المبسوط للسرخسي دار المعرفة

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الرَّهْنِ]
ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ مَتَاعًا فَقَالَ بِعْهُ أَوْ ارْهَنْ بِهِ لِي فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِارْتِهَانِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْتَهِنَ رَهْنًا هُوَ مِثْلُ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلُّ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ التَّقْيِيدَ

(19/77)


يَحْصُلُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ وَلَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَرْتَهِنْ بِهِ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْآمِرَ قَيَّدَ التَّوْكِيلَ بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ وَهُوَ الِارْتِهَانُ بِالثَّمَنِ لِيَكُونَ حَقُّهُ مَضْمُونًا وَلِيَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُ الثَّوَاءِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا فَإِذَا بَاعَهُ وَلَمْ يَرْتَهِنْ بِهِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.
كَمَا لَوْ قَالَ بِعْهُ وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ وَارْتَهِنْ أَمْرٌ مُبْتَدَأٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ.
كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ وَأَشْهِدْ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاوَ بِمَعْنَى الْحَالِ أَيْ بِعْهُ فِي حَالِ مَا تَرْتَهِنُ بِالثَّمَنِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ وَارْتَهِنْ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِمَا يَسْتَبِدُّ بِهِ وَذَلِكَ بِرَهْنٍ مَشْرُوطٍ فِي الْبَيْعِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ حَقًّا لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْهُ بِشَرْطِ أَنْ تَرْتَهِنَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا وَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لَازِمًا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ ذُكِرَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ بِعْهُ بِرَهْنِ ثِقَةٍ فَارْتَهَنَ رَهْنًا أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الِارْتِهَانَ هُنَا بِأَنْ يَكُونَ ثِقَةً وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ فِي مَالِيَّتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ إلَّا أَنَّ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ عَفْوًا
قَالَ وَإِنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا ثِقَةً وَقَبَضَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ جَازَ رَدُّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَالِارْتِهَانُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَحَقُّ الْقَبْضِ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ كَانَ صَحِيحًا فَإِذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ بِسَبَبٍ كَانَ صَحِيحًا أَيْضًا وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا قِيلَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ رَدُّ الرَّهْنِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ فَيَمْلِكُهُ قَالَ وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ كَوْنَ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ الْوَكِيلِ سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ الرَّهْنَ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْآمِرُ بِيَدِ الْوَكِيلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ قَبْضُ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِ الْعَدْلِ أَوْ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَرِضَاهُ مُعْتَبَرٌ فِي مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْقَرْضِ بِرَهْنٍ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا

قَالَ وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ ائْتِ بِهَا فُلَانًا وَقُلْ لَهُ إنَّ فُلَانًا أَقْرَضَك هَذِهِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ بِهَا رَهْنًا وَأَمَرَنِي أَنْ أَقْبِضَ الرَّهْنَ مِنْك فَآتِيه بِهِ فَفَعَلَ وَقَبَضَ الرَّهْنَ فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ مَقْبُوضٌ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ رَسُولًا حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يُضِيفَ مَا يَقُولُ لَهُ إلَى الْآمِرِ وَقَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَلَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ إلَّا تَبْلِيغَ الرِّسَالَةِ فَأَمَّا شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ فَكَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَقْبِضَ الرَّهْنَ مِنْ

(19/78)


الْوَكِيلِ وَأَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَقْرِضَ بِدَيْنِهِ إلَّا أَنَّ الرَّهْنَ يَتِمُّ بِقَبْضِ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُرْسِلِ فِي قَبْضِهِ لِنَائِبِهِ فَتَمَّ الرَّهْنُ بِقَبْضِهِ وَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ وَإِنْ قَالَ اقْرِضْ أَنْتَ وَخُذْ بِهَا رَهْنًا لَمْ يَكُنْ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ كَانَ وَكِيلًا لَا رَسُولًا فَقَدْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ وَإِنَّمَا رَضِيَ الْمُسْتَقْرِضُ بِكَوْنِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ هَلَكَ مِنْ مَالِ نَفْسِ الْآمِرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فِيمَا صَنَعَ فَقَبْضُهُ كَقَبْضِ الْآمِرِ

قَالَ وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَوَكَّلَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِعَشَرَةٍ فَفَعَلَ وَقَبَضَ الْعَشَرَةَ فَإِنْ كَانَ قَالَ لِلَّذِي أَعْطَاهُ الْمَالَ إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك بِهَذَا الرَّهْنِ لِتُقْرِضَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَتَرْتَهِنَ هَذَا الثَّوْبَ مِنْهُ بِدَرَاهِمَ فَالدَّرَاهِمُ لِلْآمِرِ وَالْوَكِيلُ فِيهَا أَمِينٌ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ حِينَ أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَ الْآمِرِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلرَّسُولِ أَنْ يَسْتَرِدَّ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا يَكُونُ هَذَا مُطَالَبًا بِالْعَشَرَةِ وَإِنْ كَانَ قَالَ لِلْمُقْرِضِ أَقْرِضْنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَارْتَهِنْ هَذَا الثَّوْبَ مِنِّي فَالْعَشَرَةُ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ رَسُولًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ وَكِيلًا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَلْتَزِمُ بَدَلَ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ قَالَ بِعْ شَيْئًا مِنْ مَالِك عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ لِي لَا يَصْلُحُ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْتَزِمْ الْعَشَرَةَ فِي ذِمَّتِك عَلَى أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ لِي وَكَانَ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ قِيَاسَ التَّوْكِيلِ فَكَانَ بَاطِلًا وَالْعَشَرَةُ لِلْوَكِيلِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْآمِرِ وَإِنْ هَلَكَتْ مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ هَذَا الْخِلَافُ مِنْهُ لِلْآمِرِ وَإِنْ كَانَ قَالَ اسْتَقْرِضْ لِي مَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ فَاسْتِقْرَاضُهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَهَذَا تَقْيِيدٌ غَيْرُ مُفِيدٍ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ قُلْ لِفُلَانٍ يُقْرِضُنِي وَأَعْطِهِ هَذَا الثَّوْبَ بِرِسَالَتِي رَهْنًا عَنِّي فَأَضَافَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ كَانَ مُخَالِفًا ضَامِنًا لِلثَّوْبِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ جَعَلَهُ رَسُولًا وَكِيلًا هُنَا فَيَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ لَهُ فِي إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نَفْسِهِ

قَالَ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَبْدًا فَقَالَ لَهُ ائْتِ فُلَانًا وَقُلْ لَهُ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَيَرْهَنُك هَذَا الْعَبْدَ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْأَلْفَ وَأَعْطَاهَا الْآمِرَ ثُمَّ جَاءَهُ بِالْمَالِ فَأَمَرَ الرَّاهِنَ فَقَضَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ رَبُّ الْعَبْدِ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ فِيمَا صَنَعَ كَانَ رَسُولًا وَقَدْ انْتَهَتْ الرِّسَالَةُ بِالتَّبْلِيغِ فَيَكُونُ هُوَ فِي اسْتِرْدَادِ الْعَبْدِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَإِرْسَالُهُ بِالْمَالِ عَلَى يَدِهِ لَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ لَهُ بِقَبْضِ الْعَبْدِ فَإِنْ قَبَضَ الْعَبْدَ فَعَطِبَ

(19/79)


عِنْدَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ فَلِلْمَالِكِ الْخِيَارُ يَضْمَنُ أَيَّهمَا شَاءَ قِيمَتُهُ بَالِغَةٌ مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ وَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمُرْتَهِنُ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِهَذَا شَيْئًا وَلَكِنَّ صَاحِبَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقِيمَةَ الْقَابِضَ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا قَضَاهُ وَجَعَلَ الرَّهْنَ تَأَدِّيًا فَيُسْقِطُ الدَّيْنَ بِهِ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ مَا قَضَاهُ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ غَصَبَ الْمَرْهُونَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ غَاصِبٌ فَلِلرَّاهِنِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ تَأَدِّيًا فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَإِنْ قَضَاهُ دَيْنَهُ اسْتَرَدَّهُ مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ ثَوْبًا لَهُ بِدَرَاهِمَ قَرْضًا فَذَهَبَ الْوَكِيلُ فَقَالَ إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك اقْبِضْ هَذَا الثَّوْبَ رَهْنًا وَأَعْطِهِ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَزَادَ عَلَى مَا سَمَّى لَهُ أَوْ نَقَصَ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْمُقْرِضُ لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ رَهْنًا فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ خَالَفَ أَمْرَهُ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَضَرُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إنْ نَقَصَ عَمَّا سَمَّى لَهُ فَمَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَحْصُلْ وَلَمْ يَرْضَ هُوَ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ مَضْمُونًا بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا سَمَّى لَهُ فَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِأَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ مَحْبُوسًا عِنْدَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ فَإِنْ جَاءَ الْوَكِيلُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِدَرَاهِمَ مِثْلِ مَا سَمَّى لَهُ فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ فَهُوَ دَيْنٌ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ مُسْتَقْرِضًا لِنَفْسِهِ وَإِنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمُوَكِّلَ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَا يَكُونُ الثَّوْبُ رَهْنًا بِهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ رَهْنًا عِنْدَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ وَالْوَكِيلُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ كَانَ مُخَالِفًا فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ رَهْنًا وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِمَا قَبَضَ مِنْهُ وَالْوَكِيلُ ضَامِنٌ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَارَ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَفْسِهِ أَوْ كَالْقَابِضِ لِمَا لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ صَدَّقَهُ فِي الرِّسَالَةِ فَالْوَكِيلُ مُؤْتَمَنٌ إنْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِلْمُرْتَهِنِ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ بَلْ هُوَ مُؤَدٍّ لِلرِّسَالَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَمِينٌ فِي الْمَقْبُوضِ وَإِنْ قَالَ دَفَعْتهَا إلَى رَبِّ الثَّوْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ رَبِّ الثَّوْبِ بِزَعْمِ أَنَّ الرَّسُولَ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا فَلِهَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ إنَّمَا أَمَرْتنِي أَنْ أَرْهَنَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك بِعَشَرَةٍ أَوْ بِعِشْرِينَ فَفِي الْوَجْهَيْنِ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِرْسَالَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ مُقَيَّدًا بِصِفَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ هَذَا وَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَرْهَنَ لَهُ ثَوْبًا بِشَيْءٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَرْهَنُهُ فَمَا

(19/80)


رَهَنَهُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إذَا لَمْ يُقِمْ دَلِيلَ التَّقْيِيدِ فِيهِ وَدَلِيلُهُ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْعُرْفُ وَلَا عُرْفَ هُنَا فَالرَّهْنُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَادَةً قَالَ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالرَّهْنِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِهِ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالْمُوَكِّلُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ عَقْدِ الرَّهْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَالتَّوْكِيلُ بِالرَّهْنِ لَا يَعْدُو مَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ فَفِيمَا وَرَاءَ مُوجَبِ الْعَقْدِ الْوَكِيلُ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ قَالَ وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ جَازَ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ فِي إتْمَامِ الرَّاهِنِ بِهِ وَالتَّوْكِيلُ بِالْعَقْدِ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ بِمَا هُوَ مِنْ إتْمَامِهِ وَرُبَّمَا يَكُونُ كَوْنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَنْفَعُ لِلرَّاهِنِ مِنْ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلِهَذَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ فَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَرْهَنَهُ وَأَنْ يَرْهَنَهُ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يُسَلِّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَهُ عَلَى الْعُمُومِ وَهَذَا مِمَّا يُقْصَدُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ لِإِتْمَامِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْبَيْعِ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ قَالَ وَإِنْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا فَرَهَنَهُ فَلَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يُسَلِّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَكِيلٌ بِالرَّهْنِ مُطْلَقًا وَتَوْكِيلُ الْأَوَّلِ إيَّاهُ بِذَلِكَ عِنْدَ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَيْهِ عَلَى الْعُمُومِ بِمَنْزِلَةِ تَوْكِيلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ بِذَلِكَ قَالَ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ رَبُّ الثَّوْبِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَمُرَادُهُ أَنَّ تَفْوِيضَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ الْأَمْرَ إلَى الثَّانِي عَامِلًا لَا يُطْلَق لَهُ لِأَنَّ هَذَا يُسَوِّي غَيْرَهُ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَفْوِيضِ الْمُوَكِّلِ ذَلِكَ إلَيْهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَتَعَيَّنَ لَهُ دَرَاهِمَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَأَعْطَاهُ رَهْنًا يَرْهَنُهُ وَقَالَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَتَعَيَّنَ لِرَجُلٍ وَرَهَنَ لِرَجُلٍ فَإِنَّ الْعَيِّنَةَ لِلْمُوَكِّلِ وَبَيْعُ الْعَيِّنَةِ مَا وَرَدَ الْأَثَرُ بِالذَّمِّ فِيهِ إذَا اتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَقَعَدْتُمْ عَنْ الْجِهَادِ ذَلَلْتُمْ حَتَّى يُطْمَعَ فِيكُمْ وَتَفْسِيرُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ شَيْئًا فَأَبَى أَنْ يُقْرِضَهُ إلَّا بِرِبْحٍ وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ رِبًا فَيَبِيعُ الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ شَيْئًا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةِ عَشَرَ فَيَبِيعُهُ الْمُقْتَرَضُ بِعَشَرَةٍ فَسَلِمَ لَهُ مَقْصُودُهُ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَيَكُونُ لِلْمُقْرِضِ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّوْكِيلَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الشِّرَاءِ وَالرَّهْنِ وَفِعْلُ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا الْعَيِّنَةُ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنْ كَانَ قَالَ لِلْوَكِيلِ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى لِيُحَصِّلَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي هِيَ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ أَجَازَ صُنْعَهُ عَلَى الْعُمُومِ وَالْبَيْعُ مِنْ صُنْعِهِ

(19/81)


وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَمْلِكُ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْبَيْعَ بِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُسْتَصْنِعِ ذَلِكَ وَإِنْ حَلَّ الثَّمَنُ فَالْمَأْخُوذُ بِهِ هُوَ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِعَقْدِ الشِّرَاءِ قَابِضٌ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ مُطَالَبًا بِثَمَنِهِ فَإِذَا قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الرَّهْنَ وَيَكُونَ أَمِينًا فِيهِ إنْ هَلَكَ قَبْلَ رَدِّهِ عَلَى الْآمِرِ وَيَرْجِعُ بِمَا قَضَى بِهِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ شِرَاءَهُ أَوْجَبَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْآمِرِ وَقَدْ قَضَى مَا وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِمَا اسْتَوْجَبَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ ائْتِ فُلَانًا وَقُلْ لَهُ إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك بِعْنِي خَادِمَك فُلَانًا إلَى سَنَةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَبْلَغَهُ الْوَكِيلُ ذَلِكَ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت فَرَجَعَ الْوَكِيلُ إلَى الْآمِرِ فَأَبْلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ قَدْ قَبِلْت فَرَجَعَ الْوَكِيلُ إلَى الْبَائِعِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ قَدْ أَجَزْت فَقَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَرَجَعَ الْوَكِيلُ إلَى الْبَائِعِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ قَدْ أَجَزْت فَصْلَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَلْ يَتِمُّ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَعَلْت وَقَوْلِ الْمُرْسِلِ قَبِلْت لِأَنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بِلَفْظَيْنِ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَاضِي وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ
قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الصَّوَابَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْبَائِعَ وَإِنْ قَالَ قَدْ فَعَلْت مَا لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الْمُبَلِّغُ رَسُولًا يَقْبِضُهُ وَالْمُرْسَلُ الْأَوَّلُ لِيُبَلِّغَهُ فَإِذَا بَلَّغَهُ فَقَالَ قَدْ قَبِلْت يُوقَفُ هَذَا التَّبْلِيغُ عَلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ التَّبْلِيغُ بِإِجَازَتِهِ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي قَبِلْت فَلِهَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَالَ فَإِنْ قَبَضَ الْآمِرُ الْخَادِمَ فَالْمَالُ عَلَيْهِ إلَى سَنَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ كَانَ رَسُولًا فَبِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ يَخْرُجُ مِنْ الْوَسَطِ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُرْسِلَ عَبَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَتَبَ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَرْهَنَا لَهُ شَيْئًا بِكَذَا فَرَهَنَهُ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ فِي تَعْيِينِ مَنْ يَرْهَنُ عِنْدَهُ وَالْوَضْعُ عَلَى يَدَيْ مُرْتَهِنٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَقَدْ رَضِيَ الْآمِرُ أَيَّهمَا فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَإِنْ رَهْنَاهُ جَمِيعًا وَشَرَطَ لَهُ أَحَدُهُمَا بَيْعَ الرَّهْنِ جَازَ الرَّهْنُ لِاجْتِمَاعِ رَأْيِهِمَا فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْبَيْعِ حَتَّى إذَا بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَجُوزُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ قَدْ أَمَرَهُمَا بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَا قَالَا إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُك كَذَا فَأَقْرِضْهُ وَقَالَ أَحَدُهُمَا إنَّهُ قَدْ أَمَرَنَا أَنْ يَجْعَلَك مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ إذَا بَدَا لَك وَسَكَتَ الْآخَرُ فَلِلْمُقْرِضِ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّهُمَا كَانَا رَسُولَيْنِ وَالرَّسُولُ مُعَبِّرٌ عَنْ الْمُرْسِلِ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَلِهَذَا صَحَّ مَا بَلَّغَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ

(19/82)


كَانَا اسْتَقْرَضَا لَهُ الْمَالَ وَقَالَ أَحَدُهُمَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ لَمْ يَجُزْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا يَكُونَانِ مُسْتَقْرِضَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ وَإِذَا عَمِلَا لِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيطُ أَحَدِهِمَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُسَاعِدْهُ عَلَى ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا مُبَاشَرَتُهُمَا الْعَقْدَ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ وَهُوَ مَا رَضِيَ بِالتَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مِنْ جِهَتِهِ

قَالَ فَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَرْهَنَ لَهُ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ وَدَفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَى الْآمِرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ رَهْنًا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَرْهَنَهُ لَا بِأَنْ يَرْتَهِنَهُ وَإِذَا رَهَنَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ كَانَ مُرْتَهِنًا لَا رَاهِنًا وَهُوَ أَمِينٌ فِي هَذَا الثَّوْبِ وَالْقَبْضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ قَبْضُ ضَمَانٍ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ يَدَ ضَمَانٍ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ يَبْقَى أَمِينًا فِي الثَّوْبِ وَإِنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ فِي الثَّوْبِ شَيْئًا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ بَلْ هُوَ حَافِظٌ لِلثَّوْبِ وَبِذَلِكَ أُمِرَ وَالدَّرَاهِمُ قَرْضٌ لَهُ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ عِنْدَ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ لِهَذَا الرَّهْنِ فَهُوَ وَمَا لَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ عِنْدَ عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَهَذَا وَمَا لَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ سَوَاءٌ قَالَ وَلَوْ كَانَ رَهَنَهُ عِنْدَ ابْنِهِ وَهُوَ كَبِيرٌ أَوْ عِنْدَ مُكَاتَبِهِ أَوْ عِنْدَ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ مَعْنَاهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ رَهَنَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْإِضْرَارِ بِالْآمِرِ فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ هَؤُلَاءِ فَلِهَذَا صَحَّ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ عَبْدًا تَاجِرًا أَوْ غَيْرَ تَاجِرٍ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ صَبِيًّا فَإِنْ كَانَ قَالَ إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك أَقْرِضْنِي كَذَا وَامْسِكْ هَذَا رَهْنًا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ فَيَكُونُ صَالِحًا لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَإِنْ كَانَ قَالَ أَقْرِضْنِي وَامْسِكْ هَذَا رَهْنًا لَمْ يَجُزْ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ لِأَنَّهُمَا يَكُونَانِ مُسْتَقْرِضَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا وَالْإِقْرَاضُ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الضَّمَانَ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَجَازَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ التَّاجِرَ يَمْلِكَانِ الِاسْتِقْرَاضَ وَإِنْ كَانَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِقْرَاضَ

قَالَ وَلَوْ كَانَ تَاجِرًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَرَهَنَهُ فَإِنْ قَالَ لَهُ اقْرِضْ فُلَانًا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا بَيْنَ مَوْلَاهُ وَبَيْنَ الْآمِرِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ وَإِنْ قَالَ أَقْرِضْنِي وَامْسِكْ هَذَا رَهْنًا لَمْ يَكُنْ رَهْنًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مَدْيُونًا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الدَّيْنُ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الرَّهْنِ فِي الثَّوْبِ

قَالَ وَإِذَا

(19/83)


وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَ أَنْ يَرْهَنَ لَهُ عَبْدًا ذِمِّيًّا بِخَمْرٍ أَوْ يَرْهَنَ لَهُ خَمْرًا بِدَرَاهِمَ فَإِنْ أَضَافَهُ الْوَكِيلُ إلَى الْآمِرِ وَأَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ صَحَّ لِأَنَّ صِحَّةَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَلَا يَصِيرُ الرَّسُولُ عَاقِدًا وَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ بَلَّغَهُ كِتَابًا كَتَبَ بِهِ الْآمِرُ سَوَاءٌ وَإِنْ قَالَ أَقْرِضْنِي لَمْ يَكُنْ رَهْنًا لِأَنَّهُ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَعْقِدُ عَلَى الْآمِرِ بِالْخَمْرِ اسْتِقْرَاضًا وَلَا رَهْنًا بِهَا بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَكُونَ مَضْمُونًا لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْخَمْرُ مَضْمُونَةً لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ

وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ ائْتِ فُلَانًا وَقُلْ لَهُ أَقْرِضْنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَامْسِكْ هَذَا الْعَبْدَ عِنْدَك رَهْنًا بِهَا فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ أَشْهَدَ أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَمْ يُبَلِّغْ ذَلِكَ الْوَكِيلَ حَتَّى رَهَنَ الْعَبْدَ فَإِنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ حَتَّى يُبْلِغَهُ وَهُوَ خَاطَبَهُ بِالْعَزْلِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَلَمَّا لَمْ يُبْلِغْهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ فَلِهَذَا جَازَ رَهْنُهُ وَإِنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِذَلِكَ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَرَهَنَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ يَعْنِي إذَا وَصَلَ إلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَظْهَرَ الْعَزْلُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ قَدْ أَبْلَغَهُ إخْرَاجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ قَبِلَ أَنْ يَرْهَنَهُ فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ قَالَ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْعَبْدِ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ سَلَّمَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلَ حَتَّى رَهَنَهُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ التَّصَرُّفِ خَرَجَ الْمَحَلِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ أَوْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا فِيهِ التَّصَرُّفَ الَّذِي فَوَّضَهُ إلَى الْوَكِيلِ فَيَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ حُكْمًا وَالْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بَلْ ثُبُوتُهُ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ رَهَنَهُ ثُمَّ افْتَكَّهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلَ حَتَّى رَهَنَهُ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ قَدْ تَمَّ بِمَا بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِانْفِكَاكِ لَا يَنْفَسِخُ رَهْنُهُ مِنْ الْأَصْلِ بَلْ يَتَقَرَّرُ حُكْمُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يُعْقَدُ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ فَكَانَ الْفِكَاكُ تَقْدِيرًا لَا فَسْخًا فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَرْهَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ بِبَيْعِهِ ثُمَّ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَ بَيْعُهُ مِنْ الْأَصْلِ بِسَبَبٍ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ لَمْ يَتِمَّ بِمَا صَنَعَ وَلِأَنَّ بِانْفِسَاخِهِ مِنْ الْأَصْلِ صَارَ ذَلِكَ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ الْآمِرُ آخَرَ بِرَهْنِهِ فَرَهَنَهُ فَقَدْ خَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ لَهُ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ
وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَهَنَهُ ثُمَّ وَكَّلَ الْمَوْلَى بِرَهْنِهِ رَجُلًا ثُمَّ افْتَكَّهُ الْمَوْلَى ثُمَّ رَهَنَهُ الثَّانِي فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَمَّا حَصَلَ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ عَرَفْنَا أَنَّ مَقْصُودَهُ إضَافَةَ التَّوْكِيلِ إلَى حَالِ

(19/84)


الْفِكَاكِ مِنْ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ حَضَرَ الْوَكِيلُ فِي وَقْتٍ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَرْهَنَهُ فَإِذَا زَالَ تَمَكُّنُهُ مِنْ ذَلِكَ تَضَمَّنَ عَزْلَ الْوَكِيلِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَتَحْتُهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ صَارَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةُ مُضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ إحْدَاهُنَّ إذَا فَارَقَ إحْدَاهُنَّ ثُمَّ زَوَّجَهَا الْوَكِيلَ صَحَّ وَمِثْلُهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ التَّوْكِيلِ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ وَاَلَّذِي يُوَضِّح الْفَرْقَ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ مَا رَهَنَهُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ بِمَا صَنَعَهُ بَعْدَ التَّوْكِيلِ عَزْلُ الْوَكِيلِ بِهِ

قَالَ وَإِذَا رَهَنَ الْوَكِيلُ عَبْدًا لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ أَنَّهُ نَاقَضَ الْمُرْتَهِنَ أَوْ أَجَّرَهُ إيَّاهُ أَوْ بَاعَهُ فَالْإِجَارَةُ وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ تَصَرُّفًا سِوَى الْمَأْمُورِ بِهِ أَمَّا مُنَاقَضَةُ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ قَالَ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُك وَقَدْ رَهَنَك هَذَا فَمُنَاقَضَتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ خَرَجَ مِنْ الْوَسَطِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ فَمُنَاقَضَتُهُ كَمُنَاقَضَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَكُونُ بَاطِلًا وَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْعَبْدِ إنْ قَبَضَهُ عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ هُوَ أَوْ الرَّاهِنَ فَالْمُنَاقَضَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَالْحَاجَةُ فِي الْمُنَاقَضَةِ إلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَدَّ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ فَإِذَا صَحَّتْ مُنَاقَضَتُهُ كَانَ هُوَ مُؤْتَمَنًا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحَقٍّ وَعَادَتْ يَدُهُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ ثَانِيَةً لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالشَّيْءِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُكَرِّرَهُ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَمُنَاقَضَةُ الرَّهْنِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْحَالِ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ ثُمَّ كَتَبَ عَلَيْهِ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّهُ رَهَنَهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا كَتَبَ الشِّرَاءَ سُمْعَةً فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا لَا يَكُونُ رَهْنًا وَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فِيمَا أَظْهَرَ وَجَعَلَ مِلْكَهُ فِي الْعَيْنِ بِعَرْضِ الْهَلَاكِ بِمَا كَتَبَ بِهِ مِنْ حُجَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَصَرُّفٍ بَاطِنُهُ كَظَاهِرِهِ وَقَدْ أَبَى بِتَصَرُّفِ بَاطِنِهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ فَصَارَ ضَامِنًا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ هَذَا ظَاهِرًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَعْقِدُونَ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ مُطْلَقًا فَيَمْلِكُ بِهِ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ وَالضَّرَرُ الْمَوْهُومُ الَّذِي قُلْنَا فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ قَدْ انْدَفَعَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ رَهْنٌ وَلَيْسَ بِشِرَاءٍ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَهَنْته عِنْدَ فُلَانٍ وَقَبَضْت مِنْهُ الْمَالَ وَهَلَكَ وَدَفَعْت إلَيْهِ الْعَبْدَ وَإِنَّمَا قُلْت لَهُ أَقْرِضْ فُلَانًا فَإِنَّهُ أَرْسَلَنِي إلَيْك بِذَلِكَ وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَقْبِضْ هَذَا الْقَرْضَ وَلَمْ يَرْهَنْ الْعَبْدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْمَالَ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ يَجِبُ لِلْمُقْرِضِ عَلَى الْآمِرِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ كَمَا لَوْ عَايَنَا هَذَا

(19/85)


التَّصَرُّفَ فَإِنَّمَا حَصَلَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِوُجُوبِ الْمَالِ لِلْمُقْرِضِ عَلَى الْآمِرِ وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فِي إلْزَامِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّطَهُ عَلَى مَالِ عَيْنٍ بِقَبْضِهِ لَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ بِخَبَرِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِإِنْكَارِهِ مَعَ يَمِينِهِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ الَّذِي اسْتَقْرَضَ الْمَالَ هُوَ الَّذِي أَقْرَضَ الْعَبْدَ وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ رَبُّ الْعَبْدِ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا عَلَيْهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِالْمَالِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ قَدْ رَضِيَ بِأَنْ يَرْهَنَهُ بِمَا يَسْتَقْرِضُهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُعِيرِ لِلْعَبْدِ مِنْهُ لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ وَإِعَارَةُ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ صَحِيحَةٌ

قَالَ وَإِذَا أَذِنَ الْوَكِيلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي رُكُوبِ الرَّهْنِ وَاسْتِخْدَامِهِ فَفَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالتَّوْكِيلِ بِالرَّهْنِ فَإِذْنُهُ فِيهِ وَإِذْنُ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ سَوَاءٌ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَعْمِلًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ صَحِيحٍ فَلِهَذَا كَانَ ضَامِنًا قَالَ وَطَعَامُ الرَّهْنِ وَعَلَفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ اسْتَقْرَضَ الْمَالَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى صَارَ قَاضِيًا لِدَيْنِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ بِمِثْلِهِ فَلِهَذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعَارِ لِلِانْتِفَاعِ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَاكَ لِلْمُسْتَعِيرِ دُونَ الْمُعِيرِ فَيُقَالُ إمَّا أَنْ تُنْفِقَ لِيُنْتَفَعَ بِهِ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ لِيُنْفِقَ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ الْمَكَانُ وَأَجْرُ رَعْيِ الْغَنَمِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ بِخِلَافِ أَجْرِ الْحَافِظِ فَإِنَّ الْحِفْظَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ أَجْرُ الْحَافِظِ عَلَيْهِ وَالْمَكَانُ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ عَلَيْهِ أَيْضًا فَأَمَّا الرَّعْيُ فَلَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَكُونُ أَجْرُ الرَّاعِي عَلَيْهِ أَيْضًا فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي قَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ]
ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ أَمَانَةٍ لَهُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ ذُو الْيَدِ قَدْ دَفَعْتهمَا إلَى الْمُوَكِّلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ الْوَكِيلِ إيَّاهُ بِالرَّدِّ كَمُطَالَبَةِ الْمُوَكِّلِ وَدَعْوَى الْأَمِينِ الرَّدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ مَقْبُولَةٌ لِأَنَّهُ سُلِّطَ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ مُجْبَرٌ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْرَائِهِ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَنْ الْغَيْرِ حَتَّى إذَا ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الْوَكِيلِ وَحَلَفَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنْ إذَا جَحَدَ وَحَلَفَ

وَإِنْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ وَدِيعَةً فَقَبَضَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَأَمَانَتِهِمَا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ

(19/86)


الْآخَرِ جَازَ لِأَنَّهُمَا امْتَثَلَا أَمْرَهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ لِيَحْفَظَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ وَلَمَّا اسْتَحْفَظَهُمَا عَلَى عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِتَرْكِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ صَاحِبِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ هَذَا فِيمَا يَطُولُ وَهُوَ اسْتِدَامَةُ الْحِفْظِ فَأَمَّا فِي ابْتِدَاءِ الْقَبْضِ فَيَتَحَقَّقُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلِهَذَا لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَكَمَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُودِعَهُ مِنْ الْآخَرِ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يُودِعَاهُ عِيَالَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ يَدَ عِيَالِ الْمُودِعِ فِي الْحِفْظِ كَيَدِ الْمُودِعِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ وَاحِدًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَرْءَ إنَّمَا يَحْفَظُ الْمَالَ بِيَدِ عِيَالِهِ عَادَةً وَإِنْ وَكَّلَ بِقَبْضِهِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَى الْوَكِيلَيْنِ لِأَنَّ الْحِفْظَ يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ لِتَفَاوُتِهِمْ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ بِوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ وَصَارَ تَسْلِيمُ الْمُودِعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ هَذَا التَّوْكِيلِ كَتَسْلِيمِهِ قَبْلَهُ فَكَانَ الْمُودِعُ ضَامِنًا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى الْوَكِيلَيْنِ فَحِينَئِذٍ وُصُولُهُ إلَى يَدِهِمَا كَوُصُولِهِ إلَى يَدِ الْوَكِيلِ فِي بَرَاءَةِ الدَّافِعِ لَهُ عَنْ الضَّمَانِ

وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ وَدِيعَتِهِ فَقَبَضَ بَعْضَهَا جَازَ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ قَدْ تَكُونُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ كُلِّهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيُحْتَاجُ إلَى أَنْ يَحْمِلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي قَبْضِ الْوَكِيلِ بَعْضَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْبِضَهَا إلَّا جَمِيعًا فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَهَا أَوْ يَصِيرَ ضَامِنًا لَهُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَيَّدَ أَمْرَهُ وَنَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ إلَّا بِصِفَةٍ فَكُلُّ قَبْضٍ لَا يَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَهُوَ قَبْضٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَكَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ وَإِنْ قَبَضَ مَا بَقِيَ قَبْلَ أَنْ يَهْلَكَ الْأَوَّلُ جَازَ الْقَبْضُ عَنْ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ الْكُلُّ عِنْدَ الْوَكِيلِ وَانْدَفَعَ ضَرَرُ التَّفْرِيقِ عَنْ الْمُوَكِّلِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَ الْكُلَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِعَبْدٍ لَهُ يَدْفَعُهُ إلَى فُلَانٍ وَدِيعَةً فَأَتَاهُ فَقَالَ إنَّ فُلَانًا اسْتَوْدَعَكَ هَذَا فَقَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ فَهَلَكَ فَلِرَبِّ الْعَبْدِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ حِينَ أَضَافَ الْإِيدَاعَ إلَى الْآمِرِ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ رَسُولًا وَتَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ يُخْرِجُ فَكَانَ هُوَ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَصِيرُ الْمُودِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ غَاصِبًا وَهُوَ بِالْقَبْضِ كَذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ وَلَوْ قَالَ لَهُ الْوَكِيلُ قَدْ أَمَرَك فُلَانٌ أَنْ تَسْتَخْدِمَهُ أَوْ تَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَفَعَلَ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فَالْمُسْتَوْدِعُ ضَامِنٌ إنْ كَانَ كَذَّبَ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ بِاسْتِعْمَالِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَوْ بِدَفْعِهِ إلَى غَيْرِهِ يَصِيرُ غَاصِبًا وَلَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَد مِنْهُ فِعْلٌ مُتَّصِلٌ بِالْعَيْنِ إنَّمَا غَرَّهُ بِخَبَرِهِ أَوْ أَخْبَرَهُ زُورًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ هَذَا الطَّرِيقُ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَأُخِذَ مَتَاعُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُخْبِرُ شَيْئًا

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ عِنْدَ فُلَانٍ

(19/87)


أَوْ عَارِيَّةٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ فَقَدْ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْوَارِثِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَارِثِ الرِّضَا بِقَبْضِهِ وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ قَدْ كُنْتُ قَبَضْتُهَا فِي حَيَاتِهِ وَهَلَكَتْ عِنْدِي أَوْ دَفَعْتُهَا إلَى الْمَيِّتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَوْ ادَّعَى هُنَا الرَّدَّ عَلَى الْوَكِيلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْوَكِيلُ فَإِذَا صَدَّقَهُ أَوْلَى وَفِي الدَّيْنِ لَوْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَجَحَدَ الْوَكِيلُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ إذَا صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَكِيلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْوَارِثِ فَتَصْدِيقُهُ كَتَكْذِيبِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ عَبْدَ رَجُلٍ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ مَا اعْتَرَضَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ فَلَا يُنَافِي بَقَاءَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَقُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً كَانَ لِلْمُسْتَوْدِعِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَبْدِ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ وَحِفْظُ الشَّيْءِ بِإِمْسَاكِ عَيْنِهِ فِي حَالِ قِيَامِهِ وَبَدَلِهِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَلِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْعَبْدِ وَالْقَاتِلُ جَانٍ عَلَى حَقِّهِ بِتَفْوِيتِ يَدِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَيْسَ لِلْمُودِعِ أَخْذُ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مُودِعٌ فِي الْعَيْنِ فَتَتَعَذَّرُ وِلَايَتُهُ عَلَى الْعَيْنِ وَلَا تَتَعَدَّى إلَى مَحَلٍّ آخَرَ فَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً بِمِلْكِ أَحَدٍ يَجُوزُ لَهُ اسْتِرْدَادُهَا فَأَمَّا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي الْقِيمَةِ ثُمَّ فَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بَيْنَ الْمُودِعِ وَالْوَكِيلِ قَالُوا لَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقْبِضَ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِي الْقَبْضِ وَإِنَّمَا أَنَابَهُ الْمُوَكِّلُ فِي قَبْضِ الْعَبْدِ دُونَ الْقِيمَةِ وَقَدْ يُخْتَارُ الْمَرْءُ بِقَبْضِ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ لِأَدَائِهِ فِي الْأَعْيَانِ دُونَ النُّقُودِ فَأَمَّا الْمُودِعُ فَقَدْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ ثَابِتَةٌ عَلَى الْعَيْنِ فَأَزَالَهَا الْقَاتِلُ بِجِنَايَتِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْقِيمَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ بِحُكْمِ يَدِهِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ قَبَضَ الْعَبْدَ ثُمَّ قُتِلَ عِنْدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ صَارَ مُودِعًا فِيهِ وَلَوْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَكِيلُ فَأَخَذَ الْمُسْتَوْدِعُ الْأَرْشَ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْأَرْشِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي قَبْضِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى قَبْضِ الْأَرْشِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدِعُ أَجَّرَهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْأَجْرَ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمَهْرَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَالِكَ إنَّمَا أَنَابَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي قَبْضِ الْعَبْدِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ نَائِبًا فِي قَبْضِ مَا انْقَلَبَ مِنْ الْعَيْنِ دَرَاهِمَ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ أَمَةٍ أَوْ شَاةٍ فَوَلَدَتْ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ عَيْنِهَا وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِالْوَكَالَةِ فَلَا يَسْقُطُ

(19/88)


عَنْ هَذَا الْجُزْءِ بِالِانْفِصَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ شَخْصٌ وَلَيْسَ بِجُزْءٍ ثُمَّ نَقُولُ الْوَلَدُ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَلَا يَبْقَى مَحْفُوظًا إلَّا مَعَ الْأُمِّ وَمَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ مِنْ هَذَا التَّوْكِيلِ صِيَانَةُ مَالِهِ فَلِهَذَا يَتَعَدَّى أَمْرُهُ إلَى مَا يَلِدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْأَرْشِ وَالْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَيَبْقَى مَحْفُوظًا مُنْفَصِلًا مِنْ الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَضَ الْمُنْفَصِلُ قَبْلَ الْوَكَالَةِ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ هُنَاكَ لَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ قَبْضَ الْوَلَدِ مَعَ الْأَصْلِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَنُصَّ فِي التَّوْكِيلِ عَلَيْهَا لِكَوْنِ الْوَلَدِ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّوْكِيلِ فَأَمَّا مَا يَنْفَصِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ الْمُوَكِّلُ يَعْلَمُ بِهِ لِيَنُصَّ فِي التَّوْكِيلِ عَلَى قَبْضِهِ فَلِهَذَا يَتَعَدَّى حُكْمُ الْآمِرِ إلَيْهِ وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدِعُ بَاعَ الثَّمَرَةَ فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ بِأَمْرِ رَبِّ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ لِأَنَّ ائْتِمَانَهُ إيَّاهُ فِي قَبْضِ الْبُسْتَانِ لَا يَكُونُ ائْتِمَانًا فِي قَبْضِ الدَّرَاهِمِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ فَإِنَّ ائْتِمَانَهُ إيَّاهُ فِي قَبْضِ الْبُسْتَانِ يَكُونُ ائْتِمَانًا فِي قَبْضِ الثِّمَارِ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْأَشْجَارِ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ قَبْضِهِ مِنْ الثِّمَارِ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ وَكَمَا لَا يَقْبِضُ ثَمَنَ الثِّمَارِ لَا يَقْبِضُ ثَمَنَ وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَلَا قِيمَتَهُ إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ

قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَوَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَاسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ وَقَبَضَ الْمُسْتَوْدِعُ مِثْلَهَا مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ فَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمِثْلَ لِأَنَّ الْمِثْلَ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِ الْعَيْنِ فَلَا يَتَعَدَّى إذْنُهُ إلَى عَيْنٍ أُخْرَى وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمِثْلَ لِأَنَّ رِضَاهُ بِأَمَانَتِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَقَدْ يُؤَدِّي الْإِنْسَانُ الْأَمَانَةَ مِنْ الْجِنْسِ وَالْقِيمَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْعَيْنِ فَائْتِمَانُهُ إيَّاهُ فِي الْعَيْنِ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَأَمَّا الْمِثْلُ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ فَائْتِمَانُهُ إيَّاهُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ يَقْتَضِي الِائْتِمَانَ فِي الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْيِينَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا يُفِيدُ دُونَ مَا لَا يُفِيدُ أَلَا تَرَى أَنَّ تَعْيِينَ النُّقُودِ فِي الْعُقُودِ مُعْتَبَرٌ فِي تَعْيِينِ جِنْسِ النَّقْدِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْقُدَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُدَهُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَهَذَا مِثْلُهُ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَكَلَهَا الْمُسْتَوْدِعُ أَمَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِثْلَهَا وَالْجَوَابُ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ وَفِيمَا اسْتَشْهَدَ لَهُ سَوَاءٌ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُوَكِّلُ ثُمَّ اسْتَوْدَعَهَا إيَّاهُ ثَانِيَةً لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِقَبْضِهَا عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ تَمَّ مَقْصُودُهُ فَانْعَزَلَ الْوَكِيلُ وَلِأَنَّ إيدَاعَهُ ثَانِيًا عَقْدٌ جَدِيدٌ وَالتَّوْكِيلُ بِاسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ بِحُكْمِ عَقْدٍ لَا يَتَعَدَّى

(19/89)


إلَى اسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ بِعَقْدٍ آخَرَ كَمَا لَا يَتَعَدَّى مِنْ عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ أُخْرَى وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَهَا الْوَكِيلُ أَوَّلًا وَدَفَعَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ اسْتَوْدَعَهَا الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ انْتَهَتْ بِاسْتِرْدَادِ الْوَكِيلِ إيَّاهَا فَكَانَ هُوَ فِي اسْتِرْدَادِهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِهَا مَا كَانَ عَامِلًا لِلْمُسْتَوْدِعِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَوْدَعُ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ مَكَّنَهَا بِالضَّمَانِ وَمَا رَضِيَ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ لَهُ وَحَالُهُمَا كَحَالِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ مَعَ الْأَوَّلِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا سَبَقَ

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَقَالَ اقْبِضْهَا الْيَوْمَ فَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا غَدًا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَتَوَقَّتُ بِالتَّوْقِيتِ فَإِذَا وَقَّتَهَا بِالْيَوْمِ انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ.
كَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا غَدًا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ ذِكْرُ الْيَوْمِ لَيْسَ لِتَوْقِيتِ الْوَكَالَةِ بَلْ لِلتَّعْجِيلِ فِي قَبْضِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ اقْبِضْهَا السَّاعَةَ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا بَعْدَ تِلْكَ السَّاعَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اقْبِضْهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا مَتَى شَاءَ فَقَوْلُهُ الْيَوْمَ سُكُوتٌ عَمَّا بَعْدَهُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ عَزْلًا عَمَّا كَانَ ثَابِتًا لَهُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ الْيَوْمَ بِيَدِكِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الْمَجْلِسِ فَقَوْلُهُ الْيَوْمَ لِمَدِّ حُكْمِ الْأَمْرِ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَدِ أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهَا وَلَوْ قَالَ اقْبِضْهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَقَبَضَهَا وَهُوَ غَيْرُ حَاضِرٍ جَازَ لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ اقْبِضْهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا سَوَاءٌ كَانَ فُلَانٌ حَاضِرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَقَوْلُهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ سُكُوتٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ فَيَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ اقْبِضْهَا بِشُهُودٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا تَقْبِضْهَا إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ هُنَاكَ نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ وَاسْتَثْنَى قَبْضًا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ وَكُلُّ قَبْضٍ لَا يَكُونُ بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَهُوَ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ لِعُمُومِهِ دُونَ الْإِذْنِ

قَالَ وَإِذَا قَبَضَ رَجُلٌ وَدِيعَةَ رَجُلٍ فَقَالَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ مَا وَكَّلْتُك وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَ الْمُسْتَوْدِعُ رَجَعَ بِالْمَالِ عَلَى الْقَابِضِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَإِنْ قَالَ هَلَكَ مِنِّي أَوْ دَفَعْتُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَهُوَ عَلَى التَّقْسِيمِ الَّذِي قُلْنَا إنْ صَدَّقَهُ الْمُسْتَوْدِعُ بِالْوَكَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمِنَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ لِمَا قُلْنَا

وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ دَابَّةٍ اسْتَعَارَهَا مِنْ رَجُلٍ فَقَبَضَهَا الْوَكِيلُ وَرَكِبَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا لِأَنَّ الْمَالِكَ إنَّمَا رَضِيَ بِرُكُوبِ الْمُسْتَعِيرِ دُونَ الْوَكِيلِ وَالرُّكُوبُ يَتَفَاوَتُ

(19/90)


فِيهِ النَّاسُ فَرُبَّ رَاكِبٍ يُرَوِّضُ الدَّابَّةَ رُكُوبُهُ وَالْآخَرُ يُتْلِفُ الدَّابَّةَ رُكُوبُهُ فَلِهَذَا كَانَ الْوَكِيلُ ضَامِنًا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ فِي الرُّكُوبِ مَا كَانَ عَامِلًا لَهُ وَلَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَتِهِ قَالُوا وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ بِحَيْثُ تَنْقَادُ لِلسُّوقِ مِنْ غَيْرِ رُكُوبٍ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْقَادُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ لَمَّا دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ لِيَأْتِيَ بِهَا الْمُسْتَعِيرَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَا تَنْقَادُ إلَّا بِالرُّكُوبِ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِرُكُوبِهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ وَكِيلًا بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ رُدَّ الْمُكَاتَبُ فِي الرِّقِّ فَقَبَضَهَا الْوَكِيلُ جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَبْدًا تَاجِرًا فَحَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ فِيمَا بَاشَرَ الْإِيدَاعَ بِنَفْسِهِ أَوْ الْمُعَامَلَةَ حَقُّ الْقَبْضِ إلَيْهِ بَعْدَ الْحَجْرِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ فَكَذَلِكَ يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ وَجَعَلَ لَهُ أَجْرًا مُسَمًّى عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا فَيَأْتِيَهُ بِهَا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ حَمْلُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ وَذَلِكَ عَمَلٌ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ دَيْنًا يَتَقَاضَاهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ لَهُ أَيَّامًا لِأَنَّ عَمَلَ التَّقَاضِي لَيْسَ بِمَعْلُومِ الْمِقْدَارِ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَجَعَلَ لَهُ أَجْرًا كَانَ فَاسِدًا إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ أَيَّامًا لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ

وَإِنْ وَكَّلَ الْوَصِيُّ وَكِيلًا بِدَفْعِ وَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ بِقَبْضِهِمَا كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ الْوَصِيَّ فِي التَّوْكِيلِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْهِبَةِ]
ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجُوزُ لِلْوَاهِبِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالتَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ تَجْزِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَإِذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فَيَقُومُ فِعْلُ الْوَكِيلِ فِيهِ مَقَامَ فِعْلِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْقَبْضِ وَالصَّدَقَةُ نَظِيرُ الْهِبَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّوْكِيلُ بِهِ يَصِحُّ وَإِذَا وُكِّلَ الْوَاهِبُ بِالتَّسْلِيمِ وَالْمَوْهُوبُ بِالْقَبْضِ وَقَامَا جَمِيعًا فَامْتَنَعَ وَكِيلُ الْوَاهِبِ مِنْ التَّسْلِيمِ فَخَاصَمَهُ وَكِيلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ صَاحِبَ الْعَيْنِ وَكَّلَهُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَأُجْبِرَ الْوَكِيلُ عَلَى دَفْعِهِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ فَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَ الْعَيْنَ لَا أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ فِعْلٍ فَإِنَّ وَكِيلَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ يُثْبِتُ عَلَيْهِ

(19/91)


أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ قَبَضَهُ وَكِيلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِنَفْسِهِ وَإِذَا ادَّعَى مُدَّعٍ فِي ذَلِكَ دَعْوَى لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْوَكِيلَيْنِ خَصْمًا فِي خُصُومَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمِينٌ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ وَالْأَمِينُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْأَمَانَةِ مَا لَمْ يُحْضِرْ صَاحِبَهَا

وَلَيْسَ لِوَكِيلِ الْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلًا بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِعَقْدِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْهِبَةُ تَبَرُّعًا مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَكَمَا بَاشَرَ عَقْدَ الْهِبَةِ وَسَلِمَتْ انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ وَالْتَحَقَ بِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِفَوَاتِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْعِوَضُ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِلْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ

قَالَ وَلَوْ أَرَادَ الْوَاهِبُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَهِيَ فِي يَدِ وَكِيلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ خَصْمًا لَهُ فِيهِ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ وَالْعِوَضُ مَقْصُودٌ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَالْقَبْضُ ثَابِتٌ مَحْضٌ فَانْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِقَبْضِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَقُولُ سَلِّمْ إلَيَّ مَا وَهَبْتَ لِفُلَانٍ وَلَا يَقُولُ مَا وَهَبْتَهُ لِي وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِقَبُولِ الْهِبَةِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ بِأَنْ يَقُولَ هَبْ لِفُلَانٍ كَذَا حَتَّى لَوْ قَالَ هَبْ لِي كَانَ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا قَالَ بِعْ مِنِّي لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْمُوَكِّلِ هُنَاكَ يُوجِبُ ضَمَانَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ وَلَيْسَ فِي عَقْدِ الْهِبَةِ ضَمَانُ الثَّمَنِ فَلِهَذَا جُعِلَ مُلْتَمِسًا الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْآمِرِ

قَالَ وَلَوْ وَهَبَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ شَيْئًا ثُمَّ وَكَّلَا رَجُلًا بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَا رَجُلَيْنِ أَوْ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَكِيلَيْنِ نَائِبٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ وَيَجُوزُ نِيَابَةُ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ وَعَنْ الِاثْنَيْنِ فَإِنْ دَفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَيْهِ أَوْ قَبَضَهَا مِنْ غَيْرِ دَفْعٍ جَازَ لِأَنَّهُمَا حِينَ وَكَّلَا هَذَيْنِ بِدَفْعِهَا فَقَدْ سَلَّطَا الْمَوْهُوبَ لَهُ عَلَى قَبْضِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْقَبْضِ عِنْدَ وُجُودِ التَّسْلِيطِ مِنْ الْوَاهِبِ تَصْرِيحًا أَوْ دَلَالَةً

قَالَ وَإِذَا وَهَبَ الذِّمِّيُّ لِلذِّمِّيِّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَوَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِقَبْضِهَا مُسْلِمًا أَوْ وَكَّلَ الْوَاهِبُ بِدَفْعِهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ مُسْلِمًا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ غَيْرُ مُمَلَّكٍ وَلَا يَتَمَلَّكُ بَلْ هُوَ نَائِبٌ فِي الْقَبْضِ أَمِينٌ فِي الْمَقْبُوضِ وَالْمُسْلِمُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ الذِّمِّيِّ أَمِينًا لَهُ فِي قَبْضِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجُلَيْنِ بِقَبْضِ الْهِبَةِ فَقَبَضَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِهَا وَكَذَلِكَ عِنْدَ دَفْعِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ بِدَفْعِهَا جَازَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ

(19/92)


يَقْبِضُهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَالَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَجَازَ صِفَةً عَلَى الْعُمُومِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صِفَتِهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَهَبَ الثَّوْبَ لِفُلَانٍ عَلَى عِوَضٍ يَقْبِضُهُ مِنْهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْعِوَضَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْهِبَةِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَإِنَّ اسْمَ الْعِوَضِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مِثْلَ الْمَوْهُوبِ أَوْ دُونَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِي تَقْيِيدِ مُطْلَقِ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَكِيلًا بِأَنْ يُعَوِّضَ وَلَمْ يُسَمِّهِ فَدَفَعَ عِوَضَهُ مِنْ عُرُوضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ مَا أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ مَجْهُولٌ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ لَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بِعْ شَيْئًا مِنْ مَالِي وَاسْتَبْدِلْ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ عَوِّضْ لَهُ مِنْ مَالِي مَا شِئْتَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَإِنْ قَالَ لَهُ عَوِّضْ عَنِّي مِنْ مَالِك عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهُ فَعَوَّضَهُ عِوَضًا جَازَ وَرَجَعَ بِمِثْلِهِ عَلَى الْآمِرِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ وَبِقِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاطِ الضَّمَانِ عَلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا مِنْهُ بِعِوَضٍ لَهُ مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ وَالْمُسْتَقْرِضُ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَجَهَالَةُ مَا يُعَوِّضُهُ هُنَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ التَّعْوِيضِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَتَعْيِينُهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الضَّمَانِ إذَا كَانَ الْمَضْمُونُ لَهُ وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ مَعْلُومَيْنِ وَالْعِوَضُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِقْرَاضِ إذَا كَانَ عِنْدَ الْإِقْرَاضِ مُعَيَّنًا مَعْلُومًا فَإِنَّ هُنَاكَ هُوَ فِي أَصْلُ التَّعْوِيضِ نَائِبٌ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْيِينَ إلَّا عَلَى وَجْهِ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ جَهَالَةِ الْجِنْسِ قَالَ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الضَّمَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَعَوَّضَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّعْوِيضَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ مُسْقِطًا عَنْهُ بِهَذَا التَّعْوِيضِ مَا هُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ فَإِنَّ الدَّيْنَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْآمِرِ هُنَاكَ فَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ ذِمَّتِهِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّي مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْمَدْيُونَ يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمُعَوِّضُ عَنْ الْهِبَةِ لَا يَمْلِكُ بِالتَّعْوِيضِ شَيْئًا فَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ

قَالَ وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي الرُّجُوعِ بِالْهِبَةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَيَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ عِنْدَ طَلَبِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ طَلَبِ وَكِيلِهِ لَهُ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِذَلِكَ لَمْ

(19/93)


يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُمَا وَكِيلَانِ بِالْقَبْضِ فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْمَوْهُوبِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكِيلَيْنِ بِالْقَبْضِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَقْبِضَ لَهُ دَيْنًا مِنْ فُلَانٍ فَيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ هِبَةً مِنْهُ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِشَيْئَيْنِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ ثُمَّ بِعَقْدِ الْهِبَةِ فِي الْمَقْبُوضِ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِمَا وَتَوْكِيلُهُ بِهِبَةِ دَيْنٍ يَقْبِضُهُ مِنْ مَدْيُونِهِ كَتَوْكِيلِهِ بِهِبَةِ عَيْنٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ فَيَصِحُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يُضِيفُهُ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ الْمَدْيُونُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِالدَّفْعِ يَكُونُ تَسْلِيطًا لِلْآخَرِ عَلَى الْقَبْضِ فَإِنْ قَالَ الْغَرِيمُ قَدْ دَفَعْتُ إلَيْهِ فَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ الْغَرِيمُ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الدَّفْعَ إلَى الْمَوْهُوبِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَاهُ الدَّفْعَ إلَى الْوَاهِبِ فَإِنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ الدَّفْعُ وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ مِنْهُ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَالَ الْغَرِيمُ قَدْ دَفَعَهُ إلَى الْوَكِيلِ وَقَالَ الْوَكِيلُ قَدْ دَفَعْتُهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَالْغَرِيمُ وَالْوَكِيلُ بَرِيئَانِ فَتَصْدِيقُ الْوَكِيلِ لِاخْتِيَارِهِ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَمِينِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ ادَّعَى ثُبُوتَ وُصُولِ شَيْءٍ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يُثْبِتُ بِقَوْلِهِ وُصُولَ الْهِبَةِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْوَاهِبُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَهَبُ مَا عَلَى مُكَاتَبِهِ لِرَجُلٍ وَيَأْمُرُ آخَرَ بِقَبْضِهِ وَدَفْعِهِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ فِي الْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ]
ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ عَلَى مَالِ أَوْ غَيْرِ مَالٍ فَلَهُ أَنْ يَعْتِقَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ نَفْسَكَ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الْعِتْقِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ وَوُجُوبُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ أَلَا تَرَى أَنَّ هُنَاكَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ وَهُنَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ الْوَكِيلِ مِثْلُ الْوَكَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهُ ثُمَّ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ هُنَا لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ وَإِنْ كَانَ بِمَالٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِهِ فِي عَبْدِ الْيَتِيمِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّبَرُّعِ نَائِبٌ مَحْضٌ وَأَنَّ الْمُعْتِقَ هُوَ الْمَوْلَى دُونَ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى

(19/94)


أَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى وَالشَّرْعُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُطَالِبُ بِقَبْضِ الْبَدَلِ مَنْ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ وَالْوَكِيلُ بِالْعِتْقِ لَا يَكُونُ مُطَالَبًا بِشَيْءٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ وَلَا يَكُونُ إلَيْهِ قَبْضُ الْبَدَلِ بَلْ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ نَائِبِهِ كَمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ فَدَبَّرَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ سِوَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ وَالْمَأْمُورِ بِالتَّنْجِيزِ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ وَلَا الْإِضَافَةَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا أَوْ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ قَبُولِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ آخَرَ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّبَرُّعِ الْمَحْضِ وَرُبَّمَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ مَقْصُودٌ يُفَوِّتُ ذَلِكَ بِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ وَهُوَ الْجَوَازُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ آخَرُ سِوَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ آخَرَ بِإِعْتَاقِهِ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّوْكِيلِ لَا يُثْبِتُ لِلْوَكِيلِ وِلَايَةَ تَوْكِيلِ الْغَيْرِ بِهِ فَإِنَّهُ يُسَاوِي تَأْثِيرَهُ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْعِتْقِ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ وَهُوَ إنَّمَا أَنَابَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْإِعْتَاقِ خَاصَّةً

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ غَدًا فَأَعْتَقَهُ الْيَوْمَ كَانَ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ أَضَافَ وَكَالَتَهُ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَهُ غَدًا جَازَ اسْتِحْسَانًا وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الْيَوْمِ التَّعْجِيلُ وَهُوَ لَا يُفْسِدُ الْوَكَالَةَ بِالْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَعْتِقْهُ السَّاعَةَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا بِعِتْقِهِ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ عَنْهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالِ أَوْ غَيْرِ مَالٍ أَوْ كَاتَبَهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَمُبَاشَرَةُ هَذَا الْعَقْدِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْعِبَادَةِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ أَلْبَتَّةَ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِ مَالٍ ثُمَّ دَبَّرَهُ الْمَوْلَى فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْلَى لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ لَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ بِجَعْلٍ أَوْ غَيْرِ جَعْلٍ فَلَمْ يَخْرُجْ الْمَحَلُّ بِتَصَرُّفِ الْمَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِمَا فَوَّضَهُ إلَى الْوَكِيلِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ أُمَّتَهُ فَوَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ وَلَدَهَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعِتْقِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَلَا يَمْلِكُ عِتْقَ شَخْصَيْنِ وَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْعِتْقِ لَيْسَتْ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ فِي الْأُمِّ وَإِنَّمَا يَسْرِي عَلَى الْوَلَدِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا فِي الْأُمِّ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لِلْوَلَدِ عَنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِهَذَا الْمَعْنَى وَالْكِتَابَةُ وَالْبَيْعُ عَلَى هَذَا فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِهِمَا لَيْسَ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ فِي الْأُمِّ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأُمِّ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ يَبِيعَهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى فَقَدْ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ بَعْدَ الْبَيْعِ

(19/95)


لَا يَمْلِكُ فِيهِ مُبَاشَرَةَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وَكَّلَ الْوَكِيلَ بِهِ فَإِقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ يَتَضَمَّنُ خُرُوجَ الْوَكِيلِ مِنْ الْوَكَالَةِ حُكْمًا فَإِنْ رَجَعَ إلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ وَكَانَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ كَانَ حُكْمًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ فَلَا يَظْهَرُ بَعْدَ عَوْدِ ذَلِكَ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ هُوَ تَمْلِيكٌ فَسَدَ مِنْ وَجْهٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ أَوْ بِالْإِقَالَةِ أَوْ الْمِيرَاثِ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ تَعَلُّقَهَا كَانَ بِذَلِكَ الْمِلْكِ وَالْعَائِدُ مَلَكَ غَيْرَ ذَلِكَ الْمِلْكِ قَالَ وَلَوْ بَاشَرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ فَأَدْخَلُوهُ دَارَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ وَلَوْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُمْ بِالثَّمَنِ أَوْ مِمَّنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ بِالْقِيمَةِ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ بِهَذَا الطَّرِيقِ يُعِيدُهُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَقَدْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُتَعَلِّقَةً بِذَلِكَ الْمِلْكِ فَإِذَا عَادَ عَادَتْ الْوَكَالَةُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ أُمَّتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارُ الْحَرْبِ فَأُسِرَتْ وَمَلَكهَا الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ عِتْقُ الْوَكِيلِ فِيهَا لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِإِزَالَةِ رِقٍّ كَانَ فِيهَا وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى وَهَذَا الْحَادِثُ رِقٌّ مُتَجَدِّدُ السَّبَبِ فَلَا يَكُونُ هُوَ وَكِيلًا بِإِزَالَتِهِ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مُسْتَأْنَفٍ

قَالَ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ أَعْتَقْتُهُ أَمْسِ وَجَحَدَ ذَلِكَ رَبُّ الْعَبْدِ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْعِتْقِ تَنْتَهِي بِالْفَرَاغِ مِنْهُ فَكَيْفَ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَلَيْسَ هُوَ بِوَكِيلٍ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْقَى بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْعِتْقِ مُعَبِّرٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ إنْشَاءَ الْعِتْقِ دُونَ الْإِقْرَارِ وَكَانَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ سِوَى الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُمْتَثِلًا لِلْآمِرِ وَيَبْقَى الْمَأْمُورُ عَلَى وَكَالَتِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ فَقَبِلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَبَى أَنْ يُعْتِقَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُعِيرٌ لِمَنَافِعِهِ وَالْمُعِيرُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى تَسْلِيمِ مَا أَعَارَهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ الْوَكِيلُ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْتَ فَقَالَ قَدْ شِئْتُ لَمْ يُعْتِقْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّنْجِيزِ وَقَدْ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةٍ أَوْ بِتَمْلِيكِ الْآمِرِ مِنْ الْعَبْدِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى وَكَالَتِهِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ صَحِيحًا مِنْهُ

قَالَ وَإِنْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الْعَبْدِ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ وَبِأَيِّ لَفْظٍ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ يَكُونُ كَقَوْلِهِ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ وَحَرَّرْتُكَ وَكَمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ يَحْصُلُ بِالْكِتَابِ أَيْضًا حَتَّى إذَا كَتَبَ بِعِتْقِهِ جَازَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَشْتَرِيه مُكَفِّرًا فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ يَصِيرُ بِهِ مُمْتَثِلًا

قَالَ وَإِنْ قَالَ لَهُ أَعْتِقْ

(19/96)


نَفْسَكَ بِمَا شِئْتَ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ عَلَى دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ إنْ رَضِيَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ تَفْوِيضَهُ فِي حَقِّ الْبَدَلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فَلَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ لِلْمَوْلَى يَبْقَى قَوْلُ الْعَبْدِ أَعْتَقْتُ نَفْسِي بِدِرْهَمٍ فَيُوقَفُ ذَلِكَ عَلَى رِضَا الْمَوْلَى بِهِ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ الْعَبْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْ نَفْسَكَ مِنْ نَفْسِكَ بِمَا شِئْتَ فَبَاعَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ ذَلِكَ إذَا رَضِيَ الْمَوْلَى بِهِ وَالطَّلَاقُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قِيَاسُ الْعِتْقِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ فِي الْبَدَلِ إلَى رَأْيِهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ الْمَوْلَى فِي قَبُولِ الْبَدَلِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ نَائِبًا فِي تَعْيِينِ جِنْسِ الْبَدَلِ وَمِقْدَارِهِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالِ فَأَعْتَقَهُ عَلَى دِرْهَمٍ جَازَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِي ثُبُوتِ التَّقْيِيدِ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى شَيْءٍ فَمَا أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرٌ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا هُنَاكَ يَتَقَيَّدُ مُطْلَقُ اللَّفْظِ بِالْبَيْعِ لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ وَلَا عُرْفَ هُنَاكَ فَإِنَّ الْإِعْتَاقَ بِغَيْرِ النُّقُودِ مِنْ الْأَمْوَالِ مُتَعَارَفٌ كَالْإِعْتَاقِ بِالنُّقُودِ فَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى أَيِّ صِنْفٍ مِنْ الْمَالِ يُسَمِّيهِ

وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْوَكِيلُ فِي جِنْسِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ الْبَدَلِ أَوْ فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ إلَّا مَا يُقِرُّ بِهِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى جَعْلٍ فَأَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ بِمَا صَنَعَ فَإِنَّ الْعِتْقَ بِالْخَمْرِ لَوْ بَاشَرَهُ الْمَالِكُ كَانَ عِتْقًا بِعِوَضٍ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمَالِيَّةِ فِي الْخَمْرِ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ فَكَذَلِكَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ لَوْ بَاشَرَهُ الْمَالِكُ كَانَ عِتْقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ إذْ لَيْسَ فِي الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ شُبْهَةُ الْمَالِيَّةِ فَبِتَسْمِيَتِهِ لَا يَصِيرُ مُمْتَثِلًا لِانْعِدَامِ الرِّضَا بِالْعِتْقِ مَجَّانًا وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِعِتْقٍ بِعِوَضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَالَ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى حُكْمِ الْعَبْدِ أَوْ عَلَى حُكْمِ الْوَكِيلِ جَازَ الْعِتْقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ لَوْ بَاشَرَهُ الْمُوَكِّلُ كَانَ عِتْقًا بِعِوَضٍ فَكَذَلِكَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ غَيْرَ أَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْعَبْدُ أَوْ الْوَكِيلُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَعِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَلَكِنْ لِاشْتِرَاطِ أَصْلِ الْمَالِ بِهَذَا اللَّفْظِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا بِالْعِتْقِ مَجَّانًا

قَالَ وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْهُ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَأَعْتَقَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ جَازَ الْعِتْقُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ حِينَ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِيمَا صَنَعَ وَقَدْ سَمَّى مَا هُوَ

(19/97)


مَالٌ وَهُوَ الْعَبْدُ فَإِذَا ظَهَرَتْ حُرِّيَّتُهُ تَبَيَّنَ بِهِ فَسَادُ التَّسْمِيَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى عَبْدٍ وَاسْتُحِقَّ جَازَ الْعِتْقُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُسْتَحَقِّ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرَ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ بِمَالٍ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ ثُمَّ حُكْمُ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حُكْمِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى جَعْلٍ فَأَعْتَقَهُ عَلَى شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ عَلَى دَنِّ خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَإِذَا الشَّاةُ مَيِّتَةٌ وَالْخَلُّ خَمْرٌ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ فِي الْخَمْرِ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَالْعِتْقُ بَاطِلٌ فِي الشَّاةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَيْتَةِ شُبْهَةُ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَصِيرُ بِهَا الْعِتْقُ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَفِيهَا شُبْهَةُ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ الْعِتْقُ بِعِوَضٍ عِنْدَ ذِكْرِ الْخَمْرِ فَلَيْسَ فِي تَسْمِيَةِ الشَّاةِ مَا يُوجِبُ اشْتِرَاطَ الْعِوَضِ لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمَذْبُوحَةَ بِخِلَافِ تَسْمِيَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ اسْمَ الْعَبْدِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَا هُوَ مَالٌ فَبِذِكْرِهِ يَثْبُتُ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ وَيَصِيرُ الْوَكِيلُ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ عَلَى جَعْلٍ فَأَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ جَازَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْعِتْقِ بِمَالٍ نَائِبٌ مَحْضٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ دَيْنُ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ وَهُوَ الْمَوْلَى كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَلِهَذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَالْكِتَابَةُ فِي هَذَا قِيَاسُ الْعِتْقِ بِالْجَعْلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْكِتَابَةِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ أَيْضًا

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَيَسْأَلَهُ لَهُ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ وَالْمَوْلَى فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَالْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَيْسَ عَلَى الْوَكِيلِ شَيْءٌ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْمَالَ عَلَى الْوَكِيلِ وَهَكَذَا أَجَابَ فِي الْجَامِعِ إلَّا أَنَّ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ وَيَسْأَلُهُ الْعِتْقَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ يَسْأَلُهُ لَهُ الْعِتْقَ فَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَقَوْلُهُ يَسْأَلُهُ الْعِتْقَ تَفْسِيرٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ وَبَيَانُ أَنَّهُ جُعِلَ رَسُولًا إلَى الْمَوْلَى وَالْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الرَّسُولِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُ الْعَبْدُ فَالْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ إنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْمُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَ هُنَا دُونَ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ بِجَعْلٍ يَكُونُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْآمِرِ

(19/98)


وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ كَالْوَكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ تَوْكِيلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ تَوْكِيلِهِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِغَيْرِهِ فَكَمَا أَنَّهُ هُنَاكَ يَصِيرُ الْمَطْلُوبُ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ فَكَذَلِكَ هُنَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فَإِنَّ الَّذِي فِي جَانِبِ الْمَوْلَى إعْتَاقٌ بِمَالٍ يَشْتَرِطُهُ وَاَلَّذِي فِي جَانِبِ الْعَبْدِ الْتِزَامُ الْمَالِ فَالْوَكِيلُ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى يَكُونُ وَكِيلًا بِالْإِعْتَاقِ فَكَانَ مُعَبِّرًا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ وَالْوَكِيلُ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ وَكِيلٌ بِالْتِزَامِ الْمَالِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِنْ الْبَيَانِ فَقَدْ أَمْلَيْنَاهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْكُلَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الْكُلُّ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَالثَّانِي أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَسْمِيَةُ النِّصْفِ غَيْرُ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ وَالْوَكِيلُ مَتَى زَادَ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَأَتَى بِغَيْرِهِ كَانَ مُخَالِفًا فَهُنَا الْمُوَكِّلُ أَمَرَهُ بِإِعْتَاقِ النِّصْفِ وَهُوَ قَدْ سَمَّى الْكُلَّ فَصَارَ مُخَالِفًا فَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْعِتْقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجْزِيءَ فَالتَّوْكِيلُ بِإِعْتَاقِ النِّصْفِ وَإِعْتَاقِ الْكُلِّ سَوَاءٌ وَيَكُونُ هُوَ مُمْتَثِلًا أَمْرَ الْمُوَكِّلِ فِي إعْتَاقِ الْكُلِّ فَلِهَذَا عَتَقَ كُلُّهُ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ كُلَّهُ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ عَتَقَ النِّصْفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ نِصْفَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَتَى بِبَعْضِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا فَيُعْتَقُ نِصْفُهُ وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ كُلُّهُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى جَعْلٍ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَأَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفٍ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُعْتَقُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ لِأَنَّ الْبَدَلَ الْمُسَمَّى مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً فَإِنَّ اسْمَ الْأَلْفِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَعْدُودٍ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ فَلَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عِتْقٍ بِغَيْرِ جَعْلٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا مِنْ الْوَكِيلِ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا فَقُلْنَا الْوَكِيلُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ بِنَفْسِهِ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى هَذَا كَانَ عِتْقًا بِعِوَضٍ وَكَانَ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا فَعَلَهُ وَهَذَا لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّسْمِيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ كَمَا أَنَّ مُطْلَقَ تَسْمِيَةِ النَّقْدِ مَعْرُوفٌ فَكَذَلِكَ مُطْلَقُ تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ مِثْلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ الْأَلْفِ هُوَ الْأَلْفُ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ هُوَ الْإِعْتَاقُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ فَصَارَ الثَّابِتُ بِالْعَادَةِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمُكَاتَبَ لِأَنَّهُ فِي الْعَقْدِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ فَلَا يَكُونُ إلَيْهِ مِنْ قَبْضِ الْبَدَلِ شَيْءٌ وَإِنْ دَفَعَهَا

(19/99)


إلَيْهِ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَبْرَأْ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ قَدْ انْتَهَتْ بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ فَكَانَ هُوَ فِي قَبْضِ الْبَدَلِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلِهَذَا لَا يَسْتَفِيدُ الْمُكَاتَبُ الْبَرَاءَةَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ الْمُقَيِّدُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّقْيِيدَ عِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى غَنَمٍ أَوْ صِنْفٍ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ الْمَوْزُونِ أَوْ مِنْ الْمَكِيلِ جَازَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُشْكِلُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا الِاخْتِصَاصُ بِالنَّقْدِ هُنَاكَ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ هُنَا فَالْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ النُّقُودِ مِنْ الْأَمْوَالِ مُتَعَارَفٌ وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَيْنِ لَهُ فَكَاتَبَ أَحَدَهُمَا جَازَ لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدَيْنِ يَبِيعُ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ فَكَذَلِكَ هُنَا قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً وَيَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَكَاتَبَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ تَرَكَ شَرْطًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا إنْ كَاتَبَهُمَا مَعًا فَكَانَ الْمُوَكِّلُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ كَالشَّارِطِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفَرِّقَ الْعَقْدَ فَإِذَا فَرَّقَ كَانَ مُخَالِفًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ بِرَهْنٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ رَهْنٍ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَفَالَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ كَفَالَةٍ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْهُ بِشُهُودٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ شُهُودٍ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَالْكَفَالَةَ إنَّمَا يَشْتَرِطَانِ فِي الْعَقْدِ وَيَصِيرُ مُسْتَحِقًّا بِالشَّرْطِ وَحَرْفُ الْبَاءِ لِلْوَصْلِ فَإِنَّمَا أَقَرَّ أَنْ يَصِلَ شَرْطَ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ بِالْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُخَالِفًا لِأَمْرِهِ فَأَمَّا الشُّهُودُ فَلَا يَتَحَقَّقُ اشْتِرَاطُهُمْ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَخْرُجُ هُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ الْمَوْلَى فَعَجَزَ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُكَاتِبَهُ لِأَنَّ مَا قَصَدَهُ الْمُوَكِّلُ بِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَتَكُونُ مُبَاشَرَتُهُ عَزْلًا لِلْوَكِيلِ ثُمَّ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ لَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ مِنْ الْأَصْلِ وَلَكِنْ تَرْتَفِعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ السَّبَبَ مَقْصُورٌ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ فَلِهَذَا لَا تَعُودُ وَكَالَةُ الْوَكِيلِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ أَوْ يَبِيعَهُ ثُمَّ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ فَعَلَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ مَا صَنَعَهُ الْوَكِيلُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ بِجِنَايَتِهِ لَا يَمْنَعُ الْمُوَكِّلَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ فَلَا يُوجِبُ عَزْلَ الْوَكِيلِ أَيْضًا وَابْتِدَاءُ التَّوْكِيلِ صَحِيحٌ بَعْدَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى ثُمَّ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ

(19/100)


لِأَنَّ التَّوْكِيلَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِفِعْلٍ مِنْهُ سَبَقَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ مِنْ الْمَوْلَى فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا وَلَكِنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْعَبْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ دَبَّرَهُ قَبْلَ جِنَايَتِهِ وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الزِّيَادَاتِ إلَى أَنَّ اسْتِمْرَارَ الْوَكَالَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ التَّوْكِيلِ لِكَوْنِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْعَزْلِ فَيَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ

وَلَوْ قَالَ بِعْ عَبْدِي هَذَا أَوْ كَاتِبْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ عَلَى مَالٍ فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ الْوَكِيلُ جَازَ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ التَّصَرُّفَاتِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ قَالَ كَاتِبْ عَبْدِي هَذَا أَوْ هَذَا فَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ أَيَّهمَا شَاءَ لِأَنَّ الْمَوْلَى خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ أَوْ فَإِنْ كَاتَبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ جَازَتْ مُكَاتَبَةُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِكِتَابَةِ أَحَدِهِمَا فَإِذَا كَاتَبَ الْأَوَّلَ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَاتَبَهُمَا مَعًا فَكِتَابَتُهُمَا بَاطِلَةٌ إذَا جَعَلَ النُّجُومَ وَاحِدَةً لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِمُكَاتَبَتِهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْعَقْدِ فِيهِمَا وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ تَعَيَّنَتْ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ النُّجُومَ وَاحِدَةً فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى يَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَ بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْبَسُ الْآخَرُ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا مُمْكِنٌ فَإِنَّ الْعَقْدَ مُتَفَرِّقً فَهُوَ فِي كِتَابَةِ أَحَدِهِمَا مُمْتَثِلٌ أَمْرَ الْمَوْلَى وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا وَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُعَبِّرٌ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ إلَيْهِ مِنْ خِيَارِ الْبَيَانِ شَيْءٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي حُكْمِ الْإِسْقَاطِ دُونَ التَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ حَقِّهِ مِنْ مِلْكِ الْيَدِ حَتَّى يَصِيرَ لِلْمُكَاتَبِ كَمَا أَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ إسْقَاطَ الْحَقِّ عَنْ أَصْلِ مِلْكِهِ لَأَنْ يَكُونَ تَمْلِيكًا مِنْ الْعَبْدِ وَالْجَهَالَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فِي التَّمْلِيكَاتِ لَا فِي الْإِسْقَاطَاتِ فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَيَّ هَاتَيْنِ فَزَوَّجَهُمَا مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَزْوِيجِ إحْدَاهُمَا وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلَا فِي إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ جَعَلَ النِّكَاحَ كَالْكِتَابَةِ فَقَالَ يَجُوزُ فِي إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ فَأَمَّا فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَهُمَا جَمِيعًا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِبَيْعِهَا

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ يَوْمَ السَّبْتِ قَدْ كَاتَبْتُهُ أَمْسِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ عَلَى كَذَا وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ

(19/101)


بِالْعَقْدِ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَإِنَّ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَدْ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ فَجُوِّزَ إقْرَارُهُ فَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ أَخْبَرَ بِمَا سَلَّطَهُ عَلَيْهِ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَهَذَا لِأَنَّ التَّوْقِيتَ مِنْ الْمَوْلَى كَانَ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ لَا فِي الْإِقْرَارِ بِهِ فَجُعِلَ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ كَأَنَّ التَّوْكِيلَ كَانَ مُطْلَقًا فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ كَانَ إقْرَارُهُ صَحِيحًا وَعَلَى هَذَا الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ وَكَّلَنِي أَمْسِ وَكَاتَبْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ وَقَالَ رَبُّ الْعَبْدِ إنَّمَا وَكَّلْتُكَ الْيَوْمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ التَّوْكِيلَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ التَّوْكِيلَ أَمْسِ وَإِذَا لَمْ يُثْبِتْ التَّوْكِيلَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَضَافَ الْوَكِيلُ مُبَاشَرَةَ الْعَقْدِ إلَيْهِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا وَلَوْ قَالَ أَيُّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ كَاتِبْهُ فَهُوَ جَائِزٌ فَأَيُّهُمَا كَاتَبَهُ جَازَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَنَّ الْوَكَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ وَالْجَهَالَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ فِيهَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَأَيُّهُمَا كَاتَبَهُ جَازَ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَأَبَى الْعَبْدُ أَنْ يَقْبَلَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي قَبُولِ ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ الْوَكِيلُ جَازَ لِأَنَّ بِإِبَاءِ الْعَبْدِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ الْوَكِيلِ عَنْ كِتَابَتِهِ وَإِذَا بَقِيَتْ الْوَكَالَةُ نَفَذَتْ الْكِتَابَةُ بِقَبُولِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ قَبِلَ فِي الِابْتِدَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ وَكَالَةِ الْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ فِيهِ]
قَالَ بَابُ وَكَالَةِ الْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَوْكِيلُ الْمُضَارِبِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ وَالْخُصُومَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْمُضَارَبَةِ جَائِزٌ لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ إقَامَةَ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَلَمَّا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَقَدْ صَارَ آذِنًا لَهُ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِالْمُضَارَبَةِ فَاشْتَرَى لَهُ أَخَا رَبِّ الْمَالِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارِبِ دُونَ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ شِرَاءَ وَكِيلِ الْمُضَارِبِ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْمُضَارِبِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ اشْتَرَى أَخَا رَبِّ الْمَالِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِيُحَصِّلَ الرِّبْحَ بِتَصَرُّفِهِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِشِرَاءِ أَخِي رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ شِرَاؤُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ عَتَقَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَيَضْمَنُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذْ هُوَ فِي يَمِينِهِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى أَخَا الْمُضَارِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ

(19/102)


فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ كَشِرَاءِ الْمُضَارِبِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَخَا نَفْسِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الرِّبْحُ لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمُضَارِبِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ عَتَقَ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُضَارِبُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ فِي دَيْنِ الْمُضَارَبَةِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُضَارِبَ قَدْ قَبَضَ ذَلِكَ الدَّيْنَ فَهُوَ جَائِزٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ وَيَكُونُ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُضَارِبُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي بِقَبْضِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ بِإِدَانَتِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ فَكَذَلِكَ إقْرَارُ وَكِيلِهِ وَإِنْ قَالَ الْمُضَارِبُ لَمْ أَقْبِضْهُ مِنْهُ بَرِئَ الْغَرِيمُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِجَوَابِ الْخَصْمِ وَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بَرَاءَةِ الْغَرِيمِ وُصُولُ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ لِأَنَّهُ مَا وُكِّلَ بِذَلِكَ قَالَ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْوَكِيلِ قَدْ أَخَذْتُهُ فَدَفَعْتُهُ إلَيْكَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَمْ تَدْفَعْهُ إلَيَّ وَكَذَا إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ صَحِيحٌ فِي بَرَاءَةِ الْغَرِيمِ غَيْرِ مَقْبُولٍ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ فَكَذَلِكَ هُنَا قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ رَجُلًا بِقَبْضِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ بِدَفْعِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِمَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْوَكِيلُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي مُبَاشَرَتِهِ

قَالَ وَإِذَا أَمَرَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَهْلِهِ فَوَكَّلَ الْمُضَارِبُ وَكِيلًا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِيصَالِ مِقْدَارِ حَاجَتِهِمْ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَيْهِمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَصِّلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ وَهَذَا لِأَنَّ مَنْ لَهُ النَّفَقَةُ لَهُ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَى هَذَا الْمَالِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ مِقْدَارَ حَاجَتِهِ إذَا ظَهَرَ بِهِ وَلِأَنَّ أَمْرَ رَبِّ الْمَالِ بِالدَّفْعِ إلَى أَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ أَنْفَقْت مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَيْهِمْ وَقَالَ الْمُضَارِبُ أَنْفَقْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي مُدَّةٍ يُنْفَقُ مِثْلُهَا عَلَى مِثْلِهِمْ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ مَا أَنْفَقْتَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ وَقَدْ ذَهَبَ مِنْ الْمَالِ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ وَهُوَ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَلَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْإِنْفَاقَ عَلَى أَهْلِهِ بِأَمْرِهِ، وَلَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ شَيْئًا لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا وَكَذَلِكَ كُلُّ وَكِيلٍ يُدْفَعُ

(19/103)


إلَيْهِ الْمَالُ وَيُؤْمَرُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي النَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أَخْبَرَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ بِطَرِيقٍ مُحْتَمَلٍ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ وَكِيلًا يُنْفِقُ عَلَى رَقِيقٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالًا فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا وَكَذَّبَهُ الْمُضَارِبُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ لِيَكُونَ أَمِينًا فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَلَكِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ مَنْ أَمَرَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي مِثْلِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ يُنْفِقُ عَلَى رَقِيقِهِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ مَتَاعًا بِعَيْنِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَدْفَعْ الْمَالَ إلَيْهِ فَجَاءَ رَبُّ الْمَالِ وَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاقَضَ الْمُضَارَبَةَ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ فَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَ التَّوْكِيلِ أَيْضًا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَإِذَا بَقِيَتْ الْوَكَالَةُ كَانَ شِرَاءُ وَكِيلِ الْمُضَارِبِ كَشِرَاءِ الْمُضَارِبِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّمَا يَنْفُذُ الْعَقْدُ عَلَى الْمُضَارِبِ خَاصَّةً لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ قَدْ انْفَسَخَ بِاسْتِرْدَادِ رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ إنَّ رَبَّ الْمَالِ نَهَى الْمُضَارِبَ عَنْ الْبَيْعِ وَنَقَضَ الْمُضَارَبَةَ ثُمَّ بَاعَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ يَعْلَمُ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَالَ بَعْدَ مَا صَارَ عُرُوضًا بِمِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فِيهِ نُهِيَ الْمُضَارِبُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَكَانَ وُجُودُ النَّهْيِ كَعَدَمِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ ثُمَّ بَاعَهُ الْوَكِيلُ أَوْ وَكَّلَهُ الْمُضَارِبُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَبَاعَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْبَيْعِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ وَالرِّبْحُ إنَّمَا يَظْهَرُ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ تَصَرُّفُهُ مِنْ وَجْهٍ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا لَا يَمْتَنِعُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَلَا بِبَيْعِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ ثُمَّ اشْتَرَى الْعَبْدَ لَزِمَ الْمُضَارِبَ خَاصَّةً لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ انْفَسَخَ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ حِينَ كَانَ الْمَالُ نَقْدًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُضَارِبُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَيَكُونَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِرْدَادِ رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ الْوَكَالَةُ تَبْقَى وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً فَكَذَلِكَ هُنَا قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضِينَ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَوَكَّلَ وَكِيلًا فِي رَدِّهِ أَوْ كَانَ شَرِيكُهُ هُوَ الَّذِي يُخَاصِمُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَحْضُرَ الَّذِي اشْتَرَى حَتَّى يَحْلِفَ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِالرَّدِّ إلَّا بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِحْلَافُ الْوَكِيلِ وَلَا الشَّرِيكِ إذَا كَانَ يُخَاصِمُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْرَى فِي الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي اشْتَرَى حَاضِرًا يُخَاصِمُ فَطَلَبَ الْبَائِعُ يَمِينَ شَرِيكِهِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَنْبَنِي عَلَى تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ وَلَا خُصُومَةَ لِلْبَائِعِ مَعَ الشَّرِيكِ

(19/104)


لِأَنَّهُ لَمْ يُعَامِلْهُ بِشَيْءٍ وَكَذَا إنْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي عَبْدٍ بَاعَهُ وَطَعَنَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِعَيْبٍ وَرَدَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَكِيلِ فِيهِ يَمِينٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ نَائِبٌ وَلَا نِيَابَةَ فِي الْيَمِينِ وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُخَاصِمَ الشَّرِيكَ الْآخَرَ وَيُحَلِّفَهُ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُفَاوَضَةِ قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْلَافَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ وَلَا يَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضِينَ وَكِيلًا بِشَيْءٍ هُوَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ نَقَضَاهَا وَاقْتَسَمَا وَأَشْهَدَا أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَمْضَى الْوَكِيلُ مَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ تَوْكِيلَ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ بَقَاءِ عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ كَتَوْكِيلِهِمَا فَصَارَ وَكِيلًا مِنْ جِهَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَنْعَزِلُ بِنَقْضِهِمَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ اسْتِحْسَانًا وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِالتَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ وَكِيلٍ فُوِّضَ إلَيْهِ الْأَمْرُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِتَصَرُّفِ وَاحِدٍ فَصَارَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِالتَّوْكِيلِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُضَارِبِ وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِ صَاحِبِهِ فِيمَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ التِّجَارَةِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ التِّجَارَةِ فَلِهَذَا نَفَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ تَقَاضِي دَيْنٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ مِنْ الْوَكَالَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي تَقَاضِي الدَّيْنِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ كَمَا جَعَلَ تَوْكِيلَ أَحَدِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ تَوْكِيلِهِمَا فَكَذَلِكَ عَزْلُ أَحَدِهِمَا عَنْ التَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ عَزْلِهِمَا إلَّا فِي تَقَاضِي الدَّيْنِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الدَّيْنِ هُوَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِقَبْضِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ شَرِيكُهُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ نَهْيُ وَكِيلِهِ؛ تَوْضِيحُهُ: أَنَّ الشَّرِيكَ الْآخَرَ لَمَّا جُعِلَ فِي هَذَا الدَّيْنِ بِالْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَجَانِبِ فَكَذَلِكَ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَجَانِبِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ النَّهْيُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الَّذِي أَدَانَهُ لَمْ يَصِحَّ إخْرَاجُ هَذَا الْآخَرِ الْوَكِيلَ مِنْ التَّقَاضِي لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَدَانَهُ هُوَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ فَتَوْكِيلُ الشَّرِيكِ بِقَبْضِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْقَبْضِ بِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُوَكِّلُ بِهِ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(19/105)


[بَابُ مَا لَا تَجُوز فِيهِ الْوَكَالَةُ]
ُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا بِطَلَبِ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ وَكَّلَهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ جَازَ التَّوْكِيلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ رِضَا الْخَصْمِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِذَلِكَ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي دَعْوَى الْقِصَاصِ وَالْقِصَاصُ لَا يَثْبُتُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ كَمَا لَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِيمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ إنَّمَا يُوَكِّلُ لِيَحْتَالَ الْوَكِيلُ لِإِثْبَاتِهِ وَفِي الْقِصَاصِ إنَّمَا يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهِ لَا لِإِثْبَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَكَذَلِكَ بِإِثْبَاتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَكَّلَ بِمَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَإِذَا وَقَعَ الْغَلَطُ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ وَالتَّلَافِي فَصَحَّ التَّوْكِيلُ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ وَالتَّلَافِي.
فَأَمَّا إثْبَاتُ الْقِصَاصِ فَكَإِثْبَاتِ سَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ وَالتَّلَافِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا وَكَّلَ الْمَطْلُوبُ بِالْقِصَاصِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي دَفْعِ مَا يُطَالَبُ بِهِ وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْفَصْلِ أَظْهَرُ لِأَنَّ دَفْعَ الْقِصَاصِ جَائِزٌ بِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْعَفْوِ صَحِيحَةٌ وَلَكِنَّ هَذَا الْوَكِيلَ لَوْ أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ جُعِلَ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقُولُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ قَائِمٌ مَقَامَ إقْرَارِ الْمُوَكِّلِ وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَوْفَى بِحُجَّةٍ قَائِمَةٍ مَقَامَ غَيْرِهَا، تَوْضِيحُهُ: أَنَّا حَمَلْنَا التَّوْكِيلَ عَلَى الْجَوَابِ لِأَنَّ جَوَابَ الْخَصْمِ مِنْ الْخُصُومَةِ وَلَكِنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْمَجَازِ فَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ فَالْإِقْرَارُ ضِدُّ الْخُصُومَةِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ دُونَ مَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَكَذَلِكَ فِي التَّوْكِيلِ بِإِثْبَاتِ حَدِّ الْقَذْفِ أَوْ دَفْعِهِ مِنْ جِهَةِ الْقَاذِفِ فَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْمَالِ فِي السَّرِقَةِ فَقَدْ طُلِبَ بِالْإِنْفَاقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ

(19/106)


الْمَالِ وَالْمَالُ يُثْبَتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ تَثْبُتُ فَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْحَدِّ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا

قَالَ وَإِذَا قُتِلَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَسْتَوْفِيَا الْقِصَاصَ وَإِنْ وَكَّلَهُمَا بِذَلِكَ صَاحِبُهُ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ عَفَا فَلَوْ اسْتَوْفَيْنَا الْقِصَاصَ كَانَ اسْتِيفَاءً مَعَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِاعْتِبَارِ الدَّمِ وَالْمُسْتَوْدَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ لَيْسَا بِخَصْمَيْنِ فِي الدَّمِ وَإِنَّمَا خُصُومَتُهُمَا فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ

وَكَذَلِكَ عَبْدٌ مِنْ الْمُضَارَبَةِ أَوْ عَبْدَانِ شَرِيكَانِ شَرِكَةَ عَنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ قُتِلَ عَمْدًا وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ وَإِنْ وَكَّلَهُ الْغَائِبُ بِذَلِكَ لِتَمَكُّنِ شُبْهَةِ الْعَفْوِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ مِنْ الشَّرِيكِ الْغَائِبِ

قَالَ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ الرَّجُلُ انْطَلِقْ فَاشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ لِنَفْسِك فَذَهَبَ فَاشْتَرَاهُ وَلَمْ يَكُنْ رَبُّ الْعَبْدِ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَجُوزُ وَيَكُونُ أَمْرُهُ لِلْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَكَالَةً لِلْبَائِعِ بِالْبَيْعِ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ الْمَالِكُ فَيَصِيرُ ذُو الْيَدِ وَكِيلًا لِعِلْمِهِ بِوَكَالَةِ الْمَالِكِ إيَّاهُ وَمُرَادُهُ بِمَا ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ مِنِّي فَلَا يَصِيرُ ذُو الْيَدِ وَكِيلًا مَا لَمْ يَعْلَم بِتَوْكِيلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ وَإِنْ حَمَلَا الْمَسْأَلَةَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يُخْبِرْهُ فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِ الْعُهْدَةِ حِينَ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَكَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مَقْصُودًا لَا بِحَضْرَتِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ ضِمْنًا لِأَمْرِ الْمُشْتَرِي بِشِرَائِهِ وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ رِضَا الْمَالِكِ قَدْ تَمَّ بِهَذَا الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ بِاعْتِبَارِ تَمَامِ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ فَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ الْبَيْعُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ وَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ فِيهِ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ فِي الشَّرْعِ وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ

قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ اقْبِضْ دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ كَانَ جَائِزًا وَلَيْسَ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ وَكَّلَ الْقَابِضَ بِالْقَبْضِ هُنَا وَقَدْ عَلِمَ الْقَابِضُ بِوَكَالَتِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِعِلْمِ الْمَدْيُونِ بَعْدَ أَنْ يُثْبِتَ وَكَالَتَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لِلْعَبْدِ انْطَلِقْ إلَى فُلَانٍ حَتَّى يُكَاتِبَك فَكَاتَبَهُ فُلَانٌ أَمَا كَانَ يَجُوزُ أَوْ قَالَ انْطَلِقْ إلَيْهِ حَتَّى يُعْتِقَك فَأَعْتَقَهُ أَمَا كَانَ يُعْتَقُ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ انْطَلِقِي إلَيْهِ حَتَّى يُطَلِّقَك وَطَلَّقَهَا فُلَانٌ أَمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ظَاهِرٌ

(19/107)


لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ

قَالَ وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ قَدْ نَهَيْتُ فُلَانًا عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالنَّهْيِ حَتَّى طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ وَقَعَ وَإِنْ عَلِمَ بِالنَّهْيِ لَمْ يَقَعْ وَكَذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إنْ نَهَاهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعْمَلُ النَّهْيُ فِي حَقِّ فُلَانٍ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ التَّوْكِيلُ بِخِطَابٍ خَاطَبَ بِهِ الْوَكِيلَ وَبَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ ضِمْنًا بِخِطَابٍ خَاطَبَ بِهِ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا صَارَ وَكِيلًا لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَزْلِ

قَالَ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ اذْهَبْ بِثَوْبِي هَذَا إلَى فُلَانٍ حَتَّى يَبِيعَهُ أَوْ اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ حَتَّى يَبِيعَك ثَوْبِي الَّذِي عِنْدَهُ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ إذْنٌ مِنْهُ لِفُلَانٍ فِي بَيْعِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إنْ أَعْلَمَهُ الْمُخَاطِبُ بِمَا قَالَهُ الْمَالِكُ جَازَ بَيْعُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اذْهَبْ بِهَذَا الثَّوْبِ إلَى الْقَصَّارِ حَتَّى يُقَصِّرَهُ أَوْ إلَى الْخَيَّاطِ حَتَّى يَخِيطَهُ قَمِيصًا فَهَذَا إذْنٌ مِنْهُ لِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ حَتَّى لَا يَصِيرَ ضَامِنًا بِعِلْمِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ وَكَالَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ]
ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكُلُّ مَا جَازَ لَهُمَا أَنْ يَفْعَلَاهُ جَازَ لَهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا بِهِ مَنْ يَفْعَلُهُ لِأَنَّ الْحَجْرَ قَدْ انْفَكَّ عَنْهُمَا فِيمَا هُوَ مِنْ عَمَلِ التِّجَارَةِ أَوْ سَبَبِ اكْتِسَابِ الْمَالِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا وَبَعْدَ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ فِعْلُ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ وَكُلُّ مَا يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَفْعَلَهُ جَازَ لِوَكِيلِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ؛ قَالَ: وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا يُكَاتِبُ عَبْدَهُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ وَانْفِكَاكُ الْحَجْرِ فِي حَقِّهِ مَقْصُورٌ عَلَى التِّجَارَةِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ فَوَكَّلَ بِهِ وَكِيلًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْلَى فِي هَذَا الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِبَةٍ عَنْهُ مَعَ بَقَاءِ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِمُبَاشَرَةِ مَا وُكِّلَ بِهِ فَإِذَا حَجَرَهُ مَوْلَاهُ أَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ كِتَابَتِهِ انْقَطَعَتْ وَكَالَةُ وَكِيلِهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَصِحَّةُ التَّوْكِيلِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْحَجْرِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ إذَا طَرَأَ الْحَجْرُ عَلَى الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ لَا يَحْصُلُ وَالطَّارِئُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالسَّبَبِ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ التَّقَاضِي لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ التَّوْكِيلُ بِالْعَجْزِ وَلَا بِالْحَجْرِ عَلَى الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَّاهُ الْعَبْدُ

(19/108)


