العناية شرح الهداية

 (كِتَابُ الْإِقْرَارِ) :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذِكْرُ كِتَابِ الدَّعْوَى مَعَ ذِكْرِ مَا يَقْفُوهُ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالصُّلْحِ وَالْمُضَارَبَةِ الْوَدِيعَةِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي إذَا تَوَجَّهَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَإِنْكَارُهُ سَبَبٌ لِلْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ

(8/317)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
مُسْتَدْعِيَةٌ لِلصُّلْحِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] وَبَعْدَمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَالِ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالصُّلْحِ فَأَمْرُ صَاحِبِ الْمَالِ بِمَالِهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ مِنْهُ أَوْ لَا، فَإِنْ اسْتَرْبَحَ مِنْهُ فَلَا يَخْلُوا إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ،

(8/318)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَدْ ذَكَرَ اسْتِرْبَاحَهُ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هُنَالِكَ بِمَا قَبْلَهُ، وَذَكَرَ هَاهُنَا اسْتِرْبَاحَهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ،

(8/319)


قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِحَقٍّ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْبِحْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْفَظَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حِفْظَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَبَقِيَ حِفْظُهُ

(8/320)


مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ مَعْلُومًا) اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِوُقُوعِهِ دَلَالَةً؛ أَلَا تَرَى كَيْفَ أَلْزَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرَّجْمَ بِإِقْرَارِهِ وَتِلْكَ الْمَرْأَةَ بِاعْتِرَافِهَا. وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ لِقُصُورِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ.
وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَةُ.
قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ) الْإِقْرَارُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَارِ فَكَانَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ مَا كَانَ مُتَزَلْزِلًا.
وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَشُرُوطُهُ سَتُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُلْزِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ مَا أَقَرَّ بِهِ لِوُقُوعِهِ دَلَالَةً عَلَى الْمُخْبِرِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَالَ مَحْبُوبٌ بِالطَّبْعِ فَلَا يُقِرُّ لِغَيْرِهِ كَاذِبًا، وَقَدْ اعْتَضَدَ هَذَا الْمَعْقُولُ بِقَبُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِقْرَارَ وَالْإِلْزَامَ بِهِ فِي بَابِ الْحُدُودِ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا بِإِقْرَارِهِ وَالْغَامِدِيَّةَ بِاعْتِرَافِهَا» فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُلْزِمًا فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ يَكُونَ مُلْزِمًا فِي غَيْرِهِ أَوْلَى، وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، أَمَّا حُجَّتُهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُلْزِمٌ وَغَيْرُ الْحُجَّةِ غَيْرُ مُلْزِمٍ،

(8/321)


لَكِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ وَيَصِحُّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَأَمَّا قُصُورُهُ فَلِعَدَمِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَلَى غَيْرِهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَكَانَ مُحْتَمَلًا، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً وَلَكِنْ جُعِلَ حُجَّةً بِتَرْجِيحِ جَانِبِ الصِّدْقِ بِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَالتُّهْمَةُ بَاقِيَةٌ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ فَبَقِيَ عَلَى التَّرَدُّدِ النَّافِي لِصَلَاحِيَةِ الْحُجِّيَّةِ وَشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ وَلَكِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ وَيَصِحُّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَكَانَ هَذَا اعْتِذَارٌ عَنْ قَوْلِهِ إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ وَلَعَلَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ، وَأَمَّا أَنَّ غَيْرَ الْحُرِّ إذَا أَقَرَّ لَزِمَ أَوْ لَمْ يَلْزَمْ فَسَاكِتٌ عَنْهُ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِمَعْذِرَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي صِحَّةِ أَقَارِيرِهِمْ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَحَجْرِ الْمَحْجُورِ

(8/322)


