العناية شرح الهداية

(بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ) قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْوَصِيُّ فِي وَجْهِ الْمُوصِي وَرَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَضَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) دَارُ الْإِسْلَامِ ظَرْفٌ لِأَوْصَى لَا لِقَوْلِهِ حَرْبِيٍّ: أَيْ لَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ جَازَ عَلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ: أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِوَصِيَّةٍ جَازَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ]
ُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ لِمَا أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا يَشْمَلُهُ، لَكِنْ قَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (فَقَبِلَ الْوَصِيُّ فِي وَجْهِ الْمُوصِي) أَيْ بِعِلْمِهِ (وَرَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ) أَيْ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوصِي، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ عِلْمُ الْمُوصِي لِيَتَدَارَكَ عِنْدَ رَدِّ الْمُوصِي (فَلَيْسَ بِرِدَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَضَى لِسَبِيلِهِ) أَيْ الْمُوصِي مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ، فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ بِغَيْرِهِ عَلِمَهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ إضْرَارٌ لَا يَجُوزُ فَيَرِدُ رَدُّهُ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُوصَى إلَيْهِ فِي أَنَّ قَبُولَ الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَبِلَهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَانَ صَحِيحًا، بِخِلَافِ الثَّانِي عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَفْعَ الْأَوَّلِ بِالْوَصِيَّةِ لِنَفْسِهِ وَنَفْعَ الثَّانِي لِلْمُوصِي فَكَانَ فِي رَدِّهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ إضْرَارٌ بِهِ فَلَا يَجُوزُ،

(10/496)


مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ، فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَرَدٌّ رَدَّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِبَيْعِ مَالِهِ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَاكَ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ (فَإِنْ رَدَّهَا فِي وَجْهِهِ فَهُوَ رَدٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ يَرْجِعُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلَا ضَرَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَيُشِيرُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِبَيْعِ مَالِهِ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ) أَيْ: فِي غَيْبَتِهِ وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ (؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ) فَإِنَّهُ جَعَلَ عِلَّةَ جَوَازِهِ عَدَمَ الضَّرَرِ كَمَا فِي رَدِّ الْمُوصَى لَهُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ

(10/497)


لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنِيبَ غَيْرَهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا، فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَقَدْ لَزِمَتْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ وَالْقَبُولُ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْوَصِيِّ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوِصَايَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةً لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ.
أَمَّا التَّوْكِيلُ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُنِيبِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا طَرِيقَ الْعِلْمِ وَشَرْطَ الْإِخْبَارِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَنَقَلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لَا يَصِحُّ، حَتَّى لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيمَا نَقَلَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: رِوَايَةُ عَامَّةِ الْكُتُبِ فِيمَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ قِيلَ: وَسَبَبُهُ الْإِضْرَارُ بِتَغْرِيرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا) يَعْنِي كَمَنْ وَكَّلَ حَالَ حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَكِيلِ قَبُولٌ نَصًّا وَلَا دَلَالَةً كَانَ بِالْخِيَارِ. قِيلَ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَيَّرًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ الْإِيصَاءُ وَلَمْ يَرُدَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْمُوصِي وَلَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِ وَالضَّرَرُ مَرْفُوعٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوصِيَ مُغْتَرٌّ حَيْثُ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ فَلَا يَبْطُلُ الِاخْتِيَارُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ ثُمَّ رَدَّ فِي غَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ غَارٌّ فَيَبْطُلُ اخْتِيَارُهُ. وَقَوْلُهُ (فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ) بَيَانُهُ أَنَّ الْقَبُولَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً فَإِنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يُوجَدْ صَرِيحٌ يُخَالِفُهُ لَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّا طَرِيقَ الْعِلْمِ وَشَرْطَ الْإِخْبَارِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ) مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ: وَمَنْ أَعْلَمَهُ النَّاسُ بِالْوَكَالَةِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ، وَلَا يَكُونُ

(10/498)


(وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَالَ أَقْبَلُ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ، لِأَنَّ فِي إبْطَالِهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ، وَدَفْعُ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَعْلَى أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، إذْ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَرُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوِصَايَةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ وَيُنَصِّبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِهَذَا يَنْفُذُ إخْرَاجُهُ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ أَقْبَلُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَ بُطْلَانِ الْوِصَايَةِ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ وَنَصَّبَ غَيْرَهُمْ) وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَهَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. قِيلَ مَعْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
النَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ: أَيْ الْوَاحِدُ فِيهِمَا يَكْفِي. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ) يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا سَكَتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ بَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ فَهُوَ وَصِيٌّ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ الْقَاضِي حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ فِي إبْطَالِهِ مَضَرَّةً بِالْمَيِّتِ وَفِي إبْقَائِهِ ضَرَرٌ لِلْوَصِيِّ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَعْلَى لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَجْبُورٍ بِشَيْءٍ وَالثَّانِي مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ، وَدَفْعُ الْأَعْلَى مِنْ الضَّرَرِ أَوْلَى لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ: يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْهَا حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَعْلِيلِ صِحَّةِ هَذَا الْإِخْرَاجِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْقَاضِي حَكَمٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ لَوْ صَحَّتْ بِقَبُولِهِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ وَيَصِحُّ الْإِخْرَاجُ فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالْبَاقِي وَاضِحٌ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ إلَخْ) وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ حَرْبِيٍّ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ وَنَصَّبَ غَيْرَهُمْ، وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا أَوْ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلُ التَّصَرُّفِ وَلِهَذَا جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَلَكِنْ

