تبيين
الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ (كِتَابُ
الصَّلَاةِ)
الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الْعَالِيَةِ
الدُّعَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ
عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}
[التوبة : 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَإِنَّمَا
عَدَّى بِعَلَى بِاعْتِبَارِ لَفْظِ
الصَّلَاةِ ، وَقَالَ الْأَعْشَى
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَحَلًا
... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ
وَالْوَجَعَا
عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي
... نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ
مُضْطَجَعًا
وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ
الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ الْمَعْهُودَةِ
وَفِيهَا زِيَادَةٌ مَعَ بَقَاءِ مَعْنَى
اللُّغَةِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا لَا نَقْلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : حَتَّى يُنَشِّفَهُ بِخِرْقَةٍ
قَبْلَ رَدِّهِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ عَسَى يَدْخُلُ الْمَاءُ جَوْفَهُ
الْمُسْتَنْجِي لَا يَتَنَفَّسُ فِي
الِاسْتِنْجَاءِ إذَا كَانَ صَائِمًا لِهَذَا
. ا هـ . وَلِوَالِجِيٍّ (قَوْلُهُ :
وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي صِفَةِ
الِاسْتِنْجَاءِ.
(قَوْلُهُ : لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ) قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ : وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقِيلَ
الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ عَلَى سَبْعَةِ
أَوْجُهٍ فِي وَجْهَيْنِ فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ
عَنْ الْجَنَابَةِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى
قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَفِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ
وَاجِبٌ وَفِيمَا دُونَهُ سُنَّةٌ وَفِيمَا
لَمْ يُجَاوِزْ الْمَخْرَجَ وَالْإِحْلِيلَ
يُسْتَحَبُّ وَفِي الْبَعْرِ أَدَبٌ وَفِي
الرِّيحِ بِدْعَةٌ . ا هـ . كَاكِيٌّ قَالَ
الشَّيْخُ بَاكِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَلَا يَسْتَنْجِي بِالْخِرْقَةِ وَالْقُطْنِ
وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ
الْفَقْرَ بِالْحَدِيثِ وَمَقْطُوعُ
الْيُسْرَى يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ إنْ
قَدَرَ وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ يَمْسَحُ
ذِرَاعَيْهِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَيُصَلِّي
وَلَا يَمَسُّ فَرْجَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ
إلَّا مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا.
(قَوْلُهُ : وَفِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِ
مُحَمَّدٍ) وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ
مَقْعَدَتُهُ صَغِيرَةً .
(قَوْلُهُ : وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا
يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ) قَالَ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ
لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : لَا بِعَظْمٍ
وَرَوْثٍ) ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ . ا هـ .
وَلِوَالِجِيٍّ . (قَوْلُهُ : وَطَعَامٍ
وَيَمِينٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ . ا هـ ..
(كِتَابُ الصَّلَاةِ) .
(قَوْلُهُ : الْعَالِيَةِ) أَيْ
الْمَشْهُورَةِ .
(قَوْلُهُ : وَقَالَ الْأَعْشَى) وَفِي
السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَبِيدٌ بَدَلُ
الْأَعْشَى قَالَ نَجْمُ الدِّينِ
النَّسَفِيُّ هَذَا رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ
يُسَافِرَ وَقَدْ قَرُبَ مُرْتَحَلُهُ
بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ رَاحِلَتُهُ وَهِيَ
مَرْكَبُهُ الَّتِي يَضَعُ عَلَيْهَا رَحْلَهُ
وَيَرْكَبُهُ فَدَعَتْ ابْنَتُهُ لَهُ
وَالْمُضْطَجَعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ
الِاضْطِجَاعِ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ :
مَعْنَاهُ أَنَّهَا دَعَتْ لَهُ عِنْدَ
حُضُورِ وَفَاتِهِ بِالْعَافِيَةِ وَمَعْنَى
قَوْلِهِ قَرُبْت مُرْتَحَلًا الِارْتِحَالُ
إلَى الْقَبْرِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : صَلَّيْت) أَيْ دَعَوْت لِأَبِيك
ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَاغْتَمِضِي) أَيْ أَغْمِضِي
عَيْنَك لِأَجْلِ النَّوْمِ.
(1/78)
عَلَى مَا
قَالُوا وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الظَّاهِرُ
أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ لِوُجُودِهَا بِدُونِهِ
فِي الْأُمِّيِّ
[مَوَاقِيت الصَّلَاة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقْتُ الْفَجْرِ
مِنْ الصُّبْحِ الصَّادِقِ إلَى طُلُوعِ
الشَّمْسِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّ بِرَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فِيهَا حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فِي
الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي الْيَوْمِ
الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا أَوْ كَادَتْ
الشَّمْسُ تَطْلُعُ ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ
الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ
وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك» وَسُمِّيَ الْفَجْرُ
الثَّانِي صَادِقًا ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَنْ
الصُّبْحِ وَبَيَّنَهُ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ
كَاذِبًا ؛ لِأَنَّهُ يُضِيءُ ، ثُمَّ
يَسْوَدُّ وَيَذْهَبُ النُّورُ وَيَعْقُبُهُ
الظَّلَامُ فَكَأَنَّهُ كَاذِبٌ قَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا
يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا
الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ إنَّمَا الْفَجْرُ
الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ» أَيْ
الْمُنْتَشِرُ فِيهِ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ
الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ الصُّبْحُ
الصَّادِقُ وَآخِرَهُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالظُّهْرُ مِنْ
الزَّوَالِ إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ
سِوَى الْفَيْءِ) أَمَّا أَوَّلُهُ
فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء : 78] أَيْ
لِزَوَالِهَا وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ ،
وَأَمَّا آخِرُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ
عَنْهُ وَقَالَا آخِرَهُ إذَا صَارَ ظِلُّ
كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ
الْحَسَنِ عَنْهُ ، وَفِي رِوَايَةِ أَسَدِ
بْنِ عَمْرٍو عَنْهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ
شَيْءٍ مِثْلَهُ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ
وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ حَتَّى
يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ
ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى
الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ
وَالتُّحْفَةِ والإسبيجابي وَقَالَ فِي
الْمَبْسُوطِ جَعَلَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ عَنْهُ
وَجَعَلَ الْمِثْلَيْنِ رِوَايَةَ أَبِي
يُوسُفَ عَنْهُ وَجَعَلَ الْمُهْمَلَ
رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْهُ وَهَذَا لَا
يَضُرُّ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّ
رِوَايَةَ أَحَدِهِمْ عَنْهُ لَا تَنْفِي
رِوَايَةَ غَيْرِهِ عَنْهُ لَهُمَا إمَامَةُ
جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ بِالنَّبِيِّ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي
الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ
وَلَوْ كَانَ الظُّهْرُ بَاقِيًا لَمَا صَلَّى
فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ
الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ بِمَعْنَاهُ وَأَشَدُّ الْحَرِّ
فِي دِيَارِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ .
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ
الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ
أَجِيرًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ
غُدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى
قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ ، ثُمَّ قَالَ
مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ
إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ
فَعَمِلَتْ النَّصَارَى ، ثُمَّ قَالَ مَنْ
يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ
الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ فَأَنْتُمْ هُمْ
فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى
وَقَالُوا كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ
عَطَاءً» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ وَمِنْ الزَّوَالِ إلَى أَنْ
يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ مِثْلَ
بَقِيَّةِ النَّهَارِ إلَى الْغُرُوبِ فَلَمْ
تَكُنْ النَّصَارَى أَكْثَرَ عَمَلًا عَلَى
قَوْلِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْتُ
أَطْوَلَ وَلَا يُقَالُ مِنْ وَقْتِ
الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ
شَيْءٍ مِثْلَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ
سَاعَاتٍ وَمِنْ وَقْتِ الْمِثْلِ إلَى
الْغُرُوبِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ
فَقَدْ وُجِدَ كَثْرَةُ الْعَمَلِ لِطُولِ
الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا
الْقَدْرُ الْيَسِيرُ مِنْ الْوَقْتِ لَا
يَعْرِفُهُ إلَّا الْحِسَابُ وَمُرَادُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَفَاوُتٌ
يَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ وَمَا
رَوَيَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَقْتُ الْفَجْرِ
مِنْ الصُّبْحِ الصَّادِقِ) ابْتَدَأَ
بِبَيَانِ وَقْتِ الْفَجْرِ وَكَانَ
الْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِبَيَانِ وَقْتِ
الظُّهْرِ ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ أَمَّ
فِيهَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
إلَّا أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ وَقْتُ مَا
اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ : أَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَتَعَلَّقَ
الشَّافِعِيُّ فِي صِحَّةِ إمَامَةِ
الْمُتَنَفِّلِ لِلْمُفْتَرِضِ بِهَذَا
الْحَدِيثِ ، قَالُوا : إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ
مُتَنَفِّلًا مُعَلِّمًا وَالنَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مُفْتَرِضٌ قُلْنَا هَذِهِ دَعْوَى فَمِنْ
أَيْنَ لَهُمْ أَنَّهُ كَانَ مُتَنَفِّلًا
أَوْ مُفْتَرِضًا أَمَّا كَوْنُهُ مُعَلِّمًا
فَبَيِّنٌ وَإِنْ قَالُوا لَا تَكْلِيفَ عَلَى
مَلَكِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ
عَلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قُلْنَا هَذَا لَا
يُعْلَمُ عَقْلًا وَإِنَّمَا عُلِمَ
بِالشَّرْعِ وَجِبْرِيلُ مَأْمُورٌ
بِالْإِمَامَةِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُؤْمَرْ
غَيْرُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ بِذَلِكَ
فَكَمَا خُصَّ بِالْإِمَامَةِ جَازَ أَنْ
يُخَصَّ بِالْفَرِيضَةِ . ا هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ : وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ كَاذِبًا)
وَالْعَرَبُ تُشَبِّهُهُ بِذَنَبِ
السَّرْحَانِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا
طُولُهُ وَالثَّانِي أَنَّ ضَوْءَهُ يَكُونُ
فِي الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ كَمَا أَنَّ
الذِّئْبَ يَكْثُرُ شَعْرُ ذَنَبِهِ فِي
أَعْلَاهُ لَا فِي أَسْفَلِهِ . ا هـ .
غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ : مَا بَيْنَ هَذَيْنِ
الْوَقْتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ
قَوْلُهُ : مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَك
وَلِأُمَّتِك وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ
الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَقْتًا لِتِلْكَ
الْفَرِيضَةِ قُلْنَا وُجِدَ الْبَيَانُ فِي
حَقِّ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ بِالْفِعْلِ
فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى فِي
أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ
أَوَّلًا وَآخِرًا وَإِنْ أَوَّلَ وَقْتِ
الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَآخِرَهُ
حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ» وَفِيهِ بَيَانٌ
فِي حَقِّهِمَا ؛ وَلِأَنَّ إمَامَةَ
جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ
تَكُنْ لِنَفْيِ مَا وَرَاءَ وَقْتِ
الْإِمَامَةِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَلَا
تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي
حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا وَالْوَقْتُ يَبْقَى
بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَّى
الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ اللَّيْلُ
وَالْوَقْتُ يَبْقَى بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ
الْفَجْرِ وَهَذَا جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ
عَنْ احْتِجَاجِهِمَا بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ
مِثْلَهُ ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ أَوْ
نَقُولُ هَذَا بَيَانٌ لِلْوَقْتِ
الْمُسْتَحَبِّ إذْ الْأَدَاءُ فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ مِمَّا يَتَعَسَّرُ عَلَى
النَّائِمِينَ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ
الْجَمَاعَةِ وَفِي التَّأْخِيرِ إلَى آخِرِ
الْوَقْتِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ فَكَانَ
الْمُسْتَحَبُّ مَا بَيْنَهُمَا مَعَ قَوْلِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ
الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا» . ا هـ . كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالظُّهْرِ) أَيْ
بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْفَجْرِ . ا هـ .
ع .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : مِثْلَيْهِ)
وَانْتِصَابُهُ بِالْمَصْدَرِ الْمُضَافِ إلَى
فَاعِلِهِ . ا هـ . ع .
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ إلَى بُلُوغِ
الظِّلِّ) أَيْ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ . ا هـ . ع
.
(قَوْلُهُ : وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ
عَنْهُ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ
وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ
الطَّحَاوِيُّ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ
. ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : فِي هَذَا
الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ كَوْنِ ظِلِّ كُلِّ
شَيْءٍ مِثْلَهُ .
(قَوْلُهُ : مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) فَيْحُ
جَهَنَّمَ شِدَّةُ حَرِّهَا . ا هـ . كَاكِيٌّ
.
(قَوْلُهُ : وَأَشَدُّ الْحَرِّ فِي
دِيَارِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ) يَعْنِي
إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ .
(قَوْلُهُ : إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى
قِيرَاطَيْنِ) إنَّمَا كَانَ مِنْ الْعَصْرِ
إلَى الْمَغْرِبِ قِيرَاطَانِ ؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ الْوَقْتَ زَمَنُ إقَامَةِ آدَمَ فِي
الْجَنَّةِ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ .
(قَوْلُهُ : وَلَا يُقَالُ) أَيْ فِي
التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ
(1/79)
صَلَّى بِهِ
جِبْرِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي وَلَا يُقَالُ بِتَدَاخُلِ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِيهِ إلَى أَنْ
يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْنِ ؛ لِأَنَّا
نَقُولُ لَا يَتَدَاخَلُ وَقْتَا صَلَاةٍ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا يَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةٍ
حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» ،
ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَعْرِفَةِ
الزَّوَالِ مَا دَامَ الْقُرْصُ فِي كَبِدِ
السَّمَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزُلْ فَإِنْ
انْحَطَّ يَسِيرًا فَقَدْ زَالَ وَعَنْ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقُومُ الرَّجُلُ
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا زَالَتْ
الشَّمْسُ عَنْ يَسَارِهِ فَهُوَ الزَّوَالُ
وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي مَعْرِفَةِ
الزَّوَالِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ
وَالْخَبَّازِيُّ وَهُوَ أَنْ يَغْرِزَ
خَشَبَةً مُسْتَوِيَةً فِي أَرْضٍ
مُسْتَوِيَةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ فَمَا دَامَ
ظِلُّ الْعُودِ عَلَى النُّقْصَانِ فَهِيَ
عَلَى الصُّعُودِ لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ
فَإِذَا وَقَفَ وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَمْ يَزِدْ
فَهُوَ قِيَامُ الظَّهِيرَةِ فَإِذَا أَخَذَ
فِي الزِّيَادَةِ فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ
فَخَطَّ عَلَى رَأْسِ مَوْضِعِ الزِّيَادَةِ
خَطًّا فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْخَطِّ إلَى
الْعُودِ فِي الزَّوَالِ فَإِذَا صَارَ ظِلُّ
الْعُودِ مِثْلَيْ الْعُودِ مِنْ رَأْسِ
الْخَطِّ لَا مِنْ مَوْضِعِ غَرْزِ الْعُودِ
خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ
الْعَصْرِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَبْسُوطِ
قَالَ فَيْءُ الزَّوَالِ هُوَ الظِّلُّ
الَّذِي يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ وَقْتَ
الظَّهِيرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ
الظِّلَّ لَا يُسَمَّى فَيْئًا إلَّا بَعْدَ
الزَّوَالِ وَقَوْلُهُ سِوَى الْفَيْءِ أَيْ
سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ فَالْأَلِفُ
وَاللَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْإِضَافَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَصْرُ
مِنْهُ إلَى الْغُرُوبِ) أَيْ وَقْتُ
الْعَصْرِ مِنْ وَقْتِ صَارَ ظِلُّ كُلِّ
شَيْءٍ مِثْلَيْهِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ
أَمَّا أَوَّلُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ
ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ
الْعَصْرِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خُرُوجِ
وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ،
وَأَمَّا آخِرُهُ فَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ
هُنَا ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذَا
اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُ الْعَصْرِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا
لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ
رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ
الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَا رَوَاهُ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ
أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَغْرِبُ
مِنْهُ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ) أَيْ وَقْتُ
الْمَغْرِبِ مِنْ وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ
إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقْتُ صَلَاةِ
الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ
الشَّفَقِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ
وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا
غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي
مُوسَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى
كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي
تَقْدِيرِهِ فِي الْجَدِيدِ بِمُضِيِّ قَدْرِ
وَضُوءِ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَأَذَانٍ
وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ وَلَا
يُعَارِضُهُ إمَامَةُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي
الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ
الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ
يَكُونُ مَعْنَاهُ بَدَأَ بِهَا فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ
يَذْكُرْ وَقْتَ الْفَرَاغِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ الْفَرَاغُ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ
وَيَكُونُ قَوْلُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَك
وَلِأُمَّتِك إشَارَةً إلَى ابْتِدَاءِ
الْفِعْلِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِلَى
انْتِهَائِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ
أَبُو مُوسَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ
عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثٍ فِيهِ
طُولٌ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِهِمْ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي يَوْمَيْنِ
وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ
الشَّفَقِ ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعَا
السَّائِلَ ، ثُمَّ قَالَ الْوَقْتُ مَا
بَيْنَ هَذَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ
وَغَيْرُهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ
جِبْرِيلَ مَنْسُوخًا بِمَا رَوَيْنَا ؛
لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَقَدِّمٌ أَوْ
يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ
احْتِرَازًا عَنْ الْكَرَاهِيَةِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ الْبَيَاضُ) أَيْ
الشَّفَقُ هُوَ الْبَيَاضُ وَهَذَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ وَأَنَسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
وَعَائِشَةَ وَرِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَكَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَاخْتَارَهُ
الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ اللُّغَوِيَّانِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ قَالَ
بِقَوْلِهِمَا الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ ؛
لِأَنَّهُ الْمُتَفَاهَمُ عِنْدَ أَهْلِ
اللُّغَةِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْخَلِيلِ
وَالْفَرَّاءِ وَالْأَزْهَرِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَهُوَ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً
مُسْتَوِيَةً إلَى آخِرِهِ) هَذَا
التَّفْسِيرُ عَزَاهُ فِي الْغَايَةِ إلَى
مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ قَالَ الرَّازِيّ
وَالزَّوَالُ ظُهُورُ زِيَادَةِ الظِّلِّ
لِكُلِّ شَخْصٍ فِي جَانِبِ الْمَشْرِقِ . ا
هـ . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ
ظِلًّا وَقْتَ الزَّوَالِ إلَّا بِمَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءِ الْيَمَنِ فِي
أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَإِنَّ
الشَّمْسَ فِيهَا تَأْخُذُ الْحِيطَانَ
الْأَرْبَعَةَ . ا هـ . كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ
: وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ
الْفَيْءِ بِالظِّلِّ . (قَوْلُهُ : لَا
يُسَمَّى فَيْئًا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ)
لِأَنَّهُ مِنْ فَاءَ أَيْ رَجَعَ وَالْفَيْءُ
الرُّجُوعُ . ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْعَصْرُ)
ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ
الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِيمَا
نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ
الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ
وَالشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ الأخلاطي فِي
شَرْحِ كِتَابِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ اللُّبَابِ
وَذَكَرَ فِي شَرْحِ كَشْفِ الْمُغَطَّى
فِيهَا سَبْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا وَسُمِّيَتْ
الْعَصْرُ الْوُسْطَى ؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ
صَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ
وَصَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ ا هـ
سَرُوجِيٌّ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ : صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي
وَقْتٍ وَاحِدٍ) أَيْ لَوْ كَانَ وَقْتُ
الْمَغْرِبِ مُمْتَدًّا كَمَا قَالَ
أَصْحَابُنَا لَأَمَّ جِبْرِيلُ بِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي
آخِرِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَيَانًا
لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَلَمَّا صَلَّى بِهِ
فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عُلِمَ
أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَدٍّ فَيَكُونُ هَذَا
الْحَدِيثُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى
فَلَا يَتَمَسَّكُ بِهِ قُلْنَا الْحَدِيثُ
الْأَوَّلُ قَوْلٌ فَيَقْدَمُ ا هـ .
(قَوْلُهُ : فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) مَحْمُولٌ
عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ فَقَطْ أَيْ أَوَّلِ
الْوَقْتِ فِي الْيَوْمَيْنِ كَانَ وَاحِدًا
وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اتِّحَادُ آخِرِهِ ا هـ
.
(قَوْلُهُ : الشَّفَقُ هُوَ الْبَيَاضُ) أَيْ
الْبَاقِي فِي الْأُفُقِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ
الْحُمْرَةِ . ا هـ . بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ :
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَ زُفَرَ
أَيْضًا . ا هـ . ع (قَوْلُهُ : وَمَنْ قَالَ
بِقَوْلِهِمَا الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ) وَبِهِ
قَالَ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى . ا
هـ . عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(1/80)
وَهُوَ
مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ
مَسْعُودٍ وَقَالَ الْفَرَّاءُ تَقُولُ
الْعَرَبُ عَلَى فُلَانٍ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ
كَأَنَّهُ الشَّفَقُ وَلَنَا قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَآخِرُ
وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ»
؛ وَلِأَنَّ الشَّفَقَ مِنْ الرِّقَّةِ
وَمِنْهُ شَفَقَةُ الْقَلْبِ وَهِيَ رِقَّتُهُ
وَيُقَالُ ثَوْبٌ شَفِيقٌ إذَا كَانَ رَقِيقًا
وَهُوَ بِالْبَيَاضِ أَلْيَقُ ؛ لِأَنَّهُ
أَرَقُّ مِنْ الْحُمْرَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
بِقَوْلِهِ «وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا
لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ» إذْ النُّورُ
يُطْلَقُ عَلَى الْبَيَاضِ وَالْحَدِيثُ
صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّ
الْعِشَاءَ تَقَعُ بِمَحْضِ اللَّيْلِ فَلَا
تَدْخُلُ مَا دَامَ الْبَيَاضُ بَاقِيًا ؛
لِأَنَّهُ مِنْ أَثَرِ النَّهَارِ وَلِهَذَا
يَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْبَيَاضِ الْمُعْتَرِضِ
مِنْ الْفَجْرِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا
بَيْنَ الصَّحَابَةِ ، وَكَذَا بَيْنَ أَهْلِ
اللُّغَةِ فَلَا تَخْرُجُ الْمَغْرِبُ
بِالشَّكِّ ، وَكَذَا لَا تَدْخُلُ الْعِشَاءُ
بِالشَّكِّ وَمَا رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ
أَنَّهُ قَالَ رَاعَيْت الْبَيَاضَ بِمَكَّةَ
شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْلَةً فَمَا
ذَهَبَ إلَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ
مَحْمُولٌ عَلَى بَيَاضِ الْجَوِّ وَذَلِكَ
يَغِيبُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَأَمَّا بَيَاضُ
الشَّفَقِ وَهُوَ رَقِيقُ الْحُمْرَةِ فَلَا
يَتَأَخَّرُ عَنْهَا إلَّا قَلِيلًا قَدْرَ
مَا يَتَأَخَّرُ طُلُوعُ الْحُمْرَةِ عَنْ
الْبَيَاضِ فِي الْفَجْرِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِشَاءُ
وَالْوِتْرُ مِنْهُ إلَى الصُّبْحِ) أَيْ
وَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ مِنْ غُرُوبِ
الشَّفَقِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمَّا
أَوَّلُهُ فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَدْخُلُ
بِمَغِيبِ الشَّفَقِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي
الشَّفَقِ ، وَأَمَّا آخِرُهُ فَلِإِجْمَاعِ
السَّلَفِ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى طُلُوعِ
الْفَجْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ إذَا
طَهُرَتْ بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ
الْعِشَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْلَا أَنَّ
الْوَقْتَ بَاقٍ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا
وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقْتَ الْعِشَاءِ
وَالْوِتْرِ وَاحِدًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ
بَعْدَمَا صَلَّى الْعِشَاءَ وَهَذَا
الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ
فَرْضٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ عَلَى
مَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقَدَّمُ
عَلَى الْعِشَاءِ لِلتَّرْتِيبِ) أَيْ لَا
يُقَدَّمُ الْوِتْرُ عَلَى الْعِشَاءِ
لِأَجْلِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لَا لِأَنَّ
وَقْتَ الْوِتْرِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى لَوْ
نَسِيَ الْعِشَاءَ وَصَلَّى الْوِتْرَ جَازَ
لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِهِ وَهَذَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ
فَصَارَا كَفَرْضَيْنِ اجْتَمَعَا فِي وَقْتٍ
وَاحِدٍ كَالْقَضَاءَيْنِ أَوْ الْقَضَاءِ
وَالْأَدَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ ؛
لِأَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةُ الْعِشَاءِ
فَيَكُونُ تَبَعًا لَهَا فَلَا يَدْخُلُ
وَقْتُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ
كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا
قَبْلَ أَدَاءِ الْعِشَاءِ لِعَدَمِ دُخُولِ
وَقْتِهَا لَا لِلتَّرْتِيبِ ، وَثَمَرَةُ
الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ
قَبْلَ الْعِشَاءِ نَاسِيًا أَوْ صَلَّاهُمَا
وَظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ دُونَ الْوِتْرِ
فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوِتْرُ وَيُعِيدُ
الْعِشَاءَ وَحْدَهَا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ
التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِمِثْلِ هَذَا
الْعُذْرِ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوِتْرَ
أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَلَا
يَصِحُّ قَبْلَهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ
حَتَّى لَا تَجُوزَ صَلَاةُ الْفَجْرِ مَا
لَمْ يُصَلِّ الْوِتْرَ عِنْدَهُ
وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا
تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَمْ
يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَمْ يَجِبَا) أَيْ مَنْ
لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ
بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَطْلُعُ الْفَجْرُ
فِيهِ كَمَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ أَوْ قَبْلَ
أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ لَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ
لِعَدَمِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ وَذَكَرَ
الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الشَّيْخَ بُرْهَانَ
الدِّينِ الْكَبِيرَ أَفْتَى بِأَنَّ عَلَيْهِ
صَلَاةَ الْعِشَاءِ ، ثُمَّ أَنَّهُ لَا
يَنْوِي الْقَضَاءَ فِي الصَّحِيحِ لِفَقْدِ
وَقْتِ الْأَدَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ
الْوُجُوبَ بِدُونِ السَّبَبِ لَا يُعْقَلُ ،
وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ يَكُونُ
أَدَاءَ ضَرُورَةٍ وَهُوَ فَرْضُ الْوَقْتِ
وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يَخْرُجُ) أَيْ
لِكَوْنِهِ مِنْ أَثَرِ النَّهَارِ.
(قَوْلُهُ : فَلِإِجْمَاعِ السَّلَفِ إلَى
آخِرِهِ) وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«وَأَخَّرَ وَقْتَ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ
الْفَجْرُ» . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا يُقَدَّمُ
عَلَى الْعِشَاءِ لِلتَّرْتِيبِ) الْمَأْمُورِ
بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ : -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ
اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى
صَلَاتِكُمْ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ
فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى
طُلُوعِ الْفَجْرِ» . ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ : بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَطْلُعُ
الْفَجْرُ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُذْكَرُ
أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ بُلْغَارَ لَا يَجِدُونَ
فِي كُلِّ سَنَةٍ وَقْتَ الْعِشَاءِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَإِنَّ الشَّمْسَ كَمَا
تَغْرُبُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ يَظْهَرُ
الْفَجْرُ مِنْ الْمَشْرِقِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : أَفْتَى بِأَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ
الْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ) وَرُدَّتْ هَذِهِ
الْفَتْوَى مِنْ بُلْغَارَ عَلَى شَمْسِ
الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ فَأَفْتَى
بِقَضَاءِ الْعِشَاءِ ثَمَّ وَرَدَتْ
بِخُوَارِزْمَ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ
سَيْفِ السُّنَّةِ الْبَقَّالِيِّ فَأَفْتَى
بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَبَلَغَ جَوَابُهُ
الْحَلْوَانِيَّ فَأَرْسَلَ مَنْ يَسْأَلُهُ
فِي عَامَّتِهِ بِجَامِعِ خُوَارِزْمَ مَا
تَقُولُ فِيمَنْ أَسْقَطَ مِنْ الصَّلَوَاتِ
الْخَمْسِ وَاحِدَةً هَلْ يَكْفُرُ فَأَحَسَّ
بِهِ الشَّيْخُ فَقَالَ : مَا تَقُولُ فِيمَنْ
قُطِعَ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ
رِجْلَاهُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ كَمْ فَرَائِضُ
وُضُوئِهِ ؟ قَالَ : ثَلَاثٌ لِفَوَاتِ
مَحَلِّ الرَّابِعِ قَالَ وَكَذَلِكَ
الصَّلَاةُ الْخَامِسَةُ فَبَلَغَ
الْحَلْوَانِيُّ جَوَابُهُ فَاسْتَحْسَنَهُ
وَوَافَقَهُ فِيهِ . ا هـ . مُجْتَبَى قَالَ
الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يَرْتَابُ
مُتَأَمِّلٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ
عَدَمِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَبَيْنَ سَبَبِهِ
الْجَعْلِيِّ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى
الْوُجُوبِ الْخَفِيِّ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ
الْأَمْرِ وَجَوَازِ تَعَدُّدِ
الْمُعَرَّفَاتِ لِلشَّيْءِ فَانْتِفَاءُ
الْوَقْتِ انْتِفَاءٌ لِلْمُعَرَّفِ
وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ عَلَى الشَّيْءِ لَا
يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءً لِجَوَازِ دَلِيلٍ
آخَرَ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ مَا تَوَاطَأَتْ
عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْإِسْرَاءِ مِنْ فَرْضِ
اللَّهِ الصَّلَاةَ خَمْسًا بَعْدَمَا
أُمِرُوا أَوَّلًا بِخَمْسِينَ ، ثُمَّ
اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْخَمْسِ شَرْعًا
عَامًّا لِأَهْلِ الْآفَاقِ لَا تَفْصِيلَ
فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ قُطْرٍ وَقُطْرٍ وَمَا
رُوِيَ «ذَكَرَ الدَّجَّالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا
مَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ
يَوْمًا كَسَنَةٍ وَيَوْمٍ كَشَهْرٍ وَيَوْمٍ
كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ
كَأَيَّامِكُمْ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ
أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا
أَقْدِرُوا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَقَدْ
أَوْجَبَ فِيهِ ثَلَثَمِائَةِ عَصْرٍ قَبْلَ
صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ
وَقِسْ عَلَيْهِ فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ
الْوَاجِبَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خَمْسٌ عَلَى
الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّ تَوْزِيعَهَا عَلَى
تِلْكَ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلَا
يَسْقُطُ بِعَدَمِهَا الْوُجُوبُ ، وَكَذَا
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى
الْعِبَادِ» وَمَنْ أَفْتَى بِوُجُوبِ
الْعِشَاءِ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ الْوِتْرُ ا
هـ .
(قَوْلُهُ : يَكُونُ أَدَاءَ ضَرُورَةٍ) أَيْ
لِعَدَمِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْأَدَاءِ
وَالْقَضَاءِ ا هـ
(1/81)
إذْ لَا
يَبْقَى وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ
يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَمْ يَجِبَا أَيْ لَمْ
يَجِبَا عَلَيْهِ فَحَذَفَ الْعَائِدَ عَلَى
مَنْ وَهُوَ لَا يَسُوغُ حَذْفُهُ فِي
مِثْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْ مَوْصُولَةً
أَوْ شَرْطِيَّةً ، أَمَّا إذَا كَانَتْ
مَوْصُولَةً فَلِأَنَّهَا مُبْتَدَأٌ أَوْ مَا
بَعْدَهَا صِلَتُهَا وَلَمْ يَجِبَا خَبَرُ
الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرُ مَتَى كَانَ
جُمْلَةً لَا بُدَّ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ
عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ
إلَّا إذَا كَانَ مَنْصُوبًا فِي الشِّعْرِ
كَقَوْلِهِ
وَخَالِدٌ يَحْمَدُ سَادَاتُنَا
أَيْ يَحْمَدُهُ أَوْ كَانَ مَجْرُورًا
بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَهْيِئَةِ
الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ وَقَطْعِهِ عَنْهُ
كَقَوْلِهِمْ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ
أَيْ مِنْهُ ، وَأَمَّا إذَا أَدَّى فَلَا
يَسُوغُ حَذْفُهُ لَا يُقَالُ زَيْدٌ مَرَرْت
وَهَذَا مِنْهُ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ
شَرْطِيَّةً فَلِأَنَّ اسْمَ الشَّرْطِ أَوْ
مَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَا بُدَّ فِي
الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ جَوَابًا لَهُ مِنْ
ضَمِيرٍ عَائِدٍ عَلَيْهِ فَتَقُولُ مَنْ
يَقُمْ أَقُمْ مَعَهُ وَغُلَامُ مَنْ تُكْرِمُ
أُكْرِمُهُ وَلَا يَجُوزُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ
وَلَا غُلَامُ مَنْ تُكْرِمُ أُكْرِمُ فَكَذَا
هَذَا
[الْأَوْقَات الَّتِي يُسْتَحَبّ فِيهَا
الصَّلَاة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ
تَأْخِيرُ الْفَجْرِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ
تَأْخِيرُ الْفَجْرِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا
بِحَيْثُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ
الشَّمْسِ بَلْ يُسْفِرُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ
ظَهَرَ فَسَادُ صَلَاتِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ
يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ بِقِرَاءَةٍ
مُسْتَحَبَّةٍ وَقِيلَ يُؤَخِّرُهَا جِدًّا ؛
لِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْهُومٌ فَلَا يُتْرَكُ
الْمُسْتَحَبُّ لِأَجْلِهِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ الْأَفْضَلُ التَّعْجِيلُ فِي
كُلِّ صَلَاةٍ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ
مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ لَا يُعْرَفْنَ
مِنْ الْغَلَسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ
اللَّهِ وَوَسَطُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ
وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ» ، وَلَنَا قَوْلُهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ
لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَغَيْرُهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «مَا رَأَيْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يُصَلِّي صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا
إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْعِشَاءِ
وَالْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى الْفَجْرَ
يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي دَاوُد بْنِ
يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي بِنَا الْفَجْرَ
وَنَحْنُ نَتَرَاءَى الشَّمْسَ مَخَافَةَ أَنْ
تَكُونَ قَدْ طَلَعَتْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ
وَذَكَرَهُ فِي الْإِلْمَامِ ؛ وَلِأَنَّ فِي
الْإِسْفَارِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ
وَتَوْسِيعَ الْحَالِ عَلَى النَّائِمِ
وَالضَّعِيفِ فِي إدْرَاكِ فَضْلِ
الْجَمَاعَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ؛
لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَلَسِ فِيهِ غَلَسُ
الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ
فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ
مَصَابِيحُ وَقْتَ الصُّبْحِ أَلَا تَرَى إلَى
مَا يُرْوَى مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ
الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ
مَصَابِيحُ لَعُرِفَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ
وَالْغَلَسُ فِي الْأَبْنِيَةِ يَسْتَمِرُّ
إلَى وَقْتِ الْإِسْفَارِ جِدًّا يُقَالُ
هَذَا بَيْتٌ غَلَسٌ بِالنَّهَارِ فَمَا
ظَنُّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا شَكَّ
أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَلَفَّعَتْ
بِمُرُوطِهَا لَا تُعْرَفُ فِي النَّهَارِ
فَمَا ظَنُّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِنَّ وَبَقَاءُ الْغَلَسِ
فِي الْمَسْجِدِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا
فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ .
وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ
غَلَسُ الْمَسْجِدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ
الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ
«وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ
مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ
غَيْرَ غَلَسِ الْمَسْجِدِ لَوَقَعَ
التَّنَاقُضُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ ؛
وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ فِعْلٌ وَمَا
رَوَيْنَاهُ قَوْلٌ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ
عَلَى الْفِعْلِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
فَعَلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ
إعْلَامًا لِلْجَوَازِ فَلَا يَضُرُّنَا
ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ ؛
لِأَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ زَكَرِيَّا
وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ
النَّقْلِ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ
الْفَضْلُ ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ يُرَادُ بِهِ
الْفَضْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ
الْعَفْوَ} [البقرة : 219] أَيْ الْفَضْلَ
عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ أَلْيَقُ هُنَا
مِنْ مَعْنَى التَّجَاوُزِ لِعَدَمِ
الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يُبَاحُ
وَفِي الْفَضْلِ رِضْوَانٌ فَلَا تَنَافِي
وَحَمْلُهُمْ الْإِسْفَارَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ
عَلَى بَيَانِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَظُهُورِهِ
لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ
الصَّلَاةُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا
وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ مَعَ
زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِالْإِسْفَارِ وَلَا
يُقَالُ بِأَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى نِيَّتِهِ
وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَيَكُونُ
أَجْرُ الْإِسْفَارِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ
أَعْظَمَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : إنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَتَّبَ
الْأَجْرَ عَلَى الصَّلَاةِ لَا عَلَى
النِّيَّةِ فَيَكُونُ أَجْرُ الْإِسْفَارِ
أَفْضَلَ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى
تَهْيِئَةِ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ) أَيْ فِي
غَيْرِ الْمَجْرُورِ .
(قَوْلُهُ : وَهَذَا مِنْهُ) أَيْ كَلَامُ
الْمُصَنِّفِ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ : أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ
الْفَجْرِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ
صَيْفًا أَوْ شِتَاءً . ا هـ . رَازِيٌّ .
(قَوْلُهُ : يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهَا) أَيْ
وَيُعِيدَ الْوُضُوءَ . ا هـ . رَازِيٌّ
(قَوْلُهُ : أَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هِيَ
مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَنَّهُ
(قَوْلُهُ : مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ)
تَلَفَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِالثَّوْبِ
تَسَتَّرَتْ بِهِ وَالْمِرْطُ كِسَاءٌ مِنْ
صُوفٍ أَوْ خَزٍّ ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ
رِضْوَانٌ» إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ
أَنَّ رِضْوَانَ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ
مِنْ عَفْوِهِ وَسَبَبُ الْأَحَبِّ أَفْضَلُ ا
هـ .
(قَوْلُهُ : عَفْوُ اللَّهِ) قَالَ
الشَّافِعِيُّ الرِّضْوَانُ لِلْمُحِبِّينَ
وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ
لِلْمُقَصِّرِينَ . ا هـ . كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ : «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ إلَى
آخِرِهِ» وَالْوُجُوبُ لَيْسَ بِمُرَادٍ
بِالْإِجْمَاعِ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى
النَّدْبِ ا هـ رَازِيٌّ وَأَسْفَرَ الْفَجْرُ
أَضَاءَ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ
اُدْخُلُوا صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي وَقْتِ
الْإِسْفَارِ .
(قَوْلُهُ : إلَّا صَلَاتَيْنِ إلَى آخِرِهِ)
الْمَغْرِبُ وَالْفَجْرُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ
الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
بِعَرَفَاتٍ ا هـ .
(قَوْلُهُ : قَبْلَ مِيقَاتِهَا) وَمَعْنَاهُ
قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ إذْ غَيْرُ
جَائِزٍ فِعْلُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
وَلَا عِنْدَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِهِ وَلَا
حَالَ طُلُوعِهِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى
أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ
تَكُنْ مُعْتَادَةً لَهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ الْمُعْتَادُ
تَأْخِيرَ الصُّبْحِ وَأَنَّهُ عَجَّلَ بِهَا
يَوْمَئِذٍ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ . ا
هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ
الْغَلَسُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَدُلُّ عَلَى
مُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ مَعَ الْغَلَسِ
، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصَّلَاةِ
مَعَ الْغَلَسِ إلَّا يَوْمًا ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَحَمْلُهُمْ الْإِسْفَارَ) أَيْ
فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ وَآخِرُ الْوَقْتِ
عَفْوُ اللَّهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : مَعَ
زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِالْإِسْفَارِ) قَدْ
يُقَالُ زِيَادَةُ الْأَجْرِ بِالنِّسْبَةِ
إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى
مَا قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا يَرِدُ مَا
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ . ا هـ ..
(1/82)
اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجَوَازِ وَيَظْهَرُ
ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ
لِتَعْظِيمِ أَجْرِهِ لَا لِتَجْوِيزِ
صَلَاتِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَظُهْرُ
الصَّيْفِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ
الظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- كَانَ إذَا كَانَ الْحَرُّ أَبْرَدَ
بِالصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ
عَجَّلَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ لِلْإِبْرَادِ شُرُوطٌ
أَرْبَعَةٌ أَنْ يَكُونَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ
وَأَنْ يَكُونَ فِي بِلَادٍ حَارَّةٍ وَأَنْ
يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ وَأَنْ يَقْصِدَهَا
النَّاسُ مِنْ بَعِيدٍ ، وَإِلَّا
فَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ خَبَّابُ
أَنَّهُ قَالَ «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَشَكَوْنَا لَهُ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ
يَشْكُنَا أَيْ فَلَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا»
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ
وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ
لِلظُّهْرِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَبْرِدْ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ
يُؤَذِّنَ فَقَالَ أَبْرِدْ حَتَّى رَأَيْنَا
فَيْءَ التُّلُولِ فَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبْرِدُوا
بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ
فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ
فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» لَمْ يَفْصِلْ
فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَمَا رَوَاهُ
مَنْسُوخٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ نَسْخَهُ
وَهُوَ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى
مَا قَالَ ؛ لِأَنَّ حَرَّ الرَّمْضَاءِ لَا
يَزُولُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُ الظُّهْرِ
بَلْ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ فَلِذَلِكَ لَمْ
يَعْذُرْهُمْ أَوْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ لَمْ
يَشْكُنَا بِمَعْنَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُحْوِجْنَا
إلَى الشَّكْوَى بَلْ أَمَرَنَا
بِالْإِبْرَادِ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَصْرُ مَا
لَمْ تَتَغَيَّرْ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ
الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَفْضَلُ
تَعْجِيلُهَا لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ
مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ
إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ
مُرْتَفِعَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ أَنَسٍ «صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا
وَنُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا قَالَ نَعَمْ
فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ
فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ
فَنُحِرَتْ ، ثُمَّ قُطِعَتْ ، ثُمَّ طَبَخَ
مِنْهَا ، ثُمَّ أَكَلْنَا مِنْهَا قَبْلَ
أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُؤَخِّرُ
الْعَصْرَ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ
نَقِيَّةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَى
الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
مِثْلَهُ وَقَدْ اشْتَهَرَتْ الْأَخْبَارُ
عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِتَأْخِيرِ
الْعَصْرِ ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ
تَوْسِعَةً لِوَقْتِ النَّوَافِلِ فَيَكُونُ
فِيهِ تَكْثِيرُهَا فَيُنْدَبُ وَفِي
التَّعْجِيلِ قَطْعُهَا لِكَرَاهِيَةِ
النَّفْلِ بَعْدَهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَا
حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ، فَإِنَّ
الطَّحَاوِيَّ وَغَيْرَهُ قَالَ أَدْنَى
الْعَوَالِي مِيلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ
فَيُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ فِي
وَسَطِ الْوَقْتِ وَيَأْتِي الْعَوَالِي
وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ كَذَا فِي
الْغَايَةِ ، وَكَذَا لَا حُجَّةَ لَهُ فِي
الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَلَّى الْعَصْرَ
وَلَمْ يَقُلْ قَالَ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا
وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا فِي
أَوَّلِ الْوَقْتِ لِعُذْرٍ أَوْ لِيُعْلِمَ
أَنَّ التَّقْدِيمَ جَائِزٌ ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّغْيِيرِ قِيلَ
هُوَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الشُّعَاعُ عَلَى
الْحِيطَانِ وَقِيلَ أَنْ تَتَغَيَّرَ
الشَّمْسُ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ ، وَقِيلَ
إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ رُمْحٍ لَمْ
تَتَغَيَّرْ وَدُونَهُ قَدْ تَغَيَّرَتْ
وَقِيلَ يُوضَعُ طَسْتٌ فِي أَرْضٍ
مُسْتَوِيَةٍ فَإِنْ ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ
عَلَى جَوَانِبِهِ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ وَإِنْ
وَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ لَمْ تَتَغَيَّرْ
وَقِيلَ إنْ كَانَ يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَى
الْقُرْصِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ
فَقَدْ تَغَيَّرَتْ ، وَإِلَّا فَلَا
وَالصَّحِيحُ أَنْ يَصِيرَ الْقُرْصُ بِحَالٍ
لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ رُوِيَ ذَلِكَ
عَنْ الشَّعْبِيِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِشَاءُ
إلَى الثُّلُثِ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُ
الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَهَذَا
نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَيْهِ
مُسْتَحَبٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ
وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا
قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى
أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى
ثُلُثِ اللَّيْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ
يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا لِحَدِيثِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ
أَنَا أُعْلِمُ النَّاسَ بِوَقْتِ هَذِهِ
الصَّلَاةِ «صَلَاةُ الْعِشَاءِ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يُصَلِّيهَا حِينَ يَسْقُطُ الْقَمَرُ
لِثَالِثَةٍ» ؛ وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهَا
تَعْرِيضَهَا لِلْفَوَاتِ فَيُكْرَهُ وَلَنَا
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ
اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَامَ النِّسَاءُ
وَالْوِلْدَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ
أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ
يُصَلُّوا الْعِشَاءَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ «كَانَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْتَحِبُّ
تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ
الْعِشَاءَ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ
وَنَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ خَرَجَ
فَصَلَّى فَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا
أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» .
وَجْهُ مَا ذَكَرُوهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ
فِي الصَّيْفِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُفِيدِ
وَالْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ الْمُسْتَحَبُّ
هُوَ تَأْخِيرُ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي
الصَّيْفِ . ا هـ . سَرُوجِيٌّ .
(قَوْلُهُ : أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ) أَيْ
يُقِيمَ إذْ الْإِقَامَةُ تُسَمَّى أَذَانًا .
(قَوْلُهُ : فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ)
الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ اُدْخُلُوا
صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي سَاعَةِ الْبَرْدِ ا هـ
..
(قَوْلُهُ : مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ)
وَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ مَكْرُوهٌ . ا هـ .
هِدَايَةٌ وَفِي الْقُنْيَةِ هَذِهِ
الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ ا هـ .
قَوْلُهُ : وَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ مَكْرُوهٌ
أَيْ دُونَ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ
بِهِ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَرَاهَةُ
لِلشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ . ا هـ .
رَازِيٌّ (قَوْلُهُ : لَا تُحَارُ فِيهِ
الْأَعْيُنُ) أَيْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا فَلَا
يَتَحَيَّرُ فِيهِ الْبَصَرُ كَذَا فِي
الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُغْرِبِ .
(قَوْلُهُ : عَنْ الشَّعْبِيِّ) قَالَ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أَخَذْنَا بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ
وَهُوَ اعْتِبَارُ تَغَيُّرِ الْقُرْصِ وَهُوَ
رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ
الضَّوْءِ يَحْصُلُ بَعْدَ الزَّوَالِ . ا هـ
. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ : مُسْتَحَبٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ
الْقُدُورِيِّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ
فِرِشْتَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَالتَّوْفِيقُ بِأَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ
إلَى الثُّلُثِ مُسْتَحَبًّا فِي الشِّتَاءِ
وَإِلَى مَا قَبْلَهُ فِي الصَّيْفِ
لِغَلَبَةِ النَّوْمِ فِيهِ ا هـ
(1/83)
هُنَا قَوْلُهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي
لَأَمَرْتهمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ
إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» قَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَجْهُ
مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ قَوْلُ عَائِشَةَ
«كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا
بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ
اللَّيْلِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ
وَرَدَ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ أَخْبَارٌ
كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ وَلَوْ أَوْرَدْنَاهَا
لَطَالَ الْكِتَابُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ
أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي
حَدِيثِ النُّعْمَانِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ كَانَ
يُصَلِّيهَا حِينَ يَسْقُطُ الْقَمَرُ
لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَوَّلِ
الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ فِي تَأْخِيرِهَا
تَعْرِيضُهَا لِلْفَوَاتِ قُلْنَا الْأَصْلُ
عَدَمُ الْعَارِضِ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا
أَمِنَ الْفَوَاتَ ؛ وَلِأَنَّ فِي
التَّأْخِيرِ قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ
عَنْهُ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِبُّ
أَنْ تُؤَخَّرَ الْعِشَاءُ وَكَانَ يَكْرَهُ
النَّوْمَ قَبْلَهَا» وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنَّمَا
كَرِهَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ
رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى سَهَرٍ يَفُوتُ بِهِ
الصُّبْحُ أَوْ لِئَلَّا يَقَعَ فِي كَلَامِهِ
لَغْوٌ فَلَا يَنْبَغِي خَتْمُ الْيَقَظَةِ
بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ قِيَامُ
اللَّيْلِ لِمَنْ لَهُ بِهِ عَادَةٌ وَهَذَا
إذَا كَانَ الْحَدِيثُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ،
وَأَمَّا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ
فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَذَا قِرَاءَةُ
الْقُرْآنِ وَالذِّكْرُ وَحِكَايَةُ
الصَّالِحِينَ وَمُذَاكَرَةُ الْفِقْهِ
وَالْحَدِيثُ مَعَ الضَّيْفِ وَعَنْ عُمَرَ
«كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
يَسْمَرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي أَمْرٍ مِنْ
أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ
إنَّمَا كَرِهَ النَّوْمَ قَبْلَهَا لِمَنْ
خَشَى عَلَيْهِ فَوْتَ وَقْتِهَا أَوْ فَوْتَ
الْجَمَاعَةِ فِيهَا ، وَأَمَّا مَنْ وَكَّلَ
لِنَفْسِهِ مَنْ يُوقِظُهُ فِي وَقْتِهَا
فَمُبَاحٌ لَهُ النَّوْمُ ، ثُمَّ قِيلَ
تَأْخِيرُهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ
وَإِلَى مَا بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ
مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَقِيلَ
تَأْخِيرُهَا إلَى مَا بَعْدَ ثُلُثِ
اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ
تَعْجِيلُ الْعِشَاءِ فِي الصَّيْفِ لِقِصَرِ
اللَّيَالِي فَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ النَّوْمُ
فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوِتْرُ إلَى
آخِرِ اللَّيْلِ لِمَنْ يَثِقُ
بِالِانْتِبَاهِ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُ
الْوِتْرِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ إذَا كَانَ
يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَنْتَبِهُ
لِيُصَلِّيَ لِيَكُونَ الْوِتْرُ خَتْمًا
لِقِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ
وِتْرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَثِقْ
بِالِانْتِبَاهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ
لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَيُّكُمْ
خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ
فَلْيُوتِرْ ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ وَمَنْ وَثِقَ
بِقِيَامٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ
مِنْ آخِرِهِ فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ
اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «وَقَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي
بَكْرٍ : مَتَى تُوتِرُ ؟ قَالَ : أَوَّلَ
اللَّيْلِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ ؛ فَقَالَ
أَخَذْت بِالْوُثْقَى ، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ
: مَتَى تُوتِرُ ؟ قَالَ : آخِرَ اللَّيْلِ ،
قَالَ أَخَذْت بِالْقُوَّةِ» رَوَاهُ
الطَّحَاوِيُّ وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ
الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ حَذِرٌ
هَذَا وَلِعُمَرَ قَوِيٌّ هَذَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْجِيلُ
ظُهْرِ الشِّتَاءِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ
تَعْجِيلُ الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ لِمَا
رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي
الظُّهْرَ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَمَا
نَدْرِي أَمَا ذَهَبَ مِنْ النَّهَارِ
أَكْثَرُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ
أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - إذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ»
وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ذِكْرَ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ فِي
الشِّتَاءِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ
يُقَدِّمَهُ عَلَى الْعَصْرِ ، وَكَذَا
أَخَّرَ تَعْجِيلَ الْمَغْرِبِ وَكَانَ مِنْ
حَقِّهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْعِشَاءِ ؛
لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ مَا
يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ صِنْفًا وَمَا
يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ صِنْفًا فَقَدَّمَ
مَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ فَلَمَّا فَرَغَ
مِنْهُ شَرَعَ فِيمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَغْرِبِ)
أَيْ نُدِبَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ لِمَا
رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ
إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ
بِالْحِجَابِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ وَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ
«كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَأَنَّهُ
لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى اشْتِبَاكِ
النُّجُومِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا تَزَالُ أُمَّتِي
بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ
حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَاشْتِبَاكُهَا كَثْرَتُهَا
وَلِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّاهَا
فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ
مَكْرُوهٌ لَصَلَّاهَا فِي وَقْتَيْنِ كَمَا
فَعَلَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَكَانَ
عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ تَعْجِيلُهَا
أَفْضَلُ وَلَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا أَلَا
تَرَى أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِعُذْرِ السَّفَرِ
وَالْمَرَضِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
عِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِعْلًا وَلَوْ كَانَ
مَكْرُوهًا لَمَا أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا
لَا يُبَاحُ لَهُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ إلَى
تَغَيُّرِ الشَّمْسِ ، وَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
صَلَّاهَا عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ : قَطْعَ السَّمَرِ) السَّمَرُ
الْمُسَامَرَةُ وَهُوَ الْحَدِيثُ بِاللَّيْلِ
وَقَدْ سَمَرَ يَسْمُرُ فَهُوَ سَامِرٌ . ا هـ
. مَجْمَعٌ.
(قَوْلُهُ : فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ
اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ) أَيْ تَحْضُرُهَا
الْمَلَائِكَةُ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : أَمَا ذَهَبَ) الْهَمْزَةُ
لِلِاسْتِفْهَامِ وَمَا مَوْصُولَةٌ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : نُدِبَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ
إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ بِأَنْ لَا يَفْصِلَ
بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا
بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ سَكْتَةٍ عَلَى
الْخِلَافِ الَّذِي سَيَأْتِي وَتَأْخِيرُهَا
لِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهٌ وَهِيَ
خِلَافِيَّةٌ وَسَنَذْكُرُهَا فِي
النَّوَافِلِ ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إلَّا
أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا وَمَا رَوَى
الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
أَخَّرَهَا حَتَّى بَدَا نَجْمٌ فَأَعْتَقَ
رَقَبَةً يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ
الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَرَاهَةٌ هُوَ
مَا قَبْلَ ظُهُورِ النَّجْمِ ، وَفِي
الْمُنْيَةِ لَا يُكْرَهُ فِي السَّفَرِ
وَلِلْمَائِدَةِ أَوْ كَانَ يَوْمَ غَيْمٍ
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَخَّرَهَا
بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ خِلَافٌ
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَغِبْ
الشَّفَقُ وَلَا يَبْعُدُ وَدَلِيلُ
الْكَرَاهَةِ التَّشَبُّهُ بِالْيَهُودِ ا هـ
.
(قَوْلُهُ : وَبَيْنَ عِشَاءِ الْأَخِيرَةِ
فِعْلًا) بِأَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي
آخِرِ وَقْتِهِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ
الْجَمْعِ وَقْتًا كَمَا قَالَهُ
الشَّافِعِيُّ.
(1/84)
مَا بَيَّنَّا
وَهُوَ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ
ذَلِكَ لِبَيَانِ امْتِدَادِ الْوَقْتِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فِيهَا
عَيْنٌ يَوْمِ غَيْمٍ) أَيْ يُسْتَحَبُّ
تَعْجِيلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِهَا
عَيْنٌ يَوْمَ غَيْنٍ وَهِيَ الْعَصْرُ
وَالْعِشَاءُ ؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ
الْعَصْرِ احْتِمَالَ وُقُوعِهَا فِي
الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَفِي تَأْخِيرِ
الْعِشَاءِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ عَلَى
اعْتِبَارِ الْمَطَرِ وَالطِّينِ ؛ لِأَنَّهُ
يَحْتَمِلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَيُؤَخَّرُ غَيْرُهُ فِيهِ) أَيْ يُؤَخَّرُ
غَيْرُ مَا فِي أَوَّلِهِ عَيْنٌ فِي يَوْمِ
الْغَيْمِ وَهِيَ الْفَجْرُ وَالظُّهْرُ
وَالْمَغْرِبُ ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ
وَالظُّهْرَ لَا كَرَاهِيَةَ فِي وَقْتِهِمَا
فَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ وَالْمَغْرِبُ
يُخَافُ وُقُوعُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ
لِشِدَّةِ الِالْتِبَاسِ ، وَرَوَى الْحَسَنُ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
التَّأْخِيرُ فِي الْكُلِّ يَوْمَ الْغَيْمِ ؛
لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَرَدُّدًا بَيْنَ
الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَفِي التَّعْجِيلِ
بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَكَانَ
التَّأْخِيرُ أَوْلَى
[الْأَوْقَات الَّتِي يَكْرَه فِيهَا
الصَّلَاة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُنِعَ عَنْ
الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ
الْجِنَازَةِ عِنْدَ الطُّلُوعِ
وَالِاسْتِوَاءِ وَالْغُرُوبِ إلَّا عَصْرَ
يَوْمِهِ) لِقَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
«ثَلَاثُ أَوْقَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ
نُصَلِّيَ فِيهَا وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا
مَوْتَانَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى
تَرْتَفِعَ وَعِنْدَ زَوَالِهَا حَتَّى
تَزُولَ وَحِينَ تَضِيفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى
تَغْرُبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَنْ نَقْبُرَ
صَلَاةَ الْجِنَازَةِ إذْ الدَّفْنُ غَيْرُ
مَكْرُوهٍ وَالْمُرَادُ بِسَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ مَا تَلَاهَا قَبْلَ هَذِهِ
الْأَوْقَاتِ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً
فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ .
وَأَمَّا إذَا تَلَاهَا فِيهَا جَازَ
أَدَاؤُهَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ
لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهَا
لِيُؤَدِّيَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ
؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ
بِخِلَافِ الْعَصْرِ ، وَكَذَا الْمُرَادُ
بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا حَضَرَتْ قَبْلَ
هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ حَضَرَتْ فِيهَا
جَازَتْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ؛ لِأَنَّهَا
أُدِّيَتْ كَمَا وَجَبَتْ إذْ الْوُجُوبُ
بِالْحُضُورِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَالتَّأْخِيرُ
مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ لَا يُؤَخَّرْنَ
وَذَكَرَ مِنْهَا الْجِنَازَةَ» وَقَوْلُهُ
إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ أَيْ لَا يَمْنَعُ
عَصْرَ يَوْمِهِ وَلَا يُكْرَهُ الْأَدَاءُ
فِي وَقْتِ الْغُرُوبِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : تَرَدُّدًا بَيْنَ الْقَضَاءِ
وَالْأَدَاءِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ بَعْدَ
خُرُوجِ الْوَقْتِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ)
أَيْ بِالْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمُنِعَ عَنْ
الصَّلَاةِ) أَيْ الْمُكَلَّفُ مَنْعَ
تَحْرِيمٍ . ا هـ . عَيْنِيٌّ قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي
تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَالَ الْكَمَالُ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَعْمَلَ
الْكَرَاهَةَ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
فَتَشْمَلُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَغَيْرَهُ
مِمَّا هُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ أَوْ هُوَ
بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَالْمُرَادُ
كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِمَا عُرِفَ مِنْ
النَّهْيِ الظَّنِّيِّ الثُّبُوتُ غَيْرُ
الْمَصْرُوفِ مِنْ مُقْتَضَاهُ يُفِيدُ
كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ
قَطْعِيًّا أَفَادَ التَّحْرِيمَ
فَالتَّحْرِيمُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرْضِ فِي
الرُّتْبَةِ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فِي
رُتْبَةِ الْوَاجِبِ وَالتَّنْزِيهِ
بِرُتْبَةِ الْمَنْدُوبِ وَالنَّهْيِ
الْوَارِدِ مِنْ الْأَوَّلِ فَكَانَ
الثَّابِتُ بِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ
وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَ لِنُقْصَانٍ
فِي الْوَقْتِ مَنَعَتْ أَنْ يَصِحَّ فِيهِ
مَا تَسَبَّبَ عَنْ وَقْتٍ لَا نَقْصَ فِيهِ
لَا لِأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ بَلْ
لِعَدَمِ تَأَدِّي مَا وَجَبَ كَامِلًا
نَاقِصًا ، فَلِذَا قَالَ عَقِيبَ
تَرْجَمَتِهِ بِالْكَرَاهَةِ : لَا تَجُوزُ
الصَّلَاةُ إلَى آخِرِهِ ، لَكِنْ إنْ أُرِيدَ
بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ
وَالصَّلَاةُ عَامٌّ لَمْ يَصْدُقْ فِي كُلِّ
صَلَاةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي نَفْلٍ
فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ صَحَّ
شُرُوعُهُ حَتَّى وَجَبَ قَضَاؤُهُ إذَا
قَطَعَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَيَجِبُ قَطْعُهُ
وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ
مِنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِالشَّرْعِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَطْعُ أَفْضَلُ
وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ
وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْحِلِّ كَانَ أَعَمَّ
مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فَلَا يُسْتَفَادُ
مِنْهُ خُصُوصُ مَا هُوَ حُكْمُ الْقَضَاءِ
مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ مَقْصُودُ
الْإِفَادَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَهُ
الثَّانِي وَلِذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الثَّابِتِ فِي
مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ
أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ
تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى
تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ
الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ
وَحِينَ تَضِيفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ»
وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ الْحِلِّ فِي
جِنْسِ الصَّلَاةِ دُونَ عَدَمِ الصِّحَّةِ
فِي بَعْضِهَا بِخُصُوصِهِ .
وَالْمُفِيدُ لَهَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ : -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ
الشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ
فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا
اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ
فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ
قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا
وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ
السَّاعَاتِ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي
الْمُوَطَّإِ وَالنَّسَائِيُّ فَإِنَّهُ
أَفَادَ كَوْنَ الْمَنْعِ لَمَّا اتَّصَلَ
بِالْوَقْتِ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ فِعْلَ
الْأَرْكَانِ فِيهِ التَّشَبُّهُ بِعِبَادَةِ
الْكُفَّارِ وَهَذَا الْمَعْنَى بِنُقْصَانِ
الْوَقْتِ ، وَإِلَّا فَالْوَقْتُ لَا نَقْصَ
فِيهِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ الْوَقْتُ كَسَائِرِ
الْأَوْقَاتِ إنَّمَا النَّقْصُ فِي
الْأَرْكَانِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا مَا
وَجَبَ كَامِلًا فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا
قِيلَ لَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ
صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ أَنَّهَا نَاقِصَةٌ
تَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ لِأَنَّ تَرْكَ
الْوَاجِبَاتِ لَا يُدْخِلُ النَّقْصَ فِي
الْأَرْكَانِ الَّتِي هِيَ الْمُقَوَّمَةُ
لِلْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَرْكَانِ
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
لِقَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إلَى آخِرِهِ)
رِوَايَةُ مُسْلِمٍ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ وَهُوَ
الَّذِي يَصْلُحُ لُغَةً عَرَبِيَّةً لِحَذْفِ
التَّاءِ فِي ثَلَاثِ وَلَوْ كَانَتْ
الرِّوَايَةُ أَوْقَاتٍ لَقَالَ ثَلَاثَةٌ ا
هـ .
(قَوْلُهُ : وَحِينَ تَضِيفُ) أَيْ تَمِيلُ
مِنْهُ سُمِّيَ الضَّيْفُ ضَيْفًا
لِإِمَالَتِهِ إلَيْك ا هـ .
(قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ) أَيْ بَلْ
هُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا . ا هـ .
نِهَايَةٌ عَنْ التُّحْفَةِ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : إلَّا عَصْرَ
يَوْمِهِ) فَقَدْ ذُكِرَ فِي كُتُبِ أُصُولِ
الْفِقْهِ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُقَارِنَ
لِلْأَدَاءِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ
وَآخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَقْتٌ نَاقِصٌ إذْ
هُوَ وَقْتُ عِبَادَةِ الشَّمْسِ فَوَجَبَ
نَاقِصًا فَإِذَا أَدَّاهُ أَدَّاهُ كَمَا
وَجَبَ فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ
بِالْغُرُوبِ لَا تَفْسُدُ وَفِي الْفَجْرِ
كُلُّ وَقْتِهِ وَقْتٌ كَامِلٌ ؛ لِأَنَّ
الشَّمْسَ لَا تُعْبَدُ قَبْلَ الطُّلُوعِ
فَوَجَبَ كَامِلًا فَإِذَا اعْتَرَضَ
الْفَسَادُ بِالطُّلُوعِ يَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا وَجَبَتْ فَإِنْ قِيلَ
هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ وَهُوَ
قَوْلُهُ : - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ
الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ
الْفَجْرَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ
الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَدْ أَدْرَكَ
الْعَصْرَ» قُلْنَا : لَمَّا وَقَعَ
التَّعَارُضُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَبَيْنَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ
الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ
رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ حُكْمِ
التَّعَارُضِ وَالْقِيَاسُ رَجَّحَ هَذَا
الْحَدِيثَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحَدِيثَ
النَّهْيِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، وَأَمَّا
سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَجُوزُ فِي
الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ
فِيهَا إذْ لَا مُعَارِضَ ا هـ شَرْحُ
وِقَايَةٍ
(1/85)
كَمَا وَجَبَتْ
؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ آخِرُ الْوَقْتِ
إنْ لَمْ يُؤَدِّ قَبْلَهُ ، وَإِلَّا
فَالْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ
فَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَلَا يُكْرَهُ
فِعْلُهَا فِيهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ
تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ وَهَذَا كَالْقَضَاءِ
لَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ بَعْدَمَا خَرَجَ
الْوَقْتُ .
وَإِنَّمَا يَحْرُمُ تَفْوِيتُهُ فَإِنْ قِيلَ
يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ
قَضَاءُ عَصْرِ أَمْسِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ
لَمَّا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَانَ
السَّبَبُ نَاقِصًا فَإِذَا قَضَاهَا فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي
فَقَدْ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ قُلْنَا إذَا
خَرَجَ الْوَقْتُ يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى
جَمِيعِ الْوَقْتِ إذْ لَيْسَ بَعْضُ
الْوَقْتِ بِالْإِضَافَةِ أَوْلَى مِنْ
الْبَعْضِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ
وَإِنَّمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْجُزْءِ
الْأَخِيرِ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا
وَجَمِيعُهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَلَا يَكُونُ
فِيهِ نَاقِصًا ، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا
لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ
الِاصْفِرَارِ وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ
الْوَقْتُ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ قَضَاؤُهُ
بَعْدَ الِاصْفِرَارِ مِنْ الْيَوْمِ
الثَّانِي لِاسْتِحَالَةِ إضَافَةِ الْوُجُوبِ
إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ فِي حَقِّهِ قُلْنَا
قَالَ الْبَزْدَوِيُّ لَا رِوَايَةَ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ
يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا يَجُوزُ ؛
لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى الْوَقْتُ صَارَتْ
دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ ؛
لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ بِسَبَبِ الْوَقْتِ
وَقَدْ زَالَ فَيَرْتَفِعُ النُّقْصَانُ
وَثَبَتَتْ كَامِلَةً إذْ الْوُجُوبُ فِي
الذِّمَّةِ وَلَا نَقْصَ فِيهَا بِخِلَافِ
سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا تَلَاهَا فِي
الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ يُؤَدِّهَا
فِيهِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ آخَرُ مَكْرُوهٌ
مِثْلُهُ أَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ
التَّطَوُّعِ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ ، ثُمَّ
قَضَاهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ حَيْثُ
يَجُوزُ وَالْفَرْقُ أَنَّ سَجْدَةَ
التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ فِي
الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ
بِالتِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ
الزَّمَانِ لَهَا ، ثُمَّ مَعَ هَذَا لَوْ
أَدَّاهَا فِي وَقْتِ الْقِرَاءَةِ جَازَتْ
فَكَذَا فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ
لِاسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى ،
وَكَذَا الَّذِي شَرَعَ فِيهِ ، ثُمَّ
أَفْسَدَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ إلَّا
لِصِيَانَةِ مَا مَضَى ، وَالصِّيَانَةُ
تَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ فِي مِثْلِهِ ؛
وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ كَامِلٌ
قَبْلَ الشُّرُوعِ حَتَّى يُضَافَ الْوُجُوبُ
إلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِيهِ
كَالْمُضِيِّ فِي وَقْتِ الشُّرُوعِ وَلَوْ
نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ
الْمَكْرُوهِ جَازَ لَهُ الْأَدَاءُ فِيهِ
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُ فِي غَيْرِهِ
، وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ
الْمَكْرُوهِ فِي الصَّلَاةِ وَمَضَى فِيهَا
جَازَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا
وَيُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ غَيْرِ
مَكْرُوهٍ ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ جِنْسُ
الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَنَا
إلَّا مَا وَجَبَ نَاقِصًا فَأَدَّاهُ كَمَا
وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا
كُلَّ مَا لَهُ سَبَبٌ كَالْفَرَائِضِ
وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَتَحِيَّةِ
الْمَسْجِدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ
بِمَكَّةَ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ
أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ
«لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ بَعْدَ الصُّبْحِ
إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا بَعْدَ
الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا
بِمَكَّةَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بَنِي عَبْدِ
مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا
الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ
مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَلَنَا حَدِيثُ
عُقْبَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَحَدِيثُ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا طَلَعَتْ
الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ
فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ
الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي حَدِيثِ
عَمْرٍو وَابْنِ عَبَسَةَ «فَأَقْصِرْ عَنْهَا
فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ قَرْنَيْ
الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ؛
وَلِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي
الْوَقْتِ فَتَعُمُّ الْجَمِيعَ بِخِلَافِ
سَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى
مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى وَمَا رَوَاهُ مِنْ
الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ
مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي ضَعَّفَهُ
أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَلَا
يُعَارِضُ الصِّحَاحَ الْمَشَاهِيرَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ
التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ
وَالْعَصْرِ) (لَا عَنْ قَضَاءِ فَائِتَةٍ
وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ)
أَيْ نَهَى عَنْ التَّنَفُّلِ فِي هَذَيْنِ
الْوَقْتَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ أَدَاءِ
الْوَاجِبَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَفِيهِ
خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فِي نَفْلٍ لَهُ سَبَبٌ
عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَلَنَا
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى
تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ
صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ؛ وَمُسْلِمٌ
وَالنَّهْي لِمَعْنًى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ : يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى آخِرِهِ)
فَإِنْ قِيلَ لَوْ أُضِيفَ الْوُجُوبُ إلَى
جَمِيعِ الْوَقْتِ بَعْدَ خُرُوجِهِ
وَبَعْضُهُ نَاقِصٌ فِي الْعَصْرِ يَكُونُ
الْوَاجِبُ نَاقِصًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ
قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ مِثْلِهِ قُلْنَا
السَّبَبُ كَامِلٌ مِنْ وَجْهٍ نَاقِصٌ مِنْ
وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ كَذَلِكَ فَلَا
يَتَأَدَّى فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ مِنْ
كُلِّ وَجْهٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي
الْغَنِيُّ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ
لَوْ قَضَى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي
فَوَقَعَ آخِرُهُ فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ
كَانَ جَائِزًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ
الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ
وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْوَقْتَ
الْكَامِلَ أَكْثَرُ مِنْ النَّاقِصِ فَكَانَ
الْكُلُّ كَامِلًا تَغْلِيبًا . ا هـ .
جَامِعُ الْأَسْرَارِ . (قَوْلُهُ كَمَا
وَجَبَتْ) كَالْمَنْذُورَةِ فِيهِ وَسَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ . ا هـ . غَايَةٌ . (قَوْلُهُ :
لِاسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى) أَيْ
وَهُوَ الْوُجُوبُ بِالتِّلَاوَةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ)
أَيْ إذْ لَا دَخْلَ لِلْوَقْتِ فِي وُجُوبِهِ
فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَالُهُ وَنُقْصَانُهُ ا
هـ .
(قَوْلُهُ : ثُمَّ لَا يَجُوزُ جِنْسُ
الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ
الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِيمَا يَكُونُ
الْوُجُوبُ مُطْلَقًا لَا ضَرُورِيًّا
وَيَكُونُ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَامِلٍ
وَالشُّرُوعُ سَبَبٌ نَاقِصٌ ؛ لِأَنَّهُ
يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِغَيْرِهِ لَا
لِذَاتِهِ وَلِذَا كَانَ دُونَ النَّذْرِ
فَلَا فَرْقَ فِي النَّفْلِ بَيْنَ أَدَائِهِ
وَقَضَائِهِ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ
وَقْتٍ وَحَالٍ يَجُوزُ فِيهِ الْأَدَاءُ
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الصِّيَانَةُ
وَقَوْلُهُمْ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا
يُؤَدَّى نَاقِصًا فِي غَيْرِ النَّفْلِ
لِأَنَّهُ بَابٌ وَاسِعٌ مَبْنَاهُ عَلَى
الْمُسَامَحَةِ فَيَحْتَمِلُ فِيهِ مَا لَا
يَحْتَمِلُ فِي غَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ
الشَّارِعَ فِي النَّفْلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
إلَّا صِيَانَةُ عَمَلِهِ مِنْ الْبُطْلَانِ
بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لِإِكْمَالِهَا وَإِذَا
أَتَى بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الصِّيَانَةُ
وَلَوْ نَاقِصًا خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ
الْوَاجِبِ فَيَصِحُّ (قَوْلُهُ : وَمَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ) أَيْ كَرَكْعَتَيْ
الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ : وَفِي حَدِيثِ
عَمْرٍو) كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ.
(قَوْلُهُ : وَلَمْ يُمْنَعْ عَنْ أَدَاءِ
الْوَاجِبَاتِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي
الْمُجْتَبَى الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ
وُجُوبُهُ عَلَى فِعْلِهِ كَالْمَنْذُورِ
وَقَضَاءِ التَّطَوُّعِ الَّذِي أَفْسَدَهُ
وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَسَجْدَةِ السَّهْوِ
وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ وَمَا لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَجُوزُ ا هـ
(1/86)
فِي غَيْرِ
الْوَقْتِ وَهُوَ جَعْلُ الْوَقْتِ
كَالْمَشْغُولِ فِيهِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ
حُكْمًا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ
الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ
فَرْضٍ آخَرَ مِثْلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ
وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّ النَّهْيَ
لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ
فِيهِ فَرْضَ الْوَقْتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ
، وَلَوْ كَانَ لِعَيْنِهِ لَمَنَعَ بِخِلَافِ
الثَّلَاثَةِ الْأَوْقَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ
وَالْمُرَادُ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ
تَغَيُّرِ الشَّمْسِ ، وَأَمَّا بَعْدَهُ
فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا
وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ
وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ
يُصَلِّيَا مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ «مَا
صَلَّيَا الْفَجْرَ» مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ
كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ
عَلَى الْأَمْرِ وَكُلُّ مَا كَانَ وَاجِبًا
لِغَيْرِهِ كَالْمَنْذُورِ وَرَكْعَتَيْ
الطَّوَافِ وَاَلَّذِي شَرَعَ فِيهِ ، ثُمَّ
أَفْسَدَهُ مُلْحَقٌ بِالنَّفْلِ حَتَّى لَا
يُصَلِّيَهَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ؛
لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ
فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَفْلًا فِي
حَقِّ الْوَقْتِ أَوْ لِأَنَّ وُجُوبَهَا
لِغَيْرِهَا وَهُوَ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى
عَنْ الْبُطْلَانِ وَخَتْمِ الطَّوَافِ
وَإِيفَاءِ النَّذْرِ فَلَا يَكُونُ
كَالْوَاجِبِ لِعَيْنِهِ فِي الْقُوَّةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ)
أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَمَا
طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ الْفَرْضِ بِأَكْثَرَ
مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيُبَلِّغْ
شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ أَلَا لَا صَلَاةَ
بَعْدَ الصُّبْحِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا طَلَعَ
الْفَجْرُ لَا صَلَاةَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ»
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَالَتْ حَفْصَةُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إلَّا
رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا طَلَعَ
الْفَجْرُ فَلَا تُصَلُّوا إلَّا رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِصِيغَةِ
النَّهْيِ وَلَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ قَبْلَ
طُلُوعِ الْفَجْرِ ، ثُمَّ طَلَعَ
فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ عَنْ
سُنَّةِ الْفَجْرِ وَلَا يَقْطَعُهُ ؛ لِأَنَّ
الشُّرُوعَ فِيهِ كَانَ لَا عَنْ قَصْدٍ
وَلَوْ صَلَّى الْقَضَاءَ فِي هَذَا الْوَقْتِ
جَازَ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّنَفُّلِ
فِيهِ لِحَقِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى
يَكُونَ كَالْمَشْغُولِ بِهَا ؛ لِأَنَّ
الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهَا حَتَّى لَوْ
نَوَى تَطَوُّعًا كَانَ عَنْ سُنَّةِ
الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْهُ فَلَا
يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ
فَوْقَهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبْلَ
الْمَغْرِبِ) أَيْ مُنِعَ مِنْ التَّنَفُّلِ
بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ أَنْ
يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ لِمَا فِيهِ مِنْ
تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ : يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْمَغْرِبِ وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَهُ لِمَا
رُوِيَ «أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا
يُصَلُّونَهَا وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرَاهُمْ فَلَمْ
يَنْهَهُمْ عَنْهَا» قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ فِي
ابْتِدَاءِ الْحَالِ لِيُعْرَفَ أَنَّ وَقْتَ
الْكَرَاهِيَةِ قَدْ خَرَجَ بِالْغُرُوبِ
وَلِهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ بَعْدَهُمْ
قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ
وَقَالَ النَّخَعِيّ هِيَ بِدْعَةٌ وَإِذَا
اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ
بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ لَا يَجُوزُ
الْعَمَلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ ضَعْفِهِ
عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَمَا ظَنُّك
بِفِعْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتِ
الْخُطْبَةِ) أَيْ نَهَى عَنْ التَّنَفُّلِ
وَقْتَ الْخُطْبَةِ أَطْلَقَ الْخُطْبَةَ
لِيَدْخُلَ فِيهَا جَمِيعُ الْخُطَبِ
كَخُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ : كَالْمَشْغُولِ فِيهِ بِفَرْضِ
الْوَقْتِ) أَيْ كَالْوَقْتِ الَّذِي شُغِلَ
فِيهِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ وَمَا ثَبَتَ
لِحَقِّ الْفَرْضِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِيقَةِ
الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى وَالْحَاصِلُ
أَنَّ شَغْلَ الْوَقْتِ بِالْفَرْضِ
التَّقْدِيرِيِّ أَوْلَى مِنْ النَّفْلِ دُونَ
الْفَرْضِ الْحَقِيقِيِّ فَيَظْهَرُ الشَّغْلُ
فِي حَقِّ النَّفْلِ فَيَمْنَعُهُ دُونَ
الْفَرْضِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي الْوُجُوبِ
لِعَيْنِهِ بِمَعْنَى ثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً
مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ
كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ
بِالسَّمَاعِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ
وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَمَا لَيْسَ فِي
مَعْنَاهُ الْمَنْذُورُ وَرَكْعَتَا
الطَّوَافِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ ، ثُمَّ
أَفْسَدَهُ وَأَقُولُ سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ
النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ أَنَّ
الْمَنْذُورَةَ وَمَا شَرَعَ فِيهَا ، ثُمَّ
أَفْسَدَهَا مُلْحَقَتَانِ بِالْفَرَائِضِ
حَتَّى لَا يَجُوزَ أَدَاؤُهُمَا عَلَى
الدَّابَّةِ وَيُمْكِنُ دَفْعُ التَّنَاقُضِ
بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْإِلْحَاقِ مَبْنِيٌّ
عَلَى الِاحْتِيَاطِ بَيَانُهُ أَنَّ
الْوُجُوبَ فِيهِمَا لَمَّا كَانَ ضَعِيفًا
لِلْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي
الشَّرْحِ نَظَرْنَا إلَى ضَعْفِهِ فَقُلْنَا
بِالْكَرَاهَةِ هُنَا وَنَظَرْنَا إلَى
ثُبُوتِهِ فَقُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ
هُنَاكَ أَوْ نَقُولُ فِي الَّذِي شَرَعَ
فِيهِ ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ أَنَّهُ نَفْلٌ فِي
حَدِّ ذَاتِهِ وَوَاجِبٌ لِغَيْرِهِ
فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ قُلْنَا
بِالْكَرَاهَةِ هُنَا وَبِالنَّظَرِ إلَى
الثَّانِي قُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ
هُنَاكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْكِسُ ؛ لِأَنَّهُ
يَقْتَضِي ارْتِفَاعَ الْكَرَاهَةِ هُنَا
وَثُبُوتَ الْجَوَازِ هُنَاكَ فَلَا
يَتَحَقَّقُ الِاحْتِيَاطُ هَذَا غَايَةُ مَا
يُقَالُ فِي دَفْعِ التَّنَاقُضِ وَهُوَ
يُعَدُّ مَحَلَّ نَظَرٍ فِي قَضَاءِ
النَّافِلَةِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ
الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الْجَوَازِ هُوَ
الْوُجُوبُ الْمُطْلَقُ وَالْوُجُوبُ
الثَّابِتُ بِالشُّرُوعِ ضَرُورِيٌّ ؛
لِأَنَّهُ إمَّا ثَبَتَ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ
الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ فَلَا يَثْبُتُ
بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِتْيَانِ عَلَى
الدَّابَّةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ
وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةِ
بَيَانِ النَّازِلِ إذَا رَكِبَ وَلَمْ
يَعْتَبِرْ جِهَةَ الْوُجُوبِ فِي الْأَدَاءِ
فَكَذَا الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْكِي
حِكَايَتَهُ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُغْنِي
أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ ؛ لِأَنَّهُ
أَوْرَدَ قَضَاءَ مَا شَرَعَ فِيهِ فِي وَقْتٍ
مَكْرُوهٍ فِي مِثْلِهِ نَقْضًا عَلَى كَوْنِ
الْوَاجِبِ فِي وَقْتٍ نَاقِصٍ يَجِبُ بَعْدَ
خُرُوجِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَأَجَابَ
بِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ فَيُعْفَى
فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَبَابُ
لُزُومِ الْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ
وَلُزُومُ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِفْسَادِ
إنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ صَوْنِ
الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ فَلَا يَظْهَرُ
فِي غَيْرِ الصَّوْنِ فَلَا يَظْهَرُ فِي
حَقِّ اشْتِرَاطِ كَمَالِ الْأَدَاءِ فِي
الْحَالِ وَلِإِكْمَالِ الْقَضَاءِ فِي
الْمَآلِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا
يَثْبُتُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ
الصِّيَانَةُ لِإِكْمَالِهَا عَلَى أَنَّ
الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ أَدَاءِ
الْمَنْذُورِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ ، ثُمَّ
أَفْسَدَهُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ
إلْحَاقًا لَهُمَا بِالْوَاجِبِ بِعَيْنِهِ
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي تُحْفَةِ
الْفُقَهَاءِ أَوْ يُحْمَلُ نَفْيُ الْجَوَازِ
عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ مَجَازًا كَمَا
فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا تَجُوزُ
الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى
آخِرِهِ فَإِنَّ مُرَادَهُ الْكَرَاهَةُ
بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوَافِلِ كَمَا
تَقَرَّرَ فِي شُرُوحِهِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ
وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا تَجُوزُ
النَّوَافِلُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ
وَالْمُرَادُ هُوَ الْكَرَاهَةُ . ا هـ .
مُجْتَبَى . (قَوْلُهُ : بِخِلَافِ
الْأَوْقَاتِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ
لِمَعْنًى فِيهَا ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ
أَيْضًا) أَيْ لِأَنَّهُ وَقْتٌ نَاقِصٌ . ا
هـ . (قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي شَرَعَ فِيهِ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ
الْوَقْتَيْنِ أَمَّا النَّفَلُ الَّذِي
شَرَعَ فِيهِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ
الْوَقْتَيْنِ ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ يَجُوزُ
قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ كَمَا
تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي الصَّفْحَةِ
الْمُقَابِلَةِ لِهَذِهِ . ا هـ .
(1/87)
وَالْخُطَبِ
الَّتِي فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهَا وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي الدَّاخِلُ تَحِيَّةَ
الْمَسْجِدِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَخْطُبُ
فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ
فَأَمَرَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» وَلَنَا
النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي فَرْضِيَّةِ
الِاسْتِمَاعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهَا فِي
مَوْضِعِهَا وَالتَّنَفُّلُ يُخِلُّ
بِالِاسْتِمَاعِ فَيَحْرُمُ فَلَا
يُعَارِضُهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ ؛ وَلِأَنَّ
الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضٌ وَهُوَ
يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُمَا «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك
أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ
لَغَوْت» فَمَا ظَنُّك بِالنَّفْلِ ؛
وَلِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى
الْمُبِيحِ فَوَجَبَ تَرْكُهُ وَلَيْسَ فِيمَا
رُوِيَ دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَخْطُبُ وَقْتَ
مَا صَلَّى بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْسَكَ
عَنْهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا بَلْ هُوَ
الظَّاهِرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكَلَّمَ مَعَهُ
حِينَ أَمَرَهُ بِهَا وَالْأَمْرُ كَلَامٌ
وَالْكَلَامُ يُنَافِي الْخُطْبَةَ فَكَانَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ
أَنْ يُشْهِرَهُ لِيُرَى حَالُهُ مِنْ
الْفَاقَةِ وَالْبَذَاذَةِ لِيُعْتَبَرَ بِهِ
أَوْ لِيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَأَمْهَلَهُ
حَتَّى يَفْرُغَ فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ
فَلَا يُتْرَكُ الْمَقْطُوعُ بِهِ
بِالْمُحْتَمِلِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ الْجَمْعِ
بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ)
يَعْنِي مَنَعَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا
فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِسَبَبِ الْعُذْرِ
احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي وَقْتٍ عَنْ
الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِعْلًا بِأَنْ صَلَّى
كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا
بِأَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى فِي آخِرِ
وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ
وَقْتِهَا فَإِنَّهُ جَمْعٌ فِي حَقِّ
الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا فِي
الْوَقْتِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِعُذْرٍ
عَنْ الْجَمْعِ فِي عَرَفَةَ
وَالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَالْمَرَضِ
وَالسَّفَرِ لِحَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ
الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى
يَجْمَعَهَا مَعَ الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا
جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ
الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ
جَمِيعًا ، ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إذَا
ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ
الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ
الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ
الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا
مَعَ الْمَغْرِبِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَغَيْرُهُ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ
عُمَرَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ
بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ
يَغِيبَ الشَّفَقُ . وَيَقُولُ «إنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ
جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
إذَا عَجَّلَ السَّيْرَ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ
إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ
بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى
يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ
يَغِيبُ الشَّفَقُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُقَدِّمُ الْعَصْرَ
وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَيُقَدِّمُ
الْعِشَاءَ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ
وَلَنَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِتَعْيِينِ
الْأَوْقَاتِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء :
78] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ
وَالْأَخْبَارِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا
بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
«وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صَلَاةً قَطُّ إلَّا لِوَقْتِهَا
إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ
«مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ قَطُّ فِي السَّفَرِ إلَّا
مَرَّةً وَاحِدَةً» ؛ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ
حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْأُولَى وَتَدْخُلُ
الثَّانِيَةُ تَفْرِيطٌ وَقَدْ قَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ
فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ
فِي الْيَقَظَةِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ
إلَى وَقْتِ الْأُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ
وَهُوَ مُسَافِرٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ
أَرَادَ بِهِ الْمُسَافِرَ وَالْمُقِيمَ
فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَجْمَعْ
احْتِرَازًا عَنْ التَّفْرِيطِ وَتَأْوِيلُ
مَا رُوِيَ مِنْ الْجَمْعِ إنْ صَحَّ أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى
الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ وَالْعَصْرَ فِي
أَوَّلِ وَقْتِهِ ، وَكَذَا فَعَلَ
بِالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» فَيَصِيرُ
جَامِعًا فِعْلًا لَا وَقْتًا وَيُحْمَلُ
تَصْرِيحُ الرَّاوِي بِخُرُوجِ وَقْتِ
الْأُولَى عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ لِقُرْبِهِ
مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق : 2]
أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ إذْ لَا
يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْسَاكِ بَعْدَ بُلُوغِ
الْأَجَلِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ
الرَّاوِي ظَنَّ ذَلِكَ .
وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ «إمَامَةِ
جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ
صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ
عَصْرَ أَمْسٍ» أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ
ظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُمَا وَقَعَا فِي
وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ
هَذَا التَّأْوِيلِ مَا رَوَى ابْنُ جَابِرٍ
عَنْ نَافِعٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ
فِي سَفَرِهِ وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَلَمَّا
أَبْطَأَ قُلْت الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ
فَالْتَفَتَ إلَيَّ وَمَضَى حَتَّى إذَا كَانَ
فِي آخِرِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى
الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ أَقَامَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْطُبُ
فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ)
الْبَذَاذَةُ التَّوَاضُعُ فِي اللُّبْسِ
وَعَدَمُ الزِّينَةِ وَفِي الْحَدِيثِ
الْبَذَاذَةُ مِنْ الْإِيمَانِ . ا هـ .
غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ : مِثْلَ مَا صَنَعْت وَهَذَا) أَيْ
قَوْلُهُ : ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ
الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ أَصْرَحُ فِي
الْفَصْلِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ
الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ
فِيهِ بِالِانْتِظَارِ ا هـ . (قَوْلُهُ :
تُحْرَجَ أُمَّتُهُ) أَيْ تَقَعُ فِي
الْحَرَجِ .
(1/88)
الْعِشَاءَ
وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَقُ فَصَلَّى بِنَا ،
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ «إنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ
السَّيْرُ صَنَعَ هَكَذَا» وَهَذَا حَدِيثٌ
صَحِيحٌ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَهَذَا نَصٌّ
عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
فِي وَقْتِهَا وَقَالَ نَافِعٌ ؛ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ إنَّ مُؤَذِّنَ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ الصَّلَاةَ قَالَ سِرْ حَتَّى
إذَا كَانَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ
فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ انْتَظَرَ
حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ ،
ثُمَّ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا
عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ صَنَعَ مِثْلَ مَا
صَنَعْت» وَهَذَا أَصْرَحُ مِنْ الْأَوَّلِ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَلْفَاظٌ فِي
وَقْتِ الْجَمْعِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ
فِي الْأَحْكَامِ كُلَّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ فِي وَقْتِ جَمْعِهِ بَيْنَ هَاتَيْنِ
الصَّلَاتَيْنِ فَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ فِيهِ
وَهْمٌ . وَالصَّحِيحُ مِنْهَا رِوَايَةُ
ابْنِ جَابِرٍ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا
وَقَدْ رَوَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَمَا رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ هُوَ غَرِيبٌ
وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ
الْوَقْتِ حَدِيثٌ قَائِمٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ
حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ مَوْضُوعٌ ،
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ الْجَمْعُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ
كَانَ كَثِيرًا مَا يَصِلُ الْحَدِيثَ
بِكَلَامِهِ حَتَّى يُوهِمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي
الْحَدِيثِ وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى
مَنْ يَقُولُ بِالْجَمْعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ
وَحَدِيثُهَا الْمُتَقَدِّمُ حُجَّةٌ أَيْضًا
؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرُ
التَّأْخِيرِ وَالتَّقْدِيمِ وَذَلِكَ لَا
يُنَافِي مَا قُلْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى
صِحَّةِ مَا قُلْنَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «جَمَعَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ
فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» قِيلَ لَهُ
مَا أَرَادَ بِذَلِكَ قَالَ أَنْ لَا تُحْرَجَ
أُمَّتُهُ وَعَنْهُ «أَنَّهُ صَلَّى بِنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا
وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا فِي
غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» وَلَا يَرَى
الشَّافِعِيُّ الْجَمْعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
فَكُلُّ جَوَابٍ لَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ كُلِّ مَا
يَرْوِيهِ فِي الْجَمْعِ وَهُوَ غَيْرُ
صَحِيحٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ الْعَجَبِ
أَنَّ أَبَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْبَرِّ
أَنْكَرَ تَأْوِيلَنَا فَقَالَ مَعْلُومٌ
أَنَّ الْجَمْعَ لِلْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ ،
وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ
مِنْ مُرَاعَاةِ آخِرِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلِ
الثَّانِي لَكَانَ ذَلِكَ ضِيقًا وَأَكْثَرَ
حَرَجًا مِنْ إتْيَانِ كُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا ؛ لِأَنَّ وَقْتَ
كُلِّ صَلَاةٍ أَوْسَعُ وَمُرَاعَاتُهُ
أَمْكَنُ مِنْ مُرَاعَاةِ طَرَفَيْ
الْوَقْتَيْنِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ ذَلِكَ
لَيْسَ بِجَمْعٍ إذَا كَانَ يَأْتِي بِكُلِّ
وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا ، ثُمَّ لَمَّا جَاءَ
إلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخَالِفِ
لِمَذْهَبِهِ أَوَّلَهُ بِمَا أَوَّلْنَاهُ
وَقَالَ الرُّخْصَةُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى
آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ أَوَّلَهُ بِمَا
أَنْكَرَهُ عَلَى خَصْمِهِ فَقُلْنَا إذَا
كَانَ الْمُقِيمُ يَتَرَخَّصُ بِالتَّأْخِيرِ
فَالْمُسَافِرُ أَوْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا
الْإِنْكَارَ خَرَجَ مِنْهُ عَنْ سَهْوٍ ؛
لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَرَجِ إنَّمَا
يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ تَأْخِيرُ الْأُولَى
إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَتَقْدِيمُ
الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ
وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَإِنَّمَا نَقُولُ
لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ وَيُؤَخِّرَ إنْ شَاءَ
رُخْصَةً فَانْتَفَى الْحَرَجُ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ
(بَابُ الْأَذَانِ)
الْأَذَانُ الْإِعْلَامُ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اهْتَمَّ
لِلصَّلَاةِ كَيْف يُعْلِمُونَ بِهَا فَذُكِرَ
لَهُ رَايَةٌ فَلَمْ يُعْجِبْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(بَابُ الْأَذَانِ)
(قَوْلُهُ : الْأَذَانُ الْإِعْلَامُ) هَذَا
فِي اللُّغَةِ وَشَرْعًا إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ
فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ ا هـ ع وَفِي
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ
يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ
وَبِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَأَنْ يَكُونَ
جَهِيرَ الصَّوْتِ أَسْمَعَ لِلْجِيرَانِ
وَالْمُوَاظِبُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الَّذِي
لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ
الصَّلَوَاتِ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ
وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ
لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا ، وَكَذَا
الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ وَقَوْلُ
عُمَرَ لَوْلَا الْخَلِيفِيِّ لَأَذِنْت لَا
يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ
مُرَادُهُ لَأَذِنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا
مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ
كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ هَذَا
مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ
كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَخْبَارِهِ . ا هـ .
فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْإِمَامَةُ
أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ
لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا ، وَكَذَا
الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَفِي قَوْلِهِ
الْآخَرِ الْأَذَانُ أَفْضَلُ ا هـ .
وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ ا
هـ فَإِنْ قُلْت هَلْ أَذَّنَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت
رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ
فِي سَفَرٍ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ
عَلَى رَوَاحِلِهِمْ السَّمَاءُ مِنْ
فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ»
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ
وَخَرَّجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَذَا فِي
شَرْحِ مُغَلْطَاي قَالَ فِي الْبَدَائِعِ :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى
السَّامِعِينَ عِنْدَ الْأَذَانِ فَالْوَاجِبُ
الْإِجَابَةُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
قَالَ «أَرْبَعَةٌ مِنْ الْجَفَاءِ مَنْ بَالَ
قَائِمًا وَمَنْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ
الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَنْ سَمِعَ
الْأَذَانَ وَلَمْ يُجِبْ وَمَنْ سَمِعَ
ذِكْرِي وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»
وَالْإِجَابَةُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا قَالَ
الْمُؤَذِّنُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا
قَالَ الْمُؤَذِّنُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» فَيَقُولُ
مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا قَوْلَهُ حَيَّ
عَلَى الْفَلَاحِ فَإِنَّهُ يَقُولُ مَكَانَهُ
لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَإِنَّ إعَادَةَ
ذَلِكَ يُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ
وَالِاسْتِهْزَاءَ ، وَكَذَا إذَا قَالَ
الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ
النَّوْمِ لَا يُعِيدُهُ السَّامِعُ لِمَا
قُلْنَا وَلَكِنَّهُ يَقُولُ صَدَقْت
وَبَرَرْت أَوْ مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا
يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ السَّامِعُ فِي
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَشْتَغِلَ
بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ
الْأَعْمَالِ سِوَى الْإِجَابَةِ وَلَوْ كَانَ
فِي الْقُرْآنِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ
وَيَشْتَغِلَ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِجَابَةِ
كَذَا قَالُوا فِي الْفَتَاوَى
(1/89)
فَذُكِرَ لَهُ
الشَّبُّورُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ
الْيَهُودِ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ
هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فَذُكِرَ لَهُ
النَّارُ فَقَالَ هُوَ لِلْمَجُوسِ
فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ
وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأُرِيَ
الْأَذَانَ فَغَدَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ
بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى
بِلَالٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُنَّ
لِلْفَرَائِضِ) أَيْ الْأَذَانُ وَهُوَ
سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ
الْمَشَايِخِ ، وَكَذَا الْإِقَامَةُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ : إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ
أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»
أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ
مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ
لَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى
تَرْكِ الْأَذَانِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ ،
وَلَوْ تَرَكَهُ وَاحِدٌ لَضَرَبْته
وَحَبَسْته عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ
عَلَى تَرْكِ الْفُرُوضِ وَقِيلَ لَا يَدُلُّ
قَوْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ .
فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْ
تَرَكُوا سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهَا وَلَوْ تَرَكَ
وَاحِدٌ ضَرَبْته وَقِيلَ عَنْ مُحَمَّدٍ
فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ
السُّنَّةُ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ يُقَاتَلُ
عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ
فَرْضٌ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ وَأَوْجَبَهُ
مَالِكٌ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ
عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ
بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَ
الْأَعْرَابِيَّ كَيْفَ يُصَلِّي وَذَكَرَ
لَهُ الْوُضُوءَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ
وَأَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا
لَهُ ، وَلَوْ كَانَا فَرْضًا لَذَكَرَهُ ؛
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ
وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ حُجَّةً
فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالْأَمْرُ
الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ لِلِاسْتِحْبَابِ
وَالسُّنَّةُ تَثْبُتُ بِالْمُوَاظَبَةِ قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِلَا تَرْجِيعٍ
وَلَحْنٍ) أَمَّا كَوْنُهُ بِلَا تَرْجِيعٍ
فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ
التَّرْجِيعُ لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
أَمَرَهُ بِذَلِكَ .
وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ
مِنْ غَيْرِ تَرْجِيعٍ وَأَذَانُ بِلَالٍ
بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - حَضَرًا وَسَفَرًا مِنْ غَيْرِ
تَرْجِيعٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَلْقِينُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي
مَحْذُورَةَ كَانَ تَعْلِيمًا فَظَنَّهُ هُوَ
تَرْجِيعًا ، وَقِيلَ : إنَّهُ كَانَ فِي
يَوْمِ أَسْلَمَ أَخْفَى كَلِمَةَ
الشَّهَادَتَيْنِ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ عَلَى
مَا ذُكِرَ فِي الْقِصَّةِ فَقَالَ لَهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ارْجِعْ
فَمُدَّ بِهَا صَوْتَك ؛ وَلِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ
وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْإِخْفَاءِ فَصَارَ
كَسَائِرِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ ، وَأَمَّا
اللَّحْنُ الْمُرَادُ بِهِ التَّطْرِيبُ
فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
قَالَ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنٌ
يُطْرِبُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ» وَرُوِيَ
أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ إنِّي
لَأُحِبُّك فِي اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أَنَا
أَبْغَضُك فِي اللَّهِ إنَّك تَتَغَنَّى فِي
أَذَانِك أَيْ تُطْرِبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ : فَذُكِرَ لَهُ الشَّبُّورُ) قَالَ
فِي الْمُغْرِبِ شَيْءٌ يُنْفَخُ فِيهِ
وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَأُرِيَ الْأَذَانَ إلَى
آخِرِهِ) وَلَا اسْتِبْعَادَ فِي ثُبُوتِ
الْأَذَانِ بِالرُّؤْيَا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«إنَّهَا الرُّؤْيَا حَقٌّ» وَالرُّؤْيَا
الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَقِيقَتِهَا
مُلْحَقَةٌ بِالْوَحْيِ وَقَدْ تَأَيَّدَتْ
رُؤْيَا ابْنِ زَيْدٍ بِرُؤْيَا مَنْ تَنْطِقُ
السَّكِينَةُ عَلَى لِسَانِهِ وَهُوَ عُمَرُ -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ
السُّهَيْلِيُّ مَا حَاصِلُهُ : إنَّ
الْحِكْمَةَ فِي ثُبُوتِهِ بِالرُّؤْيَا دُونَ
الْوَحْيِ أَنَّ تَعْظِيمَ الْإِنْسَانِ عَلَى
لِسَانِ غَيْرِهِ أَعْظَمُ وَأَقْرَبُ إلَى
الْقَبُولِ فَإِظْهَارُهُ لِغَيْرِهِ لَا
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَقِظَةِ ؛
لِأَنَّهُ وَحْيٌ وَالْوَحْيُ مُخْتَصٌّ
بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ
عَلَيْهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي
الْمَنَامِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سَمِعَ الْأَذَانَ فِي السَّمَاءِ
وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي
الْأَرْضِ وَبِهَذِهِ الرُّؤْيَا تَبَيَّنَ
أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَرَاهُ
أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ :
إنَّهُ ثَبَتَ بِأَذَانِ الْمَلَكِ الَّذِي
خَرَجَ مِنْ الْحِجَابِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ
وَقِيلَ بِتَأْذِينِ جِبْرِيلَ لَيْلَةَ
الْإِسْرَاءِ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَذَانَ
شُرِعَ بِالْمَدِينَةِ وَالْإِسْرَاءُ كَانَ
بِمَكَّةَ فَكَيْفَ تَأَخَّرَ وَكَيْفَ
اهْتَمُّوا لِتَعْيِينِ الْعَلَامَةِ
وَاخْتَلَفَ آرَاؤُهُمْ فِيهَا وَأُجِيبَ
بِأَنَّ الْمَسْمُوعَ مِنْ الْمَلَكِ لَا
يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ
الْبَشَرِ فَتَأَخَّرَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ
أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ وَحْيًا أَوْ رُؤْيَا
صَادِقَةً مُلْحَقَةً بِالْوَحْيِ .
هَكَذَا وَجَدْت بِخَطِّ الشَّيْخِ
الْعَلَّامَةِ نِظَامِ الدِّينِ يَحْيَى
السِّيرَامِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَكَتَبْت مِنْ خَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مَا نَصُّهُ أَقُولُ ثُبُوتُ الْأَذَانِ
وَهُوَ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ بِالرُّؤْيَا
فِيهِ فَوَائِدُ الدَّلَالَةِ ، عَلَى أَنَّ
الرُّؤْيَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لَا خَيَالٌ
بَاطِلٌ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ
الْمُتَكَلِّمِينَ وَظُهُورُ ثُبُوتِهِ
مَنَامًا كَمَا ظَهَرَتْ يَقِظَةً وَتَعْظِيمُ
شَأْنِ الدِّينِ رُئِيَ هَذِهِ الرُّؤْيَا
حَيْثُ ثَبَتَ بِهَا مَا هُوَ مِنْ شَعَائِرِ
الْإِسْلَامِ وَمَعَالِمِ الدِّينِ . ا هـ .
يَحْيَى (قَوْلُهُ : وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا
لَهُ) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ
(قَوْلُهُ : لِلِاسْتِحْبَابِ) أَيْ بِدَلِيلِ
حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
تَثْبُتُ بِالْمُوَاظَبَةِ) أَيْ لَا
بِالْأَمْرِ (قَوْلُهُ : بِلَا تَرْجِيعٍ)
التَّرْجِيعُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ
بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ خَفَضَ
بِهِمَا .
(قَوْلُهُ : وَلَحْنٍ) قَالَ الشَّيْخُ
بَاكِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ
قَوْلِهِ بِلَا تَرْجِيعٍ وَلَحْنٍ يُقَالُ
لَحَنَ فِي الْقِرَاءَةِ طَرِبَ وَتَرَنَّمَ
مَأْخُوذٌ مِنْ أَلْحَانِ الْأَغَانِي فَلَا
يُنْقِصُ شَيْئًا مِنْ حُرُوفِهِ وَلَا
يَزِيدُ فِي أَثْنَائِهِ حَرْفًا ، وَكَذَا
لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ كَيْفِيَّاتِ
الْحُرُوفِ كَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ
وَالْمَدَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِتَحْسِينِ
الصَّوْتِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ تَحْسِينِ
الصَّوْتِ بِلَا تَغْيِيرٍ فَإِنَّهُ حَسَنٌ .
ا هـ . (قَوْلُهُ : لِحَدِيثِ أَبِي
مَحْذُورَةَ) فَإِنْ قِيلَ أَذَانُ أَبِي
مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَحَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي أَوَّلِ
شَرْعِ الْأَذَانِ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا قِيلَ
لَهُ أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى
الْمَدِينَةِ وَبِلَالٌ يُؤَذِّنُ مَعَهُ
وَبِالْمَدِينَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى أَنْ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا تَرْجِيعٍ فَقَدْ
أَقَرَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- عَلَى الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ أَذَانُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ؛ وَلِأَنَّ مَا
يَخْفِضُ بِهِ صَوْتَهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ
فَائِدَةُ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ
فَلَا يُعْتَبَرُ . ا هـ . سَرُوجِيٌّ
(قَوْلُهُ : حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ إلَى
آخِرِهِ) وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ
وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ فَإِنَّ
أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ أَخْلَصَ فِي
إيمَانِهِ مِنْ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ حَيَاءٌ
مِنْ قَوْمِهِ . ا هـ . كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ : ارْجِعْ فَمُدَّ بِهَا صَوْتَك)
وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ فِي
الْقِرَاءَةِ فَكَرِهَهُ وَمَنَعَهُ فَقِيلَ
لَهُ لِمَ فَقَالَ لِلسَّائِلِ مَا اسْمُك
قَالَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ أَيُعْجِبُك أَنْ
يُقَالَ لَك يَا مُوحَامَدُ وَإِذَا لَمْ
يَحِلَّ هَذَا فِي الْأَذَانِ فَفِي قِرَاءَةِ
الْقُرْآنِ أَوْلَى ا هـ فَتْحٌ
(1/90)
الْكِتَابِ
الْخَطَأَ فِي الْإِعْرَابِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ
أَيْضًا ، وَكَذَا لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ
فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا التَّطْرِيبُ
فِيهِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ ؛
لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِفِعْلِ
الْفَسَقَةِ فِي حَالِ فِسْقِهِمْ وَهُوَ
التَّغَنِّي وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ
لِلْفَرَائِضِ عَنْ التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ
الرَّوَاتِبِ وَالْمَنْذُورِ وَصَلَاةِ
الْجِنَازَةِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ
وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالضُّحَى
وَالْأَفْزَاعِ وَالْوِتْرِ ؛ لِأَنَّ أَذَانَ
الْعِشَاءِ لَا يَقَعُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَزِيدُ بَعْدَ
فَلَاحٍ أَذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ
مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ
أَنَّ «بِلَالًا جَاءَ إلَى حُجْرَةِ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بَعْدَ
الْأَذَانِ فَقَالَ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَقَالَتْ لَهُ إنَّ الرَّسُولَ
نَائِمٌ فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ
النَّوْمِ فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَتْهُ
بِذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ اجْعَلْهُ
فِي أَذَانِك» ؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ
وَغَفْلَةٍ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِقَامَةُ
مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْأَذَانِ فِي عَدَدِ
الْكَلِمَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَيَزِيدُ بَعْدَ فَلَاحِهَا قَدْ قَامَتْ
الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) وَهُوَ مَذْهَبُ
عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِمَا
وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
إنَّهَا فُرَادَى لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا
أُمِرَ بِأَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ
الْإِقَامَةَ وَلَنَا مَا اُشْتُهِرَ عَنْ
بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ
إلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَالْمَلَكُ النَّازِلُ
مِنْ السَّمَاءِ أَقَامَ كَذَلِكَ وَقَالَ
أَبُو مَحْذُورَةَ «عَلَّمَنِي النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً
وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً»
وَإِنَّمَا قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً
بِالتَّرْجِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ النَّخَعِيّ
بِإِسْنَادِهِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَقَصَ
الْإِقَامَةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي
سُفْيَانَ وَقَالَ أَبُو الْفَرْجِ كَانَ
الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَثْنًى مَثْنًى
فَلَمَّا قَامَ بَنُو أُمَيَّةَ أَفْرَدُوا
الْإِقَامَةَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ
الْإِقَامَةُ مِثْلَ الْأَذَانِ حَتَّى كَانَ
هَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ فَجَعَلُوهَا وَاحِدَةً
لِلسُّرْعَةِ إذَا خَرَجُوا ، وَقَالَ
الطَّحَاوِيُّ كَانَ بِلَالٌ بَعْدَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يُؤَذِّنُ مَثْنًى وَيُقِيمُ مَثْنًى
بِتَوَاتُرِ الْآثَارِ ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ
كَانَتْ فُرَادَى لَأَفْرَدَ ، قَوْلُهُ قَدْ
قَامَتْ الصَّلَاةُ إذْ هِيَ الْأَصْلُ فِيهَا
وَمَا سُمِّيَتْ الْإِقَامَةُ إلَّا
لِأَجْلِهَا تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ
الْبَعْضِ وَلَا حُجَّةَ لِلشَّافِعِيِّ
فِيمَا رَوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ
الْأَمْرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ
غَيْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ بِلَالًا
امْتَثَلَ لِأَمْرِهِ أَيْضًا بَلْ نَقَلَ
إلَيْنَا مُخَالَفَتَهُ فِعْلًا فَكَيْفَ
يُحْتَجُّ بِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ
الْمُتَوَاتِرَ عَنْهُ.
[كَيْفِيَّة الْأَذَان وَالْإِقَامَة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَرَسَّلُ
فِيهِ) أَيْ فِي الْأَذَانِ (وَيَحْدُرُ
فِيهَا) أَيْ فِي الْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا
بِلَالُ إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ فِي
أَذَانِك وَإِذَا أَقَمْت فَأَحْدِرْ
وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك
قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ
وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ» وَالتَّرَسُّلُ
التَّمَهُّلُ يُقَالُ عَلَى رِسْلِك وَجَاءَ
فُلَانٌ عَلَى رِسْلِهِ وَالْحَدْرُ
الْإِسْرَاعُ يُقَالُ حَدَرَ فِي قِرَاءَتِهِ
وَحَدُّهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَتِي
الْأَذَانِ بِسَكْتَةٍ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ
وَيُسَكِّنُ كَلِمَاتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ
شَيْئَانِ يُجْزَمَانِ كَانُوا لَا
يُعْرِبُونَهُمَا الْآذَانُ وَالْإِقَامَةُ
يَعْنِي عَلَى الْوَقْفِ لَكِنْ فِي
الْأَذَانِ حَقِيقَةً وَفِي الْإِقَامَةِ
يَنْوِي الْوَقْفَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْتَقْبَلُ
بِهِمَا الْقِبْلَةُ) ؛ لِأَنَّ بِلَالًا
كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ مُسْتَقْبِلَ
الْقِبْلَةِ وَالْمَلَكُ النَّازِلُ أَذَّنَ
وَأَقَامَ كَذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُمَا
مُشْتَمِلَانِ عَلَى الثَّنَاءِ وَأَحْسَنُ
أَحْوَالِ الذَّاكِرِينَ اسْتِقْبَالُ
الْقِبْلَةِ وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ
جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ
الْإِعْلَامُ وَيُكْرَهُ لِتَرْكِهِ
الْمُتَوَارَثَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا
يَتَكَلَّمُ فِيهِمَا) لِمَا فِيهِ مِنْ
تَرْكِ الْمُوَالَاةِ ؛ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ
مُعَظَّمٌ كَالْخُطْبَةِ وَيُكْرَهُ رَدُّ
السَّلَامِ فِيهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ :
يَرُدُّ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْأَذَانُ
سُنَّةٌ قُلْنَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْهُ وَالتَّأْخِيرِ لِعُذْرِ
الْأَذَانِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَلْتَفِتُ
يَمِينًا وَشِمَالًا بِالصَّلَاةِ
وَالْفَلَاحِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا
لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ
عَلَى الْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمِينًا
وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ ؛ وَلِأَنَّهُ
خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ فِيهِ
وَلَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ
اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَلَا أَمَامَهُ
لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ
بِغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ : إذَا كَانَ
وَحْدَهُ لَا يُحَوِّلُ ؛ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَكَذَا لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ
فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) لَعَلَّهُ
التَّلْحِينُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الْمُجْتَبَى وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَيْفَ
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ
النَّبِيَّ «قَرَأَ سُورَةَ الْفَتْحِ
فَرَجَّعَ فِيهَا» ا هـ قَالَ فِي فَتَاوَى
قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَلَا
بَأْسَ بِالتَّطْرِيبِ فِي الْأَذَانِ وَهُوَ
تَحْسِينُ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَتَغَيَّرَ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِلَحْنٍ أَوْ
مَدٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كُرِهَ
وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَقَالَ
شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا
يُكْرَهُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْ
الْأَذْكَارِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى
الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَا بَأْسَ
بِهِ بِإِدْخَالِ مَدٍّ وَنَحْوِهِ ا هـ .
وَفِيهِ قَبِيلَ فَصْلِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ
بِالْأَلْحَانِ إنْ غَيَّرَ الْكَلِمَةَ
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا عُرِفَ فَإِنْ كَانَ
فِي حَرْفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَهِيَ
الْيَاءُ وَالْأَلِفُ وَالْوَاوُ لَا
يُغَيِّرُ الْمَعْنَى إلَّا إذَا فَحُشَ
وَإِنْ قَرَأَ بِالْأَلْحَانِ فِي غَيْرِ
الصَّلَاةِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ
وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَرِهُوا ذَلِكَ
وَكَرِهُوا الِاسْتِمَاعَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ
تَشَبُّهٌ بِالْفَسَقَةِ بِمَا يَفْعَلُونَهُ
فِي فِسْقِهِمْ ، وَكَذَا التَّرْجِيعُ
بِالْأَذَانِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ ا هـ
فَقَوْلُهُ : وَكَذَا التَّرْجِيعُ
بِالْأَذَانِ مُرَادُهُ بِهِ التَّلْحِينُ
وَالتَّطْرِيبُ وَفِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ
مِنْ الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي
الْمُنْتَقَى التَّرْجِيعُ بِالْقِرَاءَةِ
هَلْ يُكْرَهُ كَأَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -
بِالْأَلْحَانِ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ
مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجِبُ
الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى
يُكْرَهُ هَذَا النَّوْعُ فِي الْأَذَانِ ا هـ
وَهُوَ كَمَا تَرَى يُفِيدُ أَنَّ
التَّرْجِيعَ هُوَ التَّلْحِينُ وَاَللَّهُ
الْمُوَفِّقُ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَيَحْدُرُ فِيهَا)
هُوَ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ بِالدَّالِ
الْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا
بِلَالُ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَدِيٍّ «وَإِذَا
أَقَمْت فَأَحْدِرْ» بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ
أَسْرِعْ ا هـ غَايَةٌ . (قَوْلُهُ : لَكِنْ
فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةٌ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ
يَفْصِلُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ فَيَثْبُتُ
الْوَقْفُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ .
ا هـ ..
(قَوْلُهُ : لِتَرْكِهِ الْمُتَوَارَثَ) أَيْ
الْمَعْهُودَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ رَدُّ السَّلَامِ
فِيهِ) أَيْ وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ بَعْدَهُ
عَلَى الْأَصَحِّ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : وَلَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ) أَيْ
وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْمٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: وَلَا أَمَامَهُ) أَيْ لَا يَأْتِي بِهِمَا
أَمَامَهُ ا هـ
(1/91)
لَا حَاجَةَ
إلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَوِّلُ ؛
لِأَنَّهُ صَارَ سُنَّةَ الْأَذَانِ فَلَا
يُتْرَكُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ
الصَّلَاةُ فِي الْيَمِينِ وَالْفَلَاحُ فِي
الشِّمَالِ ، وَقِيلَ : إنَّ الصَّلَاةَ فِي
الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَالْفَلَاحُ
كَذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَدِيرُ فِي
صَوْمَعَتِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ
مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ
الصَّوْمَعَةُ مُتَّسِعَةً فَيَسْتَدِيرُ
وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْهَا لِيَحْصُلَ
الْمَقْصُودُ بِهِ ، وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ
فَلَا يَسْتَدِيرُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ
أَذَانِ بِلَالٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْعَلُ
إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) لِمَا رُوِيَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«قَالَ لِبِلَالٍ اجْعَلْ إصْبَعَيْك فِي
أُذُنَيْك فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك»
وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ إذْ لَيْسَ هُوَ
فِي أَذَانِ صَاحِبِ الرُّؤْيَا وَلَمْ
يُشْرَعْ لِأَصْلِ الْإِعْلَامِ بَلْ
لِلْمُبَالَغَةِ فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبَّهَ
عَلَى الْعِلَّةِ وَبَيَّنَ الْحِكْمَةَ
بِقَوْلِهِ «فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك»
وَإِنْ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ
فَحَسَنٌ ؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ ضَمَّ
أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ وَوَضَعَهَا عَلَى
أُذُنَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
إنْ جَعَلَ إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ
فَحَسَنٌ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُثَوِّبُ)
وَمَعْنَاهُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ
بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَهُوَ رِوَايَةُ
الْبَلْخِيّ وَأَبُو يُوسُفَ عَنْ
أَصْحَابِنَا قَالَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ فِي
نَفْسِ أَذَانِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْفَلَاحِ
الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَقَالَ
الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
الْأَصْلِ أَنَّ التَّثْوِيبَ الْأَوَّلَ
كَانَ فِي الْفَجْرِ بَعْدَ الْأَذَانِ
الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَأَحْدَثَ
النَّاسُ هَذَا التَّثْوِيبَ حَيَّ عَلَى
الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ
مَرَّتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
وَهُوَ اخْتِيَارُ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ
وَهُوَ حَسَنٌ وَقَالَ قَاضِي خَانْ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بَعْدَ الْأَذَانِ ؛
لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرُّجُوعِ
وَالْعَوْدِ إلَى الْإِعْلَامِ وَذَلِكَ
إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْفَرَاغِ
وَتَثْوِيبُ كُلِّ بِلَادٍ عَلَى مَا
تَعَارَفَ أَهْلُهَا وَتَفْسِيرُهُ أَنْ
يُؤَذِّنَ لِلْفَجْرِ ، ثُمَّ يَقْعُدَ قَدْرَ
مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً ، ثُمَّ
يُثَوِّبَ ، ثُمَّ يَقْعُدَ مِثْلَ ذَلِكَ ،
ثُمَّ يُقِيمَ وَهُوَ فِي الْفَجْرِ خَاصَّةً
وَكُرِهَ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ مِنْ
الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ
فِي حَقِّ أُمَرَاءِ زَمَانِهِ خَصَّهُمْ
بِذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ
الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ أُمَرَاءُ زَمَانِنَا
مِثْلَهُمْ فَلَا يُخَصُّونَ بِشَيْءٍ
وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوهُ فِي
الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ التَّوَانِي
فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَلِهَذَا
أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْلِسُ
بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ
بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا
رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِبِلَالٍ
اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك نَفَسًا
يَفْرُغُ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ وُضُوئِهِ
مَهْلًا وَالْمُتَعَشِّي مِنْ عَشَائِهِ» ؛
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ
بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيَتَأَهَّبَ
السَّامِعُونَ بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا
فَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا لِيَحْصُلَ بِهِ
الْمَقْصُودُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ مِقْدَارَ الْفَصْلِ وَرَوَى
الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَجْرِ
قَدْرَ مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً وَفِي
الظُّهْرِ قَدْرَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ
آيَاتٍ وَفِي الْعَصْرِ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ
يَقْرَأُ فِيهِمَا عِشْرِينَ آيَةً
وَالْعِشَاءِ كَالظُّهْرِ وَالْأَوْلَى أَنْ
يُصَلِّيَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَيْنَ كُلِّ
أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ إنْ شَاءَ» وَفِي
الْمَغْرِبِ لَا يَجْلِسُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجْلِسُ جِلْسَةً
خَفِيفَةً ؛ لِأَنَّ الْوَصْلَ مَكْرُوهٌ
وَلَا يَحْصُلُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ
لِوُجُودِهَا بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ
فَيَجْلِسُ كَمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ
وَكَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ . وَلِأَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ
فَيَكْتَفِي بِأَدْنَى الْفَصْلِ احْتِرَازًا
عَنْهُ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ ؛ لِأَنَّ
الْمَكَانَ فِيهَا مُتَّحِدٌ ، وَكَذَا
النَّغْمَةُ فِيهَا مُتَّحِدَةٌ وَفِي
مَسْأَلَتِنَا كِلَاهُمَا مُخْتَلِفٌ وَهَذَا
لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ
فِي الْمَنَارَةِ وَالْإِقَامَةُ فِي
الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَتَرَسَّلَ فِي
الْأَذَانِ وَيَحْدُرَ فِي الْإِقَامَةِ
وَمِقْدَارُ السَّكْتَةِ عِنْدَهُ قَدْرُ مَا
يَتَمَكَّنُ مِنْ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ
قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ وَرُوِيَ عَنْهُ
قَدْرُ مَا يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ
وَعِنْدَهُمَا يَجْلِسُ مِقْدَارَ الْجِلْسَةِ
بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ ، وَذَكَرَ
الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي
الْأَفْضَلِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِإِطْلَاقِ مَا
رَوَيْنَا وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ
مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ ؛ وَلِأَنَّهُ
يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ
مَكْرُوهٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا
[التأذين للفائتة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَذِّنُ
لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) لِمَا رُوِيَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ
التَّعْرِيسِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» وَهُوَ
حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ
بِالْإِقَامَةِ وَالضَّابِطُ عِنْدَنَا أَنَّ
كُلَّ فَرْضٍ كَانَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً
يُؤَذَّنُ لَهُ وَيُقَامُ سَوَاءٌ أَدَّاهُ
مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ إلَّا الظُّهْرَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّ
أَدَاءَهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مَكْرُوهٌ ،
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَكَذَا الْأُولَى الْفَوَائِتُ) يَعْنِي ،
وَكَذَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ يُؤَذِّنُ
لِلْأُولَى مِنْهَا وَيُقِيمُ لِمَا رَوَيْنَا
وَلِمَا نَرْوِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَخُيِّرَ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَذَانِ
(لِلْبَاقِي) أَيْ فِيمَا عَدَا الْأُولَى إنْ
شَاءَ أَذَّنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَوِّلُ ؛
لِأَنَّهُ صَارَ سُنَّةَ الْأَذَانِ) حَتَّى
قَالُوا فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ
يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ يَمْنَةً
وَيَسْرَةً عِنْدَ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ
، كَذَا فِي الْمُحِيطِ . ا هـ . ابْنُ
فِرِشْتَا وَفِي الْبُسْتَانِ لَا يُحَوِّلُ
فِي الْإِقَامَةِ إلَّا لِإِنَاسٍ
يَنْتَظِرُونَ ، ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ .
ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : إذَا لَمْ
يُمْكِنْهُ) أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ
الْأَذَانُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ سَائِرَ
الْجَوَانِبِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَأَمَّا
إذَا أَمْكَنَهُ) أَيْ مَعَ ثَبَاتِ
قَدَمَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ صَوْمَعَتُهُ
صَغِيرَةً . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : فَحَسَنٌ) أَيْ الْأَذَانُ حَسَنٌ
لَا تَرْكُ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِلَالًا فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُوصَفَ تَرْكُهُ
بِالْحَسَنِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
أَصَابِعُهُ الْأَرْبَعُ) أَيْ الْإِبْهَامُ
وَالسَّبَّابَةُ مِنْ كُلِّ يَدٍ.
(قَوْلُهُ : وَلَيْسَ أُمَرَاءُ زَمَانِنَا
إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ
بِأُمُورِ دُنْيَاهُمْ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ) هُوَ
مِنْ التَّغْلِيبِ إذْ الْمُرَادُ الْأَذَانُ
وَالْإِقَامَةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : لِأَنَّ
الْوَصْلَ) أَيْ بَيْنَ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ.
(قَوْلُهُ : إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ) أَيْ ، وَإِلَّا مَا تُؤَدِّيهِ
النِّسَاءُ أَوْ تَقْضِيهِ بِجَمَاعَتِهِنَّ ؛
لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ
حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ
أَيْضًا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمَا
لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةُ حَالَ
شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالَ
الْإِفْرَادِ أَوْلَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا
هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَلِمَا رُوِيَ) أَيْ
مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ ا هـ
(1/92)
وَإِنْ شَاءَ
تَرَكَهُ ، وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَلَا بُدَّ
مِنْهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَغَلَهُ
الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ
أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ
وَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى
الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى
الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى
الْعِشَاءَ» ؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ
لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ فَلَا
حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ
عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ
إلَيْهِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْأُولَى
تُقْضَى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْبَاقِي
بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ وَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ الرَّازِيّ إنَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ
هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ فِي
الظَّاهِرِ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ
، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ
مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ
لَا خِلَافَ فِيهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤَذِّنُ
قَبْلَ وَقْتٍ وَيُعَادُ فِيهِ) أَيْ يُعَادُ
فِي الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ قَبْلَ الدُّخُولِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ
يَجُوزُ لِلْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ
مِنْ اللَّيْلِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ
جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِأَذَانِ الصُّبْحِ
لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ
بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ؛
وَلِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ
فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَأَهَّبُوا
، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ
حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» أَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ قَالَ فِي الْإِمَامِ
وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَرُوِيَ عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ بِلَالًا
أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَغَضِبَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ مَا حَمَلَك عَلَى
ذَلِكَ قَالَ اسْتَيْقَظْت وَأَنَا وَسْنَانُ
فَظَنَنْت أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ فَأَمَرَهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ
يُنَادِيَ إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ»
وَلَيْسَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَاهُ حُجَّةٌ
لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ
فِيهِ إلَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- بِفِعْلِ بِلَالٍ وَنَهَاهُ أَيْضًا عَنْ
ذَلِكَ وَفِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ نَهْيَهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - .
وَالثَّانِي - أَنَّ أَذَانَهُ كَانَ عَلَى
ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ وَلِهَذَا
عَتَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَكَى وَقَالَ
لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ
قَالَتْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا
إلَّا مِقْدَارُ مَا يَنْزِلُ هَذَا
وَيَصْعَدُ هَذَا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُمَا كَانَا يَقْصِدَانِ وَقْتًا
وَاحِدًا وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ
فَيُصِيبُهُ أَحَدُهُمَا وَيُخْطِئُهُ
الْآخَرُ .
وَالثَّالِثُ - قَالَ صَاحِبُ الْإِمَامِ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- إنَّ «بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ» لَمْ
يَكُنْ فِي سَائِرِ الْعَامِّ إنَّمَا كَانَ
ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ قُلْنَا هَذَا لَمْ
يَكُنْ أَذَانًا وَإِنَّمَا كَانَ تَذْكِيرًا
وَتَسْحِيرًا كَالْعَادَةِ الْفَاشِيَةِ
بَيْنَهُمْ فِي رَمَضَانَ وَإِنْكَارُ
السَّلَفِ عَلَى مَنْ أَذَّنَ بِلَيْلٍ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ
الْوَقْتِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ
وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ
بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ كَانُوا
إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالُوا
لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَعِدْ أَذَانَك
وَسَمِعَ عَلْقَمَةُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ
بِلَيْلٍ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ خَالَفَ
سُنَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ
نَائِمًا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَأَمْثَالُهُ
كَثِيرَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
؛ وَلِأَنَّ جَوَازَهُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ
يُؤَدِّي إلَى الْتِبَاسِ أَذَانِ الْفَجْرِ
بِأَذَانِ الْمَغْرِبِ وَإِلَى وُقُوعِ
أَذَانِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَهَذَا
مُحَالٌ فَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَسَادُهُ
وَهَذِهِ التَّوْقِيتَاتُ الَّتِي وَقَّتُوهَا
مِنْ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَجَمِيعِ
اللَّيْلِ مُخْتَرَعَةٌ لَمْ تُرْوَ عَنْهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا
عَنْ أَصْحَابِهِ
[أَذَان الجنب وَالْمَرْأَة والمحدث والسكران]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَذَانُ
الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ
الْمُحْدِثِ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ
وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ)
أَمَّا أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ
فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا يُؤَذِّنُ إلَّا
مُتَوَضِّئٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا
إلَى مَا لَا يُجِيبُ بِنَفْسِهِ
فَيُكْرَهَانِ رِوَايَةً وَاحِدَةً
وَيُعَادَانِ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يُعَادَانِ
فِي أُخْرَى وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعَادَ
الْأَذَانُ دُونَ الْإِقَامَةِ ؛ لِأَنَّ
تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ فِي
الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ دُونَ
الْإِقَامَةِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ
الْأَذَانُ وَالصَّلَاةُ ، وَأَمَّا إقَامَةُ
الْمُحْدِثِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا فِيهِ
مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ لَا
تُكْرَهُ إقَامَتُهُ وَفِي كَرَاهِيَةِ
أَذَانِ الْمُحْدِثِ رِوَايَتَانِ
كَإِقَامَتِهِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَابَةِ أَنَّ
لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : يَوْمَ الْخَنْدَقِ) أَيْ وَهُوَ
يَوْمُ الْأَحْزَابِ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : أَوْ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ إلَى
آخِرِهِ) أَيْ إنْ شَاءَ مَالَ إلَى إيقَاعِ
الْقَضَاءِ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ
فَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ وَإِنْ شَاءَ مَالَ
إلَى كَوْنِ الْأَذَانِ لِلِاسْتِحْضَارِ
وَهُمْ حُضُورٌ فَيَكْتَفِي بِالْإِقَامَةِ
قِيلَ إذَا كَانَ الرِّفْقُ مُتَعَيِّنًا فِي
أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يَجُوزُ
التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا كَقَصْرِ الصَّلَاةِ
لِلْمُسَافِرِ وَالرِّفْقُ هُنَا مُتَعَيَّنٌ
فِي مُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ فَلَا يَتَخَيَّرُ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِي
الْفَرَائِضِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
سُنَّةٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ : هُوَ قَوْلُ
الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ) أَيْ مِنْ
التَّخْيِيرِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : فِي
الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ . ا هـ
. (قَوْلُهُ : لَا خِلَافَ فِيهَا) أَيْ فِي
أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ بِلَا تَخْيِيرٍ
. ا هـ ..
(قَوْلُهُ : فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ
اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي
الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي أَوَّلِ
كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ
يَقُولُ أَوَّلًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا
يَكُونُ لَازِمًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا حَجَّ
مَعَ الرَّشِيدِ رَأَى وُقُوفَ الصَّحَابَةِ
بِالْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا رَجَعَ
فَأَفْتَى بِلُزُومِ الْوَقْفِ وَرَجَعَ
عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ
إحْدَاهُمَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ
تَقْدِيرُهُ الصَّاعَ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ
وَالثَّالِثَةُ أَذَانُ الْفَجْرِ قَبْلَ
طُلُوعِ الْفَجْرِ ا هـ وَمِثْلُهُ فِي
الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ : عَنْ أَبِي
رَوَّادٍ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ
وَصَوَابُهُ ابْنُ . (قَوْلُهُ : إنَّ
الْعَبْدَ قَدْ نَامَ) أَيْ قَدْ أَذَّنَ فِي
حَالِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ . ا هـ . رَوَى
الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا
يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّ فِي
بَصَرِهِ شَيْئًا» . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
: مَا يَنْزِلُ هَذَا) أَيْ بِلَالٌ (قَوْلُهُ
: وَيَصْعَدُ هَذَا) أَيْ ابْنُ أُمِّ
مَكْتُومٍ (قَوْلُهُ : فَيُصِيبُهُ
أَحَدُهُمَا) وَهُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ؛
لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ
لَهُ الْجَمَاعَةُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت . ا هـ
. غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَيُخْطِئُهُ الْآخَرُ)
وَهُوَ بِلَالٌ لِمَا لَمْ يُبْصِرْهُ . ا هـ
. غَايَةٌ (قَوْلُهُ : مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ
وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ إنْكَارِ السَّلَفِ . ا
هـ ..
(قَوْلُهُ : إلَّا مُتَوَضِّئٌ)
فَالْإِقَامَةُ أَوْلَى لِاتِّصَالِهَا
بِالصَّلَاةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَإِنْ
لَمْ يُعِدْ) أَيْ الْأَذَانَ (قَوْلُهُ :
مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ
الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ ا هـ
(1/93)
مِنْ حَيْثُ
إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ
دُخُولُ الْوَقْتِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ
وَشَبَهًا بِغَيْرِهَا فَيُشْتَرَطُ لَهُمَا
الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ
دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ ،
وَأَمَّا أَذَانُ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهُ
لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ حِينَ كَانَتْ
الْجَمَاعَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِنَّ
فَيَكُونُ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ لَا سِيَّمَا
بَعْدَ انْتِسَاخِ جَمَاعَتِهِنَّ ؛ وَلِأَنَّ
الْمُؤَذِّنَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشْهِرَ
نَفْسَهُ وَيُؤَذِّنَ عَلَى الْمَكَانِ
الْعَالِي وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَالْمَرْأَةُ
مَنْهِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَلِهَذَا
«جَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ
وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ» وَيُعَادُ
أَذَانُهَا اسْتِحْبَابًا لِوُقُوعِهِ لَا
عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ ، وَأَمَّا
الْفَاسِقُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُوثَقُ
بِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأُمُورِ
الدِّينِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَلَمْ
يُوجَدْ الْإِعْلَامُ ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ
فَلِأَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ أَذَّنَ
قَائِمًا ؛ وَلِأَنَّ الْقَائِمَ أَبْلَغُ
وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ
قَاعِدًا مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْأَذَانِ
وَعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ ،
وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلِفِسْقِهِ أَوْ
لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ
وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (لَا أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ
الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ)
أَيْ لَا يُكْرَهُ أَذَانُ هَؤُلَاءِ ؛
لِأَنَّ قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ
الدِّينِيَّةِ فَيَكُونُ مُلْزِمًا فَيَحْصُلُ
بِهِ الْإِعْلَامُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ
تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) أَيْ تَرْكُ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ
أَبِي مُلَيْكَةَ «إذَا سَافَرْتُمَا
فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا» ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ
لَا يُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ فَلَا يُسْقِطُ مَا
هُوَ مِنْ لَوَازِمِهَا وَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ
تَرْكُ الْأَذَانِ وَيُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُ
الْإِقَامَةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسَافِرُ بِالْخِيَارِ
إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ
أَقَامَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ ؛ وَلِأَنَّ
الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ
لِيَحْضُرَ الْمُتَفَرِّقُونَ فِي
أَشْغَالِهِمْ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ
وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ الِافْتِتَاحِ
وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (لَا لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي
الْمِصْرِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا
لِمَنْ يُصَلِّي فِي الْمِصْرِ إذَا وُجِدَا
فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ ؛ لِأَنَّ
الْمُقِيمَ قَدْ وَجَدَ الْأَذَانَ
وَالْإِقَامَةَ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا
وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّبُوا
مُؤَذِّنًا صَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ
حُكْمًا بِالِاسْتِنَابَةِ وَرَوَى أَبُو
يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ
صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ فِي مَنْزِلٍ
وَاكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ
وَقَدْ أَسَاءُوا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ
وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَا لَهُمَا لَا
لِلنِّسَاءِ) أَيْ نُدِبَ الْأَذَانُ
وَالْإِقَامَةُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ
فِي بَيْتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِيَكُونَ
الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ
قَوْلُهُ لَا لِلنِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ
سُنَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَعَنْ
أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - كَرَاهِيَتُهُمَا لَهُنَّ
وَلَيْسَ عَلَى الْعَبِيدِ أَذَانٌ وَلَا
إقَامَةٌ عَلَى مَا قَالُوا ؛ لِأَنَّهُمَا
مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ وَجَمَاعَتُهُمْ
غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ
التَّكْبِيرُ عَقِيبَهَا فِي أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ
بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ شَبِيهٌ بِهَا
فَبِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ قُلْنَا لَا
يُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ وَبِالنَّظَرِ إلَى
الشَّبَهِ قُلْنَا يُكْرَهُ مَعَ الْجَنَابَةِ
وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
اُعْتُبِرَ الشَّبَهُ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا
بِالْكَرَاهَةِ فَفِي الْجَنَابَةِ تَثْبُتُ
الْكَرَاهَةُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى
فَيَلْغُو الْعَمَلُ بِجَانِبِ الْحَقِيقَةِ ا
هـ (قَوْلُهُ : وَشُبِّهَا بِغَيْرِهَا) أَيْ
بِغَيْرِ الصَّلَاةِ ا هـ (قَوْلُهُ :
فَيُشْتَرَطُ لَهُمَا) أَيْ الْأَذَانُ
وَالْإِقَامَةُ (قَوْلُهُ : وَيُعَادُ
أَذَانُهَا اسْتِحْبَابًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ
فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يُسْتَحَبُّ
إعَادَةُ أَذَانِ أَرْبَعَةٍ الْجُنُبُ
وَالْمَرْأَةُ وَالسَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ
. ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : وَلَا بَأْسَ
أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ ، وَأَمَّا
الْمُسَافِرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ
رَاكِبًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ
رَاكِبًا فِي السَّفَرِ ؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ
يَتْرُكَ الْأَذَانَ أَصْلًا فِي السَّفَرِ
فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ رَاكِبًا
بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَنْزِلَ
لِلْإِقَامَةِ ا هـ ، ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - وَأَذَانُ الصَّبِيِّ
الْعَاقِلِ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ أَذَانَ
الرَّجُلِ أَفْضَلُ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَكُرِهَ
تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ
جَازَ قَالَ الْكَمَالُ لَمَّا ثَبَتَ فِي
غَيْرِ مَوْضِعٍ سُقُوطُ الْأَذَانِ دُونَ
الْإِقَامَةِ كَمَا بَعْدَ أُولَى
الْفَوَائِتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ وَثَانِي
الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ صَرَّحَ ظَهِيرُ
الدِّينِ فِي الْحَوَاشِي بِأَنَّ
الْإِقَامَةَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ نَقْلًا
مِنْ الْمَبْسُوطِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ
وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا أَيْ لِأَنَّهُ
مُخَالَفَةٌ لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي
حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ؛
وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ
الْجَمَاعَةَ فَلَا تَسْقُطُ لَوَازِمُهَا
الشَّرْعِيَّةُ أَعْنِي دُعَاءَهُمْ
فَالتَّرْكُ لِلْكُلِّ حِينَئِذٍ تَرْكٌ
لِلْجَمَاعَةِ صُورَةً وَتَشَبُّهًا إنْ كَانَ
مُنْفَرِدًا وَتَرْكُ الْمَجْمُوعِ
لَوَازِمُهَا إنْ كَانَتْ بِجَمَاعَةٍ مِنْ
غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ
بِخِلَافِ تَارِكِهِمَا فِي بَيْتِهِ فِي
الْمِصْرِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ
أَذَانَ الْمَحَلَّةِ وَإِقَامَتَهَا
كَأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ ا هـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ : لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ)
الصَّوَابُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ
وَابْنُ عَمٍّ لَهُ ا هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ :
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى آخِرِهِ) رُوِيَ
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ
بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَقَالَ
يَكْفِينَا أَذَانُ الْحَيِّ وَإِقَامَتُهُمْ
؛ وَلِأَنَّ مُؤَذِّنَ الْحَيِّ نَائِبٌ عَنْ
أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ
نَصَّبُوهُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
فَكَانَ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ كَأَذَانِ
الْكُلِّ وَإِقَامَتِهِمْ وَعَنْ هَذَا وَقَعَ
الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ
إذَا صَلَّى وَحْدَهُ
(1/94)
قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ) أَيْ شُرُوطُ
الصَّلَاةِ (طَهَارَةُ بَدَنِهِ مِنْ حَدَثٍ
وَخَبَثٍ وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ) لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا} [المائدة : 6] وَلِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «اغْسِلِي
عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَتْرُ
عَوْرَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف
: 31] أَيْ مَحَلُّ زِينَتِكُمْ وَالْمُرَادُ
مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ
إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ
فِي الْأَوَّلِ وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي
وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ
حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» أَيْ الْبَالِغَةِ ،
وَالثَّوْبُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَصِفُ مَا
تَحْتَهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ ؛
لِأَنَّهُ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ مَعْنًى
وَشَرَطَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ سَتْرَ
عَوْرَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى
فَرْجَهُ مِنْ زِيقِهِ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ
يَرَاهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ
صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَلْتَصِقْ بِصَدْرِهِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ كَثِيفَ
اللِّحْيَةِ وَسَتَرَ بِهَا يَجُوزُ صَلَاتُهُ
لِوُجُودِ السِّتْرِ بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ لَا تَجُوزُ وَعَامَّتُهُمْ لَمْ
يَشْتَرِطُوا السَّتْرَ عَنْ نَفْسِهِ ؛
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فِي حَقِّ
نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ مَسُّهَا
وَالنَّظَرُ إلَيْهَا .
وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ نَصًّا عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ
مَحْلُولَ الْجَيْبِ فَنَظَرَ إلَى عَوْرَةِ
نَفْسِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَلَوْ
صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ لَا يَرَى أَحَدٌ
عَوْرَتَهُ لَكِنْ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ
إنْسَانٌ مِنْ تَحْتِهِ رَأَى عَوْرَتَهُ لَا
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِكَاشِفٍ لِلْعَوْرَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ
يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ
فِيهِمَا» وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّلَاةُ
فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا تُشْبِهُ فِعْلَ
أَهْلِ الْجَفَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَهِيَ مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ
رُكْبَتِهِ) أَيْ مَا بَيْنَهُمَا هُوَ
الْعَوْرَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا
بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ»
وَيُرْوَى مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى
يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ ، وَكَلِمَةُ إلَى
نَحْمِلُهَا عَلَى كَلِمَةِ مَعَ عَمَلًا
بِكَلِمَةِ حَتَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : مِنْ حَدَثٍ) أَيْ
أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ ا هـ ع قِيلَ :
إنَّمَا قَدَّمَ الْحَدَثَ لِأَنَّهُ أَقْوَى
؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَيْسَ بِعَفْوٍ
بِخِلَافِ الْقَلِيلِ مِنْ النَّجَسِ وَرُدَّ
بِأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ
الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ إذَا وَقَعَتْ فِي
الْبِئْرِ تَنَجَّسَ وَالْجُنُبُ أَوْ
الْمُحْدِثُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي
الْإِنَاءِ لَا يَنْجُسُ وَالْأَوْلَى أَنْ
يُقَالَ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ ؛ لِأَنَّ
الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ (فَرْعٌ)
النَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِي شَرَائِطِ
الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا سَوَاءٌ إلَّا فِي
سِتَّةِ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةٍ فِي الْفَرْضِ
وَثَلَاثَةٍ فِي السُّنَّةِ فَأَمَّا
الْفَرْضُ فَتَرْكُ الْقِيَامِ فِيهَا
بِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَوَازُهَا عَلَى
الرَّاحِلَةِ بِالْإِيمَاءِ حَيْثُمَا
تَوَجَّهَتْ وَجَوَازُهَا بِنِيَّةٍ
مُطْلَقَةٍ ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَرَاهَةُ
فِعْلِهَا فِي جَمَاعَةٍ وَأَنْ لَا يُؤَذِّنَ
لَهَا وَأَنْ يَقْعُدَ فِي تَشَهُّدِهَا
كَيْفَ شَاءَ كَالْمَرِيضِ لَا يُسَنُّ لَهُ
قُعُودٌ دُونَ قُعُودٍ ا هـ صَلَاةٌ
جَلَّابِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَخَبَثٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ النَّجَاسَةُ
مُغَلَّظَةً كَانَتْ أَوْ مُخَفَّفَةً ا هـ ع
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمَكَانُهُ)
فَهَلْ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَكَانِ
الْمَيِّتِ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ
يُنْظَرُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ
عَلَى الْهَامِشِ .
(مَسْأَلَةٌ) صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ وَعَلَى
جَانِبِهِ نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ وَقِيَامُهُ
عَلَى الطَّاهِرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ
فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ
صَغِيرًا كَانَ الْبِسَاطُ أَوْ كَبِيرًا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْبِسَاطُ
كَبِيرًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ
صَغِيرًا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَالْحَدُّ
الْفَاصِلُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ
هُوَ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَحَدَ طَرَفَيْهِ
لَا يَتَحَرَّكُ الطَّرَفُ الْآخَرُ فَهُوَ
كَبِيرٌ وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ الطَّرَفُ
الْآخَرُ فَهُوَ صَغِيرٌ وَاسْتَدَلُّوا
بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ
الزِّيَادَاتِ قَالَ إنْ كَانَ ثَوْبٌ طَوِيلٌ
عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْهِ نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ
وَتَوَشَّحَ بِطَرَفِهِ الطَّاهِرِ وَصَلَّى
وَطَرَفُهُ النَّجَسُ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ
فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الطَّرَفُ
النَّجَسُ الْمُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ
يَتَحَرَّكُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ
كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ
فَجَعَلُوا حُكْمَ الْبِسَاطِ عَلَى ذَلِكَ .
ا هـ . طح.
(قَوْلُهُ : إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ
عَلَى الْمَحَلِّ) أَيْ لِأَنَّ أَخْذَ عَيْنِ
الزِّينَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَأُرِيدَ
مَحَلُّهَا وَهُوَ الثَّوْبُ . ا هـ . كَافِي
(قَوْلُهُ : وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي) أَيْ
فَإِنَّ السِّتْرَ لَا يَجِبُ لِعَيْنِ
الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ
عُرْيَانًا فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ
سِتْرَهُ لِلصَّلَاةِ لَا لِأَجْلِ النَّاسِ
حَتَّى لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ وَلَمْ يَسْتُرْ
عَوْرَتَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ عِنْدَهُ أَحَدٌ فَإِنْ قِيلَ الْآيَةُ
وَرَدَتْ فِي الطَّوَافِ قَالَهُ ابْنُ
عَبَّاسٍ لَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَكَيْفَ
يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهَا قُلْنَا
الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا
بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَهَا هُنَا اللَّفْظُ
عَامٌّ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ كُلِّ
مَسْجِدٍ فَيُمْنَعُ الْقَصْرُ عَلَى مَسْجِدٍ
وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَإِنْ
قِيلَ لَوْ وَرَدَتْ الْآيَةُ فِي سَبَبٍ
يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا سِوَاهُ عَلَى
حَسَبِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَإِنْ عَمَّ
اللَّفْظُ وَهَا هُنَا تَنَاوَلَتْ الطَّوَافَ
الَّذِي وَرَدَتْ لِأَجْلِهِ بِطَرِيقِ
الْوُجُوبِ لَا الِافْتِرَاضِ حَتَّى لَوْ
طَافَ عُرْيَانًا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَانَ
يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ
كَذَلِكَ قُلْنَا الْأَمْرُ يُحْمَلُ عَلَى
الِافْتِرَاضِ إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى
عَدَمِهِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى
عَدَمِ فَرْضِيَّةِ السِّتْرِ فِي الطَّوَافِ
وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَلَا دَلِيلَ فِي حَقِّ
الصَّلَاةِ فَيَبْقَى الْأَمْرُ فَرْضًا . ا
هـ . كَاكِيٌّ .
قَوْلُهُ : وَهُوَ الْإِجْمَاعُ دَعْوَى
الْإِجْمَاعِ مَمْنُوعَةٌ . ا هـ . كَمَالٌ
(قَوْلُهُ : الْبَالِغَةُ) هُوَ مِنْ إطْلَاقِ
اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ إذْ
الْحَيْضُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْبُلُوغِ أَوْ
ذَكَرَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ بِهِ
اللَّازِمَ فَإِنَّ كُلَّ حَائِضٍ بَالِغَةٌ
وَلَا يَنْعَكِسُ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَيْ
وَتَجُوزُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ تَحْتَهُ
نَجَاسَةٌ وَفِيهِ خِلَافٌ . ا هـ . قُنْيَةٌ
(قَوْلُهُ : إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ
ثَوْبَانِ) أَيْ إزَارٌ وَرِدَاءٌ (قَوْلُهُ :
أَهْلُ الْجَفَاءِ) أَيْ الْغِلْظَةُ
وَالْمُرَادُ الْعَوَامُّ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَهِيَ مَا تَحْتَ
سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) وَفِي
الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ
الْفَضْلِيُّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى
نَبَاتِ الشَّعْرِ مِنْ الْعَانَةِ لَيْسَ
بِعَوْرَةٍ لِتَعَامُلِ الْعُمَّالِ فِي
الْإِبْدَاءِ عَنْهُ عِنْدَ الِاتِّزَارِ
وَفِي الْمَنْعِ عَنْ الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ
نَوْعُ حَرَجٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ
التَّعَامُلُ بِخِلَافِ النَّصِّ لَا
يُعْتَبَرُ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى) أَيْ دَفْعًا
لِلتَّنَاقُضِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ . ا هـ
. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ حَتَّى
يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ لَمْ يُعْرَفْ وَعَلَى
هَذَا يَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْبَحْثِ
الْمَذْكُورِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَكَلِمَةٌ
إلَى آخِرِهِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ مُتَوَقِّفٌ
عَلَى كَوْنِ حَدِيثِ الرُّكْبَةِ مِمَّا
يُحْتَجُّ وَلَهُ طَرِيقَانِ مَعْنَوِيَّانِ
وَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ
وَقَدْ تَخْرُجُ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ
الِاحْتِيَاطِ فَحَكَمْنَا بِدُخُولِهَا
احْتِيَاطًا وَأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى
عَظْمِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَاجْتَمَعَ
الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَا مُمَيِّزَ
وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ وَجْهُ كَوْنِ
الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ الِاحْتِيَاطِ . ا هـ .
كَمَالٌ
(1/95)
أَوْ عَمَلًا
بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «الرُّكْبَةُ مِنْ
الْعَوْرَةِ» وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ
السُّرَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ
وَالرُّكْبَةَ مِنْهَا خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَبَدَنُ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ
إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور
: 31] وَالْمُرَادُ مَحَلُّ زِينَتِهِنَّ
وَمَا ظَهَرَ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ
وَاسْتَثْنَى فِي الْمُخْتَصَرِ الْأَعْضَاءَ
الثَّلَاثَةَ لِلِابْتِلَاءِ بِإِبْدَائِهَا ؛
وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «نَهَى الْمُحْرِمَةَ عَنْ
لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ» وَلَوْ
كَانَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ مِنْ
الْعَوْرَةِ لَمَا حَرُمَ سَتْرُهُمَا
بِالْمِخْيَطِ وَفِي الْقَدَمِ رِوَايَتَانِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ
لِلِابْتِلَاءِ بِإِبْدَائِهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَشْفُ رُبْعِ
سَاقِهَا يَمْنَعُ) يَعْنِي جَوَازَ
الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ
يَحْكِي حِكَايَةَ الْكُلِّ كَمَا فِي حَلْقِ
الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ حَتَّى يَصِيرَ
بِهِ حَلَالًا فِي أَوَانِهِ وَيَلْزَمُهُ
الدَّمُ قَبْلَهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
يُعْتَبَرُ انْكِشَافُ الْأَكْثَرِ ؛ لِأَنَّ
الشَّيْءَ إنَّمَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ إذَا
كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ وَفِي
النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ
يَمْنَعُ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ
وَلَا يُمْنَعُ فِي أُخْرَى لِعَدَمِ
دُخُولِهِ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الشَّعْرُ
وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ وَالْعَوْرَةُ
الْغَلِيظَةُ) يَعْنِي رُبْعَ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهَا يَمْنَعُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ
يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُضْوٌ
كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْمُرَادُ
بِالشَّعْرِ مَا اُسْتُرْسِلَ مِنْ الرَّأْسِ
هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ
الْمُرَادَ مَا عَلَى الرَّأْسِ لَا مَا
اُسْتُرْسِلَ مِنْهُ وَالْغَلِيظَةُ الْقُبُلُ
وَالدُّبُرُ وَمَا حَوْلَهُمَا وَالْخَفِيفَةُ
مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ
وَالْمَرْأَةِ وَقَدْ سَوَّى فِي
الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ الْغَلِيظَةِ
وَالْخَفِيفَةِ فِي اعْتِبَارِ الرُّبْعِ
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ فِي
الْغَلِيظَةِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ
الدِّرْهَمِ اعْتِبَارًا بِالنَّجَاسَةِ
الْمُغَلَّظَةِ وَهَذَا غِلَظٌ ؛ لِأَنَّ
تَغْلِيظَهُ يُؤَدِّي إلَى تَخْفِيفِهِ أَوْ
إلَى الْإِسْقَاطِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَوْرَةِ
الْغَلِيظَةِ مَا لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ
قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ
كَشْفَ جَمِيعِ الْغَلِيظَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا
لَا يَمْنَعُ وَرُبْعُ الْخَفِيفَةِ يَمْنَعُ
فَهَذَا أَمْرٌ شَنِيعٌ .
وَالِانْكِشَافُ الْكَثِيرُ فِي الزَّمَنِ
الْقَلِيلِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ ، حَتَّى
لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ كُلُّهَا
وَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ وَالْقَلِيلُ مُقَدَّرٌ بِمَا لَا
يُؤَدِّي فِيهِ الرُّكْنَ وَإِنْ أَحْرَمَ
مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا
فِيهَا ، وَكَذَا مَعَ النَّجَاسَةِ
الْمَانِعَةِ وَالذَّكَرُ يُعْتَبَرُ
بِانْفِرَادِهِ ، وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ
وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الدِّيَةِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُضَمُّ الذَّكَرُ إلَى
الْأُنْثَيَيْنِ ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُمَا
وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِيلَادُ وَاخْتَلَفُوا فِي
الدُّبُرِ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ مَعَ
الْأَلْيَتَيْنِ أَوْ كُلِّ أَلْيَةٍ
مِنْهُمَا عَوْرَةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالدُّبُرُ
ثَالِثُهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
ثَالِثُهُمَا وَالرُّكْبَةُ تُعْتَبَرُ
بِانْفِرَادِهَا فِي رِوَايَةٍ وَالْأَصَحُّ
أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْفَخِذِ ؛ لِأَنَّهَا
لَيْسَتْ بِعُضْوٍ عَلَى حِدَةٍ فِي
الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مُلْتَقَى
عَظْمِ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذُ
عَوْرَةٌ فَيَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ عِنْدَ
تَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ وَثَدْيُ الْمَرْأَةِ
إنْ كَانَتْ نَاهِدَةً فَهِيَ تَبَعٌ
لِصَدْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْكَسِرَةً
فَهِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ : عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرُّكْبَةُ مِنْ
الْعَوْرَةِ» هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ
عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
الْكَمَالُ وَعُقْبَةُ هَذَا هُوَ
الْيَشْكُرِيُّ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ
وَالدَّارَقُطْنِيّ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا)
فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ
عَوْرَةٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَفِي
الدِّرَايَةِ ، وَاعْتُرِضَ أَنَّ
اسْتِثْنَاءَ الْكَفِّ لَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ
لُغَةً يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ
وَلِهَذَا يُقَالُ ظَهْرُ الْكَفِّ وَأُجِيبَ
بِأَنَّ الْكَفَّ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا
يَتَنَاوَلُ ظَهْرَهُ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ
وَمَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْكَفُّ
يَتَنَاوَلُ ظَاهِرُهُ أَغْنَاهُ عَنْ
تَوْجِيهِ الدَّفْعِ إذْ إضَافَةُ الظَّاهِرِ
إلَى مُسَمَّى الْكَفِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ
لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ ا هـ وَفِي
الدِّرَايَةِ وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي
الْغِنَى ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَ
بِعَوْرَتَيْنِ إلَى الرُّسْغِ وَفِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ ظَاهِرُ الْكَفِّ عَوْرَةٌ
بَاطِنُهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّ ذِرَاعَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ
كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَالْكَاكِيِّ
وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي الذِّرَاعِ
رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا عَوْرَةٌ
ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا
مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَيْسَ عَوْرَةً
وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَحِلُّ
النَّظَرِ مَنُوطٌ بِعَدَمِ خَشْيَةِ
الشَّهْوَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَوْرَةِ
وَلِذَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا
وَوَجْهُ الْأَمْرَدِ إذَا شَكَّ فِي
الشَّهْوَةِ وَلَا عَوْرَةَ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : فِي الْآيَةِ مَا ظَهَرَ) أَيْ
فَالْقَدَمُ لَيْسَ مَوْضِعَ الزِّينَةِ
الظَّاهِرَةِ عَادَةً وَلِذَا قَالَ تَعَالَى
{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ
مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور :
31] يَعْنِي قَرْعَ الْخَلْخَالِ قَالَ
فَأَفَادَ أَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ
الْبَاطِنَةِ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ :
بِالْمِخْيَطِ) لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ا هـ
قَارِئُ الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ : انْكِشَافُ الْأَكْثَرِ) أَيْ
أَكْثَرُ السَّاقِ (قَوْلُهُ : لِخُرُوجِهِ
عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ) لِأَنَّ الْمَعْفُوَّ
هُوَ الْقَلِيلُ وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِقَلِيلٍ
؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُهُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ
فَلَا يَكُونُ عَفْوًا . ا هـ . (قَوْلُهُ :
فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ) أَيْ لِأَنَّ
النِّصْفَ لَيْسَ بِكَثِيرٍ ؛ لِأَنَّ مَا
يُقَابِلُهُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ عُضْوٌ كَامِلٌ أَيْ وَلِهَذَا لَوْ
حَلَقَ شَعْرَهَا وَلَمْ يَنْبُتْ تَجِبُ
كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ
جَعَلَ الشَّعْرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ
لِلتَّغْلِيبِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ
الْآدَمِيِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ . ا
هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : مَا اُسْتُرْسِلَ)
أَيْ وَهُوَ مَا نَزَلَ تَحْتَ الْأُذُنَيْنِ
، وَأَمَّا الَّذِي عَلَى الرَّأْسِ فَتَابِعٌ
لَهُ (قَوْلُهُ : لَا مَا اُسْتُرْسِلَ
مِنْهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ
عَلَى قَوْلِ هَذَا الْبَعْضِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَقَدْ سَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ وَكَشْفُ
رُبْعِ سَاقِهَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ : مَا لَا
يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ)
وَهُوَ الدُّبُرُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : أَوْ
أَكْثَرُهَا لَا يَمْنَعُ) وَقَدْ يُقَالُ
إنَّهُ قِيلَ إنَّ الْغَلِيظَةَ الْقُبُلِ
وَالدُّبُرِ مَعَ مَا حَوْلَهُمَا فَيَجُوزُ
كَوْنُهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ
مَا ذُكِرَ . ا هـ . فَتْحٌ وَالِانْكِشَافُ
الْقَلِيلُ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ أَيْضًا
لَا يُفْسِدُ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ :
لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ وَإِنْ
كَشَفَهَا بِفِعْلِهِ فَسَدَتْ فِي الْحَالِ .
ا هـ . قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ : وَالرُّكْبَةُ
تُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا) أَيْ فَكَشْفُ
رُبْعِهَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ : وَالْفَخِذُ
عَوْرَةٌ) أَيْ فَخِذُ الرَّجُلِ عَوْرَةٌ
وَسَاقُهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَالرُّكْبَةُ
بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا جُعِلَتْ تَبَعًا
لِلْفَخِذِ دُونَ السَّاقِ فَجُعِلَتْ
عَوْرَةً تَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَيَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ) أَيْ
فَتُجْعَلُ الرُّكْبَةُ مِنْ الْفَخِذِ لَا
مِنْ السَّاقِ
(1/96)
أَصْلٌ
بِنَفْسِهَا وَأُذُنُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ
بِانْفِرَادِهَا وَإِنْ انْكَشَفَتْ
الْعَوْرَةُ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ
تَجْمَعُ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ امْرَأَةً
صَلَّتْ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا
وَشَيْءٌ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ
فَرْجِهَا وَشَيْءٌ مِنْ فَخِذِهَا وَلَوْ
جُمِعَ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا
مَنَعَ جَوَازَ الصَّلَاةِ ، وَكَذَا الطِّيبُ
الْمُتَفَرِّقُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ
وَالنَّجَاسَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ (قَالَ
الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) يَنْبَغِي أَنْ
يُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ ؛ لِأَنَّ
الِاعْتِبَارَ بِالْأَدْنَى يُؤَدِّي إلَى
أَنَّ الْقَلِيلَ يَمْنَعُ وَلَمْ يَبْلُغْ
رُبْعَ الْمُنْكَشِفِ بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ
انْكَشَفَ نِصْفُ ثُمُنِ الْفَخِذِ مَثَلًا
وَنِصْفُ ثُمُنِ الْأُذُنِ يَبْلُغُ رُبْعَ
الْأُذُنِ وَأَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ
جَمِيعِ الْعَوْرَةِ الْمُنْكَشِفَةِ
وَمِثْلُهُ نِصْفُ عُشْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا
وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ
يُخَالِفُ الْقَاعِدَةَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَمَةُ
كَالرَّجُلِ) يَعْنِي فِي الْعَوْرَةِ
لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَلْقِ عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارِ
أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ ؛
وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَاجَةِ مَوْلَاهَا
فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً فَاعْتُبِرَ
حَالُهَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي حَقِّ
الْأَجَانِبِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا
عَوْرَةٌ) ؛ لِأَنَّ لَهُمَا مَزِيَّةً
كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلِهَذَا لَوْ جَعَلَ
امْرَأَتَهُ كَظَهْرِ أُمِّهِ الْأَمَةِ كَانَ
مُظَاهِرًا مِنْهَا وَالظِّهَارُ لَا يَكُونُ
إلَّا بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ
فَإِذَا حَرُمَ عَلَى الِابْنِ فَعَلَى
الْأَجْنَبِيِّ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَ
وَيَدْخُلَ فِي هَذَا الْجَوَابِ أُمُّ
الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ
وَالْمُسْتَسْعَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
لِوُجُودِ الرِّقِّ وَلَوْ أُعْتِقَتْ
الْأَمَةُ فِي صَلَاتِهَا أَوْ بَعْدَ مَا
أَحْدَثَتْ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ
أَوْ بَعْدَهُ تَقَنَّعَتْ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ
مِنْ سَاعَتِهَا وَبَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا
وَإِنْ أَدَّتْ رُكْنًا بَعْدَ الْعِلْمِ
بِالْعِتْقِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَالْقِيَاسُ
أَنْ تَبْطُلَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ
أَيْضًا كَالْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا
فِي صَلَاتِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ
فَرْضَ السَّتْرِ لَزِمَهَا فِي الصَّلَاةِ
وَقَدْ أَتَتْ بِهِ وَالْعُرْيَانُ لَزِمَهُ
قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَيَسْتَقْبِلُ
كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ فِيهَا مَاءً
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعُهُ طَاهِرٌ
وَصَلَّى عُرْيَانًا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ
رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ
فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ طَاهِرًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ إنْ
طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ) أَيْ إذَا
كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ
يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَهُوَ
الْأَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ
بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَتْرِ
الْعَوْرَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ
عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ وَهُوَ يَلِي الْأَوَّلَ فِي
الْفَضْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَتْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَأُذُنُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ)
أَيْ كُلٌّ مِنْ الْأُذُنَيْنِ عُضْوٌ عَلَى
حِدَةٍ كَذَا فِي الْقَنِيَّةِ (قَوْلُهُ :
وَلَوْ جَمْعٌ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ
إلَخْ) أَيْ أَقَلُّ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ
الَّتِي انْكَشَفَ أَبْعَاضُهَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت
أَقُولُ إنْ اُعْتُبِرَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْ
الْمُنْكَشِفِ لَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ وَهُوَ
الْمُرَادُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ
الْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ فَيَبْطُلُ
احْتِيَاطًا . ا هـ .
(فَرْعٌ) ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إذَا قَالَ
لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً
فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ
مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ إنْ كَانَتْ فِي حَالِ
عَجْزِهَا عَنْ السُّتْرَةِ صَحَّتْ
صَلَاتُهَا وَعَتَقَتْ وَإِنْ كَانَتْ
قَادِرَةً عَلَى السُّتْرَةِ صَحَّتْ
صَلَاتُهَا وَلَا تُعْتَقُ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ
عَتَقَتْ لَصَارَتْ حُرَّةً قَبْلَ الصَّلَاةِ
وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا
مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ
لَا تُعْتَقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي
إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ
فَبَطَلَ الْعِتْقُ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ
وَعِنْدَنَا فِي التَّعْلِيقَاتِ الْمَحْضَةِ
يُقْتَصَرُ الْعِتْقُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا
يَتَقَدَّمُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ
فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ صَلَاتُهَا وَتُعْتَقُ
بَعْدَ وُجُودِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ
الْقَاعِدَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْجَامِعِ . ا
هـ . غَايَةُ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ : أَنْ
يَعْتَبِرَ بِالْأَجْزَاءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
بِأَجْزَاءِ الْعَوْرَاتِ الْمُنْكَشِفَةِ لَا
بِأَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا فَلَوْ بَلَغَ
الْمَجْمُوعُ قَدْرَ رُبْعِ تِلْكَ
الْأَجْزَاءِ مَنَعَ ، وَإِلَّا فَلَا . ا هـ
. (قَوْلُهُ : بَيَانُهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
بَيَانُ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى ذَلِكَ
الْمَحْذُورِ ا هـ (قَوْلُهُ : أَنَّهُ لَوْ
انْكَشَفَ نِصْفُ ثَمَنِ الْفَخِذِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْقَنِيَّةِ نَقْلًا
مِنْ الرِّوَايَاتِ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ
شَعْرِهَا فِي صَلَاتِهَا وَمِنْ فَخِذِهَا
شَيْءٌ وَمِنْ سَاقِهَا شَيْءٌ وَمِنْ
ظَهْرِهَا شَيْءٌ وَمِنْ بَطْنِهَا فَلَوْ
جُمِعَ يَكُونُ قَدْرَ رُبْعِ شَعْرِهَا أَوْ
رُبْعِ فَخِذِهَا أَوْ رُبْعِ سَاقِهَا لَمْ
تَجُزْ صَلَاتُهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّهَا
عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - هَذَا نَصٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ
وَالنَّاسُ عَنْهُمَا غَافِلُونَ أَحَدُهُمَا
أَنَّ الْجَمْعَ لَا يُعْتَبَرُ
بِالْأَجْزَاءِ كَالْأَسْدَاسِ وَالِاتِّسَاعِ
بَلْ بِالْقَدْرِ وَالثَّانِي أَنَّ
الْمَكْشُوفَ مِنْ الْكُلِّ لَوْ كَانَ قَدْرَ
رُبْعِ أَصْغَرِ الْأَعْضَاءِ الْمَكْشُوفَةِ
يَمْنَعُ الْجَوَازُ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ
مِنْ الْأُذُنِ تُسْعُهَا وَمِنْ السَّاقِ
تُسْعُهَا يُمْنَعُ ؛ لِأَنَّ الْمَكْشُوفَ
قَدْرُ رُبْعِ الْأُذُنِ ا هـ قَوْلُهُ :
كُلُّهَا عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عَوْرَةٌ
وَاحِدَةٌ وَقَدْ بَلَغَ الْمَجْمُوعُ
رُبْعَهُ فَيُمْنَعُ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَلَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ)
وَهُوَ جَمِيعُ الْفَخِذِ وَالْأُذُنِ ا هـ
(قَوْلُهُ : نِصْفُ عُشْرِ كُلٍّ مِنْهَا)
أَيْ مِنْ الْأَعْضَاءِ ا هـ : (قَوْلُهُ :
يُخَالِفُ الْقَاعِدَةَ) وَهِيَ بُطْلَانُ
الصَّلَاةِ بِانْكِشَافِ رُبْعِ الْجَمِيعِ .
ا هـ ..
(قَوْلُهُ : لِقَوْلِ عُمَرَ إلَى آخِرِهِ)
هَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ قَالَ
السُّرُوجِيُّ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ
الْحَدِيثِ وَقَالَ الْكَمَالُ فِيهِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : يَا دَفَارِ) أَيْ يَا مُنْتِنَةِ
(قَوْلُهُ : مَهْنَتُهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ
وَكَسْرِهَا الْخِدْمَةُ مِنْ مَهَنَ
الْقَوْمُ خَدَمَهُمْ وَأَنْكَرَ
الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ كَذَا فِي
الصِّحَاحِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
لِأَنَّ لَهُمَا مَزِيَّةً) أَيْ عَلَى
بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ فِي الِاشْتِهَاءِ ا
هـ (قَوْلُهُ : وَالْمُسْتَسْعَاةُ)
الْمُسْتَسْعَاةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا
أَعْتَقَهَا الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ
حُرَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ . سَرُوجِيٌّ
(قَوْلُهُ : تَقَنَّعَتْ) هُوَ جَوَابٌ
وَقَوْلُهُ : بِعَمَلٍ رَفِيقٍ أَيْ بِأَنْ
تَقَنَّعَتْ بِيَدِهَا الْوَاحِدَةِ.
(قَوْلُهُ : وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعُهُ
طَاهِرٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ
وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا حَرِيرًا لَا يُصَلِّي
عُرْيَانًا بَلْ يُصَلِّي فِيهِ إلَّا عِنْدَ
أَحْمَدَ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَصَلَّى
عُرْيَانًا إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي
الْغَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ صَلَاةِ
الْمَرِيضِ عُرْيَانَ مَعَهُ ثَوْبُ دِيبَاجٍ
وَثَوْبُ كِرْبَاسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ
مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَتَعَيَّنُ
الصَّلَاةُ فِي الدِّيبَاجِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ
رُبْعِهِ) أَيْ أَوْ كَانَ كُلُّهُ نَجَسًا .
ا هـ . غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ
سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ غَيْرِ
مَدْبُوغٍ وَصَلَّى مَعَهُ لَا يَجُوزُ
بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى مَعَ الثَّوْبِ
النَّجَسِ ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْجِلْدِ
أَغْلَظُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَزُولُ
بِالْغُسْلِ ثَلَاثًا بِخِلَافِ نَجَاسَةِ
الثَّوْبِ ا هـ
(1/97)
الْعَوْرَةِ
الْغَلِيظَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ
قَائِمًا عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ
وَهُوَ دُونَهُمَا فِي الْفَضْلِ وَفِي
مُلْتَقَى الْبِحَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى
عُرْيَانًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ
مُؤَمِّيًا بِهِمَا إمَّا قَائِمًا أَوْ
قَاعِدًا فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ
الْإِيمَاءِ قَائِمًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ
هَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ يَمْنَعُ
ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي لَا
يَجِدُ ثَوْبًا فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا
أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ
الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَفِي الْقِيَامِ
أَدَاءُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى
أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ كَانَ الْإِيمَاءُ
جَائِزًا حَالَةَ الْقِيَامِ لَمَا اسْتَقَامَ
هَذَا الْكَلَامُ . وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ
تَابَعَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ
عُرْيَانًا ؛ لِأَنَّ خِطَابَ التَّطَهُّرِ
سَقَطَ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ
عَنْهُ خِطَابُ السَّتْرِ لِقُدْرَتِهِ
عَلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الطَّاهِرِ فِي
حَقِّهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ
السَّتْرُ بِالطَّاهِرِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ
عَلَيْهِ سَقَطَ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا
شَاءَ وَلَا يُقَالُ فِي الصَّلَاةِ
عُرْيَانًا تَرْكُ فُرُوضٍ وَهُوَ الْقِيَامُ
وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَفِي الصَّلَاةِ
فِيهِ تَرْكُ فَرْضٍ وَاحِدٍ وَهُوَ طَهَارَةُ
الثَّوْبِ فَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّا نَقُولُ
لَا نَمْنَعُهُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا
قَائِمًا وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَقَدْ أَتَى
بِبَدَلِهَا وَهُوَ الْإِيمَاءُ فَلَا يَكُونُ
تَارِكًا لَهَا لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ
الْأَصْلِ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ ابْتَلَى
بِبَلِيَّتَيْنِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ
يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ
اخْتَلَفَا يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا ؛ لِأَنَّ
مُبَاشَرَةَ الْحَرَامِ لَا تَجُوزُ إلَّا
لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ
الزِّيَادَةِ مِثَالُهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ
جُرْحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ وَإِنْ
لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي
قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ؛
لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ
الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ ، أَلَا تَرَى
أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ
الِاخْتِيَارِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى
الدَّابَّةِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ
بِحَالٍ فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ،
ثُمَّ قَعَدَ وَأَوْمَأَ لِلسُّجُودِ جَازَ
لِمَا قُلْنَا وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ .
وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى
الْقِرَاءَةِ قَائِمًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا
قَاعِدًا يُصَلِّي قَاعِدًا ؛ لِأَنَّهُ
يَجُوزُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ
وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ
وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ فِي
الْفَصْلَيْنِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ
يَجُزْ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ
نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرُ
مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ
يَبْلُغْ أَحَدُهُمَا رُبْعَ الثَّوْبِ
لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ وَلَوْ كَانَ
دَمُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ الرُّبْعِ وَدَمُ
الْآخَرِ أَقَلَّ يُصَلِّي فِي أَقَلِّهِمَا
دَمًا وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ
لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ فِي
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ الرُّبْعِ
أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ لَكِنْ
لَا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ وَفِي
الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبْعِ صَلَّى فِي
أَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي
الْحُكْمِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي
أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً وَلَوْ كَانَ رُبْعُ
أَحَدِهِمَا طَاهِرًا وَالْآخَرُ أَقَلَّ مِنْ
الرُّبْعِ يُصَلِّي فِي الَّذِي هُوَ رُبْعُهُ
طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ وَلَوْ أَنَّ
امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً يَنْكَشِفُ
مِنْ عَوْرَتِهَا قَدْرُ مَا يَمْنَعُ جَوَازَ
الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَّتْ قَاعِدَةً لَا
يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهَا
تُصَلِّي قَاعِدَةً لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ
تَرْكَ الْقِيَامِ أَهْوَنُ وَلَوْ كَانَ
الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا وَرُبْعَ
رَأْسِهَا فَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ
لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ
مِنْ الرُّبْعِ لَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ ؛
لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَمَا
دُونَهُ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ
وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا
لِلِانْكِشَافِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عُدِمَ
ثَوْبًا صَلَّى قَاعِدًا مُؤَمِّيًا بِرُكُوعٍ
وَسُجُودٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ
بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ
عُمَرَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - انْكَسَرَتْ بِهِمْ
السَّفِينَةُ فَخَرَجُوا عُرَاةً فَكَانُوا
يُصَلُّونَ جُلُوسًا يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ إيمَاءً بِرُؤْسِهِمْ ؛
وَلِأَنَّ السَّتْرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ
تَابَعَهُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا
عَنْ الْأَسْرَارِ وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ
أَحْسَنُ ا هـ .
(قَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ
عُرْيَانًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا أَوْ
قَاعِدًا . ا هـ . (قَوْلُهُ : أَنَّ مَنْ
ابْتَلَى بِبَلِيَّتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ
صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّ صَوَابَهُ مَنْ
خُيِّرَ بَيْنَ بَلِيَّتَيْنِ أَوْ ابْتَلَى
بِإِحْدَى بَلِيَّتَيْنِ غَيْرِ عَيْنٍ ؛
لِأَنَّ مَنْ ابْتَلَى بِهِمَا لَا يَسْلَمُ
مِنْهُمَا فَكَيْفَ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا . ا
هـ . (قَوْلُهُ : فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ
وَرَكَعَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَإِنْ قَامَ
أَوْ قَعَدَ سَلِسَ بَوْلُهُ وَإِنْ
اسْتَلْقَى لَمْ يَسْلُسْ يُصَلِّي قَائِمًا
أَوْ قَاعِدًا مَعَ الْبَوْلِ وَإِنْ اسْتَوَى
الْكُلُّ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ
الِاخْتِيَارِ لَكِنْ فِيمَا قُلْنَا إحْرَازُ
الْأَرْكَانِ وَلِهَذَا يُصَلِّي الْعُرْيَانُ
قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ وَلَا يَجُوزُ
مُسْتَلْقِيًا وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُصَلِّي مُسْتَلْقِيًا ؛
لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الِاسْتِلْقَاءِ
مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ الْعُذْرِ وَلَا
تُعْتَبَرُ مَعَ الْحَدَثِ فَكَانَ هَذَا
أَيْسَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ
الْقَاعِدَةِ . ا هـ . غَايَةٌ فِي بَابِ
صَلَاةِ الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ : فِي
الْفَصْلَيْنِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ صَلَّى مَنْ
بِهِ جُرْحٌ قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ
صَلَّى الشَّيْخُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى
الْقِرَاءَةِ قَائِمًا بِلَا قِرَاءَةٍ لَمْ
تَجُزْ صَلَاتُهُمَا . ا هـ . (قَوْلُهُ : لَا
يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ) فِيهِ
نَظَرٌ فَإِنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ نَقَلَ
عَنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ
كَانَ بِهِ وَجَعُ السِّنِّ بِحَيْثُ لَا
يُطِيقُهُ إلَّا بِإِمْسَاكِ الْمَاءِ أَوْ
الدَّوَاءِ فِي فَمِهِ وَضَاقَ الْوَقْتُ
فَإِنَّهُ يَقْتَدِي بِإِمَامٍ وَإِنْ لَمْ
يَجِدْ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ
وَيُعْذَرُ . ا هـ . يَحْيَى وَقَدْ ذُكِرَ
هَذَا الْفَرْعُ فِي الْغَايَةِ
وَالدِّرَايَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ
. ا هـ . (قَوْلُهُ : وَالسِّتْرُ أَفْضَلُ)
مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَضُرُّهَا
تَرْكُهُ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ عُدِمَ
ثَوْبًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا
يَسْتُرُ نَفْسَهُ مِنْ الْحَشِيشِ
وَالْكَلَأِ وَالنَّبَاتِ وَعَنْ الْحَسَنِ
الْمَرْوَزِيِّ لَوْ وَجَدَ طِينًا يُلَطِّخُ
بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حَتَّى
يُصَلِّيَ بِهِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ
وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ وَلَوْ وَجَدَ
مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ يَجِبُ
اسْتِعْمَالُهُ وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ
وَالدُّبُرَ ا هـ .
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ قَاعِدًا
مُؤَمِّيًا إلَى آخِرِهِ) لِقَائِلٍ أَنْ
يَقُولَ هَذَا تَكْرَارٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
عُلِمَ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَخُيِّرَ إنْ
طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ . ا هـ .
