَا طَعَنَ كَمَا هُنَا فَلَا اخْتِلَافَ، بَلْ هُوَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مِنْ أَنَّهُمْ يُزَكَّوْنَ سِرًّا وَعَلَنًا فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ وَجْهُ أَمْرِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ فَتَنَبَّهْ س وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْإِطْلَاقِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَطْلَقَ الْكَمَالُ.
(قَوْلُهُ أَوْ زُنَاةٌ إلَخْ) أَيْ عَادَتُهُمْ الزِّنَا أَوْ أَكْلُ الرِّبَا أَوْ الشُّرْبُ وَفِي هَذَا لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ سَرَقُوا مِنِّي إلَخْ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ خَاصٍّ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
[فَرْعٌ] ذَكَرَهُ فِي الْهَامِشِ: وَمَنْ ادَّعَى مِلْكًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ شَهِدَ بِمِلْكٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ لِغَيْرِهِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ وَاحِدٍ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ لِآخَرَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الشَّاهِدَ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكِي يُقْبَلُ، وَالشَّاهِدُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ لَا يَحْلِفُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ، لِأَنَّ الْعَدَالَةَ بَعْدَ مَا ثَبَتَتْ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ كَمَا عَرَفْتَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ فِي الدَّفْعِ كَمَا مَرَّ، كَذَا قَالَهُ مُنْلَا خُسْرو وَغَيْرُهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْنِي حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ الْعَبْدِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُمْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَعَ ذَهَابِ الرَّائِحَةِ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ وَهُوَ هُنَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا يُوجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الْحَدُّ لَا التَّعْزِيرُ لِقَوْلِهِمْ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ لِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالتَّوْبَةِ، لِأَنَّ التَّعْزِيرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ لَا يَسْقُطُ بِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
قُلْتُ: لَكِنْ صَرَّحَ فِي تَعْزِيرِ الْبَحْرِ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَخْتَصُّ بِالْحَدِّ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ التَّعْزِيرِ، وَصَرَّحَ هُنَاكَ أَيْضًا بِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ بِهِ مَا كَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ لَا يَسْقُطُ بِهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعِي) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْجَرْحِ مَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ أَوْ لَمْ يَحْضُرُوا الْوَاقِعَةَ أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ عَلَى رِقِّ الشَّاهِدِ أَوْ عَلَى شَرِكَةِ الشَّاهِدِ فِي الْعَيْنِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَطْعَنَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَنْ يَقُولَ هُمَا عَبْدَانِ أَوْ مَحْدُودَانِ فِي قَذْفٍ أَوْ شَرِيكَانِ، فَإِذَا قَالَ هُمَا عَبْدَانِ يُقَالُ لِلشَّاهِدَيْنِ أَقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَفِي الْآخَرَيْنِ يُقَالُ لِلْخَصْمِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا كَذَلِكَ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْجَرْحُ

(5/487)


بِقَذْفٍ) أَوْ أَنَّهُ ابْنُ الْمُدَّعِي أَوْ أَبُوهُ عِنَايَةٌ أَوْ قَاذِفٌ وَالْمَقْذُوفُ يَدَّعِيهِ (أَوْ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوهُ أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا) وَبَيَّنَهُ (أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (أَوْ قَتَلُوا النَّفْسَ عَمْدًا) عَيْنِيٌّ (أَوْ شُرَكَاءُ الْمُدَّعِي) أَيْ وَالْمُدَّعَى مَالٌ (أَوْ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ بِكَذَا لَهَا) لِلشَّهَادَةِ (وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ لِي عِنْدَهُ) مِنْ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ تُقْبَلْ لِدَعْوَاهُ الِاسْتِئْجَارَ لِغَيْرِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ (أَوْ إنِّي صَالَحْتُهُمْ عَلَى كَذَا وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِمْ) أَيْ رِشْوَةً وَإِلَّا فَلَا صُلْحَ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَلَوْ قَالَ وَلَمْ أَدْفَعْهُ لَمْ تُقْبَلْ (عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ زُورًا وَ) قَدْ (شَهِدُوا زُورًا) وَأَنَا أَطْلُبُ مَا أَعْطَيْتُهُمْ وَإِنَّمَا قُبِلَتْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْعَبْدِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ لِإِحْيَائِهِمَا.

