العناية
شرح الهداية (بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ)
قَالَ: (خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ
وَالْمُشْتَرِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
[بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ]
قَالَ (خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزُ الْبَيْعِ، تَارَةً يَكُونُ لَازِمًا
وَأُخْرَى غَيْرَ لَازِمٍ) وَاللَّازِمُ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ بَعْدَ
وُجُودِ شَرَائِطِهِ وَغَيْرُ اللَّازِمِ مَا فِيهِ الْخِيَارُ، وَلَمَّا
كَانَ اللَّازِمُ أَقْوَى فِي كَوْنِهِ بَيْعًا قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ،
ثُمَّ قَدَّمَ خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى سَائِرِ
(6/298)
وَلَهُمَا الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
فَمَا دُونَهَا)
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو
الْأَنْصَارِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغْبَنُ فِي
الْبِيَاعَاتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْخِيَارَاتِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ، ثُمَّ خِيَارَ
الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ، ثُمَّ خِيَارَ
الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ
عَمَلُهُ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ
لَا يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ، وَلَكِنْ
لَمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ
فَأَظْهَرْنَا عَمَلَهُ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ تَقْلِيلًا لِعَمَلِهِ
بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي السَّبَبِ مُسْتَلْزِمٌ
الدُّخُولَ فِي الْحُكْمِ دُونَ الْعَكْسِ، وَهُوَ عَلَى أَنْوَاعٍ:
فَاسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنِّي
بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا أَوْ عَلَى أَنِّي
بِالْخِيَارِ أَبَدًا. وَجَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى
أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا. وَمُخْتَلَفٌ
فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ شَهْرًا أَوْ
شَهْرَيْنِ، فَإِنَّهُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ
وَالشَّافِعِيِّ، جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ كَانَ
لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا أَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا
الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْخِلَافِيَّةِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ
حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِمَأْمُومَةٍ
أَصَابَتْ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ
الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَالْخِلَابَةُ: الْخِدَاعُ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ شَرْطٌ يُخَالِفُ
مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ
مُفْسِدٌ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ بِهَذَا النَّصِّ عَلَى خِلَافِ
الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ. فَإِنْ
قِيلَ: كَيْفَ جَازَ لِلْبَائِعِ وَالْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ هُوَ
الْمُشْتَرِي فَكَمَا عَدَّيْتُمْ فِيمَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلْيَتَعَدَّ
فِي مُدَّتِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي النَّصِّ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ
وَهُوَ لَفْظُ الْمُفَاعَلَةِ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ فِي مَعْنَى
الْمُشْتَرِي فِي مَعْنَى الْمَنَاطِ فَيُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً، وَكَثِيرُ
الْمُدَّةِ كَقَلِيلِهَا لِأَنَّ مَعْنَى الْفَرْقِ يَتَمَكَّنُ
بِزِيَادَةِ الْمُدَّةِ فَيَزْدَادُ الْغَرَرُ وَهُوَ مُفْسِدٌ وَلَهُمَا
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ»
وَلِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّأَمُّلِ
لِيَنْدَفِعَ الْغَبْنُ وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ
فَكَانَ كَثِيرُ الْمُدَّةِ كَقَلِيلِهَا فَيُلْحَقُ بِهِ وَصَارَ
كَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ
(6/299)
(وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَا (يَجُوزُ
إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - " أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ ") ؛ وَلِأَنَّ
الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّرَوِّي لِيَنْدَفِعَ
الْغَبْنُ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَصَارَ
كَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
جَائِزٌ قَلَّتْ الْمُدَّةُ أَوْ كَثُرَتْ لِلْحَاجَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ
حَدِيثَ حِبَّانَ مَشْهُورٌ فَلَا يُعَارِضُهُ حِكَايَةُ حَالِ ابْنِ
عُمَرَ، سَلَّمْنَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ مُطْلَقُ الْخِيَارِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ
خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ، وَأَنَّهُ أَجَازَ الرَّدَّ بِهِمَا
بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَثِيرَ الْمُدَّةِ
كَالْقَلِيلِ فِي الْحَاجَةِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْخِلَابَةِ كَانَ مُصَابًا
(6/300)
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَرْطَ
الْخِيَارِ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَإِنَّمَا
جَوَّزْنَاهُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ النَّصِّ،
فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَانْتَفَتْ
الزِّيَادَةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فِي الرَّأْسِ فَكَانَ أَحْوَجَ إلَى الزِّيَادَةِ، فَلَوْ زَادَتْ كَانَ
أَوْلَى بِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُقَدَّرَ لِنَفْيِ الزِّيَادَةِ
سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ فِي الْكَثِيرِ مَعْنَى الْغَرَرِ أَزْيَدُ وَقَدْ
تَقَدَّمَ. وَالْقِيَاسُ عَلَى التَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ غَيْرُ صَحِيحٍ
لِأَنَّ الْأَجَلَ يُشْتَرَطُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ.
(6/301)
(إلَّا أَنَّهُ إذَا أَجَازَ فِي
الثَّلَاثِ) جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِزُفَرِ، هُوَ
يَقُولُ: إنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَلَهُ
أَنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَعُودُ جَائِزًا كَمَا
إذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ وَأَعْلَمَهُ فِي الْمَجْلِسِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْكَسْبِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ فِي كُلِّ مُدَّةٍ
فَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا
أَجَازَ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ
أَكْثَرُ مِنْهَا، وَمَعْنَاهُ: لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا، لَكِنْ لَوْ
ذُكِرَ أَكْثَرُ مِنْهَا وَأَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ
جَازَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى
الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِالتَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ، وَالْأَوَّلُ
أَوْلَى لِقَوْلِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَتَأَمَّلْ، وَزُفَرُ يَقُولُ: إنَّ
هَذَا عَقْدٌ قَدْ انْعَقَدَ فَاسِدًا وَالْفَاسِدُ لَا يَنْقَلِبُ
جَائِزًا لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى وَفْقِ الثُّبُوتِ، فَكَانَ كَمَنْ
بَاعَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ
وَرِطْلِ خَمْرٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ وَأَبْطَلَ
الْخَمْرَ؛ وَكَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ
ثُمَّ طَلَّقَ الرَّابِعَةَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ،
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اخْتَلَفُوا فِي
حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ،
فَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ثُمَّ
يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِحَذْفِ خِيَارِ الشَّرْطِ قَبْلَ الْيَوْمِ
الرَّابِعِ، وَذَهَبَ أَهْلُ خُرَاسَانَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا مَضَى جُزْءٌ
مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَسَدَ، فَقَوْلُهُ إنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ
قَبْلَ تَقَرُّرِهِ
(6/302)
وَلِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ
الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِذَا أَجَازَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَتَّصِلْ
الْمُفْسِدُ بِالْعَقْدِ، وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ
بِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا
ثُمَّ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِحَذْفِ الشَّرْطِ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ
الْأَوَّلِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَعْلِيلٌ عَلَى الرِّوَايَةِ
الْأُولَى. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ فِي الْحَالِ بِحُكْمِ
الظَّاهِرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ دَوَامُهَا عَلَى الشَّرْطِ، فَإِذَا
أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَبْلَ دُخُولِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ زَالَ الْمُوجِبُ
لِلْفَسَادِ فَيَعُودُ جَائِزًا، وَهَذَا لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَمْ
يَكُنْ فَاسِدًا لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ مُقْتَضَى
الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِذَا زَالَ الْمُغَيَّرُ عَادَ
جَائِزًا فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ وَهُوَ أَنْ يُعَلِّمَ
الْبَائِعُ عَلَى الثَّوْبِ بِعَلَامَةٍ كَالْكِتَابَةِ يَعْلَمُ بِهَا
الدَّلَّالُ أَوْ غَيْرُهُ ثَمَنَ الثَّوْبِ وَلَا يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي
ذَلِكَ، فَإِذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ وَقَبِلَ
الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْمِقْدَارَ انْعَقَدَ الْبَيْعُ
فَاسِدًا، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي قَدْرَ الرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ
وَقَبِلَهُ انْقَلَبَ جَائِزًا بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ
الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ) تَعْلِيلٌ عَلَى
الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ
غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ، وَإِنَّمَا الْمُفْسِدُ اتِّصَالُ الْيَوْمِ
الرَّابِعِ بِالْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، فَإِذَا جَازَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ
يَتَّصِلْ الْمُفْسِدُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ صَحِيحًا. وَالْجَوَابُ عَمَّا
قَاسَ عَلَيْهِ زُفَرُ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا فِي
صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَدَلُ فَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ وَفِي
مَسْأَلَتِنَا فِي شَرْطِهِ فَأَمْكَنَ.
قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ) إذَا
اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَلَا بَيْعَ
بَيْنَهُمَا فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ، فَأَمَّا إنْ قَالَ عَلَى أَنَّهُ إنْ
لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَلَا بَيْعَ، أَوْ قَالَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ
يَنْقُدْ الثَّمَنَ أَيَّامًا فَلَا بَيْعَ وَهُمَا فَاسِدَانِ، أَوْ قَالَ
عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا
بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا أَنَّهُ بَيْعُ
شَرْطٍ فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِتُعَلِّقهَا بِالشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ
النَّقْدِ، وَاشْتِرَاطُ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ
بِعْتُك هَذَا بِشَرْطِ أَنْ تُقِيلَ الْبَيْعَ مُفْسِدٌ لِكَوْنِهِ عَلَى
خِلَافِ الْعَقْدِ، فَاشْتِرَاطُ فَاسِدِهَا أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ،
وَاسْتَحْسَنَ الْعُلَمَاءُ جَوَازَهُ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ مِنْ حَيْثُ
الْحَاجَةُ، إذْ الْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى
(6/303)
وَإِلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ إلَى
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثِ جَازَ
فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا)
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ إذْ
الْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى الِانْفِسَاخِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ تَحَرُّزًا
عَنْ الْمُمَاطَلَةِ فِي الْفَسْخِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ.