(10/499)


سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي الْعَبْدِ بَاطِلٌ حَقِيقَةً لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَاسْتِبْدَادِهِ، وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ بَاطِلٌ أَيْضًا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ أَنَّ الْأَصْلَ النَّظَرُ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً، وَوِلَايَةُ الْفَاسِقِ عَلَى أَصْلِنَا وَوِلَايَةُ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا وَالْمُعَادَاةِ الدِّينِيَّةِ الْبَاعِثَةِ لِلْكَافِرِ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْخِيَانَةِ فَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْوِصَايَةِ وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مُقَامَهُ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ. وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا عَلَيْهِ فِي الْمَالِ، وَهَذَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَفِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي فَيَعْجِزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْوِصَايَةِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا كُلُّهُمْ فَالْوَصِيَّةُ إلَيْهِ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، يَرْوِي مَرَّةً مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَارَةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
لَمَّا كَانَ عَجْزُهُ عَنْ اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمَيِّتِ مَظْنُونًا لِكَوْنِ مَنَافِعِهِ لِلْمَوْلَى وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ عَنْ التَّبَرُّعِ بِهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِجَازَةِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَعْجِزُ الْعَبْدُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِالْوِصَايَةِ. قُلْنَا: إنَّهَا سَتَبْطُلُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ عَنْهَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ لَوْ قَاسَمَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ الْقَاضِي جَازَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْإِيصَاءَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّى الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةَ فَجَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْعَبْدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ. وَقَوْلُهُ (وَاسْتِبْدَادُهُ إلَى مَا بَعْدَهَا) ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ مِنْهُ لِلْعَبْدِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي الْكَافِرِ أَيْضًا بَاطِلٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثَمَّ الْإِخْرَاجُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضًا مِنْهُ آنِفًا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا أَوْصَى إلَيْهِ لِيَنْظُرَ فِي مَالِهِ وَأَوْلَادِهِ بَعْدَهُ بِالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ، وَبِالْخِيَانَةِ تَرْتَفِعُ الصِّيَانَةُ فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْ الْوِصَايَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ) وَاضِحٌ.

(10/500)


الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ تَجْزِئَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ وَهَذَا نَقْضُ الْمَوْضُوعِ. وَلَهُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْمَنْعِ فَلَا مُنَافَاةَ، وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ عَلَى مَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ نَقُولُ: يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ، وَتَغْيِيرِ الْوَصْفِ لِتَصْحِيحِ الْأَصْلِ أَوْلَى.
قَالَ (وَمَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ ضَمَّ إلَيْهِ الْقَاضِي غَيْرَهُ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِضَمِّ الْآخَرِ إلَيْهِ لِصِيَانَتِهِ وَنَقْصِ كِفَايَتِهِ فَيَتِمُّ النَّظَرُ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا إلَيْهِ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً، لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَوْلُهُ (وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ) أَيْ: هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ وَصِيَّةُ عَبْدِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ الصِّغَارِ (تَجْزِئَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ) وَقَوْلُهُ وَهَذَا نَقْضُ الْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ إنَّمَا يَمْلِكُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمُوصِي وَوِلَايَتُهُ لَا تَتَجَزَّأُ إذْ لَا يُقَالُ وِلَايَتُهُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَلَوْ ثَبَتَ التَّجْزِيءُ فِي وِلَايَةِ الْوَصِيِّ ثَبَتَ فِي وِلَايَةِ الْمُوصِي لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ فَكَانَ عَائِدًا عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ.
وَقَوْلُهُ (إنَّهُ مُخَاطَبٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَقَوْلُهُ (مُسْتَبِدٌّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْإِيصَاءِ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَعَمَّا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ. وَقَوْلُهُ (لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْمَنْعِ فَلَا مُنَافَاةَ) قِيلَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَيَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ وَالْمُنَافَاةُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ لَمْ يَبْقَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَخْتَارُ الْمَرْقُوقَ دُونَ الْأَحْرَارِ كَافَّةً إلَّا إذَا وَثِقَ بِدِيَانَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُمْ وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْإِيصَاءَ إلَيْهِ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ تَجْزِئَتُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ إلَى أَحَدِهِمَا فِي الْعَيْنِ وَإِلَى الْآخَرِ فِي الدَّيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى إلَيْهِ خَاصَّةً، أَوْ نَقُولُ: يُصَارُ إلَيْهِ أَيْ: إلَى التَّجْزِيءِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ هَذَا التَّصَرُّفِ وَهُوَ نَصْبُ عَبْدِهِ وَصِيًّا عَلَى الصِّغَارِ. فَإِنْ قِيلَ: يُفْضِي إلَى تَغْيِيرِ وَصْفِهِ وَهُوَ جَعْلُهُ مُتَجَزِّئًا بَعْدَمَا لَمْ يَكُنْ. قُلْنَا: يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِتَصْحِيحِ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِ بِالْكُلِّيَّةِ.
قَالَ (وَمَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ) مَعْنَى قَوْلِهِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْوِصَايَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الْأَوْصِيَاءَ ثَلَاثَةٌ: عَدْلٌ كَافٍ، وَفَاسِقٌ. وَزَادَ الْمُصَنِّفُ

