العناية
شرح الهداية [بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَة وَمَا
يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا]
لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِهَا وَوَقْتِ اسْتِحْقَاقِ
الْأُجْرَةِ ذَكَرَ هُنَا مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ بِإِطْلَاقِ
اللَّفْظِ وَتَقْيِيدِهِ، وَذَكَرَ
(9/79)
قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ
وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) ؛
لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
أَيْضًا مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يُعَدُّ خِلَافًا مِنْ الْأَجِيرِ
لِلْمُؤَجِّرِ وَمَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا. قَالَ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ
الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى إلَخْ) قِيلَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ
أَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْت هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا وَلَمْ
يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهِ مِنْ السُّكْنَى وَغَيْرِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ
وَيَنْصَرِفُ إلَى السُّكْنَى وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ، لِأَنَّ الْعَمَلَ
الْمُتَعَارَفَ فِيهَا هُوَ السُّكْنَى وَبِهِ يُسَمَّى مَسْكَنًا. وَفِي
الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدُّورِ
(9/80)
وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ فَصَحَّ
الْعَقْدُ (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ) لِلْإِطْلَاقِ (إلَّا
أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا وَلَا قَصَّارًا وَلَا طَحَّانًا؛ لِأَنَّ
فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ
الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَالْحَوَانِيتِ الِانْتِفَاعُ وَهُوَ مُتَنَوِّعٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا
يَجُوزَ مَا لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ
أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ نَصًّا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ
وَلِأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ) جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ
سَلَّمْنَا أَنَّ السُّكْنَى مُتَعَارَفٌ لَكِنْ قَدْ تَتَفَاوَتُ
السُّكَّانُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ السُّكْنَى لَا تَتَفَاوَتُ، وَمَا لَا يَتَفَاوَتُ لَا
يَشْتَمِلُ عَلَى مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَيَصِحُّ (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ
كُلَّ شَيْءٍ) مِنْ السُّكْنَى وَالْإِسْكَانِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ
وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ لِلْوَقِيدِ وَغَيْرِهَا مِمَّا
هُوَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى (لِلْإِطْلَاقِ) أَيْ لِإِطْلَاقِ
الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ (إلَّا
أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا وَلَا قَصَّارًا وَلَا طَحَّانًا)
بِالْمَاءِ أَوْ الدَّابَّةِ دُونَ الْيَدِ إنْ لَمْ يُوهِنْ الْبِنَاءَ،
وَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْبِنَاءُ جَازَ أَنْ
يَعْمَلَهُ فِيهِ وَيَتَقَيَّدَ بِهِ. وَقَوْلُهُ لَا يَسْكُنُ يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَقَوْلُهُ حَدَّادًا يَكُونُ نَصْبًا
عَلَى الْحَالِ، وَيَنْتَفِي بِهِ الْإِسْكَانُ دَلَالَةً لِاتِّحَادِ
الْمَنَاطِ وَهُوَ الضَّرَرُ بِالْبِنَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ
الْيَاءِ
(9/81)
قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ
الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ
مَعْهُودَةٌ فِيهَا (وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ، وَإِنْ
لَمْ يَشْتَرِطْ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ، وَلَا
انْتِفَاعَ فِي الْحَالِ إلَّا بِهِمَا فَيَدْخُلَانِ فِي مُطْلَقِ
الْعُقَدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ
الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ، حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ
الْجَحْشِ وَالْأَرْضِ السَّبْخَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَلَا يَدْخُلَانِ
فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ (وَلَا
يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا) ؛ لِأَنَّهَا
قَدْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا وَمَا يُزْرَعُ فِيهَا
مُتَفَاوِتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَيْ لَا تَقَعَ الْمُنَازَعَةُ
(أَوْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا
فَوَّضَ الْخِيَرَةَ إلَيْهِ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى
الْمُنَازَعَةِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةُ؛ لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ؛
لِيَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ تُقْصَدُ
بِالْأَرَاضِيِ (ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَزِمَهُ أَنْ
يَقْلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَيُسْلِمَهَا إلَيْهِ فَارِغَةً) ؛
لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُمَا وَفِي إبْقَائِهِمَا إضْرَارًا بِصَاحِبِ
الْأَرْضِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَالْمَنْصُوبَاتُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَيَنْتَفِي بِهِ سُكْنَاهُ دَلَالَةً
لِاتِّحَادِ الْمَنَاطِ وَهُوَ الضَّرَرُ بِالْبِنَاءِ.
(وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ
مَقْصُودَةٌ مَعْهُودَةٌ فِيهَا) وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ
يَسْتَأْجِرُهَا لِلزِّرَاعَةِ لِأَنَّهَا تُسْتَأْجَرُ لِغَيْرِهَا
أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ نَفْيًا لِلْجَهَالَةِ، وَلَا بُدَّ
مِنْ بَيَانِ مَا يُزْرَعُ فِيهَا لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ فِي الضَّرَرِ
بِالْأَرْضِ وَعَدَمِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ قَطْعًا
لِلْمُنَازَعَةِ، أَوْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ،
لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الِاخْتِيَارَ إلَيْهِ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ
الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ (وَيَدْخُلُ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ فِي
الْعَقْدِ بِلَا تَنْصِيصٍ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ
وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِهِمَا فَيَدْخُلَانِ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ،
بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ)
وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْحُقُوقِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ
(وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةَ) وَهِيَ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ
مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ (لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ لِأَنَّ
ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ بِالْأَرَاضِيِ) فَيَصِحُّ بِهَا الْعَقْدُ
(فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ قَلْعُهُمَا
وَتَسْلِيمُهَا فَارِغَةً لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُمَا، فَفِي
إبْقَائِهِمَا ضَرَرٌ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ) هَذَا مِنْ جَانِبِ
الْمُسْتَأْجِرِ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْمُؤَجِّرِ فَلِأَنَّ الْأَرْضَ
إمَّا أَنْ تَنْقُصَ بِالْقَلْعِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنْ
شَاءَ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكُهُ رَضِيَ
بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ لَا، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِهَا عَلَى
حَالِهَا
(9/82)
بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ
وَالزَّرْعُ بَقْلٌ حَيْثُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى زَمَانِ
الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ
الْجَانِبَيْنِ. قَالَ: (إلَّا أَنْ يَخْتَارَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ
يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكَهُ فَلَهُ ذَلِكَ)
وَهَذَا بِرِضَا صَاحِبِ الْغَرْسِ وَالشَّجَرِ، إلَّا أَنْ تَنْقُصَ
الْأَرْضُ بِقَلْعِهِمَا فَحِينَئِذٍ يَتَمَلَّكُهُمَا بِغَيْرِ رِضَاهُ.
قَالَ: (أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ عَلَى حَالِهِ فَيَكُونَ الْبِنَاءُ
لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ أَنْ لَا
يَسْتَوْفِيَهُ. قَالَ: (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا انْقَضَتْ
مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، وَفِي الْأَرْضِ رُطَبَةٌ فَإِنَّهَا تُقْلَعُ) ؛
لِأَنَّ الرِّطَابَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَأَشْبَهَ الشَّجَرَ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ) ؛
لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ مَعْهُودَةٌ (فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ
جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ. وَلَكِنْ
إذَا رَكِبَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْكَبَ وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ
غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ، وَالنَّاسُ
يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ
(وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَأَطْلَقَ جَازَ فِيمَا
ذَكَرْنَا) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَتَفَاوُتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فَيَكُونُ الْبِنَاءُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِذَاكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ
فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَهُ أَنْ يَغْرَمَ
قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا لَكِنْ بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ (وَهَذَا
بِخِلَافِ الزَّرْعِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ بَقْلٌ حَيْثُ
يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةٌ
مَعْلُومَةٌ فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ) وَذَلِكَ لِأَنَّا لَوْ
قَلَعْنَاهُ تَضَرَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَوْ تَرَكْنَا الْأَرْضَ
بِيَدِهِ بِلَا أَجْرٍ تَضَرَّرَ الْمُؤَجِّرُ، وَفِي تَرْكِهِ بِأَجْرٍ
رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فَصَيَّرَ إلَيْهِ. وَأَوْرَدَ مَسْأَلَةَ
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِبَيَانِ أَنَّ الرُّطَبَةَ كَالشَّجَرَةِ.