وَقَدْ مَرَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ،
وَنَفَى الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ وَكَذَا مُحَمَّدٌ فِي تَجْوِيزِ
الزِّيَادَةِ. وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الِانْفِسَاخِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُمَاطَلَةِ فِي
الْفَسْخِ، وَإِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ كَانَ مُلْحَقًا بِهِ. وَرُدَّ
بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ سَكَتَ
حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ تَمَّ الْعَقْدُ وَهَاهُنَا لَوْ سَكَتَ حَتَّى
مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الْعَقْدُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي
الْإِلْحَاقِ إنَّمَا هُوَ إلَى الْمَعْنَى الْمُنَاطِ لِلْحُكْمِ وَهِيَ
الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا، وَأَمَّا الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ
فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ. فَإِنْ
قِيلَ: الْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ انْفَسَخَ
الْعَقْدُ حَتَّى يَجُوزَ الْبَيْعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا مِنْ غَيْرِ
خِلَافٍ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَقْدِرُ عَلَى
الْفَسْخِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا بِحَضْرَةِ
الْآخَرِ. وَعَسَى يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ بَاقِيَةً.
وَأَمَّا إذَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ:
لَمْ يُجَوِّزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ. وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ.
أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ
وَنَفَى الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى
أَصْلِهِ فِي تَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ، وَأَبُو
يُوسُفَ احْتَاجَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْحَقِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ
فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ
مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ،
وَفِي هَذَا بِالْقِيَاسِ. وَتَفْسِيرُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ شَرْطُ الْخِيَارِ، وَبِقَوْلِهِ
فِي هَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ
أَيَّامٍ، وَالْمُرَادَ بِالْأَثَرِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "
أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ " وَمَعْنَاهُ: تَرَكْنَا
الْقِيَاسَ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ بِأَثَرِ ابْنِ
عُمَرَ، وَعَمِلْنَا بِالْقِيَاسِ فِي الْمُلْحَقِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ
بِنَقْدِ الثَّمَنِ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهِ.
(6/304)
وَفِي هَذَا بِالْقِيَاسِ، وَفِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ آخَرُ وَإِلَيْهِ مَال زُفَرُ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ
شُرِطَ فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِتَعَلُّقِهَا بِالشَّرْطِ، وَاشْتِرَاطُ
الصَّحِيحِ مِنْهَا فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، فَاشْتِرَاطُ الْفَاسِدِ
أَوْلَى وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا.
قَالَ (وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ) ؛
لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ بِالْمُرَاضَاةِ وَلَا يَتِمُّ مَعَ
الْخِيَارِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَخْذُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَصْلِ:
أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ مَا رُوِيَ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ نَاقَةً لَهُ مِنْ رَجُلٍ بِشَرْطِ
أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ
بَيْنَهُمَا " (وَفِي هَذَا) أَيْ فِي الزَّائِدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
(بِالْقِيَاسِ) وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ آخَرُ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ.
قَالَ (وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ قَدْ يَكُونُ لِأَحَدِ
الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا، فَإِذَا كَانَ
لِلْبَائِعِ فَالْمَبِيعُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالِاتِّفَاقِ
وَالثَّمَنُ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا
كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَالْمَبِيعُ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ
وَالثَّمَنُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِذَا كَانَ لَهُمَا لَا
يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ
وَالْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ
الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي هَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ
الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا
يَدْخُلُ، وَقَالَا: يَدْخُلُ. أَمَّا دَلِيلُ عَدَمِ خُرُوجِ الْمَبِيعِ
عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلِمَا ذَكَرَهُ مِنْ
قَوْلِهِ (لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ) أَيْ الْعِلَّةِ
(بِالْمُرَاضَاةِ) لِكَوْنِ الرِّضَا دَاخِلًا فِي حَقِيقَتِهِ
الشَّرْعِيَّةِ. وَلَا تَتِمُّ الْمُرَاضَاةُ بِالْخِيَارِ لِأَنَّ
الْبَيْعَ بِهِ يَصِيرُ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا فَمَنَعَ
ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ
(وَلِهَذَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ) وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ
فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي
فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ
(6/305)
وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ
فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ (وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي
وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ) ؛
لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا،
وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى
سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ
انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي اعْتِبَارًا
بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ.
قَالَ (وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ
مِلْكِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي جَانِبِ الْآخَرِ لَازِمٌ،
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْبَدَلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْخِيَارِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، خِلَافًا
لِابْنِ أَبِي لَيْلَى هُوَ يَقُولُ: قَبَضَ مِلْكَ الْبَائِعِ بِإِذْنِهِ
فَكَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْبَيْعُ يَنْفَسِخُ
بِالْهَلَاكِ وَالْمُنْفَسِخُ بِهِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ، وَذَلِكَ
لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ صَارَ إلَى حَالَةٍ لَا
يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فِيهَا فَلَا تَلْحَقُهَا
الْإِجَازَةُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا) وَلَا
نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَقَدْ فَاتَ بِالْهَلَاكِ، وَأَمَّا أَنَّ
الْمُنْفَسِخَ بِهِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ
الْعَقْدِ، وَذَلِكَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ
الشِّرَاءِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ الثَّابِتَ
بِالْعَقْدِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ هُوَ الْقِيمَةُ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ
مِنْهَا إلَى الثَّمَنِ عِنْدَ تَمَامِ الرِّضَا، وَلَمْ يُوجَدْ حِينَ
شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ الْأَصْلِيُّ
فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَ بَعْدَهَا فَيَلْزَمُهُ
الثَّمَنُ لَا الْقِيمَةُ لِبُطْلَانِ الْخِيَارِ إذْ ذَاكَ بِتَمَامِ
الرِّضَا، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ
الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي
(6/306)
عَنْ مِلْكِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ؛
لِأَنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ دُونَ الْآخَرِ. قَالَ: إلَّا أَنَّ
الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا:
يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ
يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَلَا
عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ
يَخْرُجْ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَدْخُلُ
الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ
وَاحِدٍ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ، وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛
لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ
شُرِعَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ،
وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ رُبَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ
اخْتِيَارِهِ بِأَنْ كَانَ قَرِيبَهُ فَيَفُوتُ النَّظَرُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
كَمَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا مُطْلَقًا عَنْ الْخِيَارِ. قِيلَ:
وَإِنَّمَا ذُكِرَ الصَّحِيحُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَاسِدِ
كَذَلِكَ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ.
وَأَمَّا دَلِيلُ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ
لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِهِ.
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْبَدَلِ عَنْ
مِلْكِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ دُونَ
الْآخَرِ، وَأَمَّا أَنَّ الْبَدَلَ إذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ مَنْ لَيْسَ
لَهُ الْخِيَارُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ مَنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ مَالُهُ
عَنْ مِلْكِهِ لَوْ دَخَلَ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْبَدَلَيْنِ فِي مِلْكِ
رَجُلٍ وَاحِدٍ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ، وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ
لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَنُوقِضَ بِالْمُدَبَّرِ،
فَإِنَّ غَاصِبَهُ إذَا ضَمِنَ لِصَاحِبِهِ مِلْكَ الْبَدَلِ وَلَمْ
يَخْرُجْ الْمُدَبَّرُ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ الْبَدَلَانِ مُجْتَمِعَيْنِ
فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ (حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ)
يَدْفَعُ النَّقْضَ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْمُدَبَّرِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ
وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَيَدْخُلُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَمَّا
خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْآخَرِ يَكُونُ
زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ، يَعْنِي سَائِبَةً وَلَا عَهْدَ لَنَا
(6/307)
قَالَ (فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ
بِالثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ
الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ
يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، وَالْهَلَاكُ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ
فَيَهْلِكُ، وَالْعَقْدُ قَدْ انْبَرَمَ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، بِخِلَافِ
مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ
حُكْمًا بِخِيَارِ الْبَائِعِ فَيَهْلِكُ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ.
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِهِ فِي الشَّرْعِ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اشْتَرَى مُتَوَلِّي الْكَعْبَةِ
عَبْدًا لِسَدَانَةِ الْكَعْبَةِ يَخْرُجُ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِ
الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ
كَلَامَنَا فِي التِّجَارَةِ وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ مِنْهَا بَلْ هُوَ
مُلْحَقٌ بِتَوَابِعِ الْأَوْقَافِ، وَحُكْمُ الْأَوْقَافِ قَدْ تَقَدَّمَ،
وَرُجِّحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْخِيَارِ نَظَرًا
لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، فَلَوْ دَخَلَ
فِي مِلْكِهِ رُبَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَا لَهُ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ
قَرِيبَهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَعَادَ عَلَى
مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ (قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ) أَيْ إنْ
هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ
لَهُ هَلَكَ بِالثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ، بِخِلَافِ مَا
إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. وَمُرَادُهُ
عَيْبٌ لَا يَرْتَفِعُ كَأَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ. وَأَمَّا مَا جَازَ
ارْتِفَاعُهُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إذَا زَالَ فِي
الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَ الِارْتِفَاعِ.