لِأَنَّ إقْرَارَهُ عُهِدَ مُوجِبًا لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَبِخِلَافِ الْحَدِّ وَالدَّمِ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي ذَلِكَ، حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ دُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ إقْرَارَهُ إلَخْ) دَلِيلُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ، وَالضَّمِيرُ فِي إقْرَارِهِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ: أَيْ إقْرَارُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَهْدٌ مُوجِبٌ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لِقُصُورِ الْحُجَّةِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ إذْنٌ بِمَا يَلْزَمُهَا وَهُوَ دَيْنُ التِّجَارَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُبَايِعُونَهُ إذَا عَلِمُوا أَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ، إذْ قَدْ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ يَعْمَلُونَهَا مَعَهُ، وَبِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِيهِمَا مُبْقِي عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقُوبَةِ بِنَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ بِنَاءٌ عَلَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَكَوْنُهُ مُكَلَّفًا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَالْآدَمِيَّةُ لَا تُزَالُ بِالرِّقِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ

(8/323)


وَلَا بُدَّ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ غَيْرُ لَازِمٍ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ، إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ، وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ أَوْ يَجْرَحَ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا أَوْ تَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ بِهِ، بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ فِي الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحِقًّا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الِالْتِزَامِ إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ، لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْإِذْنِ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِينَ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ مَعْلُومًا فَجَهَالَتُهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ لُزُومِ الْحَقِّ وَالْحَقُّ قَدْ يَلْزَمُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ أَوْ يَجْرَحُ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا أَوْ تَبْقَى عَلَيْهِ بَقِيَّةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ فَالْإِقْرَارُ قَدْ يَلْزَمُ مَجْهُولًا.
وَعُورِضَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْمُدَّعِي، وَالْحَقُّ قَدْ يَلْزَمُ لَهُ مَجْهُولًا فَالشَّهَادَةُ قَدْ تَلْزَمُ مَجْهُولَةً وَلَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَشْهُودِ بِهِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَانْتِفَاؤُهُ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ

(8/324)


(وَيُقَالُ لَهُ: بَيِّنْ الْمَجْهُولَ) لِأَنَّ التَّجْهِيلَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ) لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا لَزِمَهُ بِصَحِيحِ إقْرَارِهِ وَذَلِكَ بِالْبَيَانِ.
(فَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا) ، فَإِذَا بَيَّنَ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُونُ رُجُوعًا. قَالَ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْمَشْرُوطِ، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا، وَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمُقِرِّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَك عَلَى وَاحِدٍ مِنَّا أَلْفٌ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالْمَجْهُولِ يُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ لِأَنَّهُ الْمُجْمِلُ فَإِلَيْهِ الْبَيَانُ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا لَزِمَهُ بِصَحِيحِ إقْرَارِهِ بِالْبَاءِ الْجَارَّةِ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: تَصْرِيحُ إقْرَارِهِ، وَذَلِكَ أَيْ الْخُرُوجُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْبَيَانِ،
فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا بَيَّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَكِيلًا كَانَ أَوْ مَوْزُونًا أَوْ عَدَدِيًّا نَحْوُ كُرٍّ حِنْطَةً أَوْ فَلْسٍ أَوْ جَوَّزَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُسَاعِدَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ لَا.
فَإِنْ سَاعَدَهُ أَخَذُوهُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ

(8/325)


لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ فِيهِ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ) لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا وَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
مَا هُوَ مَالٌ، حَتَّى لَوْ بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْغَصْبَ أَخْذُ مَالٍ فَحُكْمُهُ لَا يَجْرِي فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ فِي حَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ فِي قَطْرَةِ مَاءٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِغَصْبِ ذَلِكَ فَكَانَتْ مُكَذِّبَةً لَهُ فِي بَيَانِهِ، وَلَوْ بَيَّنَ فِي الْعَقَارِ أَوْ خَمْرِ الْمُسْلِمِ صَحَّ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ.
فَإِنْ قِيلَ: الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ وَهُوَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْعَقَارِ وَخَمْرِ الْمُسْلِمِ فَلَزِمَ نَقْضُ التَّعْرِيفِ أَوْ عَدَمُ قَبُولِ الْبَيَانِ فِيهِمَا.
فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ، وَقَدْ تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ)

