رد
المحتار على الدر المختار كِتَابُ الْهِبَةِ
وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ ظَاهِرٌ (هِيَ) لُغَةً: التَّفَضُّلُ عَلَى
الْغَيْرِ وَلَوْ غَيْرَ مَالٍ. وَشَرْعًا: (تَمْلِيكُ الْعَيْنِ
مَجَّانًا) أَيْ بِلَا عِوَضٍ لَا أَنَّ عَدَمَ الْعِوَضِ شَرْطٌ فِيهِ
وَأَمَّا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنْ
أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ صَحَّتْ لِرُجُوعِهَا إلَى هِبَةِ الْعَيْنِ
(وَسَبَبُهَا إرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْوَاهِبِ) دُنْيَوِيٌّ كَعِوَضٍ
وَمَحَبَّةٍ وَحُسْنِ ثَنَاءٍ، وَأُخْرَوِيٌّ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو
مَنْصُورٍ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُعَلِّمَ وَلَدَهُ الْجُودَ
وَالْإِحْسَانَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ التَّوْحِيدَ
وَالْإِيمَانَ؛ إذْ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ نِهَايَةٌ
مَنْدُوبَةٌ وَقَبُولُهَا سُنَّةٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» .
(وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا فِي الْوَاهِبِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ
وَالْمِلْكُ) فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ صَغِيرٍ وَرَقِيقٍ، وَلَوْ مُكَاتَبًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَارِثِ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ إنْ كَانَتْ
مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ مُؤْتَمَنًا، وَإِلَّا فَلَا
إذَا دَفَعَ لِبَعْضِهِمْ فَوَائِدُ زَيْنِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
[كِتَابُ الْهِبَةِ]
(قَوْلُهُ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ ظَاهِرٌ) لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا تَمْلِيكُ
الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ وَهِيَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ
مَجَّانًا) زَادَ ابْنُ الْكَمَالِ لِلْحَالِ لِإِخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ
(قَوْلُهُ: بِلَا عِوَضٍ) أَيْ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ
مُضَافٍ، لَكِنَّ هَذَا يَظْهَرُ لَوْ قَالَ: بِلَا عِوَضٍ كَمَا فِي
الْكَنْزِ، لِأَنَّ مَعْنَى مَجَّانًا عَدَمُ الْعِوَضِ لَا عَدَمُ
اشْتِرَاطِهِ، عَلَى أَنَّهُ اعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ كَمَا فِي أَبِي
السُّعُودِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: بِلَا عِوَضٍ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ
الْعِوَضِ، وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ نَقِيضُهُ فَكَيْفَ
يَجْتَمِعَانِ اهـ أَيْ فَلَا يَتِمُّ الْمُرَادُ بِمَا ارْتَكَبَهُ،
وَهُوَ شُمُولُ التَّعْرِيفِ لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ
يَلْزَمُ خُرُوجُهَا عَنْ التَّعْرِيفِ حِينَئِذٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ
فِي الْعَزْمِيَّةِ أَيْضًا.
قُلْت: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ جُعِلَتْ الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ
مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ حَالًا مِنْ " تَمْلِيكٌ " لَزِمَ مَا ذَكَرَ
أَمَّا لَوْ جُعِلَ الْمَحْذُوفُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ أَيْ: هِيَ
كَائِنَةٌ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعِوَضَ فِيهَا
غَيْرُ شَرْطٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَ
فَتَدَبَّرْ (قَوْلَهُ: شَرْطٌ فِيهِ) وَإِلَّا لَمَا شَمِلَ الْهِبَةَ
بِشَرْطِ الْعِوَضِ ح.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ
مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْعَيْنِ مُخْرِجٌ لِتَمْلِيكِ
الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ هِبَةٌ فَيَخْرُجُ عَنْ
التَّعْرِيفِ، فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَكُونُ عَيْنًا مَآلًا فَالْمُرَادُ
بِالْعَيْنِ فِي التَّعْرِيفِ مَا كَانَ عَيْنًا حَالًا أَوْ مَآلًا، قَالَ
بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا إذَا قُبِضَ، وَلَهُ
الرُّجُوعُ قَبْلَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ، حَيْثُ كَانَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ
عَنْ الْقَبْضِ، وَعَلَيْهِ تُبْتَنَى مَسْأَلَةُ مَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ
قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي هَذِهِ فَتَأَمَّلْ.
بَقِيَ هَلْ الْإِذْنُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ
فَلْيُرَاجَعْ، وَلَا تُرَدُّ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ
مَجَازٌ عَنْ الْإِبْرَاءِ، وَالْفَرْدُ الْمَجَازِيُّ لَا يُنْقَضُ،
وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: صَحَّتْ) أَيْ
وَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ فِيهِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ:
وَلَوْ وَهَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ
فَقَبَضَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ - اسْتِحْسَانًا، فَيَصِيرُ قَابِضًا
لِلْوَاهِبِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ، ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ
بِحُكْمِ الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ بِالْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ اهـ.
وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ
تَصْيِيرَ مَعْلُومِهِ الْمُتَجَمِّدِ لِلْغَيْرِ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَهُ
غَيْرُ صَحِيحٍ مَا لَمْ يَأْذَنْهُ بِالْقَبْضِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ
الْفَتْوَى، وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: صَحَّتْ، وَيَكُونُ وَكِيلًا
قَابِضًا لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَمُقْتَضَاهُ عَزْلُهُ عَنْ
التَّسْلِيطِ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ) بَيَانٌ لِلْأُخْرَوِيِّ ح (قَوْلُهُ
يُعَلِّمَ) بِكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً (قَوْلُهُ «تَهَادَوْا
تَحَابُّوا» ) بِفَتْحِ تَاءِ تَهَادَوْا وَهَائِهِ وَدَالِهِ وَإِسْكَانِ
وَاوِهِ وَتَحَابُّوا بِفَتْحِ تَائِهِ وَحَائِهِ وَضَمِّ بَائِهِ
مُشَدَّدَةً.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكَاتَبًا)
(5/687)
وَ) شَرَائِطُ صِحَّتِهَا (فِي
الْمَوْهُوبِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا غَيْرَ مَشَاعٍ مُمَيَّزًا غَيْرَ
مَشْغُولٍ) كَمَا سَيَتَّضِحُ.
(وَرُكْنُهَا) هُوَ (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) كَمَا سَيَجِيءُ.
(وَحُكْمُهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ) فَلَهُ
الرُّجُوعُ وَالْفَسْخُ (وَعَدَمُ صِحَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهَا)
فَلَوْ شَرَطَهُ صَحَّتْ إنْ اخْتَارَهَا قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا، وَكَذَا
لَوْ أَبْرَأَهُ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ خُلَاصَةٌ.
(وَ) حُكْمُهَا (أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ)
فَهِبَةُ عَبْدٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ
(وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ كَ وَهَبْت وَنَحَلْت وَأَطْعَمْتُك هَذَا
الطَّعَامَ وَلَوْ) ذَلِكَ (عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ) بِخِلَافِ
أَطْعَمْتُك أَرْضِي فَإِنَّهُ عَارِيَّةٌ لِرَقَبَتِهَا وَإِطْعَامٌ
لِغَلَّتِهَا بَحْرٌ (أَوْ الْإِضَافَةِ إلَى مَا) أَيْ إلَى جُزْءٍ
(يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَ وَهَبْت لَك فَرْجَهَا وَجَعَلْته لَك)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَغَيْرُهُ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضِ بِالْأُولَى
(قَوْلُهُ: صِحَّتِهَا) أَيْ بَقَائِهَا عَلَى الصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ مَقْبُوضًا) رَجُلٌ أُضَلَّ لُؤْلُؤَةً فَوَهَبَهَا لِآخَرَ
وَسَلَّطَهُ عَلَى طَلَبِهَا وَقَبْضِهَا مَتَى وَجَدَهَا.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذِهِ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى خَطَرٍ،
وَالْهِبَةُ لَا تَصِحُّ مَعَ الْخَطَرِ، وَقَالَ زُفَرُ: تَجُوزُ
خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: مَشَاعٍ) أَيْ: فِيمَا يُقْسَمُ كَمَا يَأْتِي،
وَهَذَا فِي الْهِبَةِ، وَأَمَّا إذَا تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى
اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ بَحْرٌ: أَيْ بِخِلَافِ مَا
إذَا تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ عَلَى وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا
يَأْتِي آخِرَ الْمُتَفَرِّقَاتِ لَكِنْ سَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّهُ لَا
شُيُوعَ فِي الْأُولَى وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا أَحْكَامَ
الْمَشَاعِ، وَعَقَدَ لَهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَرْجَمَةً
فَرَاجِعْهُ.
[فَائِدَةٌ] مَنْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَ نِصْفَ دَارٍ مَشَاعًا يَبِيعُ
مِنْهُ نِصْفَ الدَّارِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يُبْرِيهِ عَنْ الثَّمَنِ
بَزَّازِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: هُوَ الْإِيجَابُ) وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: إذَا دَفَعَ
لِابْنِهِ مَالًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ الِابْنُ يَكُونُ لِلْأَبِ إلَّا إذَا
دَلَّتْ دَلَالَةُ التَّمْلِيك بِيرِيٌّ.