لَا يُسْقِطُ الْمُطَالَبَةَ عَنْهُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بَلْ يَبْقَى هُوَ مُطَالَبًا بِإِيفَائِهِ وَلَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِاسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ بِعَقْدِهِ فَإِذَا بَقِيَ حَقُّهُ بَقِيَ وَكِيلُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ فِيهِ؛ قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْحَجْرِ صَحَّ أَيْضًا فَإِنْ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ أَوْ مَاتَ بَطَلَتْ وَكَالَةُ الْوَكِيلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَبْقَى هُوَ مُطَالَبًا بِإِيفَاءِ شَيْءٍ فِي حَالَة الرِّقِّ فَتَبْطُلُ وَكَالَةُ الْوَكِيلِ حُكْمًا بِخُرُوجِ الْمُوَكِّلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ؛ قَالَ: وَلَيْسَ لِمَوْلَى الْعَبْدِ أَنْ يَتَقَاضَى دَيْنَهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَسْبُهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ وَالْمَوْلَى مِنْهُ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ مَا لَمْ يَفْرَغْ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَوُجُوبُ الْمَالِ بِعَقْدِ الْعَبْدِ وَلَا يَكُونُ هُوَ فِي هَذَا دُونَ الْوَكِيلِ وَمَا وَجَبَ مِنْ الثَّمَنِ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ فَهُنَا أَوْلَى وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُوَكِّلَ بِذَلِكَ وَكِيلًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ فَلَا يُوَكِّلُ بِهِ غَيْرَهُ أَيْضًا فَإِنْ اقْتَضَى هُوَ شَيْئًا أَوْ وَكِيلُهُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى لَوْ قَبَضَهُ الْعَبْدُ سَلَّمَهُ إلَى الْمَوْلَى فَإِذَا قَبَضَهُ الْمَوْلَى أَوْ مَنْ وَكَّلَهُ جَازَ كَمَا فِي الْمُوَكِّلِ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِهِ فَالْمَوْلَى كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ أَعْيَانِ كَسْبِهِ كَانَ ضَامِنًا بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلِهَذَا لَا يَبْرَأُ الْغَرِيمُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ الْوَدِيعَةُ وَالْبِضَاعَةُ فِي هَذَا قِيَاسُ الدَّيْنِ

قَالَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فِي التَّزْوِيجِ فَوَكَّلَ الْعَبْدُ وَكِيلًا بِذَلِكَ فَرَجَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِذْنِ فِي التَّزْوِيجِ فَإِنْ عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ خَرَجَ عَنْ الْوَكَالَةِ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَمْلِكَ التَّوْكِيلَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَهَذَا الْوَكِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى ثُمَّ نَهْيُهُ الْعَبْدَ عَنْ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَزْلٌ لِوَكِيلِهِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِهَذَا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِعَيْبِ الْعَبْدِ بِالنِّكَاحِ وَتَعَلُّقُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بِمَالِيَّتِهِ وَفِي هَذَا لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ عَقْدِ الْعَبْدِ وَعَقْدِ الْوَكِيلِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ لِلْوَكِيلِ قَصْدًا فَإِنْ عَلِمَ بِهِ صَارَ مَعْزُولًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَصِيرُ مَعْزُولًا

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ بِتَقَاضِي دَيْنِهِ وَكِيلًا ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ خَرَجَ وَكِيلُهُ مِنْ الْوَكَالَةِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْعَزْلَ هُنَا ثَبَتَ حُكْمًا لِخُرُوجِ مُوَكِّلِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْوَكِيلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْمَوْلَى يَتَقَاضَاهُ لِأَنَّ الْحَقَّ تَخَلَّصَ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ نَصَّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا بِتَقَاضِي الدَّيْنَ لِيَقْضِيَ بِهِ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْغُرَمَاءِ وَلَكِنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ التَّقَاضِي

(19/109)


بِأَنْفُسِهِمْ فَيُنَصِّبُ الْقَاضِي عَنْهُمْ وَكِيلًا بِمَنْزِلَةِ التَّرِكَةِ إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ؛ فَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَالْقَبْضِ لَا يُبْطَلُ بِعِتْقِهِ بَلْ يَتَقَوَّى وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ إلَيْهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَهَا وَإِذَا قَالَ الْوَكِيلُ قَبَضْتُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَقَدْ صَارَ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى بَعْدَ الْحَجْرِ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِبَيْعِهِ فَهُوَ بِهَذِهِ الدَّعْوَى يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ

قَالَ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا تَاجِرًا لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَلَهُ بِهِ كَفِيلٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِتَقَاضِي دَيْنِهِ لِيَتَقَاضَى دَيْنَهُ عَلَى فُلَانٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَقَاضَاهُ مِنْ الْكَفِيلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِذَلِكَ الدَّيْنِ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ وَالْأَصِيلَ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَهَذَا الْأَصْلُ مَعْرُوفٌ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ وَالْوَكِيلُ صَارَ مَالِكًا الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ سَوَاءٌ طَالَبَ الْكَفِيلَ أَوْ الْأَصِيلَ فَإِنَّمَا طَالَبَ بِذَلِكَ الدَّيْنَ

قَالَ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِيهَا وَبِقَبْضِهَا فَبَاعَهَا ذُو الْيَدِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ بِالْخُصُومَةِ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالدَّارِ لَا بِالْبَائِعِ فَفِي يَدِ مَنْ وُجِدَتْ الدَّارُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَاصِمُ فِي الْعَيْنِ الَّتِي وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِيهَا قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةِ فُلَانٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِخُصُومَةِ الْبَائِعِ وَهَذَا تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ فَقَدْ يُقَاوِمُ الْإِنْسَانُ إنْسَانًا فِي الْخُصُومَةِ وَلَا يُقَاوِمُ غَيْرَهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ هَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ بَيَّنَّا وَإِنْ قَالَ لَهُ بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ ذُو الْيَدِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ فَلَمَّا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ مَعَ ذِي الْيَدِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ ذَا الْيَدِ قَدْ يُوَكِّلُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ كَانَ هَذَا رِضًا مِنْهُ بِالْخُصُومَةِ مَعَ وَكِيلِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ إذَا تَوَجَّهَ عَلَى الْوَكِيلِ يَكُونُ عَلَى الْمُوَكِّلِ خَاصَّةً وَالْوَكِيلُ نَائِبٌ عَنْهُ فَلِهَذَا مَلَكَ أَنْ يُخَاصِمَ وَكِيلَهُ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَصِيرُ مَالِكًا فَإِنَّمَا يُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ نَائِبًا عَنْ الْبَائِعِ فَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا؛ قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فُلَانًا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَإِذَا الدَّارُ فِي يَدَيْ غَيْرِ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ غَيْرَ فُلَانٍ وَلَا فُلَانًا لِأَنَّ الدَّارَ لَيْسَتْ فِي يَدَيْهِ وَالْخُصُومَةُ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ ذِي الْيَدِ وَالْوَكَالَةُ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْخُصُومَةِ مَعَ فُلَانٍ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ غَيْرَ فُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ أَحَدًا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ مَنْ وَجَدَ الدَّارَ فِي يَدِهِ

(19/110)


لِأَنَّ الْوَكَالَةَ هُنَا مُقَيَّدَةٌ بِالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْنِ فَإِذَا خَاصَمَ فِيهِ ذَا الْيَدِ فَإِنَّمَا يُخَاصِمُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَلِهَذَا سُمِعَتْ خُصُومَتُهُ

قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ الْعَبْدِ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِيهَا لِفُلَانٍ الْمُدَّعِي فَادَّعَاهَا آخَرُ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ وَكِيلًا فِي خُصُومَةِ هَذَا الثَّانِي وَهُوَ وَكِيلٌ فِي خُصُومَةِ الْأَوَّلِ وَخُصُومَةِ وَكِيلِهِ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ مَعَ فُلَانٍ فَلِهَذَا يَمْلِكُ ذَلِكَ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ وَكِيلًا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ رَهْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ الْمَوْلَى الْوَكِيلَ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ حَجْرٌ خَاصٌّ فِي إذْنٍ عَامٍّ وَذَلِكَ بَاطِلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ لَوْ نَهَى الْعَبْدَ عَنْ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ لَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ فَكَذَلِكَ إذَا مَنَعَ وَكِيلَهُ مِنْهُ؛ أَوْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْيِ عَنْ التَّوْكِيلِ وَكَمَا لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ تَصَرُّفٍ آخَرَ مَعَ بَقَاءِ إذْنِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ التَّوْكِيلِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ وَكِيلِهِ قَالَ وَلَوْ أَنَّ الْعَبْدَ وَكَّلَ مَوْلَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا كَمَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَ الْمَوْلَى بِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى بِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ وَلَكِنْ لَوْ وَكَّلَ بِهِ غَيْرَهُ فَبَاشَرَهُ الْوَكِيلُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ جَازَ لَا بِالتَّوْكِيلِ السَّابِقِ مِنْ الْعَبْدِ وَلَكِنْ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ التَّوْكِيلُ مِنْ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ بِهِ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ هَذَا التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَسْبِقْ التَّوْكِيلُ مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّ كَسْبَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ وَكِيلًا بِخُصُومَةٍ فِي شَيْءٍ لَهُ ثُمَّ حَجَرَهُ مَوْلَاهُ بَطَلَتْ وَكَالَةُ الْوَكِيلِ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا لِأَنَّ هَذَا إذْنٌ حَادِثٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَوَكَالَتُهُ كَانَتْ بِحُكْمِ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ لَمْ يَعُدْ هَذَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الْإِذْنِ لَا يَنْفُذُ بِالْإِذْنِ الْحَادِثِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ فِي الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِهِ فِي الْإِذْنِ الثَّانِي

قَالَ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَعَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ كَانَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَيَجُوزُ مَا صَنَعَ فِي حِصَّةِ الَّذِي لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ

(19/111)


لِأَنَّهُمَا لَوْ حَجَرَا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ فِي حَقِّهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا جُعِلَا فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُمَا حَجَرَا عَلَيْهِ وَفِي حَقِّ الْآخَرِ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ كَانَ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ تَوْكِيلُهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي حِصَّةِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فَكَذَلِكَ يَبْقَى الْوَكِيلُ بِاعْتِبَارِ بَقَائِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي نَفْسِهِ فَأَمَّا فِي تَقَاضِي الدَّيْنِ فَيَجُوزُ قَبْضُهُ فِي نَصِيبِهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا لَوْ حَجَرَا عَلَيْهِ لَمْ يُؤَثِّرْ الْحَجْرُ فِي مَنْعِ الْوَكِيلِ مِنْ قَبْضِ الدَّيْنِ بِالتَّقَاضِي وَكَذَلِكَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ مَوْلَيَيْهِ بِبَيْعِ شَيْءٍ أَوْ شِرَائِهِ ثُمَّ حَجَرَا عَلَيْهِ ثُمَّ أَذِنَا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ بَاعَا مَا كَانَ وَكَّلَهُمَا بِبَيْعِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا بِوَكَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لِأَنَّ الْمَوْلَيَيْنِ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجَانِبِ فَإِنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَّا بِتَوْكِيلٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكَالَةَ فِي الْإِذْنِ الْأَوَّلِ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي الْإِذْنِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ قَالَ: وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِخُصُومَةِ أَحَدٍ يَدَّعِي رَقَبَتَهُ أَوْ يَدَّعِي جِرَاحَةً جَرَحَهَا إيَّاهُ الْعَبْدُ أَوْ جَرَحَ هُوَ الْعَبْدَ وَلَا بِالصُّلْحِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَفْسِهِ بَلْ الْخَصْمُ فِيهَا مَوْلَاهُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ فِيمَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْخُصُومَةِ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَأَمَّا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ إنَابَةَ الْوَكِيلِ فِيهِ مَنَابَ نَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِذَلِكَ فِي خُصُومَةِ آخَرَ جَنَى عَلَى عَبْدِهِ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ جَنَى عَبْدُهُ عَلَيْهِ أَوْ يَدَّعِي رَقَبَتَهُ لِأَنَّهُ فِي كَسْبِهِ خَصْمٌ يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْخُصُومَةِ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِهِ

قَالَ وَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَيَانِ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ آخَرَ فَأَذِنَ لَهُ الْمُشْتَرِي فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ جَائِزَةً فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لِأَنَّ الْحَجْرَ قَدْ ثَبَتَ مِنْهُ فِي نَصِيبِ مَنْ بَاعَ نَصِيبَهُ وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا بِإِذْنٍ حَادِثٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ ثَبَتَ الْحَجْرُ فِي الْكُلِّ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ثُمَّ لَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْإِذْنِ الْحَادِثِ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ الْحَجْرُ فِي النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ بِبَيْعِ النِّصْفِ لَمْ يَصِرْ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ يَصِحُّ مِنْهُ بَعْدَ بَيْعِ الْبَعْضِ فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْحَقَّ بِهَذَا الشِّرَاءِ إنَّمَا خَلَصَ لِمَنْ هُوَ رَاضٍ بِتَصَرُّفِ الْعَبْدِ أَوْ خَلَصَ الْحَقُّ لِمَنْ هُوَ وَكِيلٌ وَخُلُوصُ الْحَقِّ لَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا لِحَقِّهِ فَلِهَذَا بَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي الْكُلِّ

قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُؤَجَّرَةً وَعَلَيْهَا دَيْنٌ فَأَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا بِالتَّزْوِيجِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ جَازَ فَإِنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهَا تَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَاءِ دُيُونِهَا مِنْ مَهْرِهَا وَالزَّوْجُ يُعِينُهَا عَلَى الِاكْتِسَابِ لِتَقْضِيَ بِهِ دُيُونَهُمْ فَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَوْ وَكَّلَتْ وَكِيلًا بِذَلِكَ فَإِنْ زَوَّجَهَا وَكِيلُهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ جَازَ وَإِنْ زَوَّجَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لِلْمَوْلَى وَالْوَكِيلُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِمَا وُكِّلَ بِهِ لِيَعْقِدَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ فَإِذَا كَانَتْ

(19/112)


حَاضِرَةً كَانَتْ مُبَاشِرَةً وَكِيلَهَا كَمُبَاشَرَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَتِمَّ عَقْدُ الْوَكِيلِ إلَّا بِرَأْيِهِمَا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ رَأْيُهَا بِالْإِجَازَةِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ ثُمَّ أُعْتِقَ أَوْ كُوتِبَ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى ذَلِكَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْعَبْدِ لِأَنَّ سَبْقَ ثُبُوتِ حَقِّ التَّصَرُّفِ لِلْعَبْدِ فَكَانَ بَاطِلًا بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ بَعْدَ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى الْحَالِ وَلَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ التَّوْكِيلِ بَاطِلًا فَكَانَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ تَجُوزُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ لِمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَوَقْتَ التَّصَرُّفِ الْآمِرُ أَهْلٌ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ مُبَاشَرَةُ وَكِيلِهِ لَهُ إمَّا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَوْلَى فِي مُبَاشَرَةِ تَصْحِيحِ الْوَكَالَةِ أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِذْنِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ التَّوْكِيلِ؛ وَفَرْقٌ بَيْنَ الصَّبِيِّ يُوَكِّلُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ يُدْرِكُ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ أَبُوهُ فِيهِ فَيُمْضِيه الْوَكِيلُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الصَّبِيُّ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقٍّ لِنَفْسِهِ وَالْإِذْنُ وَالْإِدْرَاكُ لَا يَسْتَنِدُ حُكْمُهُ إلَى وَقْتِ التَّوْكِيلِ فَأَمَّا تَوْكِيلُ الْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ فَصَحِيحٌ لِكَوْنِهِ أَهْلًا لِذَلِكَ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ وَالْإِذْنِ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ عَلَيْهِ؛ تَوْضِيحُهُ: أَنَّ امْتِنَاعَ تَوْكِيلِ الصَّبِيِّ كَانَ لِمَعْنًى لَا يَزُولُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالْإِذْنِ وَلَا بِالْإِدْرَاكِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ نَفْعٌ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الْإِذْنِ وَالْإِدْرَاكِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ لَهُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ وَأَمَّا امْتِنَاعُ نُفُوذِ تَصَرُّفِ وَكِيلِ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِذْنِ كَانَ لِمَعْنًى يَزُولُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ أَنَّ حُكْمَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ يُلَاقِي حَقَّ الْمَوْلَى وَذَلِكَ يَزُولُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فَيَجْعَلُ اسْتِدَامَةَ الْوَكَالَةِ كَإِنْشَائِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ وَكِيلًا أَنْ يُكَاتِبَ مَوْلَاهُ عَلَيْهِ فِي عَمَلٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَكِيلِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ وَإِنْ ضَمِنَهُ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَاشْتَرَاهُ وَبَيَّنَهُ لِمَوْلَاهُ عَتَقَ وَالْمَالُ عَلَى الْوَكِيلِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَصْلَ فِيمَا سَبَقَ وَأَجَابَ بِخِلَافِ هَذَا وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرَ هُنَا وَفِي الْجَامِعِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ أَنْ يَقُولَ هُوَ لَا يُوجِبُ لِلْعَبْدِ مَالًا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ لَهُ مِلْكَ الْيَدِ وَالْمَكَاسِبَ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا التَّصَرُّفُ فِي حَقِّ وَكِيلِ الْعَبْدِ

(19/113)


بِمَنْزِلَةِ مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَأَمَّا فِي الْعِتْقِ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى يُزِيلُ عَنْ مِلْكِهِ مَا هُوَ مَالٌ بِإِزَاءِ مَالٍ يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى الْعَبْدِ فَكَانَ هَذَا فِي حَقِّ وَكِيلِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ ثُمَّ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ مُطَالَبًا بِهِ لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَوْ لَزِمَهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ.
كَمَا لَوْ كَفَلَ بِهِ غَيْرُهُ وَفِي الْعِتْقِ بِمَالٍ إذَا أَدَّاهُ وَكِيلُ الْعَبْدِ غَرِمَهُ نَائِبُهُ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ يُطَالِبُ الْوَكِيلَ لِيُؤَدِّيَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِأَمْرِهِ فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلَ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ مِنْ الْعَبْدِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ وَكِيلِ الْمَوْلَى وَوَكِيلِ الْعَبْدِ أَنَّ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى إعْتَاقٌ وَالْمُعْتِقُ هُوَ الْمَوْلَى دُونَ الْوَكِيلِ حَتَّى كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ فَلَا يَكُونُ الْوَكِيلُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْبَدَلِ فَأَمَّا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ فَهُوَ الْتِزَامُ الْمَالِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْوَكِيلُ مُلْتَزِمًا الْمَالَ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ ثُمَّ أَبَقَ الْعَبْدُ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْإِبَاقَ مِنْ الْمَأْذُونِ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَبِالْحَجْرِ يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَا وَكَّلَ الْوَكِيلَ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا عَزْلَ الْوَكِيلِ كَمَا لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَبْدًا فَأَبِقَ فَهُوَ عَلَى الْوَكَالَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عُهْدَةٌ فِي شَيْءٍ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا تُبْقِي صِحَّةَ التَّوْكِيلِ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنَّمَا تُبْقِي لُزُومَ الْعُهْدَةِ فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْكِيلِ وَعَزْلُ الْمُطَالِبِ يُبْطِلُ وَكَالَةَ وَكِيلِهِ فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَاتِ إلَّا فِي تَقَاضِي الدَّيْنِ الَّذِي وَلَّاهُ الْمُكَاتَبُ أَوْ قَضَائِهِ لِأَنَّ عَجْزَهُ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ عَنْ أَسْبَابِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَخْرُجُ وَكِيلُهُ مِنْ الْوَكَالَةِ وَلَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَزْلَ وَكِيلِهِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ كُوتِبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ الَّتِي بَطَلَتْ لِأَنَّ صِحَّتَهَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمَوْلَى التَّصَرُّفَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يَعُدْ بِالْكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يُوَكِّلُ وَكِيلًا ثُمَّ يُكَاتَبُ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ هُنَاكَ لَمْ تَكُنْ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ التَّصَرُّفِ الَّذِي هُوَ نَائِبٌ لِلْآمِرِ وَقْتَ الْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَحْدُثُ لَهُ عِنْدَ التَّصَرُّفِ بِاعْتِبَارِ الْكِتَابَةِ أَوْ الْإِذْنِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَهَذَا نَظِيرُ رَجُلٍ تَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ بَعْدَ مَا فَارَقَ إحْدَاهُنَّ جَازَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا بَعْدَ الْوَكَالَةِ ثُمَّ فَارَقَ إحْدَاهُنَّ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِحُكْمِ تِلْكَ الْوَكَالَةِ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَا

قَالَ وَتَوْكِيلُ الْمُكَاتَبِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي جِنَايَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فِيمَا يَدَّعِي قِبَلَهُ أَوْ قِبَلَ عَبْدِهِ جَائِزٌ

(19/114)


لِأَنَّهُ هُوَ الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنَّ مُوجَبِ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَلِهَذَا صَحَّ تَوْكِيلُهُ بِهِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي جِنَايَةِ نَفْسِهِ لِأَنَّ مُوجَبَهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا فِي كَسْبِهِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ بِالْخُصُومَةِ فِي الْخُصُومَةِ وَتَوْكِيلُ الْمُكَاتَبِ بِمُخَاصِمَةِ الْمَوْلَى فِي الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْخُصُومَةِ بِنَفْسِهِ مَعَهُ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ بِهِ كَمَا فِي الْخُصُومَةِ مَعَ غَيْرِهِ

قَالَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَوَكَّلَ الْمُكَاتَبَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ خُصُومَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ فِي نَصِيبِ الَّذِي كَاتَبَهُ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ مَا لَمْ يَفْسَخْ شَرِيكُهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْكِتَابَةِ إذْنًا مِنْهُ لِلْعَبْدِ فِي نَصِيبِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ فَلَأَنْ يَجُوزَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنْ كَاتَبَهُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ فِعْلُ الْوَكِيلِ فِي نَصِيبِهِمَا اسْتِحْسَانًا أَمَّا فِي نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَأَمَّا فِي نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حِينَ وُكِّلَ ثُمَّ كَاتَبَهُ مَوْلَاهُ جَازَ تَصَرُّفُ الْمَوْلَى اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ كَعَبْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لَهُمَا فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَفَعَلَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ فِعْلًا جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا جَمِيعًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ فِي نَصِيبِ الَّذِي عَجَزَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَجَزَ فِي نَصِيبِهِمَا وَلَكِنَّهُ قَالَ مُسَاعَدَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ تَكُونُ إذْنًا مِنْهُ لَهُ فِي كِتَابَةِ نَصِيبِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمَّا عَجَزَ عَنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ثُمَّ وَكَّلَ الْعَبْدَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ فَيَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا مِنْ الْوَكِيلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا يَصِحُّ فِي الْمُكَاتَبِ نَفْسِهِ.
فَإِنْ قِيلَ هَذَا لَا يُشْبِهُ ذَلِكَ لِأَنَّ هُنَاكَ إذْنُهُ لِشَرِيكِهِ مِنْ الْوَكِيلِ فِي أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَهُنَا بَعْدَ الْعَجْزِ لَا يَبْقَى نَصِيبُهُ مَأْذُونًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ وَلَا تَصَرُّفُ الْعَبْدِ فِي نَصِيبِهِ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ لَازِمَةً فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ كَوْنُ نَصِيبِهِ مَأْذُونًا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ فَسْخِ الْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِهِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ لَا مَحَالَةَ فَيَبْقَى نَصِيبُهُ مَأْذُونًا كَمَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ وَكِيلًا بِقَبْضِ هِبَةٍ لَهُ فَقَبَضَهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ جَازَ لِأَنَّ عَجْزَ الْمُوَكِّلِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِقَبْضِ الْهِبَةِ كَمَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ فَإِنْ قَبَضَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا

(19/115)


لِلْقَبْضِ بِحُكْمِ الْهِبَةِ وَيَكُونُ مُبْطِلًا لِعَقْدِ الْهِبَةِ فَيُوجِبُ إخْرَاجَ الْوَكِيلِ مِنْ الْوَكَالَةِ أَيْضًا

قَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَكَّلَهُ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَا بَقِيَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَكَذَلِكَ إنْ وَكَّلَهُ أَحَدُهُمَا بِبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْآخَرِ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَيَيْهِ جَمِيعًا فَوَكَّلَ ابْنَ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ مَعَ سَائِرِ الْأَجَانِبِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْخُصُومَةَ مَعَهُ بِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي ذَلِكَ بِابْنِ الْخَصْمِ أَوْ بِعَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ لِيَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ؛ قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ هَذَا الْمُكَاتَبُ وَكِيلًا بِدَفْعِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ وَغَابَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْوَكِيلِ شَيْئًا لِأَنَّهُ فِي نَصِيبِهِ لَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ جِهَتِهِ فِي الدَّفْعِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِشَيْءٍ كَمَا لَا يُطَالِبُهُ بِهِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ فَأَرَادَ مَوْلَيَاهُ أَوْ غَيْرُهُمَا أَنْ يَقْبِضُوا ذَلِكَ مِنْ الْوَكِيلِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ كَانَ مُقَيَّدًا بِالدَّفْعِ إلَى صَاحِبِ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَفِي الْمَوْلَيَيْنِ أَوْ غَرِيمٍ آخَرَ يَكُونُ الْحَالُ بَعْدَ التَّوْكِيلِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ. (أَلَا تَرَى) أَنَّ مُطَالِبَ الْمُكَاتَبِ بِنَفْسِهِ لَوْ قَضَى دَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَيَيْنِ عَلَى مَا قَبَضَهُ سَبِيلٌ فَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ

قَالَ وَإِذَا أَمَرَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَ فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ سَلَامَةُ الْعَبْدِ لَهُ وَقَدْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِذَلِكَ الْعَبْدِ وَهُوَ مُشْتَرٍ لِذَلِكَ الْعَبْدِ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ فَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ

قَالَ وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا لَهُ مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِوَكِيلِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ مِنْ فُلَانٍ وَلَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الْغَرَضُ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ إمَّا لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمَلَاءَةِ وَالْمُمَاطَلَةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ الْعَبْدِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ بِالْإِقَالَةِ أَوْ الشِّرَاءِ الْمُبْتَدَإِ الَّذِي أَرَادَ ذَلِكَ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مِنْ وَكِيلِ فُلَانٍ يَجُوزُ أَمْ لَا وَعَلَى قَضِيَّةِ الطَّرِيقَةِ الْأَوْلَى لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ تَكُونُ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْعَبْدِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِشِرَاءِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ وَكِيلًا بِتَقَاضِي دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَقَالَ قَدْ قَبَضْت مَا عَلَيْك غَيْرَهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا

(19/116)


لِأَنَّهُ فِي الدَّيْنِ الْوَاجِبِ بِعَقْدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فَكَمَا أَنَّ إقْرَارَ الْحُرِّ بِبَيَانِ مِقْدَارِ الدَّيْنِ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِهِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهُ وَإِقْرَارُ وَكِيلِهِ إنَّمَا يَصِحُّ بِمَا فَوَّضَهُ الْمُوَكِّلُ إلَيْهِ وَهُوَ الْقَبْضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي النِّكَاحِ]
ِ (قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) رَجُلٌ، وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ إذَا زَادَ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ عِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ، وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، فَإِنَّ هُنَاكَ إذَا زَادَ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ أَصْلَ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَتَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي تَصَرُّفِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَصَدَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ، وَلَمَّا عَلِمَ بِغَلَاءِ الثَّمَنِ حَوَّلَهُ إلَى الْآمِرِ، وَفِي النِّكَاحِ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ التُّهْمَةُ، وَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا كَانَتْ امْرَأَتَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ فَإِنَّ هُنَاكَ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ الْعَقْدِ لِغَيْرِ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ الْعَقْدُ، وَلَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي النِّكَاحِ بَلْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِمَنْ يُضَافُ إلَيْهِ الْعَقْدُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى بِسَبَبٍ مُضَافٍ إلَى عَبْدِهِ، وَلَا يَثْبُتُ مِلْكُ النِّكَاحِ بِمِثْلِهِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّيهَا فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ وَلَيْسَتْ بِكُفْءٍ لَهُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ جَائِزٌ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ وَعِنْدَهُمَا فِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ هُنَا فَقَدْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ مَنْ لَيْسَتْ بِكُفُؤٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ فَإِنَّ نَسَبَ الْأَوْلَادِ إلَى الْآبَاءِ فَيَبْقَى مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ عِنْدَ تَعَارُضِ دَلِيلِ الْعُرْفِ وَلَكِنَّهُمَا اسْتَحْسَنَا فَقَالَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ مَنْدُوبٌ شَرْعًا أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ يُكَافِئُهُ دُونَ مِنْ لَا يُكَافِئُهُ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ الْأَكْفَاءَ.
وَالْغَالِبُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهَذَا التَّوْكِيلِ نِكَاحُ مَنْ يُكَافِئُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ بِنَفْسِهِ عَنْ التَّزَوُّجِ إذَا كَانَ يَرْضَى بِمَنْ لَا يُكَافِئُهُ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مِنْ قُرَيْشٍ فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ أَمَةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ حَبَشِيَّةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَنُجِيزُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَبِهَذَا الِاسْتِشْهَادِ أَشَارَ إلَى الْخَلِيفَةِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا عَلَى عَبْدٍ لِلزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْهِرَهَا الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّهُ مَا سَلَّطَهُ عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ عَيْنِ الْعَبْدِ؛ إذْ

(19/117)


لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ مَا أَمَرَهُ بِهِ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ، ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ حِينَ سَمَّى مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَسْمِيَةٍ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّزْوِيجِ فَعَقَدَ بِأَلْفَيْنِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجُوزُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا فَإِنَّهُ كَمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِتَسْمِيَةِ الْعَبْدِ صَدَاقًا لَمْ يُنْهَ عَنْ ذَلِكَ؛ وَلَكِنْ امْتَنَعَتْ صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ؛ لِمَا قُلْنَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ أَصْلِ النِّكَاحِ كَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ لِلْغَيْرِ يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَلَهَا قِيمَةُ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْعَبْدِ، وَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْأَلْفَيْنِ حَيْثُ خَالَفَ هُنَاكَ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا قَالَ: وَإِنْ زَوَّجَهُ عَلَى وَصْفٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّةِ الْوَصْفِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ وَوُجُوبُ الْمَالِ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ ضَرُورَةِ مَا أَمَرَ بِهِ الْوَكِيلَ وَهُوَ النِّكَاحُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ مِلْكِ النِّكَاحِ لِلزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِ شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ مِنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُشْكِلُ وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ عِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِالنَّقْدِ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ فِي الصَّدَاقِ مُشْتَرَكٌ فَيَصِحُّ تَسْمِيَةُ النَّقْدِ وَغَيْرُ النَّقْدِ حَتَّى إذَا زَوَّجَهُ عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ أَوْ عَلَى عَشَرَةِ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ أَوْ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهُ عَلَى جِرَاحَةٍ جَرَحَهَا الزَّوْجُ وَلَهَا أَرْشٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْأَرْشِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، فَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ كَتَسْمِيَةِ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِأَرْشِ الْجِرَاحَةِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى رَقَبَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ عَقْدًا غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ بِعَقْدٍ يَكُونُ الْعَبْدُ مَعْتُوقًا عَلَيْهِ مَقْصُودًا حَتَّى لَا يَنْقَضِيَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ، وَقَدْ أَتَى بِعَقْدٍ يَكُونُ الْمَقْصُودُ فِيهِ مِلْكَ الْبُضْعِ دُونَ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يَنْقَضِيَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ؛ وَلِأَنَّ تَقَابُلَ الْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ بِمَالٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ جِرَاحَةٍ فِيهَا قِصَاصٌ أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ لَهُ دَارًا لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً لَمْ يُسَمِّيهَا فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَرَضِيَتْ بِذَلِكَ لِلْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا أَنَّ بِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ وَلَدِهِ لِلتُّهْمَةِ فَالتُّهْمَةُ دَلِيلُ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ وَالْقَابِلُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدِهِ مَعَ نَفْسِهِ، وَبِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ مَعَ نَفْسِهِ وَإِنْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّهَا قَالَ: وَلَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَمْيَاءَ أَوْ مَعْتُوهَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مَفْلُوجَةً جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(19/118)


غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّوْكِيلِ سَمَّى الْمَرْأَةَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّا مِثْلَهُ فِي الشِّرَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَلَكِنَّهُمَا قَالَا النِّكَاحُ لَا يَخْتَلُّ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا تَخْتَلُّ صِفَةُ الْمَالِيَّةِ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ بِالشِّرَاءِ حَقُّ الرَّدِّ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ وَلَا يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ فَلِهَذَا صَحَّ مِنْ الْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ الْعَقْدَ عَلَى الْآمِرِ جَعَلْنَا الْوَكِيلَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ شِرَاءً صَحِيحًا وَهُنَا لَوْ لَمْ نُجِزْ عَلَى الْآمِرِ بَطَلَ أَصْلُ الْعَقْدِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ هَذَا الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ

قَالَ: وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مِنْ قَبِيلَةٍ أَوْ مِنْ بَلْدَةٍ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى أَوْ مِنْ بَلْدَةٍ أُخْرَى لَمْ يَجُزْ لِتَقْيِيدِ الْوَكَالَةِ بِمَا سَمَّى وَمُبَاشَرَةُ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا سَمَّى