(8/326)


(وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ فَالْمَرْجِعُ إلَيْهِ فِي بَيَانِهِ لِأَنَّهُ الْمُجْمِلُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُتَمَوَّلُ بِهِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
قَالَ (لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ إلَخْ) إذَا قَالَ فِي إقْرَارِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ فَرَجَعَ الْبَيَانُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ الْمُجْمِلَ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا بَيَّنَ إلَّا فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ، وَالْقِيَاسُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ مَالٌ.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ تَرْكُ الْحَقِيقَةِ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ.
وَلَوْ قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَقُلْنَا فِيهِ إلْغَاءٌ لِوَصْفِ الْعِظَمِ فَلَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ بِمَا يُعَدُّ عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَالْغِنَى

(8/327)


لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا (وَلَوْ قَالَ: مَالٌ عَظِيمٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ وَالنِّصَابُ عَظِيمٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا بِهِ، وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهِيَ نِصَابُ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ، وَعَنْهُ مِثْلُ جَوَابِ الْكِتَابِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِالنِّصَابِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُعَدُّ غَنِيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ بِهِ فَإِنْ بَيَّنَ بِالْمَالِ الزَّكَوِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَقَلِّ مَا يَكُونُ نِصَابًا، فَفِي الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ، وَفِي الدِّينَارِ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَفِي الدَّرَاهِمِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
وَإِنْ بَيَّنَ بِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قِيمَةِ النِّصَابِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَصْلِ فِي هَذَا الْفَصْلِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابِ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ، وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا.
قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا يَجِبُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ فِيهِ فَأَوْجَبْنَا الْعَظِيمَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْأَصَحُّ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَالِ

(8/328)


وَهَذَا إذَا قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَمَّا إذَا قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَالتَّقْدِيرُ فِيهَا بِالْعِشْرِينِ، وَفِي الْإِبِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ أَدْنَى نِصَابٍ يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ بِقِيمَةِ النِّصَابِ (وَلَوْ قَالَ: أَمْوَالٌ عِظَامٌ فَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ نُصُبٍ مِنْ أَيِّ فَنٍّ سَمَّاهُ) اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ (وَلَوْ قَالَ: دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيِّ لَيْسَتْ بِعَظِيمَةٍ (وَلَوْ قَالَ أَمْوَالٌ عِظَامٌ فَالتَّقْدِيرُ فِي ثَلَاثَةِ نُصُبٍ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ سَمَّاهُ اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ، وَإِذَا قَالَ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عِنْدَهُمَا) وَفِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ يَصْدُقُ بَعْدَ الْوَاحِدِ عَلَى كُلِّ عَدَدٍ وَالْعُرْفُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ، فَكَمْ مِنْ

(8/329)


لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصَابِ مُكْثِرٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا دُونَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
مُسْتَكْثَرٍ عِنْدَ قَوْمٍ قَلِيلٌ عِنْدَ آخَرِينَ، وَحُكْمُ الشَّرْعِ كَذَلِكَ تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْعَشَرَةِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ كَمَا فِي السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَبِالْمِائَتَيْنِ أُخْرَى كَالزَّكَاةِ وُجُوبًا وَحِرْمَانًا مِنْ أَخْذِهَا، وَبِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ فِي الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِهَا أَصْلًا فَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ دَرَاهِمُ وَيَنْصَرِفُ إلَى ثَلَاثَةٍ، وَقَالَا: أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا حُكْمًا لِأَنَّ فِي النِّصَابِ كَثْرَةً حُكْمِيَّةً فَالْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى

(8/330)


وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ، يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
مِنْ الْإِلْغَاءِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّرَاهِمُ مُمَيَّزٌ يَقَعُ بِهِ تَمْيِيزُ الْعَدَدِ، وَأَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ تَمْيِيزًا هُوَ الْعَشَرَةُ، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُمَيَّزُ بِالْمُفْرَدِ.
يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَمِائَةٌ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ إذَا كَانَ مُمْكِنًا وَلَا مَانِعَ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ لَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُثَنَّى، إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ، وَكَوْنُهُ عَلَيْهِ فَلَا تُهْمَةَ،

(8/331)


(إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدَ عَشَرَ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيُحْمَلُ كُلُّ وَجْهٍ عَلَى نَظِيرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْدٌ مُتَعَارَفٌ حُمِلَ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ لِكَوْنِهِ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ.
قَالَ (وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا) كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَالْأَصْلُ فِي اسْتِعْمَالِهِ اعْتِبَارُهُ بِالْمُفَسَّرِ، فَمَا لَهُ نَظِيرٌ فِي الْأَعْدَادِ الْمُفَسَّرَةِ حُمِلَ عَلَى

(8/332)


(وَلَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ) لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ، وَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَطَلَ، فَإِذَا قَالَ كَذَا دِرْهَمًا كَانَ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَإِذَا قَالَ كَذَا كَذَا

(8/333)


(وَلَوْ ثَلَّثَ كَذَا بِغَيْرِ وَاوٍ فَأَحَدَ عَشَرَ) لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ سِوَاهُ (وَإِنْ ثَلَّثَ بِالْوَاوِ فَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ رَبَّعَ يُزَادُ عَلَيْهَا أَلْفٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُهُ.
قَالَ: (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَقَدْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّ " عَلَيَّ " صِيغَةُ إيجَابٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
دِرْهَمًا كَانَ أَحَدَ عَشَرَ، وَإِنْ ثَلَّثَ بِغَيْرِ وَاوٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ النَّظِيرِ، وَإِذَا قَالَ كَذَا وَكَذَا كَانَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَإِنْ ثَلَّثَ بِالْوَاوِ كَانَ مِائَةً وَأَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَإِنْ رَبَّعَ يُزَادُ أَلْفٌ،
وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ عَلَيَّ لِلْإِيجَابِ، وَقِبَلِي

(8/334)


وَقِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْكَفَالَةِ.
(وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ هُوَ وَدِيعَةٌ وَوَصَلَ صُدِّقَ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ حِفْظَهُ وَالْمَالُ مَحَلَّهُ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ فِي قَوْلِهِ قِبَلِي إنَّهُ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا حَتَّى صَارَ قَوْلُهُ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا، وَالْأَمَانَةُ أَقَلُّهُمَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ وَصَلَ الْمُقِرُّ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ وَدِيعَةً صُدِّقَ وَيَكُونُ مَجَازًا لِإِيجَابِ حِفْظِ الْمَضْمُونِ وَالْمَالُ مَحَلُّهُ لَكِنَّهُ تَغْيِيرٌ عَنْ وَضْعِهِ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا
(قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ قِبَلِي (إنَّهُ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا) حَتَّى صَارَ قَوْلُهُ لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا.
وَالْأَمَانَةُ أَقَلُّهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَكَانَ قِيَاسُ تَرْتِيبِ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَذْكُرَ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ ثُمَّ يَذْكُرَ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْهِدَايَةِ تَشْرَحُ مَسَائِلَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْقُدُورِيِّ، إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْأَصَحُّ فَقَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ، وَلَوْ قَالَ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَوْ فِي يَدِي

(8/335)