وَأَمَّا إذَا مَضَتْ وَالْعَيْبُ قَائِمٌ لَزِمَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ
الرَّدِّ، وَتَبَيَّنَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ
وَتَعَيُّبَهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ
الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَيُوجِبُ الثَّمَنَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي
فَاحْتَاجَ إلَى التَّصْرِيحِ بِبَيَانِ الْفَرْقِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي
وَالْخِيَارُ لَهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ كَمَا قُبِضَ، وَكَذَلِكَ إذَا
هَلَكَ وَالْهَلَاكُ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ فَيَهْلَكُ
وَالْعَقْدُ قَدْ لَزِمَ وَتَمَّ فَيَلْزَمُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ
عَلَى الْمُشْتَرِي بِدُخُولِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ
لَا لَهُ فَيَهْلَكُ وَالْمَبِيعُ مَوْقُوفٌ فَيَلْزَمُ الْقِيمَةُ.
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ) هَذِهِ مَسَائِلُ تَتَرَتَّبُ عَلَى
الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ
لِلْمُشْتَرِي
(6/308)
عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِمَا
لَهُ مِنْ الْخِيَارِ (وَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) ؛ لِأَنَّ
الْوَطْءَ بِحُكْمِ النِّكَاحِ (إلَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا) ؛ لِأَنَّ
الْوَطْءَ يُنْقِصُهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا:
يَفْسُدُ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا (وَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ
يَرُدَّهَا) ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيَمْتَنِعُ
الرَّدُّ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا؛ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَخَوَاتٌ
كُلُّهَا تَبْتَنِي عَلَى وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بِشَرْطِ
الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ: مِنْهَا عِتْقُ الْمُشْتَرَى عَلَى الْمُشْتَرِي
إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَمِنْهَا: عِتْقُهُ
إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ
الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ، فَعَلَى هَذَا إذَا
اشْتَرَى امْرَأَتَهُ (عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
يُفْسَخُ النِّكَاحُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ
أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ لَمْ يَكُنْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى
يَسْقُطَ الْخِيَارُ، إلَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَرُدَّهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ يَنْقُصُهَا، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ
قَوْلَهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) مَعْنَاهُ: إذَا لَمْ
يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ، فَأَمَّا إذَا نَقَصَهَا فَلَا يَرُدَّهَا وَإِنْ
كَانَتْ ثَيِّبًا. إلَيْهِ أُشِيرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَرُدَّهَا
وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَوَطِئَهَا بِمِلْكِ
الْيَمِينِ. وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ فِي كَوْنِهَا
مُتَرَتِّبَةً عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهَا عِتْقُ الْمُشْتَرَى
عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ قَرِيبًا
لِلْمُشْتَرِي لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَمِنْهَا
مَا إذَا قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى بِالْخِيَارِ
لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا،
(6/309)
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت
فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ
الشِّرَاءِ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَمِنْهَا أَنَّ حَيْضَ الْمُشْتَرَاةِ
فِي الْمُدَّةِ لَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَهُ،
وَعِنْدَهُمَا يُجْتَزَأُ؛ وَلَوْ رُدَّتْ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَى
الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا
يَجِبُ إذَا رُدَّتْ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَمِنْهَا إذَا وَلَدَتْ
الْمُشْتَرَاةُ فِي الْمُدَّةِ بِالنِّكَاحِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ
عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا،.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت، لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ
لِلْعِتْقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ
كَالْمُرْسَلِ عِنْدَهُ، وَلَوْ أَنْشَأَ الْعِتْقَ بَعْدَ شِرَائِهِ
بِالْخِيَارِ عَتَقَ وَسَقَطَ الْخِيَارُ كَذَا هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ
كَانَ كَالْمُنْشِئِ وَجَبَ أَنْ يَنُوبَ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا اشْتَرَى
الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ. أُجِيبَ
بِأَنَّهُ جُعِلَ كَالْمُنْشِئِ تَصْحِيحًا لِقَوْلِهِ فَهُوَ حُرٌّ فَلَا
يَتَعَدَّى إلَى الْوُقُوعِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ
الْحُرِّيَّةَ وَقْتَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ كَالْمُدَبَّرِ فِي
الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِيهِ يَعْمَلُ الْإِنْشَاءُ لِلْعِتْقِ لَا عَنْ
الْكَفَّارَةِ كَذَلِكَ هَذَا. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُشْتَرَاةَ إذَا
حَاضَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حَيْضَةً أَوْ بَعْضَهَا
فَاخْتَارَهَا لَا يَجْتَزِئُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ
عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ
الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ
الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ اسْتِحْسَانًا.
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ
يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا،
وَأَجْمَعُوا فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ يُفْسَخُ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا
أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْفَسْخُ
قَبْلَ الْقَبْضِ قِيَاسًا وَبَعْدَهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. وَمِنْهَا
إذَا وُلِدَتْ الْمُشْتَرَاةُ فِي الْمُدَّةِ بِالنِّكَاحِ لَا تَصِيرُ
أُمَّ وَلَدٍ عِنْدَهُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ
تَأْوِيلَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ
وَوَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ
الْخِيَارِ، أَوْ يَكُونَ اشْتَرَى الْأَمَةَ الَّتِي كَانَتْ
مَنْكُوحَتَهُ وَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ
اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي
مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا كَانَ
قَوْلُهُ فِي الْمُدَّةِ ظَرْفًا لِقَوْلِهِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ
لَا ظَرْفَ الْوِلَادَةِ. وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ: إذَا وَلَدَتْ
الْمُشْتَرَاةُ بِالنِّكَاحِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي مُدَّةِ
الْخِيَارِ، وَفِيهِ تَعْقِيدٌ لَفْظِيٌّ كَمَا تَرَى. قَالَ صَاحِبُ
النِّهَايَةِ: وَإِنَّمَا احْتَجْنَا إلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ.
لِأَنَّا لَوْ أَجْرَيْنَا عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَقُلْنَا إنَّهُ إذَا
اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَبَضَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ
فِي مُدَّةِ
(6/310)
وَمِنْهَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي
الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ
فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي الْمُدَّةِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ
لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ،
وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ بِاعْتِبَارِ
قِيَامِ الْمِلْكِ.
وَمِنْهَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَأَبْرَأَهُ
الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ
عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ امْتِنَاعٌ عَنْ التَّمَلُّكِ وَالْمَأْذُونُ
لَهُ يَلِيهِ، وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ
كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْخِيَارِ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالِاتِّفَاقِ وَيَبْطُلُ خِيَارُ
الشَّرْطِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهَا بَعْدَمَا
تَعَيَّنَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ.
وَمِنْهَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ
أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ
الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَهَا هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ
ارْتَفَعَ بِالرَّدِّ إذْ الْوَدِيعَةُ لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ مِلْكِ
الْمُودَعِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ الْقَبْضُ كَانَ هَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ
الْقَبْضِ وَأَنَّهُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَهُ
الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْوَدِيعَةُ وَصَارَ هَلَاكُهُ فِي يَدِ الْمُودَعِ
كَهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَبْدًا
مَأْذُونًا لَهُ فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ
بَقِيَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ الرَّدُّ
امْتِنَاعًا مِنْهُ عَنْ التَّمَلُّكِ وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ وِلَايَةُ
ذَلِكَ، وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ كَانَ
الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْمَأْذُونُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِهِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ
لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَمَا وَجْهُ إبْرَاءِ الْبَائِعِ عَنْ
الثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَنْفِي
صِحَّةَ هَذَا الْإِبْرَاءِ، وَجَوَازُهُ اسْتِحْسَانٌ لِحُصُولِهِ بَعْدَ
وُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْعَقْدُ. وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى
ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَطَلَ
الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ بَطَلَ الْخِيَارُ وَالْبَيْعُ،
وَوَجْهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ؛ وَإِذَا كَانَ
الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَأَسْلَمَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ؛
وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَأَسْلَمَ الْبَائِعُ لَا
يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ جَانِبِهِ
بَاتٌّ، فَإِنْ اخْتَارَهُ الْمُشْتَرِي صَارَ لَهُ،
(6/311)
وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ
ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَطَلَ
الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا
وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَمْلِكْهَا فَلَا يَتَمَلَّكُهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ بَعْدَهُ وَهُوَ
مُسْلِمٌ.
قَالَ (وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْمُدَّةِ
وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ، فَإِنْ أَجَازَهُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ صَاحِبِهَا
جَازَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَإِنْ رُدَّ صَارَ الْخَمْرُ لِلْبَائِعِ وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ
يَتَمَلَّكَ الْخَمْرَ حُكْمًا.
قَالَ (وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ فِي
الْمُدَّةِ) هَذَا الْعُمُومُ يَتَنَاوَلُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ
وَالْأَجْنَبِيَّ، لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَصِحُّ مِنْهُمْ جَمِيعًا،
فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْإِجَازَةُ تَحْصُلُ بِثَلَاثَةِ
أَشْيَاءَ: بِأَنْ يَقُولَ أَجَزْت وَبِمَوْتِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ
لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَيَكُونُ الْعَقْدُ بِهِ
نَافِذًا، وَبِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ
وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَبِذَلِكَ، وَبِأَنْ يَصِيرَ الْمَبِيعُ فِي
يَدِ الْمُشْتَرِي إلَى حَالٍ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ عَلَى تِلْكَ
الْحَالَةِ كَهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَانْتِقَاصِهِ كَمَا
تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْفَسْخُ فَقَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً وَقَدْ يَكُونُ
حُكْمًا.