(10/501)


اسْتَبْدَلَ بِهِ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ أَمِينًا فِيهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ لِمَا أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارَ الْمَيِّتِ وَمَرْضِيَّهُ فَإِبْقَاؤُهُ أَوْلَى وَلِهَذَا قُدِّمَ عَلَى أَبِي الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَا الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَالْمَيِّتُ إنَّمَا نَصَّبَهُ وَصِيًّا لِأَمَانَتِهِ وَقَدْ فَاتَتْ، وَلَوْ كَانَ فِي الْأَحْيَاءِ لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا، فَعِنْدَ عَجْزِهِ يَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَأَنَّهُ لَا وَصِيَّ لَهُ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ دُونَ صَاحِبِهِ) إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا تَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ إذَا انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوصِي وَقَدْ كَانَ بِوَصْفِ الْكَمَالِ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْأَبِ إيَّاهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ فَيَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ قَرَابَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ إذْ هُوَ شَرْطٌ مُقَيَّدٌ، وَمَا رَضِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْعَاجِزَ أَصْلًا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُ وَصِيٍّ عَنْ الِاسْتِبْدَادِ وَهُوَ عَدْلٌ ضُمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا، وَإِذَا عَلِمَ صِيَانَةَ الْوَصِيِّ وَنَقْصَ كِفَايَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَكْمِيلُ النَّظَرِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَكِنْ شَكَا إلَيْهِ الْوَصِيُّ ذَلِكَ: أَيْ: عَدَمَ الِاسْتِبْدَادِ بِعَجْزِهِ لَا يُجِيبُهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَلَوْ ظَهَرَ عِنْدَهُ عَجْزٌ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ غَيْرَهُ بِهِ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: أَيْ جَانِبِ الْمُوصِي وَالْوَصِيِّ، يَقُومُ الْمَنْصُوبُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي بِالتَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِ الْمُوصِي وَالْعَاجِزِ الْمَعْزُولِ بِقَضَاءِ حُقُوقِ نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ إلَيْهِ بِالْإِخْرَاجِ وَإِنْ شَكَاهُ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ، إذَا ظَهَرَ مِنْهُ خِيَانَةٌ فَإِنَّهُ يَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ إلَخْ) رُوِيَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا جَمِيعًا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا أَصَحُّ وَبِهِ نَأْخُذُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ قَالَ: الْخِلَافُ فِيهِمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ أَوْصَى إلَيْهِمَا جَمِيعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا. وَجَعَلَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا الْأَصَحَّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَحِينَئِذٍ ثَبَتَ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا مَعًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ كَمِّيَّتَهَا لِاخْتِلَافِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، فَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ سِتَّةً، وَهُوَ مَا عَدَا تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَقَبُولَ الْهِبَةِ، وَجَمْعَ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ مِنْ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ بِجِنْسِ حَقِّهِ، وَشِرَاءَ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ، وَبَيْعَ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَرَدَّ الْغَصْبِ، الْوَدِيعَةِ وَالْخُصُومَةِ. وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ ثَمَانِيَةً وَهِيَ السِّتَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَسْرَارِ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ. وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا جَمْعَ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبُولُ الْهِبَةِ مِنْ جِنْسِ جَمْعِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ فَيُعَدَّانِ وَاحِدًا كَيْ لَا يَزْدَادَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ) يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ لِمَنْ لَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ بِالتَّوْلِيَةِ كَالْكَافِرِ وَالْعَبْدِ عَلَى مَا مَرَّ.