(وَلَوْ قَالَ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَوْ فِي بَيْتِي أَوْ فِي كِيسِي أَوْ فِي صُنْدُوقِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى مَضْمُونٍ وَأَمَانَةٍ فَيَثْبُتُ وَأَقَلُّهَا وَهُوَ الْأَمَانَةُ.
(وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا أَوْ أَجِّلْنِي بِهَا أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا فَهُوَ إقْرَارٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
أَوْ فِي بَيْتِي أَوْ فِي كِيسِي أَوْ صُنْدُوقِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَالْيَدُ تَتَنَوَّعُ إلَى أَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الْأَمَانَةُ.
وَنُوقِضَ بِمَا إذَا قَالَ لَهُ قِبَلِي مِائَةُ دِرْهَمٍ دَيْنُ وَدِيعَةٍ أَوْ وَدِيعَةُ دَيْنٍ فَإِنَّهُ دَيْنٌ وَلَمْ يَثْبُتْ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الْأَمَانَةُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الدَّيْنَ وَالْآخَرُ يُوجِبُ الْوَدِيعَةَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَإِهْمَالُهُمَا لَا يَجُوزُ، وَحَمْلُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَدِيعَةِ حَمْلٌ لِلْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى وَهُوَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ تَابِعًا لِمَا دُونَهُ فَتَعَيَّنَ الْعَكْسُ،
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا أَوْ أَجِّلْنِي بِهَا أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا كَانَ إقْرَارًا بِالْمُدَّعَى، لِأَنَّ مَا خَرَجَ جَوَابًا إذَا

(8/336)


لِأَنَّ الْهَاءَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كِنَايَةٌ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اتَّزِنْ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْكِنَايَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِعَدَمِ انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ، وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ، وَالْقَضَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَالْقَضَاءِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا دَعْوَى الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَلْتُك بِهَا عَلَى فُلَانٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا كَانَ رَاجِعًا إلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، فَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ، فَلَمَّا قَرَنَ كَلَامَهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِالْكِتَابَةِ رَجَعَ إلَى الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى، وَكَأَنَّهُ قَالَ: اتَّزِنْ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ كَمَا لَوْ أَجَابَ بِنَعَمْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْكِنَايَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِعَدَمِ انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهِ مُسْتَقِلًّا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اُقْعُدْ وَزَّانًا لِلنَّاسِ وَاكْتُبْ الْمَالَ وَاتْرُكْ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةَ، أَوْ نَقَّادًا وَانْقُدْ لِلنَّاسِ دَرَاهِمَهُمْ.
وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ أَجِّلْنِي فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ وَأَمَّا فِي قَضَيْتُكَهَا فَإِنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ، وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَدَعْوَى الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَتْلُو الْوُجُوبَ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ: يَعْنِي لَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيَّ أَوْ وَهَبْتهَا لِي كَانَ إقْرَارًا لِأَنَّهُ دَعْوَى التَّمْلِيكِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ، وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وَقَالَ

(8/337)


لِأَنَّهُ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ.
قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ وَادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ وَادَّعَى الْإِجَارَةَ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ فِيهِ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْكَفَالَةِ. قَالَ (وَيَسْتَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْأَجَلِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقًّا عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ كُلُّهَا دَرَاهِمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْمُقِرُّ بَلْ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ مَالًا وَادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ فِيهِ فَلَا يُصَدَّقُ، كَمَا إذَا أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ وَادَّعَى لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ سُودٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ لِأَنَّ السَّوَادَ صِفَةٌ فِي الدَّرَاهِمِ فَيَلْزَمُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْكَفَالَةِ وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى إنْكَارِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ،
وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ كُلُّهَا دَرَاهِمُ، وَلَوْ قَالَ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَوْ مِائَةٌ وَشَاةٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَشَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمَلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الدَّرَاهِمِ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَالْمُبْهَمُ يَحْتَاجُ إلَى التَّفْسِيرِ، وَلَا تَفْسِيرَ لَهُ هَاهُنَا

(8/338)