وَالثَّانِي هُوَ مَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَأَنْ يَتَصَرَّفَ الْبَائِعُ
فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ
الْمَبِيعَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا أَوْ
قَبَّلَهَا أَوْ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي
فِيهِ تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي
فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حُضُورُ الْآخَرِ
وَعَدَمُهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ، وَالشَّيْءُ قَدْ يَثْبُتُ حُكْمًا
وَإِنْ
(6/312)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
كَانَ يَبْطُلُ قَصْدًا. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَا يَكُونُ
بِالْقَوْلِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فَسَخْتُ،
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ أَيْ بِعِلْمِهِ انْفَسَخَ
الْعَقْدُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَلَا يَجُوزُ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ: يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ،
لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مُسَلَّطٌ
(6/313)
وَإِنْ فَسَخَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ
يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ)
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالشَّرْطُ هُوَ الْعِلْمُ، وَإِنَّمَا
كَنَّى بِالْحَضْرَةِ عَنْهُ. لَهُ أَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ
جِهَةِ صَاحِبِهِ فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ كَالْإِجَازَةِ
وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَقْدُ
بِالرَّفْعِ، وَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَضَرَّةِ؛ لِأَنَّهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ
لَا يَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى عِلْمِ صَاحِبِهِ كَالْإِجَازَةِ، وَهُوَ
قِيَاسٌ مِنْهُ لِأَحَدِ شَطْرَيْ الْعَقْدِ عَلَى الْآخَرِ، وَوَضَحَ
ذَلِكَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا، وَجُعِلَ ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ
بِالْبَيْعِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ وَإِنْ
كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ جِهَتِهِ
(وَلَهُمَا أَنَّ الْفَسْخَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ
الْعَقْدُ بِالرَّفْعِ وَ) هُوَ (لَا يَعْرَى عَنْ الْمَضَرَّةِ) أَمَّا
إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي عَسَاهُ يَعْتَمِدُ
تَمَامَ الْبَيْعِ السَّابِقِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ غَرَامَةُ
الْقِيمَةِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَقَدْ تَكُونُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ
الثَّمَنِ وَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِهِ ضَرَرًا.
وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ عَسَى يَعْتَمِدُ
تَمَامَهُ فَلَا يَطْلُبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا، وَقَدْ تَكُونُ
الْمُدَّةُ أَيَّامَ رَوَاجِ بَيْعِ الْمَبِيعِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لَا
يَخْفَى، وَالتَّصَرُّفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى ضَرَرٍ فِي حَقِّ الْغَيْرِ
يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ لَا مَحَالَةَ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ.
وَالْقِيَاسُ عَلَى شَطْرِ الْآخَرِ فَاسِدٌ
(6/314)
عَسَاهُ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الْبَيْعِ
السَّابِقِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ فَتَلْزَمُهُ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ
بِالْهَلَاكِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، أَوْ لَا يَطْلُبُ
لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي،
وَهَذَا نَوْعُ ضَرَرٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَصَارَ كَعَزْلِ
الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
لِقِيَامِ الْفَارِقِ وَهُوَ الْإِلْزَامُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ
مُسَلَّطٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ
عَلَى الْفَسْخِ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا مَشْرُوعٍ
كَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الرِّضَا لَا
يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ لِأَنَّ مَبْنَى الْإِلْزَامِ
عَلَى الْعِلْمِ لَا عَلَى الرِّضَا، وَكَوْنُهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي
الْبِيَاعَاتِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهَا، وَعُورِضَ بِأَنَّ مَا
ذَكَرْتُمْ مِنْ إلْزَامِ الضَّرَرِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ
الْعِلْمِ وَلَكِنْ عِنْدَنَا مَا يَنْفِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ
يَنْفَرِدْ بِالْفَسْخِ لَرُبَّمَا اخْتَفَى مَنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ
إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا
لَا يَخْفَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْهُ حَيْثُ
تَرَكَ الِاسْتِيثَاقَ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ مَخَافَةَ الْغَيْبَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ دَلِيلِهِمَا إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ غَيْرِ
مَرْضِيٍّ بِهِ، فَإِذَا فَاتَ الْمَجْمُوعُ أَوْ بَعْضُهُ فِي بَعْضِ
الصُّوَرِ لَا يَكُونُ نَقْضًا، فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ الطَّلَاقُ
وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ يَلْزَمُ مِنْهَا فِي حَقِّ
غَيْرِ الْفَاعِلِ إلْزَامٌ، وَهُوَ مُسَوِّغٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ
الْإِسْقَاطَاتِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ
الْإِلْزَامِ كَإِسْقَاطِ الْحِمْلِ عَنْ الدَّابَّةِ، وَلَا مَا قِيلَ
الزَّوْجُ يَنْفَرِدُ بِالرَّجْعَةِ وَحُكْمُهَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ
وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ
الرَّجْعِيَّ لَا يَرْفَعُ
(6/315)
الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ
فِيهِ، وَلَا نَقُولُ إنَّهُ مُسَلَّطٌ، وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ
وَصَاحِبُهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَلَا تَسْلِيطَ فِي غَيْرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
النِّكَاحَ حَتَّى تَكُونَ الرَّجْعَةُ إلْزَامَ أَمْرٍ جَدِيدٍ،
سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ
عَوَالِي النِّعَمِ فَاسْتِدَامَتُهُ بِالرَّجْعَةِ لَا تَكُونُ ضَرَرًا
وَلَا مَا قِيلَ اخْتِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ يَنْفُذُ عَلَى زَوْجِهَا
وَفِيهِ إلْزَامُ حُكْمِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لِعَدَمِ
الْإِلْزَامِ بَلْ لِذَلِكَ بِالْتِزَامِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ
فِيهِ، فَإِنَّ الْإِيجَابَ فِيهِ حَصَلَ مِنْهُ، وَلَوْ رَأَى ضَرَرًا مَا
أَقْدَمَ عَلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى مُوجِبِ
التَّخْيِيرِ وَلَا مَا قِيلَ اخْتِيَارُ الْأَمَةِ الْمُعْتَقَةِ
الْفُرْقَةَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ بِدُونِ عِلْمِهِ وَفِيهِ إلْزَامٌ
لِأَنَّهُ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى مُوجَبِ نِكَاحِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ
هُوَ مَرْضِيٌّ بِهِ بِالْإِقْدَامِ عَلَى سَبَبِهِ، وَلَا مَا قِيلَ
اخْتِيَارُ الْمَالِكِ رَفْعَ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ يَلْزَمُ
الْعَاقِدَيْنِ بِلَا عِلْمٍ، وَفِيهِ إلْزَامٌ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ
امْتِنَاعٌ عَنْ الْعَقْدِ لَا إلْزَامٌ مِنْهُ، وَلَا مَا قِيلَ
الطَّلَاقُ يَلْزَمُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ
لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لِكَوْنِهِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ
نَصًّا دُونَ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الضَّرَرِ الْمَذْكُورِ فِي خِيَارِ
الشَّرْطِ فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مُوجَبِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَهُوَ
الرَّدُّ أَوْ الْإِجَازَةُ، وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ بِهِ مِنْ جَانِبِ
الْآخَرِ فَلَا يَلْزَمُهُ
(6/316)
مَا يَمْلِكُهُ الْمُسَلَّطُ، وَلَوْ كَانَ
فَسَخَ فِي حَالِ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَبَلَغَهُ فِي الْمُدَّةِ تَمَّ
الْفَسْخُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ، وَلَوْ بَلَغَهُ بَعْدَ مُضِيِّ
الْمُدَّةِ تَمَّ الْعَقْدُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
إلَّا بِعِلْمِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فُسِخَ فِي حَالِ غَيْبَةِ
صَاحِبِهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْعِلْمُ دُونَ الْحُضُورِ،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ
(6/317)
قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ
الْخِيَارُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ) وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ: يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ ثَابِتٌ فِي
الْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ.
وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً وَلَا
يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ، وَالْإِرْثُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِقَوْلِهِ " كَنَّى " الْكِنَايَةَ الِاصْطِلَاحِيَّةَ لِأَرْبَابِ
الْبَلَاغَةِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا اسْتَتَرَ بِهِ الْمُرَادُ
قَالَ (وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَطَلَ خِيَارُهُ) إذَا مَاتَ
مَنْ لَهُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ أَوْ
غَيْرَهُمَا سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا
مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ فَإِنَّهُ بَاقٍ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ
انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى وَارِثِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَازِمٌ فِي
الْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَكَخِيَارِ
تَعْيِينِ الْمَبِيعِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُ
بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهمَا شَاءَ. وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لَا
يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً
وَهُمَا عَرْضَانِ، وَالْعَرْضُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ، وَالْإِرْثُ
فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ لِأَنَّهُ خِلَافَةٌ عَنْ الْمُوَرَّثِ
بِنَقْلِ الْأَعْيَانِ إلَى الْوَارِثِ، وَهَذَا مَعْقُولٌ لَا مُعَارِضَ
لَهُ مِنْ الْمَنْقُولِ فَيَكُونُ مَعْمُولًا بِهِ لَا يُقَالُ: قَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا
فَلِوَرَثَتِهِ» وَالْخِيَارُ حَقٌّ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ، لِأَنَّ
الْمُرَادَ بِهِ حَقٌّ قَابِلٌ لِلِانْتِقَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
«فَلِوَرَثَتِهِ» عَلَى مَا مَرَّ، وَالْخِيَارُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قِيلَ:
الْمَالِكِيَّةُ صِفَةٌ تَنْتَقِلُ مِنْ الْمَوْرُوثِ إلَيْهِ فِي
الْأَعْيَانِ فَهَلَّا يَكُونُ الْخِيَارُ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ
الْمُنْتَقِلَ هُوَ الْعَيْنُ وَنَقْلُ الْمَالِكِيَّةِ ضِمْنِيٌّ. قِيلَ:
فَلْيَكُنْ خِيَارُ الشَّرْطِ كَذَلِكَ بِأَنْ يَنْتَقِلَ الْمَبِيعُ مِنْ
الْمُوَرِّثِ إلَى الْوَارِثِ ثُمَّ الْخِيَارُ يَتْبَعُهُ ضِمْنًا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِيَارَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْمَبِيعِ بَلْ
الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَكَمْ مِنْ مَبِيعٍ لَا خِيَارَ فِيهِ، بِخِلَافِ
الْمَمْلُوكِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَالِكِيَّةَ مَالِكٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ
فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا فِي
مُطْلَقِهِ، وَالْخِيَارُ يَلْزَمُهُ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ:
الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ مِنْ نَقْلِ الْأَعْيَانِ مِلْكِيَّتُهَا، وَلَيْسَ
الْخِيَارُ فِي الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ كَذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُهُ
مِنْ انْتِقَالِ مَا هُوَ الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ انْتِقَالُ مَا لَيْسَ
كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: الْقِصَاصُ يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُوَرَّثِ إلَى
الْوَارِثِ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ
(6/318)
بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ
الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعِ سَلِيمًا فَكَذَا الْوَارِثُ، فَأَمَّا
نَفْسُ الْخِيَارِ لَا يُوَرَّثُ، وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ يَثْبُتُ
لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا أَنْ
يُوَرَّثَ الْخِيَارُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
تَبَعِيَّةِ الْعَيْنِ فَلْيَكُنْ الْخِيَارُ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ
ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي، وَهُمَا فِي
ذَلِكَ سِيَّانِ، إلَّا أَنَّ الْمُوَرَّثَ مُتَقَدِّمٌ فَإِذَا مَاتَ
زَالَ التَّقَدُّمُ وَثَبَتَ لِلْوَارِثِ بِمَا ثَبَتَ لِلْمُوَرَّثِ:
أَعْنِي التَّشَفِّيَ، وَالْخِيَارُ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَالشَّرْطِ،
وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا شَارِطٍ. لَا يُقَالُ: الْبَيْعُ
بِشَرْطِ الْخِيَارِ غَيْرُ لَازِمٍ فَيُورَثُ كَذَلِكَ لَا بِطَرِيقِ
النَّقْلِ فَلَا يَنْفِيه مَا ذَكَرْتُمْ لِأَنَّ كَلَامَنَا مَعَ مَنْ
يَقُولُ بِالنَّقْلِ، وَمَا ذَكَرْنَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ وَلَوْ
الْتَزَمَ مُلْتَزِمٌ مَا ذَكَرْتُمْ قُلْنَا: الْبَيْعُ بِشَرْطِ
الْخِيَارِ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَاقِدِ أَوْ فِي حَقِّ
الْوَارِثِ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَالثَّانِي
عَيْنُ النِّزَاعِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ) جَوَابٌ عَمَّا
قَاسَ عَلَيْهِ. وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِطَرِيقِ النَّقْلِ
بَلْ الْمُوَرِّثُ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَلِيمًا، فَكَذَا الْوَارِثُ
فَكَانَ ذَلِكَ نَقْلًا فِي الْأَعْيَانِ دُونَ الْخِيَارِ، وَذَلِكَ
لِأَنَّ سَبَبَ خِيَارِ الْعَيْبِ اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ
الْجُزْءِ الْفَائِتِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ الْمَالِ مُسْتَحَقٌّ
لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ، فَإِذَا طَالَبَ الْبَائِعُ بِالتَّسْلِيمِ
وَعَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ فُسِخَ الْعَقْدُ لِأَجْلِهِ، وَقَدْ وُجِدَ
هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْمُشْتَرِيَ
فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْجُزْءِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ
(6/319)
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَشَرَطَ
الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَأَيُّهُمَا أَجَازَ الْخِيَارَ وَأَيُّهُمَا
نَقَضَ انْتَقَضَ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِغَيْرِهِ
جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ
زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ مَوَاجِبِ الْعَقْدِ وَأَحْكَامِهِ، فَلَا
يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِهِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ
الْمُشْتَرِي. .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فَإِنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الشَّرْطُ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ،
وَكَذَا خِيَارُ التَّعْيِينِ لَا يَنْتَقِلُ بَلْ الْخِيَارُ سَقَطَ
بِالْمَوْتِ، لَكِنَّ الْوَارِثَ وَرِثَ الْمَبِيعَ وَهُوَ مَجْهُولٌ
فَثَبَتَ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ، وَكَمَنْ اخْتَلَطَ مَالُهُ بِمَالِ
رَجُلٍ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ، وَهَذَا الْخِيَارُ غَيْرُ
ذَلِكَ الْخِيَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَرِّثَ كَانَ لَهُ أَنْ
يَفْسَخَ قَوْلَهُ وَكَانَ خِيَارُهُ مُؤَقَّتًا، وَالْوَارِثُ لَيْسَ لَهُ
الْفَسْخُ وَلَيْسَ خِيَارُهُ بِمُؤَقَّتٍ.
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ) تَقْرِيرُ
كَلَامِهِ: وَمَنْ اشْتَرَى وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ جَازَ حَذْفُهُ
لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ فَأَيَّهُمَا أَجَازَ جَازَ: يَعْنِي مِنْ
الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَاشْتِرَاطُ
الْخِيَارِ لِلْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ،
لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا شُرِطَ فِي الْعَقْدِ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ
وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهِ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ الْمُسَوِّغِ شَرْعًا،
وَمَا كَانَ مِنْ مَوَاجِبِ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى
غَيْرِ الْعَاقِدِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ
اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ اشْتِرَاطِ الْمِلْكِ
لِغَيْرِهِ، لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ الثَّلَاثَةَ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهُ
لِأَنَّ
الْحَاجَةَ
قَدْ تَدْعُو إلَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ لِكَوْنِهِ
أَعْرَفَ بِالْمَبِيعِ أَوْ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَالِاحْتِيَاجِ إلَى
نَفْسِ الْخِيَارِ. وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ
عَنْ الْعَاقِدِ اقْتِضَاءً، إذْ لَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِهِ لِلْغَيْرِ
أَصَالَةً فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ وَجُعِلَ
الْأَجْنَبِيُّ نَائِبًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ تَصْحِيحًا لَهُ بِقَدْرِ
الْإِمْكَانِ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ شَرْطَ
الِاقْتِضَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي أَدْنَى مَنْزِلَةً مِنْ
الْمُقْتَضَى، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ حَنِثَ فِي
يَمِينِهِ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك بِالْمَالِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ تَحْرِيرًا
اقْتِضَاءً لِأَنَّ
(6/320)
وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لِغَيْرِ
الْعَاقِدِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْعَاقِدِ
فَيُقَدَّرُ الْخِيَارُ لَهُ اقْتِضَاءً ثُمَّ يُجْعَلُ هُوَ نَائِبًا
عَنْهُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا الْخِيَارُ، فَأَيُّهُمَا أَجَازَ جَازَ، وَأَيُّهُمَا نَقَضَ
انْتَقَضَ (وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْآخَرُ يُعْتَبَرُ
السَّابِقُ) لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ غَيْرُهُ،
وَلَوْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُ
الْعَاقِدِ فِي رِوَايَةٍ وَتَصَرُّفُ الْفَاسِخِ فِي أُخْرَى. وَجْهُ
الْأَوَّلِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِدِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ النَّائِبَ
يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
التَّحْرِيرَ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ التَّكْفِيرِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا
فَلَا يَثْبُتُ تَبَعًا لِفَرْعِهِ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْعَاقِدَ
أَعْلَى مَرْتَبَةً فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ اقْتِضَاءً.
وَالثَّانِي أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِلْغَيْرِ لَوْ جَازَ اقْتِضَاءً
تَصْحِيحًا لَجَازَ اشْتِرَاطُ وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْغَيْرِ
بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ بِأَنْ يَجِبَ الثَّمَنُ عَلَى الْعَاقِدِ أَوَّلًا
ثُمَّ عَلَى الْغَيْرِ كَفَالَةً عَنْهُ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ عَنْ
الْأَوَّلِ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَقَاصِدِ، وَالْغَيْرُ هُوَ
الْمَقْصُودُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَكَانَ هُوَ الْأَصْلَ نَظَرًا إلَى
الْخِيَارِ وَالْعَاقِدُ أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ التَّمَلُّكُ لَا مِنْ حَيْثُ
الْخِيَارُ فَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ الْأَصْلِ بِتَبَعِيَّةِ فَرْعِهِ.
وَأَمَّا التَّحْرِيرُ فَإِنَّهُ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ
الْمَالِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ تَبَعًا لِفَرْعِهِ. وَعَنْ الثَّانِي
بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ فِي الصَّحِيحِ بَلْ هِيَ
الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ، وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا هُوَ الثَّمَنُ عَلَى
الْأَجْنَبِيِّ وَثُبُوتُ الْمُقْتَضِي لِتَصْحِيحِ الْمُقْتَضَى، وَلَوْ
صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَانَ مُبْطِلًا
لِلْمُقْتَضَى وَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ. فَإِنْ قِيلَ:
فَلْيَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ فِيهَا
الْمُطَالَبَةُ بِالدَّيْنِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَصْلٌ فِي
وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا
لِفَرْعِهِ وَهُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ (وَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَيَّهُمَا أَجَازَ جَازَ وَأَيَّهُمَا نَقَضَ
انْتَقَضَ) وَلَوْ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا فِي الْإِجَازَةِ وَالنَّقْضِ
اُعْتُبِرَ السَّابِقُ لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهُ (وَلَوْ خَرَجَ
الْكَلَامَانِ مَعًا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ) فَفِي رِوَايَةِ بُيُوعِ
الْمَبْسُوطِ (يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ) فَسْخًا كَانَ أَوْ
إجَازَةً (وَ) فِي رِوَايَةِ مَا دُونَ الْمَبْسُوطِ يُعْتَبَرُ (تَصَرُّفُ
الْفَسْخِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَاقِدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَجْهُ)
الْقَوْلِ (الْأَوَّلِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِدِ أَقْوَى)
(6/321)
وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْفَسْخَ أَقْوَى؛
لِأَنَّ الْمَجَازَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ
الْإِجَازَةُ، وَلَمَّا مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ
رَجَّحْنَا بِحَالِ التَّصَرُّفِ. وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ
وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَاسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ مِمَّا إذَا
بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ رَجُلٍ وَالْمُوَكِّلُ مِنْ غَيْرِهِ مَعًا؛
فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُوَكِّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ
يَعْتَبِرُهُمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَالْأَقْوَى: يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِقْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَ
النَّائِبِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ تَصَرُّفِ
الْمَنُوبِ، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَيْهِ.