يَحْيَى (قَوْلُهُ : وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ
الْقِيَامِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ
وَالْعُرَاةُ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا قُعُودًا
بِالْإِيمَاءِ وَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً
جَازَتْ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ
وَقَامَ الْإِمَامُ وَسَطَهُمْ وَإِنْ
تَقَدَّمَهُمْ لِإِحْرَازِ سُنَّةِ
الْجَمَاعَةِ جَازَ وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِنْ كَانَ
مِنْهُمْ مُكْتَسٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ
يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَيَتَقَدَّمَهُمْ
الْإِمَامُ الْمُكْتَسِي وَتَكُونُ الْعُرَاةُ
صَفًّا وَاحِدًا إنْ أَمْكَنَ وَصَلَاةُ
الْعُرَاةِ فُرَادَى أَفْضَلُ كَالنِّسَاءِ
وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ وَفِي الْوَجْهُ الثَّانِي
هُمَا سَوَاءٌ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ
عَارِيَّة الثَّوْبِ تَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ
عُرْيَانًا كَإِبَاحَةِ الْمَاءِ وَاخْتَلَفَ
الْمَشَايِخُ فِي لُزُومِ شِرَاءِ الثَّوْبِ
بِخِلَافِ
(1/98)
آكَدُ مِنْ
الْقِيَامِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَامَ
يَسْقُطُ فِي النَّفْلِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ
دُونَ السَّتْرِ ، وَكَذَا السَّتْرُ لَا
يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ وَالْقِيَامُ
يَخْتَصُّ بِهَا فَكَانَ أَقْوَى
وَكَيْفِيَّةُ الْقُعُودِ أَنْ يَقْعُدَ
مَادًّا رِجْلَيْهِ فِي الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ
أَسْتَرَ ذَكَرَهُ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنِّيَّةُ)
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ» وَيَحْتَاجُ هُنَا إلَى
ثَلَاثِ نِيَّاتٍ : نِيَّةِ الصَّلَاةِ
الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا . وَنِيَّةِ
الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى . وَنِيَّةِ
اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ
الْجُرْجَانِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ
الصَّحِيحُ أَنَّ اسْتِقْبَالَهَا يُغْنِي
عَنْ النِّيَّةِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ
الْمَرْغِينَانِيُّ وَقِيلَ إنْ كَانَ
يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ لَا يُشْتَرَطُ
وَفِي الصَّحْرَاءِ يُشْتَرَطُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِلَا فَاصِلٍ) يَعْنِي
بِلَا فَاصِلٍ بَيْنَ النِّيَّةِ
وَالتَّكْبِيرِ وَالْفَاصِلُ عَمَلٌ لَا
يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ
وَالشُّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِذَا فَصَلَ
بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ
مِثْلُ الْوُضُوءِ وَالْمَشْيِ إلَى
الْمَسْجِدِ فَلَا يَضُرُّهُ حَتَّى لَوْ
نَوَى ، ثُمَّ تَوَضَّأَ أَوْ مَشَى إلَى
الْمَسْجِدِ فَكَبَّرَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ
النِّيَّةُ جَازَ لِعَدَمِ الْفَصْلِ
بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ لَا يَلِيقُ فِي
الصَّلَاةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ
فِي الصَّلَاةِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ
وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ وَلَا
يَعْتَدُّ بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ
التَّكْبِيرِ إلَّا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ ؛
لِأَنَّ مَا مَضَى لَمْ يَقَعْ عِبَادَةً
وَفِي الصَّوْمِ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ
وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ
تَقْدِيمُ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ حَتَّى
لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ
فَأَحْرَمَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ
جَازَ ، وَكَذَا الزَّكَاةُ تَجُوزُ بِنِيَّةٍ
وُجِدَتْ عِنْدَ الْإِفْرَازِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرْطُ أَنْ
يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي)
وَأَدْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَوْ
سُئِلَ عَنْهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ مِنْ
غَيْرِ فِكْرَةٍ ، وَأَمَّا التَّلَفُّظُ
بِهَا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنْ يَحْسُنُ
لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَكْفِيهِ
مُطْلَقُ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ وَالسُّنَّةِ
وَالتَّرَاوِيحِ) هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ
وُقُوعَهَا فِي أَوْقَاتِهَا يُغْنِي عَنْ
التَّعْيِينِ وَبِهِ صَارَتْ سُنَّةً لَا
بِالتَّعْيِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلِلْفَرْضِ شَرْطُ تَعْيِينِهِ كَالْعَصْرِ
مَثَلًا) ؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ
فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ
أَدَاءَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ ؛
وَلِأَنَّ فَرْضًا مِنْ الْفُرُوضِ لَا
يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ فَرْضٍ آخَرَ فَوَجَبَ
التَّعْيِينُ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ
ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا أَوْ فَرْضَ
الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِوُجُودِ
التَّعْيِينِ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ
خَرَجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَا يَجُوزُ
؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ وَلَوْ نَوَى
ظُهْرَ يَوْمِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَوْ
كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
نَوَى مَا عَلَيْهِ وَهُوَ مَخْلَصٌ لِمَنْ
يَشُكُّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ وَالْخَطَأُ
فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَا يَضُرُّهُ حَتَّى
لَوْ نَوَى الْفَجْرَ أَرْبَعًا وَالظُّهْرَ
رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا
جَازَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَاءِ . ا هـ . غَايَةٌ وَفِي الْبَحْرِ
الْمُحِيطِ يُصَلِّي الْعُرَاةُ وُحْدَانًا
مُتَبَاعِدِينَ فَإِنْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ
تَوَسَّطَهُمْ الْإِمَامُ وَيُرْسِلُ كُلُّ
وَاحِدٍ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ
وَيَضَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ فَخِذَيْهِ يُومِئُ
إيمَاءً وَإِنْ أَوْمَأَ الْقَاعِدُ أَوْ
رَكَعَ وَسَجَدَ الْقَاعِدُ جَازَا هـ
سَيِّدٌ.
(قَوْلُهُ : نِيَّةُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ)
فِي جُمَلِ النَّوَازِلِ لَكِنْ لَا يَقُولُ
نَوَيْت ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا إنْ لَمْ
يَنْوِ وَيَقَعُ إخْبَارًا عَنْ الْمُحَقِّقِ
إنْ كَانَ نَوَى مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَكِنْ
يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ
أُصَلِّيَ لَك كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي
وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا وَرَدَ عَنْ
مُحَمَّدٍ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ . ا هـ .
كَاكِيٌّ .
(فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا
نَوَى فَرْضًا وَشَرَعَ فِيهِ ، ثُمَّ
نَسِيَهُ فَظَنَّهُ تَطَوُّعًا فَأَتَمَّهُ
عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فَهُوَ فَرْضٌ
مُسْقِطٌ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ
الْمُعْتَبَرَةَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ
قِرَانُهَا بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ ،
وَمِثْلُهُ إذَا شَرَعَ بِنِيَّةِ
التَّطَوُّعِ فَأَتَمَّهَا عَلَى ظَنِّ
الْمَكْتُوبَةِ فَهِيَ تَطَوُّعٌ بِخِلَافِ
مَا لَوْ كَبَّرَ حِينَ شَكَّ يَنْوِي
التَّطَوُّعَ فِي الْأَوَّلِ أَوْ
الْمَكْتُوبَةَ فِي الثَّانِي حَيْثُ يَصِيرُ
خَارِجًا إلَى مَا نَوَى ثَانِيًا لَقَرَانِ
النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ إلَى
آخِرِهِ) وَعَنْ الْكَرْخِيِّ تَجُوزُ
بِالْمُتَأَخِّرَةِ مَا دَامَ فِي الثَّنَاءِ
وَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَقِيلَ إلَى مَا
بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ
وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : جُوِّزَتْ
لِلضَّرُورَةِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ
الشُّرُوعِ فِيهِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ
وَهُوَ وَقْتُ انْفِجَارِ الصُّبْحِ فَلَوْ
شُرِطَتْ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَضَاقَ الْأَمْرُ
عَلَى النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ فِي حَقِّ
الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ شُرُوعِهَا
وَقْتُ انْتِبَاهٍ وَيَقَظَةٍ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ) أَيْ شَرْطُ
صِحَّةِ نِيَّتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْوِيُّهُ
مَعْلُومًا عِنْدَهُ لَا أَنْ يَكُونَ
مَذْكُورًا بِلِسَانِهِ فَانْدَفَعَ بِهَذَا
الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَفْسِيرَ
النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ . ا هـ . يَحْيَى
(قَوْلُهُ : فَلَيْسَ بِشَرْطٍ) أَيْ
لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا
عَنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ إنَّهُ لَا يَكْفِيهِ
لِأَدَاءِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ
وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ
كَوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَا تَحْصُلُ
بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ
وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا
وَتَحْقِيقُ الْوَجْهِ فِيهِ أَنَّ مَعْنَى
السُّنِّيَّةِ كَوْنُ النَّافِلَةِ مُوَاظِبًا
عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْفَرِيضَةِ
الْمُعَيَّنَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَإِذَا
أَوْقَعَ الْمُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ
الْفِعْلَ الْمُسَمَّى سُنَّةً فَالْحَاصِلُ
أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ
الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ
إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَى مَا سَمِعْت
فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَنْوِي السُّنَّةَ
بَلْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ
وَصْفٌ ثَبَتَ بَعْدَ فِعْلِهِ عَلَى ذَلِكَ
الْوَجْهِ تَسْمِيَةً بِمَا لِفِعْلِهِ
الْمَخْصُوصِ لَا أَنَّهُ وَصْفٌ يَتَوَقَّفُ
حُصُولُهُ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَدْ حَصَلَتْ
مُقَاوَلَةٌ فِي كِتَابَةِ بَعْضِ أَشْيَاخِ
حَلَبَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي تُصَلَّى
بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَنْوِي بِهَا آخِرَ
ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أَرَهُ
بَعْدُ فِي مَوْضِعٍ يَشُكُّ فِي صِحَّةِ
الْجُمُعَةِ إذَا ظَهَرَتْ صِحَّةُ
الْجُمُعَةِ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ
وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ وَاسْتُفْتِيَ بَعْضُ
أَشْيَاخِ مِصْرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَقُلْت
هَذِهِ الْفَتْوَى تَتَفَرَّعُ عَلَى
اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ السُّنَّةِ فِي
النِّيَّةِ وَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ
بِنَاءٌ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنَّهُ إذَا
نَوَى آخِرَ ظُهْرٍ فَقَدْ نَوَى أَصْلَ
الصَّلَاةِ بِوَصْفٍ فَإِذَا انْتَفَى
الْوَصْفُ فِي الْوَاقِعِ وَقُلْنَا عَلَى
الْمُخْتَارِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ
بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ
أَصْلِ الصَّلَاةِ بَقِيَ نِيَّةُ أَصْلِ
الصَّلَاةِ وَبِهَا يَتَأَدَّى السُّنَّةُ ،
ثُمَّ رَاجَعْت الْمُفْتِيَ الْمِصْرِيَّ
وَذَكَرْت لَهُ هَذَا فَرَجَعَ دُونَ
تَوَقُّفٍ هَذَا الْأَمْر الْجَائِزُ فَأَمَّا
الِاحْتِيَاطُ فَإِنَّهُ يَنْوِي فِي
السُّنَّةِ الصَّلَاةَ مُتَابَعَةً
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْفَى تَقْيِيدُ
وُقُوعِهَا مِنْ السُّنَّةِ إذَا صَحَّتْ
الْجُمُعَةُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ
ظُهْرٌ فَائِتٌ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ :
لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ) أَيْ وَهُوَ
الْعَصْرُ (قَوْلُهُ : يَجُوزُ مُطْلَقًا)
أَيْ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ ا
هـ
(1/99)
وَتَلْغُو
نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ
مُطْلَقًا وَلَمْ يَنْوِ ظُهْرَ الْوَقْتِ
وَلَا ظُهْرَ الْيَوْمِ اخْتَلَفُوا فِيهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ
أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ آخَرُ فَلَا
يَقَعُ بِهِ التَّمْيِيزُ وَمِنْهُمْ مَنْ
أَجَازَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ فِي
الْوَقْتِ وَالْقَضَاءُ عَارِضٌ فَكَانَ
الْمَشْرُوعُ فِيهِ أَوْلَى وَتَعْيِينُ
قَضَاءِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ ،
ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَالنَّذْرُ وَالْوِتْرُ
وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَفِي الْغَايَةِ
أَنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ
لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُقْتَدِي
يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُ
يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ
فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَالْأَفْضَلُ
أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ تَكْبِيرِ
الْإِمَامِ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَدِيًا
بِالْمُصَلِّي وَلَوْ نَوَاهُ حِينَ وَقَفَ
الْإِمَامُ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ جَازَ
عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى
الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي وَلَوْ
نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَلَمْ
يُعَيِّنْ الظُّهْرَ أَوْ نَوَى الشُّرُوعَ
فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ نَوَى
الِاقْتِدَاءَ بِهِ لَا غَيْرُ قِيلَ : لَا
يُجْزِيهِ لِتَنَوُّعِ الْمُؤَدَّى
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَيَنْصَرِفُ
إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لِلْمُقْتَدِي عِلْمٌ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ
جَعَلَ نَفْسَهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ
مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَلَاةَ
الْإِمَامِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يَقْتَدِ بِهِ بَلْ عَيَّنَ صَلَاتَهُ
وَالْأَفْضَلُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقُولَ :
اقْتَدَيْت بِمَنْ هُوَ إمَامِي أَوْ بِهَذَا
الْإِمَامِ وَلَوْ قَالَ مَعَ هَذَا
الْإِمَامِ جَازَ وَلَوْ اقْتَدَى
بِالْإِمَامِ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ
أَزَيْدٌ هُوَ أَمْ عَمْرٌو جَازَ وَلَوْ
نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَهُوَ يَظُنُّ
أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو جَازَ
وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا
هُوَ عَمْرٌو لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى
الِاقْتِدَاءَ بِالْغَائِبِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْجِنَازَةِ
يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى
وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ) ؛ لِأَنَّهُ
الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ
تَعْيِينُهُ وَإِخْلَاصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاسْتِقْبَالُ
الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
[البقرة : 144] أَيْ نَحْوَهُ وَجِهَتَهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِلْمَكِّيِّ
فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا) أَيْ عَيْنِ
الْكَعْبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إصَابَةُ
عَيْنِهَا بِيَقِينٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ
يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَائِلٌ مِنْ
جِدَارٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ
اجْتَهَدَ وَصَلَّى وَبَانَ خَطَؤُهُ يُعِيدُ
عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ
قَالَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى
بِمَا فِي وُسْعِهِ فَلَا يُكَلَّفُ بِمَا
زَادَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى فِي
مَوْضِعٍ عَرَفَ الْقِبْلَةَ فِيهِ بِيَقِينٍ
بِالنَّصِّ كَالْمَدِينَةِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَلِغَيْرِهِ إصَابَةُ جِهَتِهَا)
أَيْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ
جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ
الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ
التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَقَالَ
الْجُرْجَانِيُّ الْفَرْضُ إصَابَةُ عَيْنِهَا
فِي حَقِّ الْغَائِبِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا
فَصْلَ فِي النَّصِّ بَيْنَ الْحَاضِرِ
وَالْغَائِبِ ؛ وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ
الْبَيْتِ لِحُرْمَةِ الْبُقْعَةِ وَذَلِكَ
فِي الْعَيْنِ دُونَ الْجِهَةِ ؛ وَلِأَنَّ
الْفَرْضَ لَوْ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ)
فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى التَّغْيِيرُ (قَوْلُهُ
: وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ) وَفِي فَتَاوَى
الْعَتَّابِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ
ا هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَتَعْيِينُ قَضَاءِ
مَا شَرَعَ فِيهِ) أَيْ وَشَرْطُ تَعْيِينٍ
وَفِي نُسْخَةٍ وَيُعَيِّنُ.
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالْمُقْتَدِي
يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ) إلَّا فِي
الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ
نَوَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَنْوِ
الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ قِيلَ : تُجْزِيهِ
؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مَعَ
الْإِمَامِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : أَوْ نَوَى
الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ
اقْتَدَى بِإِمَامٍ يَنْوِي صَلَاتَهُ وَلَمْ
يَدْرِ أَنَّهَا الظُّهْرُ أَوْ الْجُمُعَةُ
أَجْزَأَهُ أَيُّهُمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ
بَنَى صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ
وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْإِمَامِ
فَالْعِلْمُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُغْنِي فِي
حَقِّ التَّبَعِ (قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ لِلْمُقْتَدِي عِلْمٌ) قَالَ فِي
الْفَتْحِ قُبَيْلَ بَابِ الْحَدَثِ لَوْ
شَرَعَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا
فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ .
ا هـ . (قَوْلُهُ : لِتَنَوُّعِ الْمُؤَدِّي)
أَيْ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ (قَوْلُهُ : بَلْ
عَيَّنَ صَلَاتَهُ) كَذَا فِي مَبْسُوطِ
شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ لَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ
أَجْزَأَهُ وَقَامَ مَقَامَ نِيَّتَيْنِ
وَبِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ
وَالْكَرْمَانِيُّ وَالْجَلَّابِيُّ . ا هـ .
كَاكِيٌّ قَوْلُهُ : كَذَا فِي مَبْسُوطِ
شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَيْ وَالْخُلَاصَةِ
أَيْضًا . ا هـ . (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ نَوَى
الِاقْتِدَاءَ بِالْغَائِبِ) قَالَ فِي
الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ
فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ
الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا خَلَفَ جَازَ ؛
لِأَنَّهُ عَرَفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ
التَّسْمِيَةُ ا هـ وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ
قَالَ نَوَيْت الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا
الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ يَجُوزُ ؛
لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِفَرْضِيَّتِهِ بِخِلَافِ
مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالشَّيْخِ
فَإِذَا هُوَ شَابٌّ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَلِلْمَكِّيِّ
فَرْضُهُ) أَيْ فَرْضُ الِاسْتِقْبَالِ ا هـ ع
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ إصَابَةُ عَيْنِهَا
إلَى آخِرِهِ) أَيْ إصَابَةُ عَيْنِ
الْكَعْبَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أُخْرِجَ خَطٌّ
مُسْتَقِيمٌ مِنْهُ وَقَعَ عَلَى الْكَعْبَةِ
أَوْ هَوَائِهَا إذْ الْقِبْلَةُ هِيَ
الْعَرْصَةُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ حَتَّى
لَوْ رَفَعَ الْبِنَاءَ وَصَلَّى إلَى
هَوَائِهِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَكَذَا
لَوْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ
وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْبِنَاءِ وَإِصَابَةُ
الْجِهَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أُخْرِجَ خَطٌّ
مُسْتَقِيمٌ مِنْهُ وَقَعَ عَلَى الْكَعْبَةِ
أَوْ هَوَائِهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْهَا
إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ . ا
هـ . يَحْيَى وَكَتَبَ أَيْضًا - رَحِمَهُ
اللَّهُ - مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ : إصَابَةُ
عَيْنِهَا أَيْ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَكِّيٌّ
فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ
بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ
اسْتِقْبَالُهُ عَلَى شَطْرِ الْكَعْبَةِ
بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ كَذَا فِي الْكَافِي
وَفِي الدِّرَايَةِ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ
أَنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ
أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ
يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَ
لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ وَفِي النَّظْمِ
الْكَعْبَةُ قِبْلَةُ مَنْ بِالْمَسْجِدِ .
وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةُ مَنْ بِمَكَّةَ
وَمَكَّةُ قِبْلَةُ الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ
قِبْلَةُ الْعَالَمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي
التَّجْنِيسِ هَذَا يُشِيرُ إلَى مَنْ كَانَ
بِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ فَالشَّرْطُ
إصَابَةُ عَيْنِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ
بِمُعَايَنَتِهَا فَالشَّرْطُ إصَابَةُ
جِهَتِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ ا هـ قَالَ
الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ
هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ ، وَإِلَّا
فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ
الْعَالَمِ ا هـ وَعِنْدِي فِي جَوَازِ
التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ
؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ
الظَّنِّيِّ وَتَرْكِ الْقَاطِعِ مَعَ
إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ وَمَا أَقْرَبَ
قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ الِاسْتِخْبَارُ
فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ
الْمَصِيرُ إلَى الظَّنِّيِّ مَعَ إمْكَانِ
ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يَتْرُكُ
الْيَقِينَ مَعَ إمْكَانِهِ لِلظَّنِّ . ا هـ
. فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ
اجْتَهَدَ) أَيْ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَائِلِ
ا هـ (قَوْلُهُ : وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى
الِاخْتِلَافِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : الْفَرْضُ
إصَابَةُ عَيْنِهَا) أَيْ نِيَّةً لَا
تَوَجُّهًا وَسَيَأْتِي ا هـ قَالَ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ
جِهَةِ الْكَعْبَةِ لَا يَكْفُرُ هُوَ
الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ
الْكَعْبَةِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ ا هـ
(1/100)
هُوَ الْجِهَةَ
لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا
تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِي الِاجْتِهَادِ ؛
لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى
يَقِينٍ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ
الْإِعَادَةُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ
الْعَيْنُ وَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ
إلَى اجْتِهَادٍ وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
قِبْلَةٌ» ؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ
الْوُسْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلِهَذَا
قَالَ بَعْضُهُمْ الْبَيْتُ قِبْلَةُ مَنْ
يُصَلِّي فِي مَكَّةَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي
الْبَطْحَاءِ وَمَكَّةَ قِبْلَةُ أَهْلِ
الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ الْآفَاقِيِّ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْرِقُ قِبْلَةُ
أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَالْمَغْرِبُ قِبْلَةُ
أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْجَنُوبُ قِبْلَةُ
أَهْلِ الشِّمَالِ وَالشِّمَالُ قِبْلَةُ
أَهْلِ الْجَنُوبِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ
تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ عَيْنِ
الْكَعْبَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ ، أَوْ
نِيَّةُ الْجِهَةِ تَكْفِيهِ عَلَى قَوْلِ
مَنْ يَرَى وُجُوبَ النِّيَّةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَائِفُ
يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ)
لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَيَسْتَوِي فِيهِ
الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ
لِصٍّ حَتَّى إذَا خَافَ أَنْ يَرَاهُ إذَا
تَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ جَازَ لَهُ أَنْ
يَتَوَجَّهَ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ وَلَوْ
خَافَ أَنْ يَرَاهُ الْعَدُوُّ إنْ قَعَدَ
صَلَّى مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ ، وَكَذَا
الْهَارِبُ مِنْ الْعَدُوِّ رَاكِبًا يُصَلِّي
عَلَى دَابَّتِهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى
خَشَبَةٍ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يَخَافُ
الْغَرَقَ إذَا انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ
وَلَوْ كَانَ فِي طِينٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى
النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ جَازَ لَهُ
الْإِيمَاءُ عَلَى الدَّابَّةِ وَاقِفَةً إذَا
قَدَرَ ، وَإِلَّا فَسَائِرَةً وَيَتَوَجَّهُ
إلَى الْقِبْلَةِ إنْ قَدَرَ ، وَإِلَّا فَلَا
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى النُّزُولِ وَلَمْ
يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
نَزَلَ وَأَوْمَأَ قَائِمًا وَإِنْ قَدَرَ
عَلَى الْقُعُودِ دُونَ السُّجُودِ أَوْمَأَ
قَاعِدًا وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً
مُبْتَلَّةً لَا يَغِيبُ وَجْهُهُ فِي
الطِّينِ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ
اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى)
لِمَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ
أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ
الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا
عَلَى حِيَالِهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا
ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ
{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ
اللَّهِ} [البقرة : 115]» وَقَالَ عَلِيٌّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِبْلَةُ
الْمُتَحَرِّي جِهَةُ قَصْدِهِ ؛ وَلِأَنَّ
الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ .
إقَامَةً لِلْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ
هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ
يَسْأَلُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ ، وَأَمَّا إذَا
كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا
وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ عَالِمٍ
بِالْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي
؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْبَارَ فَوْقَ التَّحَرِّي
لِكَوْنِ الْخَبَرِ مُلْزِمًا لَهُ
وَلِغَيْرِهِ وَالتَّحَرِّي مُلْزِمٌ لَهُ
دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْأَدْنَى
مَعَ إمْكَانِ الْأَعْلَى وَلَا يَجُوزُ
التَّحَرِّي مَعَ الْمَحَارِيبِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَخْطَأَ
لَمْ يُعِدْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعِيدُ
إذَا اسْتَدْبَرَهَا ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ
خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَلَّى
الْفَرْضَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ عَلَى
ظَنِّ أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ
اجْتِهَادٍ إلَى يَقِينٍ) أَيْ لِأَنَّهُ
يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْجِهَةِ يَقِينًا . ا
هـ . (قَوْلُهُ : وَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ
اجْتِهَادٍ إلَى اجْتِهَادٍ) إذْ لَا
يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ يَقِينًا . ا
هـ . (قَوْلُهُ : عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى
وُجُوبَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةَ الْعَيْنِ .
ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْخَائِفُ
يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ)
وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي
خِدْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْ
الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
مُنَزَّهٌ عَنْ الْجِهَةِ فَيَسْتَحِيلُ
الْإِقْبَالُ عَلَيْهِ فَابْتَلَانَا
بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ لَا أَنَّ
الْعِبَادَةَ لَهَا حَتَّى لَوْ سَجَدَ
لِلْكَعْبَةِ يَكْفُرُ فَلَمَّا اعْتَرَاهُ
الْخَوْفُ تَحَقَّقَ الْعُذْرُ فَأَشْبَهَ
حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ فِي تَحَقُّقِ
الْعُذْرِ فَيَتَوَجَّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ
قَدَرَ ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمْ تُعْتَبَرْ
لِعَيْنِهَا بَلْ لِلِابْتِلَاءِ
فَيَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ بِالتَّوَجُّهِ
إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ . ا هـ . كَاكِيٌّ
فَتَحَرَّرَ أَنَّ جِهَةَ الِاسْتِقْبَالِ
عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ
وَجِهَتِهَا وَجِهَةِ التَّحَرِّي وَأَيِّ
جِهَةٍ كَانَتْ وَالْكُلُّ فِي حَالَةِ
الْأَمْنِ إلَّا الْأَخِيرُ فَإِنَّهُ حَالَةُ
الْخَوْفِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ) قَالَ
الْعَيْنِيُّ ، وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا لَمْ
يَجِدْ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَيْهَا ا هـ
(قَوْلُهُ : يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ) أَيْ
بِالْإِيمَاءِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : إذَا انْحَرَفَ إلَى
الْقِبْلَةِ) أَيْ فَيُصَلِّي حَيْثُمَا كَانَ
وَجْهُهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَلَمْ
يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ) لَيْسَ فِي
مُسَوَّدَةِ الشَّارِحِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمَنْ اشْتَبَهَتْ
عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى إلَى آخِرِهِ)
لَوْ تَحَرَّى وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى
شَيْءٍ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَقِيلَ يُصَلِّي
إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ ا
هـ زَادَ الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ : كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -) أَيْ فِي سَفَرِهِ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : عَلَى حِيَالِهِ) أَيْ
قِبَالَتِهِ ا هـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ :
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أَيْ قِبْلَتُهُ
الَّتِي أَمَرَ بِهَا وَارْتَضَى بِهَا
ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ وَفِي شَرْحِ
التَّأْوِيلَاتِ أَيْ فَثَمَّ قِبْلَةُ
اللَّهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) قَالَ
التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ
إسْنَادُهُ بِذَاكَ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا
إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ سَعِيدٍ
السَّمَّانِ وَهُوَ مُضَعَّفٌ فِي الْحَدِيثِ
. ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ : إذَا لَمْ
يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ إلَى
آخِرِهِ) فِي التَّقْيِيدِ بِحَضْرَتِهِ
إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
الطَّلَبُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ
أَحَدٌ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ ا هـ قَالَ فِي
الْغَايَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي
يُوسُفَ لَوْ أَنَّ أَعْمَى صَلَّى رَكْعَةً
لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ
وَسَوَّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَاقْتَدَى بِهِ
جَازَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْمُقْتَدِي قِيلَ
هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْأَعْمَى مَنْ
يَسْأَلُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ عِنْدَ
الشُّرُوعِ أَمَّا إذَا وَجَدَ وَلَمْ
يَسْأَلْهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ
مَنْ يَسْأَلُهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَإِنْ
كَانَ بِحَضْرَتِهِ أُنَاسٌ فَلَمْ
يَسْأَلْهُمْ حَتَّى تَحَرَّى وَصَلَّى إلَى
الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا
تَحَرِّيهِ ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ
الْقِبْلَةِ فَلَمْ يَعْلَمُوا أَيْضًا جِهَةَ
الْقِبْلَةِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ ؛
لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ
فِي السُّؤَالِ فَتَرْكُ السُّؤَالِ لَمْ
يُغَيِّرْ الْحُكْمَ وَإِنْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ جِهَةَ الْقِبْلَةِ نَظَرٌ إنْ
تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ
وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ
الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا
يُعِيدُ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّحَرِّي ؛
لِأَنَّهُ حَصَلَ لَا فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ
سَأَلَهُمْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَمْ
يُخْبِرُوهُ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ
جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ وَإِنْ تَبَيَّنَ
أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي الصَّلَاةِ يُحَوِّلُ
وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ
الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ
وَهُوَ السُّؤَالُ . ا هـ . طح (قَوْلُهُ :
مُلْزِمًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا فِي
خَبَرِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَرِوَايَةِ
الْحَدِيثِ . ا هـ . غَايَةٌ
(1/101)
دَخَلَ أَوْ
صَامَ قَبْلَ أَوَانِهِ أَوْ صَلَّى فِي
ثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجَسٍ
بِالِاجْتِهَادِ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ
بِاجْتِهَادٍ فِي قَضِيَّةٍ ، ثُمَّ وَجَدَ
نَصًّا بِخِلَافِهِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا
مِنْ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ ؛ وَلِأَنَّ
التَّكْلِيفَ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ وَلَيْسَ
فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ
التَّحَرِّي بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ
الْمَسَائِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْصَى
غَايَةَ الِاسْتِقْصَاءِ لَعَلِمَ حَقِيقَتَهُ
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْقَاضِي
بِالنَّصِّ كَانَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ ،
وَكَذَا الْجَهْلُ بِالنَّجَسِ وَالْوَقْتِ
لِإِمْكَانِهِ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ مِمَّنْ
اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ
حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْأَلَ مِمَّنْ
اطَّلَعَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ عِلْمَهَا
مَبْنِيٌّ عَلَى عِلْمِ الْعَلَامَاتِ مِنْ
النُّجُومِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا زَالَتْ
بِالْغَيْمِ عَمَّ الْعَجْزُ الْجَمِيعَ
فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَسْلَمَ
الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا
تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ لِعَجْزِهِ
وَالذِّمِّيُّ لَوْ أَسْلَمَ يَلْزَمُهُ
لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْصِيلِ ؛ لِأَنَّ
الدَّارَ دَارُ الْعِلْمِ .
فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ كَانَ التَّقْصِيرُ
مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْذَرُ ؛ وَلِأَنَّهُ
لَوْ سَأَلَ غَيْرَهُ وَأَخْبَرَهُ
لَأَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ مِثْلِ
اجْتِهَادِهِ لَا عَنْ يَقِينٍ فَلَا
تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ عَرَفَ
بَعْدَمَا صَلَّى إنَّمَا يَعْرِفُ
بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَنْقُضُ مَا
مَضَى مِنْ الِاجْتِهَادِ ؛ وَلِأَنَّ
الْقِبْلَةَ تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ
جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ
الرُّكُوبِ وَالْخَوْفِ فَكَذَا فِي حَالَةِ
الِاشْتِبَاهِ فَلَا يُعِيدُ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ)
أَيْ عَلِمَ بِالْخَطَأِ (اسْتَدَارَ) لِأَنَّ
تَبَدُّلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ
تَبَدُّلِ النُّسَخِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُصَلُّونَ
بِمَسْجِدِ قُبَاءَ إلَى الشَّامِ
فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ
فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ
بِالْكِتَابِ إذْ لَا نَصَّ عَلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسِ فِي الْقُرْآنِ فَعُلِمَ أَنَّهُ
كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ ، ثُمَّ نُسِخَ
بِالْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ
لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ
وَعَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ
الْعَمَلَ .
ثُمَّ مَسَائِلُ جِنْسِ التَّحَرِّي فِي
الْقِبْلَةِ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ لَمْ
يَشُكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ شَكَّ وَلَمْ
يَتَحَرَّ أَمَّا إذَا لَمْ يَشُكَّ وَصَلَّى
إلَى جِهَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مِنْ
غَيْرِ تَحَرٍّ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ
حَتَّى يَظْهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ أَوْ
بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ ؛ لِأَنَّ مِنْ ظَاهِرِ
حَالِ الْمُسْلِمِ أَدَاءَ الصَّلَاةِ
إلَيْهَا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْجَوَازِ
وَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ يَلْزَمُهُ
الْإِعَادَةُ وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ
مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِاسْتِصْحَابِ
الْحَالِ يَرْتَفِعُ بِالدَّلِيلِ إذْ مَا
ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ فَوْقَ مَا ثَبَتَ
بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ ، وَأَمَّا إذَا
شَكَّ وَتَحَرَّى فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ فِي
الْكِتَابِ ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ
يَتَحَرَّ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا ؛ لِأَنَّ
التَّحَرِّيَ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ
بِتَرْكِهِ إلَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ
الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّ مَا
افْتَرَضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ
لَا غَيْرُ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ
وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ يَسْتَقْبِلُ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِمَا
ذَكَرْنَا وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ حَالَتَهُ
قَوِيَتْ بِالْعِلْمِ وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ
عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ
كَالْأُمِّيِّ إذَا تَعَلَّمَ سُورَةً
وَالْمُومِئِ إذَا قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ : أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ
أَوْ تَوَضَّأَ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ
إذَا تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ ،
ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ تَجِبُ
الْإِعَادَةُ ، فَهَلْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ
هُنَا قُلْنَا الْأَصْلُ إنَّ مَا يَحْتَمِلُ
الِانْتِقَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ لَا تَجِبُ
الْإِعَادَةُ وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ بِهَذِهِ
الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحَوَّلَتْ
مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ ،
ثُمَّ مِنْهَا إلَى جِهَتِهَا وَمَا لَا
يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ
تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَطَهَارَةُ الْأَوَانِي
وَالثِّيَابِ لَا تَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ
فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا
يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ يَجِبُ الْقَوْلُ
بِالتَّحَوُّلِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا كَذَلِكَ
مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ . ا هـ .
سَيِّدٌ (قَوْلُهُ : وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ
إلَّا التَّوَجُّهَ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي)
فَتَعَيَّنَتْ قِبْلَةً لَهُ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْجِهَةُ
حَالَةَ الْعَجْزِ مَنْزِلَةَ عَيْنِ
الْكَعْبَةِ وَالْمِحْرَابِ حَالَ الْقُدْرَةِ
وَإِنَّمَا عُرِفَ التَّحَرِّي شَرْطًا نَصًّا
بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا لِأَصْلِ
الْقِبْلَةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا
أَخْطَأَ قِبْلَةً ؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ
جِهَةُ التَّحَرِّي وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهَا
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ
الشَّرْطَ هُنَاكَ هُوَ الصَّلَاةُ
بِالثَّوْبِ الطَّاهِرِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ
أَمَرَهُ بِإِصَابَتِهِ بِالتَّحَرِّي فَإِذَا
لَمْ يُصِبْ انْعَدَمَ الشَّرْطُ فَلَمْ
تَجُزْ .
أَمَّا هُنَا فَالشَّرْطُ اسْتِقْبَالُ
الْقِبْلَةِ وَقِبْلَتُهُ هَذِهِ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ وَقَدْ اسْتَقْبَلَهَا فَهُوَ
الْفَرْقُ . ا هـ . بَدَائِعُ قَالَ فِي
الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ التَّحَرِّي وَمَنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْقِبْلَةِ
فَقَدْ قِيلَ لَا يُصَلِّي وَقَدْ قِيلَ
يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ
يُخَيَّرُ ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً
بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ ، ثُمَّ تَحَوَّلَ
رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَصَلَّى
الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ إلَى الْجِهَةِ
الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ
تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَكَذَا فِي حَالَةِ
الِاشْتِبَاهِ إلَى آخِرِهِ) بِخِلَافِ
طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ فَإِنَّهَا
لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَيُعِيدُ . ا هـ
. (قَوْلُهُ : عَلِمَ بِالْخَطَأِ اسْتَدَارَ)
أَيْ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ مَا إذَا
تَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ فَصَلَّى فِي
أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ تَحَوَّلَ تَحَرِّيهِ
إلَى ثَوْبٍ آخَرَ وَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا
فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ جَازَتْ دُونَ
الثَّانِي . ا هـ . ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ :
بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ) أَيْ
وَهُوَ لَا يُبْطِلُ الْمَاضِيَ ؛ لِأَنَّ
أَثَرَ النَّسْخِ يَظْهَرُ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي (قَوْلُهُ :
فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ إلَى
آخِرِهِ) وَتَحَوُّلُ الْقِبْلَةِ كَانَ فِي
الْمَدِينَةِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ
شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ فِي رَجَبٍ فِي صَلَاةِ
الْفَجْرِ أَوْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ فِي
شَعْبَانَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَفِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ
تَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ : عَلَى
جَوَازِ نَسْخِ) وَعَلَى جَوَازِ
الِاجْتِهَادِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ بَنَوْا
عَلَى صَلَاتِهِمْ بِالِاجْتِهَادِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ)
إذْ لَوْ ثَبَتَ قَبْلَهُ مِنْ وَقْتِ نُزُولِ
النَّاسِخِ لَاسْتَأْنَفُوا صَلَاتَهُمْ ا هـ
(قَوْلُهُ : وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ
يَتَحَرَّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ
التَّحَرِّي بَعْدَمَا شَكَّ إنْ أَصَابَ أَيْ
إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ
بَعْدَ الْفَرَاغِ جَازَتْ وَإِنْ عَلِمَ
أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ فِي خِلَالِ
الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ) أَيْ
وَهُوَ التَّحَرِّي . ا هـ . (قَوْلُهُ :
لِغَيْرِهِ) أَيْ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ
الْقِبْلَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : يُشْتَرَطُ
حُصُولُهُ) أَيْ أَنَّ التَّحَرِّيَ لَمْ
يُفْرَضْ عَلَيْهِ إلَّا لِتَحْصِيلِ جِهَةِ
الْقِبْلَةِ فَإِذَا حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ
تَحَرٍّ حَصَلَ الْمَقْصُودُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ)
أَيْ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ (قَوْلُهُ :
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي) قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ
رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَبْنِي
عَلَى صَلَاتِهِ لِمَا قُلْنَا وَفِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ يَسْتَقْبِلُ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ
بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ ا هـ
(1/102)
وَالسُّجُودِ
وَإِنْ تَحَرَّى وَوَقَعَ تَحَرِّيهِ إلَى
جِهَةٍ فَصَلَّى إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا
تُجْزِيهِ أَصَابَ أَوْ لَمْ يُصِبْ أَمَّا
إذَا لَمْ يُصِبْ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا إذَا
أَصَابَ ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي أَدَّى
إلَيْهَا اجْتِهَادُهُ صَارَتْ قِبْلَةً لَهُ
قَائِمَةً مَقَامَ الْكَعْبَةِ فِي حَقِّهِ
فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَفِيهِ خِلَافُ
أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ
يَقُولُ إنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ عَلَى
مَا بَيَّنَّا وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا
وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ
وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجَسٌ ، ثُمَّ ظَهَرَ
أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ
أَنَّهُ مُحْدِثٌ ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ
طَاهِرٌ أَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ
أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ ، ثُمَّ ظَهَرَ
أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الدُّخُولِ لَا
يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِفَسَادِ
صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ
وَهُوَ تَحَرِّيهِ فَلَا تَنْقَلِبُ جَائِزَةً
وَإِنْ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَحَرَّى
قَوْمٌ جِهَاتٍ وَجَهِلُوا حَالَ إمَامِهِمْ
يُجْزِيهِمْ) أَيْ تَحَرَّى جَمَاعَةٌ مِنْ
النَّاسِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَصَلَّى
إمَامُهُمْ إلَى جِهَةٍ وَصَلَّى كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ إلَى جِهَةٍ
وَلَا يَدْرُونَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ
يُجْزِيهِمْ إذَا كَانُوا خَلْفَ الْإِمَامِ ؛
لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَوَجِّهٌ
إلَى الْقِبْلَةِ وَهِيَ جِهَةُ التَّحَرِّي
وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَا تُمْنَعُ كَمَا
فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَمَنْ عَلِمَ
مِنْهُمْ حَالَ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى
الْخَطَأِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا
عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ وَفِي
التَّجْنِيسِ رَجُلٌ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ
فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ
لَا يَعْلَمُ ، ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ
وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ ، ثُمَّ دَخَلَ
رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ عَلِمَ حَالَتَهُ
الْأُولَى لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ ؛
لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ وَعَلِمَ
أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ فِي
أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَلَوْ قَامَ اللَّاحِقُ
لِلْقَضَاءِ فَعَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ كَانَ
عَلَى الْخَطَأِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ
الْمَسْبُوقِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْضُهَا
التَّحْرِيمَةُ) أَيْ فَرْضُ الصَّلَاةِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}
[المدثر : 3] وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا
وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ
لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ هِيَ رُكْنُ الصَّلَاةِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا
يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ
إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ
وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
التَّكْبِيرَ كَالْقِرَاءَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ
يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ
مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ
وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَهِيَ آيَةُ
الرُّكْنِيَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
أَدَاءُ صَلَاةٍ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ
أُخْرَى وَلَوْلَا أَنَّهَا مِنْ الْأَرْكَانِ
لَجَازَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَلَنَا قَوْله
تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}
[الأعلى : 15] عَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَى
الذِّكْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ
وَمُقْتَضَى الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ إذْ
الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» فَأَضَافَ
التَّحْرِيمَ إلَى الصَّلَاةِ وَالْمُضَافُ
غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ
الشَّيْءَ لَا يُضَافُ إلَى نَفْسِهِ وَمَا
رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ
التَّسْبِيحَ لَيْسَ بِرُكْنٍ إجْمَاعًا أَوْ
هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ
وَقَوْلُهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ
لِلصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ
أَحْرَمَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَأَلْقَاهُ
عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مَكْشُوفَ
الْعَوْرَةِ فَسَتَرَهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ
مِنْ التَّكْبِيرِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ
شَرَعَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : هُوَ يَقُولُ : إنَّ الْمَقْصُودَ
قَدْ حَصَلَ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَصَارَ
كَمَا إذَا تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي
فَتَوَضَّأَ بِغَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ
التَّحَرِّي ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
أَصَابَ تَحَرِّيهِ كَذَا هَذَا . ا هـ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا هُوَ
التَّوَضُّؤُ بِالطَّاهِرِ حَقِيقَةً وَقَدْ
وُجِدَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ
مُحْدِثٌ إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَمَا إذَا
تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي فَتَوَضَّأَ
بِغَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّحَرِّي . ا
هـ ..
(قَوْلُهُ : وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَا
تَمْنَعُ) أَيْ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ . ا هـ
. (قَوْلُهُ : وَلَوْ قَامَ اللَّاحِقُ إلَى
آخِرِهِ) هَذَا الْفَرْعُ كَتَبَهُ عَلَى
هَامِشِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ نَقْلًا
عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ : كَانَ عَلَى
الْخَطَأِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ
اللَّاحِقَ وَهُوَ النَّائِمُ يُصَلِّي مِثْلَ
مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ كَأَنَّهُ
خَلَفَهُ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ
مِثْلَ مَا صَلَّى الْإِمَامُ لَكَانَ
يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَوْ
أَمَرْنَاهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ إلَى
الْقِبْلَةِ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ
كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ : بِخِلَافِ
الْمَسْبُوقِ إلَى آخِرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ خَلْفَ إمَامٍ فَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ
إمَامِهِ عَلَى الْخَطَأِ . ا هـ ..
(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ)
الْمُرَادُ بِصِفَةِ الصَّلَاةِ أَرْكَانُهَا
؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ
هُوَ الْأَرْكَانُ غَالِبًا وَإِنْ ذُكِرَ
فِيهِ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ اسْتِطْرَادًا
كَالتَّحْرِيمَةِ وَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ
وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الصِّفَةَ عَلَى
الْأَرْكَانِ ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ فِي
ذَاتِهَا لِكَوْنِهَا أَعْرَاضًا قَائِمَةً
بِالْمُصَلِّي . ا هـ . يَحْيَى (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ إلَى
آخِرِهِ) التَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ
مُحَرَّمًا نَقْلٌ لِتَكْبِيرَةِ
الِافْتِتَاحِ ؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ مَا
لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَأُلْحِقَ
بِهِ تَاءُ النَّقْلِ تَنْبِيهًا عَلَى
النَّقْلِ كَتَاءِ الْحَقِيقَةِ وَتُسَمَّى
تَاءُ الِاسْمِيَّةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ
اسْمٌ لِلتَّكْبِيرَةِ وَقَدْ كَانَ مَصْدَرًا
فَفِيهِ تَحْقِيقٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى
اسْمِيَّتِهِ . ا هـ . يَحْيَى (قَوْلُهُ :
فَرْضُ الصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ
الْفَرَائِضُ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي
النَّافِلَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِهِ
التَّحْرِيمَةُ) أَيْ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ
التَّفْسِيرِ ؛ لِأَنَّ سَائِرَ
التَّكْبِيرَاتِ لَيْسَ بِفَرْضٍ
بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ هَذَا
لِلْفَرِيضَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى
تَعْطِيلِ النَّصِّ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ : إذْ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى
نَفْسِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ نَظِيرَ
الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَكِنَّ جَوَازَهُ
لِنُكْتَةٍ بَلَاغِيَةٍ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ
هُنَا . ا هـ . فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ
إنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَجْعَلْ
التَّحْرِيمَةَ نَفْسَ الصَّلَاةِ بَلْ
جُزْأَهَا ، وَالْجُزْءُ لَيْسَ عَيْنَ
الْكُلِّ فَلَا يَلْزَمُ عَطْفُ الشَّيْءِ
عَلَى نَفْسِهِ وَلَا إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى
نَفْسِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْعَطْفُ
يَقْتَضِي خُرُوجَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عَنْ
الْمَعْطُوفِ وَبِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ
عَطْفُ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَلَا
الْعَكْسُ وَخُرُوجُ الْمُضَافِ عَنْ
الْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِالْعَكْسِ وَلِذَا
اسْتَدَلَّ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ بِعَطْفِ عَمَلِ
الصَّالِحَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ
وَبِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ عَلَى خُرُوجِهِ
مِنْهُ لَكِنْ يَرِدُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى
{أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام : 145] . ا
هـ . يَحْيَى (قَوْلُهُ : عِنْدَ فَرَاغِهِ
مِنْهَا جَازَ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهَا عِنْدَ
بَعْضِ أَصْحَابِنَا رُكْنٌ ا هـ وَهُوَ
ظَاهِرُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ فَيَجِبُ عَلَى
قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ
الْفُرُوعُ ا هـ
(1/103)
التَّكْبِيرِ
قَبْلَ ظُهُور الزَّوَالِ مَثَلًا ، ثُمَّ
ظَهَرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ
مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ
فَاسْتَقْبَلَهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا
جَازَ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ
لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا
لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مِنْ الصَّلَاةِ
وَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ صَلَاةٍ
بِتَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى مَمْنُوعٌ
أَيْضًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ
النَّفَلَ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى
إجْمَاعًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَأَدَاءُ
فَرْضٍ بِتَحْرِيمَةِ فَرْضٍ آخَرَ يَجُوزُ
عِنْدَ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى
الظَّاهِرِ لَعَارَضَهُمْ بِالنِّيَّةِ
فَإِنَّهَا شَرْطٌ وَلَيْسَتْ مِنْ
الْأَرْكَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا لَا
يَجُوزُ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ صَلَاةٍ
أُخْرَى إجْمَاعًا فَكَذَا التَّحْرِيمَةُ
وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَيْسَ مِنْ
الْأَدَاءِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِيَامُ)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ} [البقرة : 238] وَهُوَ رُكْنٌ فِي
الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَالْقِرَاءَةُ) لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآنِ} [المزمل : 20] وَلِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، ثُمَّ
اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ»
وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرُّكُوعُ
وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا} [الحج : 77] وَلِلْإِجْمَاعِ
عَلَى فَرْضِيَّتِهِمَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ
الْأَخِيرُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) وَهُوَ
فَرْضٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ السُّجُودِ فَقَدْ
مَضَتْ صَلَاتُهُ» إذَا هُوَ أَحْدَثَ وَلَنَا
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَّمَهُ
التَّشَهُّدَ إلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، ثُمَّ
قَالَ إذَا فَعَلْت هَذَا أَوْ قُلْت هَذَا
فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُك إنْ شِئْت أَنْ
تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ
فَاقْعُدْ» عَلَّقَ تَمَامَ الصَّلَاةِ بِهِ
وَمَا لَا يَتِمُّ الْفَرْضُ إلَّا بِهِ
فَهُوَ فَرْضٌ وَلَا يُقَالُ : إنَّ كَلِمَةَ
أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فَيَكُونُ
مَعْنَاهُ إذَا قُلْت هَذَا وَلَمْ تَقْعُدْ
أَوْ قَعَدْت وَلَمْ تَقُلْ فَلَيْسَ فِيهَا
دَلَالَةٌ عَلَى مَا قُلْتُمْ ؛ لِأَنَّا
نَقُولُ إنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ لَوْ
وُجِدَتْ فِي غَيْرِ حَالِ الْقُعُودِ لَا
تُعْتَبَرُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا
وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا قُلْت هَذَا
وَأَنْتَ قَاعِدٌ أَوْ قَعَدْت وَلَمْ تَقُلْ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُرُوجُ
بِصُنْعِهِ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ
بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ
أَخَذَهُ مِنْ الِاثْنَى عَشْرِيَّةَ قَالَ
وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فَرْضٌ لِمَا
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا وَعَلَى تَخْرِيجِ
الْكَرْخِيِّ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَهُوَ
الصَّحِيحُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي
مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : عِنْدَ صَدْرِ الْإِسْلَامِ) أَيْ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَعَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ
وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِهِ ا هـ (قَوْلُهُ :
لَعَارَضَهُمْ بِالنِّيَّةِ) فِيهِ نَظَرٌ ؛
لِأَنَّ النِّيَّةَ نَقْضٌ إجْمَالِيٌّ
يَرُدُّ عَلَى دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ لَا
مُعَارَضَةٌ وَقَدْ يُقَالُ أَرَادَ بِهَا
الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ
الْمُخَالَفَةُ . ا هـ . يَحْيَى.
(قَوْلُهُ : {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}
[البقرة : 238] أَيْ مُطِيعِينَ وَلَمْ يَجِبْ
الْقِيَامُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إجْمَاعًا
فَيَجِبُ فِيهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى
تَعْطِيلِ النَّصِّ ا هـ رَازِيٌّ وَقِيلَ
سَاكِتِينَ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ وَقِيلَ
خَاشِعِينَ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَهُوَ
رُكْنٌ فِي الْفَرْضِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ
قَوْلِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ
وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقِيَامِ
وَالْقُعُودِ فِي الْفَرَائِضِ كَانَ
مَخْصُوصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَكَذَا صَرَّحَ
صَاحِبُ الدِّرَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}
[المزمل : 20] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي
الصَّلَاةِ ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي
غَيْرِهَا فَتَجِبُ فِيهَا . ا هـ . رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْقُعُودُ
الْأَخِيرُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ ،
ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي قَدْرِ
الْفَرْضِ مِنْ الْقَعْدَةِ قِيلَ قَدْرُ مَا
يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ قَدْرُ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إلَى
عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ
شَرْعِيَّتَهَا لِقِرَاءَتِهِ وَأَقَلُّ مَا
يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ التَّشَهُّدِ عِنْدَ
الْإِطْلَاقِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يَنْشَأُ
إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ مَا شُرِعَ
لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ
شَرْعِيَّتِهِ غَيْرُهُ يَكُونُ آكَدَ مِنْ
ذَلِكَ الْغَيْرِ مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ بَلْ
وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ فَإِذَا كَانَ
شَرْعِيَّةُ الْقَعْدَةِ لِلذِّكْرِ أَوْ
السَّلَامِ كَانَتْ دُونَهُمَا فَالْأَوْلَى
أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا
الْخُرُوجُ . ا هـ .
وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَلَوْ
شَرَعَ الْمُقْتَدِي فِي قِرَاءَةِ
التَّشَهُّدِ وَفَرَغَ عَنْهُ قَبْلَ إمَامِهِ
، ثُمَّ تَكَلَّمَ وَذَهَبَ فَصَلَاتُهُ
جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ عَقْدُهُ
الْإِمَامَةَ فِي حَقِّهِ وَلَوْ سَلَّمَ
الْإِمَامُ أَوْ تَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ
يُتِمَّ الْمُقْتَدِي التَّشَهُّدَ يُتِمُّ
وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَجْزَأَهُ . ا هـ . مَعَ
حَذْفٍ (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ) إلَى قَوْلِهِ عَبْدِهِ
وَرَسُولِهِ . ا هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ : وَهُوَ فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ)
قِيلَ إنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ وَهُوَ مَا
يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوَاتِهِ (قَوْلُهُ :
وَلَيْسَ بِرُكْنٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَةِ عَلَيْهَا
شَرْعًا ؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي
يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ
تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ فَعَلِمَ
أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ وَهَذَا ؛
لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ وُضِعَتْ
لِلتَّعْظِيمِ وَلَيْسَ الْقُعُودُ كَذَلِكَ
بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ . ا هـ . فَتْحٌ .
(قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ سُنَّةٌ
إلَى آخِرِهِ) لَكِنْ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ
بِتَرْكِهِ عَمْدًا عِنْدَهُ كَذَا فِي
غَايَةِ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ :
وَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ) قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ
يُؤَدِّبَ وَلَدَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ
وَالصَّلَاةِ إذَا عَقَلَهُمَا لِقَوْلِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ
بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا
وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إذَا بَلَغُوا
عَشْرًا وَلَا تُفْتَرَضُ عَلَيْهِ إلَّا
بَعْدَ الْبُلُوغِ» وَلَوْ احْتَلَمَ
الصَّبِيُّ بِاللَّيْلِ ، ثُمَّ انْتَبَهَ
قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَضَى صَلَاةَ
الْعِشَاءِ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ
بِبُلُوغِهِ بِالِاحْتِلَامِ وَقَدْ انْتَبَهَ
وَالْوَقْتُ قَائِمٌ فَيَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ
أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ
حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اخْتَلَفَ
الْمَشَايِخُ فِيهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : إذَا
قُلْت إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ
اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهَا
مُدْرَجَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّ غَايَةَ
الْإِدْرَاجِ هُنَا أَنْ تَصِيرَ مَوْقُوفَةً
وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ لَهُ حُكْمُ
الرَّفْعِ . ا هـ . فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا
نَصُّهُ قِيلَ هَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ
فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَتَجُوزُ
الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى نَصِّ الْكِتَابِ
وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ
فَنَصُّ الْكِتَابِ مُجْمَلٌ فَيُلْحَقُ بِهِ
خَبَرُ الْوَاحِدِ بَيَانًا قِيلَ فَيَلْحَقُ
قَوْلُهُ : - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» بَيَانًا فَيَكُونُ
قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا (وَأُجِيبَ)
بِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ
الْمَنْفِيُّ الْفَضِيلَةَ فَلَا يَصْلُحُ
بَيَانًا وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ مُحْكَمٌ
فَنَصُّ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ وَلَا
يَخْفَى أَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ
يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّ الْفَرْضَ لَا
يَتِمُّ إلَّا بِهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ
فَرْضًا . ا هـ . يَحْيَى (قَوْلُهُ : أَوْ
قَعَدَتْ وَلَمْ تَقُلْ إلَى آخِرِهِ) فَصَارَ
التَّخْيِيرُ فِي الْقَوْلِ لَا فِي الْفِعْلِ
إذْ الْفِعْلُ ثَابِتٌ فِي الْحَالَيْنِ . ا
هـ .
(1/104)
قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ
الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ) وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ
صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ
الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» وَقَالَ مَالِكٌ
قِرَاءَتُهُمَا رُكْنٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا»
هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافَ
مَالِكٍ فِي السُّورَةِ وَقَالَ فِي
الْغَايَةِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ ضَمَّ
السُّورَةِ وَاجِبٌ وَخَطَّأَ صَاحِبَ
الْهِدَايَةِ فِيهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}
[المزمل : 20] وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ
بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ وَلَكِنَّهُ
يُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ فَقُلْنَا
بِوُجُوبِهِمَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُمْت إلَى
الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ
اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ، ثُمَّ
اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ»
وَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ
رُكْنًا لَعَلَّمَهُ إيَّاهَا لِجَهْلِهِ
بِالْأَحْكَامِ وَحَاجَتِهِ إلَيْهَا
وَقَوْلُهُ «لَا صَلَاةَ» مَحْمُولٌ عَلَى
نَفْيِ الْفَضِيلَةِ كَقَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ
لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ»
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «فَهِيَ خِدَاجٌ» لَا
دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ
بِدُونِهَا بَلْ عَلَى النَّقْصِ وَنَحْنُ
نَقُولُ بِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْيِينُ
الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ) لِقَوْلِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَيَيْنِ
قِرَاءَةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَعَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ التَّخْيِيرُ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ
شَاءَ سَبَّحَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِعَايَةُ
التَّرْتِيبِ فِي فِعْلٍ مُكَرَّرٍ) أَيْ
مُكَرَّرٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ
أَوْ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ
رَكَعَاتِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَوَاجِبُهَا
قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ)
وَهَلْ وُجُوبُ الضَّمِّ فِي الْفَرْضِ فَقَطْ
أَمْ فِيهِ وَغَيْرُهُ فَاَلَّذِي كَانَ
يُفِيدُهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ
الْمُحَقِّقُ قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ
الدِّينِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ الضَّمِّ
أَخْذًا مِنْ إطْلَاقَاتِ الْمَشَايِخِ
فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ
بِالْفَرْضِ وَقَدْ وَقَفْت فِي الْقُنْيَةِ
عَلَى مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ
بِالْفَرْضِ قَالَ فِيهَا فِي بَابِ السُّنَنِ
مَا نَصُّهُ وَلَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى
سُنَّةَ الْفَجْرِ بِوَجْهِهَا تَفُوتُهُ
الْجَمَاعَةُ وَلَوْ اقْتَصَرَ فِيهَا
بِالْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَةٍ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ يُدْرِكُهَا فَلَهُ أَنْ
يَقْتَصِرَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ تَرْكَ
السُّنَّةِ جَائِزٌ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ
فَتَرْكُ سُنَّةِ السُّنَّةِ أَوْلَى وَعَنْ
الْقَاضِي الزرنجري لَوْ خَافَ أَنْ يَفُوتَهُ
الرَّكْعَتَانِ يُصَلِّي السُّنَّةَ
وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ
وَسُنَّةَ الْقِرَاءَةِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى
آيَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَكُونَ جَمْعًا
بَيْنَهُمَا ، وَكَذَا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ
. ا هـ .
وَفِي الْيَتِيمَةِ سُئِلَ عَبْدُ الرَّحِيمِ
عَمَّنْ نَسِيَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ
التَّطَوُّعِ هَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ
السَّهْوِ فَقَالَ يَلْزَمُهُ قِيلَ لَهُ
فَلَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا قَالَ يُكْرَهُ . ا
هـ . تَتَارْخَانِيَّةُ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا
نَصُّهُ أَوْ ثَلَاثُ آيَاتٍ كَمَا سَيَأْتِي
مَتْنًا وَشَرْحًا . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ
وَأَحْمَدُ . ا هـ . قَالَ فِي الْقُنْيَةِ
فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ
لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ
قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ ، ثُمَّ السُّورَةُ
وَاجِبَةٌ لَكِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ
أَوْجَبُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِي
الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ
وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ لَمْ يُؤْمَرْ . ا
هـ . (قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا
بِفَاتِحَةٍ» إلَى آخِرِهِ) قِيلَ هَذَا
خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ
الْفَرْضِيَّةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ
فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نَصِّ
الْكِتَابِ وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ خَبَرُ
الْوَاحِدِ فَنَصُّ الْكِتَابِ مُجْمَلٌ
فَيَلْحَقُ بِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ بَيَانًا
قِيلَ فَيَلْحَقُ قَوْلُهُ : - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» بَيَانًا فَتَكُونُ
قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا وَأُجِيبَ
بِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ
لِنَفْيِ الْفَضِيلَةِ فَلَا يَصِحُّ بَيَانًا
وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ مُحْكَمٌ فَنَصُّ
الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ وَلَا يَخْفَى
أَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ يَصْدُقُ
عَلَيْهَا أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتِمُّ إلَّا
بِهَا فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا . ا هـ
. يَحْيَى (قَوْلُهُ : وَخَطَّأَ صَاحِبُ
الْهِدَايَةِ إلَى آخِرِهِ) لَمْ يُخَطِّئْ
السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَاحِبَ
الْهِدَايَةِ بَلْ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ
إنَّ ضَمَّ السُّورَةِ إلَى الْفَاتِحَةِ
رُكْنٌ فِيمَا عَلِمْته وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
هَذَا التَّخْطِئَةُ كَمَا لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ : فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ
إلَى آخِرِهِ) الْمَشْرُوعُ فِي الصَّلَاةِ
فَرْضًا أَنْوَاعُ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ
الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ وَمَا يَتَّحِدُ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ
وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي الصَّلَاةِ
كَالرَّكَعَاتِ وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ مَنْبَعٌ قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ
إذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ،
ثُمَّ نَامَ خَلْفَهُ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ
فَسَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ ،
ثُمَّ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ عَادَ
مِنْ وُضُوئِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا
سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهِ ، ثُمَّ يُتَابِعُ
إمَامَهُ لِمَا نَذْكُرُ وَلَوْ تَابَعَ
إمَامَهُ أَوَّلًا ، ثُمَّ قَضَى بَعْدَ
تَسْلِيمِ الْإِمَامِ جَازَ عِنْدَنَا
وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا لَوْ
زَحَمَهُ النَّاسُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
وَالْعِيدَيْنِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَاءِ
الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ
الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَبَقِيَ قَائِمًا
وَأَمْكَنَهُ أَدَاءُ الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ فَأَدَّى الرَّكْعَةَ
الثَّانِيَةَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ
يُؤَدِّيَ الْأُولَى ، ثُمَّ قَضَى الْأُولَى
بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ
عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ ،
وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرَ سُجُودًا فِي
الرُّكُوعِ وَقَضَاهُ أَوْ سَجْدَةً فِي
السَّجْدَةِ وَقَضَاهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ
يُعِيدَ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ الَّذِي
هُوَ فِيهِمَا وَلَوْ اعْتَدَّ بِهِمَا وَلَمْ
يُعِدْ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ
زُفَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَدَّ
بِهِمَا .
وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ
فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَعَ فِي غَيْرِ
مَحَلِّهِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ أَدَاءِ
مَا عَلَيْهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ قَبْلَهُ
لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَلَا يَقَعُ
مُعْتَدًّا بِهِ كَمَا إذَا قَدَّمَ
السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ وَجَبَ عَلَيْهِ
إعَادَةُ السُّجُودِ لِمَا قُلْنَا كَذَا
هَذَا وَلَنَا قَوْلُهُ : - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرَكْتُمْ
فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا»
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمَرَ بِمُتَابَعَةِ
الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ بِحَرْفِ الْفَاءِ
الْمُقْتَضِي لِلتَّعْقِيبِ بِلَا فَصْلٍ ،
ثُمَّ أَمَرَ بِقَضَاءِ الْفَائِتِ
وَالْأَمْرُ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَلِهَذَا
يَبْدَأُ الْمَسْبُوقُ بِمَا أَدْرَكَ
الْإِمَامُ لَا بِمَا سَبَقَهُ وَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَقَدْ أَخَّرَهُ
وَالثَّانِي أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي
الْأَمْرِ بِحَرْفِ الْوَاوِ وَأَنَّهُ
لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ
يَقَعُ مَأْمُورًا بِهِ فَصَارَ مُعْتَدًّا
بِهِ إلَّا أَنَّ الْمَسْبُوقَ صَارَ
مَخْصُوصًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَنَّ لَكُمْ مُعَاذُ
بْنُ جَبَلٍ سُنَّةً حَسَنَةً فَاسْتَنُّوا
بِهَا» .
وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
الْأُولَتَيْنِ بِظَاهِرِهِ وَبِضَرُورَتِهِ
فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّ
الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مِنْ أَجْزَاءِ
الصَّلَاةِ فَإِسْقَاطُ التَّرْتِيبِ فِي
نَفْسِ الصَّلَاةِ إسْقَاطٌ فِيمَا هُوَ مِنْ
أَجْزَائِهَا ضَرُورَةً إلَّا أَنَّهُ لَا
يَعْتَدُّ بِالسُّجُودِ قَبْلَ الرُّكُوعِ ؛
لِأَنَّ السُّجُودَ لِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ
بِالسَّجْدَةِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ
قَبْلَ الرُّكُوعِ . ا هـ . بَدَائِعُ
(1/105)
حَتَّى لَوْ
نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى
وَقَضَاهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ جَازَ وَلَوْ
كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَمَا جَازَ ،
وَكَذَا مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ
فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ
عِنْدَنَا وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا
لَكَانَ آخِرًا ، وَأَمَّا مَا شُرِعَ غَيْرُ
مُكَرَّرٍ فِي رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ
وَالرُّكُوعِ أَوْ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ
كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَالتَّرْتِيبُ
فِيهِ فَرْضٌ حَتَّى لَوْ رَكَعَ قَبْلَ
الْقِيَامِ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا
يَجُوزُ ، وَكَذَا لَوْ قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ
عَلَيْهِ سَجْدَةً أَوْ نَحْوَهَا بَطَلَ
الْقُعُودُ ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ
فَرْضٌ وَإِنَّمَا كَانَ فَرْضًا ؛ لِأَنَّ
مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى
وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحَلِّهِ
تَحَرُّزًا عَنْ تَفْوِيتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ
جُزْءًا أَوْ كُلًّا إذْ لَا يُمْكِنُ
اسْتِيفَاءُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ
كُلًّا مِنْ جِنْسِهِ لِضَرُورَةِ اتِّحَادِهِ
فِي الشَّرْعِيَّةِ وَالْإِفْرَادُ
بِالشَّرْعِيَّةِ دَلِيلُ تَوَقُّفِ ذَلِكَ
عَلَيْهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْدِيلُ
الْأَرْكَانِ) وَهُوَ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ
فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى
تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَأَدْنَاهُ
مِقْدَارُ تَسْبِيحَةٍ وَهَذَا تَخْرِيجُ
الْكَرْخِيِّ وَفِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ
سُنَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ
الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ
فَيَكُونُ سُنَّةً وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ
شُرِعَ لِتَكْمِيلِ رُكْنٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا
كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ أَخَفَّ
الصَّلَاةَ «صَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ»
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى
يُسْبِغَ الْوُضُوءَ إلَى أَنْ قَالَ ، ثُمَّ
يُكَبِّرَ فَيَرْكَعَ فَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى
رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ
وَيَسْتَرْخِيَ» الْحَدِيثُ وَلَنَا قَوْله
تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج : 77]
أُمِرْنَا بِالرُّكُوعِ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ
لُغَةً وَبِالسُّجُودِ وَهُوَ الِانْخِفَاضُ
لُغَةً فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ
بِالْأَدْنَى مِنْهُمَا وَفِي آخِرِ مَا
رَوَاهُ سَمَّاهُ صَلَاةٌ فَقَالَ لَهُ «إذَا
فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك
وَإِذَا انْتَقَصْت مِنْهَا شَيْئًا انْتَقَصَ
مِنْ صَلَاتِك وَلَمْ تَذْهَبْ كُلُّهَا»
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ ذَكَرَهُ عَبْدُ
الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ وَهَذَا نَصٌّ فِي
مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي
الْحَدِيثِ الثَّانِي أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ
وَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ
وَالثَّنَاءَ وَالتَّسْمِيعَ وَلَيْسَتْ
هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَرْضًا بِالْإِجْمَاعِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ
الْأَوَّلُ) وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ
وَالْكَرْخِيُّ هُوَ سُنَّةٌ وَقَدْ عُرِفَ
فِي الْمُطَوَّلَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (وَالتَّشَهُّدُ وَلَفْظُ السَّلَامِ
وَقُنُوتُ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتُ
الْعِيدَيْنِ) هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى يَجِبَ
سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا وَالْقِيَاسُ
أَنَّهُ لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ
الْأَذْكَارِ كَالتَّعَوُّذِ وَالثَّنَاءِ
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى
الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ لَمْ
يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ
إلَّا فِي الْأَفْعَالِ وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأَذْكَارَ
تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ يُقَالُ
تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ
وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ فَصَارَتْ مِنْ
خَصَائِصِهَا بِخِلَافِ تَسْبِيحَاتِ
الرُّكُوعِ حَيْثُ تُضَافُ إلَى الرُّكُوعِ
فَقَطْ فَلَا يَجِبُ الْجَابِرُ بِتَرْكِهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَهْرُ
وَالْإِسْرَارُ فِيمَا يَجْهَرُ وَيُسِرُّ)
وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُمَا سُنَّتَانِ حَتَّى
لَا يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِمَا ؛
لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقِرَاءَةُ
فَصَارَا كَالْقَوْمَةِ
[سُنَن الصَّلَاة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَنُهَا
رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَنَشْرُ
أَصَابِعِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا
كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ نَاشِرًا
أَصَابِعَهُ» وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ لَا
يَضُمَّ كُلَّ الضَّمِّ وَلَا يُفَرِّجَ كُلَّ
التَّفْرِيجِ بَلْ يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا
مَنْشُورَةً
قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : بَطَلَ الْقُعُودُ) فَعَلَيْهِ
أَنْ يُعِيدَ الْقُعُودَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ
(قَوْلُهُ : جُزْءًا أَوْ كُلًّا) حَالٌ مِنْ
قَوْلِهِ مَا تَعَلَّقَ ؛ لِأَنَّ مَا
تَعَلَّقَ بِالْمُتَّحِدِ كُلُّ الصَّلَاةِ
كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ جُزْؤُهَا
وَهُوَ الرَّكْعَةُ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَّحِدَ لَمْ
يُشْرَعْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فِي
مَحَلِّهِ فَإِنْ فَاتَ فَاتَ أَصْلًا
فَيَفُوتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ جُزْءِ
الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّهَا بِخِلَافِ
الْمُتَكَرِّرِ فَإِنَّهُ لَوْ فَاتَ أَحَدُ
فِعْلَيْهِ بَقِيَ الْفِعْلُ الْآخَرُ مِنْ
جِنْسِهِ فَلَمْ يَفُتْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ
كَمَا لَوْ أَتَى بِإِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ
فِي رَكْعَةٍ وَتَرَكَ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا
قَالَ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى ؛
لِأَنَّ أَحَدَ فِعْلِي الْمُتَكَرِّرِ لَوْ
فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ ، ثُمَّ أَتَى بِهِ فِي
مَحَلٍّ آخَرَ الْتَحَقَ بِمَحَلِّهِ
الْأَوَّلِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِيهِ مَعْنًى
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صُورَةً بِخِلَافِ
الْمُتَّحِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ
بِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ فَاتَ
بِفَوَاتِهِ فَلَمْ يُوجَدْ صُورَةً وَمَعْنًى
. ا هـ . يَحْيَى.
(قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ
فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ
فَرْضٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ . ا هـ . وَفِي
الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ أَبُو
الْيُسْرِ مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ
تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ أَعَادَ
يَكُونُ الْفَرْضُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ
وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ لُزُومَ الْإِعَادَةِ
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى أَنَّ الْفَرْضَ
أَيُّهُمَا . ا هـ . كَذَا فِي الدِّرَايَةِ
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا إشْكَالَ
فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ
فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ
التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ
؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ
وَبِجَعْلِهِ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ
سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ لَازِمُ تَرْكِ
الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ
الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ
اللَّهِ تَعَالَى إذْ يُحْتَسَبُ الْكَامِلُ
وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا عَلِمَ
سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ . ا هـ .
مِنْهُ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ
الطُّمَأْنِينَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهَا فَرْضٌ قَالَ أَبُو
اللَّيْثِ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا الِاخْتِلَافَ
فِي الْكِتَابِ وَلَكِنْ تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
لِمَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِهِ)
اسْمُهُ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : سَمَّاهُ صَلَاةً)
وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ أَوْ
يُقَالُ وَصْفُهَا بِالنَّقْصِ وَالْبَاطِلَةُ
إنَّمَا تُوصَفُ بِالِانْعِدَامِ فَعُلِمَ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِعَادَتِهَا
لِيُوقِعَهَا عَلَى غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَا
لِلْفَسَادِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ :
انْتَقَصَ مِنْ صَلَاتِك) مِنْ زَائِدَةٌ أَوْ
تَبْعِيضِيَّةٌ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالتَّشَهُّدُ)
أَيْ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَهُوَ
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي
الْأُولَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَعْضِ ا هـ
ع.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْجَهْرُ
وَالْإِسْرَارُ إلَى آخِرِهِ) لِمُوَاظَبَةِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا وَهَذَا إذَا كَانَ
إمَامًا أَمَّا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا
فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ . ا هـ . رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَسُنَنُهَا إلَى
آخِرِهِ) هِيَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى
مَا ذُكِرَ . ا هـ . ع (قَوْلُهُ :
لِلتَّحْرِيمَةِ) أَيْ وَتُعَيَّنُ لَفْظَةُ
اللَّهُ أَكْبَرُ . ا هـ . كُنُوزٌ.
(1/106)
- رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَجَهْرُ الْإِمَامِ
بِالتَّكْبِيرِ) لِحَاجَتِهِ إلَى
الْإِعْلَامِ بِالدُّخُولِ وَالِانْتِقَالِ
وَلِهَذَا سُنَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ أَيْضًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالثَّنَاءُ
وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ
وَالتَّأْمِينُ سِرًّا) لِلنَّقْلِ
الْمُسْتَفِيضِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُ
كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ سِرًّا رَاجِعٌ
إلَى الْأَرْبَعَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضْعُ
يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ)
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يَضَعُ عَلَى الصَّدْرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ
يَضَعُ عَلَى الصَّدْرِ وَهُوَ فِي
الصَّلَاةِ» ؛ وَلِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى
الصَّدْرِ أَقْرَبُ إلَى الْخُضُوعِ مِنْ
الْوَضْعِ عَلَى الْعَوْرَةِ وَلَنَا حَدِيثُ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُ
الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ
السُّرَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى
التَّعْظِيمِ كَمَا بَيْنَ يَدِي الْمُلُوكِ
وَوَضْعُهَا عَلَى الْعَوْرَةِ لَا يَضُرُّ
فَوْقَ الثِّيَابِ فَكَذَا بِلَا حَائِلٍ ؛
لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْعَوْرَةِ
فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا تَضَعُ الْمَرْأَةُ
يَدَيْهَا عَلَى صَدْرِهَا وَإِنْ كَانَ
عَوْرَةً
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَكْبِيرُ
الرُّكُوعِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يُكَبِّرُ
عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ» قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّفْعُ مِنْهُ) أَيْ
الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ
وَإِعْرَابُ الرَّفْعِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا
عَلَى التَّكْبِيرِ وَلَا يَجُوزُ خَفْضُهُ ؛
لِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الرَّفْعِ
مِنْ الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا يَأْتِي
بِالتَّسْمِيعِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّ الرَّفْعَ مِنْهُ فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ
الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ
الِانْتِقَالُ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ
بِأَنْ يَنْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَسْبِيحُهُ
ثَلَاثًا) أَيْ تَسْبِيحُ الرُّكُوعِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي
الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ
أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ أَوْ الْفَضِيلَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخْذُ
رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِيجُ
أَصَابِعِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَسٍ «إذَا
رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك
وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَكْبِيرُ
السُّجُودِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلَوْ قَالَ
(وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ)
كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ
الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ ، وَكَذَا الرَّفْعُ
نَفْسُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ فَرْضُ وَجْهِ
الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِقَالُ
وَقَدْ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ بِأَنْ سَجَدَ
عَلَى الْوِسَادَةِ ، ثُمَّ تُنْزَعُ
وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ ثَانِيًا وَلَكِنْ
لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا عِنْدَ مَنْ لَا
يَشْتَرِطُ الرَّفْعَ حَتَّى يَكُونَ أَقْرَبَ
إلَى الْجُلُوسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَتَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ
رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا» قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَوَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ)
يَعْنِي وَضْعَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ حَالَةَ
السُّجُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى
سَبْعَةِ أَعْظُمَ وَعَدَّ مِنْهَا
الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ
عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِ
وَضْعِهِمَا ، وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ
فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ
فِي السُّجُودِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَافْتِرَاشُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبُ
الْيُمْنَى) يَعْنِي فِي حَالَةِ الْقُعُودِ
لِلتَّشَهُّدِ ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْمَةُ
وَالْجِلْسَةُ) أَيْ الْقَوْمَةُ مِنْ
الرُّكُوعِ وَالْجِلْسَةُ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ وَهُمَا سُنَّتَانِ عِنْدَنَا
خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
الْوَجْهُ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِعْلَامِ)
أَيْ لِيَعْلَمَ الْأَعْمَى . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلِهَذَا سُنَّ رَفْعُ
الْيَدَيْنِ) أَيْ لِيَعْلَمَ الْأَصَمُّ . ا
هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالثَّنَاءُ
وَالتَّعَوُّذُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَأَمَّا
الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ
وَالتَّأْمِينُ سِرًّا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ
كَانَ إمَامًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ
مُنْفَرِدًا فَلِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ . ا
هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَالتَّسْمِيَةُ) سَيَأْتِي فِي سُجُودِ
السَّهْوِ أَنَّهُ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ
بِتَرْكِهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ
: سِرًّا) وَانْتِصَابُهُ عَلَى
الْمَصْدَرِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ تُسَرُّ
هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ سِرًّا أَوْ يُسِرُّهَا
الْمُصَلِّي سِرًّا . ا هـ . ع.
قَوْلُهُ : وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - إلَى آخِرِهِ لَمْ يُجِبْ
عَنْ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ.
قَوْلُهُ : بِالتَّسْمِيعِ وَيَجُوزُ جَرُّهُ
عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ ذِكْرٌ
فِيهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ
كَانَ فِيهِ لَفْظُ التَّكْبِيرِ أَوْ لَمْ
يَكُنْ وَيَلْزَمُ عَلَى وَجْهِ الرَّفْعِ
تَكْرَارُ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَالْقَوْمَةُ
وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يُرَادَ مِنْ
الْقَوْمَةِ الْقَوْمَةُ بَعْدَ الرَّفْعِ
مِنْ الرُّكُوعِ . ا هـ . بَاكِيرٌ.
(قَوْلُهُ : إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَقُلْ) ظَاهِرُهُ وَهُوَ الْوُجُوبُ
مَتْرُوكٌ إجْمَاعًا . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ» إلَى
آخِرِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى سَبْعَةِ
آرَابٍ» أَيْ أَعْضَاءٍ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ : وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ
إلَى آخِرِهِ) وَسَمَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ
هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَظْمًا بِاعْتِبَارِ
الْجُمْلَةِ وَإِنْ اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهَا عَلَى عِظَامٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ
الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : فَقَدْ ذَكَرَ
الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ)
وَفِي الْجَلَّابِيِّ مَا ذَكَرَ
الْقُدُورِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَفَعَ
أَحَدَ قَدَمَيْهِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ رَأَيْت
فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ فِيهِ
رِوَايَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ
وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَجُوزُ وَلَمْ
يَذْكُرْ الْكَرَاهَةَ وَذَكَرَ الْكَرَاهَةَ
فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَدَمُ
الْجَوَازِ عِنْدَ تَرْكِ وَضْعِ
الرِّجْلَيْنِ وَفِي جَامِعِ
التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ لَمْ يَضَعْ
الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ جَازَ . ا هـ
. كَاكِيٌّ مَعَ حَذْفٍ قَالَ الْكَمَالُ ،
وَأَمَّا افْتِرَاضُ وَضْعِ الْقَدَمِ
فَلِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا
بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ
بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَيَكْفِيهِ
وَضْعُ إصْبَعٍ وَاحِدَةٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: فِي حَالَةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ) أَيْ
فِي الْقَعْدَتَيْنِ . ا هـ . ع.
(قَوْلُهُ : وَهُمَا سُنَّتَانِ) أَيْ
بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ بِخِلَافِ
الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى مَا سَمِعْت مِنْ
الْخِلَافِ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ
الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ وَاجِبَتَيْنِ
لِلْمُوَاظَبَةِ وَلِمَا رَوَى أَصْحَابُ
السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ
لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» قَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَيَدُلُّ
عَلَيْهِ إيجَابُ سُجُودِ السَّهْوِ فِيهِ
فِيمَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي
فَصْلِ مَا يُوجِبُ السَّهْوَ قَالَ
الْمُصَلِّي إذَا رَكَعَ وَلَمْ يَرْفَعْ
رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى خَرَّ
سَاهِيًا سَاجِدًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِ
السَّهْوُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهَا فَرَائِضُ عَلَى الْفَرَائِضِ
الْعَمَلِيَّةِ وَهِيَ الْوَاجِبَةُ
فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ فَإِنَّهُ
يَقُولُ بِالْفَرْضِيَّةِ . ا هـ .
(1/107)
وَفِي قَوْلِهِ
الْقَوْمَةُ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ قَدْ
تَقَدَّمَ مِنْ قَرِيبٍ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ
الرُّكُوعِ سُنَّةٌ وَهُوَ الْقَوْمَةُ
فَيَكُونُ تَكْرَارًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّلَاةُ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ) يَعْنِي بَعْدَ
التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ
فَلْيَبْدَأْ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ
تَعَالَى ، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ ، ثُمَّ
بِالدُّعَاءِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّلَاةُ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب : 56]
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَا تَجِبُ خَارِجَ
الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَتْ فِي الصَّلَاةِ ،
وَإِلَّا يَلْزَمُ تَرْكُ الْأَمْرِ وَلَنَا
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ فَرَائِضَ الصَّلَاةِ
وَلَمْ يُعَلِّمْهُ الصَّلَاةَ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَعَلَّمَهُ
، وَكَذَا لَمْ يُرْوَ فِي تَشَهُّدِ أَحَدٍ
مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ أَوْجَبَهَا فَقَدْ
خَالَفَ الْآثَارَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ الشَّافِعِيَّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لَهُ سَلَفٌ
يُقْتَدَى بِهِ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ
مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ
وَالطَّحَاوِيُّ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ
دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ ؛ لِأَنَّ
الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بَلْ
يَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَمَا
اخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ
فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ قَدْ وَفَّيْنَا
بِمُوجِبِ الْأَمْرِ بِقَوْلِنَا السَّلَامُ
عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَا يَجِبُ
ثَانِيًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ إذْ لَوْ
وَجَبَ لَمَا تَفَرَّغَ لِعِبَادَةٍ أُخْرَى ؛
لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْلُو عَنْ ذِكْرِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
فَيَكْتَفِي بِمَرَّةٍ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَآدَابُهَا)
أَيْ آدَابُ الصَّلَاةِ (نَظَرُهُ إلَى
مَوْضِعِ سُجُودِهِ) أَيْ فِي حَالَةِ
الْقِيَامِ وَفِي حَالَةِ الرُّكُوعِ إلَى
ظَهْرِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى
أَرْنَبَتِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ
وَعِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إلَى
مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَعِنْدَ الثَّانِيَةِ
إلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ ؛ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ الْخُشُوعُ وَتَرْكُ
التَّكَلُّفِ فَإِذَا تَرَكَهُ وَقَعَ
بَصَرُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ قَصَدَ أَوْ
لَمْ يَقْصِدْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَكَظْمُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) أَيْ
إمْسَاكُ فَمِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ سَدُّهُ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ
مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ»
وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَرُدَّهُ بِيَدِهِ مَا اسْتَطَاعَ
فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ
مِنْهُ الشَّيْطَانُ» قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ
كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ
أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْعَدُ إلَى
التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ وَأَمْكَنُ
مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَدَفْعُ السُّعَالِ مَا
اسْتَطَاعَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ
بِغَيْرِ عُذْرٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
فَيَجْتَنِبُهُ مَا أَمْكَنَهُ الِاجْتِنَابُ
عَنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالْقِيَامُ حِينَ قِيلَ حَيَّ عَلَى
الْفَلَاحِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ
فَيُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ حَاضِرًا لَا
يَقُومُونَ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِمْ وَيَقِفَ
مَكَانَهُ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى
يَقُومُونَ إذَا اخْتَلَطَ بِهِمْ وَقِيلَ
يَقُومُ كُلُّ صَفٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ
الْإِمَامُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ دَخَلَ
مِنْ قُدَّامَ وَقَفُوا حِينَ يَقَعُ
بَصَرُهُمْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ
يَقُومُونَ حِينَ قِيلَ قَدْ قَامَتْ
الصَّلَاةُ الْأُولَى وَيُحْرِمُونَ عِنْدَ
الثَّانِيَةِ قُلْنَا هَذَا إخْبَارٌ عَنْ
قِيَامِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ
الْقِيَامِ قَبْلَهُ لِيَكُونَ صَادِقًا فِي
إخْبَارِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَفِي قَوْلِهِ الْقَوْمَةُ نَوْعُ
إشْكَالٍ إلَى قَوْلِهِ تَكْرَارًا) لَيْسَ
هُوَ ثَابِتٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَإِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي
بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الَّتِي لَيْسَتْ
بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ قُلْت
وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فِي خَطِّ
الشَّارِحِ فَالْمُرَادُ بِالْقَوْمَةِ
حَقِيقَتُهَا وَبِالرَّفْعِ مَا يَنْطَلِقُ
عَلَيْهِ اسْمُ الرَّفْعِ لَا حَقِيقَةُ
الْقِيَامِ وَبِمَا ذَكَرْنَا يَحْصُلُ
الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَيَرْتَفِعُ
الْإِشْكَالُ وَدَعْوَى التَّكْرَارِ ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَهُوَ الْقَوْمَةُ فَيَكُونُ
تَكْرَارًا إلَى آخِرِهِ) تَقَدَّمَ
الْجَوَابُ عَنْهُ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ)
أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَكَرْت عِنْدَهُ وَلَمْ
يُصَلِّ عَلَيَّ فَقَدْ جَفَانِي» . ا هـ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُ السَّوْقِ
التَّقَابُلُ بَيْنَ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ
وَالْقَوْلِ بِالْمَرَّةِ وَلَا يَنْبَغِي
ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَرَّةٌ مُرَادُ
قَائِلِهِ الِافْتِرَاضُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يُحْمَلَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ عَلَيْهِ كَمَا
ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ مُسْتَنِدَهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ
وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي أَنَّهُ لَا
إكْفَارَ بِجَحْدٍ مُقْتَضَاهُ بَلْ
التَّفْسِيقُ بَلْ التَّقَابُلُ بَيْنَ
الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ إذَا ذَكَرُوا
قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَوْلَى قَوْلُ
الطَّحَاوِيِّ وَجَعَلَ فِي الْفِقْهِ قَوْلَ
الطَّحَاوِيِّ أَصَحَّ وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ
الْمَبْسُوطِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بَعْدَ
النَّقْلِ عَنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ
التَّقَابُلِ ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ وَهُوَ
بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُوجِبُ
الْأَمْرِ الْقَاطِعِ الِافْتِرَاضُ مَرَّةً
فِي الْعُمْرِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا
؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ
وَقُلْنَا بِهِ . ا هـ . وَاعْتَرَضَ عَلَى
قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي
الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ تَخْلُ عَنْ ذِكْرِهِ فَلَوْ
وَجَبَتْ كُلَّمَا ذُكِرَ لَا نَجِدُ فَرَاغًا
عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُدَّةَ عُمْرِنَا
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْفَرَاغَ يُوجَدُ
بِالتَّدَاخُلِ كَمَا فِي سَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ
لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ هَذَا
الْجَوَابَ بِأَنَّ التَّدَاخُلَ يُوجَدُ فِي
حَقِّ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حَقُّهُ وَفِي قَوْلِهِ جَفَانِي دَلَالَةٌ
عَلَيْهِ وَلَا تَدَاخُلَ فِي حُقُوقِ
الْعِبَادِ وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ عَطَسَ
وَحَمِدَ اللَّهَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ
يَنْبَغِي لِلسَّامِعِ أَنْ يُشَمِّتَهُ فِي
كُلِّ مَرَّةٍ وَيُجِيبُ عَنْ اعْتِرَاضِهِ
بِأَنْ نَقُولَ الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْمُوجِبِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ
الذِّكْرُ الْمَسْمُوعُ فِي غَيْرِ ضِمْنِ
الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ
السَّرَخْسِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا
مُسْتَحَبَّةٌ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى . ا هـ . ابْنُ
فِرِشْتَا.
(قَوْلُهُ : وَآدَابُهَا) هِيَ سِتَّةٌ عَلَى
مَا ذَكَرَهُ . ا هـ . ع (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ
فِي حَالِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ
التَّشَهُّدِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَالِ
الْقِيَامِ فَقَطْ . ا هـ . رَازِيٌّ
(قَوْلُهُ : وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ)
قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ وَمِنْ خَطِّهِ
نَقَلْت وَفِي التَّشَهُّدِ إلَى مَسْجِدِهِ .
ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِخْرَاجُ
كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ
التَّكْبِيرِ) أَيْ الْأَوَّلِ إلَّا عِنْدَ
الْخَوْفِ مِنْ الْبَرْدِ . ا هـ . ع
(قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ
عُذْرٍ) أَيْ وَحَصَلَتْ مِنْهُ حُرُوفٌ . ا
هـ . ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَالْقِيَامُ) أَيْ قِيَامُ الْإِمَامِ
وَالْقَوْمِ . ا هـ . ع قَالَ فِي الْوَجِيزِ
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ
وَالْقَوْمُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ
عَلَى الْفَلَاحِ . ا هـ . وَمِثْلُهُ فِي
الْمُبْتَغَى . ا هـ .
(1/108)
قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشُرُوعُ الْإِمَامِ
مُذْ قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) وَهَذَا
عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَشْرَعُ
إذَا فَرَغَ مِنْ الْإِقَامَةِ مُحَافَظَةً
عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ
وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى الشُّرُوعِ
مَعَهُ لَهُمَا أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ
وَقَدْ أَخْبَرَ بِقِيَامِ الصَّلَاةِ
فَيَشْرَعُ عِنْدَهُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ
الْكَذِبِ وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى
الْمُنَاجَاةِ وَقَدْ تَابَعَ الْمُؤَذِّنَ
فِي الْأَكْثَرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ
عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا الْمُتَابَعَةُ فِي
الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ
[فَصْلٌ الشروع فِي الصَّلَاة وَبَيَان
إحرامها وأحوالها]
(فَصْلٌ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا أَرَادَ
الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) لِمَا
تَلَوْنَا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُمْت إلَى
الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ
اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ»
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَكُونُ حُجَّةً
عَلَى مَنْ يَقُولُ يَكُونُ شَارِعًا
بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ
وَلَوْ نَوَى الْأَخْرَسُ وَالْأُمِّيُّ
الَّذِي لَا يُحْسِنُ شَيْئًا يَكُونُ
شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ
التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَرَفْعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ
أُذُنَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَا وَهَذَا
اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ وَلَا
الْمُفَارَقَةَ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ
الْجَمْعِ وَقَالَ الصَّفَّارُ وَشَيْخُ
الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ
زَادَهْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مُقَارِنًا
لِلتَّكْبِيرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ سُنَّةُ
التَّكْبِيرِ فَيُقَارِنُهُ كَتَكْبِيرَاتِ
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ
يَرْفَعُ أَوَّلًا ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ؛
لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ
عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّفْيُ
مُقَدَّمٌ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ
وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ
حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي
أُذُنَيْهِ وَبِرُؤْسِ الْأَصَابِعِ فُرُوعَ
أُذُنَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْفَعُ
يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَى هَذَا
تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادُ لَهُ
مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى
مَنْكِبَيْهِ» وَلَنَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ
حُجْرٍ وَأَنَسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ «إذَا كَبَّرَ رَفَعَ
يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» ؛ وَلِأَنَّ
رَفْعَ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ وَهُوَ
بِمَا قُلْنَا وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى
حَالَةِ الْعُذْرِ ؛ لِأَنَّ وَائِلًا قَالَ :
ثُمَّ أَتَيْته مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ
وَعَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ
فَكَانُوا يَرْفَعُونَ فِيهَا إلَى
مَنَاكِبِهِمْ فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ
لِعُذْرِ الْبَرْدِ وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ
يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ
التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ
مَحَلِّهِ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ
التَّكْبِيرِ رَفَعَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ
مَحَلُّهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَى
الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا قَدْرَ
مَا يُمْكِنُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ
إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى رَفَعَهَا
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَإِنْ
لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَّا
بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْنُونِ
رَفَعَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَسْنُونِ
وَلَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ عَمَّا زَادَ
وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الرَّفْعِ
فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ يَدَهَا لَيْسَتْ
بِعَوْرَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَرْفَعُ
إلَى مَنْكِبَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ
لَهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَرَعَ
بِالتَّسْبِيحِ أَوْ بِالتَّهْلِيلِ أَوْ
بِالْفَارِسِيَّةِ صَحَّ كَمَا لَوْ قَرَأَ
بِهَا عَاجِزًا) أَيْ لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ
بِالْفَارِسِيَّةِ عَاجِزًا عَنْ الْقِرَاءَةِ
بِالْعَرَبِيَّةِ شَرَطَ الْعَجْزَ لِتَصِحَّ
بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الِافْتِتَاحُ
فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ
بِالتَّكْبِيرِ وَهَلْ يُكْرَهُ الشُّرُوعُ
بِغَيْرِهِ أَمْ لَا ذَكَرَ صَاحِبُ
الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ
لَا يُكْرَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ
يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا
اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ
أَوْ اللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ
، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَجُوزُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : فَيَشْرَعُ) أَيْ الْمُصَلِّي
وَهُوَ الْإِمَامُ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
لَهُمَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا كُلُّهُ جَوَابٌ
عَنْ قَوْلِهِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ
مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَبَقِيَ الْجَوَابُ
عَنْ قَوْلِهِ وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ
عَلَى الشُّرُوعِ . ا هـ .
(فَصْلٌ)
أَيْ فِي بَيَانِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ
وَبَيَانِ إحْرَامِهَا وَأَحْوَالِهَا . ا هـ
. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَإِذَا أَرَادَ) أَيْ الْمُكَلَّفُ . ا هـ .
ع (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ فِي الصَّلَاةِ)
أَيْ أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ . ا هـ . ع
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : كَبَّرَ) إلَّا
أَنْ يَكُونَ أَخْرَسَ أَوْ أُمِّيًّا لَا
يُحْسِنُ شَيْئًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا . ا
هـ . ع (قَوْلُهُ : حُجَّةً عَلَى مَنْ
يَقُولُ يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ إلَى
آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَأَبُو بَكْرٍ
الْأَصَمُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَطَائِفَةٌ . ا
هـ . غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا
يَصِحُّ الِافْتِتَاحُ إلَّا فِي حَالَةِ
الْقِيَامِ حَتَّى لَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا ،
ثُمَّ قَامَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَلَوْ
جَاءَ إلَى الْإِمَامِ فَحَنَى ، ثُمَّ
كَبَّرَ فَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ
أَقْرَبَ يَصِحُّ ، وَإِلَّا فَلَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ
بِاللِّسَانِ) أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ
حَرَكَةٌ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا
تَعَذَّرَ نَفْسُ الْوَاجِبِ لَا يُحْكَمُ
بِوُجُوبِ غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَرَفَعَ
يَدَيْهِ) أَيْ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ
نَحْوَ الْقِبْلَةِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ
أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ) وَظَاهِرُ كَلَامِ
الْمُصَنِّفِ أَنْ يُكَبِّرَ أَوَّلًا ، ثُمَّ
يَرْفَعَ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : إنَّ الْوَاوَ
لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَحِينَئِذٍ
فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى
الْأَصَحِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ : لِأَنَّ فِي
فِعْلِهِ نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ
اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ رَفْعُ الْيَدِ فِي
الْعُرْفِ يُفِيدُ الْإِنْكَارَ وَالنَّفْيَ
فَالْمُصَلِّي بِفِعْلِهِ يَنْفِي
الْكِبْرِيَاءَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى
وَبِقَوْلِهِ يُثْبِتُهُ لَهُ تَعَالَى
وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ . ا
هـ . (قَوْلُهُ : حَتَّى يُحَاذِيَ
بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ) قَالَ
قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ وَيَرْفَعُ
يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَيَمَسُّ طَرَفَ
إبْهَامَيْهِ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ
بِأَصَابِعِهِ فَوْقَ أُذُنَيْهِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَرْفَعُ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ
أَنْ رَقَّمَ لِشَرْحِ الْبَقَّالِيِّ
تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي
التَّكْبِيرِ إلَى مَنْكِبَيْهَا حِذَاءَ
ثَدْيَيْهَا قِيلَ هُوَ السُّنَّةُ فِي
الْحُرَّةِ فَأَمَّا الْأَمَةُ فَكَالرَّجُلِ
؛ لِأَنَّ كَفَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ . ا
هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ شَرَعَ
بِالتَّسْبِيحِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ
سُبْحَانَ اللَّهِ عِوَضَ اللَّهُ أَكْبَرُ .
ا هـ . ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ
بِالتَّهْلِيلِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ
بِأَنْ قَالَ خداي بذرك بِمَعْنَى اللَّهُ
أَكْبَرُ ، وَكَذَا سَائِرُ لُغَاتِ الْعَجَمِ
مِثْلُ السُّرْيَانِيَّةِ وَالْعِبْرَانِيَّةِ
وَالتُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ كَمَا
سَيَأْتِي . ا هـ . (قَوْلُهُ : ذَكَرَ
صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ) أَيْ
لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ . ا
هـ . غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ
الْأَوْلَى . ا هـ . (قَوْلُهُ : الْأَصَحُّ
أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) أَيْ لِمَا رُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ
- عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِلَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ وَنَبِيُّنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ . ا
هـ . كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ : أَوْ اللَّهُ كَبِيرٌ إلَى
آخِرِهِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
تَقْدِيمِ الْجَلَالَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ
مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ، وَقَدْ رُوِيَ
الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَوْ قَالَ
أَكْبَرُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي
لَيْسَ بِلَازِمٍ
(1/109)
إلَّا
بِالْأَوَّلَيْنِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا تَجُوزُ إلَّا
بِالْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
وَالتَّعْلِيلُ لِلتَّعْدِيَةِ يُؤَدِّي إلَى
تَعْطِيلِ الْمَنْقُولِ فَلَا يَجُوزُ وَجْهُ
قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ زِيَادَةَ
الْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا تُزِيدُهُ إلَّا
تَأْكِيدًا فَيَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّ أَفْعَلَ تَقْتَضِي
الزِّيَادَةَ بَعْدَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ
إيَّاهُ فِي الصِّفَةِ وَفِي صِفَاتِ اللَّهِ
لَا يُمْكِنُ فَكَانَ بِمَعْنَى فَعِيلٍ إذْ
لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَقَدْ جَاءَ
فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى فَعِيلٍ قَالَ
الشَّاعِرُ
إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا
... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
أَيْ عَزِيزٌ طَوِيلٌ وَقَالَ تَعَالَى {لا
يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى} [الليل : 15] أَيْ
الشَّقِيُّ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ
{وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل : 17]
أَيْ التَّقِيُّ وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ
{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم : 27] أَيْ
هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي
حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ
شَارِعًا بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ
الْعَرَبِيَّةِ إذَا كَانَ يُرَادُ بِهِ
التَّعْظِيمُ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي
الْفَارِسِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَارِعًا
فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ
الْعَرَبِيَّةَ ؛ لِأَنَّ لِلْعَرَبِيَّةِ
مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا وَلِأَبِي
حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ
فَكَبِّرْ} [المدثر : 3] أَيْ فَعَظِّمْ
وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ
وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ
مُعَلَّلَةً لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ
فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ
وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْبِيرِ
وَالصَّلَاةِ التَّعْظِيمُ وَقَدْ حَصَلَ
فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْمُعَيَّنِ مَعَ
عِلْمِنَا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِعَيْنِهِ
فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَلَوْ آمَنَ بِغَيْرِ
الْعَرَبِيَّةِ جَازَ إجْمَاعًا لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ .
وَكَذَا التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ
وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ يَجُوزُ
بِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هَذَا ، وَعَلَى
هَذَا الْخِلَافِ الْخُطْبَةُ وَالْقُنُوتُ
وَالتَّشَهُّدُ وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ
الْمُتَعَارَفُ ، ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا
أَنَّ مَا تَجَرَّدَ لِلتَّعْظِيمِ مِنْ
أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ
الِافْتِتَاحُ بِهِ نَحْوَ اللَّهُ إلَهٌ
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ وَمَا كَانَ خَبَرًا لَمْ يَجُزْ
نَحْوَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا
بِاَللَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ
وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ قَالَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ لَا
يَصِيرُ شَارِعًا ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ
فَكَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي
وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا وَلَوْ ذَكَرَ
الِاسْمَ دُونَ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ
اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَوْ الرَّبُّ أَوْ
الْكَبِيرُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ الْأَكْبَرُ
وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ يَصِيرُ شَارِعًا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَصِيرُ
شَارِعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِالِاسْمِ
وَالصِّفَةِ وَمُرَادُهُ الْمُبْتَدَأُ
وَالْخَبَرُ ، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ قَالَ
أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا
إجْمَاعًا وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ
بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ شَارِعًا
وَبِالرَّحِيمِ لَا ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ .
وَلَوْ افْتَتَحَ بِاللَّهُمَّ لَا يَصِيرُ
شَارِعًا فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ
اللَّهُمَّ أَمِنَّا بِخَيْرٍ عِنْدَ
الْكُوفِيِّينَ وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي
أُخْرَى ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ
عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ فَيَكُونُ تَعْظِيمًا
خَالِصًا ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ
بِالْفَارِسِيَّةِ فَجَائِزَةٌ فِي قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ يُحْسِنُ
الْعَرَبِيَّةَ ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ
لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}
[الزخرف : 3] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف :
2] .
وَالْمُرَادُ نَظْمُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ
قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ
الأَوَّلِينَ} [الشعراء : 196] وَلَمْ يَكُنْ
فِيهَا بِهَذَا النَّظْمِ وقَوْله تَعَالَى
{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى}
[الأعلى : 18] {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}
[الأعلى : 19] فَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ
بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَصُحُفُ مُوسَى
بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَدَلَّ عَلَى كَوْنِ
ذَلِكَ قُرْآنًا وَمَا تَلَيَاهُ لَا يَنْفِي
كَوْنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَلْ لَوْ قَالَ كَبِيرٌ أَوْ الْكِبَارُ
جَازَ عِنْدَهُ أَيْضًا . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ : وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ زِيَادَةَ
الْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا تَزِيدُ إلَّا
تَأْكِيدًا) أَيْ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ
. ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقَدْ جَاءَ) أَيْ
أَفْعَلُ (قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ
قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}
[المدثر : 3] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ
اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى : 15] . ا هـ
. (قَوْلُهُ : وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ
أَنْ تَكُونَ مُعَلَّلَةً) أَيْ
وَالتَّعَبُّدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ . ا
هـ .
(قَوْلُهُ : وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْبِيرِ
إلَى آخِرِهِ) حَتَّى يَقْتَصِرَ عَلَى لَفْظِ
" أَكْبَرُ " بَلْ الْوَاجِبُ تَعْظِيمُ
اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ كَبَّرَ مُتَعَجِّبًا
وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْظِيمَ لَمْ يَجُزْ
. ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ : حَتَّى
يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى
آخِرِهِ) ثُمَّ لَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا
الرَّحْمَنُ أَوْ الْعَزِيزُ كَانَ مُسْلِمًا
فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي
هُوَ أَصْلٌ فَفِي فُرُوعِهِ أَوْلَى . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : ثُمَّ الْأَصْلُ
عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : أَنْ مَا تَجَرَّدَ
لِلتَّعْظِيمِ) أَيْ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ
آخَرُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَمَا كَانَ
خَبَرًا) أَيْ عَنْ أَمْرٍ غَيْرِ
التَّعْظِيمِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : يَصِيرُ
شَارِعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَفِي
الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ أَنَّ صِحَّةَ
الشُّرُوعِ بِالِاسْمِ وَحْدَهُ رِوَايَةُ
الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا
وَاعْتُبِرَ الِاسْمُ مَعَ الصِّفَةِ فِيهِ .
ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ : إلَّا بِالِاسْمِ
وَالصِّفَةِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ
بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ إنَّمَا يَتِمُّ
بِالْخَبَرِ وَالتَّعْظِيمُ حُكْمٌ عَلَى
الْمُعَظَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ
عَلَيْهِ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَفَائِدَةُ
الْخِلَافِ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ
تَظْهَرُ فِي حَائِضٍ طَهُرَتْ وَفِي
الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الِاسْمَ فَقَطْ تَجِبُ
الصَّلَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا . ا هـ
. فَتْحٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَلَوْ أَبْدَلَ الْكَافَ قَافًا
يَصِيرُ شَارِعًا ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ
تَفْعَلُهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَفِي
فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ
شَارِعًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ
فِي غَيْرِهِ فِي كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ . ا
هـ . (قَوْلُهُ : وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي
أُخْرَى إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ
وَالْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا
اللَّهُ) لِأَنَّ الْمِيمَ بَدَلٌ مِنْ حَرْفِ
النِّدَاءِ . ا هـ . غَايَةٌ قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخِي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى
{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا
هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال : 32]
إلَى قَوْلِهِ {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال :
32] فَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ
اقْصِدْنَا بِالْخَيْرِ لَفَسَدَ مَعْنَى
الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ الْعَذَابِ مَعَ
قَوْلِهِمْ اقْصِدْنَا بِالْخَيْرِ
مُتَنَاقِضٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ : فَصُحُفُ
إبْرَاهِيمَ كَانَتْ بِالسُّرْيَانِيَّةِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ سَلَّامٍ إنَّمَا
سُمِّيَتْ اللُّغَةُ سُرْيَانِيَّةً ؛ لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى حِينَ عَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْمَاءَ عَلَّمَهُ سِرًّا مِنْ
الْمَلَائِكَةِ وَأَنْطَقَهُ بِهَا وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ إنَّمَا نَطَقَ
إبْرَاهِيمُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ حِينَ عَبَرَ
النَّهْرَ فَارًّا مِنْ نُمْرُودَ وَقَدْ
كَانَ نُمْرُودُ قَالَ لِلَّذِينَ
أَرْسَلَهُمْ خَلْفَهُ إذَا رَأَيْتُمْ فَتًى
يَتَكَلَّمُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَرُدُّوهُ
فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ اسْتَنْطَقُوهُ
فَحَوَّلَ اللَّهُ لِسَانَهُ عِبْرَانِيًّا
وَذَلِكَ حِينَ عَبَرَ النَّهْرَ فَسُمِّيَتْ
لِذَلِكَ عِبْرَانِيَّةً أَوَّلُ ش بُخَارِيٌّ
لِلْعَيْنِيِّ
(1/110)
غَيْرِ
الْعَرَبِيَّةِ قُرْآنًا ؛ لِأَنَّهُ
مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ
كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ
؛ لِأَنَّ الْمُنَزَّلَ هُوَ الْمَعْنَى
عِنْدَهُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
اللُّغَاتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقُرْآنَ
هُوَ النَّظْمُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا
عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالْإِعْجَازُ وَقَعَ بِهِمَا جَمِيعًا إلَّا
أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ النَّظْمَ رُكْنًا
لَازِمًا فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ
خَاصَّةً رُخْصَةً ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
بِحَالَةِ الْإِعْجَازِ وَقَدْ جَاءَ
التَّخْفِيفُ فِي حَقِّ التِّلَاوَةِ ، أَلَا
تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ
عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فَكَذَا هُنَا .
وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إذَا اكْتَفَى
بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ
حَتَّى إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ
قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ
صَلَاتُهُ وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى
قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَلَا
يَجُوزُ بِالتَّفْسِيرِ بِالْإِجْمَاعِ ؛
لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى
بِهَا) أَيْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ
بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ
الذِّكْرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لُغَةٍ
كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا
بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي) أَيْ لَا يَكُونُ
شَارِعًا بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ؛
لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ
تَعْظِيمًا خَالِصًا وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ
وَلَمْ يُرِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضْعُ
يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ
مُسْتَفْتِحًا) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ
سُنَّةُ الْقِيَامِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرٌ
حَتَّى يَضَعَ كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ
وَفِي الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجَنَائِزِ
وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ وَتَكْبِيرَاتِ
الْعِيدِ وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِيَامِ
مُطْلَقًا حَتَّى يَضَعَ فِي الْكُلِّ وَقِيلَ
سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ حَتَّى لَا
يَضَعَ حَالَةَ الثَّنَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي
كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ قِيلَ يَضَعُ الْكَفَّ
عَلَى الْكَفِّ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ
وَضْعَهَا عَلَى الْمِفْصَلِ وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى
رُسْغِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ
يَضَعُهَا كَذَلِكَ وَيَكُونُ الرُّسْغُ
وَسَطَ الْكَفِّ وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ
قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ صَاحِبُ
الْمُفِيدِ يَأْخُذُ رُسْغَهَا بِالْخِنْصَرِ
وَالْإِبْهَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ؛
لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَخْذِ الْوَضْعُ
وَلَا يَنْعَكِسُ .
وَقَوْلُهُ مُسْتَفْتِحًا هُوَ حَالٌ مِنْ
الْوَاضِعِ أَيْ يَضَعُ قَائِلًا سُبْحَانَك
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك
وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك وَلَا
يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ يَضُمُّ إلَيْهِ وَجَّهْت وَجْهِي
لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ
حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ
إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ
وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِمَا رَوَى
جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْتِي بِالتَّوَجُّهِ
فَقَطْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا قَامَ
إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ، ثُمَّ قَالَ
وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ وَلَنَا مَا
رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ
سُبْحَانَك اللَّهُمَّ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ ؛ وَابْنِ مَسْعُودٍ
وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ فَيَكُونُ حُجَّةً
عَلَيْهِمَا وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ
عَلَى التَّهَجُّدِ وَمَا رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ،
ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فِي قَوْله
تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ
تَقُومُ} [الطور : 48] قَالُوا يَقُولُ حِينَ
يَقُومُ لِلصَّلَاةِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ ؛ وَلِأَنَّ مَا
قُلْنَا ثَنَاءٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ
أَوْلَى مِنْ إخْبَارِ حَالِهِ كَمَا فِي
حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ لَا
يَشْتَغِلُ بِإِخْبَارِ حَالِهِ فَيَقُولُ
اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت أَوْ سَجَدْت
وَإِنَّمَا يَشْتَغِلُ بِالتَّسْبِيحِ
وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ
بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ ؛
لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْقِيَامِ
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ
شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَا لِي أَرَاكُمْ
سَامِدِينَ» أَيْ مُتَحَيِّرِينَ وَقِيلَ لَا
بَأْسَ بِهِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ
؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَزِيمَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعَوَّذَ
سِرًّا لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ
الْمَسْبُوقُ لَا الْمُقْتَدِي وَيُؤَخَّرُ
عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ
الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ تَخْصِيصِ
الْبَرْدَعِيِّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ
بِالْفَارِسِيَّةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ
: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ
أَحْرُفٍ» أَيْ لُغَاتٍ (قَوْلُهُ : جَازَتْ
صَلَاتُهُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : وَأَمَّا الشُّرُوعُ
بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ الْقِرَاءَةُ بِهَا
فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
مُطْلَقًا وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ
الْعَجْزِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّ رُجُوعُ أَبِي
حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ)
لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَعَالَى
غَيْرَ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ ؛ وَلِأَنَّهُ
كَلَامُ النَّاسِ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا
بَدَّلَ لَفْظًا عَرَبِيًّا بِلَفْظٍ
عَجَمِيٍّ يُمَاثِلُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى . ا
هـ ..
(قَوْلُهُ : وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ)
أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ ، ثُمَّ الْإِرْسَالُ فِي
الْقَوْمَةِ بِنَاءً عَلَى الضَّابِطِ
الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنَّ لَيْسَ فِيهَا
ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا
قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ
لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا بَلْ فِي نَفْسِ
الِانْتِقَالِ إلَيْهَا لَكِنَّهُ خِلَافُ
ظَاهِرِ النُّصُوصِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ
قَلَّمَا يَقَعُ التَّحْمِيدُ إلَّا فِي
الْقِيَامِ حَالَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا . ا
هـ . (قَوْلُهُ : وَقِيلَ سُنَّةٌ) وَهُوَ
قَوْلُ مُحَمَّدٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ : عَلَى
الْمِفْصَلِ) أَيْ مِفْصَلِ الْأَصَابِعِ . ا
هـ . يَحْيَى (قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ :
مُسْتَفْتِحًا إلَى آخِرِهِ) الْمُقْتَدِي
هَلْ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ إذَا أَدْرَكَ
الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ
ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنِّي لَا أَحْفَظُ
فِيهِ رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا
أَنِّي أُثْنِي مَا لَمْ يَبْدَأْ الْإِمَامُ
بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا
كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا يُجْهَرُ فِيهَا
أَثْنَى وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَقْرَأُ
بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجَهْرِ وَقَالَ عِيسَى
بْنُ النَّضْرِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ
يُثْنِي وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي
الْقِرَاءَةِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ مَا لَمْ
يَخَفْ فَوْتَ الرُّكُوعِ ، وَعَنْ ابْنِ
الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي وَعَنْ
الْجَصَّاصِ أَنَّهُ يَأْتِي . ا هـ .
صَفَوِيٌّ (قَوْلُهُ : رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ)
كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ ، وَأَمَّا
مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ رَوَاهُ
الْأَرْبَعَةُ فَمِنْ الْكَاتِبِ وَهُوَ
الصَّوَابُ لَا مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ
الْمُصَنِّفِ إذْ لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ
وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا
ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ
وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَبْدَةَ بْنَ
أَبِي لُبَابَةَ يَرْوِيهِ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ
يُدْرِكْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ
عَلَى التَّهَجُّدِ) أَيْ التَّنَفُّلِ ؛
لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ
فَيُؤْتِي فِيهِ بِمَا شَاءَ ، وَأَمَّا
الْفَرَائِضُ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا
اُشْتُهِرَ وَلِذَا لَمْ يُؤْتَ بِقَوْلِهِ
جَلَّ ثَنَاؤُك فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَذْكُرْ فِي الْمَشَاهِيرِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَتَعَوَّذَ
سِرًّا) وَانْتِصَابُ سِرًّا عَلَى الْحَالِ
أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ
مَحْذُوفٍ أَيْ تَعَوَّذَ تَعَوُّذًا سِرًّا .
ا هـ . ع
(1/111)
لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ} [النحل : 98] أَيْ إذَا أَرَدْت
قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَمَا تَقُولُ إذَا
دَخَلْت عَلَى السُّلْطَانِ فَتَأَهَّبْ أَيْ
إذَا أَرَدْت الدُّخُولَ عَلَيْهِ وَقَالَتْ
الظَّاهِرِيَّةُ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ
الْقِرَاءَةِ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَدْ
بَيَّنَّا مَعْنَاهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا
يَتَعَوَّذُ ، وَكَذَا لَا يَأْتِي
بِالثَّنَاءِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كُنَّا
نُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا
يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ
بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا
وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا قَامَ
إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ ، ثُمَّ يَقُولُ
أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ
مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وَعَلَيْهِ
الْإِجْمَاعُ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ
فِيمَا رُوِيَ الْقِرَاءَةُ بِدَلِيلِ
رِوَايَةِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَبَا بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ
الصَّلَاةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ» وَالْقِرَاءَةُ تُسَمَّى
صَلَاةً كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
«قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي
نِصْفَيْنِ» أَيْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ
بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ
وَالثَّوْرِيُّ يَجِبُ التَّعَوُّذُ عِنْدَ
الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا رُجُوعًا إلَى ظَاهِرِ
الْأَمْرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ
وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ
الْأَمْرَ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ
وَإِنَّمَا يُسِرُّ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ
وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَقَوْلُهُ
لِلْقِرَاءَةِ هُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ
وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِيهَا فَيَكُونُ
تَبَعًا لِلثَّنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
جِنْسِهِ لَا لِلْقِرَاءَةِ فَيَتَعَوَّذُ
عِنْدَهُ كُلُّ مَنْ يُثْنِي كَالْمُقْتَدِي
وَيُقَدَّمُ عَلَى تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ
لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلثَّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا
تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ كُلُّ
مَنْ يَقْرَأُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا قَامَ
لِلْقَضَاءِ وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ
الْعِيدِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ
وَلَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَقْرَأُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ
أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ
الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ حَمْزَةَ
مِنْ الْقُرَّاءِ لِمُوَافَقَتِهِ الْقُرْآنَ
وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَقُولَ
أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ
وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ مِنْ
الْقُرَّاءِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَمَّى سِرًّا
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَهْرِ
بِالْقِرَاءَةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
كَانَ «يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِبَسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَكَانَ
عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ يَجْهَرُونَ
بِهَا وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ
«صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا
مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «كَانَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا
يَجْهَرُ بِهَا» ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي
الْإِنْصَافِ وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ فِيهِ
دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ أَوْ يُحْمَلُ
عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا
أَحْيَانًا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا كَانَ
يَجْهَرُ أَحْيَانًا بِالْقِرَاءَةِ فِي
الظُّهْرِ تَعْلِيمًا وَمَا رُوِيَ عَنْ
عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ قَالَ عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الطُّرُقُ عَنْهُمْ
لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ
أَحَادِيثَ الْجَهْرِ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ
أَهْلِ النَّقْلِ وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ أَيْ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا
يَأْتِي بِهَا إلَّا فِي الْأُولَى فِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ فَجَعَلَهَا
كَالتَّعَوُّذِ وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ
السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ
مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي
صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ وَلَا يَأْتِي بِهَا
فِي الْجَهْرِيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ
الْإِخْفَاءُ بَيْنَ الْجَهْرَيْنِ وَهُوَ
شَنِيعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ
آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ
بَيْنَ السُّوَرِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ
وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) أَيْ الْبَسْمَلَةُ
آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ مِنْ أَوَّلِ
كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ آخِرِهَا وَإِنَّمَا
أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ .
وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ
إلَّا فِي النَّمْلِ فَإِنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ
فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ
إلَّا بِالْقَطْعِ وَذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ
وَلَمْ يُوجَدْ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَفْتَتِحُ
الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - مِثْلُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَنَسٍ إلَى
آخِرِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ
بِالشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ . ا هـ . يَحْيَى
وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَرَادَ الرِّوَايَةَ
الْأُخْرَى عَنْ أَنَسٍ الْآتِيَةِ فِي
دَلِيلِ مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَفْتَتِحُ
الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ» وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ
الِاسْتِدْلَال عَلَى الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ
كَمَا ذَكَرَ هُنَا مِنْ سَبْقِ الْيَرَاعِ .
ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
لِلصَّلَاةِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي
الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ . ا هـ . قَالَ
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ يَسْتَعِيذُ الْمَسْبُوقُ
مَرَّتَيْنِ إذَا افْتَتَحَ وَإِذَا قَرَأَ
فِيمَا يَقْضِي ذِكْرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ . ا
هـ . (قَوْلُهُ : وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ
الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ طَلَبُ الْإِعَاذَةِ
مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْمَزِيدُ قَرِيبٌ
فِي الْمَعْنَى مِنْ الثُّلَاثِيِّ . ا هـ .
كَاكِيٌّ وَلَاشْتَرَاكَهُمَا فِي الْحُرُوفِ
الْأُصُولِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : إلَّا فِي الْأُولَى فِي
رِوَايَةٍ إلَى آخِرِهِ) هِيَ رِوَايَةُ
الْحَسَنِ عَنْهُ . ا هـ . فَتْحٌ وَفِي
شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَالْأَحْسَنُ أَنْ
يُسَمِّيَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ
لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ وَمَنْ
قَالَ مَرَّةً فَقَدْ غَلِطَ إنَّمَا
الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهَا فَعِنْدَهُمَا
تَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى وَفِي
رِوَايَةِ هِشَامٍ وَالْمُعَلَّى عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا مَرَّةً
، ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ وَالصَّحِيحُ هُوَ
الْوُجُوبُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ . ا هـ .
وَرَأَيْت حَاشِيَةً بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ
ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ نَصُّهَا وَغَلِطَ
الْمُغَلِّطُ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا
إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ
الْقُرْآنِ الْوَاجِبِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ
مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ قُرْآنٌ قَبْلَ
الْفَاتِحَةِ وَأَجْمَعَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى
أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَعَلَى
أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ ذِكْرٌ
غَيْرَ التَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ
وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَةِ
الْقُنُوتِ ، وَأَمَّا النَّصُّ عَلَى
أَنَّهَا سُنَّةٌ فَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ
كَالْمُفِيدِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا . ا
هـ . (قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ
مِنْ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِهِ) مَنْ أَنْكَرَ
كَوْنَهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَكْفُرُ
عِنْدَنَا وَبَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكَشْفِ
الْكَبِيرِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : كَانَ
يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَوْلُهُ : رَبِّ
الْعَالَمِينَ لَيْسَتْ فِي نُسْخَةِ
الْمُصَنِّفِ . ا هـ .
(1/112)
قَوْلًا
وَاحِدًا ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهَا عَلَى
الصَّحِيحِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى
كِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ مَعَ الْأَمْرِ
بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى
الْحُجَجِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «كَانَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ
السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ فِي
الْمُسْتَدْرَكِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ
الْمُسْلِمُونَ لَا يَعْلَمُونَ انْقِضَاءَ
السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا أُنْزِلَتْ
لِلْفَصْلِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوَّلِ
كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ آخِرِهَا بَلْ هِيَ
آيَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا
قَالَتْ «إنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
[العلق : 1] وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ
فِي أَوَّلِهَا» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
قَالَ «إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ
ثَلَاثِينَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى
غُفِرَ لَهُ وَهِيَ تَبَارَكَ الَّذِي
بِيَدِهِ الْمُلْكُ» وَأَجْمَعُوا عَلَى
أَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً مِنْ غَيْرِ
الْبَسْمَلَةِ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى
أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ مَا
رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي
نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا
لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يَقُولُ
الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى
حَمِدَنِي عَبْدِي» الْحَدِيثُ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فَابْتَدَأَ الْقِسْمَةَ بِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَوْ
كَانَتْ الْبَسْمَلَةُ مِنْهَا لَابْتَدَأَ
بِهَا .
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
لِأَبِي بَكْرٍ «كَيْفَ تَقْرَأُ أُمَّ
الْقُرْآنِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ
وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ أَنَسٍ
وَعَائِشَةَ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ كَانَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ
بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» مَحْمُولٌ عَلَى
الْجَهْرِ أَيْ كَانَ يَفْتَتِحُ جَهْرًا بِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَمْ يَجْهَرْ
بِالْبَسْمَلَةِ وَتَرْكُ الْجَهْرِ لَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ
الْقُرْآنِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ وَكِتَابَتُهَا فِي
الْمَصَاحِفِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ
أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا
وَلِهَذَا طَوَّلُوا بَاءَهَا لِيَعْلَمَ
أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا ، أَلَا تَرَى
أَنَّ كُتَّابَ الْمَصَاحِفِ كُلَّهُمْ
عَدُّوا آيَاتِ السُّوَرِ فَأَخْرَجُوهَا مِنْ
كُلِّ سُورَةٍ ، وَكَذَا الْقُرَّاءُ وَقَالَ
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ جَعَلَهَا
مِنْ كُلِّ سُورَةٍ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ
فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ ؛ لِأَنَّهُمْ
لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ
فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنْ قِيلَ
لَوْ كَانَتْ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَجَازَتْ
الصَّلَاةُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ
لَا يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ آيَةٍ قُلْنَا
إنَّمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهَا
لِاشْتِبَاهِ الْآثَارِ وَاخْتِلَافِ
الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِهَا آيَةً لَا ؛
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ
وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) أَمَّا
الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ فَوَاجِبَتَانِ
عَلَى مَا بَيَّنَّا لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ
أَوْجَبَ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ
بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ وَثَلَاثُ
آيَاتٍ تَقُومُ مَقَامَ السُّورَةِ فِي
الْإِعْجَازِ فَكَذَا هُنَا ، وَكَذَا
الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ تَقُومُ مَقَامَهَا
وَهَذَا لِبَيَانِ الْوَاجِبِ ، وَأَمَّا
لِبَيَانِ الْفَرْضِ وَالْمُسْتَحَبِّ
فَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمَّنَ
الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) لِقَوْلِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ
مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ
الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالْبُخَارِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ
وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ فِي رِوَايَةٍ لَا
يَأْتِي الْإِمَامُ بِالتَّأْمِينِ وَهُوَ
رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا
الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» قُسِمَ
بَيْنَهُمَا وَهِيَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ ؛
وَلِأَنَّ سُنَّةَ الدُّعَاءِ تَأْمِينُ
السَّامِعِ لَا الدَّاعِي وَآخِرُ
الْفَاتِحَةِ دُعَاءٌ فَلَا يُؤَمِّنُ
الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ .
وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رَوَيْنَاهُ
وَقَوْلُهُمْ سُنَّةُ الدُّعَاءِ تَأْمِينُ
السَّامِعِ لَا الدَّاعِي غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ
التَّأْمِينَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا زِيَادَةُ
الدُّعَاءِ وَالدَّاعِي أَوْلَى بِهِ وَلَا
حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا رَوَوْهُ فَإِنَّهُ
قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ
يَقُولُهَا وَقَوْلُهُ سِرًّا هُوَ
مَذْهَبُنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :
يَجْهَرُ بِهَا عِنْدَ الْجَهْرِ
بِالْقِرَاءَةِ لِحَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ
قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْرَأُ غَيْرَ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
فَقَالَ آمِينَ وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ»
وَلَنَا حَدِيثُ وَائِلٍ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ آمِينَ
خَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : قَسَمْت الصَّلَاةَ) أَيْ
الْفَاتِحَةَ (قَوْلُهُ : يَفْتَتِحُ جَهْرًا
بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَ فِي نُسْخَةِ
الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَسُورَةٍ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَى آخِرِهِ)
فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ سُئِلَ عَنْ
الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ آخِرِ
السُّورَةِ أَفْضَلُ أَمْ قِرَاءَةُ سُورَةٍ
بِتَمَامِهَا قَالَ إنْ كَانَ آخِرَ
السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا
أَكْثَرَ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ
قِرَاءَتَهَا فَالْقِرَاءَةُ مِنْ آخِرِ
السُّورَةِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ
السُّورَةُ أَكْثَرَ آيَةٍ فَقِرَاءَتُهَا
أَفْضَلُ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى
فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ
يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ
وَاحِدَةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ آخِرَ سُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ
فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَكْثَرِ
مَشَايِخِنَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
الْحَلْوَانِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا
يُكْرَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : فَوَاجِبَتَانِ
عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي قَوْلِهِ
وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ
سُورَةٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ : حَتَّى يُؤْمَرَ
بِالْإِعَادَةِ) أَيْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ
لَا بِإِعَادَةِ الْفَاتِحَةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ
السُّورَةِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ
الْقِرَاءَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِمَجْدِ
الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ : قِرَاءَةُ
الْفَاتِحَةِ ، ثُمَّ السُّورَةُ وَاجِبَةٌ
لَكِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْجَبُ
حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِي الصَّلَاةِ
يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ
تَرَكَ السُّورَةَ لَا يُؤْمَرُ . ا هـ .
وَقَدْ نَقَلْت هَذِهِ الْعِبَارَةَ عِنْدَ
قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَوَاجِبُهَا
قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ . ا
هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَأَمَّنَ
الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) وَفِي
الْمُحِيطِ وَفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ
سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ وَلَا
الضَّالِّينَ فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا
هَلْ يُؤَمِّنُ قَالَ مَشَايِخُنَا لَا
يُؤَمِّنُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَغْوٌ
فَلَا يَنْبَغِي وَعِنْدَ الْهِنْدُوَانِيُّ
يُؤَمِّنُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ وَفِي الدِّرَايَةِ أَنَّهُ
مَسْنُونٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ
وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْقَارِئِ
خَارِجَ الصَّلَاةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ) أَيْ فِي
الْإِخْلَاصِ . ا هـ . يَحْيَى (قَوْلُهُ :
وَهِيَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ) وَحَمَلُوا
قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «إذَا أَمِنَ» عَلَى بُلُوغِ مَوْضِعِ
التَّأْمِينِ . ا هـ . غَايَةٌ
(1/113)
عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
يُخْفِي الْإِمَامُ أَرْبَعًا : التَّعَوُّذَ
وَالْبَسْمَلَةَ وَآمِينَ وَرَبَّنَا لَك
الْحَمْدُ وَيُرْوَى مِثْلُ قَوْلِهِ عَنْ
جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْضُهُمْ
يَقُولُ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ خَمْسَةٌ وَبَعْضُهُمْ
يَقُولُ ثَلَاثَةٌ ، وَكُلُّهُمْ بَعْدَ
التَّأْمِينِ مِنْهَا ؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ
فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ ؛
وَلِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا عَقِيبَ
الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ لَأَوْهَمَ أَنَّهَا
مِنْ الْقُرْآنِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ دَفْعًا
لِلْإِيهَامِ وَلِهَذَا لَمْ تُكْتَبْ فِي
الْمَصَاحِفِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا
يَلْزَمُ حُجَّةً وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ
الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ
وَالتَّشْدِيدُ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَهُوَ مِنْ
لَحْنِ الْعَوَامّ حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ
حَتَّى لَوْ قَالَ آمِينَ بِالْمَدِّ
وَالتَّشْدِيدِ ، قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛
لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ فِيهَا
لُغَةً بِالتَّشْدِيدِ مِنْهُمْ الْوَاحِدِيُّ
؛ وَلِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ
وَلَوْ قَالَ : آمِنُ بِالْمَدِّ وَحَذْفِ
الْيَاءِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛
لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْ
قَالَ أَمِنَ بِالْقَصْرِ وَحَذْفِ الْيَاءِ
يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقُرْآنِ
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَمَّنَ بِالْقَصْرِ
وَالتَّشْدِيدِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ
صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ بِلَا
مَدٍّ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبْزَى أَنَّهُ قَالَ
«صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَا
يُتِمُّ التَّكْبِيرَ» أَيْ لَا يَمُدُّ
وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ يَقُولُ
التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَيُرْوَى خَذْمٌ
بِالْخَاءِ وَالذَّالِ أَيْ سَرِيعٌ ؛
وَلِأَنَّ الْمَدَّ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ
وَهِيَ هَمْزَةُ اللَّهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛
لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ
يَكْفُرُ لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي
الْكِبْرِيَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي هَمْزَةِ
أَكْبَرَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِمَا
ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ فِي بَاءِ أَكْبَرَ
فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ
مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ
التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ لُغَةً
؛ وَلِأَنَّ أَكِبَارَ جَمْعُ كِبْرٍ وَهُوَ
الطَّبْلُ فَيَخْرُجُ مِنْ مَعْنَى
التَّكْبِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ
؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ نَشَأَتْ مِنْ
الْإِشْبَاعِ وَهَذَا بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ
الْإِشْبَاعَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي ضَرُورَةِ
الشَّعْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي لَامِ
اللَّهِ فَحَسَنٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ
حَدِّهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَكَعَ
وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ
وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ
حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَالصَّحَابَةِ مِنْ التَّطْبِيقِ
وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ إحْدَى كَفَّيْهِ إلَى
الْأُخْرَى وَيُرْسِلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ
مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا بِدَلِيلِ مَا
رُوِيَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ جَعَلْت يَدَيَّ
بَيْنَ رُكْبَتَيْ فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ
كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا فَنُهِينَا وَلَا
يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ
الْأَخْذِ بِالرُّكَبِ وَآمَنُ مِنْ
السُّقُوطِ وَلَا إلَى ضَمِّ الْأَصَابِعِ
إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ لِيَكُونَ
أَمْكَنَ مِنْ الْإِدْغَامِ أَيْ الِاتِّكَاءِ
عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ قُوَّتَهَا تَزْدَادُ
بِالضَّمِّ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يُتْرَكُ
عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَتَكَلَّفُ شَيْئًا ؛
لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا وَمَا
رُوِيَ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ فِي رَفْعِ
الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ مَحْمُولٌ
عَلَى النَّشْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّيِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَسَطَ
ظَهْرَهُ وَسَوَّى رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ) لِمَا
رُوِيَ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ
قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فَكَانَ إذَا
رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ
عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» وَرُوِيَ
أَنَّهُ كَانَ «إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ
مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ لَمَا تَحَوَّلَ
لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ» وَعَنْ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ
كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ
رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ» أَيْ لَمْ
يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَخْفِضْهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَبَّحَ فِيهِ
ثَلَاثًا) أَيْ فِي الرُّكُوعِ لِمَا
رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا أُنْزِلَتْ
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ قَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَلَمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : لَأَوْهَمَ أَنَّهَا مِنْ
الْقُرْآنِ فَيُمْنَعُ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى
قَالُوا بِارْتِدَادِ مَنْ قَالَ إنَّهُ
مِنْهُ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : وَفِي
آمِينَ لُغَتَانِ الْمَدُّ إلَى آخِرِهِ)
وَهُوَ مُخْتَارُ الْفُقَهَاءِ . ا هـ .
يَحْيَى (قَوْلُهُ : وَالْقَصْرُ) أَيْ وَهُوَ
اخْتِيَارُ أَهْلِ اللُّغَةِ . ا هـ . عِ أَيْ
وَمُخْتَارُ الْأُدَبَاءِ أَيْضًا . ا هـ .
يَحْيَى (قَوْلُهُ : وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ)
أَيْ دُعَاءَنَا (قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَهُ
وَجْهٌ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ نَدْعُوك
قَاصِدِينَ إجَابَتَك ؛ لِأَنَّ مَعْنَى
آمِينَ قَاصِدِينَ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ
الْوَلْوَالِجِيُّ الْمُصَلِّي إذَا فَرَغَ
مِنْ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقَالَ
آمِّينَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ
وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي
الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَقُولُ
آمِينَ بِغَيْرِ مَدٍّ وَلَا تَشْدِيدٍ أَوْ
آمِينَ بِالْمَدِّ دُونَ التَّشْدِيدِ
وَمَعْنَاهُ يَا أَمِينُ اسْتَجِبْ لَنَا
إلَّا أَنَّهُ أُسْقِطَتْ يَاءُ النِّدَاءِ
وَأُدْخِلَتْ الْمَدَّةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَلَوْ قَالَ آمَنَ بِالْمَدِّ وَحَذْفِ
الْيَاءِ) يُشِيرُ إلَى قَوْله تَعَالَى
{وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}
[الأحقاف : 17] . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَكَبَّرَ بِلَا
مَدٍّ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
«يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» . ا
هـ . (قَوْلُهُ : بِالْخَاءِ وَالذَّالِ) أَيْ
الْمُعْجَمَةُ (قَوْلُهُ : لِأَجْلِ الشَّكِّ
فِي الْكِبْرِيَاءِ) وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ
الْهَمْزَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ
لِلتَّقْرِيرِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ كُفْرٌ
وَلَا فَسَادٌ قَالَهُ فِي الْعِنَايَةِ . ا
هـ . (قَوْلُهُ : لِأَنَّ أَفْعَلَ
التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ) أَيْ
حَتَّى قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ أَدْخَلَ
الْمَدَّ بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ فِي
لَفْظِ " أَكْبَرُ " عِنْدَ افْتِتَاحِ
الصَّلَاةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِخِلَافِ
مَا لَوْ فَعَلَ الْمُؤَذِّنُ حَيْثُ لَا
تَجِبُ إعَادَةُ الْآذَانِ وَإِنْ كَانَ
خَطَأً ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ أَوْسَعُ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : نَشَأَتْ مِنْ
الْإِشْبَاعِ) أَيْ إشْبَاعِ فَتْحَةِ
الْبَاءِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَوَضَعَ يَدَيْهِ
عَلَى رُكْبَتَيْهِ) أَيْ نَاصِبًا سَاقَيْهِ
وَحَنْيِهِمَا شِبْهَ الْقَوْسِ كَمَا
يَفْعَلُهُ عَامَّةُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ
ذَكَرَهُ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : لِمَا رَوَيْنَا مِنْ
حَدِيثِ أَنَسٍ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ
وَأَخَذَ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ . ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَالَةَ الْقِيَامِ قَدْرُ
أَرْبَعِ أَصَابِعَ . ا هـ . وَفِي
الْوَاقِعَاتِ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ . ا هـ
. (قَوْلُهُ : لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ
الْإِدْغَامِ) أَيْ وَلِيَقَعَ رُءُوسُ
الْأَصَابِعِ مُوَاجِهَةً إلَى الْقِبْلَةِ
فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ
فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ إلَى
الْقِبْلَةِ مَا اسْتَطَاعَ» . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : مَحْمُولٌ عَلَى
النَّشْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّيِّ) أَيْ
لَا التَّفْرِيجُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : وَسَوَّى رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ)
أَيْ وَهُوَ نِصْفُهُ الْمُؤَخَّرُ ا هـ ع
وَالْعَجُزُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ
لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَجِيزَةُ
لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي
الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْعَجِيزَةُ
تُسْتَعَارُ لِلرَّجُلِ . ا هـ . غَايَةٌ.
(1/114)
نَزَلَتْ
سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى قَالَ :
اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» وَيُكْرَهُ أَنْ
يُنْقِصَ التَّسْبِيحَ عَنْ الثَّلَاثِ أَوْ
يَتْرُكَهُ كُلَّهُ وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ لَا
تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ عَلَى مَا
قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الصَّلَاةَ وَلَمْ
يَذْكُرْهُ لَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا
لَذَكَرَهُ لَهُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ
يَتَنَاوَلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ دُونَ
تَسْبِيحَاتِهِمَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ
بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ
لِلِاسْتِحْبَابِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ
الثَّلَاثِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ ،
وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ
أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي ثَلَاثًا أَتَمَّ
ثَلَاثًا فِي رِوَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
يُتَابِعُهُ وَكُلَّمَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ
لِلْمُنْفَرِدِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ
عَلَى وِتْرٍ ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا
يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يَمَلُّ الْقَوْمُ
مِنْهُ وَلَا يَأْتِي فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ بِغَيْرِ التَّسْبِيحِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يَزِيدُ فِي الرُّكُوعِ
اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَلَك خَشَعْت وَلَك
أَسْلَمْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَفِي
السُّجُودِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ
وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى
التَّهَجُّدِ عِنْدَنَا قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) وَقَدْ
بَيَّنَّاهُ فِي فَصْلِ الْوَاجِبَاتِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاكْتَفَى
الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ وَالْمُؤْتَمُّ
وَالْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ) وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْمَعُ
الْإِمَامَيْنِ الذِّكْرَيْنِ لِحَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ؛ وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ
غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْتِي
الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بِالذِّكْرَيْنِ ؛
لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ
فِيمَا يَفْعَلُ وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو
هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَسَمَ
بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي
الشَّرِكَةَ وَلَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ
فَقُولُوا : آمِينَ» حَيْثُ يُؤَمِّنُ
الْإِمَامُ مَعَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّا
نَقُولُ : عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا» وَقَوْلُهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» فَإِنْ قِيلَ
: قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ
يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَقَدْ عَدَّ مِنْهَا
التَّحْمِيدَ فَقَدْ عُرِفَ التَّحْمِيدُ
أَيْضًا مِنْ خَارِجٍ فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا
يَأْتِي بِهِ قُلْنَا مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ
حَدِيثِ الْقِسْمَةِ مَرْفُوعٌ وَحَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا
يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ وَمَا ذَكَرَهُ
الشَّافِعِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : قَالَ أَبُو مُطِيعٍ) هُوَ
الْبَلْخِيّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ . ا هـ
. غَايَةٌ (قَوْلُهُ : لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ)
أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ الثَّلَاثَ فَرْضٌ . ا
هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : وَالْأَمْرُ قَدْ
يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ) أَيْ بِدَلِيلِ
حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ (قَوْلُهُ :
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ) أَيْ
وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالَ
الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : هَذَا هُوَ
الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا ؛
لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ
وَتَسْبِيحَاتُ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ . ا هـ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ سَمِعَ الْإِمَامُ فِي
الرُّكُوعِ خَفْقَ النِّعَالِ هَلْ يَنْتَظِرُ
أَمْ لَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا
حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ
فَكَرِهَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْشَى
عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ
كَرِهَ ذَلِكَ مِقْدَارَ التَّسْبِيحَةِ
وَالتَّسْبِيحَتَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ
يُطَوِّلُ التَّسْبِيحَاتِ وَلَا يَزِيدُ فِي
الْعَدَدِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ
الصَّفَّارُ إنْ كَانَ الْجَائِي غَنِيًّا لَا
يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ
انْتِظَارُهُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ
كَانَ الْإِمَامُ عَرَفَ الْجَائِيَ لَا
يَنْتَظِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَا
بَأْسَ بِهِ إذْ فِيهِ إعَانَةٌ عَلَى
الطَّاعَةِ . ا هـ .
وَقِيلَ إنْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ
الْجَائِي خَاصَّةً وَلَا يُرِيدُ إطَالَةَ
الرُّكُوعِ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ
فَهَذَا مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ أَوَّلَ
رُكُوعِهِ لِلَّهِ وَآخِرُهُ لِلْجَائِي
فَقَدْ أَشْرَكَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَ اللَّهِ
تَعَالَى وَكَانَ أَمْرًا عَظِيمًا وَلَا
يَكْفُرُ ؛ لِأَنَّ إطَالَةَ الرُّكُوعِ لَمْ
تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لِلْقَوْمِ
وَإِنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ إدْرَاكِ
الرُّكُوعِ وَإِنْ أَطَالَهُ لِلتَّقَرُّبِ
إلَى اللَّهِ كَمَا شُرِعَ فِيهِ وَيُدْرِكُ
الْجَائِي الرَّكْعَةَ كَانَ الرُّكُوعُ مِنْ
أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ خَالِصًا لِلَّهِ
تَعَالَى فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ
الْإِمَامَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى
مِنْ الْفَجْرِ عَلَى الثَّانِيَةِ لِيُدْرِكَ
الْقَوْمُ الرَّكْعَةَ . ا هـ . غَايَةٌ ،
ثُمَّ قَالَ وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ
فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ
بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ
الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ . ا هـ . كَاكِيٌّ .
قَوْلُهُ : لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ
وَاجِبَةٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا
فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ قِرَاءَةِ
التَّشَهُّدِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي
يُتِمُّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَلَا
يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ إنْ
كَانَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ
فِي الْأَخِيرَةِ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ
قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فَقَدْ قِيلَ
يُتَابِعُهُ وَقِيلَ يُتِمُّ مَا بَقِيَ قَالَ
الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ
إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ وَقَامَ
أَوْ سَلَّمَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ
الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ يُتِمُّ
تَشَهُّدَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ
وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْمَسْبُوقُ
إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ قِرَاءَةِ
التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَفْرُغْ هُوَ قِيلَ
يُتِمُّ التَّشَهُّدَ وَقِيلَ لَا يُتِمُّ ؛
لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ
هُنَا مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ وَقَدْ
انْقَطَعَتْ الْمُتَابَعَةُ بِسَلَامِ
الْإِمَامِ وَقَدْ قِيلَ يُتِمُّ ؛ لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَةِ ذِكْرٍ وَاحِدٍ فَلَوْ قَطَعَهُ
تَبْطُلُ بِخِلَافِ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَسْبِيحَةٍ
ذِكْرٌ عَلَى حِدَةٍ . ا هـ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَاكْتَفَى
الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ إلَى آخِرِهِ)
لَكِنْ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فِي
نَفْسِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَا
يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ) أَيْ عَلَى
أَنَّهُ يَحْمَدُ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَقُولُ رَبَّنَا لَك
الْحَمْدُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : إذَا قَالَ
الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
قَبِلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ
وَالسَّمَاعُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ
الْقَبُولُ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ سَمِعَ
الْأَمِيرُ كَلَامَ فُلَانٍ إذَا قَبِلَ
وَيُقَالُ مَا سَمِعَ كَلَامَهُ أَيْ رَدَّهُ
فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَإِنْ سَمِعَهُ حَقِيقَةً
وَفِي الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِك مِنْ دُعَاءٍ
لَا يُسْمَعُ أَيْ لَا يُسْتَجَابُ وَفِي
الْفَوَائِدِ الْحَمِيدِيَّةِ الْهَاءُ فِي
حَمِدَهُ لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ لَا
لِلْكِنَايَةِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الثِّقَاتِ
وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْهَاءُ لِلْكِنَايَةِ
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا لَهُ}
[العنكبوت : 17] . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
: فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ)
تَتِمَّتُهُ «فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ
قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . ا هـ . (قَوْلُهُ
: إنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ) قَالَ فِي
الْأَسْرَارِ إنَّهُ غَرِيبٌ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ
حَدِيثِ الْقِسْمَةِ مَرْفُوعٌ) أَيْ
بِرِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ . ا
هـ . كَاكِيٌّ
(1/115)
بَعِيدٌ ؛
لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحُثُّ مَنْ خَلْفَهُ
عَلَى التَّحْمِيدِ فَلَا مَعْنَى
لِمُقَابَلَةِ الْقَوْمِ لَهُ عَلَى الْحَثِّ
بَلْ يَشْتَغِلُونَ بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرُ
؛ لِأَنَّ اللَّائِقَ لِلْمُحَرِّضِ أَنْ
يَأْتِيَ بِالْإِجَابَةِ طَاعَةً دُونَ
الْإِعَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ
الْمُحَاكَاةَ وَمَا رَوَيَاهُ مَحْمُولٌ
عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ ، وَكَانَ
الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْتَارُ
قَوْلَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ
لَا يَخْتَصُّ بِالذِّكْرِ دُونَ الْإِمَامِ
وَقَدْ يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ
كَالْقِرَاءَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمُنْفَرِدُ
بِالتَّحْمِيدِ أَيْ اكْتَفَى الْمُنْفَرِدُ
بِالتَّحْمِيدِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ
أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ .
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛
لِأَنَّ التَّسْمِيعَ حَثٌّ لِمَنْ هُوَ
مَعَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ مَعَهُ
غَيْرُهُ لِيَحُثَّهُ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ
لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ وَقَعَ
الثَّانِي فِي حَالِ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ
لَمْ يَشْرَعْ إلَّا فِي الِانْتِقَالِ ،
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ : يَنْبَغِي
أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ
عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛
لِأَنَّهُ إمَامُ نَفْسِهِ وَالْإِمَامُ
يَقْتَصِرُ عَلَى التَّسْمِيعِ عِنْدَهُ
وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَرَوَى
الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ
الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ
، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ
الْأَصَحُّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إمَامُ
نَفْسِهِ فَيَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ ، ثُمَّ
بِالتَّحْمِيدِ لِعَدَمِ مَنْ يَمْتَثِلُ بِهِ
خَلْفَهُ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي
لَفْظِ التَّحْمِيدِ فَقَالَ فِي بَعْضِهَا
يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ ، وَفِي
بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ
، وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ .
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ : رَبَّنَا لَك
الْحَمْدُ أَفْضَلُ لِزِيَادَةِ الثَّنَاءِ .
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : لَا
فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِك رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ
وَبَيْنَ قَوْلِك رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْوَاوِ قِيلَ هِيَ
زَائِدَةٌ وَقِيلَ هِيَ عَاطِفَةٌ تَقْدِيرُهُ
رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ كَبَّرَ) لِمَا
رَوَيْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضَعَ
رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَدَيْهِ) لِمَا رُوِيَ
عَنْ وَائِلٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ
يَدَيْهِ وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ
قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ وَجْهَهُ
بَيْنَ كَفَّيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
يَضَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ
لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا سَجَدَ
مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ
وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ
كَفَّيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَضَعُ
وَجْهَهُ إذَا سَجَدَ بَيْن كَفَّيْهِ»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ
حَسَنٌ . وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ
عَنْ وَائِلٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «سَجَدَ فَجَعَلَ كَفَّيْهِ
بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ» قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
وَلَعَلَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ
عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ
عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (بِعَكْسِ النُّهُوضِ) أَيْ الْهُبُوطِ
بِعَكْسِ النُّهُوضِ حَتَّى قَالُوا : إذَا
أَرَادَ السُّجُودَ يَضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ
أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ فَيَضَعُ
رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ ، ثُمَّ
أَنْفَهُ ثُمَّ جَبْهَتَهُ ، وَكَذَا إذَا
أَرَادَ الرَّفْعَ يَرْفَعُ أَوَّلًا
جَبْهَتَهُ ، ثُمَّ أَنْفَهُ ، ثُمَّ يَدَيْهِ
، ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ قَالُوا هَذَا إذَا
كَانَ حَافِيًا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ
مُتَخَفِّفًا فَلَا يُمْكِنُهُ وَضْعُ
الرُّكْبَتَيْنِ أَوَّلًا فَيَضَعُ
الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ
وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَجَدَ
بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) أَيْ عَلَى أَنْفِهِ
وَجَبْهَتِهِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ
وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَقَالَ صَلُّوا
كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَهُوَ أَمْرُ
اسْتِحْبَابٍ وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَلَا
يُصِيبُ أَنْفَهُ الْأَرْضَ فَقَالَ لَا
صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ
الْأَرْضَ» وَهِيَ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ
وَالْكَمَالِ دُونَ الْجَوَازِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا)
أَيْ وَكُرِهَ الِاقْتِصَارُ عَلَى
أَحَدِهِمَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ
أَبِي حُمَيْدٍ وَقَوْلُهُ وَكُرِهَ
بِأَحَدِهِمَا يَقْتَضِي كَرَاهِيَةَ
الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا
كَانَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ
وَالْمَزِيدِ أَيْضًا فَقَالَ وَوَضْعُ
الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا أَوْ الْأَنْفَ
وَحْدَهُ يُكْرَهُ وَيُجْزِي عِنْدَهُ
وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا
بِوَضْعِهِمَا إلَّا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا
عُذْرٌ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ إنَّ
وَضْعَ الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ
عُذْرٍ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا تُشْبِهُ
الْمُحَاكَاةَ) أَيْ كَمَا قُلْنَا فِي
جَوَابِ الْمُؤَذِّنِ فِي قَوْلِهِ حَيَّ
عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ . ا
هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَمَا رَوَيَاهُ)
أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : مَحْمُولٌ إلَى آخِرِهِ) هَذَا
الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ تُرْوَ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ
يُحْمَلَ عَلَى النَّفْلِ . ا هـ . يَحْيَى
(قَوْلُهُ : وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا) أَيْ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفَضْلِيُّ
وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : وَقَدْ يَخْتَصُّ
الْإِمَامُ بِهِ كَالْقِرَاءَةِ) أَيْ
فَبِكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْجَمْعِ
بَيْنَ الْمَذْكُورَيْنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَهُوَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي
الِانْتِقَالِ) أَيْ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ
ذِكْرَيْنِ كَانَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ
لِلِانْتِقَالِ مِنْ الرُّكُوعِ ، وَأَمَّا
الِانْتِقَالُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى
السُّجُودِ فَلَهُ ذِكْرٌ وَهُوَ التَّكْبِيرُ
فَالذِّكْرُ الثَّانِي يَقَعُ لِمُجَرَّدِ
اعْتِدَالِ الْقِيَامِ لَا لِلِانْتِقَالِ
وَالذِّكْرُ لَمْ يُسَنَّ إلَّا
لِلِانْتِقَالِ وَلِذَا لَمْ يُسَنَّ ذِكْرٌ
فِي حَالَةِ الْقَعْدَةِ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ . ا هـ . يَحْيَى (قَوْلُهُ :
يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيعِ لَا
غَيْرُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ)
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ نَصًّا
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ
الطَّحَاوِيُّ قَالَ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا
فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا .
ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ : إنَّ
الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ
إلَى آخِرِهِ) وَأَمَّا الْمُقْتَدِي لَا
يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ بِلَا خِلَافٍ . ا هـ
. غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَفِي بَعْضِهَا
رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
وَفِي بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك
الْحَمْدُ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَغَايَةٌ وَفِي
الْبَدَائِعِ الْأَشْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ . ا
هـ . وَفِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ
الرِّوَايَاتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقَالَ
فِي الْمُحِيطِ) أَيْ وَالذَّخِيرَةِ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : قِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ
إلَى آخِرِهِ) تَقُولُ الْعَرَبُ بِعْنِي
هَذَا الثَّوْبَ فَيَقُولُ الْمُخَاطَبُ
نَعَمْ وَهُوَ لَك بِدِرْهَمٍ فَالْوَاوُ
زَائِدَةٌ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
وَقِيلَ هِيَ عَاطِفَةٌ) أَيْ عَلَى مَحْذُوفٍ
. ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : بِعَكْسِ
النُّهُوضِ) أَيْ الْقِيَامِ . ا هـ .
عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ : إلَّا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا
عُذْرٌ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْبُوَيْرِيِّ
لَوْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ جَازَ
السُّجُودُ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ
فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ تَرَكَ
السُّجُودَ عَلَى الْمَقْدُورِ مِنْهُمَا
وَأَوْمَأَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ
كَانَ بِهِمَا عُذْرٌ يُومِئُ وَلَا يَسْجُدُ
عَلَى غَيْرِهِمَا كَالْخَدِّ وَالذَّقَنِ . ا
هـ . غَايَةٌ
(1/116)
كَرَاهِيَةٍ
وَفِي الْأَنْفِ وَحْدَهُ يَجُوزُ مَعَ
الْكَرَاهِيَةِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ فِي
الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ
لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَبْهَةِ
عِنْدَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ
عَنْهُمَا حَتَّى حَكَى السِّغْنَاقِيُّ فِي
شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ
تَتَأَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ بِإِجْمَاعِ
الثَّلَاثَةِ ، وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ
الْهِدَايَةِ الْخِلَافَ فِي الِاقْتِصَارِ
عَلَى الْأَنْفِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ
وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا .
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ
أَعْظُمَ وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ» وَلَوْ
كَانَ الْأَنْفُ مَحَلًّا لِلسُّجُودِ
لَذَكَرَهُ فَصَارَ كَالْخَدِّ وَالذَّقَنِ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ
عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفُفَ الشَّعْرَ وَلَا
الثِّيَابَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ
وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ
وَالْقَدَمَيْنِ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
«الْجَبْهَةُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى
أَنْفِهِ» هَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ
فِي الْأَحْكَامِ ؛ وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ
لِلسُّجُودِ إجْمَاعًا فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ
الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ كَالْجَبْهَةِ
بِخِلَافِ الذَّقَنِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلسُّجُودِ وَلِهَذَا لَا
يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَى الذَّقَنِ عِنْدَ
الْعَجْزِ عَنْ الْجَبْهَةِ وَعَلَى الْأَنْفِ
يَلْزَمُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا سُئِلَ
نُصَيْرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ وَضَعَ
جَبْهَتَهُ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ فَقَالَ إنْ
وَضَعَ أَكْثَرَ جَبْهَتِهِ يَجُوزُ ،
وَإِلَّا فَلَا فَقِيلَ لَهُ إنْ وَصَلَ
قَدْرَ الْأَنْفِ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ
يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ الْأَنْفُ
عُضْوٌ كَامِلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(أَوْ بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ كُرِهَ
السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ
وَيَجُوزُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «وَمَكِّنْ جَبْهَتَك
وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ» وَلِحَدِيثِ
خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ أَنَّهُ قَالَ
«شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ
الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا
فَلَمْ يُشْكِنَا» أَيْ لَمْ يُزِلْ
شَكْوَانَا وَلَنَا حَدِيثُ أَنَسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا
لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ
جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ
فَسَجَدَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالْبُخَارِيُّ ؛ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى فِي
ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ يَتَّقِي
بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي
صَحِيحِهِ قَالَ الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ
يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ
وَالْقَلَنْسُوَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ حَائِلٌ لَا
يَمْنَعُ مِنْ السُّجُودِ فَيَجُوزُ
كَالْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَمَا رَوَاهُ لَا
يُنَافِي مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ
يُوجَدُ مَعَهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ مُمَاسَّةُ
الْأَرْضِ بِهَا إجْمَاعًا وَالْجَوَابُ عَنْ
الْحَدِيثِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوْقَاتِ
الصَّلَاةِ .
وَمِنْ فُرُوعِهِ لَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ
وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ جَازَ عَلَى
الْأَصَحِّ وَلَوْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى
النَّجَاسَةِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ يَجُوزُ
وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْكُمَّ
تَبَعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى
النَّجَاسَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ
عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا حَنِثَ
وَإِنْ كَانَ ثَوْبُهُ حَائِلًا بَيْنَهُمَا
وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِهِ
أَيْضًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ
الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى
فَخِذِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ
عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِعُذْرٍ يَجُوزُ عَلَى
الْمُخْتَارِ وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا
يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ
الْإِيمَاءَ يَكْفِيهِ إذَا كَانَ بِهِ عُذْرٌ
وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ هُوَ فِي
صَلَاتِهِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ وَعَلَى
ظَهْرِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى أَوْ
لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ
الضَّرُورَةِ .
وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى
التُّرَابِ وَإِنْ بَسَطَ كُمَّهُ لِيَتَّقِيَ
التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ يُكْرَهُ
لِلتَّكَبُّرِ وَعَنْ ثِيَابِهِ لَا
لِعَدَمِهِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ لَا
يُلْقِي حَجْمَهُ لَا يَجُوزُ كَالْقُطْنِ
الْمَحْلُوجِ وَالثَّلْجِ وَالتِّبْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَفِي الْأَنْفِ وَحْدَهُ إلَى
آخِرِهِ) ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ وَضْعُ مَا
صَلُبَ مِنْ الْأَنْفِ لَا مَا لَانَ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَلَا أَكْفُفَ) أَيْ عَنْ
الِاسْتِرْسَالِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى
أَنْفِهِ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَكَرَ
الْجَبْهَةَ أَشَارَ إلَى الْأَنْفِ إلَى
أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِذَا
كَانَ أَعْضَاءُ السُّجُودِ سَبْعَةً ،
وَإِلَّا كَانَتْ ثَمَانِيَةً . ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَقَالَ الْأَنْفُ عُضْوٌ
كَامِلٌ) أَيْ وَقَدْرُهُ مِنْ الْجَبْهَةِ
لَيْسَ بِعُضْوٍ كَامِلٍ فَلَا يَجُوزُ . ا هـ
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ بِكَوْرِ
عِمَامَتِهِ) أَيْ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ
. ا هـ .
وَمَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ فِي عَلَامَةِ
الْمِيمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى
كَوْرِ الْعِمَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ
التَّعْظِيمِ لَا يُرَادُ بِهِ أَصْلُ
التَّعْظِيمِ ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَلْ
نِهَايَتُهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ
فِعْلٌ وُضِعَ لِلتَّعْظِيمِ ؛ وَلِأَنَّ
الْمُشَاهَدَ مِنْ وَضْعِ الرَّجُلِ
الْجَبْهَةَ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الْأَرْضِ
نَاكِسًا لِغَيْرِهِ عَدَّهُ تَعْظِيمًا أَيْ
تَعْظِيمٌ . ا هـ . فَتْحٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ
وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى كَوْرِ
عِمَامَتِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ إلَى آخِرِهِ) وَالْخِلَافُ
فِيمَا إذَا وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ أَمَّا
بِدُونِهِ فَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا
وَتَفْسِيرُ وُجِدَ أَنَّ الْحَجْمَ مَا
قَالُوا أَنَّهُ لَوْ بَالَغَ لَا يَتَسَفَّلُ
رَأْسَهُ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : خَبَّابُ بْنُ
الْأَرَتِّ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ . ا هـ
. (قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ
الْكُمَّ تَبَعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ سَجَدَ
عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ
كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ صَحَّحَ الْجَوَازَ
فَلَيْسَ بِشَيْءٍ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ
: وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى
رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَمْ نَعْلَمْ
فِيهِ خِلَافًا لَكِنْ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ
كَفَاهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ
الْإِيمَاءِ كَأَنْ عَدِمَ الْخِلَافَ فِيهِ
لِكَوْنِ السُّجُودِ يَقَعُ عَلَى جُزْءِ
الرُّكْبَةِ وَهُوَ لَا يَأْخُذُ قَدْرَ
الْوَاجِبِ مِنْ الرُّكْبَةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ
هُوَ فِي صَلَاتِهِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ)
وَقِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ سُجُودُ
الثَّانِي عَلَى الْأَرْضِ . ا هـ . مُجْتَبَى
(قَوْلُهُ : وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ
عَلَى التُّرَابِ إلَى آخِرِهِ) .
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ
مَسَحَ جَبْهَتَهُ مِنْ التُّرَابِ قَبْلَ
أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ
بِهِ لِإِزَالَةِ شُبْهَةِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ
مَسَحَ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ
مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَقَبْلَهُ لَا بَأْسَ
بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ قَالَ : أَحَبُّ إلَيَّ تَرْكُهُ ؛
لِأَنَّهُ يَتَلَوَّثُ ثَانِيًا وَثَالِثًا
فَلَا يُفِيدُهُ وَإِنْ مَسَحَ لِكُلِّ
مَرَّةٍ يَكْثُرُ الْعَمَلُ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : وَإِنْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ لَا
يُلْقِي حَجْمَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الْفَتْحِ يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَى
الْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ وَالْقُطْنِ
وَالطَّنْفَسَةِ إنْ وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ
، وَكَذَا الثَّلْجُ الْمُلَبَّدُ فَإِنْ
كَانَ بِحَالٍ يَغِيبُ فِيهِ وَجْهُهُ وَلَا
يَجِدُ الْحَجْمَ أَوْ عَلَى الْعَجَلَةِ
عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ كَالسَّرِيرِ لَا إنْ
كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ كَالْبِسَاطِ
الْمَشْدُودِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ وَعَلَى
الْعِرْزَالِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ
يَجُوزُ لَا عَلَى الدَّخَنِ وَالْأُرْزِ
لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَلَوْ ارْتَفَعَ
مَوْضِعُ السُّجُودِ عَنْ مَوْضِعِ
الْقَدَمَيْنِ قَدْرَ لَبِنَةٍ أَوْ
لَبِنْتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ لَا إنْ
زَادَ . ا هـ .
(1/117)
وَالدُّخْنِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَأَبْدَى ضَبْعَيْهِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ حَتَّى
يُرَى وَضَحُ إبِطَيْهِ» أَيْ بَيَاضُهُمَا
وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ ازْدِحَامٌ
لَا يُجَافِي حَتَّى لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ
بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ
ازْدِحَامٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَجَافَى بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ)
لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ
يَدَيْهِ حَتَّى إنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ
أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ» قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجَّهَ أَصَابِعَ
رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِحَدِيثِ
أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا سَجَدَ وَضَعَ
يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا
قَابِضَهُمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ
أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَبَّحَ فِيهِ
ثَلَاثًا) أَيْ فِي السُّجُودِ لِمَا
رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتُلْزِقُ
بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ
فَقَالَ إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ
اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ
لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ» ، ثُمَّ
اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَالِفُ
الرَّجُلَ فِي عَشْرِ خِصَالٍ : تَرْفَعُ
يَدَيْهَا إلَى مَنْكِبَيْهَا ، وَتَضَعُ
يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيِهَا
، وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا
، وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى فَخِذَيْهَا
تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا
، وَلَا تَفْتَحُ إبْطَيْهَا فِي السُّجُودِ ،
وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً فِي التَّشَهُّدِ ،
وَلَا تُفَرِّجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ
، وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ
جَمَاعَتُهُنَّ وَيَقُومُ الْإِمَامُ
وَسَطَهُنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا) أَيْ مِنْ
السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَلَسَ
مُطْمَئِنًّا) يَعْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ
«كَانَ رُكُوعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُجُودُهُ
وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلَا
الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ
السَّوَاءِ» ، ثُمَّ الْجِلْسَةُ
وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا وَالْقَوْمَةُ
وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا
فِي الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ عَلَى قَوْلِهِمَا ، فَقَالَ
الْكَرْخِيُّ : إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَقَالَ
الْجُرْجَانِيُّ سُنَّةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا
الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَخِلَافُ
أَبِي يُوسُفَ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ
وَلَيْسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذِكْرٌ
مَسْنُونٌ ، وَكَذَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ
الرُّكُوعِ وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ
الدُّعَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ ،
قَالَ يَعْقُوبُ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ
الرَّجُلِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
فِي الْفَرِيضَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِي قَالَ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ
وَيَسْكُتُ وَكَذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
يَسْكُتُ فَقَدْ أَحْسَنَ الْجَوَابَ حَيْثُ
لَمْ يُنْهَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ صَرِيحًا
مِنْ قُوَّةِ احْتِرَازِهِ ، وَقَدْ حَصَلَ
مَقْصُودُهُ بِإِيثَارِ التَّحْمِيدِ فِيهِ
وَالسُّكُوتِ بَعْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي
مِقْدَارِ الرَّفْعِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ
أَقْرَبَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاعِدًا
وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ لَا
يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
بِحَيْثُ لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاظِرِ
أَنَّهُ قَدْ رَفَعَ يَجُوزُ وَرَوَى
الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا
رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ
الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ ،
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ إذَا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا يُسَمَّى بِهِ
رَافِعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى لَوْ سَجَدَ عَلَى
ظَهْرِ مَيِّتٍ عَلَيْهِ لِبْدٌ إنْ لَمْ
يَجِدْ حَجْمَهُ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا
وَقِيلَ إنْ كَانَ مَغْسُولًا جَازَ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إزَارٌ . ا هـ .
قَوْلُهُ : كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ إلَى
آخِرِهِ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى
نَقْلًا عَنْ النَّظْمِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ
وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ وُجُودِ حَجْمِ
الْأَرْضِ حَالَ السُّجُودِ ، وَأَمَّا عَدَمُ
جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْعَجَلَةِ إذَا
كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي
حَقِّ الْفَرِيضَةِ لَا النَّافِلَةِ
وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَاةِ
عَلَى الدَّابَّةِ مَا يُفْصِحُ بِذَلِكَ . ا
هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : ضَبْعَيْهِ)
وَالضَّبُعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ
الْمُوَحَّدَةِ الْعَضُدُ وَبِضَمِّهَا
الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ الْمَعْرُوفُ
وَالسَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ ذَكَرَهُ فِي
الصِّحَاحِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ وَفِي
الْمُحِيطِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا
لُغَتَانِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْته قَالَ
فِي الْمَنَافِع الضَّبُعُ بِالسُّكُونِ لَا
غَيْرُ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ)
أَيْ ابْنُ بُحَيْنَةَ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
«إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ» إلَى آخِرِهِ) فِي
حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «إذَا
سَجَدَ جَخَّ» بِجِيمٍ ، ثُمَّ خَاءٍ
مَشْدُودَةٍ وَيُرْوَى جَخَّى بِالْيَاءِ فِي
آخِرِهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَيْ فَتَحَ
عَضُدَيْهِ وَجَافَاهُمَا مِنْ جَنْبَيْهِ
وَرَفَعَ بَطْنَهُ عَنْ الْأَرْضِ . ا هـ .
نِهَايَةُ ابْنِ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ :
حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً) بِفَتْحِ الْبَاءِ
وَسُكُونِ الْهَاءِ الْأُنْثَى مِنْ صِغَارِ
الْغَنَمِ بَعْدَ السَّخْلَةِ فَإِنَّهَا
أَوَّلُ مَا يَضَعُهُ أُمُّهُ ، ثُمَّ يَصِيرُ
بَهْمَةً . ا هـ . كَاكِيٌّ وَفِي بَعْضِ
النُّسَخِ الْبَهِيمَةُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ
وَهُوَ تَحْرِيفٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
«حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ
تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ» رَوَاهُ
الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَا فِيهِ
بُهَيْمَةٌ وَعَلَى الْبَاءِ ضَمَّةٌ بِخَطِّ
بَعْضِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَصْغِيرِ بَهْمَةٍ
قِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ .
ا هـ . فَتْحٌ قَالَ سِبْطُ بْنِ الْجَوْزِيِّ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْمَرْأَةُ
تَنْخَفِضُ) أَيْ تَضُمُّ نَفْسَهَا ا هـ . ع
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَتُلْزِقُ
بَطْنَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ
أَسْتَرُ لَهَا . ا هـ . ع (قَوْلُهُ : عَلَى
فَخِذَيْهَا تَبْلُغُ) فِي نُسْخَةٍ بِحَيْثُ
تَبْلُغُ (قَوْلُهُ : مِنْ السُّجُودِ لِمَا
رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ
عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ) أَيْ
كَانَ لُبْثُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ
قَرِيبًا مِنْ التَّسَاوِي إلَّا الْقِيَامَ
وَالْقُعُودَ فَإِنَّ اللُّبْثَ فِيهِمَا لَا
يَقْرُبُ اللُّبْثَ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ
بَلْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ :
قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً بَلْ
كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ وَلَمَّا
كَانَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
وَالْقِيَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَرِيبَيْنِ
مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَانَا
مُشْتَمِلَيْنِ عَلَى الِاطْمِئْنَانِ . ا هـ
. (قَوْلُهُ : وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ
الرَّفْعِ إلَى آخِرِهِ) فِيهِ شَيْءٌ
تَقَدَّمَ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ
أَنَّهُ جَعَلَ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ
سُنَّةً . ا هـ . وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ
الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْجِلْسَةَ
وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْقَوْمَةَ
وَالطُّمَأْنِينَةَ فِيهَا سُنَّةٌ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ
أَقْرَبَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
التَّجْنِيسِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
السُّجُودِ قَلِيلًا ، ثُمَّ سَجَدَ أُخْرَى
فَإِنْ كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا
يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَإِنْ
كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ ؛
لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا . ا هـ . وَلَمْ
يُحْكَ غَيْرُهُ . ا هـ ..
(1/118)
جَازَ
لِوُجُودِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ
وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الرِّوَايَةَ
الْأُولَى أَصَحَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَكَبَّرَ وَسَجَدَ مُطْمَئِنًّا) لِمَا
رَوَيْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ
لِلنُّهُوضِ بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودٍ) أَيْ
كَبَّرَ لِلنُّهُوضِ وَنَهَضَ بِلَا
اعْتِمَادٍ وَقُعُودٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ
وَيَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً لِحَدِيثِ
مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ «رَأَى
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي
وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى
يَسْتَوِيَ جَالِسًا» وَلَنَا مَا رَوَاهُ
أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَنْهَضُ
عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ ؛ وَعَنْ
ابْنِ عُمَرَ «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ
عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«إذَا نَهَضَ اعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ»
وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى
حَالَةِ الضَّعْفِ بِسَبَبِ الْكِبَرِ لِمَا
رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ ،
ثُمَّ اعْتَذَرَ فَقَالَ إنَّ رِجْلَيَّ لَا
تَحْمِلَانِي ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ
مَشْرُوعَةً لَشُرِعَ التَّكْبِيرُ عِنْدَ
الِانْتِقَالِ مِنْهَا إلَى الْقِيَامِ كَمَا
فِي سَائِرِ الِانْتِقَالَاتِ فِي الصَّلَاةِ
مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ ؛ وَلِأَنَّهَا
جِلْسَةُ اسْتِرَاحَةٍ وَفِي الصَّلَاةِ
شُغْلٌ عَنْ الرَّاحَةِ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ
إحْدَى رِجْلَيْهِ عِنْدَ النُّهُوضِ
وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ
وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَالثَّانِيَةُ كَالْأُولَى) أَيْ
الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ كَالرَّكْعَةِ
الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارُ الْأَرْكَانِ
فَلَا يَخْتَلِفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(إلَّا أَنَّهُ لَا يُثْنِي) لِأَنَّهُ شُرِعَ
فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ دُونَ أَثْنَائِهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا
يَتَعَوَّذُ) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ
الْقِرَاءَةِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فَلَا
يَتَكَرَّرُ إلَّا بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ
فَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ وَقَرَأَ ،
ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا ، ثُمَّ قَرَأَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْفَعُ
يَدَيْهِ إلَّا فِي فقعس صمعج) أَيْ إلَّا فِي
سَبْعِ مَوَاطِنَ : وَهِيَ عِنْدَ
الِافْتِتَاحِ ، وَالْقُنُوتِ ،
وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ، وَاسْتِلَامِ
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْمَرُوتَيْنِ
وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ .
فَالْفَاءُ فِيهِ عَلَامَةٌ لِلِافْتِتَاحِ
وَالْقَافُ لِلْقُنُوتِ وَالْعَيْنُ لِلْعِيدِ
وَالسِّينُ لِلِاسْتِلَامِ وَالصَّادُ
لِلصَّفَا وَالْمِيمُ لِلْمَرْوَةِ
وَالْعَيْنُ لِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : بِسَبَبِ الْكِبَرِ) فَقَدْ رُوِيَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
قَالَ «قَدْ بَدَّنْتُ أَيْ كَبُرْت فَلَا
تُبَادِرُونِي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ» ا هـ .
كَاكِيٌّ وَفِي الرَّوْضَةِ قَالَ إذَا كَانَ
شَيْخًا أَوْ رَجُلًا بَدِينًا لَا يَقْدِرُ
عَلَى النُّهُوضِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ
يَعْتَمِدَ بِهِ عَلَى الْأَرْضِ مَنْصُوصٌ
عَلَيْهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ
بِالْيَمِينِ) أَيْ مُبْتَدِئًا بِالْيَمِينِ
. ا هـ . (قَوْلُهُ : إلَّا أَنَّهُ) أَيْ
الْمُصَلِّي ا هـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا يَرْفَعُ)
أَيْ الْمُكَلَّفُ . ا هـ . ع (قَوْلُهُ :
وَالْجَمْرَتَيْنِ) وَالْمُرَادُ الْوُقُوفُ
عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى
وَالْوُسْطَى . ا هـ . بَاكِيرٌ قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ
يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ كَفِّهِ إلَى
الْقِبْلَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الَّتِي فِي
الصَّلَاةِ وَفِي الَّتِي فِي الْحَجِّ
بَاطِنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ إلَّا عِنْدَ
اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ
بِبَاطِنِ كَفِّهِ إلَى الْحَجَرِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَالصَّادُ لِلصَّفَا وَالْمِيمُ
لِلْمَرْوَةِ) وَجَعَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ
شَيْئًا وَاحِدًا نَظَرًا إلَى السَّعْيِ . ا
هـ . مُسْتَصْفًى فَوَائِدُ قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ
الْمُقْتَدِي إذَا أَتَى بِالرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ هَذِهِ عَلَى
خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا إذَا أَتَى بِهِمَا
قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ
مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ
قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ أَوْ أَتَى بِهِمَا
قَبْلَهُ وَيُدْرِكُهُ الْإِمَامُ فِي آخِرِ
رَكَعَاتِهِ فَإِنْ أَتَى بِالرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي كُلِّهَا
يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا
رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي
أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ وَإِنْ رَكَعَ
بَعْدَ الْإِمَامِ وَسَجَدَ بَعْدَهُ جَازَتْ
صَلَاتُهُ . ا هـ . وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت
أَنَّ مُدْرِكَ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ
لَاحِقٌ وَهُوَ يَقْضِي قَبْلَ فَرَاغِ
الْإِمَامِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى
فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَرُكُوعُهُ
وَسُجُودُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ عَنْ
الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ
الثَّانِيَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ
الثَّالِثَةِ وَيَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ
الْإِمَامِ رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ ؛
لِأَنَّهُ لَاحِقٌ وَفِي الثَّانِيَةِ
يَلْتَحِقُ سَجْدَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ
بِرُكُوعِهِ فِي الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ كَانَ
مُعْتَبَرًا وَيَلْغُو رُكُوعُهُ فِي
الثَّانِيَةِ لِوُقُوعِهِ عَقِبَ رُكُوعِهِ
الْأَوَّلِ بِلَا سُجُودٍ وَبَقِيَ عَلَيْهِ
رَكْعَةٌ ، ثُمَّ رُكُوعُهُ وَالثَّالِثَةُ
مَعَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ وَيُلْتَحَقُ بِهِ
سُجُودُهُ فِي رَابِعَةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ
عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ
فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ
فِي الثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ .
(تَتِمَّةٌ فِيمَا يُتَابِعُ الْإِمَامُ فِيهِ
وَفِيمَا لَا يُتَابِعُهُ) .
إذَا رَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ مِنْ
الرُّكُوعِ قَبْلَ الْإِمَامِ يَنْبَغِي أَنْ
يَعُودَ وَلَا يَصِيرَ رُكُوعَيْنِ ، وَكَذَا
فِي السُّجُودِ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ
الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُقْتَدِي
سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا
الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَلَوْ
أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ يُسَبِّحُ
وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ وَفِي صَلَاةِ الْعِيدِ
يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي الرُّكُوعِ
وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ
يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ يُتِمُّهُ
وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَقَامَ جَازَ وَفِي
الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَلَّمَ أَوْ
تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ
يُتِمُّهُ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ
يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الدُّعَاءِ
سَلَّمَ مَعَهُ وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ
يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا يُسَلِّمُ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ
الْإِمَامِ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَلْ
يَفْسُدُ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَبْقَى بَعْدَ
سَلَامِهِ وَكَلَامِهِ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ
الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ حَتَّى طَلَعَتْ
الشَّمْسُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ
وَيُتَابِعُهُ فِي الْقُنُوتِ وَقَدَّمْنَا
مَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ فِي
بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ
يَقْنُتَ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ قَنَتَ ،
وَإِلَّا تَابَعَ وَفِي نَظْمِ الزندويستي
خَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ
لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ الْقُنُوتُ
وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْقَعْدَةُ
الْأُولَى وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ
السَّهْوِ إذَا تَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ
يَسْجُدْ أَوْ سَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ .
وَأَرْبَعَةٌ إذَا فَعَلَهَا لَا يَفْعَلُهَا
الْقَوْمُ : إذَا زَادَ سَجْدَةً مَثَلًا أَوْ
زَادَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مَا يَخْرُجُ
بِهِ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَسَمِعَ
التَّكْبِيرَ مِنْ الْإِمَامِ لَا مِنْ
الْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي
صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ خَامِسَةٍ فِي
تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ أَوْ قَامَ إلَى
الْخَامِسَةِ سَاهِيًا . ا هـ . سَنَذْكُرُ
مَا يَصْنَعُ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ فِي
بَابِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَخَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ
لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ إذَا لَمْ يَرْفَعْ
يَدَيْهِ فِي الِافْتِتَاحِ وَإِذَا لَمْ
يُثْنِ مَا دَامَ فِي الْفَاتِحَةِ وَإِنْ
كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ س
خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ
إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا
يُثْنِي إذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ
أَوْ لَمْ يُسَبِّحْ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ لَمْ
يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ
الْإِمَامُ يُسَلِّمُ الْقَوْمُ
(1/119)
الْمُزْدَلِفَةُ وَالْجِيمُ لِلْجَمْرَةِ
الْأُولَى وَالْوُسْطَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
: يَرْفَعُ فِي الرُّكُوعِ ، وَالرَّفْعُ
مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ
«رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا افْتَتَحَ
التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يُكَبِّرُ
رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ
مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ
فَعَلَ مِثْلَهُ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ
رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ
حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ
مِنْ السُّجُودِ» وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو
دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ
قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ
يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ
لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ» ؛
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «خَرَجَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا لِي
أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا
أَذْنَابُ خَيْلِ شَمْسٍ اُسْكُنُوا فِي
الصَّلَاةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «أَلَا أُصَلِّي
بِكُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى وَلَمْ
يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ»
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا «صَلَّيْت مَعَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ ؛ وَعُمَرَ فَلَمْ
يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ
افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ» وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ خَدَمْت ابْنَ عُمَرَ
عَشْرَ سِنِينَ فَمَا رَأَيْته يَرْفَعُ
يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا فِي
التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَالرَّاوِي إذَا
فَعَلَ بِخِلَافِ مَا رَوَى تُتْرَكُ
رِوَايَتُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ
.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ؛ وَابْنِ
عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
أَنَّهُمَا قَالَا : قَالَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ
عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ
الْقِبْلَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ»
وَيُرْوَى «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي
سَبْعِ مَوَاطِنَ» مَكَانَ قَوْلِهِ تُرْفَعُ
وَحُكِيَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ لَقِيَ أَبَا
حَنِيفَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ
مَا بَالُ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَرْفَعُونَ
أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ
الرَّفْعِ مِنْهُ وَقَدْ حَدَّثَنِي
الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
كَانَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ
وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ» فَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ
عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ
تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ ، ثُمَّ لَا
يَعُودَ» فَقَالَ عَجَبًا مِنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ يُحَدِّثُنِي بِحَدِيثِ
حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ
فَرَجَّحَ بِعُلُوِّ إسْنَادِهِ وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ أَمَّا حَمَّادٌ فَكَانَ أَفْقَهَ
مِنْ الزُّهْرِيِّ ، وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيّ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ
وَلَوْلَا سَبْقُ ابْنِ عُمَرَ لَقُلْت
عَلْقَمَةُ أَفْقَهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا عَبْدُ
اللَّهِ فَعَبْدُ اللَّهِ فَرَجَّحَ أَبُو
حَنِيفَةَ بِفِقْهِ رُوَاتِهِ وَهُوَ
الْمَذْهَبُ لَا بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا فَرَغَ
مِنْ سَجْدَتِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ
عَلَيْهَا وَنَصَبَ يُمْنَاهُ وَوَجَّهَ
أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) هَكَذَا
وَصَفَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- قُعُودَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى
فَخِذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ) لِمَا
رُوِيَ عَنْ نُمَيْرٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ
«رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَاعِدًا فِي الصَّلَاةِ وَاضِعًا
يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى
رَافِعًا إصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ وَقَدْ
حَنَاهَا شَيْئًا وَهُوَ يَدْعُو» وَفِي
حَدِيثِ وَائِلٍ «وَضَعَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَفَّهُ الْيُسْرَى
عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى»
وَذَكَرَ فِيهِ التَّحْلِيقَ .