(شَهِدَ عَدْلٌ فَلَمْ يَبْرَحْ) عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَمْ يَطُلْ الْمَجْلِسُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ (حَتَّى قَالَ أُوهِمْتُ) أَخْطَأْتُ (بَعْضَ شَهَادَتِي وَلَا مُنَاقَضَةَ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ لَوْ عَدْلًا وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خَانِيَّةٌ وَبَحْرٌ.
قُلْتُ: لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُلْتَقَى تَقْتَضِي قَبُولَ قَوْلِهِ أُوهِمْتُ وَأَنَّهُ يَقْضِي بِمَا بَقِيَ وَهُوَ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْمَلِ وَسَعْدِيٍّ تَرْجِيحُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي الشَّاهِدِ إظْهَارُ مَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ لَا بِالشَّهَادَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ، فَإِدْخَالُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْجَرْحِ الْمَقْبُولِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْهُمَامِ مَرْدُودٌ بَلْ مِنْ بَابِ الطَّعْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ بِمَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ يُقْبَلُ، وَلَيْسَ هَذَا بِجَرْحٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ اهـ وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ لَا يَذْكُرَ قَوْلَهُ الْجَرْحُ الْمُرَكَّبُ فَإِنَّهَا زِيَادَةُ ضَرَرٍ.
(قَوْلُهُ بِقَذْفٍ) لِأَنَّ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ رَدُّ شَهَادَتِهِ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ) بِأَنْ لَمْ يَزُلْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ فِي الْبَاقِي، قَيَّدَ بِعَدَمِ التَّقَادُمِ إذْ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ مَرْدُودَةٌ مِنَحٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ وَفَّقَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَ جَعْلِهِمْ هُمْ زُنَاةً شَرَبَةَ الْخَمْرِ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَجَعْلِهِمْ زَنَوْا أَوْ سَرَقُوا مِنْ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ زُنَاةٌ أَوْ فَسَقَةٌ أَوْ شَرَبَةٌ أَوْ أَكَلَةُ رِبًا اسْمُ فَاعِلٍ، وَهُوَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَقْطَعُ بِوَصْفِهِمْ بِمَا ذَكَرَ بِخِلَافِ الْمَاضِي اهـ مُلَخَّصًا وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ فِي التَّمْثِيلِ لِلْأَوَّلِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَلِلثَّانِي بِالْمَاضِي.
(قَوْلُهُ أَوْ شُرَكَاءُ) فِيمَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي شَرِكَتِهِمَا مِنَحٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّاهِدَ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ فَمَهْمَا حَصَلَ مِنْ هَذَا الْبَاطِلِ يَكُونُ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الْمُدَّعَى بِهِ وَإِلَّا كَانَ إقْرَارًا بِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَهُمَا فَتْحٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرِكَةِ عَقْدًا يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ الْعِنَانَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْعُ الشَّاهِدِ فَكَأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ. وَعَلَى مَا قُلْنَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمُدَّعَى مَالٌ: أَيْ مَالٌ تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ لِيُخْرَجَ نَحْوَ الْعَقَارِ وَطَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ.
(قَوْلُهُ أَوْ إنِّي صَالَحْتهمْ) أَيْ شَهِدُوا عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي إنِّي صَالَحْتهمْ إلَخْ.
(قَوْلُهُ أَيْ رِشْوَةً) قَالَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ

(قَوْلُهُ فَلَمْ يَبْرَحْ) لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَرَّهُ الْخَصْمُ بِالدُّنْيَا بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ أَخْطَأْتُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: مَعْنَى قَوْلِهِ أُوهِمْتُ أَخْطَأْتُ بِنِسْيَانِ مَا كَانَ يَحِقُّ عَلَيَّ ذِكْرُهُ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ بَعْضَ شَهَادَتِي) مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ فِي بَعْضِ شَهَادَتِي سَعْدِيَّةٌ.
(قَوْلَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِهِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَقِيلَ يَقْضِي بِمَا بَقِيَ إنْ تَدَارَكَهُ بِنُقْصَانٍ، وَإِنْ بِزِيَادَةٍ يَقْضِي بِهَا إنْ ادَّعَاهَا الْمُدَّعِي، لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ يُجْعَلُ كَحُدُوثِهِ عِنْدَهَا، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قَاضِي خَانَ، وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.
(قَوْلُهُ لَوْ عَدْلًا) تَكْرَارٌ مَعَ الْمَتْنِ س.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ بِمَا بَقِيَ) أَيْ أَوْ بِمَا زَادَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى الْقَبُولِ