وَاسْتَشْكَلَ بِمَا إذَا وَكَّلَ رَجُلًا آخَرَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ
لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ مَعًا فَإِنَّ
الْوَاقِعَ طَلَاقُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ
التَّرْجِيحَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ تَنَافِي الْفِعْلَيْنِ كَالْفَسْخِ
وَالْإِجَازَةِ، وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَا فَالْمَطْلُوبُ حَاصِلٌ بِدُونِهِ
فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ.
(وَوَجْهُ) الْقَوْلِ (الثَّانِي أَنَّ الْفَسْخَ أَوْلَى لِأَنَّ
الْمَجَازَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ) كَمَا لَوْ أَجَازَ وَالْمَبِيعُ هَلَكَ
عِنْدَ الْبَائِعِ (وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ) فَإِنَّ
الْعَقْدَ إذَا انْفَسَخَ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا
تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَلَا خَفَاءَ فِي قُوَّةِ مَا يَطْرَأُ عَلَى
غَيْرِهِ فَيُزِيلُهُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا
لَاقَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ غَيْرَهُ فَتَنَاقَضَا الْمَبِيعَ ثُمَّ
هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ بِحُكْمِ
الْإِقَالَةِ فَإِنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ
لَهُ، وَالْقِيمَةَ إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا
لِلْفَسْخِ وَهُوَ إجَازَةٌ لِلْمَفْسُوخِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ
فِي أَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَلْحَقُ الْمَفْسُوخَ وَمَا ذَكَرْتُمْ فَسْخٌ
لَا إجَازَةٌ (وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالثَّانِي قَوْلُ
أَبِي يُوسُفَ) فِي الْمَبْسُوطِ. قِيلَ وَالثَّانِي أَصَحُّ، وَلَعَلَّ
قَوْلَهُ وَلَمَّا مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ رَجَّحْنَا
بِحَالِ التَّصَرُّفِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ كُلٌّ
مِنْهُمَا أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ مِنْ وَجْهٍ: الْعَاقِدُ مِنْ حَيْثُ
التَّمَلُّكُ وَالْأَجْنَبِيُّ مِنْ حَيْثُ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ لَمْ
يَتَرَجَّحْ الْأَمْرُ مِنْ حَيْثُ التَّصَرُّفُ فَرَجَّحْنَا مِنْ حَيْثُ
حَالُ التَّصَرُّفِ. لَا يُقَالُ: الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ مِنْ تَوَابِعِ
الْخِيَارِ فَكَانَ الْقِيَاسُ تَرْجِيحَ تَصَرُّفِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ
لِأَنَّ جِهَةَ تَمَلُّكِ الْعَقْدِ عَارَضَتْهُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ
وَاسْتُخْرِجَ ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِمَا لَيْسَ
بِمَنْقُولٍ عَنْهُمَا (وَ) إنَّمَا (اُسْتُخْرِجَ بِمَا إذَا بَاعَ
الْوَكِيلُ مِنْ أَحَدٍ وَالْمُوَكِّلُ مِنْ غَيْرِهِ مَعًا، فَمُحَمَّدٌ
يَعْتَبِرُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُوَكِّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ
تَصَرُّفَهُمَا) وَيُجْعَلُ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ
وَيُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ
النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ.
وَوَجْهُ الِاسْتِخْرَاجِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْفَاسِخِ أَقْوَى عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرَجِّحْ تَصَرُّفَ
الْمَالِكِ كَمَا رَجَّحَهُ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا لَمْ يُرَجِّحْ تَصَرُّفَ
الْمَالِكِ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمُوَكِّلِ
(6/322)
قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ
دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَإِنْ بَاعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ
جَازَ الْبَيْعُ) وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا
أَنْ لَا يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَلَا يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ
وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ وَفَسَادُهُ لِجَهَالَةِ
الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ
عَنْ الْعَقْدِ، إذْ الْعَقْدُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ
الْحُكْمِ فَبَقِيَ الدَّاخِلُ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَيُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ
الْخِيَارُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا
جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَالْوَكِيلِ يَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِالنِّصْفِ،
فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الرُّجْحَانُ هُنَاكَ لِتَصَرُّفِ الْمَالِكِ
لِمَالِكِيَّتِهِ وَالرُّجْحَانُ ثَابِتٌ هُنَا لِتَصَرُّفِ الْفَسْخِ فِي
نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الْإِجَازَةِ لَا عَلَى
الْعَكْسِ رَجَّحْنَا بِحَالِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ تَصَرُّفُ الْفَسْخِ
لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لِهَذَا الرُّجْحَانِ بَعْدَ مُسَاوَاةِ تَصَرُّفِ
الْمَالِكِ مَعَ تَصَرُّفِ غَيْرِ الْمَالِكِ فَقُلْنَا بِهِ، كَذَا فِي
النِّهَايَةِ. وَهُوَ كَلَامٌ لَا وُضُوحَ فِيهِ لِأَنَّ عَدَمَ رُجْحَانِ
تَصَرُّفِ الْمَالِكِ لِمَالِكِيَّتِهِ هُنَاكَ لَا يَسْتَلْزِمُ رُجْحَانَ
الْفَسْخِ هُنَا وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، نَعَمْ هُوَ يَدُلُّ عَلَى
تَرْجِيحِ الْفَسْخِ عَلَى الْإِجَازَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْرَاجِ،
وَلَعَلَّ الْأَوْضَحَ فِي وَجْهِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الْوَكِيلُ مِنْ
الْمُوَكِّلِ هُنَاكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ الْعَاقِدِ
هَاهُنَا فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ
مِنْ غَيْرِهِ فَيَتَرَجَّحُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ مِنْ مُحَمَّدٍ
كَتَرْجِيحِ تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُ وَتُرِكَ تَرْجِيحُ تَصَرُّفِ
الْمَالِكِ مِنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاعْتِبَارُهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
لَا يُنْظَرُ إلَى أَحْوَالِ الْمُتَصَرِّفِينَ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهِ
فَبَقِيَ النَّظَرُ فِي حَالِ التَّصَرُّفِ نَفْسِهِ، وَالْفَسْخُ أَقْوَى
لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى
أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ فِيهَا تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَتَعْيِينَ مَنْ
فِيهِ الْخِيَارُ فَإِمَّا أَنْ لَا يَحْصُلَا أَوْ حَصَلَا جَمِيعًا، أَوْ
حَصَلَ التَّفْصِيلُ دُونَ التَّعْيِينِ، أَوْ الْعَكْسُ مِنْ ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى
أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَسَدَ الْبَيْعُ
لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَجَهَالَةُ أَحَدِهِمَا مُفْسِدَةٌ
فَجَهَالَتُهُمَا أَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ
كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ إذْ الْعَقْدُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ
فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَكَانَ الدَّاخِلُ فِي الْعَقْدِ أَحَدَهُمَا وَهُوَ
غَيْرُ مَعْلُومٍ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَثَمَنُهُ مِثْلُهُ. وَإِنْ كَانَ
الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
(6/323)
وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الَّذِي فِيهِ
الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ
وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مُكْسِدٍ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا
لِلْبَيْعِ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ.
وَالثَّالِثُ أَنْ يُفَصِّلَ وَلَا يُعَيِّنَ. وَالرَّابِعُ أَنْ يُعَيِّنَ
وَلَا يُفَصِّلَ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ: إمَّا
لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ
جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ
مَعْلُومٌ، فَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ غَيْرُ
دَاخِلٍ فِي الْحُكْمِ وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِيهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ
الْعَقْدِ الْآخَرِ وَهُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ كَقَبُولِ الْحُرِّ فِي عَقْدِ
الْقِنِّ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ
بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ
مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فَكَانَ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ
فِي الْحُكْمِ، فَصَارَ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ فِي
الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطُ
قَبُولِ الْعَقْدِ فِيهِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فِي الْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا
إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَقِنٍّ فَإِنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَحَلِّ
الْبَيْعِ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ وَلَا فِي
الْحُكْمِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي الْجُمْلَةِ هُوَ شَرْطٌ لَا
يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَكَانَ مُفْسِدًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَلَا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا
يَكُونُ مُفْسِدًا. وَلَهُ لِمَظِنَّةِ فَضْلِ تَأَمُّلٍ مِنْك فَاحْتَطْ.
وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْتهمَا بِأَلْفٍ، كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي
أَحَدِهِمَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ أَيْضًا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ
كَانَ الرَّابِعُ فَلِجَهَالَةِ الثَّمَنِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ
عَدَمُ التَّفْصِيلِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فِي الْآخَرِ لَفَسَدَ فِي
الْقِنِّ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ
وَلَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ التَّفْصِيلِ
مُفْسِدٌ إذَا أَدَّى إلَى الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً فِيمَا إذَا
مَنَعَ عَنْ انْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ مَانِعٌ كَشَرْطِ
الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ فِيمَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ
فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمَعْدُومِ، فَلَوْ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْآخَرِ
انْعَقَدَ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا
إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْقَنِّ وَالْمُدَبَّرِ مَا يَمْنَعُ عَنْ
انْعِقَادِهِ
(6/324)
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى
أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ بِعَشْرَةٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ
أَثْوَابٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ فِي
الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ شَرْعَ الْخِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ
الْغَبْنِ لِيَخْتَارَ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَوْفَقُ، وَالْحَاجَةُ
إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ
إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ يَشْتَرِيهِ
لِأَجْلِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِهِ نَفَذَ
فَكَانَ قِسْمَةُ الثَّمَنِ فِي الْبَقَاءِ صِيَانَةً لِحَقٍّ مُحْتَرَمٍ
عِنْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لَا
ابْتِدَاءً بِالْحِصَّةِ.