قَالَ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ إلَخْ)
إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ عِنْدَ
الْعَقْدِ اسْتَأْجَرْت لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، أَوْ زَادَ
فَقَالَ عَلَى أَنْ يَرْكَبَ مَنْ شَاءَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَرْكَبَ فُلَانٌ
فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ
لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا، فَإِنْ أَرْكَبَ
شَخْصًا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ أَجْرُ
الْمِثْلِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ
فَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِخَمْرٍ
أَوْ خِنْزِيرٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَنْقَلِبُ
جَائِزًا لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِلْجَهَالَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ
حَالَةُ الِاسْتِعْمَالِ فَكَأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ مِنْ الِابْتِدَاءِ
لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ
ابْتِدَاءً، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ مِنْ الِابْتِدَاءِ صَحَّ
الْعَقْدُ، فَكَذَا هَاهُنَا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ
وَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ سَوَاءٌ كَانَ
الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ
الْأَصْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، فَإِنْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ
بَعْدَ ذَلِكَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي
الْكِتَابِ أَوَّلًا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ
هُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ
الثَّالِثُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ مُفِيدٌ
لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ، فَإِنْ تَعَدَّاهُ كَانَ ضَامِنًا،
وَكَذَلِكَ
(9/83)
النَّاسِ فِي اللُّبْسِ (وَإِنْ قَالَ:
عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا فُلَانٌ أَوْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ فُلَانٌ
فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ أَوْ أَلْبَسَهُ غَيْرَهُ فَعَطِبَ كَانَ ضَامِنًا)
؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ فَصَحَّ
التَّعْيِينُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا
يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ لِمَا ذَكَرْنَا. فَأَمَّا
الْعَقَارُ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ إذَا شَرَطَ
سُكْنَى وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ
غَيْرُ مُفِيدٍ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ الَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ،
وَاَلَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ خَارِجٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ:
(وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا مَعْلُومًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ
مِثْلَ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ
مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ كَالشَّعِيرِ
وَالسِّمْسِمِ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِذْنِ لِعَدَمِ
التَّفَاوُتِ، أَوْ لِكَوْنِهِ خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ (وَلَيْسَ لَهُ
أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَالْمِلْحِ
وَالْحَدِيدِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِينَ كَالثَّوْبِ
وَالْخَيْمَةِ، وَحُكْمُ الْحَمْلِ كَحُكْمِ الرُّكُوبِ، بِخِلَافِ
الْعَقَارِ فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ جَازَ
إسْكَانُ غَيْرِهِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ لِعَدَمِ
التَّفَاوُتِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَتَفَاوَتُ السُّكَّانُ أَيْضًا،
فَإِنَّ سُكْنَى بَعْضٍ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِهِ كَالْحَدَّادِ وَنَحْوِهِ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَاَلَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ خَارِجٌ عَلَى مَا
ذَكَرْنَا) وَاعْتَبِرْ مَا ذَكَرْت لَك تَسْتَغْنِ عَمَّا فِي
النِّهَايَةِ مِنْ التَّطْوِيلِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ
اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ مَعْنَاهُ لِرُكُوبٍ مُعَيَّنٍ،
إمَّا نَصًّا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَمِقْدَارًا
مِنْ شَيْءٍ يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ
أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُهُ
فِي الضَّرَرِ) كَحِنْطَةٍ أُخْرَى غَيْرَهَا (أَوْ) مَا هُوَ (أَقَلُّ)
ضَرَرًا (كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) فَإِنَّهُمَا إذَا كَانَا خَمْسَةَ
أَقْفِزَةٍ كَانَ أَقَلَّ وَزْنًا فَكَانَ أَقَلَّ ضَرَرًا. وَذَكَرَ فِي
النِّهَايَةِ أَنَّ فِي الْكَلَامِ لَفًّا وَنَشْرًا، فَإِنَّ الشَّعِيرَ
يَنْصَرِفُ إلَى الْمِثْلِ وَالسِّمْسِمُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَلِّ إذَا
كَانَ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ فَإِنَّ
السِّمْسِمَ أَيْضًا مِثْلٌ إذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ
الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ
الْإِذْنِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ) يَعْنِي بِهِ إذَا كَانَ مِثْلًا (أَوْ
لِكَوْنِهِ خَيْرًا) يَعْنِي بِهِ إذَا كَانَ أَقَلَّ ضَرَرًا (وَلَيْسَ
لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْ الْحِنْطَةِ
كَالْمِلْحِ) إذَا كَانَ
(9/84)
لِانْعِدَامِ الرِّضَا فِيهِ (وَإِنْ
اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قُطْنًا سَمَّاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا
يَكُونُ أَضَرَّ بِالدَّابَّةِ فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ
مِنْ ظَهْرِهَا وَالْقُطْنُ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا.
قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا
فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالثِّقَلِ) ؛
لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَعْقِرُهَا جَهْلُ الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ
وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ،
وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ
الْوَزْنِ فَاعْتُبِرَ عَدَدُ الرَّاكِبِ كَعَدَدِ الْجُنَاةِ فِي
الْجِنَايَاتِ.
قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ
الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
مِثْلُهَا كَيْلًا لِأَنَّهُ أَثْقَلُ (لِانْعِدَامِ الرِّضَا فِيهِ،
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ الْقُطْنِ
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا لِأَنَّهُ
رُبَّمَا كَانَ أَضَرَّ عَلَى الدَّابَّةِ لِاجْتِمَاعِهِ فِي مَوْضِعٍ
مِنْ الظَّهْرِ، بِخِلَافِ الْقُطْنِ فَإِنَّهُ يَنْبَسِطُ عَلَيْهِ)
وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِمَّا سَبَقَ لِأَنَّ
ذَلِكَ كَانَ نَظِيرَ الْمَكِيلِ وَهَذَا نَظِيرُ الْمَوْزُونِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا
فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا) سَوَاءٌ كَانَ الرَّدِيفُ أَخَفَّ
أَوْ أَثْقَلَ مِنْ الرَّاكِبِ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِالثِّقَلِ لِأَنَّ
الدَّابَّةَ قَدْ يَعْقِرُهَا جَهْلُ الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ وَيَخِفُّ
عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ، وَلِأَنَّ
الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَزْنِ
فَاعْتُبِرَ عَدَدُ الرَّاكِبِ كَعَدَدِ الْجُنَاةِ فِي الْجِنَايَاتِ)
وَالْجُنَاةُ جَمْعُ جَانٍ كَالْبُغَاةِ جَمْعُ بَاغٍ، فَإِنَّهُ إذَا
جَرَحَ رَجُلٌ رَجُلًا جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَالْآخَرُ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ
خَطَأً فَمَاتَ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لِأَنَّ رَبَّ
جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا مِنْ عَشْرِ جِرَاحَاتٍ. قِيلَ
وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِهِ رَجُلًا لِأَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ صَبِيًّا
ضَمِنَ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ إذَا كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ
لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ
فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ
(9/85)
ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ) ؛ لِأَنَّهَا
عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ
وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا (إلَّا إذَا كَانَ حَمْلًا
لَا يُطِيقُهُ مِثْلُ تِلْكَ الدَّابَّةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كُلَّ
قِيمَتِهَا) لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهَا أَصْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ
الْعَادَةِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ
ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ
فِعْلًا مُتَعَارَفًا) ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ
مُطْلَقِ الْعَقْدِ فَكَانَ حَاصِلًا بِإِذْنِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ
بِشَرْطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ
فِيهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَسَبَبُ الْهَلَاكِ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ
عَلَيْهِمَا) إذَا كَانَ مِثْلُهَا يُطِيقُ حَمْلَهُ (وَأَمَّا إذَا كَانَ
حَمْلًا لَا يُطِيقُهُ مِثْلُهَا ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ
الْإِذْنِ فِيهَا أَصْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعَادَةِ) كَمَا إذَا كَانَتْ
الزِّيَادَةُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى، كَمَنْ اسْتَأْجَرَهَا
لِيُحَمِّلَهَا خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ شَعِيرٍ فَحَمَّلَهَا مِثْلَ
كَيْلَةِ حِنْطَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ
الْإِذْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ
فِي مِقْدَارِ الْمُسَمَّى وَغَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الزِّيَادَةِ
فَيُوَزَّعُ الضَّمَانُ. وَنُوقِضَ بِمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا
لِيَطْحَنَ بِهِ عَشْرَةَ مَخَاتِيمِ حِنْطَةٍ فَطَحَنَ أَحَدَ عَشَرَ
مَخْتُومًا فَهَلَكَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ
الْجِنْسِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّحْنَ إنَّمَا يَكُونُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا
طَحَنَ الْعَشَرَةَ انْتَهَى الْإِذْنُ، فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ فِي
الطَّحْنِ مُخَالِفٌ فِي اسْتِعْمَالِ الدَّابَّةِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ
فَيَضْمَنُ الْجَمِيعَ، فَأَمَّا فِي الْحَمْلِ فَيَكُونُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً فَهُوَ مَأْذُونٌ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَيُوَزَّعُ
الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ عَلَى مَا إذَا
اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَهَا رَجُلًا فَإِنَّهُ يَجِبُ
عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا
لِيَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ ضَمِنَ جَمِيعَ
الْقِيمَةِ، فَإِذَا أَرْدَفَ فَقَدْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ وَرَكِبَ أَيْضًا
فَرُكُوبُهُ زِيَادَةُ ضَرَرٍ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ زِيَادَةً
لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّهُ فِي الْإِرْكَابِ
مُتَفَرِّدًا مُخَالِفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَفِي الْإِرْدَافِ مَأْذُونٌ
مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ يَقَعُ جُمْلَةً كَمَا مَرَّ.