(5/488)


فَتَنَبَّهْ وَتَبَصَّرْ (وَإِنْ) قَالَهُ الشَّاهِدُ (بَعْدَ قِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا) تُقْبَلْ عَلَى الظَّاهِرِ احْتِيَاطًا وَكَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ أَوْ النَّسَبِ هِدَايَةٌ

(بَيِّنَةُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَجْرُوحَ (مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمَوْتِ بَعْدَ الْبُرْءِ) وَلَوْ (أَقَامَ أَوْلِيَاءُ مَقْتُولٍ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ زَيْدًا جَرَحَهُ وَقَتَلَهُ وَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ إنَّ زَيْدًا لَمْ يَجْرَحْنِي وَلَمْ يَقْتُلْنِي فَبَيِّنَةُ زَيْدٍ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ) مَجْمُوعُ الْفَتَاوَى.

(وَبَيِّنَةُ الْغَبْنِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ وَتَبَصَّرْ) فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عُفِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قُبِلَتْ رَاجِعٌ إلَى الشَّهَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِهِ هُنَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِقَبُولِهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بَلْ الصَّوَابُ ذِكْرُهُ بَعْدَ عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ هُنَا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: وَلَا يُقْبَلُ الِاسْتِدْرَاكُ بِقَوْلٍ عَلَى آخَرَ إلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الِاسْتِدْرَاكُ بِالنَّظَرِ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِي.
الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ أَوْ النَّسَبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ تَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَوْجُهِ النَّظَرِ الْمَذْكُورَةِ، حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ قِيلَ يَقْضِي بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا، حَتَّى لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ غَلِطْتُ فِي خَمْسِمِائَةٍ يَقْضِي بِأَلْفٍ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ أَوَّلًا صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، وَقِيلَ يَقْضِي بِمَا بَقِيَ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَحُدُوثِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ أُوهِمْتُ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ فِي النُّقْصَانِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَلَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي ذِكْرِ بَعْضِ حُدُودِ الْعَقَارِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَذِكْرُهُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْأُمُورِ اهـ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَوْ النَّسَبِ) بِأَنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِمْرَانَ فَتَدَارَكَهُ فِي الْمَجْلِسِ قِيلَ وَبَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ بَعْضِ الْحُدُودِ بِأَنْ ذَكَرَ الشَّرْقِيَّ مَكَانَ الْغَرْبِيِّ وَنَحْوَهُ فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمَوْتِ) نَقَلَ الشَّيْخُ غَانِمٌ خِلَافَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا فَرَاجِعْهُ، وَأَفْتَى الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ بِخِلَافِهِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَسَائِلَ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ وَتَرْجِيحِهَا فِي الْبَابِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ إلَخْ. وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ مَسَائِلَ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ هِيَ قِطَعٌ أَقَامَتْ الْأَمَةُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهَا دَبَّرَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ عَاقِلٌ وَأَقَامَتْ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ فَبَيِّنَةُ الْأَمَةِ أَوْلَى، وَكَذَا إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا وَقْتَ الْخُلْعِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى فِي الْفَصْلَيْنِ. زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَلْفًا فَأَعْطَاهُ ثُمَّ ادَّعَتْ الْبِنْتُ أَنَّ الْأَلْفَ مَهْرُهَا وَادَّعَى الْأَبُ أَنَّهُ لَهُ لِأَجَلٍ قفتا نَلْقَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبِنْتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا تُثْبِتُ الْوُجُوبَ فِي النِّكَاحِ وَبَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ الرِّشْوَةَ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ، وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ بِالتَّلْجِئَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قُبِلَ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَالتَّلْجِئَةُ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا صِحَّةِ الْوَقْفِ وَفَسَادِهِ، فَإِنَّ الْفَسَادَ لِشَرْطٍ فِي الْوَقْفِ مُفْسِدٌ فَبَيِّنَةُ الْفَسَادِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي الْمَحَلِّ وَغَيْرِهِ فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ بَاقَانِيٌّ عَلَى الْمُلْتَقَى. بَيِّنَةُ أَنَّهُ بَاعَهَا فِي الْبُلُوغِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَتِهِ أَنَّهُ بَاعَهَا فِي صِغَرِهِ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ. إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ: بَيِّنَةُ الْقِدَمِ أَوْلَى. وَفِي تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ لِلْبَغْدَادِيِّ عَنْ الْقُنْيَةِ: بَيِّنَةُ الْحُدُوثِ