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ)
وَمَنْ قَالَ اشْتَرَيْت أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنَّ لِي
أَنْ آخُذَ أَيَّهمَا شِئْت بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
فَالْبَيْعُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ،
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَثْوَابُ أَرْبَعَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ،
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ فِي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ
فَسَادَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَحَدُ الْأَثْوَابِ
غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ
لِتَفَاوُتِهَا فِي نَفْسِهَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُفْسِدٌ
لِلْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ الشَّرْعُ
وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ فَجَازَ إلْحَاقًا بِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ
شَرْعَ خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ لِيَخْتَارَ
مَا هُوَ الْأَوْفَقُ لَهُ وَالْأَوْفَقُ وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا
النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا (يَحْتَاجُ
إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ) لِخِبْرَتِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ
يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِهِ
(6/325)
وَلَا يُمَكِّنُهُ الْبَائِعُ مِنْ
الْحَمْلِ إلَيْهِ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ
الشَّرْعُ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ
لِوُجُودِ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ فِيهَا، وَالْجَهَالَةُ لَا
تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الثَّلَاثَةِ لِتَعْيِينِ مَنْ لَهُ
الْخِيَارُ، وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِ، إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا
غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ وَالرُّخْصَةُ ثُبُوتُهَا بِالْحَاجَةِ وَكَوْنُ
الْجَهَالَةِ غَيْرَ مُفْضِيَةٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا تَثْبُتُ
بِأَحَدِهِمَا. ثُمَّ قِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ
خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
(وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ) ،
فَيَكُونُ ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ وِفَاقًا لَا شَرْطًا؛
وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ
التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّتُهَا
كَانَتْ عِنْدَهُمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
كَامْرَأَتِهِ وَبِنْتِهِ (وَالْبَائِعُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْحَمْلِ
إلَيْهِ إلَّا بِالْبَيْعِ) فَكَانَ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ (فِي مَعْنَى
مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ) وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ (الْجَهَالَةَ تُفْضِي
إلَى الْمُنَازَعَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ
اسْتَبَدَّ بِالتَّعْيِينِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مُنَازِعٌ فَكَانَ عِلَّةُ
جَوَازِهِ مُرَكَّبَةً مِنْ الْحَاجَةِ وَعَدَمِ كَوْنِ الْجَهَالَةِ
تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَأَمَّا عَدَمُ الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّهُ
ثَابِتٌ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَثْوَابُ
ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ فَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي
الثَّلَاثَةِ لِوُجُودِ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ فِيهِ،
وَالزَّائِدُ يَقَعُ مُكَرَّرًا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَانْتَفَى
عَنْهُ جُزْءُ الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَمَامِ
عِلَّتِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْمَأْذُونِ وَقَالَ
وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ
الْكَبِيرِ وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ. وَعَلَى ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ
فِيهِ؛ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ
الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَقْتًا مَعْلُومًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا
دُونَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فِي
قَوْلِهِمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ،
وَذِكْرُهَا فِيمَا ذُكِرَ كَانَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا وَهُوَ اخْتِيَارُ
فَخْرِ الْإِسْلَامِ حُجَّةِ الْأَوَّلِينَ أَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ
الْإِلْحَاقِ بِمَوْضِعِ السُّنَّةِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ، وَفِيهِ
نَظَرٌ لِأَنَّ عَدَمَ انْفِكَاكِ الْمُلْحَقِ عَنْ الْمُلْحَقِ بِهِ
لَيْسَ
(6/326)
ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ:
اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَهُوَ
الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ
أَمَانَةٌ، وَالْأَوَّلُ تَجَوُّزٌ وَاسْتِعَارَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِشَرْطٍ فِي الْإِلْحَاقِ، كَمَا أَنَّ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ
يَحْتَاجَانِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَامِدًا فِي رَمَضَانَ مِنْ
جِمَاعٍ مَعَ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِهِ، وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ
أَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ فَلَا يَتَعَلَّقُ
جَوَازُ الْعَقْدِ بِتَمَلُّكِ الزِّيَادَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ
فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ لَازِمٌ فِي غَيْرِ
عَيْنٍ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ
مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَذْكُرَ خِيَارَ
الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَلَا
بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّ مُدَّةٍ
كَانَتْ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمُلْحَقِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي
أَنْ لَا يَجُوزَ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثَةِ
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ
يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا.
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ
أَيَّامٍ تَعْلِيقٌ فَلَا يُلْحَقُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ
الْأَثَرُ الْوَارِدُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَارِدًا فِيهِ، بِخِلَافِ
خِيَارِ التَّعْيِينِ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ فِي
كُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارًا بِغَيْرِ
(6/327)
وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ
لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ
لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعَيُّبِ، وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا مَعًا
يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ
وَالْأَمَانَةِ فِيهِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
حَرْفِ التَّعْلِيقِ، فَكَانَ الْأَثَرُ الْوَارِدُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ
وَارِدًا فِيهِ (وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَ
الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ) حَتَّى
إذَا هَلَكَ الْآخَرُ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَوَّلِ أَوْ تَعَيَّبَ لَا
يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْءٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعِيبَ
مُمْتَنِعُ الرَّدِّ لِأَنَّ رَدَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ
يَتَعَيَّنْ مَبِيعًا وَهُوَ فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ مُتَّهَمٌ فَكَانَ
التَّعَيُّبُ اخْتِيَارًا دَلَالَةً. فَإِنْ قِيلَ: قَبْضُ الْآخَرِ لَا
يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَهُنَا تَجِبُ
الْقِيمَةُ عِنْدَ الْهَلَاكِ، أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ
لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَقْبُوضٌ عَلَى جِهَةِ
الْبَيْعِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْآخَرَ
لِيَشْتَرِيَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَكَانَ أَمَانَةً.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ انْعَكَسَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا طَلَّقَ
الرَّجُلُ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَمَاتَتْ
إحْدَاهُمَا فَإِنَّ الْبَاقِيَةَ تَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ دُونَ
الْهَالِكَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَتَاقِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ
إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ خَرَجَتْ عَنْ مَحَلِّيَّةِ وُقُوعِ
الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَةُ لِذَلِكَ، وَالثَّوْبُ إذَا
أَشْرَفَ عَلَيْهِ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الرَّدِّ لِتَعَيُّبِهِ
فَتَعَيَّنَ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا، وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا مَعًا لَزِمَهُ
نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا
لِكَوْنِهِ مَبِيعًا فَشَاعَ الْبَيْعُ
(6/328)
وَلَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُ
أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا.
وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَرُدَّ
أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلِاخْتِلَاطِ،
وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ. وَأَمَّا خِيَارُ
الشَّرْطِ لَا يُورَثُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَالْأَمَانَةُ فِيهِمَا وَأَمَّا إذَا ذُكِرَ خِيَارُ الشَّرْطِ،
فَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَخِيَارُ التَّعْيِينِ لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَيَّامِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا بِخِيَارِ
الشَّرْطِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي أَحَدِهِمَا
فَيَرُدُّهُ بِحُكْمِ الْأَمَانَةِ، وَفِي الْآخَرِ مُشْتَرٍ قَدْ شَرَطَ
الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ، فَإِذَا مَضَتْ
الْأَيَّامُ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلُكُ رَدَّهُمَا وَبَقِيَ
لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَيَرُدُّ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ اخْتَارَ
أَحَدَهُمَا لَزِمَهُ ثَمَنُهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْمَبِيعِ فِيهِ
وَلَزِمَهُ وَكَانَ فِي الْآخَرِ أَمِينًا، فَإِنْ ضَاعَ عِنْدَهُ بَعْدَ
ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ. وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَيَّامِ
الثَّلَاثَةِ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَبَقِيَ لِلْوَارِثِ خِيَارُ
التَّعْيِينِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا، أَمَّا بُطْلَانُ خِيَارِ
الشَّرْطِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُورَثُ، وَأَمَّا بَقَاءُ
خِيَارِ التَّعْيِينِ فَلِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ. فَإِنْ
قِيلَ: هَلْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَائِدَةٌ؟ قُلْت:
كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ قَدْ يَكُونُ
لِلْبَائِعِ، فَإِنَّ الْكَرْخِيَّ ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ
يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا. قَالُوا: وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي
الْمَأْذُونِ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ يَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي
فَيَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الْبَيْعِ قِيَاسًا
(6/329)
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى
أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا
بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا) ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ يَدُلُّ عَلَى
اخْتِيَارِهِ الْمِلْكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ إلَّا لِدَفْعِ
ضَرَرِ الْجِوَارِ وَذَلِكَ بِالِاسْتِدَامَةِ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ
سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ
الشِّرَاءِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِوَارَ كَانَ ثَابِتًا، وَهَذَا
التَّقْرِيرُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ، وَذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي إنَّمَا جُوِّزَ
بِخِلَافِ الْقِيَاسِ
بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ
إلَى اخْتِيَارِ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِحَضْرَةِ مَنْ يَقَعُ الشِّرَاءُ
لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِي جَانِبِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ
لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اخْتِيَارِ الْأَرْفَقِ، إذْ الْمَبِيعُ كَانَ
مَعَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَيُرَدُّ جَانِبُ الْبَائِعِ إلَى مُقْتَضَى
الْقِيَاسِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ لَا فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ وَلَا
فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَتَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَبِيعَ
أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ وَالْآخَرَ أَمَانَةٌ، وَالتَّرْكِيبُ الدَّالُّ
عَلَى ذَلِكَ حَقِيقَةً: وَمَنْ اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ، وَقَدْ
اخْتَلَفَ نُسَخُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ،
فَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى
مَعْذِرَةٍ، وَفِي بَعْضِهَا ثَوْبَيْنِ وَهُوَ مَجَازٌ، وَأَثْبَتَهَا
فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ فِي وَجْهِ الْمَجَازِ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا لَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا قَالَ: اشْتَرَى
ثَوْبَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ
عَلَى الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا
اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] أَضَافَ الْخُرُوجَ إلَيْهِمَا
وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا.