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَجَعَلَهَا الْوَكِيلُ طَالِقًا إنْ أَخْرَجَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْكُوفَةِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ، ثُمَّ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ وَهُوَ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِالْإِخْرَاجِ وَلَئِنْ جُعِلَ هَذَا شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ مِنْ الْوَكِيلِ وَالشَّرْطُ لَا يَهْدِمُ النِّكَاحَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ وَشَرَطَ شَرْطًا بَاطِلًا وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ لَهَا الْوَكِيلُ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْكُوفَةِ جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ.
كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ إلَّا إنْ حَطَّتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ رِضَاهَا بِالنُّقْصَانِ لِمَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا

وَلَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي فُلَانَةَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ أَبَتْ فَأَعْطِهَا مَا بَيْنَ مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ فَأَبَتْ الْمِائَةَ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ عَلَى مِائَتَيْنِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ وَالْغَايَةُ تَدْخُلُ فِي مِثْلِهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْإِبَاحَاتِ إذَا قَالَ: خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى مِائَةٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ فَفَعَلَ وَقَالَ الزَّوْجُ عَنَيْتُ أَرْضًا مَيِّتَةً لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّسْمِيَةِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَالْمُتَعَارَفُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْبَيْتِ فِي الصَّدَاقِ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ عَلَى بَيْتٍ مِنْ دَارِهِ فَقَالَ الزَّوْجُ: عَنَيْتُ أَثَاثَ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَقَدْ سَمَّى الْوَكِيلُ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ نَصًّا فَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَصْلًا؛ قَالَ: وَإِنْ أَرْسَلَ رَجُلًا يَخْطُبُ عَلَيْهِ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَذَهَبَ الرَّسُولُ وَزَوَّجَهَا إيَّاهُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ الرَّسُولَ بِالْخِطْبَةِ وَتَمَامُ الْخِطْبَةِ بِالْعَقْدِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالشَّيْءِ مَأْمُورٌ بِإِتْمَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَالْعَاقِدُ فِي بَابِ النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ كَالرَّسُولِ

وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ أَوْ عَلَى حُكْمِهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا وَإِنَّمَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ شَرْعًا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ زَوَّجَهَا إيَّاهُ عَلَى دَارِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى عَبْدِهِ جَازَ النِّكَاحُ وَلَهَا قِيمَةُ ذَلِكَ

(19/119)


لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ؛ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا وَلَكِنَّ صَاحِبَهُ اسْتَحَقَّ عَيْنَ مِلْكِهِ فَيَكُونُ لَهَا قِيمَتُهُ صَدَاقًا عَلَى الزَّوْجِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ بِنَفْسِهِ

قَالَ: وَإِنْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً مُعْتَدَّةً أَوْ لَهَا زَوْجٌ قَدْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ الْأَوَّلُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِمَّا سَمَّى لَهَا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ حَصَلَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ الْعَقْدِ فَسَقَطَ بِهِ الْحَدُّ وَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ الْحُكْمُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا لَزِمَ الزَّوْجَ إنَّمَا لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الدُّخُولُ لَا بِعَقْدِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْبَاطِلَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا كَذَلِكَ إنْ كَاتَبَ أُمَّ امْرَأَةِ الزَّوْجِ وَالْوَكِيلُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ مِنْ الْأَقَلِّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِمَّا سَمَّى لِلْمَوْطُوءَةِ مِنْ فَسَادِ نِكَاحِ امْرَأَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ فِعْلِ الزَّوْجِ لَا بِعَقْدِ الْوَكِيلِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَرَامَتِهَا فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ لَمْ نَرَ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ النِّكَاحُ كَانَ لَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ فَهَذَا فِي مَعْنَى تَسْمِيَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفِ لَهَا فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا سُمِّيَ لَهُ نَصًّا وَيَسْتَوِي إنْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الْكَرَامَةَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمَّى لَهَا الزِّيَادَةَ قَدْرًا مَعْلُومًا ضَمِنَهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ فَهُنَا أَوْلَى، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ مَعَ ذَلِكَ طَلَاقَ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَفِي هَذَا الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لَهَا فَهُوَ قِيَاسُ مَا لَوْ شَرَطَ كَرَامَتَهَا

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً فَزَوَّجَهُ حُرَّةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَأْمُورَ نَصًّا وَفِي هَذَا التَّقْيِيدِ مَنْفَعَةٌ لِلزَّوْجِ وَهُوَ أَنْ لَا يُؤْوِيَ الْحُرَّةَ الَّتِي تَحْتَهُ فِي الْقِسْمِ، وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الْأَمَةِ دُونَ مُؤْنَةِ الْحُرَّةِ وَإِنْ زَوَّجَهُ مُكَاتَبَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ جَازَ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ كَالْأَمَةِ إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْصَنًا بِالدُّخُولِ بِهِنَّ بِالنِّكَاحِ كَمَا فِي الْأَمَةِ قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَمِلْكُ النِّكَاحِ يَثْبُتُ عَلَى الصَّغِيرَةِ حَسْبَمَا يَثْبُتُ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُ الْمُجَامَعَةِ مُتَأَخِّرًا لِصِغَرِهَا وَلَوْ كَانَ فَائِتًا بِأَنْ كَانَتْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ بِهِ مُخَالِفًا فَهُنَا أَوْلَى

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَانِ فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفٍ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْكُوفَةِ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ كَانَ لَهَا كَمَالُ مَهْرِ مِثْلِهَا بِاعْتِبَارِ مَا سَمَّى لَهَا إذَا لَمْ يَفِ الزَّوْجُ بِالشَّرْطِ، وَالْوَفَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ الْتَزَمَهُ بِنَفْسِهِ وَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى تَزْوِيجِهِ إيَّاهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً قَدْ حَلَفَ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهَا أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا أَوْ كَانَ آلَى مِنْهَا أَوْ

(19/120)


ظَاهَرَهَا أَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ اسْمَ الْمَرْأَةِ فِي التَّوْكِيلِ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: أَوَّلًا يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا يَخْتَارُ أَيَّتَهمَا شَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى إحْدَاهُمَا مُمْتَثِلٌ أَمْرَ الزَّوْجِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ النِّكَاحِ لَهُ فِي امْرَأَةٍ يُعَبِّرُ عَنْهَا وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ثَلَاثًا وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ: أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَلَا يَمْلِكُ إثْبَاتَهُ فِي الْمَجْهُولِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْخَطَرِ فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي غَيْرِ الْمَعْنَى فِي الْحُكْمِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ لِخَطَرِ الْبَيَانِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِنِكَاحِ امْرَأَتَيْنِ

وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهُ تِلْكَ وَأُخْرَى مَعَهَا لَزِمَتْهُ تِلْكَ دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ فَإِنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ لَا يَخْتَلِفُ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَاخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْوَكِيلُ فَقَالَ الزَّوْجُ زَوَّجَتْنِي هَذِهِ وَقَالَ الْوَكِيلُ لَا بَلْ زَوَّجْتُك هَذِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إذَا صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ مُعَبِّرٌ وَالزَّوْجُ إنَّمَا يَمْتَلِكُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْوَكِيلِ وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا وَلَا قَوْلَ لِلْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ أَوْ فُلَانَةَ فَأَيَّتُهُمَا زَوَّجَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ فَهَذَا الْقَيْدُ مِنْ الْجَهَالَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَإِنْ زَوَّجَهُمَا جَمِيعًا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِنِكَاحِ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ نِكَاحِهِمَا لِلزَّوْجِ وَلَا نِكَاحِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلَا إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً، وَوَكَّلَ آخَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَزَوَّجَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَةً وَإِذَا هُمَا أُخْتَانِ جَازَ نِكَاحُ الْأُولَى مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ وَلَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ لَا لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ وَلَكِنْ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحَانِ مَعًا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ حَرَامٌ وَقَدْ حَصَلَ بِهِمَا مَعًا وَلَيْسَ تَصْحِيحُ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ خَمْسَةَ رَهْطٍ أَنْ يُزَوِّجَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ امْرَأَةً فَالْجَمْعُ بَيْنَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ بِالنِّكَاحِ حَرَامٌ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَكَانَ هَذَا مِثْلَ الْأَوَّلِ

قَالَ: وَلَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ وَكَالَةٍ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ أَوْ خَمْسَ نِسْوَةٍ فِي

(19/121)


عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ أَوْ أَيَّ أَرْبَعٍ شَاءَ مِنْ الْخَمْسِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ كُلَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ لَا يَكُونُ نَافِذًا بَلْ مَوْقُوفًا وَالْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ لَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَلَا يُثْبِتُ الْفِرَاشَ فَلَا يَكُونُ مِنْ ضَرُورَةِ تَوَقُّفِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ امْتِنَاعُ تَوَقُّفِ الثَّانِي وَلَا مِنْ ضَرُورَةِ تَوَقُّفِ الْعَقْدِ الثَّانِي بُطْلَانُ الْأَوَّلِ فَإِذَا تَوَقَّفَ الْكُلُّ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَلَا بَيْنَ خَمْسِ نِسْوَةٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ نِكَاحَ شَيْءٍ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ مَا يَتَصَوَّرُ نُفُوذُ بِالْإِذْنِ السَّابِقِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يَنْفُذُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَلَا بِإِذْنِهِ سَابِقًا فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بِخِلَافِ الْعُقُودِ الْمُتَفَرِّقَةِ فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ مِنْ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ عَلَى حِدَتِهِ وَهُوَ مِمَّا يَنْفُذُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَبِإِذْنِهِ السَّابِقِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ أَيْضًا

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ فَزَوَّجَهُ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَرْبَعَ إمَاءٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ فَمُبَاشَرَتُهُ فِيمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ التَّزْوِيجِ كَمُبَاشَرَةِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَزَوَّجَهُ وَاحِدَةً جَازَ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي بَعْضِ مَا أَمَرَ بِهِ وَحُكْمُ نِكَاحِ هَذِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِضَمِّ نِكَاحِ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَا يَكُونُ هَذَا التَّفْرِيقُ مِنْ الْوَكِيلِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا وَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَلَوْ كَانَ قَالَ: لَا يُزَوِّجُنِي إلَّا اثْنَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ نِكَاحُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ الْعَقْدِ هُنَا وَاسْتَثْنَى عَقْدًا وَاحِدًا فَمَا لَا يَكُونُ بِصِفَةِ الْمُسْتَثْنَى فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ مَا نَهَاهُ عَنْ شَيْءٍ نَصًّا بَلْ أَمَرَهُ وَقَيَّدَ الْأَمْرَ بِمَا لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَبَقَ إذَا قَالَ: لَا تَبِعْ إلَّا بِشُهُودٍ فَبَاعَ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ وَقَدْ قَالَ: لَهُ بِعْ بِشُهُودٍ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَإِذَا لَهَا زَوْجٌ فَمَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا إيَّاهُ الْوَكِيلُ جَازَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَحَلَّا عِنْدَ التَّوْكِيلِ؛ لِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُوَكِّلُ صَارَ التَّوْكِيلُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا مَحَلَّا فَإِنَّ التَّوْكِيلَ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ ثُمَّ أَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّ مَا قَصَدَ تَحْصِيلُهُ بِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَزْلَ الْوَكِيلِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ التَّوْكِيلُ بِالْإِبَانَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ لِذَلِكَ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ

قَالَ: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا إيَّاهُ جَازَ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَحْصُلْ بِمُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ مَعَ نَفْسِهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَبَيْنَ الْوَكَالَةِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ

(19/122)


بَعْدَهُ صَحِيحٌ حَتَّى إذَا فَارَقَهَا زَوَّجَهَا مِنْهُ فَبَقَاؤُهَا أَوْلَى وَلَوْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَسْلَمَتْ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ الْوَكِيلُ جَازَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا فِي التَّوْكِيلِ يَنْصَرِفُ إلَى الْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحُرَّةِ، فَكَذَلِكَ التَّوْكِيلُ فِي الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِحَالِ حُرِّيَّتِهَا فَبَعْدَ مَا صَارَتْ أَمَةً لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَقَيَّدُ فَمَتَى زَوَّجَهَا مِنْهُ كَانَ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ تَزَوَّجْ أُمَّهَا أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَذَلِكَ عَزْلٌ مِنْهُ لِلْوَكِيلِ وَقَدْ سَبَقَ نَظَائِرُهُ

قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَيْسَ هَذَا بِإِخْرَاجٍ لَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِمَا أَحْدَثَ فَإِنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ يَمِينِهِ صَحَّ النِّكَاحُ فَيَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ أَيْضًا

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ لَهَا لَمْ يَجُزْ قِيلَ: هَذَا قَوْلُهُمَا وَهُوَ قِيَاسُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ نِكَاحُ الْوَكِيلِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ كَانَ جَائِزًا وَإِنْ كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ، وَمُطْلَقُ التَّوْكِيلِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ شَرْعًا دُونَ مَا يَكُونُ مَمْنُوعًا عِنْدَهُ فَيُقَيَّدُ مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ بِهَذَا الدَّلِيلِ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهَا لَمْ يَتِمَّ بِالتَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ؛ لِأَنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقَّ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ إلَى عَقْدٍ يَتِمُّ لَهَا بِهِ مَقْصُودُ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ كُفْئًا لَهَا غَيْرَ أَنَّهُ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ صَبِيٌّ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ يَتِمُّ لَهَا بِمَا صَنَعَهُ الْوَكِيلُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَيُؤَجَّلُ.
كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ هِيَ نَفْسَهَا، ثُمَّ عَلِمَتْ بِهَذَا الْعَيْبِ مِنْ الزَّوْجِ قَالَ: وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا أَمَرَتْهُ أَنْ يَكُونَ مُزَوِّجًا لَا مُتَزَوِّجًا وَلِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مُتَّهَمٌ وَالتُّهْمَةُ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَلَوْ زَوَّجَهَا ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَازَ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ صَغِيرًا فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ الْعَقْدَ مَعَ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي جَانِبِهِ

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَتْهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ وَهَبَهَا لِرَجُلٍ بِشُهُودٍ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ وَقَبِلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّزْوِيجِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَإِنَّ

(19/123)


لَفْظَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّزْوِيجِ مَجَازًا وَتَرْكُ تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ لَا يَمْنَعُ حُصُولَ الْمَقْصُودِ بِالنِّكَاحِ وَلَا وُجُوبَ الصَّدَاقِ، وَكَذَلِكَ فَسَادُ التَّسْمِيَةِ كَمَا لَوْ بَاشَرَتْهُ هِيَ بِنَفْسِهَا قَالَ: وَإِنْ زَوَّجَهَا إيَّاهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ زَادَ عَبْدًا لَهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهَا مَا رَضِيَتْ بِزَوَالِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهَا وَلَكِنَّ الزَّوْجَ سَمَّى الْأَلْفَ بِمُقَابَلَةِ نِكَاحِهَا وَالْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ تُسَلِّمْ لَهُ الْعَبْدَ فَبِمَنْعِهَا بَطَلَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْأَلْفِ وَجَازَ النِّكَاحُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْأَلْفِ.

قَالَ: وَلَوْ تَزَوَّجَتْ هِيَ قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْوَكِيلُ فَقَدْ أَخْرَجَتْهُ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَّلَتْ مَا هُوَ مَقْصُودُهَا بِالتَّوْكِيلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّتْ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا بِمَا أَحْدَثَتْ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهَا عَزْلًا لِوَكِيلِهَا سَوَاءٌ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ تَلْحَقْ.

قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ لَهَا زَوْجٌ فَقَالَتْ لِرَجُلٍ إنِّي أَخْتَلِعُ مِنْ زَوْجِي فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَزَوِّجْنِي فُلَانًا جَازَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَتْ؛ لِأَنَّهَا أَضَافَتْ الْوَكَالَةَ إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيُجْعَلُ كَمُبَاشَرَتِهَا التَّوْكِيلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَتْهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا وَقَالَتْ مَا صَنَعْتَ مِنْ أَمْرِي فِي شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَحَضَرَ الْوَكِيلَ الْمَوْتُ فَأَوْصَى بِوَكَالَتِهَا إلَى رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ الثَّانِي بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّهَا فَوَّضَتْ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ رَأْيِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ فِي حَيَاتِهِ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي هَذَا قِيَاسُ النِّكَاحِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَتْهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلًا فَزَوَّجَهَا مِنْهُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا كَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَأَمْرُهَا بِيَدِهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ يَسْتَبِدُّ بِهِ الزَّوْجُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِيهِ وَلَا هُوَ حَاصِلٌ بِقَبُولِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا وَكِيلَ الرَّجُلِ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِهِ

وَلَوْ قَالَ: الزَّوْجُ زَوِّجْنِي امْرَأَةً وَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ لَهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا حِينَ يَقَعُ النِّكَاحُ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَبِدُّ بِذَلِكَ مُضَافًا إلَى النِّكَاحِ كَمَا يَسْتَبِدُّ بِهِ مُنَجَّزًا بَعْدَ النِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي امْرَأَةً وَاشْتَرَطَ لَهَا عَلَى أَنِّي إذَا تَزَوَّجْتهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ بِيَدِهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَا بَاشَرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بَلْ فَوَّضَهُ إلَى الْوَكِيلِ فَمَا لَمْ يُبَاشِرْهُ الْوَكِيلُ لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا وَلَيْسَ فِي تَرْكِ الْوَكِيلِ هَذَا الشَّرْطَ ضَرَرٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَلْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ عَلَى أَنْ زَادَتْهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ بَطَلَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهَا فِي النِّكَاحِ وَزَادَ تَصَرُّفًا آخَرَ وَهُوَ الشِّرَاءُ، فَإِنَّ مَا يَخُصُّ الْمِائَةَ مِنْ الْعَبْدِ يَكُونُ مَبِيعًا وَمَا يَخُصُّ الْبُضْعَ يَكُونُ صَدَاقًا فَلَا تَنْفُذُ حِصَّةُ الشِّرَاءِ إلَّا بِرِضَاهَا إذْ الْوَكِيلُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُلْزِمَهَا

(19/124)


الْمِائَةَ بِغَيْرِ رِضَاهَا، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مَا يَخُصُّ الْمِائَةَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْعَاقِدِ إذَا تَعَذَّرَ بِتَقْيِيدِ غَيْرِهِ وَيَكُونُ الْمُبَاشِرُ مُعَبِّرًا لَا يَلْزَمُ شَيْئًا بِنَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَثْبُتُ تَبَعًا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْقَبُولِ إذَا قَالَتْ تَزَوَّجْنِي عَلَى هَذَا الْعَبْدِ عَلَى أَنْ أَزِيدَك مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَالَ: فَعَلْتُ يَتِمُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهَا.
وَالشِّرَاءُ مَقْصُورًا لَا يَتِمُّ بِهَذَا اللَّفْظِ بِدُونِ الْقَبُولِ فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا هُوَ بَيْعٌ لَيْسَ نَظِيرَ مَا هُوَ مَقْصُودٌ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَتْهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى دَمٍ عَمْدٍ فِي عِتْقِهَا فَزَوَّجَهَا بَعْضُ أَوْلِيَاءِ ذَلِكَ الدَّمِ بَطَلَتْ حِصَّةُ الزَّوْجِ مِنْ الدَّمِ كَمَا لَوْ بَاشَرَتْ هِيَ الْعَقْدَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَزَوُّجَ الزَّوْجِ إيَّاهَا عَلَى الْقِصَاصِ يَكُونُ عَفْوًا مِنْهُ عَنْهَا وَذَلِكَ صَحِيحٌ فِي نَصِيبِهِ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِينَ مَالًا فَعَلَيْهَا حِصَّةُ الْوَرَثَةِ مِنْ الدِّيَةِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا فَهَذَا وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ سَوَاءٌ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الرَّجُلُ وَكِيلَيْنِ بِالتَّزْوِيجِ أَوْ الْخُلْعِ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا عَقْدًا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْمُثَنَّى قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا جَازَ لِأَنَّ هَذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ بَلْ الْحَاجَةُ فِيهِ إلَى الْعِبَارَةِ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى سَوَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ تَوْكِيلِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ]
ِ (قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ مَا فَوَّضَ إلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي هَذَا التَّبْعِيضِ بَلْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ، وَلِأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَمَكُّنُهُ مِنْ إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا مَكَّنَ الزَّوْجَ مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ فَلَأَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ أَوْلَى وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ اثْنَيْنِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ وَلَمْ يَصِرْ مُتَمَكِّنًا مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ بِتَفْوِيضِ الْوَاحِدَةِ إلَيْهِ فَلَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ إيقَاعِهَا وَلَا الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ مَا أَوْقَعَهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَزِيَادَةً فَيَعْمَلُ إيقَاعُهُ بِقَدْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَهِيَ خِلَافِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِأَنَّهُ لَاغٍ فِي قَوْلِهِ: رَجْعِيَّةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ، يَبْقَى قَوْلُهُ طَلَّقْتُك فَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فُوِّضَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الصِّفَةِ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ وَهُوَ

(19/125)


نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً لِانْعِدَامِ مَحَلِّهَا يَبْقَى قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ بَائِنًا كَمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ شَرْعًا

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَاغٍ فِي قَوْلِهِ: بَائِنَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ تِلْكَ الصِّفَةَ يَبْقَى قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِمَا أَلْحَقَ كَلَامَهُ مِنْ الصِّفَةِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُمْتَثِلًا فِي إيقَاعِ أَصْلِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْأَصْلَ لَا يَتَغَيَّرُ بِالصِّفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْقَعَ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُرَكَّبٍ مُؤَلَّفٍ، وَالْوَاحِدَةُ فِي ذَوِي الْأَعْدَادِ أَصْلُ الْعَدَدِ وَلَيْسَ فِيهِ تَأْلِيفٌ وَتَرْكِيبٌ، وَبَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ بِضَمِّ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ الْأُولَى فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُمْتَثِلًا فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ مَعَ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهُ يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ.
وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِهِ لِوُجُودِ الْمُنَافِي فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ السُّنَّةِ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَكَالَةَ إلَى وَقْتِ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّ اللَّامَ لِلْوَقْتِ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى {: أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِوَقْتِ دُلُوكِ الشَّمْسِ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي غَيْرِ وَقْتِ السُّنَّةِ، وَمُبَاشَرَتُهُ مَا لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ لَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ حَتَّى إذَا طَلَّقَهَا فِي وَقْتِ السُّنَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ خَالَعَهَا فَإِنَّ طَلَاقَ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لِلزَّوْجِ مِنْ الطَّلَاقِ مَحْصُورٌ بِالْعَدَدِ فَلَا يَتَغَيَّرُ مَا أَوْقَعُهُ الزَّوْجُ بِمَا فَوَّضَهُ إلَى الْوَكِيلِ وَلَكِنْ مَا بَقِيَ الزَّوْجُ مَالِكًا لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ أَيْضًا، وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الْوَكِيلِ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ الزَّوْجِ مِنْ الْإِيقَاعِ بِالسَّبَبِ الْمُتَجَدِّدِ وَالْوَكَالَةُ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ فَلَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ بِاعْتِبَارِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ فَإِنَّ طَلَاقَ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ تَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ الْإِيقَاعِ بِالسَّبَبِ الْمُتَجَدِّدِ

وَلَوْ قَالَ: لِرَجُلٍ إذَا تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَطَلِّقْهَا فَتَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ كَالطَّلَاقِ وَقَدْ وَقَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَاجِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَالْمُسْتَثْنَى لِلتَّوْكِيلِ

وَلَوْ وَكَّلَ عَبْدًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْإِيقَاعِ لَا يَزُولُ بِبَيْعِهِ وَابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ يَصِحُّ بَعْدَ بَيْعِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ مَجْنُونًا

(19/126)


فَقَبِلَ الْوَكَالَةَ فِي حَالِ جُنُونِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ بِالْإِفَاقَةِ يَزْدَادُ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا يَزُولُ مَا كَانَ ثَابِتًا

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا بِالطَّلَاقِ فَارْتَدَّ الْوَكِيلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا كَانَ عَلَى وَكَالَتِهِ إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ فَأَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَالْوَكِيلُ غَائِبٌ لَا يَعْلَمُ فَطَلَّقَهَا فَالطَّلَاقُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَثْبُتُ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِهَا كَمَا فِي الْعَزْلِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ عِلْمِهِ وَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي قُلْنَا: إنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ مُعَبِّرٌ عَنْ مَنَافِعِهِ فِي التَّصَرُّفِ لَهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِعِلْمِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا تَصَرَّفَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْوَصِيَّةِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ وَهُوَ النَّائِبُ فِيهَا وَلِأَنَّ أَوَانَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ فَالْحَاجَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي تُصْرَفُ إلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ قِيَاسِيَّةً، فَأَمَّا هُنَا فَالْوَكَالَةُ إنَابَةٌ وَالْمُوَكِّلُ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِهَا

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ ارْتَدَّتْ بِرَدِّهِ فَكَأَنَّهَا ارْتَدَّتْ بِرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ قَبِلْت وَإِنْ قَالَ: رَدَدْت حِينَ طَلَّقَهَا وَقَعَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَقَعُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُعِيرٌ لِمَنَافِعِهِ وَالْإِعَارَةُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ فَمَا لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا لَا يَعْمَلُ إيقَاعُهُ.
، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ دَلِيلَ الْقَبُولِ وَإِقْدَامَهُ عَلَى مَا فُوِّضَ إلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى قَبُولِهِ الْوَكَالَةَ فَقَدْ يُبَاشِرُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَدْ لَا يُبَاشِرُ

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ الصَّحِيحُ وَكِيلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي مَرَضِ الْمُوَكِّلِ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ لِأَنَّ إيقَاعَ الْوَكِيلِ كَإِيقَاعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ: بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بَقَاءُ مِيرَاثِهَا بِاعْتِبَارِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا فَإِنَّ التَّوْكِيلَ كَانَ فِي الصِّحَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا فِي مَالِهِ حَقٌّ يَوْمئِذٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ صُنْعٌ بَعْدَهُ قُلْنَا: لَا مُعْتَبَرَ لِقَصْدِ الْفِرَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ مَتَى كَانَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا فِي مَرَضِهِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُضَافٍ إلَيْهِ يُجْعَلُ فَارًّا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ هُنَا مَعَ أَنَّهُ قَادِرٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ عَزْلِ الْوَكِيلِ بَعْدَ مَرَضِهِ فَاسْتِدَامَةُ الْوَكَالَةِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَزْلِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ التَّوْكِيلِ فِي أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ بَعْدَ التَّوْكِيلِ، ثُمَّ مَرِضَ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ أَوْ وَكَّلَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ إسْلَامِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَمَرِضَ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْوَكَالَةَ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ

(19/127)


تَعْلِيقُ الْمُسْلِمِ الْوَكَالَةَ بِمَرَضِهِ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ فَكَأَنَّهُ أَنْشَأَ التَّوْكِيلَ بَعْدَ مَرَضِهِ

قَالَ: وَإِذَا شَهِدَ الْمَوْلَيَانِ عَلَى وَكَالَةِ زَوْجِ أَمَتِهِمَا بِالطَّلَاقِ وَأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ طَلَّقَ أَوْ شَهِدَا عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ تَدَّعِي ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ تَجْحَدُ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارَ فِي شَهَادَةِ الِابْنَيْنِ لِأَبِيهِمَا، فَكَذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الْمَوْلَيَيْنِ لِأَمَتِهِمَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ الْمَنْفَعَةَ، وَعَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هُمَا فِي مَعْنَى الشَّاهِدَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ يَعُودُ إلَيْهِمَا بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ وَشَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ تَقُومُ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْإِنْسَانِ خَصْمًا فِي مُنَافَاةِ الشَّهَادَةِ أَبْلَغَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ أَحَدٍ خَصْمٌ فِيمَا هُوَ حَقُّ الشَّرْعِ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَتْ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ مَقْبُولَةً كَالزِّنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ فِيمَا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الطَّلَاقِ سُقُوطُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَنْهَا أَوْ حُرْمَةُ الْمَحَلِّ عَلَيْهِ لَا انْتِقَالُ ذَلِكَ الْمِلْكِ إلَى الْمَوْلَيَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ مِلْكُ الزَّوْجِ ظَهَرَ مِلْكُ الْمَوْلَيَيْنِ لِفَرَاغِ الْمَحَلِّ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ وَبِهَذَا لَا يُمْنَعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ كَصَاحِبَيْ الدَّيْنِ إذَا شَهِدَا لِلْمَدْيُونِ بِمَالِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا عَلَى إنْسَانٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ كَانَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمَا إذَا قَبَضَ الْمَشْهُودُ لَهُ الْمَالَ

وَإِذَا قَالَ: الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْت أَوْ إنْ هَوَيْت أَوْ أَرَدْت فَقَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْمَشِيئَةِ مِنْهُ وَذَلِكَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَتَمْلِيكِ الْمَشِيئَةِ فِي الْقَبُولِ بِإِيجَابِ الْبَيْعِ لَهُ وَالْوَكِيلُ هُنَا فِي مَعْنَى الْمُخَيَّرِ وَقَدْ اتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا؛ لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِلرَّأْيِ وَالْمَشِيئَةِ، مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَقِيَامُهَا مِنْ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ، فَكَذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَصِيرُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الرَّأْيِ وَالْمَشِيئَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ طَلِّقْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ إنَابَةٌ وَاسْتِعَارَةٌ لِمَنَافِعِهِ فَيَقُومُ هُوَ فِي الْإِيقَاعِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا تَفْوِيضٌ لِلْمَشِيئَةِ إلَيْهِ لَا اسْتِعَارَةُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا إنْ شَاءَتْ أَوْ هَوَيْت أَوْ أَرَادَتْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا حَتَّى تَشَاءَ هِيَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّوْكِيلَ بِمَشِيئَتِهَا، وَلَوْ عَلَّقَ الْوُقُوعَ بِمَشِيئَتِهَا اقْتَصَرَ ذَلِكَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَتَأَخَّرَ الْوُقُوعُ إلَى حِينِ وُجُودِ مَشِيئَتِهَا، فَكَذَلِكَ إذَا عَلَّقَ التَّوْكِيلَ وَإِذَا صَارَ وَكِيلًا فَإِنْ قَامَ الْوَكِيلُ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ قَالَ:

(19/128)


عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ مَشِيئَتِهَا إنَّمَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ.
كَمَا لَوْ نُجِزْ هَذَا اللَّفْظَ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إنْ شَاءَتْ الطَّلَاقَ، وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ، وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ إنْ شَاءَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةَ فَثُبُوتُ الْوَكَالَةِ بِالْإِيقَاعِ بِنَاءً عَلَى مَا فُوِّضَ إلَيْهَا مِنْ الْمَشِيئَةِ وَمَشِيئَتُهَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَهُوَ لَا يَتَأَبَّدُ، فَكَذَلِكَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ تَمَكُّنِ الْوَكِيلِ مِنْ الْإِيقَاعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ بِالْمَشِيئَةِ وَقَعَتْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَهَا، وَلَوْ جَعَلَ قَوْلَهُ أَنْتَ وَكِيلٌ فِي طَلَاقِهَا مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَشِيئَةِ يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَهَا وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا إنْ شِئْت فَإِنْ شَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ فَلَا وَكَالَةَ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ بِمَشِيئَتِهِ يَكُونُ مِلْكًا لِلرَّأْيِ، وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ كَتَعْلِيقِ الْإِيقَاعِ بِمَشِيئَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ فُلَانَةَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ بَاشَرَهُ فِي مَنْعِ صِفَةِ اللُّزُومِ وَالْوَكَالَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ بِحَالٍ فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيمَا لَا يَكُونُ مُفِيدًا يَكُونُ بَاطِلًا، وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ التَّفَرُّدِ بِالْفَسْخِ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ وَهَذَا فِي الْوَكَالَةِ ثَابِتٌ بِدُونِ اشْتِرَاطِ صَاحِبِ الْخِيَارِ وَكَمَا لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ فِي الْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِهِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا لَمْ يَقَعْ وَإِنْ جَاءَ الْغَدُ لِأَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ التَّخْيِيرُ، وَالْإِضَافَةُ إلَى وَقْتِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ غَيْرُ التَّخْيِيرِ

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ وَقَعَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْأَلْفِ وَالزَّوْجُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَيْهَا جَمِيعُ الْأَلْفِ فَكَانَ بِمَا صَنَعَ مُخَالِفًا وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِالْإِيقَاعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَا هُوَ مَقْصُودُ الزَّوْجِ مِنْ الْمَالِ وَنَفْعُهُ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْحِلِّ فِي الْمَحَلِّ حِينَ اقْتَصَرَ عَلَى إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ قَبْضُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فِي بَابِ الْخُلْعِ إيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَالْوَكِيلُ مُعَبِّرٌ عَنْهُ إمَّا حَقِيقَةً بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ أَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْإِيقَاعِ بِنَفْسِهِ فَهُوَ نَظِيرُ وَكِيلِ الْمَوْلَى فِي الْعِتْقِ بِجُعْلٍ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ قَبْضُ الْبَدَلِ

قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَإِنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَى نِسَائِهِ جَازَ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَى

(19/129)


امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَقَدْ فَعَلَ، فَإِنْ طَلَّقَهُنَّ جَمِيعًا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْوَاحِدَةِ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ مُبْتَدِئٌ فَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِنَفْسِهِ عَلَى إحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَلَيْسَ إلَى الْوَكِيلِ مِنْ الْبَيَانِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ عَنْ الزَّوْجِ وَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ وَكَالَتِهِ بِإِيقَاعِهِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقْهَا تَفْوِيضٌ وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى الْعُمُومَ فِي التَّفْوِيضِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ ثُمَّ الْوَكِيلُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِمَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا وَاحِدَةً وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اخْلَعْهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ تَقَعُ فِي الْخُلْعِ

وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْ إحْدَاهُنَّ بِعَيْنِهَا أَوْ اخْلَعْهَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: طَلِّقْ أَيَّتَهنَّ شِئْت وَهُنَاكَ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ عَلَى وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا، وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَبَاعَ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ: الْمُوَكِّلُ لَمْ أَعْنِ هَذَا لَمْ يُصَدَّقْ، فَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ: التَّعْيِينُ مِنْ ضَرُورَةِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ فَإِنَّ بِدُونِ التَّعْيِينِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَهُنَا التَّعْيِينُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ فَإِنَّ بِدُونِ التَّعْيِينِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُنَّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الْإِيقَاعَ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ خِيَارِ الزَّوْجِ، قُلْنَا: هَذَا أَنْ لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ لِنَفْسِهِ خِيَارًا وَهُنَا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَكِنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهُ عِنْدَ انْعِدَامِ تَعَيُّنِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إذَا وَقَعَ عَلَى إحْدَاهُنَّ بِعَيْنِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْكِيلِ وَهُوَ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْإِيقَاعِ عَلَى وَاحِدَةٍ وَهَذِهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَدْ أَوْقَعَ عَلَيْهَا فَكَانَ مُمْتَثِلًا لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ بِالْإِيقَاعِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثُمَّ الْخِيَارُ إلَى الزَّوْجِ لِانْعِدَامِ تَعَيُّنِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ التَّعْيِينَ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ قَدْ انْتَهَتْ بِالْإِيقَاعِ فَأَمَّا قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَوَكَالَتُهُ قَائِمَةٌ فَلِهَذَا مَلَكَ الْإِيقَاعَ عَلَى وَاحِدَةِ بِعَيْنِهَا

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا أَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا عَلَى مَالٍ أَوْ عَلَى مَا بَدَا لَهُ فَخَلَعَهَا عَلَى الْمَهْرِ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهَا وَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا فَيَقُولُ: اخْلَعْ امْرَأَتَك وَلَا يَقُولُ اخْلَعْنِي، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْوَكِيلِ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ أَيْضًا، قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَتْهُ بِالْخُلْعِ فَلَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ مَا لَمْ تَعْزِلْهُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ أَوْ

(19/130)


التَّوْكِيلِ بِالْخُلْعِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ، وَوَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ الرَّجُلَ أَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَخَلَعَهَا الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَلْقَ الزَّوْجَ وَلَا الْمَرْأَةَ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ وَهُوَ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهَا الْتِزَامٌ لِلْمَالِ بِعِوَضٍ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْخُلْعِ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ فَالْوَاحِدُ إذَا تَوَلَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ مُسْتَزِيدًا أَوْ مُسْتَنْقِصًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَدَلُ مُسَمًّى لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْبَدَلِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ يَمْنَعُ الْوَكِيلَ مِنْ النُّقْصَانِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَمِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ يَمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ دُونَ النُّقْصَانِ.