(5/489)


مِنْ يَتِيمٍ بَلَغَ (أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ كَوْنِ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ وَصِيِّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (مِثْلَ الثَّمَنِ) لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْفَسَادِ أَرْجَحُ مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ دُرَرٌ خِلَافًا لِمَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ، أَمَّا بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ مُنْيَةٌ (وَبَيِّنَةُ كَوْنِ الْمُتَصَرِّفِ) فِي نَحْوِ تَدْبِيرٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ خُصُومَةٍ (ذَا عَقْلٍ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ) الْوَرَثَةِ مَثَلًا (كَوْنِهِ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ أَوْ مَجْنُونًا) وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَدْرِي كَانَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ فَهُوَ عَلَى الْمَرَضِ، وَلَوْ قَالَ الْوَارِثُ كَانَ يَهْذِي يُصَدَّقُ حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّهُ كَانَ صَحِيحَ الْعَقْلِ بَزَّازِيَّةٌ (وَبَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ) فِي إقْرَارِهِ (أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الطَّوْعِ) إنْ أُرِّخَا وَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا أَوْ لَمْ يُؤَرَّخَا فَبَيِّنَةُ الطَّوْعِ أَوْلَى مُلْتَقَطٌ وَغَيْرُهُ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُهُ وَعَزْمِي زَادَهْ.

[فُرُوعٌ] بَيِّنَةُ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَوْلَى. وَذَكَرَ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْقِدَمِ أَوْلَى فِي الْبِنَاءِ وَبَيِّنَةَ الْحُدُوثِ أَوْلَى فِي الْكَنِيفِ اهـ حَامِدِيَّةٌ، وَلَوْ ظَهَرَ جُنُونُهُ وَهُوَ مُفِيقٌ يَجْحَدُ الْإِفَاقَةَ وَقْتَ بَيْعِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَبَيِّنَةُ الْإِفَاقَةِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْجُنُونِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا ادَّعَى شِرَاءَ الدَّارِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَمَا بَاعَهُ وَآخَرَانِ أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا فَبَيِّنَةُ الْعَقْلِ وَصِحَّةِ الْبَيْعِ أَوْلَى، إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ فَإِنَّمَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ، وَلَوْ قَالَ لَا دَعْوَى عَلَى تَرِكَةِ أَخِي أَوْ لَا حَقَّ فِي تَرِكَةِ أَخِي وَهُوَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَا يَبْطُلُ وَلَا يَدْفَعُ الْوَرَثَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ بَحْرٌ عَنْ النَّوَادِرِ اهـ.