(10/502)


الْمُوصِي إلَّا بِالْمُثَنَّى وَلَيْسَ الْوَاحِدُ كَالْمُثَنَّى، بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَالِكَ الْقَرَابَةُ وَقَدْ قَامَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلَا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ، حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفُؤٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهَاهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يَبْقَى مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ، فَفِي الْأَوَّلِ أَوْفَى حَقًّا عَلَى صَاحِبِهِ فَصَحَّ، وَفِي الثَّانِي اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَصِحُّ أَصْلُهُ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا، بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ أَبَدًا، وَهِيَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتِهَا.
فَقَالَ (إلَّا فِي شِرَاءِ كَفَنِ الْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ عِنْدَ ذَلِكَ (وَطَعَامِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتِهِمْ) لِأَنَّهُ يَخَافُ مَوْتَهُمْ جُوعًا وَعُرْيًا (وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمَالِكُ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ) أَيْ: الْوِلَايَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْمُوصِي لِتَحَقُّقِهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

(10/503)


وَحِفْظُ الْمَالِ يَمْلِكُهُ مَنْ يَقَعُ فِي يَدِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ. وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَالْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ (وَقَبُولِ الْهِبَةِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ الْأُمَّ وَاَلَّذِي فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ (وَبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفَ) لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لَا تُخْفَى (وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ كُلَّ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَبِيعَ وَيَتَقَاضَى، وَالْمُرَادُ بِالتَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ، كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ قِيلَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ فَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِ الْوَاحِدِ. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
لِبَيَانِ أَنَّ اقْتِضَاءَ الدَّيْنِ: أَيْ قَبْضَهُ لَيْسَ كَقَضَائِهِ بَلْ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ) ذَكَرْنَاهُ فِي مَطْلَعِ الْكَلَامِ مَعَ ذِكْرِ صَاحِبِ كُلِّ قَوْلٍ مِنْهُمَا.

(10/504)


وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَتَعَاقَبُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِيَ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ عَاجِزٌ عَنْ التَّفَرُّدِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ مُتَصَرِّفًا فِي حُقُوقِهِ، وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحَقُّقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْمَيِّتِ.
وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ فَلِلْحَيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ آخَرَ. وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ بَاقٍ حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِرَأْيِ الْمُثَنَّى كَمَا رَضِيَهُ الْمُتَوَفَّى.
وَإِذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيُّهُ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ اعْتِبَارًا بِالتَّوْكِيلِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ وَإِلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ الْجَدُّ قَائِمٌ مُقَامَ الْأَبِ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ فَكَذَا الْوَصِيُّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مُقَامَهُ فِيمَا لَهُ وِلَايَتُهُ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَيَنْزِلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِيهِمَا. وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ تَلَافِي مَا فَرَّطَ مِنْهُ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَرْضَى بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ وَالْإِيصَاءُ إلَيْهِ.
قَالَ (وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ وَمُقَاسَمَتُهُ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ بَاطِلَةٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) مُتَّصِلٌ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَإِلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ الْأَبُ كَانَ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِلْجَدِّ، فَكَذَا الْوَصِيُّ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْأَوَّلِ، وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ يُجْعَلُ الْأَوَّلُ قَائِمًا حُكْمًا. وَالْخَلَفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ) أَيْ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ: أَيْ فِي تَرِكَةِ نَفْسِهِ سَمَّاهُ تَرِكَةً بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَتَرِكَةِ مُوصِيهِ. أَمَّا فِي تَرِكَتِهِ؛ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ. وَأَمَّا فِي تَرِكَةِ مُوصِيهِ؛ فَبِاعْتِبَارِ الْوِصَايَةِ إلَيْهِ فَيَنْزِلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ (فَلَا يَرْضَى بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ) أَيْ: لَا يَرْضَى الْمُوَكِّلُ بِأَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلَهُ غَيْرَهُ أَوْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ.
قَالَ (وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ) رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ غُيَّبٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْمُوصَى لَهُ نَائِبًا عَنْ الْوَرَثَةِ وَأَعْطَاهُ الثُّلُثَ، وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ فَالْقِسْمَةُ نَافِذَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَنْقُولِ، وَالْعَقَارِ إنْ كَانُوا صِغَارًا، وَفِي الْمَنْقُولِ إنْ كَانُوا كِبَارًا، حَتَّى لَوْ هَلَكَ حِصَّةُ الْوَرَثَةِ فِي يَدِهِ لَمْ تَرْجِعْ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَارِثُ كَبِيرًا حَاضِرًا وَصَاحِبُ الْوَصِيَّةِ غَائِبًا فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ مَعَ الْوَارِثِ عَنْ الْمُوصَى لَهُ فَأَعْطَى الْوَرَثَةَ حَقَّهُمْ وَأَمْسَكَ الثُّلُثَ لِلْمُوصَى لَهُ لَمْ تَنْفُذْ الْقِسْمَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ جَمِيعًا، حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ مَا أَفْرَزَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا كَانُوا صِغَارًا كَانَ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ نَصِيبِ الصِّغَارِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ جَمِيعًا، أَمَّا إذَا كَانُوا كِبَارًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ عَلَيْهِمْ وَلَهُ وِلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ، فَكَذَا الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ بَيْعٍ، وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْوَصِيَّ كِلَاهُمَا خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْهُمْ، وَقَائِمًا مَقَامَهُمْ. وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ بِكُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ، وَبَيْن الْوَصِيِّ مُنَاسَبَةٌ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا عَنْهُ، وَقَائِمًا مَقَامَهُ فِي نُفُوذِ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ

(10/505)


لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُورِثِ وَالْوَصِيُّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَيْضًا فَيَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَصَحَّتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَقَدْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُوصَى لَهُ، أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوصِي فَلَا يَكُونُ الْوَصِيُّ خَلِيفَةً عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا أَفْرَزَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيِّ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَتْوَى مَا تَوِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ. قَالَ (فَإِنْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ فِي الْوَرَثَةِ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَوْلُهُ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ) أَيْ: فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُورَثُ (وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) أَيْ: فِيمَا بَاعَهُ الْمُورَثُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُورَثِ؛ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَمَاتَ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْوَارِثُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً لَمَا رَجَعَ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا الْمُورَثُ مِنْ آخَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ دُونَ بَائِعِ بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ بَائِعِهِ حَتَّى يَكُونَ غُرُورُهُ كَغُرُورِهِ (وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ كَانَ تَصَرُّفُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَهَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَجِبُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ تَعَدَّى عَلَى الْمَالِ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَوَجْهُ الْجَوَابِ مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَخْ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَا أَفْرَزَهُ لِلْوَرَثَةِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَابِضَ بِالْقَبْضِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الدَّافِعَ بِالدَّفْعِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. فَإِنْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ (لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ) .
(قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِحَجَّةٍ إلَخْ) رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَرْبَعَةَ آلَافِ

(10/506)


عَنْهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِلَّا يَرْجِعُ بِتَمَامِ الثُّلُثِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقُّ الْمُوصِي، وَلَوْ أَفْرَزَ الْمُوصِي بِنَفْسِهِ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَهَلَكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، فَكَذَا إذَا أَفْرَزَهُ وَصِيُّهُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا بَقِيَ مَحَلُّهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَطَلَتْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُرَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَقْصُودِهَا وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْحَجِّ فَلَمْ تُعْتَبَرْ دُونَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَحُجُّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَلِأَنَّ تَمَامَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْجِهَةِ الْمُسَمَّاةِ، إذْ لَا قَابِضَ لَهَا، فَإِذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَمْ يَتِمَّ فَصَارَ كَهَلَاكِهِ قَبْلَهَا. .
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَرَثَةُ إلَى الْقَاضِي فَقَسَمَهَا وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ فَقِسْمَتُهُ جَائِزَةٌ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ تَصِيرُ الْوَصِيَّةُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَالْقَاضِي نَصَّبَ نَاظِرًا لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْمَوْتَى وَالْغُيَّبِ، وَمِنْ النَّظَرِ إفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَقَبْضِهِ فَنَفَذَ ذَلِكَ وَصَحَّ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ.
قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْوَصِيُّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مُقَامَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
دِرْهَمٍ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَكَانَ مِقْدَارُ الْحَجِّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ الْوَصِيُّ أَلْفًا وَدَفَعَهَا إلَى الَّذِي يَحُجُّ عَنْهُ فَسُرِقَتْ فِي الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ سُرِقَتْ ثَانِيًا يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مَرَّةً أُخْرَى هَكَذَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُؤْخَذُ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ سُرِقَتْ ثَانِيًا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً أُخْرَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا سُرِقَتْ الْأَلْفُ الْأُولَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ أَلْفِ دِرْهَمٍ) وَاضِحٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ فِيمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ تَمْيِيزٌ لَا مُبَادَلَةٌ حَتَّى يَنْفَرِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا، وَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا قَامَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَأَمَّا فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ، وَبَيْعُ مَالِ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا قِسْمَتُهُ. قُلْت: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الدَّرَاهِمِ لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا مِمَّا يُوزَنُ.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا بَاعَ الْوَصِيُّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ) ذَكَرَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَ الْمَوْلَى أَوْ وَصِيُّهُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ الْمَدْيُونَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِغَرِيمِ الْعَبْدِ هُنَاكَ حَقًّا فِي اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ وَبَعْدَ الْبَيْعِ لَا يَبْقَى، فَكَانَ فِي الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ إجَازَتِهِمْ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَيْسَ لِغَرِيمِ الْمَوْلَى حَقٌّ فِي اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ، إنَّمَا حَقُّهُ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ مُبْطِلًا حَقَّ الْغَرِيمِ بَلْ يَكُونُ مُحَقِّقًا لَهُ؛ لِأَنَّ

(10/507)