قُلْت: فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا
يُشْتَرَطُ، بَلْ تَكْفِي الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّمْلِيكِ
كَمَنْ دَفَعَ لِفَقِيرٍ شَيْئًا وَقَبَضَهُ، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ وَاحِدٌ
مِنْهُمَا بِشَيْءٍ، وَكَذَا يَقَعُ فِي الْهِدَايَةِ وَنَحْوِهَا
فَاحْفَظْهُ، وَمِثْلُهُ مَا يَدْفَعُهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا
قَالَ: وَهَبْت مِنْكِ هَذِهِ الْعَيْنَ فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ
بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ وَلَمْ يَقُلْ: قَبِلْت، صَحَّ لِأَنَّ الْقَبْضَ
فِي بَابِ الْهِبَةِ جَارٍ مَجْرَى الرُّكْنِ فَصَارَ كَالْقَبُولِ
وَلْوَالِجِيَّةٌ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ كَانَ
أَمْرُهُ بِالْقَبْضِ حِينَ وَهَبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ
وَيَجُوزُ قَبْضُهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَالْقَبُولُ) فِيهِ خِلَافٌ فَفِي
الْقُهُسْتَانِيِّ: وَتَصِحُّ الْهِبَةُ بِكَ وَهَبْت وَفِيهِ دَلَالَةٌ
عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ بِرُكْنٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي
الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا.
وَذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْهِبَةِ عَقْدٌ تَامٌّ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَنَّ الْقَبْضَ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ، وَلِذَا
لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْقَبُولِ
كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ لَكِنْ فِي الْكَافِي وَالتُّحْفَةِ أَنَّهُ
رُكْنٌ، وَذَكَرَ فِي الْكَرْمَانِيِّ: أَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى
الْإِيجَابِ لِأَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يُنْقَلُ إلَى الْغَيْرِ
بِدُونِ تَمْلِيكِهِ، وَإِلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامُ الْمِلْكِ
عَلَى الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ
فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ عَدَمُ إظْهَارِ الْجُودِ
وَقَدْ وُجِدَ الْإِظْهَارُ، وَلَعَلَّ الْحَقَّ الْأَوَّلُ فَإِنَّ فِي
التَّأْوِيلَاتِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلِذَا قَالَ
أَصْحَابُنَا: لَوْ وَضَعَ مَالَهُ فِي طَرِيقٍ لِيَكُونَ لَكًّا
لِلرَّافِعِ جَازَ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ فَلَوْ شَرَطَهُ) بِأَنْ وَهَبَهُ عَلَى أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ
بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ إلَخْ) أَيْ لَا
يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ أَيْ لَوْ أَبْرَأَهُ عَلَى أَنَّهُ
بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، وَيَبْطُلُ
الْخِيَارُ مِنَحٌ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ خِيَارِ
الشَّرْطِ.
(قَوْلُهُ: الْمِزَاحِ)
(5/688)
لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ بِخِلَافِ
جَعَلْته بِاسْمِك فَإِنَّهُ لَيْسَ بِهِبَةٍ وَكَذَا هِيَ لَك حَلَالٌ
إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ يُفِيدُ الْهِبَةَ خُلَاصَةٌ
(وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ)
نَاوِيًا بِالْحَمْلِ الْهِبَةَ كَمَا مَرَّ (وَكَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ
وَدَارِي لَك هِبَةٌ) أَوْ عُمْرَى (تَسْكُنُهَا) لِأَنَّ قَوْلَهُ:
تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ لَا تَفْسِيرٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ
تَفْسِيرًا لِلِاسْمِ فَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ
يَسْكُنَهُ فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ مَشُورَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ
(لَا) لَوْ قَالَ (هِبَةَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةٍ) بَلْ تَكُونُ
عَارِيَّةً أَخْذًا بِالْمُتَيَقَّنِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ اللَّفْظَ إنْ أَنْبَأَ عَنْ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ
فَهِبَةٌ أَوْ الْمَنَافِعِ فَعَارِيَّةٌ أَوْ احْتَمَلَ اُعْتُبِرَ
النِّيَّةُ نَوَازِلُ وَفِي الْبَحْرِ أَغْرِسُهُ بِاسْمِ ابْنِي،
الْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَجَبْنَا عَنْهُ فِي
هَامِشِهِ (وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ جَعَلْته بِاسْمِك) قَالَ فِي الْبَحْرِ:
قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: لَكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: جَعَلْته بِاسْمِك، لَا
يَكُونُ هِبَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ غَرَسَ لِابْنِهِ
كَرْمًا إنْ قَالَ: جَعَلْته لِابْنِي، يَكُونُ هِبَةً، وَإِنْ قَالَ:
بِاسْمِ ابْنِي، لَا يَكُونُ هِبَةً، وَلَوْ قَالَ: أَغْرِسُ بِاسْمِ
ابْنِي، فَالْأَمْرُ مُتَرَدِّدٌ، وَهُوَ إلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبُ اهـ.
وَفِي الْمَتْنِ مِنْ الْخَانِيَّةِ بَعْدَ هَذَا قَالَ: جَعَلْته لِابْنِي
فُلَانٍ، يَكُونُ هِبَةً؛ لِأَنَّ الْجَعْلَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ،
وَإِنْ قَالَ: أَغْرِسُ بِاسْمِ ابْنِي، لَا يَكُونُ هِبَةً، وَإِنْ قَالَ:
جَعَلْته بِاسْمِ ابْنِي، يَكُونُ هِبَةً؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ
بِهِ التَّمْلِيكَ وَالْهِبَةَ اهـ.
وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَقْرَبُ لِعُرْفِ
النَّاسِ تَأَمَّلْ اهـ.
وَهُنَا تَكْمِلَةٌ لِهَذِهِ لَكِنْ أَظُنُّ أَنَّهَا مَضْرُوبٌ عَلَيْهَا
لِفَهْمِهَا مِمَّا مَرَّ وَهِيَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَقَرَّهُ عَلَى
الْمُخَالَفَةِ وَفِيهِ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِيهِ لَفْظُ
الْجَعْلِ وَهُوَ مُرَادٌ بِهِ التَّمْلِيكُ بِخِلَافِ مَا فِي
الْخُلَاصَةِ اهـ تَأَمَّلْ، نَعَمْ عُرْفُ النَّاسِ التَّمْلِيكُ
مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِهِبَةٍ) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ:
مَلَّكْتُك هَذَا الثَّوْبَ مَثَلًا، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى
الْهِبَةِ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أَعَمُّ مِنْهَا
لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا
وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي آخِرِ هِبَةِ الْحَامِدِيَّةِ وَفِي
الْكَازَرُونِيِّ: أَنَّهَا هِبَةٌ.
[فُرُوعٌ] : فِي الْهَامِشِ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ: قَدْ مَتَّعْتُك
بِهَذَا الثَّوْبِ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَبَضَهَا فَهِيَ هِبَةٌ،
وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: قَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى
قَدْ مَتَّعْتُك بِهَذِهِ الثِّيَابِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَهِيَ
هِبَةٌ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ.
أَعْطَى لِزَوْجَتِهِ دَنَانِيرَ لِتَتَّخِذَ بِهَا ثِيَابًا وَتَلْبَسَهَا
عِنْدَهُ فَدَفَعَتْهَا مُعَامَلَةً فَهِيَ لَهَا قُنْيَةٌ.
اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثَوْبًا يَمْلِكُهُ وَكَذَا الْكَبِيرُ
بِالتَّسْلِيمِ بَزَّازِيَّةٌ.
لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا، وَقَالَ: أَلْبِسْ نَفْسَك، فَفَعَلَ
يَكُونُ هِبَةً، وَلَوْ دَفَعَ دَرَاهِمَ وَقَالَ: أَنْفِقْهَا عَلَيْك
يَكُونُ قَرْضًا بَاقَانِيٌّ.
اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ ثِيَابًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ
إلَّا إذَا بَيَّنَ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ، وَكَذَا لَوْ
اتَّخَذَ لِتِلْمِيذِهِ ثِيَابًا فَأَبَقَ التِّلْمِيذُ، فَأَرَادَ أَنْ
يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ بَزَّازِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ:
مَشُورَةٌ) بِضَمِّ الشِّينِ أَيْ فَقَدْ أَشَارَ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ
يُسْكِنَهُ فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ مَشُورَتَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ
كَقَوْلِهِ: هَذَا الطَّعَامُ لَكَ تَأْكُلُهُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَكَ
تَلْبَسُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ هِبَةَ سُكْنَى) مَنْصُوبٌ عَلَى
الْحَالِ أَوْ التَّمْيِيزِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ سُكْنَى هِبَةً)
بِالنَّصْبِ (قَوْلُهُ بِاسْمِ ابْنِي) قَدَّمَنَا الْكَلَامَ فِيهِ
تَقْرِيبًا.
(5/689)
(وَ) تَصِحُّ (بِقَبُولٍ) أَيْ فِي حَقِّ
الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَّا فِي حَقِّ الْوَاهِبِ فَتَصِحُّ بِالْإِيجَابِ
وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ
لِفُلَانٍ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ وَبِعَكْسِهِ حَنِثَ بِخِلَافِ
الْبَيْعِ
(وَ) تَصِحُّ (بِقَبْضٍ بِلَا إذْنٍ فِي الْمَجْلِسِ) فَإِنَّهُ هُنَا
كَالْقَبُولِ فَاخْتُصَّ بِالْمَجْلِسِ (وَبَعْدَهُ بِهِ) أَيْ بَعْدَ
الْمَجْلِسِ بِالْإِذْنِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ أَمْرُهُ
بِالْقَبْضِ حِينَ وَهَبَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَجُوزُ
الْقَبْضُ بَعْدَهُ (وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْقَبْضِ كَالْقَبْضِ فَلَوْ
وَهَبَ لِرَجُلٍ ثِيَابًا فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ
الصُّنْدُوقَ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَبْضِ
(وَإِنْ مَفْتُوحًا كَانَ قَبْضًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ) فَإِنَّهُ
كَالتَّخْلِيَةِ فِي الْبَيْعِ اخْتِيَارٌ وَفِي الدُّرَرِ وَالْمُخْتَارُ
صِحَّتُهُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي صَحِيحِ الْهِبَةِ لَا فَاسِدِهَا وَفِي
النُّتَفِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَقْدًا لَا تَصِحُّ بِلَا قَبْضٍ (وَلَوْ
نَهَاهُ) عَنْ الْقَبْضِ (لَمْ يَصِحَّ) قَبْضُهُ (مُطْلَقًا) وَلَوْ فِي
الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ
(وَتَتِمُّ) الْهِبَةُ (بِالْقَبْضِ) الْكَامِلِ (وَلَوْ الْمَوْهُوبُ
شَاغِلًا لِمِلْكِ الْوَاهِبِ لَا مَشْغُولًا بِهِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ
الْمَوْهُوبَ إنْ مَشْغُولًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ مُنِعَ تَمَامَهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: قَوْلُهُ: جَعَلْته بِاسْمِك، غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا مَرَّ
فَكَيْفَ يَكُونُ مَا هُوَ أَدْنَى رُتْبَةً مِنْهُ أَقْرَبَ إلَى
الصِّحَّةِ سَائِحَانِيٌّ.