(قَوْلُهُ مِنْ يَتِيمٍ بَالِغٍ) مُتَعَلِّقٌ بِبَيِّنَةُ.
(قَوْلُهُ مَا اشْتَرَاهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي.
(قَوْلُهُ مِنْ وَصِيِّهِ) أَيْ وَصِيِّ الْيَتِيمِ.
(قَوْلُهُ ذَا عَقْلٍ) بَيِّنَةُ كَوْنِ الْبَائِعِ مَعْتُوهًا أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ كَوْنِهِ عَاقِلًا غَانِمٌ الْبَغْدَادِيُّ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الْمَرَضِ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَدْنَى مِنْ تَصَرُّفِ الصِّحَّةِ فَيَكُونُ مُتَيَقَّنًا وَانْظُرْ نُسْخَةَ السَّائِحَانِيِّ. قَالَ: مُجَرِّدُ هَذِهِ الْحَوَاشِي: الَّذِي فِي السَّائِحَانِيِّ هُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَدْرِي كَانَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ فَهُوَ عَلَى الْمَرَضِ. أَيْ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَدْنَى مِنْ تَصَرُّفِ الصِّحَّةِ فَيَكُونُ مُتَيَقَّنًا: وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ بَعْدَ وَفَاتِهَا أَنَّهَا كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ حَالَ صِحَّتِهَا وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى، وَقِيلَ بَيِّنَةُ الْوَرَثَةِ أَوْلَى، وَلَوْ أَقَرَّا لِوَارِثٍ ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ وَقَالَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فِي مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُمْ لَهُ ذَلِكَ، ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْمَهْرِ بِشَرْطٍ وَادَّعَاهَا الزَّوْجُ مُطْلَقًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى إنْ كَانَ الشَّرْطُ مُتَعَارَفًا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مَعَهُ، وَقِيلَ: الْبَيِّنَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْلَى، وَلَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً عَلَى الْمَهْرِ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ مُقِرًّا بِهِ يَوْمَنَا هَذَا وَأَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ هَذَا الْمَهْرِ فَبَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ أَوْلَى وَكَذَا فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ مُدَّعِي الدَّيْنِ بَطَلَتْ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ ضِمْنَ دَعْوَاهُ الْبَرَاءَةَ كَشُهُودِ بَيْعٍ وَإِقَالَةٍ، فَإِنَّ بَيِّنَتَهَا لَمْ يُبْطِلْهَا شَيْءٌ وَتَبْطُلُ بَيِّنَةُ الْبَيْعِ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِقَالَةِ إقْرَارٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الْمَرَضِ لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ. وَفِي الْأَنْقِرْوِيِّ: ادَّعَى بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمُورِثَ وَهَبَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَقَبَضَهُ فِي صِحَّتِهِ وَقَالَتْ الْبَقِيَّةُ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ، وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّهُ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَإِنْ بَرْهَنَا وَقْتًا وَاحِدًا فَبَيِّنَةُ الْوَرَثَةِ أَوْلَى اهـ هَذَا مَا وَجَدْتُهُ فِيهَا.
(قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الطَّوْعِ) قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ:
وَبَيِّنَتَا كُرْهٍ وَطَوْعٍ أُقِيمَتَا ... فَتَقْدِيمُ ذَاتِ الْكُرْهِ صَحَّحَ الْأَكْثَرُ
قَالَ فِي الْهَامِشِ: تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ وَالطَّوْعِ فِي الْبَيْعِ وَالصُّلْحِ وَالْإِقْرَارِ فَبَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ أَوْلَى بَاقَانِيٌّ عَلَى

(5/490)


فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبُطْلَانِ، وَفِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ فَالْبَيْعُ أَوْلَى، اخْتَلَفَا فِي الْبَتَاتِ وَالْوَفَاءِ فَالْوَفَاءُ أَوْلَى اسْتِحْسَانًا شَهَادَةُ قَاصِرَةٍ يُتِمُّهَا غَيْرُهُمْ تُقْبَلُ كَأَنْ شَهِدَا بِالدَّارِ بِلَا ذِكْرِ أَنَّهَا فِي يَدِ الْخَصْمِ فَشَهِدَ بِهِ آخَرَانِ أَوْ شَهِدَا بِالْمِلْكِ بِالْمَحْدُودِ وَآخَرَانِ بِالْحُدُودِ أَوْ شَهِدَا عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَلَمْ يَعْرِفَا الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ الْمُسَمَّى بِهِ دُرَرٌ، شَهِدَ وَاحِدٌ فَقَالَ الْبَاقُونَ: نَحْنُ نَشْهَدُ كَشَهَادَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يَتَكَلَّمَ كُلُّ شَاهِدٍ بِشَهَادَتِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، شَهَادَةُ النَّفْيِ الْمُتَوَاتِرِ مَقْبُولَةٌ. الشَّهَادَةُ إذَا بَطَلَتْ فِي الْبَعْضِ بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي عَبْدٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَشَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَيْهِمَا بِالْعِتْقِ قُبِلَتْ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ فَقَطْ أَشْبَاهٌ.
قُلْتُ: وَزَادَهُ مُحَشِّيهَا خَمْسَةً أُخْرَى مَعْزِيَّةٌ لِلْبَزَّازِيَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْمُلْتَقَى وَخَانِيَّةٌ فِي أَحْكَامِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَتَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ. وَبَيِّنَةُ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ كَوْنِهِ مُوصِيًا مُصِرًّا إلَى الْوَفَاةِ أَبُو السُّعُودُ وَحَامِدِيَّةٌ.