الْمُوصِي، وَلَوْ تَوَلَّى حَيًّا بِنَفْسِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَكَذَا إذَا تَوَلَّاهُ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الثَّمَنُ. بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَهُ الْوَصِيُّ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ فِي يَدِهِ فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ ضَمِنَ الْوَصِيُّ) لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ عُهْدَةٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ مَا رَضِيَ بِبَذْلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْوَصِيُّ الْبَائِعُ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ. قَالَ (وَيَرْجِعُ فِيمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِقَبْضِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَأَخَذَ حُكْمَهَا، وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ حَيْثُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْقَاضِيَ تَعْطِيلُ الْقَضَاءِ، إذْ يَتَحَامَى عَنْ تَقَلُّدِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ حَذَرًا عَنْ لُزُومِ الْغَرَامَةِ فَتَتَعَطَّلُ مَصْلَحَةُ الْعَامَّةِ وَأَمِينُهُ سَفِيرٌ عَنْهُ كَالرَّسُولِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ آخَرُ.
قَالَ (وَإِنْ قَسَمَ الْوَصِيُّ الْمِيرَاثَ فَأَصَابَ صَغِيرًا مِنْ الْوَرَثَةِ عَبْدٌ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ رَجَعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ، وَيَرْجِعُ الصَّغِيرُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ.
قَالَ (وَإِذَا احْتَالَ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ جَازَ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَمْلَأَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
حَقَّهُ فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ لَا فِي عَيْنِ الْعَبْدِ وَبِالْبَيْعِ يَحْصُلُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ تَوَلَّى حَيًّا بِنَفْسِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَيُتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ بِقَبْضِهِ) أَيْ لَا بِعَمَلٍ آخَرَ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْمُوصِي وَلَا لِوَرَثَتِهِ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَوْلُهُ (أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ) أَيْ: بِحُكْمِ أَنَّ الْمَيِّتَ غَرَّهُ بِقَوْلِهِ هَذَا مِلْكِي فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ كَانَ قَائِلًا هَذَا الْعَبْدُ مِلْكِي فَكَانَ الْوَصِيُّ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ الضَّمَانُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ) يَعْنِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) أَيْ: لَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ كَانَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَقَعْ إلَّا لِلْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ آخَرُ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مُحَالًا إلَى الْمُنْتَقَى أَنَّ الْوَصِيَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَالْقِيَاسُ هَكَذَا؛ لِأَنَّ غُنْمَ تَصَرُّفِ الْوَصِيِّ عَادَ إلَيْهِمْ فَالْغُرْمُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَصْلٌ فِي غُنْمِ هَذَا التَّصَرُّفِ وَهُوَ الثَّوَابُ وَالْفَقِيرُ تَبَعٌ لَهُ.
(وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَسَمَ الْوَصِيُّ الْمِيرَاثَ إلَخْ) ظَاهِرٌ
وَكَذَا قَوْلُهُ (وَإِذَا احْتَالَ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ) وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا كَانَ الْمُحِيلُ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ سَوَاءً فِي الْمُلَاءَةِ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ

(10/508)


إذْ الْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَلَا شِرَاؤُهُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادِ بَابِهِ. وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْفَاحِشِ مِنْهُ تَبَرُّعٌ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ (وَإِذَا كَتَبَ كِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى وَصِيٍّ كَتَبَ كِتَابَ الْوَصِيَّةِ عَلَى حِدَةٍ وَكِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى حِدَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ، وَلَوْ كَتَبَ جُمْلَةً عَسَى أَنْ يَكْتُبَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ فِي آخِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْكَذِبِ. ثُمَّ قِيلَ: يَكْتُبُ اشْتَرَى مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا يَكْتُبُ مِنْ فُلَانٍ وَصِيِّ فُلَانٍ لِمَا بَيَّنَّا. وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ تُعْلَمُ ظَاهِرًا.
قَالَ (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْمَشَايِخِ، وَمَنْ لَا يُجَوِّزُهُ يَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى مَا يَجِيءُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَبَنٌ فَاحِشٌ. فَأَمَّا الْحَوَالَةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِجَوَازِهَا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَلَوْ كَانَتْ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبِرَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُبَادَلَةً كَانَتْ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُهَا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ) وَاضِحٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مِنْ الْيَتِيمِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ هَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا. إنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَتَفْسِيرُ الْمَنْفَعَةِ الظَّاهِرَةِ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ وَيَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَصَاعِدًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَقَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ، وَالْمُكَاتَبُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ) أَيْ: يَتَصَرَّفُونَ بِأَهْلِيَّتِهِمْ لَا بِأَمْرِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ فَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ نِيَابَةٌ عَنْ أَحَدٍ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 34] قَالَ (وَإِذَا كَتَبَ كِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى وَصِيٍّ) هَذَا تَعْلِيمٌ لِكِتَابِ الْحُقُوقِ، وَالشُّهُودِ لِنَفْيِ تُهْمَةِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ.
وَقَوْلُهُ (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ) قَيَّدَ بِالْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا كَانُوا صِغَارًا جَازَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ عَلَى جَوَابِ السَّلَفِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ سَوَاءٌ كَانُوا حَاضِرِينَ أَوْ غُيَّبًا