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ) رَجُلٌ
اشْتَرَى دَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ (فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى
بِجَانِبِهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَذَلِكَ
الْأَخْذُ رِضًا) يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ لِأَنَّ أَخْذَهُ بِطَلَبِ
الشُّفْعَةِ وَطَلَبُهُ الشُّفْعَةَ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِ الْمِلْكِ،
لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ
الْجِوَارِ، وَالْجِوَارُ يَثْبُتُ بِاسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ،
وَاسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَلَا مِلْكَ مَعَ
الْخِيَارِ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ
الشِّرَاءِ فَكَانَ الْجِوَارُ ثَابِتًا عِنْدَ بَيْعِ الدَّارِ
الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُوجَبُ الشُّفْعَةِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُحْتَاجُ
إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي
يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ
لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّ الْمَبِيعَ
يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ
وَيَسْقُطَ بِذَلِكَ خِيَارُهُ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِدَفْعِ ضَرَرِ
الْجَارِ الدَّخِيلِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَدْفَعُ ضَرَرَ الْجَارِ فِي
دَارٍ يُرِيدُ رَدَّهَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: أَمَّا وُجُوبُ
الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي فَوَاضِحٌ عَلَى مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّهُ
مَالِكٌ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
فَلِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَذَلِكَ يَكْفِيهِ
لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهَا كَالْمَأْذُونِ الْمُسْتَغْرَقِ
بِالدَّيْنِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِهِمَا
(6/330)
قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ
عَبْدًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ
لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهُ أَنْ
يَرُدَّهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَخِيَارُ
الرُّؤْيَةِ، لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لِمَا
فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ
مِلْكِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا
رَدَّهُ مَعِيبًا بِهِ وَفِيهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الشُّفْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا رَقَبَةَ
دَارِهِمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ
الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا. وَلَوْ اشْتَرَى
دَارًا لَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ أُخْرَى فَأَخَذَ
بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ
بِصَرِيحِ الْإِسْقَاطِ بِدُونِ الرُّؤْيَةِ فَكَذَا بِدَلَالَتِهِ
وَسَيَأْتِي.
قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُمَا
بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ
فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) وَكَذَا إذَا اشْتَرَيَاهُ
وَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَيَاهُ وَلَمْ
يَرَيَاهُ ثُمَّ رَأَيَاهُ (لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا
إثْبَاتُ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَكُلُّ مَا هُوَ ثَابِتٌ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لِمَا فِيهِ
مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ
إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَلَا
تَرَى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ أَثْبَتَ الْوَكَالَةَ لَهُمَا
وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ الْآخَرِ. وَلَهُ أَنَّ
الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ
لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ
(6/331)
وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ
الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لِتَصَوُّرِ
اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ.
قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ وَكَانَ
بِخِلَافِهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ
الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فَإِنَّ الْبَائِعَ قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ
الِانْتِفَاعِ مَتَى شَاءَ، وَبَعْدَهُ إذَا رَدَّ الْبَعْضَ لَا
يَتَمَكَّنُ إلَّا مُهَايَأَةً، وَالْخِيَارُ يَثْبُتُ نَظَرًا لِمَنْ هُوَ
لَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْحَقُ الضَّرَرُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا
قَيَّدَ الضَّرَرَ بِالزَّائِدِ لِأَنَّ فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ ضَرَرًا
أَيْضًا لِلرَّادِّ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْغَيْرِ بَلْ
لِعَجْزِهِ عَنْ إيجَادِ شَرْطِ الرَّدِّ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ
الضَّرَرَ الْحَاصِلَ مِنْ الْغَيْرِ أَقْطَعُ وَأَفْجَعُ مِنْ الْحَاصِلِ
مِنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْعُهُ مِنْهُمَا رِضًا مِنْهُ لِعَيْبِ
التَّبْعِيضِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ فَهُوَ رِضًا بِهِ فِي
مِلْكِهِمَا لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: حَصَلَ الْعَيْبُ فِي
يَدِ الْبَائِعِ بِفِعْلِهِ لِأَنَّ تَفَرُّقَ الْمِلْكِ إنَّمَا هُوَ
بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا: بَلْ حَصَلَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي
بِرَدِّ نِصْفِهِ، وَالْمُشْتَرِي إذَا عَيَّبَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي
يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِحُكْمِ خِيَارِهِ، لَكِنَّ
هَذَا الْعَيْبَ بِعَرْضِ الزَّوَالِ لِمُسَاعَدَةِ الْآخَرِ عَلَى
الرَّدِّ فَإِذَا امْتَنَعَ ظَهَرَ عَمَلُهُ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ
ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ) جَوَابٌ لَهُمَا. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ
إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا لَيْسَ عَيْنَ الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا
وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَازِمٌ مِنْ
لَوَازِمِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا لِتَصَوُّرِ الِانْفِكَاكِ
بِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ
الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا.
قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ) رَجُلٌ
اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ
بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ الْخُبْزِ وَالْكِتَابَةِ مَا يُسَمَّى بِهِ
الْفَاعِلُ خَبَّازًا أَوْ كَاتِبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ
بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ رَدِّهِ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ
بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، فَإِنْ امْتَنَعَ بِذَلِكَ رَجَعَ
الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ يُقَوَّمُ الْعَبْدُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا عَلَى أَدْنَى
مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ إذْ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ بِمُطْلَقِ
الشَّرْطِ لَا النِّهَايَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ
الْمُسْتَحَقِّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَيُقَوَّمُ غَيْرُ كَاتِبٍ
وَخَبَّازٍ فَيُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ
بِذَلِكَ،
(6/332)
فَيُسْتَحَقُّ فِي الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ،
ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ دُونَهُ،
وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ النَّوْعِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي
الْأَغْرَاضِ، فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ
الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَصَارَ كَفَوَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
أَمَّا رَدُّهُ فَلِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَهُوَ
ظَاهِرٌ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَيْسَ بِمَرْغُوبٍ فِيهِ كَمَا إذَا
بَاعَ عَلَى أَنَّهُ أَعْوَرُ فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ
الْخِيَارَ، وَكُلُّ مَا هُوَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ يُسْتَحَقُّ فِي
الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ لِرُجُوعِهِ إلَى صِفَةِ الثَّمَنِ أَوْ
الْمُثَمَّنِ كَانَ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ
مَوْجُودًا فِي الْمَبِيعِ لَدَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِلَا ذِكْرٍ فَلَا
يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا
حَامِلٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا فَإِنَّ الْبَيْعَ فِيهِ وَفِي
أَمْثَالِهِ فَاسِدٌ وَالْوَصْفُ مَرْغُوبٌ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ
ذَلِكَ لَيْسَ بِوَصْفٍ بَلْ اشْتِرَاطُ مِقْدَارٍ مِنْ الْمَبِيعِ
مَجْهُولٌ وَضَمُّ الْمَعْلُومِ إلَى الْمَجْهُولِ يُصَيِّرُ الْكُلَّ
مَجْهُولًا، وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا
يَفْسُدُ لِكَوْنِهِ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ،
سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْبَائِعِ
تَحْصِيلُهُ وَلَا إلَى مَعْرِفَتِهِ سَبِيلٌ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ
فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ فَيَظْهَرُ
حَالُهُ، وَأَمَّا انْتِفَاخُ الْبَطْنِ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ رِيحٍ،
وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ وَلِذَا لَا نَعْلَمُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ
وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفَوَاتُهُ
يُوجِبُ التَّخْيِيرَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا رَضِيَ بِالْمَبِيعِ دُونَ
ذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَتَخَيَّرُ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِأَنَّ هَذَا
الِاخْتِلَافَ أَيْ الَّذِي يَكُونُ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْوَصْفِ
الْمَرْغُوبِ فِيهِ هُنَا رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ النَّوْعِ لِقِلَّةِ
التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِعَدَمِ ذَلِكَ
الْوَصْفِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا نَعْجَةٌ فَإِذَا
هِيَ حَمَلٌ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْحَاصِلَ بِالْوَصْفِ
إنْ كَانَ مِمَّا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ الْفَاحِشَ فِي الْأَغْرَاضِ كَانَ
رَاجِعًا إلَى الْجِنْسِ، كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا فَإِذَا هِيَ جَارِيَةٌ
وَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُوجِبُهُ كَانَ
رَاجِعًا إلَى النَّوْعِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِثَالِ فَلَا
(6/333)
وَصْفِ السَّلَامَةِ، وَإِذَا أَخَذَهُ
أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا
شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا
عُرِفَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
يُفْسِدُهُ، لَكِنَّهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ لِفَوَاتِ وَصْفِ
السَّلَامَةِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَلِأَنَّ
الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا
تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ تَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ عَلَى مَا عُرِفَ
فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(6/334)
|