قُلْت: قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا مَرَّ لَيْسَ خِطَابًا لِابْنِهِ بَلْ
لِأَجْنَبِيٍّ، وَمَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِقَبُولٍ) أَيْ: وَلَوْ فِعْلًا، وَمِنْهُ: وَهَبْت
جَارِيَتِي هَذِهِ لِأَحَدِكُمَا فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ شَاءَ فَأَخَذَهَا
رَجُلٌ مِنْهُمَا تَكُونُ لَهُ، وَكَانَ أَخْذُهُ قَبُولًا، وَمَا فِي
الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي
الْهِبَةِ الْقَبُولُ مُشْكِلٌ بَحْرٌ.
قُلْت: يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالْقَبُولِ قَوْلًا، وَعَلَيْهِ
يُحْمَلُ كَلَامُ غَيْرِهِ أَيْضًا وَبِهِ ظَهَرَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ
الْقَوْلَيْنِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ
الْمُوَفِّقُ وَقَدَّمَنَا نَظِيرَهُ فِي الْعَارِيَّةِ وَانْظُرْ مَا
كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ.
نَعَمْ الْقَبُولُ شَرْطٌ لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِهِ كَمَا
يَأْتِي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ) فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ
يَحْنَثْ
(قَوْلُهُ: صِحَّتُهُ) أَيْ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ قَالَ فِي
التَّتَارْخَانِيَّة: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ،
فَأَمَّا الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ فَالتَّخْلِيَةُ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ
اتِّفَاقًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْهِبَةِ لَا يَكُونُ
إقْرَارًا بِالْقَبْضِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي النُّتَفِ ثَلَاثَةَ
عَشَرَ) أَحَدُهَا: الْهِبَةُ، وَالثَّانِي: الصَّدَقَةُ، وَالثَّالِثُ:
الرَّهْنُ، وَالرَّابِعُ: الْوَقْفُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ
بْنِ صَالِحٍ.
وَالْخَامِسُ: الْعُمْرَى، وَالسَّادِسُ: النِّحْلَةُ، وَالسَّابِعُ:
الْجَنِينُ، وَالثَّامِنُ: الصُّلْحُ، وَالتَّاسِعُ: رَأْسُ الْمَالِ فِي
السَّلَمِ، وَالْعَاشِرُ: الْبَدَلُ فِي السَّلَمِ إذَا وُجِدَ بَعْضُهُ
زُيُوفًا فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ بَدَلَهَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ
حِصَّتُهَا مِنْ السَّلَمِ.
وَالْحَادِيَ عَشَرَ: الصَّرْفُ.
وَالثَّانِي عَشَرَ: إذَا بَاعَ الْكَيْلِيَّ بِالْكَيْلِيِّ، وَالْجِنْسُ
مُخْتَلِفٌ مِثْلَ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ جَارٍ فِيهِ التَّفَاضُلُ لَا
النَّسِيئَةُ.
وَالثَّالِثَ عَشَرَ: إذَا بَاعَ الْوَزْنِيَّ بِالْوَزْنِيِّ مُخْتَلِفًا
مِثْلَ الْحَدِيدِ بِالصُّفْرِ، أَوْ الصُّفْرِ بِالنُّحَاسِ، أَوْ
النُّحَاسِ بِالرَّصَاصِ جَازَ فِيهَا التَّفَاضُلُ لَا النَّسِيئَةُ
مِنَحُ الْغَفَّارِ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ: بِالْقَبْضِ) فَيُشْتَرَطُ الْقَبْضُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلَوْ
كَانَتْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِلْأَجْنَبِيِّ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ
الْوَقْفِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: بِالْقَبْضِ الْكَامِلِ)
وَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجُلَيْنِ بِقَبْضِ الدَّارِ فَقَبَضَاهَا
جَازَ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُنِعَ تَمَامَهَا) إذْ الْقَبْضُ شَرْطٌ
فُصُولَيْنِ، وَكَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ يُعْطِي أَنَّ هِبَةَ الْمَشْغُولِ
فَاسِدَةٌ وَاَلَّذِي فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهَا غَيْرُ تَامَّةٍ قَالَ
الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّ فِي
الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ كَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هِبَةِ
الْمَشَاعِ الْمُحْتَمِلِ لِلْقِسْمَةِ، هَلْ هِيَ فَاسِدَةٌ أَوْ غَيْرُ
تَامَّةٍ؟ وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ أَنَّهَا غَيْرُ تَامَّةٍ،
فَكَذَلِكَ هُنَا كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا وَقَعَتْ
الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ، فَأَشَارَ إلَى أَحَدِ
الْقَوْلَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ التَّمَامِ، وَإِلَى
الثَّانِي مِمَّا ذَكَرَهُ آخِرًا مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فَتَدَبَّرْ
أَبُو السُّعُودِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الضَّابِطَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ إذَا
اتَّصَلَ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ، وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ لَا
تَجُوزُ هِبَتُهُ مَا لَمْ يُوجَدْ الِانْفِصَالُ، وَالتَّسْلِيمُ كَمَا
إذَا وَهَبَ الزَّرْعَ، أَوْ الثَّمَرَ بِدُونِ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ أَوْ
بِالْعَكْسِ، وَإِنْ اتَّصَلَ اتِّصَالَ
(5/690)
وَإِنْ شَاغِلًا لَا، فَلَوْ وَهَبَ
جِرَابًا فِيهِ طَعَامُ الْوَاهِبِ أَوْ دَارًا فِيهَا مَتَاعُهُ، أَوْ
دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجُهُ وَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ لَا تَصِحُّ
وَبِعَكْسِهِ تَصِحُّ فِي الطَّعَامِ وَالْمَتَاعِ وَالسَّرْجِ فَقَطْ
لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا شَاغِلٌ الْمِلْكَ لِوَاهِبٍ لَا مَشْغُولٌ بِهِ
لِأَنَّ شُغْلَهُ بِغَيْرِ مِلْكِ وَاهِبِهِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا
كَرَهْنٍ وَصَدَقَةٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِهَا وَتَمَامُهُ فِي
الْعِمَادِيَّةِ
وَفِي الْأَشْبَاهِ: هِبَةُ الْمَشْغُولِ لَا تَجُوزُ إلَّا إذَا وَهَبَ
الْأَبُ لِطِفْلِهِ.
قُلْت: وَكَذَا الدَّارُ الْمُعَارَةُ وَاَلَّتِي وَهَبَتْهَا لِزَوْجِهَا
عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَتَاعَهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ
فَصَحَّ التَّسْلِيمُ وَقَدْ غَيَّرْت بَيْتَ الْوَهْبَانِيَّةِ فَقُلْت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مُجَاوَرَةٍ فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْوَاهِبِ لَمْ
يَجُزْ، كَمَا إذَا وَهَبَ السَّرْجَ عَلَى الدَّابَّةِ، لِأَنَّ
اسْتِعْمَالَ السَّرْجِ إنَّمَا يَكُونُ لِلدَّابَّةِ فَكَانَتْ
لِلْوَاهِبِ عَلَيْهِ يَدٌ مُسْتَعْمِلَةٌ، فَتُوجِبُ نُقْصَانًا فِي
الْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْغُولًا جَازَ كَمَا إذَا وَهَبَ
دَابَّةً مُسْرَجَةً دُونَ سَرْجِهَا لِأَنَّ الدَّابَّةَ تُسْتَعْمَلُ
بِدُونِهِ، وَلَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ عَلَيْهَا دُونَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ
الْحَمْلَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ بِالدَّابَّةِ، وَلَوْ وَهَبَ دَارًا دُونَ
مَا فِيهَا مِنْ مَتَاعِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وَهَبَ مَا فِيهَا،
وَسَلَّمَهُ دُونَهَا جَازَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ شَرْحُ مَجْمَعٍ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاغِلًا) تَجُوزُ هِبَةُ الشَّاغِلِ لَا الْمَشْغُولِ
فُصُولَيْنِ.
أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ فِي
الْأَرْضِ شَاغِلٌ لَا مَشْغُولٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ
لِاتِّصَالِهِ بِهَا تَأَمَّلْ خَيْرُ الدِّينِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ
(قَوْلُهُ: فَلَوْ وَهَبَ إلَخْ) وَإِنْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ،
وَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ ثُمَّ وَهَبَ الْمَتَاعَ مِنْهُ أَيْضًا جَازَتْ
الْهِبَةُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَهَبَ الدَّارَ لَمْ يَكُنْ
لِلْوَاهِبِ فِيهَا شَيْءٌ وَحِينَ وَهَبَ الْمَتَاعَ فِي الْأُولَى زَالَ
الْمَانِعُ عَنْ قَبْضِ الدَّارِ لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ فِعْلٌ
فِي الدَّارِ لِيَتِمَّ قَبْضُهُ فِيهَا فَلَا يَنْقَلِبُ الْقَبْضُ
الْأَوَّلُ صَحِيحًا فِي حَقِّهَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ:
وَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ: فِيهِ نَظَرٌ؛
إذْ الدَّابَّةُ شَاغِلَةٌ لِلسَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا مَشْغُولَةٌ
يَقُولُ الْحَقِيرُ صِلْ: أَيْ الْأَصْلُ عُكِسَ فِي هَذَا، وَالظَّاهِرُ
أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ وَهَبَ
أَمَةً عَلَيْهَا حُلِيٌّ وَثِيَابٌ، وَسَلَّمَهَا جَازَ، وَيَكُونُ
الْحُلِيُّ، وَمَا فَوْقَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهَا مِنْ الثِّيَابِ
لِلْوَاهِبِ لِمَكَانِ الْعُرْفِ، وَلَوْ وَهَبَ الْحَلْيَ وَالثِّيَابَ
دُونَهَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَنْزِعَهُمَا، وَيَدْفَعَهُمَا إلَى
الْمَوْهُوبِ لَهُ، لِأَنَّهُمَا مَا دَامَ عَلَيْهَا يَكُونُ تَبَعًا
لَهَا وَمَشْغُولًا بِالْأَصْلِ فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ نُورُ الْعَيْنِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ شُغْلَهُ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا مَشْغُولٌ بِهِ أَيْ
بِمِلْكِ الْوَاهِبِ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فَافْهَمْ.
أَقُولُ: الَّذِي فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهِمَا تَصْوِيرُ
الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِمَا إذَا ظَهَرَ الْمَتَاعُ
مُسْتَحَقًّا أَوْ كَانَ غَصَبَهُ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ
وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
(قَوْلُهُ بِغَيْرِ مِلْكِ وَاهِبِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِمِلْكِ
غَيْرِ وَاهِبِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَرَهْنٍ وَصَدَقَةٍ) أَيْ كَمَا أَنَّ شَغْلَ الرَّهْنِ
وَالصَّدَقَةِ بِمِلْكِ غَيْرِ الرَّاهِنِ وَغَيْرِ الْمُتَصَدِّقِ لَا
يَمْنَعُ تَمَامَهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مَدَنِيٌّ قَالَ فِي
الْمِنَحِ: وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي هِبَةِ الدَّارِ وَالْجَوَالِقِ
بِمَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الرَّهْنِ
وَالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِهَا كَالْهِبَةِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَهَبَ) كَأَنْ وَهَبَهُ دَارًا، وَالْأَبُ
سَاكِنُهَا أَوْ لَهُ فِيهَا مَتَاعٌ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِ
الْقَابِضِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَدْ جَزَمَ
أَوَّلًا بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي
الْمُجَرَّدِ تَجُوزُ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِابْنِهِ تَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ:
وَكَذَا الدَّارُ) مُسْتَدْرَكٌ بِأَنَّ الشُّغْلَ هُنَا بِغَيْرِ مِلْكِ
الْوَاهِبِ وَالْمُرَادُ شُغْلُهُ بِمِلْكِهِ (قَوْلُهُ: الْمُعَارَةُ)
أَيْ لَوْ وَهَبَ طِفْلَهُ دَارًا يَسْكُنُ فِيهَا قَوْمٌ بِغَيْرِ أَجْرٍ
جَازَ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِابْنِهِ، لَا لَوْ كَانَ
(5/691)
وَمَنْ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ دَارًا لَهَا
بِهَا ... مَتَاعٌ وَهُمْ فِيهَا تَصِحُّ الْمُحَرَّرُ
وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَحِيلَةُ هِبَةِ الْمَشْغُولِ أَنْ يُودِعَ
الشَّاغِلُ أَوَّلًا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ
الدَّارَ مَثَلًا فَتَصِحُّ لِشُغْلِهَا بِمَتَاعٍ فِي يَدِهِ (فِي)
مُتَعَلِّقٌ بِتَتِمُّ (مَحُوزٍ) مُفْرَغٍ (مَقْسُومٍ وَمَشَاعٍ لَا)
يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ أَنْ (يُقْسَمَ) كَبَيْتٍ وَحَمَّامٍ
صَغِيرَيْنِ لِأَنَّهَا (لَا) تَتِمُّ بِالْقَبْضِ (فِيمَا يُقْسَمُ
وَلَوْ) وَهَبَهُ (لِشَرِيكِهِ) أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ
الْقَبْضِ الْكَامِلِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَكَانَ هُوَ
الْمَذْهَبَ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ عَنْ الْعَتَّابِيِّ وَقِيلَ:
يَجُوزُ لِشَرِيكِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ (فَإِنْ قَسَمَهُ
وَسَلَّمَهُ صَحَّ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ
(وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ
فِيهِ) فَيَضْمَنُهُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ دُرَرٌ.
لَكِنْ فِيهَا عَنْ الْفُصُولَيْنِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ
الْمِلْكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِأَجْرٍ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: تَصِحُّ
الْمُحَرَّرُ) وَكَانَ أَصْلُهُ
وَهُمْ فِيهَا فَقَوْلَانِ يَزْبُرُ
بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ " هُمْ " لِأَجْلِ الْوَزْنِ (قَوْلُهُ
مُفْرَغٍ) تَفْسِيرٌ لِمَحُوزٍ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ هِبَةِ التَّمْرِ
عَلَى النَّخْلِ وَنَحْوِهِ لِمَا سَيَأْتِي دُرَرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ
أَنْ يُقْسَمَ) وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الْمَشَاعِ الَّذِي
لَا يَحْتَمِلُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا حَتَّى لَوْ وَهَبَ
نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهَا
جَهَالَةٌ تُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ بَحْرٌ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ
عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَحَمَّامٍ) فِيهِ أَنَّ الْحَمَّامَ مِمَّا لَا
يُقْسَمُ مُطْلَقًا ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ فِي عَامَّةِ
الْكُتُبِ) وَصَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ مِنَحٌ
(قَوْلُهُ: هُوَ الْمَذْهَبُ) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الشَّرِيكِ كَمَا
فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ:
وُجِدَ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْمِنَحِ بِإِزَاءِ
هَذَا مَا صُورَتُهُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ اخْتِلَافُ
الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَسَمَهُ) أَيْ الْوَاهِبُ بِنَفْسِهِ،
أَوْ نَائِبُهُ، أَوْ أَمَرَ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِأَنْ يَقْسِمَ مَعَ
شَرِيكِهِ كُلُّ ذَلِكَ تَتِمُّ بِهِ الْهِبَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى فِقْهٍ تَأَمَّلْ، رَمْلِيٌّ وَالتَّخْلِيَةُ:
فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ قَبْضٌ لَا فِي الْفَاسِدَةِ جَامِعُ
الْفُصُولَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى
الْخَيْرِيَّةِ: وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا لَا يَمْلِكُهُ
حَتَّى لَا يَنْفُدَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فَيَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ،
وَيَنْفُذَ فِيهِ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ
وَقَاضِي خَانْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ مِثْلُهُ، وَذَكَرَ
عِصَامٌ أَنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ
اهـ.
وَمَعَ إفَادَتِهَا لِلْمِلْكِ عِنْدَ هَذَا الْبَعْضِ أَجْمَعَ
الْكُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادَهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ
لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ، قَالَ فِي
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَامِزًا لِفَتَاوَى الْفَضْلِيِّ ثُمَّ إذَا
هَلَكَتْ أَفْتَيْت بِالرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ هِبَةً فَاسِدَةً لِذِي
رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ؛ إذْ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ عَلَى مَا مَرَّ
فَإِذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْهَلَاكِ كَانَتْ
مُسْتَحَقَّةَ الرَّدِّ قَبْلَ الْهَلَاكِ اهـ.
وَكَمَا يَكُونُ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا يَكُونُ لِوَارِثِهِ
بَعْدَ مَوْتِهِ لِكَوْنِهَا مُسْتَحَقَّةَ الرَّدِّ، وَيَضْمَنُ
بَعْدَ الْهَلَاكِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا مَاتَ أَحَدُ
الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلِوَرَثَتِهِ نَقْضُهُ، لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ
الرَّدِّ، وَمَضْمُونٌ بِالْهَلَاكِ.
ثُمَّ مِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْقَضَاءَ يُتَخَصَّصُ، فَإِذَا وَلَّى
السُّلْطَانُ قَاضِيًا لِيَقْضِيَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا
يَنْفُدُ قَضَاؤُهُ بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْهُ
بِتَخْصِيصِهِ فَالْتَحَقَ فِيهِ بِالرَّعِيَّةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ
عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ مَا فِي
الْخَيْرِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا
وَالنَّاجِيَّةِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَحْرِ.
وَنُقِلَ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: أَنَّهُ لَوْ
بَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَصِحُّ، وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ
الْوَجِيزِ: الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ، وَلَا
يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ الْعِوَضِ نَصَّ
عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛
إذْ الْهِبَةُ تَنْقَلِبُ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ اهـ.