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِمَا شَاءَ فَخَلَعَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِخَادِمِهَا فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَخْلَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ فَخَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ أَوْ عَرْضٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِهِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ رَضِيَتْ بِالْخُلْعِ لَا بِزَوَالِ مِلْكِهَا عَنْ الْخَادِمِ، وَالزَّوْجُ رَضِيَ بِالْخُلْعِ لَا بِدُخُولِ ذَلِكَ الْعَرْضِ بِعَيْنِهِ فِي مِلْكِهَا فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ اشْتَرِي طَلَاقَك مِنِّي بِمَا شِئْت فَقَدْ وَكَّلْتُك بِذَلِكَ فَقَالَتْ قَدْ اشْتَرَيْته بِكَذَا، وَكَذَا كَانَ بَاطِلًا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ نَائِبَةً عَنْ الزَّوْجِ فِي تَعْيِينِ جِنْسِ الْبَدَلِ وَتَسْمِيَةِ مِقْدَارِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بِحُكْمِ النِّيَابَةِ تَكُونُ مُسْتَزِيدَةً فِي ذَلِكَ وَبِاعْتِبَارِ جَانِبِهَا تَكُونُ مُسْتَنْقِصَةً، وَلَوْ قَالَ: لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مِنِّي بِكَذَا، وَكَذَا فَفَعَلَتْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُنَا قَدَّرَ الْبَدَلَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَهَا نَائِبَةً عَنْهُ فِي الْإِيقَاعِ وَهِيَ تَصْلُحُ مُعَبِّرَةً عَنْ الزَّوْجِ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ قَالَ: وَلَا تُنْشِئُ الطَّلَاقَ بِالْمَالِ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ مَالٍ، وَقِيلَ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخُلْعِ بِمَالٍ أَنَّهُ جَائِزٌ فَمَا مَعْنَى هَذَا الْفَرْقِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ قِيلَ: مَعْنَاهُ إذَا قَالَ: لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك أَوْ اخْتَلِعِي مِنِّي بِغَيْرِ مَالٍ فَأَوْقَعَتْهُ كَانَ صَحِيحًا، وَلَوْ قَالَ: بِمَا شِئْت لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ الزَّوْجُ

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ فَخَلَعَهَا الزَّوْجُ أَوْ بَانَتْ مِنْهُ بِوَجْهٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَخْلَعَهَا؛ لِأَنَّ بِوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ خَرَجَ الْمُوَكِّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْخُلْعِ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ عَزْلَ الْوَكِيلِ، ثُمَّ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مُسْتَأْنَفٍ لَا يُوجِبُ إعَادَةَ الْوَكَالَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَتْهُ هِيَ سَقَطَتْ بِرَدِّهِ أَوْ بِطَلَاقِ الزَّوْجِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا عَلَى عَبْدٍ لَهَا عَلَى أَنْ زَادَهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْمِائَةَ بَطَلَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الْمِائَةِ شِرَاءٌ وَلَمْ يُفَوِّضْ الزَّوْجُ إلَيْهِ ذَلِكَ وَجَازَ لَهُ حِصَّةُ الْمَهْرِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي النِّكَاحِ نَظِيرَهُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ ضَمِنَ الْمِائَةَ لَهَا لَزِمَتْهُ

(19/131)


بِالضَّمَانِ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْبَدَلِ فِي بَابِ الْخُلْعِ مِنْ الْوَكِيلِ صَحِيحٌ، فَكَذَلِكَ ضَمَانُ مَا كَانَ ثُبُوتُهُ تَبَعًا لِلْخُلْعِ.
وَالشِّرَاءُ فِي حِصَّةِ الْمِائَةِ يَثْبُتُ تَبَعًا عَلَى مَا قَدَّرْنَا فَيَصِحُّ الْتِزَامُ الْوَكِيلِ ذَلِكَ بِالضَّمَانِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ بَلْ يَكُونُ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلزَّوْجِ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ

قَالَ: وَلَوْ خَلَعَهَا الْوَكِيلُ عَلَى حُرٍّ أَوْ خَمْرٍ أَوْ دَمٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ هُنَا وَقَعَ بِغَيْرِ جُعْلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ وَالْمُوَكِّلُ بِهَذَا لَمْ يَرْضَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ النِّكَاحُ عِنْدَ تَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَانَ بِعِوَضٍ كَمَا لَوْ تَرَكَ تَسْمِيَةَ الْعِوَضِ أَصْلًا

قَالَ: وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى دِرْهَمٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِيمَا يُفْسِدُ الْوَكَالَةَ بِالْعُرْفِ وَإِنْ خَلَعَهَا عَلَى حُكْمِهَا أَوْ عَلَى حُكْمِ الْوَكِيلِ جَازَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِهَذَا الْخُلْعِ يَقَعُ بِعِوَضٍ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الصَّدَاقِ فَإِنْ حَكَمَتْ بِذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ حُكْمُهَا وَإِنْ حَكَمَتْ أَوْ حَكَمَ الْوَكِيلُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ حَقِّ الزَّوْجِ عَنْ بَعْضِ مَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهُ فَهُمَا لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا بِخُلْعِهَا مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ جَازَ، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا وَالْوَكِيلُ كَافِرًا جَازَ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ حِينَ سَمَّى مَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمَلُّكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكُهَا بِالْعَقْدِ فَلِهَذَا بَطَلَ الْجُعْلُ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ حَالَ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَاكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ هُنَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ وَقَالَ لَهُ إنْ أَبَتْ الْخُلْعَ فَطَلِّقْهَا فَأَبَتْ الْخُلْعَ فَطَلَّقَهَا وَقَعَ بِإِيقَاعِهِ، ثُمَّ هَذَا كَإِيقَاعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ وَإِيقَاعُ الْمُوَكِّلِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ بِالْخُلْعِ، فَكَذَلِكَ إيقَاعُ الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ أَنَا أُخَالِعُ فَخَلَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ رَجْعِيًّا وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يَمْنَعُ الْخُلْعَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَكَالَةَ بِالْخُلْعِ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا فَلِهَذَا صَحَّ الْخُلْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ]
ِ (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَهْطٍ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمْ وَكِيلًا بِإِجَارَةِ نَصِيبِهِ فَأَجَّرَهُ مِنْ جَمِيعِهِمْ جَازَ وَإِنْ أَجَّرَهُ مِنْ أَحَدِهِمْ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَازَ عِنْدَهُمَا

(19/132)


بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاشَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَرْضٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَجَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِتَمَكُّنِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ، وَلَوْ أَجَّرَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَازَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْفَعَةِ مُعْتَبَرٌ بِبَيْعِ الْعَيْنِ فَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ نَصِيبٍ مِنْ الْعَيْنِ شَائِعٌ وَالِاسْتِيفَاءُ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ، إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ هُنَا إذَا أَجَّرَ نَصِيبَهُ مِنْ جَمِيعِ شُرَكَائِهِ فَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ وَإِنْ أَجَّرَهُ مِنْ أَحَدِهِمْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عِنْدَهُ.
وَالْوَكِيلُ بِالْإِجَارَةِ إذَا أَجَّرَهُ بِعَرَضٍ أَوْ خَادِمٍ بِعَيْنِهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ وَعِنْدَهُمَا تَقْيِيدُ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ بِالنَّقْدِ لِدَلِيلِ الْعُرْفِ وَلَا عُرْفَ فِي الْإِجَارَةِ بَلْ الْعُرْفُ فِيهِ مُشْتَرَكٌ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِعَرَضٍ بِعَيْنِهِ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُنَا تَعْيِينُ الْأُجْرَةِ لَا يُخْرِجُ الْعَقْدَ مِنْ أَنْ يَكُونَ إجَارَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُخَالِفًا تَضَرَّرَ بِهِ الْمُوَكِّلُ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَكُونُ لِلْعَاقِدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ، وَالْوَكِيلُ بِالْإِجَارَةِ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ الْإِجَارَةِ وَفِي قَبْضِ الْأَجْرِ وَجِنْسِ الْمُسْتَأْجِرِ بِهِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ قِيَاسُ بَيْعِ الْعَيْنِ وَالْوَكِيلُ وَكِيلٌ فِي إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَكَانَ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ وَهَبَ الْأَجْرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَيَضْمَنُهُ لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ إبْرَاؤُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِأَنَّ الْغَيْرَ صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَاشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ فَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بِالْهِبَةِ يُلَاقِي عَيْنًا هِيَ مِلْكُ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ بَاطِلًا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَجْرُ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ وَصَارَ ضَامِنًا لِلْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا مِثْلُهُ، وَأَمَّا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ جَمِيعِ الْأَجْرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي عُرِفَ فِي الْمُؤَاجِرِ إذَا كَانَ مَالِكًا فَأُبْرِأَ عَنْ جَمِيعِ الْأَجْرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْإِجَارَاتِ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ لَا يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ، وَمَوْتُ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ يَنْقُضُهَا لِأَنَّ الِانْتِقَاضَ بِمَوْتِ رَبِّ الْأَرْضِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَيْنَ قَدْ انْقَلَبَتْ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ فَالْمَنَافِعُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ وَفِي هَذَا لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُؤَجِّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَبِمَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ إنَّمَا تُنْتَقَضُ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَا يَجْرِي فِي الْمَنَافِعِ الْمُجَرَّدَةِ

(19/133)


وَعِنْدَ مَوْتِ الْوَكِيلِ لَا يَتَحَقَّقُ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ وَقَيِّمِ الْوَقْفِ بَعْدَ مَا أَجَّرَ الْعَيْنَ

قَالَ وَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ نَاقَضَ الْمُسْتَأْجِرَ الْإِجَارَةَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ جَازَتْ مُنَاقَضَتُهُ إنْ كَانَ الْأَجْرُ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ فِيمَا سَبَقَ.
(ثُمَّ زَادَ فَقَالَ) إلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ قَبَضَ الْأَجْرَ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ مُنَاقَضَتُهُ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْآمِرِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْأَجْرَ يُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ وَفِي هَذِهِ الْمُنَاقَضَةِ إبْطَالُ مِلْكِ الْآمِرِ عَنْ الْعَيْنِ وَإِبْطَالُ يَدِهِ، لِأَنَّ مَقْبُوضَ الْوَكِيلِ صَارَ كَالْمَقْبُوضِ لِلْآمِرِ فَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ عَيْنًا فَلَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا فَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ أَيْضًا لِلْآمِرِ فَلِهَذَا مَلَكَ الْوَكِيلُ نَقْضَ الْعَقْدِ فِيهِ وَأَمَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ مُنَاقَضَةُ الْإِجَارَةِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ أَرْضًا لَهُ وَفِيهَا بُيُوتٌ وَلَمْ يُسَمِّ الْبُيُوتَ فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْبُيُوتَ وَالْأَرْضَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهَا رَحًى لِأَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ الْبِنَاءِ وَصْفٌ وَتَبَعٌ لَهُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَكَذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الْأَصْلُ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ فَكَذَلِكَ إذَا وُكِّلَ الْوَكِيلُ بِأَنْ يُؤَاجِرَهُ وَإِذَا أَجَّرَ الْأَرْضَ صَاحِبُهَا ثُمَّ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الْأَجْرِ فَهُوَ جَائِزٌ كَالتَّوْكِيلِ بِقَبْضِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنْ أَخَّرَ الْوَكِيلُ الْأَجْرَ عَنْ الْمَطْلُوبِ أَوْ حَطَّهُ عَنْهُ أَوْ صَالَحَهُ عَلَى نَقْضِ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَهُوَ نَائِبٌ مَحْضٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا مَا فُوِّضَ إلَيْهِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا بِدَرَاهِمَ فَأَجَّرَهَا بِدَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا وَلَوْ أَجَّرَهَا بِأَكْثَر مِمَّا سَمَّى لَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ جَازَ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ نَظِيرُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفَيْنِ فَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالَفَ اللَّفْظَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا حَصَّلَ مَقْصُودَ الْآمِرِ وَزَادَ خَيْرًا لَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُ خِلَافًا، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْوَكِيلُ بِالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ بِالدَّرَاهِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَارِعَ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْمُزَارَعَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ بِدَرَاهِمَ وَلَا حِنْطَةٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا أَمَّا فِي الِاسْتِئْجَارِ بِدَرَاهِمَ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ وَكَذَلِكَ بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّ الْآمِرَ إنَّمَا رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ حَقُّ صَاحِبِ الْأَرْضِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ لَا فِي ذِمَّتِهِ وَالِاسْتِئْجَارُ بِالْحِنْطَةِ يُوجِبُ الْأَجْرَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ فِي هَذَا مَنْفَعَةٌ فَرُبَّمَا يُصِيبُ الْخَارِجَ آفَةٌ فَإِذَا كَانَ أَجَّرَهَا مُزَارَعَةً لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ بِحِنْطَةٍ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ ضَامِنًا لِلْأَجْرِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا لَهُ فَأَخَذَهَا لَهُ مُزَارَعَةً لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ أَصْلًا

(19/134)


وَتَجُوزُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَقْدٌ وَهِيَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ فَإِذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ الْآمِرُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَسْتَأْجِرُهَا لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْآمِرِ فَإِنَّهُ إنْ حَصَلَ الْخَارِجُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ يَجِبُ الْأَجْرُ سَوَاءٌ حَصَلَ الْخَارِجُ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ أَرْضًا فَمَا اسْتَأْجَرَهَا بِهِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الْأَرْضَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَنَحْوِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِئْجَارِ مُطْلَقٌ فَمَا اسْتَأْجَرَ بِهِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ مُطْلَقٌ، وَقِيلَ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرَ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا بِالنَّقْدِ فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَقِيلَ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ فِي الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ عُرْفًا ظَاهِرًا فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُ التَّوْكِيلِ عَلَى الْعُمُومِ حُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَلَيْسَ فِي الِاسْتِئْجَارِ مِثْلُ ذَلِكَ الْفَرْقِ فَقَدْ يَكُونُ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِالنَّسِيئَةِ كَمَا يَكُونُ بِالنَّقْدِ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ يَمْلِكُ أَخْذَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً وَذَلِكَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا تُخْرِجُهُ تِلْكَ الْأَرْضُ كَانَ مُمْتَثِلًا أَمْرَ الْآمِرِ فَيَجُوزُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْجِرَابِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ بِعَيْنِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُ خَرَجَ مِلْكُ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِ الْآمِرِ وَهُوَ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَتِهِ بِإِدْخَالِ الْمَنْفَعَةِ فِي مِلْكِهِ لَا بِنَقْلِ الْمِلْكِ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ إلَى غَيْرِهِ

قَالَ وَلِلْوَكِيلِ بِالْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ أَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ فَإِنْ وَهَبَهُ لِلْعَامِلِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ لِأَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْخَارِجِ عَيْنًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَجْرَ إذَا كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِيهِ وِلَايَةُ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً فَأَجَّرَهَا بِحَيَوَانٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُؤَاجِرَهَا بِجُزْءٍ مِمَّا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ وَقَدْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ نَصًّا وَإِنْ أَجَّرَهَا بِحِنْطَةٍ كَيْلًا أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا يُزْرَعُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْمُزَارَعَةَ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقْصُودَ الْآمِرِ بِطَرِيقٍ هُوَ أَنْفَعَ لَهُ مِمَّا سَمَّى لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا مُزَارَعَةً ثُمَّ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْآمِرَ شَيْئًا وَإِذَا أَجَّرَهَا بِحِنْطَةٍ كَيْلًا كَانَ الْآمِرُ مُسْتَحِقًّا لِلْآجِرِ وَإِنْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ وَفِيهِ يُحَصَّلُ مَقْصُودُهُ لِأَنَّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ مَا تُخْرِجُهُ

(19/135)


الْأَرْضُ فَلِهَذَا كَانَ صَحِيحًا

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً فَدَفَعَهَا إلَى رَجُلٍ وَزَرَعَهَا رَطْبَةً أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ كَانَ هَذَا جَائِزًا لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ وَالضَّرَرُ عَلَى الْأَرْضِ فِيهِ غَيْرُ مُتَفَاوِتٍ فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى رَجُلٍ يَغْرِسُ فِيهَا شَجَرًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْغِرَاسَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُزَارَعَةِ فِي شَيْءٍ وَالضَّرَرُ عَلَى الْأَرْضِ فِي عَمَلِ الْغِرَاسَةِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ ضَرَرِ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ فَلِهَذَا كَانَ مُخَالِفًا ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَخَذَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ الْآمِرُ مَا يَزْرَعُ فِيهَا لَمْ يَجُزْ وَالتَّوْكِيلُ بِدَفْعِهَا مُزَارَعَةً يَجُوزُ فِي هَذَا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ وَتَسْمِيَةُ الْبَدَلِ فِي الْوَكَالَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْجَهَالَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهَا بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِهَا صِفَةُ اللُّزُومِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَعْلُومًا فِيهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْجِنْسُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ مَا يُزْرَعُ فِيهَا قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِدَفْعِهَا لِمَنْ يَغْرِسُ فِيهَا النَّخْلَ بِالنِّصْفِ فَدَفَعَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي أَرْضٍ لَهُ لِيَدْفَعَهَا إلَى رَجُلٍ يَبْنِي فِيهَا بُيُوتًا وَيُؤَاجِرُهَا بِالنِّصْفِ وَيَكُونُ الْآجِرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْمُعَامَلَةَ وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بَلْ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّسْكَرَةِ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ أَرْضًا فَاسْتَأْجَرَهَا فَالْأَجْرُ إنَّمَا يَجِبُ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْآمِرِ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَتَّى لَوْ وُهِبَ رَبُّ الْأَرْضِ الْأَجْرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ وَهَبَهَا لَهُ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْآمِرِ الْأَجْرَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَكَذَلِكَ لَا سَبِيلَ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْآمِرِ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْأَجْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَامِلْهُ بِشَيْءٍ قَالَ وَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ مَوْتُ الْعَاقِدِ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلْإِجَارَةِ بِعَيْنِهِ بَلْ لِمَا فِي إبْقَائِهِ مِنْ تَوْرِيثِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْآمِرِ يَسْتَوْفِيهَا قَبْلَ مَوْتِ الْوَكِيلِ وَبَعْدَهُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ نَاقَضَ رَبَّ الْأَرْضِ الْإِجَارَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ فِي يَدِ الْمُؤَاجِرِ جَازَتْ الْمُنَاقَضَةُ لِأَنَّ الْآمِرَ لَمْ يَتَمَلَّكْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا ثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَى شَيْءٍ فَصَحَّتْ الْمُنَاقَضَةُ مِنْ الْوَكِيلِ كَمَا فِي جَانِبِ الْوَكِيلِ بِالْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَهَا إلَى الْآمِرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ نَاقَضَ فَفِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّ الْآمِرَ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً وَكَذَلِكَ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ لِخَرَابِ الدَّارِ كَانَ فِي ضَمَانِ الْآجِرِ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ قَبْضُ مَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ

(19/136)


وَهُوَ الْأَرْضُ أَوْ الدَّارُ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ عَيْنَ الدَّارِ وَالْأَرْضِ جُعِلَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ قَبْلَ قَبْضِ الدَّارِ وَيَمْلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَتْ يَدُ الْآمِرِ عَلَى الْأَرْضِ حَقِيقَةً بِقَبْضِهِ وَحُكْمًا بِقَبْضِ الْمُسْتَأْجِرِ وَصَارَ اسْتِدَامَةُ الْيَدِ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ مُسْتَحَقًّا لَهُ فَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ إبْطَالَ ذَلِكَ الْحَقِّ عَلَيْهِ لِلْمُنَاقَضَةِ اسْتِحْسَانًا.

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا لَهُ سَنَةً فَاسْتَأْجَرَهَا سَنَتَيْنِ فَالسَّنَةُ الْأُولَى لِلْآمِرِ وَالسَّنَةُ الثَّانِيَةُ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، فَفِي الْمُدَّةِ الَّتِي سَمَّى لَهُ الْآمِرُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ بِالِاسْتِئْجَارِ لَهُ وَحَصَلَ مَقْصُودُهُ وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَنْشَأَ التَّصَرُّفَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَكُونُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ وَيَكُونُ كَالْمُضِيفِ الْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ لِنَفْسِهِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِئْجَارِ كَالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَالْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إذَا اشْتَرَى ذَلِكَ الشَّيْءَ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا ذَلِكَ الشَّيْءَ لِلْآمِرِ وَمَا سِوَاهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ

قَالُوا وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ دَارًا فَسَقَطَ بَعْضُ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا أَوْ بَعْدَ مَا قَبَضَهَا فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَا أَرْضَى بِهَا فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ دُونَ الْآمِرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يَعْلَمُ بِالْعَيْبِ فَيَرْضَى بِهِ وَذَلِكَ يَلْزَمُهُ دُونَ الْآمِرِ فَهَذَا مِثْلُهُ، إلَّا أَنَّ هُنَا يَسْتَوِي إنْ كَانَ الِانْهِدَامُ قَبْلَ قَبْضِ الدَّارِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ بِقَبْضِ الدَّارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ وَانْهِدَامُ بَعْضِ الْبُيُوتِ يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُنْشِئًا الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْآمِرِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَسْتَأْجِرَا لَهُ أَرْضًا فَاسْتَأْجَرَهَا أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْوَكِيلَ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَقَدْ فَوَّضَهُ إلَيْهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَإِذَا تَعَذَّرَ تَنْفِيذُهُ عَلَى الْآمِرِ نَفَذَ الْعَقْدُ عَلَى الْمُبَاشِرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلَيْنِ بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ قَالَ الْآمِرُ أَنَا أَرْضَى بِذَلِكَ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَهُوَ لِلْآمِرِ بِإِجَارَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ وَيُجْعَلُ الْوَكِيلَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، كَأَنْ يَقُولَ أَجَّرْتُك هَذِهِ إلَى كَذَا كَذَا فَهُوَ بِالْقَبْضِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ اسْتَأْجَرْته مِنْك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الْوَكَالَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ]
ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّ بِقَبْضِ خَمْرٍ لَهُ بِعَيْنِهَا فَصَارَتْ خَلًّا فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ التَّخَلُّلِ وَالْهَيْئَةُ بَاقِيَةٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الطَّعْمُ، وَالْوَكَالَةُ إنَّمَا صَحَّتْ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ فَمَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ وَبَقِيَتْ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ يُوَكِّلُ الْمُسْلِمَ بِقَبْضِ عَصِيرٍ لَهُ بِعَيْنِهِ فَيَصِيرُ الْعَصِيرُ

(19/137)


خَلًّا فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا صَارَ خَمْرًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ التَّخَمُّرِ فَيَمْلِكُ وَكِيلُهُ قَبْضَهُ أَيْضًا

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا بِقَبْضِ جُلُودِ مَيْتَةٍ وَدِبَاغِهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالذِّمِّيِّ وَالْجَوَابُ فِي الْمُسْلِمِ هَكَذَا لِأَنَّ الْقَبْضَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْعَيْنِ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَبْطُلْ بِبُطْلَانِ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ وَضَعَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ عَنْ التَّدَاوُلِ لِأَعْيَانٍ نَجِسَةٍ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْحَرْبِيُّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا بِتَقَاضِي دَيْنٍ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ وَكِيلُهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَطَلَبَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا فَطَلَبَ ذَلِكَ الْحَقَّ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا بَعَثَ وَكِيلًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ بِالْغَيْرِ فِيمَا يَعْجِزُ فِيهِ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ أَوْ بَيْعِ شَيْءٍ أَوْ شِرَائِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ أَوْ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِخُصُومَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ بِهَا، قَالَ فَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ مُسْتَأْمَنًا فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي وَكَّلَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا انْتَقَلَتْ الْوَكَالَةُ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَذَلِكَ قَاطِعٌ لِأَقْوَى أَنْوَاعِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ النِّكَاحُ فَلَأَنْ يَقْطَعَ الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى، قَالَ وَإِذَا كَانَ الَّذِي وَكَّلَهُ حَرْبِيًّا مِنْ أَهْلِ دَارِهِ فَفِي الْقِيَاسِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ اتِّفَاقُ الدَّارَيْنِ حُكْمًا قَدْ انْعَدَمَ هُنَا لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِنَا صُورَةً فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْ الرُّجُوعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْضَى بِتَصَرُّفِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ عَلَى عَدَمِ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُسْتَأْمَنُ مُسْتَأْمَنًا بِخُصُومَةٍ ثُمَّ لَحِقَ الْمُوَكِّلُ بِالدَّارِ وَبَقِيَ الْوَكِيلُ يُخَاصِمُ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي لِلْحَرْبِيِّ الْحَقَّ قُبِلَتْ الْخُصُومَةُ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَفِي الِاسْتِحْسَانِ كَذَلِكَ اعْتِبَارًا لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْآخَرِ وَتَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَفِي الْقِيَاسِ تَنْقَطِعُ الْوَكَالَةُ حِينَ يَلْحَقُ بِالدَّارِ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُصُومَةِ الْقَضَاءُ وَإِنَّمَا تَوَجَّهَ الْقَاضِي لِلْقَضَاءِ عَلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ فِيمَا يُقِيمُ مِنْ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ يُرَاعِي دَيْنَ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، وَبَعْدَ مَا رَجَعَ الْمُوَكِّلُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ حَرْبِيًّا لَا يَبْقَى لِقَاضِي الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وِلَايَةُ

(19/138)


إلْزَامِ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الْمُدَّعِي فَإِنَّمَا يُوَجِّهُ الْقَاضِي الْقَضَاءَ عَلَى الْخَصْمِ الَّذِي هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِخُصُومَةِ وَكِيلِ الْحَرْبِيِّ وَلَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَلِهَذَا بَقِيَتْ الْوَكَالَةُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ مَتَاعٍ أَوْ بِتَقَاضِي دَيْنٍ سِوَى الْخُصُومَةِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ صَحِيحٌ فَبَقَاؤُهُ أَوْلَى

قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ ذِمِّيًّا وَالْوَكِيلُ مُسْتَأْمَنًا فَلَحِقَ بِالدَّارِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا كَالْمُسْلِمِ وَمَنْ هُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمَيِّتِ فَكَمَا لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الْوَكِيلِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ لِحَاقِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَرْبِيًّا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ حُكْمًا فَلَا يَصِيرُ الْوَكِيلُ بِاللُّحُوقِ بِالدَّارِ فِي حَقِّهِ كَالْمَيِّتِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَ الْمُرْتَدُّ وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ بِلُحُوقِهِ بِالدَّارِ زَالَ مَالُهُ عَنْ مِلْكِهِ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَقْضِي بِالْمَالِ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُكِّلَ بِبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا عِنْدَ التَّوْكِيلِ تَعَيَّنَتْ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِي وَكَالَتِهِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ ذَلِكَ بِعَوْدِ الْمِلْكِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الْبَيْعُ، قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزَلْ قَبْلَ لِحَاقِهِ بَلْ تَوَقَّفَ وَبِإِسْلَامِهِ قَبْلَ لِحَاقِهِ يَعُودُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ نَفَذَ الْبَيْعُ فَكَذَلِكَ تَبْقَى وَكَالَةُ الْوَكِيلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا خَلَا النِّكَاحُ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلنِّكَاحِ بِنَفْسِهِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِهِ أَيْضًا ثُمَّ لَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، قَالَ وَلَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي قَضَى بِلِحَاقِهِ وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَحِينَئِذٍ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ ثُمَّ لَا يَعُودُ وَكِيلًا وَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِدَارِ الْحَرْبِ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ قَضَاءُ الْقَاضِي فَهُوَ غَيْبَةٌ وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ قَضَاءُ الْقَاضِي فَهُوَ كَالْمَوْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّقْسِيمَ فِيمَا إذَا كَانَ ابْتِدَاءُ التَّوْكِيلِ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ قَسَّمَهُ عَلَى أَحَدِ الْفَصْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَعْيِينَ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ التَّصَرُّفِ مِنْ الْمُرْتَدِّ فَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الْبَيْعُ فَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُمَا

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلَانِ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُمَا جَارِيَةً بِعَيْنِهَا ثُمَّ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَلَحِقَ بِالدَّارِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ لَزِمَ الْوَكِيلَ نِصْفُهَا وَالْمُوَكِّلَ الثَّانِيَ نِصْفُهَا لِأَنَّ

(19/139)


كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ النِّصْفِ لَهُ، فَفِي نَصِفْ الَّذِي لَحِقَ بِالدَّارِ جُعِلَ كَأَنَّهُمَا لَحِقَا فَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَفِي نَصِيبِ الَّذِي بَقِيَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا فِي دَارِنَا فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لَهُ وَهَذَا قِيَاسُ مَوْتِ أَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ، فَإِنْ قَالَ وَرَثَةُ الْمُرْتَدِّ اشْتَرَيْتهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ صَاحِبُهَا وَكَذَّبَهُمْ الْوَكِيلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَدَّعُونَ الْإِرْثَ فِيمَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِمُوَرِّثِهِمْ فِيهِ، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ حَادِثٌ فَيُحَالُ بِالْحُدُوثِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَهُمْ يَدَّعُونَ فِيهِ تَارِيخًا سَابِقًا، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَرْءَ يَكُونُ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ نَقَدَ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي تَصَرُّفِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَنْقُدُ مَالَ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْوَرَثَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْمِلْكَ لِمُوَرِّثِهِمْ وَسَبَقَ التَّارِيخُ فِي الْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ فَالْجَوَابُ لَا يَخْتَلِفُ وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتهَا قَبْلَ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ الْمَالُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ تَعْيِينُ مَالٍ قَائِمٍ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِمْ وُجُوبَ ثَمَنِ الْمُشْتَرَى وَهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْبَائِعِ لِأَنَّ عَيْنَهُ صَارَتْ مِلْكًا لَهُمْ فَهُوَ بِقَوْلِهِ يُبْطِلُ مِلْكَهُمْ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَ ذَلِكَ فِي مَوْتِ الْمُوَكِّلِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ يُطَلِّقَهَا بَتًّا بِغَيْرِ مَالٍ ثُمَّ ارْتَدَّ الزَّوْجُ وَلَحِقَ بِالدَّارِ أَوْ مَاتَ وَخَلَعَهَا الْوَكِيلُ أَوْ طَلَّقَهَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِي أَوْ بَعْدَ لَحَاقِهِ وَقَالَ الْوَكِيلُ وَالْوَرَثَةُ كَانَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ وَإِسْلَامِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَالطَّلَاقُ بَاطِلٌ وَمَالُهَا مَرْدُودٌ عَلَيْهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَالْإِيقَاعَ مِنْ الْوَكِيلِ حَادِثٌ وَالْوَرَثَةُ يَدَّعُونَ فِيهِ سَبْقَ التَّارِيخِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ التَّارِيخُ بِبَيِّنَةِ الْوَرَثَةِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِ مَالٍ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ الْمُوَكِّلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ مَاتَ فَقَالَ الْوَكِيلُ فَعَلْت ذَلِكَ فِي إسْلَامِهِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِمْ فِي الْعَبْدِ ظَاهِرٌ فَالْوَكِيلُ مُخْبِرٌ بِمَا يُبْطِلُ مِلْكَهُمْ عَنْ الْعَيْنِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَخْلُفُونَهُ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ نِكَاحًا فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهَا هُنَاكَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا يُجْعَلُ تَصَرُّفُهُ مُحَالًا بِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ فِيهِ سَبْقَ التَّارِيخِ وَلِهَذَا لَوْ قَامَتْ لَهُمْ جَمِيعًا الْبَيِّنَةُ أُخِذَ بِبَيِّنَةِ الْوَكِيلِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّ فِيهَا إثْبَاتَ سَبْقِ التَّارِيخِ

(19/140)


وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَا أَوْ اقْضِهَا فُلَانًا عَنِّي ثُمَّ ارْتَدَّ الْآمِرُ وَلَحِقَ بِالدَّارِ فَقَالَ الْوَكِيلُ فَعَلْتُ ذَلِكَ فِي إسْلَامِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مُسَلَّطٌ أَخْبَرَ بِمَا سُلِّطَ عَلَيْهِ فَيُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذِبُهُ ظَاهِرًا، وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُثْبِتُ سَبْقَ التَّارِيخِ فِي تَصَرُّفِهِ بِبَيِّنَتِهِ

وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَقَالَ قَدْ بِعْته فِي إسْلَامِهِ وَدَفَعْت إلَيْهِ الثَّمَنَ فَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْوَرَثَةِ عَنْهُ بِتَصَرُّفٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُرْتَدَّةِ اللَّاحِقَةِ بِالدَّارِ لِأَنَّ بَعْدُ اللُّحُوقِ حَالُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَادَ مُسْلِمًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْوَكِيلُ فَالْقَوْلُ فِيهِ مِثْلُ الْأَوَّلِ كَاخْتِلَافِ الْوَكِيلِ مَعَ الْوَرَثَةِ لِمَا قُلْنَا

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا ثُمَّ ارْتَدَّ الْآمِرُ وَلَحِقَ بِالدَّارِ فَقَالَ الْوَكِيلُ زَوَّجْته فِي إسْلَامِهِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ وَالْمُوَكِّلُ بَعْدُ جَاءَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ أَوْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُخْبِرُ بِمَا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَقَدْ انْعَزَلَ بِرِدَّةِ الْآمِرِ وَلَمْ يَعُدْ وَكِيلًا بَعْدَ مَا جَاءَ مُسْلِمًا وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ نَفْيُ ضَمَانٍ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ فِيهِ إيجَابُ الْحَقِّ لَهَا فِي تَرِكَتِهِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ إذَا جَاءَ مُسْلِمًا وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَقَّ لِنَفْسِهَا بِبَيِّنَتِهَا وَتُثْبِتُ سَبْقَ التَّارِيخِ وَالْوَرَثَةُ يَنْفُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ يَسْتَحْلِفُ الْوَرَثَةَ عَلَى عِلْمِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِمَا ادَّعَتْ لَزِمَهُمْ فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ مَا حَلَفُوا ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا فَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَحْلِفَهُ أَيْضًا فَلَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الصَّدَاقَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَاسْتِحْلَافُ الْوَرَثَةِ لَا يُسْقِطُ الْيَمِينَ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا نَائِبِينَ عَنْهُ فَالنِّيَابَةُ فِي الْأَيْمَانِ لَا تُجْرَى

قَالَ وَتَوْكِيلُ الْمُرْتَدَّةِ بِالتَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهَا بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ وَكَّلْت بِذَلِكَ مُرْتَدَّةً مِثْلَهَا أَوْ مُسْلِمًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ قَبْلَ رِدَّتِهَا يَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ لِأَنَّهَا تَبْقَى مَالِكَةً لِلتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهَا إلَّا أَنْ تُوَكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهَا فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ فِي حَالِ رِدَّتِهَا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى أَسْلَمَتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ إسْلَامِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتَدَّةِ أَوْ الْمَنْكُوحَةِ إذَا وَكَّلْت إنْسَانًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ فِي إسْلَامِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَزَوَّجَهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ ارْتِدَادَهَا إخْرَاجٌ مِنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا حِينَ كَانَتْ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ وَقْتَ التَّوْكِيلِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي الْحَالِ ثُمَّ بِرِدَّتِهَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَزْلًا مِنْهَا لِوَكِيلِهَا فَبَعْدَ مَا انْعَزَلَ

(19/141)


لَا يَعُودُ وَكِيلَهَا إلَّا بِتَجْدِيدٍ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَتْ الْمُرْتَدَّةُ وَكِيلًا بِخُصُومَةٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ تَقَاضِيهِ ثُمَّ لَحِقَتْ بِالدَّارِ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ لَحَاقَهَا بِمَنْزِلَةِ رِدَّتِهَا حُكْمًا كَلِحَاقِ الرَّجُلِ لِأَنَّهَا بِاللُّحُوقِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَأَنْ تُسْتَرَقَّ فَفِيهِ إتْلَافٌ حُكْمًا فَلِهَذَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ، فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ فَعَلَتْ فِي حَيَاتِهَا أَوْ قَبْلَ لِحَاقِهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الْمُسْتَهْلَكِ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي الْقَائِمِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا لِوَرَثَتِهَا، وَلَوْ قَالَ قَدْ قَبَضْت دَيْنًا لَهَا مِنْ فُلَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَامُوا مَقَامَهَا فِي الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَالْوَكِيلُ يُخْبِرُ بِتَحَوُّلِ حَقِّهِمْ إلَى الْعَيْنِ فِي حَالِ تَمَلُّكِ إنْشَائِهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ قَالَ قَدْ قَبَضْت الْمَالَ الَّذِي أَعْطَتْنِي فُلَانَةُ وَقَدْ كَانَتْ أَمَرَتْهُ بِذَلِكَ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا كَانَ الْمَالُ عَيْنًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ وَيَقْصِدُ بِذَلِكَ نَفْيَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَتْ الْمُرْتَدَّةُ وَكِيلًا بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهَا ثُمَّ مَاتَتْ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَدْ قَبَضْتهَا وَدَفَعْتهَا إلَيْهَا وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ قَبَضْتهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ الْوَدِيعَةُ مَا كَانَتْ مَضْمُونَةً وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي قَبْضِهِ إذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْقَبْضِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ الضَّمَانِ عَنْ الْغَرِيمِ وَلَوْ وَهَبَ لَهَا هِبَةً أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ فَوَكَّلَتْ وَكِيلًا بِقَبْضِهَا ثُمَّ مَاتَتْ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَدْ قَبَضْتهَا وَدَفَعْتهَا إلَيْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا جُعِلَ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ أَمِينًا فِيهِ، وَإِنْ قَالَ الْوَاهِبُ قَبَضْتهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوَاهِبَ يَدَّعِي الضَّمَانَ لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِنَّ كَوْنَ الْقَبْضِ حَادِثًا يُحَالُ بِحُدُوثِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ نَوْعٌ مِنْ الظَّاهِرِ وَلَا يَكْفِي الظَّاهِرُ لِإِثْبَاتِ الضَّمَانِ عَلَى الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا لِأَنَّهُ يَبْقَى اسْتِحْقَاقُ الْمَرْأَةِ عَنْهَا وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لَهُ وَالظَّاهِرُ يَكْفِي لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وُهِبَتْ هِبَةً فَوَكَّلَتْ بِدَفْعِهَا وَكِيلًا ثُمَّ مَاتَتْ وَدَفَعَهَا الْوَكِيلُ فَقَالَ دَفَعْتهَا فِي حَيَاتِهَا فَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِي الدَّفْعِ، وَلَكِنْ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُمْ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُحَالُ بِالدَّفْعِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ مَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَالْوَكِيلُ يُبْطِلُ مِلْكَ الْوَرَثَةِ بِاخْتِيَارِهِ بِتَصَرُّفٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ، فَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ أُخِذَتْ بِبَيِّنَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي الْمَوْهُوبِ وَسَبْقَ التَّارِيخِ فِي دَفْعِ الْوَكِيلِ إلَيْهِ

قَالَ وَإِذَا رَهَنَتْ الْمُرْتَدَّةُ رَهْنًا أَوْ ارْتَهَنَتْهُ مَعَ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ عِنْدَ حَلّ الْأَجَلِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ

(19/142)


بِالدَّارِ إنْ كَانَتْ رَهَنَتْ فَلِقِيَامِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَتْ ارْتَهَنَتْ فَلِقِيَامِ حَقِّ وَرَثَتِهَا وَبَقَاءِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ جَمِيعًا، قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ الْمُرْتَدُّ وَكِيلًا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْحُرِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ الرِّدَّةِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ لِقِيَامِ الْكِتَابَةِ فَيُوَكِّلُ بِهِ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَهَذَا لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ وَالْمَوْلَى رَاضٍ بِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَالِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يُوقَفُ عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ وَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ بِتَصَرُّفِهِ وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِهِ، قَالَ فَإِنْ لَحِقَ الْمُكَاتَبُ بِالدَّارِ مُرْتَدًّا كَانَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أُسِرَ أَوْ سُبِيَ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَانَ بَعْدَ لِحَاقِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِحَاقَهُ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ مَوْتِهِ وَمَوْتُهُ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُبْطِلُ الْكِتَابَةَ فَكَذَلِكَ لِحَاقُهُ فَلِهَذَا بَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الدَّمِ وَالصُّلْحِ]
ِ (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ وَكِيلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ هُوَ وَآخَرُ مَعَهُ إنْ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ قَبُولَهُ الْوَكَالَةَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عَلَى مُوَكِّلِهِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَشَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ تَجُوزُ فَعَلَى مُوَكِّلِهِ أَوْلَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ صَارَ قَائِمًا مَقَامَ مُوَكِّلِهِ فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْ الْوَكِيلِ إنْكَارٌ فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ إنْكَارٌ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْهَدُ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ وَالشَّهَادَةُ مَعَ التَّنَاقُضِ لَا تُقْبَلُ

قَالَ وَالتَّوْكِيلُ بِطَلَبِ دَمِ جِرَاحَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَيْسَ فِيهَا قَوَدٌ جَائِزٌ مِثْلُ التَّوْكِيلِ فِي الْمَالِ لِأَنَّ الْعَمْدَ الَّذِي لَا قَوَدَ فِيهِ مُوجَبُهُ مُوجِبُ الْخَطَأِ وَهُوَ الْمَالُ وَهَذَا التَّوْكِيلُ لِإِثْبَاتِ مُوجَبِ الْفِعْلِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَذَلِكَ مَالٌ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ رَجُلًا ادَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَى مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَأَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ فَصَالَحَهُ الْوَكِيلُ عَلَى مِائَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ، وَالْمَالُ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَقُولُ صَالِحْ فُلَانًا مِنْ دَعْوَاك عَلَى كَذَا، وَفِي مِثْلِهِ الْعَاقِدُ يَكُونُ سَفِيرًا وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ دُونَ الْوَكِيلِ، قَالَ وَالْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ لَيْسَ بِوَكِيلٍ فِي الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَقْدٌ يَنْبَنِي عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَالْمُسَالَمَةِ وَهُوَ ضِدُّ الْخُصُومَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَى صَاحِبِهِ

(19/143)


لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِجَوَابِ الْخَصْمِ وَالْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ لَيْسَ بِوَكِيلٍ بِالْجَوَابِ وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِعَقْدٍ يُبَاشِرُهُ وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ وَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَإِنَّمَا رَضِيَ الْمُوَكِّلُ بِرَأْيِهِ دُونَ رَأْيِ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ رَجَعَ بِهَا لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّهِ حِينَ لَمْ يُبَاشِرْهُ مَنْ رَضِيَ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْآمِرُ دَفَعَ الْمَالَ فَصَالَحَ الْوَكِيلُ الْآخَرُ وَدَفَعَ الْمَالَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْأَوَّلَ شَيْءٌ وَجَازَ الصُّلْحُ عَنْ الْمُوَكِّلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بَاشَرَهُ بِأَمْرِ الْأَوَّلِ فَجَازَ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّهُ حَصَلَ عَلَى وَجْهٍ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ وَكَالَةُ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّ تَوْكِيلَ الْأَوَّلِ لَمْ يُوجَدْ، وَلَكِنْ أَمَرَ أَجْنَبِيٌّ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ يُصَالِحَ عَلَى مَالٍ وَيَدْفَعَ مِنْ عِنْدِ الْمُوَكِّلِ أَوْ مِنْ عِنْدِهِ فَهَذَا الصُّلْحُ يَجُوزُ وَيَكُونُ الْمُوَكِّلُ مُتَطَوِّعًا فِيهِ فَكَذَلِكَ هُنَا الْمُوَكِّلُ الثَّانِي يَكُونُ مُتَطَوِّعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ بِمَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُوَكِّلِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَهَذَا الْوَاحِدُ إذَا تَفَرَّدَ بِالصُّلْحِ كَانَ كَالْفُضُولِيِّ وَصُلْحُ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ أَوْ أَدَّى الْمَالَ أَوْ ضَمِنَ الْمَالَ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِيهِ لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ أَنَّ مُوجَبَ الصُّلْحِ فِي حَقِّ الْمُصَالِحِ الْمَدْيُونِ الْبَرَاءَةُ عَنْ الدَّيْنِ، وَالْمُشْتَرِي يَنْفَرِدُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَاهُ لِوُجُوبِ الْعِوَضِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِوَضِ سَقَطَ اعْتِبَارُ رِضَاهُ

وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِأَلْفٍ وَضَمِنَ الْمَالَ فَصَالَحَ بِأَلْفَيْنِ أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَقَدَهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ مِنْ عِنْدِ الْوَكِيلِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ حِينَ صَالَحَ عَلَى غَيْرِ مَا سُمِّيَ لَهُ كَالْفُضُولِيِّ فِي هَذَا الصُّلْحِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَضَمِنَهُ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ، فَإِنْ صَالَحَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سُمِّيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَكُونُ خَيْرًا لِلْمُوَكِّلِ فَهَذَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا وَقَدْ وَقَعَ ضِمْنَ بَدَلِ الصُّلْحِ بِأَمْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ فَصَالَحَ عَلَى كُرِّ شَعِيرٍ أَوْ دَرَاهِمَ جَازَ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْآمِرِ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَصَالَحَ عَلَى أَمَةٍ لِلْوَكِيلِ جَازَ عَلَيْهِ إنْ ضَمِنَ أَوْ دَفَعَ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ نَصًّا

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا فَصَالَحَهُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ حِنْطَةٍ أَجْوَدَ مِنْهَا وَضَمِنَهَا جَازَ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ

(19/144)


خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا حِينَ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ أَضَرُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ، قَالَ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَالْكُرُّ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ وَسَطٌ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ إنَّمَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يُصَالِحَ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهِ وَكَانَ بِهَذَا مُغَيِّرًا الْعَقْدَ إلَى غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ يَجُوزُ صُلْحُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ مَا خَالَفَ أَمْرَهُ بِهِ بِتَسْمِيَةِ شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْمَأْمُورِ بِهِ إنَّمَا تَرَكَ التَّعْيِينَ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ التَّقْيِيدِ مَا يَكُونُ مُفِيدًا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ دُونَ مَا لَا يَكُونُ مُفِيدًا وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يُبْتَلَى بِهَذَا فَقَدْ يَتَّفِقُ الصُّلْحُ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْحِنْطَةُ، وَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَيْنِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ دَخَلَ فِيهِ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي جَوَازِ شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ فَتَجُوزُ عَنْ ذَلِكَ بِتَسْمِيَةِ كُرٍّ وَسَطٍ مُطْلَقًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْكُرَّ، وَلَمَّا وَكَّلَهُ الْمُوَكِّلُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ يَبْتَلِي بِهَذَا فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِتَرْكِ التَّعْيِينِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ الْمُدَّعِي أَنْ يُصَالِحَ عَلَى بَيْتٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ بِعَيْنِهِ فَصَالَحَ عَلَيْهِ وَهُوَ بَيْتٌ وَآخَرُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا بِمَا صَنَعَ وَحَصَّلَ مَقْصُودَهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ هَذَا الْبَيْتِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَصَالَحَ عَنْهُ وَعَنْ بَيْتٍ آخَرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ فِي حِصَّةِ ذَلِكَ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ حِينَ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ عَلَى أَقَلَّ مِمَّا سُمِّيَ لَهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ وَضَمِنَ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْوَكِيلِ بِحُكْمِ ضَمَانِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَصَرُّفَهُ هُنَاكَ يَتَقَيَّدُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا لِلْمُدَّعِي فَصَالَحَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُدَّعِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلُ مُطْلَقٌ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الدَّعْوَى فَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ الْخَصْمُ مُنْكِرًا وَلَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي أَوَّلًا يُعَرِّفُ مِقْدَارَ مَا يَدَّعِيه مِنْ الدَّارِ فَالصُّلْحُ عَلَى الْبَدَلِ الْيَسِيرِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مُتَعَارَفٌ وَالْحَطُّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِيهِ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ حَقِّ الْمُوَكِّلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ هُنَا فَلِهَذَا جَازَ الصُّلْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُشْتَرِي الطَّاعِنُ بِالْعَيْبِ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فَأَقَرَّ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَإِقْرَارُهُ

(19/145)


بَاطِلٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالصُّلْحِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَصِحَّةُ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِاعْتِبَارِ مُبَاشَرَتِهِ أَوْ كَوْنِهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ

قَالَ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ عَبْدًا فَوَكَّلَ مَوْلَاهُ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَجَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا لَوْ بَاشَرَ الْمَوْلَى الصُّلْحَ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ خَالِصُ مِلْكِ مَوْلَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَحَقُّ غُرَمَائِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَكُونُ الْمَوْلَى مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْمُشْتَرِي قَالَ وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الصُّلْحِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ، وَلَوْ كَانَ ابْنُ الْمُكَاتَبِ وَلَدًا مِنْ أَمَةٍ لَهُ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَطَعَنَ بِعَيْبٍ أَوْ طَعَنَ عَلَيْهِ فَوَكَّلَ الْمُكَاتَبَ بِالصُّلْحِ فِي ذَلِكَ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِي كِتَابَتِهِ فَكَسْبُهُ يَكُونُ لَهُ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِهِ يَأْخُذُهُ فَيَسْتَعِينُ بِهِ فِي قَضَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ هَذَا الصُّلْحَ بِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ عَلَى أَبِيهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ فِي الْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ إنَّمَا بَاشَرَهُ الِابْنُ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ فِيهِ بِنَفْسِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ أَنْشَأَ عَقْدًا فِي كَسْبِهِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ إذَا كَانَ الْكَسْبُ حَقَّهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ وَكِيلًا بِتَقَاضِي دَيْنٍ لِابْنِهِ وَبِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، لِأَنَّ الِابْنَ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الْمُدَايِنَةَ فَحَقُّ الْقَبْضِ وَالتَّقَاضِي إلَيْهِ دُونَ الْمُكَاتَبِ وَاَلَّذِي بَيَّنَّا فِي الْمُكَاتَبِ مَعَ ابْنِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْمَوْلَى مَعَ عَبْدِهِ

قَالَ وَإِذَا كَانَ دَيْنٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا فَاقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا كَانَ نَصِفُ مَا أَخَذَ لِشَرِيكِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَقَبْضُ وَكِيلِ أَحَدِهِمَا كَقَبْضِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ، وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَهُ وَإِنْ ضَاعَ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْوَكِيلِ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ نَصِفَ مَا أَخَذَ الْوَكِيلُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ وَكِيلِهِ فَكَانَ هَلَاكُهُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلِهَذَا يَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ، قَالَ وَإِنْ كَانَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ كُلِّهِ فَقَبَضَهُ فَهَلَكَ مِنْهُ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَهُ نَصِفَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نَصِيبَهُ بِتَعَدِّيهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ مَنْ ضَمِنَهُ وَلِأَنَّهُ لَحِقَهُ غُرْمٌ فِيمَا بَاشَرَهُ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ

(19/146)


لِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَهُ نَصِفَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَرِيمَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيكِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ قَبْضُ الْوَكِيلِ بَقِيَ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ عَلَى حَالِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَرِيمَ دُونَ الْوَكِيلِ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ لَمْ يُصَادِفْ مَالَهُ ثُمَّ قَبْضُ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِنَفْسِهِ جَمِيعَ الدَّيْنِ، ثُمَّ إنْ الْآخَرُ رَجَعَ لِحَقِّهِ عَلَى الْغَرِيمِ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالِ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ مِنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ ذَلِكَ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَوِي إنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْقَبْضِ بِنَفْسِهِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ

قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ صَاحِبَهُ الَّذِي وَكَّلَهُ بِهِ قَدْ قَبَضَ حِصَّتَهُ جَازَ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَوَابُ الْخَصْمِ وَهُوَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرِيمِ لَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرِيكِ فَلَا يَثْبُتُ قَبْضُهُ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا سَلَّطَهُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ فَلِهَذَا كَانَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ

قَالَ وَلَوْ كَانَ دَيْنٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا يَتَقَاضَاهُ فَاشْتَرَى بِحِصَّتِهِ ثَوْبًا جَازَ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ أَتَى بِتَصَرُّفٍ آخَرَ سِوَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشِّرَاءَ يَنْفُذُ عَلَى الْعَاقِدِ إذَا تَعَذَّرَ بِتَقَيُّدِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا الثَّوْبَ لِنَفْسِهِ بِمَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، فَبَقِيَ هُوَ مُطَالَبًا بِالثَّمَنِ وَبَقِيَ الْمَطْلُوبُ مُطَالَبًا بِحِصَّةِ الْمُوَكِّلِ مِنْ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ لِأَنَّ رِضَاهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَهَذَا التَّصَرُّفُ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِيهِ

قَالَ وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ طَعَامًا قَرْضًا بَيْنَهُمَا فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا بِقَبْضِ حِصَّتِهِ فَبَاعَهَا بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْمُوَكِّلُ جَازَ لِأَنَّ بَيْعَ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ كَبَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَيْنِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَهُ، وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِرُبْعِ الطَّعَامِ إنْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ بِدَرَاهِمَ وَهَذَا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا عِوَضَ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَيُجْعَلُ نَصِيبُهُ كَالسَّالِمِ لَهُ حُكْمًا حِينَ يَمْلِكُ بَدَلَهُ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ، فَقَالَ وَلَوْ كَانَ بَاعَهَا بِثَوْبٍ وَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمُوَكِّلُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ بِالدَّرَاهِمِ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ

(19/147)


يَنْفُذَ الشِّرَاءُ لِلثَّوْبِ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ فِي جَانِبِ الثَّوْبِ مُشْتَرٍ، وَالشِّرَاءُ يَنْفُذُ عَلَى الْعَاقِدِ إذَا تَعَذَّرَ بِتَقْيِيدِهِ عَلَى غَيْرِهِ، قُلْنَا وَلَكِنَّهُ فِي جَانِبِ الطَّعَامِ بَائِعٌ وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى الطَّعَامِ هُوَ دَيْنٌ لِلْمُوَكِّلِ فِي ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ بِمَنْزِلَةِ إضَافَتِهِ إلَى طَعَامٍ هُوَ عَيْنٌ لَهُ، وَمَنْ بَاعَ طَعَامَ غَيْرِهِ بِثَوْبٍ لَا يَنْفُذُ عَقْدُهُ مَا لَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ فَإِذَا أَجَازَ يَكُونُ الثَّوْبُ لِلْعَاقِدِ دُونَ صَاحِبِ الطَّعَامِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ لِلثَّوْبِ وَمُسْتَقْرِضٌ الطَّعَامَ مِنْ صَاحِبِهِ فِي جَعْلِهِ عِوَضًا عَنْ الثَّوْبِ فَيَتَوَقَّفُ جَانِبُ الِاسْتِقْرَاضِ عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ جَعَلْنَا الْعَقْدَ نَافِذًا قَبْلَ إجَازَتِهِ لَمْ يَكُنْ بِالْمُسَمَّى مِنْ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَإِذَا أَجَازَهُ تَمَّ رِضَاهُ الْآنَ فَيَنْفُذُ الْعَقْدُ فِي الثَّوْبِ لِلْوَكِيلِ وَيَكُونُ عَلَى الْوَكِيلِ حِصَّةُ الْمُوَكِّلِ مِنْ الطَّعَامِ بِسَبَبِ اسْتِقْرَاضِهِ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا بِهِ عِوَضَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لِنَفْسِهِ فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ أَخَذَ مِنْهُ شَرِيكُهُ نَصِفَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَصَّلَ إلَيْهِ الطَّعَامَ الْأَوَّلَ، فَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَمْ يَتَمَلَّكْ هُوَ بَدَلًا بِمُقَابَلَتِهِ وَإِنَّمَا تَحَوَّلَ حَقُّهُ مِنْ نَصِيبِهِ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ إلَى مِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِهِ الْحَوَالَةَ فِي نَصِيبِهِ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقْبِضَهُ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هُنَاكَ يَمْلِكُ الدَّرَاهِمَ بِمُقَابَلَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الطَّعَامِ، تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ رُجُوعَ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ بِالطَّعَامِ هُنَاكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى قَبْضِهِ الدَّرَاهِمَ وَهُنَا هُوَ يَقْبِضُ مِنْ الْوَكِيلِ الطَّعَامَ دُونَ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ رُجُوعُ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ بِالطَّعَامِ مَوْقُوفًا عَلَى قَبْضِهِ الطَّعَامَ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ فِي دَمِ عَمْدٍ ادَّعَى عَلَيْهِ فَصَالَحَ الْوَكِيلَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَضَمِنَهَا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ يَنْصَرِفُ إلَى بَدَلِ الدَّمِ، وَبَدَلُ الدَّمِ مِقْدَارُ الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ أَلْفُ شَاةٍ عَلَى قَوْلِهِمَا أَوْ مِائَتَا ثَوْبٍ، فَإِذَا صَالَحَ الْوَكِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ صُلْحِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَا سُمِّيَ مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ مِائَتَيْ ثَوْبٍ يَهُودِيٍّ فَيَكُونُ هُوَ فِي هَذَا الصُّلْحِ وَالضَّمَانِ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ أَمْرِهِ فِي جَوَازِ أَصْلِ الصُّلْحِ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِدُونِ أَمْرِهِ وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ فِي الرُّجُوعِ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ فَيُجْعَلُ أَمْرُهُ مُعْتَبَرًا فِي ذَلِكَ جَائِزٌ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ، وَلِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِهَذَا الْعَقْدِ قَدْ يَكُونُ مُلْتَزِمًا إذَا ضَمِنَ لِلْبَدَلِ وَقَدْ لَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا إذَا لَمْ يَضْمَنْ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا ضَمِنَ الْمَهْرَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ الزَّوْجُ بِذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ

(19/148)


وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَشْرِ وُصَفَاءَ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِنَّ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْوُصَفَاءِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ تَقَيَّدَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَلَوْ ضَمِنَ ذَلِكَ جَازَ عَلَيْهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ بِالصُّلْحِ الْبَدَلَ عَمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى مُوَكِّلِهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَتَصَرُّفُهُ فِي ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْفُضُولِيِّ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ فَإِنْ كَانَ طَالِبُ الدَّمِ هُوَ الَّذِي وَكَّلَ بِالصُّلْحِ فِي ذَلِكَ فَصَالَحَ عَلَى بَعْضِ مَا سَمَّيَا كَانَ جَائِزًا وَإِنْ صَالَحَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ عَلَى الطَّالِبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الدِّيَةِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لِأَنَّهُ الْآنَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ صَالَحَ وَكِيلَ الْمَطْلُوبِ عَلَى عَبْدِ الْمَطْلُوبِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فَإِنْ شَاءَ الْمَطْلُوبُ أَعْطَى الْعَبْدَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالصُّلْحِ وَمَا أَمَرَهُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ عَيْنِ الْعَبْدِ، وَكَانَ لَهُ حَقُّ إمْسَاكِ الْعَبْدِ، فَإِذَا أَمْسَكَهُ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَالَحَ مِنْ الدَّمِ عَلَى عَبْدٍ فَاسْتَحَقَّ، وَالصُّلْحُ بِهَذَا لَا يَبْطُلُ وَلَكِنْ يَجِبُ قِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ يُعَيِّنُهُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا بِعَيْنِهِ فَإِنْ شَاءَ الْمُوَكِّلُ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَإِذَا حَبَسَ الْعَيْنَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ كَانَ ذَلِكَ كَالْمُسْتَحَقِّ مِنْ يَدِهِ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَضَمِنَ ذَلِكَ جَازَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِيمَا صَنَعَ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمَطْلُوبُ وَكِيلًا يُصَالِحُ عَنْهُ وَيَضْمَنُ فَصَالَحَ عَنْهُ عَلَى مَالٍ وَسَمَّى ذَلِكَ إلَى أَجَلٍ وَضَمِنَ فَهُوَ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لِأَنَّ بِالصُّلْحِ يَجِبُ عَلَى الضَّامِنِ الْمَالُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَيَجِبُ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَيْضًا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَإِنْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ حَالًّا كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى بِثَمَنِ غَيْرٍ مُؤَجَّلٍ لِأَنَّ الْوَكِيلَ حِينَ ضَمِنَ الْبَدَلَ فَالْمُطَالَبَةُ لِلطَّالِبِ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ لَا عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَكَمَا تَتَوَجَّهُ مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ لَمْ تُسْقِطْ مُطَالَبَةَ الطَّالِبِ عَنْ الْأَصِيلِ فَلَا تَتَوَجَّهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ مَا لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْوَكِيلُ بِهِ كَفِيلًا لَمْ يَكُنْ لِلْكَفِيلِ إذَا أَدَّى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَا أَمَرَهُ بِأَدَاءِ شَيْءٍ عَنْهُ وَلَا بِالْكَفَالَةِ وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي كَفَلَ بِهِ فَيَكُونُ رُجُوعُ الْكَفِيلِ عَلَى الْوَكِيلِ وَرُجُوعُ

(19/149)


الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ

قَالَ وَلَوْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَعْطَى الْوَكِيلَ رَهْنًا بِالْمَالِ قِيمَتُهُ وَالْمَالُ سَوَاءٌ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْوَكِيلِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مَا اسْتَوْجَبَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ لِلطَّالِبِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ كَمَا الْتَزَمَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ مَرَّةً، قَالَ وَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ صَالَحَ لِلطَّالِبِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْمَطْلُوبِ دُونَ الْوَكِيل كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ بِالدَّمِ فَكَانَ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَعْفُ عَنْهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَعَفَا عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْمَالُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَفِي غَيْرِ الدَّمِ الْحُكْمُ هَكَذَا مَتَى أَضَافَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى الْمَطْلُوبِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَضْمَنْ

قَالَ وَلَوْ أَنَّ طَالِبَ الدَّمِ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ وَالْقَبْضِ فَصَالَحَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَقُولَ قَدْ عَفَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْمَالَ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَفْوَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَجَعَلَ نَفْسَهُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا عَنْهُ فَكَانَ حَقُّ قَبْضِ الْمَالِ إلَى الطَّالِبِ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ فَلَا يَكُونُ لَهُ قَبْضُ الْبَدَلِ