[فُرُوعٌ بَيِّنَةُ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ]
(قَوْلُهُ لِمُدَّعِي الْبُطْلَانِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْعَقْدِ.
(قَوْلُهُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) مُفَادُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْفَسَادِ فَيُوَافِقُ مَا قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ النَّقْدِ وَادَّعَى الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ تَحَالَفَا أَشْبَاهٌ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْمُلْتَقَطِ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ.
(قَوْلُهُ شَهَادَةُ النَّفْيِ الْمُتَوَاتِرِ مَقْبُولَةٌ) بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَ نَفْيًا صُورَةً أَوْ مَعْنًى، وَسَوَاءٌ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، نَعَمْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ النَّفْيِ فِي الشُّرُوطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ.
وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الثَّانِي شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إجَارَةٌ أَوْ بَيْعٌ أَوْ كِتَابَةٌ أَوْ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ أَوْ قَتْلٌ أَوْ قِصَاصٌ فِي مَكَان أَوْ زَمَانٍ وَصِفَاتٍ فَبَرْهَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ يَوْمَئِذٍ لَا تُقْبَلُ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي الْحَادِي وَالْخَمْسِينَ إنْ تَوَاتَرَ عِنْدَ النَّاسِ وَعَلِمَ الْكُلُّ عَدَمَ كَوْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَيُقْضَى بِفَرَاغِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَكْذِيبُ الثَّابِتِ بِالضَّرُورَةِ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ الشَّكُّ عِنْدَنَا إلَى الْكَلَامِ الثَّانِي وَكَذَا كُلُّ بَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى أَنَّ فُلَانًا لَمْ يَقُلْ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يُقِرَّ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَمَّنَ الْإِمَامُ أَهْلَ مَدِينَةٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَاخْتَلَطُوا بِمَدِينَةٍ أُخْرَى وَقَالُوا: كُنَّا جَمِيعًا فَشَهِدَا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا وَقْتَ الْأَمَانِ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ يُقْبَلَانِ إذَا كَانَا مِنْ غَيْرِهِمْ بَزَّازِيَّةٌ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الشَّرْطَ وَإِنْ نَفْيًا كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ كَذَا فَبَرْهَنَتْ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ الْيَوْمَ يُقْبَلُ، حَلِفُهُ إنْ لَمْ تَأْتِ صِهْرَتِي فِي اللَّيْلَةِ وَلَمْ أُكَلِّمْهَا فَشَهِدَا عَلَى عَدَمِ الْإِتْيَانِ، وَالْكَلَامِ يُقْبَلُ لِأَنَّ الْغَرَضَ إثْبَاتُ الْجَزَاءِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَاسْتَثْنَى وَآخَرَانِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بَزَّازِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ خَمْسَةً أُخْرَى) الْأُولَى قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَقَالَ نَصْرَانِيٌّ إنْ دَخَلَ هُوَ هَذِهِ الدَّارَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَشَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى دُخُولِهِ الدَّارَ، إنْ الْعَبْدُ مُسْلِمًا لَا تُقْبَلْ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا تُقْبَلْ فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا الْعِتْقِ.
الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ: إنْ اسْتَقْرَضْتُ مِنْ فُلَانٍ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَأَبُو الْعَبْدِ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْ فُلَانٍ وَالْحَالِفُ يُنْكِرُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا فِي حَقِّ عِتْقٍ لِأَنَّ فِيهَا شَهَادَةَ الْأَبِ لِلِابْنِ.
الثَّالِثَةُ لَوْ قَالَ: إنْ شَرِبْتُ الْخَمْرَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى تَحَقُّقِهِ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ لَا فِي حَقِّ لُزُومِ الْحَدِّ.
الرَّابِعَةُ لَوْ قَالَ: إنْ سَرَقْتُ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَيْهِ بِهَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ لَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ الْكُلُّ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ.
قُلْت: ثُمَّ رَأَيْت مَسْأَلَةً أُخْرَى فَزِدْتهَا وَهِيَ. الْخَامِسَةُ لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ ذَكَرْتُ طَلَاقَكِ إنْ سَمَّيْتُ طَلَاقَكِ إنْ

(5/491)