وَلَوْ قَالَ: مِائَةٌ وَثَوْبٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ) وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَالدِّرْهَمَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ لَا تَفْسِيرًا لَهَا فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ فِي كُلِّ عَدَدٍ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ.
وَهَذَا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَذَلِكَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، أَمَّا الثِّيَابُ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
لِأَنَّ الدِّرْهَمَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لِاقْتِضَائِهِ الْمُغَايَرَةَ فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ، وَالِاسْتِثْقَالُ فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَكَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً، وَيَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَإِنَّ الثَّوْبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا إلَّا سَلَمًا، وَالشَّاةُ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا فَلَمْ يَكْثُرْ بِكَثْرَتِهَا فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ: أَيْ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ الْمُجْمَلِ إلَى الْمُجْمَلِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَةِ الْعَطْفِ لِلتَّفْسِيرِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَقَدْ انْعَدَمَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ يُرْجَعُ فِي بَيَانِ الْمِائَةِ إلَى الْمُقِرِّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الثِّيَابَ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ لَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ ثِيَابًا

(8/339)


(وَكَذَا إذَا قَالَ: مِائَةٌ وَثَوْبَانِ) لِمَا بَيَّنَّا (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهَا تَفْسِيرًا إذْ الْأَثْوَابُ لَمْ تُذْكَرُ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ فَكَانَتْ كُلُّهَا ثِيَابًا.
قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ) وَفَسَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ: غَصَبْت تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَوْصَرَّةَ وِعَاءٌ لَهُ وَظَرْفٌ لَهُ، وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ فَيَلْزَمَانِهِ وَكَذَا الطَّعَامُ فِي السَّفِينَةِ وَالْحِنْطَةُ فِي الْجَوَالِقِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهُمَا تَفْسِيرًا، إذْ الْأَثْوَابُ لَمْ تُذْكَرْ بِحَرْفِ الْعَطْفِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ.
لَا يُقَالُ: الْأَثْوَابُ جَمْعٌ لَا يَصْلُحُ تَمْيِيزًا لِلْمِائَةِ لِأَنَّهَا لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِالثَّلَاثَةِ صَارَ الْعَدَدُ وَاحِدًا.
قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَةٍ إلَخْ) الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا ظَرْفٌ لِلْآخَرِ فَإِمَّا أَنْ يَذْكُرَهُمَا

(8/340)


بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: غَصَبْت تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ.
قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِكَلِمَةِ " فِي " أَوْ بِكَلِمَةِ " مِنْ " فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ غَصَبْت مِنْ فُلَانٍ تَمْرًا فِي قَوْصَرَةٍ: وَهِيَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وِعَاءُ التَّمْرِ أَوْ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ أَوْ طَعَامًا فِي سَفِينَةٍ أَوْ حِنْطَةً فِي جُوَالِقَ لَزِمَاهُ، لِأَنَّ غَصْبَ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَقَوْلِهِ تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَةٍ وَثَوْبًا مِنْ مِنْدِيلٍ وَطَعَامًا مِنْ سَفِينَةٍ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا الْمَظْرُوفُ، لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ
وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ غَصَبْت دِرْهَمًا فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي، لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ ظَرْفًا

(8/341)


وَمِثْلُهُ الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ.
قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ لَزِمَهُ الْحَلَقَةُ وَالْفَصُّ) لِأَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُ الْكُلَّ. (وَمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَيْفٍ فَلَهُ النَّصْلُ وَالْجَفْنُ وَالْحَمَائِلُ) لِأَنَّ الِاسْمَ يَنْطَوِي عَلَى الْكُلِّ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَجَلَةٍ فَلَهُ الْعِيدَانُ وَالْكِسْوَةُ) لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عَلَى الْكُلِّ عُرْفًا.
(وَإِنْ قَالَ غَصَبْتُ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لِأَنَّ الثَّوْبَ يُلَفُّ فِيهِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي ثَوْبٍ) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ. بِخِلَافِ قَوْلِهِ: دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ حَيْثُ يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ لَا ظَرْفٌ (وَإِنْ قَالَ: ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
لِلْأَوَّلِ لَغَا آخِرُ كَلَامِهِ.
وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ دَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً: يَعْنِي أَنَّ الْإِقْرَارَ إقْرَارٌ بِهِمَا جَمِيعًا، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ضَمَانُ الدَّابَّةِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا إذَا قَالَ غَصَبْت مِنْهُ طَعَامًا فِي بَيْتِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ وَالطَّعَامَ يَدْخُلَانِ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ، وَالْإِصْطَبْلُ وَالْبَيْتُ لَا يَدْخُلَانِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَنْقُولَيْنِ، وَالْغَصْبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَدْخُلَانِ فِي ضَمَانِهِ دُخُولَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ يَرَى بِغَصْبِ الْعَقَارِ.
وَالنَّصْلُ حَدِيدَةُ السَّيْفِ، وَالْجَفْنُ وَالْغِمْدُ،