(10/509)


لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ وَلَا يَلِيهِ، فَكَذَا وَصِيُّهُ فِيهِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ عَلَى الْكَبِيرِ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَاهُ لِمَا أَنَّهُ حُفِظَ لِتَسَارُعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ، وَحِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ، أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ. قَالَ (وَلَا يَتْجُرُ فِي الْمَالِ) لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَصِيُّ الْأَخِ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ، وَكَذَا وَصِيُّ الْأُمِّ وَوَصِيُّ الْعَمِّ. وَهَذَا الْجَوَابُ فِي تَرِكَةِ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ وَصِيَّهُمْ قَائِمٌ مُقَامَهُمْ وَهُمْ يَمْلِكُونَ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ فَكَذَا وَصِيُّهُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: إنَّمَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ الْعَقَارِ، أَوْ يَكُونُ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ لِثَمَنِ الْعَقَارِ، أَوْ يَرْغَبُ الْمُشْتَرِي فِي شِرَائِهِ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ. وَقَيَّدَ بِالْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَضَرُوا لَيْسَ لِلْوَصِيِّ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ أَصْلًا، لَكِنْ يَتَقَاضَى دُيُونَ الْمَيِّتِ وَيَقْبِضُ حُقُوقَهُ وَيَدْفَعُ إلَى الْوَرَثَةِ، إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْوَرَثَةُ الدُّيُونَ وَلَمْ يُنَفِّذُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِهِمْ فَإِنَّهُ يَبِيعُ التَّرِكَةَ كُلَّهَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا أَوْ بِمِقْدَارِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُحِطْ، وَلَهُ بَيْعُ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ، وَلَوْ بَاعَ لِتَنْفِيذِهَا شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ جَازَ بِمِقْدَارِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الزِّيَادَةِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ) دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَكِنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنْ كَانَ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَضَاءُ الدُّيُونِ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَانَ مَأْمُورًا بِالْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ يَبِيعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْقُولِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمِنْ الْعَقَارِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، قَالَا فِي مَنْعِ بَيْعِ الزِّيَادَةِ: إنَّ جَوَازَهُ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيْعِ الزَّائِدِ فَلَا يَجُوزُ. وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: الْوِلَايَةُ هَاهُنَا بِسَبَبِ الْوِصَايَةِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ، فَمَتَى تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي بَيْعِ الْبَعْضِ تَثْبُتُ فِي الْبَاقِي؛ وَلِأَنَّ فِي بَيْعِ الْبَعْضِ إضْرَارًا لِتَعَيُّبِ الْبَاقِي فَكَانَ فِي بَيْعِ الْكُلِّ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ، وَلِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ الْكَبِيرِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْحِفْظَ وَبَيْعَ الْمَنْقُولَاتِ حَالَ غَيْبَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ عُلِمَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا بِعِبَارَةِ الْكِتَابِ وَإِذَا كَانُوا صِغَارًا بِمَفْهُومِهِ، فَمَا حُكْمُهَا إذَا كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا. قُلْت: حُكْمُهَا أَنَّ الْكِبَارَ إذَا كَانُوا غُيَّبًا وَخَلَتْ التَّرِكَةُ عَنْ دَيْنٍ، وَوَصِيَّةٍ فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ الْمَنْقُولِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَيْعُ حِصَّةِ الصِّغَارِ مِنْ الْعَقَارِ، وَأَمَّا بَيْعُ حِصَّةِ الْكِبَارِ مِنْهُ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ، وَإِنْ اُشْتُغِلَتْ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ جَمِيعًا، وَبِغَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ يَبِيعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ جَمِيعًا، وَفِي الزِّيَادَةِ الْخِلَافُ وَإِنْ كَانُوا حُضُورًا وَكَانَتْ التَّرِكَةُ خَالِيَةً عَنْ الدَّيْنِ يَبِيعُ حِصَّةَ الصِّغَارِ مِنْ الْعَقَارِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي بَيْعِ حِصَّةِ الْكِبَارِ الْخِلَافُ، وَإِنْ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ يَبِيعُ الْكُلَّ وَبِغَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ بِقَدْرِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا الْجَوَابُ فِي تَرِكَةِ هَؤُلَاءِ) يَعْنِي: الْأَخَ وَالْأُمَّ وَالْعَمَّ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِتَرِكَةِ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّ هَؤُلَاءِ فِيمَا تَرَكَ الْأَبُ لَيْسَ

(10/510)