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدِ
الْيُمْنَى ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي
الْأَمَالِي أَنَّهُ يَعْقِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ لَا
يُسَلِّمُونَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَلَّمَ
لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ بِالْحَدَثِ
يَفْسُدُ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَحَلُّهُ
فَيَنْتَفِي مَحَلُّ السَّلَامِ وَإِذَا
نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ.
(فَرْعٌ) صَلَّى الْكَافِرُ بِجَمَاعَةٍ
حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَمُنْفَرِدًا لَا
لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ
صَلَاةِ دِينِنَا وَوُجُودُ اللَّازِمِ
الْمُسَاوِي يَسْتَلْزِمُ الْمَلْزُومَ
الْمُعَيَّنَ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ
بِحَجٍّ وَلَا صَوْمِ رَمَضَانَ وَفِي كَوْنِ
الصَّلَاةِ جَمَاعَةً مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ
نَظَرٌ . ا هـ . وَوَجْهُ النَّظَرِ هُوَ
أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً
كَمَ . ا هـ . هُوَ مُشَاهَدٌ وَعَلَّلَ
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَرَاهَةَ
وُقُوفِ الْإِمَامِ بِطَاقِ الْمَسْجِدِ
لِكَوْنِهَا شَبِيهَةً بِصُنْعِهِمْ
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي بَابِ الْإِمَامِ
مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُفِيدُ
شَرْعِيَّةَ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ فِي
دِينِهِمْ . ا هـ .
(أَقُولُ) يُمْكِنُ النَّظَرُ بِأَنَّ
الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ الْجَمَاعَةُ مِنْ
خُصُوصِيَّاتِ دِينِنَا الْجَمَاعَةُ عَلَى
هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ
كَوْنِهَا بِقِيَامٍ ، ثُمَّ رُكُوعٍ ، ثُمَّ
سُجُودٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْهَيْئَاتِ
وَيُرْشِدُ إلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ
الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي
بَابِ مَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ الْكَافِرِ
مَا نَصُّهُ كَافِرٌ لَمْ يُقِرَّ
بِالْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ صَلَّى مَعَ
الْمُسْلِمِينَ بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ
بِإِسْلَامِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا
يُصَلُّونَ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى هَيْئَةِ
جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُحْكَمُ
بِإِسْلَامِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : أَذْنَابُ
خَيْلٍ شُمْسٍ) قَالَ الْإِمَامُ وَشُمْسٌ
بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ
الْمِيمِ وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ جَمْعُ
شُمُوسٍ وَهُوَ النُّفُورُ مِنْ الدَّوَابِّ
الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ لِسَغَبِهِ
وَحِدَّتِهِ (قُلْت) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
بِضَمِّ الْمِيمِ مَعَ الشِّينِ ؛ لِأَنَّ مَا
زِيَادَتُهُ مَدَّةٌ ثَالِثَةٌ مِنْ
الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ يُجْمَعُ كَذَلِكَ
وَهِيَ خَمْسَةُ أَمْثِلَةٍ فِي الْأَسْمَاءِ
، وَكَذَا فِي الصِّفَاتِ الْأَسْمَاءُ نَحْوُ
قَذَالٍ وَجِرَابٍ وَغُرَابٍ وَرَغِيفٍ
وَعَمُودٍ وَالصِّفَاتُ نَحْوَ صَنَّاعٍ
وَكَنَّازٍ وَشُجَاعٍ وَنَذِيرٍ وَصَبُورٍ
وَالْجَمِيعُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ
وَذُبَّ فِي جَمْعِ ذُبَابٍ نَادِرٌ
وَإِنَّمَا الْجَمْعُ عَلَى فُعْلٍ بِضَمِّ
الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ نَحْوَ أَحْمَرَ
وَحَمْرَاءَ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ عَلَى
حُمْرٍ بِسُكُونِ الْمِيمِ ذَكَرَهُ ابْنُ
الْحَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهِ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى
آخِرِهِ) دَخَلَ فِي هَذَا الْقُنُوتُ
وَالْعِيدُ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ
وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى إلَى آخِرِهِ)
وَفِي مُسْلِمٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَلَسَ فِي
الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى
فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ
كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي
تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ
الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى» وَلَا
شَكَّ بِأَنَّ وَضْعَ الْكَفِّ مَعَ قَبْضِ
الْأَصَابِعِ لَا يَتَحَقَّقُ حَقِيقَةً أَيْ
فَالْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَضَعَ
الْكَفَّ ، ثُمَّ قَبَضَ الْأَصَابِعَ بَعْدَ
ذَلِكَ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَهُوَ
الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ
الْإِشَارَةِ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ
وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى
وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ الْمُسَبِّحَةَ ،
وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي .
ا هـ . فَتْحُ الْقَدِيرِ وَعَنْ
الْحَلْوَانِيِّ يُقِيمُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ
لَا إلَهَ وَيَضَعُهَا عِنْدَ إلَّا اللَّهُ
لِيَكُونَ الرَّفْعُ لِلنَّفْيِ وَالْوَضْعُ
لِلْإِثْبَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
أَطْرَافُ
(1/120)
الْخِنْصَرَ
وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ
وَيُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
كَانَ يُشِيرُ وَنَحْنُ نَصْنَعُ بِصُنْعِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرٌ مِنْ
الْمَشَايِخِ لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ
وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَقَالَ
فِي الْفَتَاوَى لَا إشَارَةَ فِي الصَّلَاةِ
إلَّا عِنْدَ الشَّهَادَةِ فِي التَّشَهُّدِ
وَهُوَ حَسَنٌ ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَهِيَ تَتَوَرَّكُ) أَيْ الْمَرْأَةُ
تَتَوَرَّكُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ تَشَهُّدَ
ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -)
وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ
وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا
النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ
الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
الْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْلَى
وَهُوَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ
الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ
عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا
وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ
أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا
التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ
مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ
التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ» إلَى آخِرِهِ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَكِنْ
قَالَا : " السَّلَامُ " بِالْأَلِفِ
وَاللَّامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَزِيَادَةُ
أَشْهَدُ فِي «قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَأَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ بِتَنْكِيرِ سَلَامٍ
وَزِيَادَةِ أَشْهَدُ فِي قَوْلِهِ
«وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ» وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ قَالَ «وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ
نَكَّرَ السَّلَامَ وَقَالَ «وَأَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَهَذَا
فِيهِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ كَمَا تَرَاهُ
وَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ
الشَّافِعِيُّ مَعَ ضَعْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ
الرِّوَايَاتِ وَشَرَطَ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ
أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ
التَّشَهُّدِ وَهِيَ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ
أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ أَخَذَ
حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بِيَدَيْ
وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ حَمَّادٌ
أَخَذَ إبْرَاهِيمُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي
التَّشَهُّدَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ أَخَذَ
عَلْقَمَةُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي
التَّشَهُّدَ . وَقَالَ عَلْقَمَةُ أَخَذَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِيَدَيْ
وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيْ
وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ
يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ»
وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِالْوَاوِ
وَالْأَلِفِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ النَّقْلِ
عَلَى نَقْلِ تَشَهُّدِهِ وَصِحَّتِهِ حَتَّى
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ
وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
: تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ حَدِيثٍ
فِي التَّشَهُّدِ .
وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ أَنَّ
تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ مَا
يُرْوَى وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
حَتَّى قَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى
الْمِنْبَرِ كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ
فِي الْكُتَّابِ فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
كُنَّا نَتَعَلَّمُ التَّشَهُّدَ كَمَا
نَتَعَلَّمُ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ
فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ
أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ
الْمَقْدِسِيَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ
جَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَنَتَ فِي
الصُّبْحِ وَتَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ
الْمَسَائِلِ الَّتِي صَحَّ النَّقْلُ
بِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَصَابِعِ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ لَا
مُبَاعَدَةً عَنْهَا . ا هـ . فَتْحُ
الْقَدِيرِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَدْ
نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْمَشْيَخَةِ
فِي حَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيْ
يُشِيرُ ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ أَصْنَعُ
كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَيْفَ
يُشِيرُ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي
تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى
وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ السَّبَّابَةَ
وَيُشِيرُ بِهَا هَكَذَا رَوَى الْفَقِيهُ
أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - هَكَذَا يُشِيرُ وَهُوَ أَحَدُ
وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي
الْإِشَارَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
يَعْقِدُ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ وَيُشِيرُ
بِالسَّبَّابَةِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ
وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا
أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ
وَلَا يُشْبِهُ اسْتِعْمَالَ الْأَصَابِعِ
لِلْحِسَابِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِحَالِ
الصَّلَاةِ فَكَانَ أَوْلَى ، كَذَا فِي
مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ
خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ . ا هـ .
قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ
يُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيَدَيْنِ
«لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَحَدٌ أَحَدٌ» . ا هـ . وَفِي
الْمُجْتَبَى لَمَّا كَثُرَتْ الْأَخْبَارُ
وَالْآثَارُ وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ
أَصْحَابِنَا جَمِيعًا فِي كَوْنِ
الْإِشَارَةِ سُنَّةً ، وَكَذَا عَنْ
الْكُوفِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ كَانَ
الْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا . ا
هـ . (قَوْلُهُ : وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ
الْمُفْتِي إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُنْيَةِ
وَالْوَاقِعَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي
الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ . ا
هـ . كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ : وَهُوَ التَّحِيَّاتُ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا
جُمِعَتْ التَّحِيَّاتُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ
مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ
يُحَيَّا بِهَا فَجَمِيعُ الْجَمِيعِ لِلَّهِ
قَالَ الْفَرَّاءُ التَّحِيَّةُ الْمُلْكُ
وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ يُقَالُ
حَيَّاك اللَّهُ أَيْ أَبْقَاك حَيًّا
دَائِمًا وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَالسَّلَامَةُ
مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ حَكَاهُ
الْأَزْهَرِيُّ وَالصَّلَوَاتُ قِيلَ هِيَ
الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ
الشَّرْعِيَّةُ وَقِيلَ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ
الْأَدْعِيَةُ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ
الْعِبَادَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ قِيلَ
الطَّيِّبَاتُ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ
ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى نُقِلَ هَذَا
عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَذَلِكَ مِثْلُ
التَّوْحِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ
وَالتَّمْجِيدِ ، وَقَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ
وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ :
الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ السَّلَامُ عَلَيْك
أَيْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْك تَسْلِيمًا
وَسَلَامًا ، ثُمَّ رُفِعَ لِيَدُلَّ عَلَى
الثُّبُوتِ بِالِابْتِدَاءِ وَفِي
الْمَنَافِعِ يَعْنِي ذَلِكَ السَّلَامُ
الَّذِي سَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْك لَيْلَةَ
الْمِعْرَاجِ وَالْبَرَكَةُ الْخَيْرُ كُلُّهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ
كَلَامًا فِي الضَّمِيرِ فِي عَلَيْنَا قَالَ
وَفَاوَضْت فِيهِ كِبَارًا فَحَصَلَ أَنَّ
الْمُرَادَ بِهِ الْحَاضِرُونَ مِنْ
الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ
وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي
الْمَنَافِعِ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ
الْقَوْلِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء :
86] وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ
الْفِعْلِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَحْرِيكِ
الصَّلَوَيْنِ وَالطَّيِّبَاتُ الْعِبَادَاتُ
الْمَالِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُوا
مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة :
57] . ا هـ . غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ :
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ إلَى آخِرِهِ) وَفِي
الْبَدْرِيَّةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ
عُبُودِيَّتَهُ عَلَى رِسَالَتِهِ فِي
قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إظْهَارًا
بِأَنَّا لَا نَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَتْ
الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ
وَالنَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ . ا
هـ . كَاكِيٌّ
(1/121)
مُتَّبِعٌ
هَوًى مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ
وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ مَجَازًا فَعُذْرُهُ
عُذْرُ الْمُقَلِّدِ وَرَجَّحُوا مَذْهَبَهُمْ
بِتَعْلِيمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لِابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ
حَدَثٌ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَعْلِيمِ
ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ ؛
لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ
يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ
وَالْفِقْهِ بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَالْعَبَادِلَةُ صِغَارُ
الصَّحَابَةِ وَأَحْدَاثُهُمْ عَلَى رِوَايَةِ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ
الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ عِنْدَ التَّعَارُضِ
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كِبَرِ سِنِّهِ تَقَدُّمُ
تَعْلِيمِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُ
بَعْدَ الصِّغَارِ وَالْعَجَبُ مِنْ
الشَّافِعِيَّةِ التَّرْجِيحُ بِصِغَرِ
السِّنِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ
أَخَذُوا بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي عِدَّةٍ
مِنْ الْمَسَائِلِ وَتَرَكُوا رِوَايَتَهُ
فِيهَا مِنْهَا أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِحَدِيثِ
أَبِي قَتَادَةَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ وَقَالُوا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ ؛
لِأَنَّهُ أَكْبَرُ وَأَقْدَمُ صُحْبَةً
وَأَكْثَرُ اخْتِلَاطًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، ثُمَّ
التَّرْجِيحُ لِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ
عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ
: الْأَوَّلُ - أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ
مَسْعُودٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثَابِتٌ فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَتَشَهُّدَ
ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ
مِمَّنْ الْتَزَمَ الصِّحَّةَ كَمَا قَالَهُ
الشَّافِعِيُّ .
وَالثَّانِي - أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ
وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ
بِخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَالثَّالِثُ - تَعْلِيمُ الصِّدِّيقِ
النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَتَعْلِيمِ
الْقُرْآنِ .
وَالرَّابِعُ - حَدِيثُهُ لَيْسَ فِيهِ
اضْطِرَابٌ بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
.
وَالْخَامِسُ - أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ
وَالنَّقْلِ عَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ
بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ
الشَّافِعِيِّ وَأَتْبَاعِهِ .
وَالسَّادِسُ - فِيهِ وَاوُ الْعَطْفِ فِي
مَقَامَيْنِ فَيَكُونُ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا
بِفَائِدَتِهِ لِكَوْنِهِ عَطْفَ جُمْلَةٍ
عَلَى جُمْلَةٍ كَمَا فِي الْقَسَمِ إذَا
قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ
كَانَتْ أَيْمَانًا ثَلَاثًا حَتَّى إذَا
حَنِثَ تَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَلَوْ
كَانَتْ بِلَا وَاوٍ تَكُونُ يَمِينًا
وَاحِدَةً فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ
.
وَالسَّابِعُ - أَنَّ السَّلَامَ مُعَرَّفٌ
فِي مَوْضِعَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ
وَهُوَ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَالْعُمُومَ
وَمُنَكَّرٌ فِي الْآخَرِ .
وَالثَّامِنُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَمَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ
يُعَلِّمَهُ النَّاسَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ
الِاسْتِحْبَابِ . وَالتَّاسِعُ - «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَخَذَ بِكَفِّ ابْنِ مَسْعُودٍ
بَيْنَ كَفَّيْهِ وَعَلَّمَهُ» فَفِيهِ
زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ فِي أَمْرِ التَّشَهُّدِ
وَاسْتِثْبَاتٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيمَا ذَهَبَ
إلَيْهِ . وَالْعَاشِرُ - تَشْدِيدُ عَبْدِ
اللَّهِ عَلَى أَصْحَابِهِ حِينَ أَخَذَ
عَلَيْهِمْ الْوَاوَ وَالْأَلِفَ حَتَّى قَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ كُنَّا
نَحْفَظُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ التَّشَهُّدَ
كَمَا نَحْفَظُ حُرُوفَ الْقُرْآنِ وَهَذَا
يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ وَلَا يُوجَدُ
مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِيمَا بَعْدَ
الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ)
لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَأَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَحْدَهَا» وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهَا وَاجِبَةٌ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ
السَّهْوِ بِتَرْكِهَا وَالصَّحِيحُ
الْأَوَّلُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي بَابِ
النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِيمَا بَعْدَ
الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ
أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ
قَوْلُهُمْ وَقَرَأَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ
شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ
لَا يَشْمَلُ الْمَغْرِبَ إذْ لَا
أَخِيرَتَيْنِ لَهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ
الثَّانِي كَالْأَوَّلِ) يَعْنِي فِي
افْتِرَاشِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ
الْيُمْنَى كَالْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ
يَتَعَقَّبُهُ التَّسْلِيمُ يَتَوَرَّكُ فِيهِ
، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مَالِكٌ يَتَوَرَّكُ
فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَتَوَرَّكُ
فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ ثَانٍ ، وَالْحُجَّةُ
عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْإِقْعَاءِ
وَالتَّوَرُّكِ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ
رَافِعٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ :
فَإِذَا جَلَسْت فَاجْلِسْ عَلَى رِجْلِك
الْيُسْرَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَائِلِ
بْنِ حُجْرٍ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَأَحْفَظَنَّ صَلَاةَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ
فَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَقَعَدَ
عَلَيْهَا وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى
فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ مِرْفَقَهُ
الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ ،
ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ وَجَعَلَ حَلْقَةَ
الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى ، ثُمَّ جَعَلَ
يَدْعُو بِالْأُخْرَى» وَيُرْوَى
بِالْمُسَبِّحَةِ وَيُرْوَى بِالسَّبَّابَةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي قَوْلِ وَائِلٍ ،
ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ يَدْعُو دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ ،
وَكَذَا التَّشَهُّدُ الثَّانِي
كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : أَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي
قَتَادَةَ) أَيْ حَيْثُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ فِي
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» أَحْيَانًا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ) فِي قَوْلِهِ لَا قِرَاءَةَ
فِيهِمَا أَصْلًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ
النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ لَيْسَ فِيهَا
قِرَاءَةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ
لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ كَمَا
فَسَّرَهُ كَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ
وَقَالُوا : إنَّ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ
تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ
عَنْ الِاسْتِحْبَابِ) أَيْ وَإِذَا لَمْ
يَجِبْ فَفِيهِ زِيَادَةُ اسْتِحْبَابٍ
وَحَثٌّ وَتَأْكِيدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي
حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ . ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ : لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ إلَى
آخِرِهِ) وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ
عُلَمَاؤُنَا : يَنْوِي بِالْفَاتِحَةِ
الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ لَا الْقِرَاءَةَ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَنْوِي الدُّعَاءَ
وَسَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ عَنْهَا فِي
الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَالَتْ اقْرَأْ وَلَكِنْ
عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ وَرَوَى أَبُو
يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا
مَذْهَبُهُ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) أَيْ فَضِيلَةُ
الْقِرَاءَةِ عَلَى السُّكُوتِ لَا وُجُوبُهَا
. ا هـ . قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ
حَكَى تَصْحِيحَ الشَّارِحِ قُلْت الصَّحِيحُ
هُوَ الثَّانِي . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَيَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ وَحْدَهَا إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ
تَكُونُ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا فِي الْأَرْبَعِ
وَذَلِكَ فِيمَنْ سَبَقَ بِرَكْعَتَيْنِ
فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ هَذَا
الْمَسْبُوقُ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ
يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَالْمَسْبُوقُ
يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ
؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَرَأَ فِيهِمَا
أُلْحِقَتْ قِرَاءَتُهُ هَذِهِ
بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الْأُخْرَيَانِ
عَنْ الْقِرَاءَةِ فَصَارَ كَأَنَّ
الْخَلِيفَةَ لَمْ يَقْرَأْ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ
مَا سَبَقَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا
سَبَقَ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ . ا هـ .
سِرَاجٌ وَهَّاجٌ
(1/122)
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ : هُوَ فَرْضٌ فِي الْقُعُودِ
الثَّانِي لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كُنَّا
نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا
التَّشَهُّدُ : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ
وَالسَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَالسَّلَامُ
عَلَى مِيكَائِيلَ فَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَقُولُوا
هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا : التَّحِيَّاتُ»
إلَى آخِرِهِ أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ لِلْوُجُوبِ
وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا
دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ
عَلَيْهِمْ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُلْت هَذَا
أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك»
عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقُعُودِ عَلَى مَا
بَيَّنَّا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رُوِيَ ؛
لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ التَّقْدِيرُ لُغَةً
أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ لَنَا وَعَلَى
تَجِيءُ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا تَجِيءُ
اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}
[الإسراء : 7] أَيْ فَعَلَيْهَا ؛ وَلِأَنَّهُ
لَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا التَّشَهُّدِ فَكَانَ
مَتْرُوكًا عِنْدَهُ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَعَلَّهُ قَالَهُ
اجْتِهَادًا وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ
بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَشَهَّدَ
وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ سُنَّةٌ
عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : فَرْضٌ .
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَيَانِ السُّنَنِ
وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ
كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ
يَقُولُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى
إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ
وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ
وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ
مَجِيدٌ . وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ :
اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا ؛ لِأَنَّهُ
يُوهِمُ تَقْصِيرَ الْأَنْبِيَاءِ -
عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ
الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ
عَلَيْهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِمْ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ
مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ ؛ لِأَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَدِيدِ
رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَسْتَغْنِي
أَحَدٌ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا
يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ
- عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - تَوْقِيرًا
لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ
ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَعَا بِمَا
يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ)
أَيْ دَعَا لِنَفْسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ)
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ كَمَا صَلَّيْت
عَلَى إبْرَاهِيمَ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ
الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى
اللَّهِ مِنْ إبْرَاهِيمَ قِيلَ كَانَ ذَلِكَ
قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ اللَّهُ وَمَنْزِلَتَهُ
إذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا خَيْرَ
الْبَرِّيَّةِ فَقَالَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ
فَلَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِمَنْزِلَتِهِ وَكَشَفَ لَهُ عَنْ
مَرْتَبَتِهِ أَبْقَى الدَّعْوَةَ وَإِنْ
كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْمَزِيَّةَ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : إنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ
لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا
الْقَدْرِ بِالْقَدْرِ وَهُوَ كَمَا
اخْتَارُوا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة : 183]
أَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الصِّيَامِ لَا
عَيْنُهُ وَلَا وَقْتُهُ . الْقَوْلُ
الثَّالِثُ : سُؤَالُ التَّسْوِيَةِ مَعَ
إبْرَاهِيمَ فِيهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهِ فِي
غَيْرِهَا الرَّابِعُ أَنَّ التَّشْبِيهَ
وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ لَا
عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَكَانَ قَوْلُهُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ مَقْطُوعًا عَنْ التَّشْبِيهِ
وَقَوْلُهُ : وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ
مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى
إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ .
الْخَامِسُ : أَنَّ الْمُشَبَّهَ الصَّلَاةُ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ بِالصَّلَاةِ
عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ
الْمَجْمُوعُ بِالْمَجْمُوعِ وَمُعْظَمُ
الْأَنْبِيَاءِ آلُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمْ
السَّلَامُ - فَإِذَا تَقَابَلَتْ الْجُمْلَةُ
بِالْجُمْلَةِ وَتَعَذَّرَ أَنْ يَكُونَ لِآلِ
الرَّسُولِ مَا لِآلِ إبْرَاهِيمَ الَّذِينَ
هُمْ أَنْبِيَاءٌ فَمَا تَوَفَّرَ مِنْ ذَلِكَ
يَكُونُ حَاصِلًا لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ زَائِدًا
عَلَى الْحَاصِلِ لِإِبْرَاهِيمَ . كَذَا فِي
الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ لَكِنْ زَادَ فِي
الْغَايَةِ خَمْسَةَ أَجْوِبَةٍ أُخْرَى
فَلْتُرَاجَعْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ لِمَ خُصَّ
إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْنِ سَائِرِ
الْأَنْبِيَاءِ بِذِكْرِنَا فِي الصَّلَاةِ ؟
فَقِيلَ : لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا - أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ
جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ
وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ وَلَمْ
يُسَلِّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أُمَّتِهِ
غَيْرَ إبْرَاهِيمَ فَأُمِرْنَا - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ
عَلَيْهِ فِي آخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ مُجَازَاةً عَلَى إحْسَانِهِ .
وَالثَّانِي - أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا
فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ جَلَسَ مَعَ
أَهْلِهِ فَبَكَى إبْرَاهِيمُ وَدَعَا وَقَالَ
اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ
شُيُوخِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي
السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ آمِينَ ،
ثُمَّ قَالَ إِسْحَاقُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ
كُهُولِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي
السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ : آمِينَ
، ثُمَّ دَعَا إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ
هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شَبَابِ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ
فَقَالُوا : آمِينَ ، ثُمَّ دَعَتْ سَارَةُ
فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا
الْبَيْتِ مِنْ نِسْوَانِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ
مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا : آمِينَ ، ثُمَّ
دَعَتْ هَاجَرُ فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ مَنْ
حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ الْمَوَالِي
وَالْمُوَالَيَاتِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ
مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا : آمِينَ
فَلَمَّا سَبَقَ مِنْهُمْ السَّلَامُ
أُمِرْنَا بِذِكْرِهِمْ فِي الصَّلَاةِ
مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِمْ .
ا هـ . مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ
الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي آخِرِهَا . ا هـ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ
عُبَيْدٍ قَالَ «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا
يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَجَّلَ هَذَا ،
ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إذَا
صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ
اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ،
ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَيَّ ، ثُمَّ لِيَدْعُ
بَعْدَمَا شَاءَ» قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ صَحِيحٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَكَرِهَ
بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ) أَيْ الْمُصَلِّي .
ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقَدْ أُمِرْنَا
بِتَعْظِيمِهِمْ) وَلِهَذَا لَوْ ذُكِرَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَا يُقَالُ رَحْمَةُ اللَّهِ
عَلَيْهِ بَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ ، وَكَذَا إذَا ذُكِرَ الصَّحَابِيَّ
لَا يُقَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ
يُقَالُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . ا هـ .
ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
لَا يُكْرَهُ) وَفِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ
لَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ
بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا
عَتْبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْأَثَرَ . ا هـ
. كَاكِيٌّ وَهَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ
الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَقَالَ مَعْنَى وَارْحَمْ
مُحَمَّدًا رَاجِعٌ إلَى أُمَّتِهِ إمَّا
بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ
الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ أَوْ بِطَرِيقِ
الِاسْتِعْطَافِ بِوَاسِطَةٍ كَشَخْصٍ جَنَى
وَأَبُوهُ شَيْخٌ يُقَالُ لِلْمُعَاقِبِ
ارْحَمْ هَذَا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ
وَالرَّحْمَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الِابْنِ فِي
الْحَقِيقَةِ فَكَذَا هُنَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا
يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ نَبِيٍّ إلَّا
أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى
آلِ النَّبِيِّ عَلَى إثْرِ ذِكْرِهِ . ا هـ .
غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالسُّنَّةَ)
بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظِ
الْقُرْآنِ وَالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِمَا .
ا هـ . غَايَةٌ
(1/123)
وَلِغَيْرِهِ
مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ
قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَدَعَا لِنَفْسِهِ ؛
لِأَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخُصَّ
نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا
رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا
فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح : 7] أَيْ
فَاجْتَهِدْ فِي الدُّعَاءِ قَالَهُ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَمَعْنَاهُ فَإِذَا فَرَغْت مِنْ
أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ قَارَبْت
الْفَرَاغَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق : 2] أَيْ
قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ وَقَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ
الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ
أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ
عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا
وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ
الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (لَا كَلَامَ النَّاسِ) أَيْ لَا
يَدْعُو بِكَلَامِ النَّاسِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي
الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا جَازَ خَارِجَهَا مِنْ
الدُّنْيَا فَيَقُولُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي
دَرَاهِمَ وَجَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا
وَخَلِّصْ فُلَانًا مِنْ السِّجْنِ وَأَهْلِكْ
فُلَانًا ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَدْعُو
عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعَلَى قَبَائِلَ
مِنْ الْعَرَبِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَدْعُو فِي صَلَاتِي
حَتَّى بِشَعِيرِ حِمَارِي وَمِلْحِ بَيْتِي
وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا
يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ
وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ
وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ
حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِيهَا ؛
وَلِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مُحَرَّمٌ وَمَا
ذَكَرَهُ مُبِيحٌ وَالْمُحَرَّمُ مُقَدَّمٌ
عَلَى الْمُبِيحِ ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَا
قَوْلٌ وَمَا رَوَاهُ فِعْلٌ وَالْقَوْلُ
مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ لِمَا عُرِفَ فِي
مَوْضِعِهِ ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ
فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا بَلَغَهُ هَذَا
الْحَدِيثُ أَوْ تَأَوَّلَهُ فَإِنْ قِيلَ
هَذَا الدُّعَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ
النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ
لِآدَمِيٍّ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي
كَلَامِ النَّاسِ الْمُخَاطَبَةُ أَلَا تَرَى
أَنَّ مَنْ قَالَ قَرَأْت الْفَاتِحَةَ أَوْ
نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ تَبْطُلُ
صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خِطَابًا
لِآدَمِيٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ
أَحَدٌ يُخَاطِبُهُ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ
أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ
مِنْ الْعِبَادِ فَهُوَ كَلَامُهُمْ وَمَا
يَسْتَحِيلُ فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ وَقِيلَ
كُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ
مَعْنَاهُ لَا يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ :
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَمَا
لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو
وَلِعَمِّي وَخَالِي ، وَلَوْ قَالَ
اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ بَقْلِهَا
وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا لَا تَفْسُدُ ؛
لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ ، وَلَوْ
قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي بَقْلًا
وَقِثَّاءً وَفُوَمًا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَكُلُّ مَا
ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يُفْسِدُ إنَّمَا
يُفْسِدُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ ، وَأَمَّا
إذَا قَعَدَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيَخْرُجُ
بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي
مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَلَّمَ مَعَ
الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ عَنْ يَمِينِهِ
وَيَسَارِهِ نَاوِيًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَيْنَا)
أَيْ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ ا هـ .
(فَرْعٌ) الْمَسْبُوقُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ
فِي التَّشَهُّدِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزِّيَادَةِ
ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُ
وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَخُوَاهَرْ
زَادَهْ ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُؤَخَّرٌ فِي
آخِرِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ قَعْدَةٌ أُولَى
فِي حَقِّهِ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ
رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَدْعُو
بِدَعَوَاتِ الْقُرْآنِ وَرَوَى هِشَامٌ
عَنْهُ أَنَّهُ يَدْعُو بِذَلِكَ وَيُصَلِّي
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْكُتُ
وَعَنْ هِشَامٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ
الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ
إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَقَالَا لَا
مَعْنَى لِلسُّكُوتِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا
اسْتِمَاعٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَرِّرَ
التَّشَهُّدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قُلْت
يُشْكِلُ عَلَيْهِمَا الْقِيَامُ فَإِنَّ
الْمُقْتَدِيَ يَسْكُتُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ
اسْتِمَاعٍ وَرَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
يَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ
الْخَزَاخَزِيُّ ؛ لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ
بِهَا فِي التَّشَهُّدِ تَأْخِيرَ
الْأَرْكَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ
هُنَا ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَا
يُعَجِّلُ بِالْقِيَامِ وَيَنْظُرُ هَلْ
يَشْتَغِلُ الْإِمَامُ بِقَضَاءِ مَا نَسِيَهُ
فَإِذَا تَيَقَّنَ فَرَاغُهُ يَقُومُ إلَى
قَضَاءِ مَا سَبَقَ وَلَا يُسَلِّمُ مَعَ
الْإِمَامِ وَفِيهِ حِكَايَةٌ وَهِيَ أَنَّ
أَبَا يُوسُفَ كَانَ عَلَى مَائِدَةِ
الرَّشِيدِ فَقَالَ لِزُفَرَ مَا تَقُولُ يَا
أَبَا هُذَيْلٍ مَتَى يَقُومُ الْمَسْبُوقُ
إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فَقَالَ زُفَرُ
بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَالَ لَهُ أَبُو
يُوسُفَ أَخْطَأْت فَقَالَ زُفَرُ بَعْدَمَا
يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً فَقَالَ أَخْطَأْت
فَقَالَ زُفَرُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ
فَقَالَ أَخْطَأْت ، ثُمَّ قَالَ أَبُو
يُوسُفَ إنَّمَا يَقُومُ بَعْدَ تَيَقُّنِهِ
أَنَّ الْإِمَامَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ
فَقَالَ زُفَرُ أَحْسَنْت أَيَّدَ اللَّهُ
الْقَاضِيَ قَالَ الزَّنْدَوَسْتِيُّ فِي
نَظْمِهِ يَمْكُثُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ
إلَى تَطَوُّعِهِ إنْ كَانَ بَعْدَهَا
تَطَوُّعٌ وَيَسْتَنِدُ إلَى الْمِحْرَابِ إنْ
كَانَ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا وَلَوْ قَامَ
قَبْلَ سَلَامِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ
مُسِيئًا حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ
الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ يُصَلِّي فِي
الطَّرِيقِ فَخَافَ أَنْ تُفْسِدُ الْمَارَّةُ
عَلَيْهِ صَلَاتَهُ فَقَامَ بَعْدَمَا قَعَدَ
الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ جَازَ . ا هـ
. غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ .
قَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي
عَقَدَهُ لِلْمَسْبُوقِ وَلَا يَقُومُ
الْمَسْبُوقُ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ قَدْرِ
التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ إذَا خَافَ
وَهُوَ مَاسِحٌ تَمَامَ الْمُدَّةِ لَوْ
انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ أَوْ خَافَ
الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ
وَالْفَجْرِ أَوْ الْمَعْذُورِ خُرُوجَ
الْوَقْتِ أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ
الْحَدَثُ أَوْ أَنْ يَمُرَّ النَّاسُ بَيْنَ
يَدَيْهِ وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ
قَدْرِ التَّشَهُّدِ صَحَّ وَيُكْرَهُ
تَحْرِيمًا ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ
وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ قَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ
الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» فَلَا
تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَهَذَا مُخَالَفَةٌ
لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ
الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَهُوَ كَلَامُهُمْ) كَقَوْلِك
أَعْطِنِي مَالًا وَأَطْعِمْنِي وَاقْضِ
دَيْنِي وَزَوِّجْنِي امْرَأَةً وَمَا
يُقْصَدُ بِهِ مَلَاذُ الدُّنْيَا
وَشَهَوَاتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ
الصَّلَاةَ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ إلَى آخِرِهِ) هَذَا
تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ . ا هـ .
غَايَةٌ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي
الصَّلَاةِ إلَّا بِمَا يُوجَدُ فِي
الْقُرْآنِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ «قَوْلَهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي
سُجُودِهِ أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك
وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك
لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا
أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» قَالَ وَهَذَا
مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَسَقَطَ قَوْلُ
الْمُخَالِفِ قُلْت مَا أَجْهَلَهُ
بِالْفِقْهِ وَنَقَلَهُ وَمَا أَقَلَّ
وَرَعَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِطُ
أَنْ يُوجَدَ مَا يَدْعُو بِهِ فِي الْقُرْآنِ
بَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يُشْبِهُ
أَلْفَاظَهُ وَبِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِي
الْمُخْتَصَرَاتِ الَّتِي يَحْفَظُهَا
الْمُبْتَدِئُ . ا هـ . غَايَةٌ قَالَ
مُحَمَّدٌ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي
أَمْرِي وَأَكْرِمْنِي اللَّهُمَّ أَنْعِمْ
عَلَيَّ اللَّهُمَّ عَافَنِي مِنْ النَّارِ
وَسَدِّدْنِي
(1/124)
الْقَوْمَ
وَالْحَفَظَةَ وَالْإِمَامَ فِي الْجَانِبِ
الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا
لَوْ مُحَاذِيًا) وَهَذَا الْكَلَامُ شَامِلٌ
لِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى
التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ : أَمَّا السَّلَامُ
فَلِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ مِنْ لَدُنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ
لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِحَّ
الْخُرُوجُ بِغَيْرِهِ ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا
التَّسْلِيمُ» وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ حِينَ عَلَّمَهُ
التَّشَهُّدَ «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت
هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» الْحَدِيثُ ،
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ
فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ
أَنْ يَتَشَهَّدَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ» وَفِي
رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَفِي
رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد ؛ وَالتِّرْمِذِيُّ ؛
وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ
صَلَاتُهُ وَمَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ لَا
يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ ؛ لِأَنَّهَا لَا
تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا
يُفِيدُ الْوُجُوبَ . وَقَدْ قُلْنَا
بِوُجُوبِهِ وَقَوْلُهُ وَسَلَّمَ مَعَ
الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ أَيْ سَلَّمَ
مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ كَمَا
أَنَّهُ يَحْرُمُ مُقَارِنًا لِتَحْرِيمَةِ
الْإِمَامِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُ بَعْدَ تَسْلِيمِ
الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ لِلتَّحْرِيمَةِ
بَعْدَمَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ فِي
التَّحْرِيمَةِ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَبَّرَ
الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا» وَالْفَاءُ
لِلتَّعْقِيبِ فَيَكُونُ أَمْرًا
بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ
فَإِذَا أَتَى بِهِ مُقَارِنًا فَقَدْ أَتَى
بِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَلَا يَجُوزُ
كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا ؛ وَلِأَنَّ
الِاقْتِدَاءَ بِنَاءُ صَلَاتِهِ عَلَى
صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوعِ
الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ
الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ ، وَإِلَّا لَزِمَ
الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا
يَجُوزُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ
الْمُؤْتَمِّينَ بِالتَّكْبِيرِ فِي زَمَانٍ
يُكَبِّرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ «إذَا
كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» ؛ لِأَنَّ إذَا
لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً كَالْحِينِ فَيَكُونُ
تَقْدِيرُهُ فَكَبِّرُوا فِي زَمَانٍ فِيهِ
يُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَالْفَاءُ وَإِنْ
كَانَتْ لِلتَّعْقِيبِ فَقَدْ تُسْتَعْمَلُ
لِلْقِرَانِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا»
، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}
[الأعراف : 204] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ
وَالْإِنْصَاتُ فِي زَمَانِ الْقِرَاءَةِ لَا
بَعْدَهُ وَقَوْلُهُمَا الِاقْتِدَاءُ بِنَاءً
إلَى آخِرِهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَلَى
سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ وَهِيَ بِالْقِرَانِ
وَإِنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى
الْمَعْدُومِ أَنْ لَوْ كَانَ شُرُوعُ
الْمُقْتَدِي سَابِقًا عَلَى شُرُوعِ
الْإِمَامِ فَإِذَا كَانَ مُقَارِنًا لَهُ لَا
تَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعْدُومَةً
وَقْتَ وُجُودِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي ، ثُمَّ
قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ
يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ
الِاقْتِدَاءُ مُقَارِنًا وَعِنْدَهُمَا لَا
يَجُوزُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ .
وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ فِي الْجَوَازِ بَلْ
يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ
يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعَ
الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْ
يَكُونَ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ
احْتِمَالَ وُقُوعِ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ
سَابِقًا عَلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَيَقَعُ
فَاسِدًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ أَوْلَى
احْتِرَازًا عَنْ الْفَسَادِ وَلِأَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَقْدُ
مُوَافَقَةٍ وَأَنَّهَا فِي الْقِرَانِ لَا
فِي التَّأْخِيرِ فَكَانَ أَوْلَى احْتِرَازًا
عَنْ الِاخْتِلَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَا
ذَكَرَاهُ مِنْ احْتِمَالِ السَّبْقِ غَيْرُ
مُعْتَبَرٍ ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا
تَيَقَّنَ فِي عَدَمِ السَّبْقِ ، وَأَمَّا
السَّلَامُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ
مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَعَلَى
هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ
أَنَّهُ يُسَلِّمُ بَعْدَ الْإِمَامِ مِثْلَ
قَوْلِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ
بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّكْبِيرَ
شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ
الْمُبَادَرَةُ ، وَأَمَّا السَّلَامُ
فَتَرْكٌ لِلْعِبَادَةِ وَخُرُوجٌ مِنْهَا
فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ ،
وَأَمَّا التَّسْلِيمُ عَنْ يَمِينِهِ
وَيَسَارِهِ فَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ
الْعُلَمَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ
تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ
وَيَمِيلُ قَلِيلًا إلَى الْيَمِينِ يُرْوَى
ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ
وَعَائِشَةَ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ لِمَا
رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُسَلِّمُ فِي
الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ
وَجْهِهِ يَمِيلُ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ
شَيْئًا» وَلِعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ
وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ
خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» . وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ
ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَئِنْ
صَحَّ فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي
الصَّلَاةِ عَلَى النِّسَاءِ وَتَأَخُّرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ارْفَعْنِي وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّ كُلِّ ذِي
شَرٍّ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ وَارْزُقْنِي الْحَجَّ إلَى
بَيْتِك وَجِهَادًا فِي سَبِيلِك وَاشْغَلْنِي
بِطَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك وَاجْعَلْنَا
عَابِدِينَ شَاكِرِينَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ
خَيْرُ الرَّازِقِينَ فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ
. ا هـ . غَايَةٌ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ
وَلَوْ قَالَ فِي صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ
اُرْزُقْنِي الْحَجَّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ
وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنِي
تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ كَلَامَ
النَّاسِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ
الْأَيْسَرِ إلَى آخِرِهِ) رَوَى النَّسَائِيّ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ
يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى
بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» .
ا هـ . قَوْلُهُ : وَعَنْ يَسَارِهِ
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ وَالسُّنَّةُ فِي السَّلَامِ
أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ
الْأُولَى . ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي
الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ
يَقُولَ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِالنِّسْبَةِ
إلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُؤَدَّاةِ
بِالْجَمَاعَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْ
صَلَاتِهِ وَحُضُورِهِ إيَّاهَا لَيْسَ
بِمَقْصُورٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ
يُصَلِّي فِي بَيْتِهَا النَّوَافِلَ لَيْلًا
وَنَهَارًا وَغَيْرَهَا فِي بَعْضِ
الْأَحْيَانِ فَهِيَ تَعْلَمُ ذَلِكَ
وَغَيْرَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ
وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ بِلَا
اشْتِبَاهٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَكْمَلَ عِلْمًا
مِنْ غَيْرِهَا بِهِ فَكَمِثْلِهِ عَلَى
أَنَّهُ قَدْ رَوَى ذَلِكَ مَعَهَا سَلَمَةُ
بْنُ الْأَكْوَعِ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَالْأَوْلَى فِي
الْجَوَابِ أَنَّ فِي أَحَادِيثِ التَّسْلِيمِ
مَرَّةً وَاحِدَةً ضَعْفًا إذْ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ضَعَّفَهُ
ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَرْوِي
مَنَاكِيرَ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ يَحْيَى
بْنِ رَاشِدٍ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ
بِالْقَوِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيفٌ
(1/125)
النِّسَاءِ
وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضُ مِنْ
الْأُولَى وَهُوَ الْأَحْسَنُ فَلَعَلَّهَا
خُفِيَتْ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ
أَوَّلًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ مَا لَمْ
يَتَكَلَّمْ وَلَا يُعِيدُ السَّلَامَ عَنْ
يَسَارِهِ وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ
يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ
عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ،
وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي بِكُلِّ
تَسْلِيمَةٍ مَنْ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مِنْ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ
الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ لَهُمْ شَرِكَةٌ فِي
صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ
بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ لَمَّا اشْتَغَلَ
بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ
الْغَائِبِ عَنْهُمْ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ
عِنْدَ التَّحَلُّلِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ
حَاضِرًا وَقَالُوا لَا يَنْوِي النِّسَاءَ
فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ حُضُورِهِنَّ
الْجَمَاعَةَ وَلِكَرَاهِيَتِهِ وَإِنَّمَا
خُصَّ الْحَاضِرُونَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ
خِطَابًا لِلْغَائِبَيْنِ وَقِيلَ يَنْوِي
بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ
الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ؛ لِأَنَّهُ
بِالتَّحْرِيمَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ
مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ فَصَارَ كَالْغَائِبِ
عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
هَذَا عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ ،
أَمَّا فِي سَلَامِ التَّحْلِيلِ فَيَخُصُّ
الْحَاضِرِينَ لِأَجْلِ الْخِطَابِ هُوَ
الصَّحِيحُ ، ثُمَّ قَالَ : إنْ كَانَ
الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ
الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ
يُحَاذِيهِ نَوَاهُ فِيهِمَا وَهُوَ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْإِمَامُ فِي
الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ
فِيهِمَا أَيْ نَوَى الْإِمَامُ فِي
الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ إنْ كَانَ فِيهِمْ
أَوْ فِي الْأَيْسَرِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْ
فِيهِمَا فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ
بِحِذَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ
الْجَانِبَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
يَنْوِيهِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ
تَرْجِيحًا لِلْأَيْمَنِ وَلِلسَّبْقِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِمَامُ يَنْوِي
الْقَوْمَ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ) وَقِيلَ :
لَا يَنْوِيهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ
إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ وَقِيلَ : يَنْوِي
بِالْأُولَى لَا غَيْرُ وَالصَّحِيحُ
الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ
الْأُولَى لِلتَّحِيَّةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ
الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ لِلتَّسْوِيَةِ
بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ
وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِي الْحَفَظَةَ فَقَطْ ؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُمْ وَلَا
يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا
مَحْصُورًا ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي
عَدَدِهِمْ قَدْ اُخْتُلِفَتْ فَأَشْبَهَ
الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - ، ثُمَّ
قَدَّمَ الْقَوْمَ بِالذِّكْرِ عَلَى
الْمَلَائِكَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا هُوَ
فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ . وَذَكَرَ فِي
الْمَبْسُوطِ بِعَكْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ
بِذَلِكَ حُكْمٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا
تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَمِنْهُمْ مَنْ ظَنَّ
أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِنَاءً
عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ فِي
تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ
وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ
وَالْفَلَاسِفَةِ وَاخْتَارَهُ
الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ وَمَا
ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنَاءً
عَلَى قَوْلِهِ الْأَخِيرِ فِي تَفْضِيلِ
الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ قَوْلُ
أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا
زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا وَيُرْوَى عَنْهُ
التَّوَقُّفُ فِيهِ . وَقَالَ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ
خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْمُرْسَلُونَ
أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامُّ
بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ
مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصُّ
الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي
آدَمَ وَشَرَحَهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَهَرَ
بِقِرَاءَةِ الْفَجْرِ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَيَّاشٍ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ بَطَلَ
الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا
غَيْرُهُ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ رَوْحِ بْنِ
عَطَاءٍ تَرَكَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ
أَحْمَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ . ا هـ . نَقَلَ
مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ
أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (قَوْلُهُ : فَلَعَلَّهَا خَفِيَتْ
إلَى آخِرِهِ) وَلِأَنَّ فِي أَحَادِيثِنَا
زِيَادَةً صَحِيحَةً وَهِيَ مَقْبُولَةٌ مِنْ
الْعَدْلِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى
مِنْ النَّافِي لِلزِّيَادَةِ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ
يَسَارِهِ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا
سَهْوَ عَلَيْهِ . ا هـ . قَاضِي خَانْ
(قَوْلُهُ : وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي)
لِأَنَّ السَّلَامَ قُرْبَةٌ مِنْ وَجْهٍ
فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ والمرغيناني
وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ فِي
التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ بِالْأَلِفِ
وَاللَّامِ وَتَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ
مِنْ الْأُولَى وَلِهَذَا خَفِيَتْ عَلَى مَنْ
كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : هَذَا عِنْدَنَا فِي
سَلَامِ التَّشَهُّدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
قَالَ الْعَبْدُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى
عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَصَابَ كُلَّ
عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ» . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
وَقِيلَ لَا يَنْوِيهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ
إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ) وَالْإِشَارَةُ
فَوْقَ النِّيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى
النِّيَّةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ
فِي التَّحِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي
الْحَاوِي لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ قَوْلِ
الْإِمَامِ السَّلَامُ قَبْلَ قَوْلِهِ
عَلَيْكُمْ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي
صَلَاتِهِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ هَذَا فِي
حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي
وَالْمُنْفَرِدِ وَفِي الْقُنْيَةِ هَذَا
عِنْدَ الْعَامَّةِ وَقِيلَ لَا يَخْرُجُ
إلَّا بِهِمَا حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ
الْإِمَامَ بَعْدَ الْأُولَى قَبْلَ
الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ
مَعَهُ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ
وَذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ مَا
نَصُّهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَخْرُجُ مِنْ
الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى
كَقَوْلِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ . ا هـ
. وَمَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ
الْحَاوِي نَقَلَهُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ
النَّوَازِلِ ، ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذَا
أَنَّ الْخُرُوجَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى
عَلَيْكُمْ . ا هـ . قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ ثُمَّ قِيلَ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَالْأُولَى
. ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي
عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ) فَفِي بَعْضِهَا
مَا كَانَ وَهْمًا الْكَاتِبَانِ وَاحِدٌ عَنْ
يَمِينِهِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ فِي
الْغَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ
خَمْسٌ مِنْ الْحَفَظَةِ وَاحِدٌ عَنْ
يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَوَاحِدٌ
عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ
وَوَاحِدٌ أَمَامَهُ يُلْقِيهِ إلَى
الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ
عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَآخَرُ عِنْدَ
نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَيُبَلِّغُهُ إلَى الرَّسُولِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِيلَ
سِتُّونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ . ا هـ .
وَأَنَّ عَدَدَهُمْ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَنَا
قَطْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ آمَنْت
بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ أَوَّلِهِمْ آدَم -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - . ا هـ
. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : وَلَيْسَ الْأَمْرُ
كَمَا زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا إلَى آخِرِهِ)
وَفِي جَامِعِ الْكُرْدِيِّ خَلَقَ اللَّهُ
تَعَالَى فِي الْآدَمِيِّ الْعَقْلَ
وَالشَّهْوَةَ وَفِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ
دُونَ الشَّهْوَةِ وَفِي الْبَهَائِمِ
الشَّهْوَةَ دُونَهُ فَمَنْ سَلَّطَ مِنَّا
عَقْلَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ وَعَمِلَ
بِمُقْتَضَى عَقْلِهِ وَتَرَكَ الْعَمَلَ
بِمُوجِبِ شَهْوَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ
الْمَلَائِكَةِ وَإِنْ سَلَّطَ شَهْوَتَهُ
عَلَى عَقْلِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى
شَهْوَتِهِ لَا عَقْلِهِ فَهُوَ مِنْ
الْبَهَائِمِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى
{أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}
[الأعراف : 179] فَكَانَ الْمُؤْمِنُ
الْمُتَّقِي أَفْضَلَ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ
السُّنَّةِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
وَشَرْحُهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ) قَالَ
تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَ أَكْثَرِ
الْمَشَايِخِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ
خَوَاصَّ الْبَشَرِ
(1/126)
الْإِمَامُ
(وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ وَلَوْ قَضَاءً
وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُسِرُّ فِي
غَيْرِهَا كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ) ؛
لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ
لَدُنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلَا
يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ ، وَكَذَا
يَجْهَرُ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ إذَا
كَانَ إمَامًا لِلتَّوَارُثِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَخُيِّرَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا
يَجْهَرُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ) أَيْ إنْ
شَاءَ جَهَرَ وَهُوَ أَفْضَلُ لِيَكُونَ
الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ
وَلِهَذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِأَذَانٍ
وَإِقَامَةٍ أَفْضَلُ وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ
أَنَّ «مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ
الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ
مِنْ الْمَلَائِكَةِ» وَلَكِنْ لَا يُبَالِغُ
فِي الْجَهْرِ مِثْلَ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ ؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ
وَقَوْلُهُ فِيمَا يَجْهَرُ إشَارَةٌ إلَى
أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِيمَا لَا يَجْهَرُ
فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ فِيهِ حَتْمًا وَهُوَ
الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَتَّمُ
عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فَالْمُنْفَرِدُ
أَوْلَى ، وَذَكَرَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ فِي
مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ
فِيمَا يُخَافِتُ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا
بِعَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَيْهِ
إنْ جَهَرَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ
الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ
السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ ؛
لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ
بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ فِيمَا يَجْهَرُ جَهْرُ الْإِمَامِ
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا فَاتَتْهُ
صَلَاةٌ يَجْهَرُ فِيهَا يُخَيَّرُ
الْمُنْفَرِدُ كَمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ
وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ
يَحْكِي الْأَدَاءَ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي
الْوَصْفِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ
الْأَئِمَّةِ ؛ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ
وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ
قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي
الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَ
صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْإِخْفَاءَ فِيهِ
حَتْمًا بِخِلَافِ مَا اخْتَارُوهُ وَقَوْلُهُ
كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ يَعْنِي بِهِ
الْمُنْفَرِدَ ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ
أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ لِكَوْنِهَا
مُكَمِّلَاتٍ لَهَا فَيُخَيَّرُ فِيهَا
الْمُنْفَرِدُ كَمَا يُخَيَّرُ فِي
الْفَرَائِضِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا جَهَرَ
لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا أَتْبَاعُ
الْفَرَائِضِ وَلِهَذَا يُخْفِي فِي نَوَافِلِ
النَّهَارِ وَلَوْ كَانَ إمَامًا ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْجَهْرِ
وَالْإِخْفَاءِ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ
الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ
وَالْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ
نَفْسَهُ وَالْمُخَافَتَةُ تَصْحِيحُ
الْحُرُوفِ ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ
اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ
اللِّسَانِ لَا تُسَمَّى قِرَاءَةً بِدُونِ
الصَّوْتِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا
يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالتَّسْمِيَةِ
عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ
بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ
وَالِاسْتِثْنَاءِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَرَكَ
السُّورَةَ فِي أُولَيَيْ الْعِشَاءِ)
(قَرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعَ
الْفَاتِحَةِ جَهْرًا وَلَوْ تَرَكَ
الْفَاتِحَةَ لَا) أَيْ لَا يَقْضِيهَا فِي
الْأُخْرَيَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ
الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ
فَصَارَ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ
وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْأُضْحِيَّةِ ؛
وَلِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا
يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ
الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ
أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَاطِ الْبَشَرِ
وَأَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ
أَوْسَاطِ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامَّ
الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ
الْبَشَرِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا) وَلَوْ
قَضَاءً فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ صَلَاةَ
اللَّيْلِ إذَا قُضِيَتْ فِي النَّهَارِ
بِجَمَاعَةٍ يَجْهَرُ فِيهَا وَصَلَاةُ
النَّهَارِ إذَا قُضِيَتْ فِي اللَّيْلِ
بِجَمَاعَةٍ يُخَافِتُ فِيهَا . ا هـ .
مُسْتَوْفَى ش بَزْدَوِيٌّ وَالثَّانِي فِي
قَاضِي خَانْ إنْ أَمَّ لَيْلًا فِي صَلَاةِ
النَّهَارِ يُخَافِتُ وَلَا يَجْهَرُ وَإِنْ
جَهَرَ سَاهِيًا عَلَيْهِ السَّهْوُ . ا هـ .
خُلَاصَةٌ فِي السَّهْوِ وَلَوْ أَمَّ فِي
التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ فَخَافَتَ
مُتَعَمِّدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَإِنْ كَانَ
سَاهِيًا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ . ا هـ .
قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ : فِيمَا لَا يَجْهَرُ
فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ
فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا
جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ
؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا عَلَيْهِ
؛ لِأَنَّ الْمُخَافَتَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ
لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ
إلَى هَذَا فِي صَلَاةٍ تُؤَدَّى عَلَى
سَبِيلِ الشُّهْرَةِ وَالْمُنْفَرِدُ يُؤَدِّي
عَلَى سَبِيلِ الْخَفِيَّةِ فَلَمْ تَكُنْ
الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ ، وَكَذَا
ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَفِيهَا أَنَّ فِي
رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَجِبُ عَلَيْهِ
سُجُودُ السَّهْوِ (قَوْلُهُ : حَتْمًا وَهُوَ
الصَّحِيحُ) أَيْ وَلَوْ جَهَرَ يَكُونُ
مُسِيئًا كَذَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ
زِيَادٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ . ا هـ .
قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ
قَالَ الْمُنْفَرِدُ يُخَافِتُ لَا مَحَالَةَ
ا هـ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَفْضَلُ فِي
نَوَافِلِ اللَّيْلِ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ
الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ
إلَى آخِرِهِ) وَفِي هَذَا الدَّفْعِ نَظَرٌ
ظَاهِرٌ إذْ لَا يُنْكَرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ
يَكُونُ آكَدَ مِنْ وَاجِبٍ لَكِنْ لَمْ
يُنَطْ وُجُوبُ السَّهْوِ إلَّا بِتَرْكِ
الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ
بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ فَحَيْثُ
كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى
الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ
بِتَرْكِهَا السُّجُودُ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ : لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا
إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ فِي مَعْنَى
التَّكْمِيلِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا
مُكَمِّلَاتٌ لِلْمَتْرُوكَاتِ مِنْ
الْفَرَائِضِ عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّ
الْعَبْدَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَى
الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِنْهَا
شَيْئًا يُقَالُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَلْ
تَجِدُونَ لَهُ نَافِلَةً فَإِنْ وُجِدَتْ
كَمَّلَتْ الْفَرَائِضَ مِنْهَا وَأُدْخِلَ
الْجَنَّةَ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ
لِمَا دَخَلَهَا مِنْ النَّقْصِ بِالسَّهْوِ
وَالْغَفْلَةِ بِتَرْكِ سُنَنِهَا
وَوَاجِبَاتِهَا وَتَرْكِ الْخُشُوعِ فِيهَا
فَهَذَا تَكْمِيلٌ لِنَقْصِ الصِّفَةِ دُونَ
الْعَدَدِ الْأَصْلِيِّ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : الْهِنْدُوَانِيُّ) بِكَسْرِ
الْهَاءِ قَلْعَةٌ بِبَلْخٍ وَالشَّيْخُ
الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا
. ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ :
وَالْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ) أَيْ فَلَا يَقَعُ
الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَلَا يَصِحُّ
الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا
لَهُ ا هـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ،
وَكَذَا الْإِيلَاءُ وَالْبَيْعُ عَلَى
الْخِلَافِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ
أَنْ يُسْمِعَ الْمُشْتَرِيَ وَفِي النِّصَابِ
سُئِلَ الْفَضْلِيُّ عَنْ الْإِمَامِ يُسْمِعُ
قِرَاءَتَهُ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ فِي
صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ قَالَ لَا يَكُونُ
جَهْرًا وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ .
ا هـ ..
(قَوْلُهُ : لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ إلَى
آخِرِهِ) أَيْ كَالْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ
بِجَمَاعَةٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ
وَهُوَ جَهْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فِي قَضَاءِ الْفَجْرِ
وَكَالْوِتْرِ يُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ
وَقْتِهِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَضَاهُ . ا هـ . غَايَةٌ
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالدَّلِيلُ
شَرْعِيَّةُ مَالِهِ لِيَصْرِفَهُ إلَى مَا
عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ صَرْفُ مَالِهِ
إلَى مَا عَلَيْهِ وَالسُّورَةُ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَمْ
يُوجَدْ الدَّلِيلُ فَلَا يَقْضِي كَمَا إذَا
فَاتَ تَكْبِيرَاتُ التَّشْرِيقِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : كَالْجُمُعَةِ
وَالْعِيدَيْنِ) أَيْ وَتَكْبِيرَاتُ
التَّشْرِيقِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
وَالْأُضْحِيَّةُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ
أَيَّامِهَا . ا هـ . غَايَةٌ
(1/127)
بِهَا
وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ
الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ
فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَشْرُوعَةٌ فَإِذَا
قَرَأَهَا مَرَّةً وَقَعَتْ عَنْ الْأَدَاءِ ؛
لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا فِي
مَحَلِّهَا وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ
الْمَشْرُوعَ بِخِلَافِ السُّورَةِ فَإِنَّ
الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا
أَدَاءً فَجَازَ أَنْ يَقَعَ قَضَاءً ؛
لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْقَضَاءِ ؛ وَلِأَنَّ
قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ فَلَوْ
قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ
الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ وَهَذَا
خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِ مَا إذَا
تَرَكَ السُّورَةَ ؛ لِأَنَّهُ أُمْكِنَ
قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ،
ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى
الْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَرَأَهَا
وَقَوْلُهُ جَهْرًا ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ
صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَفِي
الْأَصْلِ ذَكَرَ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ
فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا ؛
لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي
أَصْلِ الْوَضْعِ فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ
بِالْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ
مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالسُّورَةِ دُونَ
الْفَاتِحَةِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ فِي
الْفَاتِحَةِ قَاضٍ فِي السُّورَةِ فَتُرَاعَى
صِفَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي أَصْلِ
وَضْعِهِ وَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ
الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ
وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَلْتَحِقُ
بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ فَتَخْلُو
الْأُخْرَتَانِ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي
الْحُكْمِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ
إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ
وَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ
وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ إذَا
قَامَ لِلْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ
مِنْ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا
الْتَحَقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ
الرَّكْعَتَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَكَذَا
هَذَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
لَا يَجْهَرُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ
بِالسُّورَةِ وَحْدَهَا لَا يَكُونُ جَمْعًا
بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ حَقِيقَةً
وَهُوَ شَنِيعٌ فَتَغْيِيرُ السُّورَةِ
أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ فِي
مَحَلِّهَا وَهِيَ أَسْبَقُ أَيْضًا
وَلَيْسَتْ بِتَبَعٍ لِلسُّورَةِ بِخِلَافِ
السُّورَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
يَجْهَرُ بِهِمَا ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ
وَاجِبَةٌ وَالْفَاتِحَةَ فِيهِمَا نَفْلٌ
فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ لِمَا بَيَّنَّا
كَانَ تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى ، ثُمَّ
يُقَدِّمُ السُّورَةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ
عِنْدَ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ
بِالْأُولَيَيْنِ فَكَانَ تَقْدِيمُهَا
أَوْلَى وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُقَدِّمُ
الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَأَقَلُّ
تَغْيِيرًا . وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ
الْفَاتِحَةَ وَيَقْرَأَ السُّورَةَ عِنْدَ
بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ
غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ
فَبِتَرْكِ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا
تَنْقَلِبُ وَاجِبَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ
لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِتَقَعَ السُّورَةُ
بَعْدَ الْفَاتِحَةِ عَلَى سُنَّةِ
الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَ
السُّورَةَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ
وَنَسِيَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، ثُمَّ يَقْرَأُ
السُّورَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
يَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ ؛ لِأَنَّ
فِيهِ نَقْضَ الْفَرْضِ بَعْدَ التَّمَامِ
لِأَجْلِ الْوَاجِبِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ
السُّورَةِ وَقَعَتْ فَرْضًا وَالْفَاتِحَةُ
وَاجِبَةٌ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ نَقْضَ
الْفَرْضِ لِأَجْلِ الْفَرْضِ جَائِزٌ
وَالْفَاتِحَةُ إذَا قُرِئَتْ تَصِيرُ فَرْضًا
فَصَارَ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ
وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرْضُ
الْقِرَاءَةِ آيَةٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَقَالَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ
أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا
يُسَمَّى قَارِئًا عُرْفًا بِدُونِهِ
فَأَشْبَهَ مَا دُونَ الْآيَةِ وَلَهُ قَوْله
تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآنِ} [المزمل : 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ
إلَّا أَنَّ مَا دُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ
الْمَشْرُوعَ) أَيْ ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ
الْفَاتِحَةِ فِي قِيَامٍ وَاحِدٍ غَيْرُ
مَشْرُوعٍ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ لَكِنْ
ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّ
تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي التَّطَوُّعِ لَا
يُكْرَهُ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِي مِثْلِهِ .
ا هـ . قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِ
ذَلِكَ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى
الْوُجُوبِ) أَيْ وُجُوبِ قَضَاءِ السُّورَةِ
. ا هـ . (قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْجَهْرَ
صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ أَوْ
لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَنَصٌّ فِي الرِّوَايَةِ
فَيَكُونُ كَالْوُجُوبِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ : بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى
أَنَّهُ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ
عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ . ا هـ . قَالَ
الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ
يَقَعْ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إذَا فَاتَتْ
عَنْ مَحَلِّهِ لَا يَقْضِي إلَّا بِدَلِيلٍ ،
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ
وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ وَعَكْسُهُ
قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِيهِمَا . ا هـ .
قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ
أَبَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ
فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْعَكْسِ ؛ لِأَنَّ
قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ وَقِرَاءَةَ
السُّورَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْوَاجِبُ
أَوْلَى بِالْقَضَاءِ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ إذَا تَرَكَ
السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : أَنْ يَقْضِيَهَا) أَيْ
فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِلَفْظَةِ أَفْعَلِ
التَّفْضِيلِ فِي الْمَحَبَّةِ عِنْدَهُ . ا
هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا وَإِنْ
كَانَتْ) هَذَا وَجْهُ الْأَحَبِّيَّةِ . ا هـ
. (قَوْلُهُ : فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ
مَوْضُوعِهَا إلَى آخِرِهِ) وَاَلَّذِي
يُقَوِّي عَدَمَ الْوُجُوبِ أَنَّ قَوْلَهُ
أَحَبُّ إلَيَّ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ
وَقَوْلُهُ : وَجَهَرَ مُحْتَمَلٌ فَيَنْبَغِي
أَنْ يُحْمَلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الظَّاهِرِ
لِمَا عُرِفَ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
دُونَ الْفَاتِحَةِ) أَيْ وَهَكَذَا رَوَى
مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ . ا هـ . غَايَةٌ
وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ التُّمُرْتَاشِيُّ
وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ
مِنْ الْجَوَابِ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ :
فَيُرَاعِي صِفَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ
أَخَذَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مِنْ الْغَايَةِ وَقَدْ أَسْقَطَ مِنْ
الْبَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ جَمْعًا شَيْئًا
لَا يَتَّضِحُ الْكَلَامُ إلَّا بِهِ وَهُوَ
لَا يَكُونُ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ . ا هـ . قُلْت وَقَدْ وَقَفْت عَلَى
نُسْخَةٍ قُوبِلَتْ عَلَى نُسْخَةِ
الْمُصَنِّفِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِيهَا قَوْلَهُ
وَلَا يَكُونُ وَقَدْ أَثْبَتَهَا عَلَى
الْهَامِشِ وَكَتَبْت عَلَيْهَا صَحَّ . ا هـ
. (قَوْلُهُ : فَخَلَتْ الرَّكْعَتَانِ) أَيْ
اللَّتَانِ اقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : بِخِلَافِ السُّورَةِ) أَيْ
فَإِنَّهَا تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ
الْأَصْلَ فَيُخَافِتُ بِالسُّورَةِ تَبَعًا
لِلْفَاتِحَةِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا)
وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَجْهَرُ بِهِمَا هُوَ
الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ : وَالْفَاتِحَةُ
فِيهِمَا نَفْلٌ) أَيْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ
(قَوْلُهُ : فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ)
أَيْ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ فِي
رَكْعَةٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ : كَانَ
تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى) لِأَنَّ
النَّفَلَ قَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ أَلَا تَرَى
أَنَّ مَنْ شَرَعَ خَلْفَ إمَامٍ يُصَلِّي
الظُّهْرَ فِي رَكْعَتَيْنِ تَلْزَمُهُ
أَرْبَعٌ ، وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى
بِالْإِمَامِ فِي الْمَغْرِبِ يُصَلِّي
أَرْبَعًا وَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً
أُخْرَى حَتَّى لَا يَتَنَفَّلَ بِالثَّلَاثِ
. ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ
يَبْدَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) أَيْ فِي
تِلْكَ الرَّكْعَةِ . ا هـ ..
(1/128)
الْآيَةِ
خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ ؛
لِأَنَّ الْآيَةَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا
أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا
حُكْمًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ
وَالْحَائِضِ قِرَاءَتُهَا بِخِلَافِ مَا
دُونَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ
الطَّحَاوِيُّ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ
وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ
عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ
الْمُتَعَارَفِ وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ
الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَتْ
الْآيَةُ كَلِمَةً مِثْلُ مُدْهَامَّتَانِ
أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ " ص " وَ " ق "
وَ " ن " اُخْتُلِفَ فِيهَا وَقَالَ
الْمَرْغِينَانِيُّ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا
قَارِئًا وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ
طَوِيلَةٍ مِثْلَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فِي
رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا
فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ ؛
لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً تَامَّةً فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ
يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ
يَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ
وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ
قَرَأَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِرَارًا حَتَّى
تَبْلُغَ قَدْرَ آيَةٍ تَامَّةٍ لَا يَجُوزُ
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنَّ الصَّحِيحَ مِنْ
مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا
يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ
اقْرَأْ بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ
فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ
وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ
الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ
يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى عَلَى مَا عُرِفَ
فِي مَوْضِعِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَنُهَا فِي
السَّفَرِ الْفَاتِحَةَ وَأَيُّ سُورَةٍ
شَاءَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ
فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقَرَأَ
فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ
الْآخِرَةِ بِالتِّينِ» ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ
مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ فَنَاسَبَ
التَّخْفِيفَ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى
عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ عَلَى
إقَامَةٍ وَقَرَأَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ
نَحْوَ الْبُرُوجِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ
مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْحَضَرِ
طِوَالُ الْمُفَصَّلِ لَوْ فَجْرًا أَوْ
ظُهْرًا وَأَوْسَاطُهُ لَوْ عَصْرًا أَوْ
عِشَاءً وَقِصَارُهُ لَوْ مَغْرِبًا) لِمَا
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ
وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي
الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ
الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ
الْمُفَصَّلِ ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ
عَلَى الْعَجَلَةِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ
أَلْيَقَ بِهَا وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ
اُسْتُحِبَّ فِيهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ إلَى
آخِرِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرُ
قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ
قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ
فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ
يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى
الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ
فَإِنَّهُ مَنَعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً
عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا
وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ ؛ لِأَنَّهَا
لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ أَيْ فِي أَنَّهُ لَا
يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ قَارِئًا
عُرْفًا وَالْحَقُّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى
الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ
قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ قَالَا : لَا يُعَدُّ
وَهُوَ يُمْنَعُ نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ
عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ
الْقُرْآنِ وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ
احْتِيَاطًا فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَلِدْ ،
ثُمَّ نَظَرَ لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ
قُرْآنٌ حَقِيقَةً فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ
حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَمِنْ
حَيْثُ الْعَدَمُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ
احْتِيَاطًا فِيهِمَا . ا هـ . كَمَالٌ
قَوْلُهُ : نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ إلَى
آخِرِهِ أَيْ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ
الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ إلَى آخِرِهِ
. ا هـ .
(قَوْلُهُ : أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلُ ص
إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ
الدِّينِ وَكَوْنُ نَحْوِ ص حَرْفًا غَلَطٌ
بَلْ الْحَرْفُ مُسَمَّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ
الْمَقْرُوءَ ، وَالْمَقْرُوءُ وَهُوَ
الِاسْمُ صَارَ كَلِمَةً فَالصَّوَابُ فِي
التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ
أَوْ كَلِمَةٌ . ا هـ .
(فَرْعٌ) الْقِرَاءَةُ أَنْوَاعٌ فَرِيضَةٌ
وَوَاجِبَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَكْرُوهَةٌ
فَالْفَرِيضَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي
رِوَايَةٍ قَدْرُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ
الْقِرَاءَةِ مَقْصُودَةً لَا يَشُوبُهَا
قَصْدُ خِطَابِ أَحَدٍ وَلَا جَوَابُهُ وَلَا
قَصْدُ التَّلْقِينِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي
رِوَايَةٍ عَنْهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ
رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّ مَا
دُونَهَا يَجْرِي فِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي
رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا وَالْوَاجِبَةُ
قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مَعَ ثَلَاثِ آيَاتٍ
قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ ،
وَالْمَسْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى قِرَاءَةٍ
فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَيُعْلَمُ مِنْ
كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ
فَالْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ
وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ
حَالَةِ الْقِيَامِ وَتَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ
الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ
مِنْ الْمُصْحَفِ عِنْدَهُمَا . ا هـ . مِنْ
الدِّرَايَةِ بِاخْتِصَارٍ قَالَ الْكَمَالُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ
الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ
وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا ،
وَكَذَا إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ
مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ
يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ إلَّا
فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ وَجْهُ
الْقَيْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُ
الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْله
تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل
: 20] يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ
الْآيَةِ وَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِ
مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ مَا قُرِئَ
فَمَهْمَا قُرِئَ يَكُونُ الْفَرْضُ وَمَعْنَى
قَسَّمَ السُّنَّةَ مِنْ الْأَقْسَامِ
الْمَذْكُورَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْفَرْضَ عَلَى
الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا كَانَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَعْلُهُ بِعَدَدِ
أَرْبَعِينَ مَثَلًا إلَى الْمِائَةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَنِصْفُهَا فِي أُخْرَى
اخْتَلَفُوا فِيهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ إلَى
آخِرِهِ) قُلْت : إنْ اُعْتُبِرَ هَذَا
يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا .
ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ : لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إلَى
آخِرِهِ) هَذَا الْمَرْوِيُّ عَلَى مَا
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي
الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ
فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا مَا نَصُّهُ وَكَتَبَ
عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ اقْرَأْ فِي
الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي
الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي
الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ رَوَاهُ
أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينِ بِإِسْنَادِهِ
وَبِمَعْنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ . ا هـ . قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي
مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ
جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ
كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي
الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي
الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي
الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ . ا هـ .
وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ
الْمُفَصَّلِ فَلَمْ أَرَهُ بَلْ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي
بَابَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَرُوِيَ
عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ
بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ غَيْرَ أَنَّ فِي
الدِّرَايَةِ مَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ
مَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ
حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ
الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ» آيَةً
. ا هـ . فَتْحٌ
(1/129)
التَّأْخِيرُ
فَيُخْشَى بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَقَعَا فِي
وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُوَقَّتُ
فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ بِخِلَافِ الْفَجْرِ
وَالظُّهْرِ ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا مَدِيدَةٌ
وَسُمِّيَ الْمُفَصَّلُ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ
الْفُصُولِ فِيهِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ
الْمَنْسُوخِ فِيهِ ، ثُمَّ آخِرَ
الْمُفَصَّلِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}
[الناس : 1] بِلَا خِلَافٍ . وَاخْتَلَفُوا
فِي أَوَّلِهِ فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ
الْقِتَالِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ
الْحُجُرَاتِ وَهُوَ السَّبْعُ الْأَخِيرُ
وَقِيلَ مِنْ " ق " وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ
مِنْ الْجَاثِيَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ
فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج : 1]
وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ
وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ
وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى
عَبَسَ وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى
وَالضُّحَى وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ
الْقُرْآنِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الْحَضَرِ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ
خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ آيَةً إلَى
سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ ،
وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا
وَمُرَادُهُ أَنْ يُوَزِّعَ الْأَرْبَعِينَ
أَوْ الْخَمْسِينَ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي
الرَّكْعَةِ الْأُولَى خَمْسًا وَعِشْرِينَ
وَفِي الثَّانِيَةِ بِمَا بَقِيَ إلَى تَمَامِ
الْأَرْبَعِينَ لَا أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ ، ثُمَّ
قِيلَ الْمِائَةُ أَكْثَرُ مَا يُقْرَأُ
فِيهِمَا وَالْأَرْبَعُونَ أَقَلُّ مَا
يُقْرَأُ فِيهِمَا وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ
بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَاخْتُلِفَ
فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ فَقِيلَ إنَّهُ
يَقْرَأُ بِالرَّاغِبِينَ إلَى مِائَةٍ
وَبِالْكَسَالَى إلَى أَرْبَعِينَ
وَبِالْأَوْسَاطِ إلَى السِّتِّينَ وَقِيلَ
يَنْظُرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِيِ وَقِصَرِهَا
فَفِي الشِّتَاءِ يَقْرَأُ مِائَةً وَفِي
الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ وَفِي الْخَرِيفِ
وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ .
وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ الْآيَاتِ
وَقِصَرِهَا فَيَقْرَأُ أَرْبَعِينَ إذَا
كَانَتْ طِوَالًا كَسُورَةِ الْمُلْكِ
وَيَقْرَأُ خَمْسِينَ إذَا كَانَتْ أَوْسَاطًا
وَمَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ إذَا
كَانَتْ قِصَارًا كَسُورَةِ الْمُزَّمِّلِ
وَالْمُدَّثِّرِ وَالرَّحْمَنِ وَقِيلَ
يَنْظُرُ إلَى قِلَّةِ الْأَشْغَالِ
وَكَثْرَتِهَا وَقِيلَ يَعْتَبِرُ حَالَ
نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ
يَقْرَأُ مِائَةً وَإِلَّا فَأَرْبَعِينَ
وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِيهَا
اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
«يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ ب ق وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ» وَنَحْوِهَا وَكَانَتْ صَلَاتُهُ
بَعْدُ إلَى تَخْفِيفٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي
بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ
مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ»
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ
فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَلَمْ
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ وَهَلْ أَتَى عَلَى
الْإِنْسَانِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ
فِي الظُّهْرِ وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى»
وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي
الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا وَفِي الظُّهْرِ
بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَفِي
الْمَغْرِبِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ
وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» . وَالظَّاهِرُ
أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لِاخْتِلَافِ
الْأَحْوَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَيُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ فَقَطْ) هَذَا
قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ
أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى
الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِمَا
رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ
فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ
الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مَعَهَا وَفِي
الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»
وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيُطِيلُ
فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ
فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ
وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ وَلَهُمَا مَا
رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
«يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ وَفِي
الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً
أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي
الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ
سَمُرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ
وَالطَّارِقِ» وَنَحْوِهِمَا مِنْ السُّوَرِ
وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ «وَكَانَ
يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ
الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ» وَهُمَا
سَوَاءٌ ؛ وَلِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ اسْتَوَيَا فِي وُجُوبِ
الْقِرَاءَةِ وَوَصْفِهَا فَيَسْتَوِيَانِ فِي
مِقْدَارِهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْفَجْرِ
فَإِنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُطِيلُ
الْأُولَى إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ
فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَالظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتَا فِي وَقْتِ
الِاشْتِغَالِ لَكِنْ بَعْدَ سَمَاعِ
النِّدَاءِ يَتَعَيَّنُ الْإِجَابَةُ
فَالتَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا
يُعْتَبَرُ .
وَمَا رَوَاهُ مِنْ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى
الثَّانِيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى إطَالَتِهَا
بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : أَنْ يَقَعَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ
مُسْتَحَبٍّ إلَى آخِرِهِ) وَالْوَقْتُ
الْمُسْتَحَبُّ أَعَمُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى
النِّصْفِ فِي الْعِشَاءِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهُ
مَكْرُوهٌ وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْعَصْرِ
بَعِيدٌ فِي الْعِشَاءِ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ : فَيُوَقِّتُ فِيهِمَا
بِالْأَوْسَاطِ) قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ
مَاشٍ فِي الْعَصْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي
الْعِشَاءِ إذْ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ
فِيهَا لَا تَقَعُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ ؛
لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مُبَاحٌ إلَى نِصْفِ
اللَّيْلِ بَلْ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّ
وَقْتَهَا وَقْتُ النَّوْمِ فَبِالتَّأْخِيرِ
وَالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ يَحْصُلُ
التَّغْيِيرُ وَالتَّقْلِيلُ لِلْجَمَاعَةِ
بِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ .
ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ
إلَى آخِرِهِ) السُّورَةُ تُهْمَزُ وَلَا
تُهْمَزُ لُغَتَانِ وَتَرْكُ هَمْزِهَا
أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ
الْعَزِيزُ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ) أَيْ وَفِي بَعْضِ
النُّسَخِ الْجَلَّابِيُّ بَدَلُ
الْحَلْوَانِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقَالَ
مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ إلَى
آخِرِهِ) وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ
إطَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى إلَّا
مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ أَنْ
يُطِيلَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى . ا هـ
. كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي الدِّرَايَةِ
وَإِطَالَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى
الْأُولَى بِثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا فِي
الْفَرَائِضِ مَكْرُوهٌ وَفِي السُّنَنِ
وَالنَّوَافِلِ لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ
أَمْرَهَا أَسْهَلُ كَذَا فِي جَامِعِ
الْمَحْبُوبِيِّ وَفِي الْقَنِيَّةِ
الْقِرَاءَةُ الْمَسْنُونَةُ يَسْتَوِي فِيهَا
الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالنَّاسُ
عَنْهَا غَافِلُونَ . ا هـ . كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ : بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ)
أَيْ وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ
الرَّاوِي وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ عَلَى
التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْإِطَالَةِ لَا فِي
قَدْرِهَا فَإِنَّ تِلْكَ الْإِطَالَةَ
مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَالْمُعْتَبَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ
الْقَدْرِ وَقَدْ قُدِّرَتْ بِأَنْ يَقْرَأَ
فِي الْأُولَى مَثَلًا بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ
وَفِي الثَّانِيَةِ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ
؛ وَلِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الصُّبْحِ
لَمَّا كَانَتْ ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ
نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا
بِحَيْثُ تُعَدُّ إطَالَةً لَكِنْ كَوْنُ
التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ غَيْرَ
الْمُتَبَادَرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي
الْخُلَاصَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ
أَحَبُّ . ا هـ . فَتْحٌ
(1/130)
قَالَ
الْمَرْغِينَانِيُّ التَّطْوِيلُ يُعْتَبَرُ
بِالْآيِ إنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً وَإِنْ
كَانَتْ الْآيَاتُ مُتَفَاوِتَةً مِنْ حَيْثُ
الطُّولُ وَالْقِصَرُ يُعْتَبَرُ الْكَلِمَاتُ
وَالْحُرُوفُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالزِّيَادَةِ
وَالنُّقْصَانِ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ
لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ
وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ
بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَلَا بَأْسَ
أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الْأُولَى ، ثُمَّ
يُعِيدَهَا فِي الثَّانِيَةِ لِمَا رُوِيَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ
الْمَغْرِبِ إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ ،
ثُمَّ قَامَ وَقَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ
يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ
لِصَلَاةٍ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا
رَوَيْنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَيَّنُ
الْفَاتِحَةُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ
وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَقِّتَ شَيْءٌ
مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ
مِثْلُ أَنْ يَقْرَأَ أَلَمْ السَّجْدَةُ
وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ فِي صَلَاةِ
الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسُورَةِ
الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاةِ
الْجُمُعَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي
هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا وَاجِبًا بِحَيْثُ
لَا يَجُوزُ غَيْرُهُمَا أَوْ رَأَى قِرَاءَةَ
غَيْرِهِمَا مَكْرُوهًا أَمَّا لَوْ قَرَأَ
لِأَجْلِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ
تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا كَرَاهِيَةَ
فِي ذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْرَأَ
غَيْرَهُمَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ
الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجُوزُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَقْرَأُ
الْمُؤْتَمُّ) بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى
الْمُؤْتَمِّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَحَدِيثُ عُبَادَةَ
بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ
لِلْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ قَرَءُوا خَلْفَهُ
لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ
بِهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ
الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَسَائِرِ
الْأَرْكَانِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى
«{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا
لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف : 204] قَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ
الْإِمَامِ فَنَزَلَتْ» وَقَالَ أَحْمَدُ
أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ
الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى «وَإِذَا قَرَأَ
فَأَنْصِتُوا» قَالَ مُسْلِمٌ هَذَا
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ ؛ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ
مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا
جَهَرْت بِالْقُرْآنِ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ
رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ أَحْمَدُ
مَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ
الْإِسْلَامِ يَقُولُ إنَّ الْإِمَامَ إذَا
جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لَا تُجْزِي صَلَاةُ
مَنْ لَمْ يَقْرَأْ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ
بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ يَعْنِي
خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ
الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ وَعَنْ جَابِرٍ
بِمَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ
مَسْعُودٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ وَلِأَنَّ
الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالِاسْتِمَاعِ
إجْمَاعًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا
يُنَافِيهِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى
الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ نَظِيرَ
الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَ
بِالِاسْتِمَاعِ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ بَلْ لَا
يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قَالُوا
يَتْبَعُ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ قُلْنَا
يُشْكِلُ عَلَيْكُمْ فِيمَا إذَا لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فُرُوعٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ الْغَايَةِ) كُرِهَ
الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ غَيْرِ
الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ
جَمَاعَةً وَعِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ
وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي
رَكْعَةٍ وَبَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ
يُكْرَهُ وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ فِي
رَكْعَةٍ وَبَعْضَهَا فِي الثَّانِيَةِ
الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَا
يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
مِنْ وَسَطِ السُّورَةِ وَمِنْ آخِرِهَا
وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَ ذَلِكَ
عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَيُكْرَهُ
أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً أَوْ آيَةً فِي
رَكْعَةٍ ، ثُمَّ يَقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ
مَا فَوْقَهَا وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ
الْفُقَهَاءِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ
سُئِلَ عَمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
مَنْكُوسًا فَقَالَ ذَلِكَ مَنْكُوسُ
الْقَلْبِ وَهُوَ بِأَنْ يَقْرَأَ سُورَةً ،
ثُمَّ يَقْرَأَ بَعْدَهَا سُورَةً قَبْلَهَا
فِي النَّظْمِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَلَمْ
يَكْرَهْهُ مَالِكٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَى آخِرِهِ)
فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «قَرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْمَغْرِبِ
فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ
مِنْ الْأُولَى» . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
: بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ) أَيْ
وَالثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي
الثَّانِيَةِ . ا هـ . كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ : لَكِنْ يُشْتَرَطُ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا
تَحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ
الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي
الْمُدَاوَمَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ
الْمُدَاوَمَةَ مُطْلَقًا مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ
رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا ؛
لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَا يُفَصِّلُ
وَهُوَ إيهَامُ التَّفْصِيلِ وَهَجْرُ
الْبَاقِي لَكِنَّ الْهِجْرَانَ إنَّمَا
يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْبَاقِيَ فِي
صَلَاةٍ أُخْرَى فَالْحَقُّ أَنَّهُ إيهَامُ
التَّعْيِينِ ، ثُمَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ
عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ
عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ
الْعَصْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ
بِذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا
بِالْمَأْثُورِ فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ
يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَلِذَا
قَالُوا السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ
الْفَجْرِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ
وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَظَاهِرُ هَذَا
إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ
وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِيهَامَ الْمَذْكُورَ
مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي
نَفْسِهِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ إلَى
آخِرِهِ) وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ
يُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْمَكَانِ فِي
الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ
إنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَصِيرُ الصَّلَاةُ طَبْعًا
وَالْعِبَادَةُ مَتَى صَارَتْ طَبْعًا
فَسَبِيلُهَا التَّرْكُ وَلِهَذَا كُرِهَ
صَوْمُ الْأَبَدِ . ا هـ . كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا يَقْرَأُ
الْمُؤْتَمُّ) أَيْ سَوَاءٌ جَهَرَ الْإِمَامُ
أَوْ أَسَرَّ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ
الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ) أَمَّا
الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ ، وَأَمَّا
الثَّانِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل : 20]
وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ ، وَكَذَا
قَوْلُهُ : - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ»
. ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَأَنْصِتُوا
إلَى آخِرِهِ) فَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ
عَلَى أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُقْتَدِينَ
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى
حَالَةِ الْخَطِّيَّةِ وَلَا تَنَافِي
بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِمَا
فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ
الْقُرْآنِ . ا هـ . كَاكِيٌّ قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ
عُبَادَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي
الِابْتِدَاءِ فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا نَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ
الْإِمَامِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا «سَمِعَ
رَجُلًا يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَقَالَ مَا لِي
أُنَازَعُ فِي الْقُرْآنِ» وَقِيلَ مَحْمُولٌ
عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ وَقَدْ جَاءَ
مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الْخَلَّالِ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ صَلَاةٍ
لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ
فَهِيَ خِدَاجٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ
الْإِمَامِ» وَرُوِيَ أَيْضًا مَوْقُوفًا
عَلَى جَابِرٍ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ . ا
هـ .
(1/131)
يَسْكُتْ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ
إجْمَاعًا وَحَدِيثُ عُبَادَةَ ضَعَّفَهُ
أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ .
وَقَوْلُهُ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ
فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ
حَظَّ الْمُقْتَدِي الْإِنْصَاتُ وَقِرَاءَةُ
الْإِمَامِ وَقَعَ عَنْهُمَا فَيُجْزِيهِ
وَلِهَذَا يُجْزِيهِ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا
بِالْإِجْمَاعِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي
الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ
الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ
كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ
قِرَاءَةٌ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ
وَالتَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ أَوْ صَلَّى عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ
وَالْإِنْصَاتَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ
عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْقِرَاءَةِ ،
وَكَذَا الْإِمَامُ نَفْسُهُ لَا يَشْتَغِلُ
بِالدُّعَاءِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ وَمَا
رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - مَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ
إلَّا سَأَلَهَا وَآيَةِ عَذَابٍ إلَّا
اسْتَعَاذَ مِنْهُ» مَحْمُولٌ عَلَى
النَّوَافِلِ مُنْفَرِدًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ
تَطْوِيلًا عَلَى الْقَوْمِ وَقَدْ نَهَى عَنْ
ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنْ
الْأَئِمَّةِ ، وَكَذَا فِي الْخُطْبَةِ
يُنْصِتُ وَيَسْتَمِعُ وَإِنْ صَلَّى
الْخَطِيبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ
فَرْضٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ إلَّا أَنْ
يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْله تَعَالَى {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب : 56]
فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ ، وَكَذَا
لَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَلَا يَرُدُّ
السَّلَامَ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّهُ وَيُشَمِّتُ
فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَكُونُ
عَلَى الْفَوْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ إذْ الْمَجْلِسُ
وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ
خَطَبَ إلَى آخِرِهِ ظَاهِرُهُ مَعْطُوفٌ
عَلَى قَرَأَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ
آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فَلَا
يَسْتَقِيمُ فِي الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّهُ
يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا
قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيَصِيرُ مَعْنَى
الْكَلَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ
فِيهَا وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ
وَالتَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ وَأَيْضًا
يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ
وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِعَتَيْنِ
فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ
ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يُنْصِتُوا
إذَا خَطَبَ وَإِنْ صَلَّى الْخَطِيبُ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالنَّائِي كَالْقَرِيبِ) أَيْ النَّائِي
عَنْ الْمِنْبَرِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ
الْخُطْبَةَ كَالْقَرِيبِ مِنْهُ عَلَى
الْمُخْتَارِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ
الْإِنْصَاتُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ
بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ فَإِنْ عَجَزَ
عَنْ الِاسْتِمَاعِ لَا يَعْجِزُ عَنْ
الْإِنْصَاتِ فَصَارَ كَالْمُؤْتَمِّ فِي
صَلَاةِ النَّهَارِ ؛ وَلِأَنَّ صَوْتَهُ قَدْ
يَبْلُغُ مَنْ يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ
فَيُشْغِلُهُمْ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ
(بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي
الصَّلَاةِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْجَمَاعَةُ
سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَوِيَّةٌ تُشْبِهُ
الْوَاجِبَ فِي الْقُوَّةِ حَتَّى اُسْتُدِلَّ
بِمُلَازَمَتِهَا عَلَى وُجُودِ الْإِيمَانِ ،
وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ : إنَّهَا
فَرِيضَةٌ ، ثُمَّ مِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ :
إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ : إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ لَهُمْ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي
الْمَسْجِدِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَثْقَلُ
الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ
الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ
يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا
وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ
بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا
فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ
مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ
إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ
فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ
بِالنَّارِ» فَتَارِكُ السُّنَّةِ لَا
يُحَرَّقُ عَلَيْهِ بَيْتُهُ فَدَلَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ
التَّرْغِيبِ) مِثْلَ آيَاتِ الْجَنَّةِ . ا
هـ .
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ إلَى
آخِرِهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - قُلْت فَاعِلُ قَرَأَ هُوَ
الْإِمَامُ وَفَاعِلُ خَطَبَ هُوَ الْخَطِيبُ
وَهُوَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ غَيْرُ إمَامٍ
فَيَكُونُ هَذَا الْعَطْفُ عَطْفَ جُمْلَةٍ
عَلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُ مَا
ذُكِرَ فَافْهَمْ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ وَالتَّرْهِيبُ) أَيْ التَّخْوِيفُ
مِثْلُ آيَاتِ النَّارِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَالْإِنْصَاتُ فَرْضٌ بِالنَّصِّ
إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا
لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف : 204]
وَالْإِنْصَاتُ لَا يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ ؛
لِأَنَّهُ عَدَمُ الْكَلَامِ لَكِنْ قِيلَ :
إنَّهُ السُّكُوتُ لِلِاسْتِمَاعِ لَا
مُطْلَقًا وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ
بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَمْرَانِ
الِاسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ
بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ
الْجَهْرِيَّةَ وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي
عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ
الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى
أَنَّ وُرُودَ الْآيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي
الصَّلَاةِ هَذَا وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا
مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ فِي
الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ مُطْلَقًا قَالَ فِي
الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ
وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ
فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ وَعَلَى هَذَا
لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ بِاللَّيْلِ
جَهْرًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ يَأْثَمُ وَهَذَا
صَرِيحُ إطْلَاقِ الْوُجُوبِ ؛ وَلِأَنَّ
الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا
لِخُصُوصِ السَّبَبِ . ا هـ . فَتْحٌ مَعَ
حَذْفٍ (قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَقْرَأَ
الْخَطِيبُ إلَى آخِرِهِ) أَفَادَ وُجُوبَ
السُّكُوتِ فِي الثَّانِيَةِ كُلِّهَا أَيْضًا
مَا خَلَا الْمُسْتَثْنَى وَرُوِيَ
الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ؛
لِأَنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَمْرَ اللَّهِ
تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَاشْتَغَلَ هُوَ
بِالِامْتِثَالِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ
مُوَافَقَتُهُ وَالْأَشْبَهُ عَدَمُ
الِالْتِفَاتِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : وَالنَّائِي إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا
النَّائِي فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ
الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ
الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَالْأَحْوَطُ السُّكُوتُ
يَعْنِي عَدَمَ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ
وَنَحْوِهَا لَا الْكَلَامَ الْمُبَاحَ
فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي
غَيْرِ حَالَةِ الْخُطْبَةِ فَكَيْفَ فِي
حَالِهَا ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَمِعْ
فَقَدْ تُشَوِّشُ هَمْهَمَتُهُ عَلَى مَنْ
يَقْرُبُ مِنْهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ ا
هـ .
(بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي
الصَّلَاةِ)
(قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إنَّهَا
فَرْضُ عَيْنٍ إلَى آخِرِهِ) لَكِنْ لَيْسَتْ
شَرْطًا لِصِحَّةِ الْفَرْضِ وَبِهِ قَالَ
ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ
وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقِيلَ :
إنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ
الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَقَوْلُهُ
الْآخَرُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا
وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَأَصْحَابُهُ . ا هـ .
غَايَةٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَقَلُّ
مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ اثْنَانِ
وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاثْنَانِ فَمَا
فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» ؛ وَلِأَنَّ
الْجَمَاعَةَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَأَقَلُّ
مَا يَقَعُ بِهِ الِاجْتِمَاعُ اثْنَانِ
وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ رَجُلًا
أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ ا هـ
(1/132)
عَلَى أَنَّهَا
فَرْضٌ ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الرَّجُلِ
فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي
بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِسَبْعٍ
وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَهَذَا يُفِيدُ
الْجَوَازَ ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ
لَمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَتْ
فَرْضَ كِفَايَةٍ لَمَا قَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُحَرِّقَ
عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ مَعَ الْقِيَامِ بِهَا
هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَلْ كَانَتْ تَسْقُطُ
عَنْهُمْ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ -
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -
وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ
الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ لَا نَفْيُ
الْجَوَازِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِلْآبِقِ
وَالْمَرْأَةِ النَّاشِزَةِ» ، وَكَذَا
الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا دَلَالَةَ فِيهِ
عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ ؛ لِأَنَّ
الْمُرَادَ بِهِ مَنْ لَا يُصَلِّي بِدَلِيلٍ
آخَرَ . وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى قَوْمٍ لَا
يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَقُلْ لَا
يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ ؛ وَلِأَنَّ
إطْلَاقَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَقِيمُوا
الصَّلاةَ} [الأنعام : 72] يَقْتَضِي
الْجَوَازَ مُطْلَقًا فَلَا تَجُوزُ
الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ؛
لِأَنَّهُ نُسِخَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي
مَوْضِعِهِ ، وَفِي الْغَايَةِ قَالَ عَامَّةُ
مَشَايِخِنَا : إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَفِي
الْمُفِيدِ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ
وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةٌ لِوُجُوبِهَا
بِالسُّنَّةِ ، وَفِي الْبَدَائِعِ تَجِبُ
عَلَى الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ
الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الصَّلَاةِ
بِالْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَإِذَا
فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
الطَّلَبُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ بِلَا خِلَافٍ
بَيْنَ أَصْحَابِنَا لَكِنْ لَوْ أَتَى
مَسْجِدًا آخَرَ لِيُصَلِّيَ مَعَ
الْجَمَاعَةِ فَحَسَنٌ وَإِنْ صَلَّى فِي
مَسْجِدِ حَيِّهِ فَحَسَنٌ وَذَكَرَ
الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَجْمَعُ فِي أَهْلِهِ
وَيُصَلِّي بِهِمْ ، وَذَكَرَ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا
إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَنْ
يَتْبَعَ الْجَمَاعَاتِ وَإِنْ دَخَلَهُ
صَلَّى فِيهِ وَتَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ
بِالْأَعْذَارِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى
الْمَرِيضِ وَالْمُقْعَدِ وَالزَّمِنِ
وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ
وَمَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَالْمَفْلُوجِ الَّذِي
لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَالشَّيْخِ
الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ وَالْأَعْمَى عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ
سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ
فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ لَا أُحِبُّ
تَرْكَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَسْقُطُ
بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالطِّينِ وَالْمَطَرِ
وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ
الشَّدِيدَةِ
[الْأَحَقّ بِالْإِمَامَةِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَعْلَمُ
أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) يَعْنِي الْأَعْلَمُ
بِالسُّنَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
الْأَقْرَأُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمُ
أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ
كَانُوا سَوَاءً فِي الْقِرَاءَةِ
فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا
فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ
هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ
سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا وَفِي
رِوَايَةٍ سِلْمًا» ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ
لَا بُدَّ مِنْهَا وَالْحَاجَةَ إلَى
الْفِقْهِ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ وَلَنَا
حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ «يَؤُمُّ الْقَوْمُ
أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي
السُّنَّةِ سَوَاءٌ فَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ
اللَّهِ تَعَالَى» الْحَدِيثُ وَقَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرُوا
أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» وَكَانَ
فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ لِلْقُرْآنِ
مِنْهُ مِثْلُ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ
صَلَاةَ الْقَوْمِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ
الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا فَتَقْدِيمُ
مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهَا أَوْلَى إذَا عَلِمَ
مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ
سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ ؛ وَلِأَنَّ
الْقِرَاءَةَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِإِقَامَةِ
رُكْنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ رُكْنٌ زَائِدٌ أَيْضًا
وَالْفِقْهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِجَمِيعِ
أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَوَاجِبَاتِهَا
وَسُنَنِهَا وَمُسْتَحَبَّاتِهَا وَإِنَّمَا
قَدَّمَ الْأَقْرَأَ فِي الْحَدِيثِ ؛
لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ
بِأَحْكَامِهِ حَتَّى يُرْوَى عَنْ عُمَرَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَفِظَ
سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
سَنَةً . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَتْ
تَنْزِلُ سُورَةٌ إلَّا وَنَعْلَمُ أَمْرَهَا
وَنَهْيَهَا وَزَجْرَهَا وَحَلَالَهَا
وَحَرَامَهَا وَالرَّجُلُ الْيَوْمَ يَقْرَأُ
السُّورَةَ وَلَا يَعْرِفُ مِنْ أَحْكَامِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَشْهَدُونَ
الْجَمَاعَةَ إلَى آخِرِهِ) قُلْت وَلَوْ
نَقَلَ الْحَدِيثَ لَا يَشْهَدُونَ
الْجَمَاعَةَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرِيضَةِ
أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ
فَلَا يُزَادُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ عَلَى
مَا عُرِفَ وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ نَسْخُ
الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ
بِدُونِ الْجَمَاعَةِ لِمَا مَرَّ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ عَامَّةُ
مَشَايِخِنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ إلَى آخِرِهِ)
وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ
الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ
مُؤَكَّدَةٌ وَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ
نَاحِيَةٍ أَثِمُوا وَوَجَبَ قِتَالُهُمْ
بِالسِّلَاحِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ
الْإِسْلَامِ وَفِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ
سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ غَايَةَ التَّأْكِيدِ . ا
هـ . غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ
الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي قُوَّةِ
الْوَاجِبِ ا هـ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهَا
سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ الْكَرْخِيُّ
وَالْقُدُورِيُّ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ
قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ فِيمَا ذَكَرَ
مُحَمَّدٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ
أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ، وَقَدْ سَمَّاهَا بَعْضُ
أَصْحَابِنَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُمَا
سَوَاءٌ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ لَا
خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا
الِاخْتِلَافُ فِي الْعِبَارَةِ لَا غَيْرُ ؛
لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ
وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ خُصُوصًا فِيمَا إذَا
كَانَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ أَلَا
تَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ سَمَّاهَا سُنَّةً ،
ثُمَّ فَسَّرَهَا بِالْوَاجِبِ فَقَالَ
الْجَمَاعَةُ لَا يُرَخَّصُ لِأَحَدٍ
التَّأْخِيرُ عَنْهَا إلَّا بِعُذْرٍ وَهُوَ
تَفْسِيرُ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ . ا
هـ . (قَوْلُهُ وَالْأَعْمَى إلَى آخِرِهِ)
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي شَرْحِ
الْكَنْزِ وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ
وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا
الْجَمَاعَةِ فَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ
مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى
وَبِالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَالْبَرْدِ
الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ فِي
الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ سَأَلْت
أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ
وَرَدْغَةٍ فَقَالَ : لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ
الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ يَعْنِي قَوْلَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا
ابْتَلَّتْ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي
الرِّحَالِ» ا هـ . وَالنَّعْلُ الْأَرْضُ
الْغَلِيظَةُ يَبْرُقُ حَصَاهَا وَلَا
تُنْبِتُ شَيْئًا . ا هـ . كَذَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ
مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ
الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ يَعْنِي الْأَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ)
الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْفِقْهُ وَعِلْمُ
الشَّرِيعَةِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَفِي رِوَايَةٍ سَلَّمَا) أَيْ إسْلَامًا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَتْ تَنْزِلُ
سُورَةٌ إلَى آخِرِهِ) فَكَانَ الْأَقْرَأُ
فِيهِمْ هُوَ الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ
وَالْأَحْكَامِ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا
فَكَثِيرٌ مِنْ الْقُرَّاءِ لَا حَظَّ لَهُمْ
فِي الْعِلْمِ . ا هـ . غَايَةٌ . فَإِنْ
قِيلَ : الْكَلَامُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ مَعَ
الِاتِّفَاقِ عَلَى الْجَوَازِ عَلَى أَيِّ
وَجْهٍ كَانَ وَالْحَدِيثُ بِصِيغَتِهِ
يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إمَامَةِ
الثَّانِي عِنْدَ وُجُودِ الْأَوَّلِ ؛
لِأَنَّ صِيغَتَهُ صِيغَةُ إخْبَارٍ وَهُوَ
فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ آكَدُ مِنْ
الْأَمْرِ أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالشَّرْطِ
قُلْنَا صِيغَةُ الْإِخْبَارِ لِبَيَانِ
الشَّرْعِيَّةِ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا
وَلَيْلَةً وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ صِيغَةَ
(1/133)
شَيْئًا ؛
وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ كَانَ فِي
الِابْتِدَاءِ وَكَانَ يُسْتَدَلُّ بِحِفْظِهِ
عَلَى عِلْمِهِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ
بِالْإِسْلَامِ وَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ
وَتَفَقَّهُوا قُدِّمَ الْأَعْلَمُ نَصًّا
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ
أَعْلَمُهُمْ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ أَبِي
سَعِيدٍ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ
الْأَقْرَأُ) لِمَا رَوَيْنَا قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَوْرَعُ)
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ
خِيَارَكُمْ فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» ؛ وَلِأَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّمَ
أَقْدَمَهُمْ هِجْرَةً وَلَا هِجْرَةَ
الْيَوْمَ فَأَقَمْنَا الْوَرَعَ مَقَامَهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ
الْأَسَنُّ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَالِكِ
بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِصَاحِبٍ لَهُ «إذَا
حَضَرَتْ الصَّلَاة فَأَذِّنَا ، ثُمَّ
أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا»
وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّقْدِيمَ
بِالْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ فَالظَّاهِرُ
أَنَّهُمَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيهِمَا ؛
وَلِأَنَّ الْأَكْبَرَ سِنًّا يَكُونُ
أَخْشَعَ قَلْبًا عَادَةً وَأَعْظَمَهُمْ
بَيْنَهُمْ حُرْمَةً وَرَغْبَةً وَالنَّاسُ
فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَكْثَرُ فَيَكُونُ
فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ
فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي السِّنِّ
فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا فَإِنْ اسْتَوَوْا
فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا فَكُلُّ مَنْ كَانَ
أَكْمَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ كَثْرَةُ الْجَمَاعَةِ
وَرَغْبَةُ النَّاسِ فِيهِ أَكْثَرَ
وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهِ أَوْفَرُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ
إمَامَةُ الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ فَيَغْلِبُ
عَلَيْهِ الْجَهْلُ (وَالْأَعْرَابِيِّ)
وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ
عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا ؛ لِأَنَّ
الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ (وَالْفَاسِقِ)
لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ ؛
وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ
تَعْظِيمَهُ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ
إهَانَتُهُ شَرْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (وَالْمُبْتَدِعِ) أَيْ صَاحِبِ الْهَوَى
قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ تَجُوزُ الصَّلَاةُ
خَلْفَ صَاحِبِ هَوًى وَبِدْعَةٍ وَلَا
تَجُوزُ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ وَالْجَهْمِيِّ
وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهِ وَمَنْ يَقُولُ
بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، حَاصِلُهُ إنْ كَانَ
هَوَى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ يَجُوزُ
مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَعْمَى) لِأَنَّهُ
لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي
إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ
عَلَى اسْتِيعَابِ الْوُضُوءِ غَالِبًا وَفِي
الْبَدَائِعِ إذَا كَانَ لَا يُوَازِيه
غَيْرُهُ فِي الْفَضِيلَةِ فِي مَسْجِدِهِ
فَهُوَ أَوْلَى وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ
وَقَدْ «اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ أُمِّ
مَكْتُومٍ وَعِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى
الْمَدِينَةِ وَكَانَا أَعْمَيَيْنِ» قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدِ الزِّنَا)
لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعَلِّمُهُ
فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَإِنْ
تَقَدَّمُوا جَازَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ
كُلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْإِخْبَارِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَعْنَى
الْأَمْرِ وَلَكِنْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى
الِاسْتِحْبَابِ لِوُجُودِ الْجَوَازِ بِدُونِ
الِاقْتِدَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قِيلَ :
لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ الْأَقْرَأُ فِي
الْحَدِيثِ الْأَعْلَمُ يَلْزَمُ تَكْرَارُ
الْأَعْلَمِ فِي الْحَدِيثِ وَيَئُولُ
تَقْدِيرُهُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَعْلَمُهُمْ
فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَعْلَمُهُمْ قُلْنَا :
الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فَأَعْلَمُهُمْ
بِأَحْكَامِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ
السُّنَّةِ ، وَمِنْ قَوْلِهِ أَعْلَمُهُمْ
بِالسُّنَّةِ أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَمِيعًا فَكَانَ
الْأَعْلَمُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَعْلَمِ
الْأَوَّلِ . ا هـ . دِرَايَةٌ وَفِي شَرْحِ
الْإِرْشَادِ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ
الصَّلَاةِ مُتَبَحِّرًا فِيهَا غَيْرَ
مُتَبَحِّرٍ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ فَإِنَّهُ
أَوْلَى مِنْ الْمُتَبَحِّرِ فِي سَائِرِ
الْعُلُومِ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَفِي
الْمُجْتَبَى فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ
وَأَحَدُهُمَا أَقْرَأُ فَقَدَّمُوا غَيْرَهُ
أَسَاءُوا وَلَا يَأْثَمُونَ ا هـ . (قَوْلُهُ
فِي الْمَتْنِ : ثُمَّ الْأَوْرَعُ) قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ : ثُمَّ الْوَرَعُ لَيْسَ فِي
لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي تَرْتِيبِ الْإِمَامَةِ
وَإِنَّمَا فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَعْلَمِ
أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً وَلَكِنْ أَصْحَابُنَا
وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ جَعَلُوا
مَكَانَ الْهِجْرَةِ الْوَرَعَ ؛ لِأَنَّ
الْهِجْرَةَ مُنْقَطِعَةٌ فِي زَمَانِنَا ،
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَإِنَّمَا
الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ»
فَجَعَلُوا الْهِجْرَةَ عَنْ الْمَعَاصِي
مَكَانَ تِلْكَ الْهِجْرَةِ فَإِنَّ
هِجْرَتَهُمْ لِتَعَلُّمِ الْأَحْكَامِ
وَعِنْدَ ذَلِكَ يَزْدَادُ الْوَرَعُ وَقَدْ
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«مِلَاكُ دِينِكُمْ الْوَرَعُ» وَفِي
الْحَدِيثِ «الْجِهَادُ جِهَادَانِ
أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ
أَنْ تُجَاهِدَ نَفْسَك وَهَوَاك
وَالْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ إحْدَاهُمَا
أَفْضَلُ مِنْ الْأُخْرَى وَهُوَ أَنْ
تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ» . ا هـ . (قَوْلُهُ
فِي الْمَتْنِ ، ثُمَّ الْأَسَنُّ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ؛ لِأَنَّ
مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ إلَى الْإِسْلَامِ
كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةٍ وَمُدَاوَمَةٍ عَلَى
الْإِسْلَامِ قَالَ الثَّوْرِيُّ الْمُرَادُ
بِالسِّنِّ سِنٌّ مَضَى فِي الْإِسْلَامِ
فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا
عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ
أَسْلَمَ قَبْلَهُ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا إلَى آخِرِهِ)
وَفَسَّرَ فِي الْكَافِي حَسَنَ الْوَجْهِ
بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْلِ كَأَنَّهُ
ذَهَبَ إلَى مَا رَوَى عَنْهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى
بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ»
وَالْمُحَدِّثُونَ لَا يُثْبِتُونَهُ . ا هـ .
فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَكُرِهَ إمَامَةُ
الْعَبْدِ إلَى آخِرِهِ) فَلَوْ اجْتَمَعَ
الْمُعْتَقُ وَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ
وَاسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ
فَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ أُولَى . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَالْمُبْتَدِعِ إلَى آخِرِهِ) الْبِدْعَةُ
هِيَ الْحَدَثُ فِي الدِّينِ فَإِنْ اخْتَصَّ
بِالِاعْتِقَادِ فَهَوَى ا هـ مُوضِحٌ
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ
وَفَاجِرٍ» إلَى آخِرِهِ) تَمَامُ الْحَدِيثِ
فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ «وَصَلُّوا
عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَجَاهِدُوا مَعَ
كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» فَأَعَلَّهُ بِأَنَّ
مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ ،
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَنْ سَمَّى الْإِرْسَالَ
عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ حُجَّةٌ
مَقْبُولَةٌ عِنْدَنَا وَرَوَاهُ بِطَرِيقٍ
آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَأَعَلَّهُ ، وَقَدْ
رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ
لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ
وَالْعُقَيْلِيِّ كُلُّهَا مُضَعَّفَةٌ مِنْ
قِبَلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَبِذَلِكَ
يَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ عِنْدَ
الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ . ا هـ .
كَمَالٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ :
إمَامَةُ الْمُقِيمِ لِلْمُسَافِرِ أَوْلَى
مِنْ الْعَكْسِ وَعَنْ أَبِي الْفَضْلِ
الْكَرْمَانِيِّ هُمَا سَوَاءٌ ا هـ . وَفِي
الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ
الْجَوَاهِرِ يُرَجَّحُ بِالْفَضَائِلِ
الشَّرْعِيَّةِ وَالْخَلِيفِيَّةِ
وَالْمَكَانِيَّةِ وَكَمَالُ الصُّورَةِ
كَالشَّرَفِ فِي النَّسَبِ وَالسِّنِّ ،
وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ حَسَنُ اللِّبَاسِ
وَقِيلَ وَبِصَبَاحَةِ الْوَجْهِ وَحُسْنُ
الْخَلْقِ وَبِمِلْكِ رَقَبَةِ الْمَكَانِ
أَوْ مَنْفَعَتِهِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ
الْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى مِنْ الْمَالِكِ ا هـ
وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ
وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي هَذِهِ الْخِصَالِ
يُقْرَعُ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ ا هـ
. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ
أَوْ مُبْتَدِعٍ أَحْرَزَ ثَوَابَ
الْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَا يُحْرِزُ ثَوَابَ
الْمُصَلِّي خَلْفَ تَقِيٍّ ا هـ . يُرِيدُ
بِالْمُبْتَدَعِ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ وَلَا
بَأْسَ بِتَفْصِيلِهِ الِاقْتِدَاءَ بِأَهْلِ
الْأَهْوَاءِ جَائِزٌ إلَّا الْجَهْمِيَّةَ
وَالْقَدَرِيَّةَ وَالرَّوَافِضَ وَالْقَائِلَ
بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَالْخَطَّابِيَّةَ
وَالْمُشَبِّهَةَ وَجُمْلَتُهُ إنْ كَانَ مِنْ
أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَلَمْ يَغْلُ حَتَّى لَمْ
يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ
خَلْفَهُ وَتُكْرَهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ
(1/134)
بَرٍّ
وَفَاجِرٍ» وَالْفَاجِرُ إذَا تَعَذَّرَ
مَنْعُهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ وَفِي
غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ يُصَلِّيَانِ
الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ قَالَ
(وَتَطْوِيلُ الصَّلَاةِ) أَيْ كُرِهَ
تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذْ أَمَّ
أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ
فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ
وَالْمَرِيضَ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ
فَلِيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ» ، وَلِحَدِيثِ
أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا صَلَّيْت وَرَاءَ
إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ
صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَمَاعَةُ
النِّسَاءِ) أَيْ كُرِهَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ
وَحْدَهُنَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي
بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي
حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا
أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» ؛
وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ أَحَدُ
الْمَحْظُورَيْنِ إمَّا قِيَامُ الْإِمَامِ
وَسَطَ الصَّفِّ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ
تَقَدَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ أَيْضًا
مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِنَّ فَصِرْنَ
كَالْعُرَاةِ لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّهِنَّ
الْجَمَاعَةُ أَصْلًا وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ
لَهُنَّ الْأَذَانُ وَهُوَ دُعَاءٌ إلَى
الْجَمَاعَةِ وَلَوْلَا كَرَاهِيَةُ
جَمَاعَتِهِنَّ لَشُرِعَ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (فَإِنْ فَعَلْنَ يَقِفُ الْإِمَامُ
وَسَطَهُنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خَلْفَ مُنْكِرِ الشَّفَاعَةِ وَالرُّؤْيَةِ
وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْكِرَامِ
الْكَاتِبِينَ ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ
لِتَوَارُثِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَنْ
الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - . وَمَنْ قَالَ لَا يَرَى
لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ
كَذَا قِيلَ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الدَّلِيلِ
إذَا تَأَمَّلْت ، وَلَا يُصَلِّي خَلْفَ
مُنْكِرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
وَالْمُشَبِّهِ إذَا قَالَ لَهُ تَعَالَى يَدٌ
وَرِجْلٌ كَمَا لِلْعِبَادِ فَهُوَ كَافِرٌ
مَلْعُونٌ وَإِنْ قَالَ جِسْمٌ لَا
كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقَ لَفْظِ الْجِسْمِ
عَلَيْهِ وَهُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ
فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ
فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدَ الْإِطْلَاقِ
وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ تَنْتَهِضُ سَبَبًا
لِلْعِقَابِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْإِيهَامِ
بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى
التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَقِيلَ
يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا
وَهُوَ حَسَنٌ بَلْ أَوْلَى بِالتَّكْفِيرِ
وَفِي الرَّوَافِضِ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الثَّلَاثَةِ
فَمُبْتَدَعٌ وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ
الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ
وَمُنْكِرُ الْمِعْرَاجِ إنْ أَنْكَرَ
الْإِسْرَاءَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
فَكَافِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمِعْرَاجَ
مِنْهُ فَمُبْتَدَعٌ ا هـ مِنْ الْخُلَاصَةِ
إلَّا تَعْلِيلَ إطْلَاقِ الْجِسْمِ مَعَ
نَفْيِ التَّشْبِيهِ ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ
الصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا
تَجُوزُ وَبِخَطِّ الْحَلْوَانِيِّ تُمْنَعُ
الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَخُوضُ فِي عِلْمِ
الْكَلَامِ وَيُنَاظِرُ أَصْحَابَ
الْأَهْوَاءِ كَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا
عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : لَا
يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتَكَلِّمِ
وَإِنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ . قَالَ
الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
مُرَادُ أَبِي يُوسُفَ مَنْ يُنَاظِرُ فِي
دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ . وَقَالَ
صَاحِبُ الْمُجْتَبَى : وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ
الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ
الَّذِي قَرَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ
رَأَى ابْنَهُ حَمَّادًا يُنَاظِرُ فِي
الْكَلَامِ فَنَهَاهُ فَقَالَ رَأَيْتُك
تُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ وَتَنْهَانِي
فَقَالَ كُنَّا نُنَاظِرُ وَكَأَنَّ عَلَى
رُؤْسِنَا الطَّيْرَ مَخَافَةَ أَنْ يَزِلَّ
صَاحِبُنَا وَأَنْتُمْ تُنَاظِرُونَ
وَتُرِيدُونَ زِلَّةَ صَاحِبِكُمْ وَمَنْ
أَرَادَ زِلَّةَ صَاحِبِهِ فَقَدْ أَرَادَ
أَنْ يَكْفُرَ فَهُوَ قَدْ كَفَرَ قَبْلَ
صَاحِبِهِ فَهَذَا هُوَ الْخَوْضُ
الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهَذَا الْمُتَكَلِّمُ
لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ، وَاعْلَمْ
أَنَّ الْحُكْمَ بِكُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ
أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ عَنْ عَدَمِ
تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ
الْمُبْتَدَعَةِ كُلِّهِمْ مَحْمَلُهُ أَنَّ
ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسُهُ كُفْرٌ
فَالْقَائِلُ بِهِ قَائِلٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ
وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ
قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ
وَمُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَكِنْ
جَزْمُهُمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ
لَا يَصِحُّ هَذَا الْجَمْعُ اللَّهُمَّ إلَّا
أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلْفَهُمْ
عَدَمُ الْحِلِّ أَيْ عَدَمُ حِلِّ أَنْ
يَفْعَلَ وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ ،
وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِخِلَافِ مُطْلَقِ
اسْمِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ
فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِاخْتِيَارِهِ إطْلَاقَ
مَا هُوَ مُوهِمٌ النَّقْصَ بَعْدَ عِلْمِهِ
بِذَلِكَ وَلَوْ نَفَى التَّشْبِيهَ فَلَمْ
يَبْقَ مِنْهُ إلَّا التَّسَاهُلَ
وَالِاسْتِخْفَافَ بِذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَةِ
تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْلٌ آخَرُ
ذَكَرْته فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ
بِالْمُسَايِرَةِ وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ
بِالْمَشْهُورِ بِآكِلِ الرِّبَا وَيَجُوزُ
بِالشَّافِعِيِّ بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا فِي
بَابِ الْوِتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
(قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى
مَسْجِدٍ آخَرَ) لِأَنَّ فِي سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ
بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ
قَالَ الْكَمَالُ : يَعْنِي أَنَّهُ فِي
غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنَّهُ
يَتَحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا
يَأْثَمُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ
وَعَلَى هَذَا فَتُكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ
إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ
عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُفْتَى
بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّحَوُّلِ
حِينَئِذٍ ا هـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا
عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ
أَوْ مُبْتَدِعٍ يَكُونُ مُحْرِزًا ثَوَابَ
الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ
كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» أَمَّا لَا يَنَالُ
ثَوَابَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ التَّقِيِّ ا هـ .
(قَوْلُهُ يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ
الْحَجَّاجِ) أَيْ وَقَدْ كَانَ فِي غَايَةِ
الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ
أَنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ
أَلْفًا صَبْرًا وَمَاتَ فِي حَبْسِهِ
خَمْسُونَ أَلْفًا مِنْ الرِّجَالِ
وَثَلَاثُونَ أَلْفًا مِنْ النِّسَاءِ سِوَى
مَنْ قَتَلَ فِي حُرُوبِهِ وَزُحُوفِهِ
وَكَانَ حَبْسُهُ يُقَالُ لَهُ الْجَائِرُ
بِغَيْرِ سَقْفٍ صَيْفًا وَشِتَاءً
وَيُسْقَوْنَ الْمَاءَ بِالرَّمَادِ ، وَقَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَوْ جَاءَ كُلُّ
أُمَّةٍ بِخَبِيثَاتِهَا جِئْنَا بِأَبِي
مُحَمَّدٍ وَغَلَبْنَاهُمْ يَعْنِي
الْحَجَّاجَ . ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي
بَيْتِهَا» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ . ا هـ . دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا) الْمَخْدَعُ
الْخِزَانَةُ تَكُونُ فِي الْبَيْتِ قَالَ فِي
الْمِصْبَاحِ وَالْمَخْدَعُ بِضَمِّ الْمِيمِ
بَيْتٌ صَغِيرٌ يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ
وَتَثْلِيثُ الْمِيمِ لُغَةً . ا هـ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ فَعَلْنَ
يَقِفُ الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ) قَالَ
الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ الْإِمَامُ
مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ
ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمِنْهُ قَامَتْ
الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ وَفِي بَعْضِ
النُّسَخِ الْإِمَامَةُ وَتَرْكُ الْهَاءِ
هُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ أَيْ
مَصْدَرٌ لَا وَصْفٌ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ :
تَقُولُ جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ
بِالْإِسْكَانِ ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ وَجَلَسْت
وَسَطَ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَكُلُّ
مَوْضِعٍ صَلُحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ سَاكِنٌ
وَمَا لَا يَصْلُحُ فَهُوَ بِالْفَتْحِ
وَرُبَّمَا سَكَنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَفِي
الْفَصِيحِ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ
وَاحْتَجَمْت وَسَطَ رَأْسِي بِالْفَتْحِ
وَمِنْهُ يَشُدُّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كُلُّ مَا كَانَ
يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَوَسْطِ
الْقِلَادَةِ وَالصَّفِّ وَالسُّبْحَةِ فَهُوَ
(1/135)
كَالْعُرَاةِ)
؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- فَعَلَتْ كَذَلِكَ حِينَ كَانَ
جَمَاعَتُهُنَّ مُسْتَحَبَّةً ، ثُمَّ نُسِخَ
الِاسْتِحْبَابُ ؛ وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ
عَنْ الْبُرُوزِ وَلَا سِيَّمَا فِي
الصَّلَاةِ وَلِهَذَا كَانَ صَلَاتُهَا فِي
بَيْتِهَا أَفْضَلُ وَتَنْخَفِضُ فِي
سُجُودِهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ
فَخِذَيْهَا وَفِي تَقْدِيمِ إمَامَتِهِنَّ
زِيَادَةُ الْبُرُوزِ فَيُكْرَهُ بِخِلَافِ
صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَيْثُ يُصَلِّينَ
وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً ؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ
فَلَا تُتْرَكُ بِالْمَحْظُورِ ؛ وَلِأَنَّهَا
لَمْ تُشْرَعْ مُكَرَّرَةً فَإِذَا صَلَّيْنَ
فُرَادَى تَفُوتُهُنَّ بِفَرَاغِ الْوَاحِدَةِ
قَبْلَهُنَّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقِفُ
الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ عَنْ يَمِينِ
الْإِمَامِ مُسَاوِيًا لَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضَعُ
إصْبَعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَهُوَ
الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْعَوَامّ وَلَنَا
حَدِيثُ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ»
وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ لِمَا
رَوَيْنَا وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ
خَلْفَهُ فِي رِوَايَةٍ وَيُكْرَهُ فِي
أُخْرَى وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُ
مُحَمَّدٍ إنْ صَلَّى خَلْفَهُ جَازَتْ ،
وَكَذَا إنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ
مُسِيءٌ فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَ قَوْلَهُ
وَهُوَ مُسِيءٌ إلَى الْأَخِيرِ وَمِنْهُمْ
مَنْ صَرَفَهُ إلَى الْفِعْلَيْنِ وَهُوَ
الصَّحِيحُ . وَالصَّبِيُّ فِي هَذَا
كَالْبَالِغِ حَتَّى يَقِفَ عَنْ يَمِينِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاثْنَانِ
خَلْفَهُ) أَيْ يَقِفُ الِاثْنَانِ خَلْفَهُ
يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَوَسَّطُهُمَا لِمَا
رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ
صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَوَقَفَ
بَيْنَهُمَا وَقَالَ هَكَذَا صَلَّى بِنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَنَا حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ
قَالَ «قُمْت عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ
بِيَدِي وَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ
يَمِينِهِ فَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ
حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَخَذَ
بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا
خَلْفَهُ» وَفِعْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ كَانَ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَذَا
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَهُوَ
أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ قَالَهُ
النَّوَوِيُّ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ
عَلَى بَيَانِ الْإِبَاحَةِ وَمَا رَوَيْنَاهُ
دَلِيلُ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ ،
وَلَوْ كَانَ مَعَهُ صَبِيٌّ يَعْقِلُ
وَامْرَأَةٌ يَقُومُ الصَّبِيُّ عَنْ
يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصُفُّ الرِّجَالُ ،
ثُمَّ الصِّبْيَانُ ، ثُمَّ النِّسَاءُ)
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا
الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ
مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ خَيْرَ
صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرَّهَا
آخِرُهَا وَخَيْرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ
آخِرُهَا وَشَرَّهَا أَوَّلُهَا» ؛ وَلِأَنَّ
فِي الْمُحَاذَاةِ مَفْسَدَةً فَيُؤَخِّرْنَ
وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ إذَا قَامُوا إلَى
الصَّلَاةِ أَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا
الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا بَيْنَ مَنَاكِبِهِمْ
فِي الصُّفُوفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ
يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ
الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ»
وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ
أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ
وُجُوهِكُمْ» وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ
الْقُلُوبِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ
يَقِفَ بِإِزَاءِ الْوَسَطِ فَإِنْ وَقَفَ فِي
مَيْمَنَةِ الصَّفِّ أَوْ مَيْسَرَتِهِ فَقَدْ
أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ أَلَا
تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ لَمْ تُنْصَبْ
إلَّا فِي الْوَسَطِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ
لِمَقَامِ الْإِمَامِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَاذَتْهُ
مُشْتَهَاةٌ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ
مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي
مَكَان مُتَّحَدٍ بِلَا حَائِلٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِالْإِسْكَانِ وَمَا كَانَ مُنْضَمًّا لَا
يَبِينُ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ فَهُوَ
بِالْفَتْحِ وَأَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ
الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ
الْفَتْحَ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : كَالْعُرَاةِ) أَيْ لَيْسَ مِنْ
كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي أَفْضَلِيَّةِ
الِانْفِرَادِ وَفِي أَفْضَلِيَّةِ قِيَامِ
الْإِمَامِ وَسَطَهُنَّ ، وَأَمَّا الْعُرَاةُ
فَيُصَلُّونَ قُعُودًا بِإِيمَاءٍ فَهُوَ
أَفْضَلُ وَلَا كَذَلِكَ النِّسَاءُ بَلْ
يُصَلِّينَ قَائِمَاتٍ . ا هـ . نِهَايَةٌ
(قَوْلُهُ حَيْثُ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ
جَمَاعَةً إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ
. ا هـ . كَاكِيٌّ وَفَتْحٌ.
(قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضَعُ
إصْبَعَهُ إلَى آخِرِهِ) وَالْأَوَّلُ هُوَ
الظَّاهِرُ . ا هـ . هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ
وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ
وَسُجُودُهُ قُدَّامَ الْإِمَامِ لَمْ
يَضُرَّهُ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَوْضِعِ
الْوُقُوفِ ا هـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِضِيقِ
الْمَكَانِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ
وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِضِيقِ
الْمَكَانِ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ بَلْ مَا
قَالَهُ الْحَازِمِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ؛
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- إنَّمَا فَعَلَهُ بِمَكَّةَ إذْ فِيهَا
التَّطْبِيقُ وَأَحْكَامٌ أُخَرُ هِيَ الْآنَ
مَتْرُوكَةٌ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا
وَلَمَّا قَدِمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ
بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ
جَابِرٍ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ
بِهِ الشَّارِحُ هُنَا ا هـ (قَوْلُهُ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لِيَلِيَنِي إلَى آخِرِهِ)
قِيلَ اسْتَدَلَّا لَهُ بِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ
صَفِّ الرِّجَالِ ، ثُمَّ الصِّبْيَانِ ،
ثُمَّ النِّسَاءِ لَا يَتِمُّ إنَّمَا فِيهِ
تَقْدِيمُ الْبَالِغِينَ أَوْ نَوْعٍ مِنْهُمْ
وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ
أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ
«يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا
وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ
حَتَّى أُرِيَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَاجْتَمَعُوا وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ
وَنِسَاءَهُمْ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ
كَيْفَ يَتَوَضَّأُ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفَّ
الرِّجَالَ ، ثُمَّ أَدْنَى الصَّفَّ وَصَفَّ
الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ وَصَفَّ النِّسَاءَ
خَلْفَ الصِّبْيَانِ» الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ . ا هـ . فَتْحٌ
وَاعْلَمْ أَنَّ صَفَّ الْخَنَاثَى بَيْنَ
الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَبَعْدَ
النِّسَاءِ الْمُرَاهِقَاتِ ا هـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ : إنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ)
أَيْ أَفْضَلَ صُفُوفِ الرِّجَالِ فِي صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ آخِرُهَا وَفِي غَيْرِهَا
أَوَّلُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِتَكُونَ
شَفَاعَتُهُ أَدْعَى إلَى الْقَبُولِ ا هـ
فَنِيَّةٌ فِي الْجَنَائِزِ (قَوْلُهُ إلَى
اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ) أَيْ وَتَغْيِيرُ
بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض فَيَكُونُ تَحْذِيرًا
مِنْ وُقُوعِ التَّبَاغُضِ وَالتَّنَافُرِ
وَعَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ يُحْتَمَلُ أَنْ
يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ
. ا هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ حَاذَتْهُ)
أَيْ الْمُصَلِّي أُنْثَى ا هـ ع (قَوْلُهُ
فِي الْمَتْنِ : مُشْتَهَاةٌ) أَيْ فِي
الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي . ا هـ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فِي صَلَاةٍ إلَى
آخِرِهِ) فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى
الْحَالِ أَيْ حَالِ كَوْنِهِمَا فِي صَلَاةٍ
ا هـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فِي مَكَان)
نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا ا هـ وَلَوْ
قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفُهُ
صَفٌّ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي
الدِّرَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : بِلَا حَائِلٍ) أَيْ لِأَنَّ
الْمُحَاذَاةَ تَقُومُ بِهِمَا فَلَوْ كَانَتْ
عِلَّةُ الْفَسَادِ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِهِمَا
لَكَانَ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفَسَادُ ثَابِتًا
فِي حَقِّهِمَا إذْ الِاسْتِوَاءُ فِي
الْعِلَّةِ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ فِي
الْمَعْلُولِ . ا هـ . رَازِيٌّ قَالَ فِي
الذَّخِيرَةِ وَإِذَا وَقَفَ الرَّجُلُ
وَالْمَرْأَةُ
(1/136)
فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا) وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا
تَفْسُدُ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا وَتَرْكُ
مَكَانِهَا فِي الصَّفِّ لَا يُوجِبُ فَسَادَ
صَلَاةِ الرَّجُلِ كَالصَّبِيِّ إذَا حَاذَى
الرَّجُلَ فَصَارَتْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ
وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ الرَّجُلَ مَأْمُورٌ
بِتَأْخِيرِ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخِّرُوهُنَّ
مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» فَإِذَا
تَرَكَ التَّأْخِيرَ فَقَدْ تَرَكَ مَكَانَهُ
فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمُقْتَدِي إذَا
تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ وَكَسَائِرِ
الْمُنْهَيَاتِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْحَدَثِ
وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ
صَلَاةِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
بِمَأْمُورَةٍ بِالتَّأْخِيرِ ؛ وَلِأَنَّ
حَالَةَ الصَّلَاةِ حَالَةُ الْمُنَاجَاةِ
فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِ
شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيكِ ؛
لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى فَسَادِ
الصَّلَاةِ ، وَمُحَاذَاتُهَا الرَّجُلَ لَا
يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا فَيَكُونُ
التَّأْخِيرُ مِنْ الْفَرَائِضِ صِيَانَةً
لِصَلَاتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِخِلَافِ
مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ
لِخُلُوِّهِ عَمَّا يُوجِبُ التَّشْوِيشَ ،
وَلَئِنْ وُجِدَ فَهُوَ نَادِرٌ وَهُوَ
أَيْضًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَفِي
الْمَرْأَةِ وُجِدَ الدَّاعِي مِنْ
الْجَانِبَيْنِ فَقَوِيَ السَّبَبُ
فَافْتَرَقَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ
بِصَلَاةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا هِيَ
دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَرْأَةِ
إجْمَاعًا لِعِلَّةِ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ لَا
لِدُنُوِّ حَالِ صَلَاتِهَا كَصَلَاةِ
الصَّبِيِّ وَلَا لِتَغَايُرِ الْفَرْضِ وَلَا
لِعَدَمِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا كَأَصْحَابِ
الْأَعْذَارِ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ
وَنَحْوِهَا وَتِلْكَ الْعِلَّةُ مُشْتَرَكَةٌ
بَيْنَ أَنْ يُحَاذِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ
تَتَقَدَّمَهُ إذْ عَدَمُ التَّأْخِيرِ
فِيهِمَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ
قَدْ وُجِدَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ
أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا تَجُوزُ
الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ ؛
لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ . وَنَقُولُ :
إنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ، فَجَازَ
الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ
وَالْكَعْبُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَعْضُهُمْ
اعْتَبَرَ الْقَدَمَ ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ فِي
الْمُخْتَصَرِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ حَاذَتْهُ
امْرَأَةٌ إلَى آخِرِهِ قَدْ تَضْمَنُ
شُرُوطًا مُجْمَلَةً فَلَا بُدَّ مِنْ
تَفْصِيلِهَا وَتَفْسِيرُ كُلِّ شَرْطٍ عَلَى
حِيَالِهِ فَتَقُولُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ
أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمُحَاذِيَةُ
مُشْتَهَاةً بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ سَبْعِ
سِنِينَ اعْتِبَارًا بِتَزَوُّجِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهُ لَمْ
يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى صَلُحَتْ كَمَا وَرَدَ
الْخَبَرُ بِذَلِكَ وَقِيلَ : بِنْتَ تِسْعِ
سِنِينَ نَظَرًا إلَى بِنَائِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهَا وَلِهَذَا
تَبْلُغُ فِي التِّسْعِ . وَالْأَصَحُّ أَنَّ
السِّنَّ الَّتِي ذُكِرَتْ لَا مُعْتَبَرَ
بِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ
لِلْجِمَاعِ بِأَنْ تَكُونَ عَبْلَةً ضَخْمَةً
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَحْرَمًا
أَوْ أَجْنَبِيَّةً لِلْإِطْلَاقِ وَلَا
تَفْسُدُ بِالْمَجْنُونَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ
صَلَاتِهَا وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ
تَكُونَ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً وَهِيَ الَّتِي
لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَإِنْ كَانَا
يُصَلِّيَانِ بِالْإِيمَاءِ بَعْدَ أَنْ
تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْأَصْلِ ،
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ
الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا
تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ يَعْنِي
بِالْمُشْتَرَكَةِ تَحْرِيمَةَ أَنْ يَكُونَا
بَانِيَيْنِ تَحْرِيمَتَهُمَا عَلَى
تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَيَعْنِي
بِالْمُشْتَرَكَةِ أَدَاءً أَنْ يَكُونَ
لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ
تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَالْمُدْرِكُ
بِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي مَكَان وَاحِدٍ يُصَلِّي كُلٌّ مِنْهُمَا
وَحْدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ
وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا
قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ مُحَاذَاةَ
الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ فِي صَلَاةٍ
مُشْتَرَكَةٍ إنَّمَا تُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ
الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ
قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ فَرُبَّمَا
تُشَوِّشُ الْأَمْرَ عَلَى الْمُصَلِّي
فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَسَادِ صَلَاةِ
الرَّجُلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ا هـ . وَفِي
الذَّخِيرَةِ حَكَى عَنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ
صُورَةً فِي الْمُحَاذَاةِ تَفْسُدُ فِيهَا
صَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ
الرَّجُلِ وَبَيَانُهَا جَاءَتْ امْرَأَةٌ
فَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَمَا شَرَعَ
الرَّجُلُ نَاوِيًا إمَامَةَ النِّسَاءِ ،
وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ
حَاضِرَةً حِينَ شَرَعَ الرَّجُلُ فِي
الصَّلَاةِ فَقَامَتْ بِحِذَائِهِ يُمْكِنُهُ
أَنْ يُؤَخِّرَهَا بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا
خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ
يَتَقَدَّمْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّأْخِيرُ
لَهَا فَقَدْ تَرَكَ فَرْض الْمُقَامِ ،
وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بَعْدَ شُرُوعِهِ
فِيهَا لَا يُمْكِنُهُ التَّأْخِيرَ
بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ
خُطْوَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي
الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا تَأْخِيرُهَا
بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْيَدِ أَوْ مَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ
وُجِدَ مِنْهُ التَّأْخِيرُ فَيَلْزَمُهَا
التَّأَخُّرُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ
مُوجِبُهُ فَإِذَا لَمْ تَتَأَخَّرْ فَقَدْ
تَرَكَتْ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الْمَقَامِ
فَتَفْسُدُ صَلَاتُهَا قَالَ وَهِيَ
مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ . ا هـ . سَرُوجِيٌّ
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا
تَفْسُدُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ
الْقِيَاسُ . ا هـ . غَايَةٌ قَالَ
الْعَيْنِيُّ : وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ
الْمُحَاذَاةُ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ أَصْلًا ا هـ
. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ : وَأَمَّا
مُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ فَصَرَّحَ الْكُلُّ
بِعَدَمِ إفْسَادِهِ إلَّا مَنْ شَذَّ وَلَا
مُتَمَسَّكَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا
صَرَّحُوا بِهِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ
لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي
الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِعُرُوضِ
الشَّهْوَةِ بَلْ هُوَ لِتَرْكِ فَرْضِ
الْقِيَامِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الصَّبِيِّ
وَمَنْ تَسَاهَلَ فَعَلَّلَ بِهِ صَرَّحَ
بِنَفْيِهِ فِي الصَّبِيِّ مُدَّعِيًا عَدَمَ
اشْتِهَائِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ مِنْ
الْمَشَاهِيرِ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ
الدِّينِ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَضْلًا عَنْ
كَوْنِهِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ وَإِنَّمَا هُوَ
فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفًا
عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ - ا هـ . (قَوْلُهُ
وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ
فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْخَلَّاطِيِّ اعْلَمْ
أَنَّ الْمُحَاذَاةَ الْمُفْسِدَةَ هِيَ أَنْ
تُحَاذِيَ قَدَمَ الْمَرْأَةِ عُضْوًا مِنْ
الْمُصَلِّي حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَلَى
ظُلَّةٍ وَحَاذَتْ رَجُلًا أَسْفَلَ مِنْهَا
إنْ حَاذَى قَدَمَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ . ا
هـ . (قَوْلُهُ إنَّ السِّنَّ الَّتِي ذَكَرْت
إلَى آخِرِهِ) أَيْ السِّنَّ مِنْ الْفَمِ
مُؤَنَّثَةٌ وَالسِّنُّ إذَا عَنَيْت بِهِ
الْعُمْرَ مُؤَنَّثَةٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا
بِمَعْنَى الْمُدَّةِ . ا هـ . مِصْبَاحٌ
(قَوْلُهُ : وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ
الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ
يَتَحَقَّقُ بِاتِّحَادِ الْفَرْضَيْنِ
وَبِاقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعَةِ
بِالْمُتَطَوِّعِ وَبِالْمُفْتَرِضِ ا هـ .
(قَوْلُهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ إلَى
آخِرِهِ) أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَؤُمُّ الْآخَرَ
فِيمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا فَلَوْ اقْتَدَتْ
نَاوِيَةً لِلْعَصْرِ بِمُصَلَّى الظُّهْرِ
فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ حَيْثُ الْفَرْضُ وَصَحَّ
نَفْلًا فَحَاذَتْهُ فَفِي رِوَايَةِ بَابِ
الْأَذَانِ تَفْسُدُ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ
الْحَدَثِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَا وَقِيلَ
رِوَايَةُ بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا
وَرِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ
بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ
إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي خِلَالِهَا
عِنْدَهُمَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَتْ
ابْتِدَاءَ النَّفْلِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِلَا
تَرَدُّدٍ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ
يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ) أَيْ أَوْ يَكُونَ
أَحَدُهُمَا إمَامًا لِلْآخَرِ فِيمَا
يُؤَدِّيَانِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِيمَا
يُؤَدِّيَانِهِ تَحْقِيقًا) أَيْ حَالَ
الْمُحَاذَاةِ ا هـ
(1/137)
تَحْرِيمَتَهُ
عَلَى تَحْرِيمَتِهِ ، وَكَذَا بِأَنَّ
أَدَاءَهُ عَلَى أَدَاءِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً
؛ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَمْ
يُفَارِقْهُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى
آخِرِهَا وَاللَّاحِقُ بِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ
عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً
لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ وَهُوَ الَّذِي
أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَفَاتَهُ مِنْ
الْآخَرِ بِسَبَبِ النَّوْمِ أَوْ الْحَدَثِ ،
وَكَذَا بِأَنَّ أَدَاءَهُ فِيمَا يَقْضِيه
عَلَى أَدَاءِ الْإِمَامِ تَقْدِيرًا ؛
لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَتَهُ فِي
أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالتَّحْرِيمَةِ
فَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا
ابْتِدَاءً فَيَبْقَى حُكْمُ تِلْكَ
الشَّرِكَةِ مَا لَمْ تَنْتَهِ الْأَفْعَالُ ؛
لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا تُرَادُ
لِذَاتِهَا بَلْ لِلْأَفْعَالِ فَمَا بَقِيَ
شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ تَبْقَى
الشَّرِكَةُ عَلَى حَالِهَا فَصَارَ
اللَّاحِقُ فِيمَا يَقْضِي كَأَنَّهُ خَلْفَ
الْإِمَامِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ
وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِسَهْوِهِ
وَإِذَا تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُ فِي
الْقِبْلَةِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ
سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَدَخَلَ
مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ بَعْدَ فَرَاغِ
الْإِمَامِ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا ،
وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ
فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا
بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ
وَحَاذَتْهُ فِيمَا يَقْضِيَانِ حَيْثُ لَا
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَا بَانِيَيْنِ
فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا
مُنْفَرِدَانِ فِيمَا يَقْضِيَانِ وَلِهَذَا
يَقْرَآنِ وَيَلْزَمُهُمَا السُّجُودُ
بِسَهْوِهِمَا وَإِذَا تَبَدَّلَ
اجْتِهَادُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ
لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمَا بَلْ
يَتَحَوَّلَانِ إلَى الْقِبْلَةِ
وَيَبْنِيَانِ وَتَنْقَلِبُ صَلَاتُهُمَا
أَرْبَعًا بِدُخُولِ الْمِصْرِ أَوْ نِيَّةِ
الْإِقَامَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ
فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ مُنْفَرِدٌ
فِيمَا يَقْضِيه إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ
الْأُولَى لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ؛
لِأَنَّهُ بَانَ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ
بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالثَّانِيَةُ لَوْ
كَبَّرَ نَاوِيًا اسْتِئْنَافَ صَلَاتِهِ
وَقَطْعِهَا يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا وَقَاطِعًا
بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالثَّالِثَةُ لَوْ
قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ ، وَعَلَى
الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ فَعَلَيْهِ أَنْ
يَعُودَ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ كَانَ عَلَيْهِ
أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ
الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ
السُّجُودُ بِسَهْوِ غَيْرِهِ .
وَالرَّابِعَةُ أَنَّهُ يَأْتِي
بِتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ إجْمَاعًا
بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَأْتِي
بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ
مِنْ الْأَحْكَامِ هُوَ مُنْفَرِدٌ لِعَدَمِ
الْمُشَارَكَةِ فِيمَا يَقْضِيه حَقِيقَةً
وَحُكْمًا وَلَوْ حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ
وَهُمَا لَاحِقَانِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُمَا مُشْتَغِلَانِ
بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا
فَانْعَدَمَتْ الشَّرِكَةُ أَدَاءً وَإِنْ
وُجِدَتْ تَحْرِيمَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ
الْمَجْمُوعِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَلَوْ
اقْتَدَيَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ،
ثُمَّ أَحْدَثَا فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ ، ثُمَّ
حَاذَتْهُ فِي الْقَضَاءِ يَنْظُرُ فَإِنْ
حَاذَتْهُ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ
وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ
لِلْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ
الشَّرِكَةِ فِيهِمَا تَقْدِيرًا
لِكَوْنِهِمَا لَاحِقَيْنِ فِيهِمَا وَإِنْ
حَاذَتْهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ
لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ
فِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا مَسْبُوقَيْنِ
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَا فِي
مَكَان وَاحِدٍ بِلَا حَائِلٍ ؛ لِأَنَّ
الْحَائِلَ يَرْفَعُ الْمُحَاذَاةَ
وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ ؛
لِأَنَّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ الْقُعُودُ
فَقُدِّرَ أَدْنَاهُ بِهِ وَغِلَظُهُ مِثْلُ
غِلَظِ الْأُصْبُعِ وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ
مَقَامَ الْحَائِلِ وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَا
يَقُومُ فِيهِ الرَّجُلُ وَلَوْ كَانَ
أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانِ قَدْرِ قَامَةِ
الرَّجُلِ وَالْآخَرُ أَسْفَلُ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُحَاذَاةِ .
وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يَنْوِيَ
الْإِمَامُ إمَامَتَهَا أَوْ إمَامَةَ
النِّسَاءِ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ
إمَامَتِهَا قِيَاسًا عَلَى الرِّجَالِ
وَاعْتَبَرَهُ بِالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ،
وَلَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ
جِهَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ
بِالنِّيَّةِ كَالْمُقْتَدِي لِمَا لَزِمَهُ
الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لَا بُدَّ
مِنْ الْتِزَامِهِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ
الرِّجَالِ ، وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ
وَالْعِيدَيْنِ فَأَكْثَرُهُمْ مَنَعُوا
الْحُكْمَ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ
وَفَرَّقَ بِأَنَّ فِيهِمَا ضَرُورَةً
فَإِنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا
وَحْدَهَا ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى
الْقِيَامِ بِجَنْبِ الرِّجَالِ لِكَثْرَةِ
الِازْدِحَامِ فِيهِمَا فَلَا يُفْضِي إلَى
فَسَادِ صَلَاتِهِ ، وَلَا يُقَالُ : إنَّ
الْمُقْتَدِيَ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ
جِهَتِهَا وَمَعَ هَذَا لَا يُشْتَرَطُ
الْتِزَامُهُ بِالنِّيَّةِ فَكَذَا الْإِمَامُ
؛ لِأَنَّا نَقُولُ : إنَّهُ مُوَلًّى
عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَاللَّاحِقُ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ
الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاللَّاحِقُ مَنْ يَقْضِي
بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مَا فَاتَهُ مَعَ
الْإِمَامِ بَعْدَمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ
وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ
صَلَاةِ الْإِمَامِ ، ثُمَّ فَاتَهُ بَعْضُهَا
إلَى آخِرِهِ كَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ
الْأَلْفَاظِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ
لِخُرُوجِ اللَّاحِقِ الْمَسْبُوقِ ا هـ .
(قَوْلُهُ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا) أَيْ ؛
لِأَنَّ إمَامَهُ لَا يَلْحَقُ صَلَاتَهُ
تَغْيِيرٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَذَا هُوَ
فَكَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهَا بِفَرَاغِهِ . ا
هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ
كَانَا مَسْبُوقَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الْغَايَةِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْجَامِعِ
لِلْفَرْقِ بَيْنَ اللَّاحِقِ وَالْمَسْبُوقِ
بِمَسَائِلَ مِنْهَا إذَا صَلَّى الْإِمَامُ
بِالتَّحَرِّي وَخَلْفُهُ لَاحِقٌ وَمَسْبُوقٌ
فَعَلِمَا بِالْقِبْلَةِ بَعْدَ فَرَاغِ
الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاةُ اللَّاحِقِ ؛
لِأَنَّهُ خَلَفَهُ حُكْمًا وَقَدْ عَجَزَ
عَنْ الْمُضِيِّ فِي صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ
إنْ تَمَادَى عَلَى حَالِهِ صَلَّى إلَى
غَيْرِ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَإِنْ
اسْتَقْبَلَ بِمَا عِنْدَهُ فَقَدْ خَالَفَ
إمَامَهُ وَهُوَ خَلَفَهُ حُكْمًا . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ)
أَيْ فِي الذَّهَابِ أَوْ الْعَوْدِ ا هـ ش
تَلْخِيصٌ (قَوْلُهُ لَا بِحَقِيقَتِهَا) أَيْ
وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مِنْ
لَا يَشْتَرِطُ أَدَاءَ رُكْنٍ
بِالْمُحَاذَاةِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
وَلَوْ اقْتَدَيَا) أَيْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ا
هـ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَشَرَطَ فِي
الْيَنَابِيعِ شَرْطًا سَادِسًا فَقَالَ :
إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا إلَّا
أَنَّهُمَا لَمْ يَقْتَدِيَا بِهِ فِي أَوَّلِ
صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُمَا جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ
الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ
حَيْثُ انْفَرَدَا فِي بَعْضِهَا فَإِذَا
وُجِدَتْ الشَّرِكَةُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ
فَوَقَفَتْ بِجَنْبِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ فَصَلَاتُهَا مَعَ الْقَوْمِ
لِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِمْ وَالصَّحِيحُ
أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، ثُمَّ سَاقَ
مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ مَا ذَكَرَهُ
الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ اقْتَدَيَا فِي
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ أَحْدَثَا
إلَى آخِرِهِ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ
، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ا هـ .
(قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا مَسْبُوقَيْنِ إلَى
آخِرِهِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ
اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلًا مَا
لَحِقَ فِيهِ ، ثُمَّ مَا سَبَقَ بِهِ وَهَذَا
عِنْدَ زُفَرَ ظَاهِرٌ وَعِنْدَنَا وَإِنْ
صَحَّ عَكْسُهُ لَكِنْ يَجِبُ هَذَا
فَبِاعْتِبَارِهِ يَفْسُدُ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى
دُكَّانٍ إلَى آخِرِهِ) بَيَانٌ لِمُحْتَرَزٍ
قَوْلُهُ فِي مَكَان وَاحِدٍ . ا هـ .
(قَوْلُهُ فَأَكْثَرُهُمْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ
أَنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ فِي الْجُمُعَةِ
وَالْعِيدَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ لَا يَجُوزُ
إلَّا بِالنِّيَّةِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ
يَجُوزُ بِدُونِهَا نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ
الْجَوَابِ حَمْلًا عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ
وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْسِرْ ا هـ . (قَوْلُهُ
مَنَعُوا الْحُكْمَ) أَيْ وَهُوَ جَوَازُ
الِاقْتِدَاءِ بِلَا نِيَّةٍ ا هـ
(1/138)
الْإِمَامِ
وَلِهَذَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ
وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَكَانَ تَبَعًا
لَهُ وَالْتِزَامُهُ الْتِزَامًا لَهُ
وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ
إذَا ائْتَمَّتْ بِهِ مُحَاذِيَةً لَهُ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهَا
رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَالْأَوَّلِ
فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ
تَصِيرُ دَاخِلَةً فِي صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ
نِيَّةِ الْإِمَامِ ، ثُمَّ إنْ لَمْ تُحَاذِ
أَحَدًا تَمَّتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ
تَقَدَّمَتْ حَتَّى حَاذَتْ رَجُلًا أَوْ
وَقَفَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ بَطَلَتْ
صَلَاتُهَا وَصَحَّتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْمُحَاذِيَةِ ابْتِدَاءً أَنَّ الْفَسَادَ
فِي هَذِهِ مُحْتَمَلٌ وَفِي تِلْكَ لَازِمٌ
وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ النِّسَاءِ
لِصِحَّةِ نِيَّتِهِنَّ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ
وَلَوْ نَوَى النِّسَاءُ إلَّا امْرَأَةً
وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا فَحَاذَتْهُ لَا
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . وَالشَّرْطُ
السَّادِسُ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي
الْمُخْتَصَرِ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي
رُكْنٍ كَامِلٍ حَتَّى لَوْ كَبَّرَتْ فِي
صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي
ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ
يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا وَخَلْفِهَا مِنْ
كُلِّ صَفٍّ فَصَارَ كَالْمَدْفُوعِ إلَى
صَفِّ النِّسَاءِ وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ
يُشْتَرَطُ أَنْ تُؤَدِّيَ رُكْنًا
مُحَاذِيَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ وَلَوْ وَقَفَتْ مِقْدَارَ رُكْنٍ
فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ ، وَفِي
مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ
حَاذَتْهُ أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ رُكْنٍ
فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُ إلَّا مِقْدَارُ
الرُّكْنِ وَالشَّرْطُ السَّابِعُ وَهُوَ
أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ
أَنْ تَكُونَ جِهَتُهُمَا مُتَّحِدَةً حَتَّى
لَوْ اخْتَلَفَتْ لَا يُفْسِدُ ذَكَرَهُ فِي
الْغَايَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي
الْكَعْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَافُ
الْجِهَةِ إلَّا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ أَوْ
فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَصَلَّى كُلُّ
وَاحِدٍ بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ .
وَالشَّامِلُ لِلْجَمِيعِ أَنْ يُقَالَ : إنْ
حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي رُكْنٍ مِنْ
صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً
وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحِدٍ بِلَا حَائِلٍ
وَلَا فُرْجَةٍ أَفْسَدَتْ صَلَاتَهُ إنْ
نَوَى إمَامَتَهَا وَكَانَتْ جِهَتُهُمَا
مُتَّحِدَةً ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ
تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٌ عَنْ
يَمِينِهَا وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهَا وَآخَرُ
خَلْفَهَا وَلَا تُفْسِدُ أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فَسَدَتْ صَلَاتُهُ
مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يَكُونُ حَائِلًا بَيْنَهَا
وَبَيْنَ الرِّجَالِ وَالْمَرْأَتَانِ
يُفْسِدَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةٍ وَاحِدٍ عَنْ
يَمِينِهِمَا وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِمَا
وَصَلَاةَ اثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا
بِحِذَائِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَثْنَى لَيْسَ
بِجَمْعٍ تَامٍّ فَهُمَا كَالْوَاحِدَةِ فَلَا
يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ
وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا أَفْسَدْنَ صَلَاةَ
وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِنَّ وَآخَرَ عَنْ
يَسَارِهِنَّ وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً إلَى
آخِرِ الصُّفُوفِ وَهَذَا جَوَابُ الظَّاهِرِ
وَفِي رِوَايَةٍ الثَّلَاثُ كَالصَّفِّ حَتَّى
تَفْسُدَ صَلَاةُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُنَّ إلَى
آخِرِ الصُّفُوفِ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ جَمْعٌ
كَامِلٌ فَيَصِرْنَ كَالصَّفِّ ، وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّ الْمَثْنَى كَالثَّلَاثِ ؛
لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُهُمَا كَمَا
يَتَقَدَّمُ الثَّلَاثُ وَعَنْهُ أَنَّهُ
جَعَلَ الثَّلَاثَ كَالِاثْنَيْنِ حَتَّى لَا
يُفْسِدْنَ إلَّا صَلَاةَ خَمْسَةٍ وَلَا
يَسْرِي الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ ؛
لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ فِي الصَّفِّ
التَّامِّ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ كَانَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ إمَامِهِ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ أَوْ
صَفٌّ مِنْ نِسَاءٍ فَلَيْسَ هُوَ مَعَ
الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ صَفٌّ تَامٌّ مِنْ
النِّسَاءِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَوَرَاءَهُنَّ
صُفُوفٌ مِنْ الرِّجَالِ فَسَدَتْ صَلَاةُ
تِلْكَ الصُّفُوفِ كُلِّهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ
تَفْسُدَ صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ
لِوُجُودِ الْحَائِلِ فِي حَقِّ بَاقِي
الصُّفُوفِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ أَثَرِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ) يَعْنِي فِي
الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَيَسْتَوِي فِيهِ
الشَّوَابُّ وَالْعَجَائِزُ وَهُوَ قَوْلُ
الْمُتَأَخِّرِينَ لِظُهُورِ الْفَسَادِ فِي
زَمَانِنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا
بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ فِي
الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
وَالْعِيدَيْنِ وَيُكْرَهُ فِي الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ وَقِيلَ
الْمَغْرِبُ كَالظُّهْرِ لِانْتِشَارِ
الْفُسَّاقِ فِيهِ وَالْجُمُعَةُ
كَالْعِيدَيْنِ لِإِمْكَانِ الِاعْتِزَالِ
وَقَالَا يَخْرُجْنَ فِي الصَّلَوَاتِ
كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ
الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ فَصَارَ كَالْعِيدَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ
الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ بِهِ) أَيْ إذَا
اقْتَدَتْ بِالْإِمَامِ مُحَاذِيَةً لَهُ
تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامِ لِفَسَادِ
الصَّلَاةِ ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَتْ خَلْفَهُ
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا رَجُلٌ أَوْ
لَا فَإِنْ كَانَ فَالصَّوَابُ أَنَّ
اقْتِدَاءَهَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ
مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ
الْفَسَادُ عَلَى مَنْ بِجَنْبِهَا وَذَلِكَ
يَسْتَدْعِي النِّيَّةَ مِمَّنْ بِجَنْبِهَا
عَلَى الْأَصْلِ الْمَارِّ إلَّا أَنَّهُ
مَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ
فَيَتَوَقَّفُ مَا يَلْتَزِمُهُ عَلَى
الْتِزَامِ إمَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي
رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا
لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ مِنْ جِهَتِهَا
بِالْمَشْيِ وَالْمُحَاذَاةِ فَتَحْتَاجُ إلَى
الِالْتِزَامِ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْتَاجُ إلَى
الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْفَسَادَ فِي
الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ
مُحَاذِيَةً لَازِمٌ أَيْ وَاقِعٌ وَفِي
الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ
وَلَيْسَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ مُحْتَمِلٌ
لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْشِيَ فَتَحَاذَى
وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ ذَلِكَ فَلَمْ
تُشْتَرَطْ نِيَّةُ الْإِمَامِ هَذَا فِي
صَلَاةٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا ، وَأَمَّا فِي
صَلَاةٍ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهَا
فَالتَّقَدُّمُ عَلَيْهِ وَمُحَاذَاتُهَا
إيَّاهُ يُورِثُ الْكَرَاهَةَ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ
صَاحِبُ الْمُحِيطِ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَخَلَفَهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ) أَيْ
؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ
صَلَاتِهَا فِي كُلِّ صَفٍّ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي
الْكَعْبَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الْغَايَةِ فِي آخَرِ بَابِ الصَّلَاةِ فِي
الْكَعْبَةِ . (فَرْعٌ) امْرَأَةٌ وَقَفَتْ
بِحِذَاءِ الْإِمَامِ وَقَدْ نَوَى إمَامَةَ
النِّسَاءِ وَاسْتَقْبَلَتْ الْجِهَةَ الَّتِي
اسْتَقْبَلَهَا الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاةُ
الْكُلِّ وَإِنْ اسْتَقْبَلَتْ جِهَةً أُخْرَى
لَا تَفْسُدُ ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ . ا
هـ . (قَوْلُهُ وَالشَّامِلُ لِلْجَمِيعِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- وَالْجَامِعُ أَنْ يُقَالَ : مُحَاذَاةٌ
مُشْتَهَاةٌ مَنْوِيَّةُ الْإِمَامِ فِي
رُكْنِ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ
تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ مَعَ اتِّحَادِ مَكَان
وَجِهَةٍ دُونَ حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةٍ . ا هـ
. (قَوْلُهُ وَهَذَا جَوَابُ الظَّاهِرِ إلَى
آخِرِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
وَكَثِيرًا مَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِهَذَا
السَّبَبِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ا هـ زَادَ
الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا
يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ
الْجَمَاعَاتِ الْجُمَعُ وَالْأَعْيَادُ
وَالِاسْتِسْقَاءُ وَمَجَالِسُ الْوَعْظِ
وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْجُهَّالِ الَّذِينَ
تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْعُلَمَاءِ
وَقَصْدُهُمْ الشَّهَوَاتِ وَتَحْصِيلَ
الدُّنْيَا . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ
أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
وَلَا يُقَالُ عَجُوزَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ
وَالْعَوَامُّ تَقُولُهُ (قَوْلُهُ
لِانْتِشَارِ الْفُسَّاقِ فِيهِ) أَيْ
وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ ا هـ
(1/139)
وَلَهُ أَنَّ
فَرَطَ الشَّبَقِ حَامِلٌ فَتَقَعُ
الْفِتْنَةُ غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ
انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
وَالْجُمُعَةِ ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ
وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ وَفِي
الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ
وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ فِي
الْجَمِيعِ لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَلِهَذَا
قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مِنْ النِّسَاءِ
مَا رَأَيْنَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ
كَمَا مَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَهَا
. وَالنِّسَاءُ أَحْدَثْنَ الزِّينَةَ
وَالطِّيبَ وَلِبْسَ الْحَلْيِ وَلِهَذَا
مَنَعَهُنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَلَا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ
لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ كَغَلْقِ الْمَسَاجِدِ
يَجُوزُ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا يَأْتِي
بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَسَدَ
اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ)
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِمَا رَوَيْنَا ،
وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِمَا نُبَيِّنُهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ
الِاقْتِدَاءُ بِالصَّبِيِّ لِمَا رُوِيَ
أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ قَدَّمَهُ
قَوْمُهُ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ
فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ ، وَلَنَا قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ الَّذِي لَا تَجِبُ
عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ ؛
وَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَقْتَدِيَ بِهِ الْمُفْتَرِضُ عَلَى مَا
يَأْتِي بَيَانُهُ ، وَأَمَّا إمَامَةُ
عَمْرٍو فَلَيْسَ بِمَسْمُوعٍ مِنْ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَإِنَّمَا قَدَّمُوهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ
لِكَوْنِهِ أَحْفَظَ مِنْهُمْ لِمَا كَانَ
يُتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ حِينَ كَانَتْ
تَمُرُّ بِهِمْ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِ
الصَّغِيرِ عَلَى الْجَوَازِ ، وَقَدْ قَالَ
هُوَ بِنَفْسِهِ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ
وَكُنْت إذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي
فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ : أَلَا
تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ
وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ
لَمْ يَجْعَلُوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ
وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ
وَأَفْعَالِهِمْ حُجَّةً وَاسْتَدَلُّوا
بِفِعْلِ صَبِيٍّ مِثْلِ هَذَا حَالُهُ وَفِي
النَّوَافِلِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ
وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ
لِلْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ حَقِيقَةً
وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ
بِالْإِفْسَادِ فَجَازَ اقْتِدَاءُ
الْمُتَنَفِّلِ بِهِ كَالظَّانِّ وَهُوَ
الَّذِي يَشْرَعُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا
عَلَيْهِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ عَلَى
ظَنِّ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ
أَنَّهَا بِخِلَافِهِ ، فَإِنَّهُ لَا
يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ لِمَا
عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ . وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ
الِاقْتِدَاءُ بِهِ ، فَكَذَا هَذَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ بَيْنَ
أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَجَوَّزَهُ
مُحَمَّدٌ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ
يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُ بُخَارَى وَهُوَ
الْمُخْتَارُ ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ
دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا
يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَلَا
يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ
بِخِلَافِ الظَّانِّ ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ
فِيهِ فَاعْتُبِرَ الْعَارِضُ عَدَمًا
وَبِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ
بِالصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ
مُتَّحِدَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَطَاهِرٌ بِمَعْذُورٍ) أَيْ فَسَدَ
اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ
الْأَعْذَارِ كَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ
وَالْمُسْتَحَاضَةُ يُصَلُّونَ مَعَ الْحَدَثِ
حَقِيقَةً لَكِنْ جَعَلَ الْحَدَثَ
الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً كَالْمَعْدُومِ
حُكْمًا فِي حَقِّهِمْ لِلْحَاجَةِ إلَى
الْأَدَاءِ فَلَا يَتَعَدَّاهُمْ وَهَذَا ؛
لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُمْ
فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى
الضَّعِيفِ وَهُوَ الْحَرْفُ فِي جِنْسِ
هَذِهِ الْمَسَائِلِ . وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ فَرْطَ الشَّبَقِ)
قَالَ فِي الْغَايَةِ وَأَفْرَطَ فِي
الْأَمْرِ إذَا جَاوَزَ فِيهِ الْحَدَّ
وَالِاسْمُ مِنْهُ الْفَرَطُ بِالتَّسْكِينِ
يُقَالُ إيَّاكَ وَالْفَرَطُ فِي الْأَمْرِ
وَالشَّبَقُ شِدَّةُ الْغِلْمَةِ مِنْ شَبِقَ
الْفَحْلُ بِالْكَسْرِ إذَا اشْتَدَّتْ
غِلْمَتُهُ أَيْ شَهْوَتُهُ ا هـ . (قَوْلُهُ
وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ فِي
الْجَمِيعِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : إلَّا الْعَجَائِزَ
الْمُتَفَانِيَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي دُونَ
الْعَجَائِزِ وَالْمُتَبَرِّجَاتِ وَذَوَاتِ
الرَّمَقِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ) ،
سَلِمَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ الْجَرْمِيِّ
إمَامُ قَوْمِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ
اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ ، وَأَمَّا عُمَرُ
بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ
وَفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ رَبِيبُ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- . ا هـ . (قَوْلُهُ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ
بَلْخٍ إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ
بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
وَهُوَ صَبِيٌّ يَؤُمُّ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - فِي التَّرَاوِيحِ . ا هـ .
جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ دُونَ نَفْلِ
الْبَالِغِ) أَيْ حَيْثُ لَا يَجِبُ
بِالشُّرُوعِ نَفْلُهُ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الظَّانِّ ؛ لِأَنَّهُ
مُجْتَهَدٌ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) إذْ عِنْدَ
زُفَرَ يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا فَسَدَ
الْمَظْنُونُ قَاسَهُ عَلَى الْمُتَّفَقِ
عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِهِ بِنُسُكٍ
مَظْنُونٍ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ حَتَّى إذَا
ظَهَرَ أَنَّهُ لَا نُسُكَ كَانَ إحْرَامُهُ
لَازِمًا لِلْفِعْلِ وَالصَّدَقَةِ
الْمَظْنُونِ وُجُوبُهَا فَإِنَّهُ إذَا
تَبَيَّنَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَيْسَ
لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ الْفَقِيرِ
وَالْجَوَابُ الْفَرْقُ بِالْعِلْمِ بِفَرْقِ
الشَّرْعِ فَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ أَنْ لَا
يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامٍ وَإِنْ عَرَضَتْ
ضَرُورَةٌ تُوجِبُ رَفْضَهُ إلَّا بِأَفْعَالٍ
أَوْ دَمٍ ، ثُمَّ قَضَاءِ أَصْلِهِ مَنْ
أُحْصِرَ وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ أَوْ فَاتَهُ
الْحَجُّ لَمْ يَتَمَكَّنْ شَرْعًا مِنْ
الْخُرُوجِ بِلَا لُزُومِ شَيْءٍ ثُمَّ
الْقَضَاءِ ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنَّ
الدَّفْعَ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ يُوجِبُ
أَمْرَيْنِ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَثُبُوتُ
الثَّوَابِ فَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ
مُنْتَفِيًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثَبَتَ
الْآخَرُ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ تَقَرُّبًا
إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَطْلُبُ بِهِ
ثَوَابَهُ وَقَدْ حَصَلَ وَثَبَتَ الْمِلْكُ
بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ لِلْفَقِيرِ فَلَا
يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِخِلَافِ مَنْ
دَفَعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ يَظُنُّهُ وَلَا
دَيْنَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ
الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ
أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ
فَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا قَبُولُ مَا هُوَ
مِنْهَا لِلْفَرْضِ إجْمَاعًا كَمَا فِي
زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ وَتَمَامِ
الرَّكْعَةِ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فَلَمْ
تَلْزَمْ لُزُومُهَا إذَا ظَهَرَ عَدَمُ
وُجُوبِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ
يَفْعَلْهَا إلَّا مُسْقِطًا وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ الْعَارِضُ)
أَيْ عَارِضُ ظَنِّ الْإِمَامِ عَدَمًا فِي
حَقِّ مَنْ اقْتَدَى بِهِ فَجَعَلَ كَأَنَّ
الضَّمَانَ غَيْرُ سَاقِطٍ فِي حَقِّ
الْمُقْتَدِي فَبَقِيَ اقْتِدَاءُ ضَامِنٍ
بِضَامِنٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ
غَيْرُ مُمْتَدٍّ عَرَضَ بَعْدَ أَنْ لَمْ
يَكُنْ بِخِلَافِ الصِّبَا ؛ لِأَنَّهُ
أَصْلِيٌّ فَلَمْ يُجْعَلْ مَعْدُومًا . ا هـ
. كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ
مُتَّحِدَةٌ) أَيْ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ ا هـ
غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ)
وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ ا هـ ع (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ
اقْتِدَاءُ الْمَعْذُورِ بِالْمَعْذُورِ إنْ
اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا) مُخَالِفٌ لِقَوْلِ
الزَّاهِدِيِّ وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ
بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةُ
بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ كَالْخُنْثَى
الْمُشْكِلِ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ ا هـ
وَفِي الضَّالَّةِ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ
الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ اقْتَدَى خُنْثَى
بِمِثْلِهِ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَفِي
الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ
أُنْثَى وَالْمُقْتَدِي بِهَا ذَكَرٌ وَقَالَ
فِي الْوَبَرِيِّ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا
، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ ا هـ قَالَ
الْحَدَّادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ
مِثْلِهِ ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ
بِهِ السَّلَسُ وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ لَا
يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ
عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومَ صَاحِبُ عُذْرٍ
وَاحِدٍ ا هـ
(1/140)
الْمَعْذُورِ
بِالْمَعْذُورِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا
وَإِنْ اخْتَلَفَ فَلَا يَجُوزُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ) ؛
لِأَنَّ الْقَارِئَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ ،
وَكَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ أُمِّيٍّ
بِأَخْرَسَ ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ أَقْوَى
حَالًا مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى
التَّحْرِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَمُكْتَسٍ بِعَارٍ وَغَيْرِ مُومِئٍ
بِمُومِئٍ) لِقُوَّةِ حَالِهِمَا وَالشَّيْءُ
لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُفْتَرِضٍ
بِمُتَنَفِّلٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ
اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ
لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي
مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ، ثُمَّ
يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ
تِلْكَ الصَّلَاةَ وَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ
وَلَهُمْ فَرْضٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظُنُّ
بِمُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي
النَّافِلَةَ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتْرُكُ
فَضِيلَةَ الْفَرْضِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ نَهْيِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ
ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلَنَا
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ
بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَى أَئِمَّتِكُمْ»
وَهُوَ يُوجِبُ الْمُوَافَقَةَ فِي نَفْسِ
الصَّلَاةِ وَأَوْصَافِهَا وَفِي الْأَفْعَالِ
وَصِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لَمْ تُوجَدْ فِي
صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا
عَلَيْهِ . وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ
خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ
الْفَجْرَ أَوْ النَّفَلَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ
جَازَ لَمَا شُرِعَ صَلَاةُ الْخَوْفِ مَعَ
الْمُنَافِي بَلْ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ
عَلَى حِدَةٍ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ
مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَافِلَةً وَمَعَ قَوْمِهِ
فَرِيضَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا مُعَاذُ إمَّا
أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ
عَلَى قَوْمِك» ، وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي
مَعَهُ الْفَرْضَ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا
الْكَلَامِ مَعْنًى فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ
مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
النَّافِلَةَ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ تَارِكًا
لِفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ
يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ
فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَقَارِئٍ
بِأُمِّيٍّ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ
الْقَارِئُ إذَا اقْتَدَى بِأُمِّيٍّ قِيلَ
يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ
وَقِيلَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَفِي رِوَايَةٍ
عَدَمُ الشُّرُوعِ أَصَحُّ ا هـ وَفِي
الْخُلَاصَةِ أَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا
مِنْ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ
يَكُونُ أُمِّيًّا حَتَّى يُصَلِّيَ بِغَيْرِ
قِرَاءَةٍ فَعَلَى هَذَا مَنْ قَدَرَ عَلَى
الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَمْ
يَحْفَظْ يَكُونُ أُمِّيًّا . ا هـ . كَاكِيٌّ
. وَقَالَ فِي الْغَايَةِ فَالْأُمِّيُّ
عِنْدَنَا مَنْ لَا يَحْفَظُ مِنْ الْقُرْآنِ
مَا تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُهُ ا هـ قَالَ
الْأَكْمَلُ وَمَنْ أَحْسَنَ قِرَاءَةَ آيَةٍ
مِنْ التَّنْزِيلِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ
أُمِّيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَثَلَاثِ
آيَاتٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ عِنْدَهُمَا
فَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَنْ يَحْفَظُ
التَّنْزِيلَ بِهِ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ
الْقِرَاءَةِ يَتِمُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ
الْمِقْدَارِ ا هـ . وَلَوْ اقْتَدَى
الْأُمِّيُّ بِالْقَارِئِ فَتَعَلَّمَ سُورَةً
فِي وَسْطِ الصَّلَاةِ قَالَ الْفَضْلِيُّ لَا
تَفْسُدُ صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ
كَانَتْ بِقِرَاءَةٍ وَقَالَ غَيْرُهُ
تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْوَى حَالُهُ ، ثُمَّ
ذَكَرَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ
صَلَاةَ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ إلَّا إذَا
كَانَ الْإِمَامُ أُمِّيًّا وَالْمُقْتَدِي
قَارِئًا أَوْ أَخْرَسَ وَالْمُقْتَدِي
أُمِّيًّا حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَفِي كُلِّ
مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ هَلْ
يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ فِي
رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ وَزِيَادَاتِ
الزِّيَادَاتِ لَا يَصِيرُ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ
قَهْقَهَةً لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَفِي
رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ يَصِيرُ شَارِعًا
. وَفِي الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ هُوَ
الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ
مُتَطَوِّعًا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ؛
لِأَنَّ الشُّرُوعَ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ
أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لَا
يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَكَذَا إذَا شَرَعَ
وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ
فِي بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا
ذُكِرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا
بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَ الْجِهَةِ
يُوجِبُ فَسَادَ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ
خِلَافًا لَهُمَا . ا هـ . دِرَايَةٌ وَهَذَا
الْفَرْعُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ
عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَعَلَّمَ
أُمِّيٌّ سُورَةً وَقَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ
صَلَاتَهُ تَفْسُدُ عِنْدَ الْعَامَّةِ ؛
لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةٌ
فَوْقَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمًا
فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا ا هـ
قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْفَظْ يَكُونُ أُمِّيًّا
اُنْظُرْ إلَى مَا كُتِبَ عَلَى هَامِشِ
شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ قَوْلِهِ
الْقِرَاءَةُ فِيهَا مِنْ مُصْحَفٍ مَفْسَدَةٌ
مَنْقُولًا عَنْ أَبِي الْبَقَاءِ ا هـ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَغَيْرِ مُومِئٍ
بِمُومِئٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ
خِلَافُ زُفَرَ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِقُوَّةِ
حَالِهِمَا إلَى آخِرِهِ) الْمُرَادُ
بِقُوَّةِ الْحَالِ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَا
لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْإِمَامِ
مِمَّا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ . ا
هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُفْتَرِضٍ
بِمُتَنَقِّلٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا
لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ
بِالْمُتَنَقِّلِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا
فِي الْبَعْضِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذُكِرَ إذَا
رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فَسَبَقَ الْإِمَامُ
الْحَدَثَ قَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَهُ
صَحَّ وَيَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ
وَيَكُونَانِ نَفْلًا لِلْخَلِيفَةِ حَتَّى
يُعِيدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرْضًا فِي
حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ، وَكَذَا
الْمُتَنَفِّلُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُفْتَرِضِ
فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ
اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ
فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَالْعَامَّةُ عَلَى
الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَمَنَعُوا نَفْلِيَّةَ
السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَى
الْخَلِيفَةِ وَلِذَا لَوْ تَرَكَهُمَا
فَسَدَتْ ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ
الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ وَقَالُوا
صَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ
حُكْمَ الْفَرْضِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ
وَلِهَذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ
يُدْرِكْهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ
الْأَوَّلِ فَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ عَلَى
نَفْسِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ ا هـ
فَلْيُتَأَمَّلْ . (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ
مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) فِي الصَّحِيحَيْنِ
عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي
مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عِشَاءَ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ
يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ
تِلْكَ الصَّلَاةَ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي
لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ فَيُصَلِّي بِهِمْ
الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ذَكَرَهُ فِي
كِتَابِ الْأَدَبِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ
جَابِرٍ «كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي
مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ
إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ هِيَ لَهُ
تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ» انْتَهَى
كَمَالٌ (قَوْلُهُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ إلَى
آخِرِهِ) الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنْ لَا
يُصَلِّيَ نَافِلَةً غَيْرَ الصَّلَاةِ
الَّتِي تُقَامُ ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ
وُقُوعُ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ
وَهَذَا الْمَحْذُورُ مُنْتَفٍ مَعَ
الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَامَةِ . ا
هـ . غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَدْ
رَدَّ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ
الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
الزِّيَادَةَ الَّتِي هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ
وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ فَقَالَ قَدْ رَوَى ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ
هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ
جُرَيْجٍ أَوْ مِنْ قَوْلِ عَمْرٍو أَوْ مِنْ
قَوْلِ جَابِرٍ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ
وَاجْتِهَادٍ لَا يَجْزِمُ ا هـ وَقَالَ فِي
الدِّرَايَةِ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ
حَدِيثِ مُعَاذٍ فَضَعَّفَ هَذِهِ
الزِّيَادَةَ وَقَالَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ
عُيَيْنَةَ ا هـ
(1/141)
وَفَضِيلَةِ
إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْمِهِ
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أُقِيمَتْ
الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا
الْمَكْتُوبَةُ» النَّهْيُ عَنْ الِانْفِرَادِ
لَا أَنْ يُوَافِقَ الْإِمَامَ فِي صِفَةِ
الْفَرْضِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِينَ
صَلَّيَا الْفَرْضَ فِي رِحَالِهِمَا «إذَا
صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ، ثُمَّ
أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا
مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ»
وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ مُطْلَقَ
النَّفْلِ لَمَّا صَحَّ هَذَا قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمُفْتَرِضٍ آخَرَ)
أَيْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُفْتَرِضٍ
بِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ وَآخَرُ صِفَةٌ
لِفَرْضٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَرْنَاهُ وَلَا
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمُفْتَرِضٍ
لِفَسَادِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَجُوزُ
اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ إلَّا بِمُفْتَرِضٍ
آخَرَ . وَحَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَ
الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ
الِاقْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ
شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ
إلَّا بِالِاتِّحَادِ وَذَلِكَ بِأَنْ
يُمْكِنَهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاتِهِ
بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَكُونُ
صَلَاةُ الْإِمَامِ مُتَضَمِّنَةً لِصَلَاةِ
الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَامِنٌ
أَيْ تَتَضَمَّنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ
الْمُقْتَدِي وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ
اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ ؛ لِأَنَّ
الْمَنْذُورَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْتِزَامِهِ
فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ
لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَيَكُون
بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ
بِالْمُتَنَقِّلِ إلَّا إذَا نَذَرَ
أَحَدُهُمَا بِعَيْنِ مَا نَذَرَ بِهِ
صَاحِبُهُ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ
صَحَّ لِلِاتِّحَادِ وَلَوْ أَفْسَدَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّطَوُّعَ بَعْدَ
الشُّرُوعِ فِيهِ ، ثُمَّ اقْتَدَى
أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي قَضَائِهِ لَا
يَجُوزُ لِلِاخْتِلَافِ ، وَلَوْ كَانَ
أَحَدُهُمَا مُقْتَدِيًا بِالْآخَرِ
فَأَفْسَدَاهُ ، ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا
بِالْآخِرِ صَحَّ لِلِاتِّحَادِ كَمَا يَصِحُّ
قَبْلَ الْإِفْسَادِ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ
الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ ؛ لِأَنَّ
وُجُوبَهُمَا عَارِضٌ لِتَحَقُّقِ الْبِرِّ
فَبَقِيَتْ نَفْلًا . وَلَا يَجُوزُ
اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ لِقُوَّةِ
النَّذْرِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَجُوزُ وَلَوْ
اقْتَدَى مُقَلِّدُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي
الْوِتْرِ بِمُقَلِّدِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ
لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ وَلَا تَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ الِاعْتِقَادِ ، ثُمَّ فِي كُلِّ
مَوْضِعٍ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْ
هَذِهِ الْمَسَائِلِ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا
فِي التَّطَوُّعِ أَمْ لَا ذَكَرَ فِي بَابِ
الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ
وَذَكَرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ
يَصِيرُ شَارِعًا فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ
قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ
الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي
بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى
أَنَّ الْفَرْضَ إذَا بَطَلَ يَنْقَلِبُ
نَفْلًا كَشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ إذَا
بَطَلَتْ تَنْقَلِبُ عَنَانًا وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ إذَا بَطَلَتْ جِهَةُ
الْفَرْضِيَّةِ يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ
(قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) الْأَشْبَهُ
أَنْ يُقَالَ إنْ فَسَدَتْ لِفَقْدِ شَرْطِ
الصَّلَاةِ كَالطَّاهِرِ خَلْفَ الْمَعْذُورِ
لَا يَكُونُ شَارِعًا وَإِنْ كَانَ
لِلِاخْتِلَافِ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَارِعًا فِيهِ غَيْرَ
مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِاجْتِمَاعِ
شَرَائِطِهِ فَصَارَ كَالظَّانِّ وَثَمَرَةُ
الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ
الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (لَا اقْتِدَاءَ مُتَوَضِّئٍ
بِمُتَيَمِّمٍ) أَيْ لَا يُفْسِدُ اقْتِدَاءُ
مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ
يُفْسِدُ ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ
بِالْمَاءِ أَصْلِيَّةٌ فَيَكُونُ بِنَاءُ
الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَلَا يَجُوزُ .
وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ عَمْرَو بْنَ
الْعَاصِ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُوَ
مُتَيَمِّمٌ عَنْ الْجَنَابَةِ وَهُمْ
مُتَوَضِّئُونَ فَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ
يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ» ؛ وَلِأَنَّهَا
طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَلِهَذَا لَا
تَتَقَدَّرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ إذْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءٌ إلَى
آخِرِهِ) لَعَلَّ لَا زَائِدَةٌ ا هـ كَذَا
بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (قَوْلُهُ إلَّا بِمُفْتَرِضٍ إلَى
آخِرِهِ) كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ
النُّسَخِ وَعَلَى هَذَا فَلَفْظَةُ لَا مِنْ
قَوْلِهِ إذْ لَا يَجُوزُ لَيْسَتْ
بِزَائِدَةٍ ا هـ وَفِي مُسَوَّدَةِ
الْمُصَنِّفِ لَفْظَةُ لَا ثَابِتَةٌ
وَلَفْظَةُ إلَّا سَاقِطَةٌ ا هـ . (قَوْلُهُ
وَحَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ
شَرْطٌ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ
الشَّمْسُ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ
فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ
هَذَا قَضَاءً لِلْمُقْتَدِي ؛ لِأَنَّ
الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهُ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهَا
عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ
وَمُفْتَرِضٍ مُتَنَفِّلًا وَلَا نَعْكِسُ ا
هـ . فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ
الْقَاضِي بِالْقَاضِي إذَا فَاتَهُمَا
صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ
كَالْأَدَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْغَايَةِ
قَالَ قَبِيلُ الْكَلَامِ الْوَلْوَالِجِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ
مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى مَسْأَلَةِ
الْمُحَاذَاةِ وَلَوْ نَسِيَ رَجُلٌ الظُّهْرَ
وَآخَرُ الْعَصْرَ فَأَمَّ أَحَدُهُمَا
الْآخَرَ لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ ،
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ
فَاتَتْهُمَا مِنْ يَوْمَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ
مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا ؛
لِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ بِنَاءً عَلَى
صَلَاةِ الْإِمَامِ حَتَّى فَسَدَتْ صَلَاةُ
الْقَوْمِ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ
وَتُنْتَقَصُ بِسَهْوِ الْإِمَامِ
وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ
وَعَلَى الْمَوْجُودِ صَحِيحٌ فَفِي
الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ
انْعَقَدَتْ تَحْرِيمَةُ الْقَوْمِ لِصَلَاةٍ
مَوْصُوفَةٍ بِوَصْفِ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ
فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَانَ هَذَا بِنَاءً
عَلَى الْمَعْدُومِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ
الثَّالِثَةِ اتَّصَفَ صَلَاةُ الْإِمَامِ
وَالْمُقْتَدِي بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ
وَوَجَبَتَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَكَانَ بِنَاءً
عَلَى الْمَوْجُودِ ا هـ . (قَوْلُهُ بِعَيْنِ
مَا نَذَرَ بِهِ صَاحِبُهُ) أَيْ بِأَنْ
يَقُولَ نَذَرْت أَنْ أُصَلِّيَ
الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نَذَرَهُمَا
فُلَانٌ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ
اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ إلَى
آخِرِهِ) وَلَا مَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ
الطَّوَافِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيهِمَا ا هـ .
زَادَ الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ بِمُقَلَّدِ أَبِي
يُوسُفَ) أَيْ وَمُحَمَّدٍ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ) قَالَ
الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي نَظِيرُهُ مَنْ
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ
فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَاقْتَدَى بِهِ
إنْسَانٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ
كَانَ هَذَا قَضَاءً فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي ؛
لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ
أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَى آخِرِهِ)
أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَبَقَ نَقْلًا
عَنْ الْهِدَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ
(قَوْلُهُ لَا اقْتِدَاءَ مُتَوَضِّئٍ إلَى
آخِرِهِ) وَفِي الْخُلَاصَةِ اقْتِدَاءُ
الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فِي صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُفْسِدُ إلَى
آخِرِهِ) قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ
مَاءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَصْلُهُ فَرْعٌ
إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِي
بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ
يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ
خِلَافًا لِزُفَرَ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ
صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ
وَمَنَعَهُ زُفَرُ بِأَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ
مُسْتَلْزِمٍ لِعِلْمِهِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ
وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ مَحَلَّ
الْفَسَادِ عِنْدَهُمْ إذَا ظَنَّ عِلْمَ
إمَامِهِ بِهِ ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ
صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ عَنْ
الْجَنَابَةِ إلَى آخِرِهِ) وَالْمُحْدِثُ
الْمُتَيَمِّمُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ
الْجُنُبِ الْمُتَيَمِّمِ . ا هـ . كُنُوزُ
الْفِقْهِ لِلْمَرْعَشِيِّ
(1/142)
بِقَدْرِ
الْحَاجَةِ عِنْدَنَا وَقِيلَ هَذَا
الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التُّرَابَ
خُلْفٌ عَنْ الْمَاءِ عِنْدَهُمَا فَيَعْمَلُ
عَمَلَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ
الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ بَدَلٌ عَنْ
الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَيَكُونُ بِنَاءُ
الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَلَا يَجُوزُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَاسِلٍ
بِمَاسِحٍ) لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا وَهَذَا
لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ مِنْ سِرَايَةِ
الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ
بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ
الْمُسْتَحَاضَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ
مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَإِنْ جُعِلَ فِي
حَقِّهَا مَعْدُومًا حُكْمًا لِلضَّرُورَةِ
وَالْمَاسِحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَالْمَاسِحِ
عَلَى الْخُفَّيْنِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ
كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ وَبِأَحْدَبَ)
أَمَّا اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ
فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ
مُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي
جَالِسًا ؛ وَلِأَنَّ حَالَ الْقَائِمِ
أَقْوَى مِنْ حَالِ الْقَاعِدِ فَلَا يَجُوزُ
بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ .
وَلَهُمَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي مَرَضِهِ
الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُصَلِّيَ
بِالنَّاسِ فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي
الصَّلَاةِ وَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَفْسِهِ
خِفَّةً فَقَامَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ
وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ فَجَاءَ
فَجَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا
وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو
بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقْتَدِي النَّاسُ
بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ ؛ وَمُسْلِمٌ . وَهَذَا صَرِيحٌ
بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- كَانَ إمَامًا وَلِهَذَا جَلَسَ عَنْ
يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَمَعْنَى قَوْلِهَا
وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ
؛ فَأَبُو بَكْرٍ كَانَ مُبَلِّغًا حِينَئِذٍ
إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ
إمَامَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَلَا تَرَى
أَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ
وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ
وَمَا رَوَيَاهُ ضَعَّفَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ . وَأَمَّا إمَامَةُ
الْأَحْدَبِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ
أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا
وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ حُدْبَهُ
إذَا بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ عَلَى
الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ ؛ لِأَنَّ
الْقِيَامَ هُوَ اسْتِوَاءُ النِّصْفَيْنِ
وَقَدْ وُجِدَ اسْتِوَاءُ نِصْفِهِ
الْأَسْفَلَ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا كَمَا
يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَاعِدُ الْقَائِمَ
لِوُجُودِ اسْتِوَاءِ نِصْفِهِ الْأَعْلَى ،
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَفِي
الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ
إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ ، هَكَذَا
ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ
وَقِيلَ : يَجُوزُ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
وَلَوْ كَانَ بِقَدَمِ الْإِمَامِ عِوَجٌ
فَقَامَ عَلَى بَعْضِهَا يَجُوزُ وَغَيْرُهُ
أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَمُومِئٍ بِمِثْلِهِ) وَسَوَاءٌ كَانَ
الْإِمَامُ يُومِئُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا
لِاسْتِوَائِهِمَا وَإِنْ كَانَ مُضْطَجِعًا
وَالْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا لَا
يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَقْصُودٌ
بِدَلِيلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ
الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ وَلِهَذَا لَا
يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ
عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ فَكَانَ
الْقَاعِدُ أَقْوَى حَالًا وَقِيلَ يَجُوزُ .
وَالْمُخْتَارُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَغَاسِلٍ
بِمَاسِحٍ) أَيْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ا هـ
ع (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ)
أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ . قَوْلُهُ
«فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ
وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ الظُّهْرَ يَوْمَ
السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يَوْمَ الِاثْنَيْنِ» رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَفِي
الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي
إنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ
الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ الظُّهْرَ وَزَعَمَ
بَعْضُهُمْ أَنَّهَا الصُّبْحُ (قَوْلُهُ
بَيْنَ رَجُلَيْنِ) هُمَا عَلِيٌّ
وَالْعَبَّاسُ ا هـ . (قَوْلُهُ يَسْمَعُ
النَّاسُ تَكْبِيرَهُ إلَى آخِرِهِ) فِي
الدِّرَايَةِ وَبِهِ يُعْرَفُ جَوَازُ رَفْعِ
الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي
الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ا
هـ . أَقُولُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ خُصُوصَ
الرَّفْعِ الْكَائِنِ فِي زَمَانِنَا بَلْ
أَصْلُ الرَّفْعِ لِإِبْلَاغِ
الِانْتِقَالَاتِ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا
الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ
فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ
غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مُدَّةِ هَمْزَةِ
اللَّهِ أَوْ أَكْبَرِ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ
مُفْسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ فَإِنَّهُمْ
يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى
حَاجَةِ الْإِبْلَاغِ وَالِاشْتِغَالِ
بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا
لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً
لِلْعِبَادَةِ وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ
بِالْكَلَامِ الَّذِي بِسَاطُهُ ذَلِكَ
الصِّيَاحُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا
يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ
بُكَاؤُهُ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ
النَّارِ لَا يَفْسُدُ وَلِمُصِيبَةٍ
بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ فِي
الْأَوَّلِ تَعَرَّضَ لِسُؤَالِ الْجَنَّةِ
وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ فَهُوَ
بِمَنْزِلَتِهِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا
تَفْسُدُ وَفِي الثَّانِي لِإِظْهَارِهَا
وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ وَا
مُصِيبَتَاهْ أَوْ أَدْرَكُونِي أَفْسَدَ
وَإِنْ كَانَ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ إذَا
حَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ وَهُنَا مَعْلُومٌ إنْ
قَصَدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ وَلَوْ قَالَ
أُعْجِبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي
فِيهِ أَفْسَدَ وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ
مِنْ التَّلْحِينِ وَلَا أَرَى أَنَّ ذَلِكَ
يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ
وَالْعِبَادَةِ كَمَا لَا أَرَى تَحْرِيرَ
النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ
الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ
مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ
وَالسُّؤَالِ ، وَمَا ذَاكَ إلَّا نَوْعُ
لَعِبٍ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ
سَائِلُ حَاجَةٍ مِنْ مِلْكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ
وَطَلَبُهُ بِتَحْرِيرِ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ
الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّرْتِيبِ
وَالرُّجُوعِ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ
أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ
وَاللَّعِبِ إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ
التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي . ا هـ . فَتْحُ
الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ : وَأَمَّا إمَامَةُ
الْأَحْدَبِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ
بِعَلَامَةِ النُّونِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ
الْأَحْدَبُ إذَا بَلَغَتْ حَدَبَتُهُ
الرُّكُوعَ يُشِيرُ بِرَأْسِهِ لِلرُّكُوعِ ؛
لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَمَّا هُوَ أَعْلَى ا هـ
(قَوْلُهُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ
أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ مُطْلَقًا
وَهُوَ ظَاهِرُ فَتَاوَى الْقَاضِي إذْ فِيهَا
وَتَجُوزُ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ
بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ
بِالْقَاعِدِ ا هـ فَأَطْلَقَ كَمَا تَرَى
مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ا هـ . (قَوْلُهُ وَفِي
الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَى آخِرِهِ)
هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَاَلَّذِي وَقَفْنَا عَلَيْهِ فِي
نُسَخٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ
هَكَذَا وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ
لِلْقَائِمِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ
النَّوَازِلِ وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ
بِقَدَمِ الْإِمَامِ عَوَجٌ) الْعَوَجُ
بِفَتْحَتَيْنِ فِي الْأَجْسَادِ خِلَافُ
الِاعْتِدَالِ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ
تَعَبٍ يُقَالُ عَوِجَ الْعُودُ وَنَحْوُهُ
فَهُوَ أَعْوَجُ وَالْأُنْثَى عَوْجَاءُ مِنْ
بَابِ أَحْمَرُ وَالْعِوَجُ بِكَسْرِ
الْعَيْنِ فِي الْمَعَانِي يُقَالُ فِي
الدِّينِ عِوَجٌ وَفِي الْأَمْرِ عِوَجٌ . ا
هـ . مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَائِمًا لَا
يَجُوزُ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَقْوَى
وَالْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ اقْتِدَاءِ
الْقَائِمِ بِهِ دُونَ الْمُضْطَجِعِ
فَتَثْبُتُ بِهِ الْقُوَّةُ كَذَا عَلَّلَ فِي
الْغَايَةِ
(1/143)
الْأَوَّلُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُتَنَفِّلٍ
بِمُفْتَرِضٍ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى
إذْ الْحَاجَةُ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ إلَى
أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي
الْفَرْضِ وَزِيَادَةِ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ
، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْقِرَاءَةَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ فَرْضٌ فِي حَقِّ
الْمُتَنَفِّلِ نَفْلٌ فِي حَقِّ
الْمُفْتَرِضِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛
لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ
بِالْمُتَنَفِّلِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ صَلَاةُ
الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ صَلَاةِ
الْإِمَامِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ وَلِهَذَا
لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ
الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ،
وَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ
يَلْزَمُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي
الرُّبَاعِيَّةِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ
فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعِ
الثَّانِي نَفْلًا فِي حَقِّهِ كَمَا هِيَ
نَفْلٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ظَهَرَ
أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ لَا يُعِيدُ وَعَلَى هَذَا
الْخِلَافِ الْجُنُبُ وَاَلَّذِي فِي ثَوْبِهِ
أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَهُ قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا
إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَدْ
تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ ، ثُمَّ لِيَغْتَسِل هُوَ
، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ وَإِنْ صَلَّى
بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَمِثْلُ ذَلِكَ» وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ
فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَوْمَ
بِالْإِعَادَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ
الِاطِّلَاعُ عَلَى حَالِ الْإِمَامِ
فَتَعَذَّرَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا فَسَدَتْ
صَلَاةُ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ
خَلْفَهُ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ
، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَأَعَادَ
بِهِمْ» ؛ وَلِأَنَّ صَلَاتَهُ مَبْنِيَّةٌ
عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْبِنَاءُ عَلَى
الْفَاسِدِ فَاسِدٌ فَصَارَ كَالْجُمُعَةِ
وَكَمَا إذَا بَانَ أَنَّ الْإِمَامَ كَافِرٌ
أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى
أَوْ أُمِّيٌّ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا
لَوْ بَانَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ إحْرَامٍ
فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا
الْمُحْدِثُ ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهُ
حَيْثُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ
مَعَ الْحَدَثِ وَلَا مُعْتَبَرًا بِعَدَمِ
إمْكَانِ الْإِطْلَاعِ فِي الشُّرُوطِ وَمَا
رَوَاهُ وَضَعَّفَهُ أَبُو الْفَرَجِ ،
وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ
يَسْتَيْقِنْ بِالْجَنَابَةِ وَإِنَّمَا
أَخَذَ لِنَفْسِهِ بِالِاحْتِيَاطِ وَيَدُلُّ
عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي
الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى
الْجُرُف فَإِذَا هُوَ قَدْ احْتَلَمَ
وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ مَا
أَرَانِي إلَّا قَدْ احْتَلَمَتْ وَمَا
شَعَرَتْ وَصَلَّيْت وَمَا اغْتَسَلَتْ قَالَ
وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا
لَمْ يَرَهُ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ ، ثُمَّ
صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اقْتَدَى
أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ
اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) أَيْ صَلَاةُ
الْجَمِيعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ
صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ
تَامَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ أَمَّ قَوْمًا
مَعْذُورِينَ وَغَيْرَ مَعْذُورِينَ فَصَارَ
كَالْعَارِي إذَا أَمَّ قَوْمًا لَابِسِينَ
وَعُرَاةً ، وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ
الْأَعْذَارِ إذَا أَمُّوا تَبْطُلْ صَلَاةُ
غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ لَا غَيْرُ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ
الْقِرَاءَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا إذَا
كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتَدِيَ
بِالْقَارِئِ حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُهُ
بِقِرَاءَةٍ فَإِذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ
الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ
مِمَّنْ يَقْرَأُ وَمِمَّنْ لَا يَقْرَأُ ،
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ
الْأَعْذَارِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ
قِرَاءَةٌ لِلْمُؤْتَمِّ فَتَرْكُهُ مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ سِتْرُ
الْإِمَامِ سِتْرًا لِلْقَوْمِ حَتَّى لَا
تَكُونَ عَوْرَتُهُمْ مَسْتُورَةً بِسِتْرِ
عَوْرَةِ الْإِمَامِ ، وَكَذَا سَائِرُ
أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَلَا يَكُونُ
الشَّرْطُ الْمَوْجُودُ مِنْ الْإِمَامِ
مَوْجُودًا فِي حَقِّهِمْ فَافْتَرَقَا ،
ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ
الْإِمَامِ عِنْدَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ
خَلْفَهُ قَارِئًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ
الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ وَفِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ
وَعَدَمِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا
يَخْتَلِفُ فِيهَا الْحَالُ بَيْنَ الْعِلْمِ
وَالْجَهْلِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا
اقْتَدَى بِهِ الْقَارِئُ وَلَمْ يَنْوِ
الْأُمِّيُّ إمَامَتَهُ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْفَسَادُ
مِنْ جِهَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ
كَالْمَرْأَةِ وَقِيلَ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ
يَنْوِ إمَامَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ
بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ
بِالْقَارِئِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ
عِلْمُهُ عَلَى الظَّاهِرِ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ
وَاخْتَلَفُوا فِي شُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ
الْإِمَامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِيرُ
شَارِعًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ
وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا فَإِذَا جَاءَ
أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْكَرْخِيِّ ، وَلَوْ
كَانَ الْأُمِّيُّ يُصَلِّي وَحْدَهُ
وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ يَجُوزُ عَلَى
الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ إلَى
آخِرِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ :
لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ
بِالْمُفْتَرِضِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ
الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمَوَاهِبَ
وَالْمُغَايِرَةُ بَيْنَ الْفَرْضِ
وَالنَّفَلِ ثَابِتَةٌ وَجَوَابُهُمَا مَا
قُلْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ «وَقَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي
ذَرٍّ كَيْفَ بِك يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا كَانَ
أُمَرَاءُ سَوْءٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ
عَنْ وَقْتِهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ
فَصَلِّ فِي بَيْتِك ، ثُمَّ اجْعَلْ صَلَاتَك
مَعَهُمْ سُبْحَةً» . ا هـ . دِرَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا
يُعِيدُ) أَيْ وَفِي الْجُمُعَةِ يُعِيدُ
عِنْدَهُمْ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ
عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) هَذَا
الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ
صَاحِبُ الْغَايَةِ فِيهِمَا نَقْلًا عَنْ
أَبِي الْفَرَجِ لَا يُعْرَفَانِ ا هـ .
(فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى أَمَّهُمْ
زَمَانًا ، ثُمَّ قَالَ إنَّهُ كَانَ كَافِرًا
وَصَلَّيْت مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ
الْمَانِعَةِ أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ لَيْسَ
عَلَيْهِمْ إعَادَةٌ ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ
غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ
لِفِسْقِهِ بِاعْتِرَافِهِ . ا هـ . فَتْحٌ .
(فَرْعٌ) نَقَلَهُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ
جُمَلِ النَّوَازِلِ شَكَّ فِي إتْمَامِ
وُضُوءِ إمَامِهِ جَازَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ؛
لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْإِتْمَامُ . ا هـ
. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمْ
يَسْتَيْقِنْ بِالْجَنَابَةِ إلَى آخِرِهِ)
أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ . ا هـ
. غَايَةٌ (قَوْلُهُ : إنَّ عُمَرَ خَرَجَ
إلَى الْجُرْفِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ
وَالْجُرُفُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالسُّكُونِ
لِلتَّخْفِيفِ مَا جَرَفَتْهُ السُّيُولُ
وَأَكَلَتْهُ مِنْ الْأَرْضِ وَبِالْمُخَفَّفِ
اسْمُ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَدِينَةِ
بِطَرِيقِ مَكَّةَ عَلَى فَرْسَخٍ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ : وَهُوَ
الصَّحِيحُ) وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ
فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ ؛ لِأَنَّ
الْفَائِدَةَ إمَّا فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ
أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَكِلَاهُمَا
مُنْتَفٍ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ
يَصِيرُ شَارِعًا) أَيْ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ
قَادِرٌ عَلَى التَّكْبِيرِ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَى آخِرِهِ) وَإِنَّمَا
لَمْ يَلْزَمْ الْمُقْتَدِي بِهِ مُتَنَفِّلًا
الْقَضَاءُ مَعَ أَنَّهُ إفْسَادٌ بَعْدَ
الشُّرُوعِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ
شَارِعًا فِي صَلَاةٍ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا
وَالشُّرُوعُ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ
صَلَاةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ
شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ كَذَلِكَ هَذَا . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْأُمِّيُّ يُصَلِّي
وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ أَبُو حَازِمٍ عَلَى
(1/144)
يَظْهَرُ
مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَفِيمَا
إذَا قَدَّمَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَمَا
قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ خِلَافَ زُفَرَ
هُوَ يَقُولُ : إنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ قَدْ
تَأَدَّى قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
مِثْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْأُمِّيَّ
أَضْعَفُ حَالًا وَأَنْقَصُ صَلَاةً مِنْ
الْقَارِئِ فَلَا يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ
كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ
رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا يَجُوزُ خُلُوُّهَا
عَنْ الْقِرَاءَةِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا
فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِعَدَمِ
الْأَهْلِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْقَادِرُ
بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ قَادِرًا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا لَمْ
يُوجِبْ الْجُمُعَةَ وَالْحَجَّ عَلَى
الضَّرِيرِ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا يَمْشِي
مَعَهُ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهُ قَادِرًا فِي
مَسَائِلِ الْأُمِّيِّ قُلْنَا : إنَّمَا لَا
تُعْتَبَرُ قُدْرَةُ الْغَيْرِ إذَا تَعَلَّقَ
بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَهُنَا
الْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَى الِاقْتِدَاءِ
بِالْقَارِئِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ
الْقَارِئِ فَيَنْزِلُ قَادِرًا عَلَى
الْقِرَاءَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَبَقَهُ
حَدَثٌ) أَيْ الْمُصَلِّي (تَوَضَّأَ وَبَنَى)
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ
يُنَافِيهَا وَالْمَشْيُ وَالِانْحِرَافُ
يُفْسِدَانِهَا فَأَشْبَهَ الْحَدَثَ
الْعَمْدَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ
رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ
فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ
عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ»
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ
فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَيُقَدِّمْ
مِنْ لَمْ يَسْبِقْ بِشَيْءٍ» ؛ وَلِأَنَّ
الْبَلْوَى فِيمَا سَبَقَ فَلَا تُلْحِقُ بِهِ
مَا يَتَعَمَّدُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ
تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَقِيلَ
: إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ
وَالْإِمَامُ وَالْمُؤْتَمُّ يَبْنِي
صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ،
وَالْمُنْفَرِدُ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي
مَنْزِلِهِ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ
وَالْمُقْتَدِي يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ
حَتْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ
فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ لِلْمُنْفَرِدِ
وَالْمُقْتَدِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ
قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْعَوْدُ أَفْضَلُ
لِيَكُونَ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَهُوَ
اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ وَالْكَرْخِيِّ
وَقِيلَ مَنْزِلُهُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ
تَقْلِيلِ الْمَشْيِ وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ
ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَوْدَ يُفْسِدُ ؛
لِأَنَّهُ مَشْيٌ بِلَا حَاجَةٍ وَمِنْ شَرْطِ
جَوَازِ الْبِنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ
سَاعَتِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ
الْحَدَثِ أَوْ مَكَثَ مَكَانَهُ قَدْرَ مَا
يُؤَدِّي رُكْنًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إلَّا
إذَا أَحْدَثَ بِالنَّوْمِ وَمَكَثَ سَاعَةً ،
ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَفِي
الْمُنْتَقَى إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَقَامِهِ
الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يُوجَدْ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ
الْحَدَثِ وَلَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ فِيهَا بَلْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ
فِي ذَلِكَ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَكَانَ أَبُو
الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ : اقْتِدَاءُ
الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ صَحِيحٌ فِي
الْأَصْلِ لَكِنْ إذَا جَاءَ أَوَانُ
الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَكَانَ
أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ : لَا يَصِحُّ أَصْلًا
هَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْغَايَةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا قَدَّمَهُ) أَيْ
أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا . ا هـ .
كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ سَبَقَهُ
حَدَثٌ) كَتَبَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ فِي
هَذَا الْمَحَلِّ تَرْجَمَةً وَهِيَ قَوْلُهُ
بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ هَذِهِ
التَّرْجَمَةُ مَوْجُودَةٌ فِي غَالِبِ مَا
وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي
بَعْضِهَا مِنْهَا ضَمَّهُ إلَى بَابِ
الْإِمَامَةِ فَقَالَ بَابُ الْإِمَامَةِ
وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَى هَذِهِ
النُّسْخَةِ مَشَى الشَّارِحُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ إلَى آخِرِهِ) عَنْ
الْعَلَّامَةِ فَخْرِ الدِّينِ
الْمَايَمُرْغِيِّ الْبِنَاءُ فِي
الْأَحْدَاثِ الْخَارِجَةِ مِنْ بَدَنِهِ
مُوجِبَةٌ لِلْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ بِلَا
قَصْدِهِ لِلْحَدَثِ أَوْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ
غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْتِ بَعْدَهُ مَا يُنَافِي
الصَّلَاةَ مِنْ تَوَقُّفٍ أَوْ فِعْلٍ
يُنَافِي الصَّلَاةَ مِمَّا لَهُ بُدٌّ مِنْهُ
. ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ
قَاءَ إلَى آخِرِهِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ
بِالْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلْيَبْنِ
أَمْرٌ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ الْإِبَاحَةُ
فَيَثْبُتُ شَرْعِيَّةُ الْبِنَاءِ وَلَا
يُقَالُ قَوْلُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ لِلْوُجُوبِ
فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَلْيَبْنِ
لِلْوُجُوبِ أَيْضًا قُلْنَا لَا يَضُرُّنَا ؛
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْوُجُوبِ يَكُونُ
الْمُدَّعِي أَثْبَتَ لَكِنَّ الْبِنَاءَ
غَيْرُ وَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا صَلَّى
أَحَدُكُمْ إلَى آخِرِهِ) الْحَدِيثُ
الثَّانِي قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ
الدِّينِ فِيهِ : إنَّهُ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ
فَأَحْدَثَ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ، ثُمَّ
لِيَنْصَرِفْ» وَلَوْ صَحَّ مَا رَوَاهُ لَمْ
يَجُزْ اسْتِخْلَافُهُ الْمَسْبُوقُ إذْ لَا
صَارِفَ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ . ا هـ . فَتْحٌ
. (قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَعْنَى
الِاسْتِئْنَافِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا
يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ يَشْرَعُ بَعْدَ
الْوُضُوءِ . ا هـ . (قَوْلُهُ تَحَرُّزًا
عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا
الْجَوَابُ عَنْ إلْحَاقِهِ بِالْحَدَثِ
الْعَمْدِ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ لَا
يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ) أَيْ
فَيَتَخَيَّرُ ا هـ وَالْمُرَادُ بِالْحَائِلِ
الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ
ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ
سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَوْدَ يُفْسِدُ) أَيْ
وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا
الصَّلَاةَ فِي مَكَان وَاحِدٍ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ مَشَى بِلَا
حَاجَةٍ) قَالَ فِي الْغَايَةِ ، ثُمَّ لَوْ
حَمَلَ الْإِنَاءَ بَعْدَ الْوُضُوءِ إلَى
مَوْضِعِ صَلَاتِهِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ جَازَ
الْبِنَاءُ وَلَوْ حَمَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ
لِيَتَوَضَّأَ بِهِ لَا يَبْنِي ذَكَرَ ذَلِكَ
الْمَرْغِينَانِيُّ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ
كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ
لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ
يَبْنِي) وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ رَكَعَ
وَسَجَدَ فِي حَالِ نَوْمِهِ ، ثُمَّ
انْتَبَهَ وَذَهَبَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ ؛
لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ
كَالْعَدَمِ ا غَايَةٌ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ
لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ) الَّذِي فِي مُسَوَّدَةِ
الْمُصَنِّفِ لَمْ يُؤَدِّ ا هـ قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ وَلَوْ تَرَكَ رُكُوعًا يَضَعُ
يَدَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ مُشِيرًا إلَيْهِ
وَفِي السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَفِي
الْقِرَاءَةِ عَلَى الْفَمِ وَفِي سَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى أَنْفِهِ
ا هـ وَفِي الْغَايَةِ لِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ
بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَسَجْدَةٍ يَضَعُ
إصْبَعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ إنْ كَانَتْ
وَاحِدَةً بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ وَفِي
اثْنَتَيْنِ بِإِصْبَعَيْنِ وَفِي سَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى
جَبْهَتِهِ وَلِسَانُهُ وَفِي السَّهْوِ
وَيُشِيرُ بِذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ
بِتَحْوِيلِ رَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا
قَالَ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ
وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْضًا قَالَ
مَجْدُ الْأَئِمَّةِ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ
أَوْ سُجُودِهِ لَا يَرْتَفِعُ مُسْتَوِيًا
بَلْ يَتَأَخَّرُ مُحْدَوْدِبًا ثُمَّ
يَنْصَرِفُ ا هـ وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى
أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا
يَرْتَفِعُ مُسْتَوِيًا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ
بَلْ يَتَأَخَّرُ مَحْدُودٌ بِإِثْمٍ
يَنْصَرِفُ ا هـ . (قَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْ
الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ إلَى آخِرِهِ)
قُلْنَا هُوَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَمَا
وُجِدَ مِنْهُ صَالِحًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا
مِنْهَا انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ غَيْرَ
مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ إذَا كَانَ غَيْرَ
مُحْتَاجٍ فَلِذَا كَانَ
(1/145)
تَفْسُدُ
وَآيِبًا لَا وَقِيلَ بِالْعَكْسِ
وَالصَّحِيحُ الْفَسَادُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ
فِي الْأَوَّلِ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ
وَفِي الثَّانِي مَعَ الْمَشْيِ ،
وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ لَا يَمْنَعُ
الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ : لَوْ
أَحْدَثَ رَاكِعًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَا يَبْنِي ،
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَحْدَثَ فِي
سُجُودِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ
يُرِيدُ بِهِ إتْمَامَ سُجُودِهِ وَلَمْ
يَنْوِ شَيْئًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ
أَرَادَ الِانْصِرَافَ لَا تَفْسُدُ وَمِنْ
شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ
سَمَاوِيًّا حَتَّى لَوْ أَصَابَتْهُ شَجَّةٌ
أَوْ عَضَّةُ زُنْبُورٍ فَسَالَ مِنْهَا دَمٌ
لَا يَبْنِي ؛ لِأَنَّهُ بِصُنْعِ الْعِبَادِ
مَعَ نُدْرَتِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِعَدَمِ
صُنْعِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ طُوبَةٌ مِنْ سَطْحٍ
أَوْ سَفَرْجَلَةٌ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ
تَعَثَّرَ بِشَيْءٍ مَوْضُوعٍ فِي الْمَسْجِدِ
فَأَدْمَاهُ قِيلَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِ
الْعِبَادِ وَقِيلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ ،
وَلَوْ عَطَسَ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ
عُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنَحَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ
رِيحٌ بِقُوَّتِهِ . وَقِيلَ يَبْنِي وَقِيلَ
لَا يَبْنِي وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْمَرْأَةِ
الْكُرْسُفُ بِغَيْرِ صُنْعِهَا مَبْلُولًا
بَنَتْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا
وَبِتَحْرِيكِهَا بَنَتْ عِنْدَهُ
وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْنِي وَإِنْ أَصَابَتْهُ
نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ
فَغَسَلَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ سَبْقِ
الْحَدَثِ مِنْهُ بَنَى وَإِنْ كَانَتْ مِنْ
خَارِجٍ لَا يَبْنِي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ
وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ هَذَا غَسْلٌ
لِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ ابْتِدَاءً وَفِي
الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلْوُضُوءِ وَلَوْ
أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ وَمِنْ
سَبْقِ الْحَدَثِ لَا يَبْنِي وَإِنْ كَانَتَا
فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَشَفَ
عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَكَذَا
إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا
لِلْوُضُوءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَتَوَضَّأُ
ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ
بِالْمَسْحِ وَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ
وَيَأْتِي بِسَائِرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ
وَقِيلَ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَرَّةً وَإِنْ
زَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ . وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا) أَيْ إنْ كَانَ
إمَامًا لِمَا رَوَيْنَا وَصُورَةُ
الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَتَأَخَّرَ
مُحْدَوْدِبًا وَاضِعًا يَدَهُ فِي أَنْفِهِ
يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ رَعَفَ فَيَنْقَطِعُ
عَنْهُ الظُّنُونُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا أَوْ
أَيْبًا تَفْسُدُ لِأَدَائِهِ رُكْنًا مَعَ
الْحَدَثِ أَوْ الْمَشْيِ وَإِنْ قِيلَ
تَفْسُدُ فِي الذَّهَابِ لَا الْإِيَابِ
وَقِيلَ بَلْ فِي عَكْسِهِ بِخِلَافِ
الذِّكْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي
الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
الْأَجْزَاءِ . ا هـ . فَتْحٌ (فُرُوعٌ) مِنْ
الْغَايَةِ وَلَوْ جَاوَزَ الْمَاءَ فَذَهَبَ
إلَى غَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ
مَشَى بِلَا حَاجَةٍ ، كَذَا فِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَفِي
مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ يَبْنِي
وَلَوْ اسْتَقَى مَاءً لِوُضُوئِهِ أَوْ
خَرَزَ دَلْوَهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ
وَغَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ
ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْبِنَاءِ وَفِي
الْمَرْغِينَانِيِّ يَسْتَقِي مِنْ الْبِئْرِ
وَيَبْنِي قَالَ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ
وَالْقُدُورِيُّ لَا يَبْنِي وَذَكَرَ فِي
التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَبْنِي وَلَمْ يُحْكَ
خِلَافًا وَرَوَى أَبُو سَلِيمَانِ أَيْضًا
أَنَّ الِاسْتِقَاءَ مِنْ الْبِئْرِ لَا
يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ
كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا أَوْ الْبِئْرُ
قَرِيبَةً تَحْتَاجُ إلَى النَّزَحِ يَخْتَارُ
أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مُؤْنَةً وَلَوْ طَلَبَ
الْمَاءَ بِالْإِشَارَةِ أَوْ اشْتَرَاهُ
بِالتَّعَاطِي أَوْ نَسِيَ ثَوْبَهُ فِي
مَوْضِعِ الْوُضُوءِ فَرَجَعَ وَأَخَذَهُ لَا
يَبْنِي وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ
يَمْسَحْ بِرَأْسِهِ فَرَجَعَ وَمَسَحَ
يَجْزِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ
ا هـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ
فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَالْمُجْتَبَى
نَزْحُ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ لَا يُفْسِدُ
وَلَوْ كَانَ الدَّلْوُ مُتَخَرِّقًا
فَحِرْزُهُ تَفْسُدُ ا هـ . (قَوْلُهُ وَقِيلَ
لَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ
قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ)
وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ
فِي الْمُنْتَقَى . ا هـ . غَايَةٌ أَيْ
وَلِأَنَّ الرَّفْعَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ
لِلِانْصِرَافِ فَمُجَرَّدُهُ لَا يَمْنَعُ
فَلَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ التَّسْمِيعُ ظَهَرَ
قَصْدُ الْأَدَاءِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ
مَعَ نَدْرَتِهِ) بِفَتْحِ النُّونِ
وَالضَّمِّ لُغَةً . ا هـ . مِصْبَاحٌ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ) أَيْ
لِأَنَّ الْوَضْعَ وَالْإِنْبَاتَ مِنْ
صُنْعِهِمْ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ بَنَتْ
فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) أَيْ وَهَذَا
بِنَاءٌ عَلَى تَصَوُّرِ بِنَائِهَا
كَالرَّجُلِ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ وَهُوَ
قَوْلُ الْمَشَايِخِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ
خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ أَيْ لِأَنَّ
عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْبِنَاءُ ؛
لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ
عَلَيْهِ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَفِي
الذَّخِيرَةِ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي
الْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ
مَنْ فِي الْحَدِيثِ تَتَنَاوَلُ الرَّجُلَ
وَالْمَرْأَةَ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
وَإِنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ
إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا
اسْتَنْجَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَسَدَتْ
، ثُمَّ نُقِلَ مِنْ التَّجْرِيدِ يَسْتَنْجِي
مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ إنْ أَمْكَنَ ،
وَإِلَّا اسْتَقْبَلَ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ
الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ إنْ
لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْهُ لَمْ يُفْسِدْ
وَإِنْ وَجَدَ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ
الِاسْتِنْجَاءِ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ تَحْتَ
الْقَمِيصِ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ فَسَدَتْ . ا
هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا
كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا إلَى
آخِرِهِ) أَوْ كَشَفَتْ رَأْسَهَا لِلْمَسْحِ
. ا هـ . فَتْحٌ بِالْمَعْنَى قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ
رِوَايَةِ الْأُصُولِ إنْ أَمْكَنَهَا
الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ عَوْرَتِهَا
بِأَنْ يُمْكِنَهَا غَسْلُ ذِرَاعَيْهَا فِي
الْكُمَّيْنِ وَمَسْحُ رَأْسِهَا مَعَ
الْخِمَارِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ رَقِيقًا
يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ
فَكَشَفَتْهَا لَا تَبْنِي وَلَوْ لَمْ
يُمْكِنْهَا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهَا جُبَّةٌ
وَخِمَارٌ ثَخِينٌ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى
مَا تَحْتَهُ جَازَ كَالرَّجُلِ إذَا كَشَفَ
عَوْرَتَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عِنْدَ
مُجَاوَزَةِ النَّجَاسَةِ الْمُخْرَجِ
أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ إلَّا أَنَّ
مُحَمَّدًا أَطْلَقَ الْجَوَابَ ؛ لِأَنَّ فِي
إلْزَامِهَا الْغَسْلَ فِي الْكُمَّيْنِ
حَرَجًا ا هـ (قَوْلُهُ : وَهُوَ الصَّحِيحُ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَإِنْ رُوِيَ جَوَازُ
كَشْفِهِمَا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَوْ
تَقَدَّمَ رَجُلَانِ بَعْدَمَا سَبَقَهُ
الْحَدَثُ وَتَأَخَّرَ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ
إلَى مَقَامِ الْإِمَامِ فَهُوَ الْإِمَامُ
وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ
وَإِنْ تَقَدَّمَا مَعًا فَأَيُّهُمَا
اقْتَدَى بِهِ الْقَوْمُ فَهُوَ الْإِمَامُ
وَلَوْ اقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِهَذَا
وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ
فَصَلَاةُ الْأَكْثَرِ مَعَ إمَامِهِمْ
جَائِزَةٌ وَصَلَاةُ الْأَقَلِّينَ مَعَ
إمَامِهِمْ فَاسِدَةٌ وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً
فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا ا هـ .
وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَلْآنَ وَصُفُوفٌ
خَارِجَ الْمَسْجِدِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ
جَمِيعًا بِالْإِمَامِ فَخَرَجَ الْإِمَامُ
مِنْ الْمَسْجِدِ وَاسْتَخْلَفَ وَاحِدًا مِنْ
خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا تَصِحُّ وَفَسَدَتْ
صَلَاةُ الْقَوْمِ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ
الْمَسْجِدِ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ
عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ
الِاسْتِخْلَافُ ا هـ ش الطَّحَاوِيُّ
(قَوْلُهُ إنْ كَانَ إمَامًا) أَيْ إنْ كَانَ
الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ إمَامًا . ا هـ .
(قَوْلُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ رَعَفَ) أَيْ
آخِذًا بِثَوْبِ رَجُلٍ إلَى الْمِحْرَابِ
أَوْ مُشِيرًا إلَيْهِ ا هـ
(1/146)
وَيُقَدِّمُ
مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه وَلَا
يَسْتَخْلِفُ بِالْكَلَامِ بَلْ
بِالْإِشَارَةِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَا
لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ
وَفِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ
وَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى جَاوَزَ
هَذَا الْحَدَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ
وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ
كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ صُفُوفٌ
مُتَّصِلَةٌ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ
يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا
تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ لِمَوَاضِعِ الصُّفُوفِ
حُكْمَ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ
وَلَهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ تَبْطُلَ
صَلَاتُهُمْ بِنَفْسِ الِانْحِرَافِ لَكِنْ
فِي الْمَسْجِدِ ضَرُورَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ
خَارِجَهُ . وَلِهَذَا لَوْ كَبَّرَ
الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ
وَكَبَّرَ الْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ
وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ لَا تَنْعَقِدُ
الْجُمُعَةُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ
الصُّفُوفِ الَّتِي خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ
يَجُزْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَمَا لَوْ حُصِرَ عَنْ
الْقِرَاءَةِ) أَيْ اسْتَخْلَفَ فِي الْحَدَثِ
كَمَا يَسْتَخْلِفُ إذَا عَجَزَ عَنْ
الْقِرَاءَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ
فِيمَا إذَا حَضَرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بَلْ
يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ ؛ لِأَنَّهُ
نَادِرٌ وَجَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ
لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ فِيمَا
يَغْلِبُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَ جَمِيعِ
مَا يَحْفَظُهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي
الصَّلَاةِ بَعِيدٌ فَصَارَ كَالْجَنَابَةِ
وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ هُنَا أَلْزَمُ ؛
لِأَنَّ فِي الْحَدَثِ لَوْ وُجِدَ مَاءٌ فِي
الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَبْنِي فَلَا
يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْلَافِ ، وَلِهَذَا
لَوْ تَعَلَّمَ مِنْ مُصْحَفٍ أَوْ عَلَّمَهُ
إنْسَانٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَكَانَ أَوْلَى
بِالْجَوَازِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ ؛
لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى زِيَادَةِ
أُمُورٍ غَالِبًا مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى
الْوُضُوءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ قَدْرَ
مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَاعْتَرَاهُ
خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَحُصِرَ عَنْ
الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ . أَمَّا
إذَا قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ
الصَّلَاةُ فَلَا يَسْتَخْلِفُ بَلْ يَرْكَعُ
وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ
لَهُ إلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا نَسِيَ
الْقُرْآنَ وَصَارَ أُمِّيًّا
فَاسْتِخْلَافُهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا ؛
لِأَنَّ إتْمَامَ الْقَارِئِ صَلَاةَ
الْأُمِّيِّ لَا تَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي
مَوْضِعِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَرَجَ
مِنْ الْمَسْجِدِ يَظُنُّ الْحَدَثَ أَوْ
جُنَّ أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ
اسْتَقْبَلَ) وَقَوْلُهُ يَظُنُّ الْحَدَثَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه) أَيْ
لِقُرْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِي
مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» ؛
لِأَنَّهُ إذَا نَابَهُ نَائِبَةٌ اسْتَخْلَفَ
مِنْهُمْ ا هـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ
تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إلَى آخِرِهِ)
أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا
أَوْ جَاهِلًا . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ) قَالَ
الطَّحَاوِيُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَيْضًا ؛
لِأَنَّهُ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ كَانَ
عَلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ لِيَصِيرَ هُوَ فِي
حُكْمِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ كَغَيْرِهِ
فَيَتْرُكَ الِاسْتِخْلَافِ لِمَا أَنْ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ فَلَأَنْ تَفْسُدَ
صَلَاتُهُ كَانَ أَوْلَى وَقَالَ أَبُو
عِصْمَةَ لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ
نَفْسِهِ كَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
ا هـ . دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُجَاوِزْ
الصُّفُوفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا)
قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ
قَوْلُهُمَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ آخَرِ
الصُّفُوفِ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ
إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ
سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ
مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمَهُ دُونَ صَلَاتِهِ
وَصَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَنْ
يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فِي صِفَةٍ وَمَنْ
خَلْفَهُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا
إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ
الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْخَلِيفَةُ
إلَى مَكَانِهِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ
الْإِمَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ) أَيْ
بِالْمَسْجِدِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ
اسْتَخْلَفَ مِنْ الصُّفُوفِ الَّتِي خَارِجَ
الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَفِي
الْمَسْجِدِ يَسْتَخْلِفُ وَالصَّغِيرُ
وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ إلَّا إذَا كَانَ مِثْلَ
جَامِعِ الْمَنْصُورِ وَجَامِعِ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ . ا هـ . غَايَةٌ وَإِذَا لَمْ
يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَتَوَضَّأَ فِي
جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ
يَنْتَظِرُونَ وَرَجَعَ إلَى مَكَانِهِ
وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ أَجُزْأَهُمْ . ا هـ .
غَايَةٌ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ
الْمُحِيطِ لَوْ سَبَقَ الْحَدَثُ فِي صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ
وَفِي الِاسْتِخْلَافِ خِلَافٌ كَذَا فِي
الْغَايَةِ قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي لَمْ يَسْتَخْلِفْ
وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ ا هـ . (قَوْلُهُ
لَوْ حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ) الْحَصَرُ
بِفَتْحَتَيْنِ الْعِيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ
وَالْفِعْلُ مِنْهُ حَصِرَ مِثْل لَبِسَ
فَهُوَ حَصَرٌ وَمِنْهُ إمَامُ حَصَرٍ وَلَمْ
يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْرَأَ وَضَمُّ الْحَاءِ
فِيهِ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَذَكَرَ
فِي الصِّحَاحِ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ شَيْءٍ
لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ حَصِرَ عَنْهُ
. ا هـ . نِهَايَةٌ قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ
الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ حَصِرَ عَلَى فَعِلَ مَا لَمْ يُسَمَّ
فَاعِلُهُ مِنْ حَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ مِنْ
بَابِ نَصَرَ وَمَعْنَاهُ مَنَعَ وَحَبَسَ
عَنْ الْقِرَاءَةِ بِسَبَبِ خَجَلٍ
وَبِالْوَجْهَيْنِ حَصَلَ لِي السَّمَاعُ مِنْ
شَيْخِنَا الْمُحَقِّقِ بُرْهَانِ الدِّينِ
الخريفغني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِمَا
صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ وَقَدْ وَرَدَتْ اللُّغَتَانِ
أَيْضًا فِي كُتِبَ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ
وَغَيْرِهِ ، وَأَمَّا إنْكَارُ
الْمُطَرِّزِيُّ ضَمَّ الْحَاءِ فَهُوَ فِي
مَكْسُورِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا
يَجِيءُ لَهُ مَفْعُولٌ مَا لَمْ يُسَمِّ
فَاعِلَهُ لَا فِي مَفْتُوحِ الْعَيْنِ ؛
لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ يَجُوزُ بِنَاءُ
الْفِعْلِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ فَافْهَمْ . ا
هـ . (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ هُنَا
أَلْزَمُ) أَيْ أَثْبَتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى
الْعَجْزِ فِي الْحَدَثِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ إلَى زِيَادَةِ أُمُورٍ غَالِبًا)
اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ غَالِبًا عَنْ فَاقِدِ
الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يُوجَدُ
مِنْهُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ ا هـ . (قَوْلُهُ
وَصَارَ أُمِّيًّا فَاسْتِخْلَافُهُ لَا
يَجُوزُ إجْمَاعًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ وَفِي
النِّهَايَةِ إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ
إذَا لَحِقَهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ
فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ أَمَّا
إذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجْرِ
وَتَقَدَّمَ فِي دَلِيلِهِمَا مَا يَقْتَضِي
أَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ فِي النِّسْيَانِ
وَهُوَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا فَلَا
يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ
النِّسْيَانُ هُنَاكَ بِمَا يُشْبِهُ مِنْ
امْتِنَاعِ الْقِرَاءَةِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ يَظُنُّ) بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ
فِي خَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ
جُنَّ) يُقَالُ جُنَّ الرَّجُلُ عَلَى مَا
لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَلَا يُقَالُ جَنَّهُ
اللَّهُ بَلْ أَجَنَّهُ اللَّهُ فَهُوَ
مَجْنُونٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقِيَاسُهُ
مُجَنٌّ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ
أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ هَذَا إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ
الْأَشْيَاءُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ
التَّشَهُّدِ فَأَمَّا لَوْ وُجِدَتْ بَعْدَهُ
فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ ؛
لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَارِجًا عَنْهَا بِهَذِهِ
الْأَشْيَاءِ فَإِنْ قِيلَ الْخُرُوجُ
بِفِعْلِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَلَمْ يُوجَدْ قُلْنَا وُجِدَ ؛ لِأَنَّهُ
بَعْدَمَا صَارَ مُحْدِثًا بِهَا لَا بُدَّ
مِنْ اضْطِرَابٍ أَوْ مُكْثٍ بَعْدَ الْحَدَثِ
فَإِنَّ الْمُكْثَ إذًا جُزْءٌ مِنْ
الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ وَهُوَ صُنِعَ
كَيْفَمَا كَانَ فَحِينَئِذٍ وُجِدَ الصُّنْعُ
إمَّا مِنْ حَيْثُ الِاضْطِرَابُ أَوْ مِنْ
حَيْثُ الْمُكْثُ ا هـ
(1/147)
مَعْنَاهُ
يَظُنُّ الْحَدَثَ مِنْهُ ، ثُمَّ عَلِمَ
أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ أَمَّا الِاسْتِقْبَالُ
بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلِأَنَّهُ
وُجِدَ مِنْهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ
ضَرُورَةٍ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ
الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْ
صَلَاتِهِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ
يَسْتَقْبِلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ
الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى
قَصْدِ الْإِصْلَاحِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ
لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى
صَلَاتِهِ فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ
بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ
بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا
أَلْحَقْنَا التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ
بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ بِخِلَافِ
مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى
غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى
الْخُفَّيْنِ وَظَنَّ أَنَّ مُدَّةَ مَسْحِهِ
قَدْ انْقَضَتْ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا
فَرَأَى سَرَابًا فَظَنَّهُ مَاءً أَوْ كَانَ
فِي الظُّهْرِ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ
الْفَجْرَ أَوْ رَأَى حُمْرَةً فِي ثَوْبِهِ
فَظَنَّهَا نَجَاسَةً فَانْصَرَفَ حَيْثُ
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ
الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى
سَبِيلِ الرَّفْضِ . وَلِهَذَا لَوْ تَحَقَّقَ
مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُ وَهَذَا هُوَ
الْأَصْلُ وَالدَّارُ وَالْجَبَّانَةُ
وَالْجِنَازَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ
كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
وَالْمَرْأَةُ إذَا نَزَلَتْ مِنْ مُصَلَّاهَا
فَسَدَتْ صَلَاتُهَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ
الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلِهَذَا
تَعْتَكِفُ فِيهِ وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي
الصَّحْرَاء لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ
تَقَدَّمَ قُدَّامُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
ثَمَّ سُتْرَةٌ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الصُّفُوفِ
خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ
سُتْرَةٌ فَالْحَدُّ السُّتْرَةُ وَعَنْ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ
الصُّفُوفِ خَلْفَهُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ
ثَمَّ سُتْرَةٌ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ تَبْطُلُ
صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ
الْمَذْكُورَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ
اخْتِيَارُ أَبِي نَصْرٍ وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ
الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ كَانَ
الْخَلِيفَةُ لَمْ يَأْتِ بِالرُّكُوعِ
جَازَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ أَتَى فَسَدَتْ
كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِالرُّكُوعِ الرُّكْنَ
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ
مُحَمَّدٍ إنْ قَامَ الْخَلِيفَةُ مَقَامَ
الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ لَمْ
يَأْتِ بِرُكْنٍ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ
وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ
نَفْسَهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَيَكُونُ مُفْسِدًا
وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْحَدَثِ وَإِنَّمَا
تُرِكَ لِلْعُذْرِ وَلَا عُذْرَ هُنَا
لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِخْلَافِ
وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي
الصَّحْرَاءِ فَحَدُّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ
وَقِيلَ مِقْدَارُ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ
الِاقْتِدَاءِ . وَأَمَّا الِاسْتِقْبَالُ
فِيمَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ
أَوْ احْتَلَمَ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ
نَادِرَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا
وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْقَى
فِي مَكَانِهِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِغْمَاءِ
وَالْجُنُونِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ
الْبِنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ
وَفِي الِاحْتِلَامِ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ
كَثِيرٍ وَإِلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَلَمْ
يَكُنْ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَبَقَهُ
حَدَثٌ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ
وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ
فَيَتَوَضَّأُ لِيَأْتِيَ بِهِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَمَّدْهُ أَوْ
تَكَلَّمْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) أَيْ تَعَمَّدْ
الْحَدَثَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فَرَائِضِ
الصَّلَاةِ فَخَرَجَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ ،
وَكَذَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ
التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا
قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِمَا قُلْنَا ،
وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ
تَمَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَبْطُلُ وُضُوءُهُ
وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّ
الْقَهْقَهَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي فَسَادِ
الصَّلَاةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي
فَسَادِ الْوُضُوءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَبَرَ
وَرَدَ بِإِعَادَتِهِمَا فَإِذَا لَمْ يُعِدْ
الصَّلَاةَ فَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ قُلْنَا
وُجُودُ الْقَهْقَهَةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ
الصَّلَاةِ كَوُجُودِهَا فِي أَثْنَاءِ
الصَّلَاةِ فَصَارَ كُنْيَةَ الْإِقَامَةِ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ
أَرْبَعًا بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لَا
تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى
الْبِنَاءِ ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي
سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى
السُّجُودِ يَرْفَعُ السَّلَامَ دُونَ
الْقَعْدَةِ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ
التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَوْ
قَهْقَهَ الْإِمَامُ ، ثُمَّ الْقَوْمُ بَطَلَ
وُضُوءُهُ دُونَهُمْ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ
الصَّلَاةِ بِقَهْقَهَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ
سَلَّمَ الْإِمَامُ ، ثُمَّ قَهْقَهُوا حَيْثُ
يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا
يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِهِ
وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبِنَاءُ
بَعْدَمَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَلَوْ قَهْقَهَ
الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مَعًا بَطَلَ
وُضُوءُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ
جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ مَعْنَاهُ يُظَنُّ الْحَدَثُ مِنْهُ)
أَيْ بِأَنْ ظَنَّ الْمُخَاطَ رُعَافًا
مَثَلًا . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي حَقِّ
الْبُغَاةِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى لَا
يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ ضَمَانُ مَا
أَتْلَفُوهُ مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ
كَالْأَهْلِ الْعَدْلِ وَإِنَّمَا افْتَرَقُوا
فِي الْآثَامِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
أَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ لَظَنَّ فَإِنْ كَانَ
مُتَعَلِّقُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا جَازَ
الْبِنَاءُ فَظَهَرَ خِلَافُهُ جَازَ
الْبِنَاءُ وَإِنْ كَانَ لَوْ كَأَنْ لَمْ
يَجُزْ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ . ا هـ
. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ قَدْرُ
الصُّفُوفِ خَلْفَهُ إلَى آخِرِهِ)
وَالْأَوْجَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُتْرَةً أَنْ
يُعْتَبَرَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ ؛ لِأَنَّ
الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ
وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ذَلِكَ انْتَهَى
فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ)
أَيْ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُمْ لَا صَلَاةُ الْإِمَامِ . ا هـ .
فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ
التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ إلَى آخِرِهِ)
إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ الْعَوْدُ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ
يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ كَالْعَوْدِ إلَى
سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَعَلَى تِلْكَ
الرِّوَايَةِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ
. ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَهْقَهَ
الْإِمَامُ إلَى آخِرِهِ) اُنْظُرْ مَا
قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ
قَوْلِهِ كَمَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَةِ
إمَامِهِ
(قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ
إلَى آخِرِهِ الْمَسَائِلُ الْمُلَقَّبَةُ
بِاَلْاِثْنَا عَشْرِيَّةَ . ا هـ . (قَوْلُهُ
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءَ
إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى
الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ
بِالْبَدَلِ . ا هـ . غَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ
يَشْكُلُ عَلَى هَذَا بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا
أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَ ، ثُمَّ
وَجَدَ مَاءً لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي
عَلَى صَلَاتِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ
هُنَاكَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ
فِي مَسْحِ الْخُفِّ فِي فَتَاوَى قَاضِي
خَانْ قُلْنَا : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ
يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ هُنَا وَلَا
يَلْزَمُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ هُوَ
أَنَّ التَّيَمُّمَ يُنْتَقَضُ بِصِفَةِ
الِاسْتِنَادِ إلَى ابْتِدَاءِ وُجُودِهِ
عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا
بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا
لَمْ يُنْتَقَضْ التَّيَمُّمُ بِصِفَةِ
الِاسْتِنَادِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ
الطَّارِئِ عَلَى التَّيَمُّمِ فَلَمْ تُوجَدْ
الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ حَالَ قِيَامِ
الْخُلْفِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ
بِالْخُلْفِ فَلَا يَلْزَمُ الِانْتِقَاضُ
بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ ، كَذَا فِي
الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ . قَوْلُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ
وَيَبْنِي مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي
كَلَامِ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ أَوْ تَمَّتْ
مُدَّةُ مَسْحِهِ وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ
هَذَا الْمَحَلِّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ا هـ
(1/148)
(وَبَطَلَتْ
إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ مَاءً) أَيْ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءَ وَالْمُرَادُ
بِالرُّؤْيَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى
الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى لَوْ رَآهُ وَلَمْ
يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لَا تَبْطُلُ
وَلَوْ قَدَرَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ بَطَلَتْ
فَدَارَ الْحُكْمُ عَلَى الْقُدْرَةِ لَا
غَيْرُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُتَيَمِّمِ
لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ
الْمَاءِ لَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ
مُتَوَضِّئٌ يُصَلِّي خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ
فَرَأَى الْمُؤْتَمُّ الْمُتَوَضِّئُ الْمَاءَ
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعِلْمِهِ أَنَّ إمَامَهُ
قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ
وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ لِعَدَمِ
قُدْرَتِهِ فَلَوْ قَالَ وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى
مُتَيَمِّمٌ أَوْ مُقْتَدٍ بِهِ مَاءً
لَشَمِلَ الْكُلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ) هَذَا إذَا
كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
وَاجِدًا لَهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ
الرِّجْلَيْنِ لَا حَظَّ لَهُمَا مِنْ
التَّيَمُّمِ وَقِيلَ تَبْطُلُ لِأَنَّ
الْحَدَثَ السَّابِقَ يَسْرِي إلَى الْقَدَمِ
فَيَتَيَمَّمُ إذَا بَقِيَ لَمْعَةٌ مِنْ
عُضْوِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً عَلَى مَا
تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى
الْخُفَّيْنِ وَلَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ
لِيَتَوَضَّأَ فَتَمَّتْ الْمُدَّةُ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ
بَلْ يَتَوَضَّأُ . وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ
وَيَبْنِي ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ
غَسْلُ رِجْلَيْهِ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِمَا
لِلْحَالِ فَصَارَ كَحَدَثٍ سَبَقَهُ
لِلْحَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ
لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ لَيْسَ
بِحَدَثٍ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْحَدَثُ
السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ عِنْدَهُ
فَكَأَنَّهُ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ
غَيْرِ طَهَارَةٍ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ
إذَا أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ فَوَجَدَ
مَاءً فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا
، وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا أَحْدَثَتْ
فِي الصَّلَاةِ ، ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ
قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (أَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ
يَسِيرٍ) بِأَنْ كَانُوا وَاسِعَيْنِ لَا
يَحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى الْمُعَالَجَةِ فِي
النَّزْعِ وَإِنْ كَانَ النَّزْعُ بِفِعْلٍ
عَنِيفٍ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ
لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِفِعْلِهِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ
سُورَةً) أَيْ تَذَكَّرَ أَوْ حَفِظَهَا
بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ يَقْرَأُ مِنْ غَيْرِ
اشْتِغَالٍ بِالتَّعَلُّمِ ، أَمَّا لَوْ
تَعَلَّمَ حَقِيقَةً تَمَّتْ صَلَاتُهُ
لِوُجُودِ صَنْعَةٍ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ فِي
الصَّلَاةِ قَاطِعٌ وَقَوْلُهُ سُورَةٌ وَقَعَ
اتِّفَاقًا أَوْ هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا ،
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فَالْآيَةُ تَكْفِي وَهَذَا إذَا
كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا بِحَيْثُ
تَجُوزُ إمَامَتُهُ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ
يُصَلِّي خَلْفَ قَارِئٍ فَقَدْ قِيلَ أَنَّ
صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ
الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ فَقَدْ تَكَامَلَ
أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَبِنَاءُ الْكَامِلِ عَلَى
الْكَامِلِ جَائِزٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي
اللَّيْثِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ
الْمَاءِ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ ا هـ ع (قَوْلُهُ أَوْ مُقْتَدٍ
بِهِ مَاءٌ لَشَمِلَ الْكُلَّ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
بَعْدَ أَنْ حَكَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت الْمُصَنِّفُ تَبِعَ
فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُ ،
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُقْتَدِي
بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى مَاءً فَفِيهَا
خِلَافُ زُفَرَ وَلَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ
بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ . ا هـ
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ تَمَّتْ
مُدَّةُ مَسْحِهِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ
قَدْرَ التَّشَهُّدِ . ا هـ . رَازِيٌّ
وَسَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا ا
هـ ع (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا
لَهُ لَا تَبْطُلُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي
بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَدْ
قَالُوا إذَا انْتَقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ
وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً
فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَمِنْ
الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ تَفْسُدُ وَهُوَ
الْأَشْبَهُ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى
الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا
يَمْنَعُ السِّرَايَةَ ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ
لَهُ وَيُصَلِّي كَمَا لَوْ بَقِيَ فِي
أَعْضَائِهِ لَمْعَةٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً
يَغْسِلُهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ
فَكَذَا هَذَا ا هـ . قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ
يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ قَالَ قَاضِي خَانْ
وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْضِي فِيهَا بِلَا
تَيَمُّمٍ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي
يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ
وَتَتِمَّةُ كَلَامِهِ نَقَلْته فِي الْمَسْحِ
عَلَى الْخُفَّيْنِ فَانْظُرْهُ إنْ أَرَدْته
ا هـ ، وَكَذَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى
الْأَصَحِّ ا هـ مَنِيعٌ (قَوْلُهُ أَوْ
نَزَعَ خُفَّيْهِ) أَيْ أَوْ أَحَدَهُمَا . ا
هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ
تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً إلَى آخِرِهِ)
اقْتَدَى الْأُمِّيُّ بِقَارِئٍ بَعْدَمَا
صَلَّى رَكْعَةً إلَى آخِرِهِ ، فَلَمَّا
فَرَغَ الْإِمَامُ قَالَ الْأُمِّيُّ
لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ
فِي الْقِيَاسِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ
وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ
بِالِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ الْتَزَمَ
أَدَاءَ هَذِهِ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ ،
وَقَدْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ قَامَ
لِلْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا
يَقْضِي فَلَا تَكُونُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ
قِرَاءَةً لَهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ . وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ
الْقِرَاءَةَ ضِمْنًا لِلِاقْتِدَاءِ وَهُوَ
مُقْتَدٍ فِيمَا بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ لَا
فِيمَا سَبَقَهُ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ
بَنَى كَانَ مُؤَدِّيًا بَعْضَ الصَّلَاةِ
بِقِرَاءَةٍ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ
وَلَوْ اسْتَقْبَلَ كَانَ مُؤَدِّيًا كُلَّهَا
بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ . ا هـ . بَدَائِعُ وَفِي
الْبَدَائِعِ أُمِّيٌّ صَلَّى بَعْضَ
صَلَاتِهِ ، ثُمَّ تَعَلَّمَ سُورَةً
فَقَرَأَهَا فِيمَا بَقِيَ فَصَلَاتُهُ
فَاسِدَةٌ مِثْلُ الْأَخْرَسِ يَزُولُ
خَرَسُهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ
لَوْ كَانَ قَارِئًا فِي الِابْتِدَاءِ
فَصَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِقِرَاءَةٍ ،
ثُمَّ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فَصَارَ أُمِّيًّا
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ . وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ
لَا تَفْسُدُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَفْسُدُ فِي
الْأَوَّلِ وَلَا تَفْسُدُ فِي الثَّانِي
اسْتِحْسَانًا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ
فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
فَقَطْ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَارِئَ لَوْ
تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ
وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَجْزَأَهُ
فَإِذَا كَانَ قَارِئًا فِي الِابْتِدَاءِ
فَقَدْ أَدَّى فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي
الْأُولَيَيْنِ فَعَجْزُهُ عَنْهَا بَعْدَ
ذَلِكَ لَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ تَرَكَ مَعَ
الْقُدْرَةِ وَإِذَا تَعَلَّمَ وَقَرَأَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَ
الْقِرَاءَةِ فَلَا يَضُرُّ عَجْزُهُ عَنْهَا
فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا لَا يَضُرُّ
تَرْكُهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَوْ
اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ فِي الْأَوَّلِ
يَحْصُلُ الْأَدَاءُ عَلَى الْوَجْهِ
الْأَكْمَلِ فَأَمَرَ بِالِاسْتِقْبَالِ
وَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا فِي الثَّانِي لَأَدَّى
كُلَّ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَكَانَ
الْبِنَاءُ أَوْلَى لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا
الْبَعْضَ بِقِرَاءَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَلَا تَسْقُطُ
إلَّا بِشَرْطِ الْعَجْزِ عَنْهَا فِي كُلِّ
الصَّلَاةِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ
فِي بَعْضِهَا فَاتَ الشَّرْطُ فَظَهَرَ أَنَّ
الْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ صَلَاةً ؛ وَلِأَنَّ
تَحْرِيمَةَ الْأُمِّيِّ لَمْ تَنْعَقِدْ
لِلْقِرَاءَةِ بَلْ انْعَقَدَتْ لِأَفْعَالِ
صَلَاتِهِ ، فَإِذَا قَدَرَ صَارَتْ
الْقِرَاءَةُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا
يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِلَا تَحْرِيمَةٍ
كَأَدَاءِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالصَّلَاةُ
لَا تُوجَدُ بِدُونِ أَرْكَانِهَا فَفَسَدَتْ
وَلِأَنَّ الْأَسَاسَ الضَّعِيفَ لَا
يَحْتَمِلُ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَيْهِ .
وَالصَّلَاةُ بِقِرَاءَةٍ أَقْوَى فَلَا
يَجُوزُ بِنَاؤُهَا عَلَى الضَّعِيفِ
كَالْعَارِي إذَا وَجَدَ ثَوْبًا
وَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ
وَإِذَا كَانَ قَارِئًا فِي الِابْتِدَاءِ
فَقَدْ عَقَدَ تَحْرِيمَتَهُ لِأَدَاءِ كُلِّ
الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ
الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَيَلْزَمُهُ
الِاسْتِقْبَالُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَقَدْ
قِيلَ : إنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ
الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ
بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ . غَايَةٌ وَقَالَ فِي
الْجَوْهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ
(1/149)
وَعِنْدَ
عَامَّتِهِمْ أَنَّهَا تَفْسُدُ لِأَنَّ
الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةٌ فَوْقَ
الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمًا فَلَا
يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ وَجَدَ عَارٍ
ثَوْبًا) أَيْ ثَوْبًا تَجُوزُ فِيهِ
الصَّلَاةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ
نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ
كَانَتْ فِيهِ وَعِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ
النَّجَاسَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا
يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَلَكِنْ رُبْعُهُ
أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ طَاهِرٌ وَهُوَ سَاتِرٌ
لِلْعَوْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(أَوْ قَدْرٌ مُومِئٌ) أَيْ عَلَى الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ لِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ أَقْوَى
فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَذَكَّرَ
فَائِتَةً) أَيْ فَائِتَةً عَلَيْهِ وَلَمْ
يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ بَعْدُ ، وَكَذَا إذَا
كَانَتْ فَائِتَةً عَلَى الْإِمَامِ
فَتَذَّكَّرهَا الْمُؤْتَمُّ تَبْطُلُ صَلَاةُ
الْمُؤْتَمِّ وَحْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا)
لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِحُكْمٍ
شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ
لِلْإِمَامَةِ فِي حَقِّ الْقَارِئِ لَا
بِالِاسْتِخْلَافِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ
مُفْسِدٍ حَتَّى جَازَ اسْتِخْلَافُ
الْقَارِئِ ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو
جَعْفَرٍ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ
لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ مِنْ
أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ
الصَّلَاةِ وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ لِأَنَّ
الِاسْتِخْلَافَ عَمَلٌ كَثِيرٌ فِي نَفْسِهِ
وَإِنَّمَا لَا يُؤَثِّرُ لِأَجْلِ
الضَّرُورَةِ رُخْصَةً . وَلِهَذَا إذَا ظَنَّ
أَنَّهُ أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ ،
ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ تَبْطُلُ
صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ
مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ الِاسْتِخْلَافُ
فَكَذَا هُنَا لَا حَاجَةَ إلَى إمَامٍ لَا
تَصْلُحُ صَلَاتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ
أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ
أَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ عَنْ بُرْءٍ)
لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُفْسِدَةٌ
لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ زَالَ عُذْرُ
الْمَعْذُورِ) كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ
بِمَعْنَاهَا إذَا اسْتَوْعَبَ الِانْقِطَاعَ
وَقْتًا كَامِلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي
كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا
اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَلَقَّبَهَا
اثْنَا عَشْرِيَّةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ؛
لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْمُرَكَّبِ
وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ عَدَدَهَا
اثْنَا عَشْرَةَ فِي الرِّوَايَاتِ
الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهَا
مَسَائِلُ فَمِنْهَا إذَا كَانَ يُصَلِّي
بِالثَّوْبِ النَّجِسِ فَوَجَدَ مَاءً
يَغْسِلُ بِهِ وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ
يُصَلِّي الْقَضَاءَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ
الْأَوْقَاتُ الْمَكْرُوهَةُ مِنْ الزَّوَالِ
وَتَغَيُّرِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ أَوْ
طُلُوعِهَا ، وَمِنْهَا الْأَمَةُ إذَا
كَانَتْ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ
فَأَعْتَقَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ
تَسْتُرْ عَوْرَتَهَا مِنْ سَاعَتِهَا
فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ إذَا عَرَضَ لَهُ
وَاحِدَةً مِنْهَا بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ كَانَ
خَلْفَهُ لَوْ كَانَ إمَامًا . وَلَوْ سَلَّمَ
وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَعَرَضَ لَهُ
وَاحِدٌ مِنْهَا فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ سَلَّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ أَنَّهَا
تَفْسُدُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
خِلَافًا لَهُمَا ا هـ قَالَ فِي
الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ أَوْ كَانَ أُمِّيًّا
فَتَعَلَّمَ سُورَةً يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ
يُصَلِّي وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ خَلْفَ
الْإِمَامِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ عَلَى
هَذَا الْخِلَافِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّ
صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ
الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ .
ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْن أَوْ
اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا) أَيْ بَعْدَمَا
أَحْدَثَ ا هـ ع (قَوْلُهُ وَذَكَرَ
الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ) أَيْ فِي كِتَابِ
كَشْفِ الْغَوَامِضِ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : إنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ)
أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي
الْفَجْرِ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ ا هـ عِ (قَوْلُهُ : أَوْ دَخَلَ
وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ إلَى
آخِرِهِ) قِيلَ كَيْفَ يَتَحَقَّقُ هَذَا
الْخِلَافُ وَدُخُولُ الْعَصْرِ عِنْدَهُ إذَا
صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ
وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ مِثْلَهُ وَأُجِيبَ
بِأَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ
زِيَادٍ أَنَّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
وَقْتًا مُهْمَلًا فَإِذَا صَارَ ظِلُّ
الشَّيْءِ مِثْلَهُ يَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ
عِنْدَهُمْ وَتَمَّتْ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمَا
وَعِنْدَهُ بَاطِلَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ
قَوْلَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ
وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْعُدَ فِي
الصَّلَاةِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ
مِثْلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ
الْخِلَافُ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا تَرَى
وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى
الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْخُرُوجَ
وَالدُّخُولَ بِكَوْنِ ظِلِّ الشَّيْءِ
مِثْلَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا فَإِنَّهُ
حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ . ا هـ .
غَايَةٌ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ : هَذِهِ لَا
تُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ
الظُّهْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ
مِثْلَهُ كَقَوْلِهِمَا يَعْنِي حَتَّى
يَتَحَقَّقَ الْخِلَافُ وَفِي الْمَنَافِعِ
هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ
عِنْدَهُمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ
مِثْلَهُ وَعِنْدَهُ إذَا صَارَ مِثْلَيْهِ .
ا هـ . غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ
وَقِيلَ تَخْصِيصُ الْجُمُعَةِ اتِّفَاقِيٌّ ؛
لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الظُّهْرِ كَذَلِكَ ا
هـ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ
الْعَصْرِ فِي الظُّهْرِ لَا يَقْتَضِي
الْفَسَادَ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ
وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ) يَعْنِي
أَوَّلًا لِذَلِكَ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ
يُقَالَ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي
صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ
زَالَ عُذْرُ الْمَعْذُورِ) أَيْ بِأَنْ
تَوَضَّأَتْ مُسْتَحَاضَةٌ مَعَ السَّيَلَانِ
وَشُرِعَتْ فِي الظُّهْرِ وَقَعَدَتْ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ فَانْقَطَعَ الدَّمُ وَدَامَ
الِانْقِطَاعُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ تُعِيدُ
الظُّهْرَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ ع
(قَوْلُهُ إذَا اسْتَوْعَبَ الِانْقِطَاعُ
وَقْتًا كَامِلًا) أَيْ بَعْدَ الْوَقْتِ
الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَوُقُوعُ الِانْقِطَاعِ
فِيهِ ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ
انْقِطَاعٌ مُؤَثِّرٌ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقْضِيهَا . ا هـ .
فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَا
يُنْسَبُ إلَى الْمَرْكَبِ) أَيْ إلَّا أَنْ
يُسَمَّى بِهِ فَيُنْسَبُ إلَى صَدْرِهِ . ا
هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ
وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ)
وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ سَلَّمَ ثُمَّ
تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَتَيْ
السَّهْوِ فَعَادَ إلَيْهِمَا فَلَمَّا سَجَدَ
سَجْدَةً تَعَلَّمَ سُورَةً تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى
حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ
تَعَلَّمَ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ مَا
قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَيَصِيرُ مِنْ
الِاثْنَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَلَوْ
سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ
سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَوْ قِرَاءَةَ تَشَهُّدٍ
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا
فِي الْكِتَابِ قَالَ : وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ
مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرَةَ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ
سَاهِيًا فَيُجْعَلُ كَالْعَدَمِ أَمَّا لَوْ
سَلَّمَ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ سَجْدَةً
صُلْبِيَّةً فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ
عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّمَ
سُورَةً وَعَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ
الصَّلَاةِ . ا هـ . غَايَةٌ
(1/150)
الْقَوْمُ
قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ
مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ ،
وَكَذَا إذَا سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ
يَسْجُدْ الْقَوْمُ ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ فِي
هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا ، ثُمَّ قِيلَ :
هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ
وَهُوَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ
بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ
وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ لَهُمَا
رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ
يُضَادُّ الصَّلَاةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ
جُمْلَتِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ
لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا فَلَا
يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ
؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ
أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ
وَكُلُّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ
إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا مِثْلَهُ
وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك فِي
حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ قَارَبَتْ
التَّمَامَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ
شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»
يَعْنِي مِنْ قُرْبٍ مِنْ الْمَوْتِ
وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مِنْ وَقْفٍ بِعَرَفَةَ
فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» . وَكَانَ الْكَرْخِيُّ
يَقُولُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا
أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ
الْمُصَلِّي لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَيْسَ فِيهِ
نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ فَرْضٌ وَإِنَّمَا
اسْتَنْبَطَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيُّ
لَمَّا رَأَى جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ
أَنَّهَا تَبْطُلُ فَقَالَ مِنْ ذَاتِ
نَفْسِهِ : إنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ
إلَّا بِتَرْكِ فَرْضٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ
إلَّا الْخُرُوجُ مِنْهَا بِفِعْلِهِ ،
فَقَالَ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ
الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ وَهَذَا غَلَطٌ
مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا
زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ
وَهُوَ السَّلَامُ وَلَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ
بِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ
وَإِنَّمَا قَالَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي
هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ
فِي أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُ فِي آخِرِهَا
كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَاقْتِدَاءِ
الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ لَا لِأَنَّ
الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ
الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ
[الِاسْتِخْلَاف فِي الصَّلَاة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ
اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ) أَيْ جَازَ
لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمَسْبُوقَ
بِرَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لِوُجُودِ
الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا
يَصِيرُ مُنْفَرِدًا فِيمَا يَقْضِي بَعْدَ
فَرَاغِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْأَوْلَى أَنْ
يَسْتَخْلِفَ الْمُدْرِكَ لِمَا رَوَيْنَا
وَلِكَوْنِهِ أَقْدَرُ عَلَى الْإِتْمَامِ
وَأَعْلَمُ بِحَالِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي
لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَقْبَلَ
وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ
التَّسْلِيمِ فَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ
وَيَسْتَخْلِفُ مُدْرِكًا عِنْدَ إتْمَامِ
صَلَاةِ إمَامِهِ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ
وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ كَانَ عَلَى
الْإِمَامِ سَهْوٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ
الْإِمَامُ مُسَافِرًا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ
لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا لِعَجْزِهِ عَنْ
إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُمْ
لَمْ يَلْتَزِمُوا مُتَابَعَتَهُ فِيمَا زَادَ
عَلَى رَكْعَتَيْنِ إذْ لَا يَلْزَمُهُمْ
الْإِتْمَامُ بِاسْتِخْلَافِهِ كَمَا لَا
يَلْزَمُهُمْ بِنِيَّةِ الْمُسْتَخْلِفِ
بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ بِنِيَّةِ
خَلِيفَتِهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ أَيْ قَدَّمَ
الْمُقِيمَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ
لِمَا قُلْنَا وَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ
لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا فَإِذَا
أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ
الرَّكْعَتَانِ قُدِّمَ مُسَافِرٌ لِيُسَلِّمَ
بِهِمْ ، ثُمَّ يُصَلِّي كُلُّ مُقِيمٍ
رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ
اقْتِدَاءَهُمْ انْعَقَدَ مُوجِبًا
لِلْمُتَابَعَةِ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ
وَلَوْ قَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُمْ ، وَكَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ
مُسَافِرًا فَقَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ
صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ
الْمُدْرِكِينَ . وَهَذَا ظَاهِرٌ وَنَظِيرُهُ
مَا لَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ مَسْبُوقًا
فَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاةِ الْإِمَامِ
وَتَابَعُوهُ تَبْطُلُ صَلَاةُ
الْمَسْبُوقِينَ وَاللَّاحِقِينَ دُونَ
الْمُدْرِكِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ
عِنْدَهُ) أَيْ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فَرْضٌ
عِنْدَهُ فَتَفْسُدُ ا هـ . (قَوْلُهُ
وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ) أَيْ
فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ السَّلَامِ
عِنْدَهُمَا . ا هـ . (قَوْلُهُ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ
فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك ا هـ
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ فِي
أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُ فِي آخِرِهَا إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا هُوَ
الصَّحِيحُ فَيُحْمَلُ اعْتِرَاضُ
الْمُغَيِّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ
كَاعْتِرَاضِهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ
لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ
الْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ
الْعَمْدِ وَمُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا قَاطِعَةٌ
لِلصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا بِصُنْعِهِ لَا
أَنَّهَا بِغَيْرِهِ . ا هـ . غَايَةٌ
قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ
صَاحِبُ التَّأْسِيسِ مَا قَالَهُ أَبُو
الْحَسَنِ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ
لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ
الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا . ا هـ .
دِرَايَةٌ.
(قَوْلُهُ : وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ
الْمُدْرِكَ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ فِي
أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيُقَدَّمُ
مَا لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ» وَقَوْلُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ
قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ
مَنْ هُوَ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ» . ا
هـ . نِهَايَةٌ وَالْمُقْتَدُونَ بِمَنْزِلَةِ
الرَّعَايَا . ا هـ . كَاكِيٌّ وَلَوْ
اسْتَخْلَفَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ ، كَذَا ذَكَرَ
فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ
صَلَاحِيَّتِهِ فَاشْتِغَالُهُ
بِاسْتِخْلَافِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَذَكَرَ
الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ
الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ ، وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ صَبِيًّا أَوْ
امْرَأَةً تَفْسُدُ صَلَاةُ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ ، وَقَالَ زُفَرُ صَلَاةُ
الْمَرْأَةِ وَالنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ وَعَلَى
هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَدَّمَ أُمِّيًّا أَوْ
عَارِيًّا . ا هـ . بَدَائِعُ (قَوْلُهُ
فَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ
لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَوْمِ مَنْ أَدْرَكَ
أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ
يَقُومُوا إلَى الْقَضَاءِ فَيَقْضُوا
وُحْدَانًا وَيَسْجُدُونَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْ الْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ .
ا هـ . شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ . (قَوْلُهُ أَوْ
بِنِيَّةِ خَلِيفَتِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ
مُسَافِرًا فِي الْأَصْلِ وَعِنْدَ زُفَرَ
يَنْقَلِبُ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا
لِلِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ ، قُلْنَا :
لَيْسَ هُوَ إمَامًا إلَّا ضَرُورَةً عَجَزَ
الْأَوَّلُ عَنْ الْإِتْمَامِ لَمَّا شَرَعَ
فِيهِ فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِيمَا
هُوَ قَدْرُ صَلَاتِهِ إذْ الْخُلْفُ يَعْمَلُ
عَمَلَ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ فَكَانُوا
مُقْتَدِينَ بِالْمُسَافِرِ مَعْنًى وَصَارَتْ
الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا عَلَى
الْخَلِيفَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ، أَمَّا
لَوْ نَوَى الْإِمَامُ أَوَّلًا الْإِقَامَةَ
قَبْلَ اسْتِخْلَافِهِ ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ
فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ
الْمُقِيمِينَ وَهَذَا إذَا عَلِمَ بِنِيَّةِ
الْإِمَامِ بِأَنْ أَشَارَ الْإِمَامُ إلَيْهِ
عِنْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَأَفْهَمَهُ قَصْدَ
الْإِقَامَةِ . ا هـ . فَتْحٌ قَوْلُهُ
وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا
حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ
الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ
مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ . ا هـ
. فَتْحٌ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ :
وَلَوْ قَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ إلَى
آخِرِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ قَامَ
أَيْ قَامَ الْمُقِيمُ الْمُسْتَخْلَفُ
فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ ،
وَكَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا فَقَامَ
وَهَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ
الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُوَ
حَاشِيَةٌ ا هـ فَلْيُتَأَمَّلْ
(1/151)
وَلَوْ قَدَّمَ
لَاحِقًا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ
؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا
فُوِّضَ إلَيْهِ لِلْحَالِ إلَّا بِارْتِكَابِ
مَكْرُوهٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ
يَأْتِيَ أَوَّلًا بِمَا فَاتَهُ مَعَ
الْإِمَامِ فَإِنْ قَدَّمَهُ فَلَهُ أَنْ
يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ مُدْرِكًا فَإِنْ
تَقَدَّمَ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ لَا
يُتَابِعُوهُ حَتَّى يَفْرُغَ مَا عَلَيْهِ
فَيَقَعَ الْأَدَاءُ مُرَتَّبًا فَإِنْ لَمْ
يَفْعَلْ وَأَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ،
ثُمَّ تَأَخَّرَ وَقَدَّمَ مَنْ يُسَلِّمُ
بِهِمْ جَازَ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي
رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو
يُوسُفَ يُصَلِّي الْمَسْبُوقُ أَوَّلًا مَعَ
الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ فَإِذَا قَامَ
يَقْضِي فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَتَمَّ صَلَاةَ
الْإِمَامِ تَفْسُدُ بِالْمُنَافِي صَلَاتُهُ
دُونَ الْقَوْمِ) أَيْ لَوْ أَتَمَّ
الْمَسْبُوقُ الْمُسْتَخْلَفُ صَلَاةَ
الْإِمَامِ فَأَتَى بِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ
مِنْ ضَحِكٍ وَكَلَامٍ أَوْ خَرَجَ مِنْ
الْمَسْجِدِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاةِ
الْقَوْمِ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ وُجِدَ فِي
حَقِّهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَفِي
حَقِّهِمْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْكَانِهَا .
وَكَذَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ هُوَ مِثْلُ
حَالِهِ وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ فَرَغَ
لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ
تَفْسُدْ وَقِيلَ : لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ
قَصْدًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ
لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ
فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِفَسَادِ صَلَاةِ
إمَامِهِ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى مَا بَقِيَ
مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَنْزِلِهِ قَبْلَ فَرَاغِ
هَذَا الْمُسْتَخْلَفِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَبْلَ فَرَاغِ
الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (كَمَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَةِ
إمَامِهِ لَدَى اخْتِتَامِهِ لَا بِخُرُوجِهِ
مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ) أَيْ كَمَا
تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ بِقَهْقَهَةِ
إمَامِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْدِثْ
الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا
لَكِنْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَهْقَهَةُ حِينَ
أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَإِنَّ صَلَاةَ
الْمَسْبُوقِ تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
لَا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ
أَيْ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ
بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا
بِكَلَامِهِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَفْسُدُ
بِقَهْقَهَتِهِ أَيْضًا . وَعَلَى هَذَا
الْخِلَافِ الْحَدَثُ الْعَمْدُ لَهُمَا أَنَّ
صَلَاةَ الْمُقْتَدِي مَبْنِيَّةٌ عَلَى
صَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَلَمْ
تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا
صَلَاتُهُ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ
وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَهُ أَنَّ
الْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ الْعَمْدَ
مُفْسِدَانِ لِلْجُزْءِ الَّذِي
يُلَاقِيَانِهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ
فَيُفْسِدَانِ مِثْلَهُ مِنْ صَلَاةِ
الْمَأْمُورِ غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ
وَالْمُدْرِكَ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى
الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ وَمَنْ حَالُهُ
مِثْلُ حَالِهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ
وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ
بِخِلَافِ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ
لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» فَصَارَ مِنْ
وَاجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ
بِقَوْلِنَا مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي
مَعْنَاهُ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ
لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ فِيهِ وَلِهَذَا
لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي رَكَعَاتِ
الصَّلَاةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ) عِنْدَنَا
خِلَافًا لِزُفَرَ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو
يُوسُفَ يُصَلِّي إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ
زُفَرُ لَا يَجْزِيه ، وَجْهُ قَوْلِهِ
أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبُدَاءَةِ
بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِذَا لَمْ
يَفْعَلْ فَقَدْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ
الْمَأْمُورَ بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ
كَالْمَسْبُوقِ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا
فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتَابِعَ فِيمَا
أَدْرَكَ مَعَهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى
بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا تَرْكَ
التَّرْتِيبِ فِي أَفْعَالِهَا وَالتَّرْتِيبُ
فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ
بِفَرْضٍ ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ ثَبَتَ
افْتِرَاضُهُ لَكَانَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى
الْأَرْكَانِ وَالْفَرَائِضِ وَذَا لَا
يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى النَّسْخِ
وَلَا يَثْبُتُ نَسْخٌ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ
مَقْطُوعٍ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ
وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ جَعَلَ التَّرْتِيبَ
يُسَاوِي دَلِيلَ افْتِرَاضِ سَائِرِ
الْأَرْكَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ
لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ
الْأُولَى إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ
صَلَاتُهُ ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فِي
أَفْعَالِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَرْضًا
لَفَسَدَتْ ، وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا
أَدْرَكَ الْإِمَامَ مِنْ السُّجُودِ
يُتَابِعُهُ فِيهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةٍ
وَاحِدَةٍ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَتَرْكُهَا لَا
يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ خِلَافَ
الْمَسْبُوقِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَيْسَ لِتَرْكِ
التَّرْتِيبِ بَلْ لِلْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ
أَوْ لِلِانْفِرَادِ عِنْدَ وُجُوبِ
الِاقْتِدَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا . ا هـ .
بَدَائِعُ (قَوْلُهُ : فَهُوَ أَوَّلُ
صَلَاتِهِ) أَيْ فَقَدْ قَدَّمَ آخِرَهَا
عَلَى أَوَّلِهَا ا هـ . (قَوْلُهُ :
صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ إلَى آخِرِهِ)
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَفْسُدُ صَلَاةُ
الْقَوْمِ أَيْضًا ا هـ ع (قَوْلُهُ :
وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ فَرَغَ) أَيْ
مِنْ صَلَاتِهِ خَلْفَ الثَّانِي مَعَ
الْقَوْمِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : لَا
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ كَغَيْرِهِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ)
أَيْ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمَّا
اسْتَخْلَفَهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ إلَى
آخِرِهِ) وَلِذَا قَالُوا : لَوْ تَذَكَّرَ
الْخَلِيفَةُ فَائِتَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ
الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي
وَالْقَوْمِ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ
بَعْدَمَا خَرَجَ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ
بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ خَاصَّةً أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْخَلِيفَةِ
وَالْقَوْمِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ؛
لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَبْلَ فَرَاغِ
الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ) أَيْ عِنْدَنَا
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمَأْمُومَ
إذَا نَوَى مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ وَأَتَمَّ
لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ جَازَتْ
صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِيهِ
قَوْلَانِ وَأَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا بِخُرُوجِهِ مِنْ
الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ) قَالَ الرَّازِيّ
يَعْنِي إذَا قَهْقَهَ الْإِمَامُ تَفْسُدُ
صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ ، وَأَمَّا لَوْ
تَكَلَّمَ الْإِمَامُ أَوْ خَرَجَ مِنْ
الْمَسْجِدِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ
الْمَسْبُوقِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ
وَالْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَاطِعَانِ
الصَّلَاةَ لَا مُفْسِدَانِ فَإِذَا صَادَفَا
جُزْءًا لَمْ يُفْسِدَاهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ
ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ لَكِنَّهُ
يَقْطَعُهَا فِي أَوَانِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا
فِي غَيْرِ أَوَانِهِ ا هـ . (قَوْلُهُ أَيْ
كَمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ إلَى
آخِرِهِ) قَيَّدَ بِالْمَسْبُوقِ ؛ لِأَنَّ
صَلَاةَ الْمُدْرِكِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا
وَفِي صَلَاةِ اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ قِيلَ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ . ا هـ .
قُنْيَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي صَلَاةِ
اللَّاحِق رِوَايَتَانِ وَقَبْلَ التَّشَهُّدِ
تَفْسُدُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَبَعْدَ سَلَامِ
الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا . ا هـ .
(قَوْلُهُ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ
وَالْخُرُوجِ إلَى آخِرِهِ) ؛ لِأَنَّ مَنْ
وُجِدَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْجِنَايَةُ أَوْلَى
بِفَسَادِ صَلَاتِهِ فَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ
صَلَاتُهُ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى
بِالصِّحَّةِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
فَيَفْسُدَانِ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ
اللَّاحِقُ وَالْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ
. ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ) أَيْ
مُتَمِّمٌ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ
وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمَ) أَيْ وَهُوَ
أَمْرٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ) أَيْ
مِنْ وَجْهٍ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ فِيهِ إلَى
آخِرِهِ) حَتَّى كَانَ مُفْسِدًا أَيْ خِلَالَ
الصَّلَاةِ وَيُفَارِقُهُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ
حَيْثُ إنَّ السَّلَامَ مَشْرُوعٌ فِي
الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِهِ دُونَ الْكَلَامِ
(1/152)
فَسَلَّمَ
عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَحْنَثُ فِي
يَمِينِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ
سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَمَا قَعَدَ
قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ
يُسَلِّمُوا وَلَوْ قَهْقَهُوا بَعْدَمَا
سَلَّمَ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ وَلَوْ أَحْدَثَ
مُتَعَمِّدًا أَوْ قَهْقَهَ لَمْ يُسَلِّمُوا
وَلَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُمْ بِالْقَهْقَهَةِ
فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ
مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ
وَكَلَامِهِ وَبِحَدَثِهِ عَمْدًا أَوْ
قَهْقَهَتِهِ يَخْرُجُونَ ، وَكَذَا
الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ مُوجِبَاتِ
التَّحْرِيمَةِ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ}
[الجمعة : 10] وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ
لِلْقَضَاءِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ
الْإِمَامُ ، ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ
عَمْدًا أَوْ قَهْقَهَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا
قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ انْفِرَادُهُ
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ
مُتَابَعَةُ إمَامِهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ
وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا
بِالسَّجْدَةِ تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَتَأَكَّدْ انْفِرَادِهِ حَتَّى وَجَبَ
عَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي سُجُودِ
السَّهْوِ وَإِنْ لَمْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
بِتَرْكِ الْمُتَابَعَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحْدَثَ
فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى
وَأَعَادَهُمَا) أَمَّا الْوُضُوءُ
وَالْبِنَاءُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ ، وَأَمَّا
إعَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلِأَنَّ
إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ تَمَّ قَبْلَ
الِانْتِقَالِ لَكِنَّ الْجِلْسَةَ
وَالْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَلَا
تَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَا بُدَّ
مِنْ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ
حَتَّى لَوْ لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
وَلَوْ كَانَ إمَامًا فَقَدَّمَ غَيْرَهُ
دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى رُكُوعِهِ
وَسُجُودِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ
الْإِتْمَامُ بِالِاسْتِدَامَةِ عَلَيْهِ
لِأَنَّ لِلْمُدَاوَمَةِ فِيمَا لَهُ
امْتِدَادُ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ
وَلِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ امْتِدَادٌ
فَصَارَ كَأَنَّهُ رَكَعَ وَسَجَدَ ابْتِدَاءً
وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا
يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَا يَرْكَبُ
هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ
رَاكِبُهَا بِالِاسْتِدَامَةِ عَلَى اللُّبْسِ
أَوْ عَلَى الرُّكُوبِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَلَوْ ذَكَرَ رَاكِعًا أَوْ
سَاجِدًا سَجْدَةً فَسَجَدَهَا لَمْ
يُعِدْهُمَا) يَعْنِي لَوْ ذَكَرَ فِي
رُكُوعِهِ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً
صُلْبِيَّةً فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ أَوْ ذَكَرَهَا
وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَفَعَ رَأْسه مِنْ
السُّجُودِ فَسَجَدَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ إعَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
الَّذِي كَانَ فِيهِ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي
أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى
مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَاجِبَاتِ وَقَدْ
حَصَلَ الِانْتِقَالُ مَعَ الطَّهَارَةِ
وَالْأَوْلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فَأَظْهَرْنَا
شُبْهَةَ الْإِنْهَاءِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ
لِمَكَانِ الِافْتِقَارِ إلَى الْبِنَاءِ
وَأَظْهَرْنَا شُبْهَةَ الْقَطْعِ فِي حَقِّ
الْإِمَامِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْبِنَاءِ
. ا هـ . غَايَةٌ . (قَوْلُهُ يُوَضِّحُهُ)
أَيْ الْفَرْقُ . ا هـ . (وَقَوْلُهُ وَلَوْ
أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ قَهْقَهَ لَمْ
يُسَلِّمُوا) أَيْ بَلْ يَقُومُونَ
وَيَذْهَبُونَ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَلَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُمْ بِالْقَهْقَهَةِ)
أَيْ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ عَمْدًا
أَوْ قَهْقَهَ ا هـ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي
خَانْ لَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ
فَرَاغِ الْمُقْتَدِي مِنْ التَّشَهُّدِ
فَإِنَّهُ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ ؛ لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ وَلَوْ أَحْدَثَ
مُتَعَمِّدًا لَا يُتِمُّ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ)
أَيْ وَاجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ ا هـ كَذَا
بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ
بَعْدَمَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ إلَى آخِرِهِ)
بِأَنْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ قَبْلَ
سَلَامِ الْإِمَامِ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ
وَهُوَ أَنْ لَا يَقُومَ إلَّا بَعْدَ
سَلَامِهِ . ا هـ . فَتْحٌ وَلَوْ قَامَ
الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ
قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ الْإِمَامُ وَهُوَ
مَسْبُوقٌ بِرَكْعَةٍ أَوْ بِرَكْعَتَيْنِ
فَإِنَّ قِيَامَهُ وَقِرَاءَتَهُ إلَى أَنْ
يَقْعُدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ
لَغْوٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنْ وُجِدَ
مِنْهُ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ قَدْرَ مَا
تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ
وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ
فَالْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْهُمَا
فَرْضٌ وَفِي رَكْعَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ
بِفَرْضٍ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ بَعْدَمَا
تَشَهَّدَ الْإِمَامُ قِيَامٌ وَإِنْ قَلَّ
جَازَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ
فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ ا هـ .
وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ بَعْدَ قُعُودِ
الْإِمَامِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَمْ تَجُزْ
صَلَاتُهُ ا هـ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ،
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ : وَأَمَّا إذَا
أَقَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا
عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ
التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَضَاهُ
أَجُزْأَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ أَمَّا الْجَوَازُ
فَلِأَنَّ قِيَامَهُ حَصَلَ بَعْدَ فَرَاغِ
الْإِمَامِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ،
وَأَمَّا الْإِسَاءَةُ فَلِتَرْكِهِ
انْتِظَارَ سَلَامِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ
أَوَانَ قِيَامِهِ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ
الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ
يُؤَخِّرَ الْقِيَامَ عَنْ السَّلَامِ وَلَوْ
قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ، ثُمَّ
تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سُجُودَ سَهْوٍ فَسَجَدَ
إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ رَكْعَتَهُ
بِسَجْدَةٍ يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ
وَيَبْطُلُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقِيَامِ
وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ
يُعِدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَيَّدَهَا
بِسَجْدَةٍ لَا يَعُودُ لِاسْتِحْكَامِ
الِانْفِرَادِ وَلَوْ عَادَ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ لِاقْتِدَائِهِ بَعْدَ
الِانْفِرَادِ وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ
سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَهَا إنْ لَمْ
يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ الرَّكْعَةَ
بِالسَّجْدَةِ عَادَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ
مَعَهُ أَيْضًا ، ثُمَّ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ
وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ قَبْلُ
وَلَوْ لَمْ يُعِدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ؛
لِأَنَّهُ عَوْدُ الْإِمَامِ إلَى سَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ بِرَفْضِ الْقَعْدَةِ فِي حَقِّ
الْإِمَامِ فَتَرْتَفِضُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا
وَإِنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ فَإِنْ تَابَعَ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً
وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَرِوَايَتَانِ رِوَايَةُ
الْأَصْلِ الْفَسَادُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
سُلَيْمَانَ عَدَمُهُ وَلَوْ ذَكَرَ
الْإِمَامُ سَجْدَةً صَلَاتِيَّةً تَابَعَهُ
الْمَسْبُوقُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَإِنْ
لَمْ يُتَابِعْهُ فَسَدَتْ وَإِنْ سَجَدَ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ تَابَعَ الْإِمَامَ أَوْ
لَمْ يُتَابِعْهُ ا هـ . قَوْلُهُ : لَمْ
تَجُزْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ
قِيَامٌ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي هَذِهِ
الرَّكْعَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَامُ
بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُوجَدْ
فَلِهَذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، وَأَمَّا إذَا
قَامَ بَعْدَمَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ
التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَضَى
أَجْزَأَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ ا هـ (قَوْلُهُ
حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ إمَامِهِ)
أَيْ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَوْ فَسَدَتْ
صَلَاةُ الْإِمَامِ بَعْدَ سُجُودِهِ ،
وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْقَوْمِ لَاحِقٌ إنْ
فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَامَ
يَقْضِي مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا
تَفْسُدُ ، وَإِلَّا تَفْسُدُ عِنْدَهُ . ا هـ
. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ)
أَيْ وَلَوْ تَابَعَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ . ا
هـ . دِرَايَةٌ بِمَعْنَاهَا.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ أَحْدَثَ
فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) فِي خَطِّ
الشَّارِحِ وَسُجُودِهِ بِالْوَاوِ وَكَتَبَ
حَاشِيَةً بِخَطِّهِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ
وَنَصُّهَا وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ
وَسُجُودِهِ بِمَعْنَى أَوْ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}
[النساء : 3] أَيْ أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ
. ا هـ . (قَوْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَكَعَ
وَسَجَدَ ابْتِدَاءً) أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ
إلَى إنْشَاءِ الرُّكُوعِ . ا هـ . عِنَايَةٌ
(قَوْلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً
صُلْبِيَّةً) أَيْ أَوْ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ ا
هـ ا ك وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ : لِأَنَّ
التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَ
بِشَرْطٍ إلَى آخِرِهِ) بَقِيَ أَنَّ
(1/153)
أَنْ يُعِيدَ
لِتَقَعَ الْأَفْعَالُ مُرَتَّبَةً
بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ
لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعَيَّنَ
الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ لِلِاسْتِخْلَافِ
بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ إذَا كَانَ خَلْفَ
الْإِمَامِ شَخْصٌ وَاحِدٌ فَأَحْدَثَ
الْإِمَامُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ
لِلْإِمَامَةِ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ
بِالنِّيَّةِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِمَا
فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ ، وَإِنَّمَا
يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ الْأَوَّلِ
لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ
هُنَا وَصَارَ الْإِمَامُ مُؤْتَمًّا إذَا
خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ
فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ حَتَّى يَجُوزُ
الِاقْتِدَاءُ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ
فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَمِرُّ عَلَى إمَامَتِهِ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُتَابِعُ
الَّذِي خَلْفَهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ فِي
الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ
خَلْفَهُ إلَّا هُوَ تَعَيَّنَ لِلْإِمَامَةِ
نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقَوْلُهُ
وَتَعَيَّنَ الْوَاحِدُ لِلِاسْتِخْلَافِ
يَشْمَلُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَقَدْ
بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَمِنْ لَا يَصْلُحُ
مِثْلَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى
وَالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ وَالْمُتَنَفِّلِ
خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ وَالْمُقِيمِ خَلْفَ
الْمُسَافِرِ فِي الْقَضَاءِ فَحُكْمُهُ
أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ ؛ لِأَنَّهُ
مُحْتَاجٌ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ كَمَا
يَحْتَاجُ مِنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ
إلَيْهَا ، ثُمَّ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ
فِي رِوَايَةٍ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ
قَصْدًا وَلَا تَبْطُلُ فِي أُخْرَى ؛ لِأَنَّ
الْإِمَامَةَ انْتَقَلَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ
صُنْعِهِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا
يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ ؛ لِأَنَّ
التَّعْيِينَ كَانَ لِلْإِصْلَاحِ وَلَوْ
تَعَيَّنَ هُنَا لَزِمَ الْفَسَادُ فَلَا
حَاجَةَ إلَيْهِ ، ثُمَّ إذَا تَعَيَّنَ
لِلْإِمَامَةِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ
فِي رِوَايَةٍ وَالْمُقْتَدِي إذَا خَرَجَ
مِنْ الْمَسْجِدِ لِخُلُوِّ مَوْضِعِ
الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامَةِ وَقِيلَ
تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي دُونَ صَلَاةِ
الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ
فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ
الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْحَدَثِ وَالْمُقْتَدِي
يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِمَنْ هُوَ خَارِجُ
الْمَسْجِدِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِذَلِكَ
وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ
يَسْتَخْلِفْهُ ، وَأَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَهُ
فَبِالْإِجْمَاعِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ
وَالْمُسْتَخْلَفُ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ
خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ
مِنْهُمْ إلَّا بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ أَوْ
الْقَوْمِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هُوَ
بِالتَّقَدُّمِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ لِعَدَمِ
الْأَوْلَوِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ
لِلسِّغْنَاقِيِّ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ
رَجُلَيْنِ أَوْ هُوَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ
رَجُلًا أَوْ الْقَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ
بَعْضُهُمْ رَجُلًا وَبَعْضُهُمْ رَجُلًا
فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَفِي الْغَايَةِ
لَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَالْقَوْمُ
رَجُلًا فَالْإِمَامُ مَنْ قَدَّمَهُ
الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْقَوْمُ
أَنْ يَأْتَمُّوا بِالْآخَرِ قَبْلَ أَنْ
يَنْوِيَ ذَلِكَ وَلَوْ قَدَّمَ كُلُّ
طَائِفَةٍ رَجُلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ
وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ تَفْسُدُ صَلَاةُ
الْكُلِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ رَجُلَانِ
فَالسَّابِقُ إلَى مَكَانِ الْإِمَامِ
يَتَعَيَّنُ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي
التَّقَدُّمِ وَاقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِهَذَا
وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا فَصَلَاةُ الَّذِي
ائْتَمَّ بِهِ الْأَكْثَرُ صَحِيحَةً
وَصَلَاةُ الْأَقَلِّ فَاسِدَةٌ وَعِنْدَ
الِاسْتِوَاءِ لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ
فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ ،
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا
يُكْرَهُ فِيهَا)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُفْسِدُ
الصَّلَاةَ التَّكَلُّمُ) وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامُ
النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ لَا يُبْطِلُهَا
إلَّا إذَا طَالَ وَيُعْرَفُ الطُّولُ
بِالْعُرْفِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي
الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا
اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِمَا رُوِيَ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- سَلَّمَ نَاسِيًا فِي حَدِيثِ ذِي
الْيَدَيْنِ وَلَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ» وَلَوْ
كَانَ كَلَامُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
انْتِفَاءَ الِافْتِرَاضِ لَا يَسْتَلْزِمُ
ثُبُوتَ الْأَوْلَوِيَّةِ لِجَوَازِ
الْوُجُوبِ ، ثُمَّ الْوُجُوبُ هُوَ
الثَّابِتُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ
فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ عَدِّ
الْوَاجِبَاتِ حَيْثُ قَالَ : وَمُرَاعَاةُ
التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ
الْأَفْعَالِ . فَأَشَارَ فِي الْكَافِي إلَى
الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ وَلَئِنْ كَانَ
التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فَقَدْ سَقَطَ
بِالنِّسْيَانِ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ
الْوَارِدَ عَلَى الْعِبَارَةِ أَعْنِي
تَعْلِيلَ الْأَوْلَوِيَّةِ بِانْتِفَاءِ
الِافْتِرَاضِ فِي الْمُتَكَرِّرِ بَلْ
تَعْلِيلُهُ إنَّمَا هُوَ لِسُقُوطِ
الْوُجُوبِ بِالنِّسْيَانِ . ا هـ . فَتْحُ
الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ مَرْتَبَةٌ بِالْقَدْرِ
الْمُمْكِنِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَقَعُ
مُرَتَّبًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ
مَحْسُوبًا لَهُ أَوْ يُرِيدُ بِهِ تَقْرِيبَ
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى مَحَلِّهِمَا
بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ
عِنْدَهُ) أَيْ فَحَيْثُ انْحَطَّ مِنْ
الرُّكُوعِ وَلَوْ بِرَفْعِ رَأْسِهِ فَقَدْ
تَرَكَ الْفَرْضَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ ا
هـ ا ك.
(قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ
لِلْإِمَامَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الرَّازِيّ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ
تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي دُونَ
الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَمْ
يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فَلَمْ
تَنْتَقِلْ الْإِمَامَةُ إلَيْهِ فَيَكُونُ
الْمُقْتَدِي مُقْتَدِيًا بِلَا إمَامٍ
فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَأَمَّا الْإِمَامُ
فَبَاقٍ عَلَى إمَامَتِهِ فَلَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ا هـ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَخْلَفُ)
لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ ..
(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا
يُكْرَهُ فِيهَا)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْعَوَارِضِ
السَّمَاوِيَّةِ شَرَعَ فِي الْعَوَارِضِ
الِاخْتِيَارِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ وَقَدَّمَ
السَّمَاوِيَّةَ ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَقُ فِي
الْعَارِضِيَّةِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ
عَلَى دَفْعِهَا لَا يُقَالُ النِّسْيَانُ
مِنْ قَبِيلِ السَّمَاوِيَّةِ فَكَيْفَ عَدَّ
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ
النَّاسِي فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَبِيلِ
الْمُكْتَسَبَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : لَا
نُسَلِّمُ عَدَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ
الْمُكْتَسَبَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي
هَذَا الْبَابِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَ كَلَامِ
النَّاسِي وَالْعَامِدِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ
؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُفْسِدٌ
لِلصَّلَاةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ
مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ إلَى
آخِرِهِ) أَمَّا الْفَسَادُ يَرْجِعُ إلَى
ذَاتِ الصَّلَاةِ وَالْكَرَاهَةُ إلَى
وَصْفِهَا . ا هـ . ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ
: يُفْسِدُ الصَّلَاةَ التَّكَلُّمُ) أَيْ
أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ . ا هـ . ع (قَوْلُهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
قِيَاسًا عَلَى السَّلَامِ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ
الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفُقَهَاءُ
يَذْكُرُونَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا
يُوجَدُ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ
الْحَدِيثِ بَلْ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ
أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا
اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا ا هـ . و
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ . ا هـ .
غَايَةٌ
(1/154)
النَّاسِي
مُفْسِدًا لَأَعَادَ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ
الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَكَذَا
الْكَلَامُ الْقَلِيلُ وَلَنَا حَدِيثُ زَيْدِ
بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا
نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ
الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي
الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا
لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة : 238]
فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ
الْكَلَامِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا
يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ
النَّاسِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ
وَأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ
لَا نَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ
مُبَاشَرَةَ مَا لَا يَصْلُحُ فِي الصَّلَاةِ
مُفْسِدٌ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا
قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا كَالْأَكْلِ
وَالشُّرْبِ ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ
الْقَلِيلِ مِنْ الْعَمَلِ لِأَنَّ أَصْلَهُ
لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ
فِي الْحَيِّ حَرَكَاتٍ لَيْسَتْ مِنْ
الصَّلَاةِ طَبْعًا فَعُفِيَ مَا لَمْ
يُكْثِرْ وَيَدْخُلْ فِي حَدِّ مَا يُمْكِنُ
الِاحْتِرَازُ عَنْهُ . وَلِهَذَا يَسْتَوِي
فِيهِ الْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ وَلَيْسَ
الْكَلَامُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
طَبْعِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَلَا يُعْفَى
وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّوْمِ
لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ
لِكَوْنِهَا عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ
تُخَالِفُ الْعَادَةَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ
فَلَا يَكْثُرُ النِّسْيَانُ فِيهَا بِخِلَافِ
الصَّوْمِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ رَفْعُ الْحُكْمِ إذْ ذَاتُ
الْخَطَأِ وَأُخْتَاهُ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ
وَحُكْمُهُ نَوْعَانِ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ
فِي الدُّنْيَا وَمَبْنَاهُمَا عَلَى وُجُودِ
السَّبَبِ وَالثَّانِي فِي الثَّوَابِ
وَالْعِقَابِ وَمَبْنَاهُمَا عَلَى وُجُودِ
الْعَزِيمَةِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا وَهُوَ لَا
عُمُومَ لَهُ وَقَدْ أُرِيدَ حُكْمُ
الْآخِرَةِ فَانْتَفَى الْآخَرُ أَوْ نَقُولُ
إنَّ الْحُكْمَ مُقْتَضًى إذْ لَيْسَ فِي
الْحَدِيثِ ذِكْرُهُ وَهُوَ أَيْضًا لَا
عُمُومَ لَهُ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ
مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا ،
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَمْدًا
كَلَامًا كَثِيرًا فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ
«يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ
أَمْ نَسِيت قَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ
تَقْصُرْ قَالَ بَلْ نَسِيت يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ
أَصْدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَأَوْمَئُوا» إي
نَعَمْ وَعِنْدَهُ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ
مُفْسِدٌ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا . وَكَذَا
كَلَامُ الْعَامِدِ وَإِنْ قَلَّ فَكَيْفَ
يُمْكِنُهُ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ
وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَامِ ؛
لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ
فَبِاعْتِبَارِهِ لَا تَبْطُلُ إذَا سَلَّمَ
نَاسِيًا كَلَامٌ مِنْ وَجْهٍ
فَبِاعْتِبَارِهِ تَبْطُلُ إذَا تَعَمَّدَ
عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ
الْخَطَّابِيُّ لَا وَجْهَ لِدَعْوَى
النَّسْخِ فِيهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ
كَانَ بِمَكَّةَ وَرَاوِي حَدِيثِ ذِي
الْيَدَيْنِ ؛ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ
مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ قَالَ
فِيهِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ
يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ قُلْنَا : الْآيَةُ
نَاسِخَةٌ مَدَنِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهَا فِي
سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ
إجْمَاعًا فَمِنْ أَيْنَ لِلْخَطَّابِيِّ
أَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ إسْلَامِهِ
أَنْ تَتَقَدَّمَ الْآيَةُ لِاحْتِمَالِ
أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَلَئِنْ
صَحَّ تَقَدُّمُ الْآيَةِ عَلَى إسْلَامِهِ
لَا يَلْزَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُتَأَخِّرٌ
عَنْ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ
نَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ
صَلَّى بِنَا أَيْ صَلَّى بِأَصْحَابِنَا
فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ
إلَيْهِ مَقَامَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا
الْمَعْنَى مَا نَقَلَهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّ
ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ
قَبْلَ خَيْبَرَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ ،
وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي عَامِ
خَيْبَرَ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ وَلَمْ يَصْحَبْ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلَّا أَرْبَعَ سِنِينَ فَلَا
تَصِحُّ دَعْوَى الْخَطَّابِيِّ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ فِي كُلِّ فَصْلٍ صَرِيحًا بِلَا
احْتِمَالٍ مَعَ تَحَقُّقِنَا نَسْخَ
الْكَلَامِ بِالْآيَةِ الْمَدَنِيَّةِ وَمَعَ
عِلْمِنَا بِأَنَّ صُحْبَةَ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ بِمَكَّةَ .
وَإِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ
الَّذِي رَوَى النَّسْخَ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَالدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ
كَلَامَنَا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَنِينُ
وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ مِنْ
وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ لَا مِنْ ذِكْرِ
جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ
التَّأَسُّفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ
كَلَامِ النَّاسِ) إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ
وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ وَقِرَاءَةُ
الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَا
يَحِلُّ مَكَانٌ لَا يَصْلُحُ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ
أَمْرِهِ إلَخْ) رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَأَحْمَدُ . ا هـ . غَايَةٌ . (قَوْلُهُ
فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ) وَاسْمُهُ
الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ وَذَكَرَ
نَجْمُ الدِّينِ بْنُ الرِّفْعَةِ فِي شَرْحِ
التَّنْبِيهِ كَانَ فِي إحْدَى يَدَيْهِ طُولٌ
. ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَقَصُرَتْ
الصَّلَاةُ) يُرْوَى بِضَمِّ الْقَافِ
وَكَسْرِ الصَّادِ وَبِفَتْحِ الْقَافِ
وَضَمِّ الصَّادِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ . ا هـ
. غَايَةٌ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ
وَجْهٍ) أَيْ وَهَذَا شُرِحَ فِي التَّشَهُّدِ
. ا هـ . (قَوْلُهُ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا
تَبْطُلُ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ)
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
زَادِ الْفَقِيرِ يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ
عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ
قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَّا السَّلَامَ
سَاهِيًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّلَامُ عَلَى
إنْسَانٍ إذْ صَرَّحُوا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ
عَلَى إنْسَانٍ سَاهِيًا فَقَالَ السَّلَامُ ،
ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ
بَلْ الْمُرَادُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ
سَاهِيًا قَبْلَ إتْمَامِهَا وَمَعْنَى
الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ
أَكْمَلُ أَمَّا إذَا سَلَّمَ فِي
الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا سَاهِيًا بَعْدَ
رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا
تَرْوِيحَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَفْسُدُ
صَلَاتُهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا كَلَامٌ
مِنْ وَجْهٍ) أَيْ لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ
ا هـ . (قَوْلُهُ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ
يَوْمَ بَدْرٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الْغَايَةِ لَكِنْ غَلَّطُوا الزُّهْرِيَّ فِي
ذَلِكَ وَقَالُوا عَاشَ ذُو الْيَدَيْنِ
بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ
النَّوَوِيُّ وَقِيلَ إلَى أَيَّامِ
مُعَاوِيَةَ وَقَالُوا : الَّذِي قُتِلَ
بِبَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ فِي عَامِ خَيْبَرَ) أَيْ سَنَةَ
سَبْعٍ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : وَالْأَنِينُ) وَهُوَ الصَّوْتُ
الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِهِ آهْ ا هـ ع
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالتَّأَوُّهُ)
وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَوَّاهُ ا هـ ع
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : مِنْ وَجَعٍ) أَيْ
فِي بَدَنِهِ ا هـ عِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ
: أَوْ مُصِيبَةٌ) أَصَابَتْهُ فِي النَّفْسِ
أَوْ الْمَالِ ا هـ عِ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : لَا مِنْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ
نَارٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا
هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذَا كَانَتْ مِنْ ذِكْرِ
الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ أَجْلِ ذِكْرِ نَارٍ ا
هـ ع ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ
قَالَ أَنَا مُصَابٌ فَعَزُّونِي وَلَوْ
أَفْصَحَ بِهِ تَفْسُدُ فَكَذَا هَذَا وَفِي
الثَّانِي كَأَنَّهُ قَالَهُ اللَّهُمَّ إنِّي
أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ
النَّارِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ . ا هـ .
رَازِيٌّ . وَلَوْ مَرَّ الْمُصَلِّي بِآيَةِ
رَحْمَةٍ أَوْ آيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ
فَوَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ اللَّهَ
الْجَنَّةَ أَوْ بِآيَةِ فِيهَا ذِكْرُ
النَّارِ فَوَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ
النَّجَاةَ مِنْ النَّارِ إنْ كَانَ فِي
التَّطَوُّعِ فَهُوَ حَسَنٌ إذَا كَانَ
وَحْدَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -
(1/155)
وَالْجَزَعُ
فَكَأَنَّهُ قَالَ أَعِينُونِي فَإِنِّي
مُتَوَجِّعٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ
الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى
زِيَادَةِ الْخُشُوعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي
الصَّلَاةِ فَكَانَ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ
أَوْ الدُّعَاءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَنِينَ
وَالتَّأَوُّهَ وَالْبُكَاءَ قَدْ يَنْشَأُ
مِنْ مَعْرِفَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَعَظَمَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ
وَكِبْرِيَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ شِدَّةِ
الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالرَّغْبَةِ
فَيَكُونُ كَالتَّقْدِيسِ وَالدُّعَاءِ ،
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا
التَّفْصِيلَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى
أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَيْنِ أَوْ عَلَى
حَرْفَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ
عَلَى حَرْفَيْنِ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ
أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ
وَالْآخَرُ أَصْلِيٌّ لَا تَفْسُدُ فِي
الْوَجْهَيْنِ مَعًا . وَحُرُوفُ الزِّيَادَةِ
عَشْرَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُك أَمَانٌ
وَتَسْهِيلٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ
وَالْبُكَاءُ يَقْطَعُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ
تَفْصِيلٍ إذَا حَصَلَ مِنْهُ حَرْفَانِ ؛
لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَلَنَا مَا
رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ
وَلَهُ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ
الْبُكَاءِ» وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّنَحْنُحُ
بِلَا عُذْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا
إلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ ؛ لِأَنَّ
الْكَلَامَ مَا يَتَلَفَّظُ بِهِ وَإِنْ كَانَ
بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَدْفُوعًا إلَيْهِ لَا
تَفْسُدُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ
عَنْهُ ، وَكَذَا الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ
إذَا كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا
لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَصَارَ كَالْعُطَاسِ
وَالْجَشَّا إذَا حَصَلَ بِهِمَا حُرُوفٌ ،
وَلَوْ تَنَحْنَحَ لِإِصْلَاحِ صَوْتِهِ
وَتَحْسِينِهِ لَا تَفْسُدُ عَلَى الصَّحِيحِ
، وَكَذَا لَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ
فَتَنَحْنَحَ الْمُقْتَدِي لِيَهْتَدِيَ
الْإِمَامُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَذَكَرَ
فِي الْغَايَةِ أَنَّ التَّنَحْنُحَ
لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا
يَفْسُدُ وَلَوْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ
كَانَ مَسْمُوعًا تَبْطُلُ ، وَإِلَّا فَلَا
وَالْمَسْمُوعُ مَا لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ
عِنْدَ بَعْضِهِمْ نَحْوُ أُفٍّ وَتُفٍّ
وَغَيْرُ الْمَسْمُوعِ بِخِلَافِهِ ،
وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ .
وَبَعْضُهُمْ لَا يَشْتَرِطُ فِي النَّفْخِ
الْمَسْمُوعِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُرُوفٌ
مُهَجَّاةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ
زَادَهْ ، وَعَلَى هَذَا إذَا نَفَرَ طَيْرًا
أَوْ غَيْرَهُ أَوْ دَعَاهُ بِمَا هُوَ
مَسْمُوعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَجَوَابُ عَاطِسٍ بِيَرْحَمُكَ اللَّهُ)
لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ
فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَطَالَ اللَّهُ
بَقَاءَك فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ
مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ لِنَفْسِهِ
يَرْحَمُك اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ
لِنَفْسِهِ أَوْ قَالَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ
إمَامِهِ) لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ
مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ
النَّاسِ ، ثُمَّ شُرِطَ فِي الْأَصْلِ
التَّكْرَارُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى الْقَلِيلُ
مِنْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ
مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ فَلَا يُعْفَى
الْقَلِيلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَمَلِ
وَالْفَرْقُ قَدْ تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ عَلَى
غَيْرِ إمَامِهِ يَشْمَلُ فَتْحَ الْمُقْتَدِي
عَلَى الْمُقْتَدَى وَعَلَى غَيْرِ
الْمُصَلِّي وَعَلَى الْمُصَلِّي وَحْدَهُ
وَفَتْحَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ عَلَى
أَيِّ شَخْصٍ كَانَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ
إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التِّلَاوَةَ دُونَ
الْفَتْحِ . وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ
مَا مَالُك فَقَالَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ
وَالْحَمِيرُ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ
إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَابًا ، وَإِلَّا فَلَا
وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَا تَفْسُدُ
اسْتِحْسَانًا وَقِيلَ إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا
تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ
لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ
إلَى آيَةٍ أُخْرَى فَفَتَحَ عَلَيْهِ
تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي
صَلَاةِ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا
ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ
اللَّهَ تَعَالَى وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا
ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ
وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا مَثَلٌ إلَّا
وَقَفَ وَتَفَكَّرَ» وَالْإِمَامُ فِي
الْفَرَائِضِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ فِي
الْمَكْتُوبَاتِ ، وَكَذَا الْأَئِمَّةُ
بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَكَانَ مِنْ
الْمُحْدَثَاتِ ؛ وَلِأَنَّهُ تَثْقِيلٌ عَلَى
الْقَوْمِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ لَا
تَفْسُدُ الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي
خُشُوعِهِ وَالْخُشُوعُ زِينَةُ الصَّلَاةِ .
ا هـ . بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَزِيزٌ
كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ) أَيْ وَهُوَ الْقِدْرُ
وَبِأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَحْصُلُ الْحُرُوفُ
لِمَنْ يَصْغَى . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : وَالتَّنَحْنُحِ بِلَا عُذْرٍ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ
لِاجْتِمَاعِ الْبُزَاقِ فِي حَلْقِهِ ا هـ .
وَكَذَا التَّثَاؤُبُ إذَا ظَهَرَ لَهُ
حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا)
أَيْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ . ا هـ .
رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ
بِأَنْ كَانَ مَدْفُوعًا) أَيْ وَمَدْفُوعَ
الطَّبْعِ ا هـ (قَوْلُهُ لِلْإِعْلَامِ
أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَفْسُدُ) وَلَا
يُكْرَهُ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ زَادَهْ إلَى
آخِرِهِ) وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُصَفَّى قَالَ
سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ أَوْ
لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ أَوْ
لَمْ يُرِدْ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِنَفْسِهِ
يَرْحَمُك إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّ هَذَا
بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ
وَبِهَذَا لَا تَفْسُدُ ، وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ
ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالْمَغْفِرَةِ
وَالرَّحْمَةِ وَهُمَا مُتَمَسِّكَانِ
بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ
السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّهُ فِي
عَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ
مَوْرِدَهُ كَانَ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ
وَبِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي
الْكِتَابِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفَتْحٍ
الْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ وَفَتْحٍ الصِّغَارُ ذَكَرَهُ فِي
مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ . ا هـ . غَايَةٌ وَفِي
الْخُلَاصَةِ إذَا فَتَحَ عَلَى الْمُصَلِّي
رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَأَخَذَ
الْمُصَلِّي بِفَتْحِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
وَإِنْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى مَنْ لَيْسَ
مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ إنْ أَرَادَ بِهِ
قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ
أَرَادَ بِهِ تَعْلِيمَ ذَلِكَ الرَّجُلِ
تَفْسُدُ ا هـ . (قَوْلُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ
جَوَابًا ، وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَكَذَا لَوْ
كَانَ أَمَامَهُ كِتَابٌ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ
يُسَمَّى يَحْيَى فَقَالَ {يَا يَحْيَى خُذِ
الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم : 12] وَكَذَا
لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ وَابْنُهُ
خَارِجَهَا فَقَالَ {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ
مَعَنَا} [هود : 42] فَهُوَ عَلَى هَذَا
التَّفْصِيلِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَا
ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ أَرَادَ بِذَلِكَ
تَعْلِيمَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ وَأَرَادَ
جَوَابَ السَّائِلِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ مَا كَانَ قُرْآنًا
أَوْ ثَنَاءً لَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ ،
كَذَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ وَسَيَأْتِي مَعْنَى هَذِهِ
الْحَاشِيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ا هـ (قَوْلُهُ : وَقِيلَ
: إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ
الصَّلَاةُ إلَخْ) وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ
وَفَتَاوَاهُ وَجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ
لَوْ اسْتَفْتَحَ بَعْدَمَا قَرَأَ مِقْدَارَ
مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَفَتَحَ
عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ تَفْسُدُ
صَلَاةُ الْكُلِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا
تَفْسُدُ صَلَاةُ أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
لَمْ يَفْتَحْ رُبَّمَا يَجْرِي عَلَى
لِسَانِهِ مَا يَكُونُ مُفْسِدًا فَكَانَ
فِيهِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ . ا هـ . دِرَايَةٌ
(قَوْلُهُ : وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ
إلَى آخِرِهِ)
(1/156)
وَكَذَا
صَلَاةُ الْإِمَامِ إنْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ
لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَجْهُ
الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَطْعَمَك الْإِمَامُ
فَأَطْعِمْهُ» مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ
وَيَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ دُونَ
الْقِرَاءَةِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ
الْفَتْحَ مُرَخَّصٌ فِيهِ وَالْقِرَاءَةَ
مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَيَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي
أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ ؛ لِأَنَّهُ
رُبَّمَا يَتَذَكَّرُ الْإِمَامُ فَيَكُونُ
التَّلْقِينُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ
وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ
بَلْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ قَدْرَ الْفَرْضِ ،
وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى ،
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَوَابُ
بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) وَكَذَا إذَا
قِيلَ لَهُ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَقَالَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ وَصَفَ اللَّهَ
تَعَالَى بَيْنَ يَدَيْهِ بِصِفَةٍ لَا
تَلِيقُ بِهِ تَعَالَى ، فَقَالَ سُبْحَانَ
اللَّهِ يُرِيدُ بِهِ الرَّدَّ وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ : لَا تَفْسُدُ . وَعَلَى هَذَا
الْخِلَافِ الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ
لَهُ أَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا
يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا
إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِعْلَامَ أَنَّهُ فِي
الصَّلَاةِ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ
مَبْنِيٌّ عَلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ
فَإِنَّ مَنْ قَالَ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ
مَعَنَا وَأَرَادَ بِهِ خِطَابَهُ يَكُونُ
كَلَامًا مُفْسِدًا لَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ
، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ
يَحْيَى {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ
بِقُوَّةٍ} [مريم : 12] وَأَرَادَ بِهِ
الْخِطَابَ ، وَلِهَذَا لَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ
الْفَاتِحَةَ عَلَى نِيَّةِ الثَّنَاءِ
وَالدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ يَجُوزُ ،
وَكَذَا لَوْ قَرَأَهَا فِي صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ عَلَى نِيَّةِ الدُّعَاءِ دُونَ
الْقِرَاءَةِ تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تُشْرَعْ
فِيهَا الْقِرَاءَةُ لِمَا قُلْنَا وَلِأَنَّ
الْجَوَابَ يَنْتَظِمُ إعَادَةَ مَا فِي
السُّؤَالِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى قُدُومِهِ فَتَفْسُدُ
وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ
فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِعْلَامَ
أَيْضًا لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ
نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ»
فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ
وَالِاسْتِرْجَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي
الصَّحِيحِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّلَامُ
وَرَدُّهُ) لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ
وَلَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ السَّلَامِ تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْنًى وَلَا
يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ
يَرُدَّ بِالْإِشَارَةِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ
وَلَا عَلَى جَابِرٍ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ
صُهَيْبٍ «سَلَّمْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي
فَرَدَّ عَلَيَّ بِالْإِشَارَةِ» يَحْتَمِلُ
أَنَّهُ كَانَ نَهْيًا لَهُ عَنْ السَّلَامِ
أَوْ كَانَ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ
يُشِيرُ فَظَنَّهُ رَدًّا ، وَلَوْ أَشَارَ
يُرِيدُ بِهِ رَدَّ السَّلَامِ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مِنْ
الْمُصَلِّي شَيْءٌ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ
بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ أَوْ بِلَا لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ فِي فَصْلِ
مَا يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي وَيُكْرَهُ
السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ
وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ لِلْبَحْثِ فِي
الْفِقْهِ أَوْ لِلتَّخَلِّي وَلَوْ سَلَّمَ
عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ
لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَلَوْ سَمِعَ
اسْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ تَفْسُدُ .
وَلَوْ سَمِعَ الْأَذَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَذَا الْقِيلُ اعْتَمَدَهُ صَاحِبُ
الْهِدَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِعَدَمِ
الْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ وَوُجُودِ
التَّعْلِيمِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- إذَا اسْتَطْعَمَك إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَهُ أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ . ا
هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ)
احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَنْوِي
الْقِرَاءَةَ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ
وَهُوَ سَهْوٌ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ
الْمَأْمُومِ خَلْفَ إمَامِهِ مَنْهِيٌّ
عَنْهَا وَالْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ
غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا
إذَا أَرَادَ الْفَتْحَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ
يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ التِّلَاوَةَ
دُونَ التَّعْلِيمِ ، قَالَ السُّرُوجِيُّ
نَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ التِّلَاوَةُ فِي
ضِمْنِهَا الْفَتْحُ مَمْنُوعَةً بَلْ
الْمَمْنُوعَةُ التِّلَاوَةُ الْمُجَرَّدَةُ
عَنْ الْفَتْحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ)
وَتَفْسِيرُ الْإِلْجَاءِ أَنْ يُرَدِّدَ
الْآيَةَ أَوْ يَقِفَ سَاكِتًا . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ
إلَّا اللَّهَ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَمَعَ
اللَّهِ إلَهٌ آخَرُ فَقَالَ : لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهَ ا هـ . (قَوْلُهُ : إنَّهُ
ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ) أَيْ بِأَصْلِهِ ا هـ
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ
بِعَزِيمَتِهِ) أَيْ بِإِرَادَتِهِ غَيْرَ
الثَّنَاءِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
وَالِاسْتِرْجَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ
إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ فِي
الْمُفِيدِ أَنَّ فِي الِاسْتِرْجَاعِ وَفِي
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم : 12]
تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ فِي
الْمَبْسُوطِ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي
يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِرْجَاعِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ
ا هـ.
(قَوْلُهُ : وَلَوْ أَشَارَ إلَى آخِرِهِ)
بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ .
ا هـ . غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ نَقْلًا
عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَبُرْهَانِ الدِّينِ
صَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ أَنْ
يَتَكَلَّمَ مَعَ الْمُصَلِّي وَيُجِيبُ هُوَ
بِرَأْسِهِ ا هـ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا
بَأْسَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُجِيبَ
الْمُتَكَلِّمُ بِرَأْسِهِ بِهِ وَرَدَ
الْأَثَرُ عَنْ عَائِشَةَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ
يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ مَعَ الْمُصَلِّي قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ
وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}
[آل عمران : 39] . ا هـ . زَاهِدِيٌّ .
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى
الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ) أَيْ وَالذَّاكِرِ
. ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ : فَصَلَّى
عَلَيْهِ تَفْسُدُ) أَيْ وَإِنْ صَلَّى
عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْ اسْمَهُ لَا
تَفْسُدُ وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ نَعَمْ
إذَا كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ تَفْسُدُ ،
وَإِلَّا لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
الْقُرْآنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَرَى عَلَى
هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي
الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ
الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُفْسِدُ
الصَّلَاةَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ دَعَا أَوْ
سَبَّحَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهُ تَفْسُدُ ذَكَرَهُ
الْعَتَّابِيُّ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ
سَمِعَ الْمُصَلِّي قَوْلَهُ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ لَبَّيْكَ
يَا سَيِّدِي فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ
وَلَوْ فَعَلَ قِيلَ لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَقِيلَ
تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ
بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، وَلَوْ
سَمِعَ اسْمَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ لَعَنَهُ
اللَّهُ تَفْسُدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا
تَفْسُدُ وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ
الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَذَابِ فَقَالَ
الْمُقْتَدِي صَدَقَ اللَّهُ لَا تَفْسُدُ
وَقَدْ أَسَاءَ وَلَوْ وَسْوَسَ لَهُ
الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَا حَوْلَ وَلَا
قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ إنْ كَانَ فِي
الْآخِرَةِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ فِي
أَمْرِ الدُّنْيَا تَفْسُدُ وَفِي
الْوَاقِعَاتِ الْمَرِيضُ يَقُولُ عِنْدَ
الْقِيَامِ وَالِانْحِطَاطِ بِاسْمِ اللَّهِ
تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
وَلَوْ عَوَّدَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ
الْقُرْآنِ لِلْحُمَّى وَنَحْوِهَا تَفْسُدُ
عِنْدَهُمْ وَلَوْ قَالَ عِنْدَ رُؤْيَةِ
الْهِلَالِ : رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ ،
تَفْسُدُ . ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ
الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ قَالَ فِي
الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اللَّهُ
أَكْبَرُ لَا تَفْسُدُ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ
آيَةَ الرَّحْمَةِ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ
الرَّحْمَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّطْوِيلِ
وَالتَّثْقِيلِ عَلَى الْقَوْمِ وَقَدْ أَمَرَ
الشَّارِعُ بِالتَّخْفِيفِ ، وَكَذَا يُكْرَهُ
لِلْمُقْتَدِي ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ
بِالِاسْتِمَاعِ وَلَا بَأْسَ لِلْمُنْفَرِدِ
؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «افْتَتَحَ بِسُورَةِ
الْبَقَرَةِ فَمَا مَرَّ بِآيَةِ الرَّحْمَةِ
إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ أَوْ آيَةِ
عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ» وَفِي الذَّخِيرَةِ
لَوْ أَمَّنَ بِدُعَاءِ رَجُلٍ لَيْسَ فِي
الصَّلَاةِ تَفْسُدُ . ا هـ . غَايَةٌ وَفِي
الْفَتْحِ وَلَوْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَالَ
بِاسْمِ اللَّهِ تَفْسُدُ خِلَافًا لِأَبِي
يُوسُفَ ا هـ وَفِيهِ أَيْضًا وَلَوْ قَرَأَ
ذِكْرَ الشَّيْطَانِ فَلَعَنَهُ لَا تَفْسُدُ
ا هـ
(1/157)
فَأَجَابَ
وَأَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ أَوْ لَمْ يَكُنْ
لَهُ نِيَّةٌ تَفْسُدُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ
أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ وَإِنْ لَمْ
يُرِدْ لَا تَفْسُدُ ، وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ : حَيَّ
عَلَى الصَّلَاةِ تَفْسُدُ ذَكَرَهُ فِي
الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ)
أَيْ يَفْسُدُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ
التَّطَوُّعِ وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ إذَا
كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا فَافْتَتَحَ
الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ تَكْبِيرَةً
جَدِيدَةً فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ ؛
لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِ مَا
هُوَ فِيهِ وَهُوَ التَّطَوُّعُ فِيمَا إذَا
نَوَاهُ أَوْ نَوَى الْعَصْرَ وَكَانَ صَاحِبَ
تَرْتِيبٍ أَوْ فِي الْعَصْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ
صَاحِبَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ سَقَطَ
التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ أَوْ
بِضِيقِ الْوَقْتِ فَيَخْرُجُ عَمَّا هُوَ
فِيهِ ضَرُورَةً . وَكَذَا لَوْ كَانَ
يُصَلِّي التَّطَوُّعَ فَافْتَتَحَ الْفَرْضَ
أَوْ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَافْتَتَحَ
الظُّهْرَ أَوْ بِالْعَكْسِ يَخْرُجُ عَمَّا
هُوَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (لَا الظُّهْرُ بَعْدَ رَكْعَةِ
الظُّهْرِ) يَعْنِي لَا يَفْسُدُ افْتِتَاحُ
الظُّهْرِ بَعْدَمَا صَلَّى مِنْهُ رَكْعَةً
بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى
يُجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ
نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ
فَلَغَتْ نِيَّتُهُ إلَّا إذَا كَبَّرَ
يَنْوِي إمَامَةَ النِّسَاءِ أَوْ
الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ أَوْ كَانَ
مُقْتَدِيًا فَكَبَّرَ يَنْوِي الِانْفِرَادَ
فَحِينَئِذٍ يَكُونُ شَارِعًا فِيمَا كَبَّرَ
لَهُ وَيَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ
لِلتَّغَايُرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ
إذَا كَبَّرَ يَنْوِي الِاسْتِئْنَافَ
يَتَطَرَّفَانِ كَانَتْ الثَّانِيَةُ الَّتِي
نَوَى الشُّرُوعَ فِيهَا هِيَ الْأُولَى
بِعَيْنِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ
تُخَالِفْهَا فِي شَيْءٍ لَا تَبْطُلُ
صَلَاتُهُ وَيُجْتَزَأُ بِمَا مَضَى مِنْ
صَلَاتِهِ وَإِنْ خَالَفْتهَا تَبْطُلُ
صَلَاتُهُ وَيُسْتَأْنَفُ نَظِيرُهُ مَا لَوْ
بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ ، ثُمَّ جَدَّدَاهُ
بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْعَقْدَ
الْأَوَّلَ يَبْطُلُ بِهِ وَيَنْعَقِدُ
ثَانِيًا وَإِنْ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ بَقِيَ
الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ
الْمُغَايِرَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ
يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ فَجِيءَ
بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِي
الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ بَطَلَ مَا
مَضَى وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ
وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ عَلَى
الثَّانِيَةِ أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ
عَلَيْهِمَا فَهُوَ عَلَى حَالِهِ
وَيُجْتَزَأُ بِمَا مَضَى قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ)
يَعْنِي تَفْسُدُ الصَّلَاةُ . وَهَذَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ تُكْرَهُ وَلَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ
مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
- أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهَا فِي شَهْرِ
رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ
وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ انْضَافَتْ
إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى وَهُوَ النَّظَرُ إلَى
الْمُصْحَفِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ
مِنْ الْمُصْحَفِ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَاءَةِ
غَائِبًا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي
الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ
بِفِعْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ
وَوَضْعَهُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
وَرَفْعَهُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَتَقْلِيبَ
أَوْرَاقِهِ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ وَفَهْمَهُ
عَمَلُ كَثِيرٍ وَيَقْطَعُ مَنْ رَآهُ أَنَّهُ
لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ ؛ وَلِأَنَّهُ
يَتَلَقَّنُ مِنْ الْمُصْحَفِ فَأَشْبَهَ
التَّلَقُّنَ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ يُفْسِدُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ إلَى
آخِرِهِ) أَيْ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ ؛
لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ
بِحَاصِلٍ وَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ فَهِيَ هِيَ
؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا هُوَ
بِحَاصِلٍ فَإِنْ قِيلَ الْإِمَامُ إذَا
تَحَرَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، ثُمَّ
جِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَنَوَى الصَّلَاةَ
عَلَى الْجِنَازَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ
وَيُحْرِمُ بَقِيَ فِي الْأُولَى وَإِنْ نَوَى
تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ
وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمَبْسُوطِ قِيلَ لَهُ
فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ نَوَى الْإِعْرَاضَ
عَنْ الْأُولَى وَالْإِقْبَالَ عَلَى
الثَّانِيَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا
بِارْتِفَاضِ الْأُولَى وَانْتِقَاضِهَا
أَمَّا هَاهُنَا فَلَمْ يَنْوِ الْإِعْرَاضَ
عَنْ الْأُولَى فَبَقِيَ فِيهَا كَمَا كَانَ
إذْ لَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ مَعَ بَقَاءِ
الْأُولَى فَافْتَرَقَا . ا هـ . فَوَائِدُ
الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِتَكْبِيرَةٍ
جَدِيدَةٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ) أَيْ
صَلَاةُ الظُّهْرِ تَفْسُدُ ا هـ وَلَوْ نَوَى
أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَلَمَّا قَامَ إلَى
الثَّانِيَةِ نَوَى أَنَّهَا الْعَصْرُ
فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً نَوَى أَنَّهَا
الْعِشَاءُ فَصَلَاتُهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ . ا
هـ . خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا نَوَاهُ
أَوْ نَوَى الْعَصْرَ) لِأَنَّ صَاحِبَ
التَّرْتِيبِ إذَا انْتَقَلَ مِنْ الظُّهْرِ
إلَى الْعَصْرِ لَا يَصِيرُ مُنْتَقِلًا إلَى
الْعَصْرِ بَلْ إلَى النَّفْلِ ؛ لِأَنَّ
الْعَصْرَ لَا يَنْعَقِدُ عَصْرًا قَبْلَ
أَدَاءِ الظُّهْرِ فِي حَقِّهِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِضِيقِ الْوَقْتِ)
أَوْ بِالنِّسْيَانِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الظُّهْرِ بَعْدَ
رَكْعَةِ الظُّهْرِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ بَعْدَ
رَكْعَةِ الظُّهْرِ ظَرْفٌ لِشَيْئَيْنِ
وَهُمَا قَوْلُهُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ
التَّطَوُّعُ وَقَوْلُهُ لَا الظُّهْرِ
وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَافْتِتَاحُ
الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعُ بَعْدَ رَكْعَةِ
الظُّهْرِ لَا افْتِتَاحُ الظُّهْرِ بَعْدَ
رَكْعَةِ الظُّهْرِ فَافْهَمْ ا هـ .
(قَوْلُهُ يَعْنِي لَا يُفْسِدُ) أَيْ لَا
يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا
بَيْنَ الرَّكْعَةِ فَمَا دُونَهَا وَمَا
فَوْقَهَا . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى
يُجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ إلَى
آخِرِهِ) هَذَا إذَا نَوَى بِقَلْبِهِ ،
أَمَّا إذَا نَوَى بِلِسَانِهِ وَقَالَ
نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ الظُّهْرَ انْتَقَضَ
ظُهْرُهُ وَلَا يُجْتَزَأُ بِتِلْكَ
الرَّكْعَةِ . ا هـ . خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ :
لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا
هُوَ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ صَلَّى
أَرْبَعًا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْأُولَى
انْتَقَضَتْ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّالِثَةِ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ
الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ : ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ
وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى آخِرِهِ) أَوْ
جَدَّدَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ . ا هـ .
فَوَائِدُ الظَّهِيرِيَّةِ ، وَكَذَا لَوْ
كَانَ الثَّانِي بِمِائَةِ دِينَارٍ بِأَلْفِ
دِرْهَمٍ يَبْطُلُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي
الْغَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِعَدَمِ
الْمُغَايِرَةِ) وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي
الشُّفْعَةِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ الثَّانِي
إذَا سَلَّمَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ ا هـ
بَاكِيرٌ وَغَايَةٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ ؛
لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ
فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا
فَهُوَ عَلَى حَالِهِ) لِأَنَّهُ نَوَى
اتِّحَادَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ لَغْوٌ . ا هـ
. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِرَاءَتُهُ) أَيْ
بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ
التَّكَلُّمُ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) أَيْ
وَالشَّافِعِيُّ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَهُوَ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أَعْطُوا أَعْيُنَكُمْ
حَظَّهَا مِنْ الْعِبَادَةِ قِيلَ وَمَا
حَظُّهَا قَالَ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ» .
ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ
يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ
التَّشَبُّهِ إلَى آخِرِهِ) وَالدَّلِيلُ
عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَتَهُ مَكْرُوهَةٌ
وَلَا يُظَنُّ بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَرْضَى
بِالْمَكْرُوهِ وَتُصَلِّي خَلْفَ مَنْ
يُصَلِّي صَلَاةً مَكْرُوهَةً . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ
إلَى آخِرِهِ) مَأْخَذَانِ لِلْأَصْحَابِ فِي
الْبُطْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ
أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ . ا هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ التَّلَقُّنَ مِنْ
غَيْرِهِ إلَى آخِرِهِ) وَجَعَلَ
السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَذَا
التَّعْلِيلَ أَصَحَّ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(1/158)
لَا فَرْقَ
بَيْنَ الْمَحْمُولِ وَالْمَوْضُوعِ وَعَلَى
الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ وَأَثَرُ ذَكْوَانَ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ
قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ ، ثُمَّ
يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ غَائِبًا وَلَوْ
كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَقَرَأَهُ مِنْ
مَكْتُوبٍ مِنْ غَيْرِ حَمْلِ الْمُصْحَفِ
قَالُوا : لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ
الْأَمْرَيْنِ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي
الْمُخْتَصَرِ وَلَا فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ بَيْنَهُمَا إذَا قَرَأَ قَلِيلًا
أَوْ كَثِيرًا مِنْ الْمُصْحَفِ وَقَالَ
بَعْضُ الْمَشَايِخِ : إنْ قَرَأَ مِقْدَارَ
آيَةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَإِلَّا فَلَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ قَرَأَ مِقْدَارَ
الْفَاتِحَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِلَّا
فَلَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَكْلُ
وَالشُّرْبُ) لِأَنَّهُمَا مُنَافِيَانِ
لِلصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ
وَالنِّسْيَانِ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ
مُذَكِّرَةٌ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَةٍ
تُخَالِفُ الْعَادَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ
لُزُومِ الطَّهَارَةِ وَالْإِحْرَامِ
وَالْخُشُوعِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
وَالِانْتِقَالَاتِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ
مَعَ تَرْكِ النُّطْقِ الَّذِي هُوَ
كَالنَّفْسِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ
يَسِيرٍ فَيَكُونُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ
فِيهَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَلَا يُعْذَرُ
فَصَارَ كَالْحَدَثِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ؛
لِأَنَّ هَيْئَتَهُ لَا تُخَالِفُ الْعَادَةَ
وَزَمَنُهُ طَوِيلٌ فَيَكْثُرُ فِيهِ
النِّسْيَانُ فَيُعْذَرُ ، ثُمَّ أَطْلَقَ
الْأَكْلَ وَمُرَادُهُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ
وَمَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ لَا يُبْطِلُ
الصَّلَاةَ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي
مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَظَرَ إلَى
مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ
أَسْنَانِهِ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ
سُجُودِهِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَثِمَ) أَيْ
لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ
أَمَّا النَّظَرُ إلَى الْمَكْتُوبِ
وَفَهْمُهُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمَلٍ
مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ
الْمُسْتَفْهِمِ وَغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ
لِعَدَمِ الْفِعْلِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ
كَانَ مُسْتَفْهِمًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ
غَيْرَ قُرْآنٍ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا
حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ
إلَيْهِ وَفَهِمَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ
عِنْدَهُ فَكَذَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ . وَجْهُ
الْأَوَّلِ وَهُوَ الْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُمَا
أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْيَمِينِ إنَّمَا
هُوَ الْفَهْمُ وَقَدْ وُجِدَ وَلَا كَذَلِكَ
بُطْلَانُ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَمَلِ
الْكَثِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَأَمَّا أَكْلُ
مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَلِأَنَّهُ لَا
يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا
يَبْطُلُ بِهِ الصَّوْمُ فَصَارَ كَالرِّيقِ
إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَتَفْسُدُ بِهِ
صَلَاتُهُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ صَوْمُهُ
وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ
الْحِمَّصَةِ ، وَأَمَّا الْمُرُورُ فِي
مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ
إلَى آخِرِهِ) فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ
ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهَا فِي
شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ
الْمُصْحَفِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْضُوعًا
وَعَلَى الثَّانِي كَوْنُ تِلْكَ مُرَاجَعَةً
كَانَتْ قُبَيْلَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ
بِذِكْرِهِ أَقْرَبَ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ
عَلَيْهِ فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ
يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى
حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ
عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا
فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» فَإِنَّ هَذِهِ
الْوَاقِعَةَ لَيْسَ فِيهَا تَلَقُّنٌ
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قِيَاسُ مَا
يَتَعَلَّمُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ
مُعَلِّمٍ حَيٍّ عَلَيْهَا مِنْ مُعَلِّمٍ
حَيٍّ بِجَامِعٍ أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ
خَارِجٍ وَهُوَ الْمَنَاطُ فِي الْأَصْلِ
فَقَطْ فَإِنْ فَعَلَ الْخَارِجَ لَا أَثَرَ
لَهُ فِي الْفَسَادِ بَلْ الْمُؤَثِّرُ فِعْلُ
مَنْ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا
التَّلَقُّنُ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ
الْأَكْمَلُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ
مِقْدَارَ مَا يُقْرَأُ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ
فِيهِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ إذَا قَرَأَ
مِقْدَارَ آيَةٍ تَامَّةٍ ؛ لِأَنَّ مَا
دُونَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ قِرَاءَةً
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مِقْدَارَ
الْفَاتِحَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَلِيلَ
وَالْكَثِيرَ عِنْدَهُ فِي الْإِفْسَادِ
وَعِنْدَهُمَا فِي عَدَمِهِ سَوَاءٌ فَلِهَذَا
أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ قَالُوا
لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ
قِرَاءَتَهُ هَذِهِ مُضَافَةٌ إلَى حِفْظِهِ
لَا إلَى تَلَقُّنِهِ مِنْ الْمُصْحَفِ . ا هـ
. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ : ثُمَّ أَطْلَقَ الْأَكْلَ إلَى
آخِرِهِ) أَقُولُ : هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ
فِيمَا إذَا أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ
وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ
وَالْأَكْلُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ
وَالْحُكْمُ فِيهِ فَسَادُ الصَّوْمِ قَلِيلًا
كَانَ الْمَأْكُولُ كَسِمْسِمَةٍ أَوْ
كَثِيرًا ، وَأَمَّا أَكْلُ مَا بَيْنَ
أَسْنَانِهِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ
الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْ ا هـ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ) أَيْ
مَكْتُوبٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ هُوَ قُرْآنٌ
وَفَهِمَهُ لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهِ
أَنَّهُ يَجُوزُ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَى
آخِرِهِ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُ
أَيْضًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ نَصًّا
ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ إذْ
الْفَسَادُ بِالْكَلَامِ وَلَمْ يُوجَدْ . ا
هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكَذَا تَبْطُلُ
صَلَاتُهُ) أَيْ وَلِهَذَا قَالُوا : يَجِبُ
أَنْ لَا يَضَعَ الْمُعَلِّمُ الْجُزْءَ
بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ
رُبَّمَا يَكُونُ مَكْتُوبًا فِيهِ الْجُزْءَ
الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ فَيُنْظَرُ فِي
ذَلِكَ وَيُفْهَمُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ
شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْيَمِينِ
إنَّمَا هُوَ الْفَهْمُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
الْغَايَةِ قِيلَ تَحْنِيثُ مُحَمَّدٍ فِي
الْيَمِينِ عَلَى قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ
بِمُجَرَّدِ الْفَهْمِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ
مُشْكِلٌ مَعَ التَّسْلِيمِ أَنَّ الْغَرَضَ
وَالْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى
سِرِّهِ وَبِالْفَهْمِ لِكِتَابِهِ فَاتَ
الْغَرَضُ لَكِنْ بِفَوَاتِ الْغَرَضِ يَبَرُّ
فِي يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ فِيهَا إذْ لَمْ
يُوجَدْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ
الْقِرَاءَةُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ
لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ بِعَشْرَةٍ لَا شَكَّ
أَنَّ غَرَضَهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ الثَّوْبُ
عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ إلَّا بِأَكْثَرَ
مِنْ عَشْرَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ
بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ فَاتَ
غَرَضُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ لَفْظِ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ . وَكَذَا لَوْ قَالَ :
إنْ اشْتَرَيْت لَهَا شَيْئًا بِفَلْسٍ
فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ لَا يَحْنَثُ وَمِنْ
امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِ الشَّيْءِ الْحَقِيرِ
وَهُوَ الْفَلْسُ كَأَنْ أَمْنَعَ مِنْ بَذْلِ
الشَّيْءِ النَّفِيسِ وَهَذَا هُوَ الْغَرَضُ
وَالسِّيَاقُ وَمَعَ هَذَا لَا يَحْنَثُ لِمَا
ذَكَرْنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنْ
يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى الْمَجَازِ
وَهُوَ الْفَهْمُ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ
كِتَابِهِ سَبَبٌ لِفَهْمِ مَا فِيهِ كَمَا
لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت دَارَ
فُلَانٍ وَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَك فَأَنْتِ
طَالِقٌ فَدَخَلَتْ دَارِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ
فُلَانٌ دَارَهَا يَقَعْ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ
ذِكْرَ دُخُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارَ
الْآخَرِ كِنَايَةً عَنْ الِاجْتِمَاعِ ؛
لِأَنَّهُ سَبَبَ الِاجْتِمَاعِ كَذَا
هَاهُنَا عِنْدَهُ ا هـ قِيلَ وَلِقَائِلٍ
أَنْ يَقُولَ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ
قِرَاءَتِهِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمَ مَا فِيهِ
عِنْدَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ إذَا
فَهِمَهُ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ
سُجُودِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي جَامِعِ
شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ
الظَّاهِرِ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ
الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَقْطَعُ
الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ
وَالْحِمَارُ» وَفِي الْكَاتِي عِنْدَ أَهْلِ
الْعِرَاقِ تَفْسُدُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ
وَالْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَفِي الْحِلْيَةِ
قَالَ أَحْمَدُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ
الْأَسْوَدُ وَفِي قَلْبِي مِنْ الْحِمَارِ
وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قَالَ :
الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ
(1/159)
- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا
يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا
اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» ،
وَأَمَّا إثْمُ الْمَارِّ فَلِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ
يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ
مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ
وَهُوَ يُصَلِّي» وَتَكَلَّمُوا فِي
الْمَوْضِع الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ
وَهُوَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ
وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ
أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً لِقَوْلِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«لِيَسْتَتِرَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ
وَلَوْ بِسَهْمٍ» . وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
طُولُهَا ذِرَاعًا وَغِلَظُهَا غِلَظَ
الْأُصْبُعِ لِمَا رَوَيْنَاهُ وَلِأَنَّ مَا
دُونَ ذَلِكَ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ
بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ
وَيَقْرُبُ مِنْ السُّتْرَةِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
صَلَّى أَحَدُكُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- قَالَ «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ»
حِينَ سَأَلَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ أَبُو ذَرٍّ
وَقُلْنَا أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ هَذَا
الْحَدِيث وَحِينَ بَلَغَهَا قَالَتْ يَا
أَهْلَ الْعِرَاقِ يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ
وَالنِّفَاقِ قَرَنْتُمُونَا بِالْكِلَابِ
وَالْحُمُرِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي
بِاللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ
يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ فَإِذَا
سَجَدَ خَنَسْت رِجْلَيَّ وَإِذَا قَامَ
مَدَدْتهَا» وَحَدِيثُ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ لَا يَقْطَعُ
الصَّلَاةَ كَمَا سَيَجِيءُ . وَحَدِيثُ ابْنِ
عَبَّاسٍ «قَالَ زُرْت النَّبِيَّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى حِمَارٍ
فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى غَيْرِ
جِدَارٍ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَالْحِمَارُ
يَرْبَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ» . ا هـ . كَاكِيٌّ
قَالَ فِي الْغَايَةِ ، ثُمَّ الْمَارُّ
بَيْنَ يَدَيَّ الْمُصَلِّي آثِمٌ وَبِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ
وَالْوَسِيطَةِ يُكْرَهُ الْمُرُورُ وَصَرَّحَ
الْعِجْلِيّ بِتَحْرِيمِهِ وَوَافَقَهُ
صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ مِنْ
الشَّافِعِيَّةِ وَأَصْحَابُنَا نَصُّوا عَلَى
كَرَاهِيَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ
وَالذَّخِيرَةِ والمرغيناني . ا هـ .
(قَوْلُهُ «وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ»
إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ؛ وَأَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) أَيْ مَعَهُ
شَيْطَانٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
«فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
؛ وَأَحْمَدُ وَقِيلَ مِنْ شَيَاطِينِ
الْإِنْسِ وَقِيلَ فِعْلُهُ فِعْلُ
الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ فِي اللُّغَةِ
كُلُّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ مِنْ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ أَوْ الدَّوَابِّ قَالَهُ
سِيبَوَيْهِ ا هـ . غَايَةٌ . (قَوْلُهُ
«لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ»
وَفِي مُسْنَدِ الدَّارَقُطْنِيّ أَرْبَعِينَ
خَرِيفًا . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ إلَى
آخِرِهِ) هُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ
. ا هـ . قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا كَانَ فِي
الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْجَامِعِ الَّذِي
لَهُ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ أَمَّا فِي
الْمَسْجِدِ فَالْحَدُّ هُوَ الْمَسْجِدُ
إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْمَارِّ أُسْطُوَانَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَفِي
الْكَافِي أَوْ رَجُلٌ قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ
ظَهْرُهُ إلَى الْمُصَلِّي ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ
فِيهِ الْمُرُورُ قِيلَ يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ
أَذْرُعٍ وَقِيلَ بِخَمْسَةِ وَقِيلَ
بِأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ
وَقِيلَ بِقَدْرِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ
قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْأَصَحُّ إنْ
كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ خَاشِعٍ
لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ فَلَا
يُكْرَهُ نَحْوُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى
بَصَرِهِ فِي قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ
سُجُودِهِ وَفِي رُكُوعِهِ إلَى صُدُورِ
قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ
أَنْفِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَفِي
السَّلَامِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَهُوَ
اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ لَوْ
صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ
سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ بَصَرُهُ عَلَيْهِ
لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا حَسَنٌ وَاخْتَارَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ
السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ مَا اخْتَارَهُ
صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ شَيْخُ شَيْخِي
مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ
والتمرتاشي أَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ ؛
لِأَنَّ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى عَلَى
الدُّكَّانِ وَيُحَاذِي أَعْضَاؤُهُ أَعْضَاءَ
الْمَارِّ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَمُرُّ
أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلُهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ
سُجُودِهِ . ا هـ . يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ
كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ
سُجُودِهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ
يَسْجُدُ عَلَى الدُّكَّانِ فَكَانَ مَوْضِعُ
النِّيَّةِ دُونَ مَحَلِّ الْمُرُورِ لَوْ
كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَعَ ذَلِكَ تَثْبُتُ
الْكَرَاهَةُ اتِّفَاقًا فَكَانَ ذَلِكَ
نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
بِخِلَافِ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ
فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرَ
مَنْصُوصٍ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ فِي
الْغَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّتْرَةَ مِنْ
مَحَاسِنِ الصَّلَاةِ ، وَقَائِدَتُهَا قَبْضُ
الْخَوَاطِرِ مِنْ الِانْتِشَارِ وَكَفُّ
الْبَصَرِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ حَتَّى
يَكُونَ الْمُصَلِّي مُجْتَمَعًا لِمُنَاجَاةِ
رَبِّهِ وَمَحْضِ عُبُودِيَّتِهِ وَلِهَذَا
شُرِعَتْ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ
مَعَ الصَّمْتِ وَتَرْكِ الْأَفْعَالِ
الْعَادِيَةِ وَمَنْعِ الْعَدْوِ
وَالْإِسْرَاعِ فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ فَاتَتْ
الْجَمَاعَةُ وَفَضِيلَةُ الِاقْتِدَاءِ
فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي
وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتِ زَيْنَبَ
بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ
وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ وَهَذَا فَوْقَ حَمْلِ الْمُصْحَفِ
وَتَقْلِيبِ أَوْرَاقِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى
جَوَازِ هَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ كَانَ
فِعْلُهُ لِذَلِكَ فِي بَيْتِهِ . قُلْت قَدْ
ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَحَكَى أَشْهَبُ
عَنْ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي
النَّافِلَةِ وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ فِي
الْفَرِيضَةِ وَذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَرْضِ .
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ إنِّي لَا أَعْلَمُ
خِلَافًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَكْرُوهٌ
فَيَكُونُ إمَّا فِي النَّافِلَةِ وَإِمَّا
مَنْسُوخًا قَالَ وَرَوَى أَشْهَبُ ؛ وَابْنُ
نَافِعٍ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي
حَالِ الضَّرُورَةِ فَحُمِلَ عَلَى
الضَّرُورَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ
الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ قَالَ وَعِنْدَ أَهْلِ
الْعِلْمِ أَنَّ أُمَامَةَ كَانَ عَلَيْهَا
أَثِيَابٌ طَاهِرَةٌ وَأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرَ
مِنْهَا مَا يَحْدُثُ مِنْ الصِّبْيَانِ مِنْ
الْبَوْلِ وَكَانَ رَءُوفًا رَحِيمًا
بِالْأَطْفَالِ حَتَّى إذَا سَمِعَ بُكَاءَ
الصَّبِيِّ خَفَّفَ فِي صَلَاتِهِ كَيْ لَا
يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ خَلْفَهُ وَقَالَ
شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَإِذَا فَعَلَتْ
الْمَرْأَةُ بِوَلَدِهَا مِثْلَ هَذَا تَكُونُ
مُسِيئَةً ؛ لِأَنَّهَا شَغَلَتْ نَفْسَهَا
بِمَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ صَلَاتِهَا وَفِيهِ
تَرْكُ سُنَّةِ الِاعْتِمَادِ وَفِعْلُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي
الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِمَادُ
سُنَّةً فِيهَا . ا هـ . سَرُوجِيٌّ قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ
رَأْسَهُ أَوْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا
فَأَرْضَعَتْهُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا
حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا
يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ
وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي
الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ
وَضَعَهَا فَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا» ، ثُمَّ
هَذَا الصَّنِيعُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ لِأَنَّهُ
كَانَ مُحْتَاجًا فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ
يَحْفَظُهَا وَلِبَيَانِهِ الشَّرْعَ أَنَّ
هَذَا غَيْرُ مُوجِبِ فَسَادِ الصَّلَاةِ
وَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا فِي زَمَانِنَا لَا
يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا لَوْ فَعَلَ عِنْدَ
الْحَاجَةِ أَمَّا بِدُونِ الْحَاجَةِ
فَيُكْرَهُ . ا هـ
(1/160)
إلَى سُتْرَةٍ
فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ
عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ
عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ
، وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ» لِحَدِيثِ
الْمِقْدَادِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
«مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى
عُودٍ وَلَا عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ إلَّا
جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ
الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهِ صَمَدًا»
أَيْ لَا يُقَابِلُهُ مُسْتَوِيًا
مُسْتَقِيمًا بَلْ كَانَ يَمِيلُ عَنْهُ ،
وَإِنْ تَعَذَّرَ الْغَرَزُ لِصَلَابَةِ
الْأَرْضِ لَا يَضَعُهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ ؛
لِأَنَّهَا لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ
وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْآخَرِينَ لِوُرُودِ
الْخَبَرِ فِيهَا لَكِنْ يَضَعُهَا طُولًا لَا
عَرْضًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَطِّ إذَا لَمْ
يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزُهُ أَوْ يَضَعُهُ
حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَضْعِ
وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ
الْجَانِبَيْنِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ
السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ
يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِحَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى
فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ»
وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ ؛
لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِالْأَبْطَحِ إلَى
عَنَزَةَ رُكِّزَتْ لَهُ» وَلَمْ يَكُنْ
لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ وَيَدْرَأُ الْمَارَّ
إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً
أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ
لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَانَ
أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعُ أَحَدًا
يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا
اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ
فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» . وَالدَّرْءُ مُبَاحٌ
وَرُخْصَةٌ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ
بِالْمُعَالَجَةِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ
الْمُقَاتَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ
حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا
قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ
وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يُغْلِظَ عَلَيْهِ
بَعْدَ الْفَرَاغِ وَقِيلَ أَنْ يَدْعُوَ
عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتَلَهُمُ
اللَّهُ} [التوبة : 30] وَاخْتَلَفُوا فِي
كَيْفِيَّةِ الدَّرْءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ
يَدْرَأُ بِالْإِشَارَةِ لِحَدِيثِ أُمِّ
سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا
قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهِ
فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ
عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِيَدِهِ
هَكَذَا فَرَجَعَ فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ
أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا
فَمَضَتْ فَلَمَّا صَلَّى - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ هُنَّ
أَغْلَبُ» وَلَمْ يُسَبِّحْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ يَدْرَأُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طُولُهَا
ذِرَاعًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ
وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ
السُّتْرَةُ أَقَلَّ مِنْ ذِرَاعٍ وَقَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَوْ وَضَعَ قَبَاءَهُ
أَوْ خُفَّيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَارْتَفَعَ
قَدْرَ ذِرَاعٍ كَانَ سُتْرَةً بِلَا خِلَافٍ
وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَفِي
غَرِيبِ الرِّوَايَةِ النَّهْرُ الْكَبِيرُ
لَيْسَ بِسُتْرَةٍ كَالطَّرِيقِ ، وَكَذَا
الْحَوْضُ الْكَبِيرُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي
مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ . ا هـ .
غَايَةٌ . (قَوْلُهُ لَكِنْ يَضَعُهَا طُولًا)
أَيْ لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ . ا
هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي
الْخَطِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا
يَغْرِزُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الْغَايَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَغْرِزُهُ
أَوْ يَضَعُهُ هَلْ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ
خَطًّا فَالْمَنْعُ هُوَ الظَّاهِرُ
وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا
وَمِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي الْمَبْسُوطِ حَكَى
أَبُو عِصْمَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا
يَخُطُّ وَالْخَطُّ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا نَأْخُذُ
بِالْخَطِّ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَهُوَ
الصَّحِيحُ وَفِي الْمُحِيطِ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وَفِي الْوَاقِعَاتِ هُوَ الْمُخْتَارُ
فَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْإِلْقَاءُ هُوَ
الْمُخْتَارُ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ
اسْتَتَرَ بِظَهْرِ جَالِسٍ كَانَ سُتْرَةً ،
وَكَذَا الدَّابَّةُ وَاخْتَلَفُوا فِي
الْقَائِمِ وَقَالُوا حِيلَةُ الرَّاكِبِ أَنْ
يَنْزِلَ فَيَجْعَلَ الدَّابَّةَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَتَصِيرُ هِيَ
سُتْرَةٌ فَيَمُرُّ وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ
مُتَحَاذِيَانِ فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَلِي
الْمُصَلِّي . ا هـ وَفِي فَتَاوَى
الْعَتَّابِيِّ لَوْ كَانَ الْمَارُّ
اثْنَيْنِ يَقُومُ الْوَاحِدُ أَمَامَهُ
وَيَمُرُّ الْآخَرُ وَيَفْعَلُ هَكَذَا . ا هـ
. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ : الثَّالِثُ
: أَنَّ الْمُرُورَ مَكْرُوهٌ وَالْمَارَّ
أَثِمٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ هَذَا إذَا كَانَ
مَنْدُوحَةً عَنْ الْمُرُورِ ، وَإِلَّا
يَأْثَمُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ فَالْحَالُ
أَرْبَعٌ يَأْثَمَانِ لَا يَأْثَمَانِ
يَأْثَمُ الْمَارُّ وَحْدَهُ يَأْثَمُ
الْمُصَلِّي وَحْدَهُ ا هـ الْأَوْلَى أَنْ
لَا يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ
الْمَارُّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ مَعَ
إمْكَانِ الْمُرُورِ مِنْ غَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي
سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ مِنْ وَرَائِهَا
الثَّالِثَةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي
سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ مِنْ مَوْضِعِ
سُجُودِهِ مَعَ إمْكَانِ الْمُرُورِ مِنْ
غَيْرِهِ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَتَّخِذَ
الْمُصَلِّي سُتْرَةً أَوْ يَقِفَ فِي بَابِ
الْمَسْجِدِ وَلَا يَجِدُ الْمَارُّ بُدًّا
مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ ا هـ . وَقَدْ جَمَعَ هَذِهِ
الْحَالَاتِ الْأَرْبَعَ قَوْلُ ابْنِ
الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَأْتَمُّ
الْمُصَلِّي إنْ تَعَرَّضَ وَالْمَارُّ وَلَهُ
مَنْدُوحَةٌ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ
الْجَانِبَيْنِ) أَيْ فَالْمَانِعُ يَقُولُ
لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا
يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ وَالْمُجِيزُ يَقُولُ
وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ وَهُوَ مَا فِي أَبِي
دَاوُد «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ
تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ
يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا» وَلَا
يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامُهُ وَاخْتَارَ
الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى
بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي
الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ جَمْعُ
الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا
يَنْشُرُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَقَالُوا
الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالُوا الْخَطُّ
بِالْعَرْضِ مِثْل الْهِلَالُ . ا هـ . فَتْحٌ
قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْتَبَرُ
الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَالْخَطِّ ؛
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ . ا
هـ . (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ
السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ فَعَلَهُ مُحَمَّدٌ
فِي طَرِيقِ مَكَّةَ غَيْرَ مَرَّةٍ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ «إنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي فَضَاءٍ
لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَأَحْمَدُ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
إلَى عَنَزَةٍ) بِالتَّنْوِينِ ؛ لِأَنَّهُ
اسْمُ جِنْسٍ نَكِرَةٌ وَهِيَ شِبْهُ
الْعُكَّازَةِ وَهِيَ عَصًا ذَاتُ زَجٍّ كَذَا
فِي الْمُغْرِبِ وَالزَّجُّ الْحَدِيدَةُ
الَّتِي فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ وَفِي
الْكَاتِي لَوْ أُرِيدَ عَنَزَةُ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ
غَيْرَ مُنْصَرِفٍ لِلتَّأْنِيثِ
وَالْعِلْمِيَّةِ فَيَجُوزُ بِالنَّصْبِ
وَبِالْجَرِّ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَقَوْل
الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ
سُتْرَةٌ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ
. ا هـ . كَمَالٌ وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ هَكَذَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ
بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ
وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ
وَرَائِهَا» . ا هـ . فَتْحٌ وَيَمُرُّونَ
ضَمِيرُ الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْعَاقِلِ
اعْتِبَارًا لِلرَّاكِبِ مَعَ الْمَرْأَةِ
وَالْحِمَارِ وَتَغْلِيبًا عَلَيْهِمَا . ا هـ
. شُمُنِّيٌّ (قَوْلُهُ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ
فِيهَا مُبَاحًا) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
الْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ
لَشُغْلًا . ا هـ . غَايَةٌ . (قَوْلُهُ
فَلَمَّا صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ هُنَّ أُغْلَبُ إلَى
آخِرِهِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ
يَدْرَأُ) أَيْ الرَّجُلُ قَالَ الشُّمُنِّيُّ
قَيَّدْنَا بِالرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ
لَا تَدْرَأُ بِالتَّسْبِيحِ بَلْ
بِالتَّصْفِيقِ ؛ لِأَنَّ فِي صَوْتِهَا
فِتْنَةً ، وَكَيْفِيَّةُ تَصْفِيقِهَا أَنْ
تَضْرِبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى
عَلَى صَفْحَةِ الْكَفِّ الْيُسْرَى ا هـ
(1/161)
بِالتَّسْبِيحِ
لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا
لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً وَقِيلَ
يَدْفَعُهُ بِيَدِهِ مَرَّةً إنْ لَمْ
يَمْتَنِعْ بِالتَّسْبِيحِ عَلَى وَجْهٍ
لَيْسَ فِيهِ عِلَاجٌ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَكُرِهَ عَبَثُهُ بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ)
أَيْ عَبَثُ الْمُصَلِّي بِثَوْبِهِ
وَبَدَنِهِ وَالْهَاءُ فِيهِمَا وَفِيمَا
قَبْلَهُمَا مِنْ الْكَلِمَاتِ رَاجِعَةٌ إلَى
الْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا ؛
لِأَنَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا كُرِهَ الْعَبَثُ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ
اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي
الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ
وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» وَقَالَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ
فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا» «وَرَأَى رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- رَجُلًا يَعْبَثُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ
لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ
جَوَارِحُهُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَقَلْبُ الْحَصَى إلَّا لِلسُّجُودِ
مَرَّةً) أَيْ كُرِهَ قَلْبُ الْحَصَى إلَّا
لِعَدَمِ إمْكَانِ السُّجُودِ فَيُسَوِّيهِ
مَرَّةً «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ
فَذَرْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى
الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحُ الْحَصَى فَإِنَّ
الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» «وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الرَّجُلِ
يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ إنْ
كُنْت فَاعِلًا فَوَاحِدَةً مَعْنَاهُ لَا
تَمْسَحُ وَإِنْ مَسَحْت فَلَا تَزِدْ عَلَى
وَاحِدَةٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا
تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك» ، وَكَذَا يُكْرَهُ
تَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ
فِيهِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
«وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ
أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَفَرَّجَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ أَصَابِعِهِ»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّخَصُّرُ)
لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ
مُتَخَصِّرًا وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ
الْوَضْعِ الْمُسِنُّونَ . وَالتَّخَصُّرُ
وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَهُوَ
الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ
أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ
رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ» مَعْنَاهُ أَنَّ
هَذَا الْفِعْلَ فِعْلُ الْيَهُودِ فِي
صَلَاتِهِمْ ، وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ لَا
أَنَّ لَهُمْ رَاحَةً فِيهَا وَقِيلَ هُوَ
التَّوَكُّؤُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بِالتَّسْبِيحِ لِمَا رَوَيْنَا)
أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَالْجَوَابُ بِلَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِمَا
رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَابَهُ
شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَقِيلَ يَدْفَعُهُ بِيَدِهِ إلَى
آخِرِهِ) وَفِي الْمُفِيدِ يَدْرَأُ
بِالتَّسْبِيحِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ
دَفَعَهُ بِيَدِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ
بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْأَخْذِ بِطَرَفِ
ثَوْبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ مَشْيٌ
وَلَا عِلَاجٌ . ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَكُرِهَ عَبَثُهُ
بِثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ
الْعَبَثُ الْفِعْلُ لِغَرَضٍ غَيْرُ صَحِيحٍ
فَلَوْ كَانَ لِنَفْعٍ كَسَلْتِ الْعَرَقِ
عَنْ وَجْهِهِ وَالتُّرَابِ فَلَيْسَ بِهِ ا
هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي
الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ فِي ثِيَابِ
الْبِذْلَةِ وَفِي الْغَايَةِ قَالَ فِي
الْحَاوِي وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ
مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَصَالِحِهَا عِنْدَ
الصَّلَاةِ وَيَتَعَمَّمَ ، وَكَذَا عِنْدَ
قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلْيَسْتَقْبِلْ بِهَا
الْقِبْلَةَ وَفِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا
اللِّبْسُ فِي الصَّلَاةِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ
مُسْتَحَبٌّ وَجَائِزٌ وَمَكْرُوهٌ
فَالْمُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ قَمِيصٌ
وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَعِمَامَةٌ هَكَذَا
حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ
عَنْ أَصْحَابِنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ
الْمُسْتَحَبُّ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ
وَالْجَائِزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ أَنْ
يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا
بِهِ أَوْ قَمِيصٍ ضَيِّقٍ لِوُجُودِ سَتْرِ
الْعَوْرَةِ وَأَصْلِ الزِّينَةِ
وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ
أَوْ إزَارٍ لَا غَيْرُ وَفِي حَقِّ
الْمَرْأَةِ الْمُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ
أَثْوَابٍ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَهِيَ
إزَارٌ وَدِرْعٌ وَخِمَارٌ . وَالدَّلِيلُ
عَلَى كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي
السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا وَعِنْدَهُ قَمِيصٌ
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
لِبْسَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي لِحَافٍ لَا
يَتَوَشَّحُ بِهِ وَالْأُخْرَى أَنْ يُصَلِّيَ
فِي سَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ»
أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُد . ا هـ .