(8/342)


لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَرْفَ " فِي " يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ وَالْوَسَطِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي، فَوَقَعَ الشَّكُّ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ، عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُوعًى وَلَيْسَ بِوِعَاءٍ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَحْمَلًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَالْحَمَائِلُ جَمْعُ حِمَالَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ عَلَاقَةُ السَّيْفِ، وَالْحَجْلَةُ بَيْتٌ يُزَيَّنُ بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّةِ، وَالْعِيدَانُ بِرَفْعِ النُّونِ جَمْعُ عُودٍ وَهُوَ الْخَشَبُ، وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ يُعْلَمُ مِنْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ
(قَوْله لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ) قِيلَ هُوَ مَنْقُوضٌ عَلَى أَصْلِهِ بِأَنْ قَالَ غَصَبْت كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ حَرِيرٍ لَزِمَهُ الْكُلُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ حَرِيرٍ لَا يُجْعَلُ وِعَاءً لِلْكِرْبَاسِ عَادَةً (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُوعًى وَلَيْسَ بِوِعَاءٍ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَمِيعَ لَيْسَ بِوِعَاءٍ لِلْوَاحِدِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُوعًى بِمَا حَوَاهُ، وَالْوِعَاءُ الَّذِي هُوَ لَيْسَ بِمُوعًى هُوَ مَا كَانَ ظَاهِرًا، فَإِذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ كَوْنِ الْعَشَرَةِ وِعَاءً لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَغْوًا وَتَعَيَّنَ

(8/343)


(وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ يُرِيدُ الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْمَالَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ (وَلَوْ قَالَ أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ.
(وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَلْزَمُهُ الِابْتِدَاءُ وَمَا بَعْدَهُ وَتَسْقُطُ الْغَايَةُ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا) فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ. وَقَالَ زُفَرٌ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
أَوَّلُ كَلَامِهِ مَحْمَلًا: يَعْنِي أَنْ يَكُونَ " فِي " بِمَعْنَى الْبَيْنِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْمَالَ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لِإِزَالَةِ الْكَسْرِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَالِ، وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَزْنًا وَإِنْ جَعَلْته أَلْفَ جُزْءٍ لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَزْنُ قِيرَاطٍ، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ

(8/344)


(وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَلَهُ مَا بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْحَائِطَيْنِ شَيْءٌ) وَقَدْ مَرَّتْ الدَّلَائِلُ فِي الطَّلَاقِ.

[فَصْلٌ وَمَنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ]
(فَصْلٌ)
(وَمَنْ قَالَ: لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ قَالَ أَوْصَى لَهُ فُلَانٌ أَوْ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبٍ صَالِحٍ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ (ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فَصْلٌ)
لَمَّا كَانَتْ مَسَائِلُ الْحَمْلِ مُغَايِرَةً لِغَيْرِهَا ذَكَرهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَلْحَقَ بِهَا مَسْأَلَةَ الْخِيَارِ اتِّبَاعًا لِلْمَبْسُوطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ) وَمَنْ أَقَرَّ لِحَمْلٍ، فَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا أَوْ لَا، فَإِنْ بَيَّنَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا صَالِحًا أَوْ لَا