قَالَ (وَإِنْ كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا إلَخْ) وَإِنْ كَبَحَ
الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا: أَيْ جَذَبَهَا إلَى نَفْسِهِ لِتَقِفَ وَلَا
تَجْرِيَ أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُتَعَارَفًا، لِأَنَّ
الْمُتَعَارَفَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، وَمَا
يَدْخُلُ تَحْتَهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِحُصُولِهِ بِإِذْنِهِ. وَفِي
عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مُرَادٌ بِمُطْلَقِ
الْعَقْدِ لَا دَاخِلٌ تَحْتَهُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمُتَعَارَفِ لِلْعَهْدِ أَيْ
(9/86)
السَّلَامَةِ إذْ يَتَحَقَّقُ السَّوْقُ
بِدُونِهِ، وَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُبَالَغَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ
السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ.
قَالَ: (وَإِنَّ اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْحِيرَةِ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى
الْقَادِسِيَّةِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ ثُمَّ نَفَقَتْ فَهُوَ
ضَامِنٌ، وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ) وَقِيلَ تَأْوِيلُ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا؛ لِيَنْتَهِيَ
الْعَقْدُ بِالْوُصُولِ إلَى الْحِيرَةِ فَلَا يَصِيرُ بِالْعَوْدِ
مَرْدُودًا إلَى يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى.
وَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ
الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ. وَقِيلَ لَا، بَلْ
الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُودَعَ بِأُمُورٍ بِالْحِفْظِ مَقْصُودًا فَبَقِيَ
الْأَمْرُ بِالْحِفْظِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ فَحَصَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْكَبْحُ الْمُتَعَارَفُ أَوْ الضَّرْبُ الْمُتَعَارَفُ، وَحِينَئِذٍ
يَكُونُ دَاخِلًا لَا مُرَادًا لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ
يَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ:
أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حَاصِلٌ بِالْإِذْنِ، لَكِنَّ الْإِذْنَ فِيمَا
يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَأْذُونُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إذَا
أَمْكَنَ تَحَقُّقُ الْمَقْصُودِ بِهَا، وَهَاهُنَا مُمْكِنٌ إذْ
يَتَحَقَّقُ السَّوْقُ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْحِيرَةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
مَدِينَةٌ كَانَ يَسْكُنُهَا النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَهِيَ عَلَى
رَأْسِ مِيلٍ مِنْ الْكُوفَةِ (فَجَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ)
مَوْضِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُوفَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا (ثُمَّ
رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ ثُمَّ نَفَقَتْ ضَمِنَهَا وَكَذَلِكَ
الْعَارِيَّةُ) وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَعْنَى هَذَا الْوَضْعِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ إنْ
اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا فَقَطْ لِيَنْتَهِيَ الْعَقْدُ بِالْوُصُولِ إلَى
الْحِيرَةِ فَلَا يَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَوْدِ مِنْ
الْقَادِسِيَّةِ إلَيْهَا مَرْدُودًا إلَى يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى
فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُودَعًا مَعْنًى فَهُوَ نَائِبُ الْمَالِكِ
وَالرَّدُّ إلَى النَّائِبِ رَدٌّ إلَى الْمَالِكِ مَعْنًى. أَمَّا إذَا
اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا
خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى عَلَى
الْإِطْلَاقِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُودَعِ بِأَنَّ الْمُودَعَ
مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ مَقْصُودًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ
كَذَلِكَ يَبْقَى مَأْمُورًا بِالْحِفْظِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ
لِقُوَّةِ الْأَمْرِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الرَّدُّ
رَدًّا إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ
مَأْمُورَانِ بِالْحِفْظِ تَبَعًا لِلِاسْتِعْمَالِ لَا مَقْصُودًا،
فَإِذَا انْقَطَعَ الِاسْتِعْمَالُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ الْمَوْضِعِ
الْمُسَمَّى انْقَطَعَ مَا هُوَ تَابِعٌ لَهُ وَهُوَ الْحِفْظُ فَلَمْ
يَبْقَ نَائِبًا لِيَكُونَ الرَّدُّ رَدًّا إلَيْهِ، وَلَا يَبْرَأُ إلَّا
بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ. وَنُوقِضَ بِغَاصِبِ
الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ
أَلْبَتَّةَ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ
الرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا لِجَوَازِ أَنْ تَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ بِسَبَبٍ