قَالَ (وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ الْجَدِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَدُّ أَحَقُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مُقَامَ الْأَبِ حَالَ عَدَمِهِ حَتَّى أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ فَيُقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ. وَلَنَا أَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ الْوَصِيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِقِيَامِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْظَرُ لِبَنِيهِ مِنْ تَصَرُّفِ أَبِيهِ (فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْلِكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ وَصِيٍّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَصِيُّ الْأَبِ فِي التَّصَرُّفِ لِمَا بَيَّنَّاهُ.
(فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ مَعَهُمَا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهَا لِإِثْبَاتِهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
كَوَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ؛ فَإِنَّ وَصِيَّ الْأُمِّ لَا يَمْلِكُ عَلَى الصَّغِيرِ بَيْعَ مَا وَرِثَهُ الصَّغِيرُ عَنْ أَبِيهِ، الْعَقَارُ، وَالْمَنْقُولُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ وَالْأُمُّ حَالَ حَيَاتِهَا لَا تَمْلِكُ بَيْعَ مَا وَرِثَهُ الصَّغِيرُ الْمَنْقُولُ وَالْعَقَارُ الْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ وَالْخَالِي عَنْهُ فَكَذَلِكَ وَصِيُّهَا، وَأَمَّا مَا وَرِثَهُ الصَّغِيرُ مِنْ الْأُمِّ فَلِوَصِيِّهَا فِيهِ بَيْعُ الْمَنْقُولِ دُونَ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ، أَمَّا إذَا كَانَ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا فَلَهُ بَيْعُ الْكُلِّ وَدَخَلَ بَيْعُ الْعَقَارِ تَحْتَ وِلَايَتِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ طَرِيقُ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ دَخَلَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا يَبِيعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَأَمَّا بَيْعُ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَارِّ، وَهَذَا الْجَوَابُ بِعَيْنِهِ هُوَ الْجَوَابُ عَنْ وَصِيِّ الْأَخِ وَالْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ عَلَى الصَّغِيرِ فِي الْمَالِ فَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِلْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ (وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ الْجَدِّ إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ إلَخْ.

[فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ]
(فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالْوَصِيَّةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا لِعَدَمِ عَرَاقَتِهَا فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ) ظَاهِرٌ.

(10/511)


مُعَيَّنًا لِأَنْفُسِهِمَا. قَالَ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ فِي الْقِيَاسِ كَالْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التُّهْمَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً أَوْ ضَمَّ آخَرَ إلَيْهِمَا بِرِضَاهُ بِدُونِ شَهَادَتِهِمَا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ، أَمَّا الْوِصَايَةُ تَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إلَخْ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنَصِّبَ عَنْ الْمَيِّتِ وَصِيًّا آخَرَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إذَا تَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْوَصِيِّ لَكِنَّ الْمُوصَى إلَيْهِمَا مَتَى شَهِدَا بِذَلِكَ كَانَ مِنْ زَعْمِهِمَا أَنَّهُ لَا تَدْبِيرَ لَنَا فِي هَذَا الْمَالِ إلَّا بِالثَّالِثِ، فَأَشْبَهَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيٌّ وَهُنَاكَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَمَعْنَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ إسْقَاطُ مُؤْنَةِ التَّعْيِينِ،

(10/512)


قَالَ (وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ) مَعْنَاهُ إذَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُنْكِرُ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِنَصْبِ حَافِظٍ لِلتَّرِكَةِ.
(وَلَوْ شَهِدَا) يَعْنِي الْوَصِيَّيْنِ (لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُمَا يُظْهِرَانِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ.
قَالَ (وَإِنْ شَهِدَ لِوَارِثٍ كَبِيرٍ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَالِ الْمَيِّتِ جَازَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إنْ شَهِدَا لِوَارِثٍ كَبِيرٍ تَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي التَّرِكَةِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَعَرِيَتْ عَنْ التُّهْمَةِ. وَلَهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمَا وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَوِلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهَا فِي غَيْرِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ وَصِيِّ الْأَبِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا.
قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَالْوِصَايَةُ تَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ.
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا لَوْ شَهِدَا يَعْنِي الْوَصِيِّينَ إلَخْ) وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ) جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ. وَالثَّانِي: مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ التَّرِكَةِ كَالشَّهَادَةِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ. وَالثَّالِثُ: مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَا لِرَجُلَيْنِ بِجَارِيَةٍ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ. وَالرَّابِعُ: وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا هُوَ أَنْ يَشْهَدَا لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَمَبْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى تُهْمَةِ الشَّرِكَةِ، فَمَا تَثْبُتُ فِيهِ التُّهْمَةُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَهُوَ الثَّانِي وَالرَّابِعُ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ التُّهْمَةُ قُبِلَتْ كَالثَّالِثِ

(10/513)


أَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ لِلْآخَرِ بِوَصِيَّةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ تَجُزْ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا. وَأَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الْقَبُولِ أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ، وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ. وَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إذْ الذِّمَّةُ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُثْبِتَةً حَقَّ الشَّرِكَةِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ، بِخِلَافِ حَالِ حَيَاةِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ لِبَقَائِهَا لَا فِي الْمَالِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ.
قَالَ (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِجَارِيَتِهِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِعَبْدِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ) لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ.
(وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْأَوَّلَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِعَبْدٍ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلْأَوَّلَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ. .