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ
ثَلَاثًا» الْحَدِيثَ ، قَالَ الْكَمَالُ
رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ
الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّاسٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُرْسَلًا قَالَ
الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هَذَا مِنْ
مُنْكَرَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ
لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ) ذَكَرَهُ ابْنُ
قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ
فَذَرْ) هَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي
خَطِّ الشَّارِحِ بِغَيْرِ فَاءٍ ا هـ
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ فَذَرْ أَيْضًا
مَا نَصُّهُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ
وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ
«سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَا فَقَالَ
وَاحِدَةً أَوْ دَعْ» ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ أَصَحُّ . ا هـ
. فَتْحٌ . (قَوْلُهُ «فَإِنَّ الرَّحْمَةَ
تُوَاجِهُهُ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي ذَرٍّ . ا هـ . غَايَةٌ وَمَعْنَاهُ
الْإِقْبَالُ عَلَى الرَّحْمَةِ وَتَرْكُ
الِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِالْحَصَى وَغَيْرِهِ
. ا هـ . وَقَدْ أُخْرِجَ فِي الْكُتُبِ
السِّتَّةِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا
تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ
كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ» . ا هـ
. فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَفَرْقَعَةُ
الْأَصَابِعِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ وَالْفَرْقَعَةُ وَالتَّشْبِيكُ
فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ جَمِيعِ
أَهْلِ الْعِلْمِ فَتَكُونُ فِيهِ إجْمَاعًا
وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا يُشَبِّكُ
أَصَابِعَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْوَضْعُ
أَوْ الْأَخْذُ الْمَسْنُونُ ا هـ قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ
النَّاسِ الْفَرْقَعَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ
فَإِنَّهَا تَلْقِينُ الشَّيْطَانِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا
تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك فِي الصَّلَاةِ»
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ . ا هـ . غَايَةٌ
وَقَالَ الْكَمَالُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُفَرْقِعْ
أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ» وَهُوَ
مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ ا هـ . وَرُوِيَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«قَالَ لِعَلِيٍّ إنِّي أُحِبُّ لَك مَا
أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك
وَأَنْتَ تُصَلِّي» . ا هـ . دِرَايَةٌ
(قَوْلُهُ «وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا قَدْ
شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ» إلَى
آخِرِهِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَعْبِ
بْنِ عُجْرَةَ . ا هـ . غَايَةٌ . (قَوْلُهُ
فِي الْمَتْنِ : وَالتَّخَصُّرِ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُكْرَهُ خَارِجَ
الصَّلَاةِ أَيْضًا فَإِنَّ إبْلِيسَ أُخْرِجَ
مِنْ الْجَنَّةِ مُتَخَصِّرًا . ا هـ .
كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ
التَّخَصُّرِ أَخْرَجُوهُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ
يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا» وَفِي
لَفْظٍ «نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي
الصَّلَاةِ» ا هـ
(1/162)
عَلَى الْعَصَا
مَأْخُوذٌ مِنْ الْمِخْصَرَةِ وَهِيَ
السَّوْطُ وَالْعَصَا وَنَحْوُهُمَا وَمِنْهُ
«قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- لِابْنِ أُنَيْسٌ وَقَدْ أَعْطَاهُ عَصًا
تَخَصَّرَ بِهَا فَإِنَّ الْمُتَخَصِّرِينَ
فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِرَ
السُّورَةَ فَيَقْرَأَ آخِرَهَا وَقِيلَ هُوَ
أَنْ لَا يُتِمَّ صَلَاتَهُ فِي رُكُوعِهَا
وَسُجُودِهَا وَحُدُودِهَا» قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَالِالْتِفَاتُ) لِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكَ
وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ
الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ»
وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- : «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ
اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ
صَلَاةِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَا
يُكْرَهُ» ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ لِمَا
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْتَفِتُ
يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ
خَلْفَ ظَهْرِهِ» ، ثُمَّ الِالْتِفَاتُ
ثَلَاثَةٌ مَكْرُوهٌ ، وَهُوَ أَنْ يَلْوِيَ
عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَدْ
ذَكَرْنَا وَجْهَهُ وَمُبَاحٌ ، وَهُوَ أَنْ
يَنْظُرَ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ يَمْنَةً
وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ
عُنُقَهُ ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُلَاحِظُ
أَصْحَابَهُ بِمَوْقِ عَيْنَيْهِ وَمُبْطِلٌ
وَهُوَ أَنْ يُحَوِّلَ صَدْرَهُ عَنْ
الْقِبْلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ
التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُكْرَهُ
أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ فِي
الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَا بَالُ أَقْوَامٍ
يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ
فِي الصَّلَاةِ لَيَنْتَهُنَّ أَوْ
لَتُخْطَفُنَّ أَبْصَارَهُمْ» . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِقْعَاءُ) لِقَوْلِ
أَبِي ذَرٍّ «نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ
أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ وَأَنْ
أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ وَأَنْ
أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ»
وَالْإِقْعَاءُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ أَنْ
يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ
فَخِذَيْهِ وَيَضُمَّ رُكْبَتَيْهِ إلَى
صَدْرِهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ
وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ هُوَ أَنْ يَنْصِبَ
قَدَمَيْهِ وَيَقْعُدَ عَلَى عَقِبَيْهِ
وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ،
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ
بِإِقْعَاءِ الْكَلْبِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ) لِمَا
رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَرِدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ) أَيْ
بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ ، وَلَا
يُفْسِدُ الصَّلَاةَ ، وَأَمَّا
الْمُصَافَحَةُ فَمُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ
وَقَدْ بَيَّنَّاهَا مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالِالْتِفَاتِ
إلَى آخِرِهِ) هُوَ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ
أَهْلِ الْعِلْمِ . ا هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ «فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي
الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ» فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ
فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرَائِضِ ،
وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ «وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إلَى
آخِرِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُلَاحِظُ
أَصْحَابَهُ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ) الْمُؤْقُ
مَهْمُوزُ الْعَيْنِ مُؤَخَّرُ الْعَيْنِ
وَالْمَأَقُ مُقَدِّمُهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ يَكْتَحِلُ مِنْ قِبَلِ
مُؤْقِهِ مَرَّةً وَمِنْ قِبَلِ مَأْقِهِ
أُخْرَى» قَالَ الزُّهْرِيُّ وَهَذَا
الْحَدِيثُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَأَجْمَعَ
أَهْلُ الْفَنِّ أَنَّهُمَا بِمَعْنَى
الْمُؤَخَّرِ ، وَكَذَا الْمَأَقِي ا هـ
غَايَةٌ قَوْلُهُ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ
وَيَجُوزُ قَلْبُ الْهَمْزَةُ وَاوًا . ا هـ .
كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُحَوَّلَ
صَدْرُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ
فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَرْعٌ :
الْمُصَلِّي إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ وَإِنْ حَوَّلَ وَجْهَهُ دُونَ
صَدْرِهِ لَا تَفْسُدُ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي
الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَفِي
الْمَرْغِينَانِيُّ إنْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ
تَحْوِيلِ صَدْرِهِ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ
أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا
تَفْسُدَ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى
أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى
قَصْدِ الْإِصْلَاحِ يُفْسِدُ عِنْدَهُمَا
وَعِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ تَرْكِ
الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ مَا دَامَ فِي
الْمَسْجِدِ أَصْلُهُ انْصَرَفَ عَنْ
الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَتَمَّ
صَلَاتَهُ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ
تَتِمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَبْنِي مَا
دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُمَا لَا
يَبْنِي . ا هـ (قَوْلُهُ «مَا بَالُ
أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ» إلَى
آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ شَدَّادٍ فِي
أَحْكَامِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ . ا هـ .
غَايَةٌ . (قَوْلُهُ «نَهَانِي خَلِيلِي» إلَى
آخِرِهِ) قَدْ عَابَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَهُ
فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - خَلِيلِي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَّخِذْهُ وَلَا أَحَدًا
مِنْ الْخَلْقِ خَلِيلًا وَهَذَا إنَّمَا
وَقَعَ فِيهِ قَائِلُهُ لِظَنِّهِ أَنَّ
خَلِيلًا بِمَعْنَى مُخَالِلٍ مِنْ
الْمُخَالَلَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا
بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
فَإِنَّ خَلِيلًا مِثْلُ حَبِيبٍ لَا يَلْزَمُ
فِيهِ مِنْ الْمُفَاعَلَةِ شَيْءٌ إذْ قَدْ
يَجِبُ الْكَارِهُ . ا هـ . شَرْحُ مُسْلِمٍ
لِلْقُرْطُبِيِّ فِي بَابِ الضُّحَى . ا هـ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ بِهَذَا
اللَّفْظِ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ
السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
الْغَايَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ
الْكَمَالُ وَحَدِيثُ الْإِقْعَاءِ
وَالِافْتِرَاشِ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
ذَرٍّ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
ثَلَاثَةٍ عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ
وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ
وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ» وَفِي
الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ تَعْنِيهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ
عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ وَأَنْ يَفْتَرِشَ
الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ ،
وَعُقْبَةُ الشَّيْطَانِ الْإِقْعَاءُ» ا هـ .
(قَوْلُهُ أَمَّا الْمُصَافَحَةُ فَمُفْسِدَةٌ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ
الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ شَارِحُ
الْكَنْزِ إنَّهُ بِالْإِشَارَةِ مَكْرُوهٌ
وَبِالْمُصَافَحَةِ مُفْسِدٌ وَقَالَ
الزَّيْلَعِيُّ الْآخَرُ فِي تَخْرِيجِ
أَحَادِيثِ الْكِتَابِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ
الْمَذْكُورَ هُنَا قُلْت أَجَازَ الْبَاقُونَ
رَدَّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ وَلَنَا
حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«مَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً
تُفْهِمُ أَوْ تُفَقِّهُ فَقَدْ قَطَعَ
الصَّلَاةَ» وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
بِابْنِ إِسْحَاقَ وَأَبُو غَطَفَانَ
مَجْهُولٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنْ أَبَا غَطَفَانَ
هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ وَيُقَالُ ابْنُ مَالِكٍ
الْمُرِّيِّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ
وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ
وَمَا عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ لَنَا
ابْنُ أَبِي دَاوُد وَأَبُو غَطَفَانَ
مَجْهُولٌ لَا يُقْبَلُ وَابْنُ إِسْحَاقَ
ثِقَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ
وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ ،
ثُمَّ أَخْرَجَ لِلْخَصْمِ حَدِيثَ أَبِي
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ «مَرَرْت
بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمْت
عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً وَقَالَ
لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ رَدَّ عَلَيَّ
إشَارَةً بِأُصْبُعِهِ» صَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَعِدَّةُ أَحَادِيثَ تُفِيدُ
هَذَا الْمَعْنَى وَالْجَوَابُ أَنَّهُ
بِنَاءٌ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ
وَغَيْرِهِ مِنْ كَرَاهَةِ الْإِشَارَةِ ،
وَلَنَا أَنْ لَا نَقُولَ بِهِ فَإِنَّ مَا
فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ
وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ أَنْ
يَتَكَلَّمَ مَعَ الْمُصَلِّي وَيُجِيبُ هُوَ
بِرَأْسِهِ يُفِيدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ
وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ
لِضَرُورَةٍ
(1/163)
قَبْلُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّرَبُّعُ بِلَا
عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ
الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَعَقْصُ شَعْرِهِ) لِمَا رُوِيَ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ
مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ فَجَعَلَ
يَحُلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مَالَك وَرَأْسِي
فَقَالَ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ
«إنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِي
يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» وَالْعَقْصُ هُوَ
جَمْعُ الشَّعْرِ عَلَى الرَّأْسِ وَشَدُّهُ
بِشَيْءٍ حَتَّى لَا يَنْحَلَ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفُّ ثَوْبِهِ)
لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَدْلُهُ) لِنَهْيِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ
وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ
أَوْ كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ جَوَانِبَهُ
وَلِأَنَّ فِيهَا تَشَبُّهًا بِأَهْلِ
الْكِتَابِ فَيُكْرَهُ وَمِنْ السَّدْلِ أَنْ
يَجْعَلَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ
يُدْخِلْ يَدَيْهِ وَيُكْرَهُ الصَّمَّاءُ
لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - عَنْهَا وَهُوَ أَنْ يَشْمَلَ
بِثَوْبِهِ فَيُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ
مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمِهِ وَلَا يَرْفَعُ
جَانِبًا يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْهُ سَمَّى
بِهِ لِعَدَمِ مَنْفَذٍ يُخْرِجُ مِنْهُ
يَدَيْهِ كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ ، وَقِيلَ
أَنْ يَشْمَلَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ
عَلَيْهِ إزَارٌ وَقَالَ هِشَامٌ سَأَلَتْ
مُحَمَّدًا عَنْ الِاضْطِبَاعِ فَأَرَانِي
الصَّمَّاءَ فَقُلْت هَذِهِ الصَّمَّاءُ
فَقَالَ إنَّمَا تَكُونُ الصَّمَّاءُ إذَا
لَمْ يَكُنْ عَلَيْك إزَارٌ وَهُوَ اشْتِمَالُ
الْيَهُودِ وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ وَهُوَ
أَنْ يُكَوِّرَ عِمَامَتَهُ وَيَتْرُكَ وَسَطَ
رَأْسِهِ مَكْشُوفًا وَقِيلَ أَنْ يَنْتَقِبَ
بِعِمَامَتِهِ فَيُغَطِّيَ أَنْفَهُ إمَّا
لِلْحَرِّ أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِلتَّكَبُّرِ
وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ وَهُوَ تَغْطِيَةُ
الْأَنْفِ وَالْفَمِ فِي الصَّلَاةِ ؛
لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ حَالَ
عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَالتَّثَاؤُبُ) لِأَنَّهُ مِنْ
التَّكَاسُلِ وَالِامْتِلَاءِ فَإِنْ غَلَبَهُ
فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ غَلَبَهُ
وَضَعَ يَدَهُ أَوْ كُمَّهُ عَلَى فِيهِ
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ
الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا
تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّ مَا
اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَاءَ هَاءَ
فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ
مِنْهُ» وَفِي رَاوِيَةٍ «إذَا تَثَاءَبَ
أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى
فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ»
وَيُكْرَهُ التَّمَطِّي فَإِنَّهُ مِنْ
التَّكَاسُلِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا
يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُنَافِي
الْخُشُوعَ وَفِيهِ نَوْعُ عَبَثٍ وَيُكْرَهُ
أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ
يُدَافِعُ الْأَخْبَثِينَ وَإِنْ شَغَلَهُ
قَطَعَهَا ، وَكَذَا الرِّيحُ وَإِنْ مَضَى
عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ ،
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ
طَعَامٍ وَلَا صَلَاةَ وَهُوَ يُدَافِعُ
الْأَخْبَثِينَ» مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ
وَنَفْيِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى لَوْ ضَاقَ
الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ
بِالْوُضُوءِ تَفُوتُهُ يُصَلِّي لِأَنَّ
الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى مِنْ
الْقَضَاءِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى
نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةِ أَوْ بِكُمِّهِ . وَلَا
تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ مَا لَمْ يَكْثُرْ ؛
لِأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دَفْعًا لِلْخِلَافِ . فَالْجَوَابُ بِأَنَّ
الْمَنْعَ لِمَا يُوجِبُهُ مِنْ الشَّتِّ
وَالشُّغْلِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مُؤَيَّدٌ عَنْ أَنْ يَتَأَثَّرَ
عَنْ ذَلِكَ فَلِذَا مَنَعَ وَفَعَلَهُ هُوَ
وَلَوْ تَعَارَضَا قُدِّمَ الْمَانِعُ ا هـ
وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ
قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ عَامٌّ أَمَّا
فِعْلُهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ مِنْ
خُصُوصِيَّاتِهِ ا هـ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ
فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْجُلُوسِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
التَّرَبُّعُ جُلُوسُ الْجَبَابِرَةِ فَلِذَا
كُرِهَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ
فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ
«فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَرَبَّعُ فِي جُلُوسِهِ
فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ» ، وَكَذَا جُلُوسُ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي
مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَرَبِّعًا . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «إنَّمَا مِثْلُ هَذَا
مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ»
إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ . ا هـ .
غَايَةٌ . قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ
عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ
وَلِهَذَا مِثْلُهُ بِاَلَّذِي يُصَلِّي
وَهُوَ مَكْتُوفٌ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ
لِرَجُلٍ رَآهُ يَسْجُدُ وَهُوَ مَعْقُوصٌ
شَعْرُهُ أَرْسِلْهُ يَسْجُدُ مَعَك . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفُّ
ثَوْبِهِ) أَيْ وَهُوَ رَفْعُهُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ عِنْدَ
السُّجُودِ كَمَا يَفْعَلُهُ تُرْكُ هَذَا
الزَّمَانِ ا هـ ع (قَوْلُهُ وَكَفُّ
ثَوْبِهِ) وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ أَطْرَافَهُ
اتِّقَاءَ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ . ا هـ
شَرْحُ وِقَايَةٍ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَسَدْلُهُ إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ فِي
الصِّحَاحِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ
لِلْفَارَابِيِّ السَّدْلُ بِسُكُونِ الدَّالِ
وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِهَا وَقَالَ هُوَ
مِنْ بَابِ طَلَبَ طَلَبًا . ا هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - إلَى آخِرِهِ) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي
الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ . ا هـ . فَتْحٌ وَفِي
الدِّرَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي
كَرَاهَةِ السَّدْلِ خَارِجَ الصَّلَاةِ .
(قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ
عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ
جَوَانِبَهُ) يَصْدُقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ
الْمِنْدِيلُ مُرْسَلًا مِنْ بَيْنِ
كَتِفَيْهِ كَمَا يَعْتَادُهُ كَثِيرٌ
فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلَى عُنُقِهِ مِنْدِيلٌ
أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ قَالَهُ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ
أَنْ يَجْعَلَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ
وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ) أَيْ وَلَمْ
يَعْطِفْ بَعْضُهُ . ا هـ . جَوْهَرَةٌ .
(قَوْلُهُ وَيَتْرُكُ وَسَطَ رَأْسِهِ
مَكْشُوفًا) تَشْبِيهًا بِالشُّطَّارِ أَهْلَ
الْفَسَادِ . ا هـ . غَايَةٌ . (قَوْلُهُ
وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْفَرَّاءُ اللِّثَامُ مَا كَانَ عَلَى
الْفَمِ مِنْ النِّقَابِ وَاللِّقَامُ مَا
كَانَ عَلَى الْأَرْنَبَةِ . ا هـ . مَجْمَعُ
الْبَحْرَيْنِ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يُشْبِهُ
فِعْلَ الْمَجُوسِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي
فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَيُكْرَهُ لَهُ
شَدُّ وَسَطِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ
الْكِتَابِ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَلَوْ صَلَّى
وَقَدْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ لِعَمَلٍ أَوْ
هَيْئَةٍ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَقِيلَ لَا بَأْسَ
بِهِ . ا هـ . كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ
وَالتَّثَاؤُبُ) هُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ
الثَّوْبَاءَ وَهِيَ مَهْمُوزَةٌ فَتْرَةٌ
مِنْ ثَقْلَةِ النُّعَاسِ يَفْتَحُ فَاهُ
وَمِنْهُ إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ
فَلْيُغَطِّ فَاهُ وَتَثَاوُبٌ غَلَطٌ
ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ . ا هـ . غَايَةٌ
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالتَّثَاؤُبُ قَالَ
سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا تَثَاءَبَ
نَبِيٌّ قَطُّ وَأَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِ
النُّبُوَّةِ . . ا هـ . زَرْكَشِيٌّ .
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ» إلَى
آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِشَرْطِ
الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا تَثَاءَبَ
أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ» آلَى آخِرِهِ)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ا هـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ
تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ ذَكَرَهُ فِي
الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : لِأَنَّ
الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى مِنْ
الْقَضَاءِ) ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ
الْبَحْرِ الْمُحِيطِ . ا هـ . غَايَةٌ قَالَ
فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَتُكْرَهُ فِي
قَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ
وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ
وَالْمَخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ
فَإِنْ غَسَلَ فِي الْحَمَّامِ مَكَانًا
(1/164)
غَيْرُ
مُفْسِدٍ اتِّفَاقًا وَالْكَثِيرَ مُفْسِدٌ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا ،
وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ
أَنَّ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ عَادَةً
كَثِيرٌ ، وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ
كَالتَّعْمِيمِ وَلُبْسِ الْقَمِيصِ وَشَدِّ
السَّرَاوِيلِ وَالرَّمْيِ عَنْ الْقَوْسِ
وَمَا يُقَامُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ
وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدَيْنِ كَنَزْعِ
الْقَمِيصِ وَحَلِّ السَّرَاوِيلِ وَلِبْسِ
الْقَلَنْسُوَةِ وَنَزْعِهَا وَنَزْعِ
اللِّجَامِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
وَالثَّانِي أَنَّ الثَّلَاثَ
الْمُتَوَالِيَاتِ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ
قَلِيلٌ حَتَّى لَوْ رَوَّحَ عَلَى نَفْسِهِ
بِمِرْوَحَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ حَكَّ
مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ أَوْ رَمَى ثَلَاثَةَ
أَحْجَارٍ أَوْ نَتَفَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ
فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْوَلَاءِ تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ وَإِنْ فَصَلَ لَا تَفْسُدُ ،
وَإِنْ كَثُرَ وَعَلَى هَذَا قَتْلُ
الْقُمَّلِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا
يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ وَالْقَلِيلُ
بِخِلَافِهِ وَالرَّابِعُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى
رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَهُوَ الْمُصَلِّي
فَإِنْ اسْتَكْثَرَهُ كَانَ كَثِيرًا وَإِنْ
اسْتَقَلَّهُ كَانَ قَلِيلًا وَهَذَا أَقْرَبُ
الْأَقْوَالِ إلَى دَأْبِ أَبِي حَنِيفَةَ
فَإِنَّ مِنْ دَأْبِهِ أَنْ لَا يُقَدَّرَ فِي
جِنْسٍ مِثْلَ هَذَا بِشَيْءٍ بَلْ
يُفَوِّضُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ
وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ
نَاظِرٌ مِنْ بَعِيدٍ إنْ كَانَ لَا يَشُكُّ
أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ
مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ شَكَّ فَلَيْسَ
بِمُفْسِدٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِيَامُ الْإِمَامِ لَا
سُجُودُهُ فِي الطَّاقِ) أَيْ يُكْرَهُ
قِيَامُ الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ وَهُوَ
الْمِحْرَابُ وَلَا يُكْرَهُ سُجُودُهُ فِيهِ
إذَا كَانَ قَائِمًا خَارِجَ الْمِحْرَابِ
وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ
التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ
تَخْصِيصُ الْإِمَامِ بِالْمَكَانِ وَحْدَهُ
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمِحْرَابَ يُشْبِهُ
اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ ، وَالْمُعْتَبَرُ
هُوَ الْقِدَمُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ
الْأَحْكَامِ ، وَقِيلَ إذَا كَانَ
الْمِحْرَابُ مَكْشُوفًا بِحَيْثُ لَا
يَشْتَبِهُ حَالُ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ هُوَ
فِي الْجَوَانِبِ لَا يُكْرَهُ لِلضَّرُورَةِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَانْفِرَادُ
الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ وَعَكْسُهُ)
لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يَقُومَ
الْإِمَامُ فَوْقَ شَيْءٍ وَالنَّاسُ
خَلْفَهُ» يَعْنِي أَسْفَلَ مِنْهُ
وَلِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَمَّ
الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَؤُمَّنَّ فِي
مَقَامٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ» وَلِأَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ يَرْفَعُونَ مَقَامَ
إمَامِهِمْ فَيَكُونُ تَشْبِيهًا بِهِمْ ،
وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ
أَعْلَى مِنْ الْإِمَامِ وَقَالَ
الطَّحَاوِيُّ لَا يُكْرَهُ لِزَوَالِ
الْمَعْنَى وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ
الْكِتَابِ ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ
يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ فَكَانَ
تَشْبِيهًا بِهِمْ وَلِأَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً
بِالْإِمَامِ ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ
قَامَةٌ وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهَا ذَكَرَهُ
الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَصَلَّى فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَذَا
مَوْضِعُ جُلُوسِ الْحَمَّامِيِّ وَيُكْرَهُ
أَيْضًا فِي الْمَقْبَرَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ
فِيهَا مَوْضِعٍ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ لَا
نَجَاسَةَ فِيهِ وَلَا قَبْرَ فِيهِ ا هـ
زَادَ الْفَقِيرُ ا هـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ
وَلَوْ صَلَّى وَفِي فَمِهِ شَيْءٌ يُمْسِكُهُ
إنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ
وَلَكِنْ يُخِلُّ بِهَا كَدِرْهَمٍ أَوْ
دِينَارٍ أَوْ لُؤْلُؤَةٍ لَا يُفْسِدُ
صَلَاتَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ شَيْءٌ
مِنْ الرُّكْنِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَإِنْ
كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّكْنِ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الرُّكْنُ
وَإِنْ كَانَ فِي فِيهِ سَكْرَةٌ لَا تَجُوزُ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ وَكَذَلِكَ إنْ
كَانَ فِي كَفِّهِ شَيْءٌ يُمْسِكُهُ جَازَتْ
صَلَاتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ
عَنْ الْأَخْذِ بِالرَّكْبِ فِي الرُّكُوعِ
أَوْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الرَّاحَتَيْنِ
عِنْدَ السُّجُودِ يُكْرَهُ لِمَنْعِهِ عَنْ
تَحْصِيلِ السُّنَّةِ ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ
رَمَى طَائِرًا بِحَجَرٍ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ
وَيُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ
الصَّلَاةِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ
أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ مَضَغَ
الْعِلْكَ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ ؛
لِأَنَّ النَّاظِرَ إلَيْهِ مِنْ بُعْدٍ لَا
يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ،
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ
التَّحْدِيدِ هُوَ هَذَا حَيْثُ حُكِمَ
بِفَسَادِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ
إلَى اسْتِعْمَالِ الْيَدِ رَأْسًا فَضْلًا
عَنْ اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ . ا هـ .
وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ لِحْيَتَهُ أَوْ
حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا وَأَرْضَعَتْهُ
فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا حَمْلُ
الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا
يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ
وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي
الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ
وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا ، ثُمَّ
هَذَا الصَّنِيعُ لَمْ يُكْرَهْ مِنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛
لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ
لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ لِبَيَانِهِ
الشَّرْعَ بِالْفِعْلِ أَنْ هَذَا غَيْرُ
مُوجِبٍ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هَذَا
نَصًّا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ
مِنَّا لَوْ فَعَلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا
بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيُكْرَهُ . ا هـ .
بَدَائِعُ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ قِيَامُ
الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ) إلَّا لِعُذْرٍ
كَكَثْرَةِ الْقَوْمِ . ا هـ زَادُ الْفَقِيرِ
. (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ سُجُودُهُ فِيهِ
إذَا كَانَ قَائِمًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ
وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ مَقَامُ
الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَسُجُودُهُ فِي
الطَّاقَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي
الطَّاقِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا
عَلَى عُرْفٍ فِي دِيَارِهِمْ ؛ لِأَنَّ
عَامَّةَ الْأَبْنِيَةِ فِيهَا مِنْ الْآجُرِّ
فَيَتَّخِذُونَ طَاقَاتٍ فِي الْمَحَارِيبِ
وَلَمْ يَرِدْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ
الطَّاقَ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَكِنْ
أَرَادُوا بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعَ السُّجُودِ
أَيْ الصَّلَاةَ . وَلَمَّا لَمْ يَتَعَوَّدْ
الصَّلَاةَ فِي الطَّاقِ حَسُنَ الْفَصْلُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ فَإِطْلَاقُ
لَفْظِ الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِك الْمَسْجِدُ
بَيْتُ اللَّهِ يُفِيدُ غَيْرَ مَا يُفِيدُ
قَوْلُك هَذَا مَسْجِدِي أَيْ مَوْضِعُ
صَلَاتِي ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا
يُجَامِعُ الْمِلْكَ وَالثَّانِي يُجَامِعُهُ
فِي الْجُمْلَةِ وَمُرَادُهُ فِي الْكِتَابِ
هَذَا الثَّانِي وَإِنَّمَا كَشَفْت لَك عَنْ
التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الِاسْتِعْمَالَيْنِ ؛
لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَا
حَنِيفَةَ لَمْ يَجْعَلْ الطَّاقَ مِنْ
الْمَسْجِدِ حَيْثُ قَسَّمَ وَفَصَّلَ
فَعَابُوا أَبَا حَنِيفَةَ عَمَّا ذَكَرَ مِنْ
الصَّوَابِ فَقَعَدُوا تَحْتَ الْمَعَابِ . ا
هـ . نِهَايَةُ الْكِفَايَةِ لِدِرَايَةِ
الْهِدَايَةِ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ
الْقَدَمُ كَمَا فِي كَثِيرِ مِنْ
الْأَحْكَامِ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ
الْقَدَمِ طَهَارَتُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ
الصَّلَاةِ دُونَ طَهَارَةِ مَوْضِعِ
الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَلَوْ
اقْتَدَى بِرَجُلٍ وَقَدَمُهُ بِعَقِبِ قَدَمِ
الْإِمَامِ وَرَأْسُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى رَأْسِ
الْإِمَامِ لِطُولِهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ
وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَدْخُلُ دَارَ
فُلَانٍ بِوَضْعِ قَدَمِهِ دُونَ جَسَدِهِ
وَلَوْ كَانَ قَدَمَا الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ
وَجَسَدُهُ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ
الْحَرَمِ . ا هـ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا
يَشْتَبِهُ حَالُ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ)
أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ الطَّاقِ
عَمُودَانِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ فُرْجَةٌ
يَطَّلِعُ مِنْهَا مِنْ عَلَى يَمِينِهِ
وَمِنْ عَلَى يَسَارِهِ عَلَى حَالِهِ
(قَوْلُهُ ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ
قَامَةٌ) أَيْ قَامَةُ الرَّجُلِ الْوَسَطِ .
ا هـ بِأَكْبَرَ قَالَ الرَّازِيّ ، ثُمَّ
قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةُ رَجُلٍ هُوَ
الصَّحِيحُ . ا هـ
(1/165)
مَرْوِيٌّ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ
بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِامْتِيَازُ
وَقِيلَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ
اعْتِبَارًا بِالسُّتْرَةِ وَعَلَيْهِ
الِاعْتِمَادُ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ
بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ فِي الصَّحِيحِ
لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ
لِلْكَرَاهَةِ وَهُوَ انْفِرَادُ الْإِمَامِ
بِالْمَكَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّهُ
يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ فَيُكْرَهُ قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ
رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ
بِحِذَائِهِ صُورَةً) لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَدْخُلُ
الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا
صُورَةٌ ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا
فَيُكْرَهُ وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ
تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي ثُمَّ فَوْقَ
رَأْسِهِ ، ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ ، ثُمَّ
عَلَى يَسَارِهِ ، ثُمَّ خَلْفَهُ وَفِي
الْغَايَةِ إنْ كَانَ التِّمْثَالُ فِي
مُؤَخَّرِ الظَّهْرِ وَالْقِبْلَةِ لَا
يُكْرَه ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ عِبَادَتَهُ
، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ
الْكَرَاهَةَ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) لِأَنَّهَا
لَا تُعْبَدُ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ
لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ وَالْكَرَاهَةُ
بِاعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ فَإِذَا لَمْ
يُعْبَدْ مِثْلُهَا لَا يُكْرَهُ رُوِيَ أَنَّ
خَاتَمَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَلَيْهِ
ذُبَابَتَانِ وَخَاتَمَ دَانْيَالَ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - كَانَ عَلَيْهِ أَسَدٌ
وَلَبْوَةُ وَبَيْنَهُمَا رَجُلٌ
يَلْحَسَانِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ) أَيْ
مَمْحُوَّةَ الرَّأْسِ بِخَيْطٍ يَخِيطُهُ
عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلرَّأْسِ
أَثَرٌ أَوْ يَطْلِيهِ بِمَغْرَةٍ أَوْ
نَحْوِهِ أَوْ يَنْحِتُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا
يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ
الرَّأْسِ عَادَةً وَلَا اعْتِبَارَ
بِالْخَيْطِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ
لِأَنَّ مِنْ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ
وَلَا بِإِزَالَةِ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ
الْعَيْنَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا تُعْبَدُ
بِدُونِهِمَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) أَيْ أَوْ كَانَتْ
الصُّورَةُ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ مِثْلَ أَنْ
تَكُونَ صُورَةُ النَّخْلِ وَغَيْرُهَا مِنْ
الْأَشْجَارِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ
عَادَةً وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
رَخَّصَ فِي تِمْثَالِ الْأَشْجَارِ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَدُّ الْآيِ
وَالتَّسْبِيحِ) أَيْ يُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ
وَالتَّسْبِيحِ بِالْيَدِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ
عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا
عَلَى مَا يَلِيه مِمَّا هُوَ لَيْسَ
بِمَكْرُوهٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ
وَالنَّوَافِلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي
حَنِيفَةَ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يَعُدُّ الْآيَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ
فِيهِ مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ
وَالتَّسْبِيحِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ
الْعَدَّ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» وَمَا
رَوَيَاهُ ضَعِيفٌ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ
مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَحِينَ كَانَ
الْعَمَلُ مُبَاحًا فِيهَا وَمُرَاعَاةُ
سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ مُمْكِنَةٌ بِدُونِهِ
بِأَنْ ، يُنْظَرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا
وَمُرَاعَاةُ سُنَّةِ التَّسْبِيحِ مُمْكِنَةٌ
أَيْضًا بِأَنْ يَحْفَظَ بِقَلْبِهِ وَيَضُمَّ
الْأَنَامِلَ فِي مَوْضِعِهَا لِأَنَّ
الْمَكْرُوهَ هُوَ الْعَدُّ بِالْأَصَابِعِ
وَبِسُبْحَةٍ يُمْسِكُهَا بِيَدِهِ دُونَ
الْغَمْزِ بِهَا وَالْحِفْظُ بِقَلْبِهِ ،
ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَرَائِضِ
وَيَجُوزُ فِي النَّوَافِلِ بِالْإِجْمَاعِ
وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي النَّوَافِلِ وَلَا
يَجُوزُ فِي الْفَرَائِضِ بِالْإِجْمَاعِ
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ
وَاخْتَلَفُوا فِي عَدِّ التَّسْبِيحِ خَارِجَ
الصَّلَاةِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ لِيَكُونَ
أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبَ مِنْ
الْإِقْرَارِ بِالتَّقْصِيرِ وَعَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ
رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ
عُدَّ ذُنُوبَك لِتَسْتَغْفِرَ مِنْهَا
وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى : لَا يُكْرَهُ
خَارِجَ الصَّلَاةِ فِي الصَّحِيحِ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا قَتْلُ الْحَيَّةِ
وَالْعَقْرَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ قَتْلُ
الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ
بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ
الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ» وَلِأَنَّ فِي
قَتْلِهِمَا دَفْعَ الشُّغْلِ وَإِزَالَةَ
الْأَذَى فَأَشْبَهَ دَرْءَ الْمَارِّ
وَتَسْوِيَةَ الْحَصَى لِلسُّجُودِ وَمَسْحَ
الْعَرَقِ ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا تُقْتَلُ
إذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِهَا بِفِعْلٍ
يَسِيرٍ كَالْعَقْرَبِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ
يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ
وَالْمَشْيِ فَمُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ ،
وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَظْهَرُ
أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ
رُخْصَةٌ كَالْمَشْيِ فِي الْحَدَثِ
وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ
وَالتَّوَضُّؤِ . وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ
أَذَاهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُمَا
وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيّ وَمَالِكٍ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ
لَشُغْلًا» وَقَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ
تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي
تَمْشِي مُسْتَوِيَةً ؛ لِأَنَّهَا مِنْ
الْجَانِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا ذَا
الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ وَإِيَّاكُمْ
وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ
الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا بَأْسَ
بِقَتْلِ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَاهَدَ الْجِنَّ
أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا
يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِذَا خَالَفُوا
فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ فَلَا حُرْمَةَ
لَهُمْ ، وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ
بَيْتًا» إلَى آخِرِهِ) الْمُرَادُ بِهِمْ
الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالْبَرَكَةِ لَا
الْحَفَظَةُ وَعَدَمُ دُخُولِهِمْ لِزَجْرِ
صَاحِبِ الْبَيْتِ عَنْ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ .
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ وَأَجَازَ سُلَيْمَانُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
التَّصَاوِيرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ
مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} [سبأ : 13]
وَالتَّمَاثِيلُ صُوَرُ الْأَنْبِيَاءِ
وَالصُّلَحَاءِ كَانَتْ تُعْمَلُ فِي
الْمَسَاجِدِ مِنْ نُحَاسٍ وَرُخَامٍ
لِيَرَاهَا النَّاسَ ، فَيَعْبُدُوا نَحْوَ
عِبَادَتِهِمْ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ
الشَّرَائِعُ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ
بِالتَّمَاثِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى
صُورَةِ الْحَيَوَانِ ؛ لِأَنَّ التِّمْثَالَ
أَعَمُّ ، مِنْ ذَلِكَ . ا هـ . شَرْحُ
مَشَارِقَ . (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ خَاتَمَ
أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَلَيْهِ
ذُبَابَتَانِ) الْمَذْكُورَةُ فِي
النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّ
الذُّبَابَتَيْنِ كَانَتَا عَلَى خَاتَمِ
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (قَوْلُهُ
وَخَاتَمُ دَانْيَالَ كَانَ عَلَيْهِ أَسَدٌ
إلَى آخِرِهِ) وَسَبَبُ تَصْوِيرِ دَانْيَالَ
ذَلِكَ عَلَى خَاتَمِهِ هُوَ أَنْ بُخْتَ
نَصَّرَ لَمَّا أَخَذَ بِتَتَبُّعِ
الصَّبِيَّانِ ، وَيَقْتُلُهُمْ وَوُلِدَ
دَانْيَالَ ، أَلْقَتْهُ أُمُّهُ فِي غَيْضَةٍ
رَجَاءَ أَنْ يَنْجُوَ فَقَيَّضَ اللَّهُ
تَعَالَى لَهُ أَسَدًا يَحْفَظُهُ وَلَبْوَة
تُرْضِعُهُ وَهُمَا يَلْحَسَانِهِ فَلَمَّا
كَبِرَ صَوَّرَ ذَلِكَ فِي خَاتَمِهِ حَتَّى
لَا يَنْسَى نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى
عَلَيْهِ ا هـ مُغْرِبٌ فِي دنل وَوُجِدَ
هَذَا الْخَاتَمُ فِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - . ا هـ . مُغْرِبٌ .
(قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ
الرَّأْسِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى إلَى
تَنُّورٍ أَوْ كَانُونٍ فِيهِ نَارٌ كُرِهَ ؛
لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا وَإِلَى
قِنْدِيلٍ أَوْ شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ لَا
لِعَدَمِ التَّشَبُّهِ ا هـ ع (قَوْلُهُ
أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي
الصَّلَاةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ)
وَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ ؛ لِأَنَّهُ
مَنْفَعَةٌ لَنَا ا هـ ع (قَوْلُهُ
«اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ» إلَى
آخِرِهِ) الطُّفْيَةُ خُوصَةُ الْمُقْلِ
وَالْأَسْوَدُ الْعَظِيمُ مِنْ الْحَيَّاتِ
وَهُوَ أَخْبَثُهَا وَفِيهِ سَوَادٌ كَأَنَّهُ
شَبَهُ ، الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ
بِطُفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرُ الْقَصِيرُ
الذَّنَبِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
(1/166)
وَالْإِعْذَارُ
فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ
أَوْ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ
أَبَتْ قَتَلَهَا وَلَكِنَّ الْإِنْذَارَ
إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ ، وَعَلَى
هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قَتْلُ الْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ أَحَبُّ
إلَيَّ مِنْ دَفْنِهَا وَاخْتَارَ أَبُو
حَنِيفَةَ دَفْنَهَا تَحْتَ الْحَصَى رُوِيَ
ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - وَكَرِهَهُمَا أَبُو يُوسُفَ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ مِنْهَا الْأَذَى
وَكَانَ عُمَرُ وَأَنَسٌ يَقْتُلَانِ
الْقَمْلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالصَّلَاةُ إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ
يَتَحَدَّثُ) وَمِنْ النَّاسُ مَنْ كَرِهَ
الصَّلَاةَ إلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ أَوْ
نَائِمِينَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ
وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا أَرَادَ
أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّحْرَاءِ أَمَرَ
عِكْرِمَةَ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ
وَيُصَلِّيَ» وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ
كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا
إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ
قَالَ لِي وَلِّ ظَهْرَك وَمَا رُوِيَ مِنْ
النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَفَعُوا
أَصْوَاتَهُمْ بِحَيْثُ يُشَوِّشُونَ عَلَى
الْمُصَلِّي وَيَقَعُ الْغَلَطُ فِي صَلَاتِهِ
وَفِي النَّائِمِ إذَا كَانَ يَظْهَرُ مِنْهُ
صَوْتٌ فَيَضْحَكُ مَنْ هُوَ فِي صَلَاتِهِ
أَوْ يَخْجَلُ النَّائِمُ إذَا انْتَبَهَ
فَإِذَا أَمِنَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهَا ،
أَلَا تَرَى إلَى مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ
«عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
أَنَّهَا كَانَتْ نَائِمَةً بَيْنَ يَدَيْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي» ، وَكَذَا
أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْضُهُمْ
يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَبَعْضُهُمْ
يَتَذَاكَرُونَ الْعِلْمَ وَالْمَوَاعِظَ
وَبَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ وَلَمْ يَنْهَهُمْ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ
مَكْرُوهًا لَنَهَاهُمْ عَنْهُ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى مُصْحَفٍ أَوْ
سَيْفٍ مُعَلَّقٍ) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ
كَرِهَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيْفُ
مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ السَّيْفَ
آلَةُ الْحَرْبِ وَفِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ فَلَا
يَلِيقُ تَقْدِيمُهُ فِي حَالِ الِابْتِهَالِ
وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ تَشَبُّهٌ
بِأَهْلِ الْكِتَابِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ
عِبَادَتَهُ فَيُكْرَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ
إنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ وَبِاعْتِبَارِهَا
تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ وَفِي اسْتِقْبَالِ
الْمُصْحَفِ تَعْظِيمُهُ وَقَدْ أُمِرْنَا
بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَوْضُوعًا
وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ
لِلْقِرَاءَةِ وَهُوَ مَكْرُوهًا عِنْدَنَا
بَلْ مُفْسِدٌ وَكَلَامُنَا إذَا لَمْ يَكُنْ
لِلْقِرَاءَةِ فَلَا يَكُونُ تَشَبُّهًا
بِهِمْ وَفِي السَّيْفِ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}
[النساء : 102] وَإِذَا كَانَ مُعَلَّقًا
بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ أَمْكَنَ لِأَخْذِهِ
إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فَلَا يُوجِبُ
الْكَرَاهَةَ وَقَدْ «كَانَتْ الْعَنَزَةُ
تُرْكَزُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّي
إلَيْهَا» . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ
شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ) لِأَنَّهُمَا لَا
يُعْبَدَانِ وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِهَا
وَإِنَّمَا تَعَبَّدَهَا الْمَجُوسُ إذَا
كَانَتْ فِي الْكَانُونِ وَفِيهَا الْجَمْرُ
أَوْ فِي التَّنُّورِ فَلَا يُكْرَهُ
التَّوَجُّهُ إلَيْهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ
الْوَجْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَعَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ إنْ لَمْ
يَسْجُدْ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ اسْتِهَانَةٌ
بِالصُّورَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَالسُّجُودُ
عَلَيْهَا يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا فَيُكْرَهُ
وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ لِمَا
رَوَيْنَا وَلِأَنَّ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ
مُعَظَّمٌ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَعْظِيمٍ
لِلصُّورَةِ بِتَعْظِيمِ ذَلِكَ الْبِسَاطِ
فَيُكْرَهُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ
الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ
بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهَا
تُدَاسُ وَتُوطَأُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ
الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ
الصُّورَةُ عَلَى السِّتْرِ ؛ لِأَنَّهُ
تَعْظِيمٌ لَهَا
[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ
فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا]
(فَصْلٌ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُرِهَ
اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي
الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا
الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ
أَوْ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ
غَرِّبُوا» وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ شَرِّقُوا
أَوْ غَرِّبُوا فِي الْمَدِينَةِ وَمَا
حَوْلَهَا مِنْ الْبِلَادِ لِأَنَّ
قِبْلَتَهُمْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَفِي الِاسْتِدْبَارِ
رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ لِمَا
رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ
التَّعْظِيمِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ
لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ
«رَقَيْت يَوْمًا عَلَى بَيْتِ أُخْتِي
حَفْصَةَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا
لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ
مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» ؛ وَلِأَنَّ
فَرْجَهُ غَيْرُ مُوَازٍ لَهَا وَمَا
يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَى الْأَرْضِ
بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبِلِ ؛ لِأَنَّ فَرْجَهُ
مُوَازٍ لَهَا وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ
يَنْحَطُّ إلَيْهَا وَالْأَحْوَطُ الْأَوَّلُ
لِأَنَّ الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ
إذْ الْفِعْلُ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ
الْإِعْذَارُ بِخِلَافِ الْقَوْلِ فَلَا
مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ
الْقِبْلَةِ فِي الْبُنْيَانِ دُونَ
الصَّحْرَاءِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا
رَوَيْنَا ، وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ
أَنْ تُوَجِّهَ وَلَدَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ
لِيَبُولَ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ غَفَلَ
وَقَعَدَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي
الْخَلَاءِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْحَرِفَ
بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ جَلَسَ
يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ
وَانْحَرَفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ
يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ»
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي
الْخَلَاءِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي
أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ
وَيُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَعِنْدَ
الْخُرُوجِ يُقَدِّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا
الْمُتَحَدِّثِ» أَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ
مُنْقَطِعٍ وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ أَيْضًا
. ا هـ . عَبْدُ الْحَقِّ . (قَوْلُهُ وَمَا
رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
عَنْ أَبِي الْحَجَّاجِ وَالطَّارِئُ رَفَعَهُ
قَالَ «نَهَى أَنْ يَتَحَدَّثَ الرَّجُلَانِ
وَبَيْنَهُمَا أَحَدٌ يُصَلِّي» ذَكَرَهُ فِي
الْمَرَاسِيلِ ا هـ ..
(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
قَالَ رَقَيْت يَوْمًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ
فِي الْمِصْبَاحِ رَقَيْته أَرْقِيه مِنْ
بَابِ رَمَى رُقِيَا عَوَّذْته بِاَللَّهِ
وَالِاسْمُ الرُّقْيَا عَلَى فُعْلَى
وَالْمَرَّةُ رُقْيَةٌ وَالْجَمْعُ رُقَى
مِثْلُ مُدْيَةٍ وَمُدَى وَرَقِيت فِي
السُّلَّمِ وَغَيْرِهِ أَرْقَى مِنْ بَابِ
تَعِبَ رُقِيًّا عَلَى فُعُولٍ . ا هـ .
(قَوْلُهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ
الْقِبْلَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ مُسْتَدْبِرًا
بَيْتَ الْمَقْدِسِ ا هـ
(1/167)
رِجْلَهُ
الْيُمْنَى وَلَا يَتَنَحْنَحَ وَلَا يَبْزُقَ
وَلَا يَمْتَخِطَ وَيَسْكُتَ إذَا عَطَسَ
وَيَقُولَ إذَا خَرَجَ الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي
وَأَبْقَى مَا يَنْفَعُنِي ، وَيُكْرَهُ مَدُّ
الرِّجْلِ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى
الْمُصْحَفِ وَإِلَى كُتُبِ الْفِقْهِ فِي
النَّوْمِ وَغَيْرِهِ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَغَلْقُ بَابِ الْمَسْجِدِ)
لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ
يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة : 114]
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا
أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي
أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ
نَهَارٍ» وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْغَلْقِ فِي
زَمَانِنَا فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ
صِيَانَةً لِمَتَاعِ الْمَسْجِدِ وَهَذَا هُوَ
الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ كَمَا قُلْنَا فِي
مَنْعِ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ فِي زَمَانِنَا
لِفَسَادِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقِيلَ إذَا
تَقَارَبَ الْوَقْتَانِ لَا يُغْلَقُ
كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
وَيُغْلَقُ بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ
الْفَجْرِ وَمِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى
الظُّهْرِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالْوَطْءُ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ
الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي
لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ إلَى
عَنَانِ السَّمَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ
اقْتِدَاءُ مَنْ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بِمِنْ
فِيهِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الْإِمَامِ
وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ
إلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ
وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْوُقُوفُ
عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ
الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا يَحْنَثُ
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مِنْ
الْمَسْجِدِ يَحْرُمُ مُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ
فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا
تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ} [البقرة : 187] وَلِأَنَّ
تَطْهِيرَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ
السُّجُودِ} [البقرة : 125] وَقَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ»
الْحَدِيثَ ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي
مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا يَنْزَوِي الْجِلْدُ
مِنْ النَّارِ» فَإِذَا كُرِهَ التَّنَخُّمُ
فِيهِ مَعَ طَهَارَتِهِ فَالْبَوْلُ أَحْرَى .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فَوْقَ
بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ
الْوَطْءُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي فَوْقَ
بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ وَالْمُرَادُ مَا
أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ نَدَبْنَا
إلَيْهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ
فِيهِ إلَّا لِلنِّسَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي
مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ
الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ جَوَازِ
الِاقْتِدَاءِ كَالْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ
مَكَانًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي
حَقِّ الِاقْتِدَاءِ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَلَا نَقْشُهُ بِالْجِصِّ وَمَاءِ
الذَّهَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ نَقْشُ
الْمَسْجِدِ بِهِمَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى
أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ
مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَشْرَاطِ
السَّاعَةِ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ»
الْحَدِيثُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ حِين مَرَّ
بِهِ رَسُولُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ
الْمَلِكِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ
لِتَزْيِينِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَاكِينُ
أَحْوَجُ مِنْ الْأَسَاطِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ إنَّهُ قُرْبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ
تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَإِجْلَالِ الدِّينِ
وَقَدْ زُخْرِفَتْ الْكَعْبَةُ بِمَاءِ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَسُتِرَتْ
بِأَلْوَانِ الدِّيبَاجِ تَعْظِيمًا لَهَا
وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا
يُسْتَحَبُّ وَصَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ
أَحَبُّ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ
لَا يَتَكَلَّفَ لِدَقَائِقِ النَّقْشِ فِي
الْمِحْرَابِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّهُ
يُلْهِي الْمُصَلِّي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ
النَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ التَّزْيِينِ أَوْ
عَلَى التَّزْيِينِ مَعَ تَرْكِ الصَّلَاةِ
بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقُلُوبُهُمْ
خَاوِيَةٌ عَنْ الْإِيمَانِ» هَذَا إذَا
فَعَلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا
الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ
ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَإِنْ فَعَلَهُ
ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضِيعَ
مَالَ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مَا
يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ حَتَّى
لَوْ جَعَلَ الْبَيَاضَ فَوْقَ السَّوَادِ
لِلْبَقَاءِ ضَمِنَ ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ
وَعَلَى هَذَا تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ
بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ
وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ يَكْرَهُونَ شَدَّ
الْمَصَاحِفِ وَاِتِّخَاذَ الشَّدِّ لَهَا
كَيْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ
الْمَنْعِ فَأَشْبَهَ غَلْقَ بَابِ
الْمَسْجِدِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوِتْرُ
وَاجِبٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَاهُ عَنْهُ يُوسُفُ
بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ
إلَى آخِرِهِ) هِيَ بِالْوَاوِ وَفِي خَطِّ
الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي بَعْضِ
نُسَخِ الشُّرَّاحِ بِأَوْ . ا هـ . (قَوْلُهُ
وَالتَّخَلِّي) أَيْ التَّغَوُّطُ ا هـ
بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ
حُكْمَ الْمَسْجِدِ) أَيْ حَتَّى يَجُوزَ
بَيْعُهُ ا هـ ع (قَوْلُهُ وَإِنْ نَدَبْنَا
إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ
مُسْلِمٍ مَنْدُوبٌ لَأَنْ يَتَّخِذَ فِي
بَيْتِهِ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ السُّنَنَ
وَالنَّوَافِلَ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ
الْمَسْجِدِ . ا هـ . خُلَاصَةٌ فِي الْفَصْلِ
. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى
الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ
لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) أَيْ
مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ ا هـ
وَقَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فِي فَتْوَاهُ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَجْعَلُ
دَارِهِ مَسْجِدًا مَا نَصُّهُ : مَسْجِدٌ
اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ
لِصَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ
الْمَسْجِدِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ
قَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ مَسْجِدًا حَتَّى
لَوْ مَاتَ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ مَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ
الْجِنَازَةِ فَهُوَ مَسْجِدٌ لَا يُورَثُ
عَنْهُ وَمَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ
لَا يَكُونُ مَسْجِدًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا
يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ
الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ
مُنْفَصِلًا عَنْ الصُّفُوفِ أَمَّا فِيمَا
سِوَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ
حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ وَهُوَ
وَالْجَبَّانَةُ سَوَاءٌ وَيُجَنَّبُ هَذَا
الْمَكَانُ كَمَا يُجَنَّبُ الْمُجَسَّدُ
احْتِيَاطًا . ا هـ . وَقَالَ
الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
أَوَّلِ كِتَابِ الْوَقْفِ مَسْجِدٌ اُتُّخِذَ
لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِصَلَاةِ
الْعِيدِ يُجَنَّبُ كَمَا يُجَنَّبُ
الْمَسَاجِدُ ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ وَهَذِهِ
مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا
وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي
اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ الْجَوَابُ
فِيهِ يَجْرِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي
اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ أَنَّهُ
مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ ،
وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ أَمَّا فِيمَا
عَدَا ذَلِكَ لَا رِفْقًا بِالنَّاسِ ا هـ
(قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ ضَمِنَ إلَى
آخِرِهِ) إلَّا إذَا خَافَ طَمَعَ الظَّلَمَةِ
فِيمَا اجْتَمَعَ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ
حِينَئِذٍ . ا هـ . كُنُوزٌ.
(قَوْلُهُ بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)
(1/168)
الظَّاهِرُ
مِنْ مَذْهَبِهِ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ
عَنْهُ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ وَرَوَى نُوحُ بْنُ
أَبِي مَرْيَمَ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ
وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ
فَأَرَادَ بِقَوْلِهِ سُنَّةٌ طَرِيقَةً أَوْ
ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ وَبِقَوْلِهِ
فَرْضُ لُزُومِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا لِأَنَّ
الْوَاجِبَ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْعَمَلِ دُونَ
الِاعْتِقَادِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - هُوَ سُنَّةٌ لِحَدِيثِ
الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ «قَالَ هَلْ عَلَيَّ
غَيْرَهُنَّ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ»
وَهَذَا يَنْفِي الْفَرْضِيَّةَ وَالْوُجُوبَ
؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الْوِتْرَ عَلَى
الرَّاحِلَةِ» . وَالْفَرْضُ لَا يُؤَدَّى
عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَفِي
قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة
: 238] إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوُسْطَى
لَا تَتَحَقَّقُ فِي الشَّفْعِ وَإِنَّمَا
تَتَحَقَّقُ إذَا كَانَتْ الصَّلَوَاتُ
وِتْرًا فَتَكُونُ الْوُسْطَى بَيْنَ
شَفْعَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ وَلَا يُقَامُ وَتَجِبُ
الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّهَا وَلِأَبِي
حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ
مُسْلِمٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ
الْحَاكِمُ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ
وَمُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا آخَرَ صَلَاتِكُمْ
بِاللَّيْلِ وِتْرًا» اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَالْأَمْرُ وَكَلِمَةُ عَلَى
وَحَقٌّ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ
زَادَكُمْ صَلَاةً أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ
فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى
طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَالزِّيَادَةُ تَكُونُ
مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَلَا
جَائِزَ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً عَلَى
النَّفْلِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْصُورٍ فَلَا
تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ
فَتَعَيَّنَ الْفَرْضُ لِكَوْنِهِ مَحْصُورًا
وَهَذَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَتَحَقَّقُ
إلَّا عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ وَعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ
«الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ
فَلَيْسَ مِنَّا» قَالَهُ ثَلَاثًا قَالَ
الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ وَثَّقَ
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إسْنَادَ هَذَا
الْحَدِيثِ أَيْضًا وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ نَامَ عَنْ
وِتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيَقْضِهِ إذَا
ذَكَرَهُ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَوُجُوبُ
الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَقَدْ
ظَهَرَ فِيهِ آثَارُ الْوُجُوبِ حَيْثُ
يُقْضَى وَلَا يُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ
مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا يَجُوزُ بِدُونِ
نِيَّةِ الْوِتْرِ بِخِلَافِ التَّرَاوِيحِ
وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ ؛ وَلِأَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ
وَلَوْ كَانَ سُنَّةً تَبَعًا لِلْعِشَاءِ
لَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ كَمَا يُكْرَهُ
تَأْخِيرُ سُنَّتِهَا تَبَعًا لَهَا .
وَالْجَوَابُ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِحَدِيثِ
الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ
الْوِتْرِ وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَادَكُمْ إشَارَةً
إلَى أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وُجُوبِ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله
تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ
إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ
إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا
مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام :
145] وَقَدْ حَرَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَكْلَ
كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرِهِ
وَيَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ
عَنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ
وَقَالَ فِي آخِرِهِ «لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا
وَلَا أَنْقُصُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» وَلَمْ
يَذْكُرْ الْحَجَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ
كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْحَجِّ فَكَذَا
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وُجُوبِ
الْوِتْرِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً ، وَكَذَا
قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ} [البقرة : 238] يَجُوزُ
أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ
فَتَكُونُ وُسْطَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِفِعْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى
الرَّاحِلَةِ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى
أَصْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْوِتْرَ
فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْعَجَبِ
أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ جَوَازَ هَذَا الْفَرْضِ
عَلَى الرَّاحِلَةِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ فِي
حَقِّ إلْزَامِ خَصْمِهِمْ إنَّهُ لَوْ كَانَ
فَرْضًا لَمَا جَازَ عَلَى الرَّاحِلَةِ
كَغَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَذَا
تَحَكُّمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّلَوَاتِ
الْمَفْرُوضَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ
بَيَانِ أَوْقَاتِهَا وَكَيْفِيَّةِ
أَدَائِهَا وَالْأَدَاءِ الْكَامِلِ
وَالْقَاصِرِ فِيهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ
صَلَاةٍ هِيَ دُونَ الْفَرَائِضِ وَفَوْقَ
النَّوَافِلِ وَهِيَ صَلَاةُ الْوِتْرِ
وَدَلَالَةُ أَنَّهَا قَصَدَتْ هَذِهِ
الْمُنَاسَبَةُ إيرَادَ النَّوَافِلِ
بَعْدَهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ بَيْنَ
الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ كَمَا هُوَ حَقُّهُ . ا
هـ . نِهَايَةٌ وَالنَّوَافِلُ جَمْعُ
نَافِلَةٍ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ
وَمِنْهُ سُمِّيَ النَّفَلُ لِلْغَنِيمَةِ ؛
لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا وُضِعَ
الْجِهَادُ لَهُ وَهُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ
اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ سُمِّيَ وَلَدُ
الْوَلَدِ نَافِلَةً وَسُمِّيَتْ صَلَاةُ
النَّفْلِ نَفْلًا ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ
عَلَى الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ
فَرِيضَةٌ) أَيْ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ . ا هـ
. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ
سُنَّةٌ إلَى آخِرِهِ) وَهِيَ عِنْدَهُمَا
أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ جَمِيعِ السُّنَنِ
حَتَّى لَا تَجُوزُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ
عَلَى الْقِيَامِ ، وَلَا عَلَى الرَّاحِلَةِ
مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَتُقْضَى ، ذَكَرَهُ فِي
الْمُحِيطِ . ا هـ . اخْتِيَارٌ . (قَوْلُهُ
وَفِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة
: 238] إشَارَةٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى نَفْيِ
الْفَرِيضَةِ ا هـ (قَوْلُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ
لَهُ وَلَا يُقَامُ إلَى آخِرِهِ)
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ
مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَيَخْتَصُّ
بِالْفَرَائِضِ الْمُطْلَقَةِ وَلِهَذَا لَا
مَدْخَلَ لَهُمَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ا
هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ
(قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ
صَلَاةً» إلَى آخِرِهِ) فَبِهَذَا تَبَيَّنَ
أَنَّ وُجُوبَ الْوِتْرِ كَانَ بَعْدَ سَائِرِ
الْمَكْتُوبَاتِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ زَادَكُمْ
فَأَضَافَ إلَى اللَّهِ لَا إلَى نَفْسِهِ
وَالسُّنَنُ تُضَافُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ا هـ
نِهَايَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ مِنْ
ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا بِالزِّيَادَةِ
فَإِنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عَلَى
الشَّيْءِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ
الْمَزِيدِ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ زَادَ فِي
ثَمَنِهِ إذَا وَهَبَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً
وَلَا يُقَالُ زَادَ عَلَى الْهِبَةِ إذَا
بَاعَ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ فَكَذَا
الزِّيَادَةُ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ أَلَا
وَهِيَ الْوِتْرُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ
فَكَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ وَزِيَادَةُ
التَّعْرِيفِ زِيَادَةُ وَصْفٍ لَا أَصْلٌ
وَهُوَ الْوُجُوبُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ
أَمَرَ بِأَدَائِهَا وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ
. ا هـ . نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ
الْعَجَبِ إلَى آخِره) وَقَدْ ادَّعَى
النَّوَوِيُّ أَنَّ جَوَازَ فِعْلِ هَذَا
الْوَاجِبِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ
خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ
صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ
وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي هَذِهِ
الدَّعْوَى تَوَقُّفٌ فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ
يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ خَاصٍّ وَلَمْ يُنْقَلْ
، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ جَائِزٌ
عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ كَسَائِرِ
النَّوَافِلِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَمْ
لَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا
يَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ
(1/169)
لَا دَلِيلَ
عَلَيْهِ . وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ فِعْلَهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ
أَوْ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَلَا يُعَارِضُ
الْقَوْلَ وَإِنَّمَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ
؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا
يُعَرَّى عَنْ شُبْهَةٍ وَهُوَ يُؤَدَّى فِي
وَقْتِ الْعِشَاءِ فَيَكْتَفِي بِآذَانٍ
وَإِقَامَةٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ
فِي جَمِيعِهِ لِقُصُورِ دَلِيلِهِ فَتُرَاعَى
جِهَةُ النَّفْلِيَّةِ فِيهِ احْتِيَاطًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ ثَلَاثُ
رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ إنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ
وَإِنْ شَاءَ بِثَلَاثٍ وَإِنْ شَاءَ بِخَمْسٍ
إلَى إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَاءَ أَوْتَرَ
بِرَكْعَةٍ وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ»
الْحَدِيثَ ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ بِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ
بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمَةٍ» وَلَنَا مَا
رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ
يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي
الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الأَعْلَى} [الأعلى : 1] وَفِي الثَّانِيَةِ
بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
[الكافرون : 1] وَفِي الثَّالِثَةِ بِ {قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص : 1]
وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» الْحَدِيثَ ،
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَفْصِلُ
بَيْنَهُنَّ» وَعَنْهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا كَانَ يَزِيدُ
فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى
إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا
فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ
، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلُ
عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ
يُصَلِّي ثَلَاثًا» فَلَوْ كَانَ يَفْصِلُ
لَقَالَتْ ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ،
ثُمَّ وَاحِدَةً وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ» وَعَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ الْوِتْرُ ثَلَاثٌ كَوِتْرِ
النَّهَارِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ صَلَاةُ
الْمَغْرِبِ وَعَنْهُ مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ
قَطُّ وَحَكَى الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
إجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ
ثَلَاثٌ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ
اسْتِقْرَارِ الْوِتْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ
مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ
«لَا تُوَتِّرُوا بِثَلَاثٍ أَوْتَرُوا
بِسَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ» الْحَدِيثَ .
وَالْإِيتَارُ بِالثَّلَاثِ جَائِزٌ إجْمَاعًا
، وَكَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ
عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ
ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ
ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ
مِنْهَا إلَّا فِي آخِرِهَا» وَأَجْمَعْنَا
عَلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ
رَكْعَتَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ
قَبْلَ اسْتِقْرَارِ أَمْرِ الْوِتْرِ ؛
لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمُسْتَقِرَّةَ لَا
يُخَيَّرُ فِي أَعْدَادِ رَكَعَاتِهَا قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَنَتَ فِي ثَالِثَتِهِ
قَبْلَ الرُّكُوعِ أَبَدًا بَعْدَ أَنْ
كَبَّرَ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ
بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ
فِي قَوْلِهِ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي
النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ ،
وَكَذَا «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لِلْحَسَنِ حِينَ عَلَّمَهُ
الْقُنُوتَ اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك مِنْ
غَيْرِ فَصْلٍ» فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ
وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ ؛
لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ ،
هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - قَالَ فِي الْمُحِيطِ
وَالذَّخِيرَةِ يَعْنِي غَيْرَ قَوْلِهِ
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَى آخِرِهِ
اللَّهُمَّ أَهْدِنَا إلَى آخِرِهِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ مِنْهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ
وَسُورَةً) لِمَا رَوَيْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَلَا يَقْنُتُ
لِغَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ وَهُوَ
مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ
وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ
لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «صَلَّيْت مَعَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ بَعْدَ
الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى
فَارَقَ الدُّنْيَا» ، وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَلَنَا مَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا
يَدْعُو عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ»
أَخْرَجَاهُ فَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ
يَجْعَلُ أَوَّلًا فِعْلَهُ عَلَى
الرَّاحِلَةِ مِنْ الْخَصَائِصِ ، ثُمَّ
يَجْعَلُهُ هُنَا دَلِيلًا لِلْجَوَازِ
بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ وَمَا
بِالْعَهْدِ مِنْ قِدَمٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
إلَى آخِرِهِ) النَّسَائِيّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ
فَإِذَا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ
سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ» وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وَفِي الثَّالِثَةِ
بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَحَدِيثُ
النَّسَائِيّ أَصَحُّ إسْنَادًا وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ
الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثِ
يَقْرَأُ فِيهِنَّ بِتِسْعِ سُوَرٍ مِنْ
الْمُفَصَّلِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
بِثَلَاثِ سُوَرٍ آخِرُهُنَّ قُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ» . ا هـ . عَبْدُ الْحَقِّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَقَنَتَ فِي
ثَالِثَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَبَدًا بَعْدَ
أَنْ كَبَّرَ) أَيْ رَافِعًا يَدَيْهِ ا هـ ع
وَهَذِهِ التَّكْبِيرَةُ وَاجِبَةٌ يَجِبُ
سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا ؛ لِأَنَّهَا
بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ كَذَا
ذَكَرَهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي بَابِ
سُجُودِ السَّهْوِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ
إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ فِي الْوِتْرِ أَنْ
يَكُونَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ ؛ لِأَنَّ
الْإِمَامَ رُبَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا
فَيَأْتِي بِدُعَاءٍ يُشْبِهُ كَلَامَ
النَّاسِ فَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا رُوِيَ
عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّوْقِيتَ فِي
الدُّعَاءِ يُذْهِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ
مَحْمُولٌ عَلَى أَدْعِيَةِ الْمَنَاسِكِ
دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بِرِقَّةِ
الْقَلْبِ) أَيْ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ
فِي الْقِرَاءَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ
فَكَذَا فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَقَرَأَ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ مِنْهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَسُورَةٍ إلَى آخِرِهِ) وَلَكِنْ لَا
يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً مُعَيَّنَةً
عَلَى الدَّوَامِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ
مُطْلَقُ الْقِرَاءَةِ بِقَوْلِهِ
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}
[المزمل : 20] وَالتَّعْيِينُ عَلَى
الدَّوَامِ يُفْضِي إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ
بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ لَوْ قَرَأَ بِمَا
وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أَحْيَانًا يَكُونُ
حَسَنًا وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِ
لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي تُحْفَةِ
الْفُقَهَاءِ . ا هـ . نِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَقْنُتُ لِغَيْرِهِ إلَى
آخِرِهِ) (فَرْعٌ) إنْ نَزَلَ
بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ قَنَتَ الْإِمَامُ
فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَبِهِ قَالَ
الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ قَالَ الْحَافِظُ
أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا لَا
يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ
مِنْ غَيْرِ بَلِيَّةٍ فَإِنْ وَقَعَتْ
فِتْنَةٌ أَوْ بَلِيَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ
فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ السَّيِّدُ
الشَّرِيفُ صَاحِبُ النَّافِعِ فِي
مَجْمُوعِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ
سُنَّةٌ فِي الْفَجْرِ وَيَقْنُتُ فِي
الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا عِنْدَ حَاجَةِ
الْمُسْلِمِينَ إلَى الدُّعَاءِ قَالَ لَمْ
يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ
يَزَلْ مُحَارِبًا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَمْ
يَقْنُتْ فِي الصَّلَوَاتِ قُلْت رَوَى
مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي الظُّهْرِ
وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ
عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ الْقُنُوتُ فِي
الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ وَرَوَى
(1/170)
قَوْمٍ مِنْ
الْعَرَبِ ، ثُمَّ تَرَكَهُ» وَقَالَ ابْنُ
عُمَرَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتُوا»
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْقُنُوتُ فِي
صَلَاةِ الْفَجْرِ بِدْعَةٌ وَرُوِيَ فِي
الْخَبَرِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا أَوْ
أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَاتِبًا لَهُ
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ
يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ
فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران : 128]
فَتَرَكَ» وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الثِّقَاتِ
أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَيَتْبَعُ الْمُؤْتَمُّ قَانِتَ
الْوِتْرِ) أَيْ يَتْبَعُ الْمُقْتَدِي
الْإِمَامَ الْقَانِتَ فِي الْوِتْرِ فِي
قُنُوتِهِ وَيُخْفِي هُوَ وَالْقَوْمُ ؛
لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَقِيلَ يَجْهَرُ
الْإِمَامُ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَقِيلَ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْنُتُ الْإِمَامُ دُونَ
الْمُؤْتَمِّ كَمَا لَا يَقْرَأُ وَالصَّحِيحُ
الْأَوَّلُ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي
الْفَجْرِ مَعَ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي قُنُوتِ
الْوِتْرِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِيَقِينِ
فَصَارَ كَالثَّنَاءِ وَالتَّشَهُّدِ
وَالدُّعَاءِ بَعْدَهُ وَتَسْبِيحَاتِ
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي نَوَادِرِ
ابْنِ رُسْتُمَ رَفْعُ الْإِمَامِ
وَالْمَأْمُومِ صَوْتَهُمَا فِي قُنُوتِ
الْوِتْرِ أَحَبُّ إلَيَّ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (لَا الْفَجْرِ) أَيْ لَا يُتَابِعُ
الْمُؤْتَمُّ الْإِمَامَ الْقَانِتَ فِي
الْفَجْرِ فِي الْقُنُوتِ وَهَذَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ يُتَابِعُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ
لِلْإِمَامِ وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ
فَصَارَ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ ،
وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ
وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ خَمْسًا
فِي الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَا يُتَابِعُهُ فِي
الْخَامِسَةِ لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا ، ثُمَّ
قِيلَ يَسْكُتُ وَاقِفًا لِيُتَابِعَهُ فِيمَا
يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ ، وَقِيلَ يَقْعُدُ
تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ
السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي بِدَلِيلِ
مُشَارَكَتِهِ الْإِمَامَ فِي الْقِرَاءَةِ
وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوُجُوبِ
الْمُتَابَعَةِ فِي غَيْرِ الْقُنُوتِ
وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ
الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ إذَا كَانَ
يُحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ بِأَنْ
كَانَ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ
وَالْفَصْدِ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ مِنْ
الْمَنِيِّ وَلَا يَكُونُ شَاكًّا فِي
إيمَانِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَا
مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يَقْطَعُ
وِتْرَهُ بِالسَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ اقْتِدَاءَ
الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَى رَأْسِ
الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ يَجُوزُ
وَيُصَلِّي مَعَهُ بَقِيَّةَ الْوِتْرِ
لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ
عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَمَا
لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ فَعَلَى
هَذَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ إذَا صَحَّتْ
عَلَى زَعْمِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ
عَلَى زَعْمِ الْمُقْتَدِي وَقِيلَ إذَا
سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ
الرَّكْعَتَيْنِ قَامَ الْمُقْتَدِي وَأَتَمَّ
الْوِتْرَ وَحْدَهُ وَقَالَ صَاحِبُ
الْإِرْشَادِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ
بِالشَّافِعِيَّةِ فِي الْوِتْرِ بِإِجْمَاعِ
أَصْحَابِنَا ؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ
الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ لَيْسَ
بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَلَوْ عَلِمَ
الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ مَا يُفْسِدُ
الصَّلَاةَ عَلَى زَعْمِ الْإِمَامِ كَمَسِّ
الْمَرْأَةِ وَالذَّكَرِ ، وَمَا أَشْبَهَ
ذَلِكَ وَالْإِمَامُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ
تَجُوزُ صَلَاتُهُ عَلَى رَأْيِ الْأَكْثَرِ ،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ
الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَرَى
بُطْلَانَ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ
صَلَاةُ الْمُقْتَدِي تَبَعًا لَهُ وَجْهُ
الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ
الْمُقْتَدِيَ يَرَى جَوَازَ صَلَاةِ إمَامِهِ
، وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ
نَفْسِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّنَّةُ
قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ
وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ
وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا
أَرْبَعٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ
«كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ
أَرْبَعًا وَبَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ
الْمَغْرِبِ ثِنْتَيْنِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ
رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ
رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو
دَاوُد وَابْنُ حَنْبَلٍ وَعَنْ أَبِي
أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ
أَرْبَعَ رَكَعَاتِ فَقُلْت مَا هَذِهِ
الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا
فَقَالَ هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ أَبْوَابُ
السَّمَاءِ فِيهَا فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ
لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ فَقُلْت أَفِي
كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت
أَبِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ
بِتَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ بِتَسْلِيمَةٍ
وَاحِدَةٍ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيِّ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
كُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
الْقُنُوتِ إنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةِ
الْفَجْرِ وَلَا يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ
إلَّا فِي الْوِتْرِ وَالْغَدَاةِ إذَا كَانَ
يَسْتَنْصِرُ وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ
وَعَنْ عُمَرَ فِي الْقُنُوتِ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَلِّفْ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ
وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ
اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ
الْكِتَابِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رَسُولَك
وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك اللَّهُمَّ
خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ وَزَلْزِلْ
أَقْدَامَهُمْ وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ بَأْسَك
الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنْ الْقَوْمِ
الْمُجْرِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك . ا
هـ . سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجْهَرُ
الْإِمَامُ) أَيْ دُونَ الْمُقْتَدِي ا هـ
وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ
النَّهْرِ الْإِخْفَاءَ فِي دُعَاءِ
الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ
جَمِيعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا
رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف :
55] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ»
. ا هـ . بَدَائِعُ . (قَوْلُهُ وَفِي
نَوَادِرِ إلَى آخِرِهِ) لَيْسَ فِي خَطِّ
الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ
وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ
الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ إذَا كَانَ
يُحْتَاطُ إلَى آخِرِهِ) لَا كَمَا قِيلَ إنَّ
رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ
وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ
يُفْسِدُ الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّ حَدَّ
الْعَمَلِ الْكَثِيرِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ا
هـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا مُنْحَرِفًا
عَنْ الْقِبْلَةِ) أَيْ انْحِرَافًا فَاحِشًا
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ
الْمَغَارِبَ كَانَ فَاحِشًا . ا هـ . قَاضِي
خَانْ (قَوْلُهُ بِالسَّلَامِ هُوَ
الصَّحِيحُ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ
اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ إلَى آخِرِهِ)
وَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ
وُضُوءُهُ بِهِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ ؛ لِأَنَّ
طَهَارَةَ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ
وَهُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
الِاقْتِدَاءُ فِي فَصْلِ الرُّعَافِ
وَالْحِجَامَةِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ
إلَّا إذَا رَآهُ احْتَجَمَ ، ثُمَّ غَابَ
عَنْهُ فَالْأَصَحُّ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ
لِجَوَازِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا
وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ فَإِنْ شَهِدَ
الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ مَسَّ امْرَأَةً ،
ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ الْوُضُوءِ قَالَ
مَشَايِخُنَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَجَمَاعَةٌ لَا
يَجُوزُ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَةِ
التَّحَرِّي بِمَنْعِ الِاقْتِدَاءِ . ا هـ .
قُنْيَةٌ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ
الْوُجُوبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى
الْحَنَفِيِّ) عِبَارَةُ بَاكِيرٌ عَلَى
الشَّافِعِيِّ ا هـ . (فَرْعٌ) إذَا كَانَ
عَلَى الرَّجُلِ فَائِتَةٌ حَدِيثَةٌ
فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَنَسِيَ الْفَائِتَةَ
فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ وَهُوَ
يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً حَدِيثَةً
فَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ وَصَلَاةُ
الْمُقْتَدِي فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ
أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ . ا هـ .
وَلْوَالَجِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ
آدَابِ الْقَضَاءِ . ا هـ ..
(1/171)
وَابْنُ
مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ
الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ فَيَكُونُ سُنَّةُ
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعًا . وَرَوَى
ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَعُ قَبْلَ
الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ
بَيْنَهُنَّ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ
«مِنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ
الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعُ بِتَسْلِيمَةٍ
وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا
بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا عَنْ
السُّنَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
بِتَسْلِيمَتَيْنِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ
مَا رَوَيْنَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ ابْنُ
مَسْعُودٍ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ
وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ
بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ وَرَوَى نَافِعٌ
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي
بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا وَقَبْلَ الْجُمُعَةِ
أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ
وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ أَقْوَى
السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ، ثُمَّ
سُنَّةُ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَدَعْهُمَا
فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ ، ثُمَّ الَّتِي
بَعْدَ الظُّهْرِ فَإِنَّهَا مُتَّفَقٌ
عَلَيْهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مُخْتَلَفٌ
فِيهَا وَقِيلَ هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، ثُمَّ الَّتِي
بَعْدَ الْعِشَاءِ ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ
الظُّهْرِ وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّ الَّتِي
قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ ، وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ
أَدَاؤُهَا فِي الْمَنْزِلِ إلَّا
التَّرَاوِيحَ وَقِيلَ : إنَّ الْفَضِيلَةَ
لَا تَخْتَصُّ بِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ
الْأَصَحُّ لَكِنْ كُلَّمَا كَانَ أَبْعَدَ
مِنْ الرِّيَاءِ وَأَجْمَعَ لِلْخُشُوعِ
وَالْإِخْلَاصِ فَهُوَ أَفْضَلُ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ الْأَرْبَعُ
قَبْلَ الْعَصْرِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي
قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَإِنْ
شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ
كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْعَصْرِ وَلَا يَعْتَدُّونَهَا مِنْ
السُّنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالْعِشَاءُ وَبَعْدَهُ) أَيْ نَدَبَ
الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ
لِأَنَّ الْعِشَاءَ كَالظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ
إنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ
وَلَا بَعْدَهُ وَقِيلَ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ
شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ
صَلَّى أَرْبَعًا وَقِيلَ الْأَرْبَعُ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَالرَّكْعَتَانِ قَوْلُهُمَا
بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي نَوَافِلِ
اللَّيْلِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالسِّتُّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) لِمَا رُوِيَ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ صَلَّى
بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ كُتِبَ
مِنْ الْأَوَّابِينَ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى
{فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا}
[الإسراء : 25]»
قَالَ : - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ
الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ
فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ
لَيْلًا) أَيْ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ؛
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَوْلَا
الْكَرَاهَةُ لَزَادَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ
وَقَدْ جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ إلَى
ثَمَانٍ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي
خَمْسًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَبْعًا
وَتِسْعًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ» وَتَأْوِيلُهُ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
كَانَ يُصَلِّي خَمْسًا رَكْعَتَانِ مِنْهَا
قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي
السَّبْعِ أَرْبَعٌ قِيَامُ اللَّيْلِ
وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي التِّسْعِ سِتٌّ
قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي
إحْدَى عَشْرَةَ ثَمَانٍ قِيَامُ اللَّيْلِ
وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَثَلَاثَ
عَشْرَةَ قِيلَ تَأْوِيلُهُ ثَمَانٍ مِنْهَا
قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ
وَرَكْعَتَانِ سُنَّةُ الْفَجْرِ وَفِي
الْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ
لَا تُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ وَصْلِ
الْعِبَادَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ ، وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَزِيدُ
بِاللَّيْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى
رَكْعَتَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا رُبَاعُ) أَيْ
الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْأَفْضَلُ فِي
اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَفِي النَّهَارِ
أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ
فِيهِمَا مَثْنَى مَثْنَى لِحَدِيثِ
الْبَارِقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ
«صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى
مَثْنَى» وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ
مَثْنَى مَثْنَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا
رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ لَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ
وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا لَا
تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ . وَمَا
رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ إنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي
الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلَا يَفْصِلُ
بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ» وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ فِي
سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ ؛
وَلِأَنَّهُ أَدْوَمُ تَحْرِيمَةً فَيَكُونُ
أَكْثَرَ مَشَقَّةٍ وَأَزْيَدَ فَضِيلَةً
وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ
أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ
بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَخْرُجُ
وَحَدِيثُ الْبَارِقِيِّ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ
أَهْلِ النَّقْلِ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ
شَفْعٌ لَا وِتْرٌ ؛ وَلِأَنَّ رَاوِيَهُ
ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ
يُصَلِّي أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ
وَالرَّاوِي إذَا فَعَلَ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ
لَا تَلْزَمُ رِوَايَتُهُ حُجَّةً ، وَلَا
يُمْكِنُ الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ ؛
لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَيُرَاعَى
فِيهِ جِهَةُ التَّخْفِيفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ
أَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ)
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ
الْخَيْلُ» وَقَالَ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ
خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . ا هـ
. زَاهِدِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ
الْخَيْلُ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْلِ جَيْشُ
الْعَدُوِّ . ا هـ . كَاكِيٌّ فِي إدْرَاكِ
الْفَرِيضَةِ (قَوْلُهُ : ثُمَّ الَّتِي
بَعْدَ الظُّهْرِ) حَتَّى لَوْ أَنْكَرَهَا
يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ . ا هـ .
مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ : ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ
الظُّهْرِ) ثُمَّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ
الْعَصْرِ ، ثُمَّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ
الْعِشَاءِ . ا هـ . قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ
وَذَكَرَ الْحَسَنُ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ
الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ إلَى
آخِرِهِ) أَيْ وَالنَّوَافِلِ ا هـ كَمَا فِي
وَعَزَى فِي الْغَايَةِ لِلْحَلْوَانِيِّ
(قَوْلُهُ إلَّا التَّرَاوِيحَ) ؛ لِأَنَّ فِي
التَّرَاوِيحِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ . ا هـ .
نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَدَبَ الْأَرْبَعَ)
أَيْ اسْتَحَبَّ ا هـ ع.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى
أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ) قَوْلُهُ
بِتَسْلِيمَةٍ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا
هـ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا رُبَاعُ)
أَيْ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ وَهُوَ غَيْرُ
مُنْصَرِفٍ لِلْوَصْفِ وَالْعَدْلِ ؛
لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ أَرْبَعَةٍ
أَرْبَعَةٍ كَثَلَاثٍ مَعْدُولٌ عَنْ
ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ صَلَاةُ
اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى إلَى آخِرِهِ)
قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مَثْنَى مَثْنَى مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ عَلَى كُلِّ
رَكْعَتَيْنِ فَسَمَّاهُ مَثْنَى لِوُقُوعِ
الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ
بِتَشَهُّدٍ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ
يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّلَامِ عَلَى
الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ
تَابَعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُؤْمِنِينَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ
مَعْنَاهُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا
بِالتَّشَهُّدِ ا هـ
(1/172)
تَيْسِيرًا .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُولُ
الْقِيَامِ أَحَبُّ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ)
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ
الْقُنُوتِ» أَيْ الْقِيَامُ وَلِأَنَّ
الْقِرَاءَةَ تَكْثُرُ بِطُولِ الْقِيَامِ
وَبِكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
يَكْثُرُ التَّسْبِيحَ وَالْقِرَاءَةُ
أَفْضَلُ مِنْهُ ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ
رُكْنٌ فَكَانَ اجْتِمَاعُ أَجْزَائِهِ
أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنْ اجْتِمَاعِ رُكْنٍ
وَسُنَّةٍ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ سُنَّةٌ
وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ
الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ
رَكْعَتَيْنِ» وَأَدَاءُ الْفَرْضِ يَنُوبُ
عَنْ التَّحِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ
لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ
عَقِيبَ الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا مِنْ أَحَدٍ
يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ
عَلَيْهِمَا إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»
وَصَلَاةُ الضُّحَى مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ
أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَصَاعِدًا لِمَا رَوَتْ
عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ
يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
وَيَزِيدُ مَا شَاءَ»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِرَاءَةُ
فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ) لِمَا لَمْ
يُعَيِّنْ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ عَبَّرَ
عَنْهَا بِالْفَرْضِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ
الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا
غَيْرَ مُتَعَيِّنَتَيْنِ حَتَّى لَوْ لَمْ
يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ أَوْ قَرَأَ فِي
رَكْعَةٍ مِنْهَا لَا غَيْرُ تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي
الْأُولَيَيْنِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ
الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَقَرَأَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَجِبُ
عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ هِيَ فَرْضٌ فِي الرَّكَعَاتِ
كُلِّهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا
بِقِرَاءَةٍ وَكُلُّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ» .
وَقَالَ مَالِكٌ فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا إقَامَةٌ
لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا
وَقَالَ زُفَرَ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا وَهُوَ
قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لِأَنَّ
الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ قُلْنَا
نَعَمْ لَكِنْ إنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا فِي
الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى ؛
لِأَنَّهُمَا يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ
وَجْهٍ ، وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ
فَيُفَارِقَانِهِمَا فِي حَقِّ السُّقُوطِ فِي
السَّفَرِ وَفِي صِفَةِ الْقِرَاءَةِ
وَقَدْرِهَا فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا
وَفِيهِ أَثَرُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا
اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبِّحْ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً
وَالصَّلَاةُ فِيمَا رُوِيَ مَذْكُورَةٌ
صَرِيحًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلَةِ
مِنْهَا وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ عَادَةً كَمَنْ
حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً بِخِلَافِ مَا
إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَهُوَ مُخَيَّرٌ
فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ سَبَّحَ
ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ
قَدْرَهَا وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ
إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ ؛
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا وَلِهَذَا لَا
يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَكُلِّ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ)
أَيْ الْقِرَاءَةُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ
رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَفِي جَمِيعِ الْوِتْرِ
أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ
مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ
إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ
مُبْتَدَأَةٍ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ
بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ
فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا
وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ قَعْدَةٍ
مِنْهُ وَيَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ وَلَا
يُؤَثِّرُ فَسَادُ الشَّفْعِ الثَّانِي فِي
فَسَادِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَتَفْسُدُ
صَلَاتُهُ بِتَرْكِ الْقُعُودِ فِي الشَّفْعِ
الْأَوَّلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَهُوَ
الْقِيَاسُ فَصَارَ كُلُّ شَفْعٍ بِمَنْزِلَةِ
صَلَاةِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَا إذَا
صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْعُدْ
إلَّا فِي آخِرِهَا حَيْثُ قَالَا لَا
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَكَذَا السِّتُّ
وَالثَّمَانِي فِي الصَّحِيحِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَطُولُ الْقِيَامِ
أَحَبُّ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ طُولُ
الْقِيَامِ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ
كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَدْ
سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ
أَحْمَزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا عَلَى الْبَدَنِ
قُلْت ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ
السُّجُودَ أَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ
وَالْقِيَامَ وَسِيلَةٌ لِأَجْلِ الْخُرُورِ
لِلسُّجُودِ مِنْ الْقِيَامِ حَتَّى قَالُوا
إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ يَسْقُطُ
الْقِيَامُ فَيَقْعُدُ وَيُومِئُ لِلرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ إذْ السُّجُودُ غَايَةُ إظْهَارِ
الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى بِوَضْعِ
الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَلِهَذَا لَوْ
سَجَدَ عَلَى الْأَرْضِ لِغَيْرِ اللَّهِ
تَعَالَى يَكْفُرُ وَلَوْ قَامَ أَوْ رَكَعَ
لَا يَكْفُرُ وَكَيْفَ يَكُونُ الْوَسِيلَةُ
أَفْضَلَ مِنْ الْأَصْلِ ، وَإِنْ كَانَ
الْفَضْلُ بِالْأَشَقِّ كَمَا عَلَّلَ بِهِ
صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فَالرُّكُوعُ الطَّوِيلُ
أَشَقُّ مِنْ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ . ا هـ
. غَايَةٌ . وَأَمَّا كَوْنُ تَطْوِيلِ
السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ
الرُّكُوعِ فَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَقْرَبُ
مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ
سَاجِدٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا رَجَّحَ
الْقِيَامَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا
بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ وَهُمَا الْقِيَامُ
وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ . ا هـ . غَايَةٌ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ
مِنْ الْقُرْآنِ يَقْرَؤُهُ فِي الصَّلَاةِ
فَكَثْرَةُ السُّجُودِ أَحَبُّ إلَيَّ
وَأَفْضَلُ ، وَإِلَّا فَطُولُ الْقِيَامِ . ا
هـ . غَايَةٌ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ
إلَى أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ
طُولِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
وَكَثْرَتِهِمَا ، ثُمَّ إطَالَةُ السُّجُودِ
فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ
تَطْوِيلُ السُّجُودِ وَتَكْثِيرُ السُّجُودِ
وَالرُّكُوعِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ
حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ
وَقَوْمٌ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا وَتَوَقَّفَ
ابْنُ حَنْبَلٍ فِيهِمَا . ا هـ . غَايَةٌ
مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ وَتَحِيَّةُ
الْمَسْجِدِ سُنَّةٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
قَاضِي خَانْ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ
فِي الْمَسْجِدِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ
وَيُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ تَحِيَّةَ
الْمَسْجِدِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا فِي كُلِّ
مَرَّةٍ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ فِي رَكْعَةٍ
مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
الْأَصَمِّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ
لَيْسَتْ بِفَرْضٍ أَصْلًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ
لِوُرُودِ الْأَمْرِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ
قَوْلُهُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ إلَى آخِرِهِ أَيْ
وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ كَسَائِرِ
الْأَذْكَارِ ؛ وَ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ
عَلَى الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ ،
أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ
الْأَفْعَالِ كَلَا وَالْقَادِرُ عَلَى
الْأَقْوَالِ لَا يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ
بِخِلَافِ الْعَكْسِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرَةِ
الْأُولَى فَإِنَّهَا لَا يُؤْتَى بِهَا فِي
الصَّلَاةِ . ا هـ . نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ
لَكِنْ إنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا) لَفْظَةً
إنَّمَا لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ
وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي التَّحْرِيمَةِ
الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ
هَذَا إذَا نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حَتَّى
يَحْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَشْهُورِ
فَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ
بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ
أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ
فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ كَذَا فِي
الْمُحِيطِ . ا هـ . نِهَايَةٌ وَمِثْلُهُ فِي
مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ ا
هـ قَوْلُهُ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَشْهُورِ
احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ وَقَدْ جَعَلَهُ
صَاحِبُ الْمَجْمَعِ غَيْرَ مَذْهَبِ أَبِي
يُوسُفَ ا هـ
(1/173)
وَوَجْهُهُ
أَنَّ الْقَعْدَةَ صَارَتْ فَرْضًا لَغَيْرهَا
وَهُوَ الْخَتْمُ وَالْخُرُوجُ مِنْ
الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فِي
الْفَرَائِضِ إلَّا فِي آخِرِهَا فَإِذَا
قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا
قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ أَوَانَ الْخُرُوجِ
مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْقَ الْقَعْدَةُ
فَرِيضَةً بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا
رُكْنٌ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ فَإِذَا تَرَكَهُ
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَأَمَّا الْوِتْرُ
فَلِلِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا بَيَّنَّا . قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَ النَّفَلُ
بِالشُّرُوعِ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ
وَالطُّلُوعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا
يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا
لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ وَلَنَا أَنَّ
الْمُؤَدَّى قُرْبَةٌ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ
عَنْ الْبُطْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا
تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد : 33] وَلَا
يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِلُزُومِ الْمُضِيِّ
فِيهِ فَصَارَ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
فَإِذَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ
الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ عَلَى مَا يَأْتِي
تَمَامُهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ
الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ أَيْ يَلْزَمُ
بِالشُّرُوعِ وَلَوْ كَانَ الشُّرُوعُ عِنْدَ
غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِهَا وَهُوَ
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اعْتِبَارًا
بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فِي الْأَوْقَاتِ
الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَجْهُ الظَّاهِرِ
وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ
يُسَمَّى صَائِمًا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي
الصَّوْمِ حَتَّى يَحْنَثَ بِهِ الْحَالِفُ
فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَصُومَ فَيَصِيرَ
مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِهِ فَيَجِبُ
إبْطَالُهُ وَلَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا
لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي
الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى
مُصَلِّيًا حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً وَلِهَذَا
لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا
يُصَلِّيَ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ
الصَّلَاةُ وَلَمْ تُوجَدْ قَبْلَ تَمَامِ
الرَّكْعَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ
يَصُومَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَوْ
يُصَلِّيَ فِيهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا
كَرَاهِيَةَ فِي الِالْتِزَامِ قَوْلًا
فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَضَى
رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا
وَأَفْسَدَهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ
أَوْ قَبْلَهُ) لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ
صَلَاةِ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ
وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ
تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَلْزَمُهُ بِهِ
فَفَسَادُهُ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ
الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ
بِالْقُعُودِ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الشَّفْعِ
الثَّانِي لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيهِ وَإِنْ
أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ
يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ
لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ
الثَّانِي لِعَدَمِ شُرُوعِهِ فِيهِ وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ
الْأَرْبَعِ اعْتِبَارًا لِلشُّرُوعِ
بِالنَّذْرِ وَلَوْ قَعَدَ فِي الْأَوَّلِ
وَسَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ لَا يَلْزَمُهُ
شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ
تَمَّ بِالْقُعُودِ وَالثَّانِي لَمْ يَشْرَعْ
فِيهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ ؛ لِأَنَّ
نِيَّتَهُ قَارَنَتْ سَبَبَ الْوُجُوبِ
فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى اعْتِبَارًا
بِالنَّذْرِ فَإِنْ مِنْ قَالَ لِلَّهِ
عَلَيَّ صَلَاةٌ وَنَوَى الْأَرْبَعَ
يَلْزَمُهُ مَا نَوَى لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ
بِالسَّبَبِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ
الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ مَا شَرَعَ فِيهِ وَمَا
لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ وَلَا تَعَلُّقَ
لِأَحَدِ الشَّفْعَيْنِ بِالْآخِرِ وَهَذَا
لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الشُّرُوعُ وَلَمْ
يُوجَدْ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي
مَا لَمْ يَقُمْ إلَى الثَّالِثَةِ فَلَمْ
تَقْتَرِنْ النِّيَّةُ بِالسَّبَبِ وَإِنَّمَا
هِيَ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَهِيَ لَمْ
تُؤَثِّرْ فِي الْإِيجَابِ بِخِلَافِ مَا
ذُكِرَ مِنْ النَّذْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ
النَّذْرُ فَاقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ
مُؤَثِّرٌ وَسُنَّةُ الظُّهْرِ مِثْلُهَا ؛
لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَقِيلَ يَقْضِي
أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ
وَاحِدَةٍ وَلِهَذَا لَا يُصَلِّي فِي
الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي
الثَّالِثَةِ وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ
بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي
بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ وَلَا يَبْطُلُ
خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ بِهِ ، وَكَذَا
الْخَلْوَةُ لَا تَصِحُّ مَا لَمْ يَفْرُغْ
الْأَرْبَعَ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ امْرَأَتُهُ
وَهُوَ يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ
فَانْتَقَلَ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ
دُخُولِهَا لَا يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْمَهْرِ
؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ كَالظُّهْرِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لَمْ
يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَوْ قَرَأَ فِي
الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ
قَضَى رَكْعَتَيْنِ إذَا صَلَّى أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا
أَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ
أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَمَّا
إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا
فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ فَسَدَ
بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَيَقْضِيه وَلَمْ
يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِفَسَادِ
الْأَوَّلِ فَلَا يَقْضِيه ، وَأَمَّا إذَا
قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَقْرَأْ
فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلِأَنَّ الشَّفْعَ
الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَصَحَّ شُرُوعُهُ فِي
الشَّفْعِ الثَّانِي ، ثُمَّ فَسَدَ بِتَرْكِ
الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَيَقْضِيه ، وَأَمَّا
إذَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ
فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ فَسَدَ
بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَيَقْضِيه
وَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ
الثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْوِتْرُ
فَلِلِاحْتِيَاطِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ
عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي
الْكُلِّ نَظَرًا إلَيْهِ وَبِالنَّظَرِ إلَى
مَذْهَبِهِ لَا يَجِبُ فَتَجِبُ احْتِيَاطًا .
ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ :
وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ) أَيْ
سَوَاءٌ كَانَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا ا هـ ع
(قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ
زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِي هَذِهِ
الْأَوْقَاتِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي
الصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَقَضَى
رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا
وَأَفْسَدَهُ) أَيْ الْأَرْبَعَ الَّذِي
شَرَعَ فِيهِ ا هـ ع (قَوْلُهُ بَعْدَ
الْقُعُودِ الْأَوَّلِ) أَيْ وَبَعْدَ
الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَفِي
هَذِهِ الصُّورَةِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ
الشَّفْعِ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ
الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ بِالْقُعُودِ
وَكُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى
حِدَةٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ
مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ
شَفْعٍ إلَى آخِرِهِ ا هـ قَوْلُهُ
بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ
خِلَافًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا تَرَى
إذْ لَا وَجْهَ لَهُ وَسَاقَ الْخِلَافَ فِي
الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ، وَهِيَ مَا إذَا
أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْقُعُودِ وَوَجْهُ
الْخِلَافِ ظَاهِرٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ
الْأُخْرَيَيْنِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ
رَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ فِيمَنْ
افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ يَنْوِي أَرْبَعًا ،
ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ
يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ
الْأَزْهَرِيِّ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ
يَنْوِي عَدَدًا يَلْزَمُهُ بِالِافْتِتَاحِ
ذَلِكَ الْعَدَدُ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ
رَكْعَةٍ وَرَوَى غَسَّانُ عَنْهُ أَنَّهُ
قَالَ إنْ نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَزِمَهُ
وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ
يَلْزَمْهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ
بِالنَّذْرِ مَا تَنَاوَلَهُ وَإِنْ كَثُرَ .
ا هـ . (قَوْلُهُ أَيْ قَضَى رَكْعَتَيْنِ)
هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي
فِي غَالِبِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ قَضَى
رَكْعَتَيْنِ أَيْ إذَا صَلَّى إلَى آخِرِهِ
وَهُوَ تَصَرُّفٌ مِنْ النُّسَّاخِ غَيْرُ
صَحِيحٍ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا
وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ شَامِلٌ لِخَمْسِ
مَسَائِلَ . ا هـ
(1/174)
عِنْدَهُمَا .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَرْبَعًا لَوْ
قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى
الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ قَضَى أَرْبَعًا إذَا
صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَرَأَ فِي
رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ شَفْعٍ وَهَذَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ
مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ إلَى
ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ وَالْأَصْلُ فِيهَا
عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ
تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ
فِي إحْدَاهُمَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ إذَا
قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ فَلَا يَصِحُّ
الْبِنَاءُ عَلَيْهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي
الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ
التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ
زَائِدٌ بِدَلِيلِ وُجُودِ الصَّلَاةِ
بِدُونِهَا فِي الْجُمْلَةِ كَصَلَاةِ
الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ وَالْمُقْتَدِي
وَلِهَذَا مِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ
دُونَ الْأَفْعَالِ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ
وَعَلَى الْعَكْسِ لَا تَلْزَمُهُ لَكِنْ
يُوجِبُ فَسَادَ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَا
يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَا تَبْطُلُ
التَّحْرِيمَةُ فَيَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي
الشَّفْعِ الثَّانِي وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي
الْأُولَيَيْنِ يُوجِبُ بُطْلَانَ
التَّحْرِيمَةِ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى
وُجُوبِهَا فَلَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ
وَفِي إحْدَاهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ
فَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِهَا فِي حَقِّ لُزُومِ
الْقَضَاءِ وَبِبَقَائِهَا فِي حَقِّ لُزُومِ
الشَّفْعِ الثَّانِي احْتِيَاطًا فَإِذَا
ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ
فِي الْأَرْبَعِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ
عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَطَلَتْ
بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ
فَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ
الثَّانِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي
أَرْبَعًا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا
تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ
فَصَحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي
فَيَقْضِي الْكُلَّ وَلَوْ قَرَأَ فِي
الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ يَقْضِي
الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِصِحَّةِ
الْأُولَيَيْنِ وَفَسَادِ الْأُخْرَيَيْنِ
بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا وَلَوْ قَرَأَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ
الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ
التَّحْرِيمَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِ
الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ
الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي
عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُف يَصِحُّ
شُرُوعُهُ فِيهِ لَكِنْ لَمَّا قَرَأَ
فِيهِمَا صَحَّتَا وَلَوْ قَرَأَ فِي
الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ
فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ
بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَرَأَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ
فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ
بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ .
وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ
وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَقْضِي
أَرْبَعًا رَوَاهَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنْكَرَ
أَبُو يُوسُفَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَلَمْ
يَرْجِعْ مُحَمَّدٌ عَنْهَا وَاعْتَمَدَ
الْمَشَايِخُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ ، وَكَذَا لَوْ
قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي الْأُولَيَيْنِ
فِيهِمَا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَرَأَ فِي
إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ
الْأُولَيَيْنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا وَلَوْ نَوَى أَنْ
يَكُونَ الشَّفْعُ الثَّانِي قَضَاءً عَنْ
الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَقَرَأَ فِيهِ لَا
يَكُونُ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْكُلَّ
بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَكُونُ
الْبَعْضُ قَضَاءً عَنْ الْبَعْضِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَلَا يُصَلِّي
بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا
يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا»
وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ
مَعْنَاهُ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَانِ
بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ
مَسْعُودٍ فَيَكُونُ بَيَانًا لِفَرْضِ
الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ
كُلِّهَا وَقِيلَ كَانُوا يُصَلُّونَ
الْفَرِيضَةَ ، ثُمَّ يُصَلُّونَ بَعْدَهَا
مِثْلَهَا يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ زِيَادَةَ
الْأَجْرِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ هُوَ
نَهْيٌ عَنْ إعَادَةِ الْمَكْتُوبَةِ
بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ
تَحْقِيقٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيطِ
الْوَسْوَسَةِ عَلَى الْقَلْبِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَنَفَّلُ
قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ
ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) أَمَّا الِابْتِدَاءُ
فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ
أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ
نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ
وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ) يَشْمَلُ
صُورَتَيْنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ
فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى
الْأُولَيَيْنِ) يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ أَيْضًا
. ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى
الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ)
يَشْمَلُ أَرْبَعَ صُوَرٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ
قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ)
يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ
وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ . ا
هـ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ
الْأُولَيَيْنِ عِنْدَهُمَا) ؛ لِأَنَّ
شُرُوعَهُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَصْلُحْ
لِتَرْكِهِ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ .
ا هـ . (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
يَقْضِي أَرْبَعًا) أَيْ لِعَدَمِ بُطْلَانِ
التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ وَلَا يُصَلِّي إلَى آخِرِهِ) هَذَا
لَفْظُ الْحَدِيثِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ
(قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِمَا فِيهِ)
أَيْ ؛ لِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ ا هـ
ع.
(قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا مَعَ
الْقُدْرَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مَعَ
قُدْرَةِ الْقِيَامِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا
حَالَيْنِ بِمَعْنَى مُبْتَدِئًا وَبَانِيًا
وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَا عَلَى
الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي حَالِ الِابْتِدَاءِ
وَحَالَةِ الْبِنَاءِ ا هـ ع وَكَتَبَ مَا
نَصُّهُ ، وَكَذَا فِي النَّذْرِ إذَا لَمْ
يَنُصَّ عَلَى صِفَةِ الْقِيَامِ فِي
الصَّحِيحِ . ا هـ . كُنُوزٌ (قَوْلُهُ
«وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ
الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ
نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» قَالَ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا فِي النَّافِلَةِ
أَمَّا الْفَرِيضَةُ فَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ
فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ أَجْرِهِ ا
هـ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ
الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «إذَا مَرِضَ
الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ
مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا» ،
ثُمَّ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِي
حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ حُدِّثْت
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ
صَلَاةِ الْقَائِمِ فَأَتَيْته فَوَجَدْته
يُصَلِّي جَالِسًا قَالَ حُدِّثْت يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنَّك قُلْت صَلَاةُ الرَّجُلِ
قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ
الْقَائِمِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ
أَجَلْ وَلَكِنْ لَسْت كَأَحَدِكُمْ» . هَذَا
وَفِي الْحَدِيثِ صَلَاةُ النَّائِمِ عَلَى
النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ وَلَا
نَعْلَمُ الصَّلَاةَ نَائِمًا تَسُوغُ إلَّا
فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ
الْقُعُودِ وَهَذَا حِينَئِذٍ يُعَكِّرُ عَلَى
حَمْلِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى النَّفْلِ
وَعَلَى كَوْنِهِ فِي الْفَرْضِ لَا يَسْقُطُ
مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ شَيْءٌ وَالْحَدِيثُ
الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى خِلَافِ
ذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ كِتَابَةَ مِثْلِ مَا
كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا
وَإِنَّمَا عَاقَهُ الْمَرَضُ عَنْ أَنْ
يَعْمَلَ شَيْئًا أَصْلًا وَذَلِكَ لَا
يَسْتَلْزِمُ احْتِسَابَ مَا صَلَّى قَاعِدًا
بِالصَّلَاةِ قَائِمًا لِجَوَازِ احْتِسَابِهِ
نِصْفًا ، ثُمَّ يُكْمِلُ لَهُ كُلَّ عَمَلِهِ
مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَضْلًا ، وَإِلَّا
فَالْمُعَارَضَةُ قَائِمَةٌ لَا تَجُوزُ إلَّا
بِتَجْوِيزِ النَّافِلَةِ نَائِمًا وَلَا
أَعْلَمُهُ فِي فِقْهِنَا . ا هـ . فَتْحُ
الْقَدِيرِ . (قَوْلُهُ «فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ
الْقَائِمِ» قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا . ا هـ .
غَايَةٌ
(1/175)
وَالْمُرَادُ
بِهِ النَّفَلُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى
النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ
عُذْرٍ» وَالْفَرْضُ لَا يَجُوزُ أَنْ
يُصَلَّى قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
بِدَلِيلِ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ
فَقَاعِدًا» الْحَدِيثَ ، فَتَعَيَّنَ
النَّفَلُ مُرَادًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى
الْقِيَامِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ
مَوْضُوعٍ فَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ
الْقِيَامُ فَجَازَ تَرْكُهُ كَيْ لَا
يَتْرُكَهُ أَصْلًا وَاخْتَلَفُوا فِي
كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فِي غَيْرِ حَالَةِ
التَّشَهُّدِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ احْتَبَى وَإِنْ
شَاءَ تَرَبَّعَ وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ كَمَا
يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْتَبِي لِمَا رُوِيَ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- كَانَ يُصَلِّي فِي آخِرِ عُمْرِهِ
مُحْتَبِيًا» وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ
يَتَرَبَّعُ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ
كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ ؛
لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ
وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ
وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ
قَائِمًا فَلِأَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ
بِرُكْنٍ فِي النَّفْلِ فَجَازَ تَرْكُهُ
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا
لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ
الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ عِنْدَنَا فَأَشْبَهَ
النَّذْرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ
الْوَاجِبَ بِالتَّحْرِيمَةِ صِيَانَةُ مَا
مَضَى فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا يُصَحِّحُ
التَّحْرِيمَةَ وَتَحْرِيمَةُ التَّطَوُّعِ
تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ إذْ هُوَ لَيْسَ
بِرُكْنٍ فِيهِ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ
يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ فَالْبَقَاءُ
أَسْهَلُ كَمَا فِي كَثِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْعُدَ فِي
الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ فِي
الْكِتَابِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
النَّذْرِ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي النَّذْرِ
بِاسْمِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى
هَذِهِ الْأَرْكَانِ مِنْ الْقِيَامِ
وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا وَفِي
الشُّرُوعِ وَجَبَ بِالتَّحْرِيمَةِ وَهِيَ
لَا تُوجِبُ الْقِيَامَ عَلَى مَا
قَدَّمْنَاهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَرَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ مُومِيًا إلَى
أَيْ جِهَةِ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) أَيْ
وَيَتَنَفَّلُ رَاكِبًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ
أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي
وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ فِي
كُلِّ جِهَةٍ» لَكِنْ يَخْفِضُ السُّجُودَ
مِنْ الرُّكُوعِ وَيُومِئُ إيمَاءً وَلِأَنَّ
النَّوَافِلَ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ
فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ
وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ
النَّافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ
الْقَافِلَةِ ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ
فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ) أَيْ
إذْ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ تُسَاوِي صَلَاةُ
الْقَاعِدِ صَلَاةَ الْقَائِمِ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى
النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ
عُذْرٍ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فِي
غَيْرِ حَالَةِ التَّشَهُّدِ إلَخْ) أَمَّا
فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَيَقْعُدُ كَمَا
فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا نَقَلَهُ
فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ
عَنْ الذَّخِيرَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
مُخَيَّرٌ فِيهِ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ
الْإِيمَاءُ قَائِمًا حَيْثُ لَا تَجُوزُ مِنْ
غَيْرِ عُذْرٍ ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ قِيَامٌ
حَيْثُ جَوَّزْنَا اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِهِ
بِخِلَافِ الْمُومِئِ . ا هـ . غَايَةٌ
قَوْلُهُ إنْ شَاءَ احْتَبَى وَإِنْ شَاءَ
تَرَبَّعَ إلَى آخِرِهِ وَوَجْهُ التَّرَبُّعِ
وَالِاحْتِبَاءِ فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ
التَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَالَةِ الْقِرَاءَةِ
وَحَالَةِ التَّشَهُّدِ . ا هـ . غَايَةٌ
وَوَجْهُ مَنْ قَالَ يَجْلِسُ كَيْفَ شَاءَ ؛
لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْقِيَامُ سَقَطَتْ
هَيْئَتُهُ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ :
لِأَنَّهُ عَهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ)
دُونَ غَيْرِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ
بَعْدَمَا أَحْرَمَ قَائِمًا إلَى آخِرِهِ)
أَيْ يَشْرَعَ قَائِمًا وَصَلَّى بَعْضَهَا ،
ثُمَّ كَمَّلَهَا قَاعِدًا ا هـ ع وَفِي
الْمُحِيطِ لَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ
قَائِمًا وَأَتَمَّهُ قَاعِدًا بِعُذْرٍ جَازَ
وَكَذَا بِغَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَهُ وَلَوْ
تَوَكَّأَ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ بِغَيْرِ
عُذْرٍ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا
يُكْرَهُ قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ
فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَالتَّتَابُعِ فِي
الصَّوْمِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ
نَذَرَ صَلَاةً وَهُوَ رَاكِبٌ فَقَدْ ذَكَرَ
الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا
رَاكِبًا وَفِي الْأَصْلِ لَوْ نَذَرَ أَنْ
يُصَلِّيَ فَصَلَّى رَاكِبًا وَفِي الْأَصْلِ
لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى رَاكِبًا
لَمْ يُجْزِهِ ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا
إذَا كَانَ النَّاذِرُ رَاكِبًا عَلَى
الدَّابَّةِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ إذْ
مُطْلَقُ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى
الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْكَامِلَةِ
وَالصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ نَاقِصَةٌ وَهَذَا
دَلِيلٌ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِأَجْلِ
الْإِيمَاءِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
أَوْ السَّمَاعِ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ
مِنْهُ رَاكِبًا فَيَلْزَمُهُ كَذَلِكَ فَإِنْ
قِيلَ سَبَبُ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ أَيْضًا
النَّذْرَ وَقَدْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ
كَالتِّلَاوَةِ قُلْت النَّذْرُ لَا
يَتَعَلَّقُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ فِي أَوْقَاتِ
الْكَرَاهَةِ وَأَدَّاهُ فِيهَا لَا يُجْزِيه
كَقَضَاءِ الْعَصْرِ عِنْدَ الْغُرُوبِ . ا هـ
. غَايَةٌ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَدْ
مَنَعَ فِي النَّوَادِرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ
عَلَى جَنْبِهِ قُلْت وَهَذَا مَذْهَبُنَا
وَلَا يَتَنَفَّلُ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ
ذَكَرَهُمَا فِي الزِّيَادَاتِ . ا هـ .
غَايَةٌ وَلَوْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا ، ثُمَّ
قَامَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِمَا عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ
قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وِرْدَهُ حَتَّى إذَا
بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ»
الْحَدِيثَ ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمُحَمَّدٌ وَإِنْ
قَالَ إنَّ التَّحْرِيمَةَ الْمُنْعَقِدَةَ
لِلْقُعُودِ لَا تَكُونُ مُنْعَقِدَةً
لِلْقِيَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا
قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ
الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَلَا
يُتِمُّهَا قَائِمًا لَمْ يُخَالِفْ فِي
الْجَوَازِ هُنَا ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ
الْمُتَطَوِّعِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقُعُودِ
أَلْبَتَّةَ بَلْ لِلْقِيَامِ ؛ لِأَنَّهُ
أَصْلٌ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، ثُمَّ جَازَ
لَهُ شَرْعًا تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ
فَمَا انْعَقَدَتْ إلَّا لِلْمَقْدُورِ
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى
هَذَا الِاعْتِبَارِ . ا هـ . فَتْحُ
الْقَدِيرِ . (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ النَّذْرِ إلَى آخِرِهِ) إذَا نَصَّ
عَلَى صِفَةِ الْقِيَامِ أَمَّا إذَا لَمْ
يَنُصَّ فَهُوَ كَالنَّفْلِ كَمَا تَقَدَّمَ
عَنْ الْكُنُوزِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي
الْكَافِي . ا هـ . (قَوْلُهُ فَلَوْ
أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ
الْقِبْلَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ .
ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ يَنْقَطِعُ
هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُمْ
لَا يَنْتَظِرُونَهُ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْفَرَائِضُ
فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ) أَيْ فَيَنْزِلُونَ
كُلَّهُمْ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ . ا هـ .
غَايَةٌ
(1/176)
فَلَا تَجُوزُ
عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ عَلَى
مَا مَرَّ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ،
وَكَذَا الْوَاجِبَاتُ مِنْ الْوِتْرِ
وَالْمَنْذُورِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ
فَأَفْسَدَهُ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ
وَالسَّجْدَةِ الَّتِي تُلِيَتْ عَلَى
الْأَرْضِ . وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ
فَنَوَافِلُ حَتَّى تَجُوزَ عَلَى الدَّابَّةِ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ
لِسُنَّةِ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ
غَيْرِهَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا
وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي
اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَالْجَوَازَ فِي
الْمِصْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ
الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ فَقِيلَ إذَا
خَرَجَ قَدْرَ فَرْسَخَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ
يَجُوزُ ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إذَا خَرَجَ
قَدْرَ الْمِيلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا
تَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لِلْمُسَافِرِ
أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْمِصْرِ
أَيْضًا وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّصَّ
وَرَدَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَلَا يَجُوزُ
الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ
إلَى الرُّكُوبِ أَغْلَبُ وَلَا تَضُرُّهُ
النَّجَاسَةُ عَلَى الدَّابَّةِ عَلَى قَوْلِ
أَكْثَرِهِمْ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَلَى
السَّرْجِ أَوْ الرِّكَابَيْنِ تَمْنَعُ
وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَلَى الرِّكَابَيْنِ لَا
تَمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ
جُلُوسِهِ تَمْنَعُ . وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ
فِيهَا ضَرُورَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا
كَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ وَهُوَ
الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ ، وَأَمَّا
الصَّلَاةُ عَلَى الْعَجَلَةِ فَإِنْ كَانَ
طَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ
أَوْ لَا تَسِيرُ فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى
الدَّابَّةِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا وَإِنْ
لَمْ تَكُنْ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السَّرِيرِ ،
وَكَذَا لَوْ رَكَّزَ تَحْتَ الْمَحْمَلِ
خَشَبَةً حَتَّى بَقِيَ قَرَارُهُ عَلَى
الْأَرْضِ لَا عَلَى الدَّابَّةِ يَكُونُ
بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَبَنَى بِنُزُولِهِ لَا
بِعَكْسِهِ) أَيْ إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ
رَاكِبًا ، ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي وَلَا
يَبْنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ
إلَّا لِلضَّرُورَةِ إلَى آخِرِهِ) وَهِيَ
أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نُزُولِهِ
أَوْ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ
لِصٍّ أَوْ كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ قَالَ
فِي الْمُحِيطِ يَغِيبُ وَجْهُهُ فِيهَا لَا
يَجِدُ مَكَانًا جَافًّا أَوْ كَانَتْ
الدَّابَّةُ جُمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا
يُمْكِنُهُ رُكُوبُهَا إلَّا بِعَنَاءٍ أَوْ
كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَوْ نَزَلَ لَا
يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْكَبَ فَلَا يَجِدُ مَنْ
يُعِينُهُ عَلَى الرُّكُوبِ فَتَجُوزُ
الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي هَذِهِ
الْأَحْوَالِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ
بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ قَالَ
الْمَرْغِينَانِيُّ فَكَمَا تَسْقُطُ
الْأَرْكَانُ عَنْ الرَّاكِبِ يَسْقُطُ
اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ قُلْت الْأَرْكَانُ
تَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ بِخِلَافِ
الِاسْتِقْبَالِ وَلِهَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ
الْبَدَلِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْأَدَاءُ . ا هـ
. غَايَةٌ . قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ
أَيْ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً لَا سَائِرَةً .
ا هـ . (قَوْلُهُ وَمَا شَرَعَ فِيهِ
فَأَفْسَدَهُ) الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ
الْجَوَازِ فِي الَّذِي شَرَعَ فِيهِ ، ثُمَّ
أَفْسَدَهُ الْكَرَاهَةُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ
بِالشُّرُوعِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ
الصِّيَانَةِ وَلِذَا لَا يُشْتَرَطُ
الْكَمَالُ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ . ا
هـ . يَحْيَى وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَمَا
شَرَعَ أَيْ عَلَى الْأَرْضِ ا هـ (فَرْعٌ)
ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ لَوْ افْتَتَحَ
التَّطَوُّعَ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ
الْمِصْرِ ، ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرِ قَبْلَ
أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ
رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُتِمُّهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ قِيلَ يُتِمُّهَا
قَاعِدًا عَلَى الدَّابَّةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ
مَنْزِلَهُ وَقِيلَ يُتِمُّهَا بِالنُّزُولِ
عَلَى الْأَرْضِ . ا هـ . غَايَةٌ . (قَوْلُهُ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ
لِسُنَّةِ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ
غَيْرِهَا) أَيْ حَتَّى يَجُوزَ لِلْعَالِمِ
أَنْ يَتْرُكَ سَائِرَ السُّنَنِ لِتَحْصِيلِ
الْعِلْمِ دُونَ سُنَّةِ الْفَجْرِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ
أَدَاؤُهَا قَاعِدًا) قَالَ فِي الْغَايَةِ
وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَا يَجُوزُ
فِعْلُهَا قَاعِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
ا هـ . (قَوْلُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ
الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ) أَيْ
وَهُوَ الصَّحِيحُ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا
تَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا إلَى آخِرِهِ)
قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَوْلُ صَاحِبِ
الْكِتَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ
وَجْهُ الظَّاهِرِ يَدُلَّانِ أَنَّ هَذِهِ
رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ صَاحِب
الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ لَا
يُوَافِقُ ذَلِكَ ا هـ وَفِي
الْهَارُونِيَّاتِ قَالَ مَنَعَهَا أَبُو
حَنِيفَةَ فِي الْمِصْرِ وَجَوَّزَهَا أَبُو
يُوسُفَ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ وَكَانَ أَبُو
سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مُحْتَسِبُ
بَغْدَادَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ يُصَلِّي فِي
بَغْدَادَ عَلَى دَابَّتِهِ فِي أَزِقَّتِهَا
يُومِئُ إيمَاءً وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي
شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى
عَلَى حِمَارٍ فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ
يُومِئُ إيمَاءً» وَفِي الْمَبْسُوطِ رَوَى
أَبُو يُوسُفَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - رَكِبَ حِمَارًا فِي
الْمَدِينَةِ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ
وَكَانَ يُصَلِّي وَهُوَ رَاكِبٌ» فَلَمْ
يَرْفَعْ أَبُو حَنِيفَةَ رَأْسَهُ قِيلَ
إنَّمَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ ؛ لِأَنَّهُ
رَجَعَ إلَيْهِ لِلْحَدِيثِ وَقِيلَ لَمْ
يَثْبُتْ عِنْدَهُ فَتَرَكَهُ وَأَبُو يُوسُفَ
أَخَذَ بِهِ ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مُحَمَّدٌ
لِكَثْرَةِ اللَّغَطِ وَالشَّغَبِ فِي
الْمِصْرِ فَرُبَّمَا اُبْتُلِيَ بِالْغَلَطِ
فِي قِرَاءَتِهِ . ا هـ . غَايَةٌ . وَذَكَرَ
فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ حَرَّكَ
رِجْلَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا مُتَدَارِكًا
أَوْ ضَرَبَهَا بِخَشَبَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ
بِخِلَافِ النَّخْسِ إذَا لَمْ تَسِرْ ، وَفِي
الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَنْسَاقُ
بِنَفْسِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ
كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ فَرَفَعَ صَوْتَهُ
فَهَيَّبَهَا بِهِ وَنَخَسَهَا لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ . ا هـ . غَايَةٌ (فَرْعٌ) قَالَ
فِي الْبَدَائِعِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى
الدَّابَّةِ لِخَوْفِ الْعَدُوِّ وَكَيْفَمَا
كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً
؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى السَّيْرِ
فَأَمَّا لِعُذْرِ الطِّينِ وَالرَّدْغَةِ
فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ
سَائِرَةً ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ مُنَافٍ
لِلصَّلَاةِ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْقُطُ
اعْتِبَارُهُ إلَّا لِضَرُورَةِ وَلَمْ
تُوجَدْ وَلَوْ اسْتَطَاعَ النُّزُولَ وَلَمْ
يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ لِلطِّينِ
وَالرَّدْغَةِ يَنْزِلُ وَيُومِئُ قَائِمًا
عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى
الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ
يَنْزِلُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ ؛
لِأَنَّ السُّقُوطَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ا
هـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - قَوْمٌ يُصِيبُهُمْ الْمَطَرُ
فَيَكْثُرُ الْمَطَرُ إنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا
أَنْ يَنْزِلُوا أَوْمَئُوا عَلَى الدَّابَّةِ
؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ خَلَفٌ ، وَالْمَصِيرُ
إلَى الْخَلَفِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ
الْأَصْلِ جَائِزٌ وَإِنْ أَوْمَئُوا
وَالدَّوَابُّ تَسِيرُ لَمْ يُجْزِهِمْ إنْ
كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى إيقَافِ
الدَّابَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا جَازَ
وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى النُّزُولِ وَلَمْ
يَقْدِرُوا عَلَى الِانْحِرَافِ إلَى
الْقِبْلَةِ أَجْزَأَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَى
غَيْرِ الْقِبْلَةِ . ا هـ وَانْظُرْ مَا
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
شُرُوطِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ
وَالْخَائِفُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ
قَدَرَ . (قَوْلُهُ وَهُوَ الرُّكُوعُ
وَالسُّجُودُ) أَيْ مَعَ إمْكَانِ النُّزُولِ
وَالْأَدَاءِ عَلَى الْأَرْضِ لِلضَّرُورَةِ
وَالْأَرْكَانُ أَقْوَى مِنْ الشَّرَائِطِ
فَإِذَا سَقَطَتْ فَشَرْطُ طَهَارَةِ
الْمَكَانِ أَوْلَى . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ : ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي) أَيْ ؛
لِأَنَّ النُّزُولَ عَمَلٌ يَسِيرٌ ا هـ ع
(1/177)
بِعَكْسِهِ
وَهُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا ، ثُمَّ
رَكِبَ وَالْفَرْقُ أَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ
انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ بِوَاسِطَةِ النُّزُولِ فَكَانَ
لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِيمَاءِ رُخْصَةً
أَوْ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَزِيمَةً ،
وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ مُوجِبًا
لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ
تَرْكُ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ
إذَا نَزَلَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ
صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَآخِرَهَا بِرُكُوعٍ
وَسُجُودٍ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ
عَلَى الضَّعِيفِ فَصَارَ كَالْمَرِيضِ إذَا
كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ، ثُمَّ قَدَرَ
عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرُوِيَ عَنْ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ بَعْدَمَا
صَلَّى رَكْعَةً اسْتَقْبَلَ لِأَنَّ قَبْلَ
أَدَاءِ الرَّكْعَةِ مُجَرَّدَ تَحْرِيمَةٍ ،
وَهِيَ شَرْطٌ فَالشَّرْطُ الْمُنْعَقِدُ
لِلضَّعِيفِ كَانَ شَرْطًا لِلْقَوِيِّ
كَالطَّهَارَةِ ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى
رَكْعَةً فَقَدْ تَأَكَّدَ فِعْلُ الضَّعِيفِ
فَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ الْقَوِيَّ كَمَا فِي
الِاقْتِدَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ
الرَّاكِبَ إذَا نَزَلَ اسْتَقْبَلَ
وَالنَّازِلَ إذَا رَكِبَ يَبْنِي ؛ لِأَنَّهُ
إذَا افْتَتَحَ رَاكِبًا كَانَ أَوَّلُ
صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا نَزَلَ
لَزِمَهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَا
يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ
، وَإِذَا افْتَتَحَ نَازِلًا صَارَ أَوَّلَ
صَلَاتِهِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِذَا
رَكِبَ صَارَتْ بِالْإِيمَاءِ وَهُوَ أَضْعَفُ
فَيَجُوزُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى
الْقَوِيِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ فِي
رَمَضَانَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ
تَسْلِيمَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ
الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بِجَمَاعَةٍ وَالْخَتْمُ
مَرَّةً وَبِجِلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ
بِقَدْرِهَا) أَيْ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ
رَكَعَاتٍ بِقَدْرِ الْأَرْبَعَةِ الْكَلَامُ
فِي التَّرَاوِيحِ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ
فِي صِفَتِهَا وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا
رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
نَصًّا وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهَا وَاظَبَ عَلَيْهَا
الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالثَّانِي فِي
عَدَدِ رَكَعَاتِهَا وَهِيَ عِشْرُونَ
رَكْعَةً وَعِنْدَ مَالِكٍ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ
رَكْعَةً وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِعَمَلِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَنَا مَا رَوَى
الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ
كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِعِشْرِينَ رَكْعَةً
وَعَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِثْلَهُ
فَصَارَ إجْمَاعًا وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ
غَيْرُ مَشْهُورٍ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ كُلِّ
تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ
فُرَادَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَالثَّالِثُ فِي
وَقْتِهَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا
مِنْهُمْ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ إنَّ
اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا قَبْلَ
الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْوِتْرِ
وَبَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ
وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى
وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ
وَالصَّحِيحُ أَنَّ وَقْتَهَا مَا ذُكِرَ فِي
الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ
إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْوِتْرِ
وَبَعْدَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ
حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِشَاءَ
صَلَّوْهَا بِلَا طَهَارَةٍ دُونَ
التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ أَعَادُوا
التَّرَاوِيحَ مَعَ الْعِشَاءِ دُونَ
الْوِتْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛
لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ
وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ
اللَّيْلِ أَوْ نِصْفَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي
أَدَائِهَا بَعْدَ النِّصْفِ فَقَالَ
بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ
لِلْعِشَاءِ فَصَارَ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ ؛
لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ
فِيهَا آخِرُهُ وَالرَّابِعُ فِي أَدَائِهَا
بِجَمَاعَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا
، ثُمَّ رَكِبَ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ
عَمَلٌ كَثِيرٌ وَعَنْ زُفَرَ يَبْنِي أَيْضًا
ا هـ ع.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : بِعَشْرِ
تَسْلِيمَاتٍ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا
هـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ سُنَنِهَا
أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ تَرْوِيحَتَيْنِ إمَامٌ
وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ
الْحَرَمَيْنِ ، وَعَمَلُ السَّلَفِ وَلَا
يُصَلِّي التَّرْوِيحَةَ الْوَاحِدَةَ
إمَامَانِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ
السَّلَفِ وَلَا يُصَلِّي إمَامٌ وَاحِدٌ
التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي كُلِّ
مَسْجِدٍ عَلَى الْكَمَالِ وَلَوْ فَعَلَ لَا
يُحْتَسَبُ الثَّانِي مِنْ التَّرَاوِيحِ
وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُعِيدُوا ؛ لِأَنَّ
صَلَاةَ إمَامِهِمْ نَافِلَةً وَصَلَاتُهُمْ
سُنَّةٌ وَالسُّنَّةُ أَقْوَى فَلَمْ يَصِحَّ
الِاقْتِدَاءُ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا
تَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَا صَلَّى
فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ مَحْسُوبٌ وَلَا
بَأْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ
فِي مَسْجِدَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ
الْمُتَطَوِّعِ بِمَنْ يُصَلِّي السُّنَّةَ
فَإِنَّهُ جَائِزٌ . ا هـ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ : وَبَعْدَهُ بِجَمَاعَةٍ)
يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ سُنَّ ا هـ ع
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْخَتْمِ إلَخْ)
بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِجَمَاعَةٍ أَيْ
يُسَنُّ بِخَتْمِ الْقُرْآنِ فِيهَا ا هـ ع
(قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ فِي حَقِّ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ : وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ
الرَّاشِدُونَ إلَخْ) هُوَ تَغْلِيبٌ إذَا
لَمْ يَرِدْ كُلُّهُمْ بَلْ عُمَرُ
وَعُثْمَانُ وَعَلِيًّا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ
ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ
زَمَنِ عُمَرَ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ الْقِيَامُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ
سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا . ا هـ .
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ
التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ
بِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ لِأَنَّ سُنَّةَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ
يَتْرُكْهُ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَرَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا
وَاظَبَ عَلَيْهَا بَلْ أَقَامَهَا فِي بَعْضِ
اللَّيَالِي رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّاهَا
لَيْلَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ ، ثُمَّ تَرَكَ
وَقَالَ أَخْشَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ»
لَكِنَّ الصَّحَابَةَ وَاظَبُوا عَلَيْهَا
فَكَانَتْ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ ا هـ وَفِي
الْبَدَائِعِ أَيْضًا اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي
التَّرَاوِيحَ بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ
أَوْ النَّافِلَةَ قِيلَ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ
وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلتَّرَاوِيحِ وَقِيلَ
لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛
لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا
لِعَمَلِ السَّلَفِ وَلَوْ اقْتَدَى مَنْ
يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى بِمَنْ
يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ قِيلَ
لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ
وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ
مُتَّحِدَةٌ فَكَانَ نِيَّةُ الْأُولَى
وَالثَّانِيَةِ لَغْوًا وَلِهَذَا صَحَّ
اقْتِدَاءُ مُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ
بِمُصَلِّي الْأَرْبَعِ قَبْلَهُ فَهَذَا
أَوْلَى . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهِيَ عِشْرُونَ
رَكْعَةً) أَيْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَنَقَلَهُ
الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ
الْعُلَمَاءِ . ا هـ . غَايَةٌ وَقِيلَ
الْحِكْمَةُ فِي التَّقْدِيرِ بِعِشْرِينَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيُوَافِقَ الْفَرَائِضَ
الِاعْتِقَادِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّةَ
كَالْوِتْرِ فَإِنَّهَا عِشْرُونَ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ : عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
إلَى آخِرِهِ) الظَّرْفُ يَتَعَلَّقُ
بِقَوْلِهِ دُونَ الْوِتْرِ ا هـ (قَوْلُهُ :
لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ)
أَيْ حَتَّى أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
وَالْإِمَامُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ يُصَلِّي
الْعِشَاءَ أَوَّلًا ، ثُمَّ يَتْبَعُ
إمَامَهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَتْرُكَ
السُّنَّةَ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا) الَّذِي
بِخَطِّ الشَّارِحِ فِعْلُهَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ إلَى
آخِرِهِ) قُلْت لَوْ كَانَتْ صَلَاةُ
اللَّيْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
التَّأْخِيرُ مُسْتَحَبًّا . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ فِي أَدَائِهَا
بِجَمَاعَةٍ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي
الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَدْرِيَّةِ
أَنَّ نَفْسَ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ
وَأَدَاؤُهَا بِجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبٌّ ا هـ
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا صَلَّوْا
التَّرَاوِيحَ ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ
يُصَلُّوهَا ثَانِيًا يُصَلُّونَ
(1/178)
وَهُوَ سُنَّةٌ
عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا فِي
بَيْتِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ
الْقِرَاءَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَلْيُصَلِّهَا
فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا
كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ
فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي
بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . وَجْهُ
الظَّاهِرِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى
ذَلِكَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي
تَرْكِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا
بِالْجَمَاعَةِ وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ
عَلَيْنَا وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ
عَلَى الْكِفَايَةِ وَلِهَذَا يُرْوَى
التَّخَلُّفُ عَنْ بَعْضِهِمْ كَابْنِ عُمَرَ
وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ
وَنَافِعٍ وَنَفْسُ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ عَلَى
الْأَعْيَانِ . وَالْخَامِسُ فِي قَدْرِ
الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ
فِيهَا مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي
الْمَغْرِبِ تَخْفِيفًا لِأَنَّ النَّوَافِلَ
تُبْنَى عَلَى التَّخْفِيفِ فَيَكُونُ مِثْلُ
أَخَفِّ الْفَرَائِضِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ
يُقْرَأُ فِيهَا مِقْدَارُ مَا يُقْرَأُ فِي
الْعِشَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهَا وَقَالَ
بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرَأَ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثِينَ آيَةً لِأَنَّ
عُمَرَ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَقَعُ عِنْدَ
قَائِلِ هَذَا فِيهَا ثَلَاثُ خَتْمٍ
وَلِأَنَّ كُلَّ عُشْرٍ مَخْصُوصٍ بِفَضِيلَةٍ
عَلَى حِدَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ
أَنَّهُ «شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ
وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ
مِنْ النَّارِ» وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ
الْخَتْمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ
وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ رَجَاءَ أَنْ
يَنَالُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ ؛ لِأَنَّ
الْأَخْبَارَ تَضَافَرَتْ عَلَيْهَا وَرَوَى
الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ
وَنَحْوِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ
السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ مَرَّةً وَهُوَ
يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ
عَدَدَ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ فِي الشَّهْرِ
سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدُ آيِ
الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ
فَإِذَا قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرًا
يَحْصُلُ الْخَتْمُ وَلَا يَتْرُكُ الْخَتْمَ
مَرَّةً لِكَسَلِ الْقَوْمِ بِخِلَافِ
الدَّعَوَاتِ فِي التَّشَهُّدِ حَيْثُ
يَتْرُكُ إذَا عَرَفَ مِنْهُمْ الْمَلَلَ .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَخْتِمُ قَبْلَ
تَمَامِ الشَّهْرِ فَقِيلَ يُصَلِّي
الْعِشَاءَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ مِنْ
غَيْرِ تَرَاوِيحَ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ
؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ خَتْمِ
الْقُرْآنِ وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً وَقِيلَ
يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا
يَشَاءُ . وَالسَّادِسُ فِي الْجِلْسَةِ
بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ
وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ كُلِّ
تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ ،
وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ
وَقَوْلُهُ وَبِجِلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ
أَرْبَعٍ يَشْمَلُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ يُوجِبُ
أَنْ يَكُونَ سُنَّةً حَيْثُ عَطَفَهُ عَلَى
مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَنِ وَهُوَ
مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ
لِلتَّوَارُثِ عَنْ السَّلَفِ وَلِأَنَّ اسْمَ
التَّرَاوِيحِ يُنْبِئُ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فُرَادَى لَا بِجَمَاعَةٍ ؛ لِأَنَّ
الثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ مُطْلَقٌ
وَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ بِجَمَاعَةٍ
مَكْرُوهٌ . وَيَجُوزُ التَّرَاوِيحُ قَاعِدًا
مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ؛
لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ إلَّا أَنَّهُ لَا
يُسْتَحَبُّ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ
الْمُتَوَارَثَةِ . ا هـ . وَالصَّحِيحُ
أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا لَا
تُقْضَى ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آكَدُ مِنْ
سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَتِلْكَ
لَا تُقْضَى فَكَذَا هَذِهِ . ا هـ .
بَدَائِعُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ
فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ) أَيْ
فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ الْمَسْجِدَ
تَرْغِيبُ النَّاسِ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ
عَلَيْنَا) أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ هُنَا
إشْكَالًا فَقَالَ كَيْفَ يَخْشَى أَنْ
تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمِنَ مِنْ
الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ هُنَّ
خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ
الْقَوْلُ لَدَيَّ ؟ . وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا
الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ زِيَادَةُ
الْأَوْقَاتِ وَنُقْصَانِهَا لَا زِيَادَةُ
عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَنُقْصَانِهَا ، أَلَا
تَرَى إلَى قَوْلِهِ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ
رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ فِي
السَّفَرِ وَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ» (قَوْلُهُ
فَيَكُونُ مِثْلُ أَخَفِّ الْفَرَائِضِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا
غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ وَقَالَ الشَّهِيدُ هَذَا
غَيْرُ سَدِيدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ
الْخَتْمِ وَهُوَ سُنَّةٌ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْرَأُ فِيهَا
مِقْدَارُ مَا يُقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ إلَى
آخِرِهِ) وَقِيلَ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٌ أَوْ
آيَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ آيَتَانِ
مُتَوَسِّطَتَانِ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ آيَتَانِ
قُلْت وَالْمُتَأَخِّرُونَ كَانُوا يُفْتُونَ
فِي زَمَانِنَا بِثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ
آيَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى لَا يَمَلَّ الْقَوْمُ
وَلَا يَلْزَمُ تَعْطِيلُهَا ، وَهَذَا حَسَنٌ
فَإِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ
بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ
أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ فَهَذَا فِي
الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا .
ا هـ . زَاهِدِي (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ
الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ إلَى آخِرِهِ) .
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ
فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ
يَقْرَأَ الْإِمَامُ عَلَى حَسَبِ حَالِ
الْقَوْمِ مِنْ الرَّغْبَةِ وَالْكَسَلِ
فَيَقْرَأُ قَدْرَ مَا لَا يُوجِبُ تَنْفِيرَ
الْقَوْمِ عَنْ الْجَمَاعَةِ ؛ لِأَنَّ
تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ
تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْضَلُ
تَعْدِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي التَّرْوِيحَاتِ
كُلِّهَا فَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ فَلَا بَأْسَ
بِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ
الْخَتْمُ فِيهَا مَرَّةً إلَى آخِرِهِ)
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ
يَخْتِمُ إحْدَى وَسِتِّينَ خَتْمَةً فِي
كُلِّ يَوْمٍ خَتْمَةً وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ
خَتْمَةً وَفِي كُلِّ التَّرَاوِيحِ خَتْمَةً
. ا هـ . فَتْحٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ
وَشَيْءٍ) قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ جَمِيعُ
الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ
وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ آيَةً أَلْفٌ وَعْدٌ
وَأَلْفٌ وَعِيدٌ وَأَلْفٌ أَمْرٌ وَأَلْفٌ
نَهْيٌ وَأَلْفٌ قَصَصٌ وَأَلْفٌ خَبَرٌ
وَخَمْسُمِائَةٍ حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمِائَةٌ
دُعَاءٌ وَتَسْبِيحٌ وَسِتَّةُ وَسِتُّونَ
نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ ا هـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ
الدَّعَوَاتِ فِي التَّشَهُّدِ) حَيْثُ
يَتْرُكُ إذَا عَرَفَ مِنْهُمْ الْمَلَلَ
بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا ؛
لِأَنَّهَا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ وَلَا
يَتْرُكُ السُّنَنَ لِلْجَمَاعَاتِ
كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالثَّنَاءِ . ا هـ .
فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَالسَّادِسُ فِي
الْجِلْسَةِ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ
سُنَنِهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ
بِتَسْلِيمَةِ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ صَلَّى
تَرْوِيحَةً بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ
فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا
شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِ
عُلَمَائِنَا أَنَّ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً
تَتَأَدَّى بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِنَاءً
عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَةَ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ
بِرُكْنٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَكِنْ
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يَجُوزُ عَنْ
تَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ
تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ
السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ بِتَرْكِ
التَّسْلِيمَةِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَالثَّنَاءِ
وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ فَلَا يَجُوزُ
إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ
عَامَّتُهُمْ إنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ
الصَّحِيحُ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى
التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ
وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ
أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ
الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِجَمِيعِ
أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا ؛
لِأَنَّ تَجْدِيدَ التَّحْرِيمَةِ لِكُلِّ
رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا هَذَا
إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ
قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لَمْ
يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
يَجُوزُ
(1/179)
ذَلِكَ ؛
لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاسْتِرَاحَةِ ،
ثُمَّ هُمْ مُخَيَّرُونَ فِي حَالَةِ
الْجُلُوسِ إنْ شَاءُوا سَبَّحُوا وَإِنْ
شَاءُوا قَرَءُوا الْقُرْآنَ وَإِنْ شَاءُوا
صَلُّوا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى وَإِنْ
شَاءُوا قَعَدُوا سَاكِتِينَ ، وَأَهْلُ
مَكَّةَ يَطُوفُونَ أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ
رَكْعَتَيْنِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ
يُصَلُّونَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوتَرُ
بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ) عَلَيْهِ
إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي
الْأَفْضَلِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
الْأَفْضَلُ أَنْ يُوتِرَ بِجَمَاعَةٍ وَقَالَ
الْآخَرُونَ أَنْ يُوتِرَ فِي مَنْزِلِهِ
مُنْفَرِدًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ
الصَّحَابَةَ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى الْوِتْرِ
بِجَمَاعَةٍ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى
التَّرَاوِيحِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَلَّى رَكْعَةً
مِنْ الظُّهْرِ فَأُقِيمَ يُتِمُّ شَفْعًا)
أَيْ لَوْ صَلَّى رَجُلٌ مِنْ الظُّهْرِ
رَكْعَةً بِأَنْ قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ ،
ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ أَيْ
دَخَلَ فِيهَا الْإِمَامُ يَضُمُّ إلَيْهَا
رَكْعَةً أُخْرَى صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ
الْبُطْلَانِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَيَقْتَدِي) إحْرَازُ الْفَضِيلَةِ
الْجَمَاعَةُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى
بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَ
الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهَا
بِمَحِلِّ الرَّفْضِ ، وَالْقَطْعُ
لِلْإِكْمَالِ وَلَوْ أُقِيمَتْ وَلَمْ
يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ ضَمَّ
إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ
وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ
ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَلَوْ أُقِيمَتْ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَهُمَا هَلْ يَجُوزُ
عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا
عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ
وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ
الشَّفْعُ الْأَوَّلُ كَامِلًا ، وَكَمَالُهُ
بِالْقَعْدَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالْكَامِلُ
لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَيُوتَرُ
بِجَمَاعَةٍ إلَى آخِرِهِ) يُوتَرُ عَلَى
صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُوتِرُ الْإِمَامُ
ا هـ ع (قَوْلُهُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ
الْمُسْلِمِينَ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي عَمَلًا
، وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ
أَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي الْوِتْرِ خَارِجَ
رَمَضَانَ جَائِزٌ وَفِي الْحَوَاشِي قَالَ
وَيَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ . ا هـ
. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
الْأَفْضَلُ أَنْ يُوتِرَ بِجَمَاعَةٍ إلَخْ)
أَيْ ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ ،
وَالْجَمَاعَةُ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ
رَمَضَانَ مَكْرُوهَةٌ فَالِاحْتِيَاطُ
تَرْكُهَا فِيهِ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي
قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَوْ صَلَّاهَا
بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَهُ ذَلِكَ
وَعَدَمُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فِي غَيْرِ
رَمَضَانَ لَيْسَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ
مَشْرُوعٍ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتٍ
يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فَإِنْ صَحَّ
هَذَا قَدَحَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ . ا هـ
. فَتْحٌ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَأَمَّا
فِي رَمَضَانَ فَأَدَاؤُهَا فِي جَمَاعَةٍ
أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي مَنْزِلِهِ ؛
لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْوِتْرِ وَذَكَرَ
قَبْلَ هَذَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ
فِي الْفَرِيضَةِ وَالْوِتْرِ وَكَانَ أُبَيٍّ
يَؤُمُّهُمْ فِي التَّرَاوِيحِ ا هـ قَوْلُهُ
: لِأَنَّهُ نَفْلٌ أَيْ الْوِتْرُ ا هـ
وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهَةٌ
وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ
الْوَلْوَالِجِيِّ وَصَلَاةُ النَّفْلِ
بِالْجَمَاعَةِ مَكْرُوهٌ مَا خَلَا قِيَامَ
رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يَفْعَلْهَا الصَّحَابَةُ . ا هـ ..
(بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ
الصَّلَاةِ فَرْضَهَا وَوَاجِبَهَا
وَنَفْلَهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَدَاءِ
الْكَامِلِ ا هـ وَحَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ
مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ
فِي الْأَدَاءِ . ا هـ . فَتْحٌ قَوْلُهُ فِي
بَيَانِ الْأَدَاءِ الْكَامِلِ أَيْ وَهُوَ
الْأَدَاءُ بِالْجَمَاعَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ
بِالْإِقَامَةِ شُرُوعَ الْإِمَامِ فِي
الصَّلَاةِ لَا إقَامَةَ الْمُؤَذِّنِ
فَإِنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي
الْإِقَامَةِ وَالرَّجُلُ لَمْ يُقَيِّدْ
الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ
رَكْعَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ
أَصْحَابِنَا . ا هـ . (قَوْلُهُ صِيَانَةً
لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ) فَإِنْ قِيلَ
كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى أَصْلِ
مُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا بَطَلَتْ
صِفَةُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَ أَصْلُ
الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُؤَدَّى
مَصُونًا عَنْ الْبُطْلَانِ عِنْدَهُ قِيلَ
فِي جَوَابِهِ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ
مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إنَّمَا
هُوَ مَذْهَبُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ
مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ
بِالْمُضِيِّ فِيهَا كَمَا إذَا قَيَّدَ
الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ وَهُوَ لَمْ
يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ وَهَا هُنَا
يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ
بِالْمُضِيِّ فِيهَا . وَالْفَرْقُ
بَيْنَهُمَا أَنَّ إبْطَالَ صِفَةِ
الْفَرْضِيَّةِ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ
الْجَمَاعَةِ بِإِطْلَاقٍ مِنْ الشَّرْعِ
وَإِبْطَالَ صِفَتِهَا هُنَاكَ لَيْسَ
بِإِطْلَاقٍ مِنْ جِهَتِهِ فَجَازَ أَنْ
يَنْتَفِلَ نَفْلًا هَاهُنَا وَصَارَ
كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ فِي
خِلَالِ الصَّوْمِ حَيْثُ يُبْطِلُ جِهَةَ
كَوْنِهِ كَفَّارَةً لَا أَصْلَ الصَّوْمِ
كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ
الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ا هـ وَكَتَبَ
عَلَى قَوْلِهِ صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ
الْبُطْلَانِ أَيْ وَلِلنَّهْيِ عَنْ
الْبُتَيْرَاءِ ا هـ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ
يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ إلَى
آخِرِهِ) احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ
وَبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَقْطَعُ وَإِلَيْهِ
مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ؛ لِأَنَّهُ
يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ
. ا هـ . كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا
بِمَحِلِّ الرَّفْضِ وَالْقَطْعِ
لِلْإِكْمَالِ) أَيْ يَعْنِي هُوَ تَفْوِيتُ
وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لِتَحْصِيلِهِ بِوَجْهٍ
أَكْمَلَ فَصَارَ كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ
لِتَجْدِيدِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ ،
ثُمَّ الْإِعَادَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ
إحْسَانٍ جَائِزًا لِحُطَامِ الدُّنْيَا إذَا
فَارَ قَدْرُهَا وَالْمُسَافِرُ إذَا نَدَّتْ
دَابَّتُهُ أَوْ خَافَ فَوْتَ دِرْهَمٍ مِنْ
مَالِهِ فَجَوَازُهُ لِتَحْصِيلِ نَفْسِهِ
عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ .
. ا هـ . فَتْحٌ . وَلِهَذَا لَوْ قَامَ
الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ
وَسَجَدَ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ وَعَلَيْهِ
أَنْ يُتَابِعَ إمَامَهُ وَيَرْفُضَ تِلْكَ
الرَّكْعَةَ وَلَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ
بَعْدَمَا قَيَّدَ بِالسَّجْدَةِ لَا
يُتَابَعُ إمَامُهُ حَتَّى لَوْ تَابَعَهُ
وَسَجَدَ مَعَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَكَذَا
لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ لَهُ أَنْ
يَرْفُضَ الْقِيَامَ وَيَعُودَ إلَى
الْقُعُودِ وَيُسَلِّمَ ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ
لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِمَا دُونَ
الرَّكْعَةِ فَعَلِمَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ
لَهُ وِلَايَةَ الرَّفْضِ قَبْلَ التَّقْيِيدِ
بِالسَّجْدَةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ
وَقَعَ قُرْبَةً فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ مَا
أَمْكَنَ بِالنَّصِّ وَاسْتِئْنَافُ الْفَرْضِ
عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ
(1/180)
فِي الْبَيْتِ
مَثَلًا فَأُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ
كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ فَأُقِيمَتْ فِي
مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا
ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ كَانَ فِي
النَّفْلِ لَا يَقْطَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
لِلْإِكْمَالِ وَلَوْ كَانَ فِي سُنَّةِ
الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ أَوْ
خَطَبَ قِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ
الرَّكْعَتَيْنِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ وَقِيلَ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا ؛
لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ
عَلَى مَا مَرَّ فِي النَّوَافِلِ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ صَلَّى ثَلَاثًا
يُتِمُّ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا) أَيْ لَوْ
صَلَّى مِنْ الظُّهْرِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ ،
ثُمَّ أُقِيمَتْ يُتِمُّ الظُّهْرَ
مُنْفَرِدًا عَلَى حَالِهِ ، ثُمَّ يَقْتَدِي
بِالْإِمَامِ إحْرَازًا لِلْفَضْلِ وَعَنْ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُتِمُّهَا قَاعِدًا
لِتَنْقَلِبَ صَلَاتُهُ نَفْلًا ، ثُمَّ
يُصَلِّي مَعَ الْجَمَاعَةِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ
ثَوَابِ النَّفْلِ وَثَوَابِ الْجَمَاعَةِ فِي
الْفَرْضِ . وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنْ
لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَلَا
يَحْتَمِلُ النَّقْصُ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ فِي الثَّالِثَةِ بُعْدٌ ، وَلَمْ
يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَيْثُ
يَقْطَعُهَا وَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَادَ
إلَى الْقُعُودِ لِيُسَلِّمَ وَإِنْ شَاءَ
كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الشُّرُوعَ فِي
صَلَاةِ الْإِمَام وَلَا يُسَلِّمُ قَائِمًا ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِي حَالَةِ
الْقِيَامِ وَقِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً ؛
لِأَنَّهُ قَطْعٌ وَلَيْسَ بِتَحَلُّلِ
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْعَوْدَ
حَتْمٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ صَلَاةِ
مُعْتَدٍ بِهَا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا قَاعِدًا
، ثُمَّ إذَا قَعَدَ قِيلَ يُعِيدُ
التَّشَهُّدَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ
قُعُودَ خَتْمٍ وَقِيلَ يَكْفِيه التَّشَهُّدُ
الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ
ارْتَفَضَ الْقِيَامُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ
يُوجَدْ ، ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً
وَاحِدَةً وَقِيلَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَوْلُهُ
وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ
الْفَرْضِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا
يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَحُكْمُ
الْعِشَاءِ كَالظُّهْرِ فِي جَمِيعِ مَا
ذَكَرْنَاهُ ، وَكَذَا الْعَصْرُ إلَّا
أَنَّهُ إذَا أَتَمَّهَا وَحْدَهُ لَا
يَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ لِكَرَاهَةِ
النَّفْلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَلَّى
رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ
فَأُقِيمَ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي) لِأَنَّهُ
لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى
تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ لِإِتْيَانِهِ
بِالْكُلِّ أَوْ الْأَكْثَرُ ، وَكَذَا
يَقْطَعُ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا
بِالسَّجْدَةِ وَإِذَا قَيَّدَهَا بِهَا لَمْ
يَقْطَعْهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِذَا
أَتَمَّهَا لَمْ يَشْرَعْ مَعَ الْإِمَامِ
لِكَرَاهِيَةِ النَّفْلِ بَعْدَ صَلَاةِ
الْفَجْرِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ
بِالْوِتْرِ فِي النَّفْلِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
أَوْ مُخَالَفَةِ إمَامِهِ فَإِنْ دَخَلَ
مَعَهُ فِي الْمَغْرِبِ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا
لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ أَخَفُّ مِنْ
مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَا يَسْلُبُ قُدْرَةَ صَوْنِهِ عَنْ
الْبُطْلَانِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إتْمَامِ
رَكْعَتَيْنِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ
صَلَاةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ ، وَإِنْ
فَاتَهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا
يَجُوزُ الْإِبْطَالُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ
تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ نَعَمْ غَايَةُ
الْأَكْمَلِيَّةِ فِي أَنْ لَا يَفُوتَهُ
شَيْءٌ مَعَ الْإِمَامِ وَيُعَارِضُهُ
حُرْمَةُ الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ إتْمَامِ
رَكْعَتَيْنِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ
لِلصَّلَاةِ بَلْ لِوَصْفِهَا إلَى وَصْفٍ
أَكْمَلَ فَصَارَ كَالنَّفْلِ فَإِنَّهُ
يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا
شَرَعَ فِي النَّفْلِ فَحَضَرَتْ جِنَازَةٌ
خَافَ إنْ لَمْ يَقْطَعْهَا تَفُوتُهُ
فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ
الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعًا وَقَطْعُ النَّفْلِ
مُعْقِبٌ لِلْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ
لَوْ اخْتَارَ تَفْوِيتَهَا كَانَ لَا إلَى
خَلَفٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ
لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ
فِيهِ إحْرَازُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ؛
لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُخَالَفَةُ
الْجَمَاعَةِ عِيَانًا . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ لَا
يَقْطَعُ) أَيْ بَلْ يُتِمُّ شَفْعًا ، ثُمَّ
يَدْخُلُ فِي الْفَرْضِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
قِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ)
أَيْ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
والإسبيجابي وَالْبَقَّالِيُّ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُتِمُّهَا
أَرْبَعًا) قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ هُوَ
الصَّحِيحُ وَهُوَ اخْتِيَارُ حُسَامِ
الدِّينِ الشَّهِيدِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ
لَفْظُ مُحَمَّدٍ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ
يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ
يَفْرُغَ مِنْهَا فَحَمَلَ بَعْضُهُمْ لَفْظَ
الْفَرَاغِ عَلَى الْقَطْعِ وَبَعْضُهُمْ
عَلَى الْإِتْمَامِ . ا هـ . غَايَةٌ . قَالَ
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ
؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ فِي قَضَائِهَا
بَعْدَ الْفَرْضِ وَلَا إبْطَالَ فِي
التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ
فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمْتَاعِ
وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ
بِلَا سَبَبٍ ا هـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَرَوَى
الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْقَاضِي
أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ قَالَ كُنْت
أُفْتِي زَمَانًا أَنَّهُ يُتِمُّهَا
أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ
عَلَى حِدَةٍ حَتَّى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِي
النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ ا هـ
قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
الْغَايَةِ فَإِذَا أَتَمَّهَا وَدَخَلَ مَعَ
الْإِمَامِ يَكُونُ مَا يُصَلِّي مَعَ
الْإِمَامِ نَافِلَةً وَيَنْوِي النَّفَلَ
وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
تُعَادُ الصَّلَوَاتُ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا
الْمَغْرِبَ ؛ لِأَنَّهَا وِتْرٌ وَلَا
وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد
وَهَلْ يُعِيدُهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَوْ
النَّفْلِ أَوْ إكْمَالِ الْفَضِيلَةِ أَوْ
تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى
فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ا هـ قَوْلُهُ
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ أَيْ وَهُوَ الْقَطْعُ
. ا هـ . (قَوْلُهُ حَيْثُ يَقْطَعُهَا إلَى
آخِرِهِ) هَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ
اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ عَدَمَ قَطْعِ
الْأُولَى قَبْلَ السُّجُودِ وَضَمِّ
ثَانِيَةٍ ؛ لِأَنَّ ضَمَّهَا هُنَا مُفَوِّتٌ
لِاسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ الْفَرْضِ
بِجَمَاعَةٍ فَيَفُوتُ الْجَمْعُ بَيْنَ
الْمُصْلَحَتَيْنِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ
وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي
الشُّرُوعَ) أَيْ بِقَلْبِهِ فَإِذَا دَخَلَ
فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ تَبْطُلُ صَلَاةُ
نَفْسِهِ ضِمْنًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ
شَاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ
يَرْفَعْ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْعَوْدَ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ إلَى الْقُعُودِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ
تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً) أَيْ ؛ لِأَنَّ
التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ لِلتَّحَلُّلِ ،
وَهَذَا قَطْعٌ مِنْ وَجْهٍ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ تَسْلِيمَتَيْنِ) أَيْ ؛
لِأَنَّهُ تَحَلُّلٌ مِنْ الْقُرْبَةِ . ا هـ
. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَقْتَدِي
مُتَطَوِّعًا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَإِنْ
قِيلَ التَّنَفُّلُ بِالْجَمَاعَةِ خَارِجَ
رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ قُلْنَا ذَاكَ إذَا كَانَ
الْإِمَامُ ، وَالْقَوْمُ يُؤَدُّونَ
النَّفَلَ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ
يُؤَدِّي الْفَرْضَ ، وَالْقَوْمُ النَّفَلَ
لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رَوَيْنَا . ا هـ ..
(قَوْلُهُ أَوْ الْأَكْثَرُ) وَلِأَنَّهُ
يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بَعْدَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ قَاضِي
خَانْ وَذَلِكَ حَرَامٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ
مَكْرُوهٌ لِتَأْخِيرِ فَرْضِ الْمَغْرِبِ . ا
هـ . غَايَةٌ . (قَوْلُهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ
الْإِتْيَانِ بِالْوِتْرِ) أَيْ وَهُوَ
مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ إذْ التَّنَفُّلُ
بِالثَّلَاثِ حَرَامٌ قَالَهُ قَاضِي خَانْ
قُلْت الْوِتْرُ ثَلَاثٌ وَهُوَ نَفْلٌ
عِنْدَهُمَا وَذَلِكَ مَشْرُوعٌ فَكَيْفَ
يَكُونُ مِثْلُهُ حَرَامًا . ا هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ أَوْ مُخَالَفَةَ إمَامِهِ) أَيْ
فِيمَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا وَهِيَ حَرَامٌ
أَيْضًا . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ
مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ أَخَفُّ مِنْ
مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ إلَخْ) لِأَنَّهَا
مُخَالَفَةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ
وَيَصِيرُ كَالْمُقِيمِ إذَا اقْتَدَى
بِمُسَافِرٍ يَصِحُّ وَكَالْمَسْبُوقِ كَذَا
فِي الْمُحِيطِ وَجَامِعِ قَاضِي خَانْ
وَالْفَرْقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ
هَذَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَنَّ
صَلَاتَهُ عَلَى عَرْضِيَّةِ أَنْ تَصِيرَ
أَرْبَعًا فَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَا تَكُونُ
مُخَالَفَةً
(1/181)
وَلَوْ سَلَّمَ
مَعَ الْإِمَامِ قِيلَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ
وَقَضَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ
الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ
تَطَوُّعًا فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
كَمَا لَوْ نَذَرَ بِهَا وَعَنْ بِشْرٍ
أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَام وَلَا
يُسَلِّمُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ
خُرُوجُهُ مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ حَتَّى
يُصَلِّيَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْرُجُ مِنْ
الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا
مُنَافِقٌ أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ
يُرِيدُ الرُّجُوعَ» وَقَالُوا إذَا كَانَ
يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَتِهِ بِأَنْ
كَانَ مُؤَذِّنًا أَوَإِمَامًا فِي مَسْجِدٍ
آخَرَ تَتَفَرَّقُ الْجَمَاعَةُ بِغَيْبَتِهِ
يَخْرُجُ بَعْدَ النِّدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ
تَرْكٌ صُورَةً تَكْمِيلٌ مَعْنًى
وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى ، وَفِي
النِّهَايَةِ إنْ خَرَجَ لِيُصَلِّيَ فِي
مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا
بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ
بِالْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَلَّى لَا) أَيْ
وَإِنْ صَلَّى فَرْضَ الْوَقْتِ لَا يُكْرَهُ
الْخُرُوجُ بَعْدَ النِّدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ
قَدْ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً فَلَا
يَجِبُ عَلَيْهِ ثَانِيًا قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ
إنْ شُرِعَ فِي الْإِقَامَةِ) لِأَنَّهُ
يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ
عِيَانًا وَرُبَّمَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَا
يَرَى جَوَازَ الصَّلَاةِ خَلْفَ أَهْلِ
السُّنَّةِ كَمَا تَزْعُمُ الْخَوَارِجُ
وَالشِّيعَةُ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا مِنْ
الصَّلَوَاتِ فَيَخْرُجُ ، وَإِنْ أَخَذَ
الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ لِكَرَاهِيَةِ
التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ خَافَ
فَوَاتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ
ائْتَمَّ وَتَرَكَهَا) لِأَنَّ ثَوَابَ
الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ وَالْوَعِيدَ
بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ فَكَانَ إحْرَازُ
فَضِيلَتِهَا أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ
يَخْشَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ إلَى
أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الْفَجْرِ فَإِنْ
كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَ إحْدَاهُمَا لَا
يَتْرُكُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ
بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ
إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ كَإِدْرَاكِ الْجَمِيعِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ
الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَيُصَلِّيهَا
عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ
يُمْكِنْهُ يُصَلِّيهَا فِي الشَّتْوِيِّ إذَا
كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ وَإِنْ
كَانَ فِي الشَّتْوِيِّ صَلَّاهَا فِي
الصَّيْفِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
مَوْضِعَانِ صَلَّاهَا خَلْفَ الصُّفُوفِ
عِنْدَ سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ وَيَبْعُدُ عَنْ
الصُّفُوفِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ لِيَنْفِيَ
التُّهْمَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ
يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَهُ فِي التَّشَهُّدِ
قِيلَ هُوَ كَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ عِنْدَهُمَا
كَمَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَا كَذَلِكَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ ،
وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ عُرِفَ
جَوَازُهُ بِالْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا فَاتَكُمْ
فَاقْضُوا» وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَضَافَ
إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى يَصِيرُ
مُتَنَفِّلًا بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَقَدْ
قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ
مَكْرُوهٌ . ا هـ . كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ
قِيلَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ
أَرْبَعًا سَاهِيًا بَعْدَمَا قَعَدَ عَلَى
رَأْسِ الثَّلَاثِ وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ
الرَّجُلُ مُتَطَوِّعًا قَالَ الشَّيْخُ
الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي ؛
لِأَنَّ الرَّابِعَةَ وَجَبَتْ عَلَى
الْمُقْتَدِي بِالشُّرُوعِ وَعَلَى الْإِمَامِ
بِالْقِيَامِ إلَيْهَا فَصَارَ كَرَجُلٍ
أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
بِالنَّذْرِ فَاقْتَدَى فِيهِنَّ بِغَيْرِهِ
لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي كَذَا هَذَا
. ا هـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ : وَفِيهِ
تَأَمُّلٌ وَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ
الدِّينِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ
الْتَزَمَ الْمُتَابَعَةَ عَلَى الِانْفِرَادِ
فَإِذَا اقْتَدَى فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ حَتَّى لَوْ سَهَا
الْإِمَامُ عَنْ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ
الثَّالِثَةِ وَصَلَّى الرَّابِعَةَ وَصَلَّى
الْمُقْتَدِي مَعَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ . ا هـ
. (قَوْلُهُ وَعَنْ بِشْرٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ
مَعَ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) وَوَجْهُهُ مَا
قَالَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا نَقْصٌ
وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ فَلَا بَأْسَ
بِهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي
الظُّهْرِ بَعْدَمَا صَلَّاهَا وَتَرَكَ
الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ
فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي مَعَ
خُلُوِّهِمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ حَقِيقَةً
وَحُكْمًا وَهُوَ نَقْصٌ فِي صَلَاةِ
الْمُقْتَدِي وَلَمْ يُكْرَهْ لِمَجِيئِهِ
بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ قَالَ فِي الْفَتْحِ
وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ خُلُوِّهِمَا عَنْ
الْقِرَاءَةِ حُكْمًا . ا هـ . (قَوْلُهُ مَعَ
الْإِمَامِ) أَيْ فِي الثَّالِثَةِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) وَهُوَ
رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا
بَعْدَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إلَى آخِرِهِ)
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ؛
لِأَنَّ بِالْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ صَارَ
مُلْتَزِمًا لِلرَّكْعَتَيْنِ إذْ الرَّكْعَةُ
الْوَاحِدَةُ لَا تَكُونُ صَلَاةً لِلنَّهْيِ
عَنْ الْبُتَيْرَاءِ وَقَالَ فِيهِ نَوْعُ
تَغْيِيرٍ إلَّا أَنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ
إنَّمَا وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ
فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَنْ أَدْرَكَ
الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ يَسْجُدُ مَعَهُ
وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ الرُّكُوعِ
غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَكَمَنْ أَدْرَكَهُ فِي
الْقَعْدَةِ فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ فِيهَا
وَهِيَ قَبْلَ الْأَرْكَانِ غَيْرُ
مَشْرُوعَةٍ . ا هـ . كَاكِيٌّ . وَفِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَدْخُلُ فَإِنْ
دَخَلَ يَفْعَلُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ .
ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْرُجُ مِنْ
الْمَسْجِدِ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ سَبْط ابْنُ
الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ النَّسَائِيّ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ
الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ إلَى آخِرِهِ)
وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الْخُرُوجِ إلَّا أَنْ
يَخْرُجَ إلَى حَاجَةٍ لِعَزْمِ أَنْ يَعُودَ
فَيُدْرِكَ ا هـ زَادُ الْفَقِيرِ (قَوْلُهُ
وَالْعِشَاءُ إنْ شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ
إلَى آخِرِهِ) أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي
الْإِقَامَةِ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ . ا هـ .
(قَوْلُهُ لِكَرَاهِيَةِ التَّنَفُّلِ
بَعْدَهَا إلَى آخِرِهِ) أَمَّا بَعْدَ
الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا
بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلِكَرَاهَةِ
التَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ : لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ
أَعْظَمُ) أَيْ مِنْ فَضِيلَةِ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهَا تَفْضُلُ الْفَرْضَ
بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا تَبْلُغُ
رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا
؛ لِأَنَّهَا أَضْعَافُ الْفَرْضِ كَذَا فِي
الْفَتْحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ
ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ) أَيْ ؛
لِأَنَّهَا مُكَمِّلَةٌ ذَاتِيَّةٌ
لِلْفَرَائِضِ وَالسُّنَّةُ مُكَمِّلَةٌ
خَارِجِيَّةٌ عَنْهَا . ا هـ . كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ وَالْوَعِيدُ بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ)
أَيْ مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامِ
مِنْ قَوْلِ أَبِي مَسْعُودٍ لَا يَتَخَلَّفُ
عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ وَمَا قَدَّمْنَاهُ
مِنْ هَمِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ
الْمُتَخَلِّفِينَ وَمِنْ رِوَايَةِ
الْحَاكِمِ «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ»
الْحَدِيثَ ، فَارْجِعْ إلَيْهَا . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّيهَا عِنْدَ بَابِ
الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ) التَّقْيِيدُ
بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ
يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ
إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ
لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُقِيمَتْ
الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا
الْمَكْتُوبَةَ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ
الْمُخَالَفَةَ لِلْجَمَاعَةِ وَالِانْتِبَاذَ
عَنْهُمْ وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا
يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ
عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِد مَكَانٌ ؛ لِأَنَّ
تَرْكَ الْمَكْرُوهِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ
السُّنَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ
تَتَفَاوَتُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي
الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي
الشَّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهَا فِي
الصَّيْفِيِّ وَقَلْبِهِ ، وَأَشَدُّ مَا
يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا
مُخَالِطًا لِلصَّفِّ كَمَا يَفْعَلُهُ
كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ . ا هـ . فَتْحُ
الْقَدِيرِ
(1/182)
الْجُمُعَةِ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ ،
وَأَمَّا بَقِيَّةُ السُّنَنِ إنْ أَمْكَنَهُ
أَنْ يَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ
الْإِمَامُ أَتَى بِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ ،
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ مَعَهُ ؛
لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ إحْرَازُ
الْفَضِيلَتَيْنِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ
رَكْعَةٍ شَرَعَ مَعَهُ بِخِلَافِ سُنَّةِ
الْفَجْرِ عَلَى مَا مَرَّ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَلَمْ تُقْضَ إلَّا تَبَعًا) أَيْ
لَمْ تُقْضَ سُنَّةُ الْفَجْرِ إلَّا تَبَعًا
لِلْفَرْضِ إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ
وَقَضَاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ
لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا
تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ
لَكِنْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِقَضَائِهَا قَبْلَ
الزَّوَالِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ وَهُوَ مَا
رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَضَاهَا مَعَ الْفَرْضِ
غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بَعْدَ
ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ» فَيَبْقَى مَا رَوَاهُ
عَلَى الْأَصْلِ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ
اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ، وَأَمَّا إذَا
فَاتَتْ بِلَا فَرْضٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ
مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا
إلَى الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا
تُقْضَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
بِالْإِجْمَاعِ لِكَرَاهِيَةِ النَّفْلِ
بَعْدَ الصُّبْحِ ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ
السُّنَنِ فَلَا تُقْضَى وَحْدَهَا بَعْدَ
الْوَقْتِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَضَائِهَا
تَبَعًا لِلْفَرْضِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَضَى الَّتِي
قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ) أَيْ فِي
وَقْتِ الظُّهْرِ (قَبْلَ شَفْعِهِ) أَيْ
قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ
الْفَرْضِ وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ
وَعِنْدَهُمَا يَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ ،
ثُمَّ يَقْضِي الْأَرْبَعَ ؛ لِأَنَّهَا
لَمَّا فَاتَ مَحَلُّهَا صَارَتْ نَفْلًا
مُبْتَدَأً فَيَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ كَيْ
لَا يَفُوتَ مَحَلُّهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
هِيَ سُنَّةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَبْدَأُ بِهَا
، أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ
إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ
قَضَاهَا بَعْدَهُ» أَطْلَقْت عَلَيْهِ اسْمَ
الْقَضَاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُقَامُ
مَقَامَ الْفَائِتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
-
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ
بِهِ) أَيْ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ بَلْ
يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ . ا هـ . غَايَةٌ
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَجْهُ
اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا
لِمَا سَنَذْكُرُهُ وَمَا عَنْ الْفَقِيهِ
إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِيِّ مِنْ أَنَّهُ
يَنْبَغِي أَنْ يُشْرَعَ فِي رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ ، ثُمَّ يُطِعْهُمَا فَيَجِبُ
الْقَضَاءُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ
بَعْدَ الصَّلَاةِ دَفَعَهُ الْإِمَامُ
السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ مِنْ
الشُّرُوعِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِمَّا وَجَبَ
بِالنَّذْرِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ
الْمَنْذُورَ لَا يُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ
قَبْلَ الطُّلُوعِ وَأَيْضًا شُرُوعٌ فِي
الْعِبَادَةِ لِقَصْدِ الْإِفْسَادِ فَإِنْ
قِيلَ لِيُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى قُلْنَا
إبْطَالُ الْعَمَلِ قَصْدًا مَنْهِيٌّ
وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى
جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ . ا هـ . وَاعْلَمْ
أَنَّ الدَّفْعَ الثَّانِيَ أَوْلَى مِنْ
الدَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ فِي
الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَا نَصُّهُ
قِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
مِنْ التَّنْظِيرِ نَظَرٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ
الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا وَجَبَتَا عَلَيْهِ
بِالشُّرُوعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَجَازَ
أَدَاؤُهُمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ بِخِلَافِ
مَا ذُكِرَ مِنْ النَّظِيرِ فَإِنَّهُ نَذَرَ
أَنْ يُصَلِّيَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ
بِالزَّمَانِ فَيَجِبُ الْمَنْذُورُ بِصِفَةِ
الْكَمَالِ فَلَا يَتَأَدَّى بِصِفَةِ
النُّقْصَانِ . ا هـ (قَوْلُهُ وَفِيمَا
بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ
قَضَائِهَا بِتَبَعِيَّةِ الْفَرْضِ قَبْلَ
الزَّوَالِ قَضَاؤُهَا بِتَبَعِيَّةِ
الْفَرْضِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا هُوَ
عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ؛ لِأَنَّ
اخْتِصَاصَ تَبَعِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ
الزَّوَالِ لَا مَعْنَى لَهُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا
إلَى الزَّوَالِ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ
وَالْفَضْلِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا لَا
خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ مُحَمَّدًا
يَقُولُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ
لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُمَا
يَقُولَانِ ؛ لِأَنَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ
يَقْضِيَ وَإِنْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ
وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ
وَقَالَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى
يَكُونُ نَفْلًا مُبْتَدَأً أَوْ سُنَّةً
كَذَا فِي الْمُحِيطِ . ا هـ . كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) لَا يُسَاعِدُهُ ؛
لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَضَاهَا مَعَ الصُّبْحِ
وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ يَسْتَدِلُّ لَهُ
لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُصَلِّ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا
بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ» وَفِي
الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَهُ أَنَّ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاتَتْهُ
رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ
طَلَعَتْ الشَّمْسُ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ : وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ
السُّنَنِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي قَاضِي خَانْ
وَبَقِيَّةُ السُّنَنِ إذَا فَاتَتْ عَنْ
أَوْقَاتِهَا وَحْدَهَا لَا تُقْضَى وَإِنْ
فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ لَا تُقْضَى عِنْدَنَا
وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تُقْضَى وَهُوَ
قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَفِي الْمُحِيطِ
وَبَقِيَّةُ السُّنَنِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ
لَا تُقْضَى وَحْدَهَا وَلَا تَبَعًا
لِلْفَرْضِ . ا هـ . غَايَةٌ . وَفِي
الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا
فِي سَائِرِ السُّنَنِ سِوَى الْفَجْرِ
أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ أَوْقَاتِهَا لَا
تُقْضَى سَوَاءٌ فَاتَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ
الْفَرِيضَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِي
قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ . ا هـ . وَفِي
الْكَافِي وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَا
يَقْضِيهَا ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي
الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ
يُقَاسَ عَلَيْهِ فَرْضُ وَقْتٍ آخَرَ مَعَ
أَنَّ وَقْتَهُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ وَقِيلَ
يَقْضِيهَا تَبَعًا أَيْضًا وَلَا يَقْضِيهَا
مَقْصُودًا إجْمَاعًا . ا هـ ..
(قَوْلُهُ أَيْ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ ؛
لِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَاتَتْ عَنْ الْمَوْضِعِ
الْمَسْنُونِ فَلَا تَفُوتُ الرَّكْعَتَانِ
أَيْضًا عَنْ مَوْضِعِهِمَا قَصْدًا بِلَا
ضَرُورَةٍ وَفِي الْمُصَفَّى وَتَبِعَهُ
شَارِحُ الْكَنْزِ جَعَلَ قَوْلَهُمَا
بِتَأْخِيرِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى
أَنَّهَا لَا تَقَعُ سُنَّةً بَلْ نَفْلًا
مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَقَعُ سُنَّةً
فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ
وَاَلَّذِي يَقَعُ عِنْدِي أَنَّهُ تَصَرُّفٌ
مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ
فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى
قَضَاءِ الْأَرْبَعِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ
فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ
وَتَأْخِيرُهَا عَنْهُمَا وَالِاتِّفَاقُ
عَلَى أَنَّهَا تُقْضَى اتِّفَاقٌ عَلَى
أَنَّهَا سُنَّةٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ
لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ
هَلْ تَقَعُ بَعْدَ الْفَجْرِ سُنَّةً أَوْ
نَفْلًا مُبْتَدَأً حَكَوْا الْخِلَافَ فِي
أَنَّهَا تُقْضَى أَوَّلًا فَلَوْ كَانَا
يَقُولَانِ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ إنَّهَا
تَكُونُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَجَعَلُوهَا
خِلَافِيَّةً فِي أَصْلِ الْقَضَاءِ
فَاَلَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُمْ إذَا
قَالُوا وَقَضَى أَوَّلًا يَعْنِي أَنَّهَا
تُفْعَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَقَعُ
سُنَّةً كَمَا هِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ
لَا تَقَعُ سُنَّةً وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ هَذَا
مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي بَابِ
التَّرَاوِيحِ إذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ لَا
تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِلَا
جَمَاعَةٍ قِيلَ نَعَمْ مَا لَمْ يَدْخُلْ
وَقْتُ تَرَاوِيحَ أُخْرَى وَقِيلَ مَا لَمْ
يَمْضِ رَمَضَانُ وَقِيلَ لَا تُقْضَى . قَالَ
وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهَا دُونَ سُنَّةِ
الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَتِلْكَ لَا
تُقْضَى إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرِيضَةٍ فَكَذَا
التَّرَاوِيحُ ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَضَاهَا
وَحْدَهُ كَانَ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا وَلَا
يَكُونُ تَرَاوِيحَ ا هـ دَلَّ أَنَّهُ عَلَى
اعْتِبَارِ جَعْلِهِ قَضَاءً يَقَعُ
تَرَاوِيحَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ
(1/183)
(وَلَمْ
يُصَلِّ الظُّهْرَ جَمَاعَةً بِإِدْرَاكِ
رَكْعَةٍ) لِأَنَّهُ فَاتَهُ الْأَكْثَرُ
وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ
مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ
لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ
يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ
انْفَرَدَ عَنْهُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَإِنْ
أَدْرَكَ مَعَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَفَاتَهُ
رَكْعَةٌ فَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ لَا
يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِبَعْضِ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ
فَإِنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا
وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا سُبِقَ بِهِ
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ
يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ
الْكُلِّ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ أَنَّ
اللَّاحِقَ أَيْضًا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ
يَقُولَ إنْ صَلَّيْت بِصَلَاةِ الْإِمَامِ
وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْأَوَّلُ اسْتِحْسَانٌ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَلْ أَدْرَكَ
فَضْلَهَا) أَيْ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ
مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ
أَدْرَكَهُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا
يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ يَحْنَثُ إذَا أَدْرَكَ
الْإِمَامَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَلَوْ فِي
التَّشَهُّدِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ
الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ
فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَمِنْ
الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ إنَّ
الْمَسْبُوقَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا فَضِيلَةَ
الْجَمَاعَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِيهِ
نَظَرٌ فَإِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَمْ
تُشْرَعْ إلَّا لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدَةٍ
مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَطَوَّعُ
قَبْلَ الْفَرْضِ إنْ أَمِنَ فَوْتَ الْوَقْتِ
، وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ
لَا يَتَطَوَّعُ وَهَذَا الْكَلَامُ مُجْمَلٌ
يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَفْصِيلِ فَنَقُولُ
إنَّ التَّطَوُّعَ عَلَى وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ
مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ
وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ وَهُوَ مَا زَادَ
عَلَيْهَا وَالْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا
أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ
مُنْفَرِدٍ فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّيه
بِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَنَ
الرَّوَاتِبَ قَطْعًا وَلَا يَتَخَيَّرُ
فِيهَا مَعَ الْإِمْكَانِ لِكَوْنِهَا
مُؤَكَّدَةً وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّيه
مُنْفَرِدًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي
رِوَايَةٍ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ ؛ لِأَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ
عَلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ
بِالْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ
عَلَيْهَا وَهُوَ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا فَلَا
يَكُونُ سُنَّةً بِدُونِ الْمُوَاظَبَةِ
وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ
قَبْلَ الْفَرْضِ لِقَطْعِ طَمَعِ
الشَّيْطَانِ عَنْ الْمُصَلِّي وَبَعْدَهُ
لِجَبْرِ نُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْفَرْضِ
وَالْمُنْفَرِدُ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ
وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهَا لَمْ يُفَرِّقْ
فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا إذَا خَافَ
الْفَوْتَ لِأَنَّ أَدَاءَ الْفَرْضِ فِي
وَقْتِهِ وَاجِبٌ ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى
السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مِنْ التَّطَوُّعِ
يَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي فِيهِ مُطْلَقًا :
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَدْرَكَ
إمَامَهُ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى
رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ)
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَصِيرُ
مُدْرِكًا لَهَا لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ فِيمَا
لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ بِدَلِيلِ جَوَازِ
تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فِيهِ فَصَارَ
كَمَا لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ قَائِمًا
فَرَكَعَ وَلَمْ يَرْكَعْ الْمُؤْتَمُّ مَعَهُ
حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ . وَلَنَا قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ
أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ
الصَّلَاةَ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ
إذَا فَاتَتْ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ
قَضَاهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ» قَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ فَلِذَا
اتَّفَقُوا عَلَى قَضَائِهَا كَذَلِكَ . ا هـ
. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ
جَمَاعَةً إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ ذَكَرَ فِي
جَامِعِ قَاضِي خَانْ فَائِدَةَ قَوْلِهِ
أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ
أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ
مَعَ الْإِمَامِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَأَدْرَكَ
مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ
الثَّلَاثَ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ
حِنْثِهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَعَ
الْإِمَامِ وَقَدْ صَلَّى رَكَعَاتٍ بِدُونِهِ
وَالْمَسْبُوقُ فِيمَا يَقْضِي
كَالْمُنْفَرِدِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ
أَدْرَكْت الظُّهْرَ حَنِثَ بِإِدْرَاكِ
رَكْعَةٍ ا هـ ع.