آخَرَ. وَالسَّبَبُ فِي غَاصِبِ الْغَاصِبِ هُوَ الرَّدُّ إلَى مَنْ لَمْ
يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ ضَمَانٍ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ
مِنْ قَبْلُ، فَإِنْ قِيلَ: الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ
إزَالَةٌ لِلتَّعَدِّي وَهُوَ يَصْلُحُ مُتَبَرِّئًا عَنْ الضَّمَانِ،
وَالرَّدُّ إلَى مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ ضَمَانٍ يَرْتَفِعُ
بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ قَبْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا
نُسَلِّمُ صَلَاحِيَّتَهُ لِذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى
الْغَاصِبِ رَدٌّ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ،
وَتَقَرُّرُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ غَاصِبِ
الْغَاصِبِ لِئَلَّا يَلْزَمَ كَوْنُ الشَّيْءِ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ.
قِيلَ إلْحَاقُ الْعَارِيَّةِ بِالْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ
الْعَارِيَّةُ وَعَكْسُهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ
بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمَالِكِ حَيْثُ
يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودَعِ،
وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ
الْإِعَارَةِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّحَادَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ
يَرْفَعُ التَّعَدُّدَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْرِقَةٍ لِيَتَحَقَّقَ
الْإِلْحَاقُ، وَالِاتِّحَادُ فِي الْمَنَاطِ كَافٍ لِلْإِلْحَاقِ وَهُوَ
مَوْجُودٌ، فَإِنَّ الْمَنَاطَ هُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الْمُسَمَّى
(9/87)
الرَّدُّ إلَى يَدِ نَائِبِ الْمَالِكِ،
وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ يَصِيرُ الْحِفْظُ مَأْمُورًا بِهِ
تَبَعًا لِلِاسْتِعْمَالِ لَا مَقْصُودًا، فَإِذَا انْقَطَعَ
الِاسْتِعْمَالُ لَمْ يَبْقَ هُوَ نَائِبًا فَلَا يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ
وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ: (وَمَنْ اكْتَرَى حِمَارًا بِسَرْجٍ فَنَزَعَ
السَّرْجَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ فَلَا
ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُمَاثِلُ الْأَوَّلَ
تَنَاوَلَهُ إذْنُ الْمَالِكِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ
بِغَيْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ فِي الْوَزْنِ فَحِينَئِذٍ
يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ (وَإِنْ كَانَ لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ
ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
مُتَعَدِّيًا ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ الْحِفْظُ فِيهِ
مَقْصُودًا وَذَلِكَ مَوْجُودًا فِيهِمَا لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ وَهَذَا)
أَيْ الْإِجْرَاءُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَصَحُّ (وَمَنْ اكْتَرَى حِمَارًا
بِسَرْجٍ) فَاسْتِعْمَالُهُ بِهِ مُوَافَقَةٌ، فَإِنْ نَزَعَ فَإِمَّا أَنْ
يَسْتَعْمِلَهُ بِسَرْجٍ آخَرَ وَإِكَافٍ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى
قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يُسْرَجَ بِسَرْجٍ يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ
أَوْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِكَافُ، فَإِنْ أَسْرَجَ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ
عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِثْلُهُ تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ إذْ لَا
فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِغَيْرِهِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ:
يَعْنِي لَا فَائِدَةَ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا
يُسْرَجَ بِغَيْرِ هَذَا السَّرْجِ الَّذِي عَيَّنَهُ صَاحِبُهَا إذَا
كَانَ غَيْرُهُ يُمَاثِلُهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي التَّقْيِيدِ
بِعَيْنِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ فِي الْوَزْنِ)
اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الزَّائِدَ
لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ فَكَانَ مَأْذُونًا فِي الْمُسَمَّى غَيْرَ
مَأْذُونٍ فِي الزِّيَادَةِ، وَفِي مِثْلِهِ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ إذَا
كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى وَتُوضَعُ عَلَى الدَّابَّةِ دَفْعَةً
كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحِنْطَةِ، وَإِنْ أَسْرَجَ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِهِ
مِثْلُهُ مِثْلُ أَنْ يُسْرِجَهُ بِسَرْجِ الْبِرْذَوْنِ
(9/88)
لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ مِنْ
جِهَتِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ لَا يُوكَفُ
بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ) لِمَا قُلْنَا فِي السَّرْجِ، وَهَذَا
أَوْلَى (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ
يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ) ؛
لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ كَانَ هُوَ وَالسَّرْجُ
سَوَاءٌ فَيَكُونُ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ، إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا
عَلَى السَّرْجِ فِي الْوَزْنِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَرْضَ بِالزِّيَادَةِ فَصَارَ كَالزِّيَادَةِ فِي الْحَمْلِ الْمُسَمَّى
إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ
الْإِكَافَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّرْجِ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَمْلِ،
وَالسَّرْجُ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ
الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبَسِطُ عَلَيْهِ الْآخَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
ضَمِنَ الْقِيمَةَ كُلَّهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ مِنْ
جِهَتِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ لَا يُوكَفُ
بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ لِمَا قُلْنَا فِي السَّرْجِ) إنَّهُ لَمْ
يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ (وَهَذَا أَوْلَى) لِأَنَّهُ مِنْ خِلَافِ
جِنْسِهِ (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ
يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْمَضْمُونِ
اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ
فِيهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ قَالَ هُوَ
ضَامِنٌ. وَذُكِرَ فِي الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ. فَمِنْ
الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ،
وَإِنَّمَا الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُفَسَّرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ فِيهَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةِ الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ
مَا زَادَ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَضْمَنُ جَمِيعَ
الْقِيمَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَتَكَلَّمُوا
فِي مَعْنَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ
إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
الْمُرَادُ الْمِسَاحَةُ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ
الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ
يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ بِحِسَابِهِ
فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ حَتَّى إذَا كَانَ وَزْنُ السَّرْجِ مَنَوَيْنِ
وَالْإِكَافُ سِتَّةَ أَمْنَاءٍ يَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا، وَإِلَيْهِ
أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّلِيلِ حَيْثُ قَالَ (لِأَنَّهُ إذَا كَانَ
يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ كَانَ هُوَ وَالسَّرْجُ سَوَاءً فَيَكُونُ
الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ، إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ فِي
الْوَزْنِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهَا فَصَارَ
كَالزِّيَادَةِ فِي الْحَمْلِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ،
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِكَافَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّرْجِ
لِأَنَّهُ لِلْحَمْلِ وَالسَّرْجُ لِلرُّكُوبِ، وَيَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا
عَلَى الظَّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ) فَصَارَ كَمَا لَوْ سَمَّى
(9/89)
فَكَانَ مُخَالِفًا كَمَا إذَا حَمَلَ
الْحَدِيدَ وَقَدْ شَرَطَ لَهُ الْحِنْطَةَ.
قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ طَعَامًا فِي
طَرِيقِ كَذَا فَأَخَذَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِهِ يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ
الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ)
وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ
ذَلِكَ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ
لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ إلَّا أَنَّ
الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّفَاوُتِ إذَا كَانَ طَرِيقًا يَسْلُكُهُ النَّاسُ
فَلَمْ يُفَصِّلْ (وَإِنْ كَانَ طَرِيقًا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ
ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ بَلَغَ
فَلَهُ الْأَجْرُ) ؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ مَعْنًى، وَإِنْ
بَقِيَ صُورَةً. قَالَ: (وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا يَحْمِلُهُ
النَّاسُ فِي الْبَرِّ ضَمِنَ) لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ (وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ
وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ مَعْنًى.
قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا؛ لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا
رُطَبَةً ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
حِنْطَةً وَحَمَلَ بِوَزْنِهَا شَعِيرًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِأَنَّ
الشَّعِيرَ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الْحِنْطَةِ
(فَكَانَ مُخَالِفًا) وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا حَمَلَ الْحَدِيدَ وَقَدْ
شَرَطَ لَهُ الْحِنْطَةَ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ عَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ
مِنْ الْمِثَالِ، إلَّا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ مِثَالًا لِلْمُخَالَفَةِ
فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الِانْبِسَاطِ وَعَدَمِهِ
(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ طَعَامًا فِي طَرِيقِ كَذَا
فَسَلَكَ غَيْرَهُ) فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا سَلَكَهُ مِمَّا
يَسْلُكُهُ النَّاسُ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَإِمَّا أَنْ
يَكُونَ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا
أَوْعَرَ أَوْ أَخْوَفَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ
الثَّانِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ إذْ ذَاكَ غَيْرُ
مُفِيدٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ
لِكَوْنِهِ مُفِيدًا. فَإِنْ قِيلَ: مُحَمَّدٌ أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ
لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا أَخَذَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي
يَسْلُكُهُ النَّاسُ وَلَمْ يُقَيَّدْ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّفَاوُتِ إذَا
كَانَ الطَّرِيقُ يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَلَمْ يَفْصِلْ) وَإِنْ كَانَ
الثَّانِي: أَعْنِي مَا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ ضَمِنَ لِصِحَّةِ
التَّقْيِيدِ فَصَارَ مُخَالِفًا، وَإِذَا بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ
لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ مَعْنًى وَإِنْ بَقِيَ صُورَةً (وَإِنْ
حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا يَحْمِلُهُ النَّاسُ فِي الْبَرِّ ضَمِنَ
لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) حَتَّى أَنَّ
لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي طَرِيقِ الْبَرِّ دُونَ
الْبَحْرِ (فَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ
الْخِلَافُ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَارْتِفَاعُ الْخِلَافِ مَعْنًى وَإِنْ
بَقِيَ صُورَةً.
قَالَ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً إلَخْ) وَمَنْ
اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ شَيْءٍ فَزَرَعَ مِثْلَهُ فِي الضَّرَرِ
بِالْأَرْضِ وَمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ يُوجِبُ الْأَجْرَ لِأَنَّهُ
مُوَافَقَةٌ أَوْ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ وَزَرَعَ مَا هُوَ أَضَرُّ بِهَا
كَالرِّطَابِ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ فَخَالَفَهُ
إلَى شَيْءٍ يَصِيرُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ
ضَمَانُ مَا نَقَصَ، وَيَسْقُطُ الْأَجْرُ لِأَنَّ الْأَجْرَ وَالضَّمَانَ
لَا يَجْتَمِعَانِ إذْ الْأَجْرُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ التَّعَدِّي
وَالضَّمَانُ يَسْتَلْزِمُهُ وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى
تَنَافِي
(9/90)
لِأَنَّ الرِّطَابَ أَضَرُّ بِالْأَرْضِ مِنْ الْحِنْطَةِ لِانْتِشَارِ
عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا
إلَى شَرٍّ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا (وَلَا أَجْرَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ
غَاصِبٌ لِلْأَرْضِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ.
قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا
بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ قَبَاءً، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ،
وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَبَاءَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوَزُ
بِهِ دِرْهَمًا) قِيلَ: مَعْنَاهُ الْقَرْطَفُ الَّذِي هُوَ ذُو طَاقٍ
وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ، وَقِيلَ هُوَ
مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ
الْقَبَاءَ خِلَافُ جِنْسِ الْقَمِيصِ.
وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَمِيصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُشَدُّ
وَسَطُهُ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ
لَا يُشَدُّ وَيُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعُ الْقَمِيصِ فَجَاءَتْ
الْمُوَافَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ
شَاءَ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِقُصُورِ جِهَةِ
الْمُوَافَقَةِ، وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الدِّرْهَمَ الْمُسَمَّى كَمَا هُوَ
الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ
فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ وَقَدْ أَمَرَ بِالْقَبَاءِ قِيلَ يَضْمَنُ مِنْ
غَيْرِ خِيَارٍ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ
يُخَيَّرُ لِلِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَصَارَ كَمَا إذَا
أُمِرَ بِضَرْبِ طَسْتٍ مِنْ شَبَّةٍ فَضَرَبَ مِنْهُ كُوزًا، فَإِنَّهُ
يُخَيَّرُ كَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. |