وَذَكَرَ قَبْلَهُ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ لَا تُفِيدُ
الْمِلْكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَا
تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ،
وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
فَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ نَصَّ
عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ظَهَرَ أَنَّهُ
الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَإِنْ صُرِّحَ بِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ
خِلَافُهُ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا خَبِيثًا كَمَا
يَأْتِي وَيَكُونُ مَضْمُونًا كَمَا عَلِمْته فَلَمْ يَجِدْ نَفْعًا
(5/692)
بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى وَمِثْلُهُ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ
لَكِنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ مِنْ لَفْظِ الصَّحِيحِ كَمَا
بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمَشَاعِ وَهَلْ
لِلْقَرِيبِ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ؟ قَالَ فِي
الدُّرَرِ: نَعَمْ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ:
بِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ
إفَادَتِهَا الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فَلْيُحْفَظْ (وَالْمَانِعُ) مِنْ
تَمَامِ الْقَبْضِ (شُيُوعٌ مُقَارِنٌ) لِلْعَقْدِ (لَا طَارِئٌ)
كَأَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِهَا شَائِعًا فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ
اتِّفَاقًا (وَالِاسْتِحْقَاقُ) شُيُوعٌ (مُقَارِنٌ) لَا طَارِئٌ
فَيَفْسُدُ الْكُلُّ حَتَّى لَوْ وَهَبَ أَرْضًا وَزَرْعًا
وَسَلَّمَهُمَا فَاسْتَحَقَّ الزَّرْعَ بَطَلَتْ فِي الْأَرْضِ،
لِاسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ الشَّائِعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ،
وَالِاسْتِحْقَاقُ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى
مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيَكُونُ مُقَارِنًا لَهَا لَا طَارِئًا كَمَا
زَعَمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ تَبِعَهُ ابْنُ الْكَمَالِ
فَتَنَبَّهْ
(وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ
وَنَخْلٍ فِي أَرْضٍ وَتَمْرٍ فِي نَخْلٍ) لِأَنَّهُ كَمَشَاعٍ (وَلَوْ
فَصَلَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَلْ يَكْفِي
فَصْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَاغْتَنِمْهُ، وَإِنَّمَا أَكْثَرْت النَّقْلَ فِي
مِثْلِ هَذِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَعَدَمِ تَنْبِيهِ أَكْثَرِ
النَّاسِ لِلُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَرَجَاءً
لِدَعْوَةٍ نَافِعَةٍ فِي الْغَيْبِ (قَوْلُهُ: بِالْقَبْضِ) لَكِنْ
مِلْكًا خَبِيثًا وَبِهِ يُفْتَى قُهُسْتَانِيٌّ أَيْ وَهُوَ مَضْمُونٌ
كَمَا عَلِمْته آنِفًا فَتَنَبَّهْ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: وَمَعَ
إفَادَتِهَا لِلْمِلْكِ يُحْكَمُ بِنَقْضِهَا لِلْفَسَادِ كَالْبَيْعِ
الْفَاسِدِ يُنْقَضُ لَهُ تَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ)
عِبَارَتُهَا: وَهَلْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ قَالَ
النَّاطِفِيُّ عِنْدَ الْإِمَامِ: لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَفِي بَعْضِ
الْفَتَاوَى: يَثْبُتُ فِيهَا فَاسِدًا وَبِهِ يُفْتَى، وَنَصَّ فِي
الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارِهِ مِنْ آخَرَ وَسَلَّمَهَا
إلَيْهِ فَبَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَجُزْ دَلَّ أَنَّهُ لَا
يَمْلِكُ حَيْثُ أَبْطَلَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَنَصَّ فِي
الْفَتَاوَى أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ
الْأَفَاضِلِ عَلَى هَامِشِ الْمِنَحِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ،
وَأَنْتَ تَرَاهُ عَزَا رِوَايَةَ إفَادَةِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ
وَالْإِفْتَاءَ بِهَا إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى فَلَا تُعَارِضُ
رِوَايَةَ الْأَصْلِ؛ وَلِذَا اخْتَارَهَا قَاضِي خَانْ، وَقَوْلُهُ:
لَفْظُ الْفَتْوَى إلَخْ قَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ عُمُومِهِ لَا سِيَّمَا
مِثْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ فِي مِثْلِ سِيَاقِ الْبَزَّازِيِّ، فَإِذَا
تَأَمَّلْتَهُ تَقْضِي بِرُجْحَانِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَصْلُ اهـ
(قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ
عَنْ الْخَيْرِيَّةِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: لِلْعَقْدِ لَا طَارِئٌ)
أَقُولُ: مِنْهُ مَا لَوْ وَهَبَ دَارًا فِي مَرَضِهِ وَلَيْسَ لَهُ
سِوَاهَا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ الْهِبَةَ بَقِيَتْ
الْهِبَةُ فِي ثُلُثِهَا وَتَبْطُلُ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا صَرَّحَ
بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: الْبَعْضِ الشَّائِعِ) أَيْ حُكْمًا
لِأَنَّ الزَّرْعَ مَعَ الْأَرْضِ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ كَشَيْءٍ
وَاحِدٍ فَإِذَا اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ
الْبَعْضَ الشَّائِعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَتَبْطُلُ
الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي كَذَا فِي الْكَافِي دُرَرٌ قَالَ فِي
الْخَانِيَّةِ وَالزَّرْعُ لَا يُشْبِهُ الْمَتَاعَ (قَوْلُهُ:
بِالْبَيِّنَةِ) لِيَنْظُرَ فِيمَا لَوْ ظَهَرَ بِإِقْرَارِ
الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَّا بِإِقْرَارِ الْوَاهِبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ
لَغْوٌ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَمَشَاعٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ هَذِهِ
نَظَائِرُ الْمَشَاعِ لَا أَمْثِلَتُهَا فَلَا شُيُوعَ فِي شَيْءٍ
مِنْهَا لَكِنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَشَاعِ، حَتَّى إذَا فُصِلَتْ
وَسُلِّمَتْ صَحَّ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشَاعِ
أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَأْخُذَ
حُكْمَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تَجُوزَ هِبَةُ
النَّخْلِ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ، كَذَا عَكْسُهُ، وَالظَّاهِرُ
خِلَافُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ
الْمَشَاعِ وَإِنْ دَقَّ إلَّا وَلِلشَّرِيكِ فِيهِ مِلْكٌ فَلَا
تَصِحُّ هِبَتُهُ، وَلَوْ مِنْ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ
الْكَامِلَ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَأَمَّا نَحْوُ النَّخْلِ فِي
الْأَرْضِ وَالتَّمْرِ فِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ، لَوْ
كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِشَخْصٍ فَوَهَبَ صَاحِبُ النَّخْلِ
نَخْلَهُ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ عَكْسَهُ فَإِنَّ الْهِبَةَ
تَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ،
فَيَصِحُّ قَبْضُهُ بِتَمَامِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَكِنْ
يُؤْخَذُ الْحُكْمُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ النَّقْلُ
فَلَا يَسَعُنَا إلَّا التَّسْلِيمُ.
(5/693)
بِإِذْنِ الْوَاهِبِ؟ ظَاهِرُ الدُّرَرِ:
نَعَمْ (بِخِلَافِ دَقِيقٍ فِي بُرٍّ وَدُهْنٍ فِي سِمْسِمٍ وَسَمْنٍ
فِي لَبَنٍ) حَيْثُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ فَلَا
يُمْلَكُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ (وَمُلِكَ) بِالْقَبُولِ (بِلَا
قَبْضٍ جَدِيدٍ لَوْ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) وَلَوْ
بِغَصْبٍ أَوْ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ،
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَبْضَيْنِ إذَا تَجَانَسَا نَابَ أَحَدُهُمَا
عَنْ الْآخَرِ، وَإِذَا تَغَايَرَا نَابَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى
لَا عَكْسُهُ
(وَهِبَةُ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الطِّفْلِ فِي الْجُمْلَةِ)
وَهُوَ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ فَدَخَلَ الْأَخُ وَالْعَمُّ عِنْدَ
عَدَمِ الْأَبِ لَوْ فِي عِيَالِهِمْ (تَتِمُّ بِالْعَقْدِ) لَوْ
الْمَوْهُوبُ مَعْلُومًا وَكَانَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ مُودِعِهِ،
لِأَنَّ قَبْضَ الْوَلِيِّ يَنُوبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَرْعٌ] .
لَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ فَقَضَاهَا فَوَجَدَ الْقَابِضُ دَانِقًا
زَائِدًا فَوَهَبَهُ لِلدَّائِنِ أَوْ لِلْبَائِعِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ
صِحَاحًا يَضُرُّهَا التَّبْعِيضُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَشَاعٌ لَا
يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَكَذَا هِبَةُ بَعْضِ الدَّرَاهِمِ
وَالدَّنَانِيرِ إنْ ضَرَّهَا التَّبْعِيضُ تَصِحُّ، وَإِلَّا لَا
بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الدُّرَرِ نَعَمْ) أَقُولُ صَرَّحَ
بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: وَلَوْ وَهَبَ زَرْعًا بِدُونِ
الْأَرْضِ أَوْ تَمْرًا بِدُونِ النَّخْلِ، وَأَمَرَهُ بِالْحَصَادِ
وَالْجُذَاذِ فَفَعَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ
قَبْضَهُ بِالْإِذْنِ يَصِحُّ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ، وَفِي
الْحَامِدِيَّةِ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ وَهَبَ زَرْعًا فِي
أَرْضٍ أَوْ ثَمَرًا فِي شَجَرٍ أَوْ حِلْيَةَ سَيْفٍ أَوْ بِنَاءَ
دَارٍ أَوْ دِينَارًا عَلَى رَجُلٍ أَوْ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ،
وَأَمَرَهُ بِالْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ وَالنَّزْعِ وَالنَّقْضِ
وَالْقَبْضِ وَالْكَيْلِ فَفَعَلَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا إلَخْ
(قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ وَإِنْ سَلَّمَهَا مُفْرَزَةً (قَوْلُهُ:
لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ) أَيْ حُكْمًا وَكَذَا لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ
وَسَلَّمَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِ
احْتِمَالًا فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: جَدِيدٍ)
وَهَذَا لِأَنَّ الْحِنْطَةَ اسْتَحَالَتْ صَارَتْ دَقِيقًا وَكَذَا
غَيْرُهَا وَبَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ هُوَ عَيْنٌ آخَرُ عَلَى مَا
عُرِفَ فِي الْغَصْبِ بِخِلَافِ الْمَشَاعِ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ
لِلْمِلْكِ لَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا زَالَ
الْمَانِعُ جَازَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ بِالْقَبُولِ) إنَّمَا اشْتَرَطَ
الْقَبُولَ نَصًّا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ كَذَلِكَ يَقَعُ
الْمِلْكُ فِيهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى
الْقَبْضِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَهُّمِ الضَّرَرِ،
بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ
فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا قَبَضَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ
إذَا قَدِمَ عَلَى الْقَبْضِ كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا وَرِضًا مِنْهُ
بِوُقُوعِ الْمِلْكِ لَهُ فَيَمْلِكُهُ، ط مُلَخَّصًا.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بَعْدُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَامِلٌ
لِنَفْسِهِ أَيْ حِينَ قَبِلَ صَرِيحًا (قَوْلُهُ بِلَا قَبْضٍ) أَيْ
بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ وَيَمْضِي
وَقْتٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ قَبْضِهَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ
وَلَوْ بِغَصْبٍ) اُنْظُرْ الزَّيْلَعِيّ (قَوْلُهُ عَنْ الْآخَرِ)
كَمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَعَارَهَا صَاحِبَهَا لَهُ
فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَبَضَ أَمَانَةً فَنَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ
الْآخَرِ (قَوْلُهُ عَنْ الْأَدْنَى) فَنَابَ قَبْضُ الْمَغْصُوبِ
وَالْمَبِيعِ فَاسِدًا عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ الصَّحِيحِ، وَلَا
يَنُوبُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ عَنْهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لَا عَكْسِهِ)
فَقَبْضُ الْوَدِيعَةِ مَعَ قَبْضِ الْهِبَةِ يَتَجَانَسَانِ
لِأَنَّهُمَا قَبْضُ أَمَانَةٍ وَمَعَ قَبْضِ الشِّرَاءِ
يَتَغَايَرَانِ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَلَا يَنُوبُ الْأَوَّلُ
عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ،
لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَضْمُونًا
بِغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ الْمَضْمُونِ بِالثَّمَنِ وَالْمَرْهُونِ
الْمَضْمُونِ بِالدَّيْنِ لَا يَنُوبُ قَبْضُهُ عَنْ الْقَبْضِ
الْوَاجِبِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَمِثْلُهُ فِي الزَّاهِدِيِّ،
فَلَوْ بَاعَ مِنْ الْمُودِعِ احْتَاجَ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ،
وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الطِّفْلِ) فَلَوْ بَالِغًا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ،
وَلَوْ فِي عِيَالِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ)
أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ:
بِالْعَقْدِ) أَيْ الْإِيجَابِ فَقَطْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ
الشَّارِحُ كَذَا فِي الْهَامِشِ، وَهَذَا إذَا أَعْلَمَهُ أَوْ
أَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَالْإِشْهَادُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْجُحُودِ
بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْإِعْلَامُ لَازِمٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ
الْقَبْضِ بَزَّازِيَّةٌ، قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: فَلَوْ
أَرْسَلَ الْعَبْدَ فِي حَاجَةٍ أَوْ كَانَ آبِقًا فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ فَوَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ صَحَّتْ فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ
الْعَبْدُ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ لَا يَصِيرُ مِيرَاثًا عَنْ الْأَبِ
اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ الْمَوْهُوبُ إلَخْ) لَعَلَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ
نَحْوِ وَهَبْتُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِي تَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ:
مَعْلُومًا) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ شَيْءٍ
وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ
الشَّيْءُ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْقَصْدُ أَنْ
يَعْلَمَ مَا وَهَبَهُ لَهُ، وَالْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ
لِأَنَّ الْهِبَةَ تَتِمُّ بِالْإِعْلَامِ تَتَارْخَانِيَّةٌ
(قَوْلُهُ: أَوْ يَدِ مُودَعِهِ) أَيْ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ لَا
كَوْنِهِ فِي يَدِ غَاصِبِهِ أَوْ مُرْتَهِنِهِ
(5/694)
عَنْهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ
يَتَوَلَّاهُ الْوَاحِدُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِيجَابِ
(وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ يَتِمُّ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ) وَهُوَ
أَحَدُ أَرْبَعَةٍ: الْأَبُ، ثُمَّ وَصِيُّهُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ
وَصِيُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حِجْرِهِمْ، وَعِنْدَ عَدَمِهِمْ
تَتِمُّ بِقَبْضِ مَنْ يَعُولُهُ كَعَمِّهِ (وَأُمِّهِ وَأَجْنَبِيٍّ)
وَلَوْ مُلْتَقَطًا (لَوْ فِي حِجْرِهِمَا) وَإِلَّا لَا، لِفَوَاتِ
الْوِلَايَةِ (وَبِقَبْضِهِ لَوْ مُمَيِّزًا) يَعْقِلُ التَّحْصِيلَ
(وَلَوْ مَعَ وُجُودِ أَبِيهِ) مُجْتَبَى لِأَنَّهُ فِي النَّافِعِ
الْمَحْضِ كَالْبَالِغِ، حَتَّى لَوْ وُهِبَ لَهُ أَعْمَى لَا نَفْعَ
لَهُ وَتَلْحَقُهُ مُؤْنَتُهُ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ أَشْبَاهٌ.
قُلْت: لَكِنْ فِي الْبُرْجَنْدِيِّ: اُخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ قَبَضَ
مَنْ يَعُولُهُ، وَالْأَبُ حَاضِرٌ فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ
هُوَ الْجَوَازُ اهـ.
وَظَاهِرُ الْقُهُسْتَانِيِّ تَرْجِيحُهُ، وَعَزَاهُ لِفَخْرِ
الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ عَلَى خِلَافِ مَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ
فِي شَرْحِهِ، وَعَزَاهُ لِلْخُلَاصَةِ لَكِنَّ مَتْنَهُ يَحْتَمِلُهُ
بِوَصْلٍ وَلَوْ بِأُمِّهِ وَالْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ
(وَصَحَّ رَدُّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ بَزَّازِيَّةٌ.
قَالَ السَّائِحَانِيُّ: إنَّهُ إذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ
ارْتَدَّ الْغَصْبُ تَتِمُّ الْهِبَةُ كَمَا تَتِمُّ فِي نَظَائِرِهِ
(قَوْلُهُ: يَتَوَلَّاهُ) كَبَيْعِهِ مَالَهُ مِنْ طِفْلِهِ
تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ وَصِيُّهُ) ثُمَّ الْوَالِي ثُمَّ الْقَاضِي وَوَصِيُّ
الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَأْذُونِ، وَمَرَّ قُبَيْلَ
الْوَكَالَةِ فِي الْخُصُومَةِ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ وَالْأُمِّ
كَذَلِكَ لَوْ الصَّبِيُّ فِي عِيَالِهِمَا إنْ وَهَبَتْ لَهُ أَوْ
وَهَبَ لَهُ تَمْلِكُ الْأُمُّ الْقَبْضَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ
لِلصَّبِيِّ أَبٌ، وَلَا جَدٌّ، وَلَا وَصِيُّهُمَا، وَذَكَرَ
الصَّدْرُ أَنَّ عَدَمَ الْأَبِ لِقَبْضِ الْأُمِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ،
وَذَكَرَ فِي الرَّجُلِ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ مِنْ
رَجُلٍ فَزَوْجُهَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْهِبَةِ لَهَا، وَلَا يَجُوزُ
قَبْضُ الزَّوْجِ قَبْلَ الزِّفَافِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ.
وَفِي التَّجْرِيدِ: قَبْضُ الزَّوْجِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ
الْأَبُ حَيًّا، فَلَوْ أَنَّ الْأَبَ وَوَصِيَّهُ وَالْجَدَّ
وَوَصِيَّهُ غَائِبٌ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ قَبْضُ الَّذِي
يَتَوَلَّاهُ، وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ
مَعَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِ
أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ أَجْنَبِيًّا
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ قَبْضُ
مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ، وَلَمْ يَجُزْ قَبْضُ مَنْ لَمْ
يَكُنْ فِي عِيَالِهِ بَزَّازِيَّةٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ
بِالْوُجُودِ الْحُضُورُ اهـ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَا تَمْلِكُ الْأُمُّ وَكُلُّ مَنْ
يَعُولُ الصَّغِيرَ مَعَ حُضُورِ الْأَبِ، وَقَالَ بَعْضُ
مَشَايِخِنَا: يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِمْ كَالزَّوْجِ،
وَعَنْهُ احْتَرَزَ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ اهـ
وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الْقَبْضَ لَهَا مَعَ حُضُورِ الْأَبِ، بِخِلَافِ
الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرَ الزَّوْجِ، فَإِنَّهُمْ لَا
يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً
مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ
لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ، وَمَعَ حُضُورِ الْأَبِ لَا
ضَرُورَةَ جَوْهَرَةٌ.
وَإِذَا غَابَ أَحَدُهُمْ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ قَبْضُ الَّذِي
يَتْلُوهُ فِي الْوِلَايَةِ، لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى قُدُومِ
الْغَائِبِ تَفْوِيتٌ لِلْمَنْفَعَةِ لِلصَّغِيرِ فَتُنْقَلُ
الْوِلَايَةُ إلَى مَنْ يَتْلُوهُ كَمَا فِي الْإِنْكَاحِ، وَلَا
يَجُوزُ قَبْضُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مَعَ وُجُودِ أَحَدِهِمْ، وَلَوْ فِي
عِيَالِ الْقَابِضِ أَوْ رَحِمًا مَحْرَمًا مِنْهُ كَالْأَخِ
وَالْعَمِّ وَالْأُمِّ بَدَائِعُ مُلَخَّصًا، وَلَوْ قَبَضَ لَهُ مَنْ
هُوَ فِي عِيَالِهِ مَعَ حُضُورِ الْأَبِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ:
يَجُوزُ وَبِهِ يُفْتَى مُشْتَمِلُ الْأَحْكَامِ وَالصَّحِيحُ
الْجَوَازُ كَمَا لَوْ قَبَضَ الزَّوْجُ، وَالْأَبُ حَاضِرٌ خَانِيَّةٌ
وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتُرُوشْنِيٌّ.
فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْهِدَايَةَ وَالْجَوْهَرَةَ عَلَى تَصْحِيحِ
عَدَمِ جَوَازِ قَبْضِ مَنْ يَعُولُهُ مَعَ عَدَمِ غَيْبَةِ الْأَبِ،
وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ مِنْ
أَصْحَابِ الْفَتَاوَى صَحَّحُوا خِلَافَهُ، وَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ
مِمَّا قَالُوا: لَا يُعْدَلُ عَنْ تَصْحِيحِ قَاضِي خَانْ، فَإِنَّهُ
فَقِيهُ النَّفْسِ، وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِ نَفْعٌ لِلصَّغِيرِ
فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى، وَإِنَّمَا أَكْثَرْت مِنْ النُّقُولِ
لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَبَعْضُ هَذِهِ النُّقُولِ
نَقَلْتُهَا مِنْ خَطِّ مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ
وَاعْتَمَدْت فِي عَزْوِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ عَدَمِهِمْ) وَلَوْ بِالْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ (قَوْلُهُ
يَعْقِلُ التَّحْصِيلَ) تَفْسِيرُ التَّمْيِيزِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ)
اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَعِنْدَ عَدَمِهِمْ ح (قَوْلُهُ
بِوَصْلٍ وَلَوْ بِأُمِّهِ) يَعْنِي جَازَ وَصْلُ قَوْلِ الْمَتْنِ،
وَلَوْ مَعَ وُجُودِ أَبِيهِ بِقَوْلِهِ بِأُمِّهِ وَأَجْنَبِيٍّ ح
كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأُمِّهِ) مُتَعَلِّقٌ
بِوَصْلٍ.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ رَدُّهُ) أَيْ رَدُّ الصَّبِيِّ وَانْظُرْ حُكْمَ
(5/695)
لَهَا كَقَبُولِهِ) سِرَاجِيَّةٌ وَفِيهَا
حَسَنَاتُ الصَّبِيِّ لَهُ وَلِأَبَوَيْهِ أَجْرُ التَّعْلِيمِ
وَنَحْوِهِ، وَيُبَاحُ لِوَالِدَيْهِ أَنْ يَأْكُلَا مِنْ مَأْكُولٍ
وُهِبَ لَهُ، وَقِيلَ لَا، انْتَهَى، فَأَفَادَ أَنَّ غَيْرَ
الْمَأْكُولِ لَا يُبَاحُ لَهُمَا إلَّا لِحَاجَةٍ وَضَعُوا هَدَايَا
الْخِتَانِ بَيْنَ يَدَيْ الصَّبِيِّ فَمَا يَصْلُحُ لَهُ كَثِيَابِ
الصِّبْيَانِ فَالْهَدِيَّةُ لَهُ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمُهْدِيَ مِنْ
أَقْرِبَاءِ الْأَبِ أَوْ مَعَارِفِهِ فَلِلْأَبِ أَوْ مِنْ مَعَارِفِ
الْأُمِّ فَلِلْأُمِّ، قَالَ هَذَا لِصَبِيٍّ أَوْ لَا، وَلَوْ قَالَ:
أَهْدَيْت لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَكَذَا زِفَافُ
الْبِنْتِ خُلَاصَةٌ وَفِيهَا: اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِتِلْمِيذِهِ
ثِيَابًا ثُمَّ أَرَادَ دَفْعَهَا لِغَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا
لَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ، وَفِي
الْمُبْتَغَى: ثِيَابُ الْبَدَنِ يَمْلِكُهَا بِلُبْسِهَا بِخِلَافِ
نَحْوِ مِلْحَفَةٍ وَوِسَادَةٍ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِتَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ فِي
الْمَحَبَّةِ لِأَنَّهَا عَمَلُ الْقَلْبِ، وَكَذَا فِي الْعَطَايَا
إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِضْرَارَ، وَإِنْ قَصَدَهُ فَسَوَّى
بَيْنَهُمْ يُعْطِي الْبِنْتَ كَالِابْنِ عِنْدَ الثَّانِي وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى وَلَوْ وَهَبَ فِي صِحَّتِهِ كُلَّ الْمَالِ لِلْوَلَدِ
جَازَ وَأَثِمَ
وَفِيهَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا مِنْ مَالِ طِفْلِهِ وَلَوْ
بِعِوَضٍ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، وَفِيهَا وَيَبِيعُ
الْقَاضِي مَا وُهِبَ لِلصَّغِيرِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي
هِبَتِهِ
(وَلَوْ قَبَضَ زَوْجُ الصَّغِيرَةِ) أَمَّا الْبَالِغَةُ فَالْقَبْضُ
لَهَا (بَعْدَ الزِّفَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
رَدٍّ الْوَلِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ قَبِلَ
الصَّبِيُّ بَعْدَ رَدِّ وَلِيِّهِ يَصِحُّ ط (قَوْلُهُ: لَهَا) أَيْ
لِلْهِبَةِ (قَوْلُهُ: وَهَبَ لَهُ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة
رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصٌّ أَنَّهُ يُبَاحُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى عَلَى أَنَّهُ لَا
يُبَاحُ.
وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ: إذَا أُهْدِيَ الْفَوَاكِهُ لِلصَّغِيرِ
يَحِلُّ لِلْأَبَوَيْنِ الْأَكْلُ مِنْهَا إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ
الْأَبَوَانِ لَكِنَّ الْإِهْدَاءَ لِلصَّغِيرِ اسْتِصْغَارًا
لِلْهَدِيَّةِ اهـ.
قُلْت: وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ
بِالْقَرَائِنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ
وَغَيْرِهِ بَلْ غَيْرُهُ أَظْهَرُ فَتَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ)
أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ
إلَّا لِحَاجَةٍ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا احْتَاجَ
الْأَبُ إلَى مَالِ وَلَدِهِ فَإِنْ كَانَا فِي الْمِصْرِ وَاحْتَاجَ
لِفَقْرِهِ أَكَلَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَا فِي الْمَفَازَةِ
وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِانْعِدَامِ الطَّعَامِ مَعَهُ فَلَهُ الْأَكْلُ
بِالْقِيمَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّهُ هُوَ
الْمُمَلِّكُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا زِفَافُ الْبِنْتِ) أَيْ عَلَى هَذَا
التَّفْضِيلِ بِأَنْ كَانَ مِنْ أَقْرِبَاءِ الزَّوْجِ أَوْ
الْمَرْأَةِ أَوْ قَالَ الْمُهْدِي.
أَهْدَيْت لِلزَّوْجِ أَوْ الْمَرْأَةِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِيمَا يُرْسِلُهُ الشَّخْصُ
إلَى غَيْرِهِ فِي الْأَعْرَاسِ وَنَحْوِهَا هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ
حُكْمَ الْقَرْضِ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ أَمْ لَا؟ أَجَابَ: إنْ
كَانَ الْعُرْفُ بِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ
يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ مِثْلِيًّا فَبِمِثْلِهِ، وَإِنْ قِيَمِيًّا
فَبِقِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ خِلَافَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانُوا
يَدْفَعُونَهُ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ، وَلَا يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ
إلَى إعْطَاءِ الْبَدَلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْهِبَةِ فِي سَائِرِ
أَحْكَامِهِ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ بَعْدَ الْهَلَاكِ أَوْ
الِاسْتِهْلَاكِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عُرْفًا
كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا اهـ.
قُلْت: وَالْعُرْفُ فِي بِلَادِنَا مُشْتَرَكٌ نَعَمْ فِي بَعْضِ
الْقُرَى يَعُدُّونَهُ فَرْضًا حَتَّى إنَّهُمْ فِي كُلِّ وَلِيمَةٍ
يُحْضِرُونَ الْخَطِيبَ يَكْتُبُ لَهُمْ مَا يُهْدَى فَإِذَا جَعَلَ
الْمُهْدِي وَلِيمَةً يُرَاجِعُ الْمُهْدَى الدَّفْتَرَ فَيُهْدِي
الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي مِثْلَ مَا أَهْدَى إلَيْهِ (قَوْلُهُ
لِوَلَدِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْ
التَّسْلِيمِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَأَمَّا التِّلْمِيذُ
فَلَوْ كَبِيرًا فَكَذَلِكَ، وَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ هِبَتِهِ لَوْ
أَجْنَبِيًّا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: لَيْسَ
لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ
لِتِلْمِيذِهِ) مَسْأَلَةُ التِّلْمِيذِ مَفْرُوضَةٌ بَعْدَ دَفْعِ
الثِّيَابِ إلَيْهِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: اتَّخَذَ شَيْئًا
لِتِلْمِيذِهِ فَأَبَقَ التِّلْمِيذُ بَعْدَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ إنْ
بَيَّنَ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهُ إعَارَةٌ يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ
إلَيْهِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصْدُهُ) بِسُكُونِ الصَّادِ وَرَفْعِ الدَّالِ،
وَعِبَارَةُ الْمِنَحِ: وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِضْرَارَ وَهَكَذَا
رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ
عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: مِنْ أَنَّ التَّنْصِيفَ بَيْنَ الذَّكَرِ
وَالْأُنْثَى أَفْضَلُ مِنْ التَّثْلِيثِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ
مُحَمَّدٍ رَمْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِعِوَضٍ) وَأَجَازَهَا مُحَمَّدٌ بِعِوَضٍ مُسَاوٍ
(5/696)
مَا وُهِبَ لَهَا صَحَّ) قَبْضُهُ، وَلَوْ
بِحَضْرَةِ الْأَبِ فِي الصَّحِيحِ لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ فَصَحَّ
قَبْضُ الْأَبِ كَقَبْضِهَا مُمَيِّزَةً (وَقَبْلَهُ) أَيْ الزِّفَافِ
(لَا) يَصِحُّ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ
(وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا لِوَاحِدٍ صَحَّ) لِعَدَمِ الشُّيُوعِ
(وَبِقَلْبِهِ) لِكَبِيرَيْنِ (لَا) عِنْدَهُ لِلشُّيُوعِ فِيمَا
يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَالْبَيْتِ
فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا قَيَّدْنَا بِكَبِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ
لِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ فِي عِيَالِ الْكَبِيرِ أَوْ لَا بِنِيَّةِ
صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ لَمْ يَجُزْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَمَا يُذْكَرُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ،
وَأَجَازَهَا مُحَمَّدٌ بِشَرْطِ عِوَضٍ مُسَاوٍ اهـ.
وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْمُتَفَرِّقَاتِ: سُئِلَ أَبُو مُطِيعٍ عَنْ
رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: اُدْخُلْ كَرْمِي وَخُذْ مِنْ الْعِنَبِ، كَمْ
يَأْخُذُ؟ قَالَ: يَأْخُذُ عُنْقُودًا وَاحِدًا، وَفِي
الْعَتَّابِيَّةِ: هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ:
مِقْدَارَ مَا يَشْبَعُ إنْسَانٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَفِيهَا عَنْ
التَّتِمَّةِ سُئِلَ عُمَرُ النَّسَفِيُّ عَمَّنْ أَمَرَ أَوْلَادَهُ
أَنْ يَقْتَسِمُوا أَرْضَهُ الَّتِي فِي نَاحِيَةِ كَذَا بَيْنَهُمْ،
وَأَرَادَ بِهِ التَّمْلِيكَ فَاقْتَسَمُوهَا، وَتَرَاضَوْا عَلَى
ذَلِكَ هَلْ يَثْبُتُ لَهُمْ الْمِلْكُ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ
يَقُولَ لَهُمْ الْأَبُ: مَلَّكْتُكُمْ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ، أَوْ
يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: مَلَّكْتُك هَذَا النَّصِيبَ
الْمُفْرَزَ؟ فَقَالَ: لَا.
وَسُئِلَ عَنْهَا الْحَسَنُ فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْمِلْكُ
إلَّا بِالْقِسْمَةِ، وَفِي تَجْنِيسِ النَّاصِرِيِّ: وَلَوْ وُهِبَ
دَارٌ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا أُخْرَى
فَالثَّانِيَةُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ دَفَعَ
إلَى ابْنِهِ مَالًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ الِابْنُ يَكُونُ لِلِابْنِ
إذَا دَلَّتْ دَلَالَةٌ عَلَى التَّمْلِيكِ اهـ.
وَسُئِلَ الْفَقِيهُ عَنْ امْرَأَةٍ وَهَبَتْ مَهْرَهَا الَّذِي لَهَا
عَلَى الزَّوْجِ لِابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ وَقَبِلَ الْأَبُ قَالَ: أَنَا
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاقِفٌ فَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ كَمَنْ
كَانَ لَهُ عَبْدٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَأَبَقَ الْعَبْدُ
وَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ مِنْ ابْنِ الْمُودِعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ.
وَسُئِلَ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لَا
يَجُوزُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي
الْعَتَّابِيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: دَارًا) الْمُرَادُ بِهَا مَا يُقْسَمُ (قَوْلُهُ:
وَبِقَلْبِهِ) وَهُوَ هِبَةُ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ قَالَ فِي
الْهَامِشِ: دَفَعَ لِرَجُلٍ ثَوْبَيْنِ، وَقَالَ: أَيُّهُمَا شِئْت
فَلَكَ، وَالْآخَرُ لِابْنِك فُلَانٍ إنْ يَكُنْ قَبْلَ أَنْ
يَتَفَرَّقَا جَازَ، وَإِلَّا لَا.
لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ نَقْدٍ وَأَلْفُ غَلَّةٍ فَقَالَ: وَهَبْت
مِنْكَ أَحَدَ الْمَالَيْنِ جَازَ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ وَإِلَى
وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِكَبِيرَيْنِ)
أَيْ غَيْرِ فَقِيرَيْنِ، وَإِلَّا كَانَتْ صَدَقَةٌ فَتَصِحُّ كَمَا
يَأْتِي (قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) اُنْظُرْ
الْقُهُسْتَانِيَّ (قَوْلُهُ: بِكَبِيرَيْنِ) هَذِهِ عِبَارَةُ
الْبَحْرِ وَقَدْ تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُمَا لَوْ
كَانَا صَغِيرَيْنِ فِي عِيَالِهِ جَازَ عِنْدَهُمَا، وَفِي
الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ.
وَأَقُولُ: كَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا
فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَالصَّغِيرَيْنِ وَالْكَبِيرِ
وَالصَّغِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَقُولُ: أَطْلَقَ ذَلِكَ،
فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ أَوْ
صَغِيرَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا وَالْآخَرُ صَغِيرًا، وَفِي
الْأُولَيَيْنِ خِلَافُهُمَا رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي عِيَالِ
الْكَبِيرِ) صَوَابُهُ: فِي عِيَالِ الْوَاهِبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
كَلَامُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا بِنِيَّةِ إلَخْ)
عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَهَبَ دَارِهِ لِابْنَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا
صَغِيرٌ فِي عِيَالِهِ كَانَتْ الْهِبَةُ فَاسِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ
بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ مِنْ كَبِيرَيْنِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا
جُمْلَةً، فَإِنَّ الْهِبَةَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ
الشُّيُوعُ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا إذَا
كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا فَكَمَا وَهَبَ يَصِيرُ قَابِضًا حِصَّةَ
الصَّغِيرِ فَيَتَمَكَّنُ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ اهـ
فَلْيُتَأَمَّلْ.
ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا،
أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي
الْفَسَادِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) وَالْحِيلَةُ أَنْ يُسَلِّمَ
الدَّارَ إلَى الْكَبِيرِ وَيَهَبَهَا مِنْهَا بَزَّازِيَّةٌ،
وَأَفَادَ أَنَّهَا لِلصَّغِيرَيْنِ تَصِحُّ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ
لِسَبْقِ قَبْضِ أَحَدِهِمَا، وَحَيْثُ اتَّحَدَ وَلِيُّهُمَا فَلَا
شُيُوعَ فِي قَبْضِهِ.
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ: دَارِي هَذِهِ لِوَلَدِي
الْأَصَاغِرِ يَكُونُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ، فَإِذَا لَمْ
يُبَيِّنْ الْأَوْلَادَ كَانَ بَاطِلًا اهـ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ
بَيَّنَ صَحَّ، وَرَأَيْت فِي الْأَنْقِرْوِيِّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ
أَنَّ الْحِيلَةَ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ لِصَغِيرٍ مَعَ كَبِيرٍ أَنْ
يُسَلِّمَ الدَّارَ لِلْكَبِيرِ وَيَهَبَهَا مِنْهُمَا، وَلَا يَرِدُ
مَا مَرَّ عَنْ الْخِزَانَةِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدَارٍ عَلَى
وَلَدَيْنِ لَهُ صَغِيرَيْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا
فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ سَائِحَانِيٌّ: أَيْ مِنْ أَنَّ الْهِبَةَ
لِمَنْ
(5/697)
اتِّفَاقًا وَقَيَّدْنَا بِالْهِبَةِ لِجَوَازِ الرَّهْنِ
وَالْإِجَارَةِ مِنْ اثْنَيْنِ اتِّفَاقًا
(وَإِذَا تَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ) دَرَاهِمَ (أَوْ وَهَبَهَا
لِفَقِيرَيْنِ صَحَّ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ،
وَالصَّدَقَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ - تَعَالَى، وَهُوَ
وَاحِدٌ فَلَا شُيُوعَ (لَا لِغَنِيَّيْنِ) لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى
الْغَنِيِّ هِبَةٌ فَلَا تَصِحُّ لِلشُّيُوعِ أَيْ لَا تُمْلَكُ حَتَّى
لَوْ قَسَّمَهَا وَسَلَّمَهَا صَحَّ.
[فُرُوعٌ] وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ دِرْهَمًا إنْ صَحِيحًا صَحَّ، وَإِنْ
مَغْشُوشًا لَا لِأَنَّهُ مِمَّا يُقْسَمُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ
الْعُرُوضِ.
مَعَهُ دِرْهَمَانِ فَقَالَ لِرَجُلٍ: وَهَبْت لَك أَحَدَهُمَا أَوْ
نِصْفَهُمَا إنْ اسْتَوَيَا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ اخْتَلَفَا جَازَ؛
لِأَنَّهُ مَشَاعٌ لَا يُقْسَمُ؛ وَلِذَا لَوْ وَهَبَ ثُلُثَهُمَا
جَازَ مُطْلَقًا.
تَجُوزُ هِبَةُ حَائِطٍ بَيْنَ دَارِهِ وَدَارِ جَارِهِ لِجَارٍ،
وَهِبَةُ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ سَقْفِ
الْوَاهِبِ عَلَى الْحَائِطِ وَاخْتِلَاطِ الْبَيْتِ بِحِيطَانِ
الدَّارِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ مُجْتَبَى.
|