(قَوْلُهُ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ
الْمُصَلِّي إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُ يَقُولُ
إذَا لَمْ يُطِعْنِي فِي تَرْكِ مَا لَمْ
يَكْتُبْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُطِيعُنِي فِي
تَرْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ إلَى آخِرِهِ)
وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ
شُرِعَتْ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي
الْفَرَائِضِ صَاحَبَ النَّافِعِ وَالْإِمَامُ
أَبُو زَيْدٍ قَالَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ
وَإِنْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ لَا يَخْلُو عَنْ
تَقْصِيرٍ حَتَّى أَنَّ وَاحِدًا لَوْ قَدَرَ
أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ مِنْ غَيْرِ
نُقْصَانٍ لَا يَلْزَمُ عَلَى تَرْكِ
السُّنَنِ قَالَ السُّرُوجِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ
فَإِنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي غَايَةِ الْكَمَالِ وَلَا
نَقْصَ فِيهَا وَقَدْ وَاظَبَ عَلَى هَذِهِ
السُّنَنَ فَنَحْنُ نَأْتِي بِهَا تَأَسِّيًا
بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَعْنَى الْجُبْرَانِ
فَإِنْ حَصَلَ بِهَا الْجُبْرَانُ أَيْضًا
هُوَ مِنْ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ وَقَدْ أَكَّدَ
بَعْضَ السُّنَنِ وَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ كَانَ
ذَلِكَ لِمَعْنَى الْجُبْرَانِ لَاسْتَوَتْ
السُّنَنُ كُلُّهَا إذْ لَيْسَ بَعْضُ
الْفَرَائِضِ بِأَوْلَى بِدُخُولِ النَّقْصِ
فِيهَا ؛ وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ لِمَنْ يُخَفِّفُ
فِي صَلَاتِهِ وَيُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى
جَابِرَةً لِمَا أُدْخِلَ فِيهَا مِنْ
النَّقْصِ بَلْ الْجُبْرَانُ بِسُجُودِ
السَّهْوِ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا سَهْوًا لَا
عَمْدًا وَقِيلَ النَّوَافِلُ جَوَابِرٌ لِمَا
فَاتَ الْعَبْدَ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ . ا هـ
. غَايَةٌ فِي بَابِ النَّوَافِلِ قَوْلُهُ
لِمَا فَاتَ الْعَبْدَ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ
عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّ الْعَبْدَ أَوَّلُ مَا
يُحَاسَبُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَ
تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا يُقَالُ اُنْظُرُوا
إلَى عَبْدِي هَلْ تَجِدُونَ لَهُ نَافِلَةً
فَإِنْ وُجِدَتْ كَمُلَتْ الْفَرَائِضُ
مِنْهَا ذَكَرَهُ فِي الْغَابَةِ فِي فَصْلِ
الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُنْفَرِدُ
أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ لِنُقْصَانِ
صَلَاتِهِ مِنْ وَجْهٍ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ يَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي فِيهِ
مُطْلَقًا) يَعْنِي بِجَمَاعَةٍ أَوْ
مُنْفَرِدًا . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ
: وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ) يَعْنِي
سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوَّلًا ا
هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ عِنْدَهُ هُوَ
لَاحِقٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ
قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَعِنْدَنَا هُوَ
مَسْبُوقٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ
فَرَاغِ الْإِمَامِ كَذَا ذَكَرَهُ
الْمَرْغِينَانِيُّ . ا هـ . قَوْلُهُ قَبْلَ
فَرَاغِ الْإِمَامِ أَيْ إذْ الْوَاجِبُ
قَضَاءُ مَا فَاتَهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ
صَلَّاهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ جَازَ ا هـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي
لَيْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ .
ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ
أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» إلَى آخِرِهِ)
يُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ
وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا
تَعُدُّوهَا شَيْئًا» . ا هـ . غَايَةٌ قَالَ
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُدْرِكُ الْإِمَامِ
فِي الرُّكُوعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى
تَكْبِيرَتَيْنِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَلَوْ
نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ
الرُّكُوعَ لَا الِافْتِتَاحَ جَازَ وَلَغَتْ
نِيَّتُهُ ا هـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَقَالَ
الْمَحْبُوبِيُّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ
مَشَايِخِنَا وَمَالِكٌ يَنْبَغِي أَنْ
يُكَبِّرَ وَيَرْكَعَ ، ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى
يَلْتَحِقَ بِالصَّفِّ كَيْ لَا
(1/184)
وَظَاهِرُهُ
أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ قَالَ إذَا أَدْرَكْت الْإِمَامَ
رَاكِعًا فَرَكَعْت مَعَهُ قَبْلَ أَنْ
يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكْت
الرَّكْعَةَ وَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ
أَنْ تَرْكَعَ فَقَدْ فَاتَتْك تِلْكَ
الرَّكْعَةُ فَهَذَا الْأَثَرُ نَصٌّ فِي
مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَيَكُونُ تَفْسِيرًا
لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ
الْمُشَارَكَةُ لِلْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ
الصَّلَاةِ وَلَمْ تُوجَدْ لَا فِي الْقِيَامِ
وَلَا فِي الرُّكُوعِ بِخِلَافِ مَا
اسْتَشْهَدَ بِهِ فَإِنَّهُ شَارَكَهُ فِي
الْقِيَامِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ
لَمْ يَقِفْ حَتَّى انْحَطَّ لِلرُّكُوعِ
فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ
يَرْكَعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ
رَكَعَ مُقْتَدٍ) أَيْ قَبْلَ الْإِمَامِ
(فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ صَحَّ) وَقَالَ
زُفَرُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ
يُعِدْ الرُّكُوعَ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ
قَبْلَ الْإِمَامِ يُعْتَدُّ بِهِ فَكَذَا مَا
يَبْنِيه عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى
الْفَاسِدِ فَاسِدٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَفَعَ
رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ
وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ الْمُشَارَكَةُ فِي
جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ
عَلَيْهِ اسْمُ الرُّكُوعِ فَيَقَعُ
مَوْقِعَهُ كَمَا لَوْ شَارَكَهُ فِي
الطَّرَفِ الْأَوَّلِ دُونَ الْآخَرِ بِأَنْ
رَكَعَ مَعَهُ وَرَفَعَ قَبْلَهُ فَيُجْعَلُ
مُبْتَدِئًا لِلْقَدْرِ الَّذِي شَارَكَهُ
فِيهِ لَا بَانِيًا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ
رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ
وَلَا الْمُتَابَعَةُ . وَعَلَى هَذَا
الْخِلَافِ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ الْإِمَامِ
وَأَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ وَعَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ
يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا لَا
يُجْزِيه ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ
فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَكَذَا فِي حَقِّهِ ؛
لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَلَوْ أَطَالَ
الْإِمَامُ السُّجُودَ فَرَفَعَ الْمُقْتَدِي
رَأْسَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ سَجَدَ ثَانِيًا
فَسَجَدَ مَعَهُ إنْ نَوَى الْأُولَى أَوْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَكُونُ عَنْ
الْأُولَى ، وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّانِيَةَ
وَالْمُتَابَعَةَ لِرُجْحَانِ الْمُتَابَعَةِ
وَتَلْغُو نِيَّتُهُ لِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ
نَوَى الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ كَانَتْ عَنْ
الثَّانِيَةِ فَإِنْ شَارَكَهُ الْإِمَامُ
فِيهَا جَازَتْ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ
وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا سَجَدَ قَبْلَ أَنْ
يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ
قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ)
الْقَضَاءُ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ
بِسَبَبِهِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ
الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ ،
وَهُوَ الْأَدَاء ، وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ
الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا
فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي} [طه : 14]» أَيْ لِذِكْرِ صَلَاتِي
فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ أَوْ مِنْ
مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا
قَامَ إلَيْهَا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى
وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجِبُ بِالسَّبَبِ
الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ ؛ لِأَنَّ
بَقَاءَ أَصْلِ الْوَاجِبِ لِلْقُدْرَةِ
عَلَيْهِ وَسُقُوطَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ
، وَهُوَ فَضِيلَةُ الْوَقْتِ أَمْرٌ
مَعْقُولٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَفُوتَهُ الرُّكُوعُ كَمَا فَعَلَهُ أَبُو
بَكْرَةَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا
تَعُدْ» وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا
يُكَبِّرُ لِكَيْ لَا يَحْتَاجَ إلَى
الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ عَلِمَ
بِالنَّهْيِ وَمَشَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
وَعِنْدَنَا لَوْ مَشَى ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ
مُتَوَالِيَاتٍ تَبْطُلُ ، وَإِلَّا يُكْرَهُ
فَمَنْ اخْتَارَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ
مَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَعُدْ لَا تُؤَخِّرْ
الْمَجِيءَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَنْ
اخْتَارَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ قَالَ
مَعْنَاهُ لَا تَعُدْ إلَى مِثْلِ هَذَا
الصَّنِيعِ وَهُوَ التَّكْبِيرُ قَبْلَ
الِاتِّصَالِ بِالصَّفِّ وَالْمَشْيِ فِي
الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهُ
بِالْإِعَادَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي
وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي
الصَّلَاةِ ، ثُمَّ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ
فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ
اشْتَغَلَ بِالثَّنَاءِ لَا يَفُوتُهُ
الرُّكُوعُ يُثْنِي ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ
الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ
يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفُوتُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ
يُثْنِي ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ يَفُوتُ إلَى
خَلَفٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالثَّنَاءُ
يَفُوتُ أَصْلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا
يُثْنِي ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا
يَفُوتُهُ فَسُنَّةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا
تَفُوتُهُ وَفَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ أَكْثَرُ
مِنْ فَضِيلَةِ الثَّنَاءِ . وَمِمَّا
يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَا لَوْ أَدْرَكَ
الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ يُكَبِّرُ
لِلِافْتِتَاحِ وَيُثْنِي ، ثُمَّ يُتَابِعُ
الْإِمَامَ فِي أَيِّ حَالٍ كَانَ لِمَا رَوَى
مُعَاذٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ
الْإِمَامَ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا
يَصْنَعُ الْإِمَامُ وَمَنْ أَدْرَكَ
الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَلَيْهِ عَمَلُ
أَهْلِ الْعِلْمِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ صَحَّ) أَيْ
وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَحَرَامٌ قَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَّا
يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ
رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ
صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ بِأَنْ رَكَعَ مَعَهُ وَرَفَعَ
قَبْلَهُ إلَى آخِرِهِ) حَيْثُ يَجُوزُ
وَيُكْرَهُ كَذَا هَذَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ .
ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا بَانِيًا)
وَهَذَا مَنْعٌ لِقَوْلِهِ إنَّهُ بِنَاءٌ
عَلَى فَاسِدٍ بَلْ هُوَ ابْتِدَاءُ وَمَا
قَبْلَهُ لَغْوٌ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ . ا
هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى الْأُولَى
أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ)
وَإِنْ أَطَالَ الْمُؤْتَمُّ سُجُودَهُ
فَسَجَدَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ فَرَفَعَ
رَأْسَهُ وَظَنَّ الْإِمَامُ فِي السَّجْدَةِ
الْأُولَى فَسَجَدَ ثَانِيًا يَكُونُ عَنْ
الثَّانِيَةِ وَإِنْ نَوَى الْأُولَى لَا
غَيْرُ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تُصَادِفْ
مَحَلَّهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِ
بِاعْتِبَارِ فِعْلِ الْإِمَامِ فَلَغَتْ
نِيَّتُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ
الْمُتَقَدِّمَةِ إذْ النِّيَّةُ صَادَفَتْ
مَحَلَّهَا بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِ فَإِنَّهَا
ثَانِيَةٌ فِي حَقِّهِ فَصَحَّتْ ذَكَرَ
ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْمُحِيطِ . ا هـ .
غَايَةٌ . (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ سَجَدَ
قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ)
فَكَذَا فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ
. ا هـ ..
(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ)
قَالَ فِي الْمَنَافِعِ : اعْلَمْ أَنَّ
الْمَأْمُورَ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ
وَقَضَاءٌ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ الْأَدَاءِ
فَشَرَعَ فِي الْقَضَاءِ قُلْت يَبْقَى
عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ
وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ) أَيْ
لِلْفَائِتَةِ تَرَكَهَا نَاسِيًا أَوْ
لِعُذْرٍ غَيْرِ النِّسْيَانِ أَوْ عَامِدًا ،
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ
(1/185)
وَقَالَ
بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ ؛
لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَا تَكُونُ
عِبَادَةً إلَّا بِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ
وَمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ
لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ عِبَادَةً ؛ وَلِهَذَا
لَا يَقْضِي رَمْيَ الْجِمَارِ بَعْدَ
أَيَّامِهِ ، وَكَذَا الْجُمُعَةَ وَصَلَاةَ
الْعِيدَيْنِ
[التَّرْتِيب فِي الصَّلَاة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (التَّرْتِيبُ
بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ
وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ مُسْتَحَقٌّ) ، وَهَذَا
مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ
التَّابِعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ
مُسْتَحَبٌّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ
بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ
وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ نَسِيَ
صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا ، وَهُوَ
مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ
فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّ
الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ
الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ ، وَالْأَثَرُ
فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ وَقَدْ رَفَعَهُ
بَعْضُهُمْ أَيْضًا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ
الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ
بَعْدَهَا» دَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ
مُسْتَحَقٌّ إذْ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا
لَمَا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ الَّتِي يُكْرَهُ
تَأْخِيرُهَا لِأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ وَكَوْنُهُ
أَصْلًا بِنَفْسِهِ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ
شَرْطًا لِغَيْرِهِ كَالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ
أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِتَبَعٍ لِشَيْءٍ
، وَمَعَ هَذَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ جَمِيعِ
الْعِبَادَاتِ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ
تَقَدُّمَ الظُّهْرِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ
الْعَصْرِ فِي الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ فَكَذَا
هَاهُنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْقُطُ) أَيْ
التَّرْتِيبُ (بِضِيقِ الْوَقْتِ
وَالنِّسْيَانِ وَصَيْرُورَتِهَا سِتًّا) أَيْ
بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَبِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ
التَّرْتِيبُ أَمَّا سُقُوطُهُ بِضِيقِ
الْوَقْتِ ؛ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
الْحِكْمَةِ تَفْوِيتُ الْوَقْتِيَّةِ
لِتَدَارُكِ الْفَائِتَةِ وَلِأَنَّهُ وَقْتَ
لِلْوَقْتِيَّةِ بِالْكِتَابِ وَوُقِّتَ
لِلْفَائِتَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ،
وَالْكِتَابُ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ
الْوَاحِدِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ
بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّ
النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي
غَيْرِهَا بِدَلِيلِ حُرْمَةِ الِاشْتِغَالِ
بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْغَالِ بِخِلَافِ مَا
إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَقَدَّمَ
الْوَقْتِيَّةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ؛
لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا
الثَّابِتِ بِالْخَبَرِ مَعَ إمْكَانِ
الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَفْسِيرُ ضِيقِ
الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْ
الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ فِيهِ
الْوَقْتِيَّةَ وَالْفَائِتَةَ جَمِيعًا
حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ
الْعِشَاءِ مَثَلًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ
اشْتَغَلَ بِقَضَائِهِ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ
بَعْدَهُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ عَلَيْهِ قَبْلَ
أَنْ يَعْقِدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِيهِ
صَلَّى الْفَجْرَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَى
الْعِشَاءَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ .
وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ قَدْ
ضَاقَ فَصَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ
أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ بَطَلَ
الْفَجْرُ فَإِذَا بَطَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ
كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يُصَلِّي
الْعِشَاءَ ثُمَّ يُعِيدُ الْفَجْرَ ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَعَةٌ يُعِيدُ الْفَجْرَ
فَقَطْ فَإِنْ أَعَادَ الْفَجْرَ فَتَبَيَّنَ
أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ
يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ يَسَعُهُمَا
صَلَّاهُمَا وَإِلَّا أَعَادَ الْفَجْرَ
وَهَكَذَا يَفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ،
وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِشَاءِ وَلَمْ يُعِدْ
الْفَجْرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَابْنُ حَبِيبٍ لَا تُقْضَى الْمُتَعَمَّدَةُ
فِي التَّرْكِ ؛ لِأَنَّ تَارِكَهَا مُرْتَدٌّ
. ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ مُسْتَحَقٌّ)
أَيْ وَاجِبٌ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَعَيْنِيٌّ
وَالْمُرَادُ بِالْفَوَائِتِ الثَّلَاثَةُ
أَوْ الْأَرْبَعَةُ أَوْ الْخَمْسَةُ أَوْ
السِّتَّةُ . ا هـ . عَيْنِيٌّ قَالَ فِي
الْغَايَةِ وَالْجَهْلُ بِوُجُوبِ
التَّرْتِيبِ لَا يُسْقِطُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ
قَالَ أَحْمَدُ خِلَافًا لِزُفَرَ ا هـ .
وَفِي الْبِدَايَةِ وَقَالَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ مَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ
التَّرْتِيبِ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ
كَالنَّاسِي رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ
أَئِمَّةِ بَلْخٍ ا هـ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ
: صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا وَلَمْ
يَعْقِدْ عِنْدَ الثَّالِثَةِ ، وَهُوَ يَظُنّ
أَنَّهُ يُجْزِيهِ ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ
صَلَوَاتٍ أَرْبَعٍ فَسَادَهَا فَالْجَاهِلُ
كَالنَّاسِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ
مَا صَلَّاهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَفِي
حَدِيثِ جَابِرٍ إلَى آخِرِهِ) وَفِي
الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هَذَا
الْحَدِيثُ يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى مُحَمَّدٍ
فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ
صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ بُطْلَانُ أَصْلِ
الصَّلَاةِ حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْمُضِيِّ
وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَعَلَّهُ مَا
بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَإِلَّا لَمَا
خَالَفَهُ . ا هـ . كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ) يَعْنِي يَصِحُّ لَا
أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ
اشْتَغَلَ بِالنَّافِلَةِ عِنْدَ ضِيقِ
الْوَقْتِ يَكُونُ آثِمًا بِتَفْوِيتِ
الْفَرْضِ بِهَا وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا . ا
هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ
عَنْ تَقْدِيمِهَا إلَى آخِرِهِ) قِيلَ
الْمُرَادُ مِنْ النَّهْيِ قَوْله تَعَالَى
{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}
[الإسراء : 78] ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ
بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَقِيلَ
الْمُرَادُ بِهِ الْإِجْمَاعُ لَا نَهْيُ
الشَّارِعِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ
عَلَى تَقْدِيمِ الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ ضِيقِ
الْوَقْتِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا)
أَيْ فِي غَيْرِ الْفَائِتَةِ ، وَهُوَ كَوْنُ
الِاشْتِغَالِ بِهَا يُفَوِّتُ الْوَقْتِيَّةَ
، وَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَهُ عَاصِيًا فِي
ذَلِكَ أَمَّا هِيَ فِي نَفْسِهَا فَلَا
مَعْصِيَةَ فِي ذَاتِهَا ا هـ فَتْحٌ وَفِي
الْمَبْسُوطِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ قَابِلًا
لِلْفَائِتَةِ ، وَعِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ
عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَائِتَةِ ،
وَلَوْ بَدَأَ بِفَرْضِ الْوَقْتِ لَمْ
يُجْزِهِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ
النَّهْيُ عَنْ الْبُدَاءَةِ بِالْفَائِتَةِ
لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِيهَا ؛ بَلْ لِمَا
فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ فَرْضِ الْوَقْتِ ،
أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَمَا يُنْهَى عَنْ
الْبُدَاءَةِ بِالْفَائِتَةِ يُنْهَى عَنْ
الِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ وَالنَّهْيُ
مَتَى كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ
الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا
كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ
الْمَغْصُوبَةِ وَعِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ
النَّهْيُ عَنْ الْبُدَاءَةِ بِفَرْضِ
الْوَقْتِ لِمَعْنًى فِيهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ
لَا يُنْهَى عَنْ الِاشْتِغَالِ
بِالتَّطَوُّعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ
وَالنَّهْيُ مَتَى كَانَ لِمَعْنًى فِي
الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَانَ مُفْسِدًا لَهُ
فَإِنْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي آخِرِ
وَقْتِهَا ، وَهُوَ نَاسٍ لِلظُّهْرِ فَصَلَّى
مِنْهَا رَكْعَةً فَاحْمَرَّتْ الشَّمْسُ ،
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ
فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ
تَذَكُّرَ الظُّهْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا
يَمْنَعُ افْتِتَاحَ الْعَصْرِ فَلَا يَمْنَعُ
الْمُضِيَّ فِيهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى .
ا هـ . (قَوْلُهُ وَهَكَذَا يُفْعَلُ مَرَّةً
بَعْدَ أُخْرَى) أَيْ وَفَرْضُهُ مَا يَلِي
الطُّلُوعَ وَمَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ . ا هـ .
زَاهِدِيٌّ .
{فَرْعٌ} افْتَتَحَ الْعَصْرَ لِأَوَّلِ
وَقْتِهَا ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ لَمْ
يُجْزِ عَنْ الْعَصْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا
يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ
ضَحِكَ فَقَهْقَهَ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ شَارِعًا فِي
الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ عَنْ التَّطَوُّعِ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ عَنْ
التَّطَوُّعِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ
بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
لِلصَّلَاةِ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا
أُفْسِدَتْ صَارَ خَارِجًا عَنْ الصَّلَاةِ ،
وَعِنْدَهُمَا بِفَسَادِ الْجِهَةِ لَا
يَفْسُدُ أَصْلُ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ
مَا اعْتَرَضَ مُنَافِيًا لِأَصْلِ الصَّلَاةِ
وَتَذَكُّرُ الظُّهْرِ لَا يُنَافِي أَصْلَ
الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ أَدَاءَ
الْعَصْرِ فَيَفْسُدُ الْعَصْرُ ا هـ مِنْ
خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى -
(1/186)
فَطَلَعَتْ
الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ فِي الْعِشَاءِ جَازَ فَجْرُهُ ؛
لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَقْتَ كَانَ
ضَيِّقًا ثُمَّ ضِيقُ الْوَقْتِ يُعْتَبَرُ
عِنْدَ الشُّرُوعِ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي
الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ
وَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا حَتَّى ضَاقَ
الْوَقْتُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ
يَقْطَعَهَا وَيَشْرَعَ فِيهَا ، وَلَوْ
شَرَعَ نَاسِيًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا
ثُمَّ ذَكَرَهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ
جَازَتْ صَلَاتُهُ . وَلَا يَلْزَمُهُ
الْقَطْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِيهَا فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَتْ جَائِزَةً
فَالْبَقَاءُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ
مِنْ الِابْتِدَاءِ ، وَلَوْ كَانَتْ
الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً وَلَمْ يَسْقُطْ
التَّرْتِيبُ فِيهَا بَعْدُ ، وَالْوَقْتُ لَا
يَسَعُ فِيهِ الْمَتْرُوكَاتِ كُلَّهَا مَعَ
الْوَقْتِيَّةِ لَكِنْ يَسَعُ فِيهِ بَعْضَهَا
مَعَهَا لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَا لَمْ
يَقْضِ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
الصَّرْفُ إلَى هَذَا الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ
الصَّرْفِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ ،
وَالْعِبْرَةُ فِي الْعَصْرِ لِأَصْلِ
الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ : الْعِبْرَةُ
لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
مِثْلُهُ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فِي وَقْتِ
الْعَصْرِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الظُّهْرِ
وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالظُّهْرِ
يَقَعُ الْعَصْرُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي
الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ لَا يَسْقُطُ
التَّرْتِيبُ عِنْدَهُمَا فَيُصَلِّي
الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ
وَالْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ
وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ
فَيُصَلِّي الْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ
الْمُسْتَحَبِّ وَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى
بَعْدَ الْغُرُوبِ ، وَلَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْ
الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ قَدْرُ مَا لَا
يَسَعُ فِيهِ الظُّهْرَ سَقَطَ التَّرْتِيبُ
بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ جَوَازِ الظُّهْرِ
فِيهِ . وَلَوْ دَخَلَ فِي الْعَصْرِ ، وَهُوَ
ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ
فِيهِ حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ
لَمْ يَجُزْ الْعَصْرُ إلَّا إذَا قَطَعَ
وَاسْتَقْبَلَ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا
ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ بِحَيْثُ لَا
يَسَعُ فِيهِ الظُّهْرَ قَبْلَ تَغَيُّرِ
الشَّمْسِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي
الْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ
جَائِزًا فَكَذَا لَا يُمْنَعُ الْبَقَاءُ ؛
لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ عَلَى
مَا مَرَّ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَهُوَ ذَاكِرٌ
لِلظُّهْرِ ، وَالشَّمْسُ حَمْرَاءُ
وَغَرَبَتْ ، وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا .
طَعَنَ عِيسَى فِيهِ فَقَالَ الصَّحِيحُ
يَقْطَعُهَا ثُمَّ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ ؛
لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقْتٌ
مُسْتَحَبٌّ ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ ،
وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ
أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا يَكُونُ كُلُّهَا
قَضَاءً ، وَلَوْ مَضَى فِيهَا كَانَ
بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ فَكَانَ أَوْلَى ؛
وَلِأَنَّهُ حِينَ شَرَعَ فِيهَا كَانَ
مَأْمُورًا بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ
الْكُلَّ لَا يَقَعُ فِي الْوَقْتِ ، وَلَوْ
كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَانِعًا لَمَا أُمِرَ
بِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ
الْعَصْرِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ
ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ
فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْعَصْرَ اسْتِحْسَانًا
وَيَجْزِيهِ وَأَمَّا سُقُوطُهُ
بِالنِّسْيَانِ فَلِلتَّعَذُّرِ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ
بِالْفَائِتَةِ مَعَ النِّسْيَانِ وَلَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا
وَلِأَنَّ الْوَقْتَ إنَّمَا يَصِيرُ وَقْتًا
لِلْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ وَمَا لَمْ
يَتَذَكَّرْ لَا يَكُونُ وَقْتًا لَهَا فَلَا
اجْتِمَاعَ بَيْنَهُمَا ، وَأَمَّا سُقُوطُهُ
بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا
فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهَا
لَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ عَظِيمٍ ، وَهُوَ
مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ
بِهَا عِنْدَ كَثْرَتِهَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى
تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ
الِابْتِدَاءِ) أَيْ ، أَلَا تَرَى أَنَّ
الْحَدَثَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ
وَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَطَعَ
وَاسْتَقْبَلَ إلَى آخِرِهِ) ؛ لِأَنَّ
شُرُوعَهُ فِي الْعَصْرِ مَعَ تَرْكِ
الظُّهْرِ فَيَقْطَعُ ، ثُمَّ يَفْتَتِحُهَا
ثَانِيًا ، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَ
الْغُرُوبِ ، وَلَوْ افْتَتَحَهَا وَهُوَ لَا
يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَأَطَالَ
الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ
وَقْتٌ مَكْرُوهٌ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَمْضِي
عَلَى صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ
لِلتَّرْتِيبِ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ
افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاخْتِتَامِهَا وَهُوَ
النِّسْيَانُ وَضِيقُ الْوَقْتِ ا هـ .
قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَقَالَ
الصَّحِيحُ يَقْطَعُهَا) أَيْ ؛ لِأَنَّ
الْعُذْرَ قَدْ زَالَ ، وَهُوَ ضِيقُ
الْوَقْتِ فَعَادَ التَّرْتِيبُ وَفِي
الِاسْتِحْسَانِ يَمْضِي فِيهَا ، ثُمَّ
يَقْضِي الظُّهْرَ ، ثُمَّ يُصَلِّي
الْمَغْرِبَ ذَكَرَهُ فِي نَوَادِرِ
الصَّلَاةِ ا هـ . بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَوْ
مَضَى فِيهَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ،
وَلَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِضِيقِ الْوَقْتِ
ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَعُودُ عَلَى
الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ فِي خِلَالِ
الْوَقْتِيَّةِ لَا يَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ
، وَهُوَ مُؤَدٍّ عَلَى الْأَصَحِّ لَا قَاضٍ
. ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَمَّا سُقُوطُهُ
بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا إلَى
آخِرِهِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ كَانَ بِشْرٌ
الْمَرِيسِيِّ يَقُولُ : مَنْ تَرَكَ صَلَاةً
لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ فِي عُمُرِهِ مَا لَمْ
يَقْضِهَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لَهَا ؛
لِأَنَّ كَثْرَةَ الْفَوَائِتِ تَكُونُ عَنْ
كَثْرَةِ تَفْرِيطٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ
التَّخْفِيفَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى
مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةِ سِتَّةٌ
فَجَعَلَ حَدَّ الْكَثْرَةِ مَا زَادَ عَلَى
سِتَّةٍ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَسْقُطُ
التَّرْتِيبُ إلَّا بِمُضِيِّ شَهْرٍ ؛
لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ ، أَلَا تَرَى
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَى أَجَلٍ
دُونَ الشَّهْرِ وَمَا فَوْقَ الشَّهْرِ
كَثِيرٌ فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ قُلْت
الْفَوَائِتُ أَوْ كَثُرَتْ ؛ لِأَنَّ مَا
كَانَ شَرْطًا يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ
وَالْكَثِيرُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ .
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ
الْمُحِيطِ إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ حَتَّى
سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِأَجْلِهَا فِي
الْمُسْتَقْبَلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي
نَفْسِهَا أَيْضًا حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا
فِيمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةُ شَهْرٍ
فَصَلَّى ثَلَاثِينَ فَجْرًا ، ثُمَّ صَلَّى
ثَلَاثِينَ ظُهْرًا هَكَذَا إلَى آخِرِهِ
أَجْزَأَهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا
التَّرْتِيبُ فِي نَفْسِهَا ؛ لِأَنَّ فَجْرَ
الْيَوْمِ الثَّانِي حَصَلَ قَبْلَ الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ
أَصْحَابِنَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُ
الْعَوَامُّ أَنَّهُ يُرَاعَى التَّرْتِيبُ
فِي الْفَوَائِتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا
أَنَّ الْفَوَائِتَ لَمَّا كَثُرَتْ أُسْقِطَ
التَّرْتِيبُ عَنْ أَغْيَارِهَا ؛ فَلَأَنْ
يَسْقُطَ فِي نَفْسِهَا كَانَ أَوْلَى ،
وَشَبَّهَهُ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ
الْكُرْدِيُّ بِالضَّرْبِ لِمَا أَثَّرَ فِي
غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ إيلَامًا فَلَأَنْ
يُؤَثِّرَ فِي مَوْضِعِ الضَّرْبِ
بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا
عِنْدَ كَثْرَتِهَا) أَيْ مَعَ مَا لَا بُدَّ
مِنْهُ مِنْ الْحَاجَاتِ . ا هـ . فَتْحٌ
وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ الْكَثْرَةَ
الْمُسْقِطَةَ صَيْرُورَةُ الْفَوَائِتِ
خَمْسًا فِي رَاوِيَةِ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ
مُحَمَّدٍ أَوْ دُخُولُ وَقْتِ السَّادِسَةِ
مَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ
مُحَمَّدٍ أَوْ صَيْرُورَتُهَا سِتًّا
بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ كَمَا هُوَ
مَذْهَبُهُمَا .
وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ ا هـ .
وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْضًا أَنَّ
الْوِتْرَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ الْفَوَائِتِ
فِي بَابِ الْكَثْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا
عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ
فَلِأَنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَا
تَحْصُلُ بِهِ الْكَثْرَةُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
تَمَامِ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ،
وَالْكَثْرَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا
بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ
الْأَوْقَاتُ أَوْ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ
وَلَا مَدْخَلَ لِلْوِتْرِ فِي ذَلِكَ
بِوَجْهٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفَوَائِتِ
الصَّلَوَاتِ الْمُؤَقَّتَةَ ا هـ .
(1/187)
وَلَيْسَ
ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
وَيُعْتَبَرُ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ
خُرُوجُ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اعْتَبَرَ
الدُّخُولَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ
الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ
التَّكْرَارِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ
تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلِّلَةُ مُذْ
فَاتَهُ سِتَّةً ، وَإِنْ أَدَّى مَا
بَعْدَهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَقِيلَ :
الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ
سِتًّا ، وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا
تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ
مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ
وَالْمَغْرِبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَرْعٌ} عَنْ أَبِي نَصْرٍ فِيمَنْ يَقْضِي
صَلَوَاتِ عُمُرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ
فَاتَهُ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ
نُقْصَانٍ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ
لِكَرَاهَةٍ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
كَذَلِكَ لَا يَفْعَلُ وَالصَّحِيحُ
الْجَوَازُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ
وَالْعَصْرِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ
وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا
سُجُودَهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي
الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ وَقَالَ بُرْهَانُ
الدِّينِ التَّرْجُمَانِيُّ : الْقَضَاءُ
أَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ . ا هـ . غَايَةٌ
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ
الْفَوَائِتِ قِيلَ يَنْوِي أَوَّلَ ظُهْرٍ
عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ
الْأَوَّلَ صَارَ الظُّهْرُ الثَّانِي أَوَّلَ
ظُهْرٍ مَتْرُوكٍ فِي ذِمَّتِهِ وَقِيلَ
يَنْوِي آخِرَ ظُهْرٍ لِلَّهِ عَلَيْهِ قَالَ
؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى الْآخِرَ صَارَ
الَّذِي قَبْلَهُ آخِرًا ، وَلَوْ نَوَى
الْفَائِتَةَ وَلَمْ يَنْوِ أَوَّلًا وَلَا
آخِرًا جَازَ ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ . ا هـ
. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ
الْحِكْمَةِ إلَى آخِرِهِ) احْتَجَّ بِأَنَّ
كَثْرَةَ الشَّيْءِ هُوَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى
أَقْصَاهُ وَأَقْصَى الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ
فَشُبِّهَ بِالصَّوْمِ حَتَّى قَالُوا : إنَّ
الْجُنُونَ الْكَثِيرَ مُفْسِدٌ
بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي سُقُوطِ
التَّرْتِيبِ خُرُوجُ وَقْتِ الصَّلَاةِ
السَّادِسَةِ) ؛ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ لَا
تَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِدُخُولِ
وَقْتِ السَّادِسَةِ وَإِنَّمَا تَدْخُلُ
بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ ؛ لِأَنَّ
وَاحِدَةً مِنْهَا تَصِيرُ مُكَرَّرَةً ،
وَلَوْ تَرَكَ صَلَاةً ، ثُمَّ صَلَّى
بَعْدَهَا خَمْسًا ، وَهُوَ ذَاكِرٌ
لِلْفَائِتَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِنَّ وَعَلَى
قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْضِي
الْمَتْرُوكَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهَا ؛
لِأَنَّ السَّادِسَةَ جَائِزَةٌ ، وَلَوْ لَمْ
يَقْضِهَا حَتَّى صَلَّى السَّابِعَةَ
فَالسَّابِعَةُ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ
ثُمَّ إذَا صَلَّى السَّابِعَةَ تَعُودُ
الْمُؤَدَّيَاتُ الْخَمْسُ إلَى الْجَوَازِ
فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ
قَضَاءُ الْفَائِتَةِ وَحْدَهَا اسْتِحْسَانًا
وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَقْضِي الْفَائِتَةَ
وَخَمْسًا بَعْدَهَا قِيَاسًا وَعَلَى هَذَا
إذَا تَرَكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ ، ثُمَّ صَلَّى
السَّادِسَةَ ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْفَوَائِتِ
فَالسَّادِسَةُ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ صَلَّى السَّابِعَةَ
تَنْقَلِبُ السَّادِسَةُ إلَى الْجَوَازِ
عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْخَمْسِ
وَعِنْدَهُمَا لَا تَنْقَلِبُ وَعَلَيْهِ
قَضَاءُ السِّتِّ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةً
، ثُمَّ صَلَّى شَهْرًا ، وَهُوَ ذَاكِرٌ
لِلْفَائِتَةِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا
غَيْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا
عَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ ، وَخَمْسٌ
بَعْدَهَا إلَّا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ
الْفَائِتَةِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا ، وَعَلَى
قَوْلِ زُفَرَ يُعِيدُ الْفَائِتَةَ وَجَمِيعَ
مَا صَلَّى بَعْدَهَا مِنْ صَلَاةِ الشَّهْرِ
ا هـ مِنْ الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا ا هـ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ
فِي حَدِّ التَّكْرَارِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ مَا
لَمْ يَزِدْ عَلَى الْخَمْسِ ، وَهُوَ صَلَاةُ
يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ فِيهِ شِيمَةُ
الِاتِّحَادِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِيَّةُ
فَشَرَطَ الدُّخُولَ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ
لِتَثْبُتَ الْكَثْرَةُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ؛
لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ التَّكْرَارَ ثَمَّ
لَزَادَتْ الزِّيَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى
الْأَصْلِ الْمُؤَكَّدِ إذَا لَا يَدْخُلُ
وَقْتُ وَظِيفَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَمْضِ
أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ا هـ . سَيِّدٌ
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ
تَبْلَعَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلَّلَةُ مُذْ
فَاتَهُ سِتَّةً إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ
قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ
الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ
الْمُتَخَلَّلَةُ سِتَّةً مُذْ فَاتَتْهُ
الْفَائِتَةُ ، وَإِنْ أَدِّي مَا بَعْدَهَا
فِي أَوْقَاتِهَا ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ أَنْ
تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ سِتًّا ، وَلَوْ
كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ
تَظْهَرُ فِيمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ
مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ
مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ مِنْ يَوْمٍ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ
يَعْنِي بَيْنَ الْمَتْرُوكَاتِ وَعَلَى
الثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ
بِنَفْسِهَا يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا
.
وَمِثْلُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُصَفَّى
فِي وَجْهِ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ
عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا إذَا تَرَكَ
ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ دُونَ أَنْ
يَذْكُرَهُ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا قَالَ
لِلْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةً
فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ ؛
لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ يَزِيدُ
عَلَى سِتٍّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ ؛
لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْفَوَائِتِ
بِنَفْسِهَا سِتًّا يَعْنِي فَلَمَّا
اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ
بَيْنَهُمْ فِي الزَّائِدِ عَلَى
الصَّلَاتَيْنِ اقْتَصَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ
عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ فِيهِمَا وَلَا
يَخْفَى عَلَى مَنْ عَلِمَ مَذْهَبَ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ الْمُؤَادَةَ
مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ تَفْسُدُ
فَسَادًا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ
كَمَالَ خَمْسِ وَقْتِيَّاتٍ فَإِنْ لَمْ
يُعِدْ شَيْئًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ
السَّادِسَةِ صَارَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً
أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِ
كَوْنُ الْمُتَخَلَّلَاتِ سِتَّ فَوَائِتَ ؛
لِأَنَّهُ مَعَ دُخُولِ وَقْتِهَا تَثْبُتُ
الصِّحَّةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فَائِتًا سِوَى
الْمَتْرُوكَةِ إذْ ذَاكَ ، وَالْمُسْقَطُ
هُوَ سِتُّ فَوَائِتَ لَا مُجَرَّدُ أَوْقَاتٍ
لَا فَوَائِتَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى
لَهُ إذْ السُّقُوطُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ
كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلْزَامُ الِاشْتِغَالِ
بِأَدَائِهَا إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ
فَمُجَرَّدُ الْأَوْقَاتِ بِلَا فَوَائِتَ لَا
أَثَرَ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِهِ
فَإِنْ قُلْت إنَّمَا ذَكَرَ مَنْ رَأَيْت فِي
تَصْوِيرِ هَذِهِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى
السَّادِسَةَ مِنْ الْمُؤَدَّيَاتِ ، وَهِيَ
سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ صَارَتْ الْخَمْسُ
صَحِيحَةً وَلَمْ يَحْكُمُوا بِالصِّحَّةِ
عَلَى قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِهَا
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ
هَذَا مِنْهُمْ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّ
الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي السَّادِسَةَ فِي
وَقْتِهَا لَا بَعْدَ خُرُوجِهِ فَأُقِيمَ
أَدَاؤُهَا مَقَامَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِمَا
سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَهُ
لِصِحَّةِ الْخَمْسِ يَقْطَعُ بِثُبُوتِ
الصِّحَّةِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ
أَدَّاهَا أَوْ لَا .
وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى
الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بِالْخَطَأِ ،
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ خِلَافَ الْمَشَايِخِ
فِي الثَّلَاثِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ
بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ هُوَ
بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَوْ
عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الثِّنْتَيْنِ
ابْتِدَاءً كَمَا نُحَقِّقُهُ بِذِكْرِ
الْمَسْأَلَةِ بِشُعَبِهَا وَبِهِ يَتَبَيَّنُ
مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ
إذْ قَدْ صَيَّرْنَا إلَيْهَا إحْرَازًا
لِفَائِدَتِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ وَلَمْ
يَذْكُرْهَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَجْهُ
قَوْلِهِمَا فِيهَا إلْحَاقُ نَاسِي
التَّرْتِيبَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ
الْفَائِتَتَيْنِ بِنَاسِي الْفَائِتَةِ
فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهِ وَهُوَ
أَلْحَقَهُ بِنَاسِي التَّعْيِينِ وَهُوَ مَنْ
فَاتَتْهُ صَلَاةٌ لَمْ يَدْرِ مَا هِيَ
وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ
يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِجَامِعِ
تَحَقُّقِ طَرِيقٍ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ
الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَيَجِبُ سُلُوكُهَا ،
وَهَذَا الْوَجْهُ يُصَرِّحُ بِإِيجَابِ
التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ فَيَجِبُ
الطَّرِيقُ الَّتِي تَعَيَّنَهَا كَمَا قِيلَ
إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ فَلَا خِلَافَ
بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ صُورَةُ قَضَاءِ
الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ
الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ، ثُمَّ الظُّهْرَ
فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَوَّلًا هُوَ
(1/188)
مِنْ يَوْمٍ ،
وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهَا أُولَى فَعَلَى
الْأَوَّلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ ؛ لِأَنَّ
الْمُتَخَلِّلَةَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ
كَثِيرَةٌ ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَسْقُطُ ؛
لِأَنَّ الْفَوَائِتَ بِنَفْسِهَا يُعْتَبَرُ
أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا فَيُصَلِّي سَبْعَ
صَلَوَاتٍ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ
الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ
ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ
وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْفَوَائِتُ الْقَدِيمَةُ
وَالْحَدِيثَةُ قِيلَ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ
مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ
الْفَوَائِتِ وَقِيلَ : لَا تَجُوزُ
وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ
زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ
وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ أَيْضًا بِالظَّنِّ
الْمُعْتَبَرِ كَمَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ ،
وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ
الْفَجْرَ فَسَدَ ظُهْرُهُ ثُمَّ قَضَى
الْفَجْرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ
لِلظُّهْرِ يَجُوزُ الْعَصْرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا
فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَاءِ
الْعَصْرِ ، وَهُوَ ظَنّ مُعْتَبَرٌ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُعِدْ
بِعَوْدِهَا إلَى الْقِلَّةِ) أَيْ لَمْ
يُعِدْ التَّرْتِيبَ بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ
إلَى الْقِلَّةِ بِقَضَاءِ بَعْضِهَا ؛
لِأَنَّ السَّاقِطَ قَدْ تَلَاشَى فَلَا
يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ قَالَ أَبُو حَفْصٍ
الْكَبِيرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ
اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ
الْإِسْلَامِ وَقِيلَ : يَعُودُ التَّرْتِيبُ
؛ لِأَنَّ عِلَّةَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ
الْكَثْرَةُ وَقَدْ زَالَتْ ، وَهُوَ
اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَقَالَ
صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ
وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ
مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ
تَرَكَ صَلَاةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الظُّهْرَ .
فَالظُّهْرُ الْأَخِيرَةُ تَقَعُ نَفْلًا ،
وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَصْرَ فَالظُّهْرُ
الْأَوَّلُ يَقَعُ نَفْلًا وَكَمَا يَجُوزُ
أَنْ يَبْدَأَ بِالظُّهْرِ يَجُوزُ أَنْ
يَبْدَأَ بِالْعَصْرِ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ ،
ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ، وَلَوْ
كَانَتْ الْفَوَائِتُ ثَلَاثًا ظُهْرٌ مِنْ
يَوْمٍ وَعَصْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَمَغْرِبٌ مِنْ
يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي تَرْتِيبَهَا وَلَمْ
يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ صَلَّى
الظُّهْرَ ، ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ
، ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ ، ثُمَّ
الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ سَبْعَ صَلَوَاتٍ ؛
لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثِ يَحْتَمِلُ
أَنَّ كَوْنَهَا أُولَى أَوْ أَخِيرَةً أَوْ
مُتَوَسِّطَةً تَجِيءُ تِسْعًا الثَّابِتُ فِي
الْخَارِجِ سِتٌّ لِلتَّدَاخُلِ ؛ لِأَنَّ
تَوَسُّطَ الظُّهْرِ يَصْدُقُ فِي الْخَارِجِ
أَمَّا مَعَ تَقَدُّمِ الْعَصْرِ أَوْ
الْمَغْرِبِ فَلَا يَكُونُ كُلٌّ قِسْمًا
بِرَأْسِهِ ، وَكَذَا هُمَا فَخَرَجَ
بِوَاسِطَةِ كُلٍّ وَاحِدَةٌ يَبْقَى
الثَّابِتُ الظُّهْرُ ، ثُمَّ الْعَصْرُ ،
ثُمَّ الْمَغْرِبُ أَوْ الظُّهْرُ ثُمَّ
الْمَغْرِبُ ، ثُمَّ الْعَصْرُ فَهَذَانِ
قِسْمَا تَقَدُّمِ الظُّهْرِ وَلِتَقَدُّمِ
الْعَصْرِ مِثْلُهُمَا وَلِلْمَغْرِبِ
كَذَلِكَ فَإِنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ مِنْ
يَوْمٍ آخَرَ مَعَ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ
يُصَلِّي تِلْكَ السَّبْعَ ، ثُمَّ يُصَلَّى
الرَّابِعَةَ وَهِيَ الْعِشَاءُ فَصَارَتْ
ثَمَانِيَةً ، ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ السَّبْعَ
عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَ
عَشَرَةَ فَلَوْ كَانَتْ خَمْسًا مِنْ
خَمْسَةِ أَيَّامٍ بِأَنْ تَرَكَ الْفَجْرَ
أَيْضًا يُصَلِّي إحْدَى وَثَلَاثِينَ صَلَاةً
تِلْكَ الْخَمْسَ عَشَرَةَ عَلَى ذَلِكَ
النَّحْوِ ، ثُمَّ يُصَلِّي الْخَامِسَةَ
أَعْنِي الْفَجْرَ ، ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ
الْخَمْسَ عَشَرَةَ فَالضَّابِطُ أَنَّ
الْمَتْرُوكَةَ .
وَإِنْ كَانَتَا ثِنْتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا ،
ثُمَّ يُعِيدُ أَوَّلَهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ
ثَلَاثَةً صَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ ثُمَّ
الثَّالِثَةَ ، ثُمَّ أَعَادَ تِلْكَ
الثَّلَاثِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً
صَلَّى قَضَاءً الثَّلَاثَ كَمَا قُلْنَا ،
ثُمَّ الرَّابِعَةَ ، ثُمَّ أَعَادَ مَا
يَلْزَمُهُ فِي قَضَاءِ الثَّلَاثِ ، وَإِنْ
كَانَتْ خَمْسَةً فَعَلَ مَا لَوْ كَانَ
الْمَتْرُوكُ أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي
الْخَامِسَةَ ، ثُمَّ يَفْعَلُ مَا يَلْزَمُهُ
فِي أَرْبَعٍ وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا
لِكَثْرَةِ سُؤَالِ السُّؤَالِ عَنْهُ وَفِي
فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى
قَوْلِهِمَا كَأَنَّهُ تَخْفِيفًا عَلَى
النَّاسِ لِكَسَلِهِمْ وَإِلَّا
فَدَلِيلُهُمَا لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى
دَلِيلِهِ ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا وَرَاءَ
الصَّلَاتَيْنِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى
أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ فَلَا يُؤْمَرُ
بِإِعَادَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِ الْكُلِّ
قَالَ فِي الْحَقَائِقِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛
لِأَنَّ إعَادَةَ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فِي
وَقْتِ الْوَقْتِيَّةِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ
مُسْتَقِيمٌ أَمَّا إيجَابُ سَبْعِ صَلَوَاتٍ
فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ
لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ الْوَقْتِيَّةِ ا هـ
.
فَهَذَا يُوَضِّحُ لَك أَنَّ خِلَافَ
هَؤُلَاءِ فِيمَا وَرَاءَ الثِّنْتَيْنِ لِمَا
يَلْزَمُهُ مِنْ إيجَابِ سَبْعٍ بِإِيجَابِ
التَّرْتِيبِ ، وَهُوَ كَسَبْعِ فَوَائِتَ
مَعْنًى لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ إيجَابَ
التَّرْتِيبِ فِي قَضَائِهَا يُوجِبُ سَبْعَ
صَلَوَاتٍ فَإِذَا كَانَ التَّرْتِيبُ
يَسْقُطُ بِسِتٍّ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ
بِسَبْعٍ وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى لَمْ
يَعْتَبِرُوا إلَّا تَحَقُّقَ فَوَاتِ سِتٍّ
وَالْأَوَّلُونَ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ
الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ يَسْقُطُ
التَّرْتِيبُ بِالسِّتِّ مَوْجُودٌ فِي
إيجَابِ سَبْعٍ فَظَهَرَ بِهَذَا مَبْنَى
الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا كَمَا
ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ ا هـ قَوْلُهُ خَمْسُ وَقْتِيَّاتٍ
أَيْ بِالْمُؤَدَّاةِ الْأُوَلِ ا هـ
وَقَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ
أَيْ وَقْتِ السَّادِسَةِ ا هـ وَقَوْلُهُ
ابْتِدَاءً أَيْ لَا مَبْنًى عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ أَوْقَاتٌ مُتَخَلَّلَةٌ لَا
فَوَائِتَ فِيهَا ا هـ مِنْهُ وَقَوْلُهُ
وَهُوَ أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ ا هـ وَقَوْلُهُ
وَهَذَا أَيْ ، وَهُوَ قِيَاسُهُ عَلَى نَاسِي
التَّعْيِينِ ا هـ مِنْهُ وَقَوْلُهُ ثُمَّ
أَعَادَ مَا يَلْزَمُهُ فِي قَضَاءٍ إلَى
آخِرِهِ أَيْ وَهُوَ سَبْعُ صَلَوَاتٍ ا هـ .
وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَفْعَلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي
أَرْبَعٍ هَذَا وَإِنَّمَا وَجَبَ أَنْ
يُصَلِّيَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَعَ
الْقَطْعِ بِأَنَّ مِنْ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ
مَا هُوَ نَفْلٌ بِلَا شَكٍّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
صَارَ وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ
الْمَكْتُوبَةِ ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ
عُهْدَتِهَا بِيَقِينٍ عَلَى الْوَجْهِ
الْمَطْلُوبِ فَوَجَبَ لِوُجُوبِهَا فَإِنْ
قِيلَ كَيْفَ صَحَّتْ النِّيَّةُ مَعَ
التَّرَدُّدِ فِي وُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ ؟
(أُجِيبُ) بِإِنَّمَا صَحَّتْ ؛ لِأَنَّ
وُجُوبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي ذِمَّتِهِ
فَصَحَّتْ لِذَلِكَ لِظَنِّهِ بَقَاءَهَا فِي
ذِمَّتِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ
صَلَاةٌ مُعَيَّنَةٌ فَشَكَّ فِي أَدَائِهَا
فَإِنَّهَا تَجْزِيهِ مَعَ شَكِّهِ
لِاسْتِنَادِ نِيَّتِهِ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ
بَقَاؤُهَا فِي ذِمَّتِهِ ا هـ .
وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُ خَبَرُ كَأَنَّهُ
مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ كَأَنَّهُ قِيلَ ذَلِكَ
تَخْفِيفًا ا هـ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَعَلَى
الْأَوَّلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ) أَيْ
فَيُصَلِّي أَيَّ صَلَاةٍ شَاءَ مِنْ
الثَّلَاثِ ا هـ (قَوْلُهُ فَيُصَلِّي سَبْعَ
صَلَوَاتٍ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ . ا هـ
.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ : لَا تَجُوزُ وَيُجْعَلُ
الْمَاضِي إلَى آخِرِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى
الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ؛
لِأَنَّ هَذَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ
وَمَا قَالُوا يُؤَدِّي إلَى التَّهَاوُنِ لَا
إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ فَإِنَّ مَنْ اعْتَادَ
تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ وَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ
التَّكَاسُلُ لَوْ أُفْتِيَ بِعَدَمِ
الْجَوَازِ يُفَوِّتُ أُخْرَى وَهَلُمَّ
جَرَّا حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ . ا
هـ . فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ زَاجِرًا
لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ) أَيْ وَأَنْ لَا
تَصِيرَ الْمَعْصِيَةُ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ
. ا هـ . كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَفْصٍ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ
التَّرْتِيبَ إذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ ؛
لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ
كَمَاءٍ قَلِيلٍ نَجَسٍ دَخَلَ عَلَيْهِ مَاءٌ
جَارٍ حَتَّى سَالَ فَعَادَ قَلِيلًا لَمْ
يَعُدْ نَجَسًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَ
صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ
إلَى آخِرِهِ) فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ
صَلَاةَ شَهْرٍ مَثَلًا ، ثُمَّ قَضَاهَا
إلَّا صَلَاةً ، ثُمَّ قَضَى الْوَقْتِيَّةَ
ذَاكِرًا لَهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ هَذَا
الْقَائِلِ ا هـ ع
(1/189)
يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ
مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً
فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ
وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا
لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ
، وَإِنْ أَخَّرَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا
الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا
فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ
أَدَائِهَا (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ
الْكَرِيمِ) لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى
عَوْدِ التَّرْتِيبِ بَعْدَ سُقُوطِهِ ؛
لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ سَقَطَ لَجَازَتْ
الْوَقْتِيَّةُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا كَمَا
ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَهُوَ
قَوْلُهُ وَإِنْ فَاتَهُ أَكْثَرُ مِنْ
صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَجْزَأَتْهُ
الَّتِي بَدَأَ بِهَا ؛ وَلِأَنَّ
التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ
وَقْتِ السَّادِسَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا
وَلَا يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَا رُوِيَ
عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ
بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ ؛ لِأَنَّ
حُكْمَهُ بِفَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ الَّتِي
بَدَأَ بِهَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَوْ
كَانَ مَدَارُهُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ
لَمَا فَسَدَتْ الَّتِي بَدَأَ بِهَا أَوَّلَ
مَرَّةٍ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ صَلَّى
فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً ، وَلَوْ وِتْرًا
فَسَدَ فَرْضُهُ مَوْقُوفًا) حَتَّى لَوْ
صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ مَا لَمْ يَقْضِ
الْفَائِتَةَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا ،
وَلَوْ قَضَى الْفَائِتَةَ قَبْلَ أَنْ
يَمْضِيَ سِتَّةُ أَوْقَاتٍ بَطَلَ وَصْفُ
الْفَرْضِيَّةِ ، وَانْقَلَبَ نَفْلًا ،
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْوِتْرُ لَا يَمْنَعُ
جَوَازَ الْفَرْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ
نَفْلٌ عِنْدَهُمَا ، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ
الْفَرَائِضِ ، وَالنَّوَافِلِ عَلَى مَا
بَيَّنَّا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا
إذَا صَلَّى الْفَرْضَ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ
فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَبْطُلُ وَصْفُ
الْفَرْضِيَّةِ وَتَنْقَلِبُ نَفْلًا ، وَهُوَ
الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ مَا حُكِمَ بِفَسَادِهِ
لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيهِ لَا يَصِحُّ
إذَا سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِيهِ كَمَنْ
افْتَتَحَ الْفَرْضَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ
ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ ثُمَّ ضَاقَ الْوَقْتُ
لَمْ يُحْكَمْ بِجَوَازِهَا ، وَهَذَا ؛
لِأَنَّ الْكَثْرَةَ عِلَّةُ سُقُوطِ
التَّرْتِيبِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِوُجُودِ
الْعِلَّةِ فِي حَقِّ مَا بَعْدَهَا لَا فِي
حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا لَوْ رَأَى عَبْدَهُ
يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ ثَبَتَ
الْإِذْنُ دَلَالَةً فِي حَقِّ مَا بَعْدَ
ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لَا فِي حَقِّهِ ،
وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا صَارَ مُعَلَّمًا
بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثَبَتَ
الْحِلُّ فِيمَا بَعْدَهَا لَا فِيهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا
تَبْقَى التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهَا
تُعْقَدُ لِلْفَرْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ
الْقِلَّةِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّهُ مَتَى
أَدَّى صَلَاةً مِنْ الْوَقْتِيَّاتِ صَارَتْ
هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ إلَّا أَنَّهُ
لَمَّا قَضَى مَتْرُوكَةً بَعْدَهَا عَادَتْ
الْمَتْرُوكَاتُ خَمْسًا ، ثُمَّ لَا يَزَالُ
هَكَذَا فَلَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ . ا هـ
. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ
الْمَتْرُوكَاتِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ
فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَعُودَ كَانَ
يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَضَى بَعْدَهَا
فَائِتَةً حَتَّى عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ
إلَى خَمْسٍ أَنْ تَجُوزَ الْوَقْتِيَّةُ
الثَّانِيَةُ قَدَّمَهَا أَوْ أَخَّرَهَا ،
وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ عِدَّةٍ لَا تُوجِبُ
سُقُوطَ التَّرْتِيبِ أَعْنِي خَمْسًا أَوْ
أَرْبَعًا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ أَنْ
تَصِيرَ إلَى الْخَمْسِ ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ
عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ إلَى آخِرِهِ) فَكَانَ
فِي مَعْنَى النَّاسِي قَالُوا هَذَا إذَا
ظَنَّ أَنَّ صَلَاةَ يَوْمِهِ جَائِزَةٌ ،
وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ
أَيْضًا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ
وَالْعَتَّابِيُّ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ
وَالشَّهِيدُ فِي عُدَّةِ الْمُفْتِي . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَالَ أَدَائِهَا) أَيْ ؛
لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى وَقْتِيَّةً أَوَّلًا
فَقَدْ صَلَّاهَا قَبْلَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ
فَلَمْ تَجُزْ وَصَارَتْ مِنْ الْفَوَائِتِ
فَصَارَتْ سِتًّا فَإِذَا قَضَى فَائِتَةً
بَعْدَهَا عَادَتْ الْفَوَائِتُ خَمْسًا
فَلَمْ يَزَلْ كَذَا أَمَّا إذَا قَدَّمَ
الْفَوَائِتَ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّاتُ
إلَّا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ ؛ لِأَنَّهُ
صَلَّاهَا وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَعَادَ
جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ الْوَقْتُ
وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ
أَنَّ عَلَيْهِ الْفَائِتَةَ أَمَّا إذَا لَمْ
يَكُنْ فَلَا ا هـ وَبِهَذَا سَقَطَ إشْكَالُ
الشَّارِحِ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ
قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا) أَيْ
حَتَّى صَارَتْ خَمْسًا بِقَضَاءِ
الْفَائِتَةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذْ
لَوْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى تِلْكَ
الرَّاوِيَةِ لَمَا فَسَدَتْ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ
الَّتِي يُقَالُ فِيهَا وَاحِدَةٌ تُصَحِّحُ
الْخَمْسَ وَوَاحِدَةٌ تُفْسِدُ الْخَمْسَ
فَالْمُصَحِّحَةُ هِيَ السَّادِسَةُ
وَالْمُفْسِدَةُ هِيَ الْمَتْرُوكَةُ تُقْضَى
قَبْلَ السَّادِسَةِ . ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ وِتْرًا) كَذَا
بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ
نُسَخِ الْمَتْنِ ، وَلَوْ وِتْرًا ا هـ .
{فَرْعٌ} وَفِي الْحَاوِي لَا يَدْرِي
كَمِيَّةَ الْفَوَائِتِ يَعْمَلُ بِأَكْبَرِ
رَأْيِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ
يَقْضِي حَتَّى يَسْتَيْقِنَ وَاخْتُلِفَ
فِيمَا يَقْضِي احْتِيَاطًا فَقِيلَ يَقْرَأُ
السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَقِيلَ لَا
يَقْرَأُ ، وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ
يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي أَيُّهَا
هِيَ يَقْضِي الْخَمْسَ احْتِيَاطًا وَفِي
صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ
يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهَا
هِيَ يَتَحَرَّى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
رَأْيٌ أَعَادَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ يُعِيدُ
ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ رَكْعَتَانِ يَنْوِي
بِهِمَا الْفَجْرَ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ
وَأَرْبَعًا يَنْوِي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا
أَوْ عِشَاءً إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَثَلَاثًا
بِنِيَّةِ الْمَغْرِبِ وَقَالَ زُفَرُ
وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَالْمُزَنِيِّ
يُصَلِّي أَرْبَعًا يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ
وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْوِي
الصَّلَاةَ الَّتِي عَلَيْهِ ، وَقَالَ
عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو : سَأَلْت
مُحَمَّدًا عَمَّنْ نَسِيَ سَجْدَةً
صُلْبِيَّةً وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا مِنْ
أَيَّةِ صَلَاةٍ قَالَ يُعِيدُ الْخَمْسَ
قُلْت فَإِنْ نَسِيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مِنْ
خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يُعِيدُ
صَلَاةَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ
الْقُدُورِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَالرَّازِيِّ وَالنَّسَفِيِّ مَعَ
الثَّوْرِيِّ وَفِي جَامِعِ الْكُرْدِيِّ
نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ
رُكْنًا مِنْ صَلَاةٍ لَا يَدْرِي أَيَّتُهَا
يَقْضِي صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ؛ لِأَنَّ
تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ شَرْطٌ
وَأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ بِجَهْلِهِ بِهَا
فَيَقْضِي صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَبِهِ
ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ
وَالْمَرِيسِيِّ وَالْمُزَنِيِّ .
وَلَوْ نَسِيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مِنْ خَمْسَةِ
أَيَّامٍ أَوْ سِتًّا مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ
أَوْ سَبْعًا مِنْ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَوْ
ثَمَانِيًا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ قَضَى
صَلَوَاتِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ
أَوْ سِتَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ تَعْيِينِ
نِيَّةِ الْقَضَاءِ ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى
قَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ فَلَا ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ إذَا
صَارَتْ سِتًّا عَادَتْ الْمَفْعُولَاتُ
صَحِيحَةً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَنَظَرَ
بَعْضُهُمْ فِيهِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ
عَالِمًا بِالْفَائِتَةِ .
وَالْفَرْضُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّ
صَلَاةٍ وَتَعْيِينُ النِّيَّةِ وَاجِبٌ وَلَا
طَرِيقَ إلَى قَضَاءِ الْفَوَائِتِ عَيْنًا
إلَّا بِقَضَاءِ جَمِيعِ صَلَوَاتِ
الْأَيَّامِ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا يَخْفَى
حُسْنُ هَذَا النَّظَرِ ا هـ
(1/190)
فَإِذَا بَطَلَ
وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَتْ
التَّحْرِيمَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ
التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِالْكَثْرَةِ وَهِيَ
قَائِمَةٌ بِالْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ تُؤَثِّرَ
فِي السُّقُوطِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَهَا
غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ جَازَتْ عِنْدَهُمَا
أَيْضًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ
الْجَوَازِ قِلَّتُهَا وَقَدْ زَالَتْ فَلَا
يَبْقَى الْمَانِعُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ
يَتَوَقَّفَ حُكْمٌ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ حَالُهُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ
إلَى الْفَقِيرِ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ بَقِيَ
النِّصَابُ إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ صَارَ
فَرْضًا ، وَإِنْ نَقَصَ وَتَمَّ الْحَوْلُ
عَلَى النُّقْصَانِ صَارَ نَفْلًا . وَكَذَا
لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ
الْمُزْدَلِفَةِ يَتَوَقَّفُ وَكَذَا ظُهْرَ
الْجُمُعَةِ إذَا صَلَّاهُ فِي الْبَيْتِ
قَبْلَ الْجُمُعَةِ يَتَوَقَّفُ ، وَكَذَا
أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ إذَا انْقَطَعَ
عُذْرُهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ عَادَ فِي
الْوَقْتِ الثَّانِي صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ
وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا صَاحِبَةُ
الْعَادَةِ لَوْ جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا
فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ
جَاوَزَ الدَّمُ الْعَشَرَةَ جَازَتْ وَكَذَا
صَوْمُهَا إنْ صَامَتْ ، وَإِنْ لَمْ
تُجَاوِزْهَا نُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ
بِصَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ ، وَكَذَا لَوْ
انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ الْعَادَةِ
فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ أَوْ صَامَتْ
يَتَوَقَّفُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ صَحَّ ،
وَإِنْ عَادَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ
بِصَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ
مِنْ ضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنَّ ضِيقَ الْوَقْتِ
لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ فِي الْحَقِيقَةِ
وَإِنَّمَا قُدِّمْت الْوَقْتِيَّةُ عِنْدَ
الْعَجْزِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ؛
لِقُوَّتِهَا مَعَ بَقَاءِ التَّرْتِيبِ
وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِيمَا
بَيْنَ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ
الْمُتَأَخِّرَةَ مِنْ الْفَوَائِتِ لَا
تَجُوزُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - .
(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ بَعْدَ
السَّلَامِ سَجْدَتَانِ بِتَشَهُّدٍ
وَتَسْلِيمٍ بِتَرْكِ وَاجِبٍ ، وَإِنْ
تَكَرَّرَ) أَيْ ، وَإِنْ تَكَرَّرَ تَرْكُ
الْوَاجِبِ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ اعْلَمْ أَنَّ
الْكَلَامَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ : الْأَوَّلِ
فِي صِفَتِهِ ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا
كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ ؛ لِأَنَّ
مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا
سَهَا الْإِمَامُ وَجَبَ عَلَى الْمُؤْتَمِّ
السُّجُودُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ وَلِأَنَّهُ
شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَصَارَ
كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ ، وَهَذَا ؛
لِأَنَّ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ بِصِفَةِ
الْكَمَالِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ يَجْبُرُ
النُّقْصَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُ
سُنَّةٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْعَوْدَ إلَى
سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ
كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَعْدَةَ وَقَالُوا لَوْ
كَانَ وَاجِبًا لَرَفَعَهُ كَسَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ وَالصُّلْبِيَّةِ ، وَالصَّحِيحُ
الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا ؛ وَلِهَذَا
يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ ،
وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا رَفَعَهُمَا
وَإِنَّمَا لَا يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ ؛
لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ لِكَوْنِهَا
فَرْضًا بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ
؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ
لِكَوْنِهَا رُكْنًا وَبِخِلَافِ سَجْدَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَإِذَا بَطَلَ وَصْفُ
الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى
لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ لَا
تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ . ا هـ . فَتْحٌ
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ يَنْبَنِي مَا إذَا
خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
قَبْلَ تَمَامِ الْجُمُعَةِ فَقَهْقَهَ لَا
تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
خِلَافًا لَهُمَا ، وَلَوْ اقْتَدِي بِهِ
رَجُلٌ صَحَّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ ،
ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الِاخْتِلَافَ هَكَذَا
عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ
بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ
الْكَفَّارَةِ ، ثُمَّ أَيْسَرَ بَقِيَ
نَفْلًا إجْمَاعًا فَكَذَا فِي الصَّلَاةِ
وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ
الِاقْتِدَاءِ لِكَوْنِ الصَّلَاةِ
مَظْنُونَةً كَذَا قَالَهُ فِي الْكَافِي
(قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ
التَّرْتِيبَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ
أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ
يُوجِبُ ثُبُوتَ صِحَّةِ الْمُؤَدَّيَاتِ
بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِ سَادِسَتِهَا
الَّتِي هِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ ؛
لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَثْبُتُ حِينَئِذٍ
وَهِيَ الْمُسْقِطَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ
عَلَى أَدَائِهَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي
التَّصْوِيرِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَأَنَّهُ
لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى مَا إذَا
كَانَ ظَانًّا عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ
عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّهُ
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي
الْمُحِيطِ عَنْ مَشَايِخِهِمْ فَإِنَّ
التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَقْطَعُ
بِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ ظَنَّ عَدَمَ
الْوُجُوبِ أَوْ لَا ا هـ .
(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ
فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ إلَخْ) فَإِنْ
أَفَاضَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ
الْعِشَاءِ تَنْقَلِبُ نَفْلًا ، وَيَلْزَمُهُ
إعَادَتُهَا مَعَ الْعِشَاءِ فِي
الْمُزْدَلِفَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ
الْمُزْدَلِفَةَ وَتَوَجَّهَ إلَى مَكَّةَ
مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى إلَى الْمُزْدَلِفَةِ
بَعْدَ مَا أَصْبَحَ جَازَ الْمَغْرِبُ ا هـ
كَاكِيٌّ
(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)
(قَوْلُهُ سُجُودُ السَّهْوِ) إضَافَةُ
السُّجُودِ إلَى السَّهْوِ مِنْ قَبِيلِ
إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ وَهُوَ
الْأَصْلُ فِي الْإِضَافَةِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ
أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ)
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي
سَلَمَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إذَا اجْتَمَعَ
نَقْصٌ وَزِيَادَةٌ يَسْجُدُ قَبْلَ
السَّلَامِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ
وَاحِدٍ تَدَاخَلَ وَإِلَّا فَلَا
كَمَحْظُورَاتِ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ
سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» وَقَالَ ابْنُ أَبِي
لَيْلَى يَتَكَرَّرُ السُّجُودُ بَعْدَ
السَّهْوِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ
السُّجُودَ وَجَبَ بِعِلَّةِ السَّهْوِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَتَرَتُّبُ
الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُوجِبُ عِلِّيَّةَ
ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مِثْلَ
زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ وَسَرَقَ صَفْوَانُ
فَقُطِعَ ، وَإِذَا كَانَ السَّهْوُ هُوَ
الْعِلَّةُ انْدَرَجَتْ أَفْرَادُهُ تَحْتَ
السَّجْدَتَيْنِ وَعَنْ الثَّانِي : أَنَّ
الْمُرَادَ بِهِ لِكُلِّ سَهْوٍ صَلَاةٌ
سَجْدَتَانِ فَعَمَّ أَفْرَادَ سَهْوِهَا
بِدَلِيلِ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ
سَاهِيًا وَقَامَ وَهُوَ سَهْوٌ آخَرُ» ،
وَغَيْرَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ
وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَوْ
مَعْنَاهُ يَكْفِي لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ
يَدُلُّ عَلَيْهِ . قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجْدَتَا
السَّهْوِ يَجْزِيَانِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ
وَزِيَادَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَدِيٍّ
وَفِيهِ حَكِيمُ بْنُ نَافِعٍ وَثَّقَهُ ابْنُ
مَعِينٍ ، وَضَعَّفَهُ أَبُو زُرْعَةَ
فَالْجَرْحُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا
يُسْمَعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَوْ مَعْنَاهُ
أَنَّ السُّجُودَ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ
السَّهْوِ كَقَوْلِهِمْ لِكُلِّ ذَنْبٍ
تَوْبَةٌ ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا فَرْضًا إلَى
آخِرِهِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ
بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ
يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَلَا يَفْسُدُ
بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ
تَيْنِكَ السَّجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ
لِتَرْكِ الْفَرْضِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ
؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
الْحَلْوَانِيُّ الْقَعْدَةُ بَعْدَ
سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ
وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا لِيَقَعَ خَتْمُ
الصَّلَاةِ
(1/191)
التِّلَاوَةِ ؛
لِأَنَّهَا أَثَرُ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ رُكْنٌ
فَيُعْطَى لَهَا حُكْمُهَا وَلِأَنَّ
السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ وَسَجْدَةَ
التِّلَاوَةِ مَحَلُّهُمَا قَبْلَ الْقَعْدَةِ
فَإِذَا عَادَ إلَى السُّجُودِ عَادَ إلَى
شَيْءٍ مَحَلُّهُ قَبْلَهَا فَيَرْفَعُهَا
بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ
مَحَلَّهُ بَعْدَهَا فَلَا يَرْفَعُهَا
وَقِيلَ : إنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا
تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ
فَلَا تَرْفَعُ الْفَرْضَ وَاخْتَارَ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالثَّانِي فِي
مَحَلِّهِ ، وَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ
عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَهُ وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْمَذْهَبَيْنِ
قَوْلًا وَفِعْلًا ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي
الْأَوْلَوِيَّةِ
وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ قَبْلَ
السَّلَامِ وَبَعْدَهُ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ
فِيهِمَا وَالتَّرْجِيحُ لِمَا قُلْنَا مِنْ
جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّلَامَ مِنْ
الْوَاجِبَاتِ فَيُقَدَّمُ عَلَى سُجُودِ
السَّهْوِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ
وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ ، وَلِأَنَّ سُجُودَ
السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُؤَخَّرُ
عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ
السَّلَامِ يَنْجَبِرُ بِهِ
وَالثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يُفْعَلُ بَعْدَ
السُّجُودِ قَالَ فِي الْكِتَابِ بِتَشَهُّدٍ
وَتَسْلِيمٍ أَيْ يَأْتِي بِهِمَا بَعْدَ
السُّجُودِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ
سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ»
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّسْلِيمِ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ
، وَهُوَ الصَّحِيحُ صَرْفًا لِلسَّلَامِ
الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ إلَى
الْمَعْهُودِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ
الْأَئِمَّةِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ
يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ
وَجْهِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ عَنْ الْقِبْلَةِ ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنَى التَّحِيَّةِ دُونَ
التَّحْلِيلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَلِّمُ
تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ
خُوَاهَرْ زَادَهْ لَا يَأْتِي بِسُجُودِ
السَّهْوِ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ
وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ ، وَهُوَ
الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُمَا آخِرُ
الصَّلَاةِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ
وَقِيلَ : يَأْتِي بِهِمَا فِي الْقَعْدَةِ
الْأُولَى وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ كُلُّ
قَعْدَةٍ فِي آخِرِهَا سَلَامٌ فَفِيهَا
الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ
يَأْتِي بِهِمَا فِي الْقَعْدَتَيْنِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ
خِلَافٌ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِهَا فَيُوَافِقُ مَوْضُوعَ الصَّلَاةِ
حَتَّى لَوْ ذَهَبَ بَعْدَ مَا سَجَدَ
لِلسَّهْوِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ ؛
لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السَّهْوَ وَانْصَرَفَ
لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَإِذَا انْصَرَفَ
بَعْدَ السُّجُودِ أَوْلَى . ا هـ . غَايَةٌ
وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ
وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي
مَكَانِهِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةَ
التِّلَاوَةِ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَعْدَهَا
قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِرَفْضِ الْقَعْدَةِ
بِالْعَوْدِ إلَى السَّجْدَةِ وَجَازَتْ
صَلَاةُ الْقَوْمِ ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاضَ
الْقَعْدَةِ حَصَلَ بَعْدَ انْقِطَاعِ
الشَّرِكَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ
الْقَوْمِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ ؛
لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَهَا فَلَا
يَرْفَعُهَا إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْحَوَاشِي
إذَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِصَابَةُ
لَفْظَةِ السَّلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَتْ
بِوَاجِبَةٍ . ا هـ . غَايَةٌ .
(فَرْعٌ) شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَتَفَكَّرَ فِي
ذَلِكَ حَتَّى اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ شَكَّ فِي
شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَطَالَ بِأَنْ
كَانَ مِقْدَارَ مَا يُؤَدَّى فِيهِ
كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِلسَّهْوِ ،
وَإِنْ لَمْ يُطِلْ لَا يَسْجُدُ ، وَكَذَا
إنْ كَانَ تَفَكُّرُهُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِ
هَذِهِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ
لِلسَّهْوِ سَهْوٌ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَا
سَهْوَ صَلَاةٍ أُخْرَى ، وَلَوْ شَكَّ فِي
سُجُودِ السَّهْوِ يَتَحَرَّى وَلَا يَسْجُدُ
لِهَذَا السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ
سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ
غَيْرُ مَشْرُوعٍ ا هـ لُخِّصَ مِنْ
الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ) أَيْ
لِيَكُونَ جَبْرًا لِكُلِّ سَهْوٍ يَقَعُ فِي
الصَّلَاةِ وَمَا لَمْ يُسَلِّمْ فَتَوَهُّمُ
السَّهْوِ ثَابِتٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ
سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ
شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا
فَشَغَلَهُ ذَلِكَ حَتَّى أَخَّرَ السَّلَامَ
، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا
فَإِنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِهَذَا النَّقْصِ
بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ تَكَرَّرَ ، وَإِنْ
لَمْ يَسْجُدْ بَقِيَ نَقْصًا لَازِمًا غَيْرَ
مَجْبُورٍ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ
السَّلَامِ لِهَذَا الْمُجَوَّزِ ، وَهَذَا
دَلِيلُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي
الْأَوْلَوِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ
سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يَجِبُ
إعَادَتُهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ . ا هـ .
فَتْحٌ قَوْلُهُ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ أَيْ
، وَهُوَ السَّلَامُ ا هـ.
(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ
التَّسْلِيمِ) أَيْ التَّسْلِيمِ الَّذِي
قَبْلَ سُجُودِ السَّهْوِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
تَسْلِيمَتَيْنِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ) وَفِي
الْيَنَابِيعِ التَّسْلِيمَتَانِ أَصَحُّ . ا
هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ هُوَ اخْتِيَارُ
شَمْسِ الْأَئِمَّةِ) أَيْ وَأَبِي الْيُسْرِ
وَالْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ
الْمَرْغِينَانِيِّ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ
ظَهِيرُ الدِّينِ حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذَا
لَمْ يُجِزْ مَالِكٌ الشِّمَالَ حَتَّى
يَتْرُكَ السَّلَامَ عَلَيْهِ ، وَنَسَبَ
أَبُو الْيُسْرِ الْقَائِلُ بِالتَّسْلِيمَةِ
الْوَاحِدَةِ إلَى الْبِدْعَةِ قَالَ فَخْرُ
الْإِسْلَامِ إنَّمَا اخْتَرْنَا مَا
اخْتَرْنَاهُ بِإِشَارَةِ مُحَمَّدٍ فِي
كِتَابِ الصَّلَاةِ فَتَقَصَّيْنَا عَنْ
عُهْدَةِ الْبِدْعَةِ وَإِنَّمَا الْعُهْدَةُ
عَلَى مَنْ قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً
وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ) وَهُوَ قَوْلُ
الْكَرْخِيِّ ، وَهُوَ الْأَصْوَبُ وَبِهِ
قَالَ النَّخَعِيّ . ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَحْوَطُ ا هـ .
(فَائِدَةٌ) شَرَعَ فِي الظُّهْرِ ، ثُمَّ
تَوَهَّمَ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ فَصَلَّى
عَلَى ذَلِكَ الْوَهْمِ رَكْعَةً أَوْ
رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ فِي
صَلَاةِ الظُّهْرِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ؛
لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ شَرْطُ
افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا شَرْطُ بَقَائِهَا
كَأَصْلِ النِّيَّةِ فَلَمْ يُوجَدْ تَغْيِيرُ
فَرْضٍ ، وَلَا تَرْكُ وَاجِبٍ ، وَإِنْ
تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ تَفَكُّرًا شَغَلَهُ
عَنْ رُكْنٍ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا مَرَّ . ا هـ .
بَدَائِعُ .
وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ ، ثُمَّ
شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ
وَإِعَادَةِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ ،
ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ كَبَّرَ
فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ
بِزِيَادَةِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ
أَخَّرَ رُكْنًا ، وَهُوَ الرُّكُوعُ ثُمَّ
لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَكَّ فِي خِلَالِ
صَلَاتِهِ فَتَفَكَّرَ حَتَّى اسْتَيْقَنَ
وَبَيْنَ مَا إذَا شَكَّ بَعْدَ مَا قَعَدَ
قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ، ثُمَّ
اسْتَيْقَنَ فِي حَقِّ وُجُوبِ السَّجْدَةِ ؛
لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ ، وَهُوَ
السَّلَامُ ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ مَا سَلَّمَ
تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً ثُمَّ اسْتَيْقَنَ لَا
سَهْوَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمَةِ
الْأُولَى خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ
وَانْعَدَمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ
تَنْقِيصُهَا بِتَفْوِيتِ وَاجِبٍ مِنْهَا
فَاسْتَحَالَ إيجَابُ الْجَابِرِ ، وَكَذَا
لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا
سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ فَعَادَ
إلَى الْوُضُوءِ ، ثُمَّ شَكَّ قَبْلَ أَنْ
يَعُودَ إلَى الصَّلَاةِ فَتَفَكَّرَ ، ثُمَّ
اسْتَيْقَنَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ
فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا إذَا طَالَ
تَفَكُّرُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ
الصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَدٍّ
لَهَا . ا هـ . بَدَائِعُ وَقَالُوا : لَوْ
افْتَتَحَ فَشَكَّ أَنَّهُ هَلْ كَبَّرَ
لِلِافْتِتَاحِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ
كَبَّرَ إنْ شَغَلَهُ التَّفَكُّرُ عَنْ
أَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَانَ
عَلَيْهِ السَّهْوُ وَإِلَّا فَلَا .
وَكَذَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ
أَوْ فِي الْعَصْرِ أَوْ سَهَا فِي غَيْرِ
ذَلِكَ إنْ تَفَكَّرَ قَدْرَ رُكْنٍ
كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ يَجِبُ عَلَيْهِ
سُجُودُ السَّهْوِ ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا
لَا يَجِبُ ، وَإِنْ شَكَّ فِي
(1/192)
يُصَلِّي فِي
الْأُولَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي فِي
الْأَخِيرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَلَامَ
مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مِنْهَا
عِنْدَهُمَا فَكَانَتْ الْأُولَى هِيَ
الْقَعْدَةُ لِلْخَتْمِ فَيُصَلِّي فِيهَا
وَيَدْعُو لِيَكُونَ خُرُوجُهُ مِنْهَا بَعْدَ
الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ
وَالْآدَابِ قَالَ فِي الْمُفِيدِ هُوَ
الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُخْرِجُهُ
مِنْهَا فَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَالدُّعَاءَ
إلَى قَعْدَةِ السَّهْوِ فَإِنَّهَا هِيَ
الْأَخِيرَةُ
وَالرَّابِعُ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ
لِسُجُودِ السَّهْوِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ
وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِ
وَاجِبٍ أَوْ تَغْيِيرِهِ أَوْ تَأْخِيرِ
رُكْنٍ أَوْ تَقْدِيمِهِ أَوْ تَكْرَارِهِ
أَوْ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شَرَعَ
مُكَرَّرًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ
بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا غَيْرُ ، وَهُوَ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ
بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَيْ يَجِبُ سَجْدَتَانِ
بِسَبَبِ تَرْكِ وَاجِبٍ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ
فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ
وَالتَّغْيِيرِ تَرْكَ الْوَاجِبِ ؛ لِأَنَّ
الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ
كَذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ تَرَكَ
الْوَاجِبَ فَصَارَ تَرْكُ الْوَاجِبِ
شَامِلًا لِلْكُلِّ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ
بَيَانِ ذَلِكَ فَنَقُولُ : وَاجِبَاتُ
الصَّلَاةِ أَنْوَاعٌ مِنْهَا قِرَاءَةُ
الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ فَلَوْ تَرَكَ
الْفَاتِحَةَ أَوْ أَكْثَرَهَا فِي
الْأُولَيَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ
السَّهْوِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا فِي
الْأُخْرَيَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ
فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَوْ
كَرَّرَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ يَجِبُ
عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ
أَخَّرَ وَاجِبًا ، وَهُوَ السُّورَةُ
بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَادَهَا بَعْدَ
السُّورَةِ أَوْ كَرَّرَهَا فِي
الْأُخْرَيَيْنِ ، وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ
وَحْدَهَا وَتَرَكَ السُّورَةَ يَجِبُ
عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ، وَكَذَا لَوْ
قَرَأَ مَعَ الْفَاتِحَةِ آيَةً قَصِيرَةً ؛
لِأَنَّ قِرَاءَةَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ
أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ
وَاجِبَةٌ ، وَلَوْ أَخَّرَ الْفَاتِحَةَ عَنْ
السُّورَةِ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ،
وَكَذَا لَوْ قَرَأَ آيَةً فِي الرُّكُوعِ
أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقَوْمَةِ أَوْ
الْقُعُودِ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ .
وَلَوْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ
لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ
الذِّكْرِ وَمِنْهَا التَّشَهُّدُ فَإِذَا
تَرَكَهُ فِي الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَوْ
الْأَخِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
، وَكَذَا إذَا تَرَكَ بَعْضَهُ ذَكَرَهُ فِي
الْمُحِيطِ ، وَلَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ
أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ فَلَا سَهْوَ
عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهَذِهِ
الْمَوَاضِعُ مَحَلُّ الثَّنَاءِ وَعَنْ
مُحَمَّدٍ لَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ
قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَلَا سَهْوَ
عَلَيْهِ وَبَعْدَهَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ
السَّهْوِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ
بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَحَلَّ قِرَاءَةِ
السُّورَةِ فَإِذَا تَشَهَّدَ فِيهِ فَقَدْ
أَخَّرَ الْوَاجِبَ وَقَبْلَهَا مَحَلُّ
الثَّنَاءِ ، وَلَوْ كَرَّرَ التَّشَهُّدَ فِي
الْقَعْدَةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِ سُجُودُ
السَّهْوِ ، وَكَذَا إذَا زَادَ عَلَى
التَّشَهُّدِ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛
لِأَنَّهُ أَخَّرَ رُكْنًا ، وَهُوَ
الْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ وَاخْتَلَفُوا
فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ :
يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِقَوْلِهِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ
آخَرُونَ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقُولَ وَعَلَى
آلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، وَلَوْ
كَرَّرَهُ فِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا
سَهْوَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ
لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَمِنْهَا الْقُنُوتُ
فَإِذَا تَرَكَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ
السَّهْوِ . وَتَرْكُهُ يَتَحَقَّقُ بِرَفْعِ
رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ
فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُنُوتَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَذِهِ فِي صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَهَا لَا
سُجُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ ،
وَلَوْ انْصَرَفَ لِسَبْقِ حَدَثٍ فَشَكَّ
أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا ،
ثُمَّ عَلِمَ وَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ
وُضُوئِهِ سَاعَةً ، ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ
كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ ؛ لِأَنَّهُ فِي
حُرْمَتِهَا . ا هـ . فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ آيَةً فِي الرُّكُوعِ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ :
وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ
فِي سُجُودِهِ أَوْ فِي قِيَامِهِ لَا سَهْوَ
عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهَذِهِ
الْأَرْكَانُ مَوَاضِعُ الثَّنَاءِ ا هـ ،
وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ا
هـ . وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي
الْقَعْدَةِ إنَّمَا يَجِبُ السَّهْوُ إذَا
لَمْ يَفْرُغْ مِنْ التَّشَهُّدِ أَمَّا إذَا
فَرَغَ فَلَا يَجِبُ . ا هـ . فَتْحٌ قَوْلُهُ
وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ مَحَلُّ الثَّنَاءِ
أَيْ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِمَا
فَإِنَّ فِيهِ السَّهْوَ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَقَبْلَهَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ
إلَى آخِرِهِ) ، وَهَذَا يَقْتَضِي
تَخْصِيصَهُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا زَادَ عَلَى
التَّشَهُّدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ : وَلَوْ زَادَ عَلَى قِرَاءَةِ
التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى
وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي أَمَالِي
الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لَهُمَا أَنَّهُ
لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
لَوَجَبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ
شَرْعٌ وَلَا يُعْقَلُ تَمَكُّنُ النُّقْصَانِ
فِي الصَّلَاةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ
بِتَأْخِيرِ الْفَرْضِ ، وَهُوَ الْقِيَامُ
إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ حَصَلَ بِالصَّلَاةِ
فَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا
تَأْخِيرٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صَلَاةٌ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ا هـ وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا
، وَلَوْ تَلَا سَجْدَةً فَنَسِيَ أَنْ
يَسْجُدَهَا ، ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ
الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا
وَيَسْجُدَ بِهَا لِلسَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ
أَخَّرَ الْوَاجِبَ عَنْ وَقْتِهِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ
سُجُودُ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ) ، وَلَوْ
زَادَ حَرْفًا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ فِي
الْفَتْحِ مُقَدَّمًا عَلَى بَقِيَّةِ
الْأَقْوَالِ وَلَمْ يُصَحِّحْ مِنْ
الْأَقْوَالِ شَيْئًا لَكِنْ تَقْدِيمُهُ
هَذَا الْقَوْلَ عَلَى غَيْرِهِ يُرْشِدُ إلَى
أَنَّهُ أَصَحُّ .
وَهَكَذَا قَدَّمَهُ فِي مِعْرَاجِ
الدِّرَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ
وَهُنَاكَ عِبَارَتُهُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي
الْمُحِيطِ زَادَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ
حَرْفًا يَجِبُ السَّهْوُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ وَإِنَّمَا
يَجِبُ إذَا قَالَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ
الْمَاتُرِيدِيُّ إنَّمَا يَجِبُ إذَا قَالَ
مَعَهُ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَقَالَ آخَرُونَ إلَى آخِرِهِ)
وَعَنْ الصَّفَّارِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي
هَذَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَسْتَقْبِحُ إذْ
أُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ بِالصَّلَاةِ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قُلْت قَدْ : أَوْجَبَ سُجُودَ
السَّهْوِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِكَوْنِهَا فِي
غَيْرِ مَحَلِّهَا فَكَذَا بِالصَّلَاةِ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهَا فِي غَيْرِ
مَحَلِّهَا . ا هـ . سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ ؛
لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ
إلَى آخِرِهِ) ، وَكَذَا قِرَاءَةُ
التَّشَهُّدِ إذَا سَهَا عَنْهَا فِي
الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ ، ثُمَّ
تَذَكَّرَهَا قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَ
مَا سَلَّمَ سَاهِيًا قَرَأَهَا وَسَلَّمَ
وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ . ا هـ . وَلَوْ
سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ قَبْلَ يَمِينِهِ
فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ
التَّرْتِيبَ فِي السَّلَامِ مِنْ بَابِ
السُّنَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ
السَّهْوِ ، وَلَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ فِي
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا مِنْ
وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ . ا هـ . بَدَائِعُ
(1/193)
فَفِي عَوْدِهِ
إلَى الْقِيَامِ رِوَايَتَانِ ، وَلَوْ تَرَكَ
التَّكْبِيرَةَ الَّتِي بَعْدَ الْقِرَاءَةِ
قَبْلَ الْقُنُوتِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ؛
لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرَةِ الْعِيدِ
وَمِنْهَا تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ فَإِذَا
تَرَكَهَا أَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً
مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ،
وَلَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ
الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجَبَ
عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّهَا
وَاجِبَةٌ تَبَعًا لِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ
بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ
؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُلْحَقَةً بِهَا
وَمِنْهَا الْبَسْمَلَةُ فَإِذَا تَرَكَهَا
يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَقِيلَ :
لَا يَجِبُ ، وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا قَبْلَ
الْفَاتِحَةِ يَجِبُ ، وَإِنْ تَرَكَهَا
بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لَا يَجِبُ
، وَمِنْهَا الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ حَتَّى
لَوْ جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتَ
فِيمَا يَجْهَرُ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ
السَّهْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا
يَجِبُ بِهِ السَّهْوُ مِنْهُمَا فَقِيلَ إنْ
جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ
قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَإِنْ خَافَتَ فِيمَا
يَجْهَرُ يَنْظُرُ فَإِنْ خَافَتَ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَعَلَيْهِ
السَّهْوُ وَإِنْ خَافَتَ فِي أَقَلِّهَا
فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ
سُورَةٍ أُخْرَى فَيُعْتَبَرُ قَدْرُ مَا
تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ
فِيهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَهْرِ فِيمَا
يُخَافِتُ أَقْبَحُ مِنْ الْمُخَافَتَةِ
فِيمَا يَجْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ
بِالْمَنْسُوخِ فَغُلِّظَ حُكْمُهُ ،
وَلِأَنَّ لِصَلَاةِ الْجَهْرِ حَظًّا مِنْ
الْمُخَافَتَةِ كَالْفَاتِحَةِ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ . وَكَذَا الْمُنْفَرِد
يَتَخَيَّرُ فِيمَا بَيْنَ الْجَهْرِ
وَالْمُخَافَتَةِ وَلَا حَظَّ لِصَلَاةِ
الْمُخَافَتَةِ مِنْ الْجَهْرِ فَأَوْجَبْنَا
السُّجُودَ فِي الْجَهْرِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ
وَشَرَطْنَا الْكَثْرَةَ فِي الْمُخَافَتَةِ
وَفِي الْفَاتِحَةِ أَكْثَرَهَا ؛ لِأَنَّ
الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا ثَنَاءٌ وَدُعَاءٌ ؛
وَلِهَذَا شُرِعَتْ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى
سَبِيلِ الدُّعَاءِ فَأُعْطِيَ لَهَا حُكْمُ
الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ مِنْ وَجْهٍ ، وَإِنْ
كَانَتْ تِلَاوَةً حَقِيقَةً وَالْجَهْرُ
بِالثَّنَاءِ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ
وَبِالتِّلَاوَةِ يُوجِبُ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا
الْأَكْثَرُ ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي
الْفَصْلَيْنِ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ
الصَّلَاةُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ
الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا
يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَعَنْ
الْكَثِيرِ يُمْكِنُ ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ
الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ آيَةٌ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ
آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ ، وَلَا
فَرْقَ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا
وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
السَّهْوُ بِالْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ فَفِي عَوْدِهِ إلَى الْقُنُوتِ
رِوَايَتَانِ إلَى آخِرِهِ) أَحَدُهُمَا
يَعُودُ وَيَقْنُتُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ
الرُّكُوعَ وَالْأَوَّلُ الْأَوْجَهُ إذَا
قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقُنُوتِ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ
، ثُمَّ رَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ
وَالْفَتَاوَى رِوَايَةَ عَدَمِ الْعَوْدِ
إلَى الْقُنُوتِ وَجَعَلَهَا ظَاهِرَ
الرَّاوِيَةِ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ فِي بَابِ الْقُنُوتِ ، وَأَمَّا
حُكْمُ الْقُنُوتِ إذَا فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ
فَيَقُولُ إذَا نَسِيَ الْقُنُوتَ حَتَّى
رَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَا يَعُودُ
وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقُنُوتُ وَإِنْ كَانَ
فِي الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ
الرَّاوِيَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُنُوتِ ؛ لِأَنَّ
لَهُ شَبَهًا بِالْقُرْآنِ فَيَعُودُ كَمَا
لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ ،
وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ
مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ
الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ يَعُودُ
وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ كَذَا هَذَا وَوَجْهُ
الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ أَنَّ
الرُّكُوعَ يَتَكَامَلُ بِقِرَاءَةِ
الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ؛ لِأَنَّ
الرُّكُوعَ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ
الْقِرَاءَةِ أَصْلًا فَيَتَكَامَلُ
بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ، وَقِرَاءَةُ
الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ عَلَى التَّعْيِينِ
وَاجِبَةٌ فَيُنْتَقَضُ الرُّكُوعُ
بِتَرْكِهَا فَكَانَ نَقْضُ الرُّكُوعِ
لِلْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ
وَالْأَحْسَنِ وَكَانَ مَشْرُوعًا .
وَأَمَّا الْقُنُوتُ فَلَيْسَ مِمَّا
يَتَكَامَلُ بِهِ الرُّكُوعُ ، أَلَا تَرَى
أَنَّهُ لَا قُنُوتَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ
وَالرُّكُوعُ يُعْتَبَرُ بِدُونِهِ فَلَمْ
يَكُنْ النَّقْضُ لِلتَّكْمِيلِ لِكَمَالِهِ
فِي نَفْسِهِ فَلَوْ نَقَضَ كَانَ النَّقْضُ
لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ
الْفَرْضِ لِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ فَهُوَ
الْفَرْقُ وَلَا يَقْنُتُ فِي الرُّجُوعِ
بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ إذَا
تَذَكَّرَهَا فِي حَالِ الرُّكُوعِ حَيْثُ
يُكَبِّرُ فِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ
تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ لَمْ تَخْتَصَّ
بِالْقِيَامِ الْمَحْضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ
تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهَا فِي
حَالَةِ الِانْحِطَاطِ وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ
مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِإِجْمَاعِ
الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمْ - فَإِذَا جَازَ أَدَاءُ وَاحِدَةٍ
مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحْضِ الْقِيَامِ مِنْ
غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ أَدَاءُ الْبَاقِي مَعَ
قِيَامِ الْعُذْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
فَأَمَّا الْقُنُوتُ فَلَمْ يُشْرَعْ إلَّا
فِي مَحَلِّ الثَّنَاءِ غَيْرِ مَعْقُولِ
الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الرُّكُوعِ
الَّذِي هُوَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَلَوْ
أَنَّهُ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَنَتَ
يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْتَقَضَ رُكُوعُهُ
عَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ
مَا إذَا عَادَ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ
أَوْ السُّورَةِ حَيْثُ يُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ
ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي
الْيَنَابِيعِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ . ا هـ .
غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا تَكْبِيرَاتُ
الْعِيدَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ : وَلَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَاتِ
الْعِيدَيْنِ فَتَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ
قَضَاهَا فِي الرُّكُوعِ بِخِلَافِ الْقُنُوتِ
إذَا تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ حَيْثُ
يَسْقُطُ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
إلَى آخِرِهِ) ، وَكَذَا إذَا سَهَا عَنْهَا
أَوْ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ؛
لِأَنَّهُ يَحْصُلُ تَغْيِيرُ فَرْضٍ أَوْ
وَاجِبٍ . ا هـ . بَدَائِعُ (قَوْلُهُ
وَمِنْهَا الْبَسْمَلَةُ) قَالَ فِي
الْقُنْيَةِ نَقْلًا عَنْ أَجْنَاسِ
النَّاطِفِيِّ وَلَا يَتَعَلَّقُ السَّهْوُ
بِتَرْكِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ
وَالتَّسْمِيَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ
وَقَوْلُهُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ
رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَكُلُّ ذِكْرٍ لَيْسَ
بِمَقْصُودٍ ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ عَلَامَةً
لِغَيْرِهِ فَتَرْكُهُ لَا يُلْزِمُ السَّهْوَ
وَمَا هُوَ مَقْصُودٌ وَهُوَ أَنْ لَا
يُجْعَلَ عَلَامَةً لِغَيْرِهِ يَلْزَمُهُ
السَّهْوُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا
يَجِبُ) وَفِي الْمُفِيدِ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ
التَّسْمِيَةِ وَالتَّأْمِينِ شَيْءٌ . ا هـ .
غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا بَيْنَ
الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لَا يَجِبُ)
وَأَوْجَبَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ
الْكَرَابِيسِيُّ السَّهْوَ بِتَرْكِ
التَّسْمِيَةِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ
وَالسُّورَةِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَمِنْهَا الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ إلَى
آخِرِهِ) فِي الْمُنْتَقَى وَغَرِيبِ
الرَّاوِيَةِ فِي النَّفْلِ يَجْهَرُ فَإِنْ
خَافَتْ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ ا هـ كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي
الْفَصْلَيْنِ إلَخْ) ، وَهُوَ رِوَايَةُ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ
سِمَاعَةَ الْقَاضِي التَّمِيمِيِّ عَنْ
مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - . ا
هـ . بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
السَّهْوُ بِالْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ) أَيْ ؛
لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ
وَالْمُخَافَتَةِ كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ
وَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهُ مُخَيَّرًا فِي
الْجَهْرِيَّةِ مُسَلَّمٌ أَمَّا فِي
السَّرِيَّةِ قُلْنَا أَنْ نَمْنَعَ تَجْوِيزَ
الْجَهْرِيَّةِ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي
مَبْسُوطِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي يُخَافِتُ
فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ لَا يُخَيِّرُ
الْمُنْفَرِدُ بَيْنَ الْجَهْرِيَّةِ
وَالْمُخَافَتَةِ بَلْ يُخَافِتُ ا هـ .
وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ
الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُخْفِي
فِيمَا يُخْفِي الْإِمَامُ وَيَتَخَيَّرُ
فِيمَا يَجْهَرُ فِيهَا ا هـ
(1/194)
لِأَنَّهُمَا
مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا
الْقَعْدَةُ الْأُولَى حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا
يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ . وَكَذَا
تَأْخِير الرُّكْنِ يُوجِبُ السَّهْوَ حَتَّى
لَوْ أَخَّرَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ
الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ يَجِبُ
عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ، وَكَذَا
تَكْرَارُهُ كَرُكُوعَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ
سَجَدَاتٍ ، وَفِي الْبَدَائِعِ اخْتَلَفُوا
فِي تَرْكِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ
وَالْقَوْمَةِ وَالْقَعْدَةِ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِنَاءً
عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَهْوِ
إمَامِهِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ
السَّهْوِ بِسَهْوِ إمَامِهِ لِمَا رُوِيَ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- سَجَدَ وَسَجَدَ الْقَوْمُ مَعَهُ»
وَلِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ تَبَعًا
لِلْإِمَامِ ؛ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ
الْأَرْبَعُ بِاقْتِدَائِهِ بِالْإِمَامِ
الْمُقِيمِ أَوْ نَوَى إمَامُهُ الْإِقَامَةَ
وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا
بِهِ وَقْتَ السَّهْوِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ
الْإِمَامَ بَعْدَمَا سَهَا يَلْزَمُهُ أَنْ
يَسْجُدَ مَعَ الْإِمَامِ تَبَعًا لَهُ ،
وَلَوْ دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَ مَا سَجَدَ
سَجْدَةَ السَّهْوِ يُتَابِعُهُ فِي
الثَّانِيَةِ وَلَا يَقْضِي الْأُولَى ،
وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَمَا سَجَدَهُمَا
لَا يَقْضِيهِمَا ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ
الْإِمَامُ لَا يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ ؛
لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ
وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا تَبَعًا
لَهُ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ
يَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ ، وَإِنْ تَرَكَهُ
الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ
الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ فِيهِ
حَتْمًا وَسُجُودُ السَّهْوِ يُؤَدَّى فِي
حُرْمَتِهَا ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ
الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَعْدَ مَا سَجَدَ
لِلسَّهْوِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِسَهْوِهِ)
أَيْ لَا يَجِبُ بِسَهْوِ نَفْسِهِ يَعْنِي
الْمُقْتَدِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ
وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ ،
وَلَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ
التَّبَعُ أَصْلًا ، وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا
فَسَهَا بَعْدَ مَا قَامَ لِقَضَاءِ مَا
سُبِقَ بِهِ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ ؛ لِأَنَّهُ
مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ ، وَلَوْ سَلَّمَ
الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ يَنْظُرُ فَإِنْ
سَلَّمَ مُقَارِنًا لِسَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ
قَبْلَهُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ
مُقْتَدٍ بِهِ ، وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ
يَلْزَمُهُ السَّهْوُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ
وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ فِي التَّسْلِيمَةِ
الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ذَكَرَهُ ابْنُ
سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَهَا
عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إلَيْهِ
أَقْرَبُ عَادَ) ؛ لِأَنَّ مَا يَقْرُبُ إلَى
الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ ثُمَّ ، قِيلَ
يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلتَّأْخِيرِ ؛
لِأَنَّهُ بِقَدْرِ مَا اشْتَغَلَ
بِالْقِيَامِ أَخَّرَ وَاجِبًا وَجَبَ
وَصْلُهُ بِمَا قَبْلَهُ وَقِيلَ : لَا
يَسْجُدُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَصَائِصِ
الْجَمَاعَةِ إلَى آخِرِهِ) كَذَا فِي
الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَكْمَلُ وَأَمَّا
كَوْنُ وُجُوبِ الْمُخَافَتَةِ مِنْ
خَصَائِصِهَا فَمَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ
الْمُنْفَرِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ
فَيَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا أُجِيبُ
بِأَنَّ ذَلِكَ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ
وَرَوَى ابْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي
الْمُنْفَرِدِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ
أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ لِمَا ذَكَرْنَا
وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ فَلَا
نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُخَافَتَةَ وَاجِبَةٌ
عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ
الْمُغَالَطَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى
ذَلِكَ فِي صُورَةٍ تُؤَدَّى عَلَى
الشُّهْرَةِ وَالْمُنْفَرِدُ لَمْ يُؤَدِّ
كَذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ الْمُخَافَتَةُ
وَاجِبَةً عَلَيْهِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِسَهْوِ إمَامِهِ)
مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ
أَيْ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ
وَاجِبًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِتَرْكِ
إمَامِهِ الْوَاجِبَ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا
كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْجُدَ
الْإِمَامُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ
يَتْرُكُهَا الْمُقْتَدِي أَيْضًا ا هـ ع
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ
تَبَعًا لِلْإِمَامِ) حَتَّى قَالُوا لَوْ
تَرَكَ بَعْضُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ
التَّشَهُّدَ حَتَّى قَامُوا مَعَهُ بَعْدَ
مَا تَشَهَّدَ كَانَ عَلَى مَنْ لَمْ
يَتَشَهَّدْ أَنْ يَعُودَ فَيَتَشَهَّدَ
وَيَلْحَقُهُ ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَفُوتَهُ
الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ بِخِلَافِ
الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَعُودُ ؛ لِأَنَّ
التَّشَهُّدَ هُنَا فَرْضٌ بِحُكْمِ
الْمُتَابَعَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا
أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ فَلَمْ
يَسْجُدْ مَعَهُ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ
يَقْضِي السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ
يَخَفْ فَوْتَ رَكْعَةٍ فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ
تَرَكَهَا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ يَقْضِي
هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ ضَمِنَ قَضَاءِ
الرَّكْعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَغِلَ
بِإِحْرَازِ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى إذَا
خَافَ فَوْتَهَا ، وَهُنَا لَا يَقْضِي
التَّشَهُّدَ بَعْدَ هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ
يَأْتِيَ بِهِ ثُمَّ يَتْبَعُ كَاَلَّذِي
نَامَ خَلْفَ إمَامِهِ ، ثُمَّ انْتَبَهَ . ا
هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ
يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِهِ وَقْتَ السَّهْوِ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ
اللَّاحِقُ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ مَعَ
إمَامِهِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ وَيَسْجُدُ فِي
آخِرِ صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ
مَعَهُ لَيْسَ بِآخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ
الْمَسْبُوقِ ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ
آخِرُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ فِي
حَقِّهِ آخِرًا تَحْقِيقًا لِلْمُتَابَعَةِ ،
وَلَوْ تَابَعَ الْمَسْبُوقُ إمَامَهُ فِي
سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَهْوٌ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ
يَجِبُ انْفِرَادُهُ وَفِي الْفَتَاوَى إنْ
لَمْ يَعْلَمْ الْمَسْبُوقُ أَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ عَلَيْهِ سَهْوٌ لَمْ تَفْسُدْ
صَلَاتُهُ ، وَإِنْ عَلِمَ فَسَدَتْ . ا هـ .
غَايَةٌ .
قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَاللَّاحِقُ
لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سَجْدَتَيْ
السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ
؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ
الْإِمَامِ فَيَأْتِي بِهِمَا فِي الْمَوْضِعِ
الَّذِي أَتَى بِهِ الْإِمَامُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا
لِإِمَامِهِ إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ أُورِدَ
عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ
يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ إشْكَالٌ ،
وَهُوَ مَا إذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ لِقَضَاءِ
مَا سُبِقَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ
وَالْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ
يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ
الْإِمَامِ ، عُلِمَ بِهَا أَنَّ
الْمُخَالَفَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا تُعَدُّ
مُخَالَفَةً وَفِي النِّهَايَةِ جَوَابُهُ
أَنَّ هَاهُنَا يَصِيرُ مُخَالِفًا وَهُنَاكَ
لَا وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَوْ
سَجَدَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْجُدَ فِي
الْحَالَةِ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ أَوْ
بَعْدَهَا فَفِي الْأَوَّلِ مُخَالَفَةٌ
صُورَةً وَمَعْنًى ، وَفِي الثَّانِي مَعْنًى
لَا صُورَةً ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ
لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فِي صَلَاةٍ أَدَّاهَا
مَعَ الْإِمَامِ هَاهُنَا فَصَارَ كَأَنَّهُ
سَجَدَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي مَعَ
الْإِمَامِ فَكَانَتْ مُخَالَفَةً مَعْنًى
بِخِلَافِ تَيْنِكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ
فَإِنَّهُمَا يَتَحَقَّقَانِ بَعْدَ فَرَاغِ
الْإِمَامِ وَلَمْ يَتَعَلَّقَا بِصَلَاةِ
الْإِمَامِ فَلَا تَكُونُ مُخَالَفَةً صُورَةً
وَلَا مَعْنًى . ا هـ . كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ
الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا إذَا سَلَّمَ
سَاهِيًا أَمَّا إذَا سَلَّمَ مَعَ عِلْمِهِ
أَنَّهُ مَسْبُوقٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ؛
لِأَنَّ سَلَامَ الْعَمْدِ بِمَنْزِلَةِ
الْكَلَامِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ فِي
التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ فِي الْغَايَةِ ، وَلَوْ سَلَّمَ
الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ
سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي التَّسْلِيمَةِ
الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ
مُنْفَرِدٌ فِي الثَّانِيَةِ اِ هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ سَهَا عَنْ
الْقُعُودِ الْأَوَّلِ) أَيْ فِي ذَوَاتِ
الْأَرْبَعِ أَوْ الثَّلَاثِ مِنْ الْفَرْضِ
فَإِنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَبْسُوطِ
شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُحِيطِ فِي
الظُّهْرِ ؛ وَلِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى
فِي التَّطَوُّعِ فَرْضٌ فَكَانَتْ
كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى يَعُودَ
إلَيْهَا لَا مَحَالَةَ وَإِنْ اسْتَوَى
قَائِمًا . ا هـ . كَاكِيٌّ
(1/195)
يُوجَدْ شَيْءٌ
مِنْ الْقِيَامِ وَمَعْنَى الْقُرْبِ إلَى
الْقُعُودِ أَنْ يَرْفَعَ أَلْيَتَيْهِ مِنْ
الْأَرْضِ وَرُكْبَتَاهُ عَلَيْهَا وَقِيلَ :
مَا لَمْ يَنْتَصِبْ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ
فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ ، وَإِنْ
انْتَصَبَ فَهُوَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ
وَلَا مُعْتَبَرَ بِالنِّصْفِ الْأَعْلَى
وَقِيلَ : يَعُودُ إلَى الْقُعُودِ مَا لَمْ
يَسْتَتِمَّ قَائِمًا ، وَهُوَ الْأَصَحُّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا)
أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى الْقُعُودِ
أَقْرَبُ فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ
كَالْقَائِمِ مَعْنًى قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) ؛
لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ وَهُوَ
الْقُعُودُ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ عَادَ إلَى
الْقُعُودِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى
الصَّحِيحِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ
الْفَرْضِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِأَجْلِ
مَا هُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَهَا
عَنْ الْأَخِيرِ) أَيْ عَنْ الْقُعُودِ
الْأَخِيرِ (عَادَ مَا لَمْ يَسْجُدْ) ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْكِمْ خُرُوجُهُ عَنْ
الْفَرْضِ وَفِي الْقُعُودِ إصْلَاحُ
صَلَاتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِرَفْضِ
مَا أَتَى بِهِ إذْ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ
بِمَحَلِّ الرَّفْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ
فَرْضًا ، وَهُوَ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَ
فَرْضُهُ بِرَفْعِهِ) أَيْ بِرَفْعِ الرَّأْسِ
مِنْ السُّجُودِ ؛ لِأَنَّ الْخَامِسَةَ قَدْ
انْعَقَدَتْ وَاسْتَحْكَمَ دُخُولُهُ فِي
النَّفْلِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرْضِ ، وَمِنْ
ضَرُورَتِهِ خُرُوجُهُ مِنْ الْفَرْضِ
وَقَوْلُهُ بِرَفْعِهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْطُلُ بِوَضْعِ
الْجَبْهَةِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ وَجْهُ
الْأَوَّلِ أَنَّ تَمَامَ الرُّكْنِ
بِالِانْتِقَالِ عَنْهُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ
سَبَقَهُ الْحَدَثُ يَنْتَقِضُ الرُّكْنُ
الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ
عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إذَا بَنَى ، وَلَوْ
تَمَّ بِالْوَضْعِ لَمَا انْتَقَضَ
بِالْحَدَثِ ، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ
الْمُؤْتَمُّ قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ
إمَامُهُ فِي السُّجُودِ أَجْزَأَهُ ، وَلَوْ
تَمَّ بِنَفْسِ الْوَضْعِ لَمَا جَازَتْ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ رُكْنٍ سَبَقَ بِهِ
الْمُؤْتَمُّ إمَامَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ .
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا
سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ
فَإِنَّهُ يَبْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ
وَعِنْدَهُ لَا يَبْنِي قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَصَارَتْ نَفْلًا) أَيْ
انْقَلَبَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا ، وَهَذَا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَنْقَلِبُ بِنَاءً
عَلَى أَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ صِفَةَ
الْفَرْضِيَّةِ إذَا بَطَلَتْ لَا تَبْطُلُ
التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ
تَبْطُلُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ
وَالثَّانِي - أَنَّ تَرْكَ الْقُعُودِ عَلَى
رَأْسِ رَكْعَتَيْ النَّفْلِ لَا يَبْطُلُ
عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ وَقَدْ
بَيَّنَّاهُ فِي النَّوَافِلِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَضُمُّ إلَيْهَا
سَادِسَةً) ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ
بِالْوِتْرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَإِنْ لَمْ
يَضُمَّ إلَيْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛
لِأَنَّهُ ظَانٌّ ثُمَّ قِيلَ : يَسْجُدُ
لِلسَّهْوِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا وَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ
بِالْفَسَادِ لَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ ،
وَلَوْ اقْتَدِي بِهِ إنْسَانٌ يَلْزَمُهُ
سِتُّ رَكَعَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى
بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ وَسُقُوطُهُ عَنْ
الْإِمَامِ لِلظَّنِّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي
حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ الْإِمَامُ
إلَى الْقُعُودِ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ
حَيْثُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ ؛
لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ
يَقُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ
قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ ، ثُمَّ قَامَ
يَظُنُّهَا الْقَعْدَةَ الْأُولَى عَادَ
وَسَلَّمَ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ
بِمَحَلِّ الرَّفْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ مَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا ،
وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ ، ثُمَّ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي
الْكِتَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
اخْتَارَهَا مَشَايِخُ بُخَارَى وَأَمَّا
ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ
قَائِمًا يَعُودُ . ا هـ . (قَوْلُهُ تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَى آخِرِهِ)
أَيْ بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِيَامِ بِسُجُودِ
التِّلَاوَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ
الْقِيَاسِ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لِإِظْهَارِ
مُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ
الْكَفَرَةِ وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ مَعْنَاهُ
أَصْلًا عَلَى أَنَّا نَقُولُ : الْجِنَايَةُ
هُنَا بِالرَّفْضِ وَلَيْسَ تَرْكُ الْقِيَامِ
لِلسُّجُودِ رَفْضًا لَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ
يَقُمْ بَعْدَهَا قَدْرَ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ
حَتَّى رَكَعَ صَحَّتْ هَذَا وَفِي النَّفْسِ
مِنْ التَّصْحِيحِ شَيْءٌ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
غَايَةَ الْأَمْرِ فِي الرُّجُوعِ إلَى
الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ زِيَادَةَ
قِيَامِ مَا فِي الصَّلَاةِ ، وَهُوَ وَإِنْ
كَانَ لَا يَحِلُّ لَكِنَّهُ بِالصِّحَّةِ لَا
يَحِلُّ فَاعْرِفْ أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ
الرَّكْعَةِ لَا تَفْسُدُ إلَّا أَنْ
يُفَرِّقَ بِاقْتِرَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ
بِالرَّفْضِ لَكِنْ يُقَالُ الْمُتَحَقَّقُ
لُزُومُ الْإِثْمِ أَيْضًا بِالرَّفْضِ أَمَّا
الْفَسَادُ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ
اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ فَيَتَرَجَّحُ بِهَذَا
الْبَحْثِ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ
لِلْمُصَحَّحِ . ا هـ . فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ سَهَا عَنْ
الْأَخِيرِ إلَى آخِرِهِ) يَشْمَلُ قَعْدَةَ
الصُّبْحِ ا هـ ع (قَوْلُهُ بِمَحَلِّ
الرَّفْضِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ
حُكْمُ الصَّلَاةِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ
بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي فَرِيضَةً .
ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ
الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ
وَأَقْيَسُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي
هَذِهِ السَّجْدَةِ) أَيْ سَجْدَةِ
الْخَامِسَةِ ا هـ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ
يَبْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) ؛
لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُتِمُّ السَّجْدَةَ
بِالرَّفْعِ وَالرَّفْعُ وُجِدَ مَعَ
الْحَدَثِ فَلَا يُعْتَبَرُ فَبَطَلَتْ
السَّجْدَةُ فِي نَفْسِهَا فَصَارَ كَأَنْ
لَمْ يَسْجُدْ ، وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ
يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ
. كَاكِيٌّ .
وَقَدْ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ بَطَلَتْ
وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا فَأُخْبِرَ بِجَوَابِ
مُحَمَّدٍ فَقَالَ زِهْ صَلَاةٌ فَسَدَتْ
يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ وَزِهْ بِمُعْجَمَةٍ
مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ كَلِمَةُ
تَعَجُّبٍ ، وَهُوَ هُنَا عَلَى وَجْهِ
التَّهَكُّمِ قِيلَ قَالَهُ لِغَيْظٍ لَحِقَهُ
مِنْ مُحَمَّدٍ بِسَبَبِ مَا بَلَغَهُ مِنْ
عَيْبِهِ قَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا
خَرِبَ إنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ
الْوَاقِفِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ
مَسْجِدًا وَإِنْ صَارَ مَأْوَى الْكِلَابِ
وَالدَّوَابِّ . ا هـ . فَتْحٌ وَأَمَّا
قَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ يَبْنِي أَيْ
عَلَى الْفَرْضِ أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ
الْحَدَثِ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ فَرْضِهِ
بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَأْتِيَ فَيَقْعُدَ
وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَيَسْجُدَ
لِلسَّهْوِ ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ حَصَلَ مَعَ
الْحَدَثِ فَلَا يَكُونُ مُكَمِّلًا
لِلسَّجْدَةِ لِيَفْسُدَ الْفَرْضُ بِهِ
وَهُوَ أَعْنِي صِحَّةَ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ
سَبْقِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ فِي
السُّجُودِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً
صُلْبِيَّةً مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ تَذَكَّرَ
ذَلِكَ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِمَا سَنَذْكُرُ
فِي تَتِمَّةٍ يَعْقِدُهَا فِي السَّجَدَاتِ .
ا هـ . فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ
وَعِنْدَهُ لَا يَبْنِي) أَيْ وَيَنْقَلِبُ
فَرْضُهُ نَفْلًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ
لَمْ يَضُمَّ إلَيْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
إلَى آخِرِهِ) ، وَإِنْ كَانَ الضَّمُّ
وَاجِبًا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَصْلِ
لِعَدَمِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ ؛
لِأَنَّهُ مَظْنُونُ الْوُجُوبِ خِلَافًا
لِزُفَرَ وَاللُّزُومُ إنَّمَا يَثْبُتُ
شَرْعًا بِالِالْتِزَامِ أَوْ إلْزَامِ
الرَّبِّ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَشُرُوعُهُ
لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بَلْ
يَقْصِدُ الْإِسْقَاطَ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنْ
لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَقَطَ أَصْلًا . ا هـ
. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ، وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ
إنْسَانٌ) أَيْ فِي الْخَامِسَةِ ، ثُمَّ
أَفْسَدَهَا . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
يَلْزَمُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ) عِنْدَهُمَا
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُتَصَوَّرُ
الْقَضَاءُ ا هـ كَذَا فِي الْغَايَةِ نَقْلًا
عَنْ الْمُحِيطِ ا هـ
(1/196)
وَالتَّسْلِيمُ
فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ
فَيَعُودُ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ
الْمَشْرُوعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
(وَإِنْ سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ تَمَّ فَرْضَهُ)
؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا إصَابَةَ
لَفْظِ السَّلَامِ ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ
عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمَّ إلَيْهَا
سَادِسَةً) لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ لَهُ
نَفْلًا ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ
لَا تُجْزِيهِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
الْبُتَيْرَاءِ ، ثُمَّ لَا يَنُوبَانِ عَنْ
السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ
هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ
عَلَيْهَا بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ
مَقْصُودَةٍ قَالُوا وَفِي الْعَصْرِ لَا
يَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً لِكَرَاهَةِ
التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا وَقِيلَ : يَضُمُّ
إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ
. وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ
الْعَصْرِ يَتَنَاوَلُ الْمَقْصُودَ فَلَا
يُكْرَهُ بِدُونِهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي
الْفَجْرِ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ
بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ
وَقَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ لَا يَضُمُّ
إلَيْهَا رَابِعَةً لِكَرَاهِيَةِ
التَّنَفُّلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَالتَّسْلِيمُ فِي حَالَةِ
الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إلَى آخِرِهِ) ،
وَلَوْ سَلَّمَ قَائِمًا لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ، ثُمَّ إذَا عَادَ لَا يُعِيدُ
التَّشَهُّدَ ، وَكَذَا لَوْ قَامَ عَامِدًا
قَالَ النَّاطِفِيُّ يُعِيدُ ، ثُمَّ قِيلَ
الْقَوْمُ يَتْبَعُونَهُ فَإِنْ عَادَ عَادُوا
مَعَهُ ، وَإِنْ مَضَى فِي النَّافِلَةِ
اتَّبَعُوهُ ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَمَّتْ
بِالْقَعْدَةِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ
الْبَلْخِيّ عَنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُمْ لَا
يَتْبَعُونَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا اتِّبَاعَ فِي
الْبِدْعَةِ لَكِنْ يَنْتَظِرُونَهُ قُعُودًا
فَإِنْ عَادَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ
الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ اتَّبَعُوهُ
بِالسَّلَامِ فَإِنْ قَيَّدَ سَلَّمُوا فِي
الْحَالِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ
والتمرتاشي . ا هـ . كَاكِيٌّ قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَلَا
يَخْفَى عَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا
إذَا قَامَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ ا هـ قَوْلُهُ
لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ أَيْ بَلْ يَقْعُدُ
وَيُسَلِّمُ ا هـ وَقَوْلُهُ فِيمَا إذَا
قَامَ أَيْ إلَى الْخَامِسَةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ
الْمَشْرُوعِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَقَامَ
الْمُؤَذِّنُ ، وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ
الْأُولَى ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا
بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَرْفُضُهَا . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَضَمَّ
إلَيْهَا سَادِسَةً إلَى آخِرِهِ) هَذَا
لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ
عَلَى مَعْنَى التَّخْيِيرِ أَوْ
الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ وَفِي
الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ
فَإِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَ
وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ وَإِنَّمَا
وَجَبَ الضَّمُّ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّنَفُّلِ
بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَنُوبَانِ عَنْ
السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ) قَالَ فِي
الْمُحِيطِ ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ غَيْرُ
مَضْمُونَةٍ فَلَا تَنُوبُ عَنْ الْكَامِلَةِ
ا هـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَضُمُّ
إلَيْهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ
وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ا هـ (قَوْلُهُ
وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ
الْعَصْرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ
كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ،
وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ فِي الْعَصْرِ
أَعْنِي صَلَّاهَا خَمْسًا بَعْدَ مَا قَعَدَ
الثَّانِيَةَ أَوْ فِي الْفَجْرِ سَجَدَ فِي
الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ قَالُوا :
لَا يَضُمُّ سَادِسَةً ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ
مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ
وَالْفَجْرِ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ
وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَضُمَّ وَالنَّهْيُ عَنْ
التَّنَفُّلِ الْقَصْدِيِّ بَعْدَهُمَا ،
وَكَذَا إذَا تَطَوَّعَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ
فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ
الْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا ، ثُمَّ يُصَلِّيَ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَتَنَفَّلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ قَصْدًا ا هـ .
(فَرْعٌ) تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ
رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ
قَضَاهَا وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِيهَا وَيَقْضِي
مَا بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بَعْدَ
الْمَتْرُوكِ حَصَلَ قَبْلَ أَوَانِهِ فَلَا
يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ
مُرَتَّبَةً كَمَا لَوْ قَدَّمَ السُّجُودَ
عَلَى الرُّكُوعِ قُلْنَا : الرَّكْعَةُ
الثَّانِيَةُ صَادَفَتْ مَحَلَّهَا ؛ لِأَنَّ
مَحَلَّهَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
وَقَدْ وُجِدْت الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ
الرَّكْعَةَ تَتَقَيَّدُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ
وَإِنَّمَا الثَّانِيَةُ تَكْرَارٌ فَكَانَ
أَدَاءُ الثَّانِيَةِ مُعْتَبَرًا فَلَا
يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ الْمَتْرُوكُ بِخِلَافِ
مَا إذَا قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ
؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَحَلُّهُ بَعْدَ
الرُّكُوعِ لِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ ،
وَالرَّكْعَةُ بِدُونِ الرُّكُوعِ لَا
تَتَحَقَّقُ ، وَكَذَا لَوْ ذَكَرَ سَجْدَةً
مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ
قَضَاهُمَا وَيَبْدَأُ بِالْأُولَى مِنْهُمَا
، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا سَجْدَةَ
تِلَاوَةٍ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَى
وَالْأُخْرَى صُلْبِيَّةً تَرَكَهَا مِنْ
الثَّانِيَةِ يُرَتِّبُ أَيْضًا وَقَالَ
زُفَرُ يَبْدَأُ بِالثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا
أَقْوَى قُلْنَا : الْقَضَاءُ مُعْتَبَرٌ
بِالْأَدَاءِ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً
صُلْبِيَّةً ، وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ
خَرَّ لَهَا مِنْ رُكُوعِهِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ
مِنْ سُجُودِهِ فَسَجَدَ لَهَا الْأَفْضَلُ
أَنْ يُعِيدَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ
لِيَكُونَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ
وَهُوَ التَّرْتِيبُ ، وَأَنَّ التَّرْتِيبَ ،
وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُمَا أَجْزَأَهُ وَقَالَ
زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ
فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَرْضٌ عِنْدَهُ
فَالْتُحِقَتْ السَّجْدَةُ بِمَحَلِّهَا
فَبَطَلَ مَا أَدَّى مِنْ الْقِيَامِ
وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ لِتَرْكِ
التَّرْتِيبِ وَعِنْدَنَا التَّرْتِيبُ فِي
أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ لَيْسَ
بِفَرْضٍ ؛ وَلِهَذَا يَبْدَأُ الْمَسْبُوقُ
بِمَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِ وَلَئِنْ
كَانَ فَرْضًا فَقَدْ سَقَطَ بِعُذْرِ
النِّسْيَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ
عَلَيْهِ إعَادَةَ الرُّكُوعِ بِنَاءً عَلَى
أَصْلِهِ أَنَّ الْقَوْمَةَ مِنْ الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ فَرْضٌ ا هـ .
وَلَوْ تَرَكَ رُكُوعًا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ
الْقَضَاءُ ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ
سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ بِأَنْ قَرَأَ
أَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ ، ثُمَّ
قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ وَرَكَعَ
وَسَجَدَ فَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً
وَلَا يَكُونُ هَذَا الرُّكُوعُ قَضَاءً عَنْ
الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْكَعْ
لَا يَعْتَدَّ بِالسُّجُودِ لِعَدَمِ
مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ إذْ مَحَلُّهُ بَعْدَ
الرُّكُوعِ ، وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ فَقَرَأَ
وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ، ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ
صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ
هَذَا السُّجُودُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ ؛
لِأَنَّ رُكُوعَهُ مُعْتَبَرٌ لِمُصَادَفَتِهِ
مَحَلَّهُ إلَّا أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ
يُقَيِّدَ بِسَجْدَةٍ فَقِيَامُهُ
وَقِرَاءَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ
بِهِ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ ،
وَسُجُودُهُ بَعْدُ فِي مَحَلِّهِ ، وَكَذَا
إذَا قَرَأَ أَوْ رَكَعَ ، ثُمَّ رَفَعَ
فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ صَلَّى رَكْعَةً ؛
لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ رُكُوعَانِ وَسُجُودُهُ
بَعْدَهُ فَيُلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا وَيَلْغُو
الْآخَرُ فَفِي بَابِ الْحَدَثِ اعْتَبَرَ
الْأَوَّلَ وَفِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ
مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ اعْتَبَرَ
الثَّانِيَ ، وَالْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ
فَمُدْرِكُهَا مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ ،
وَكَذَا لَوْ قَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ
، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ
يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَلَمْ
يَرْكَعْ وَسَجَدَ قَائِمًا صَلَّى رَكْعَةً
وَاحِدَةً .
وَكَذَا إنْ رَكَعَ فِي الْأَوَّلِ فَلَمْ
يَسْجُدْ ، ثُمَّ رَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ
وَلَمْ يَسْجُدْ وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ
وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً
وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَفِي هَذِهِ
الْمَوَاضِعِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَّا
فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ زِيَادَةَ
السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ كَزِيَادَةِ
الرَّكْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ
السَّجْدَةَ الْوَاحِدَةَ قُرْبَةٌ وَهِيَ
سَجْدَةُ الشُّكْرِ ، وَعِنْدَهُمَا
السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ
إلَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ مَا
إذَا زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً ؛ لِأَنَّهُ
فَعَلَ صَلَاةً كَامِلَةً فَانْعَقَدَ نَفْلًا
فَصَارَ مُنْتَقِلًا إلَيْهَا فَلَا يَبْقَى
فِي الْفَرْضِ ضَرُورَةٌ ا هـ مُلَخَّصًا مِنْ
الْبَدَائِعِ.
(1/197)
بَعْدَهَا ،
وَكَذَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ بَطَلَ
بِتَرْكِ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ
الرَّكْعَتَيْنِ وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَ
الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ
إلَى الْخَامِسَةِ فِي الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ
يَقْعُدَ فِي الرَّابِعَةِ وَقَيَّدَهَا
بِسَجْدَةٍ حَيْثُ يَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً
؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَ الْعَصْرِ
غَيْرُ مَكْرُوهٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَجَدَ
لِلسَّهْوِ) جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ ، وَهُوَ
النُّقْصَانُ الْمُتَمَكِّنُ فِي النَّفْلِ
بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ
الْمَسْنُونِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛
لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَأَنْ يَجِبَ لِجَبْرِ
النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى النَّفْلِ وَمَنْ سَهَا
فِي صَلَاةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ
يَسْجُدَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ هُوَ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ
فِي الْفَرْضِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ
السَّلَامُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ
الْفَرْضِ بَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ
عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَوَصْفِهَا
وَبِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقَطَعَ
الْوَصْفُ لَا غَيْرُ وَبَقِيَتْ
التَّحْرِيمَةُ فِي حَقِّ الْجَبْرِ كَمَا
بَقِيَتْ فِي حَقِّ الِاقْتِدَاءِ فَصَارَتْ
الصَّلَاةُ وَاحِدَةً كَمَنْ صَلَّى سِتَّ
رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ
وَقَدْ سَهَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ
يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ ،
وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ
صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ لَكِنْ كُلُّهَا فِي
حَقِّ التَّحْرِيمَةِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ
وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ :
الْأَصَحُّ أَنْ يُجْعَلَ سُجُودُ السَّهْوِ
جَابِرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي
الْإِحْرَامِ فَيَنْجَبِرُ بِهِ النَّقْصُ
الْمُتَمَكِّنُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ
جَمِيعًا وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ
مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ
التَّحْرِيمَةِ وَالصَّلَاةُ وَاحِدَةٌ عَلَى
مَا بَيَّنَّاهُ وَعِنْدَهُمَا يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ
اسْتَحْكَمَ خُرُوجَهُ عَنْ الْفَرْضِ فَصَارَ
كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ ، وَلَوْ أَفْسَدَ
الْمُقْتَدِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ ، وَهَذَا
؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مَضْمُونًا عَلَى
الْمُقْتَدَى لَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ
الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَذَلِكَ لَا
يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ ؛
لِأَنَّ السُّقُوطَ بِعَارِضٍ يَخُصُّ
الْإِمَامَ ، وَهُوَ الظَّنُّ فَلَا
يَتَعَدَّاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ
يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ حَيْثُ يَلْزَمُ
الْمُقْتَدِي سِتُّ رَكَعَاتٍ ؛ لِأَنَّ
صَلَاتَهُ لَمَّا انْقَلَبَتْ نَفْلًا صَارَتْ
التَّحْرِيمَةُ كَأَنَّهَا عُقِدَتْ بِسِتِّ
رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ ابْتِدَاءً وَهُنَا
لَمَّا قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ تَمَّ
فَرْضُهُ فَصَارَ شَارِعًا فِي النَّفْلِ
بِالْقِيَامِ لَهُ فَصَارَ كَتَحْرِيمَةٍ
مُبْتَدَأَةٍ لِانْفِصَالِهِ عَمَّا قَبْلَهُ
فَيَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ
بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اقْتِدَاءُ الْبَالِغِ
بِالصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ
التَّطَوُّعِ لَكِنْ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى
الْمُؤْتَمِّ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ
الِاقْتِدَاءَ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ
الْمَانِعَ مِنْ اللُّزُومِ فِي الصَّبِيِّ
أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ الظَّانِّ وَقَدْ
بَيَّنَّاهُ فِي الْإِمَامَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَجَدَ
لِلسَّهْوِ فِي شَفْعِ التَّطَوُّعِ) (لَمْ
يَبْنِ شَفْعًا آخَرَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ بَنَى لَبَطَلَ سُجُودُهُ لِوُقُوعِهِ
فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ
إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ ، ثُمَّ نَوَى
الْإِقَامَةَ حَيْثُ يَبْنِي ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
لَمْ يَبْنِ لَبَطَلَ جَمِيعُ صَلَاتِهِ
وَمَعَ هَذَا لَوْ بَنَى صَحَّ لِبَقَاءِ
التَّحْرِيمَةِ وَيُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ
فِي الْمُخْتَارِ ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ
مِنْ السُّجُودِ وَقَعَ وَفِي وَسَطِ
الصَّلَاةِ فَلَا يَعْتَدُّ بِهِ وَقِيلَ لَا
يُعِيدُ ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ حَصَلَ
بِالْأَوَّلِ ، وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا
نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا سَجَدَ
لِلسَّهْوِ وَيَلْزَمُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ
وَيُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَلَّمَ
السَّاهِي فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ
سَجَدَ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ لَوْ سَلَّمَ
مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَاقْتَدَى
بِهِ إنْسَانٌ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ
لِلسَّهْوِ فَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ صَحَّ
اقْتِدَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَا
يَصِحُّ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ
صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلِأَنَّ عِنْدَهُمَا
سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا
يُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ
السُّجُودَ وَجَبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ
فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي إحْرَامِ
الصَّلَاةِ لِيَتَحَقَّقَ الْجَبْرُ
وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُهُ عَلَى سَبِيلِ
التَّوَقُّفِ ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ مُحَلِّلٌ
فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَا يُحَلِّلُ هَذَا
لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السُّجُودِ وَلَا
يَظْهَرُ الْمَنْعُ عَنْ عَمَلِهِ دُونَ
السُّجُودِ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ عَلَى
اعْتِبَارِ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ
، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ
لَا يَخْرُجُ بِالسَّلَامِ بَلْ يَتَوَقَّفُ
بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَى السُّجُودِ
تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ ، وَإِنْ
لَمْ يُعِدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ
حِينِ سَلَّمَ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ
يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ حِينِ سَلَّمَ
وَتَنْقَطِعُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ مِنْ غَيْرِ
تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَإِنَّمَا
التَّوَقُّفُ فِي عَوْدِ التَّحْرِيمَةِ
ثَانِيًا بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَى
سُجُودِ السَّهْوِ تَعُودُ التَّحْرِيمَةُ
وَإِلَّا فَلَا ، وَهَذَا أَسْهَلُ
لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ إذَا
بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِإِعَادَتِهَا
وَلَمْ تُوجَدْ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ
الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ،
وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ وَفِي انْتِقَاضِ
الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَتَغَيُّرِ
الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ ، ثُمَّ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ
بَعْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَلْ يَتْرُكُهُ
وَيَقُومُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ اقْتِدَاءُ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ)
أَيْ فِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ
الْمُطْلَقَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ كَمَا فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَسْأَلَةِ
الظَّانِّ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَلْزَمُهُ
شَيْءٌ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ
الِاقْتِدَاءُ بِهِ ، وَهَذَا يَسْتَقِيمُ
عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى
قَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ
أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَهُ ا هـ
مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ
بِالْقَهْقَهَةِ) أَيْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
يُنْتَقَضُ وَعِنْدَهُمَا لَا ا هـ (قَوْلُهُ
وَتَغَيَّرَ الْفَرْضُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا
كَانَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ
إلَى الْأَرْبَعِ عِنْدَهُمَا وَيَسْقُطُ
عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
يَتَحَوَّلُ رُبَاعِيَّةً وَيَأْتِي بِسُجُودِ
السَّهْوِ . ا هـ .
(1/198)
سَجَدَ
لَبَطَلَ سُجُودُهُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ
الصَّلَاةِ وَلَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ إذَا
كَانَ فِي أَدَائِهِ إبْطَالُهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْجُدُ
لِلسَّهْوِ ، وَإِنْ سَلَّمَ لِلْقَطْعِ)
مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ
يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ، وَإِنْ أَرَادَ
بِالتَّسْلِيمِ قَطْعَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ
نِيَّتَهُ تُغَيِّرُ الْمَشْرُوعَ فَتَلْغُو
كَمَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ سِتًّا أَوْ نَوَى
الْمُسَافِرُ الظُّهْرَ أَرْبَعًا بِخِلَافِ
مَا إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلسَّجْدَةِ
الصُّلْبِيَّةِ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ،
وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُؤْتَى
بِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَهِيَ
بَاقِيَةٌ وَالصُّلْبِيَّةُ يُؤْتَى بِهَا فِي
حَقِيقَتِهَا وَقَدْ بَطَلَتْ بِالسَّلَامِ
الْعَمْدِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَكَّ
أَنَّهُ كَمْ صَلَّى أَوَّلَ مَرَّةٍ
اسْتَأْنَفَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : «وَإِذَا شَكَّ
أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى
فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ» وَلِأَنَّهُ
قَادِرٌ عَلَى إسْقَاطِ مَا عَلَيْهِ مِنْ
الْفَرْضِ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ
فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ
صَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ وَالْوَقْتُ بَاقٍ
فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ
لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا وَاخْتَلَفُوا
فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَوَّلَ ، فَقِيلَ
أَوَّلَ مَا عُرِضَ لَهُ فِي تِلْكَ
الصَّلَاةِ وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّ
السَّهْوَ لَمْ يَكُنْ عَادَةً لَا أَنَّهُ
لَمْ يَسْهُ قَطُّ ، وَقِيلَ أَوَّلَ سَهْوٍ
وَقَعَ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَلَمْ يَكُنْ سَهَا
فِي صَلَاةٍ قَطُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، ثُمَّ
الِاسْتِقْبَالُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا
بِالْخُرُوجِ عَنْ الْأُولَى ، وَذَلِكَ
بِالسَّلَامِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ عَمَلٍ
آخَرَ مِمَّا يُنَافِي الصَّلَاةَ ،
وَالسَّلَامُ قَاعِدًا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ
عُهِدَ مُحَلِّلًا شَرْعًا وَمُجَرَّدُ
النِّيَّةِ يَلْغُو ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ
بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَثُرَ
تَحَرَّى) أَيْ إنْ كَثُرَ شَكُّهُ تَحَرَّى
وَأَخَذَ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ
شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ
الصَّوَابَ» وَالتَّحَرِّي طَلَبُ الْأَحْرَى
وَلِأَنَّهُ يُحْرَجُ بِالْإِعَادَةِ فِي
كُلِّ مَرَّةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ
مُوَسْوِسًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعًا
لِلْحَرَجِ فَتَعَيَّنَ التَّحَرِّي قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا أَخَذَ
بِالْأَقَلِّ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
رَأْيٌ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ
شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا
صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى
الْأَقَلِّ» ؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِعَادَةِ
حَرَجًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ انْعَدَمَ
التَّرْجِيحُ بِالرَّأْيِ فَتَعَيَّنَ
الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ حَتَّى تَبْرَأَ
ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ وَيَقْعُدَ فِي كُلِّ
مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ
كَيْ لَا تَبْطُلَ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ
الْقَعْدَةِ ، مِثَالُهُ لَوْ شَكَّ أَنَّهُ
صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى
أَرْبَعًا فَيُتِمُّ بِالْقُعُودِ ثُمَّ زَادَ
رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى
ثَلَاثًا ، وَلَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى
رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
أَوْ أَرْبَعًا أَوْ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا
قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِاحْتِمَالِ
أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا ، ثُمَّ صَلَّى
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْعُدُ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ مِنْهُنَّ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ
لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَوَهَّمَ
مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا
فَسَلَّمَ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ)
أَيْ أَتَمَّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَسَجَدَ
لِلسَّهْوِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ
فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ ، وَلِأَنَّ السَّلَامَ سَاهِيًا
لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ لِكَوْنِهِ دُعَاءً
مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ عَلَى
ظَنِّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ ، وَعَلَى ظَنِّ
أَنَّهَا جُمُعَةٌ أَوْ كَانَ قَرِيبَ
الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَظَنَّ أَنَّ
فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ أَوْ كَانَ فِي
صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَظَنَّ أَنَّهَا
التَّرَاوِيحُ حَيْثُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي
هَذِهِ الْمَسَائِلِ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ
عَامِدًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - .
(بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ
إلَخْ) أَيْ فِي مَجْلِسِهِ قَبْلَ أَنْ
يَقُومَ أَوْ يَتَكَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ
قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ
الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ تُفِيدُ أَنَّ
الِانْحِرَافَ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي
الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ السُّجُودِ ا
هـ ا ك.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى
إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ
، وَلَوْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ
صَلَّى ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ
الشَّكِّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ
مُطْلَقًا عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
تَحَرَّى فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى
شَيْءٍ أَخَذَ بِالْمُتَيَقَّنِ ، وَإِنْ
وَقَعَ أَخَذَ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَإِذَا
أَخَذَ بِالْمُتَيَقَّنِ يَقْعُدُ فِي كُلِّ
مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَوْضِعُ
جُلُوسٍ مِثَالُهُ شَكَّ فِي الظُّهْرِ ،
وَهُوَ قَائِمٌ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ
الثَّانِيَةُ يُتِمُّ الرَّكْعَةَ وَيَقْعُدُ
، ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى وَيَقْعُدُ ثُمَّ
يَأْتِي بِأُخْرَى وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَأْتِي
بِأُخْرَى وَيَقْعُدُ وَلَا تَأْثِيرَ
لِلشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ ، وَلَوْ شَكَّ
بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ رُوِيَ
عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ
وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ
فِي الْوُضُوءِ كَأَنْ شَكَّ فِي مَسْحِ
رَأْسِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ
يَمْسَحُ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بَعْدَ
الْفَرَاغِ أَنَّهُ نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ
رَكْعَةً وَعِنْدَ الْمُصَلِّي أَنَّهُ
أَتَمَّ لَا يَلْتَفِتُ إلَى إخْبَارِهِ
وَإِنْ شَكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ فَعَنْ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعِيدُ احْتِيَاطًا ،
وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ لَا يُعْتَبَرُ
شَكُّهُ وَيَجِبُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمَا
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ عَدْلَيْنِ
لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ
الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ فَقَالُوا
ثَلَاثًا وَقَالَ أَرْبَعًا إنْ كَانَ عَلَى
يَقِينٍ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِهِمْ وَإِلَّا
أَخَذَ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ
وَالْإِمَامُ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ
أَخَذَ بِقَوْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ
وَاحِدٌ ، وَلَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ
بِالتَّمَامِ وَآخَرُ بِالنُّقْصَانِ وَشَكَّ
الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ ، لَا إعَادَةَ عَلَى
أَحَدٍ إلَّا عَلَى مُسْتَيْقِنِ النُّقْصَانَ
أَمَّا لَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ
بِالنُّقْصَانِ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ أَحَدٌ
بِالتَّمَامِ بَلْ هُمْ وَاقِفُونَ فَإِنْ
كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَعَادُوهَا
احْتِيَاطًا لِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ هُنَا
بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا وَهَذِهِ
الْإِعَادَةُ عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَى ا هـ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ كَثُرَ شَكُّهُ تَحَرَّى إلَخْ)
وَأَمَّا الشَّكُّ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ
ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ يَتَحَرَّى كَمَا
فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا
يُؤَدِّي ثَانِيًا ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ
الرُّكْنِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لَا
يُفْسِدُ الْحَجَّ وَزِيَادَةَ الرَّكْعَةِ
تُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ التَّحَرِّي فِي
بَابِ الصَّلَاةِ أَحْوَطَ . ا هـ . مُحِيطُ
أَبِي الْقَاسِمِ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ
فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ إلَخْ) وَلَا
مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ ؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ لَهُ
أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَهَذَا عَلَى مَا إذَا
وَقَعَ لَهُ غَيْرُ مَرَّةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ
الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ
تَرْكَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا فَافْهَمْ . ا
هـ . عَيْنِيٌّ
(1/199)
قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَعَذَّرَ عَلَيْهِ
الْقِيَامُ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ
صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) ،
وَكَذَا إذَا خَافَ إبْطَاءَ الْبُرْءِ
بِالْقِيَامِ أَوْ دَوَرَانِ الرَّأْسِ أَوْ
كَانَ يَجِدُ لِلْقِيَامِ أَلَمًا شَدِيدًا
يُصَلِّي قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ
«لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ
فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى
جَنْبِك» وَلِأَنَّ فِي الْقِيَامِ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ حَرَجًا بَيِّنًا وَهُوَ مَدْفُوعٌ
بِالنَّصِّ ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ
مُتَّكِئًا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ :
الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا
مُتَّكِئًا وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ ،
وَكَذَا لَوْ قَدَرَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى
عَصًا أَوْ عَلَى خَادِمٍ لَهُ فَإِنَّهُ
يَقُومُ وَيَتَّكِئُ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ
عِنْدَهُمَا قُدْرَتُهُ عَلَى الْوُضُوءِ
بِغَيْرِهِ كَقُدْرَتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ
قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ دُونَ
تَمَامِهِ بِأَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى
التَّكْبِيرِ قَائِمًا أَوْ عَلَى
التَّكْبِيرِ وَبَعْضِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ
يُؤْمَرُ بِالْقِيَامِ وَيَأْتِي بِمَا قَدَرَ
عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَقْعُدُ إذَا عَجَزَ ،
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مُومِيًا
إنْ تَعَذَّرَ) أَيْ يُصَلِّي مُومِيًا ،
وَهُوَ قَاعِدٌ إنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ
وَالسُّجُودُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي
الْمَرِيضُ قَائِمًا إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ
سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ»
الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ تَجِبُ
بِحَسَبِ الطَّاقَةِ فَلَا يُكَلَّفُ مَا لَا
يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ) أَيْ أَخْفَضَ
مِنْ رُكُوعِهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ
الْإِيمَاءَ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَيَأْخُذُ
حُكْمَهُمَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْفَعُ
إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ)
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ
عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ ؛ وَإِلَّا
فَأَوْمِ بِرَأْسِك» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ رَفَعَ شَيْئًا
يَسْجُدُ عَلَيْهِ (وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ
صَحَّ) لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ وَقِيلَ : هُوَ
سُجُودٌ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَكَانَ
يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : لَوْ كَانَ
الشَّيْءُ الْمَوْضُوعُ بِحَالٍ لَوْ سَجَدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ)
ذَكَرَهَا عَقِيبَ سُجُودِ السَّهْوِ ؛
لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ
الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ إلَّا أَنَّ
الْأَوَّلَ أَكْثَرُ وُقُوعًا وَأَعَمُّ
مَوْقِعًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ
الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ فَقَدَّمَهُ
لِشِدَّةِ مِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ
وَإِمَّا ؛ لِأَنَّ السَّهْوَ تَقْصِيرٌ
وَلَهُ جَبْرٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ
فَأَتْبَعَهُ صَلَاةَ الْمَرِيضِ ؛ لِأَنَّهَا
صَلَاةٌ مَعَ قُصُورٍ شُرِعَتْ بِقَدْرِ
الْإِمْكَانِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفِي
الْغَايَةِ وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الْفِعْلِ
إلَى فَاعِلِهِ كَدَقِّ الْقَصَّارِ أَوْ إلَى
مَحَلِّهِ وَأَنَّهُ سَائِغٌ كَقَوْلِهِمْ :
جُرْحُ زَيْدٍ لَا يَنْدَمِلُ كَذَا قَالَ
الشَّيْخُ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ قُلْت
وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ
هُنَا ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الصَّلَاةُ
الصَّادِرَةُ مِنْ الْمَرِيضِ فَالْمَرِيضُ
فَاعِلُهَا وَمُوجِدُهَا أَمَّا قَوْلُهُمْ
جُرْحُ زَيْدٍ لَا يَنْدَمِلُ فَالظَّاهِرُ
أَنَّ زَيْدًا مَجْرُوحٌ فَلَا يَكُونُ
نَظِيرُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ ؛ لِأَنَّ
الْمَرِيضَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ . ا هـ
. (قَوْلُهُ أَلَمًا شَدِيدًا إلَى آخِرِهِ)
فَإِنْ لَحِقَهُ نَوْعُ مَشَقَّةٍ لَمْ يَجُزْ
تَرْكُ الْقِيَامِ بِسَبَبِهَا . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ «كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ
فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ
صَلِّ قَائِمًا إلَى آخِرِهِ» ا هـ غَايَةٌ
قَالَ فِي الْمُنْتَقَى لِابْنِ تَيْمِيَّةَ
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَقَالَ
النَّوَوِيُّ وَسَبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ النَّسَائِيّ
«فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا» .
ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى
بَعْضِ الْقِيَامِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الذَّخِيرَةِ ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى
بَعْضِ الْقِيَامِ دُونَ تَمَامِهِ لَا ذِكْرَ
لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ
الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُؤْمَرُ أَنْ
يَقُومَ مِقْدَارَ مَا يَقْدِرُ فَإِنْ عَجَزَ
قَعَدَ حَتَّى لَوْ قَدَرَ أَنْ يُكَبِّرَ
قَائِمًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ
لِلْقِرَاءَةِ أَوْ يَقْدِرَ لِبَعْضِ
الْقِرَاءَةِ دُونَ تَمَامِهَا لَزِمَهُ
الْقِيَامُ فِيمَا يَقْدِرُ ، وَكَذَا
ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فِي التَّكْبِيرِ
وَفِي قَاضِي خَانْ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ خِفْت
أَنْ لَا تُجْزِيَهُ صَلَاتُهُ وَيَقْعُدُ فِي
غَيْرِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ . ا
هـ . غَايَةٌ قَوْلُهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَيْ
الْهِنْدُوَانِيُّ . ا هـ . زَاهِدِيٌّ
وَقَوْلُهُ خِفْت أَنْ لَا تُجْزِيَهُ قَالَ
الزَّاهِدِيُّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا
يُرْوَى عَنْ أَصْحَابِنَا خِلَافُهُ . ا هـ
..
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ» إلَى
آخِرِهِ) تَمَامُهُ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى
جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ
الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ
يُصَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ صَلَّى
مُسْتَلْقِيًا رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي
الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ
النَّوَوِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ . ا هـ .
غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ
الْمُجْتَبَى كَيْفِيَّةُ الِانْحِنَاءِ
بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْتَبَهٌ عَلَيَّ
فِي أَنَّهُ يَكْفِي بَعْضُ الِانْحِنَاء أَمْ
أَقْصَى مَا يُمْكِنُ فَظَفِرْت عَلَى
الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ
لِلرُّكُوعِ شَيْئًا ، ثُمَّ لِلسُّجُودِ
جَازَ ، وَلَوْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ
وِسَادَةً فَأَلْصَقَ جَبْهَتَهُ فَإِنْ
وَجَدَ أَدْنَى الِانْحِنَاء جَازَ وَإِلَّا
فَلَا ، وَكَذَا فِي التُّحْفَةِ وَفِي
الْمَبْسُوطِ لَوْ كَانَتْ الْوِسَادَةُ عَلَى
الْأَرْضِ وَسَجَدَ عَلَيْهَا جَازَتْ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ فَعَلَتْ
هَكَذَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ إذَا كَانَ بِجَبْهَتِهِ أَوْ
أَنْفِهِ عُذْرٌ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا
يَلْزَمُهُ تَقْرِيبُ الْجَبْهَةِ إلَى
الْأَرْضِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ ، وَهَذَا
نَصٌّ فِي الْبَابِ ا هـ (مَسْأَلَةٌ)
ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ
وَغَيْرِهِمَا إذَا كَانَ فِي جَبْهَتِهِ
جُرْحٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ عَلَيْهَا
لَا يُجْزِيهِ الْإِيمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ
يَسْجُدَ عَلَى أَنْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
أَعْضَاءِ السُّجُودِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ
عَلَى الْأَرْضِ» إلَى آخِرِهِ) هَذَا
الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ
فِي الْفَتْحِ رَوَى الْبَزَّارُ فِي
مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي
الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنَا
أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ مَرِيضًا
فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ فَأَخَذَهَا
فَرَمَى بِهَا فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ
عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ
صَلِّ عَلَى الْأَرْضِ إنْ اسْتَطَعْت
وَإِلَّا فَأَوْمِ إيمَاءً وَاجْعَلْ سُجُودَك
أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ» قَالَ الْبَزَّارُ
لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ
الثَّوْرِيِّ إلَّا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ
وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ
وَعَطَاءٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ ا هـ . وَأَبُو
بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثِقَةٌ وَرُوِيَ نَحْوُهُ
أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ صَحَّ
إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْأَصْلِ يُكْرَهُ
لِلْمُومِي أَنْ يَرْفَعَ عُودًا أَوْ
وِسَادَةً يَسْجُدُ عَلَيْهَا وَفِي
الْيَنَابِيعِ يَكُونُ مُسِيئًا . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ سُجُودٌ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا هَلْ يُعَدُّ هَذَا سُجُودًا أَوْ
إيمَاءً قِيلَ : هُوَ إيمَاءٌ ، وَهُوَ
الْأَصَحُّ وَفِي الْمَبْسُوطِ جَازَتْ
صَلَاتُهُ بِالْإِيمَاءِ لَا بِوَضْعِ
الرَّأْسِ . ا هـ .
(1/200)
عَلَيْهِ
الصَّحِيحُ تَجُوزُ جَازَ لِلْمَرِيضِ عَلَى
أَنَّهُ سُجُودٌ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ
لِلصَّحِيحِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ فَهُوَ
إيمَاءٌ فَيَجُوزُ لِلْمَرِيضِ إنْ لَمْ
يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) ، وَإِنْ لَمْ
يَخْفِضْ رَأْسَهُ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ
الْإِيمَاءِ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى
الْقُعُودِ مُسْتَوِيًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ
مُتَّكِئًا أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ
أَوْ إنْسَانٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ
يُصَلِّيَ مُضْطَجِعًا عَلَى الْمُخْتَارِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَذَّرَ
الْقُعُودُ أَوْمَأَ مُسْتَلْقِيًا أَوْ عَلَى
جَنْبِهِ) وَالِاسْتِلْقَاءُ أَنْ يُلْقَى
عَلَى ظَهْرِهِ وَيُجْعَلَ رِجْلَاهُ إلَى
الْقِبْلَةِ وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِخَدَّةٌ
لِيَرْتَفِعَ فَيَصِيرُ شِبْهَ الْقَاعِدِ
وَيَصِيرُ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا إلَى
السَّمَاءِ ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي
الْمَرِيضُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى
قَفَاهُ» وَلِأَنَّ إشَارَةَ الْمُسْتَلْقِي
تَقَعُ إلَى هَوَاءِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ
قِبْلَةٌ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَإِشَارَةُ
الْمُضْطَجِعِ عَلَى الْجَنْبِ إلَى جَانِبِ
قَدَمَيْهِ وَبِهِ لَا تَتَأَدَّى الصَّلَاةُ
إذْ هُوَ لَيْسَ بِقِبْلَةٍ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يُومِي عَلَى الْجَنْبِ ،
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا
رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ وَلَنَا مَا
بَيَّنَّا ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ
عِمْرَانَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى
جَنْبِك» أَيْ سَاقِطًا ؛ لِأَنَّ الْجَنْبَ
يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّقُوطَ يُقَالُ
بَقِيَ فُلَانٌ شَهْرًا عَلَى جَنْبِهِ إذَا
طَالَ مَرَضُهُ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا
؛ وَلِأَنَّ الْمَرَضَ عَلَى شَرَفِ
الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَ فَقَعَدَ أَوْ قَامَ
كَانَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ
مَا إذَا كَانَ عَلَى الْجَنْبِ وَقِيلَ :
كَانَ عِمْرَانُ يَمْنَعُهُ مَرَضُهُ مِنْ
الِاسْتِلْقَاءِ ؛ وَلِذَلِكَ أُمِرَ أَنْ
يُصَلِّيَ عَلَى الْجَنْبِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا
أُخِّرَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى
الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ
(وَلَمْ يُومِئْ بِعَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ
وَحَاجِبَيْهِ) وَقَالَ زُفَرُ
وَالشَّافِعِيُّ : يُومِئُ بِهَذِهِ
الْأَشْيَاءِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ وَنَحْنُ نَقُولُ : نَصْبُ
الْأَبْدَالِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ وَلَمْ
يُمْكِنْ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى
بِهِ رُكْنُ الصَّلَاةِ دُونَ هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ وَقَوْلُهُ : وَإِلَّا أُخِّرَتْ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ
عَنْهُ ، وَهَذَا إذَا كَانَ قَلِيلًا دُونَ
سِتِّ صَلَوَاتٍ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا إذَا
كَانَ كَثِيرًا وَكَانَ مُفِيقًا يَفْهَمُ
مَضْمُونَ الْخِطَابِ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ
صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ
بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَيْثُ
تَسْقُطُ عَنْهُ إذَا كَثُرَ عَلَى مَا
نُبَيِّنُهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ
لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا كَثُرَ ،
وَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ
فِي الْأَصَحِّ فَجَعَلَهُ كَالْمُغْمَى
عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ ، وَهُوَ
اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفَخْرِ
الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ
لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ
وَقَالَ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَنْ
قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ
وَرِجْلَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ
عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ
لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ ذَكَرَهُ
مُسْتَشْهِدًا بِهِ (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ
رَبِّهِ) لَا دَلِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ
مُحَمَّدٌ عَلَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ
هُنَاكَ الْعَجْزَ مُتَّصِلٌ بِالْمَوْتِ ،
وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ
حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ أَيْضًا مِنْ
ذَلِكَ الْوَجَعِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى
الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ
حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ ،
وَإِنْ قُلْت فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ
وَالْمَرِيضِ إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى
قَفَاهُ) تَمَامُ الْحَدِيثِ «يُومِئُ إيمَاءً
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ تَعَالَى
أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» . ا هـ .
هِدَايَةٌ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَرَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ
الْفِقْهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يُصَلِّي
الْمَرِيضُ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ
وَلَمْ يُخَرِّجْهُ مَعَ أَنَّ دَأْبَهُ
ذَلِكَ وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- إنَّهُ غَرِيبٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - يُومِئُ عَلَى الْجَنْبِ)
أَيْ الْأَيْمَنِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ
بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ كَالْمَيِّتِ
فِي لَحْدِهِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ ؛
لِأَنَّ الْجَنْبَ يَذْكُرُ وَيُرَادُ بِهِ
السُّقُوطُ إلَخْ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج : 36] .
ا هـ ..
(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ إلَى آخِرِهِ)
يُومِئُ بِحَاجِبَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ
فَبِعَيْنِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ
لِوُجُودِ فَهْمِ الْخِطَابِ وَسَبَبِ
الْوُجُوبِ وَصَلَاحِيَّةِ الذِّمَّةِ ،
وَهُوَ وُسْعُ مِثْلِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ
بِحَاجِبَيْهِ وَقَلْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ
مِثْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ -
رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُومِئُ
بِعَيْنَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ ؛
لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ وَلِمَا رُوِيَ
عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
قَالَ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ
أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ
الرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى
جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ
الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ بِطَرَفِهِ» وَيُعِيدُ
إذَا صَحَّ فِي قَوْلِ الْكُلِّ . ا هـ .
كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَعِنْدَ
زُفَرَ يُومِئُ بِحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ
وَإِذَا صَحَّ أَعَادَ وَفِي التُّحْفَةِ
وَالْقُنْيَةِ عَنْ الْحَسَنِ يُومِئُ
بِقَلْبِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَيُعِيدُ ا هـ .
(قَوْلُهُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ) وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ
الْحَاوِي عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِيمَاءَ
بِالْقَلْبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
وَلَسْت أَحْفَظُ قَوْلَهُ فِي الْإِيمَاءِ
بِالْعَيْنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ ا هـ وَفِي
الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَلَا
يُومِئُ بِقَلْبِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ دُونَ
هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) وَلَئِنْ قَالَ
يَتَأَدَّى بِالْقَلْبِ فَرْضُ الصَّلَاةِ ،
وَهُوَ النِّيَّةُ قُلْنَا هِيَ شَرْطٌ
وَالسَّجْدَةُ رُكْنٌ فَلَا يَنْقَاسَانِ . ا
هـ . كَافِي (قَوْلُهُ دُونَ سِتِّ صَلَوَاتٍ)
لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ،
وَهُوَ الصَّحِيحُ) ، وَكَذَا قَالَ فِي
الْمَنَافِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَسْقُطُ
مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَاخْتَارَهُ
السَّرَخْسِيُّ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
الْقَضَاءُ إلَخْ) وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ
الرَّاوِيَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى . ا هـ .
كَاكِيٌّ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحَقُّ
بِقَبُولِ الْعُذْرِ» أَيْ عُذْرِ السُّقُوطِ
وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لَا يَسْقُطُ
عَنْهُ الْفَرْضُ لِوُجُودِ فَهْمِ الْخِطَابِ
وَسَبَبِ الْوُجُوبِ وَصَلَاحِيَّةِ
الذِّمَّةِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ
فَقَالَ هُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا
مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ»
أَيْ عُذْرِ التَّأْخِيرِ وَفِي مَسْأَلَةِ
مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ فِي
ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَيَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ
مَوْضِعِ الْقَطْعِ فِي الْيَدَيْنِ
وَالرِّجْلَيْنِ كَذَا فِي فَتَاوَى
الْوَلْوَالِجِيِّ . ا هـ . مِعْرَاجُ
الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ فِي
الْمُحِيطِ) وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ
ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ
الْمِرْفَقَيْنِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ
الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَيْت فِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْكَرْخِيِّ أَنَّ
مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا
كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ
طَهَارَةٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ ،
وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ . ا هـ .
ظَهِيرِيَّةٌ
(1/201)
أَفْطَرَا فِي
رَمَضَانَ وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ
وَالصِّحَّةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ
تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا
الْقِيَامُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) وَقَالَ زُفَرُ
وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي قَائِمًا
بِالْإِيمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ
فَلَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ
رُكْنٍ آخَرَ وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ
الْخُضُوعُ وَالْخُشُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى
وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ ، وَالْقِيَامُ وَسِيلَةٌ إلَى
السُّجُودِ فَلَا يَجِبُ بِدُونِهِ ، وَهَذَا
؛ لِأَنَّ التَّوَاضُعَ يُوجَدُ فِي
الرُّكُوعِ وَنِهَايَتُهُ تُوجَدُ فِي
السُّجُودِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ لِغَيْرِ
اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ وَالْقِيَامُ
وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ فَصَارَ تَبَعًا
لَهُ فَسَقَطَ بِسُقُوطِهِ ؛ وَلِهَذَا شُرِعَ
السُّجُودُ بِدُونِ الْقِيَامِ كَسَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ وَلَمْ يُشْرَعْ الْقِيَامُ
بِدُونِ السُّجُودِ فَإِذَا لَمْ
يَتَعَقَّبْهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا
فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ قَاعِدًا
وَبَيْنَ الْإِيمَاءِ قَائِمًا ،
وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا
إلَّا أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ لِكَوْنِ
رَأْسِهِ فِيهِ أَخْفَضَ وَأَقْرَبَ إلَى
الْأَرْضِ ، وَهُوَ الْمَقْصُود وَقَالَ
خُوَاهَرْ زَادَهْ يُومِئُ لِلرُّكُوعِ
قَائِمًا وَلِلسُّجُودِ قَاعِدًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَرِضَ
فِي صَلَاتِهِ يُتِمُّ بِمَا قَدَرَ)
مَعْنَاهُ صَحِيحٌ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ
قَائِمًا فَحَدَثَ بِهِ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ
مِنْ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ
وَيَسْجُدُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُومِيًا
قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَمُضْطَجِعًا ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَدْنَى
عَلَى الْأَعْلَى فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ
إذَا صَارَ إلَى الْإِيمَاءِ ؛ لِأَنَّ
تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً
لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ
بِدُونِهِمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛
لِأَنَّ أَدَاءَ بَعْضِ صَلَاتِهِ بِرُكُوعٍ
وَسُجُودٍ وَبَعْضِهَا بِالْإِيمَاءِ أَوْلَى
مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكُلَّ بِالْإِيمَاءِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَلَّى
قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَصَحَّ بَنَى)
أَيْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا
يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَصَحَّ بَنَى ، وَهَذَا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى
اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ
مُومِيًا لَا) أَيْ لَوْ صَلَّى بَعْضَ
صَلَاتِهِ مُومِيًا فَصَحَّ حَتَّى قَدَرَ
عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَبْنِي
وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ بِنَاءً عَلَى
اخْتِلَافِهِمْ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ
بِهِ لِلرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ عِنْدَهُ
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِمَامَةِ ، وَلَوْ
كَانَ يُومِئُ مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى
الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ عَلَى الْمُخْتَارِ
؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْقُعُودِ أَقْوَى فَلَا
يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ وَقَدْ
بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَفِي جَوَامِعِ
الْفِقْهِ لَوْ افْتَتَحَهَا بِالْإِيمَاءِ
ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ
بِالْإِيمَاءِ جَازَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ تَعَذَّرَ
الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا الْقِيَامُ
أَوْمَأَ قَاعِدًا) قَالَ السُّرُوجِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْمُصَلِّي
قَاعِدًا تَطَوُّعًا أَوْ فَرِيضَةً بِعُذْرٍ
كَيْفَ يَقْعُدُ ؟ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ
يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ كَسَائِرِ
الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا أَمَّا فِي حَالَةِ
الْقِرَاءَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
إنْ شَاءَ قَعَدَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ
تَرَبَّعَ ، وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ مُحْتَبِيًا
؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ الرُّكْنُ
لِلتَّخْفِيفِ فَالتَّخْفِيفُ فِي هَيْئَةِ
الْقُعُودِ أَوْلَى ، وَفِي مُخْتَصَرِ
الْكَرْخِيِّ وَالْمُفِيدِ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ
كَرَاهَةٍ قُلْت : وَيَنْبَغِي أَنْ
يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْإِقْعَاءُ
الْمَكْرُوهُ وَمَدُّ الرِّجْلَيْنِ إلَى
الْقِبْلَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَبِي
وَعَنْهُ يَتَرَبَّعُ ، وَفِي الْمُفِيدِ
عَنْهُ يَتَرَبَّعُ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِذَا
رَكَعَ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى
فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَمِثْلُهُ فِي
الذَّخِيرَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ
يَتَرَبَّعُ وَعِنْدَ زُفَرَ يَفْتَرِشُ فِي
الصَّلَاةِ كُلِّهَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ
الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ
مَعْهُودٌ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّخْيِيرُ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ قَالَ
فِي الْمُفِيدِ وَالتُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ ،
وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ .
قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ الْإِيمَاءُ بَعْضُ
السُّجُودِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ وَلَا خَلَفٍ
عَنْهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَوَاشِي
وَخَيْرُ مَطْلُوبٍ ، وَفِيهِ نَظَرٌ
فَالْإِيمَاءُ بِالسُّجُودِ لَيْسَ مِنْ
السُّجُودِ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ السُّجُودِ
لَوَجَبَ اسْتِيفَاءُ الْقِرَاءَةِ ا هـ
(فَرْعٌ) ذَكَرَهُ رُكْنُ الدِّينِ
الصَّيَّادِيُّ أَنَّ بِكْرًا لَوْ حَشَتْ
فَرْجَهَا تَذْهَبُ عُذْرَتُهَا ، وَإِنْ لَمْ
تَحْشُ يَسِيلُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ تُصَلِّي
مَعَ الدَّمِ ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ عُذْرَتِهَا
ذَهَابُ جُزْءٍ مِنْهَا رَجُلٌ بِهِ وَجَعُ
السِّنِّ إنْ أَمْسَكَ فِي فَمِهِ مَاءً
بَارِدًا أَوْ دَوَاءً بَيْنَ أَسْنَانِهِ
يَسْكُنُ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ يَقْتَدِي
بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُصَلِّي
بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ ، وَكَذَا فِي تَكْبِيرَةِ
الِافْتِتَاحِ لَوْ كَبَّرَ يَسِيلُ جُرْحُهُ
يَشْرَعُ فِيهَا بِغَيْرِ تَكْبِيرَةِ
الِافْتِتَاحِ ، وَكَذَا مَنْ يَلْحَنُ فِي
قِرَاءَتِهِ لَحْنًا مُفْسِدًا يُصَلِّي
بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ كَالْأُمِّيِّ . ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُشْرَعُ الْقِيَامُ
بِدُونِ السُّجُودِ إلَى آخِرِهِ) لَا يُقَالُ
يَرِدُ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ
حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْ ثَمَّةَ سُقُوطُ
الْقِيَامِ بِسَبَبِ سُقُوطِ السُّجُودِ ؛
لِأَنَّا نَقُولُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ
لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً بَلْ هِيَ
دُعَاءٌ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ
وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ
الْمُجْتَبَى وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
لَوْ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا يَجُوزُ
، وَلَوْ أَوْمَأَ بِالسُّجُودِ قَائِمًا لَا
يَجُوزُ قُلْت ، وَهَذَا أَحْسَنُ وَأَقْيَسُ
كَمَا لَوْ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ جَالِسًا
لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ ا هـ .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَاهُنَا أَقْوَالًا لَا
يَجُوزُ الْإِيمَاءُ بِهِمَا إلَّا قَائِمًا
وَبِهِ قَالَ زُفَرُ يَجُوزُ الْإِيمَاءُ
بِهِمَا قَائِمًا إنْ شَاءَ أَوْ قَاعِدًا إنْ
شَاءَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ يُومِئُ
بِالرُّكُوعِ قَائِمًا بِالسُّجُودِ جَالِسًا
لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
وَلِلسُّجُودِ قَاعِدًا) أَيْ اعْتِبَارًا
لِأَصْلِهِمَا . ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ) أَيْ
صَارَ بِنَاءُ الْمَرِيضِ عَلَى أَوَّلِ
صَلَاتِهِ كَالِاقْتِدَاءِ أَيْ يَجُوزُ هَذَا
كَمَا يَجُوزُ ذَاكَ إذْ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ
الْقَاعِدِ بِالْقَائِمِ وَالْمُومِئِ
بِالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ
مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ إلَى آخِرِهِ) قُلْنَا
لَا بَلْ لِلْمَقْدُورِ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ
إذْ ذَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَزِمَا
فَإِذَا صَارَ الْمَقْدُورُ الْإِيمَاءَ
لَزِمَ . ا هـ . فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى
اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ) ؛ لِأَنَّ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ
الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ وَعِنْدَهُمَا
يَجُوزُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي
الْإِمَامَةِ إلَى آخِرِهِ) الذَّاكِرُ
لِخِلَافِ زُفَرَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ
صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَا هَذَا الشَّارِحُ .
ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ
قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ
قَوْلِهِ وَمُومِئٌ بِمِثْلِهِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِالْإِيمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْإِيمَاءِ
وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا
يَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ
ا هـ . مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -
(1/202)
بِخِلَافِ مَا
بَعْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى
شَيْءٍ إنْ أَعْيَا) أَيْ إنْ تَعِبَ ؛
لِأَنَّهُ عُذْرٌ وَكَذَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ
إنْ أَعْيَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ
إلَّا إذَا عَجَزَ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ
وَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ بِغَيْرِ عُذْرٍ ؛
لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ وَقِيلَ :
لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛
لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُ مِنْ
غَيْرِ عُذْرٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَيَجُوزُ
الِاتِّكَاءُ بِلَا كَرَاهَةٍ ؛ لِأَنَّهُ
فَوْقَهُ ؛ وَلِهَذَا إذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ
أَنْ يُصَلِّيَ مُتَّكِئًا لَا يَجُوزُ لَهُ
الْقُعُودُ وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا ؛
لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُمَا
مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ
وَقِيلَ : لَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ أَيْضًا
مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛
لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ
التَّطَوُّعَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ
فَكَذَا لَا يُكْرَهُ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَ
الِافْتِتَاحِ ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ
مِنْ الِابْتِدَاءِ وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ
أَنَّ الِاتِّكَاءَ يُكْرَهُ وَالْقُعُودَ لَا
يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوعٌ
ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْإِتْكَاءُ
لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ ابْتِدَاءً ؛ وَلِهَذَا
يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ التَّطَوُّعَ
مُتَّكِئًا وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ
قَاعِدًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَلَّى
فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ) ،
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا
يَصِحُّ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ؛ لِأَنَّ
الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ
تَرْكُهُ ، وَلَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ
دَوَرَانُ الرَّأْسِ ، وَهُوَ
كَالْمُتَحَقِّقِ لَكِنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ
؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ
الْخِلَافِ ، وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ
أَمْكَنَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِهِ
وَالْمَرْبُوطُ عَلَى الشَّطِّ كَالشَّطِّ
هُوَ الصَّحِيحُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ
قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ
مَرْبُوطًا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يَضْطَرِبُ
اضْطِرَابًا شَدِيدًا فَهُوَ كَالسَّائِرِ ،
وَإِنْ كَانَ يَسِيرُ فَهُوَ كَالْوَاقِفِ
وَفِي الْإِيضَاحِ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً
يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ
فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ
عَلَى الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ
الدَّابَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ
مَرْبُوطَةٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا ،
وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا
غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أُغْمِيَ
عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ قَضَى ،
وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
لَا يَقْضِي إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقْتَ
صَلَاةٍ كَامِلًا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ
يَنْبَنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ إلَخْ) مَعْنَاهُ قَدَرَ عَلَى
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ
وَيَسْجُدَ بِالْإِيمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا
هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا يَكُونُ
بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ ا هـ
مِنْ خَطّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدِ أَصْلُهُ
أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي آخِرَ صَلَاتِهِ
عَلَى أَوَّلِهَا كَمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ
يَبْنِي صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ
فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاقْتِدَاءُ
ثَمَّةَ جَازَ الْبِنَاءُ هُنَا وَمَا لَا
فَلَا ، وَفِي الْحَوَاشِي لَا يَلْزَمُ
بِنَاءُ الرَّاكِبِ عَلَى الْإِيمَاءِ إذَا
نَزَلَ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ
مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا فَأَمْكَنَ أَنْ
يُجْعَلَ رَاكِعًا وَسَاجِدًا تَقْدِيرًا
بِخِلَافِ الْمَرِيضِ الْمُومِئِ ؛ لِأَنَّهُ
عَاجِزٌ عَنْهُمَا فَيَكُونُ الرُّكُوعُ
وَالسُّجُودُ مَعْدُومَيْنِ وَالْبِنَاءُ
عَلَى الْمَعْدُومِ مُحَالٌ . ا هـ . غَايَةٌ
.