قَالَ وَلَوْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالدَّمِ وَكَّلَ وَكِيلًا بِمَا يُطَالَبُ بِهِ أَوْ وَكَّلَهُ بِالدَّمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ لِأَنَّ مَا وُكِّلَ بِهِ مَجْهُولٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ أَرَادَ الصُّلْحَ أَوْ الْخُصُومَةَ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صُلْحُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مُرَادُهُ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمَطْلُوبُ بِالدَّمِ وَكِيلًا يُصَالِحُ عَنْهُ الطَّالِبَ فَالْتَقَى الْوَكِيلَانِ وَاصْطَلَحَا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ مَقْصُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ يَحْصُلُ بِالصُّلْحِ مَعَ وَكِيلِ صَاحِبِهِ مِثْلَ مَا يَحْصُلُ بِالصُّلْحِ مَعَ صَاحِبِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا خِلَافًا مِنْ الْوَكِيلَيْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَادِمًا بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ لِلْمَوْلَى فَإِنَّ مَقْصُودَهُ مِلْكُ ذَلِكَ الْخَادِمِ بِالشِّرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ وَكِيلَ فُلَانٍ بِشِرَائِهِ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ

قَالَ وَإِذَا كَانَ دَمٌ خَطَأٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمْ بِالصُّلْحِ فِي حِصَّتِهِ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَبَضَهَا فَلِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَنْ يُشَارِكُوا الْمُوَكِّلَ وَيُخَاصِمُوهُ فِيمَا أَخَذَ كَمَا لَوْ أَخَذَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ بَدَلُ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ وَهُوَ الدِّيَةُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ أَمَانَةٌ لِمَنْ وَكَّلَهُ وَيَدُهُ فِيهِ كَيَدِ مَنْ وَكَّلَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ خُصُومَةٌ كَصَاحِبِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا خُصُومَةَ لَهُ مَعَ مُودِعِ الْمَدْيُونِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ

(19/150)


عِنْدَ الْوَكِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، وَلَكِنَّ سَائِرَ الْوَرَثَةِ يَأْخُذُونَ الْمُوَكِّلَ فَيُضَمِّنُونَهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِمْ مِمَّا أَخَذَ وَكِيلُهُ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَقْبُوضِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ

قَالَ وَإِذَا قُضِيَ بِالدِّيَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى الْقَاتِلِ وَعَوَاقِلِهِ فَوَكَّلَ الطَّالِبُ وَكِيلًا بِقَبْضِهَا فَقَبَضَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي عَلْفِهَا وَسَقْيِهَا وَرَعْيِهَا حَتَّى يُبَلِّغَهَا الْمُوَكِّلَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ فَهُوَ أَمِينٌ أَنْفَقَ عَلَى الْأَمَانَةِ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهَا وَلَا أَمْرِ الْقَاضِي، قَالَ وَلَوْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِبَيْعِهَا فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ عَبْدًا لَهُ فَبَاعَهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ دُونَ رَأْيِ عَبْدِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحِفْظِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَحْفَظُ الْمَالَ بِيَدِ عَبْدِهِ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ لِيَحْفَظَهُ وَلَكِنَّهُ يُبَاشِرُ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ فَإِذَا أَمَرَ بِهِ عَبْدَهُ لَمْ يَجُزْ.
كَمَا لَوْ أَمَرَ بِهِ أَجْنَبِيًّا آخَرَ، قَالَ وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُ عَيْنِهَا فَلِرَبِّ الْإِبِلِ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِتَسْلِيطِهِ عَبْدَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ عَبْدَهُ قِيمَةَ الْإِبِلِ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فِي حَقِّهِ

قَالَ وَإِذَا قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ جِنْسٍ فَوَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَ بِهِ جِنْسًا آخَرَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَيَّنَ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَبِقَبْضِ جِنْسٍ آخَرَ مَكَانَهُ يَكُونُ اسْتَبْدَلَ وَالْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَ الْمَطْلُوبُ وَكِيلًا يُؤَدِّي عَنْهُ وَقَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ بِالدَّرَاهِمِ فَبَاعَ بِهَا وَكِيلُ الطَّالِبِ دَنَانِيرَ أَوْ عَرُوضًا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ قَضَى بِالثَّمَنِ دَيْنَ الْمَطْلُوبِ فَإِنْ أَخَّرَ الدَّيْنَيْنِ يَكُونُ قَضَاءً عَنْ أَوَّلِهِمَا وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمَطْلُوبِ بَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ بِأَدَاءِ الدَّرَاهِمِ فَلِهَذَا جَازَ وَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الْمَطْلُوبِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمَطْلُوبُ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَأَدَّى الْوَكِيلُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ لَا بِأَدَاءِ الْمَالِ فَإِنَّ الْخُصُومَةَ تَكُونُ فِي دَفْعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَأَمَّا دَفْعُ الْمَالِ فَلَيْسَ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي شَيْءٍ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ

قَالَ وَإِذَا دَفَعَ الدِّيَةَ دَرَاهِمَ إلَى رَجُلَيْنِ وَقَالَ أَدِّيَاهَا عَنِّي فَصَالَحَا الطَّالِبَ مِنْ الْمَالِ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضٍ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا عَقَدَا عَلَى مِلْكِهِمَا فَكَانَا مُتَطَوِّعَيْنِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا عَقْدًا غَيْرَ مَا أُمِرَا بِهِ، فَإِنَّهُمَا أُمِرَا بِحَمْلِ الْمَالِ لِلْمَطْلُوبِ وَالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلَا ذَلِكَ بَلْ تَبَرَّعَا بِأَدَاءِ الْمَالِ مِنْ عِنْدِهِمَا فَيَرُدَّانِ عَلَى الْمُوَكِّلِ دَرَاهِمَهُ، وَلَوْ قَضَى الطَّالِبُ الدَّرَاهِمَ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّ الْمَطْلُوبِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَا تِلْكَ الدَّرَاهِمَ أَوْ مِثْلَهَا، وَقَدْ يُبْتَلَى الْوَكِيلَانِ بِذَلِكَ بِأَنْ يَتَّفِقَ رُؤْيَتُهُمَا الطَّالِبَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَكُونُ دَرَاهِمُ الْمَطْلُوبِ مَعَهُمَا لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمَا اسْتِصْحَابُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلِدَفْعِ الْحَرَجِ عَلَيْهِ اسْتَحْسَنَّا لَهُمَا أَدَاءَ مِثْلِ الدَّرَاهِمِ لِيَرْجِعَا فِيهَا

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِأَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ دِيَةً

(19/151)


وَدَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ فَأَدَّى نِصْفَهُ وَحَطَّ الطَّالِبُ نِصْفَهُ فَهَذَا الْحَطُّ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْحَطَّ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ إنَّمَا يَكُونُ عَمَّنْ عَلَيْهِ الْمَالُ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِلْوَكِيلِ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ مِنْ الْأَصِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهِبَةِ إذَا وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ، ثُمَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُقَاصِصْهُ بِمَا فِي يَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَا فِي يَدِهِ إذَا حَضَرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْهُ لِتَسْلِيطِ صَاحِبِ الدَّيْنِ إيَّاهُ عَلَى قَبْضِهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَلَكِنْ بِمَحْضَرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَبْضِهِ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالصُّلْحِ فِي الشِّجَاجِ]
ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ فِي شَجَّةٍ اُدُّعِيَتْ قِبَلَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَضْمَنَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ فَصَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ خَطَأً جَازَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَبَطَلَ الْفَضْلُ لِأَنَّ بَدَلَ الشَّجَّةِ مُقَدَّرٌ بِالْخَمْسِمِائَةِ شَرْعًا فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ يَكُونُ رِبًا، وَلَوْ بَاشَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ بَطَلَ الْفَضْلُ لِهَذَا فَكَذَلِكَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ زَادَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ فَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمَشْجُوجُ اُنْتُقِضَ الصُّلْحُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَفِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الشَّجَّةِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَنْ السِّرَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ الشَّجَّةِ لَا يَكُونُ صُلْحًا عَنْ السِّرَايَةِ فَإِذَا مَاتَ الْمَشْجُوجُ بَطَلَ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْحَقَّ كَانَ فِي الدَّمِ دُونَ الشَّجَّةِ فَكَانَ أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى دَعْوَاهُمْ.
قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ صَالَحَ عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِنْ بَرِئَ مِنْ الشَّجَّةِ فَالْجَوَابُ كَمَا بَيَّنَّا لِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ فِي إسْقَاطِ الْمُوجِبِ لِلشَّجَّةِ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ مَاتَ فِيهَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ ضَمِنَ الْبَدَلَ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَالَحَ عَنْ الدَّمِ، فَإِنَّ اسْمَ الْجِنَايَةِ يَتَنَاوَلُ النَّفْسَ وَمَا دُونَهَا وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مَأْمُورًا بِالصُّلْحِ عَنْ الشَّجَّةِ فَيَكُونُ هُوَ فِي الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ مُتَبَرِّعًا بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِالضَّمَانِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، قَالَ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ صَالَحَ عَنْ الشَّجَّةِ وَهِيَ خَطَأٌ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا عَلَى خَمْسمِائَةِ فَإِنَّ

(19/152)


الْمَشْجُوجَ يَجُوزُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ نَصِفُ الْعُشْرِ وَيَرُدُّ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ وَنِصْفَ الْعُشْرِ إنْ كَانَ قَبَضَ، لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا النَّفْسُ، وَهُوَ إنَّمَا جَعَلَ الْخَمْسَمِائَةِ بِالصُّلْحِ عِوَضًا عَنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ بَعْدَ نَصِفْ عُشْرِ الدِّيَةِ فَيُمْسِكُ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ حِصَّةَ حَقِّهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَلَوْ مَاتَ عَنْ مَالِ الشَّجَّةِ وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يُخْرِجُ مَا حَطَّهُ مِنْ ثُلُثِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ ضَمِنَهُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالصُّلْحِ عَنْ الشَّجَّةِ وَهُوَ إنَّمَا صَالَحَ عَنْ النَّفْسِ وَالْمَشْجُوجُ أَسْقَطَ مِنْ حَقِّهِ مَا زَادَ عَنْ الْخَمْسمِائَةِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَشْجُوجِ مَالٌ إلَّا الدِّيَةَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ثُمَّ يُخَاصِمُ أَوْلِيَاءَ الْمَشْجُوجِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشَّجَّةَ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُمْ عَلَيْهِ أَخَذُوا تَمَامَ ذَلِكَ مِنْهُ لِبُطْلَانِ وَصِيَّةِ الْمَشْجُوجِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَشْجُوجَ حَطَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّ وَكِيلَ الْمَشْجُوجِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ بَدَلَ الشَّجَّةِ مَعْلُومٌ شَرْعًا فَالتَّوْكِيلُ بِالصُّلْحِ يَنْصَرِفُ مُطْلَقُهُ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ يَكُونُ عَفْوًا لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِغْمَاضِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ.

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فِي الشَّجَّةِ خَاصَّةً فَصَالَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ ثُمَّ مَاتَ الْمَشْجُوجُ فَالصُّلْحُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ دُونَ الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اسْمَ الشَّجَّةِ لَا يَتَنَاوَلُ النَّفْسَ فَالْآمِرُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالصُّلْحِ عَنْ الشَّجَّةِ وَهُوَ قَدْ صَالَحَ عَنْ النَّفْسِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اسْمُ الشَّجَّةِ يَتَنَاوَلُ الشَّجَّةَ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَإِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا كَانَ هُوَ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ فِيمَا صَنَعَ لَا مُبْتَدِئًا شَيْئًا آخَرَ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي شَجَّةٍ فَصَالَحَهُ عَنْ الشَّجَّةِ وَعَنْ جُرْحٍ آخَرَ مِثْلَهَا جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ النِّصْفُ لِأَنَّهُ فِي حِصَّةِ ذَلِكَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ وَفِي الْجِرَاحَةِ هُوَ مُبْتَدِئٌ فَهُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ الْأُخْرَى أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِحِسَابِ تِلْكَ الشَّجَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْتِزَامِ ذَلِكَ قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَصَالَحَ عَنْ مُوضِحَتَيْنِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُمَا وَضَمِنَ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ النِّصْفُ وَلَزِمَ الْوَكِيلَ النِّصْفُ سَوَاءٌ مَاتَ أَوْ عَاشَ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْمُوضِحَتَيْنِ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ وَفِي الْأُخْرَى مُتَبَرِّعٌ بِالصُّلْحِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ ادَّعَاهَا قِبَلَ فُلَانٍ فَصَالَحَ الْوَكِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا جَازَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ وَكِيلَ الطَّالِبِ

(19/153)


مُسْقِطٌ الْحَقَّ بِالصُّلْحِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إسْقَاطُهُ بِقَدْرِ مَا أَمَرَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ هُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهُ أَصْلًا

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا بِالصُّلْحِ فِي شَجَّةٍ تُدَّعَى قِبَلَهُ وَإِنْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ فَصَالَحَ عَلَى صِنْفٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَى الْوَكِيلِ مِنْ ذَلِكَ الْوَسَطُ.
كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ صَالَحَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَالٌ يَلْتَزِمُهُ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ فِي الْمُسَمَّى لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي مِثْلِهِ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِأَمْرِهِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَضْمَنَ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمَطْلُوبُ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْوَكِيلَ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ سِنِينَ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ خِدْمَةِ عَبْدِهِ كَتَسْمِيَةِ رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ مَنْفَعَةِ عَبْدِهِ فَيُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْضَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِيمَا إذَا سَمَّى فِي الصُّلْحِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى كَاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ التَّسْمِيَةُ وَلَكِنْ يَجِبُ قِيمَةُ الْمُسَمَّى قَالَ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ فَهُوَ عَفْوٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ وَلَا عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْمَالُ فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ وَإِذَا كَانَ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَالطَّلَاقِ فَإِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبُضْعِ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ هُنَاكَ عَنْ ذِكْرِ الْبَدَلِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْبَدَلِ هُنَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أُصَالِحُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَضَمِنَهُ لَهُ فَإِذَا الْعَبْدُ حُرٌّ وَالْخَلُّ خَمْرٌ فَعَلَى الْوَكِيلِ أَرْشُ الشَّجَّةِ لِأَنَّهُ سَمَّى مُتَقَوِّمًا فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ بِمَالٍ تَمَكَّنَ الْغَرَرُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَرْجِعُ بِأَصْلِ حَقِّهِ وَهُوَ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فِي هَذَا ثُمَّ الْوَكِيلُ قَدْ ضَمِنَهُ فَيَكُونُ مُطَالَبًا بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ أَمْرَهُ فِيمَا الْتَزَمَ.
وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لِلْمُصَالِحِ غَيْرُ الْعَبْدِ الْبَاقِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآخَرُ لَهُ الْعَبْدُ الْبَاقِي وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ الْعَبْدِ الْبَاقِي تَمَامُ أَرْشِ الشَّجَّةِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْخُلْعِ هَكَذَا فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْمُصَالِحُ سَمَّى عَبْدَيْنِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا تَحَقَّقَ الْغَرَرُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ حَقُّ الطَّالِبِ فِي تَمَامِ أَرْشِ الشَّجَّةِ هُنَا وَحَقُّ الرُّجُوعِ لِلزَّوْجِ فِيمَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ فِي الْخُلْعِ هَكَذَا فَيَأْخُذُ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ

(19/154)


وَمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ إلَى تَمَامِ الشَّجَّةِ بِاعْتِبَارِ الْغَرَرِ كَمَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عَبْدٍ وَاحِدٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْخُلْعُ وَالصُّلْحُ بِاعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ الْبَاقِي صَحِيحٌ وَتَسْمِيَةُ الْحُرِّ مَعَهُ لَغْوٌ فَصَارَ ذِكْرُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ سَوَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى عَبْدًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ هُنَاكَ مُعَاوَضَةً بِاعْتِبَارِ مَا وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ الْبَاقِي فَلِهَذَا جَعَلْنَا التَّسْمِيَةَ فِي الْعَبْدِ الْأَخِيرِ لَغْوًا وَأَصْلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْعَبْدَ الْبَاقِيَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآخَرِ لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا قَالَ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَبْدٍ فَإِذَا هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ عَلَى أَمَةٍ فَإِذَا هِيَ أُمُّ وَلَدٍ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ تَسْلِيمَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَمْلُوكٌ مُتَقَوِّمٌ وَلَكِنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِالْحُرِّيَّةِ الثَّابِتَةِ لَهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فَهَذَا مِثْلُهُ

قَالَ وَإِذَا شَجَّ رَجُلَانِ رَجُلًا مُوضِحَةً فَوَكَّلَ وَكِيلًا يُصَالِحُ مَعَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ.
كَمَا لَوْ بَاشَرَ الصُّلْحَ بِنَفْسِهِ وَعَلَى الْآخَرِ نَصِفُ الْأَرْشِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْجَنَابَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِفُ الْأَرْشِ دُونَ الْقَوَدِ فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْفِعْلِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّهمَا هُوَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ وَمِثْلُهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ ثُمَّ الرَّأْيُ إلَى الْوَكِيلِ يُصَالِحُ أَيَّهمَا شَاءَ

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّاجُّ وَاحِدًا وَالْمَشْجُوجُ اثْنَيْنِ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُمَا فَصَالَحَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُسَمِّهِ ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ هُوَ فُلَانٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ صَالَحَ مَعَهُ وَهُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَإِلَيْهِ تَعْيِينُ مَا بَاشَرَ مِنْ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِلتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ يَصِحُّ تَعْيِينُهُ وَيَكُونُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَكِّلِ فِيهِ

قَالَ وَإِذَا اشْتَرَكَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فِي مُوضِحَةٍ شَجَّاهَا رَجُلًا فَوَكَّلَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ وَكِيلًا فَصَالَحَ عَنْهُمَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَعَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ نَصِفُ ذَلِكَ قَلَّتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ كَثُرَتْ وَعَلَى الْحُرِّ نِصْفُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مُطَالَبًا بِنِصْفِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا وَكَّلَا الْوَكِيلَ بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِالنِّصْفِ كَانَ الْوَكِيلُ نَائِبًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِفُ الْبَدَلِ.
كَمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ كَانَ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيُّ صَالَحَا بِأَنْفُسِهِمَا مَعَ الْمَشْجُوجِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى بِهَذَا الصُّلْحِ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَعِنْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ

(19/155)


فَمُوجَبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَمٍ خَطَأً لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ عَبْدًا وَحُرًّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَوَكَّلَ مَوْلَى الْعَبْدِ وَأَوْلِيَاءُ الْحُرِّ وَكِيلًا فَصَالَحَ الْقَاتِلَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ يَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءُ الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ وَأَوْلِيَاءُ الْحُرِّ بِالدِّيَةِ.
كَمَا لَوْ صَالَحَا بِأَنْفُسِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَضْرِبُ فِي بَدَلِ الصُّلْحِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَحَقُّ مَوْلَى الْعَبْدِ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ وَحَقُّ أَوْلِيَاءِ الْحُرِّ فِي الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسِمِائَةٍ وَالْقَتْلُ عَمْدٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ دُونَ الْمَالِ وَالْمَالُ فِي الصُّلْحِ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ شَرْعًا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَلِوَرَثَةِ الْحُرِّ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَالْبَاقِي لِمَوْلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ فِي الْخَطَأِ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا بِعَشَرَةِ آلَافٍ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فَلِهَذَا كَانَ لِوَرَثَةِ الْحُرِّ عَشَرَةُ آلَافٍ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ قُتِلَ عَمْدًا وَالْحُرُّ خَطَأً فَصَالَحَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا كَانَ لِأَوْلِيَاءِ الْحُرِّ عَشَرَةُ آلَافٍ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا بَقِيَ فَلِمَوْلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ هَذَا صُلْحٌ عَنْ الْقَوَدِ فَيَجُوزُ عَلَى قَدْرٍ مِنْ الْبَدَلِ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ قُتِلَ عَمْدًا وَالْعَبْدُ خَطَأً كَانَ الصُّلْحُ جَائِزًا وَهُوَ مِثْلُ الْبَابِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا

قَالَ وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا شَجَّ مُوضِحَةً فَوَكَّلَ الْمَطْلُوبُ وَكِيلًا مُسْلِمًا فَصَالَحَ عَنْهُ بِخَمْرٍ وَضَمِنَ لَهُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الذِّمِّيُّ عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ بَدَلَهُ حِينَ ضَمِنَهُ بِعَقْدِ الصُّلْحِ وَالْتِزَامُ الْمُسْلِمِ الْخَمْرَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَمَّا وَكَّلَهُ بِأَنْ يُصْلِحَ وَيَضْمَنَ كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا فَيَبْطُلُ الصُّلْحُ أَيْضًا وَالنَّصْرَانِيُّ عَلَى حَقِّهِ قَالَ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ وَكَّلَ مُسْلِمًا فَصَالَحَ عَنْهُ عَلَى خَمْرٍ جَازَ لِأَنَّ وَكِيلَ الطَّالِبِ سَفِيرٌ عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَا إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قَبْضِ الْبَدَلِ وَهُوَ قِيَاسُ نَصْرَانِيَّةٍ وَكَّلَتْ مُسْلِمًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ عَلَى خَمْرٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ فَهَذَا مِثْلُهُ

قَالَ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مُسْلِمَيْنِ وَقَدْ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذِمِّيًّا فَصَالَحَ عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْوَكِلَيْنِ سَفِيرَانِ عَنْ الْمُسْلِمَيْنِ فَلَا يَكُونُ إلَيْهِمَا مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ شَيْءٌ فَيَكُونُ صُلْحُهُمَا كَصُلْحِ الْمُوَكِّلَيْنِ

قَالَ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قُتِلَ خَطَأً فَوَكَّلَ مَوْلَاهُ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فَصَالَحَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ جَازَ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ بَدَلَ نَفْسِ الْعَبْدِ فِي الْخَطَأِ لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَخْذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تَتَقَدَّرُ نَفْسُ الْعَبْدِ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لَا يُلْزِمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَتْ شَجَّةً فَصَالَحَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ لِأَنَّ بَدَلَ الطَّرْفِ مِنْ الْعَبْدِ فِي الْجِنَايَةِ لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ بَلْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُسَلِّمُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ

(19/156)


خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَبْطُلُ مَا بَقِيَ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُسَلِّمُ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْمُوضِحَةِ نَصِفَ عُشْرِ بَدَلِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ خَمْسمِائَةِ إلَّا نَصِفَ دِرْهَمٍ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا بَقِيَ

قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فَقْءَ عَيْنٍ فَصَالَحَهُ عَلَى سِتَّةِ آلَافٍ جَازَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا قُلْنَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسَلِّمُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً وَيَبْطُلُ مَا بَقِيَ وَذَكَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا صَالَحَهُ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ نُقِصَتْ مِنْهَا أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ بَدَلَ الطَّرْفِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسَاوِيًا لِبَدَلِ النَّفْسِ وَإِذَا كَانَ بَدَلُ نَفْسِهِ يَتَقَدَّرُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً يُنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ فِي بَدَلِ الْعَيْنِ دِرْهَمٌ فَلِهَذَا يُسَلِّمُ لَهُ عَشَرَةَ آلَافٍ إلَّا أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا قَالَ وَلَوْ كَانَ وَكِيلُ هَذَا الصُّلْحِ وَكِيلَ الْمَطْلُوبِ فَضَمِنَ ذَلِكَ جَازَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ زَادَ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَزِمَ ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ حَتَّى يَرْجِعَ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فِي الِالْتِزَامِ وَإِنْ زَادَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَانَ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِالضَّمَانِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِشَيْءٍ مِنْهُ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِشَجَّةٍ مُوضِحَةٍ شَجَّهَا إيَّاهُ رَجُلٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ وَلَا يَعْفُوَ وَلَا يُخَاصِمَ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ التَّوْكِيلِ أَنَّهُ بِمَاذَا أَمَرَهُ فَكَانَ عَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ بِمَا سَمَّى لَهُ وَلَوْ أَخَذَ أَرْشَهَا تَامًّا كَانَ بَاطِلًا فِي الْقِيَاسِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بَاطِلٌ حِينَ لَمْ يَعْرِفْ الْوَكِيلُ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ فَأَخْذُ الْأَرْشِ يَكُونُ صُلْحًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشَّجَّةِ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً جَازَ أَخْذُهُ الْأَرْشَ لَا بِانْتِفَاءِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى كَمَالَ حَقِّهِ وَذَلِكَ كَانَ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِدَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِشَجَّةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُوجَبُ الشَّجَّةِ وَهُوَ الدِّيَةُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَقَاضَى دَيْنَهُ وَلَا يُخَاصِمَ وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْحِفْظِ لِأَنَّ فِي قَوْلَهُ وَكَّلْتُك بِأَعْيَانِ مَالِي فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا هُوَ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ فِي الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ وَيُعْلَمُ أَنَّ الْحِفْظَ مُرَادُهُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْحِفْظِ بِيَقِينٍ فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمُتَيَقِّنَ بِهِ

قَالَ وَلَوْ قَالَ الْمَشْجُوجُ مَا صَنَعْت فِي شَجَّتِي مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ فِي حِلٍّ فَصَالَحَ عَلَيْهَا أَجَزْت ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ هَذَا وَقَوْلَهُ وَكَّلْته بِالصُّلْحِ عَنْ شَجَّتِي سَوَاءٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ فِي حِلٍّ أَيْ هُوَ مِنْ النُّقْصَانِ فِي حِلٍّ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالصُّلْحِ لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِغْمَاضِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ صَارَ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ

(19/157)


وَلَفْظُ الصُّلْحِ يَحْتَمِلُ إسْقَاطَ بَعْضِ الْبَدَلِ لَا كُلِّهِ وَفِي الْإِبْرَاءِ إسْقَاطُ الْكُلِّ وَلَوْ قَالَ مَا صَنَعْت فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ أَجْزَأَتْ الْبَرَاءَةُ وَالصُّلْحُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ أَجَازَ صُنْعَهُ مُطْلَقًا وَإِسْقَاطُ الْبَعْضِ بِالصُّلْحِ أَوْ الْكُلِّ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ صُنْعِهِ فَلِهَذَا يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ قَدْ جَعَلْته وَكِيلًا فِي الصُّلْحِ وَأَمَرْته بِالْقَبْضِ فَصَالَحَ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ نَصًّا وَلَوْ صَالَحَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِقَبْضِ بَدَلِ الصُّلْحِ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالصُّلْحِ وَالْقَبْضِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الشَّاجُّ وَكِيلًا بِمَا يُدَّعَى قِبَلَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ وَلَا يُخَاصِمَ وَلَا يَصْنَعَ شَيْئًا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يُعَيِّنْ مُرَادَهُ عِنْدَ التَّوْكِيلِ فَكَانَ عَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ بِالصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةٍ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى عَبْدِهِ ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ ثُمَّ صَالَحَ الْوَكِيلُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِعَجْزِهِ وَضَمِنَ بَدَلَ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي رَقَبَتِهِ كَمَا لَوْ صَالَحَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ وَعَجْزُهُ يَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لَا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ بَعْدَ عَجْزِهِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَكَذَلِكَ الْعَجْزُ بَعْدَ التَّوْكِيلِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُطَالَبًا بِالْمَالِ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي حَقِّهِ صَحِيحٌ وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةِ عَبْدِهِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِالصُّلْحِ فِي شَجَّةٍ اُدُّعِيَتْ قِبَلَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ كَانَ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ انْقَطَعَ رَأْيُ الْمُوَكِّلِ بِمَوْتِهِ فَإِنْ صَالَحَ الْوَكِيلُ وَضَمِنَ جَازَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي الصُّلْحِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَمَاتَ الطَّالِبُ فَصَالَحَ الْوَكِيلُ وَرَثَتَهُ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ وَرَثَةَ الطَّالِبِ بَعْدَ مَوْتِهِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِمُوجَبِ الشَّجَّةِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ شَجَّهَا إيَّاهُ رَجُلٌ فَصَالَحَ عَلَى الْمُوضِحَةِ الَّتِي شَجَّهَا فُلَانٌ وَلَمْ يَقُلْ هِيَ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ وَمَحَلُّ فِعْلِ فُلَانٍ مَعْلُومٌ مُعَايَنٌ فَيُغْنِي ذَلِكَ عَنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْيَدُ وَالْعَيْنُ وَالسِّنُّ فَإِنْ قَالَ عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى وَالْمَقْطُوعَةُ هِيَ الْيُمْنَى فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ وَلَوْ صَالَحَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ عَمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا صَالَحَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ وَكَالَةِ الْوَكِيلِ]
ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ أَوْ الْمَجْنُونَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا

(19/158)


يَتَكَلَّمُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ لِلْوَكِيلِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْعِبَارَةَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا يَعْقِلُ وَيَتَكَلَّمُ أَوْ مَجْنُونًا يَعْقِلُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ بِأَمْرِهِ يَنْفُذُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ فَعُهْدَةُ التَّصَرُّفِ تَكُونُ عَلَى الْمُوَكِّلِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَقَالَ مَا صَنَعْت فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ غَيْرَهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مِنْهُ عَلَى الْعُمُومِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صُنْعِهِ قَالَ وَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالْوَكِيلُ الثَّانِي عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ وَكِيلُ الْآمِرِ لَا وَكِيلَ الْوَكِيلِ فَإِنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فِي تَوْكِيلِهِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فَصَارَ هُوَ بِعِبَارَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَكِيلًا لِلْمُوَكِّلِ وَرَأْيُ الْمُوَكِّلِ بَاقٍ فَلِهَذَا بَقِيَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا عَزَلَ وَكِيلَهُ وَجَاءَ فُضُولِيٌّ وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ هَلْ يَنْعَزِلُ أَوْ لَا وَالْجَوَابُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُخْبِرَ إنْ كَانَ عَدْلًا انْعَزَلَ بِخَبَرِهِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْفُضُولِيِّ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنْعَزِلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا وَسَنُقَرِّرُ هَذَا الْفَصْلَ فِي الْمَأْذُونِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَعَزْلَ الْوَكِيلِ فِي هَذَا سَوَاءٌ فَمِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْعَدْلَ فِي الْخَبَرِ لَا يُوجَدُ فِي كُلِّ مُعَامَلَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي التَّوْكِيلِ وَالْإِذْنِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهِ مُخْبِرٌ فَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا فَكَذَلِكَ الْعَزْلُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذْ كُلُّ خَبَرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فَقَوْلُ الْفَاسِقِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِيهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَصَّ عَلَى التَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَثَبَّتُوا وَذَلِكَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ اللُّزُومِ بِخَبَرِهِ وَالْإِخْبَارُ بِالْعَزْلِ وَالْحَجْرِ يَلْزَمُهُ الْكَفُّ عَنْ التَّصَرُّفِ فَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولًا لِلْمُوَكِّلِ فَحِينَئِذٍ هُوَ مُعَبِّرٌ عَنْهُ فَيَكُونُ الْمُلْزِمُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لَا قَوْلَهُ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ وَالْإِذْنِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ شَيْئًا بَلْ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَصَرَّفَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فَلِهَذَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِيهِ

وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ فَبَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ثُمَّ اخْتَارَ الْوَكِيلُ الْبَيْعَ وَمَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ فِي

(19/159)


الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الْإِجَازَةَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَكَذَلِكَ لَا يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَازَةُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ الْفَسْخِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَازَةِ مِنْهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ أَجَازَ الْوَكِيلُ فِي الثَّلَاثَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ تَمَّ الْبَيْعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّ حُصُولَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا فَالشِّرَاء بِهِ كَالشِّرَاءِ بِالدَّرَاهِمِ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحْمَلْ التَّوْكِيلُ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْعُمُومِ لِمَا بَيَّنَّاهُ حُمِلَ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ فَإِذَا اشْتَرَى لِغَيْرِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ

وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ مَتَاعِهِ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَبَاعَهُ فِي بَيْتٍ فِي غَيْرِ سُوقِ الْكُوفَةِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا وَجَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ إنَّمَا هُوَ سِعْرُ الْكُوفَةِ لَا عَيْنَ السُّوقِ وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِنْ الشُّرُوطِ مَا يَكُونُ مُفِيدًا عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ فُضُولِيٌّ نِصْفَهُ مِنْ رَجُلٍ فَإِنْ أَجَازَ الْمَوْلَيَانِ جَازَ فِي النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ أَجَازَهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ فِي النِّصْفِ نَصِيبُهُ وَيَبْقَى النِّصْفُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ لِأَنَّهُ هَكَذَا يَتَوَقَّفُ وَعِنْدَ الْإِجَازَةِ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ فِي جَمِيعِ نَصِيبِ الْمُجِيزِ وَيَصِيرُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَأَنَّهُ بَاشَرَ بَيْعَ النِّصْفِ بِنَفْسِهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يُجِيزَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ فِي شَيْءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.