(8/345)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فَإِنْ كَانَ صَالِحًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَوْصَى لَهُ فُلَانٌ أَوْ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبًا لَوْ عَايَنَّاهُ حَكَمْنَا بِهِ فَكَذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ.
ثُمَّ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ الصَّالِحُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِمُدَّةٍ يُعْلَمُ فِيهَا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا: أَيْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْقَرَارِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ إلَى سَنَتَيْنِ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ فَكَذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَكَذَا إنْ جَاءَتْ بِهِ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْجَنِينِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ، وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَفِي الْوَصِيَّةِ كَذَلِكَ، وَفِي الْمِيرَاثِ لِلذَّكَرِ

(8/346)


فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ حَتَّى يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْجَنِينِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ (وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ بَاعَنِي أَوْ أَقْرَضَنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ بَيَّنَ مُسْتَحِيلًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ غَيْرَ صَالِحٍ مِثْلُ أَنْ قَالَ بَاعَنِي أَوْ أَقْرَضَنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مُسْتَحِيلًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِمَا مِنْ الْجَنِينِ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا حُكْمًا لِأَنَّهُ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا وَهُوَ فِي الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ ظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ قَالَ قَطَعْت يَدَ فُلَانٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَيَدُ فُلَانٍ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِلرَّضِيعِ وَبَيَّنَ السَّبَبَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ ذَلِكَ مِنْهُ حَقِيقَةً فَقَدْ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ حُكْمًا بِنَائِبِهِ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يَأْذَنُ لَهُ الْقَاضِي، وَإِذَا تُصُوِّرَ بِالنَّائِبِ جَازَ لِلْمُقِرِّ إضَافَةُ الْإِقْرَارِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَهُ مُحَمَّدٌ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ كَانَ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، وَلَا نِزَاعَ فِي صُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْرُوضُ وَأَمْكَنَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَحَلِّ بِحَمْلِهِ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ، كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَإِنَّ إقْرَارَهُ وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسَادَ بِكَوْنِهِ صَدَاقًا أَوْ دَيْنَ كَفَالَةٍ وَالصِّحَّةُ بِكَوْنِهِ مِنْ التِّجَارَةِ كَانَ صَحِيحًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ.
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا حُمِلَ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَأَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَيْهِ

(8/347)


قَالَ (وَإِنْ أُبْهِمَ الْإِقْرَارُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْحُجَجِ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالْحَمْلِ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِقْرَارَ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَلِهَذَا حُمِلَ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضِينَ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فَأَخَذَ بِهِ الشَّرِيكُ الْآخَرُ وَالْعَبْدُ فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَصِيرُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ
وَمَنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ

(8/348)


قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَهُ) لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْإِقْرَارُ وَلَزِمَهُ، لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ لِوَاحِدٍ أَوْصَى بِحَمْلِهَا لِرَجُلٍ وَمَاتَ وَالْمُقِرُّ وَارِثُهُ وَرِثَ الْجَارِيَةَ عَالِمًا بِوَصِيَّةِ مُوَرِّثِهِ، وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَلَا وَجْهَ لِلْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَمْلِ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَامِلِ أَيْضًا.
وَمَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي إقْرَارِهِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ يَلْزَمُ بِهِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَيَّ وَنَحْوُهُ، وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ، لِأَنَّ الْخَبَرَ إنْ كَانَ صَادِقًا بِمُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ

(8/349)


قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ الشَّرْطُ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ (وَلَزِمَهُ الْمَالُ) لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ وَلَمْ تَنْعَدِمْ بِهَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُهُ فِي الْعُقُودِ لِتَتَغَيَّرَ بِهِ صِفَةُ الْعَقْدِ وَيَتَخَيَّرُ بِهِ بَيْنَ فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ.

(8/350)