{فُرُوعٌ} مِنْ الدِّرَايَةِ عَبْدٌ مَرِيضٌ
لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَوَضَّأَ يَجِبُ
عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُوَضِّئَهُ بِخِلَافِ
الْمَرْأَةِ الْمَرِيضَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ
عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُوَضِّئَهَا . مَرِيضٌ
إنْ صَامَ فِي رَمَضَانَ صَلَّى قَاعِدًا
وَإِنْ أَفْطَرَ صَلَّى قَائِمًا يُصَلِّي
قَاعِدًا . مَرِيضٌ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ
إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُبْسَطُ تَحْتَهُ
شَيْءٌ إلَّا وَيَتَنَجَّسُ مِنْ سَاعَتِهِ
يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ ، وَكَذَا إنْ لَمْ
يَتَنَجَّسْ وَلَكِنْ يَزْدَادُ مَرَضُهُ
وَيَلْحَقُهُ بِالتَّحْوِيلِ مَشَقَّةٌ . ا هـ
..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ
أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أَعْيَا) ،
وَفِي الصِّحَاحِ الْإِعْيَاءُ لَازِمٌ
وَمُتَعَدٍّ يُقَالُ أَعْيَا الرَّجُلُ فِي
الْمَشْيِ إذَا تَعِبَ وَأَعْيَاهُ اللَّهُ
كِلَاهُمَا بِالْأَلِفِ وَالْمُرَادُ هُنَا
اللَّازِمُ . ا هـ . دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ
فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ ؛
لِأَنَّهُ قِيَامٌ فِيهِ قُصُورٌ ا هـ غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ
أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إلَى آخِره) ،
وَفِي الْمُحِيطِ وَالْمُجْتَبَى لَوْ
تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْخُرُوجَ إلَى
الْجَمَاعَةِ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ قِيلَ
لَا يَخْرُجُ مَخَافَةَ فَوْتِ الرُّكْنِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ ؛ لِأَنَّ
الْفَرْضَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ ،
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل
عمران : 191] الْآيَةَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ
وَجَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ الْآيَةُ نَزَلَتْ
فِي الصَّلَاةِ أَيْ قِيَامًا أَيْ إنْ
قَدَرُوا وَقُعُودًا إنْ عَجَزُوا عَنْهُ ،
وَعَلَى جَنُوبِهِمْ إنْ عَجَزُوا عَنْ
الْقُعُودِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ «صَلِّ قَائِمًا» الْحَدِيثَ . ا هـ
. دِرَايَةٌ ، وَفِي الْغَايَةِ ، وَلَوْ
كَانَ يُطِيقُ الْقِيَامَ إذَا صَلَّى
وَحْدَهُ وَلَا يُطِيقُهُ مَعَ الْإِمَامِ
يُصَلِّي وَحْدَهُ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ
الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقِيلَ
يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ قَاعِدًا ؛
لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ فِي
الْمُحِيطِ ا هـ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ
بَعْدَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ مَا نَصُّهُ :
وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا لِعَجْزٍ عَنْ سُنَّةِ
الْقِرَاءَةِ ، وَإِنْ قَاعِدًا يَقْدِرُ
عَلَيْهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ا هـ
فَهَذَا مُشْكَلٌ عَلَى تَعْلِيلِهِ
السَّابِقِ فَلْيُتَأَمَّلْ ا هـ (قَوْلُهُ
وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ) أَيْ فَخْرُ
الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ
عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي
الصَّحِيحِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ؛
لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوعٌ ابْتِدَاءً) إذْ
«صَلَاةُ الْقَاعِدَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ
صَلَاةِ الْقَائِمِ» كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ
بِهِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا
بِلَا عُذْرٍ صَحَّ) أَيْ وَيَدُورُ إلَى
الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ
بِخِلَافِ الدَّابَّةِ لِلتَّعَذُّرِ وَلَا
يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ رَجُلٌ مِنْ
السَّفِينَةِ بِإِمَامٍ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى
إلَّا أَنْ تَكُونَا مَقْرُونَتَيْنِ
مَرْبُوطَتَيْنِ ، وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى مَنْ
عَلَى الْبَرِّ بِإِمَامٍ فِي السَّفِينَةِ
لَمْ يَجُزْ اقْتِدَاؤُهُ إذَا كَانَ
بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ طَائِفَةٌ مِنْ
النَّهْرِ . ا هـ . غَايَةٌ قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ وَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي فِيهَا
أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا
دَارَتْ السَّفِينَةُ ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ
إلَى الْقِبْلَةِ فِيهَا فَرْضٌ بِالنَّصِّ
عِنْدَ الْقُدْرَةِ ، وَهَذَا قَادِرٌ
بِخِلَافِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّهُ
عَاجِزٌ عَنْ اسْتِقْبَالِهَا حَتَّى أَنَّ
الرَّاكِبَ يَسِيرُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ
فَأَعْرَضَ عَنْ الْقِبْلَةِ لَمْ تَجُزْ
صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
السَّرَخْسِيُّ . ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ
الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ
تَرْكُهُ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ
قَاعِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ
فِيهَا بِالْإِيمَاءِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ
كَانَتْ مَكْتُوبَةً أَوْ نَافِلَةً ؛
لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْجُدَ فِيهَا
فَلَا يُعْذَرُ وَالْإِيمَاءُ شُرِعَ عِنْدَ
الْعَجْزِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
وَالْمَرْبُوطُ عَلَى الشَّطِّ كَالشَّطِّ
هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ
بَعْضِهِمْ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ
الدَّابَّةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا
اسْتَقَرَّتْ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ
كَالسَّرِيرِ . ا هـ . فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ جُنَّ إلَخْ
قَضَى ، وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) أَيْ
(1/203)
عَلَى وُجُوبِ
الْأَدَاءِ بِخِلَافِ النَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ
بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْذَرُ وَلَنَا أَنَّ
عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُغْمِيَ
عَلَيْهِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ
وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَمْ
يَقْضِ وَلِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا قَصُرَتْ
لَا يُحْرَجُ فِي الْقَضَاءِ فَيَجِبُ
كَالنَّائِمِ ، وَإِذَا طَالَتْ يُحْرَجُ
فَيَسْقُطُ كَالْحَائِضِ وَالْجُنُونُ
كَالْأَغْمَاءِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو
سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ
الْكَثْرَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ
الْأَوْقَاتُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا
يَسْقُطُ الْقَضَاءُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ
سِتَّ صَلَوَاتٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ هُوَ
رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ
بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ عَلَى
مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ
الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ
قَبْلَ الزَّوَالِ فَأَفَاقَ مِنْ الْغَدِ
بَعْدَ الزَّوَالِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا
يَجِبُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ
اسْتَوْعَبَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ يَجِبُ إذَا أَفَاقَ قَبْلَ خُرُوجِ
وَقْتِ الظُّهْرِ ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ
بِاسْتِيعَابِ سِتَّةِ أَوْقَاتٍ وَلَمْ
يُوجَدْ ، وَهَذَا إذَا دَامَ الْإِغْمَاءُ
عَلَيْهِ وَلَمْ يُفِقْ فِي الْمُدَّةِ ،
وَأَمَّا إذَا كَانَ يُفِيقُ فِيهَا فَإِنَّهُ
يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ
مَعْلُومٌ مِثْلُ أَنْ يَخِفَّ عَنْهُ
الْمَرَضُ عِنْدَ الصُّبْحِ مَثَلًا فَيُفِيقُ
قَلِيلًا ، ثُمَّ يُعَاوِدُهُ فَيُغْمَى
عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْإِفَاقَةُ
فَيَبْطُلُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حُكْمِ
الْإِغْمَاءِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّهُ
يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ
الْأَصِحَّاءِ ، ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا
عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ ، وَلَوْ
زَالَ عَقْلُهُ بِالْخَمْرِ يَلْزَمُهُ
الْقَضَاءُ وَإِنْ طَالَ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ
بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ
التَّخْفِيفَ ؛ وَلِهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ ،
وَكَذَا إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ
أَوْ الدَّوَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛
لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عُرِفَ
بِالْأَثَرِ إذَا حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ
فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ
مُبَاحٌ فَصَارَ كَالْمَرَضِ ، وَلَوْ
أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ
آدَمِيٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ
بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ بِسَبَبِ
ضَعْفِ قَلْبِهِ ، وَهُوَ مَرَض وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَنَا وَقَالَ
بِشْرٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ طَالَ . ا
هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ
بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْذَرُ إلَى آخِرِهِ)
ذَكَرَ فِي الْمَنَافِعِ أَنَّ الْأَعْذَارَ
أَنْوَاعٌ : مُمْتَدٌّ جِدًّا كَالصِّبَا
يَمْنَعُ ، قَاصِرٌ جِدًّا كَالنَّوْمِ لَا
يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمَا
يَكُونُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْإِغْمَاءِ
وَالْجُنُونِ وَإِنْ امْتَدَّ أُلْحِقَ
بِالْمُمْتَدِّ جِدًّا حَتَّى سَقَطَ عَنْهُ
الْقَضَاءُ ، وَإِنْ قَصُرَ أُلْحِقَ
بِالنَّوْمِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ
الْقَضَاءُ . ا هـ . غَايَةٌ (فَائِدَةٌ)
قَالَ فِي الْكُنُوزِ مُعْتَقَلُ اللِّسَانِ
كَالْأَخْرَسِ فَإِنْ انْطَلَقَ لِسَانُهُ
قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَعَادَ وَإِلَّا
فَلَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ يُعْتَبَرُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ
السَّاعَاتُ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ
وَابْنِ عُمَرَ . ا هـ . (قَوْلُهُ مِنْ
حَيْثُ السَّاعَاتُ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ
زَادَ عَلَى الدَّوْرَةِ سَاعَةً سَقَطَ . ا
هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
إلَى آخِرِهِ) تَخْرِيجًا عَلَى مَا مَرَّ فِي
قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ، وَإِنْ كَانَ
مُحَمَّدٌ قَالَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِمَا
فَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُطَالَبٌ
بِالْفَرْقِ إلَّا أَنَّهُمَا مُجِيبَانِ
هُنَا بِالتَّمَسُّكِ بِالْأَثَرِ عَنْ
عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا فِي
الْكِتَابِ . ا هـ . فَتْحُ الْقَدِيرِ .
قَوْلُهُ فَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُطَالَبٌ
إلَى آخِرِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ
بِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي
كِلَا الْبَابَيْنِ وَاتَّفَقَ الْمَشَايِخُ
عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الرَّاوِيَةِ
وَالصَّحِيحَ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ ،
وَهُوَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَدَدِ
الصَّلَوَاتِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ
وَالْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى
وَغَيْرِهَا فَلَا احْتِيَاجَ إلَى طَلَبِ
الْفَرْقِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَلَا عِبْرَةَ
بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ إلَى آخِرِهِ) أَلَا
تَرَى أَنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَتَكَلَّمُ
فِي جُنُونِهِ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ وَلَا
يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْهُ إفَاقَةً كَذَا فِي
الْمُحِيطِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ :
وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ
سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ) قُلْت يَعْنِي
بِالْإِجْمَاعِ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ
الْبَنْجِ الْمُتَقَدِّمَةِ ذُكِرَ فِيهَا
الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ
مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا
اسْتَوْعَبَ الْإِغْمَاءُ سِتَّ صَلَوَاتٍ
لِمَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ
الْإِغْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ ،
فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْخِلَافِ فِي
مَسْأَلَةِ الْإِغْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا
فِي الْمَتْنِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهَا
بَعْدَهَا قُلْت لَعَلَّهُ ذَكَرَهَا إشَارَةً
إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِغْمَاءِ
بَيْنَ السَّمَاوِيِّ الْمَحْضِ وَبَيْنَ مَا
حَصَلَ سَبَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَيْسَ
لَهُ فِيهِ صُنْعٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي
حَالِ الْمُطَالَعَةِ - وَاَللَّهُ
الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ - ثُمَّ رَأَيْت
بَعْدَ هَذَا صَاحِبَ الْمَنْبَعِ قَالَ فِيهِ
مَا نَصُّهُ نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ :
وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ
سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ
بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِآفَةٍ
سَمَاوِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ وَالْفَزَعَ
إنَّمَا يَجِيءُ لِضَعْفِ قَلْبِهِ فَيَكُونُ
بِمَعْنَى الْمَرَضِ . ا هـ .
(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)
وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ تَلَا يَتْلُو بِمَعْنَى
قَرَأَ وَتَلَا بِمَعْنَى تَبِعَ مَصْدَرُهُ
تُلُوٌّ . ا هـ . عَيْنِيٌّ قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ مِنْ حَقِّ هَذَا الْبَابِ أَنْ
يُقْرَنَ بِبَابِ سُجُودِ السَّهْوِ كَمَا
هُوَ مَوْضُوعٌ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ
وَالتَّتِمَّةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
وَغَيْرِهَا بِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيَانُ السَّجْدَةِ إلَّا
أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ بَيَانَ صَلَاةِ
الْمَرِيضِ بَعْدَ السَّهْوِ لِمَا قُلْنَا
إنَّهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ
أَلْحَقَ هَذَا الْبَابَ ؛ لِأَنَّهُ فِي
الْحَقِيقَةِ إلْحَاقٌ بِبَابِ سُجُودِ
السَّهْوِ أَوْ بِمُنَاسَبَةِ أَنَّ فِي
صَلَاةِ الْمَرِيضِ سُقُوطَ بَعْضِ
الْأَرْكَانِ رُخْصَةً لِلْحَرَجِ ، وَفِي
سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَثْبُتُ التَّدَاخُلُ
رُخْصَةً لِلْحَرَجِ أَيْضًا ا هـ وَسُجُودُ
التِّلَاوَةِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ
الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ كَخِيَارِ
الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَصَلَاةِ
الظُّهْرِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَأَقْوَى
وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ اخْتِصَاصُ
الْمُسَبَّبِ بِسَبَبِهِ قَالَ صَاحِبُ
الْمَنَافِعِ ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ بِهِ
وَقَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ حُدُوثَ
صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي إذَا
فَرَغَ مِنْهَا ، وَوُجُوبُهَا
(1/204)
قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ بِأَرْبَعَ
عَشْرَةَ آيَةً مِنْهَا أُولَى الْحَجِّ وَصِّ
عَلَى مَنْ تَلَا ، وَلَوْ إمَامًا أَوْ
سَمِعَ ، وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ أَوْ
مُؤْتَمًّا لَا بِتِلَاوَتِهِ) أَمَّا
الْوُجُوبُ فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا
يَجِبُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا تَلَا
آيَةَ سَجْدَةٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ
يَسْجُدْهَا وَلَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ
كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا
مَعَك» ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَسَجَدَ ،
وَلَنَا أَنَّ آيَاتِ السَّجْدَةِ كُلَّهَا
تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى
ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَمْرٌ صَرِيحٌ ،
وَهُوَ لِلْوُجُوبِ ، وَقِسْمٌ فِيهِ ذِكْرُ
فِعْلِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، وَالِاقْتِدَاءُ
بِهِمْ وَاجِبٌ وَقِسْمٌ فِيهِ ذِكْرُ
اسْتِنْكَافِ الْكُفَّارِ ، وَمُخَالَفَتُهُمْ
وَاجِبَةٌ ؛ وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى
مَنْ لَمْ يَسْجُدْ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ
عَلَيْهِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ
يَسْجُدْ لِلْحَالِ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ إذْ هِيَ لَا تَجِبُ
عَلَى الْفَوْرِ وَقَوْلُهُ بِأَرْبَعَ
عَشْرَةَ آيَةً أَيْ بِتِلَاوَةِ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ آيَةً وَهِيَ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ
وَفِي الرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَبَنِي
إسْرَائِيلَ وَمَرْيَمَ وَالْأُولَى مِنْ
الْحَجِّ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ و أَلَمْ
تَنْزِيلُ وَ ص وَ حم السَّجْدَةِ وَالنَّجْمِ
وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق :
1] وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق : 1]
كَذَلِكَ كُتِبَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
.
وَقَوْلُهُ مِنْهَا أُولَى الْحَجِّ خَصَّهَا
بِالذِّكْرِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّانِيَةِ ؛
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ سَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
هِيَ مِنْ السَّجْدَةِ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ
بْنِ عَامِرٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ
فِيهَا سَجْدَتَيْنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَمَنْ
لَمْ يَسْجُدْهُمَا لَا يَقْرَأْهُمَا»
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا سَجْدَةُ
التِّلَاوَةِ فِي الْحَجِّ هِيَ الْأُولَى
وَالثَّانِيَةُ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ
وَقِرَانُهَا بِالرُّكُوعِ يُؤَيِّدُ مَا
رُوِيَ عَنْهُمَا وَمَا رَوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ
، ذَكَرَ ضَعْفَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَئِنْ
ثَبَتَ فَالْمُرَادُ بِإِحْدَاهُمَا سَجْدَةُ
التِّلَاوَةِ وَبِالْأُخْرَى سَجْدَةُ
الصَّلَاةِ وَذَمُّ تَارِكِهَا يَدُلُّ عَلَى
ذَلِكَ خُصُوصًا عَلَى مَذْهَبِهِ فَإِنَّ
سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ
عِنْدَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ
بِتَرْكِهَا وَخَصَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ص أَيْضًا بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهَا
مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا
عِنْدَهُ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ
، وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ حَتَّى
لَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ لَا يَسْجُدُهَا
عِنْدَهُ لَهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ
فِي ص وَقَالَ سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً
وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا وَلَنَا مَا
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ فِي ص وَمَا
رَوَاهُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَئِنْ
صَحَّ فَمَعْنَى قَوْلِهِ شُكْرًا أَيْ
لِأَجْلِ الشُّكْرِ فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ
؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا وَجَبَتْ
شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ مَالِكٌ
لَا سُجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ لِمَا رُوِيَ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنْ
الْمُفَصَّلِ مُذْ تَحَوَّلَ إلَى
الْمَدِينَةِ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ قَالَ «قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- سُورَةَ النَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا»
وَلَنَا مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ
فِي النَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ
وَالْمُشْرِكُونَ» الْحَدِيثَ ، وَعَنْ أَبِي
رَافِعٍ الصَّائِغِ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ
أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ {إِذَا
السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق : 1]
فَسَجَدَ فِيهَا فَقُلْتُ مَا هَذِهِ ؟
فَقَالَ «سَجَدْت بِهَا خَلْفَ أَبِي
الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَمَا أَزَالَ أَسْجُدُ بِهَا
حَتَّى أَلْقَاهُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ «سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
انْشَقَّتْ وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}
[العلق : 1]» وَمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي
هُرَيْرَةَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ
مُتَأَخِّرٌ فِي سَابِعِ سَنَةٍ مِنْ
الْهِجْرَةِ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ نَافٍ
فَلَا يُعَارِضُ الْمُثْبِتَ وَحَدِيثُ زَيْدٍ
يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي وَقْتٍ
مَكْرُوهٍ أَوْ أَنَّهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ
وُضُوءٍ أَوْ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ غَيْرُ
وَاجِبٍ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ لِأَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ
يَسْجُدْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ
زَيْدًا لَمْ يَسْجُدْهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ
الْقَارِئَ كَالْإِمَامِ فَلَا يَصْلُحُ
حُجَّةً بِالِاحْتِمَالِ فَلَا يُعَارِضُ
غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ
قَوْلُهُ عَلَى مَنْ تَلَا ، وَلَوْ إمَامًا
أَيْ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَلَا ، وَلَوْ كَانَ
التَّالِي إمَامًا قَوْلُهُ أَوْ سَمِعَ ،
وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ
عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ
وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَى
التَّالِي وَالسَّامِعِ مِنْ غَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَذَا
الْحَجُّ حُدُوثُهُ بِفِعْلِ الْحَاجِّ
وَوُجُوبُهُ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى
وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ
حُدُوثُهُمَا بِالشَّرْعِ ا هـ .
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فَإِنْ قُلْت التِّلَاوَةُ سَبَبٌ فِي حَقِّ
التَّالِي وَالسَّمَاعُ سَبَبٌ فِي حَقِّ
السَّامِعِ فَلِمَ لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ
بَابٌ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ
قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ
فِي حَقِّ السَّامِعِ بَلْ السَّبَبُ فِي
حَقِّهِ التِّلَاوَةُ أَيْضًا كَمَا هُوَ
مَذْهَبُ بَعْض مَشَايِخِنَا وَلَئِنْ
سَلَّمْنَا أَنَّهُ سَبَبٌ فِي حَقِّهِ لَكِنْ
إنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ لِكَوْنِ التِّلَاوَةِ
أَصْلًا فِي الْبَابِ ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ
إذَا لَمْ تُوجَدْ لَا يُوجَدُ السَّمَاعُ ا
هـ قَالَ الْوَبَرِيُّ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا
ثَلَاثَةٌ التِّلَاوَةُ لِلسَّجْدَةِ
وَسَمَاعُهَا وَالِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ
وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ يَقْرَأْهَا .
ا هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ يَجِبُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً
إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِتِلَاوَتِهَا فَتَكُونُ
الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ
تَكُونَ بِمَعْنَى الظَّرْفِ أَيْ يَجِبُ فِي
أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً ا هـ ع قَالَ فِي
الْكُنُوزِ وَمَنْ قَرَأَ آيَاتِ السُّجُودِ
كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسَجَدَ
لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى
مَا أَهَمَّهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ
وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ وَاجِبٌ) قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}
[الأنعام : 90] . ا هـ . (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا
عِنْدَهُ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَيْسَتْ مِنْ
عَزَائِمِ السُّجُودِ أَيْ لَيْسَتْ سَجْدَةَ
تِلَاوَةٍ . ا هـ . غَايَةٌ وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ
قَالَ عَزَائِمُ السُّجُودِ أَرْبَعَةٌ الم
تَنْزِيلُ ، وحم ، وَالنَّجْمُ ، وَ {اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق : 1]
. ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَجَدَ
مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ) أَيْ
«وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ» رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي انْشَقَّتْ وَ
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق : 1] إلَى
آخِرِهِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا
الْبُخَارِيَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي
رِوَايَتِهِ وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}
[العلق : 1] . ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ) لِقَوْلِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا
السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ تَلَاهَا» وَكَلِمَةُ
عَلَى لِلْإِيجَابِ حَتَّى لَوْ قَالَ
لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَنَّهُ
دَيْنٌ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْوَدِيعَةَ
وَقَدْ ذَكَرَهُ مُطْلَقًا فَيَتَنَاوَلُ
الْقَاصِدَ وَغَيْرَهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ
يَعْمَلُ عَمَلَهُ قَصَدَ بِهِ أَوْ لَا ؛
لِأَنَّهُ مَجْعُولٌ لِلْحُكْمِ . ا هـ .
فَتْحٌ
(1/205)
فَصْلٍ وَكَفَى
بِهِمْ قُدْوَةً وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا
لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق : 20]
{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا
يَسْجُدُونَ} [الانشقاق : 21] ذَمَّ
السَّامِعِينَ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ مِنْ
غَيْرِ فَصْلٍ وَقَوْلُهُ أَوْ مُؤْتَمًّا
أَيْ وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ مُؤْتَمًّا ،
وَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْمُؤْتَمِّ
قِرَاءَةَ إمَامِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ
تَبَعًا لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ ، وَإِنْ
قَرَأَ سِرًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا
وَقْتَ الْقِرَاءَةِ وَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ
أَنْ يَسْجُدَ لَهَا ، وَقَوْلُهُ لَا
بِتِلَاوَتِهِ أَيْ لَا يَجِبُ بِتِلَاوَةِ
الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ
سَمِعَهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِصَلَاةِ
إمَامِهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ
عَلَيْهِمْ وَيَسْجُدُونَهَا بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْهَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ ،
وَهُوَ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَلَا
مَانِعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا بِخِلَافِ
حَالَةِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى
قَلْبِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ أَوْ
التِّلَاوَةِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْهَا ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى
مَنْ سَمِعَهَا ، وَلَيْسَ هُوَ مَعَهُمْ فِي
الصَّلَاةِ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ
تَحَمَّلَ عَنْ الْمُقْتَدِي فَرْضَ
الْقِرَاءَةِ فَلَا حُكْمَ لِقِرَاءَتِهِ
كَسَهْوِهِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ
عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِ
الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ
وَالْحَائِضِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ
عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَا بِمَحْجُورٍ
عَلَيْهِمَا فَتُعْتَبَرُ قِرَاءَتُهُمَا
غَيْرَ أَنَّ الْحَائِضَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا
بِقِرَاءَتِهَا ، وَلَا بِسَمَاعِهَا فَإِنَّ
السَّجْدَةَ رُكْنُ الصَّلَاةِ وَهِيَ
لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لَهَا وَبِخِلَافِ مَنْ
لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ
الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا
يَعْدُوهُمْ وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَ مِنْ
أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ ؛
لِأَنَّ سَبَبَهَا تِلَاوَةُ مَنْ
يُشَارِكُهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَتَكُونُ
صَلَاتِيَّةً ضَرُورَةً وَالصَّلَاتِيَّةُ لَا
تُقْضَى خَارِجَ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ
تَلَاهَا الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْجُدْهَا
حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا
إذَا سَمِعُوهَا مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ مَعَهُمْ
فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَ
الْفَرَاغِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
بِصَلَاتِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ
مُسْتَنِدٌ إلَى التِّلَاوَةِ وَهِيَ خَارِجَ
الصَّلَاةِ
، وَلَوْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي
الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ
لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ لِلْحَجْرِ عَنْ
الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَقَالَ
الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهَا تَجِبُ
وَتَتَأَدَّى فِيهِ
، وَلَوْ سَمِعَهَا مِمَّنْ لَا تَجِبُ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِكُفْرٍ أَوْ لِصِغَرٍ
أَوْ لِجُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ
تَجِبُ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ
وَقِيلَ : لَا تَجِبُ بِقِرَاءَةِ
الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا
يَعْقِلُ ، وَكَذَا لَا تَجِبُ بِقِرَاءَةِ
النَّائِمِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي
رِوَايَةٍ ، وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ طُوطِيٍّ
لَا تَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَمِعَهَا
الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِهِ سَجَدَ بَعْدَ
الصَّلَاةِ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ ، وَهُوَ
السَّمَاعُ وَلَا يَسْجُدُهَا فِيهَا ؛
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ
سَمَاعَهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَيْسَ مِنْ
أَفْعَالِ الصَّلَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَلَوْ سَجَدَ فِيهَا أَعَادَهَا)
أَيْ أَعَادَ السَّجْدَةَ لَا الصَّلَاةَ ؛
لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ
فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ ، وَهَذَا
؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ التِّلَاوَةِ
مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ
الصَّلَاةِ فَلَا يَصِيرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ إلَى قَلْبِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ)
أَيْ إنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ وَتَابَعَهُ
الْإِمَامُ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ
التِّلَاوَةِ) أَيْ إنْ سَجَدَهَا الْإِمَامُ
وَتَابَعَهُ التَّالِي الْمَأْمُومُ ؛ لِأَنَّ
مَوْضُوعَ التِّلَاوَةِ أَنْ يَسْجُدَ
التَّالِي وَيُتَابِعُهُ السَّامِعُ
وَلِذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِلتَّالِي الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ
كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا»
وَلِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ
التَّالِي وَيُصَفُّ الْقَوْمُ خَلْفَهُ
فَيَسْجُدُونَ ، وَفِي الْخُلَاصَةِ
يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ
قَبْلَهُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ
وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ
الْقِرَاءَةِ) فَخَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ أَهْلًا
لِلْقِرَاءَةِ حُكْمًا ؛ وَلِهَذَا لَمْ
يَجُزْ لَهُ قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ . ا
هـ . كَافِي .
(قَوْلُهُ وَلَيْسَا بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا)
أَيْ حَتَّى لَا تَنْفُذَ قِرَاءَةُ الْغَيْرِ
عَلَيْهِمَا ؛ وَلِهَذَا يُبَاحُ لَهُمَا
قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ ذَكَرَهُ
الطَّحَاوِيُّ . ا هـ . كَافِي قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَثَرُ
الْحَجْرِ عَدَمُ اعْتِبَارِ فِعْلِ
الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفِهِ وَأَثَرُ
النَّهْيِ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَرْكُ
الِاعْتِبَارِ ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا
يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فَالْمَحْجُورُ
هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى
وَجْهٍ يَنْفُذُ فِعْلُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ
شَاءَ أَوْ أَبَى كَمَا لَوْ فَعَلَهُ هُوَ
فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ ، وَالْمَأْمُومُ
كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةُ حَتَّى
تُعَدَّ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ عَلَيْهِ
وَصَارَتْ قِرَاءَةً لَهُ كَتَصَرُّفِ وَلِيِّ
الْمَحْجُورِ كَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فَكَأَنَّهُ
مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ
قِرَاءَتُهُ فَكَانَتْ كَعَدَمِهَا بِخِلَافِ
الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَإِنَّهُمَا
مَنْهِيَّانِ فَكَانَتْ مَمْنُوعَةً لَا
أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا بِعَدَمِهَا
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا
يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي
السِّرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْسِنُ
قِرَاءَةَ الْمُؤْتَمِّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ
الِاحْتِيَاطُ فَلَيْسَ عِنْدَهُ بِمَحْجُورٍ
عَلَيْهِ بَلْ مُجَوِّزًا لَهُ التَّرْكَ
إلَّا أَنَّ ذَلِكَ أَعْنِي اسْتِحْسَانَ
الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ عَنْ
مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ .
وَالْحَقُّ عَنْهُ خِلَافُهُ عَلَى مَا
أَسْلَفْنَا وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا
الْوُجُوبِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُمَا
وَعَلَيْهِمَا بِتِلَاوَتِهِمَا وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ
بِتِلَاوَتِهَا اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ
بِسَمَاعِهَا مِنْ غَيْرِ حَائِضٍ ؛ لِأَنَّ
ثُبُوتَ السَّبَبِ لِلصَّلَاةِ لَا يَظْهَرُ
فِي حَقِّهَا وَالسَّجْدَةُ جُزْءُ الصَّلَاةِ
لَا بِقَيْدِ الْجُزْئِيَّةِ بَلْ نَظَرًا
إلَى ذَاتِهَا اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً
فَلَا فَرْقَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا
بِسَبَبِهَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا
الصَّلَاةُ بِسَبَبِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ
كُلَّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَلَا قَضَاؤُهَا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ
وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ
لَيْسَ عَلَيْهِمْ بِالتِّلَاوَةِ
وَالسَّمَاعِ سُجُودٌ وَيَجِبُ عَلَى
السَّامِعِ مِنْهُمْ إذَا كَانَ أَهْلًا . ا
هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ
ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ) أَيْ فِي حَقِّ
الْمُقْتَدِينَ ا هـ كَافِي (قَوْلُهُ فَلَا
يَعْدُوهُمْ) إذْ عِلَّةُ الْحَجْرِ
الِاقْتِدَاءُ وَهُوَ وُجِدَ فِيمَا
بَيْنَهُمْ فَتَثْبُتُ تِلْكَ الْعِلَّةُ ،
وَهُوَ الْحَجْرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ . ا هـ .
كَافِي.
(قَوْلُهُ وَلَوْ تَلَا) أَيْ مَنْ يَكُونُ
إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي حُكْمِهِ .
ا هـ .
(قَوْلُهُ وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ
إلَى آخِرِهِ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ سَمَاعُ
تِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَصِحَّةُ التِّلَاوَةِ
بِالتَّمْيِيزِ وَلَمْ يُوجَدْ . ا هـ .
فَتْحٌ قَالَ فِي الْمَنْبَعِ ، وَفِي
الْوَبَرِيِّ سَبَبُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ :
التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَالِاقْتِدَاءُ
بِالْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ
يَقْرَأْهَا ، ثُمَّ التِّلَاوَةُ تُوجِبُ
التِّلَاوَةَ عَلَى التَّالِي بِشَرْطَيْنِ :
أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ
الصَّلَاةُ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ
مَجْنُونًا جُنُونًا مُمْتَدًّا أَوْ صَبِيًّا
أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ عَقِيبَ
طُهْرٍ دُونَ الْعَشَرَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
لَمْ يَلْزَمْهُمْ وَالتَّالِي إذَا كَانَ
جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ سَكْرَانًا أَوْ
مَجْنُونًا قَاصِرًا بِأَنْ كَانَ يَوْمًا
وَلَيْلَةً ، أَوْ بِأَقَلَّ لَزِمَتْهُ
تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا وَالصَّبِيُّ
يُؤْمَرُ بِالسَّجْدَةِ فَإِنْ فَعَلَ ،
وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ
تَلَتْهَا الْمَرْأَةُ فِي صَلَاتِهَا
فَحَاضَتْ قَبْلَ السُّجُودِ سَقَطَ
وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ
التَّالِي مُؤْتَمًّا . ا هـ .
(1/206)
سَبَبًا إلَّا
بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى
سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلَاهَا فِي
الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ يَجُوزُ
أَدَاؤُهَا فِيهَا ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً
لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا
لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ
سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تُبْطِلُ
التَّحْرِيمَةَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ
أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ مَا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ سَجَدَ مَعَهُ وَلَا
يَعْتَدُّ بِهَا وَلَا تَبْطُلُ تَحْرِيمَتُهُ
بِذَلِكَ وَقِيلَ : يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَهِيَ
رِوَايَةُ النَّوَادِرِ ؛ لِأَنَّهَا
مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا سَجَدَ
فِيهَا صَارَ رَافِضًا لَهَا كَمَنْ صَلَّى
النَّفَلَ فِي خِلَالِ الْفَرْضِ وَقِيلَ :
هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا
يُعِيدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّجْدَةَ
الْوَاحِدَةَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُ كَسَجْدَةِ
الشُّكْرِ فَيَتَحَقَّقُ الِانْتِقَالُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَمِعَ
مِنْ إمَامٍ فَأَتَمَّ بِهِ قَبْلَ أَنْ
يَسْجُدَ سَجَدَ مَعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
لَمْ يَسْمَعْهَا سَجَدَهَا مَعَهُ تَبَعًا
لَهُ فَهَاهُنَا أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ لَوْ
اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ مَا سَجَدَهَا
الْإِمَامُ لَا يَسْجُدُهَا فِي الصَّلَاةِ
وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا ، وَهَذَا
إذَا أَدْرَكَهُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ
بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ
مُدْرِكًا لِلسَّجْدَةِ بِإِدْرَاكِ تِلْكَ
الرَّكْعَةِ فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا لَهَا
وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْجُدَهَا
فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ
الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا ؛
لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ فَلَا تُقْضَى
خَارِجَهَا فَصَارَ كَمَنْ أَدْرَكَ
الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّالِثَةِ مِنْ الْوِتْرِ حَيْثُ لَا
يَقْنُتُ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ
أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فِي
صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَيْثُ يَأْتِي
بِالتَّكْبِيرَاتِ رَاكِعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَفُتْ مَحَلُّهُ ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ
مَحَلُّ التَّكْبِيرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ
يُكَبِّرُ فِيهِ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ
فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ وَلَا
فَاتَ مَحَلُّهُ ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ
قِيلَ لَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا لِلسَّجْدَةِ
وَلَا تَصِيرُ هِيَ صَلَاتِيَّةً
فَيُؤَدِّيهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ :
لَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا لَهَا وَلَكِنْ
تَصِيرُ صَلَاتِيَّةً فَلَا يُؤَدِّيهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ
يَقْتَدِ بِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ
بِالْإِمَامِ (سَجَدَهَا) لِتَقَرُّرِ
السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تُقْضَ
الصَّلَاتِيَّةُ خَارِجَهَا) أَيْ خَارِجَ
الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً فَلَا
تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ وَلِأَنَّهَا صَارَتْ
مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالُهَا لَا
تَتَأَدَّى خَارِجَهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَلَا
خَارِجَ الصَّلَاةِ فَسَجَدَ وَأَعَادَهَا
فِيهَا) أَيْ أَعَادَ تِلَاوَتَهَا فِي
الصَّلَاةِ (سَجَدَ أُخْرَى) ؛ لِأَنَّ
الصَّلَاتِيَّةَ أَقْوَى فَلَا تَكُونُ
تَبَعًا لِلْأَضْعَفِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوَّلًا
كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ) أَيْ إنْ لَمْ
يَسْجُدْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ حَتَّى دَخَلَ
فِيهَا فَتَلَاهَا فَسَجَدَ لَهَا
أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاتِيَّةُ عَنْ
التِّلَاوَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ
مُتَّحِدٌ ، وَالصَّلَاتِيَّةُ أَقْوَى
فَصَارَتْ الْأُولَى تَبَعًا لَهَا وَفِي
رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَسْجُدُ لِلْأُولَى
إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ
السَّابِقَ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلَّاحِقِ
أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ قَدْ تَبَدَّلَ
بِالِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا
لَوْ تَبَدَّلَ بِعَمَلٍ آخَرَ ؛ وَلِهَذَا
لَوْ سَجَدَ لِلْأُولَى ، ثُمَّ دَخَلَ فِي
الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ
يَسْجُدَ أُخْرَى لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ
وَلِأَنَّ لِلْأُولَى قُوَّةَ السَّبَقِ
فَاسْتَوَيَا فَلَا تَسْتَتْبِعُ إحْدَاهُمَا
الْأُخْرَى وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ
الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ عَمَلٌ قَلِيلٌ
وَبِمِثْلِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ
وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِالْأُولَى ؛
لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا أَكْمَلَ
فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لِلْأَضْعَفِ لَا
لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ
أَنْ يَكُونَ السَّابِقُ تَبَعًا لِلَّاحِقِ
كَالسُّنَنِ لِلْفَرَائِضِ وَعَلَى هَذَا لَوْ
تَلَاهَا فِي صَلَاةٍ بَعْدَ مَا سَمِعَهَا
مِنْ غَيْرِهِ تَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ
لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ
لَا تَكْفِيهِ وَفِي الْوَبَرِيِّ لَوْ سَمِعَ
الْمُصَلِّي آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ رَجُلٍ ،
ثُمَّ مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ تَلَاهَا
أَجْزَأَتْهُ وَاحِدَةٌ عَنْ الْكُلِّ ،
وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا سَقَطَ الْكُلُّ ،
وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ الَّتِي سَمِعَهَا
يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ خَارِجَ
الصَّلَاةِ ، وَلَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ
فَسَجَدَ ، ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَهَا يَجِبُ
عَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى ، وَهَذَا
يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ وَقِيلَ :
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ
وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَمَنْ
كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ لَا فِي
مَجْلِسَيْنِ) أَيْ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ
وَاحِدَةٌ وَهِيَ الصَّلَاتِيَّةُ كَمَا
تُجْزِئُ مَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ
وَاحِدٍ وَلَا يُجْعَلُ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي
مَجْلِسَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا
يَتَدَاخَلُ . وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَبْنَى
السُّجُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ مَا أَمْكَنَ
وَإِمْكَانُهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ
لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ
فِيمَا يَتَكَرَّرُ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي
الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَغَيْرِهِ
وَالْقَارِئُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّكْرَارِ
لِلْحِفْظِ وَالتَّعْلِيمِ وَالِاعْتِبَارِ ،
وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ دُونَ
الْحُكْمِ وَمَعْنَاهُ أَنْ تُجْعَلَ
التِّلَاوَاتُ كُلُّهَا كَتِلَاوَةٍ وَاحِدَةٍ
تَكُونُ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا سَبَبًا
وَالْبَاقِي تَبَعًا لَهَا وَهُوَ أَلْيَقُ
بِالْعِبَادَاتِ إذْ السَّبَبُ مَتَى
تَحَقَّقَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ حُكْمِهِ ؛
وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِهَا فِي مَوْضِعِ
الِاحْتِيَاطِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ
بِيَقِينٍ وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُكْمِ
أَلْيَقُ فِي الْعُقُوبَاتِ ؛ لِأَنَّهَا
شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَهُوَ يَنْزَجِرُ
بِوَاحِدَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَلَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ
فَسَجَدَ ، ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَهَا إلَى
آخِرِهِ) ، وَإِنْ قَرَأَهَا فِي غَيْرِ
صَلَاةٍ وَسَجَدَ ثُمَّ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ
فِي مَكَانِهِ فَقَرَأَهَا فَعَلَيْهِ
سَجْدَةٌ أُخْرَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ
أَوَّلًا حَتَّى شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي
مَكَانِهِ فَقَرَأَهَا فَسَجَدَ لَهُمَا
جَمِيعًا أَجْزَأَتْهُ عَنْهُمَا فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ
مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
مِنْ نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا
يَجْزِيهِ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ
الَّتِي تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَفِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ : وَلَوْ تَلَاهَا ، ثُمَّ
دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا وَلَمْ
يَسْجُدْ حَتَّى فَرَغَ سَقَطَتْ إحْدَاهُمَا
وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى . ا هـ . تَتَارْخَانْ
(1/207)
فَيَحْصُلُ
الْمَقْصُودُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِيَةِ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ
فِي السَّبَبِ تَنُوبُ فِيهِ الْوَاحِدَةُ
عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا وَفِي
التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا تَنُوبُ إلَّا
عَمَّا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ زَنَى فَحُدَّ ،
ثُمَّ زَنَى فِي الْمَجْلِسِ يُحَدُّ ثَانِيًا
لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، ثُمَّ
الْمَجْلِسُ لَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ
الْقِيَامِ وَلَا بِخُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ ،
وَلَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى
زَاوِيَةٍ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَقِيلَ :
إذَا كَانَ الْمَجْلِسُ كَبِيرًا يَخْتَلِفُ
وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ وَفِي الدَّوْسِ
وَتَسْدِيَةِ الثَّوْبِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ
غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ وَالسَّجِّ فِي نَهْرٍ
أَوْ حَوْضٍ يَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ ،
وَلَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ
وَهِيَ تَسِيرُ تَتَكَرَّرُ إلَّا إذَا كَانَ
فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ
جَامِعَةٌ لِلْأَمَاكِنِ إذْ الْحُكْمُ
بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّحَادِ
الْمَكَانِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْدَثَ فِي
الصَّلَاةِ بَعْدَ مَا قَرَأَهَا فَذَهَبَ
لِلْوُضُوءِ ، ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ
الْعَوْدِ لَا تَتَكَرَّرُ لِمَا قُلْنَا
وَلَا تَقْطَعُ الْكَلِمَةُ وَلَا
الْكَلِمَتَانِ وَلَا اللُّقْمَةُ وَلَا
اللُّقْمَتَانِ ، وَالْكَثِيرُ قَاطِعٌ ،
وَلَوْ تَلَاهَا فَسَجَدَ ثُمَّ أَطَالَ
الْجُلُوسَ أَوْ الْقِرَاءَةَ فَأَعَادَهَا
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى لِاتِّحَادِ
الْمَجْلِسِ ، وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ
السَّامِعِ دُونَ التَّالِي تَتَكَرَّرُ ؛
لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ ،
وَكَذَا إذَا تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التَّالِي
دُونَ السَّامِعِ عَلَى مَا قِيلَ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ لِمَا
قُلْنَا
[كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَيْفِيَّتُهُ)
أَيْ وَكَيْفِيَّةُ السُّجُودِ (أَنْ يَسْجُدَ
بِشَرَائِطِ الصَّلَاةِ بَيْنَ
تَكْبِيرَتَيْنِ بِلَا رَفْعِ يَدٍ
وَتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ) أَيْ بِلَا
تَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ ، وَالْمُرَادُ
بِالتَّكْبِيرَتَيْنِ تَكْبِيرَةٌ عِنْدَ
الْوَضْعِ وَالْأُخْرَى عِنْدَ الرَّفْعِ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ
الِانْحِطَاطِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ يُكَبِّرُ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ دُونَ
الِانْتِهَاءِ ، وَقِيلَ : يُكَبِّرُ فِي
الِابْتِدَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي
الِانْتِهَاءِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا
يُكَبِّرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكَبِّرُ
وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ
التَّكْبِيرَ لِلِانْتِقَالِ فَيَأْتِي بِهِ
فِيهِمَا اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ
وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ
وَقَوْلُهُ بِلَا رَفْعِ يَدٍ لِمَا رُوِيَ
فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَفْعَلُ فِي
السَّجْدَةِ يَعْنِي لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ»
وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحْلِيلِ ، وَهُوَ
يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ ، وَهُوَ
مَعْدُومٌ هُنَا ، ثُمَّ إذَا أَرَادَ
السُّجُودَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ
فَيَسْجُدَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِأَنَّ
الْخُرُورَ فِيهِ أَكْمَلُ فَكَانَ أَوْلَى
وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ مَا يَقُولُ
فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَنْ
يَقْرَأَ سُورَةً وَيَدَعَ آيَةَ السَّجْدَةِ)
؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا
وَيُوهِمُ الْفِرَارَ مِنْ لُزُومِ
السَّجْدَةِ وَهِجْرَانَ بَعْضِ الْقُرْآنِ ،
وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ
عَكْسُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةَ
السَّجْدَةِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهَا ؛
لِأَنَّهُ مُبَادِرٌ إلَيْهَا وَقَالَ
مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ
قَبْلَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لِدَفْعِ
وَهْمِ التَّفْضِيلِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ
قَرَأَ مَعَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فَهُوَ
أَحَبُّ ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ
وَإِنَّمَا كَانَ أَعَمَّ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ
مَعَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا أَوْ
بَعْدَهَا وَلَا كَذَلِكَ الْأَوَّلُ وَهُوَ
قَوْلُهُ قَبْلَهَا وَاسْتَحْسَنُوا
إخْفَاءَهَا شَفَقَةً عَلَى السَّامِعِينَ
وَقِيلَ : إنْ وَقَعَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُمْ
يُؤَدُّونَهَا وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ
ذَلِكَ جَهَرَ بِهَا لِيَكُونَ حَثًّا لَهُمْ
عَلَى الطَّاعَةِ.
[مواضع سُجُود التِّلَاوَة]
وَمَوْضِعُ السُّجُودِ فِي حم السَّجْدَةِ
عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ لا
يَسْأَمُونَ} [فصلت : 38] وَهُوَ مَذْهَبُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عِنْدَ
قَوْلِهِ {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ} [البقرة : 172] وَفِي النَّمْلِ
عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ} [التوبة : 129] وَشَذَّ بَعْضُ
الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ عِنْدَ قَوْله
تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا
تُعْلِنُونَ} [النمل : 25] وَقِيلَ : عَلَى
قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ عِنْدَ قَوْله
تَعَالَى {أَلا يَسْجُدُوا} [النمل : 25]
بِالتَّخْفِيفِ وَفِي ص عِنْدَ قَوْله
تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص :
24] عِنْدَنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عِنْدَ
قَوْله تَعَالَى {وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد :
29] وَفِي الِانْشِقَاقِ عِنْدَ قَوْله
تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ
الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق : 21]
وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ فِي آخِرِ
السُّورَةِ.
، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ إلَّا
الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَسْجُدُ
، وَلَوْ قَرَأَ الْحَرْفَ الَّذِي يَسْجُدُ
فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَسْجُدُ إلَّا أَنْ
يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ بِحَرْفِ
السَّجْدَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ لَوْ
قَرَأَ {وَاسْجُدْ} [العلق : 19] وَسَكَتَ
وَلَمْ يَقُلْ {وَاقْتَرَبَ} [الأنبياء : 97]
تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ
زَاوِيَةٍ إلَى زَاوِيَةٍ إلَى آخِرِهِ) ،
وَلَوْ قَرَأَهَا فِي زَوَايَا الْمَسْجِدِ
الْجَامِعِ يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ
وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْتِ وَالدَّارِ
وَقِيلَ فِي الدَّارِ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً
كَبَيْتِ السُّلْطَانِ فَتَلَا فِي دَارٍ
مِنْهَا ، ثُمَّ تَلَا فِي دَارٍ أُخْرَى
يَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى ، وَأَمَّا فِي
الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إذَا تَلَا فِي دَارٍ
، ثُمَّ تَلَا فِي دَارٍ أُخْرَى يَكْفِيهِ
سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَفِي الْحُجَّةِ إذَا
قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الْمَسْجِدِ
الْجَامِعِ فَتَحَوَّلَ عَنْ مَكَانِهِ
كَثِيرًا فَأَعَادَ التِّلَاوَةَ يَجِبُ
إعَادَةُ السُّجُودِ . ا هـ .
تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ
كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ
الْحُسَامِيَّةِ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ
الَّذِي عَقَدَهُ آخِرَهَا فِيمَا أَفْتَى
بِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ
الْمَشَايِخِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - رَجُلٌ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ عَلَى
غُصْنِ شَجَرَةٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى غُصْنٍ
آخَرَ فَأَعَادَهَا إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ
الِانْتِقَالُ بِدُونِ نُزُولٍ مِنْ
الْأَوَّلِ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ ؛
لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُتَّحِدٍ ، وَإِنْ كَانَ
لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ إلَّا
بِالنُّزُولِ مِنْ الْأَوَّلِ سَجَدَ
سَجْدَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ غَيْرُ
مُتَّحِدٍ . ا هـ . وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ
تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ
مِرَارًا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ
فَسَمِعَهَا رَجُلٌ يَسُوقُ الدَّابَّةَ
خَلْفَهُ وَجَبَ عَلَى التَّالِي سَجْدَةٌ
وَاحِدَةٌ وَعَلَى سَائِقِ الدَّابَّةِ
بِكُلِّ تِلَاوَةٍ سَجْدَةٌ . ا هـ .
(بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) .
وَهُوَ مُفَاعِلٌ مِنْ سَافَرَ بِمَعْنَى
سَفَرَ ؛ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ لَا تَكُونُ
إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ
السَّفَرُ عَارِضٌ مُكْتَسَبٌ كَالتِّلَاوَةِ
إلَّا أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ
عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا بِعَارِضٍ
بِخِلَافِ السَّفَرِ إلَّا بِعَارِضٍ فَلِذَا
أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ ذَلِكَ ا هـ
كَمَالٌ
(1/208)
قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ
مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ) أَيْ قَدْرُهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ لَا حَقِيقَةَ السَّيْرِ فِيهَا
حَتَّى لَوْ قَطَعَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ
قَصَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي بَرٍّ
أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ قَصَرَ الْفَرْضَ
الرُّبَاعِيَّ) قَوْلُهُ وَسَطًا صِفَةً
لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ
السَّيْرُ الْمَذْكُورُ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ
بِأَنْ وَالْفِعْلِ ، تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا
أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا وَسَطًا فِي ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ وَمُرَادُهُ التَّقْدِيرُ لَا أَنْ
يَسِيرَ فِيهَا سَيْرًا وَسَطًا وَلَا أَنْ
يُرِيدَ ذَلِكَ السَّيْرَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ
قَدْرَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي
أَنْ يَقُولَ مُرِيدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
سَيْرًا وَسَطًا فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَيْ
مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ أَوْ نَقُولُ
فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ
تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ
وَسَطٍ ، وَهُوَ سَيْرُ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِ
، ثُمَّ كَلَامُهُ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ
أَحَدَهَا - بَيَانُ مَوْضِعٍ يُبْتَدَأُ
فِيهِ بِالْقَصَرِ وَالثَّانِيَ - بَيَانُ
اشْتِرَاطِ قَصْرِ السَّفَرِ ، وَالثَّالِثَ -
بَيَانُ قَدْرِ مَسَافَتِهِ وَالرَّابِعَ -
تَحَتُّمُ الْقَصْرِ فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ
فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ
الْمِصْرِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَصَرَ الْعَصْرَ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ» وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَوْ
جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا ،
ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ الْمُجَاوَزَةُ مِنْ
الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ
جَاوَزَ عُمْرَانَ الْمِصْرِ قَصَرَ ، وَإِنْ
كَانَ بِحِذَائِهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ
أَبْنِيَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ
مُتَّصِلَةٌ بِرُبَضِ الْمِصْرِ يُعْتَبَرُ
مُجَاوَزَتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ اشْتِرَاطِ
قَصْدِ السَّفَرِ فَلَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ
مِنْ قَصْدِ مَسَافَةٍ مُقَدَّرَةٍ
بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يَتَرَخَّصَ
بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ وَإِلَّا لَا
يَتَرَخَّصُ أَبَدًا ، وَلَوْ طَافَ
الدُّنْيَا جَمِيعَهَا بِأَنْ كَانَ طَالِبَ
آبِقٍ أَوْ غَرِيمٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ
وَيَكْفِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ يَعْنِي إذَا
غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُسَافِرُ
قَصَرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ وَلَا
يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ
وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ بَيَانُ
مَسَافَةِ السَّفَرِ فَقَدْ قَالَ
أَصْحَابُنَا أَقَلُّ مَسَافَةٍ تَتَغَيَّرُ
فِيهَا الْأَحْكَامُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ بِسَيْرٍ مُتَوَسِّطٍ ، وَهُوَ
سَيْرُ الْإِبِلِ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ فِي
أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمَيْنِ
وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ
الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ،
وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيَهَا» ، وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ
أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَقَ
عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ شُرِعَ لَهُ
مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذْ اللَّامُ فِي
قَوْلِهِ ، وَالْمُسَافِرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ
كَمَا فِي جَانِبِ الْمُقِيمِ ، وَلَا
يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا إذَا قَدَّرَ
أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ بِثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ بِأَقَلَّ
مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ
مُدَّتِهِ لِانْتِهَاءِ سَفَرِهِ فَاقْتَضَى
تَقْدِيرُهُ بِهِ ضَرُورَةً وَإِلَّا لَخَرَجَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
إلَى آخِرِهِ) فِي الْيَنَابِيعِ الْمُرَادُ
بِالْأَيَّامِ فِي الْكِتَابِ النُّهُرُ دُونَ
اللَّيَالِيِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ
إلَى آخِرِهِ) تَفْصِيلٌ لِلسَّيْرِ
الْمُتَّصَفِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
وَالتَّقْدِيرُ سَيْرًا مُتَّصَفًا بِكَوْنِهِ
فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَاصِلًا أَوْ
وَاقِعًا فِي بَحْرٍ أَوْ فِي بَرٍّ أَوْ فِي
جَبَلٍ ا هـ ع .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَصَرَ الْفَرْضَ
الرُّبَاعِيَّ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْفَرْضِ
لِيَخْرُجَ عَنْ السُّنَنِ فَإِنَّهَا لَا
تُقْصَرُ وَقَيَّدَ بِالرُّبَاعِيِّ
لِيَخْرُجَ الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ . ا هـ .
دِرَايَةٌ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ
قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي
الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ
تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء : 101]
الْآيَةَ وَقَدْ انْتَسَخَ التَّعْلِيقُ
بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ
عَامًّا وَبِعُمُومِهِ أَخَذَ نُفَاةُ
الْقِيَاسِ فَلَمْ يُقَدِّرُوهُ بِمُدَّةٍ ،
وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
مُقَدَّرٌ بِهِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الضَّرْبِ
فِي غَيْرِ الْأَرْضِ غَيْرُ مُرَادٍ
بِالْإِجْمَاعِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ) قَالَ
الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا
يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ وَلَيْسَ
فِي التَّرْكِيبِ مَا ذَكَرَهُ بَلْ قَوْلُهُ
سَيْرًا هُوَ مَفْعُولُ قَوْلِهِ مُرِيدًا ،
ثُمَّ إنَّ هَذَا السَّيْرَ مُتَّصِفٌ
بِشَيْئَيْنِ : الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ
وَسَطًا وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ حِينَ
يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ مُرِيدًا سَيْرًا
وَلَكِنَّهُ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ السَّيْرِ
مُطْلَقًا لَا يُرَخَّصُ لَهُ بَلْ حِينَ
أَرَادَ السَّيْرَ الْوَسَطَ الْمُقَدَّرَ
بِثَلَاثَةٍ فَحِينَئِذٍ انْتِصَابُ سَيْرًا
عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَانْتِصَابُ وَسَطًا
وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ
وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ سَيْرًا بِنَزْعِ
الْخَافِضِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ مَفْعُولًا لِقَوْلِهِ مُرِيدًا
فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ مُرِيدًا
بِسَيْرٍ وَسَطٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ا هـ
قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُسَافِرُ إذَا
بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى
إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ
الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ فِيهَا
لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ
بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَشَى
حَتَّى بَلَغَ الْمَقْصِدَ وَقْتَ الزَّوَالِ
هَلْ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِهَذَا أَوْ هَلْ
يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ أَنَّهُ
يَصِيرُ مُسَافِرًا . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ
قَصْدِ مَسَافَةٍ إلَى آخِرِهِ) ،
وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَصْدِ مَعَ السَّيْرِ
لَا السَّيْرِ الْمُجَرَّدِ وَالْقَصْدِ
الْمُجَرَّدِ ، وَالْإِقَامَةُ ضِدُّ
السَّفَرِ ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ؛
لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ دَاعِيَةٌ إلَى
تَرْكِ الْفِعْلِ ، وَفِي التَّرْكِ يَكْفِيهِ
مُجَرَّدُ النِّيَّةِ أَمَّا السَّفَرُ
فَإِنْشَاءُ فِعْلٍ فَلَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ
النِّيَّةِ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَعَلَى هَذَا
قَالُوا أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي
طَلَبِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ
يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ
الْإِقَامَةِ فِي الذَّهَابِ ، وَإِنْ طَالَتْ
الْمُدَّةُ ، وَكَذَا الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ
الْمَوْضِعِ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ فَإِنْ
كَانَتْ مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرُوا ، وَلَوْ
أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ فَعَلِمَ بِهِ أَهْلُ
دَارِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ يُرِيدُ مَسِيرَةَ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَصِرْ مُسَافِرًا ،
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ أَوْ عَلِمُوا
وَلَمْ يَخْشَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ
عَلَى إقَامَتِهِ وَعَلَى اعْتِبَارِ
الْقَصْرِ تَفَرَّعَ فِي صَبِيٍّ
وَنَصْرَانِيٍّ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَثْنَائِهَا بَلَغَ
الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ فَيَقْصُرُ
الَّذِي أَسْلَمَ فِيمَا بَقِيَ وَيُتِمُّ
الَّذِي بَلَغَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْرِ
وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ حِينَ أَنْشَأَ
السَّفَرَ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ
وَالْبَاقِي بَعْدَ صِحَّةِ النِّيَّةِ
أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ . ا هـ .
فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ بِسَيْرٍ مُتَوَسِّطٍ) أَيْ مَعَ
الِاسْتِرَاحَاتِ الَّتِي تَتَخَلَّلُهَا . ا
هـ . (قَوْلُهُ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ)
الْمُرَادُ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ سَيْرُ
الْقَافِلَةِ ا هـ . وَإِنَّ أَعْجَلَ
السَّيْرَ سَيْرُ الْبَرِيدِ وَأَبْطَأَهُ
سَيْرُ الْعَجَلَةِ وَخَيْرُ الْأُمُورِ
أَوْسَاطُهَا . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ
وَأَكْثَرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى
آخِرِهِ) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِجَوَازِ أَنْ
يَبْلُغَ مَقْصِدَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ
بَعْدَ الزَّوَالِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ لَوْ قَدَرَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ
لَا يُمْكِنُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ
بِمَسْحِ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ
(1/209)
بَعْضُ
الْمُسَافِرِينَ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثِ
مَرَاحِلَ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ ؛
لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِي السَّيْرِ فِي كُلِّ
يَوْمٍ مَرْحَلَةٌ خُصُوصًا فِي أَقْصَرِ
أَيَّامِ السَّنَةِ وَقِيلَ : إنَّهُ
مُعْتَبَرٌ بِالْفَرَاسِخِ فَقُدِّرَ بِأَحَدٍ
وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَقِيلَ :
بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ
عَشَرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَمْ
يَذْكُرْ مُدَّةَ السَّفَرِ فِي الْمَاءِ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ
مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّ
وَإِنْ أَسْرَعَ فِي السَّيْرِ وَسَارَ فِي
يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَالْمُخْتَارُ
لِلْفَتْوَى أَنْ يَنْظُرَ كَمْ تَسِيرُ
السَّفِينَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيِهَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ
مُسْتَوِيَةً مُعْتَدِلَةً فَيُجْعَلُ ذَلِكَ
هُوَ الْمُقَدَّرُ ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ
بِحَالِهِ كَمَا فِي الْجَبَلِ
وَأَمَّا الرَّابِعُ فَعِنْدَنَا فَرْضُ
الْمُسَافِرِ فِي الرَّبَاعِيَةِ رَكْعَتَانِ
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ
مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ
وَجَابِرٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَرْضُهُ
الْأَرْبَعُ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ اعْتِبَارًا
بِالصَّوْمِ وَلَنَا حَدِيثُ «عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ
الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ
رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ
رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى
لِسَانِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَدْ خَابَ
مَنْ افْتَرَى وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ
رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ
صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ
الْحَضَرِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «صَحِبْت
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ فَكَانَ لَا
يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ» وَعَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ مِثْلُهُ ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى
صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- فِي السَّفَرِ رَوَى الْقَصْرَ فَلَوْ كَانَ
فَرْضُ الْمُسَافِرِ أَرْبَعًا لَمَا تَرَكَهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى
الدَّوَامِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَشَقَّ
وَالْعَزِيمَةَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ
الْأَرْبَعَ فِي حَقِّهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ،
وَلِأَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَا يُقْضَى ،
وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ ، وَهَذَا آيَةُ
النَّافِلَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ
يُقْضَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَيَّامٍ إذَا كَانَ سَفَرُهُ يَسْتَوْعِبُهَا
فَصَاعِدًا لَا يُقَالُ إنَّهُ احْتِمَالٌ
يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ
؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ صَارُوا إلَيْهِ
عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ
إذَا بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ
وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ
الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ بِهَا
لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ
بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَشَى إلَى
مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ ، ثُمَّ
بَكَّرَ فِي الثَّالِثِ وَمَشَى إلَى
الزَّوَالِ فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ قَالَ
السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ
مُسَافِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا
خَرَجَ الْحَدِيثُ إلَى حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ
الْمَذْكُورِ وَإِنْ قَالُوا بَقِيَّةُ كُلِّ
يَوْمٍ مُلْحَقَةٌ بِالْمُقْضَى مِنْهُ
لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
تَخَلُّلِ الِاسْتِرَاحَاتِ لِتَعَذُّرِ
مُوَاصَلَةِ السَّيْرِ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ
مِنْ أَنَّ مُسَافِرًا مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ عَصْرَ الْيَوْمِ
الثَّالِثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا
يَمْسَحُ فِيهِ فَلَيْسَ تَمَامُ الْيَوْمِ
الثَّالِثِ مُلْحَقًا بِهِ شَرَعَا حَيْثُ
لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ رُخْصَةُ السَّفَرِ وَلَا
هُوَ سَفَرٌ حَقِيقَةً فَظَهَرَ أَنَّهُ
إنَّمَا يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ شَرْعًا
إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةً وَهُوَ عَيْنُ
الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ
الْمُسَافِرِينَ لَا يَمْسَحُهَا وَآلَ إلَى
قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا
بِمَنْعِ هَذَا الْقَوْلِ وَاخْتِيَارِ
مُقَابِلِهِ
وَإِنْ صَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَعَلَى
هَذَا يَقُولُ : لَا يَقْصُرُ هَذَا
الْمُسَافِرُ وَأَنَا لَا أَقُولُ
بِاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ بَلْ إنَّهُ لَا
مَخْلَصَ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ إلَّا بِهِ . ا
هـ . فَتْحٌ قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرُوا
وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِيهِ
. ا هـ . (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
الْكَمَالُ - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ -
وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنْ لَا
يُقَدَّرَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ
الطَّرِيقُ وَعْرًا بِحَيْثُ يُقْطَعُ فِي
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ
عَشَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ بِالنَّصِّ وَعَلَى
التَّقْدِيرِ بِأَحَدِ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ
لَا يَقْصُرُ فَيُعَارِضُ النَّصَّ فَلَا
يُعْتَبَرُ سِوَى سَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى
اعْتِبَارِ سَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِمَشْيِ
الْأَقْدَامِ لَوْ سَارَ مُسْتَعْجِلًا
كَالْبَرِيدِ فِي يَوْمٍ قَصَرَ فِيهِ
وَأَفْطَرَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ ،
وَهُوَ قَطْعُ مُسَافِرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ
كَذَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهُوَ
أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الَّذِي
قُلْنَا ، وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِمَنْعِ
قَصْرِ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ
قَطَعَ فِيهِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا
لَزِمَ الْقَصْرُ لَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ
صَغِيرَةٍ كَقَدْرِ دَرَجَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ
صَاحِبَ كَرَامَةِ الطَّيِّ ؛ لِأَنَّهُ
يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ
ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ .
وَهُوَ بَعِيدٌ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ
الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ أَعْنِي
لِلتَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ
أَكْثَرِهَا ؛ لِأَنَّهَا الْمَجْعُولَةُ
مَظِنَّةً لِلْحُكْمِ بِالنَّصِّ الْمُقْتَضِي
أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ
مَسْحِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ أَنَّ
بِالْأَكْثَرِ يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ ذَلِكَ
الْفَرْعُ ، وَهُوَ مَا إذَا وَصَلَ عِنْدَ
الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى
الْمَقْصِدِ فَلَوْ صَحَّ تَفْرِيعُهُمْ
جَوَازَ التَّرَخُّصِ مَعَ سَيْرِ يَوْمٍ
وَاحِدٍ إذَا قَطَعَ فِيهِ قَدْرَ ثَلَاثَةٍ
بِسَيْرِ الْإِبِلِ يَبْطُلُ الدَّلِيلُ وَلَا
دَلِيلَ غَيْرُهُ فِي تَقْدِيرِهِمْ أَدْنَى
مُدَّةِ الْمَسْحِ فَيَبْطُلُ أَصْلُ
الْحُكْمِ أَعْنِي تَقْدِيرَهُمْ أَدْنَى
السَّفَرِ يَتَرَخَّصُ بِثَلَاثَةٍ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ ا هـ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مِنْ
الشَّارِحِينَ مَنْ يَحْكِي خِلَافًا بَيْنَ
الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا
عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ وَيَنْقُلُ
اخْتِلَافَ عِبَارَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ ،
وَهُوَ غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ رُخْصَةً
عَنَى رُخْصَةَ الْإِسْقَاطِ ، وَهُوَ
الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهَا رُخْصَةً
مَجَازٌ ، وَهَذَا بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَى
أَحَدٍ . ا هـ . فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ «عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ
مُحَمَّدٍ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ ابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَإِعْلَالُهُ بِأَنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ
مَدْفُوعٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ حَكَمَ بِهِ
مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ ، وَهَذَا آيَةُ
النَّافِلَةِ) يَعْنِي لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ
الْفِعْلِ فَرْضًا إلَّا كَوْنَهُ مَطْلُوبًا
أَلْبَتَّةَ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا عَلَى
الْخِلَافِ الِاصْطِلَاحِيِّ فَإِثْبَاتُ
التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَدَائِهِ وَتَرْكِهِ
رُخْصَةٌ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَيْسَ
حَقِيقَةً إلَّا نَفْيُ الِافْتِرَاضِ فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْفَرْضِ فَيَلْزَمُ
بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ثُبُوتَ التَّرَخُّصِ
مَعَ قِيَامِ الِافْتِرَاضِ لَا يُتَصَوَّرُ
إلَّا فِي التَّأْخِيرِ وَنَحْوِهِ مِنْ
عَدَمِ إلْزَامِ بَعْضِ الْكَيْفِيَّاتِ
الَّتِي عُهِدَتْ لَازِمَةً فِي الْفَرْضِ ،
وَهَذَا الْمَعْنَى قَطْعِيٌّ فِي
الْإِسْقَاطِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرْضِ مَا
بَقِيَ . ا هـ . فَتْحٌ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ
الشَّارِحِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ إلَى
آخِرِهِ مُشْكَلٌ بِالزَّائِدِ عَلَى
قِرَاءَةِ آيَةٍ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ
فَإِنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ يُثَابُ وَيَقَعُ
فَرْضًا ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَا يُعَاقَبُ مَعَ
أَنَّهُ يَقَعُ فَرْضًا ، وَكَذَا
بِالزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْفَرْضِ فِي
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ
الْمَثَابَةِ وَبِصَوْمِ الْمُسَافِرِ
فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَا يُعَاقَبُ ،
وَلَوْ فَعَلَهُ يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا ،
وَكَذَا مِنْ لَا اسْتِطَاعَةَ لَهُ عَلَى
الْحَجِّ لَوْ تَرَكَهُ
(1/210)
قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَتَمَّ وَقَعَدَ
فِي الثَّانِيَةِ صَحَّ) أَيْ أَتَمَّ
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَعَدَ فِي
الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّ
فَرْضُهُ وَالْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةٌ
اعْتِبَارًا بِالْفَجْرِ وَيَصِيرُ مُسِيئًا
لِتَأْخِيرِهِ السَّلَامَ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ
يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَصِحُّ
فَرْضُهُ لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ
بِالْفَرْضِ قَبْلَ إكْمَالِهِ هَذَا إذَا
لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ وَأَمَّا إذَا
نَوَاهَا بَعْدَ مَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ
صَحَّ فَرْضُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا
بِالنِّيَّةِ فَانْقَلَبَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا
وَتَرْكُ الْقَعْدَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ
غَيْرُ مُفْسِدٍ فِي حَقِّهِ ، وَعَلَى هَذَا
لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ
ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ صَحَّ فَرْضُهُ ؛
لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ لِمَا قُلْنَا قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ
أَوْ يَنْوِيَ إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ
بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ) .
وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا
بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ
يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَصِحُّ
فَرْضُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْ
يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ
لِكَوْنِهِ مُقِيمًا وَالثَّانِيَ أَنْ
يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ مَنْ جَاوَزَ
بُيُوتَ مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا إلَى
آخِرِهِ مَعْنَاهُ إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ
مِصْرِهِ قَصَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى
مِصْرِهِ فَيَدْخُلُهُ أَوْ يَنْوِي
الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَالُوا :
إنَّمَا يُشْتَرَطُ دُخُولُ الْمِصْرِ
لِلْإِتْمَامِ إذَا سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسِرْ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيُتِمُّ بِمُجَرَّدِ
الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ ، وَإِنْ لَمْ
يَدْخُلْهُ ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ السَّفَرَ
قَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُ
النَّقْضَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَلَدِ
وَالْقَرْيَةِ يَنْفِي صِحَّةَ الْإِقَامَةِ
فِي غَيْرِهِمَا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ؛
لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي
مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهَا هَذَا إذَا سَارَ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا
لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا
يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ فِي
بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ بَلْ تَصِحُّ ، وَلَوْ
فِي الْمَفَازَةِ وَقَدَّرَ الْإِقَامَةَ
بِنِصْفِ شَهْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا : إذَا قَدِمْت
بَلْدَةً وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَفِي نَفْسِك
أَنْ تُقِيمَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
وَلَيْلَةً فَأَكْمِلْ صَلَاتَك ، وَإِنْ
كُنْت لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ
فَاقْصِرْهَا وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ
كَالْخَبَرِ إذْ الرَّأْيُ لَا يُهْتَدَى
إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ
مُطْلَقِ اللُّبْثِ ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا
يَعْرَى عَنْهُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا
يَكُونَ مُسَافِرًا أَبَدًا فَقَدَّرْنَاهَا
بِمُدَّةِ الطُّهْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا
مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ كَمَا قَدَّرْنَا
الْحَيْضَ وَالسَّفَرَ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ ؛
لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَا يُعَاقَبُ ، وَلَوْ أَتَى بِمِثْلِهِ
يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا قُلْنَا الزَّائِدُ
عَلَى آيَتَيْنِ وَثَلَاثٍ إنَّمَا يَقَعُ
فَرْضًا بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ بِدَلِيلٍ
آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي
الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ
اسْمُ الْمَأْمُورِ لِحُصُولِ الِامْتِثَالِ
بِهِ وَلَكِنْ لَوْ أَتَى بِالزِّيَادَةِ
يَقَعُ فَرْضًا لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْأَمْرِ
وَيَتَنَاوَلُ مُطْلَقَ الْأَمْرِ إيَّاهَا
عَلَى مَا عُرِفَ تَحْقِيقُهُ فِي الْأُصُولِ
فَالْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَمَا
وُجِدَ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ يَكُونُ
فَرْضًا ، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِيمَا
نَحْنُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالظُّهْرِ
غَيْرُ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ
بِالْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ
وَبِالرَّكْعَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ ،
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِرَكْعَةٍ
لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهَا صَلَاةٌ ، وَلَوْ
زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ لَا يَجُوزُ عَنْ
الْفَرْضِ ، ثُمَّ لَمَّا تَعَيَّنَتْ
الرَّكْعَتَانِ لِلْفَرْضِيَّةِ فِي حَقِّ
الْمُسَافِرِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ
بِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْقَ
الْأَرْبَعُ فَرْضًا ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا
يَتَنَاوَلُ إلَّا أَحَدَهُمَا أَمَّا
الصَّوْمُ فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الْأَمْرِ
لِعُمُومِ قَوْلِهِ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة : 185]
فَالْمَأْمُورُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ
وَالْمُسَافِرِ شَيْءٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُ
رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ بِالْإِفْطَارِ فَلَا
يُعَاقَبُ بِالتَّرْكِ .
وَلَوْ أَتَى بِهِ يَقَعُ فَرْضًا وَأَمَّا
الْفَقِيرُ فَإِنَّمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَى
تَرْكِ الْحَجِّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ
الِاسْتِطَاعَةُ فَأَمَّا إذَا تَحَمَّلَ
الْمَشَقَّةَ فَقَدْ حَدَثَتْ لَهُ
الِاسْتِطَاعَةُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ
قُرْبِ الْمَسَافَةِ الِاسْتِطَاعَةُ
بِالْبَدَنِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ فَيَقَعُ مَا
أَدَّى فَرْضًا كَمَا لَوْ صَارَ غَنِيًّا
كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ ،
وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ ، وَفِي الْمُحِيطِ
اُخْتُلِفَ فِي السُّنَنِ وَلَا قَصْرَ فِيهَا
بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ تَخْفِيفًا
، وَهُوَ فِي الْفَرَائِضِ بَلْ هُوَ
مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ
فَقِيلَ : التَّرْكُ أَفْضَلُ تَرَخُّصًا
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ
مِنْ الصَّحَابَةِ تَرْكُهَا وَقِيلَ
الْفِعْلُ أَفْضَلُ تَقَرُّبًا وَقَالَ
الْهِنْدُوَانِيُّ حَالَ النُّزُولِ الْفِعْلُ
أَفْضَلُ وَحَالَ السَّيْرِ التَّرْكُ
أَفْضَلُ وَقِيلَ : يُصَلِّي سُنَّةَ
الْفَجْرِ لِقُوَّتِهَا وَقِيلَ سُنَّةَ
الْمَغْرِبِ أَيْضًا ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا
بَأْس بِتَرْكِ السُّنَنِ ، وَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ أَفْضَلُ وَتَأْوِيلُ
مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ
حَالَ السَّيْرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُهُ
الْمُكْثُ لِأَدَائِهَا ، وَفِي الْمُجْتَبَى
عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ لَوْ افْتَتَحَهَا
الْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ أَعَادَ
حَتَّى يَفْتَتِحَهَا بِنِيَّةِ
الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ الرَّازِيّ ، وَهُوَ
قَوْلُنَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَرْبَعًا
فَقَدْ خَالَفَ فَرْضَهُ كَنِيَّةِ الْفَجْرِ
أَرْبَعًا ، وَلَوْ نَوَاهَا رَكْعَتَيْنِ ،
ثُمَّ نَوَاهَا أَرْبَعًا بَعْدَ
الِافْتِتَاحِ فَهِيَ مُلْغَاةٌ كَمَنْ
افْتَتَحَ الظُّهْرَ ، ثُمَّ نَوَى الْعَصْرَ
. ا هـ . مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مُسِيئًا لِتَأْخِيرِهِ
السَّلَامَ إلَخْ إذْ السَّلَامُ وَاجِبٌ
وَلِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبَ تَكْبِيرَةِ
الِافْتِتَاحِ فِي النَّفْلِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ
صَحَّ فَرْضُهُ) أَيْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا
لِمُحَمَّدٍ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَالْخِلَافُ
مَذْكُورٌ فِي الْمَجْمَعِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
أَوْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ فِي
بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ) ظَاهِرٌ أَنَّ
الْمُرَادَ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَلَدٍ أَوْ
قَرْيَةٍ فَيَنْوِي ذَلِكَ وَإِلَّا
فَنِيَّتُهُ الْإِقَامَةُ بِالْقَرْيَةِ
وَالْبَلَدِ مُتَحَقِّقَةٌ حَالَ سَفَرِهِ
إلَيْهَا قَبْلَ دُخُولِهَا لَكِنْ تَرَكَهُ
لِظُهُورِهِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ
فِي الْمَفَازَةِ إلَخْ) حَتَّى إنَّهُ
يُصَلِّي أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَقِيَاسُهُ
أَنْ لَا يَجْعَلَ فِطْرَهُ فِي رَمَضَانَ ،
وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ
يَوْمَانِ ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَضَ السَّفَرُ
بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاحْتِمَالِهِ
النَّقْضَ إذَا لَمْ يَسْتَحْكِمْ إذْ لَمْ
يَتِمَّ عِلَّةً فَكَانَتْ الْإِقَامَةُ
نَقْضًا لِلْعَارِضِ لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةِ
الْإِتْمَامِ ، وَلَوْ قِيلَ الْعِلَّةُ
مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا اسْتِكْمَالَ سَفَرِ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ
السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ
الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ فَيَثْبُتُ
حُكْمُهُ مَا لَمْ يُمْكِنْهُ حُكْمُ
الْإِقَامَةِ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ . ا هـ
. فَتْحٌ أَيْ احْتَاجَ مَنْ قَالَ :
الْعِلَّةُ اسْتِكْمَالُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
إلَى الْجَوَابِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
وَالْأَثَرُ إلَخْ) قَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ
فَقَدَّرْنَاهَا لِمُدَّةِ الطُّهْرِ ؛
لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ فَهَذَا
قَوْلٌ قِيَاسٌ أَصْلُهُ مُدَّةُ السَّفَرِ ،
وَالْعِلَّةُ كَوْنُهَا مُوجِبَةَ مَا كَانَ
سَاقِطًا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي مُدَّةِ
الْإِقَامَةِ وَهِيَ الْفَرْعُ فَاعْتُبِرَتْ
كَمِّيَّتُهَا بِهَا ، وَهُوَ الْحُكْمُ
وَإِصْلَاحُهُ بِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ
التَّقْدِيرِ بِالْخَبَرِ وَجَدْنَاهُ عَلَى
وَفْقِ صُورَةِ قِيَاسٍ ظَاهِرٍ فَرَجَّحْنَا
بِهِ الْمَرْوِيَّ عَنْ
(1/211)
مُسْقِطَتَانِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِمَكَّةَ
وَمِنًى) أَيْ لَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ
بِمَكَّةَ وَمِنًى حَيْثُ لَا يُتِمُّ
فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَكُونُ
فِي مَكَانَيْنِ إذْ لَوْ جَازَتْ فِي
مَكَانَيْنِ لَجَازَتْ فِي أَمَاكِنَ
فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ السَّفَرَ لَا
يَتَحَقَّقُ ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمُسَافِرِ
فِي الْمَرَاحِلِ لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَكْثَرَ إلَّا
إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِي اللَّيْلِ فِي
أَحَدِهِمَا فَيَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ
فِيهِ ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ تُضَافُ
إلَى مَبِيتِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يَسْكُنُ فِي
حَارَةِ كَذَا ، وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ
فِي الْأَسْوَاقِ هَذَا إذَا كَانَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ أَصْلًا
بِنَفْسِهِ كَمَا ذَكَرَ ، وَإِنْ كَانَ
أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ بِأَنْ كَانَتْ
الْقَرْيَةُ قَرِيبَةً مِنْ الْمِصْرِ
بِحَيْثُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَاكِنِهَا
فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِ
أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُمَا
فِي الْحُكْمِ كَمَوْطِنٍ وَاحِدٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَصَرَ إنْ
نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ
وَبَقِيَ سِنِينَ) أَيْ قَصَرَ إنْ نَوَى
أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ
لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَقُولُ غَدًا
أَخْرُجُ أَوْ بَعْدَهُ ، وَبَقِيَ عَلَى
ذَلِكَ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ
السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُ
اعْتِبَارُهُ بِدُونِ عَزِيمَتِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ نَوَى
عَسْكَرٌ ذَلِكَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ ، وَإِنْ
حَاصَرُوا مِصْرًا أَوْ حَاصَرُوا أَهْلَ
الْبَغْيِ فِي دَارِنَا فِي غَيْرِهِ)
قَوْلُهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى
قَوْلِهِ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ مَعْنَاهُ
قَصَرَ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ نَوَى
عَسْكَرٌ ذَلِكَ أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
بِأَرْضِ الْحَرْبِ ، وَلَوْ حَاصَرُوا
مِصْرًا مِنْ أَمْصَارِهِمْ أَوْ حَاصَرُوا
أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي
غَيْرِ الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ
الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ
الْبَغْيِ لَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ
يُخَالِفُ عَزِيمَتَهُمْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ
الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ فَصَارَ
كَالْمَفَازَةِ وَالْجَزِيرَةِ وَالسَّفِينَةِ
وَعِنْدَ زُفَرَ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ فِي
الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ
لَهُمْ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ
ظَاهِرًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ إذَا
كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ ، وَجَوَابُهُ
مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرَدُّدِ ؛ وَلِهَذَا
قَالُوا فِيمَنْ دَخَلَ بَلْدَةً لِقَضَاءِ
حَاجَةٍ وَنَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ
قَضَى حَاجَتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ يَخْرُجُ
مِنْهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ أَهْلِ
الْأَخْبِيَةِ) يَعْنِي حَيْثُ تَصِحُّ
مِنْهُمْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْأَصَحِّ
وَإِنْ كَانُوا فِي الْمَفَازَةِ ؛ لِأَنَّ
الْإِقَامَةَ أَصْلٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ
عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا
أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ . ا هـ . فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بِمَكَّةَ
وَمِنًى إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا
فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ كَمَالًا ، وَلَوْ
اُعْتُبِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ لَأَمْكَنَ
اعْتِبَارُهَا فِي مَوَاضِعَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ
لَا يَخْلُو عَنْهُ السَّفَرُ فَلَا يُمْكِنُ
تَحَقُّقُ الرُّخْصَةِ حِينَئِذٍ فَلَوْ نَوَى
الْمَبِيتَ فِي أَحَدِهِمَا خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّهُ
يُعَدُّ مُقِيمًا بِالْمَبِيتِ فِي
أَحَدِهِمَا وَذَكَرَ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ
الْحَاجَّ إذَا دَخَلَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ
مَكَّةَ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا أَوْ دَخَلَ قَبْلَ أَيَّامِ
الْعَشْرِ لَكِنْ بَقِيَ إلَى يَوْمِ
التَّرْوِيَةِ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا وَنَوَى الْإِقَامَةَ لَا يَصِحُّ ؛
لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى
عَرَفَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ نِيَّةُ
الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَا
يَصِحُّ قِيلَ : كَانَ سَبَبُ تَفَقُّهِ
عِيسَى بْنِ أَبَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ؛
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِطَلَبِ
الْحَدِيثِ قَالَ فَدَخَلْت مَكَّةَ فِي
أَوَّلِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ
صَاحِبٍ لِي وَعَزَمْت عَلَى الْإِقَامَةِ
شَهْرًا فَجَعَلْت أُتِمُّ الصَّلَاةَ
فَلَقِيَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ
فَقَالَ أَخْطَأْت فَإِنَّك تَخْرُجُ إلَى
مِنًى وَعَرَفَاتٍ فَلَمَّا رَجَعْت إلَى
مِنًى بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ
وَعَزَمْت عَلَى أَنْ أُصَاحِبَهُ فَجَعَلْت
أَقْصُرُ الصَّلَاةَ ، فَقَالَ لِي صَاحِبُ
أَبِي حَنِيفَةَ : أَخْطَأْت فَإِنَّك مُقِيمٌ
بِمَكَّةَ فَمَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا لَا
تَصِيرُ مُسَافِرًا فَقُلْت فِي نَفْسِي
أَخْطَأْت فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي
مَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَنْفَعْنِي مَا جَمَعْت
مِنْ الْأَخْبَارِ فَدَخَلْت مَسْجِدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَاشْتَغَلْت بِالْفِقْهِ مِنْ
شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إلَّا إذَا
نَوَى أَنْ يُقِيمَ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ .
ا هـ . ابْنُ فِرِشْتَا.
(قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ وَبَقِيَ سِنِينَ
إلَخْ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَقَامَ بِأَذَرْبِيجَانَ
سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ وَعَنْ
جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ .
ا هـ . هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ ذَلِكَ إلَخْ)
قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ، وَلَوْ دَخَلَ دَارَ
الْحَرْبِ مُسْتَأْمِنًا وَنَوَى الْإِقَامَةَ
فِي دَارِهِمْ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ
صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَالْأَسِيرُ إذَا
انْفَلَتَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ
وَتَوَطَّنَ فِي غَارٍ أَوْ سَرَبٍ وَنَوَى
الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
يَقْصُرُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ إلَخْ)
أَمَّا إذَا حَاصَرُوهُمْ فِي مِصْرٍ مِنْ
أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ
لِلْإِقَامَةِ بِلَا خِلَافٍ ا هـ ع (قَوْلُهُ
؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ يُخَالِفُ عَزِيمَتَهُمْ)
؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ تِلْكَ الْعَزِيمَةِ
مُوَطَّنُونَ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ هُزِمُوا
قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ
أَمْرٌ مُجَوَّزٌ لَمْ يُقِيمُوا ، وَهَذَا
مَعْنَى قِيَامِ التَّرَدُّدِ فِي
الْإِقَامَةِ فَلَمْ تُقْطَعْ النِّيَّةُ
عَلَيْهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ قَطْعِ
النِّيَّةِ مِنْ قَطْعِ الْقَصْدِ ، وَإِنْ
كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ
احْتِمَالَ وُصُولِ الْمَدَدِ إلَى الْعَدُوِّ
وَوُجُودِ مَكِيدَةٍ مِنْ الْقَلِيلِ يُهْزَمُ
بِهَا الْكَثِيرُ قَائِمٌ ، وَذَلِكَ بِمَنْعِ
قَطْعِ الْقَصْدِ ؛ وَلِهَذَا يُضَعَّفُ
تَعْلِيلُ أَبِي يُوسُفَ الصِّحَّةَ إذَا
كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ لَا إنْ
كَانُوا فِي الْأَخْبِيَةِ ؛ لِأَنَّ
مُجَرَّدَ بُيُوتِ الْمَدَرِ لَيْسَ عَلَى
ثُبُوتِ الْإِقَامَةِ بَلْ مَعَ النِّيَّةِ
وَلَمْ تُقْطَعْ . ا هـ . كَمَالٌ قَوْلُهُ
الصِّحَّةُ أَيْ صِحَّةُ النِّيَّةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمَفَازَةِ) أَيْ
فَصَارَ الْمِصْرُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ
قَبْلَ الْفَتْحِ فِي حَقِّ أَهْلِ
الْعَسْكَرِ كَالْمَفَازَةِ مِنْ جِهَةِ
أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ إقَامَةٍ قَبْلَ
الْفَتْحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ تَصِحُّ
بِنِيَّتِهِمْ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَخْ) أَيْ
فِي مُحَاصَرَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ ، وَفِي
مُحَاصَرَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ تَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ
إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ . ا هـ
. هِدَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ
الْأَخْبِيَةِ) أَيْ كَالْأَعْرَابِ
وَالْأَتْرَاكِ وَالرِّعَاءِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ وَالْأَخْبِيَةُ جَمْعُ خِبَاءٍ ،
وَهُوَ بَيْتُ الشَّعْرِ ا هـ ع (قَوْلُهُ
يَعْنِي حَيْثُ تَصِحُّ مِنْهُمْ نِيَّةُ
الْإِقَامَةِ إلَخْ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ . ا هـ . هِدَايَةٌ وَكَتَبَ
مَا نَصُّهُ وَعَلَّلَ فِيهِ بِوَجْهَيْنِ . ا
هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ
إلَخْ) وَالسَّفَرَ عَارِضٌ فَحَمْلُهُمْ
عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى وَالثَّانِي أَنَّ
السَّفَرَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ النِّيَّةِ
إلَى مَكَان إلَيْهِ مُدَّةُ السَّفَرِ وَهُمْ
لَا يَنْوُونَ ذَلِكَ قَطُّ بَلْ
يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ
مَرْعًى إلَى مَرْعًى فَكَانُوا مُقِيمِينَ
بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ كَذَا فِي
الْمَبْسُوطِ ، وَفِي التُّحْفَةِ
الْأَعْرَابُ وَالْأَكْرَادُ وَالتَّرَاكِمَةُ
وَالرِّعَاءُ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي
بُيُوتِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ مُقِيمُونَ ؛
لِأَنَّ مَقَامَهُمْ الْمَفَاوِزُ عَادَةً
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَفِي
الْمُحِيطِ
(1/212)
فَلَا تَبْطُلُ
بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى
بِخِلَافِ الْعَسْكَرِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اقْتَدَى
مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الْوَقْتِ صَحَّ
وَأَتَمَّ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ
لِإِمَامِهِ فَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى
أَرْبَعٍ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ
الْإِقَامَةِ لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ
بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ ، وَإِنْ
أَفْسَدَهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ
لُزُومَ الْأَرْبَعِ لِلْمُتَابَعَةِ وَقَدْ
زَالَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ
بِنِيَّةِ النَّفْلِ ، ثُمَّ أَفْسَدَ حَيْثُ
يَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُ ؛ لِأَنَّهُ
بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ
قَصْدًا وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَلْتَزِمْ
قَصْدًا وَإِنَّمَا قَصَدَ إسْقَاطَ الْفَرْضِ
عَنْ ذِمَّتِهِ وَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ حُكْمًا
لِلْمُتَابَعَةِ وَقَدْ زَالَتْ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ
بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ
اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ ؛
لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ
الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ كَمَا لَا
يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ
اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ
فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ
التَّحْرِيمَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ
صَحَّ فِيهِمَا) أَيْ بِعَكْسِ مَا ذَكَرَهُ
مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ
جَازَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ
اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ أَمَّا
جَوَازُهُ فِي الْوَقْتِ فَلِأَنَّهُ «-
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى
بِمَكَّةَ بِأَهْلِ مَكَّةَ ، وَهُوَ
مُسَافِرٌ فَقَالَ : أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ
فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ
يَقُولَ ذَلِكَ كُلُّ مُسَافِرٍ صَلَّى
بِمُقِيمٍ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّ صَلَاةَ
الْمُسَافِرِ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ
الْأُولَى فَرْضٌ فِي حَقِّهِ نَفْلٌ فِي
حَقِّ الْمُقِيمِ وَبِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى
الْقَوِيِّ جَائِزٌ وَأَمَّا بَعْدَ خُرُوجِ
الْوَقْتِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ
صَلَاتَهُ أَقْوَى مِنْ صَلَاتِهِ ، ثُمَّ
إذَا سَلَّمَ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَمَّا إذَا
ارْتَحَلُوا عَنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِمْ فِي
الصَّيْفِ وَقَصَدُوا مَوْضِعًا آخَرَ
لِلْإِقَامَةِ فِي الشِّتَاءِ وَبَيْنَ
الْمَوْضِعَيْنِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
فَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُسَافِرِينَ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ، وَفِي
الْمُجْتَبَى ذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ
الْمَلَّاحُ مُسَافِرٌ ، وَإِنْ كَانَ
أَهْلُهُ وَحَالُهُ فِي السَّفِينَةِ وَبِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَفِينَتُهُ لَيْسَتْ
بِوَطَنٍ لَهُ إلَّا عِنْدَ الْحَسَنِ
وَأَحْمَدَ ، وَفِي الْمُحِيطِ صَاحِبُ
السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحُ لَا يَصِيرُ
مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ
قَرِيبًا مِنْ وَطَنِهِ . ا هـ . مِعْرَاجٌ
(قَوْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ
مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى) يَعْنِي هُمْ لَا
يَقْصِدُونَ سَفَرًا بَلْ الِانْتِقَالَ مِنْ
مَرْعًى إلَى مَرْعًى ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ
عَادَتَهُمْ الْمَقَامُ فِي الْمَفَاوِزِ
فَكَانَتْ فِي حَقِّهِمْ كَالْقُرَى فِي حَقِّ
أَهْلِ الْقُرَى . ا هـ . فَتْحٌ وَقَالَ فِي
الْفَتْحِ أَمَّا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ
الْبَادِيَةِ بَلْ هُوَ مُسَافِرٌ فَلَا
يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي
مَرْعًى أَوْ جَزِيرَةٍ ا هـ .
(قَوْلُهُ صَحَّ وَأَتَمَّ) أَيْ سَوَاءٌ
اقْتَدَى بِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ
كُلِّهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ إنْ
أَدْرَكَ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ رَكْعَةً
لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ ، وَإِنْ كَانَ دُونَ
ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ قِيَاسًا عَلَى
الْجُمُعَةِ ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ
رَاهْوَيْهِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ
خَلْفَ الْمُقِيمِ . ا هـ . كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ
بِالسَّبَبِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ : انْعِقَادُ
الِاقْتِدَاءِ سَبَبًا لِلتَّغَيُّرِ
مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ
الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ وَصِحَّتُهُ
مَوْقُوفَةٌ عَلَى تَغَيُّرِ فَرْضِهِ ، إذْ
مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَزِمَ أَحَدُ
الْأَمْرَيْنِ مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ
بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ
الْقِرَاءَةِ فَقَدْ تَوَقَّفَ التَّغَيُّرُ
عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَصِحَّتُهُ
عَلَى التَّغَيُّرِ ، وَهُوَ دَوْرٌ
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ دَوْرُ مَعِيَّةٍ لَا
دَوْرُ تَرَتُّبٍ فَإِنْ ثَبَتَ صِحَّةُ
الِاقْتِدَاءِ وَالتَّغَيُّرِ مَعًا إلَّا
أَنَّهُ فِي الْمُلَاحَظَةِ يَكُونُ ثُبُوتُ
التَّغَيُّرِ لِتَصْحِيحِ الِاقْتِدَاءِ ؛
لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا مَا لَمْ
يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ وَلَا مَانِعَ إلَّا
عَدَمُ التَّغَيُّرِ ، وَهُوَ لَيْسَ
بِلَازِمٍ لِفَرْضِ ثُبُوتِ التَّغَيُّرِ
بِمَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ فَلْيَكُنْ
طَلَبُ الشَّرْعِ تَصْحِيحَ الِاقْتِدَاءِ
سَبَبًا لَهُ أَيْضًا فَيَثْبُتُ عِنْدَ
الِاقْتِدَاءِ فَتَثْبُتُ الصِّحَّةُ مَعَهُ .
ا هـ . فَتْحٌ .
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْسَدَهُ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ
الْإِفْسَادُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ
بَعْدَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِلْمُتَابَعَةِ
وَقَدْ زَالَتْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى
الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ فَأَحْدَثَ
الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ الْمُقِيمَ لَا
يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ مَعَ
أَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ
الْمُقِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ
الْمُؤْتَمُّ خَلِيفَةً عَنْ الْمُسَافِرِ
كَانَ الْمُسَافِرُ كَأَنَّهُ الْإِمَامُ
فَيَأْخُذُ الْخَلِيفَةُ صِفَةَ الْأَوَّلِ
حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ
الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ
مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ ،
وَلَوْ أَمَّ مُسَافِرٌ مُسَافِرِينَ
وَمُقِيمِينَ فَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ
التَّشَهُّدِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ
تَكَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَوْ
قَامَ فَذَهَبَ ، ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ
الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ
وَفَرْضُ الْمُسَافِرِينَ الَّذِينَ لَمْ
يَتَكَلَّمُوا أَرْبَعًا لِوُجُودِ
الْمُغَيَّرِ فِي مَحَلِّهِ وَصَلَاةُ مَنْ
تَكَلَّمَ تَامَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي
وَقْتٍ لَوْ تَكَلَّمَ إمَامُهُ لَمْ تَفْسُدْ
فَكَذَا صَلَاةُ الْمُقْتَدِي إذَا كَانَ
بِمِثْلِ حَالِهِ ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ
نِيَّتِهِ فَسَدَتْ ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ
فَرْضُهُ أَرْبَعًا ثُمَّ تَكَلَّمَ وَلَكِنْ
يَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ
رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ
لِلتَّبَعِيَّةِ وَقَدْ زَالَتْ بِفَسَادِ
الصَّلَاةِ . ا هـ . فَتْحٌ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَعْدَهُ لَا)
قَالَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْخَلَّاطِيِّ
هَذَا فِي صَلَاةٍ تَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ
أَمَّا فِي صَلَاةٍ لَا تَتَغَيَّرُ
بِالسَّفَرِ كَالْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ
فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْوَقْتِ
وَبَعْدَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَ
خُرُوجِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا إذَا
خَرَجَ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ أَمَّا إذَا
اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ ، ثُمَّ خَرَجَ
قَبْلَ الْفَرَاغِ فَلَا يَفْسُدُ وَلَا
يَبْطُلُ اقْتِدَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ
اقْتَدَى صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا
لِلتَّبَعِيَّةِ كَالْمُقِيمِ وَصَلَاةُ
الْمُقِيمِ لَا تَصِيرُ رَكْعَتَيْنِ
بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ، وَكَذَا لَوْ نَامَ
خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ
فَانْتَبَهَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَعْنِي
يُتِمُّ أَرْبَعًا . ا هـ . فَتْحٌ قَوْلُهُ
فَلَا يَفْسُدُ وَالْحَرْفُ فِيهِ أَنَّهُ
مَتَى اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي وَقْتٍ لَوْ
نَوَى الْإِقَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ
فَرْضُهُ أَرْبَعًا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَا
عِبْرَةَ بِضِيقِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ
اقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ فَإِذَا فَرَغَ
مِنْ التَّحْرِيمَةِ وَغَابَتْ الشَّمْسُ
أَتَمَّهَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى عِنْدَ
قَوْلِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي صَلَاةِ
الْمُقِيمِ أَتَمَّهَا وَقَوْلُهُ مَعَ
بَقَاءِ الْوَقْتِ أَيْ قَدْرِ التَّحْرِيمَةِ
، وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا يَتَغَيَّرُ قَصْدًا
بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ الْوَقْتِ
لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ
تَبَعًا بِالِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ
الْقَعْدَةِ) أَيْ الْأُولَى إنْ اقْتَدَى
بِهِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا
فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ الَّذِي لَمْ
يَتَغَيَّرْ فَرْضُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى
الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ اسْمَ
النَّفْلِ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي
عَدَمِ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِالتَّرْكِ . ا هـ
. فَتْحٌ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى
بِهِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ امْتَنَعَ
لِأَجْلِ الْقَعْدَةِ ، وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ
فِي الْآخِرِ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ
؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ
نَفْلٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي
الْأُولَيَيْنِ انْتَقَلَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ
الْأُخْرَيَيْنِ إلَى الْأُولَيَيْنِ
فَتَبْقَى الْأُخْرَيَانِ بِلَا قِرَاءَةٍ ،
وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْقَعْدَةِ
الْأَخِيرَةِ امْتَنَعَ لِأَجْلِ
التَّحْرِيمَةِ ؛ لِأَنَّ
(1/213)
صَلَاتَهُمْ
مُنْفَرِدِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا
الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
فَيَنْفَرِدُونَ فِي الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ
إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ فِي
الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا مَعَ
الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَفَرْضُ
الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى بِخِلَافِ
الْمَسْبُوقِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ
الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ لَا
السَّفَرِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ
وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ) اعْلَمْ أَنَّ
الْأَوْطَانَ ثَلَاثَةٌ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ ،
وَهُوَ مَوْلِدُ الْإِنْسَانِ أَوْ
الْبَلْدَةِ الَّتِي تَأَهَّلَ فِيهَا
وَوَطَنُ إقَامَةٍ ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ
الَّذِي يَنْوِي الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ
فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا
وَوَطَنُ سُكْنَى وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي
يَنْوِي أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَمْ يَذْكُرْ
الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا
الْوَطَنَ قَالُوا ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ
فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مُسَافِرًا
عَلَى حَالِهِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ؛
وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ
وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ
وَنَحْنُ نَذْكُرُ فَائِدَتَهُ مِنْ قَرِيبٍ -
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَكُلُّ وَاحِدٍ
مِنْ هَذِهِ الْأَوْطَانِ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ
وَبِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا
دُونَهُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَقِضُ
بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ لَا
بِمَا دُونَهُ وَقَوْلُهُ وَيَبْطُلُ
الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ أَيْ
بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا ؛
وَلِهَذَا عَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسَهُ بِمَكَّةَ
مُسَافِرًا حَيْثُ قَالَ «فَإِنَّا قَوْمٌ
سَفْرٌ» هَذَا إذَا انْتَقَلَ عَنْ الْأَوَّلِ
بِأَهْلِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ
بِأَهْلِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْدَثَ أَهْلًا
بِبَلْدَةٍ أُخْرَى فَلَا يَبْطُلُ وَطَنُهُ
الْأَوَّلُ وَيُتِمُّ فِيهِمَا . وَقَوْلُهُ
لَا السَّفَرِ فِيهِ حَذْفٌ أَيْ لَا
بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَلَا بِوَطَنِ
الْإِقَامَةِ وَكِلَاهُمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ
الْأَصْلِيُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ
وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ أَيْ
يَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ
الْإِقَامَةِ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ
وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ أَيْ وَيَبْطُلُ
بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَبِالْوَطَنِ
الْأَصْلِيِّ ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ ضِدُّ
الْإِقَامَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ
وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ فَوْقَهُ ،
وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْأَوْطَانِ أَنْ يُتِمَّ
صَلَاتَهُ فِيهَا إذَا أَدْخَلَهَا وَهُوَ
مُسَافِرٌ قَبْلَ أَنْ تَبْطُلَ وَتُتَصَوَّرُ
تِلْكَ الْفَائِدَةِ فِي وَطَنِ السُّكْنَى
أَيْضًا فِي رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى
قَرْيَةٍ لِحَاجَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّفَرَ
وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ
فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ
الْقَرْيَةِ لَا لِلسَّفَرِ ، ثُمَّ بَدَا
لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ
مِصْرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ لَيْلَةً فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَافَرَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ
، وَلَوْ مَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ
وَدَخَلَهَا أَتَمَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ
مَا يُبْطِلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَحْرِيمَةَ الْمُسَافِرِ أَقْوَى لِكَوْنِهَا
مُتَضَمِّنَةً لِلْفَرْضِ فَقَطْ
وَتَحْرِيمَةَ الْمُقِيمِ مُتَضَمِّنَةً
لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي
حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ
التَّحْرِيمَةِ ا هـ مِنْ خَطِّهِ . -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ انْتَقَلَتْ إلَى
آخِرِهِ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَجِبُ
جَعْلُهُ فِيهِمَا . ا هـ ..
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ
فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ
يَقْرَءُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ ؛
وَلِهَذَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِمْ إذَا
سَهَوْا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفَرْضُ
الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى) أَيْ
فَيَتْرُكُهَا احْتِيَاطًا ، وَهَذَا ؛
لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَاحِقًا كَانَ فِي
الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ
فَكَانَ مُقْتَدِيًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ،
وَهُوَ مُنْفَرِدٌ حَقِيقَةً فَتَحْرُمُ
عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ
مُقْتَدٍ وَتُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ نَظَرًا
إلَى أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ إذْ فَرْضُ
الْقِرَاءَةِ صَارَ مُؤَدًّى فِي الشَّفْعِ
الْأَوَّلِ فَدَارَتْ قِرَاءَتُهُ بَيْنَ
الْحُرْمَةِ وَالنَّدْبِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي
التَّرْكِ ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ
الِامْتِنَاعِ وَالْمَنْدُوبَ جَائِزُ
التَّرْكِ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا أَثِمَ
بِالْفِعْلِ ، وَلَوْ كَانَ مَنْدُوبًا لَا
يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ
فَإِنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةً نَافِلَةً
فَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ فِيمَا يَقْضِي فَرْضًا
فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ . ا هـ . كَافِي.
(قَوْلُهُ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ إلَى آخِرِهِ)
وَيُسَمَّى وَطَنُ الْقَرَارِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ الَّتِي تَأَهَّلَ فِيهَا) أَيْ
وَمَنْ قَصْدُهُ التَّعَيُّشُ بِهِ لَا
الِارْتِحَالُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ
يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِهِ)
وَيُسَمَّى وَطَنُ الْإِقَامَةِ وَطَنًا
مُسْتَعَارًا . ا هـ . (قَوْلُهُ فَصَاعِدًا)
أَيْ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ
ذَلِكَ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا
بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَلَا بِوَطَنِ
الْإِقَامَةِ إلَى آخِرِهِ) ، وَالْحَاصِلُ
أَنَّ الْوَطَنَ الْأَوَّلَ ، وَهُوَ
الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ لَا يَبْطُلُ
بِالْأَخِيرَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ
وَالثَّانِي وَطَنُ الْإِقَامَةِ يَبْطُلُ
بِالْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ
وَبِالثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ
وَبِالسَّفَرِ ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ
وَالثَّالِثُ ، وَهُوَ وَطَنُ السُّكْنَى
يَبْطُلُ بِالْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ
فَوْقَهُ وَبِالسَّفَرِ ا هـ .
قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا
مَنْ قَالَ الْوَطَنُ وَطَنَانِ : وَطَنٌ
أَصْلِيٌّ وَوَطَنٌ مُسْتَعَارٌ وَلَمْ
يَعْتَبِرْ وَطَنَ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بَلْ
حُكْمُ السَّفَرِ فِيهِ بَاقٍ ؛ وَلِهَذَا
لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَابِ ، وَهُوَ
اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي
فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَيْسَ الْأَمْرُ
كَمَا زَعَمَ الْبَعْضُ فَإِنَّ الْإِمَامَ
السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِهِ
مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَطَنَ
السُّكْنَى مُعْتَبَرٌ فَقَالَ : لَوْ خَرَجَ
إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ خَرَجَ
مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ يُرِيدُ الشَّامَ
وَلَهُ بِالْقَادِسِيَّةِ ثَقَلٌ يُرِيدُ أَنْ
يَحْمِلَهُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ
بِالْكُوفَةِ يَقْصُرُ ؛ لِأَنَّ
الْقَادِسِيَّةَ وَطَنُ السُّكْنَى فِي
حَقِّهِ سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ
بِهَا مُدَّةً أَوْ لَمْ يَعْزِمْ ؛
لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ الْوَطَنِ
الْأَصْلِيِّ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْكُوفَةِ دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَمَّا
خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ انْتَقَضَ وَطَنُهُ
بِالْقَادِسِيَّةِ ؛ لِأَنَّ وَطَنَ
السُّكْنَى يُنْتَقَضُ بِمِثْلِهِ وَقَدْ
ظَهَرَ لَهُ بِالْحِيرَةِ وَطَنُ السُّكْنَى
فَالْتَحَقَ بِمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي
الْقَادِسِيَّةِ فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ
الْحِيرَةِ وَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى
الْقَادِسِيَّةِ لِحَمْلِ الثَّقَلِ
وَيَرْتَحِلُ إلَى الشَّامِ وَلَا يَمُرُّ
بِالْكُوفَةِ يُتِمُّ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ
الْقَادِسِيَّةِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي
الْقِيَاسِ يَقْصُرُ ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ
السُّكْنَى الَّذِي بِالْقَادِسِيَّةِ قَدْ
انْتَقَضَ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا عَلَى قَصْدِ
الْحِيرَةِ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا ، وَفِي
الِاسْتِحْسَانِ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ
لِلسُّكْنَى بَاقٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ
بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ مَا
لَمْ يَدْخُلْهَا فَبَقِيَ وَطَنُهُ
بِالْقَادِسِيَّةِ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا
لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ لِتَشْيِيعِ
جِنَازَةٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ فَلِذَا يُتِمُّ
بِالْقَادِسِيَّةِ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهَا
فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ
مَا قُلْنَا ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ا هـ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ ضِدُّ
الْإِقَامَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ إلَى
آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ فَالسَّفَرُ ضِدٌّ
لِلْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ فَلِمَ لَمْ
يُبْطِلْهُ ، فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ
الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَالْوَطَنُ
الْأَصْلِيُّ فَوْقَهُ وَقَالَ فِي
الدِّرَايَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ أَيْ الْوَطَنُ
الْأَصْلِيُّ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ ؛
لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْرُجُ مَعَ
أَصْحَابِهِ إلَى الْغَزَوَاتِ بِالْمَدِينَةِ
وَلَا يُنْتَقَضُ وَطَنُهُ بِالْمَدِينَةِ
حَيْثُ لَمْ يُجَدِّدْ نِيَّتَهُ بَعْدَ
رُجُوعِهِ» ا هـ
(1/214)
مِمَّا هُوَ
فَوْقَهُ أَوْ مِثْلَهُ ، ثُمَّ لَا
يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ السَّفَرِ لِثُبُوتِ
الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ إجْمَاعًا وَفِي
ثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ رِوَايَتَانِ
عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قَالَ (وَفَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ
تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا) فِيهِ
لَفٌّ وَنَشْرٌ أَيْ فَائِتَةُ السَّفَرِ
تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَفَائِتَةُ الْحَضَرِ
تُقْضَى أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ
بِحَسَبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ
فَاتَتْهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَالَةٍ لَا
يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الصِّحَّةِ رَاكِعًا
وَسَاجِدًا أَوْ فَاتَتْهُ فِي الصِّحَّةِ
حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الْمَرَضِ
بِالْإِيمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ
الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إلَّا أَنَّهُمَا
يَسْقُطَانِ عَنْهُ بِالْعَجْزِ فَإِذَا
قَدَرَ أَتَى بِهِمَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ
فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسَافِرِ
رَكْعَتَانِ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَى
الْمُقِيمِ أَرْبَعٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ
الِاسْتِقْرَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ آخَرُ الْوَقْتِ) أَيْ
الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْأَرْبَعِ أَوْ
الرَّكْعَتَيْنِ آخِرُ الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ
آخِرُ الْوَقْتِ مُسَافِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ
رَكْعَتَانِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا وَجَبَ
عَلَيْهِ الْأَرْبَعُ ؛ لِأَنَّهُ
الْمُعْتَبَرَ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ
عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ؛
وَلِهَذَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ
أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ أَفَاقَ
الْمَجْنُونُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ
النُّفَسَاءُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ تَجِبُ
عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَبِعَكْسِهِ لَوْ
حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوْ نَفِسَتْ فِيهِ لَمْ
تَجِبْ عَلَيْهِمْ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ
عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَاصِي
كَغَيْرِهِ) أَيْ فِي التَّرَخُّصِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَفِي ثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ
رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ) قَالَ
الْكَمَالُ فِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ
كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، وَفِي
أُخْرَى إنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ
الْإِقَامَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ
سَفَرٌ وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَارَ
إلَيْهِ مِنْهُ مُدَّةُ سَفَرٍ حَتَّى لَوْ
خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ لَا بِقَصْدِ السَّفَرِ
فَوَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ
بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَصِيرُ تِلْكَ
الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ ، وَإِنْ كَانَ
بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ بِعَدَمِ
تَقَدُّمِ السَّفَرِ ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ
مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَخَرَجَ فَلَمَّا وَصَلَ
إلَى قَرْيَةٍ مَسِيرَتُهَا مِنْ وَطَنِهِ
دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ نَوَى الْإِقَامَةَ
بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا
وَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ
إقَامَةٍ وَالتَّخَرُّجُ عَلَى
الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ
بَغْدَادِيٌّ وَكُوفِيٌّ خَرَجَا مِنْ
وَطَنِهِمَا يُرِيدَانِ قَصْرَ ابْنِ
هُبَيْرَةَ لِيُقِيمَا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا وَبَيْنَ كُوفَةَ وَبَغْدَادَ خَمْسُ
مَرَاحِلَ وَالْقَصْرُ مُنْتَصَفُ ذَلِكَ
فَلَمَّا قَدِمَاهُ خَرَجَا مِنْهُ إلَى
الْكُوفَةِ لِيُقِيمَا بِهَا ثُمَّ يَرْجِعَا
إلَى بَغْدَادَ فَإِنَّهُمَا يُتِمَّانِ إلَى
الْكُوفَةِ وَبِهَا ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُمَا
مِنْ وَطَنِهِمَا إلَى الْقَصْرِ لَيْسَ
سَفَرًا ، وَكَذَا مِنْ الْقَصْرِ إلَى
الْكُوفَةِ فَبَقِيَا مُقِيمَيْنِ إلَى
الْكُوفَةِ فَإِنْ خَرَجَا مِنْ الْكُوفَةِ
إلَى بَغْدَادَ يَقْصُرَانِ الصَّلَاةَ ،
وَإِنْ قَصَدَا الْمُرُورَ عَلَى الْقَصْرِ ؛
لِأَنَّهُمَا قَصَدَا بَغْدَادَ وَلَيْسَ
بِهَا وَطَنٌ أَمَّا الْكُوفِيُّ فَلِأَنَّ
وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ نَقَضَ وَطَنَ
الْقَصْرِ .
وَأَمَّا الْبَغْدَادِيُّ فَعَلَى رِوَايَةِ
الْحَسَنِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَعَلَى
رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي
الزِّيَادَاتِ يَقْصُرُ ، وَجْهُ رِوَايَةِ
الْحَسَنِ أَنَّ وَطَنَ الْبَغْدَادِيِّ
بِالْقَصْرِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى
الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِهَا وَلَمْ يُوجَدْ
مَا يَنْقُضُهَا وَقِيَامُ وَطَنِهِ
بِالْقَصْرِ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ السَّفَرِ ،
وَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ
وَطَنَ الْإِقَامَةِ لَا يَكُونُ بَعْدَ
تَقْدِيمِ السَّفَرِ ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ
مِنْ الْمُقِيمِ لَغْوٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ
تَقْدِيمُ السَّفَرِ فَلَمْ يَصِحَّ وَطَنُهُ
بِالْقَصْرِ فَصَارَ مُسَافِرًا إلَى
بَغْدَادَ ا هـ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ
تُبَيِّنُ أَنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ
لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ
مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا
يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ بَعْدَ سَيْرِ
مُدَّةِ السَّفَرِ ، وَمِثَالُهُ فِي
دِيَارِنَا قَاهِرِيٌّ خَرَجَ إلَى بُلْبَيْسَ
فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ
، ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّالِحِيَّةِ
فَلَمَّا دَخَلَهَا بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ
إلَى الْقَاهِرَةِ وَيَمُرَّ بِبُلْبَيْسَ
فَعَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ السَّفَرِ
لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ يَقْصُرُ إلَى
الْقَاهِرَةِ وَعَلَى الْأُخْرَى يُتِمُّ . ا
هـ ..
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي
السَّبَبِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ
هَذَا مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَ
عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ كُلُّ
الْوَقْتِ لَا الْأَخِيرُ قُلْنَا
الْمُعْتَبَرُ فِي تَقَرُّرِ الْقَضَاءِ
الْجُزْءُ الْأَخِيرُ وَلَا اعْتِبَارَ
لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ سَافَرَ فِيهِ
يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ ، وَلَوْ
أَقَامَ فِيهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ
وَإِنَّمَا الْإِضَافَةُ إلَى كُلِّهِ فِي
حَقِّ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُهُ
بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحَيْضِ
وَالطُّهْرِ وَالسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا
يَظْهَرُ أَثَرُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ فِي
عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ
الْمَكْرُوهَةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ تَقَرُّرِ
الْقَضَاءِ فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ ، وَإِنْ
كَانَ الْوُجُوبُ مُضَافًا إلَى كُلِّهِ
إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي
أُصُولِهِ عَلَى أَنَّ مُخْتَارَ الْبَعْضِ
عَدَمُ الْإِضَافَةِ إلَى كُلِّهِ
وَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ
عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ
اخْتَارَ مَذْهَبَ الْبَعْضِ كَذَا قَرَّرَهُ
شَيْخِي الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
ا هـ . كَاكِيٌّ وَقَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ
قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ هُوَ
الْمُعْتَبَرُ إلَخْ ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ
تَقَرُّرِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَصِفَةُ
الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ حَالَ تَقَرُّرِهِ كَمَا
فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَأَمَّا اعْتِبَارُ
كُلِّ الْوَقْتِ إذَا خَرَجَ فِي حَقِّهِ
فَلِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِصِفَةِ
الْكَمَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي أَسْبَابِ
الْمَشْرُوعَاتِ أَنْ تُطْلَبَ الْعِبَادَاتُ
كَامِلَةً وَإِنَّمَا تُحْمَلُ نَقْصُهَا
لِعُرُوضِ تَأْخِيرِهِ إلَى الْجُزْءِ
النَّاقِصِ مَعَ تَوَجُّهِ طَلَبِهَا إذَا
عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا قَبْلَهُ
وَبِخُرُوجِهِ عَنْ غَيْرِ إدْرَاكٍ لَمْ
يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْعَارِضُ فَكَانَ
الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ
وَقْتِ الْوُجُوبِ .
وَقَالَ زُفَرُ إذَا سَافَرَ ، وَقَدْ بَقِيَ
مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ
يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ السَّفَرِ يَقْضِي
صَلَاةَ السَّفَرِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي
دُونَهُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ لِمَا
عُلِمَ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ
السَّبَبِيَّةَ لَا تَنْتَقِلُ مِنْ ذَلِكَ
الْجُزْءِ وَعِنْدَنَا نَنْتَقِلُ إلَى
الَّذِي يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ وَقَدْ
أَسْلَفْنَاهُ ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا
فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَهُوَ مُقِيمٌ
أَرْبَعًا ، ثُمَّ سَافَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ
شَيْئًا فِي مَنْزِلِهِ فَرَجَعَ فَتَذَكَّرَ
أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِلَا
طَهَارَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ
رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّ
صَلَاةَ الظُّهْرِ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ
تَكُنْ وَصَارَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي
آخِرِ وَقْتِهَا ، وَهُوَ مُسَافِرٌ فِيهِ
فَصَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ صَلَاةُ السَّفَرِ
بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ خَرَجَ
وَقْتُهَا ، وَهُوَ مُقِيمٌ . ا هـ . فَتْحٌ ،
وَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتِهِمَا ، ثُمَّ
سَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ، ثُمَّ عَلِمَ
أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ
يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ
رَكْعَتَيْنِ . ا هـ . كَاكِيٌّ قَوْلُهُ
فَرَجَعَ أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ . ا هـ .
كَاكِيٌّ.
(1/215)
بِرُخْصَةِ
الْمُسَافِرِينَ كَغَيْرِهِ مِنْ
الْمُطِيعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا
يُفِيدُ الرُّخْصَةَ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ
تَخْفِيفًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ
التَّغْلِيظَ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ ،
وَلِأَنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ
بِمَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا
يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ
وَالرُّخْصَةُ تَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ لَا
بِالْمَعْصِيَةِ ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ
الْمَعْصِيَةَ الْمُجَاوِرَةَ لَا تَنْفِي
الْأَحْكَامَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُعْتَبَرُ
نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ مِنْ
الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ) ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ
الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ دُونَ التَّبَعِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَالْمَرْأَةِ
وَالْعَبْدِ وَالْجُنْدِيِّ) هَذَا تَفْسِيرُ
التَّبَعِ أَيْ الْمَرْأَةُ تَبَعٌ لِلزَّوْجِ
وَالْعَبْدُ تَبَعٌ لِلْمَوْلَى
وَالْجُنْدِيُّ تَبَعٌ لِلْأَمِيرِ
وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا تَكُونُ تَبَعًا
لِلزَّوْجِ إذَا وَفَّاهَا مَهْرَهَا
الْمُعَجَّلَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوفِ فَلَا
تَكُونُ تَبَعًا لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ السَّفَرِ
بِهَا ، وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ
لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُ
وَالْجُنْدِيُّ إنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا
لِلْأَمِيرِ إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ
الْأَمِيرِ وَمِنْ الْأَتْبَاعِ الْأَجِيرُ
مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالتِّلْمِيذُ مَعَ
أُسْتَاذِهِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى السَّفَرِ
وَالْأَسِيرُ ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ
التَّابِعُ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ
الْإِقَامَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ
حَتَّى يَعْلَمَ كَمَا فِي تَوَجُّهِ
الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ)
صُورَتُهُ مَنْ سَافَرَ بِنِيَّةِ قَطْعِ
الطَّرِيقِ أَوْ الْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ
الْعَادِلِ أَوْ التَّمَرُّدِ عَلَى
الْمَوْلَى بِأَنْ أَبَقَ الْعَبْدُ أَوْ
خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ
نِسَاءٍ ثِقَاتٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . ا هـ
. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا إطْلَاقُ
النُّصُوصِ) أَيْ نُصُوصِ الرُّخْصَةِ قَالَ
تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا
أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ} [البقرة : 184] فَقَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ
الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيِهَا» وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ
الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ تَعْلِيقَ
الْقَصْرِ عَلَى مُسَمَّى السَّفَرِ فَوَجَبَ
إعْمَالُ إطْلَاقِهَا إلَّا بِمُقَيَّدٍ
وَلَمْ يُوجَدْ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ ، ثُمَّ نَصُّ الْكِتَابِ ،
وَإِنْ وَرَدَ فِي الصَّوْمِ لَكِنْ يَثْبُتُ
الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ بِنَتِيجَةِ
الْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي
الْكُلِّ وَاحِدٌ فَكَأَنَّ زِيَادَةَ قَيْدِ
الْإِبَاحَةِ فِيهِ تَجْرِي مَجْرَى النَّسْخِ
. ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ
مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ)
كَالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ . ا هـ . كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ دُونَ التَّبَعِ إلَخْ) أَمَّا إذَا
كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ لَا يَصِيرُ تَبَعًا
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ا هـ قَالَ فِي
الدِّرَايَةِ وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ
صَلَّى بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ عَامَ حَجِّهِ
مَعَ الرَّشِيدِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ يَا
أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ
فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ فَقَالَ : رَجُلٌ
مِنْهُمْ نَحْنُ أَفْقَهُ بِهَذَا مِنْك
فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ كُنْت فَقِيهًا
مَا تَكَلَّمْت فِي الصَّلَاةِ . ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ : ذُكِرَ فِي
فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ
الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطٌ
لِصِحَّةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ
، وَرِوَايَةُ الْكِتَابِ تَدُلُّ عَلَى
صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِدُونِ الْعِلْمِ
بِحَالِهِ أَنَّهُ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ ؛
لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَالِمِينَ
بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا كَانَ قَوْلُ
الْإِمَامِ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ عَبَثًا
لِاشْتِغَالِهِ بِمَا لَا يُفِيدُ ، وَإِنْ
كَانُوا عَالِمِينَ بِكَوْنِهِ مُقِيمًا كَانَ
هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ كَذِبًا عِنْدَهُمْ
فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا وَقْتَ
الِاقْتِدَاءِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا
ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ
صَلَّى بِالْقَوْمِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ
فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ أَمُسَافِرٌ هُوَ أَوْ مُقِيمٌ
فَصَلَاةُ الْقَوْمِ فَاسِدَةٌ سَوَاءٌ
كَانُوا مُقِيمِينَ أَوْ مُسَافِرِينَ ؛
لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ كَانَ فِي
مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ مُقِيمٌ
وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَإِذَا كَانَ
الْإِمَامُ مُقِيمًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ حِينَ
سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ
سَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُسَافِرٌ
جَازَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ إنْ كَانُوا
مُسَافِرِينَ أَوْ مُقِيمِينَ فَأَتَمُّوا
صَلَاتَهُمْ بَعْدَ فَرَاغِهِ ؛ لِأَنَّهُ
أَخْبَرَ بِمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ
فِيمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ
فَيَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ
قِيلَ فَعَلَى هَذَا إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ
يَجِبَ قَوْلُهُ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ
فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ
إصْلَاحِ صَلَاةِ الْقَوْمِ غَيْرُ
مُتَوَقِّفٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِمَا
أَنَّهُ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ سَلَّمُوا
لِسَلَامِهِ .
وَإِنْ كَانُوا مُقِيمِينَ قَامُوا
وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ
فَإِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ
صَلَاةُ الْكُلِّ وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةُ
إعْلَامٍ أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَاقْتِدَاءً
بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لَا أَمْرًا وَاجِبًا ،
وَكَانَ مُسْتَحَبًّا وَفِي شَرْحِ
الْإِرْشَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ
الْإِمَامُ الْقَوْمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ
أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَإِذَا لَمْ يُخْبِرْ
أَخْبَرَ بَعْدَ السَّلَامِ . ا هـ . وَلَوْ
قَامَ الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي قَبْلَ سَلَامِ
الْإِمَامِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ
سُجُودِهِ رُفِضَ ذَلِكَ وَتَابَعَ الْإِمَامَ
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَجَدَ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَحْكَمْ
خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ
صَلَاةِ الْإِمَامِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَى
الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ بِوَاسِطَةِ
التَّغَيُّرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ
فِيهِمَا فَإِذَا انْفَرَدَ فَسَدَتْ
بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ بَعْدَ
مَا سَجَدَ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ يُتِمُّ
مُنْفَرِدًا فَلَوْ رَفَضَ فَتَابَعَ فَسَدَتْ
لِاقْتِدَائِهِ حَيْثُ وَجَبَ الِانْفِرَادُ .
ا هـ . فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ
وَالْأَسِيرُ إلَخْ) ، وَفِي حُكْمِ
الْأَسِيرِ مَنْ بَعَثَ إلَيْهِ الْمَوْلَى
لِيُؤْتَى بِهِ مِنْ بَلَدِهِ وَالْغَرِيمُ
إذْ أَلْزَمَهُ غَرِيمُهُ أَوْ حَبَسَهُ إنْ
كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ
مِنْ الدَّيْنِ وَمَنْ قَصْدُهُ أَنْ يَقْضِيَ
دَيْنَهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
فَالنِّيَّةُ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ
نِيَّتُهُ وَإِلَّا فَنِيَّةُ الْحَابِسِ . ا
هـ . فَتْحٌ .
وَفِي الدِّرَايَةِ وَالْغَرِيمُ الْمُفْلِسُ
يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ
. ا هـ . وَفِي الدِّرَايَةِ مُسْلِمٌ
أَسَرَهُ الْعَدُوُّ إنْ كَانَ مَسِيرَةُ
الْعَدُوِّ مُدَّةَ سَفَرٍ يَقْصُرُ وَإِلَّا
فَلَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَسْأَلُهُ
فَإِنْ سَأَلَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ يَنْظُرُ
إنْ كَانَ الْعَدُوُّ مُسَافِرًا يَقْصُرُ
وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا الْعَبْدُ يَسْأَلُ
سَيِّدَهُ وَالْأَعْمَى إنْ كَانَ لَهُ
قَائِدٌ فِي السَّفَرِ فَإِذَا كَانَ أَجِيرًا
تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْأَعْمَى ، وَإِنْ كَانَ
مُتَطَوِّعًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ . ا هـ .
كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ) قَالَ
فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ
مِنْ الْمَتْبُوعِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَمَّ
سَيِّدَهُ فِي السَّفَرِ فَنَوَى السَّيِّدُ
الْإِقَامَةَ صَحَّتْ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ
الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ
مِنْ مُقِيمٍ حَالَ سَفَرٍ وَالْعَبْدُ فِي
الصَّلَاةِ فَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ
الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ ، وَلَوْ كَانَ
الْعَبْدُ أَمَّ مَعَ السَّيِّدِ غَيْرَهُ
مِنْ الْمُسَافِرِينَ
(1/216)
وَعَزْلِ
الْوَكِيلِ وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ كَالْعَزْلِ
الْحُكْمِيِّ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ
مُشْتَرَكًا بَيْنَ مُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ
يُتِمُّ وَقِيلَ يَقْصُرُ وَقِيلَ : إنْ كَانَ
بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فِي الْخِدْمَةِ
يَقْصُرُ فِي نَوْبَةِ الْمُسَافِرِ وَيُتِمُّ
فِي نَوْبَةِ الْمُقِيمِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ
الْمُسَافِرُ فِي بَلَدٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا
وَقِيلَ : يَصِيرُ مُقِيمًا وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ
(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَرْطُ
أَدَائِهَا الْمِصْرُ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ
أَدَاءِ الْجُمُعَةِ الْمِصْرُ حَتَّى لَا
يَجُوزَ أَدَاؤُهَا فِي الْمَفَازَةِ وَلَا
فِي الْقُرَى لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - لَا جُمُعَةَ وَلَا
تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا
فِي مِصْرٍ جَامِعٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (وَهُوَ) أَيْ الْمِصْرُ (كُلُّ مَوْضِعٍ
لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ
وَيُقِيمُ الْحُدُودَ) ، وَهَذَا رِوَايَةٌ
عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
الْكَرْخِيِّ وَعَنْهُ أَنَّهُمْ لَوْ
اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَا
يَسَعُهُمْ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَلْخِيّ
وَعَنْهُ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ
كُلُّ مُحْتَرَفٍ وَيُوجَدُ فِيهِ جَمِيعُ مَا
يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي مَعَايِشِهِمْ
وَفِيهِ فَقِيهٌ مُفْتٍ وَقَاضٍ يُقِيمُ
الْحُدُودَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْلُغُ
سُكَّانُهُ عَشْرَةَ آلَافٍ وَقِيلَ : يُوجَدُ
فِيهِ عَشْرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ وَقِيلَ أَنْ
يَكُونَ أَهْلُهُ بِحَالٍ لَوْ قَصَدَهُمْ
عَدُوٌّ يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ وَقِيلَ أَنْ
يَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ فِيهِ كُلِّ
مُحْتَرَفٍ بِحِرْفَتِهِ مِنْ سَنَةٍ إلَى
سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ
بِحِرْفَةٍ أُخْرَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ كُلُّ
مَوْضِعٍ مَصَّرَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ مِصْرٌ
حَتَّى لَوْ بَعَثَ إلَى قَرْيَةٍ نَائِبًا
لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَصِيرُ
مِصْرًا فَإِذَا عَزَلَهُ يُلْتَحَقُ
بِالْقُرَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمِصْرُ كُلُّ بَلْدَةٍ
فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ
وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ
وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ
، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِ الْقُرَى
إذَا كَانَ لَهَا أَبْنِيَةٌ مُجْتَمِعَةٌ
وَفِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَهُمْ
أَحْرَارٌ بَالِغُونَ عُقَلَاءُ مُقِيمُونَ
لَا يَظْعَنُونَ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً إلَّا
ظَعْنَ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إنَّ أَوَّلَ
جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِ عَبْدِ
الْقَيْسِ بِجُوَاثَا قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى
الْبَحْرَيْنِ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «أَوَّلُ مَنْ
جَمَعَ بِنَا فِي حَرَّةَ بَنِي بَيَاضَةَ
أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ . قَالَ قُلْت كَمْ
كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ قَالَ أَرْبَعُونَ
رَجُلًا» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ
وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ»
وَمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ حُذَيْفَةُ لَيْسَ
عَلَى أَهْلِ الْقُرَى جُمُعَةٌ وَإِنَّمَا
الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِثْلَ
الْمَدَائِنِ وَلِأَنَّ لِلْمَدِينَةِ قُرًى
كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
أَمَرَهُمْ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا ،
وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ
لَأَمَرَهُمْ بِهَا وَلَنُقِلَ إلَيْنَا
نَقْلًا مُسْتَفِيضًا وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ
فِيمَا رَوَى مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَمَّا
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلِأَنَّ جُوَاثَا
اسْمٌ لِحِصْنٍ بِالْبَحْرَيْنِ قَالَهُ
الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ قَالَ
صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ هِيَ مَدِينَةٌ
وَالْمَدِينَةُ تُسَمَّى قَرْيَةً قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا
الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ
عَظِيمٍ} [الزخرف : 31] وَهِيَ مَكَّةُ
وَالطَّائِفُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ
مَقْدِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ ذَكَرَهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ
كَانَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الْجُمُعَةُ
وَكَانَتْ بِغَيْرِ إذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا عَلَى
مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا
لِلْيَهُودِ يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلَّ
سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلِلنَّصَارَى يَوْمٌ
فَلْنَجْعَلْ لَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَنَوَى السَّيِّدُ الْإِقَامَةَ صَحَّتْ
نِيَّتُهُ فِي حَقِّ عَبْدِهِ لَا فِي حَقِّ
الْقَوْمِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيُقَدِّمُ
الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ
وَاحِدًا مِنْ الْمُسَافِرِينَ لِيُسَلِّمَ
بِهِمْ ، ثُمَّ يَقُومُ هُوَ وَالسَّيِّدُ
فَيُتِمُّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعًا .
وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا صَلَّى مُسَافِرٌ
بِمُقِيمِينَ وَمُسَافِرِينَ فَأَحْدَثَ
فَقَدَّمَ مُقِيمًا لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُ
الْقَوْمِ أَرْبَعًا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ
الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي
الصَّلَاةِ ، ثُمَّ بِمَاذَا يُعْلَمُ
الْعَبْدُ قِيلَ يَنْصِبُ الْمَوْلَى
أُصْبُعَهُ أَوَّلًا وَيُشِيرُ بِأُصْبُعَيْهِ
، ثُمَّ يَنْصِبُ الْأَرْبَعَةَ وَيُشِيرُ
بِهَا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ
يَلْزَمُهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ
الْمَتْبُوعِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ ، وَهُوَ
الْأَحْوَطُ . ا هـ . (قَوْلُهُ كَالْعَزْلِ
الْحُكْمِيِّ) أَيْ فَيَقْضُونَ مَا صَلَّوْا
قَصْرًا قَبْلَ عِلْمِهِمْ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ قِيلَ يُتِمُّ) أَيْ تَرْجِيحًا
لِلْإِقَامَةِ احْتِيَاطًا . ا هـ . كَاكِيٌّ
.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ يَقْصُرُ) أَيْ لِوُقُوعِ
الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ مُقِيمًا . ا هـ .
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ
الْمُسَافِرُ إلَخْ) أَمَّا الْمُسَافِرَةُ
فَتَصِيرُ مُقِيمَةً بِالتَّزَوُّجِ
اتِّفَاقًا . ا هـ . قُنْيَةٌ.
(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) .
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قِيلَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ
الْبَابَيْنِ أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ
تَنَصَّفَتْ بِوَاسِطَةِ السَّفَرِ وَصَلَاةَ
الْجُمُعَةِ تَنَصَّفَتْ بِوَاسِطَةِ
الْخُطْبَةِ ا هـ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهِيَ
مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ لِاجْتِمَاعِ
النَّاسِ فِيهِ ، وَكَانَ اسْمُهَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ الْعَرُوبَةُ وَقِيلَ أَوَّلُ
مَنْ سَمَّاهَا جُمُعَةً كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ
وَتُسَمَّى يَوْمَ الْمَزِيدِ أَيْضًا
لِتَزَايُدِ الْخَيْرَاتِ فِيهِ أَوْ
لِتَزَايُدِ الثَّوَابِ وَقَدْ يُطْلَقُ
عَلَيْهِ الْعِيدُ أَيْضًا كَمَا جَاءَ فِي
عِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ ا هـ قَالَ فِي
الْمِصْبَاحِ وَضَمُّ الْمِيمِ لُغَةُ
الْحِجَازِ وَفَتْحُهَا لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ
وَإِسْكَانُهَا لُغَةُ عُقَيْلٍ وَقَرَأَ
بِهَا الْأَعْمَشُ وَالْجَمْعُ جُمَعٍ
وَجُمُعَاتٍ مِثْلَ غُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ فِي
وُجُوهِهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ كُلُّ مَوْضِعٍ
لَهُ أَمِيرٌ إلَخْ) يَحْرُسُ النَّاسَ
وَيَمْنَعُ الْمُفْسِدِينَ وَيُقَوِّي
أَحْكَامَ الشَّرْعِ ا هـ ع (قَوْلُهُ
وَيُقِيمُ الْحُدُودَ إلَخْ) فَيَرْجُمُ
الْمُحْصَنَ الزَّانِيَ وَيَجْلِدُ غَيْرَ
الْمُحْصَنِ وَيَقْطَعُ السَّارِقَ وَيَحُدُّ
الْقَاذِفَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ وَيَحْكُمُ
بِالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ وَنَحْوِهَا ا هـ ع
(قَوْلُهُ جُمِّعَتْ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ
صُلِّيَتْ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ ا هـ
(قَوْلُهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي
حَرَّةَ بَنِي بَيَاضَةَ إلَخْ) هِيَ قَرْيَةٌ
عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ا هـ مِنْ
خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى
حَاشِيَةِ مُسَوَّدَتِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
اسْمٌ لِحِصْنٍ) أَيْ فَهِيَ مِصْرٌ إذْ لَا
يَخْلُو الْحِصْنُ عَنْ حَاكِمٍ عَلَيْهِمْ
وَعَالِمٍ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ
مَكَّةُ وَالطَّائِفُ) وَلَا شَكَّ أَنَّ
مَكَّةَ مِصْرٌ . ا هـ . فَتْحٌ
(1/217)
يَوْمًا
نَجْتَمِعُ فِيهِ نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى
وَنُصَلِّي فَقَالُوا : يَوْمَ السَّبْتِ
لِلْيَهُودِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى
فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ
فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ فَصَلَّى بِهِمْ
وَذَكَّرَهُمْ وَسَمَّوْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ بَعْدَ قُدُومِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَقِيلَ : أَوَّلُ
مَنْ سَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعْبُ بْنُ
لُؤَيٍّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مُصَلَّاهُ)
أَيْ مُصَلَّى الْمِصْرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ
عَلَى الْمِصْرِ يَعْنِي شَرْطُ أَدَائِهَا
الْمِصْرُ أَوْ مُصَلَّاهُ وَالْحُكْمُ غَيْرُ
مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ يَجُوزُ فِي
جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّهَا
بِمَنْزِلَتِهِ فِي حَقِّ حَوَائِجِ أَهْلِ
الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ
لِحَوَائِجِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ
الْأَفْنِيَةِ فَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهَا
بِمِيلٍ وَبَعْضُهُمْ بِمِيلَيْنِ وَقِيلَ
بِفَرْسَخَيْنِ وَقِيلَ : بِغَلْوَةٍ وَقِيلَ
إذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْمُصَلَّى
مَزَارِعُ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْجُمُعَةُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنًى مِصْرٌ
لَا عَرَفَاتٌ) حَتَّى تَجُوزُ الْجُمُعَةُ
فِي مِنًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَمِيرَ
الْحِجَازِ أَوْ الْخَلِيفَةُ لَا أَمِيرَ
الْمَوْسِمِ ؛ لِأَنَّهُ يَلِي أُمُورَ
الْحَجِّ لَا غَيْرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا
تَجُوزُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرَى
حَتَّى لَا يُعِيدَ بِهَا ، وَلَهُمَا
أَنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ
الْمَوْسِمِ وَعَدَمُ التَّعَيُّدِ
لِلتَّخْفِيفِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ
الْحَجِّ بِخِلَافِ عَرَفَةَ ؛ لِأَنَّهَا
فَضَاءٌ وَبِمِنًى أَبْنِيَةٌ وَدُورٌ
وَسِكَكٌ وَقَوْلُهُمْ تَتَمَصَّرُ فِي
أَيَّامِ الْمَوْسِمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ
الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ فِيهَا فِي غَيْرِ
أَيَّامِ الْمَوْسِمِ ؛ لِأَنَّهَا لَا
تَبْقَى مِصْرًا بَعْدَهَا وَقِيلَ : تَجُوزُ
؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ ، وَهَذَا
لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ
قَدَّرَ الْفِنَاءَ بِفَرْسَخَيْنِ ؛ لِأَنَّ
بَيْنَهُمَا فَرْسَخَيْنِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَدَّى فِي
مِصْرٍ فِي مَوَاضِعَ) أَيْ تُؤَدَّى
الْجُمُعَةُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوَاضِعَ
كَثِيرَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ
فِي الِاجْتِمَاعِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي
مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ حَرَجًا بَيِّنًا ،
وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي
مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ
بَيْنَهُمَا نَهْرٌ عَظِيمٌ كَدِجْلَةَ
وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ
عَلَيْهِ جِسْرٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ
كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فَإِنْ
أُدِّيَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ
فَالْجُمُعَةُ لِلْأَوَّلِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ إلَخْ)
قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ
الْمَجْمَعِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ «إنَّ
الْأَنْصَارَ قَالُوا إنْ لِلْيَهُودِ يَوْمًا
فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ
وَلِلنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ فَهَلُمُّوا
نَجْعَلُ لَنَا يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ
فَنَذْكُرُ اللَّهَ وَنُصَلِّي فَقَالُوا :
يَوْمَ السَّبْتِ لِلْيَهُودِ : وَيَوْمَ
الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ
الْعَرُوبَةِ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ
بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ
رَكْعَتَيْنِ وَذَكَّرَهُمْ فَسَمُّوهُ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ» ا هـ
قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَيُسَمَّى يَوْمَ
الْعَرُوبَةِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ
الْإِعْرَابِ وَهُوَ التَّحْسِينُ لِتَزَيُّنِ
النَّاسِ فِيهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى
{عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة : 37] أَيْ
مُتَحَسِّنَاتٍ لِبُعُولَتِهِنَّ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ وَقِيلَ بِغَلْوَةٍ إلَخْ) وَقِيلَ
بِمُنْتَهَى حَدِّ الصَّوْتِ إذَا صَاحَ فِي
الْمِصْرِ أَوْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ فَمُنْتَهَى
صَوْتِهِ فِنَاءُ الْمِصْرِ ا هـ ع قَالَ
ابْنُ فِرِشْتَا وَفِنَاءُ الْمِصْرِ مَا
أُعِدَّ لِحَوَائِجِ الْمِصْرِ مِنْ رَكْضِ
الْخَيْلِ وَالْخُرُوجِ لِلرَّمْيِ
وَنَحْوِهِمَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَمِنًى مِصْرٌ) قَالَ الشَّيْخُ
أَبُو نَصْرٍ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ
بِمِنًى فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ ؛
لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ مَكَّةَ فَصَارَتْ
كَرَبْضِ الْمِصْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ
إنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَوْضِعٌ لِذَلِكَ ؛
لِأَنَّ فِيهَا جَامِعًا وَأَسْوَاقًا
مُرَتَّبَةً وَسُلْطَانًا يُقِيمُ الْحُدُودَ
فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فَصَارَتْ كَسَائِرِ
الْأَمْصَارِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا جُمُعَةَ
فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ
الْحَاجِّ كَعَرَفَةَ ا هـ قُلْت وَقَوْلُهُ
فِي الْمَتْنِ وَمِنًى مِصْرٌ اخْتِيَارٌ
لِلْقَوْلِ الثَّانِي فَلَيْسَتْ عِنْدَهُ
مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ . ا هـ . (قَوْلُهُ
وَعَدَمُ التَّعَيُّدِ) أَيْ عَدَمُ
إقَامَتِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا فَضَاءٌ) أَيْ
وَلَيْسَتْ مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ ؛ لِأَنَّ
بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ فَرَاسِخَ . ا هـ .
عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ
فِنَاءِ مَكَّةَ) أَيْ وَتَوَابِعِهَا ؛
لِأَنَّهَا فِي الْحَرَمِ . ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا
فَرْسَخَيْنِ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَقُولُ
تَبِعَهُ فِي هَذَا الْبَدْرُ الْعَيْنِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ فِي
الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَمِنًى مَوْضِعٌ
عَنْ مَكَّةَ فَرْسَخٌ قَوْلُهُ الْعَيْنِيُّ
أَيْ وَالْكَمَالُ أَيْضًا . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ إلَخْ)
قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ
الدِّينِ قَاسِمٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ
تَعَالَى - فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مَا
نَصُّهُ قَالَ فِي الْمِصْرِ : وَلَا تَجُوزُ
بِمَوْضِعَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ
يَعْقُوبَ تَجُوزُ بِمَوْضِعَيْنِ مِنْهُ
فَقَطْ ، ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ
بَيْنَهُمَا نَهْرٌ كَبِيرٌ فَاصِلٌ
وَجَوَّزَهَا مُحَمَّدٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ
وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي الْكَنْزِ وَزَادَ
فِي الزَّيْلَعِيِّ كَثِيرَةً وَهَذِهِ
الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ أَتَى بِهَا مِنْ
عِنْدِهِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الرِّوَايَةِ
بَلْ كُلُّ مَنْ قَالَ فِي مَوَاضِعَ أَرَادَ
ثَلَاثَةً وَكُلُّ مَنْ قَالَ مَوْضِعَيْنِ
وَأَكْثَرَ أَرَادَ ثَلَاثَةً فَقَطْ بَيَانُ
الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ
وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي
مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ فِي مَوْضِعَيْنِ
دُونَ ثَلَاثَةٍ إذَا كَانَ الْمِصْرُ لَهُ
جَانِبَانِ ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَا
بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي
مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ دَفْعًا لِلْحَرَجِ
وَالْمَشَقَّةِ عَنْ النَّاسِ إذَا كَانَتْ
الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً فَإِنَّهُ يَشُقُّ
عَلَى كُلِّ جَانِبٍ الْمَسِيرُ إلَى جَانِبٍ
آخَرَ وَصَارَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ تَجُوزُ فِي
مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ لَا تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا
إذَا كَانَ مِصْرًا لَهُ جَانِبَانِ
بَيْنَهُمَا نَهْرٌ فَيَصِيرُ فِي حُكْمِ
مِصْرَيْنِ كَبَغْدَادَ وَبَيَانُ الثَّانِي
أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ إقَامَةُ
الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فِي
مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَلَفْظُ
الْكَرْخِيِّ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِي
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ
الْجُمُعَةِ فِي الْمَوْضِعِ
وَالْمَوْضِعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ
بِأَكْثَرَ ثَلَاثَةٌ ، وَقَطَعَ
الْقُدُورِيُّ الِاحْتِمَالَاتِ فَقَالَ فِي
التَّقْرِيبِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ
وَثَلَاثَةٍ اسْتِحْسَانًا وَلَا تَجُوزُ
فِيمَا زَادَ لِلِاكْتِفَاءِ بِالصَّلَاةِ فِي
طَرَفَيْ الْمِصْرِ وَوَسَطِهِ وَقَالَ فِي
شَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ
فَقَالَ إنَّ الْمِصْرَ إذَا عَظُمَ وَبَعُدَ
أَطْرَافُهُ شَقَّ عَلَى أَهْلِهِ الْمَسِيرُ
مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ آخَرَ فَجَوَّزَهَا
فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى
ذَلِكَ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَا حَاجَةَ
إلَيْهِ ا هـ . وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ
قَوْلَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
وَأَجَازَهُ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ فِي
الدُّرَرِ وَأَطْلَقَ خِلَافَ الرِّوَايَةِ
عَنْ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي
الصَّحِيحِ فَاخْتَارَ الطَّحْطَاوِيُّ قَوْلَ
أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ
وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ مُحَمَّدٍ ا هـ
(1/218)
تَحْرِيمَةً
وَقِيلَ : فَرَاغًا وَقِيلَ فِيهِمَا جَمِيعًا
، وَقِيلَ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا
تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا فِي
مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ
بَيْنَهُمَا نَهْرٌ عَظِيمٌ كَدِجْلَةَ
وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ
عَلَيْهِ جِسْرٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ
كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فِي
بَغْدَادَ وَقْتَ الصَّلَاةِ لِتَكُونَ
كَمِصْرَيْنِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّلْطَانُ
أَوْ نَائِبُهُ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا
السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ
عَلَى الْمُصَلَّى ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَا يُشْتَرَطُ لَهَا
السُّلْطَانُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِالنَّاسِ
الْجُمُعَةَ حِينَ كَانَ عُثْمَانُ مَحْصُورًا
وَلِأَنَّهَا فَرْضٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا
السُّلْطَانُ كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ وَلَنَا
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «مَنْ تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا بِهَا وَلَهُ
إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ فَلَا جَمَعَ
اللَّهُ شَمْلَهُ» الْحَدِيثَ وَشَرَطَ فِيهِ
أَنْ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ وَقَالَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ أَرْبَعٌ إلَى السُّلْطَانِ
فَذَكَرَ مِنْهَا الْجُمُعَةَ وَمِثْلُهُ لَا
يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ
وَلِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمْعٍ عَظِيمٍ
فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقْدِيمِ
وَالتَّقَدُّمِ وَفِي أَدَائِهَا فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ فَيَلِيهَا
السُّلْطَانُ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ
وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْتَمِلُ أَنَّهُ
فَعَلَهُ بِإِذْنِ عُثْمَانَ فَلَا يَلْزَمُ
حُجَّةٌ مَعَ الِاحْتِمَالِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُ
الظُّهْرِ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا وَقْتَ
الظُّهْرِ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ يَجُوزُ
أَدَاؤُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِحَدِيثِ
جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ،
ثُمَّ نَذْهَبُ إلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا
حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» وَعَنْ سَلَمَةَ
بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا
نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ
ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ
نَسْتَظِلُّ بِهِ» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
أَنَّهُ قَالَ «مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا
نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَلَى
عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» وَقَالَ أَبُو سُهَيْلٍ «إنَّا
كُنَّا نَرْجِعُ مِنْ الْجُمُعَةِ فَنُقِيلُ
قَائِلَةَ الضُّحَى» وَلِأَنَّهَا عِيدٌ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي
هَذَا الْيَوْمِ عِيدَانِ» فَتَجُوزُ قَبْلَ
الزَّوَالِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ ، وَلَنَا
الْمَشَاهِيرُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّيهَا بَعْدَ
الزَّوَالِ» ، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ
الرَّاشِدُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ
الْأَئِمَّةِ فَصَارَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ
عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ
وَإِلَّا لَمَا أَخَّرُوهَا إلَى مَا بَعْدَ
الزَّوَالِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِيهِ إخْبَارٌ
بِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالرَّوَاحَ كَانَا حِينَ
الزَّوَالِ لَا أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ
قَبْلَهُ وَحَدِيثُ سَلَمَةَ مَعْنَاهُ لَيْسَ
لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ طَوِيلٌ بِحَيْثُ
يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمَارُّ ؛ لِأَنَّ
حِيطَانَ الْمَدِينَةِ كَانَتْ قَصِيرَةً
فَلَا يَظْهَرُ الظِّلُّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ
بِهِ الْمَارُّ إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ
وَمَعْنَى حَدِيثِ سَهْلٍ وَأَبِي سُهَيْلٍ
أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ
الْقَيْلُولَةَ وَالْغَدَاءَ إلَى مَا بَعْدَ
الْجُمُعَةِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ
التَّبْكِيرِ إلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (فَتَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ) أَيْ
تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِخُرُوجِ
وَقْتِ الظُّهْرِ ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ
لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا وَقْتُ
الظُّهْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ
الظُّهْرَ عَلَيْهَا لِاخْتِلَافِ
الصَّلَاتَيْنِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُطْبَةُ
قَبْلَهَا) أَيْ الْخُطْبَةُ قَبْلَ صَلَاةِ
الْجُمُعَةِ مِنْ شُرُوطِ أَدَائِهَا ؛
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- لَمْ يُصَلِّهَا بِدُونِهَا فَكَانَتْ
شَرْطًا إذْ الْأَصْلُ هُوَ الظُّهْرُ
وَسُقُوطُهُ بِالْجُمُعَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ
وَمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ
يُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ
النَّصُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ إلَخْ)
قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَكَذَا
رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِهِ نَأْخُذُ ،
وَلَوْ حَصَلَتْ فِي الْمَسْجِدَيْنِ مَعًا
كَانَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا فَاسِدَةً
وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا الْجُمُعَةَ
مَعًا إنْ كَانَتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ،
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِ صَلَّوْا
الظُّهْرَ أَرْبَعًا هَكَذَا ذَكَرَ
الطَّحْطَاوِيُّ هُنَا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ
فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ
وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَأَمَّا
صَلَاةُ الْعِيدِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ
مِنْهُمَا فَجَائِزٌ إجْمَاعًا . ا هـ .
وَفِيهِ وَلَوْ نَزَلَ بِأَهْلِ مِصْرٍ
نَازِلَةٌ وَخَرَجُوا مِنْ الْمِصْرِ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ
الْجُمُعَةَ إنْ كَانُوا فِي فِنَاءِ
الْمِصْرِ صَحَّ ، وَإِنْ كَانُوا بَعِيدًا
لَا وَكَذَا صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ وَالسُّلْطَانُ إلَخْ) قَالَ فِي
الْعُيُونِ وَالِي مِصْرٍ قَدْ مَاتَ وَلَمْ
يَبْلُغْ مَوْتُهُ الْخَلِيفَةَ حَتَّى مَضَتْ
بِهِ الْجُمَعُ فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ
خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبُ شُرْطَةٍ
أَوْ الْقَاضِي جَازَ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ
إلَيْهِمْ أَمْرَ الْعَامَّةِ ، وَلَوْ
اجْتَمَعَتْ الْعَامَّةُ عَلَى أَنْ
يُقَدِّمُوا رَجُلًا مِنْ غَيْرِ أَمْرِ
خَلِيفَةِ الْمَيِّتِ أَوْ الْقَاضِي لَمْ
يَجُزْ وَلَمْ تَكُنْ جُمُعَةً ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ إلَّا
إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قَاضٍ وَلَا
خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ بِأَنْ كَانَ الْكُلُّ
هُوَ الْمَيِّتُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِأَجْلِ
الضَّرُورَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِالنَّاسِ
وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مَحْصُورٌ لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ
وَشَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ
إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَجُوزُ خَلْفَ
الْمُتَغَلِّبِ الَّذِي هُوَ لَا مَنْشُورَ
لَهُ مِنْ السُّلْطَانِ إذَا كَانَتْ
سِيرَتُهُ فِي رَعِيَّتِهِ سِيرَةُ
الْأُمَرَاءِ ا هـ (قَوْلُهُ قَطْعًا
لِلْمُنَازَعَةِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو
نَصْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّهَا
لَوْ لَمْ تُجْعَلْ إلَى السُّلْطَانِ أَدَّى
ذَلِكَ إلَى تَفْوِيتِهَا عَلَى النَّاسِ ؛
لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَسْبِقُ إلَى إقَامَتِهَا
لِغَرَضٍ مَعَ نَفَرٍ يَسِيرٍ فَيُفَوِّتُهَا
عَلَى الْبَاقِينَ فَجُعِلَتْ إلَى
السُّلْطَانِ لِيُسَوِّيَ بَيْنَ النَّاسِ
وَلَا تَفُوتَ بَعْضَهُمْ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَقْتُ الظُّهْرِ
إلَخْ) وَقَالَ مَالِكٌ تَصِحُّ وَقْتَ
الْعَصْرِ . ا هـ . أَقْطَعُ (قَوْلُهُ
لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ) خِلَافًا
لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ا هـ ع.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخُطْبَةُ
قَبْلَهَا إلَخْ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
[الجمعة : 9] وَالسَّعْيُ لَا يَجِبُ إلَى مَا
لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ
بِاسْتِمَاعِهَا وَنَهَى عَنْ التَّشَاغُلِ
عَنْهَا ، وَهَذَا صِفَةُ الْوَاجِبِ . ا هـ .
أَقْطَعُ (قَوْلُهُ مِنْ شُرُوطِ أَدَائِهَا)
أَيْ حَتَّى لَوْ صَلَّوْا بِلَا خُطْبَةٍ
أَوْ خَطَبُوا قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يَجُزْ
. ا هـ . عَيْنِيٌّ ، وَلَوْ خَطَبَ بَعْدَ
مَا صَلَّى لَمْ يَجُزْ ، وَفِي الْعِيدِ لَوْ
قَدَّمَ الْخُطْبَةَ ، ثُمَّ صَلَّى يَجُوزُ
وَالْفَرْقُ أَنَّا نَعْتَبِرُ التَّغْيِيرَ
بِالتَّرْكِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا ؛
لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ فِي
الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا لَوْ غَيَّرَ
مَوْضِعَهَا ، وَلَوْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ فِي
الْعِيدِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا غَيَّرَ
مَوْضِعَهَا ا هـ
(1/219)
وَهِيَ قَبْلَ
الصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ
بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ
الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانُوا صُمًّا أَوْ
نِيَامًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُسَنُّ
خُطْبَتَانِ بِجِلْسَةٍ بَيْنَهُمَا
وَبِطَهَارَةِ قَائِمًا) بِهَا وَرَدَ
النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ عَنْهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، وَلَوْ خَطَبَ
خُطْبَةً وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَجْلِسْ
بَيْنَهُمَا أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ
غَيْرِ قَائِمٍ جَازَتْ لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ
إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ
التَّوَارُثِ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا إذَا
كَانَ جُنُبًا كَأَذَانِهِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ فِي
جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ
مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ فَتَكُونُ
بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ
لَهَا دُخُولُ الْوَقْتِ فَلِذَا يُشْتَرَطُ
لَهَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ سَتْرِ
الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةِ الْمَكَانِ
وَالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ ، وَعِنْدَنَا لَا
تَقُومُ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى
الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهَا تُنَافِي الصَّلَاةَ
لِمَا فِيهَا مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ
وَالْكَلَامِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا
شَرَائِطُ الصَّلَاةِ وَرُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ
مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ خَطَبُوا
خُطْبَةً وَاحِدَةً مِنْهُمْ عَلِيٌّ
وَالْمُغِيرَةُ وَأُبَيُّ وَلَمْ يُنْكِرْ
عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَجُلُوسُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
لِلِاسْتِرَاحَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَتْ
تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ أَوْ
تَسْبِيحَةٌ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى
{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة :
9] وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَارْتُجَّ
عَلَيْهِ فَنَزَلَ وَصَلَّى بِمَحْضَرٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ
يُسَمَّى خُطْبَةً ، وَأَقَلُّهُ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ يُثْنِي بِهَا عَلَى اللَّهِ
تَعَالَى وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ
الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ ، وَمَا دُونَ
ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً عُرْفًا وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ
مِنْ خُطْبَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ
وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا
رَوَيْنَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا دُونَ
ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً عُرْفًا ،
وَلَئِنْ سَلِمَ فَهُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ
وَقَعَ لِأَجْلِ الِاسْتِحْبَابِ ، وَنَحْنُ
نَقُولُ بِهِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ
عَلَى الْأَدْنَى كَمَا فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ
[شَرَائِط أَدَائِهَا]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَمَاعَةُ)
أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا الْجَمَاعَةُ ؛
لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا وَلِأَنَّ
الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا
تَصِحُّ مِنْ الْمُنْفَرِدِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُمْ
ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَهِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ
دُخُولِ الْوَقْتِ إلَخْ) فَلَوْ خَطَبَ
قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ
لَا تَجُوزُ ، وَإِنْ شُرِعَتْ الْخُطْبَةُ
شَرْطًا لِلْجَوَازِ وَالشُّرُوطُ تَكُونُ
مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَشْرُوطِ لَهُ إلَّا
أَنَّهَا شُرِعَتْ بِمَنْزِلَةِ
الرَّكْعَتَيْنِ ، وَهُوَ الشَّفْعُ الثَّانِي
فَكَمَا لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الشَّفْعِ
قَبْلَ الْوَقْتِ فَكَذَا الْخُطْبَةُ . ا هـ
. ذَخِيرَةٌ ، وَفِيهَا وَلَوْ خَطَبَ فِي
الْوَقْتِ وَالْقَوْمُ غُيَّبٌ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا
يُعْتَدُّ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ
رَكْعَتَيْنِ ، وَهَذِهِ إقَامَةٌ عُرِفَتْ
بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالشَّرْعِ ؛ لِأَنَّهُ
لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا فَيُرَاعَى
لِإِقَامَتِهَا جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ
النَّصُّ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ
مَا خَطَبُوا إلَّا عِنْدَ الْجَمْعِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ
إلَخْ) فَإِنْ خَطَبَ وَحْدَهُ أَوْ
بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ لَا
يَجُوزُ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُسَنُّ
خُطْبَتَانِ بِجِلْسَةٍ إلَخْ) وَمِقْدَارُهَا
أَنْ يَسْتَقِرَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ فِي
مَوْضِعِهِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ
بِغَيْرِ طَهَارَةٍ إلَخْ) قَالَ أَبُو نَصْرٍ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَلَوْ خَطَبَ عَلَى
غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ ا
هـ (فَرْعٌ) خَطَبَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ
فَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ
نَظَرَ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مِمَّنْ شَهِدَ
الْخُطْبَةَ صَحَّ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ
شَهِدَ بَعْضَهَا ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ
وَيُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ فَلَوْ أَمَرَ
هَذَا الْمَأْمُورُ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ
الْخُطْبَةَ غَيْرَهُ مِمَّنْ شَهِدَ
الْخُطْبَةَ أَوْ بَعْضَهَا لَمْ يَجُزْ
أَيْضًا ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ
الْأَوَّلُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ إلَّا أَنَّهُ
عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَأَمَرَ مَنْ شَهِدَ
الْخُطْبَةَ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ
الْجُمُعَةَ ، وَلَوْ أَمَرَ الْمَأْمُورُ
الْأَوَّلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ
مَجْنُونًا لَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ وَلَا
يَجُوزُ لَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَأْمُرُوا
غَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ ؛
لِأَنَّ الْأَمْرَ وَقَعَ فَاسِدًا . ا هـ . ش
الطَّحَاوِيُّ ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ
الْأَوَّلَ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ
سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ
يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ جَازَ لَهُ أَنْ
يَبْنِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ شُرُوعُهُ
فِي الْجُمُعَةِ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ مَنْ
شَهِدَ الْخُطْبَةَ ا هـ .
(فَائِدَةٌ) مِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ أَنْ
يَسْتَقْبِلَ الْقَوْمَ بِوَجْهِهِ
مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ ، وَالْقَوْمُ
يَسْتَقْبِلُونَهُ بِوُجُوهِهِمْ وَهَلْ
يُسَلِّمُ الْخَطِيبُ عَلَيْهِمْ فَعِنْدَنَا
لَا يُسَلِّمُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ
السَّلَامِ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى الْمِنْبَرِ
وَدُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ سُنَّةٌ
عِنْدَ تَوَجُّهِهِ إلَيْهِمْ كَذَا رُوِيَ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحُجَّةُ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا
صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» وَمَا رَوَاهُ
ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ سُنَنِ
الْخُطْبَةِ أَنْ لَا يُطَوِّلَهَا ؛
لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِتَقْصِيرِ
الْخُطْبَةِ» . ا هـ . أَبُو الْبَقَاءِ
(قَوْلُهُ كَانَ لِلِاسْتِرَاحَةِ إلَخْ)
ذَكَرَ الْغَزْنَوِيُّ فِي شَرْحِ
الْقُدُورِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ فِي
الْجُمُعَةِ خُطْبَةً وَاحِدَةً فَلَمَّا
ثَقُلَ جَعَلَهَا خُطْبَتَيْنِ» . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ
إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ ا هـ
ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَهْلِيلَةٌ)
أَيْ قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ا هـ ع
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَسْبِيحَةٌ)
أَيْ قَوْلُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ ا هـ ع
(قَوْلُهُ فَارْتُجَّ عَلَيْهِ) أَيْ فَقَالَ
إنَّكُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ
مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ ، وَإِنَّ
أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَرْتَادَانِ
لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا وَسَتَأْتِيكُمْ
الْخُطَبُ مِنْ بَعْدُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
لِي وَلَكُمْ . ا هـ . أَقْطَعُ ، وَفِي
الْحَقَائِقِ لَوْ قَالَ فِي خُطْبَةِ
الْجُمُعَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ
اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَانَ
هَذَا خُطْبَةً تَجُوزُ بِهِ الْجُمُعَةُ
وَقَالَا لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِهَذَا
الْقَدْرِ مِنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى يَكُونَ
كَلَامًا يُسَمَّى خُطْبَةً فِي الْعَادَةِ
إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ
قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى قَصْدِ
الْخُطْبَةِ حَتَّى إذَا أَجَابَ عَاطِسًا لَا
يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الزَّرَنْجَرِيُّ
: أَقَلُّ مَا يُسَمَّى خُطْبَةً عَلَى
قَوْلِهِمَا مِقْدَارُ التَّشَهُّدِ مِنْ
قَوْلِهِ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى
قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مِنْ
الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ
الْمُنْفَرِدِ) حَتَّى لَوْ كَبَّرَ
الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْجُمُعَةِ
وَحْدَهُ وَكَبَّرَ الْقَوْمُ خَارِجَ
الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ لَا
تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ كَذَا ذَكَرَهُ هَذَا
الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ
سَبْقِ الْحَدَثِ فَلْيُنْظَرْ عِنْدَ قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا -
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ الْفَقِيهُ فِي
بَابِ الِاقْتِدَاءِ إلَخْ وَمَا يَمْنَعُهُ
بَعْدَ أَنْ رَقَمَ
(1/220)
الْجَمَاعَةِ
ثَلَاثَةٌ (سِوَى الْإِمَامِ) ، وَهَذَا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ ؛
لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى
الِاجْتِمَاعِ ، وَهِيَ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أَقَلُّهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَحْرَارٌ
مُقِيمُونَ لَا يَظْعَنُونَ صَيْفًا وَلَا
شِتَاءً إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ لِمَا رُوِيَ
عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «مَضَتْ
السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا
وَفِي أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ جُمُعَةً
وَأَضْحَى وَفِطْرًا» وَلِحَدِيثِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
تَحْدِيدِ الْمِصْرِ وَلَهُمَا أَنَّ
الْجَمْعَ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ الثَّلَاثُ
لِكَوْنِهِ جَمْعًا تَسْمِيَةً ، وَمَعْنًى
وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ ، وَكَذَا
الْإِمَامُ فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا مِنْ
الْآخَرِ ، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِذَا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة :
9] يَقْتَضِي مُنَادِيًا وَذَاكِرًا
وَالسَّاعِينَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اسْعَوْا
جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ وَمَعَ
الْمُنَادَى ثَلَاثَةٌ وَمَا رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ضَعَّفَهُ
أَهْلُ النَّقْلِ حَتَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ
مِنْهُمْ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ ، وَكَذَا
حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يُمْكِنُ
الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ
قَبْلُ وَيَرُدُّهُ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي
قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}
[الجمعة : 11] أَيْ قَائِمًا تَخْطُبُ أَنَّهُ
لَمْ يَبْقَ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا
وَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا عُقِدَتْ بِاثْنَيْ
عَشَرَ رَجُلًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَفَرُوا
قَبْلَ سُجُودِهِ بَطَلَتْ) يَعْنِي إذَا
أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ ثُمَّ
نَفَرُوا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ بَطَلَتْ
الْجُمُعَةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ ، وَلَوْ نَفَرُوا
بَعْدَ السُّجُودِ لَا تَبْطُلُ إلَّا عَلَى
قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْجَمَاعَةُ
شَرْطٌ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْوَقْتِ
وَالطَّهَارَةِ ، وَلَهُمَا أَنَّ
الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَقَدْ
انْعَقَدَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا
كَالْخُطْبَةِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدْرَكَ
الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ بَنَى عَلَيْهِ
الْجُمُعَةَ لِوُجُودِ الِانْعِقَادِ ، وَإِنْ
لَمْ يُشَارِكْهُ فِي رَكْعَةٍ وَلَهُ أَنَّ
الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ لَكِنَّ
الِانْعِقَادَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ
وَلَا يَتِمُّ الشُّرُوعُ فِيهَا مَا لَمْ
يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ إذْ
لَيْسَ لِمَا دُونَهَا حُكْمُ الصَّلَاةِ ؛
وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا
يُصَلِّي مَا لَمْ يَسْجُدْ وَلَا يَتِمُّ
الِانْعِقَادُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي
الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ
وَحْدَهُ أَيْضًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ
يَشْرَعُ فِي الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ ابْتِدَاءً
بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَإِنْ لَمْ
يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ وَمَعَ هَذَا لَوْ
نَفَرُوا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمُوا بَطَلَتْ ،
وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الشُّرُوعِ كَافِيًا
لَمَا بَطَلَتْ وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ
النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا بِمَا
دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الرِّجَالِ ؛ لِأَنَّ
الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ بِخِلَافِ
الْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى
وَالْأُمِّيِّينَ وَالْخُرَسَاءُ ؛ لِأَنَّهَا
تَنْعَقِدُ بِهِمْ ؛ وَلِهَذَا صَلَحُوا
لِلْإِمَامَةِ فِيهَا فَإِنَّ الْأُمِّيَّ
وَالْأَخْرَسَ يَصْلُحُ أَنْ يَؤُمَّ فِي
الْجُمُعَةِ قَوْمًا مِثْلَهُ بَعْدَ مَا
خَطَبَ غَيْرُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ
وَلَمْ يُحْرِمُوا حَتَّى قَرَأَ وَرَكَعَ
فَأَحْرَمُوا بَعْدَ مَا رَكَعَ فَإِنْ
أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ صَحَّتْ
الْجُمُعَةُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي
الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، وَإِلَّا فَلَا
لِعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ ؛
لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَيَكْتَفِي
بِالِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ
لِكَوْنِهِ بَانِيًا عَلَى صَلَاتِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِذْنُ
الْعَامُّ) أَيْ مِنْ شَرْطِ أَدَائِهَا أَنْ
يَأْذَنَ الْإِمَامُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا
حَتَّى لَوْ غَلَقَ بَابَ قَصْرِهِ وَصَلَّى
بِأَصْحَابِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ
شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِ الدِّينِ
فَتَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَى سَبِيلِ
الِاشْتِهَارِ ، وَإِنْ فَتَحَ بَابَ قَصْرِهِ
وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ
يَجُوزُ وَيُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ
حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ
[شَرَائِط وُجُوبهَا]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُ
وُجُوبِهَا الْإِقَامَةُ وَالذُّكُورَةُ
وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَسَلَامَةُ
الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) لَمَّا فَرَغَ
مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ وَهِيَ فِي غَيْرُ
الْمُصَلَّى شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ
الْوُجُوبِ وَهِيَ الْأَوْصَافُ الَّتِي
تَكُونُ فِي الْمُصَلِّي وَقَدْ بَقِيَ لَهُ
مِنْهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَإِنَّهُمَا
مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ أَيْضًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا
جُمُعَةَ عَلَيْهِ إنْ أَدَّاهَا جَازَ عَنْ
فَرْضِ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ
لِأَجْلِهِ تَخْفِيفًا فَإِذَا تَحَمَّلَهُ
جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ كَالْمُسَافِرِ
إذَا صَامَ وَاَلَّذِي لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ
هُوَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ
وَالْعَبْدُ وَالْمُخْتَفِي مِنْ السُّلْطَانِ
الظَّالِمِ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى
الْمَشْيِ كَالْمُقْعَدِ وَالْمَفْلُوجِ
وَمَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي
وَالْأَعْمَى ، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا عَلَى
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ
الْمَأْذُونِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِعَلَاءٍ الْحَامِيِّ مَعَهُ صَفٌّ وَاحِدٌ
فِي الْمَسْجِدِ وَبَاقِيهِ خَالٍ فَقَامَ
رَجُلٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَزِيقَ الْبَابِ
وَاصْطَفَّ النَّاسُ عِنْدَهُ تَجُوزُ
صَلَاتُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانٌ
وَاحِدٌ فَاَلَّذِي عِنْدَ الْإِمَامِ
كَأَنَّهُ عِنْدَ الْبَابِ حُكْمًا وَمِثْلُهُ
عَنْ عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ
بَكْرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَشَرْحِ
السَّرَخْسِيِّ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ
ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ.
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى
الِاجْتِمَاعِ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فِي أُصُولِهِ ظَنَّ مِنْ
أَصْحَابِنَا أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ عَلَى
قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اثْنَانِ عَلَى قِيَاسِ
قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَقَدَّرَهُ بِالْوَصَايَا وَالْمَوَارِيثِ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَقَلُّ
الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ حَتَّى لَوْ
قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ تَلْزَمُهُ
ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ، وَلَوْ قَالَتْ
خَالَعَنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ
دَرَاهِمَ ، وَفِي يَدِهَا دِرْهَمٌ أَوْ
دِرْهَمَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا
شَيْءٌ يَلْزَمُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ،
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ نِسَاءً وَلَا
يَشْتَرِي عَبِيدًا أَوْ لَا يُكَلِّمُ
رِجَالًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالثَّلَاثَةِ
وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ
عَلَى أَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ
وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الْإِمَامَ مِنْ
جُمْلَةِ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ
عَلَيْهِمَا كَالثَّلَاثَةِ . ا هـ . شَرْحُ
الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ
وَمَعَ الْمُنَادِي ثَلَاثَةٌ) ، وَكَذَا مَعَ
الذَّاكِرِ يَصِيرُونَ أَرْبَعَةً . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ
إلَخْ) ، وَلَوْ افْتَتَحَ الْإِمَامُ
وَخَلْفَهُ قَوْمٌ فَلَمْ يَفْتَتِحُوا ،
وَنَفَرُوا وَبَقِيَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ
؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ انْعِقَادِ
الْجُمُعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَوْ جَاءَ
قَوْمٌ آخَرُونَ فَوَقَفُوا خَلْفَ الْإِمَامِ
، ثُمَّ نَفَرَ الْأَوَّلُونَ فَإِنَّ
الْإِمَامَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ لِوُجُودِ
الشَّرْطِ . ا هـ . بَدَائِعُ.
(قَوْلُهُ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) وَهِيَ
رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَإِنَّمَا كَانَ
هَذَا شَرْطًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
شَرَطَ النِّدَاءَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
[الجمعة : 9] وَالنِّدَاءُ لِلْإِشْهَارِ ،
وَكَذَا تُسَمَّى جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ
النَّاسِ فِيهَا فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ
الْجَمَاعَاتُ كُلُّهَا مَأْذُونِينَ
تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْمِ . ا هـ .
بَدَائِعُ
(1/221)
وَالْعَبْدِ
الَّذِي حَضَرَ بَابَ الْجَامِعِ لِيَحْفَظَ
دَابَّةَ مَوْلَاهُ وَأَمْكَنَهُ الْأَدَاءُ
مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخِلَّ بِالْحِفْظِ
وَالْأَجِيرِ ؛ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلِلْمُسَافِرِ ، وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ
أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا) وَقَالَ زُفَرُ لَا
تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ
وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا جَازَتْ
صَلَاتُهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ فَلَا
يَكُونُ أَصْلًا وَلَنَا أَنَّهُمْ أَهْلُ
الْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُمْ
الْوُجُوبُ تَحْقِيقًا لِلرُّخْصَةِ فَإِذَا
حَضَرُوا تَقَعُ فَرْضًا كَالْمُسَافِرِ إذَا
صَامَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ
مَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ وَبِخِلَافِ
الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ
إمَامًا لِلرِّجَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ) أَيْ تَنْعَقِدُ
بِحُضُورِهِمْ الْجُمُعَةَ حَتَّى لَوْ لَمْ
يَحْضُرْ غَيْرُهُمْ جَازَتْ ؛ لِأَنَّهُمْ
صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَأَوْلَى أَنْ
يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا
عُذْرَ لَهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهَا
كُرِهَ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ ظُهْرُهُ
قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ
؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الْأَصْلُ إذْ
هِيَ الْمَأْمُورُ بِهَا دُونَ الظُّهْرِ
وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا فَلَا يُصَارُ
إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ
وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الظُّهْرُ
لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ دُونَ الْجُمُعَةِ
لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا تَتِمُّ
بِهِ وَحْدَهُ وَالتَّكْلِيفُ يَعْتَمِدُ
الْوُسْعَ ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْهُ
الْجُمُعَةُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ
وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَقْضِي بِنِيَّةِ
الظُّهْرِ ، وَهَذَا آيَةُ الْفَرْضِيَّةِ
إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ
بِالْجُمُعَةِ فَيَكُونُ بِتَرْكِهِ مُسِيئًا
فَيُكْرَهُ ، وَهَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى
أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ
عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ زُفَرَ الْجُمُعَةُ
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي
مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى
فَرْضَ الْوَقْتِ يَصِيرُ شَارِعًا فِي
الظُّهْرِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَهُ فِي
الْجُمُعَةِ وَالثَّانِي لَوْ تَذَكَّرَ
فَائِتَةً عَلَيْهِ وَكَانَ لَوْ اشْتَغَلَ
بِالْقَضَاءِ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ
الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِي وَيُصَلِّي
الظُّهْرَ بَعْدَهُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ
زُفَرَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لِسُقُوطِ
التَّرْتِيبِ بِضِيقِ الْوَقْتِ عِنْدَهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَعَى
إلَيْهَا بَطَلَ) أَيْ فَإِنْ سَعَى إلَى
الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ
بَطَلَ ظُهْرُهُ هَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ
فِي الصَّلَاةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ
يُدْرِكَهَا أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا بَعْدُ
وَأَقَامَهَا الْإِمَامُ بَعْدَ السَّعْيِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْهَا أَوْ
كَانَ سَعْيُهُ مُقَارِنًا لِفَرَاغِهِ أَوْ
لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ لِعُذْرٍ أَوْ
لِغَيْرِهِ فَلَا يَبْطُلُ وَالْمُعْتَبَرُ
فِي ذَلِكَ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ حَتَّى
لَا يَبْطُلَ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ ،
وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ
وَقْتَ الِانْفِصَالِ وَلَكِنَّهُ لَا
يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا لِبُعْدِ
الْمَسَافَةِ فَلَا يَبْطُلُ عِنْدَ
الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلُ عِنْدَ مَشَايِخِ
بَلْخٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا
يَبْطُلُ ظُهْرُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ
الْإِمَامِ ، وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى
يُتِمَّهَا حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا بَعْدَ
مَا شَرَعَ فِيهَا لَا يَبْطُلُ الظُّهْرُ ،
لَهُمَا أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ
دُونَ الظُّهْرِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ
الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهُ فَيَبْطُلُ
بِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّعْيَ
إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ خَصَائِصِهَا فَيُعْطَى
لَهُ حُكْمُهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِسَعْيٍ إلَيْهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا
صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْجَامِعِ وَلَمْ
يُصَلِّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ حَيْثُ
لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَرْغَبْ فِي الْجُمُعَةِ وَلَا فَرْقَ فِي
هَذَا بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ حَتَّى
لَوْ صَلَّى الْمَرِيضُ وَنَحْوُهُ الظُّهْرَ
فِي مَنْزِلِهِ ، ثُمَّ سَعَى إلَى
الْجُمُعَةِ بَطَلَ ظُهْرُهُ عَلَى
الِاخْتِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُ
بِالِالْتِزَامِ يَلْتَحِقُ بِالصَّحِيحِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ
لِلْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ أَدَاءُ
الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمِصْرِ) يُرْوَى
ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- ؛ وَلِأَنَّ فِي أَدَاءِ الظُّهْرِ
بِجَمَاعَةٍ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا
تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ فِي الْجَامِعِ
وَمُعَارَضَتَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ
بِخِلَافِ أَهْلِ السَّوَادِ ؛ لِأَنَّهُ لَا
جُمُعَةَ هُنَاكَ فَلَا يُفْضِي إلَى
التَّقْلِيلِ ، وَلَا إلَى الْمُعَارَضَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ
أَدْرَكَهَا فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي
سُجُودِ السَّهْوِ أَتَمَّ جُمُعَةً) وَقَالَ
مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ مَعَ الْإِمَامِ أَتَمَّ
جُمُعَةً وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا أَتَمَّ
ظُهْرًا ؛ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ
ظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ
الشُّرُوطِ فِي حَقِّهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا
اعْتِبَارًا لِلظُّهْرِ وَيَقْعُدُ عَلَى
رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا مَحَالَةَ
اعْتِبَارًا لِلْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ
وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ
فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ فَمَا
أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ
فَاقْضُوا» فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ ،
وَهُوَ الَّذِي صَلَّاهُ الْإِمَامُ قَبْلَ
الِاقْتِدَاءِ بِهِ لَا صَلَاةٌ أُخْرَى
وَلِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ
نِيَّةُ الْجُمُعَةِ وَلَا وَجْهَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الَّذِي حَضَرَ بَابَ
الْجَامِعِ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي
الْعَبْدِ إذَا حَضَرَ مَعَ مَوْلَاهُ
الْجُمُعَةَ أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ
لِيَحْفَظَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْجَامِعِ
أَوْ فِي الْمُصَلَّى هَلْ لَهُ أَنْ
يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ بِغَيْرِ
إذْنِ الْمَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ
بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ لَا
يُخِلُّ بِحَقِّ مَوْلَاهُ فِي إمْسَاكِ
دَابَّتِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ
لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ ، وَإِنْ تَمَكَّنَ
مِنْ ذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي
أَدَائِهَا . ا هـ . ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ إلَخْ) أَيْ
لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ أَنْ
يَؤُمَّ فِيهَا ا هـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ
وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ عَبْدَهُ عَنْ
الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ وَالْعِيدَيْنِ
وَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْجُمُعَةُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ
أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ) يَصِيرُ
مُدْرِكًا لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي
بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ قَوْلُ
زُفَرَ . ا هـ . بَدَائِعُ وَكَتَبَ مَا
نَصُّهُ أَيْ بِأَنْ يُشَارِكَهُ فِي
رُكُوعِهَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا
أَتَمَّهَا ظُهْرًا إلَخْ) وَأَمَّا إذَا
أَدْرَكَهُ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَ
مَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ
وَعَادَ إلَيْهِمَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُدْرِكًا
لِلْجُمُعَةِ لِوُقُوعِ الْمُشَارَكَةِ فِي
التَّحْرِيمَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ
لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِانْعِدَامِ
الْمُشَارَكَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ
الصَّلَاةِ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا وَلَا
تَكُونُ الْأَرْبَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ظُهْرًا
مَحْضًا حَتَّى قَالَ يَقْرَأُ فِي
الْأَرْبَعِ كُلِّهَا وَعَنْهُ فِي افْتِرَاضِ
الْقَعْدَةِ الْأُولَى رِوَايَتَانِ فِي
رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْهُ فَرْضٌ ،
وَفِي رِوَايَةِ الْمُعَلَّى عَنْهُ لَيْسَتْ
بِفَرْضٍ فَكَأَنَّ مُحَمَّدًا سَلَكَ
طَرِيقَةَ الِاحْتِيَاطِ لِتَعَارُضِ
الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ مَا
يَخْرُجُ عَنْ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ جُمُعَةً
كَانَ الْفَرْضَ أَوْ ظُهْرًا وَقِيلَ عَلَى
قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْأَرْبَعُ ظُهْرٌ
مَحْضٌ . ا هـ . بَدَائِعُ قَوْلُهُ «فَلَا
تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ إلَخْ
وَلَكِنْ ائْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ
السَّكِينَةُ» . ا هـ ..
(1/222)
لِمَا ذَكَرَ ؛
لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا تُبْنَى
إحْدَاهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْأُخْرَى ؛
وَلِهَذَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ ، وَهُوَ فِي
الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ بِنَاءُ
الظُّهْرِ عَلَيْهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا خَرَجَ
الْإِمَامُ) أَيْ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ
(فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ) ، وَهَذَا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَقَالَا لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إذَا خَرَجَ
قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ
أَنْ يُكَبِّرَ وَاخْتَلَفَا فِي جُلُوسِهِ
إذَا سَكَتَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُبَاحُ
لَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُبَاحُ لَهُ ،
لَهُمَا أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِلْإِخْلَالِ
بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ
هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا
تَمْتَدُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا
كَلَامَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ
الْكَلَامَ قَدْ يَمْتَدُّ فَأَشْبَهَ
الصَّلَاةَ وَالنَّائِي عَنْ الْمِنْبَرِ لَا
يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ النَّاسِ وَلَا بَأْسَ
بِأَنْ يُسَبِّحَ وَيُهَلِّلَ وَيَقْرَأَ
الْقُرْآنَ فِي رِوَايَةٍ وَالْأَحْوَطُ
الْإِنْصَاتُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ
السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ
الْأَوَّلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ} [الجمعة : 9] وَقِيلَ بِالْأَذَانِ
الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - إلَّا هُوَ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ ؛
لِأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ عِنْدَ الْأَذَانِ
الثَّانِي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّنَّةِ
قَبْلَهَا ، وَمِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ
بَلْ يُخْشَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ السَّعْيُ
وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ ؛
لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْجُمُعَةِ يَجِبُ
بِدُخُولِ الْوَقْتِ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْ
لَهَا أَحَدٌ ؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ
الْأَذَانُ قَبْلَ الْوَقْتِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَلَسَ
عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ
وَأُقِيمَ بَعْدَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ)
بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ - وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ - .
(بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَجِبُ صَلَاةُ
الْعِيدَيْنِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ
الْجُمُعَةُ بِشَرَائِطِهَا) أَيْ بِشَرَائِطِ
الْجُمُعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ) أَيْ
وَلَا يُشَمِّتُوا الْعَاطِسَ وَلَمْ يَذْكُرْ
مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْعَاطِسَ
وَقْتَ الْخُطْبَةِ مَاذَا يَصْنَعُ رَوَى
الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي
نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ وَإِذَا
فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الْخُطْبَةِ يَحْمَدُ
اللَّهَ تَعَالَى بِلِسَانِهِ . ا هـ .
ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَا فِي
جُلُوسِهِ إذَا سَكَتَ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هُنَا فَصْلٌ
آخَرُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ أَنَّهُ
إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ ،
وَلَكِنَّهُ أَشَارَ بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ
أَوْ بِعَيْنِهِ نَحْوَ ، إنْ رَأَى مُنْكَرًا
مِنْ إنْسَانٍ فَنَهَاهُ بِيَدِهِ أَوْ
أُخْبِرَ بِخَبَرٍ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ هَلْ
يُكْرَهُ ذَلِكَ ؟ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ
كَرِهَ وَسَوَّى بَيْنَ الْإِشَارَةِ
بِالرَّأْسِ وَبَيْنَ التَّكَلُّمِ
بِاللِّسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ
فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهُوَ
يَخْطُبُ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ» .
ا هـ . ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَالنَّائِي عَنْ
الْمِنْبَرِ إلَخْ) قَالَ الْأَقْطَعُ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ
فِيمَنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْإِمَامِ لَا
يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ فَاخْتَارَ مُحَمَّدُ
بْنُ سَلَمَةَ السُّكُوتَ وَاخْتَارَ نَصْرُ
بْنُ يَحْيَى قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ ا هـ قَالَ
الْوَلْوَالِجِيُّ النَّائِي عَنْ الْخَطِيبِ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا
يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ لَا يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ بَلْ يَسْكُتُ هُوَ الْمُخْتَارُ ؛
لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ
وَالْإِنْصَاتُ مَقْصُودٌ فَإِنْ لَمْ
يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِمَاعِ قَدَرَ عَلَى
الْإِنْصَاتِ . ا هـ . وَالصَّلَاةُ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ
وَتَكَلَّمُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ
مِنْهُمْ مَنْ قَالَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي
الْمَقْصُورَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا
يَلِي الْمَقْصُورَةَ ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ
الْعَامَّةُ عَنْ الدُّخُولِ فِي
الْمَقْصُورَةِ فَلَا يَتَطَرَّقُ الْعَامَّةُ
إلَى الدُّخُولِ ا هـ وَتَكَلَّمُوا فِي
الدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَامِ أَفْضَلُ أَمْ
التَّبَاعُدِ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ
الصَّحِيحُ أَنَّ الدُّنُوَّ مِنْ الْإِمَامِ
أَفْضَلُ ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ
التَّبَاعُدَ أَفْضَلُ كَيْ لَا يَسْمَعَ
مَدْحَ الظَّلَمَةِ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ . ا
هـ ..
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ
الْبَيْعِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا
يُكْرَهُ الْخُرُوجُ لِلسَّفَرِ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ بَعْدَهُ
قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ لَهُ
قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ ،
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَقَالَ فِي
الْقَدِيمِ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، وَهُوَ
قَوْلُ مَالِكٍ ، وَلَوْ سَافَرَ فِي
رَمَضَانَ لَا يُكْرَهُ ، وَلَوْ عَلِمَ
أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِصْرِهِ إلَّا
بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ أَنْ
يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ وَيُكْرَهُ لَهُ
الْخُرُوجُ قَبْلَ أَدَائِهَا ا هـ قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَى ابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ
فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ
إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ
لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ
عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ يَتَحَقَّقُ مَبْدَأُ
الْفِنَاءِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِغَلْوَةٍ فِي
الْمُخْتَارِ أَوْ لِبُيُوتِ مِصْرِهِ وَقِيلَ
بِأَكْثَرَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ
الْجُمُعَةِ وَالْفِنَاءُ مُلْتَحِقٌ
بِالْمِصْرِ شَرْعًا حَتَّى جَازَتْ
الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ فِيهِ ،
وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَقْصُرَ بِمُجَرَّدِ
الْمُفَارَقَةِ لِلْبُيُوتِ بَلْ إذَا جَاوَزَ
الْفِنَاءَ أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا
أُلْحِقَ بِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِ
أَهْلِهِ الْمُقِيمِينَ فِيهِ لَا مُطْلَقًا
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ
الْجُمُعَةَ فِيهِ إذَا كَانَ مُنْقَطِعًا
عَنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ
، وَفِي قَاضِي خَانْ فَصَّلَ فِي الْفِنَاءِ
فَقَالَ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ غَلْوَةٍ وَلَمْ
يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ تُعْتَبَرُ
مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ أَيْضًا ، وَإِنْ
كَانَ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ
الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ
قَدْرَ غَلْوَةٍ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ
عُمْرَانِ الْمِصْرِ هَذَا وَإِذَا كَانَتْ
قَرْيَةً أَوْ قُرًى مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ
لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا ، وَفِي
الْفَتَاوَى أَيْضًا إنْ كَانَ فِي الْجَانِبِ
الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ
عَنْ الْمِصْرِ ، وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ
مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى
يُجَاوِزَ تِلْكَ الْمَحَلَّةَ وَالْحَاصِلُ
أَنَّهُ صَدَقَ مُفَارَقَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ
مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ فَفِي
عِبَارَةِ الْكِتَابِ إرْسَالٌ غَيْرُ وَاقِعٍ
، وَلَوْ ادَّعَيْنَا أَنَّ بُيُوتَ تِلْكَ
الْقُرَى دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى بُيُوتِ
الْمِصْرِ انْدَفَعَ هَذَا لَكِنَّهُ
تَعَسُّفٌ ظَاهِرٌ . ا هـ ..
(بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ)
(1/223)
(سِوَى
الْخُطْبَةِ) نَصٌّ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَهُوَ
رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهُوَ
الْأَصَحُّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ
فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرْضٌ
وَلَا يُتْرَكُ ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَهَذَا
نَصٌّ عَلَى السُّنِّيَّةِ وَوَجْهُهُ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَقِيبَ
قَوْلِهِ فَهَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ «قَالَ
لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَجْهُ الْأَوَّلِ
قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ} [الكوثر : 2] الْمُرَادُ بِهَا
صَلَاةُ الْعِيدِ ، وَكَذَا الْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ
عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة : 185] فِي
تَأْوِيلٍ وَقَدْ وَاظَبَ عَلَيْهَا
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ ، وَهُوَ
دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ
الْأَعْرَابِيِّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ
أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَهِيَ لَا تَجِبُ
عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى ،
وَكَذَا لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالْأَوَّلُ سَنَةٌ ؛
لِأَنَّ مُرَادَهُ ثَبَتَ وُجُوبُهُ
بِالسُّنَّةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ وَلَا
يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا
[مَنْدُوبَات عِيد الْفِطْر]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ فِي
الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ) أَيْ يَأْكُلَ
قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِ
أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قَلَّمَا
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى
يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا
أَوْ سَبْعًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ
بَعْدَ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا» وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا حُلْوًا لِمَا
رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَيَغْتَسِلُ وَيَسْتَاكُ وَيَتَطَيَّبُ) ؛
لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ كَالْجُمُعَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَلْبَسُ
أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ فِي
الْعِيدَيْنِ بُرْدَ حِبَرٍ» قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ)
لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ نُؤَدِّيَهَا
قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ»
وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ
الصَّلَاةِ فَهُوَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ
أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ
مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ
أَنْ يَأْكُلَ هُوَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى
الْمُصَلَّى فَيُقَدِّمُ لِلْفَقِيرِ
لِيَأْكُلَ قَبْلَهَا فَيَتَفَرَّغُ قَلْبُهُ
لِلصَّلَاةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ
يَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى غَيْرَ
مُكَبِّرٍ وَمُتَنَفِّلٍ قَبْلَهَا) وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُكَبِّرُ فِي
طَرِيقِ الْمُصَلَّى ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي
الْجَهْرِ لَهُمَا قَوْله تَعَالَى
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ} [البقرة : 185] قَالَ أَكْثَرُهُمْ
هُوَ التَّكْبِيرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ
بِالتَّكْبِيرِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَجْمَعِينَ - ؛ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِيهِ
مِنْ الشَّعَائِرِ وَمَبْنَاهَا عَلَى
الْإِشْهَارِ وَالْإِظْهَارِ دُونَ
الْإِخْفَاءِ فَصَارَ كَالْأَضْحَى وَلِأَبِي
حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ
فِي نَفْسِكَ} [الأعراف : 205] الْآيَةَ
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» وَلِأَنَّ
الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ إلَّا
مَا خَصَّهُ الشَّرْعُ كَيَوْمِ الْأَضْحَى
وَرُوِيَ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ
النَّاسَ يُكَبِّرُونَ فَقَالَ لِقَائِدِهِ :
أَكَبَّرَ الْإِمَامُ ؟ قَالَ لَا قَالَ :
أَفَجُنَّ النَّاسُ أَدْرَكْنَا مِثْلَ هَذَا
الْيَوْمِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ أَحَدٌ
يُكَبِّرُ قَبْلَ الْإِمَامِ» وَسُئِلَ
النَّخَعِيّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ذَلِكَ
تَكْبِيرُ الْحَاكَةِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ
لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ عَنْ
ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي
الْخَيْرَاتِ وَقَوْلِهِ وَمُتَنَفِّلٍ أَيْ
غَيْرِ مُتَنَفِّلٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي
الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ إلَخْ) وَقَدْ
ذَكَرَ أَبُو مُوسَى الضَّرِيرُ فِي
مُخْتَصَرِهِ أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى
الْكِفَايَةِ قَالَ ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ فِي
حَقِّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَمَا يَقُومُ
مَقَامَهَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَصَارَتْ
كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ . ا هـ . أَقْطَعُ
(قَوْلُهُ بُرْدَ حِبْرٍ) الْحِبْرُ الْوَشْيُ
مِنْ التَّحْبِيرِ بِمَعْنَى التَّحْسِينِ ا
هـ بِخَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ . حَانُوتِيٌّ
(قَوْلُهُ فَهُوَ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ
الشَّارِحِ وَكَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى
الْهَامِشِ لَعَلَّهُ فَهِيَ . ا هـ .
(قَوْلُهُ ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي
الْجَهْرِ) قَالَ الْأَقْطَعُ ، وَهَذَا
خِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي
عِيدِ الْفِطْرِ ا هـ ، ثُمَّ مَحَلُّ
الْخِلَافِ التَّكْبِيرُ فِي طَرِيقِ
الْمُصَلَّى ذَاهِبًا لَا جَائِيًا إذْ لَمْ
يُنْقَلْ عَنْهُمَا التَّكْبِيرُ فِيهِ
جَهْرًا ، ثُمَّ إذَا قُلْنَا يُكَبِّرُ
ذَاهِبًا هَلْ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ إذَا
وَصَلَ إلَى الْمُصَلَّى أَوْ يُكَبِّرُ إلَى
حِينِ يَشْرَعُ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ
الْعِيدِ رِوَايَتَانِ هَذَا وَبِقَوْلِهِمَا
قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ، وَهُوَ
قَوْلُ عَلِيٍّ وَأَبِي أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي
لَيْلَى وَابْنِ جُبَيْرٍ وَأَبَانَ بْنِ
عُثْمَانَ وَالْحَكَمِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي
ثَوْرٍ وَحَمَّادٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبِهِ
نَأْخُذُ ، ثُمَّ مَا أَوَّلُ وَقْتِ
التَّكْبِيرِ ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ سَلَمَةَ
وَعُرْوَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ
وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ
إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْعِيدِ
وَقَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ
ابْتِدَاؤُهُ عِنْدَ الْغُدُوِّ إلَى
الصَّلَاةِ لَا قَبْلَهَا وَاخْتَارَهُ
النَّوَوِيُّ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ - قَالَ الْكَمَالُ الْخِلَافُ فِي
الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْفِطْرِ لَا
فِي أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ
ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَعِنْدَهُمَا
يَجْهَرُ بِهِ كَالْأَضْحَى وَعِنْدَهُ لَا
يَجْهَرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
كَقَوْلِهِمَا ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا
يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ
التَّكْبِيرِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا
يُمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى
بِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ
الْأَوْقَاتِ بَلْ مِنْ إيقَاعِهِ عَلَى
وَجْهِ الْبِدْعَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةٌ
تُخَالِفُ الْأَمْرَ مِنْ قَوْله تَعَالَى
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا
وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ}
[الأعراف : 205] فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى
مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي
الْأَضْحَى ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ
مَعْدُودَاتٍ} [البقرة : 203] جَاءَ فِي
التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّكْبِيرُ
فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَالْأَوْلَى
الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ
ا هـ .
(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إلَخْ)
يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِأَبِي جَعْفَرٍ
هَذَا الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ وَأَنْ
يَكُونَ الْفَقِيهُ الْهِنْدُوَانِيُّ إذْ فِي
غَايَةِ السُّرُوجِيِّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ
وَاَلَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي
أَنْ يُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ
لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ
قَالَ : وَبِهِ نَأْخُذُ ، وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ الْفَقِيه أَبِي
جَعْفَرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَمِعْت أَنَّ
مَشَايِخَنَا كَانُوا يَرَوْنَ التَّكْبِيرَ
فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ ،
وَفِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ
أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ يُوسُفَ كَانَ يُفْتِي
بِالتَّكْبِيرِ فِي الْأَسْوَاقِ فِي
الْأَيَّامِ الْعَشْرِ قَالَ
الْهِنْدُوَانِيُّ وَعِنْدِي : لَا يَنْبَغِي
أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ
لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ
وَبِهِ نَأْخُذُ هَذَا فِي جَمْعِ
التَّفَارِيقِ قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ
يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا
أَنْ يُكَبِّرُوا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فِي
الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ قَالَ نَعَمْ ا
هـ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ
ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ
(1/224)
اتِّفَاقًا ،
وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَيْتِ قَبْلَ
الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى
وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَبْلَ
الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهَا فِي
الْمُصَلَّى لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ يَوْمَ
الْأَضْحَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ
يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا»
وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ وَالِابْتِكَارُ
مَاشِيًا بَعْدَ مَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي
مَسْجِدِ حَيِّهِ وَيَرْجِعُ مِنْ طَرِيقٍ
أُخْرَى
[وَقْت صَلَاة الْعِيد وكيفيتها]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُهَا مِنْ
ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا)
وَالْمُرَادُ بِالِارْتِفَاعِ أَنْ تَبْيَضَّ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
وَقْتُهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ
تَأْخِيرُهَا ، وَلَنَا النَّهْيُ
الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ «وَكَانَ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
يُصَلِّي الْعِيدَ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ
قَيْدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ وَحِينَ شَهِدَ
الْوَفْدُ فِي الْيَوْمِ الْمُكَمِّلِ
لِلثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ
الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَمَرَ أَنْ
يَخْرُجُوا إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ» ،
وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا لَمَا
أَخَّرَهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ مُثْنِيًا قَبْلَ الزَّوَائِدِ)
أَمَّا الرَّكْعَتَانِ فَلِمَا رَوَيْنَا
وَأَمَّا الثَّنَاءُ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ
الزَّوَائِدِ فَلِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ
الصَّلَاةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا كَمَا
يُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ
وَالْأَذْكَارِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ ثَلَاثٌ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ التَّكْبِيرَاتُ
الزَّوَائِدُ ثَلَاثٌ فِي الْأُولَى وَثَلَاثٌ
فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
ثِنْتَا عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً وَفِي رِوَايَةٍ
ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً يَعْنِي مَعَ
الْأُصُولِ فَالزَّوَائِدُ مِنْهَا خَمْسٌ فِي
الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي
رِوَايَةٍ أَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ
وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذَ
بِقَوْلِهِ وَلَكِنْ حَمَلَ مَا رُوِيَ عَنْهُ
كُلُّهُ عَلَى الزَّوَائِدِ فَصَارَتْ
الْجُمْلَةُ عِنْدَهُ مَعَ الثَّلَاثَةِ
الْأُصُولِ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ سِتَّ
عَشْرَةَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ
وَظَهَرَ عَمَلُ الْعِلَّةِ الْيَوْمَ
بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّ بَنِيهِ
الْخُلَفَاءَ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ
بِذَلِكَ ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ «- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ
فِي الْعِيدِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا
فِي الثَّانِيَةِ» صَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ
وَغَيْرُهُ وَلَنَا مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ
«أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ حِينَ سُئِلَ
عَنْ تَكْبِيرَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَضْحَى
وَالْفِطْرِ قَالَ كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا
كَتَكْبِيرِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ» وَلِأَنَّ
التَّكْبِيرَ وَرَفْعَ الْأَيْدِي خِلَافُ
الْمَعْهُودِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ
أَحْوَطَ وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ أَبُو
الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً
؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ وَإِنَّمَا
قَالَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّ
تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ تُضَمُّ إلَيْهَا ،
وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يُضَمُّ
إلَيْهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فَتَجِبُ
كَوُجُوبِهَا فَيَكُونُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَالِي
بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ
الْأَسْوَدِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ابْنُ
مَسْعُودٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ
وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَسَأَلَهُمْ
سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنْ التَّكْبِيرِ فِي
يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَقَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ
فَيَرْكَعُ ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ
فَيَقْرَأُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا
بَعْدَ الْقِرَاءَةِ ، وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ
وَقَدْ رَفَعَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَيْضًا
إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ
الثَّنَاءِ وَالثَّنَاءُ حَيْثُ شُرِعَ فِي
الرَّكْعَةِ الْأُولَى شُرِعَ مُقَدَّمًا
عَلَى الْقِرَاءَةِ كَالِاسْتِفْتَاحِ وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ)
وَنَصَّ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ
أَيْضًا . ا هـ . وَفِي الْفَتَاوَى
الْكُبْرَى والْوَلْوَالِجِيِّ وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى ا هـ (قَوْلُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ
مُطْلَقًا) يَعْنِي فِي الْبَيْتِ
وَالْمُصَلَّى ا هـ بِخَطِّ الشَّارِحِ
خَاصَّةً . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ
وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ وَالِابْتِكَارُ
إلَخْ) التَّبْكِيرُ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ
وَالِابْتِكَارُ الْمُسَارَعَةُ إلَى
الْمُصَلَّى ا هـ بِخَطِّ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى)
رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ
رَجَعَ فِي غَيْرِهِ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ
ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ
يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي
ذَهَبَ مِنْهَا إلَى الْمُصَلَّى ؛ لِأَنَّ
مَكَانَ الْقُرْبَةِ يَشْهَدُ فَفِيهِ
تَكْثِيرٌ لِلشُّهُودِ . ا هـ . رَوَى أَبُو
هُرَيْرَةَ قَالَ «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة
: 4] قَالَ أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ؟
قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ
فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى
كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى
ظَهْرِهَا تَقُولُ عَمِلَ كَذَا ، وَكَذَا فِي
كُلِّ يَوْمٍ كَذَا ، وَكَذَا فَهَذِهِ
أَخْبَارُهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ . ا هـ .
(قَوْلُهُ سَبْعًا فِي الْأُولَى إلَخْ) قَالَ
الْأَقْطَعُ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي
الثَّانِيَةِ وَيَبْدَأُ فِيهِمَا
بِالتَّكْبِيرِ وَرَوَى مُعَلَّى عَنْهُ فِي
عَدَدِ التَّكْبِيرِ كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ
وَبِأَيِّ الْأَخْبَارِ أَخَذَ فَحَسَنٌ . ا
هـ . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو
بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي
الْعِيدِ الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ
الْقِرَاءَةِ ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا
قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ
صَحَّحَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ .
(فَرْعٌ) لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ
فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ
الْأُولَى فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ
فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيُكَبِّرُ وَقَدْ
انْتَقَضَ رُكُوعُهُ وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ
فَرْقٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي
حَيْثُ أُمِرَ الْإِمَامُ بِالْعَوْدِ إلَى
الْقِيَامِ وَلَمْ نَأْمُرْهُ
بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ
وَالْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ حَيْثُ
أُمِرَ الْمُقْتَدِي بِالتَّكْبِيرِ فِي
حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ
التَّكْبِيرَاتِ فِي الْأَصْلِ الْقِيَامُ
الْمَحْضُ وَإِنَّمَا أَلْحَقْنَا حَالَةَ
الرُّكُوعِ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ
الْمُقْتَدِي ضَرُورَةَ وُجُوبِ
الْمُتَابَعَةِ ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَمْ
تَتَحَقَّقْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَبَقِيَ
مَحَلُّهَا الْقِيَامُ الْمَحْضُ فَأُمِرَ
بِالْعَوْدِ إلَيْهِ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ
الْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ ارْتِفَاضُ
الرُّكُوعِ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ الْفَاتِحَةَ
فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَعُودُ وَيَرْكَعُ
وَيَقْرَأُ وَيَرْتَفِضُ رُكُوعُهُ كَذَا
هُنَا وَلَا يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ ؛
لِأَنَّهَا تَمَّتْ بِالْفَرَاغِ عَنْهَا
وَالرُّكْنُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالِانْتِقَالُ
عَنْهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْضِ
وَالْإِبْطَالِ فَبَقِيَ عَلَى مَا تَمَّتْ
هَذَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ
الْقِرَاءَةِ أَمَّا إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ
الْفَرَاغِ عَنْهَا بِأَنْ قَرَأَ
الْفَاتِحَةَ دُونَ السُّورَةِ يَتْرُكُ
الْقِرَاءَةَ وَيَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ ؛
لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ
أَوَانِهَا فَيَتْرُكُهَا وَيَأْتِي بِمَا
هُوَ الْأَهَمُّ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَحَلًّا
لَهُ ، ثُمَّ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ ؛ لِأَنَّ
الرُّكْنَ مَتَى تُرِكَ قَبْلَ تَمَامِهِ
يَرْتَفِضُ مِنْ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَتَجَزَّأُ فِي نَفْسِهِ وَمَا لَا
يَتَجَزَّأُ فِي نَفْسِهِ فَوُجُودُهُ
مُعْتَبَرٌ بِالْجُزْءِ الَّذِي بِهِ
تَمَامُهُ فِي الْحُكْمِ وَنَظِيرُهُ مَنْ
ذَكَرَ سَجْدَةً فِي الرُّكُوعِ خَرَّ لَهَا
وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ . ا هـ . بَدَائِعُ
(قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا قَالَ إلَى آخِرِ
الْمَقَالَةِ) لَيْسَ مِنْ الْأَصْلِ بَلْ
هُوَ حَاشِيَةٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ عَلَى
هَامِشِ نُسْخَتِهِ
(1/225)
الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ شُرِعَ مُؤَخَّرًا كَالْقُنُوتِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْفَعُ
يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تُرْفَعُ
الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ
مِنْهَا تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ»
وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ
مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ ؛ لِأَنَّهَا
تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَبِالْمُوَالَاةِ
تُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ نَائِيًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَخْطُبُ
بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ «-
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ
بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ» بِخِلَافِ
الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَخْطُبُ لَهَا قَبْلَ
الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ فِيهَا
شَرْطٌ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَتَقَدَّمُهُ أَوْ
يُقَارِنُهُ وَفِي الْعِيدِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ
، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا جَازَتْ ؛
لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ
فَبِتَغْيِيرِهَا أَوْلَى وَيُكْرَهُ
لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (يُعَلِّمُ) النَّاسَ (فِيهَا
أَحْكَامَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) ؛ لِأَنَّهَا
شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (وَلَمْ تُقْضَ إنْ فَاتَتْ مَعَ
الْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ
صَلَّاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ وَفَاتَتْ بَعْضَ
النَّاسِ لَا يَقْضِيهَا مَنْ فَاتَتْهُ إذَا
خَرَجَ الْوَقْتُ ، وَكَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ
؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِصِفَةِ كَوْنِهَا
صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً
إلَّا بِشَرَائِطَ لَا تَتِمُّ
بِالْمُنْفَرِدِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَخَّرُ
بِعُذْرٍ إلَى الْغَدِ فَقَطْ) أَيْ تُؤَخَّرُ
صَلَاةُ الْعِيدِ إلَى الْغَدِ إذَا
مَنَعَهُمْ مِنْ إقَامَتِهَا عُذْرٌ بِأَنْ
غُمَّ عَلَيْهِمْ الْهِلَالُ وَشَهِدَ عِنْدَ
الْإِمَامِ بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ
أَوْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَمْعُ
النَّاسِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ صَلَّاهَا
فِي يَوْمِ غَيْمٍ فَظَهَرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ
بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا
تُؤَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ ، وَهُوَ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى الْغَدِ فَقَطْ ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى
كَالْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا
رَوَيْنَا مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَهَا إلَى
الْغَدِ» وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا
إلَى مَا بَعْدَهُ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَحْكَامُ
الْأَضْحَى) أَيْ الْأَحْكَامُ الَّتِي
ذُكِرَتْ فِي الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ
إلَى هُنَا مِنْ الشُّرُوطِ وَالْمَنْدُوبَاتُ
هِيَ أَحْكَامُ يَوْمِ الْأَضْحَى فَلَا
يَحْتَاجُ إلَى تَعْدَادِ مَا يُوَافِقُ
تِلْكَ الْأَحْكَامِ فَتَرَكَهَا لِأَجْلِ
ذَلِكَ وَعَدَّ مَا يُخَالِفُهَا مِنْ
الْأَحْكَامِ لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَكِنْ هُنَا
يُؤَخِّرُ الْأَكْلَ عَنْهَا) لِمَا رُوِيَ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى
حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ
أُضْحِيَّتِهِ» وَقِيلَ : هَذَا فِي حَقِّ
مَنْ يُضَحِّي لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ
أَوْ لَا أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا ،
ثُمَّ قِيلَ الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ
مَكْرُوهٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ
بِمَكْرُوهٍ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا
يَأْكُلَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُكَبِّرُ فِي
الطَّرِيقِ جَهْرًا) ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ
فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعَلِّمُ
الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) فِي
الْخُطْبَةِ ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ
لِتَعْلِيمِ أَحْكَامِ الْوَقْتِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَخَّرُ
بِعُذْرٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَيْ
صَلَاةُ الْأَضْحَى وَلَا تُؤَخَّرُ إلَى
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا
مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ
فَتَجُوزُ مَا دَامَ وَقْتُهَا بَاقِيًا وَلَا
تَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا
تُقْضَى ، ثُمَّ الْعُذْرُ هُنَا لِنَفْيِ
الْكَرَاهِيَةِ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
جَازَتْ الصَّلَاةُ وَقَدْ أَسَاءُوا وَفِي
الْفِطْرِ لِلْجَوَازِ حَتَّى لَوْ
أَخَّرُوهَا إلَى الْغَدِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
لَا تَجُوزُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّعْرِيفُ
لَيْسَ بِشَيْءٍ) ، وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ
النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي بَعْضِ
الْمَوَاضِعِ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ
بِعَرَفَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا
يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ فَعَلَ
ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ
الْوُقُوفَ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصَّةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي
الزَّوَائِدِ إلَخْ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي
لَيْلَى لَا يَرْفَعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ
مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا
تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ» وَلِأَنَّهَا
تَكْبِيرَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ
قَائِمَةٍ مَقَامَ غَيْرِهَا فَتُرْفَعُ
الْيَدُ عِنْدَهَا كَالتَّكْبِيرِ فِي
ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهُ تَكْبِيرٌ مَسْنُونٌ فَصَارَ
كَتَكْبِيرِ الرُّكُوعِ . ا هـ . أَقْطَعُ
وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ قَالَ أَبُو
يُوسُفَ : لَا يَرْفَعُ قِيَاسًا عَلَى
تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ ا هـ قَالَ فِي
الْخُلَاصَةِ إذَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ
بِالتَّكْبِيرَاتِ يَقْضِيهَا ، ثُمَّ
يَرْكَعُ الْأَنْفَعُ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ
فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ
؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ
وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ ، وَفِي
الْمَنَافِعِ ، وَكَذَا رِعَايَةُ لَفْظِ
التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ حَتَّى يَجِبَ
سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ
وَأَعْظَمُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ دُونَ
غَيْرِهَا . ا هـ . تَتَارْخَانْ (قَوْلُهُ
وَبِالْمُوَالَاةِ يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ
كَانَ نَائِيًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ،
وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَا
يَكْفِي فِي دَفْعِ الِاشْتِبَاهِ عَنْهُمْ
هَذَا الْقَدْرُ فَصَلَ بِأَكْثَرَ أَوْ كَانَ
يَكْفِي لِذَلِكَ أَقَلُّ سَكْتٍ أَقَلَّ
وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ عِنْدَنَا
ذِكْرٌ مَسْنُونٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيْ
الْعِيدِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}
[الأعلى : 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ
الْغَاشِيَةِ} [الغاشية : 1] رَوَى أَبُو
حَنِيفَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ
سَالِمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يَقْرَأُ فِي
الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِ
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى :
1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}
[الغاشية : 1]» وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ
مَرَّةً فِي الْعِيدَيْنِ فَقَطْ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ
إلَخْ) وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي
الْخُطْبَةِ يُكَبِّرُ الْقَوْمُ مَعَهُ
وَإِذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي
النَّاسُ فِي أَنْفُسِهِمْ امْتِثَالًا
لِلْأَمْرِ وَسُنَّةِ الْإِنْصَاتِ . ا هـ .
تَتَارْخَانْ
(قَوْلُهُ أَوْ صَلَّاهَا فِي يَوْمِ غَيْمٍ
إلَخْ) لَوْ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي
الْعِيدَيْنِ بِأَنْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ
الزَّوَالِ يَنْظُرُ فِي بَابِ الْهَدْيِ
عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَلَوْ شَهِدُوا
بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَ يَوْمِهِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى
الْغَدِ إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ وَكَذَلِكَ
لَوْ لَمْ يُصَلِّهَا الْإِمَامُ فِي يَوْمِ
الْأَضْحَى بِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّاهَا فِي
الْغَدِ فِي وَقْتِهَا ، وَإِنْ لَمْ
يُصَلِّهَا فِي الْغَدِ بِعُذْرٍ أَوْ
بِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّاهَا بَعْدَ غَدٍ فِي
الْوَقْتِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا
يُصَلِّيهَا بَعْدَهُ لِخُرُوجِ أَيَّامِ
التَّضْحِيَةِ الَّتِي هِيَ أَيَّامُ الْعِيدِ
لَكِنَّ التَّارِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ مُسِيءٌ ا
هـ . فَقَوْلُهُ الَّتِي هِيَ أَيَّامُ
الْعِيدِ فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ
فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ تَقَعُ
أَدَاءً لَا قَضَاءً لَكِنْ قَدْ ذَكَرَ
الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ
الْأُضْحِيَّةَ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ
الصَّلَاةَ فِي الْغَدِ تَقَعُ قَضَاءً لَا
أَدَاءً فَرَاجِعْهُ ا هـ ك
(1/226)
بِالْمَكَانِ
فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً دُونَهُ كَسَائِرِ
الْمَنَاسِكِ وَفِعْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ
يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَرَجَ لِلدُّعَاءِ
لِأَجْلِ الِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ لَا
لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ عَرَفَةَ.
[تَكْبِير التَّشْرِيق وَقْته وعدده
وَشُرُوطه]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ بَعْدَ
فَجْرِ عَرَفَةَ إلَى ثَمَانِ مَرَّةً اللَّهُ
أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ بِشَرْطِ إقَامَةٍ
وَمِصْرٍ وَمَكْتُوبَةٍ وَجَمَاعَةٍ
مُسْتَحَبَّةٍ) وَالْكَلَامُ فِي تَكْبِيرِ
التَّشْرِيقِ فِي مَوَاضِعَ : الْأَوَّلُ -
فِي صِفَتِهِ وَالثَّانِي - فِي وَقْتِهِ
وَالثَّالِثُ - فِي عَدَدِهِ وَمَاهِيَّتِهِ
وَالرَّابِعُ - فِي شُرُوطِهِ فَأَمَّا
صِفَتُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ
مَعْدُودَاتٍ} [البقرة : 203] وَلِأَنَّهُ
مِنْ الشَّعَائِرِ فَصَارَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ
وَتَكْبِيرَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ
وَسُنَّ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ ؛ لِأَنَّ
اسْمَ السُّنَّةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاجِبِ
؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الطَّرِيقَةِ
الْمَرْضِيَّةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِيمَا
بَعْدُ وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ ، وَلَوْلَا
أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا وَجَبَ
بِالِاقْتِدَاءِ.
وَأَمَّا وَقْتُهُ فَأَوَّلُهُ عَقِيبَ
صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى
قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ
وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا وَآخِرُهُ عَقِيبَ
صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ
عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى قَوْلِ
عُمَرَ وَعَلِيٍّ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ
مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَبِهِ
أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ إذْ هُوَ الْأَكْثَرُ ، وَهُوَ
الْأَحْوَطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَخَذَ أَبُو
حَنِيفَةَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لِأَنَّ
الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ فَكَانَ
الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى احْتِيَاطًا.
وَأَمَّا عَدَدُهُ وَمَاهِيَّتُهُ فَهِيَ أَنْ
يَقُولَ مَرَّةً وَاحِدَةً : اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ
وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ أَخَذَ
عُلَمَاؤُنَا وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ
الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَقَدْ قَالَ فِي
الْكِتَابِ بِشَرْطِ إقَامَةٍ وَمِصْرٍ
وَمَكْتُوبَةٍ وَجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ
احْتِرَازًا عَنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْقُرَى
وَالنَّافِلَةِ وَالْوِتْرِ وَصَلَاةِ
الْعِيدَيْنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ
وَالْمُنْفَرِدِ وَجَمَاعَةٍ غَيْرِ
مُسْتَحَبَّةٍ كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ
وَالْعَبِيدِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ شُرُوطَهُ
شُرُوطُ الْجُمُعَةِ غَيْرَ الْخُطْبَةِ
وَالسُّلْطَانِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي رِوَايَةٍ
، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ عَلَى كُلِّ مَنْ
يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ
لِلْمَكْتُوبَةِ ، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ
أَثَرِ عَلِيٍّ فِي الْجُمُعَةِ وَمِنْ
شُرُوطِهِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ صَلَاةَ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَدَاؤُهَا فِي
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِأَنْ أَدَّاهَا فِي
وَقْتِهَا أَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ؛
لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَمْ يَفُتْ عَنْ
وَقْتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَرَمْيِ
الْجِمَارِ
وَأَمَّا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ قَبْلَ
هَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَضَاهَا فِيهَا لَا
يُكَبِّرُ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى وَفْقِ
الْأَدَاءِ ، وَكَذَا لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ
فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي
غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ قَضَاهَا
فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ قَابِلٍ لَا
يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ
سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فَاتَتْ عَنْ
وَقْتِهَا فَلَا تُقْضَى كَرَمْيِ الْجِمَارِ
وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ
وَالْمُسَافِرِ) يَعْنِي بِالِاقْتِدَاءِ
بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا
بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ ، وَالْمَرْأَةُ
تُخَافِتُ بِالتَّكْبِيرِ ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا
عَوْرَةٌ ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ
؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةٌ لَكِنْ لَا
يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ بَعْدَ
مَا قَضَى مَا فَاتَهُ لِمَا نُبَيِّنُ مِنْ
الْمَعْنَى
، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ
يُكَبِّرُ الْمُقْتَدِي ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى
فِي أَثَرِ الصَّلَاةِ لَا فِي نَفْسِهَا
فَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا
كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ سُجُودِ
السَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ
الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ
الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ
دُونَ حَالَةِ التَّكْبِيرِ ، وَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَمِنْ شُرُوطِهِ) هَذَا عَلَى
قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ . ا
هـ ..
(قَوْلُهُ لَا يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا ؛ لِأَنَّ
هَذِهِ سُنَّةٌ إلَخْ) الَّذِي يُؤَدَّى
عَقِيبَ الصَّلَاةِ سَجْدَتَا السَّهْوِ
وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةُ
فَسَجْدَتَا السَّهْوِ تُؤَدَّى فِي
تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَيَصِحُّ
الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ
سَجْدَتَا سَهْوٍ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ
يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا فِي
تَحْرِيمِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ
بِمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ تَكْبِيرُ
التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةُ لَا تُؤَدَّى
فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي
تَحْرِيمَتِهَا وَتُؤَدَّى عِنْدَ الصُّعُودِ
وَالْهُبُوطِ فَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَسَهَا
سَجَدَ ، ثُمَّ كَبَّرَ ، ثُمَّ لَبَّى فَإِنْ
لَبَّى أَوَّلًا سَقَطَ التَّكْبِيرُ
كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ وَالْكَلَامُ يُسْقِطُ
التَّكْبِيرَ وَسُجُودَ السَّهْوِ كَذَا
نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا وَقَالَ فِي
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : اعْلَمْ أَنَّ
التَّكْبِيرَ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى
الصَّلَاةِ لَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ
فَمِنْ حَيْثُ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى
الصَّلَاةِ فَكُلُّ مَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ
يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَكُلُّ مَا لَا
يَقْطَعُ الْبِنَاءَ لَا يُسْقِطُ
التَّكْبِيرَ فَإِذَا تَكَلَّمَ بَعْدَ
السَّلَامِ أَوْ ضَحِكَ فَقَهْقَهَ أَوْ
أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ
أُخْرَى أَوْ أَعْرَضَ عَنْ الْقِبْلَةِ ،
وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتَّكْبِيرِ أَوْ خَرَجَ
عَنْ الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ سَاهٍ عَنْهُ أَوْ
أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ
كَثِيرٍ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَقْطَعُ
الْبِنَاءَ وَتُسْقِطُ التَّكْبِيرَ وَمِنْ
حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ
الصَّلَاةِ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا اقْتَدَى
بِهِ فِي التَّكْبِيرِ لَا يَصِحُّ ؛
لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ
بِالسَّلَامِ وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْإِمَامِ
بِالْكَلَامِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يَسْقُطُ
عَنْ الْقَوْمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي
حُرْمَةِ الصَّلَاةِ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى رَأْيَ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ خَلْفَهُ يَرَى رَأْيَ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
يُكَبِّرُ ، وَإِنْ تَرَكَ إمَامُهُمْ . ا هـ
.
(قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ مَعَ
الْإِمَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ؛
لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ
الصَّلَاةِ ، وَلَوْ تَابَعَهُ فِي
التَّكْبِيرِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِمَا سُبِقَ
بِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ
التَّكْبِيرَ لَيْسَ مِمَّا يُضَادُّ
الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ
تَكْبِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَابَعَهُ فِي
سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى
الْإِمَامِ سَهْوٌ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ
عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ . ا هـ .
وَكَذَا إذَا تَابَعَ فِي التَّلْبِيَةِ ؛
لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ كَلَامٌ . ا هـ . وَفِي
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ
إذَا كَانُوا مُحْرِمِينَ فِي هَذِهِ
الْأَيَّامِ يُؤْتَى بِهَا لَا فِي حُرْمَةِ
الصَّلَاةِ وَلَا بِنَاءً عَلَيْهَا
وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ ؛
لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِنِدَاءِ إبْرَاهِيمَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، وَهُوَ
قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ} [الحج : 27] فَإِذَا اجْتَمَعَ
عَلَى الْإِمَامِ تَكْبِيرٌ وَسَجْدَتَا
السَّهْوِ وَالتَّلْبِيَةُ فَأَوَّلًا
يَبْدَأُ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّهَا
تُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ
بِالتَّكْبِيرِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِنَاءً
عَلَى الصَّلَاةِ وَيَخْتَصُّ بِهَا ثُمَّ
بِالتَّلْبِيَةِ ، وَلَوْ بَدَأَ
بِالتَّلْبِيَةِ سَقَطَ عَنْهُ سَجْدَتَا
السَّهْوِ وَالتَّكْبِيرُ ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ
يَقْطَعُ الْبِنَاءَ ا هـ
(1/227)
الْمَسْبُوقُ
يُتَابِعُهُ فِيهِ وَلَا يُؤَخِّرُ لِمَا
ذَكَرْنَا.
وَيَنْتَظِرُ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ حَتَّى
يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ
وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَقْطَعُ
الْبِنَاءَ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ
وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ ، وَإِنْ
سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ
تَوَضَّأَ وَكَبَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ
[كَيْفِيَّة صَلَاة الْكُسُوف]
(بَابُ الْكُسُوفِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ كَالنَّفْلِ إمَامُ الْجُمُعَةِ)
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ كَالنَّفْلِ عَنْ
قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ لَهُ مَا رُوِيَ
عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ
كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِ
رُكُوعَاتٍ ، وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» ، وَلَنَا
مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ قَبِيصَةَ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ
ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَيَنْتَظِرُ الْمُقْتَدِي
الْإِمَامَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ
إذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ فَمَا
دَامَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُهُ الْقَوْمُ
لِبَقَاءِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ خَرَجَ
أَوْ أَتَى بِمَا يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ
وَذَلِكَ كَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ
الْعَمْدِ كَبَّرُوا ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَتْ
حُرْمَةُ الصَّلَاةِ ، وَكَذَا إذَا اقْتَدَى
بِمَنْ لَا يَرَى التَّكْبِيرَ عَقِيبَ تِلْكَ
الصَّلَاةِ ، وَهُوَ يَرَى ذَلِكَ كَبَّرَ ؛
لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ
الصَّلَاةِ بَلْ فِي إثْرِ الصَّلَاةِ
فَيُتَابِعُهُ إنْ أَتَى بِهِ وَإِلَّا
انْفَرَدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ
إنَّمَا تَجِبُ فِيمَا يُؤَدَّى فِي
تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ كَسُجُودِ السَّهْوِ
فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ
يَتْرُكُهُ الْمُقْتَدِي . ا هـ . (قَوْلُهُ ،
وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ) قَالَ فِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ
يُكَبِّرُ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ ؛ لِأَنَّ
سَبْقَ الْحَدَثِ لَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ
فَلَا يُسْقِطُ التَّكْبِيرَ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَكَبَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ إلَخْ)
، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ
يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ لِلطَّهَارَةِ ا هـ
.
(قَوْلُهُ : بَابٌ الْكُسُوفُ)
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي
الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ
وُجُوبِهَا فَإِنَّهُ قَالَ : وَلَا يُصَلِّي
نَافِلَةً فِي جَمَاعَةٍ إلَّا قِيَامَ
رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ وَكَذَا رَوَى
الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
قَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ إنْ شَاءُوا
صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ ، وَإِنْ شَاءُوا
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّخْيِيرُ يَكُونُ
فِي النَّوَافِلِ لَا فِي الْوَاجِبَاتِ ،
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا : إنَّهُ وَاجِبٌ
لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «انْكَسَفَتْ
الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ
مَاتَ ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ :
إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ
فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَلَا إنَّ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ
أَحَدٍ أَوْ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ
مِنْ هَذَا شَيْئًا فَاحْمَدُوا اللَّهَ
تَعَالَى وَكَبِّرُوهُ وَسَبِّحُوهُ وَصَلُّوا
حَتَّى تَنْجَلِيَ» ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهَا فَقُومُوا وَصَلُّوا»
وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ . ا هـ .
وَتَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ إيَّاهَا نَافِلَةً
لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ ؛ لِأَنَّ
النَّافِلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ
وَكُلُّ وَاجِبٍ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ
وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ لَا تَنْفِي الْوُجُوبَ
؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ قَدْ يُخَيَّرُ بَيْنَ
الْوَاجِبَاتِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ
الْيَمِينِ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ
قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
ا هـ . وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - صَلَاةُ الْعِيدِ
وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ مُتَشَارِكَةٌ
فِي عَوَارِضَ هِيَ الشَّرْعِيَّةُ نَهَارًا
بِلَا أَذَانٍ ، وَلَا إقَامَةٍ ، وَصَلَاةُ
الْعِيدِ آكَدُ ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ ،
وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ
بَيْنَ الْجُمْهُورِ أَوْ وَاجِبَةٌ عَلَى
قُوَيْلَةٍ وَاسْتِنَانُ صَلَاةِ
الِاسْتِسْقَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَظَهَرَ
وَجْهُ تَرْتِيبِ أَبْوَابِهَا وَيُقَالُ
كَسَفَ اللَّهُ الشَّمْسَ يَتَعَدَّى
وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ لَا يَتَعَدَّى
وَسَبَبُهَا الْكُسُوفُ . ا هـ .
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تُصَلَّى
بِجَمَاعَةٍ ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ
أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ ، وَلَا تُصَلَّى فِي
الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ . ا هـ كَمَالٌ .
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ
أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَلَاةُ النَّهَارِ
وَتُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ إلَّا أَنَّ صَلَاةَ
الْعِيدِ لَمَّا كَانَتْ أَقْوَى مِنْ صَلَاةِ
الْكُسُوفِ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا وَلِهَذَا
قِيلَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إنَّهَا فَرْضُ
كِفَايَةٍ ، وَقِيلَ وَاجِبَةٌ ، وَقِيلَ
سُنَّةٌ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ صَلَاةَ
الْكُسُوفِ وَاجِبَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ بَلْ
قَالُوا سُنَّةٌ . ا هـ .
قَوْلُهُ : وَلَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ
الْمَكْرُوهَةِ أَيْ الثَّلَاثَةِ ذَكَرَهُ
فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدِ وَالْقُنْيَةِ
وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ ، وَفِيهِمَا
الْعِبَارَةُ لِلتُّحْفَةِ ؛ لِأَنَّهَا ،
وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً فَهِيَ فِيهَا
مَكْرُوهَةٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ النَّهْيِ
، وَإِنْ كَانَتْ لَهَا أَسْبَابٌ كَتَحِيَّةِ
الْمَسْجِدِ ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً
يُكْرَهُ أَيْضًا كَالْوِتْرِ . ا هـ .
وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ : لَا يُكْرَهُ فِي
الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِمَا عُرِفَ
مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَا لَهُ سَبَبٌ لَا
يُكْرَهُ فِيهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . ا
هـ . وَقَوْلُهُ : وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ
صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَاجِبَةٌ فِيهِ نَظَرٌ
فَقَدْ قَالَ النَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي :
وَصِفَتُهَا أَنَّهَا سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى
ذَلِكَ ، وَقِيلَ : إنَّهَا وَاجِبَةٌ
لِلْأَمْرِ وَقَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ
: وَصِفَتُهَا سُنَّةٌ وَاخْتَارَ فِي
الْأَسْرَارِ وُجُوبَهَا لِلْأَمْرِ فِي
قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ
فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» قَالَ :
وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُقَامُ عَلَى سَبِيلِ
الشُّهْرَةِ فَكَانَ شِعَارًا لِلدِّينِ حَالَ
الْفَزَعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ
لِلنَّدْبِ ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ دَفْعُ
الْأَمْرِ الْمَخُوفِ فَهِيَ مَصْلَحَةٌ
تَعُودُ إلَيْنَا دُنْيَوِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ
الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْخَلْقُ
كُلُّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ ثُمَّ وُجِدَتْ
هَذِهِ الْأَفْزَاعُ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ
الْهَلَاكِ يُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ،
وَلَا يُعَاقَبُونَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا
كَذَلِكَ فَيُفْتَرَضُ التَّوْبَةُ وَهِيَ لَا
تَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّلَاةِ ، وَإِلَّا
لَكَانَتْ فَرْضًا . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي
الْمَتْنِ كَالنَّفْلِ) أَيْ بِلَا أَذَانٍ ،
وَلَا إقَامَةٍ ، وَلَا خُطْبَةٍ وَيُنَادَى
الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَيَجْتَمِعُوا إنْ لَمْ
يَكُونُوا اجْتَمَعُوا . ا هـ كَمَالٌ .
(قَوْلُهُ : إمَامُ الْجُمُعَةِ) فِي مُصَلَّى
الْعِيدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ؛
لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ
فَتُؤَدَّى فِي الْمَكَانِ الْمُعَدِّ
(1/228)
فَقَالَ
إنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ
بِهَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا
فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا
مِنْ الْمَكْتُوبَةِ» ، وَقَدْ رَوَى
الرَّكْعَتَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ
مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ ، وَأَبُو بَكْرَةَ
وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَالْأَخْذُ
بِهَذَا أَوْلَى لِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ
مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ
وَلِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ وَصِحَّةِ
الْأَحَادِيثِ فِيهِ وَمُوَافَقَتِهِ
الْأُصُولَ الْمَعْهُودَةَ ، وَلَا حُجَّةَ
لَهُ فِيمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ
وَابْنِ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ
أَنَّ مَذْهَبَهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ وَصَلَّى
ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ حِينَ كَانَ
أَمِيرًا عَلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ وَالرَّاوِي
إذَا كَانَ مَذْهَبُهُ خِلَافَ مَا رَوَى لَا
يَبْقَى فِيمَا رَوَى حُجَّةٌ ؛ وَلِأَنَّهُ
رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي
رَكْعَةٍ ، وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ
وَخَمْسَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَسِتَّ
رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ
فِي رَكْعَةٍ» ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ فَكُلُّ
جَوَابٍ لَهُ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى
الرُّكُوعَيْنِ فَهُوَ جَوَابٌ لَنَا عَمَّا
زَادَ عَلَى رُكُوعٍ وَاحِدٍ .
وَتَأْوِيلُ مَا زَادَ عَلَى رُكُوعٍ وَاحِدٌ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
طَوَّلَ الرُّكُوعَ فِيهَا فَإِنَّهُ عُرِضَ
عَلَيْهِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَمَلَّ
بَعْضُ الْقَوْمِ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ أَوْ
ظَنُّوا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - رَفَعَ رَأْسَهُ فَرَفَعُوا
رُءُوسَهُمْ أَوْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ عَلَى
عَادَةِ الرُّكُوعِ الْمُعْتَادِ فَوَجَدُوا
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - رَاكِعًا فَرَكَعُوا ثُمَّ
فَعَلُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا ، وَكَذَلِكَ
فَفَعَلَ مَنْ خَلْفَهُمْ كَذَلِكَ ظَنًّا
مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ
رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا ،
وَقَعَ فِي ظَنِّهِ ، وَمِثْلُ هَذَا
الِاشْتِبَاهِ قَدْ يَقَعُ لِمَنْ كَانَ فِي
آخِرِ الصُّفُوفِ فَعَائِشَةُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - فِي صَفِّ النِّسَاءِ
وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي صَفِّ الصِّبْيَانِ
وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ هَذَا
التَّأْوِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
بِالْمَدِينَةِ إلَّا مَرَّةً فَيَسْتَحِيلُ
أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ ثَابِتًا فَعُلِمَ
بِذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنْ الرُّوَاةِ
لِلِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِمْ ، وَقِيلَ :
«إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
كَانَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ لِيَخْتَبِرَ حَالَ
الشَّمْسِ هَلْ انْجَلَتْ أَمْ لَا» فَظَنَّهُ
بَعْضُهُمْ رُكُوعًا فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ
اسْمَهُ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا مَعَ
هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (بِلَا جَهْرٍ)
أَيْ بِلَا جَهْرٍ بِالْقِرَاءَةِ ، وَهَذَا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْهَرُ فِيهَا
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا»
، وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ
عَجْمَاءُ» «وَحَكَى سَمُرَةُ صَلَاتَهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَطُولَ
قِيَامِهِ ، وَقَالَ لَمْ نَسْمَعْ لَهُ
صَوْتًا» ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا
سَمِعْت لَهُ حَرْفًا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّهُ جَهَرَ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ
لِيُعَلِّمَ أَنَّ فِيهَا الْقِرَاءَةَ
وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ
عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ «فَحَزَرْت
قِرَاءَتَهُ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ
الْبَقَرَةِ ، وَلَوْ جَهَرَ سَمِعَتْ ، وَمَا
حَزَرَتْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَخُطْبَةٍ) أَيْ بِلَا خُطْبَةٍ ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ
الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْصَرَفَ ، وَقَدْ
انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ
فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَأَثْنَى
عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إنَّ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ
تَعَالَى لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ،
وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ
فَادْعُوا اللَّهَ ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا
وَتَصَدَّقُوا» الْحَدِيثَ .
، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِالصَّلَاةِ ، وَلَمْ
يَأْمُرْ بِالْخُطْبَةِ» ، وَلَوْ كَانَتْ
مَشْرُوعَةً لَبَيَّنَهَا - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ
لِيَرُدَّهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الشَّمْسَ
كَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ بْنِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ «إنَّ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ
تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ،
وَلَا لِحَيَاتِهِ» وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى
هَذَا أَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ ، وَلَوْ
اجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَصَلَّوْا
بِجَمَاعَةٍ أَجْزَأَهُمْ وَالْأَوَّلُ
أَفْضَلُ لِمَا مَرَّ . ا هـ . بَدَائِعُ
(قَوْلُهُ «كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ
صَلَّيْتُمُوهَا» إلَخْ) أَيْ ، وَهِيَ
الصُّبْحُ فَإِنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ كَانَ
عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحَيْنِ . ا
هـ فَتْحٌ .
(قَوْلُهُ صَلَّى ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ إلَخْ)
الَّذِي ، وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسْخَةِ
الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُحَقِّق قَارِئِ
الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَكَذَا
وَلِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى ثَلَاثَ
رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَأَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَخَمْسَ رَكَعَاتٍ
فِي رَكْعَةٍ وَسِتَّ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ
وَثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ» . ا هـ .
وَقَدْ كَانَ فِي نُسْخَتِي كَذَلِكَ لَكِنِّي
أَصْلَحْتهَا عَلَى مَا هُنَا تَبَعًا
لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّمْسِ
الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ،
وَقَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - الثَّلَاثُ رَكَعَاتٍ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - قَالَ «فَقَامَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى
بِالنَّاسِ سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ
سَجَدَاتٍ» ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ كَسَفَتْ
الشَّمْسُ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ
سَجَدَاتٍ ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ . ا هـ .
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ
عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صَلَّى عَشْرَ رَكَعَاتٍ فِي
أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» قَالَ أَبُو عُمَرَ
سَمَاعُ قَتَادَةَ مِنْ عَطَاءٍ عِنْدَهُمْ
غَيْرُ صَحِيحٍ . ا هـ . عَبْدُ الْحَقِّ
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ «انْكَسَفَتْ
الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَقَرَأَ سُورَةً
مِنْ الطِّوَالِ ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ
رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ
الثَّانِيَةَ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ
الطِّوَالِ ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ
وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ كَمَا
هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى
يَنْجَلِيَ كُسُوفُهَا» . ا هـ.
(قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ يَجْهَرُ فِيهَا إلَى آخِرِهِ) ،
وَفِي الْمُحِيطِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ
، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الظَّاهِرُ
أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ
الْحَاكِمُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ . ا هـ . وَفِي
الْبَدَائِعِ ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ
ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ
مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ . ا هـ . (قَوْلُهُ
لِيَرُدَّهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ إلَى آخِرِهِ)
، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
الْغَالِبَ أَنَّ الْكُسُوفَ يَكُونُ فِي
الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ فِي
التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَكَسَفَتْ يَوْمَ
مَاتَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
فِي عَاشِرِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ
عَشْرٍ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ . ا هـ .
ذَخَائِرُ الْعُقْبَى فِي مَنَاقِبِ ذَوِي
الْقُرْبَى
(1/229)
بَعْدَ
الِانْجِلَاءِ ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً
لَكَانَتْ قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (ثُمَّ
يَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ)
لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ :
«إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ
آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ
أَحَدٍ ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا
حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ» ، وَهَذَا
يُفِيدُ اسْتِيعَابَ الْوَقْتِ بِهِمَا أَيْ
بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ ، وَهُوَ
السُّنَّةُ ثُمَّ هُوَ فِي الدُّعَاءِ
بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَعَا جَالِسًا
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، وَإِنْ شَاءَ
قَائِمًا يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ
وَيُؤَخِّرُ الدُّعَاءَ عَنْ الصَّلَاةِ ؛
لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَإِلَّا
صَلَّوْا فُرَادَى كَالْخُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ
وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ) أَيْ إنْ لَمْ
يُصَلِّ إمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّى النَّاسُ
فُرَادَى تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ إذْ
هِيَ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ ، وَقَوْلُهُ
كَالْخُسُوفِ إلَى آخِرِهِ أَيْ كَخُسُوفِ
الْقَمَرِ حَيْثُ يُصَلَّى فِيهِ فُرَادَى ؛
لِأَنَّهُ قَدْ خَسَفَ فِي عَهْدِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِرَارًا
، وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ
النَّاسَ لَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ
الْعَظِيمَ بِاللَّيْلِ بَعْدَ مَا نَامُوا
لَا يُمْكِنُ ، وَهُوَ سَبَبُ الْفِتْنَةِ
أَيْضًا فَلَا يُشْرَعُ بَلْ يَتَضَرَّعُ
كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ ، وَكَذَا فِي
الظُّلْمَةِ الْهَائِلَةِ بِالنَّهَارِ
وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلَازِلِ
وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِثَارِ الْكَوَاكِبِ
وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ
وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ ،
وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ
الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ
مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ ؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (لَهُ صَلَاةٌ
لَا بِجَمَاعَةٍ) أَيْ لِلِاسْتِسْقَاءِ
صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ ، وَهَذَا يُشِيرُ
إلَى أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ
الْمُنْفَرِدِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ
لِصِفَةِ تِلْكَ الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ
مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ غَيْرِ
ذَلِكَ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عِبَارَاتُهُمْ
فِيهَا فَقَالَ الْقُدُورِيُّ : لَيْسَ فِي
الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي
جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا
جَازَ ، وَسَأَلَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا
حَنِيفَةَ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ هَلْ فِيهِ
صَلَاةٌ أَوْ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ أَوْ خُطْبَةٌ
فَقَالَ أَمَّا صَلَاةٌ بِجَمَاعَةٍ فَلَا ،
وَلَكِنْ فِيهِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ
، وَإِنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا فَلَا بَأْسَ
بِهِ ، وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَهَا سُنَّةً
مُسْتَحَبَّةً ، وَلَكِنْ إنْ صَلَّوْا
وُحْدَانًا لَا تَكُونُ بِدْعَةً ، وَلَا
يُكْرَهُ فَكَأَنَّهُ يَرَى إبَاحَتَهَا
فَقَطْ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ ، وَذَكَرَ
صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا
صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ ، وَهَذَا يَنْفِي
مَشْرُوعِيَّتَهَا مُطْلَقًا ، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ : يُصَلِّي الْإِمَامُ أَوْ
نَائِبُهُ رَكْعَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ كَمَا فِي
الْجُمُعَةِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي
رِوَايَةٍ ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي
أُخْرَى لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَوْمًا يَسْتَسْقِي فَجَعَلَ
إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ
وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ
رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَهَرَ
فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ
مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ
رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ
الْقَضَاءِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ
يَخْطُبُ النَّاسَ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ
الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ
اللَّهَ أَنْ يُغِيثَنَا قَالَ فَرَفَعَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ
أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» الْحَدِيثَ .
فَقَدْ اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُصَلِّ
لَهُ وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى ،
وَلَمْ يُصَلِّ ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً
لَمَا تَرَكَهَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ
النَّاسِ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ النَّبِيِّ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - .
وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ مَرَّةً
وَتَرَكَهُ أُخْرَى بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا
عَنْ عُمَرَ وَالسُّنَّةُ لَا تَثْبُتُ
بِمِثْلِهِ بَلْ بِالْمُوَاظَبَةِ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُعَاءٌ
وَاسْتِغْفَارٌ) أَيْ لَهُ دُعَاءٌ
وَاسْتِغْفَارٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ
تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ
كَانَ غَفَّارًا} [نوح : 10] {يُرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح : 11]
جَعَلَهُ سَبَبًا لِإِرْسَالِ السَّمَاءِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (لَا قَلْبُ
رِدَاءٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا» إلَى
آخِرِهِ) هَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ،
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُ» يَعْنِي الْكُسُوفَ ، وَفِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا»
. ا هـ . (قَوْلُهُ اسْتِيعَابَ الْوَقْتِ
بِهِمَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ
(قَوْلُهُ لَمْ يُصَلِّ إمَامُ الْجُمُعَةِ)
أَيْ بِأَنْ كَانَ غَائِبًا . ا هـ . ع
(قَوْلُهُ أَيْ كَخُسُوفِ الْقَمَرِ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الصَّلَاةُ
فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ حَسَنَةٌ ، وَكَذَا فِي
الظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ
هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى
الصَّلَاةِ» . (فَائِدَةٌ) الضَّرْبُ عَلَى
الْكَاسَاتِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ خُسُوفِ
الْقَمَرِ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ فَيَنْبَغِي
اجْتِنَابُهُ لِعُمُومِ نَهْيِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ . ا هـ . شَرْحُ
الْعُمْدَةِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ . ا هـ.
(بَابٌ : الِاسْتِسْقَاءُ) .
قَالَ الْعَيْنِيُّ الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ
السُّقْيَا بِضَمِّ السِّينِ ، وَهُوَ
الْمَطَرُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ
مَعَهُ إلَى آخِرِهِ) فِي الْبَدَائِعِ ،
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ
الْمَوَاضِعِ قَوْلَهُ مَعَ قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ
مَعَ مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ
: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ) كَذَا
فِي خَطِّ الشَّارِحِ ، وَفِي نُسْخَةِ
قَارِئِ الْهِدَايَةِ زَيْدٌ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : «وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» إلَى
هُنَا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَزَادَ
الْبُخَارِيُّ «جَهَرَ فِيهِمَا
بِالْقِرَاءَةِ» . ا هـ . عَبْدُ الْحَقِّ
(قَوْلُهُ : نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ إلَى
آخِرِهِ) سُمِّيَتْ دَارُ الْقَضَاءِ ؛
لِأَنَّهَا بِيعَتْ فِي قَضَاءِ دَيْنِ عُمَرَ
الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِبَيْتِ
الْمَالِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ
أَلْفًا مِنْ مُعَاوِيَةَ ، وَهِيَ دَارُ
مَرْوَانَ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ
وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) هُمَا بِالرَّفْعِ
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ صَلَاةٌ . ا هـ . ع
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ،
وَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ
إذَا تَأَخَّرَ الْمَطَرُ عَنْ أَوَانِهِ
فَعَلَهُ أَيْضًا لَوْ مَلَحَتْ الْمِيَاهُ
الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا أَوْ غَارَتْ . ا هـ
(1/230)
أَيْ لَيْسَ
فِيهِ قَلْبُ رِدَاءٍ ، وَهَذَا عِنْد أَبِي
حَنِيفَةَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْلِبُ
الْإِمَامُ رِدَاءَهُ دُونَ الْقَوْمِ ،
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ
لِمُحَمَّدٍ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ .
وَمَا رُوِيَ أَنَّ الْقَوْمَ فَعَلُوهُ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ
مُوَافَقَةً لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَخَلْعِ النِّعَالِ ، وَلَمْ
يَعْلَمْ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا
رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - ؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ
فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ ، وَمَا
رَوَاهُ مُحَمَّدٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ
تَفَاؤُلًا أَوْ لِيَكُونَ الرِّدَاءُ
أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ
يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ أَوْ عَرَفَ
بِالْوَحْيِ تَغَيُّرَ الْحَالِ عِنْدَ
تَغْيِيرِهِ الرِّدَاءَ ، وَكَيْفِيَّةُ
الْقَلْبِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ أَنْ
يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ مَا أَمْكَنَ ،
وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْجُبَّةِ جَعَلَ
يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ ، وَلَا يَخْطُبُ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ
لِلْجَمَاعَةِ ، وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ ،
وَعِنْدَهُمَا يَخْطُبُ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ خُطْبَتَيْنِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ
عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَيَسْتَقْبِلُ
بِالدُّعَاءِ الْقِبْلَةَ قَائِمًا وَالنَّاسُ
قَاعِدُونَ مُسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَحُضُورُ
ذِمِّيٍّ) أَيْ لَا تَحْضُرُ أَهْلُ
الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ {وَمَا دُعَاءُ
الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد : 14]
؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى بِأَعْدَائِهِ وَالدُّعَاءُ
لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ ، وَإِنَّمَا
تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي مُتَتَابِعَاتٍ ؛
لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ
الْأَعْذَارِ وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً فِي
ثِيَابٍ خَلِقَةٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ
مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ
لِلَّهِ تَعَالَى نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ
وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ
قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَيُجَدِّدُونَ
التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ
لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَرَاضَوْنَ بَيْنَهُمْ
وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ
وَالصِّبْيَانِ ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْلَا
صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ ،
وَعِبَادُ اللَّهِ الرُّكَّعُ لَصُبَّ
عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا»
[كَيْفِيَّة صَلَاة الْخَوْف]
(بَابُ الْخَوْفِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (إذَا اشْتَدَّ
الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ وَقَفَ
الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ)
بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُمْ أَذَاهُمْ
(وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً لَوْ) كَانَ
الْإِمَامُ (مُسَافِرًا) أَوْ فِي صَلَاةِ
الْفَجْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ
(وَرَكْعَتَيْنِ لَوْ مُقِيمًا ، وَمَضَتْ
هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ
وَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ
وَذَهَبُوا إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الْعَدُوِّ
(وَجَاءَتْ الْأُولَى ، وَأَتَمُّوا) بِلَا
قِرَاءَةٍ ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ
(وَسَلَّمُوا ، وَمَضَوْا ثُمَّ الْأُخْرَى)
أَيْ ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ : فَعَلَهُ تَفَاؤُلًا إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّحْوِيلِ كَانَ
تَفَاؤُلًا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي
الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
وَصَحَّحَهُ قَالَ «وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ
لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ» ، وَفِي
الْمُطَوَّلَاتِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ «، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ لِكَيْ
يَنْقَلِبَ الْقَحْطُ إلَى الْخِصْبِ» ، وَفِي
مُسْنَدِ إِسْحَاقَ لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ
مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ ذَكَرَهُ مِنْ
قَوْلِ وَكِيعٍ . ا هـ . وَاخْتَلَفُوا فِي
وَقْتِ التَّحْوِيلِ قِيلَ فِي
الْخُطْبَتَيْنِ ، وَقِيلَ فِي أَثْنَاءِ
الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ بَعْدَ
انْقِضَائِهِمَا وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ
«أَنَّهُ كَانَ يُحَوِّلُ إذَا اسْتَقْبَلَ
الْقِبْلَةَ لِلدُّعَاءِ» . ا هـ . ابْنُ
الْمُلَقِّنِ شَرْحُ عُمْدَةٍ (قَوْلُهُ :
لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ) ؛
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدُّعَاءُ فَلَا
يَقْطَعُهَا بِالْجِلْسَةِ . ا هـ كَافِي.
(بَابُ الْخَوْفِ) .
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ
أَنَّ شَرْعِيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَارِضِ
خَوْفٍ ، وَقُدِّمَ الِاسْتِسْقَاءُ ؛ لِأَنَّ
الْعَارِضَ ثَمَّ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ
سَمَاوِيٌّ وَهُنَا اخْتِيَارِيٌّ ، وَهُوَ
الْجِهَادُ الَّذِي سَبَبُهُ كُفْرُ
الْكَافِرِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : إذَا
اشْتَدَّ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنْ
كَانَ الْقَوْمُ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ
فَخَافُوا إنْ اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ أَنْ
يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ فَأَرَادُوا أَنْ
يُصَلُّوا الْفَجْرَ بِالْجَمَاعَةِ صَلَاةَ
الْخَوْفِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ اشْتِدَادُ
الْخَوْفِ كَمَا تَرَى ثُمَّ قَالَ ، وَلَوْ
نَزَلُوا أَرْضًا مَخُوفًا يَخَافُونَ مِنْ
الْعَدُوِّ ، وَلَا يَرَوْنَهُ فَصَلَّوْا
بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا يَجُوزُ
بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى . قَالَ الْكَمَالُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : اشْتِدَادُهُ لَيْسَ
بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ
وَسَبُعٍ فَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا ظَنُّوهُ
عَدُوًّا صَلَّوْهَا فَإِنْ تَبَيَّنَ كَمَا
ظَنُّوا جَازَتْ لِتَبَيُّنِ سَبَبِ
الرُّخْصَةِ ، وَإِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ
تَجُزْ إلَّا إنْ ظَهَرَ بَعْدَ أَنْ
انْصَرَفَتْ الطَّائِفَةُ مِنْ نَوْبَتِهَا
فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ تَتَجَاوَزَ
الصُّفُوفَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا
اسْتِحْسَانًا كَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ
الْحَدَثِ يَتَوَقَّفُ الْفَسَادُ إذَا ظَهَرَ
أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عَلَى مُجَاوَزَةِ
الصُّفُوفِ ، وَلَوْ شَرَعُوا بِحَضْرَةِ
الْعَدُوِّ فَذَهَبَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ
الِانْحِرَافُ وَالِانْصِرَافُ لِزَوَالِ
سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَلَوْ شَرَعُوا فِي
صَلَاتِهِمْ ثُمَّ حَضَرَ جَازَ الِانْحِرَافُ
لِوُجُودِ الْمُبِيحِ . انْتَهَى . وَهَذِهِ
الْفُرُوعُ سَتَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ
انْتَهَى .
قَوْلُهُ : لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ عَامَّةِ
الْمَشَايِخِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمُحِيطُ
وَالْمَبْسُوطُ وَغَيْرُهُمَا ، وَقَوْلُهُ
بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ إلَى آخِرِهِ
تَبِعَ فِيهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي
مَبْسُوطِهِ حَيْثُ قَالَ : الْمُرَادُ
بِالْخَوْفِ حَضْرَةُ الْعَدُوِّ لَا
حَقِيقَةُ الْخَوْفِ ؛ لِأَنَّ حَضْرَةَ
الْعَدُوِّ أُقِيمَ مَقَامَ الْخَوْفِ عَلَى
مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا فِي تَعْلِيقِ
الرُّخَصِ بِنَفْسِ السَّفَرِ . انْتَهَى .
(قَوْلُهُ : وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً)
أَيْ وَسَجْدَتَيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ
قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ، وَإِنَّمَا قَالَ
رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ
قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ إذَا
سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً يَجُوزُ
الِانْصِرَافُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى
{فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ
وَرَائِكُمْ} [النساء : 102] ، وَقُلْنَا
السَّجْدَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْكَمَالِ
الْمَعْهُودِ ، وَهُوَ السَّجْدَتَانِ كَذَا
قَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ . وَقِيلَ
قَوْلُهُ : سَجْدَتَيْنِ تَأْكِيدٌ ، وَإِلَّا
قَوْلُهُ رَكْعَةً كَافٍ إذْ الرَّكْعَةُ
تَتِمُّ بِسَجْدَةٍ فَرُفِعَ هَذَا
الِاحْتِمَالُ ، وَهَذَا حَسَنٌ . انْتَهَى .
(قَوْلُهُ : وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ)
مُشَاةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْكَبُوا
دَوَابَّهُمْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ
يَتَكَلَّمُوا
(1/231)
(وَأَتَمُّوا
بِقِرَاءَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ
وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْمُقِيمُ خَلْفَ
الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثَ
رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ
الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَةٍ إنْ
كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ ، وَالْمَسْبُوقُ إنْ
أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ
فَهُوَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى ،
وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الثَّانِيَةِ ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا
صَلَّى الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى
رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ، وَقَفَ حَتَّى
تُتِمَّ هَذِهِ الطَّائِفَةُ صَلَاتَهُمْ
وَيُسَلِّمُونَ وَيَذْهَبُونَ إلَى وَجْهِ
الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى
فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ
فَإِذَا قَامُوا لِقَضَاءِ مَا سُبِقُوا
انْتَظَرَهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ لِحَدِيثِ
سَهْلٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ
ذَاتِ الرِّقَاعِ» ، وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ
بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً
وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةَ
الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا
مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى
الْعَدُوِّ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى
بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَضَى
هَؤُلَاءِ رَكْعَةً ، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً»
وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ
الْأُصُولِ ، وَمَا رَوَاهُ يُخَالِفُ مِنْ
وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ
يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ الْإِمَامِ ،
وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا
إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ ،
وَلَا بِالسُّجُودِ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا يَأْمَنُ
الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ
أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ
حِمَارٍ» وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ انْتِظَارَ
الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ ،
وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
يَجْعَلُهُمْ صَفَّيْنِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ
فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ فَيُحْرِمُونَ
كُلُّهُمْ مَعَهُ وَيَرْكَعُونَ فَإِذَا
سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ
وَالصَّفُّ الثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ مِنْ
الْعَدُوِّ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ تَأَخَّرَ
الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الثَّانِي
فَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا مَعَهُ ، وَهَكَذَا
يَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَالْحُجَّةُ
عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ وقَوْله تَعَالَى {فَلْتَقُمْ
طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء : 102]
وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ
أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}
[النساء : 102] وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا
لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ
فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء : 102]
الْآيَةَ ، شَرَطَ لِإِقَامَتِهَا أَنْ
يَكُونَ هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - مَعَهُمْ ؛ وَلِأَنَّ
الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا لِمَا فِيهَا
مِنْ الْمَنَافِي ، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ
لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ، وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا
الْمَعْنَى بَعْدَهُ ، وَلَنَا أَنَّ
الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا بَعْدَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَصَلَّاهَا عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ
وَصَلَّاهَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ
وَحُذَيْفَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ
وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ
فَصَارَ إجْمَاعًا وَجَوَازُهَا خَلْفَ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْرَاكِ
الْفَضِيلَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ
بِوَاجِبٍ ، وَتَرْكُ الْمَشْيِ وَاجِبٌ فَلَا
يَجُوزُ ارْتِكَابُ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ
لِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ ،
وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِقَطْعِ
الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ
مِنْهُمْ نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ
وَلِهَذَا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا ، كَانَ
الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ
فَيُصَلِّيَ هُوَ بِطَائِفَةٍ وَيَأْمُرَ مَنْ
يُصَلِّي بِالْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : (وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ
بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ
رَكْعَةً) ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ شَطْرٌ
فِي الْمَغْرِبِ ، وَلِهَذَا شُرِعَ
الْقُعُودُ عَقِيبَهُمَا ؛ وَلِأَنَّ
الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَتْ
الطَّائِفَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ ؛
لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ) أَيْ
وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ
إنَّهُمْ لَا يَنْصَرِفُونَ رُكْبَانًا حَتَّى
إذَا رَكِبُوا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ ؛ لِأَنَّ
الرُّكُوبَ مِنْهُ بُدٌّ فَلَمْ يَكُنْ
عَفْوًا ، وَالْمَشْيُ لَا بُدَّ مِنْهُ
فَيَكُونُ عَفْوًا . انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ : وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ،
وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْتَقْبِلَ
الْقِبْلَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ هُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا
صَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ عَلَى مَا
بَيَّنَّا ، وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا
صَفَّيْنِ فَيَفْتَتِحُ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ
بِهِمْ جَمِيعًا وَكُلُّهُمْ مُسْتَعِدُّونَ
بِالسِّلَاحِ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا
جَمِيعًا ، وَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ الصَّفُّ
الَّذِي يَلِيهِ وَالصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ
يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ
سَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَالْأَوَّلُ
يَحْرُسُونَهُمْ ثُمَّ سَجَدَ الْإِمَامُ
وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ السَّجْدَةَ
الثَّانِيَةَ وَالْآخَرُ يَحْرُسُونَهُمْ ،
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ صَلَّوْا هَكَذَا
جَازَتْ صَلَاتُهُمْ ، وَإِنْ صَلَّوْا
بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا تَجُوزُ لَهُمْ
الصَّلَاةُ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ ،
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ غَيْرُ
مُنَاسِبٍ هَكَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ
قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فَلْيُتَأَمَّلْ .
(قَوْلُهُ : وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ
طَائِفَةٌ} [النساء : 102] إلَى آخِرِهِ)
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَتَيْنِ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُمْ
طَائِفَتَيْنِ بِقَوْلِهِ {فَلْتَقُمْ
طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء : 102]
وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَاتَهُ شَيْءٌ
مِنْ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ {وَلْتَأْتِ
طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النساء :
102] ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمْ كُلُّهُمْ
لَمْ يَفُتْهُمْ شَيْءٌ . انْتَهَى مِنْ خَطِّ
الشَّارِحِ . (قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ
الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا إلَى آخِرِهِ)
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي
الشَّرَائِعِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةَ
الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا إلَّا إذَا قَامَ
الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَإِنْ قَالَ
قَدْ وُجِدَ التَّخْصِيصُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى شَرَطَ كَوْنَ الرَّسُولِ فِيهِمْ
فَقَالَ {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء :
102] قُلْنَا الشَّرْطُ يُوجِبُ الْوُجُودَ
عِنْدَ الْوُجُودِ ، وَلَا يَقْتَضِي
الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ أَوْ مَعْنَاهُ
إذَا كُنْت أَنْتَ فِيهِمْ أَوْ مَنْ يَقُومُ
مَقَامَك فِي الْإِمَامَةِ كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة :
103] . انْتَهَى مُصَفَّى . (قَوْلُهُ :
وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى
رَكْعَتَيْنِ) أَيْ تَشَهَّدَ بِهِمْ
وَيَنْصَرِفُونَ ثُمَّ يُصَلِّي
بِالثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ
وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ ،
وَلَا يُسَلِّمُونَ مَعَهُ بَلْ يَرُوحُونَ
مَقَامَهُمْ فَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى
فَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ
بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ
وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ
الثَّانِيَةُ فَيُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ ،
وَعَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يَتَشَهَّدُوا
فِيمَا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ
الْمَسْبُوقَ فِيمَا أَدْرَكَ أَوَّلُ
صَلَاتِهِ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَآخِرُهَا
فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ ، وَاَلَّذِي
يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ
الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ
وَسَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالْأُولَيَيْنِ
فَإِذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ
تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقْضِي
رَكْعَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ
الْكِتَابِ وَسُورَةً وَيَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ
قَدْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً ،
وَهَذِهِ ثَانِيَتُهُ فَالْقَعْدَةُ فِي
الثَّانِيَةِ سُنَّةٌ فِي الْمَغْرِبِ ثُمَّ
يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى
وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ
وَسُورَةً ، وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ
فِيهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ مَا
يُقْضَى أَوَّلُ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ
الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ،
وَهَذَا التَّشَهُّدُ فَرْضٌ عَلَيْهِ .
انْتَهَى طَحَاوِيٌّ .
قَوْلُهُ : وَهَذَا التَّشَهُّدُ أَيْ
الْقُعُودُ
(1/232)
الْأُولَى
أَوْلَى بِهَا لِلسَّبْقِ وَلِكَوْنِ
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ الْأُولَى
فِي الْحُكْمِ . وَلَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ
فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً
وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ
صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى
فَلِانْصِرَافِهِمْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ ،
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا
أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ صَارُوا
مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِإِدْرَاكِهِمْ
الشَّفْعَ الْأَوَّلَ ، وَقَدْ انْصَرَفُوا
فِي أَوَانِ رُجُوعِهِمْ فَتَبْطُلُ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ انْصَرَفَ فِي
أَوَانِ الْعَوْدِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ،
وَإِنْ عَادَ فِي أَوَانِ الِانْصِرَافِ لَا
تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ مُقْبِلٌ وَالْأَوَّلُ
مُعْرِضٌ فَلَا يُعْذَرُ إلَّا فِي
الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الِانْصِرَافُ
فِي أَوَانِهِ ، وَإِنْ أَخَّرَ الِانْصِرَافَ
ثُمَّ انْصَرَفَ قَبْلَ أَوَانِ عَوْدِهِ
صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ انْصِرَافِهِ مَا
لَمْ يَجِئْ أَوَانُ عَوْدِهِ ، وَلَوْ
جَعَلَهُمْ ثَلَاثَ طَوَائِفَ وَصَلَّى
بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ
الْأُولَى فَاسِدَةٌ ، وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ
وَالثَّالِثَةِ صَحِيحَةٌ ، وَالْمَعْنَى مَا
بَيَّنَّاهُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَهُمْ
فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَرْبَعَ طَوَائِفَ
وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَسَدَتْ
صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ ، وَصَلَاةُ
الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ لِمَا
بَيَّنَّاهُ مِنْ الْمَعْنَى ، وَلَوْ
جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى
بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ
فَانْصَرَفُوا إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ
فَصَلَّى الثَّالِثَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ
انْصَرَفَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ
مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى ، وَمَا بَعْدَ
الشَّطْرِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَرَاغِ أَوَانُ
انْصِرَافِهِمْ ، وَصَلَاةُ الْإِمَامِ
صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ لِعَدَمِ
الْمُفْسِدِ فِي حَقِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَمَنْ قَاتَلَ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ
مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ ، وَلَوْ قَاتَلَهُمْ
بِعَمَلٍ قَلِيلٍ كَالرَّمْيَةِ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ
بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ
الْعَمَلِ فِيمَا تَقَدَّمَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اشْتَدَّ
الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى
بِالْإِيمَاءِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرُوا)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة : 239]
وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ يَسْقُطُ
لِلضَّرُورَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ
الشُّرُوطِ ، وَلَا تَجُوزُ بِجَمَاعَةٍ
لِعَدَمِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ إلَّا
إذَا كَانَ رَاكِبًا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى
دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ
تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ
الْجَمَاعَةِ ، وَقَدْ جَوَّزَ لَهُمْ مَا
هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ
الذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ لِأَجْلِ إحْرَازِ
فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ
ذَلِكَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ ، وَلَيْسَ
لِلرَّأْيِ مَدْخَلٌ فِي إثْبَاتِ الرُّخَصِ
فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ ، وَلَا
تَجُوزُ رَاكِبًا فِي الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّ
التَّطَوُّعَ لَا يَجُوزُ فِيهِ فَكَذَا
الْفَرْضُ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا مَاشِيًا فِي
غَيْرِ الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَمَلٌ
كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَالْغَرِيقِ
السَّابِحِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ
السَّبْحَ عَمَلٌ كَثِيرٌ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : (وَلَمْ تَجُزْ بِلَا حُضُورِ
عَدُوٍّ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ
رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوا أَنَّهُ عَدُوٌّ
فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ
أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ أَعَادُوهَا لِمَا
قُلْنَا إلَّا إذَا بَانَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ
يَتَجَاوَزُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ
يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا ، وَلَوْ شَرَعُوا
فِيهَا ، وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ ثُمَّ ذَهَبَ
لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِانْحِرَافُ عَنْ
الْقِبْلَةِ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ
وَبِعَكْسِهِ لَوْ شَرَعُوا فِيهَا ثُمَّ
حَضَرَ الْعَدُوُّ جَازَ لَهُمْ الِانْحِرَافُ
فِي أَوَانِهِ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ
وَالثَّالِثَةِ صَحِيحَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ لِانْصِرَافِهِمْ فِي وَقْتِهِ
؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ صَارُوا
مِنْ عِدَادِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى
فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا أَوَّلًا
الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ
وَيَتَشَهَّدُونَ ، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ
يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى
بِقِرَاءَةٍ ، وَإِذَا عَادَتْ الطَّائِفَةُ
الثَّالِثَةُ يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ بِقِرَاءَةٍ . ا هـ مِنْ
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِالْمَعْنَى .
(قَوْلُهُ : وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ
رَكْعَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأُولَى إلَخْ)
لَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِي
الْمَغْرِبِ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى
بِالْأُولَى رَكْعَةً وَانْصَرَفُوا وَصَلَّى
بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَانْصَرَفُوا عَلَى
ظَنِّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تُقْسَمُ بَيْنَ
الطَّائِفَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَتْ الْأُولَى
فَصَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ
الثَّانِيَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ ؛
لِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا قَبْلَ وَقْتِهِ ؛
لِأَنَّ وَقْتَ انْصِرَافِهِمْ بَعْدَمَا
يُصَلِّي الْإِمَامُ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ،
وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ
الثَّانِيَةِ بِالِانْصِرَافِ ؛ لِأَنَّهُمْ
انْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ ؛ لِأَنَّ
الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ عِدَادِ
الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ
بِرَكْعَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفُوا بَعْدَمَا
صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ
وَتَشَهَّدَ فَقَدْ انْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ
ثُمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى لَمَّا عَادُوا
وَصَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ الثَّالِثَةِ لَمْ
تَعُدْ صَلَاتُهُمْ إلَى الْجَوَازِ إلَّا
أَنْ يُجَدِّدُوا التَّكْبِيرَةَ فِيهَا
فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ وَصَارُوا الطَّائِفَةَ
الثَّانِيَةَ فَإِذَا انْصَرَفُوا بَعْدَ
تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إلَى الْعَدُوِّ لَمْ
تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ ، وَعَلَى الطَّائِفَةِ
الْأُخْرَى إذَا عَادُوا أَنْ يَقْضُوا
الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ
وَيَتَشَهَّدُوا ، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ
يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى
بِقِرَاءَةٍ ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى إذَا
عَادُوا يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ بِقِرَاءَةٍ . ا هـ مِنْ
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِالْمَعْنَى .
(قَوْلُهُ : وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ
وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ) أَمَّا الْأُولَى
فَلِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا فِي غَيْرِ
أَوَانِهِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ ؛ لِأَنَّهُمْ
مِنْ عِدَادِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ
وَوَقْتُ انْصِرَافِهِمْ بَعْدَ تَسْلِيمِ
الْإِمَامِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَبْلَهُ
فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ ، وَأَمَّا عَدَمُ
فَسَادِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ
فَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مِنْ الْأُولَى
وَانْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ وَالرَّابِعَةُ
مِنْ الثَّانِيَةِ وَانْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ
أَيْضًا فَإِذَا عَادَتْ الطَّائِفَةُ
الثَّانِيَةُ يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ
الْآخِرَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ
وَيَتَشَهَّدُونَ ، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ
يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ
؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ فِيهَا
وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ فَإِذَا
عَادَتْ الرَّابِعَةُ يَقْضُونَ ثَلَاثَ
رَكَعَاتٍ الْأُولَيَانِ بِقِرَاءَةٍ
وَالثَّالِثَةُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ ، وَإِنْ
شَاءُوا قَرَءُوا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ
وَيَتَشَهَّدُونَ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ
الْأُولَى ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ بَعْدَ
الثَّالِثَةِ . ا هـ طَحَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ : فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ إلَخْ)
بِأَنْ لَا يَدَعُهُمْ الْعَدُوُّ يُصَلُّونَ
نَازِلِينَ بَلْ يُهَاجِمُونَهُمْ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : صَلَّوْا رُكْبَانًا
إلَخْ) وَيَجْعَلُونَ السُّجُودَ أَخْفَضَ
مِنْ الرُّكُوعِ ، وَهَذَا لِقَوْلِهِ
تَعَالَى : {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ
تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ}
[النساء : 101] وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَصْرُ
فِي الصِّفَاتِ ، وَهُوَ الْإِيمَاءُ لَا
الْقَصْرُ فِي أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا
بِالْخَوْفِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِجَالا
أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة : 239] ، وَقَالَ
تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ
وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة : 115] وَالْمُرَادُ
مِنْهُ حَالَ الْعُذْرِ وَالْخَوْفُ عُذْرٌ
فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِبْلَةِ ، وَهَذَا
جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً
رُكْبَانًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ
إذَا صَلَّوْا بِإِيمَاءٍ وَزَالَ الْخَوْفُ
فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ
عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ وَالْخَوْفُ مِنْ
الْعَدُوِّ وَالسَّبُعِ سَوَاءٌ . ا هـ .
شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ
(قَوْلُهُ : وَجَازَ لَهُمْ الِانْحِرَافُ فِي
أَوَانِهِ) أَيْ فَإِنْ انْحَرَفُوا فِي
غَيْرِ أَوَانِ انْحِرَافِهِمْ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُمْ . ا هـ ..
(1/233)
(بَابُ
الْجَنَائِزِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وُلِّيَ
الْمُحْتَضَرُ الْقِبْلَةَ عَلَى يَمِينِهِ)
أَيْ وُجِّهَ وَجْهُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ
إلَى الْقِبْلَةِ ، وَعَلَامَاتُ احْتِضَارِهِ
أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا
تَنْتَصِبَانِ وَيَنْعَوِجُ أَنْفُهُ
وَيَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدُّ جِلْدَةُ
الْخُصْيَةِ ؛ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ
تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ وَتَتَدَلَّى
جِلْدَتُهَا ، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ إلَى
الْقِبْلَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ
مَعْرُورٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فَقَالُوا تُوُفِّيَ ، وَأَوْصَى بِثُلُثِ
مَالِهِ لَك ، وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى
الْقِبْلَةِ لَمَّا اُحْتُضِرَ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَصَابَ الْفِطْرَةَ» ، وَقَدْ
رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ ؛
وَلِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الْوَضْعِ فِي
اللَّحْدِ فَيُوضَعُ كَمَا يُوضَعُ فِيهِ ،
وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يُلْقَى
عَلَى قَفَاهُ ، وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ
قَالُوا : لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ
الرُّوحِ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا وَجْهَ ذَلِكَ ،
وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا نَقْلًا ،
وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَسْهَلُ
لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ عَقِيبَ
الْمَوْتِ ، وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ
أَعْضَائِهِ ثُمَّ إذَا أُلْقِيَ عَلَى
الْقَفَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا
لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ
السَّمَاءِ .
وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَلُقِّنَ
الشَّهَادَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا
مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ» وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مِنْ
الْمَوْتِ ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ؛
وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَتَعَرَّضُ فِيهِ
الشَّيْطَانُ لِإِفْسَادِ اعْتِقَادِهِ
فَيَحْتَاجُ إلَى مُذَكِّرٍ ، وَمُنَبِّهٍ
عَلَى التَّوْحِيدِ . وَكَيْفِيَّةُ
التَّلْقِينِ أَنْ تُذْكَرَ كَلِمَةُ
التَّوْحِيدِ عِنْدَهُ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي تَلْقِينِهِ بَعْدَ
الْمَوْتِ فَقِيلَ يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا
رَوَيْنَا ، وَقِيلَ لَا يُلَقَّنُ ، وَقِيلَ
لَا يُؤْمَرُ بِهِ ، وَلَا يُنْهَى عَنْهُ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (فَإِنْ مَاتَ
شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ)
بِذَلِكَ جَرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ
جَنَزَ يَجْنِزُ بِفَتْحِ النُّونِ فِي
الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا
سَتَرَ . ا هـ . أَبُو الْبَقَاءِ قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ الْمَوْتُ آخِرَ
الْعَوَارِضِ ذَكَرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ
آخِرًا لِلْمُنَاسَبَةِ . ا هـ . أَوْ نَقُولُ
الصَّلَاةُ صَلَاتَانِ مُطْلَقَةٌ
وَمُقَيَّدَةٌ فَلَمَّا بَيَّنَ الصَّلَاةَ
الْمُطْلَقَةَ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصَّلَاةِ
الْمُقَيَّدَةِ أَوْ نَقُولُ الْمَأْمُورُ
بِهِ نَوْعَانِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ
وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا
عُرِفَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَسَنٌ
لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا وَصَلَاةُ
الْجِنَازَةِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا
وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَمَّا
فَرَغَ عَنْ بَيَانِ صَلَاةٍ هِيَ حَسَنٌ
لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ
صَلَاةٍ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا . ا هـ .
وَالْمُنَاسَبَةُ الْخَاصَّةُ بِالْبَابِ
الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْخَوْفَ قَدْ
يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ حَتَّى قَالَ فِي
الزِّيَادَاتِ : إنَّ مَنْ وُجِدَ فِي
الْمَعْرَكَةِ وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْ
أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ يُغَسَّلُ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِقَتِيلٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَاتَ
مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ قَالَ الْكَمَالُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذِهِ الصَّلَاةِ
كَغَيْرِهَا صِفَةٌ وَسَبَبٌ وَشَرْطٌ
وَرُكْنٌ وَسُنَنٌ وَآدَابٌ . أَمَّا
صِفَتُهَا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَسَبَبُهَا
الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهَا وَجَبَتْ
قَضَاءً لِحَقِّهِ وَرُكْنُهَا سَيَأْتِي
بَيَانُهُ . وَأَمَّا شَرْطُهَا فِيمَا هُوَ
شَرْطُ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَتَزِيدُ
هَذِهِ بِأُمُورٍ تُذْكَرُ هُنَا ،
وَسُنَّتُهَا كَوْنُهُ مُكَفَّنًا بِثَلَاثَةِ
أَثْوَابٍ أَوْ ثِيَابُهُ فِي الشَّهِيدِ
وَكَوْنُ هَذَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ
تَسَاهُلٌ وَآدَابُهَا كَغَيْرِهَا
وَالْجِنَازَةُ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ
وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وُلِّيَ
الْمُحْتَضَرُ الْقِبْلَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو
الْبَقَاءِ وَتَوْجِيهُ الْمُحْتَضَرِ إلَى
الْقِبْلَةِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا وَأَحْمَدَ
وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَكَرِهَهُ فِي
رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَجَّهْ إلَى الْقِبْلَةِ
، وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَلَى مَنْ
فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَقَالَ أَلَسْت مُسْلِمًا
وَلِلْجُمْهُورِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ
وَشَيْخُهُ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ
إلَخْ . ا هـ . وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ
أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ الْمَرِيضِ
لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلْتَ
عَلَى الْمَرِيضِ فَمُرْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَك
فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ»
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ . ا هـ . أَبُو
الْبَقَاءِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ، وَلَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ
الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ
. ا هـ . وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ
لِلْبُخَارِيِّ وَيُخْرَجُ مِنْ عِنْدِهِ
الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْجُنُبُ . ا هـ
. (قَوْلُهُ : «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ»
إلَخْ) «ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ،
وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ
، وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَكَ ، وَقَدْ فَعَلْتَ»
قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ ،
وَلَا أَعْلَمُ فِي تَوْجِيهِ الْقِبْلَةِ
غَيْرَهُ . ا هـ أَبُو الْبَقَاءِ .
(قَوْلُهُ : وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا
إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوَّلُ
هُوَ السُّنَّةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ
إلَخْ) هُوَ مِثْلُ لَفْظِ الْقَتِيلِ فِي
قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . ا
هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَلَا يُؤْمَرُ
بِهَا) قَالَ الْكَمَالُ ، وَإِذَا ظَهَرَ
مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا
يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ
مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ
فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ وَلِذَا اخْتَارَ
بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ
قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ
وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ فِي حَالِ
الْمَوْتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : يُلَقَّنُ
لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا إلَخْ) وَنُسِبَ إلَى
أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ،
وَخِلَافُهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ . ا هـ .
كَمَالٌ قَالَ قَاضِي خَانْ : إنْ كَانَ
التَّلْقِينُ لَا يَنْفَعُ لَا يَضُرُّ
أَيْضًا فَيَجُوزُ . ا هـ . قَالَ فِي
الْحَقَائِقِ قَالَ صَاحِبُ الْغِيَاثِ
سَمِعْت أُسْتَاذِي قَاضِي خَانْ يَحْكِي عَنْ
ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ
لَقَّنَ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ دَفْنِهِ
، وَأَوْصَانِي بِتَلْقِينِهِ فَلَقَّنْتُهُ
بَعْدَ مَا دُفِنَ ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ
الْحَقَائِقِ مَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَنْ
قَاضِي خَانْ .
وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ
الشَّافِعِيِّ وَيَحْسُنُ التَّلْقِينُ
وَالتَّسْمِيعُ ، قَالَ فِي الْحَقَائِقِ
ذَكَرَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الصَّفَّارُ فِي
التَّلْخِيصِ أَنَّ تَلْقِينَ الْمَيِّتِ
مَشْرُوعٌ لِأَنَّهُ تُعَادُ إلَيْهِ رُوحُهُ
، وَعَقْلُهُ وَيَفْهَمُ مَا يُلَقَّنُ قُلْت
وَلَفْظُ التَّسْمِيعِ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا
وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنُ
فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَكَ الَّذِي كُنْتَ
عَلَيْهِ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا
وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا
، وَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةُ لَا يُفِيدُ
التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ
الْإِحْيَاءَ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ . ا هـ
مَا قَالَهُ فِي الْحَقَائِقِ . (قَوْلُهُ :
فِي الْمَتْنِ فَإِنْ مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ
إلَخْ) بِفَتْحِ اللَّامِ تَثْنِيَةُ لَحْيٍ ،
وَهُوَ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ مِنْ
الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ . ا هـ . ع (قَوْلُهُ
: فِي الْمَتْنِ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ إلَخْ)
قَالَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَمُدَّتْ
أَطْرَافُهُ . ا هـ . أَبُو الْبَقَاءِ
وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ سَيْفٌ أَوْ
مُدْيَةٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحَدِيدِ
لِئَلَّا يَنْتَفِخَ
(1/234)
التَّوَارُثُ ؛
وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْسِينَهُ إذْ لَوْ تُرِكَ
عَلَى حَالِهِ لَبَقِيَ فَظِيعَ الْمَنْظَرِ ،
وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ دُخُولِ الْهَوَامِّ فِي
جَوْفِهِ وَالْمَاءِ عِنْدَ غُسْلِهِ
وَيَقُولُ مُغَمِّضُهُ بِسْمِ اللَّهِ ،
وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ
يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ
مَا بَعْدَهُ ، وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك
وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا
خَرَجَ عَنْهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَوُضِعَ عَلَى
سَرِيرٍ مُجَمَّرٍ وِتْرًا) لِئَلَّا
تُغَيِّرَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ وَلِيَنْضُبَ
عَنْهُ الْمَاءُ عِنْدَ غُسْلِهِ ، وَفِي
التَّجْمِيرِ تَعْظِيمُهُ ، وَإِزَالَةُ
الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ ، وَإِنَّمَا
يُوتَرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
«إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» ،
وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يُدَارَ بِالْمِجْمَرَةِ
حَوْلَ السَّرِيرِ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ
خَمْسًا ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ
وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ مُجَمَّرٍ يُشِيرُ
إلَى أَنَّ السَّرِيرَ يُجَمَّرُ قَبْلَ
وَضْعِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ
يُوضَعُ عَلَيْهِ كَمَا مَاتَ ، وَلَا
يُؤَخَّرُ إلَى وَقْتِ الْغُسْلِ ، وَقَالَ
فِي الْغَايَةِ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَ
إرَادَةِ غُسْلِهِ إخْفَاءً لِلرَّائِحَةِ
الْكَرِيهَةِ ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ : إذَا
أَرَادُوا غُسْلَهُ وَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ
، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ،
وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُوضَعُ عَلَى
بَطْنِهِ حَدِيدَةٌ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ ،
وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّعْبِيِّ
وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ
حَتَّى يُغَسَّلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
: (وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ سَتْرَهَا
وَاجِبٌ ، وَالنَّظَرُ إلَيْهَا حَرَامٌ
كَعَوْرَةِ الْحَيِّ ، وَيُسْتَرُ مَا بَيْنَ
سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَطْنُهُ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ
الشَّعْبِيِّ ، وَلَا يُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ
مُصْحَفٌ ، وَأَسْرَعُوا فِي جِهَازِهِ ،
وَإِعْلَامِ جِيرَانِهِ ، وَأَصْدِقَائِهِ
حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ
وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ فِي الْأَسْوَاقِ
وَالْمَحَلَّاتِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهٌ
بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا ذَكَرَ
الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَالَ صَاحِبُ
الِاخْتِيَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا
يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْلَامَ النَّاسِ
فَيُؤَدُّونَ حَقَّهُ ، وَفِيهِ تَكْثِيرٌ
لِلْمُصَلِّينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ . ا
هـ . أَبُو الْبَقَاءِ.
(قَوْلُهُ : وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ إلَخْ)
قِيلَ طُولًا إلَى الْقِبْلَةِ ، وَقِيلَ
عَرْضًا قَالَ السَّرَخْسِيُّ : الْأَصَحُّ
كَيْفَ تَيَسَّرَ قَوْلُهُ : طُولًا إلَى
الْقِبْلَةِ أَيْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ
كَالْمُحْتَضَرِ قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ
وَبَعْضُ أَئِمَّةِ خُرَاسَانَ . ا هـ .
وَقَوْلُهُ وَقِيلَ عَرْضًا أَيْ كَمَا
يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ
فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَيْفِيَّةَ وَضْعِ
التَّخْتِ أَنَّهُ يُوضَعُ إلَى الْقِبْلَةِ
طُولًا أَوْ عَرْضًا فَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ
اخْتَارَ الْوَضْعَ طُولًا كَمَا يُفْعَلُ
بِهِ فِي مَرَضِهِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ
بِالْإِيمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ
الْوَضْعَ كَمَا يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ
؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
الْمَوَاضِعِ . ا هـ .
وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ أَحَدًا
مِنْ النِّسَاءِ ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ
؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهَا انْقَطَعَتْ
الزَّوْجِيَّةُ وَلِهَذَا حَلَّ لَهُ
التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا ، وَأَرْبَعٍ
سِوَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ ، وَعَنْ
الشَّافِعِيِّ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا فَلَوْ
مَاتَتْ امْرَأَتُهُ فِي سَفَرٍ بَيْنَ
الرِّجَالِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ
عُلِّمَتْ الْغُسْلَ وَيُخَلُّونَ بَيْنَهَا
وَبَيْنَهَا فَتُغَسِّلُهَا وَتُكَفِّنُهَا ،
وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَبِيٌّ لَمْ
يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ عُلِّمَ الْغُسْلَ
وَالتَّكْفِينَ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهَا ، وَإِلَّا فَلَا تُغَسَّلُ بَلْ
تُيَمَّمُ فَإِنْ كَانَ الْمُيَمِّمُ لَهَا
مَحْرَمًا يَمَّمَهَا بِغَيْرِ خِرْقَةٍ ،
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ فَبِخِرْقَةٍ
عَلَى كَفَّيْهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ
إلَى وَجْهِهَا وَيُعْرِضُ عَنْ ذِرَاعَيْهَا
ثُمَّ تُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهَا ،
وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ فَإِنْ
كَانَ مَعَهُنَّ امْرَأَتُهُ فَإِنَّهَا
تُغَسِّلُهُ وَتُكَفِّنُهُ وَيُصَلِّي
عَلَيْهِ النِّسَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
فِيهِنَّ امْرَأَتُهُ نُظِرَ إنْ كَانَ
مَعَهُنَّ رَجُلٌ كَافِرٌ عُلِّمَ غُسْلَهُ
وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَيُغَسِّلُهُ
وَيُكَفِّنُهُ ثُمَّ النِّسَاءُ يُصَلِّينَ
عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ
رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ صَبِيَّةٌ لَمْ
تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ عُلِّمَتْ
وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَتُغَسِّلُهُ
وَتُكَفِّنُهُ وَتُصَلِّي عَلَيْهِ النِّسَاءُ
الْبَالِغَاتُ وَيَدْفِنَّهُ ، وَإِنْ لَمْ
تَكُنْ صَبِيَّةٌ فَإِنَّهُنَّ يُيَمِّمْنَهُ
فَإِنْ كَانَتْ الْمُيَمِّمَةُ مَحْرَمًا لَهُ
تُيَمِّمُهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ ، وَإِنْ
كَانَتْ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ فَإِنَّهَا
تُيَمِّمُهُ بِخِرْقَةٍ وَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ
وَيَدْفِنَّهُ ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ
الْمَيِّتَةُ لَمْ يَبْلُغَا حَدَّ
الشَّهْوَةِ فَإِنَّهُمَا يُغَسَّلَانِ عَلَى
كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ غَسَّلَهُمَا رَجُلٌ أَوْ
امْرَأَةٌ . ا هـ . طَحَاوِيٌّ ، وَلَوْ كَانَ
الْمَيِّتُ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ
يُنْظَرُ إنْ كَانَ صَغِيرًا غُسِّلَ عَلَى
كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ الْغَاسِلُ رَجُلًا
أَوْ امْرَأَةً ، وَإِنْ كَانَ بَلَغَ حَدَّ
الشَّهْوَةِ لَا يُغَسَّلُ لِلتَّعَذُّرِ بَلْ
يُيَمَّمُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُيَمِّمُ ذَا
رَحِمٍ مِنْهُ يَمَّمَهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ ،
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَبِخِرْقَةٍ
وَيُعْرِضُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ ا هـ .
وَالسُّنَّةُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ
يُغَسِّلَ الرَّجُلَ رَجُلٌ وَالْمَرْأَةَ
امْرَأَة ، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ
تُغَسِّلَ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ إلَّا
زَوْجَهَا الَّذِي مَاتَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ
؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - لَمَّا مَاتَ غَسَّلَتْهُ أَسْمَاءُ
زَوْجَتُهُ فَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثُمَّ
مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ
الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَلَهَا أَنْ
تُغَسِّلَهُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ
الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ ،
وَإِنْ كَانَ بَائِنًا لَا تُغَسِّلُهُ ،
وَلَوْ مَاتَ ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ
فَعَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فِعْلًا لَوْ
فَعَلَتْهُ حَالَ حَيَاتِهِ بَانَتْ بِهِ
وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ
أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ بِشَهْوَةٍ بَطَلَ
حَقُّهَا فِي الْغُسْلِ ، وَلَوْ كَانَ
الزَّوْجُ وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ
بِشُبْهَةٍ فَمَا دَامَتْ هَذِهِ تَعْتَدُّ
لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ
بِامْرَأَتِهِ فَإِنْ مَاتَ ، وَهِيَ فِي
الْعِدَّةِ فَلَيْسَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ
تُغَسِّلَهُ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ ،
وَلَكِنْ تَرِثُ مِنْهُ وَتَجِبُ عَلَيْهَا
عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَلَوْ انْقَضَتْ عِدَّةُ
أُخْتِهَا بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا كَانَ
لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ
الْحُرْمَةِ قَدْ زَالَ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ
الزَّوْجُ وَزَوْجَتُهُ مَجُوسِيَّةٌ فَمَاتَ
قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا
فَإِنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ ؛ لِأَنَّهَا
مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَلَوْ أَسْلَمَتْ كَانَ
لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ ، وَقَالَ زُفَرُ :
كَانَ لَهَا الْغُسْلُ عِنْدَ وَفَاةِ
الزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بَعْدَ
ذَلِكَ بِرِدَّةٍ أَوْ لَمْسٍ لِأَبِي
الزَّوْجِ أَوْ ابْنِهِ بِشَهْوَةٍ ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهَا غُسْلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ
لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ
، وَإِنْ زَالَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ . ا هـ
طَحَاوِيٌّ .
(قَوْلُهُ : أَنْ يُدَارَ بِالْمِجْمَرَةِ)
وَالْمِجْمَرَة بِكَسْرِ الْأَوَّلِ هِيَ
الْمِبْخَرَةُ وَالْمِدْخَنَةُ قَالَ
بَعْضُهُمْ وَالْمِجْمَرُ بِحَذْفِ الْهَاءِ
مَا يُبَخَّرُ بِهِ مِنْ عُودٍ وَغَيْرِهِ ،
وَهِيَ لُغَةٌ أَيْضًا فِي الْمِجْمَرَةِ . ا
هـ مِصْبَاحٌ . (قَوْلُهُ : وَلَا يُزَادُ
عَلَيْهَا) قَالَ الْكَمَالُ أَوْ سَبْعًا . ا
هـ . وَكَذَا فِي الْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ
(قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِمَا
ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِئَلَّا
تُغَيِّرَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ
عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ إلَخْ) قَالَ فِي
شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلشَّيْخِ أَبِي
الْبَقَاءِ ثُمَّ غُسْلُ الْمَيِّتِ لِمَاذَا
وَجَبَ ؟ . فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ
فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : سَبَبُ وُجُوبِهِ
الْحَدَثُ فَإِنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ
لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَوَجَبَ
غَسْلُهُ كُلِّهِ ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى
بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ حَالَ
الْحَيَاةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِتَكَرُّرِ
سَبَبِهِ وَغَلَبَةِ وُجُودِ الْحَدَثِ فِي
كُلِّ وَقْتٍ حَتَّى إنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ
لَمَّا لَمْ يَكْثُرْ وُجُودُهُ كَالْحَدَثِ
لَمْ يَكْتَفِ فِيهِ إلَّا بِغَسْلِ جَمِيعِ
الْبَدَنِ ، وَلَا حَرَجَ بَعْدَ الْمَوْتِ
فَوَجَبَ غَسْلُ الْكُلِّ فَعَلَى هَذَا
الْقَوْلِ إنَّ الْآدَمِيَّ بِالْمَوْتِ لَا
يُنَجَّسُ بِتَشَرُّبِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ
فِي أَجْزَائِهِ كَرَامَةً لَهُ ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ تَنَجَّسَ لَمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ
بِالْغُسْلِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ
الَّتِي حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا
(1/235)
يُشَدُّ
الْإِزَارُ عَلَيْهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا
فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَلِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ
«لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ ، وَلَا
مَيِّتٍ»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَجُرِّدَ)
لِيُمْكِنَهُمْ التَّنْظِيفُ قَالُوا
يُجَرَّدُ كَمَا مَاتَ ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ
تَحْمِي فَيُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ ،
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْكُمَّيْنِ
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ قُلْنَا ذَلِكَ
مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ
أَنَّهُمْ قَالُوا نُجَرِّدُهُ كَمَا
نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نُغَسِّلُهُ فِي
ثِيَابِهِ فَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ لَا
تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَفِي رِوَايَةٍ
غَسِّلُوهُ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ
تَجْرِيدُ مَوْتَاهُمْ كَافَّةً فِي زَمَنِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِمَا
يَخْرُجُ مِنْهُ وَيُنَجِّسُ الْمَيِّتَ
وَيَشِيعُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ
بِخِلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ
مِنْهُ إلَّا بَلَلٌ طَيِّبٌ ، وَكَانَ
طَيِّبًا حَيًّا ، وَمَيِّتًا عَلَى مَا
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَوُضِّئَ
بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ) ؛ لِأَنَّ
الْوُضُوءَ سُنَّةُ الِاغْتِسَالِ إلَّا
أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْمَاءِ
مِنْهُ فَيُتْرَكَانِ وَيُخَالِفُ الْجُنُبَ
فِيهِمَا ، وَفِي غَسْلِ الْيَدِ فَإِنَّ
الْجُنُبَ يَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ ،
وَالْمَيِّتُ يُبْدَأُ بِغَسْلِ وَجْهِهِ ؛
لِأَنَّ الْجُنُبَ هُوَ الْغَاسِلُ لِنَفْسِهِ
فَيَبْدَأُ بِتَنْظِيفِ الْيَدِ ، وَلَا
كَذَلِكَ الْمَيِّتُ ، وَلَا يُؤَخَّرُ غَسْلُ
رِجْلَيْهِ كَالْجُنُبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي
مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي
مَسْحِ رَأْسِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
يُمْسَحُ كَمَا أَنَّ الْجُنُبَ يَمْسَحُ فِي
الصَّحِيحِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ
الصَّلَاةَ لَا يُوَضَّأُ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَصُبَّ
عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ بِسِدْرٍ أَوْ
حُرْضٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي
التَّنْظِيفِ ، وَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ
تُغَسَّلَ ابْنَتُهُ وَالْمُحْرِمُ الَّذِي
وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَإِلَّا
فَالْقَرَاحِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سِدْرٌ ،
وَلَا حُرْضٌ فَلْيُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ
الْقَرَاحُ ، وَهُوَ الْمَاءُ الْخَالِصُ
الْمَغْلِيُّ ؛ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِالْمَوْتِ ، الْآدَمِيُّ يَطْهُرُ
بِالْغُسْلِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ
أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ
قَبْلَ الْغُسْلِ تَنَجَّسَ الْبِئْرُ وَلَوْ
وَقَعَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يُنَجَّسْ
فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُنَجَّسْ بِالْمَوْتِ
وَلَكِنْ وَجَبَ غُسْلُهُ لِلْحَدَثِ ؛
لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَخْلُو عَنْ سَابِقَةِ
الْحَدَثِ ، وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا قَالُوا
: إنَّ بِالْمَوْتِ يُنَجَّسُ الْآدَمِيُّ
لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ كَمَا
تُنَجَّسُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي
لَهَا دَمٌ سَائِلٌ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا
لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ كَالشَّاةِ يُوجِبُ
تَنَجُّسَهُ وَيَجِبُ نَزْحُ مَا فِي
الْبِئْرِ كُلِّهِ وَكَذَا لَوْ حَمَلَ
مَيِّتًا قَبْلَ الْغُسْلِ وَصَلَّى مَعَهُ
لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ ، وَلَوْ قُرِئَ
عَلَيْهِ الْقُرْآنُ قَبْلَ غُسْلِهِ يُكْرَهُ
وَبَعْدَهُ لَا يُكْرَهُ ، وَلَوْ كَانَ
الْغُسْلُ لِأَجْلِ الْحَدَثِ يَنْبَغِي أَنْ
تَجُوزَ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ حَمَلَ
مُحْدِثًا ، وَلَا يُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ كَمَا
لَوْ قَرَأَهَا الْمُحْدِثُ ، وَكَذَا لَا
يَمْسَحُ رَأْسَ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ
لِلْحَدَثِ يَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ الْمَسْحُ
كَمَا فِي الْجُنُبِ .
وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ ؛
لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِثُبُوتِ النَّجَاسَةِ
بَعْدَ ثُبُوتِ عِلَّتِهَا ، وَهِيَ
احْتِبَاسُ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ ، وَقَوْلٌ
بِزَوَالِ النَّجَاسَةِ بِالْغُسْلِ ؛ لِأَنَّ
لِلْغُسْلِ أَثَرًا فِي إزَالَتِهَا كَمَا فِي
حَالَةِ الْحَيَاةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
أَثَرٌ فِي إزَالَتِهِ نَجَاسَةَ الْمَوْتِ
فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ
الْآدَمِيِّ فَكَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ
فِي الثُّبُوتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَفِي
الزَّوَالِ بِالْغُسْلِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ
فِيهِ عَمَلٌ بِالدَّلِيلَيْنِ بِخِلَافِ
الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ
لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَهُوَ
مَنْعُ ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ مَعَ قِيَامِ
عِلَّتِهَا وَلَمْ نَجِدْ نَجَاسَةً لَا
تَعْمَلُ فِي التَّنْجِيسِ فِي الْآدَمِيِّ
فِي حَالَةِ كَرَامَةٍ لَهُ فَكَذَا بَعْدَ
الْمَمَاتِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ . ا هـ .
وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلْبُخَارِيِّ
أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يُسَجَّى بِثَوْبٍ
وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ
يُرْفَعَ . ا هـ . وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ
قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَيِّتِ
مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَنَجُّسِهِ
بِالْمَوْتِ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي
الْمَبْسُوطِ مِنْ كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ
الْقُرْآنِ عِنْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى
الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي
حَالَ الْمُطَالَعَةِ مِنْ التَّوْفِيقِ ،
وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
قَوْلُهُ : لِمَاذَا وَجَبَ ؟ . قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ : وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ
وُجُوبِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى سَبِيلِ
الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ
يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ كَسَائِرِ
الْوَاجِبَاتِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ
وَكَذَا الْوَاجِبُ هُوَ الْغُسْلُ مَرَّةً
وَالتَّكْرَارُ سُنَّةٌ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
حَتَّى لَوْ اكْتَفَى بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ
أَوْ غَمَسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي مَاءٍ
جَارٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنْ وَجَبَ
لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ
الْبَعْضُ يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ
كَمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ ، وَإِنْ
وَجَبَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ
الْمُنْتَشِرَةِ فِيهِ كَرَامَةً لَهُ عَلَى
مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَامَّةُ فَالْحُكْمُ
بِالزَّوَالِ بِالْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً
أَقْرَبُ إلَى مُعْتَبَرِ الْكَرَامَةِ ،
وَإِنْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ لَا يُجْزِئُ عَنْ
الْغُسْلِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِعْلُ
الْغُسْلِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَوْ غَرِقَ
فِي الْمَاءِ فَأُخْرِجَ إنْ كَانَ
الْمُخْرِجُ حَوَّلَهُ كَمَا يُحَوَّلُ
الشَّيْءُ فِي الْمَاءِ لِقَصْدِ التَّطْهِيرِ
وَسَقَطَ التَّطْهِيرُ ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا
قُلْنَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ وَيُكْتَفَى بِسَتْرِ
الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ هُوَ الصَّحِيحُ
تَيْسِيرًا قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ : هُوَ
الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ
النَّوَادِرِ أَنَّهُ يُسْتَرُ مِنْ سُرَّتِهِ
إلَى رُكْبَتِهِ وَصَحَّحَهَا فِي
النِّهَايَةِ بِحَدِيثِ عَلِيِّ الْمَذْكُورِ
آنِفًا . ا هـ . وَمَا صَحَّحَهُ فِي
النِّهَايَةِ صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ
وَالْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ أَبِي نَصْرٍ وَبِهِ
قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَاخْتَارَ
صَاحِبُ الْمُجْتَبَى ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ
كَمَا اخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ . ا هـ
(قَوْلُهُ : وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا
تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ ، وَلَا مَيِّتٍ»
هَكَذَا فِي نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ
وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ «وَلَا تَنْظُرْ»
بِالْوَاوِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَوَى
صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
لَا تُبْرِزْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرْ إلَى
فَخِذِ حَيٍّ ، وَلَا مَيِّتٍ» . ا هـ .
وَمُرَادُهُ بِصَاحِبِ السُّنَنِ أَبُو دَاوُد
. ا هـ.
(قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ
الِاغْتِسَالِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - غُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضٌ
بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ خُنْثَى
مُشْكِلًا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ
يُيَمَّمُ ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى . ا هـ . وَفِي
التَّتِمَّةِ الْخُنْثَى كَيْفَ يُغَسَّلُ
قِيلَ يُجْعَلُ فِي كُوَّارَةٍ فَيُغَسَّلُ
وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ يُيَمَّمُ ، وَلَا
يُغَسَّلُ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ أَوْ كَانَ
مُرَاهِقًا . ا هـ . وَفِي الدِّرَايَةِ ،
وَلَوْ مَاتَ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ وَرَاءَ
الثَّوْبِ ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُ مَحْرَمٌ وَيَكُونُ مَوْضِعُ غُسْلِهِ
مُظْلِمًا ، وَقِيلَ يُجْعَلُ فِي كُوَّارَةٍ
فَيُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ ، وَقَالَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُيَمَّمُ
. ا هـ . قَوْلُهُ : غُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضٌ
أَيْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَالدَّفْنِ
وَالصَّلَاةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا
عَنْ الْمُجْتَبَى . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ) مِنْ
الْإِغْلَاءِ لَا مِنْ الْغَلْيِ
وَالْغَلَيَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ كَذَا فِي
النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ أَوْ حُرُضٌ) هُوَ
أَشْنَانٌ غَيْرُ مَطْحُونٍ . ا هـ فَتْحٌ
(1/236)
الْمَقْصُودَ ،
وَهُوَ الطَّهَارَةُ تَحْصُلُ بِهِ
وَالسَّخِينُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَغُسِلَ رَأْسُهُ
وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ
أَبْلَغُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَسَخِ ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ فَبِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ ؛
لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ هَذَا إذَا كَانَ
فِي رَأْسِهِ شَعْرٌ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ
الْحَيَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَأُضْجِعَ عَلَى يَسَارِهِ فَيُغْسَلُ
حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي
التَّحْتَ مِنْهُ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ
كَذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْبُدَاءَةُ
بِالْمَيَامِنِ ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ
وَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ يُبْدَأُ
أَوَّلًا بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ ثُمَّ
بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ ثُمَّ بِالْمَاءِ
وَشَيْءٍ مِنْ الْكَافُورِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (ثُمَّ أُجْلِسَ
مُسْنَدًا إلَيْهِ ، وَمُسِحَ بَطْنُهُ
رَفِيقًا) لِيَسِيلَ مَا بَقِيَ فِي
الْمَخْرَجِ ، وَلَا تَبْتَلُّ أَكْفَانُهُ
فِي الْآخِرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(وَمَا خَرَجَ مِنْهُ غَسَلَهُ) تَنْظِيفًا
لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي إنْجَائِهِ فَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ يُنْجِيهِ مِثْلَ مَا كَانَ
يَسْتَنْجِي فِي حَالِ حَيَاتِهِ ، وَلَا
يَمَسَّ عَوْرَتَهُ ؛ لِأَنَّ مَسَّ
الْعَوْرَةِ حَرَامٌ ، وَلَكِنْ يَلُفُّ
خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ فَيَغْسِلُ حَتَّى
يَطْهُرَ الْمَوْضِعُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
لَا يُنَجَّى ؛ لِأَنَّ الْمُسْكَةَ قَدْ
زَالَتْ فَلَوْ نُجِّيَ رُبَّمَا يَزْدَادُ
الِاسْتِرْخَاءُ فَتَخْرُجُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى
فَيُكْتَفَى بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَوْضِعَ
الِاسْتِنْجَاءِ لَا يَخْلُو عَنْ
النَّجَاسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا
اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : (، وَلَمْ يُعَدْ
غُسْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ نَصًّا ، وَقَدْ
حَصَلَ ، وَلَا وُضُوءُهُ ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ : - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَادُ
وُضُوءُهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ ،
وَلَنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ حَدَثًا
فَالْمَوْتُ فَوْقَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى
لِكَوْنِهِ يَنْفِي التَّمْيِيزَ فَوْقَ
الْإِغْمَاءِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ
مَعَ بَقَاءِ الْمَوْتِ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : (وَنُشِّفَ بِثَوْبٍ) كَيْ لَا
تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : (وَجُعِلَ الْحَنُوطُ) ، وَهُوَ
الطِّيبُ (عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) لِمَا
رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَمَرَ بِذَلِكَ وَاسْتَعْمَلَهُ
أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ ، وَلَا بَأْسَ
بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ غَيْرِ
الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فِي حَقِّ
الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَالْكَافُورُ عَلَى
مَسَاجِدِهِ) يَعْنِي جَبْهَتَهُ ، وَأَنْفَهُ
وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ ، وَقَدَمَيْهِ
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ
يُجْعَلَ الْقُطْنُ عَلَى وَجْهِهِ ، وَأَنْ
تُحْشَى بِهِ مَخَارِقُهُ كَالدُّبُرِ
وَالْقُبُلِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْفَمِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (، وَلَا
يُسَرَّحُ شَعْرُهُ وَلِحْيَتُهُ ، وَلَا
يُقَصُّ ظُفُرُهُ وَشَعْرُهُ) ؛ لِأَنَّ
هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِلزِّينَةِ ، وَقَدْ
اسْتَغْنَى عَنْهَا ، وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَلِكَ فَقَالَتْ
عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ ، وَقَوْلُهُ
وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ لَا فَائِدَةَ
فِيهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُسَرَّحُ
شَعْرُهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ شَعْرِ جَسَدِهِ
أَوْ يُقَالُ حَذَفَ الْمُضَافَ ، وَأَقَامَ
الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ تَقْدِيرُهُ :
وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ رَأْسِهِ ، وَلَا
شَعْرُ لِحْيَتِهِ فَعَلَى هَذَا يُفِيدُ
فَائِدَةً جَدِيدَةً
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَكَفَنُهُ
سُنَّةً) أَيْ كَفَنُ الرَّجُلِ لِلسُّنَّةِ
(إزَارٌ ، وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ)
فَالْقَمِيصُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى
الْقَدَمَيْنِ ، وَهُوَ بِلَا دَخَارِيصَ ؛
لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي قَمِيصِ الْحَيِّ
لِيَتَّسِعَ أَسْفَلُهُ لِلْمَشْيِ وَلَا
جَيْبٍ ، وَلَا كُمَّيْنِ ، وَلَا تُكَفُّ
أَطْرَافُهُ ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي قَمِيصِهِ
قُطِعَ جَيْبُهُ وَكُمَّيْهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ
مِنْ اللِّفَافَةِ وَالْإِزَارِ مِنْ
الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ : يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثِ
لَفَائِفَ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ لِقَوْلِ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كُفِّنَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ
فِيهَا عِمَامَةٌ ، وَلَا قَمِيصٌ ، وَلَنَا
مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ «أَنَّهُ
سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطِيَهُ
قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ
فَأَعْطَاهُ فَكُفِّنَ فِيهِ» ، وَعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي
قَمِيصِهِ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُفِّنَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَحُلَّةٍ
نَجْرَانِيَّةٍ ، وَالْحُلَّةُ ثَوْبَانِ
وَالْعَمَلُ بِمَا رَوَيْنَا أَوْلَى ؛
لِأَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رَوَاهُ فِعْلُ
بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُعَارِضُ فِعْلَ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - مَعَ أَنَّ مَا رَوَاهُ
مُعَارَضٌ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُغَفَّلِ وَالْحَالُ أَكْشَفُ عَلَى
الرِّجَالِ لِحُضُورِهِمْ دُونَ النِّسَاءِ
لِبُعْدِهِنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(وَكِفَايَةً) أَيْ ، وَكَفَنُهُ كِفَايَةً
(إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ
الَّذِي وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ اغْسِلُوهُ
بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَكَفِّنُوهُ فِي
ثَوْبَيْنِ» ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْنَى مَا
يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ حَالَ حَيَاتِهِ
عَادَةً فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ ، وَقِيلَ
قَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ .
وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ، قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَضَرُورَةٌ مَا يُوجَدُ) ؛
لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ
الْعَجْزِ ، وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى دُونِ
مَا ذَكَرْنَا كَمَا رُوِيَ «أَنَّ حَمْزَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لَمْ
يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا
نَمِرَةٌ فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى
رَأْسِهِ تَبْدُو رِجْلَاهُ ، وَإِذَا
وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ
فَأَمَرَ النَّبِيُّ أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ
وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ
الْإِذْخِرِ» ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
سَتْرَ الْعَوْرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ بِالْخِطْمِيِّ)
هُوَ مُشَدَّدُ الْيَاءِ غِسْلٌ مَعْرُوفٌ
وَكَسْرُ الْخَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْفَتْحِ .
ا هـ . مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ
فَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا
يَلِي التَّحْتَ إلَخْ) قَالَ أَبُو
الْبَقَاءِ ، وَلَا يُكَبُّ الْمَيِّتُ عَلَى
وَجْهِهِ لِيُغْسَلَ ظَهْرُهُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : مُسْنَدًا) عَلَى صِيغَةِ
الْمَفْعُولِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ :
إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْغَاسِلِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَاخْتَلَفُوا إلَخْ) قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : بِوُصُولِ
الْمَاءِ إلَيْهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ
وَبِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُوجِبْهُ
فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَعَلَّ
مُحَمَّدًا رَجَعَ ، وَعَرَفَ رُجُوعَ أَبِي
حَنِيفَةَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ
فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: الْحَنُوطُ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ عِطْرٌ
مُرَكَّبٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ . ا هـ . ع
(قَوْلُهُ : عَلَى مَسَاجِدِهِ) جَمْعُ
مَسْجَدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ
السُّجُودِ . ا هـ . ع (قَوْلُهُ : فِي
الْمَتْنِ ، وَلَا يُسَرَّحُ إلَخْ) أَيْ ،
وَلَا يُخْتَنُ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ وَبِهِ
يُفْتَى . ا هـ . كُنُوزٌ (قَوْلُهُ :
وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ
قُلْت لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لِحْيَتَهُ رُبَّمَا
يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ لِحْيَتَهُ تُسَرَّحُ ؛
لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ
لَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَى لِحْيَتِهِ
لِكَوْنِهَا مَخْصُوصَةً بِاسْمٍ . ا هـ.
(قَوْلُهُ : يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ إلَخْ)
التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ
الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خِيَارِ
ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ»
قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلِفَافَةٌ) فَالسَّاقِطُ
الْقَمِيصُ وَالضَّابِطُ الْقَافُ مَعَ
الْقَافِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : إلَّا
نَمِرَةٌ) النَّمِرَةُ كِسَاءٌ فِيهِ خُطُوطٌ
سُودٌ وَبِيضٌ . ا هـ . مُغْرِبٌ
(1/237)
وَحْدَهَا لَا
يَكْفِي خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(وَلُفَّ مِنْ يَسَارِهِ ثُمَّ مِنْ
يَمِينِهِ) أَيْ لُفَّ الْكَفَنُ مِنْ يَسَارِ
الْمَيِّتِ ثُمَّ يَمِينِهِ ، وَكَيْفِيَّتُهُ
أَنْ تُبْسَطَ اللِّفَافَةُ أَوَّلًا ثُمَّ
الْإِزَارُ فَوْقَهَا ثُمَّ يُوضَعُ
الْمَيِّتُ عَلَيْهِ مُقَمَّصًا ثُمَّ
يُعْطَفُ عَلَيْهِ الْإِزَارُ وَحْدَهُ مِنْ
قِبَلِ الْيَسَارِ ثُمَّ مِنْ قِبَلِ
الْيَمِينِ ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ
اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَعُقِدَ) أَيْ
الْكَفَنُ (إنْ خِيفَ انْتِشَارُهُ) صِيَانَةً
عَنْ الْكَشْفِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَكَفَنُهَا) أَيْ كَفَنُ الْمَرْأَةِ
(سُنَّةً دِرْعٌ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ
وَلِفَافَةٌ وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ بِهَا
ثَدْيَاهَا) لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى
اللَّوَاتِي غَسَلْنَ ابْنَتَهُ خَمْسَ
أَثْوَابٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(وَكِفَايَةً) أَيْ كَفَنُهَا كِفَايَةً
إزَارٌ وَلِفَافَةٌ (وَخِمَارٌ) ؛ لِأَنَّهَا
أَقَلُّ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ حَالَ
حَيَاتِهَا وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا مِنْ
غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهَا ،
وَمَا دُونَ ذَلِكَ كَفَنُ الضَّرُورَةِ قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَتُلْبَسُ الدِّرْعَ
أَوَّلًا ثُمَّ يُجْعَلُ شَعْرُهَا
ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَ
الدِّرْعِ ثُمَّ الْخِمَارُ فَوْقَهُ تَحْتَ
اللِّفَافَةِ) ثُمَّ يُعْطَفُ الْإِزَارُ
ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ
الرَّجُلِ ثُمَّ الْخِرْقَةُ فَوْقَ
الْأَكْفَانِ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ ،
وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى
السُّرَّةِ ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ
إلَى الرُّكْبَةِ لِئَلَّا يَنْتَشِرَ
الْكَفَنُ بِالْفَخِذَيْنِ وَقْتَ الْمَشْيِ ،
وَمَا دُونَ الثَّالِثَةِ كَفَنُ الضَّرُورَةِ
فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي
الْأَكْفَانِ الْبِيضُ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ
الْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ
وَالْإِبْرَيْسَمُ ، وَلَا يُكْرَهُ
لِلنِّسَاءِ .
وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّكْفِينِ
كَالْبَالِغِ وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ
، وَأَدْنَى مَا يُكَفَّنُ بِهِ الصَّبِيُّ
الصَّغِيرُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَالصَّبِيَّةُ
ثَوْبَانِ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي
الْكَفَنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي
مِقْدَارِهِ وَصِفَتِهِ ، وَمَنْ عَلَيْهِ
الْكَفَنُ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَنْ عَلَيْهِ الْكَفَنُ
، وَهُوَ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ
يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ
وَالْإِرْثِ إلَى قَدْرِ السَّنَةِ مَا لَمْ
يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَالِهِ حَقُّ الْغَيْرِ
كَالرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ
وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ
عَلَيْهِ إلَّا الزَّوْجَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ
الْوُصْلَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ
تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَعَلَى بَيْتِ
الْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَتُجَمَّرُ الْأَكْفَانُ أَوَّلًا وِتْرًا)
أَيْ قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ فِيهَا الْمَيِّتُ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ
فَأَجْمِرُوا وِتْرًا» ، وَلَا يُزَادُ عَلَى
خَمْسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَجَمِيعُ مَا
يُجَمَّرُ فِيهِ الْمَيِّتُ ثَلَاثَةُ
مَوَاضِعَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ لِإِزَالَةِ
الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ ، وَعِنْدَ
غُسْلِهِ ، وَعِنْدَ تَكْفِينِهِ ، وَلَا
يُجَمَّرُ خَلْفَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُتْبَعُ
الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ» ، وَكَذَا
يُكْرَهُ فِي الْقَبْرِ
[فَصْلٌ السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاةِ
الْجِنَازَة]
(فَصْلٌ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (السُّلْطَانُ
أَحَقُّ بِصَلَاتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو
حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ الْخَلِيفَةُ أَوْلَى
إنْ حَضَرَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَإِمَامُ
الْمِصْرِ ، وَهُوَ سُلْطَانُهَا ؛ لِأَنَّهُ
فِي مَعْنَى الْخَلِيفَةِ وَبَعْدَهُ
الْقَاضِي وَبَعْدَهُ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ
وَبَعْدَهُ خَلِيفَةُ الْوَالِي وَبَعْدَهُ
خَلِيفَةُ الْقَاضِي وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ
إمَامُ الْحَيِّ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا
فَالْأَقْرَبُ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ ،
وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ
أَوْلَى بِهَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ :
وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَوْلَى بِهَا ؛ لِأَنَّ
هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْوِلَايَةِ
كَالْإِنْكَاحِ . وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا
رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ لَمَّا
مَاتَ الْحَسَنُ قَدَّمَ سَعِيدَ بْنَ
الْعَاصِ فَقَالَ لَوْلَا السُّنَّةُ لَمَا
قَدَّمْتُكَ ، وَكَانَ سَعِيدٌ وَالِيًا فِي
الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي
اللُّبَابِ ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ
عَلَيْهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ ، وَتَعْظِيمُهُ
وَاجِبٌ شَرْعًا ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي
الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ
يَحْضُرْ السُّلْطَانُ ، وَلَا مَنْ يَقُومُ
مَقَامَهُ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَهِيَ فَرْضُ
كِفَايَةٍ) أَيْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : دِرْعٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ أَيْ
قَمِيصٌ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَدِرْعُ
الْمَرْأَةِ مَا تَلْبَسُهُ فَوْقَ الْقَمِيصِ
وَهُوَ مُذَكَّرٌ ، وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ
أَيْ هُوَ مَا جَيْبُهُ إلَى الصَّدْرِ ،
وَالْقَمِيصُ مَا شِقُّهُ إلَى الْمَنْكِبِ ،
وَلَمْ أَجِدْهُ أَنَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ .
ا هـ . مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ : وَإِزَارٌ
وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ
، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ
. ا هـ . (قَوْلُهُ : ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى
صَدْرِهَا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ
وَيُسْدَلُ شَعْرُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهَا ،
وَلَا يُجْعَلُ ضَفِيرَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ
ضَفْرَ الشَّعْرِ ، وَإِسْدَالَهُ خَلْفَ
الظَّهْرِ لِلزِّينَةِ ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ
حَالَةُ الْحَسْرَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَالْإِبْرَيْسَمُ إلَخْ) وَجَازَ
تَكْفِينُهَا فِي الْحَرِيرِ لَا تَكْفِينُهُ
. ا هـ . مُنْيَةٌ.
(قَوْلُهُ : فَصْلٌ : السُّلْطَانُ أَحَقُّ
بِصَلَاتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى
: وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى
الْمَوْتَى ثَابِتَةٌ بِمَفْهُومِ الْكِتَابِ
وَبِالتَّوَارُثِ مِنْ الْعَهْدِ الْأَوَّلِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى
أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة : 84]
فَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى
الْمُنَافِقِ يُشْعِرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى
الْمُسْلِمِ الْمُوَافِقِ وَرُوِيَ أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ صَلَّتْ عَلَى آدَمَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ،
وَقَالَتْ لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ
مَوْتَاكُمْ وَإِذَا ثَبَتَتْ الصَّلَاةُ
عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إمَامٍ
فَلِذَلِكَ قَالَ ، وَأَوْلَى النَّاسِ
بِالْإِمَامَةِ فَالصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ
حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ
النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ ، وَأَوْلَاهُمْ
بِهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ وَالسُّلْطَانُ
يُقَدَّمُ بِعَارِضِ الْإِمَامَةِ
وَالسَّلْطَنَةِ فَلِذَلِكَ قَيَّدَ
بِالشَّرْطِ فَقَالَ إنْ حَضَرَ فَإِنَّ فِي
التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ازْدِرَاءً بِهِ ،
وَفِيهِ فَسَادُ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ
إنْ لَمْ يَحْضُرْ الْإِمَامُ أَوْ
السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي فَيُسْتَحَبُّ
تَقَدُّمُ إمَامِ الْحَيِّ ، وَقَالَ فِي
شَرْحِ الْقُدُورِيِّ ، وَأَمَّا إمَامُ
الْحَيِّ فَتَقْدِيمُهُ عَلَى طَرِيقِ
الْأَفْضَلِ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَتَقْدِيمِ
السُّلْطَانِ . وَبَيَانُ أَنَّ الْحَقَّ إلَى
الْأَوْلِيَاءِ مَا قَالَ فَإِنْ صَلَّى
الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ
يُصَلِّيَ بَعْدَهُ ، وَمَا قَالَ أَيْضًا
فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ بِدُونِ
السُّلْطَانِ فِي نُسْخَةٍ أَعَادَ الْوَلِيُّ
فَعُلِمَ بِهَذَيْنِ أَنَّ الْحَقَّ إلَى
الْأَوْلِيَاءِ حَيْثُ قَالَ لَيْسَ لِأَحَدٍ
بَعْدَهُ الْإِعَادَةُ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ
سُلْطَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، وَإِنَّمَا
قُدِّمَ السُّلْطَانُ بِعَارِضٍ وَلِهَذَا
قَالَ إنْ حَضَرَ . ا هـ . وَعَلَى هَذَا
فَلَوْ حَضَرَ السُّلْطَانُ وَصَلَّى
الْوَلِيُّ يُعِيدُ السُّلْطَانُ ، وَلَوْ
لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ وَصَلَّى
الْوَلِيُّ لَيْسَ لِأَحَدٍ الْإِعَادَةُ . ا
هـ .
(قَوْلُهُ : وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَوْلَى بِهَا
إلَخْ) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ . ا هـ
كَمَالٌ . (قَوْلُهُ : كَالْإِنْكَاحِ إلَخْ)
فَيَكُونُ الْوَلِيُّ مُقَدَّمًا عَلَى
غَيْرِهِ فِيهِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ :
وَجْهُ الْأَوَّلِ) أَيْ ، وَهُوَ أَنَّ
السُّلْطَانَ وَمَنْ بَعْدَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى
الْوَلِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَهِيَ
فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِجْمَاعُ عَلَى
الِافْتِرَاضِ وَكَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ
كَافٍ ، وَقِيلَ فِي مُسْنَدِ الْأَوَّلِ
قَوْله تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ
صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة : 103]
وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ
أَوْلَى مَا أَمْكَنَ ، وَقَدْ أَمْكَنَ
بِحَمْلِهَا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ . ا
هـ . قَوْلُهُ : فِي مُسْنَدِ الْأَوَّلِ أَيْ
الْفَرْضِيَّةِ . ا هـ .
(1/238)
صَاحِبِكُمْ»
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ ، وَلَوْ كَانَتْ
فَرْضَ عَيْنٍ لَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِإِقَامَةِ
الْبَعْضِ فَتَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ ،
وَكَذَا تَكْفِينُهُ فَرْضٌ عَلَى
الْكِفَايَةِ ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى
الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، وَيَجِبُ
عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ،
وَكَذَا غُسْلُهُ وَدَفْنُهُ فَرْضٌ عَلَى
الْكِفَايَةِ
[شَرْط الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَشَرْطُهَا)
أَيْ شَرْطُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (إسْلَامُ
الْمَيِّتِ وَطَهَارَتُهُ) أَمَّا
الْإِسْلَامُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا
تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}
[التوبة : 84] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ ،
وَهُمْ الْكَفَرَةُ ؛ وَلِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ
لِلْمَيِّتِ إكْرَامًا لَهُ وَطَلَبًا
لِلْمَغْفِرَةِ ، وَالْكَافِرُ لَا تَنْفَعُهُ
الشَّفَاعَةُ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ
الْإِكْرَامَ ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ
فَلِأَنَّ الْمَيِّتَ لَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ
مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ وَضْعُهُ
أَمَامَ الْقَوْمِ حَتَّى لَا تَجُوزُ
الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَوْ وَضَعُوهُ
خَلْفَهُمْ وَالْإِمَامُ تُشْتَرَطُ
طَهَارَتُهُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ ، وَلَهُ
حُكْمُ الْمُؤْتَمِّ أَيْضًا بِدَلِيلِ
جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ
وَالصَّبِيِّ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُ
الْإِمَامِ مَا دَامَ الْغُسْلُ مُمْكِنًا ،
وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ دُفِنَ قَبْلَ
الْغُسْلِ ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا
بِالنَّبْشِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمُؤْتَمِّ
فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِهِ
لِلضَّرُورَةِ ، وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ
قَبْلَ الْغُسْلِ ثُمَّ دُفِنَ تُعَادُ
الصَّلَاةُ لِفَسَادِ الْأُولَى ، وَقِيلَ
تَنْقَلِبُ الْأُولَى صَحِيحَةً عِنْدَ
تَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَلَا تُعَادُ ، قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : (ثُمَّ الْقَاضِي إنْ
حَضَرَ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ) ؛ لِأَنَّهُ
اخْتَارَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَرَضِيَ بِهِ
فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ ، وَلَيْسَ
تَقْدِيمُهُ بِوَاجِبٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ
اسْتِحْبَابٌ ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ
إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ
إمَامِ الْحَيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(ثُمَّ الْوَلِيُّ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ
النَّاسِ إلَيْهِ ، وَالْوِلَايَةُ لَهُ فِي
الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي غُسْلِهِ
وَتَكْفِينِهِ ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ
السُّلْطَانُ عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ كَيْ لَا
يَكُونَ ازْدِرَاءٌ بِهِ لَا ؛ لِأَنَّ
الْوِلَايَةَ إلَيْهِ ، وَتَرْتِيبُ
الْأَوْلِيَاءِ فِيهَا كَتَرْتِيبِهِمْ فِي
التَّعْصِيبِ وَالْإِنْكَاحِ لَكِنْ إذَا
اجْتَمَعَ أَبُو الْمَيِّتِ وَابْنُهُ كَانَ
الْأَبُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةٌ
عَلَى الِابْنِ ، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ
مُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى
بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وِلَايَةِ
الْإِنْكَاحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ
الْكُلِّ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ
الصَّلَاةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْفَضِيلَةُ ،
وَالْأَبُ أَفْضَلُ ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ
الْأَسَنُّ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ
الِاسْتِوَاءِ بِغَيْرِهِ ، وَالْمُكَاتَبُ
أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى عَبِيدِهِ
وَأَوْلَادِهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ ،
وَلَهُ وَلِيٌّ حُرٌّ فَالْمَوْلَى أَوْلَى
عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا
مَاتَ ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ، وَلَوْ
تَرَكَ وَفَاءً فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ
كَانَ الْوَلِيُّ أَوْلَى ، وَكَذَا إذَا
كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ
التَّوَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ
وَلِيٌّ فَالزَّوْجُ أَوْلَى ثُمَّ
الْجِيرَانُ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَلَهُ أَنْ
يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِلْوَلِيِّ أَنْ
يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى
الْجِنَازَةِ ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ حَقُّهُ
فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ
أَوْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالِانْصِرَافِ
بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الدَّفْنِ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ
يَنْصَرِفُوا إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَفِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَكَذَا تَكْفِينُهُ) أَيْ وَكُلُّ
مَا يُعْتَبَرُ شَرْطًا لِصِحَّةِ سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ مِنْ الطَّهَارَةِ
الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ
وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ
الْعَوْرَةِ ، وَالنِّيَّةُ تُعْتَبَرُ
شَرْطًا لِصِحَّتِهَا . ا هـ بَدَائِعُ.
(قَوْلُهُ : وَطَهَارَتُهُ) قَالَ فِي
الْفَتَاوَى التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي
فَتَاوَى قَاضِي خَانْ . ا هـ . وَسُئِلَ
قَاضِي خَانْ عَنْ طَهَارَةِ مَكَانِ
الْمَيِّتِ هَلْ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ
الصَّلَاةِ قَالَ : إنْ كَانَ عَلَى
الْجِنَازَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ ،
وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنَازَةٍ لَا
رِوَايَةَ لِهَذَا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ
؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ مَكَانِ الْمَيِّتِ
لَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَدٍّ
، وَهَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي بَدْرُ
الدِّينِ وَسُئِلَ عَمَّنْ أَنْكَرَ صَلَاةَ
الْجِنَازَةِ هَلْ يَكْفُرُ قَالَ نَعَمْ ؛
لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ . ا هـ .
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا وَضْعُهُ أَمَامَ
الْمُصَلِّي فَلِهَذَا الْقَيْدِ لَا تَجُوزُ
الصَّلَاةُ عَلَى غَائِبٍ ، وَلَا حَاضِرٍ
مَحْمُولٍ عَلَى دَابَّةٍ وَغَيْرِهَا ، وَلَا
مَوْضُوعٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُصَلِّي . ا
هـ . كَمَالٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ، وَلَوْ
أَخْطَئُوا بِالرَّأْسِ وَوَضَعُوهُ فِي
مَوْضِعِ الرِّجْلَيْنِ وَصَلَّوْا عَلَيْهَا
جَازَتْ الصَّلَاةُ لِاسْتِجْمَاعِ
شَرَائِطِهَا إنَّمَا الْحَاصِلُ تَغْيِيرُ
صِفَةِ الْوَضْعِ ، وَذَا لَا يَمْنَعُ
الْجَوَازَ إلَّا أَنَّهُمْ إنْ تَعَمَّدُوا
ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءُوا لِتَغْيِيرِهِمْ
السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى
قَبْرِهِ لِلضَّرُورَةِ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا
إذَا لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ بَعْدُ
فَإِنَّهُ يُخْرَجُ فَيُغَسَّلُ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ثُمَّ
إمَامُ الْحَيِّ) قَالَ فِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامُ
الْحَيِّ حَاضِرًا فَالْوِلَايَةُ بَعْدُ
لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَاتِهِ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ
لَا وِلَايَةَ لِإِمَامِ الْحَيِّ إنَّمَا
الْوِلَايَةُ لِلْأَوْلِيَاءِ ، وَلَكِنْ
يَنْبَغِي لِأَقْرَبِ أَوْلِيَائِهِ أَنْ
يُقَدِّمَ إمَامَ الْحَيِّ ، وَفِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ هُوَ أَحَقُّ مِنْ
الْأَوْلِيَاءِ . ا هـ . وَإِمَامُ الْحَيِّ
إمَامُ مَسْجِدِ حَارَتِهِ . ا هـ . ع قَالَ
الْكَمَالُ : وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ
عَلَيْهِ فُلَانٌ فَفِي الْعُيُونِ أَنَّ
الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ ، وَفِي نَوَادِرِ
ابْنِ رُسْتُمَ جَائِزَةٌ وَيُؤْمَرُ فُلَانٌ
بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ . قَالَ الصَّدْرُ
الشَّهِيدُ : الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ . ا
هـ . (قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَهُ
حَالَ حَيَاتِهِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ عَيَّنَ
الْمَيِّتُ أَحَدًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ
فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَرِيبِ لِرِضَاهُ
بِهِ . ا هـ بَدَائِعُ .
(قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ)
قَالَ الْكَمَالُ وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ
يُرْشِدُ إلَيْهِ . ا هـ . يَعْنِي
بِالتَّعْلِيلِ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ رَضِيَ
بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: وَتَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ) قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَوْلَى
الْعَتَاقَةِ وَابْنُهُ أَوْلَى مِنْ
الزَّوْجِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمَوْلَى
الْمُوَالَاةِ أَحَقُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ؛
لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْقَرِيبِ بِعَقْدِ
الْمُوَالَاةِ وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ ابْنٌ ،
وَلَهُ أَبٌ فَالْوِلَايَةُ لِابْنِهِ ،
وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ الْجَدَّ تَعْظِيمًا .
وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ ابْنُهُ أَوْ
عَبْدُهُ وَمَوْلَاهُ حَاضِرٌ فَالْوِلَايَةُ
لَهُ لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ مَوْلَاهُ
احْتِرَامًا لَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وِلَايَةِ
الْإِنْكَاحِ إلَخْ) فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبُو
الْمَعْتُوهَةِ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا مِنْ
ابْنِهَا ، وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى .
ا هـ . (قَوْلُهُ : عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ
بِغَيْرِهِ) كَمَا فِي أَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ
أَوْ لِأَبٍ أَسَنُّهُمْ أَوْلَى . ا هـ .
فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
، وَلَوْ قَدَّمَ الْأَسَنُّ أَجْنَبِيًّا
لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلصَّغِيرِ مَنْعُهُ ؛
لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي
الرُّتْبَةِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا
الْأَسَنَّ بِالسُّنَّةِ قَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ
الْقَسَامَةِ «لِيَتَكَلَّمْ أَكْبَرُكُمَا» ،
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ
عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ
يُقَدِّمَ هُوَ أَبَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
قَوْلُهُمْ : سَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى
مِنْ الزَّوْجِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا
ابْنٌ فَإِنْ كَانَ فَالزَّوْجُ أَوْلَى
مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ ،
وَهُوَ يُقَدِّمُ أَبَاهُ ، وَلَا يَبْعُدُ
أَنْ يُقَالَ إنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ
وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ ، وَلَوْ كَانَ
أَحَدُهُمَا شَقِيقًا وَالْآخَرُ لِأَبٍ جَازَ
تَقْدِيمُ الشَّقِيقِ الْأَجْنَبِيَّ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ
إلَخْ) أَيْ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ
لِغَيْرِهِ ، وَإِذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ أَنْ
يُصَلِّيَ فَصَلَّى لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ
الْإِعَادَةُ . ا هـ جَوْهَرَةٌ فِي بَابِ
التَّيَمُّمِ .
(قَوْلُهُ : أَوْ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ
بِالِانْصِرَافِ إلَخْ) أَيْ إلَى حَالِهِمْ
لِئَلَّا يَتَكَلَّفُوا حُضُورَ الدَّفْنِ ،
وَلَهُمْ
(1/239)
بِالْأَذَانِ
فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، وَمَعْنَاهُ مَا
ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ ، وَهَذَا
يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا
يُؤَذَّنُ ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ لَا بَأْسَ
بِالْأَذَانِ أَيْ الْإِعْلَامِ ، وَهُوَ أَنْ
يُعْلِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَقْضُوا
حَقَّهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ
وَتَشْيِيعِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ
الْجِنَازَةُ يُتَبَارَكُ بِهَا ، وَكَرِهَ
بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي
الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ ؛ لِأَنَّهُ
نَعْيُ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُوَ
مَكْرُوهٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ
؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ
الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
لَهُ وَتَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ
وَالِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ ،
وَلَيْسَ ذَلِكَ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ ،
وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْعَثُونَ إلَى
الْقَبَائِلِ يَنْعَوْنَ مَعَ ضَجِيجٍ
وَبُكَاءٍ وَعَوِيلٍ وَتَعْدِيدٍ ، وَهُوَ
مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (فَإِنْ صَلَّى
غَيْرُ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ أَعَادَ
الْوَلِيُّ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَقَّ
لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَلَمْ
يُصَلِّ غَيْرُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَمَا
صَلَّى الْوَلِيُّ ، وَكَذَا بَعْدَ إمَامِ
الْحَيِّ وَبَعْدَ كُلِّ مَنْ يَتَقَدَّمُ
عَلَى الْوَلِيِّ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ
بَعْدَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى
قَبْرٍ بَعْدَمَا صَلَّى عَلَيْهِ أَهْلُهُ» ،
وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ تَأَدَّى
بِالْأُولَى ، وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ
مَشْرُوعٍ وَلِهَذَا لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ
مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً وَتَرَكَ
النَّاسُ الصَّلَاةَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ
الْيَوْمَ كَمَا وُضِعَ لِأَنَّ أَجْسَادَ
الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - لَا يَأْكُلُهَا التُّرَابُ ،
وَإِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ
بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ
الْوَلِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {النَّبِيُّ
أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}
[الأحزاب : 6] . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(فَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ صَلَّى عَلَى
قَبْرِهِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ) إقَامَةً
لِلْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ
وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَكْبَرُ
الرَّأْيِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ
يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ
وَالْمَكَانِ وَالْأَشْخَاصِ
[كَيْفِيَّة صَلَاة الْجِنَازَة]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَهِيَ) أَيْ
صَلَاةُ الْجِنَازَةِ (أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ
بِثَنَاءٍ بَعْدَ الْأُولَى وَصَلَاةٌ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَعْدَ الثَّانِيَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَوَانِعُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ انْصِرَافَهُمْ
بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ
مَكْرُوهٌ ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي إنْ
فَرَغُوا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَمْشُوا خَلْفَ
الْجِنَازَةِ إلَى أَنْ يَنْتَهُوا إلَى
الْقَبْرِ ، وَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ بِلَا
إذْنٍ فَمَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فَقَدْ
يَتَحَرَّجُونَ وَالْإِذْنُ مُطْلَقٌ
لِلِانْصِرَافِ لَا مَانِعٌ مِنْ حُضُورِ
الدَّفْنِ ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى هُوَ
الْإِذْنُ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ لَا
بَأْسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ مِنْ
وَجْهٍ . ا هـ . أَيْ وَكَوْنُ تَرْكِ
مَدْخُولِهِ أَوْلَى عُرِفَ فِي مَوَاضِعَ . ا
هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ
: لِيَقْضُوا حَقَّهُ إلَخْ) وَلِيَنْتَفِعَ
الْمَيِّتُ بِكَثْرَتِهِمْ فَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ مَا مِنْ مَيِّتٍ
تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةُ الْمُسْلِمِينَ
يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ
فِيهِ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» وَكَرِهَ
بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي
الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ ؛ لِأَنَّهُ
نَعْيُ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ
مَعَ تَنْوِيهٍ بِذِكْرِهِ وَتَفْخِيمٍ بَلْ
أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى
اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ
لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ
الْمُصَلِّينَ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - .
(قَوْلُهُ : أَعَادَ الْوَلِيُّ) قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا
كَانَ الْغَيْرُ غَيْرَ مُقَدَّمٍ عَلَى
الْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ
التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي
وَنَائِبِهِ لَمْ يَعِدْ . ا هـ . وَقَدْ
عَزَى فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا إلَى
فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ رَجُلٌ صَلَّى
عَلَى جِنَازَةٍ وَالْوَلِيُّ خَلْفَهُ وَلَمْ
يَرْضَ بِهِ إنْ تَابَعَهُ وَصَلَّى مَعَهُ
لَا يُعِيدُ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَرَّةً ،
وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ إنْ كَانَ
الْمُصَلِّي سُلْطَانًا أَوْ الْإِمَامَ
الْأَعْظَمَ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَاضِيَ
أَوْ الْوَالِيَ عَلَى الْبَلْدَةِ أَوْ
إمَامَ الْحَيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَ ؛
لِأَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الْأَوْلَى مِنْهُ ،
وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمْ فَلَهُ الْإِعَادَةُ
قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى
إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ لَا تُعَادُ
كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ . ا هـ .
وَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا بِمَكَانٍ
تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ بَطَلَتْ
وِلَايَتُهُ وَتَحَوَّلَ إلَى الْأَبْعَدِ ،
وَلَوْ قَدَّمَ الْغَائِبُ غَيْرَهُ
بِكِتَابَةٍ فَإِنَّ لِلْأَبْعَدِ أَنْ
يَمْنَعَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ
بِنَفْسِهِ أَوْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ لِأَنَّ
وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَدْ سَقَطَتْ لِمَا
أَنَّ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى حُضُورِهِ
ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَالْوِلَايَةُ تَسْقُطُ
مَعَ ضَرَرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ
وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ
الصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ ، وَلَيْسَ
لِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ
قَائِمَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ
يَتَقَدَّمَ مَعَ مَرَضِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ
التَّقْدِيمِ ، وَلَا حَقَّ لِلنِّسَاءِ
وَالصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ فِي
التَّقْدِيمِ . ا هـ بَدَائِعُ . وَفِيهَا
وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ
الزَّوْجِ وَكَذَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ
وَابْنُ الْمَوْلَى وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ
لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ
انْقَطَعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : بَعْدَ مَا صَلَّى الْوَلِيُّ
إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ إمَامًا
فِيهَا أَوْ قَدَّمَ غَيْرَهُ فَاقْتَدَى بِهِ
أَوْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ
فَاقْتَدَى بِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَلَنَا
أَنَّ الْفَرْضَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّعْلِيلُ
الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ الْفَرْضَ تَأَدَّى
وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ
يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْوَلِيِّ أَيْضًا مِنْ
الْإِعَادَةِ إذَا صَلَّى مِنْ الْوَلِيِّ
أَوْلَى مِنْهُ إذْ الْفَرْضُ ، وَهُوَ
قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ تَأَدَّى بِهِ فَلَا
بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ
مِنْ مَنْعِ التَّنَفُّلِ ، وَأَعَادَ إنْ
عَدِمَ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي حَقِّ مَنْ لَا
حَقَّ لَهُ أَمَّا مَنْ لَهُ الْحَقُّ
فَتَبْقَى الْمَشْرُوعِيَّةُ لِيَسْتَوْفِيَ
حَقَّهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : صَلَّى عَلَى
قَبْرِهِ) هَذَا إذَا أُهِيلَ التُّرَابُ
سَوَاءٌ كَانَ غُسِّلَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ
صَارَ مُسْلَمًا لِمَالِكِهِ تَعَالَى ،
وَخَرَجَ عَنْ أَيْدِينَا فَلَا يُتَعَرَّضُ
لَهُ بَعْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ
فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ،
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا دُفِنَ بَعْدَ
الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُسْلِ إنْ أَهَالُوا
عَلَيْهِ لَا يُخْرَجُ ، وَهَلْ يُصَلَّى
عَلَى قَبْرِهِ قِيلَ لَا وَالْكَرْخِيُّ
نَعَمْ ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ ؛ لِأَنَّ
الْأُولَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرْكِ
الشَّرْطِ مَعَ الْإِمْكَانِ ، وَالْآنَ زَالَ
الْإِمْكَانُ فَسَقَطَتْ فَرْضِيَّةُ
الْغُسْلِ ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ
وَدُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِالنَّظَرِ إلَى
الْأَوَّلِ لَا تَجُوزُ بِلَا طَهَارَةٍ
أَصْلًا ، وَإِلَى الثَّانِي تَجُوزُ بِلَا
عَجْزٍ فَقُلْنَا تَجُوزُ بِدُونِهَا حَالَةَ
الْعَجْزِ لَا الْقُدْرَةِ عَمَلًا
بِالشَّبَهَيْنِ قَالَهُ الْكَمَالُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ
مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ) لِأَنَّ بَعْدَ
التَّفَسُّخِ يَتَشَقَّقُ الْبَدَنُ
وَيَتَفَرَّقُ وَالصَّلَاةُ مَشْرُوعَةٌ عَلَى
الْبَدَنِ .
(قَوْلُهُ : عَلَى الصَّحِيحِ) احْتِرَازًا
عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
يُصَلِّي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ . ا هـ .
كَمَالٌ (قَوْلُهُ : وَالْمَكَانِ) إذْ مِنْهُ
مَا يُسْرِعُ بِالْإِبْلَاءِ وَمِنْهُ لَا
حَتَّى لَوْ كَانَ فِي رَأْيِهِمْ أَنَّهُ
تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ
لَا يُصَلُّونَ إلَى الثَّلَاثِ . ا هـ
فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ : أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِثَنَاءٍ
إلَخْ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِك إلَخْ قَالُوا لَا يَقْرَأُ
الْفَاتِحَةَ إلَّا أَنْ يَقْرَأَهَا
بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ ، وَلَمْ تَثْبُتْ
الْقِرَاءَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي مُوَطَّإِ
مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ أُبَيًّا كَانَ
لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى
الْجِنَازَةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ :
وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ كَمَا يُصَلِّي
فِي التَّشَهُّدِ
(1/240)
وَدُعَاءٌ
بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ
الرَّابِعَةِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى
عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ
تَكْبِيرَاتٍ» وَثَبَتَ عَلَيْهَا حَتَّى
تُوُفِّيَ فَنَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا ،
وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ الصَّلَاةِ
سُنَّةُ الدُّعَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَرْجَى
لِلْقَبُولِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ
وَلِنَفْسِهِ وَلِأَبَوَيْهِ وَلِجَمَاعَةِ
الْمُسْلِمِينَ ، وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ
مُؤَقَّتٌ ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ
الْقَلْبِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ
بَعْدَ الرَّابِعَةِ سِوَى التَّسْلِيمَتَيْنِ
، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَرُوِيَ عَنْ
بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ
الرَّابِعَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ {رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
[البقرة : 201] وَيَنْوِي
بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا وَصَفْنَاهُ فِي
صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيَنْوِي الْمَيِّتَ كَمَا
يَنْوِي الْإِمَامَ ، وَيُخَافِتُ فِي
الْكُلِّ إلَّا فِي التَّكْبِيرِ ، وَلَا
يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ
الْأُولَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ،
وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ اخْتَارُوا
الرَّفْعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ؛ لِأَنَّ
ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي
كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
، وَلَنَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى
جِنَازَةٍ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ
تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ»
وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
مُضْطَرِبَةٌ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ ،
وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا : لَا
يَرْفَعُ إلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ
الِافْتِتَاحِ ، وَلَئِنْ صَحَّتْ فَلَا
تُعَارِضُ فِعْلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (فَلَوْ
كَبَّرَ) الْإِمَامُ (خَمْسًا لَمْ يُتْبَعْ)
؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا
وَيَنْتَظِرُ تَسْلِيمَ الْإِمَامِ فِي
الْأَصَحِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(وَلَا يُسْتَغْفَرُ لِصَبِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ
لَا ذَنْبَ لَهُ (وَلَا لِمَجْنُونٍ) ؛
لِأَنَّهُ مِثْلُهُ (وَيَقُولُ اللَّهُمَّ
اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَاجْعَلْهُ لَنَا
أَجْرًا وَذُخْرًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا
مُشَفَّعًا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(وَيَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ لِيُكَبِّرَ
مَعَهُ لَا مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي حَالَةِ
التَّحْرِيمَةِ) أَيْ يَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ
تَكْبِيرَ الْإِمَامِ حَتَّى يُكَبِّرَ مَعَهُ
، وَلَا يَنْتَظِرُ الَّذِي كَانَ حَاضِرًا
وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ ، وَصُورَتُهُ إذَا
أَتَى رَجُلٌ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لَا
يُكَبِّرُ الْآتِي حَتَّى يُكَبِّرَ
الْإِمَامُ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ ، وَلَوْ كَانَ
حَاضِرًا وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ وَيُكَبِّرُ ،
وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ ،
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
فِي الْمَسْبُوقِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى
لِلِافْتِتَاحِ ، وَالْمَسْبُوقُ يَأْتِي بِهِ
فَصَارَ كَمَنْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ
تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ ، وَلَهُمَا أَنَّ
كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ
، وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا
فَاتَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إذْ هُوَ
مَنْسُوخٌ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي
حَالَةِ التَّحْرِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ
أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ الْأَوْلَى . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَالْبُدَاءَةُ
بِالثَّنَاءِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ سُنَّةُ
الدُّعَاءِ) يُفِيدُ أَنَّ تَرْكَهُ غَيْرُ
مُفْسِدٍ فَلَا يَكُونُ رُكْنًا قَالَهُ
الْكَمَالُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَلَيْسَ
فِيهَا دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ) قَالَ الْكَمَالُ :
وَلَيْسَ فِيهَا دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ سِوَى
أَنَّهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ ، وَإِنْ دَعَا
بِالْمَأْثُورِ فَمَا أَحْسَنَهُ وَأَبْلَغَهُ
، وَفِي الذَّخِيرَةِ : وَلَا يُجْهَرُ فِي
صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِشَيْءِ مِنْ الْحَمْدِ
وَالثَّنَاءِ وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛
لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالْإِخْفَاءُ فِي
الذِّكْرِ أَوْلَى ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
لَا يَجْهَرُونَ كُلَّ الْجَهْرِ وَلَا
يُسِرُّونَ كُلَّ السِّرِّ . ا هـ . أَبُو
الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ : وَيَنْتَظِرُ
تَسْلِيمَ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ) ، وَفِي
أُخْرَى يُسَلِّمُ كَمَا يُكَبِّرُ
الْخَامِسَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَقَاءَ
فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا
لَيْسَ بِخَطَأٍ مُطْلَقًا إنَّمَا الْخَطَأُ
فِي الْمُتَابَعَةِ فِي الْخَامِسَةِ ، وَفِي
بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إنَّمَا لَا يُتَابِعُهُ
فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ إذَا
سَمِعَ مِنْ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا لَمْ
يَسْمَعْ إلَّا مِنْ الْمُبَلِّغِ
فَيُتَابِعُهُ ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ ،
وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي
تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . ا
هـ .
قَوْلُهُ : وَفِي أُخْرَى أَيْ رِوَايَةٍ
أُخْرَى . ا هـ . وَقَوْلُهُ : وَفِي بَعْضِ
الْمَوَاضِعِ أَيْ كَرَوْضَةِ
الزَّنْدَوَسْتِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ إلَخْ) قَالَ
فِي الْمُصَفَّى إذَا حَضَرَ الرَّجُلُ ،
وَقَدْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ لِلِافْتِتَاحِ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ حَضَرَ
لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ
فِي الثَّانِيَةِ ، وَلَمْ يَصِرْ مَسْبُوقًا
بِشَيْءٍ ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ
الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ
لِلِافْتِتَاحِ ، وَلَا يُكَبِّرُ
لِلثَّانِيَةِ ثُمَّ يُتَابِعُهُ فِي
الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ثُمَّ يَأْتِي
بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ سَلَامِ
الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ
، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ الرَّجُلُ
بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ لِلِافْتِتَاحِ
لَا يُكَبِّرُ هُوَ بَلْ يَمْكُثُ حَتَّى
يُكَبِّرَ الثَّانِيَةَ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ
الثَّانِيَةَ وَيَكُونُ هَذَا التَّكْبِيرُ
تَكْبِيرَ الِافْتِتَاحِ فِي حَقِّ هَذَا
الرَّجُلِ ، وَيَصِيرُ مَسْبُوقًا
بِتَكْبِيرَةٍ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ
فِيمَا بَقِيَ ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ
يَأْتِي بِمَا سُبِقَ كَمَا ذَكَرَ أَبُو
يُوسُفَ فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ
تَكْبِيرَتَيْنِ لَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ
مَا لَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ الثَّالِثَةَ
فَإِذَا كَبَّرَ الثَّالِثَةَ تَابَعَهُ هَذَا
الرَّجُلُ وَيُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ
وَيَكُونُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَتَيْنِ
فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَعَلَ كَمَا
قُلْنَا فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ
الْإِمَامُ ثَلَاثًا لَا يُكَبِّرُ
لِلِافْتِتَاحِ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ
الرَّابِعَةَ فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ
الرَّابِعَةَ تَابَعَهُ هَذَا الرَّجُلُ
فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِمَا
سُبِقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ
الْجِنَازَةُ ، وَهِيَ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ ،
وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ
الرَّابِعَةَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ
فَاتَهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ حَضَرَ .
وَإِذَا جَاءَ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ
الْأَرْبَعِ يُكَبِّرُ فَإِذَا سَلَّمَ
الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ،
وَهَلْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ
بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ ذَكَرَ الْحَسَنُ
فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَأْمَنُ
رَفْعَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي
بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ ، وَإِلَّا
فَلَا وَذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ
الْمَسْأَلَةَ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ
تَفْصِيلٍ فَقَالَ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ
التَّكْبِيرَاتِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَتَى
بِهَا مُتَتَابِعَةً بِلَا دُعَاءٍ مَا
دَامَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا
وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَكْتَافِ
أَوْ رُفِعَتْ بِالْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ
عَلَى الْأَكْتَافِ لَا يَأْتِي
بِالتَّكْبِيرَاتِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَالْمُغْنِي . ا هـ . ، وَفِي الْحَقَائِقِ
فَإِنْ سُبِقَ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ لَا
يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا ،
وَعِنْدَهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا يُكَبِّرُ
تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ فَإِذَا سَلَّمَ
الْإِمَامُ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ
بِلَا أَذْكَارٍ قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ
قَالُوا ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ
تَكْبِيرَةٍ إلَخْ) لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَرْبَعٌ
كَأَرْبَعِ الظُّهْرِ وَلِذَا لَوْ تَرَكَ
تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْهَا فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ رَكْعَةً مِنْ
الظُّهْرِ . ا هـ . فَتْحٌ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ
لَمْ يَنْتَظِرْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ لَكَانَ
قَاضِيًا لِمَا فَاتَهُ قَبْلَ أَدَاءِ مَا
أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ إلَخْ) فِي مُسْنَدِ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ
مُعَاذٍ قَالَ «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ
صَلَاتِهِ سَأَلَهُمْ فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ
بِاَلَّذِي سُبِقَ فَيَقْضِي مَا سُبِقَ ثُمَّ
يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ فَجَاءَ مُعَاذٌ
وَالْقَوْمُ قُعُودٌ فِي صَلَاتِهِمْ
(1/241)
مُقَارِنًا
لَهُ إلَّا بِحَرَجٍ ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ
مَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ لَا
يَدْخُلُ مَعَهُ ، وَقَدْ فَاتَتْهُ
الصَّلَاةُ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ
يَدْخُلُ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ كَانَ
حَاضِرًا ، وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ
الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا
الْفَرْقَ لَهُمَا ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ
يُكَبِّرُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ
الْإِمَامَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ
مَا لَوْ حَضَرَ قَبْلَ الرَّابِعَةِ ثُمَّ
الْمَسْبُوقُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ نَسَقًا
بِغَيْرِ دُعَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ
بِدُعَاءٍ تَرْتَفِعُ الْجِنَازَةُ فَتَبْطُلُ
الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِلَا
حُضُورِ مَيِّتٍ ، وَلَوْ رُفِعَتْ قَطَعَ
التَّكْبِيرَ إذَا وُضِعَتْ عَلَى
الْأَعْنَاقِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ
إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ يَأْتِي
بِالتَّكْبِيرِ ، وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ حَتَّى
تَتَبَاعَدَ
قَالَ : - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقُومُ مِنْ
الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ)
لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ أَبَا غَالِبٍ
قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ أَنَسٍ عَلَى جِنَازَةٍ
فَقَامَ حِيَالَ صَدْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ
الصَّدْرَ مَحَلُّ الْإِيمَانِ ، وَمَعْدِنُ
الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ ، وَهُوَ أَبْعَدُ
مِنْ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ فَيَكُونُ
الْقِيَامُ عِنْدَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ
الشَّفَاعَةَ وَقَعَتْ لِأَجْلِ إيمَانِهِ ،
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ
صَدْرِهِ ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ
وَسَطِهَا ؛ لِأَنَّ أَنَسًا فَعَلَ كَذَلِكَ
، وَقَالَ هُوَ السُّنَّةُ ، وَعَنْ سَمُرَةَ
بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْت
وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ
فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطَهَا» قُلْنَا
الْوَسَطُ هُوَ الصَّدْرُ فَإِنَّ فَوْقَهُ
يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَتَحْتَهُ بَطْنَهُ
وَرِجْلَيْهِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ
أَنَسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَفَ
عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ
الِاخْتِلَافَ مِنْ الرُّوَاةِ ؛ لِأَنَّ
الْحَالَ فِي مِثْلِهِ قَدْ يُشْتَبَهُ
لِتَقَارُبِ الْمَوْضِعَيْنِ لَا سِيَّمَا
إذَا كَانَ النَّاظِرُ إلَيْهِ بَعِيدًا ،
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَلَمْ
يُصَلُّوا رُكْبَانًا) يَعْنِي مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ ، وَكَذَا لَمْ
يُصَلُّوا قَاعِدِينَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى
الْقِيَامِ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ ؛
لِأَنَّهُ دُعَاءٌ ، وَلِهَذَا لَمْ يُقْرَأْ
فِيهَا ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ يَجِبُ
وَسِيلَةً إلَى السُّجُودِ فَإِذَا لَمْ
يَجِبْ السُّجُودُ لَمْ يَجِبْ الْقِيَامُ
كَمَا قُلْنَا فِي الْمَرِيضِ إذَا قَدَرَ
عَلَى الْقِيَامِ دُونَ السُّجُودِ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ الْقِيَامُ . وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ
أَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ
التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ وَلِهَذَا
يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ
مِنْ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ
احْتِيَاطًا ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ عَلَى
مَيِّتٍ ، وَهُوَ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ
عَلَى أَيْدِي النَّاسِ عَلَى الْمُخْتَارِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَلَا فِي
مَسْجِدٍ) أَيْ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ ،
وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ
فِي رِوَايَةٍ ، وَكَرَاهِيَةُ التَّنْزِيهِ
فِي أُخْرَى أَمَّا الَّذِي بُنِيَ لِأَجْلِ
صَلَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقَعَدَ فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ فَقَضَى مَا
كَانَ سُبِقَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ
سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاقْتَدُوا بِهِ إذَا
جَاءَ أَحَدُكُمْ وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنْ
الصَّلَاةِ فَلِيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ
بِصَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ
فَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ بِهِ» . وَتَقَدَّمَ
أَنَّ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ
مُعَاذٍ نَظَرًا فِي بَابِ الْأَذَانِ
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ قَالَ «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ فَجَاءَ مُعَاذٌ
وَالْقَوْمُ قُعُودٌ» فَسَاقَ الْحَدِيثَ
وَضَعَّفَ سَنَدَهُ وَرَوَاهُ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «كَانَ
الرَّجُلُ إذَا جَاءَ ، وَقَدْ صَلَّى
الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ فَسَاقَهُ
إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الدَّاخِلَ ابْنَ
مَسْعُودٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سَنَّ
لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا» ، وَهَذَانِ
مُرْسَلَانِ ، وَلَا يَضُرُّ ، وَلَوْ لَمْ
يَكُنْ مَنْسُوخًا كَفَى الِاتِّفَاقُ عَلَى
أَنْ لَا يَقْضِيَ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ
الْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي
الْكَافِي إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ
فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعْنَيَانِ
مَعْنَى الِافْتِتَاحِ وَالْقِيَامِ مَقَامَ
رَكْعَةٍ وَمَعْنَى الِافْتِتَاحِ يَتَرَجَّحُ
فِيهَا وَلِذَا خُصَّتْ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ
. ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَقَدْ فَاتَتْهُ
الصَّلَاةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ
يُكَبِّرَ وَحْدَهُ لِمَا قُلْنَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ
الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ) ، وَلَوْ جَاءَ
بَعْدَ الْأُولَى يُكَبِّرُ بَعْدَ سَلَامِ
الْإِمَامِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ عَلَى
أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَهُمَا حَتَّى
يُكَبِّرَ الْإِمَامُ بِحُضُورِهِ فَيَلْزَمُ
مِنْ انْتِظَارِهِ صَيْرُورَتُهُ مَسْبُوقًا
بِتَكْبِيرَةٍ فَيُكَبِّرُهَا بَعْدَهُ ،
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْتَظِرُهُ بَلْ
يُكَبِّرُ كَمَا لَوْ حَضَرَ ، وَلَوْ كَبَّرَ
كَمَا حَضَرَ ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَا
تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لَكِنْ مَا أَدَّاهُ
غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، قَالَهُ الْكَمَالُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - . ا هـ.
(قَوْلُهُ : فَإِذَا لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ
لَا يَجِبُ الْقِيَامُ كَمَا قُلْنَا إلَخْ)
فِي الْبَدَائِعِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ
مِنْهَا الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ ، وَهُوَ لَا
يَخْتَلِفُ وَالْأَرْكَانُ فِيهَا
التَّكْبِيرَاتُ وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا
حَالَةَ الرُّكُوبِ كَمَا يُمْكِنُ
تَحْصِيلُهَا حَالَةَ الْقِيَامِ . وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ : أَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ
بِهَا إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ
فَيُرَاعَى فِيهَا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ،
وَبِهَذَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْخَلَلِ فِي
شَرَائِطِهَا فَكَذَا فِي الرُّكْنِ بَلْ
أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَهَمُّ مِنْ
الشَّرْطِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ قُعُودًا
وَرُكْبَانًا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِخْفَافِ
بِالْمَيِّتِ ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ
لِتَعْظِيمِهِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ
مَنْ تَجِبُ إهَانَتُهُ كَالْبَاغِي
وَالْكَافِرِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَلَا
يَجُوزُ أَدَاءُ مَا شُرِعَ لِلتَّعْظِيمِ
عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِخْفَافِ ؛
لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعُودَ عَلَى
مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ ، وَلَوْ كَانَ
وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى
قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا
مَا أَجْزَأَهُمْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
بِنَاءً عَلَى اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ
بِالْقَاعِدِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَلِهَذَا
يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ
إلَخْ) ، وَلَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ
مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِكَوْنِهِ
غَيْرَ طَاهِرٍ أَوْ حَصَلَ قِيَامُهُ عَلَى
نَجَاسَةٍ أَوْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ
نَجَاسَةٌ أَوْ بَدَنِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ
الدِّرْهَمِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا
يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ ، وَعَلَيْهِمْ
أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ ، وَأَمَّا إذَا
صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ ، وَفَسَدَتْ
صَلَاةُ الْقَوْمِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ
لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ . ا هـ .
طَحَاوِيٌّ . فَرْعٌ : لَوْ كَانَ وَلِيُّ
الْمَيِّتِ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ
الْقِيَامَ فَصَلَّى عَلَيْهِ قَاعِدًا
وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ أَجْزَأَهُمْ
جَمِيعًا عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا ، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِلْقَوْمِ وَيَجُوزُ
لِلْإِمَامِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَلَيْسَ
لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ
فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا
بِجَوَازِ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ . ا هـ
. طَحَاوِيٌّ (قَوْلُهُ : وَهُوَ مَكْرُوهٌ
كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ) قَالَ الْكَمَالُ :
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ
الْأَوْلَى كَوْنُهَا تَنْزِيهِيَّةً إذْ
الْحَدِيثُ لَيْسَ هُوَ نَهْيًا غَيْرَ
مَصْرُوفٍ ، وَلَا قُرِنَ الْفِعْلُ بِوَعِيدٍ
بِظَنِّيٍّ بَلْ سَلْبُ الْأَجْرِ وَسَلْبُ
الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ
اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ
الْإِبَاحَةِ ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ
الصَّلَاةَ نَفْسَهَا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ
لِلثَّوَابِ فَسَلْبُ الثَّوَابِ مَعَ
فِعْلِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا
يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ إثْمٍ يُقَاوِمُ ذَلِكَ
الثَّوَابَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى . ا
هـ . وَفِي الْمُحِيطِ وَاخْتَلَفُوا فِي
الْمَوْضِعِ الَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ
الْجِنَازَةِ هَلْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ
فَالصَّحِيحُ
(1/242)
الْجِنَازَةِ
فَلَا يُكْرَهُ فِيهَا وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدٍ
فَلَا شَيْءَ لَهُ» ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :
لَا بَأْسَ بِهَا إذَا لَمْ يُخَفْ
تَلْوِيثُهُ ؛ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ صَلَّى عَلَيْهَا أَزْوَاجُ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَتْ
عَائِشَةُ : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَلْ
عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا مَا فَعَلْنَا
فَقِيلَ لَهَا نَعَمْ فَقَالَتْ مَا أَسْرَعَ
مَا نَسُوا مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
جِنَازَةِ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إلَّا
فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا ؛
وَلِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نُجَنِّبَ
الْمَسَاجِدَ الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ
فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِزَوَالِ
مَسْكَنِهِ ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلِيلٌ
لَنَا ؛ لِأَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ هُمْ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ قَدْ عَابُوا عَلَيْهِنَّ
فَلَوْلَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَعْرُوفَةٌ
بَيْنَهُمْ لَمَا عَابُوا عَلَيْهِنَّ ،
وَقَوْلُهَا هَلْ عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ
بِذَلِكَ ، وَلَوْلَا الْكَرَاهِيَةُ لَجَرَتْ
.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : تَأْوِيلُ
حَدِيثِ ابْنِ الْبَيْضَاءِ «أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ
مُعْتَكِفًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ
يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ
فَأَمَرَ بِالْجِنَازَةِ فَوُضِعَتْ خَارِجَ
الْمَسْجِدِ فَصَلَّى عَلَيْهَا فِي
الْمَسْجِدِ لِلْعُذْرِ» فَعَلِمَ ذَلِكَ
أَصْحَابُهُ وَخَفِيَ عَلَيْهَا ، وَهَذَا
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا وُضِعَ
خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِعُذْرٍ ، وَالْقَوْمُ
كُلُّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْإِمَامُ
وَبَعْضُ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ
وَالْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ ،
وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اخْتَلَفَ
الْمَشَايِخُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى
اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِأَجْلِ
التَّلْوِيثِ أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ
بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ لَا
لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَمَنْ
اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ)
وَالِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا
يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ
أَوْ حَرَكَةِ عُضْوٍ وَحُكْمُهُ أَنْ
يُغَسَّلَ وَيُسَمَّى وَيُصَلَّى عَلَيْهِ
وَيَرِثَ وَيُورَثَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَهَلَّ
السِّقْطُ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ»
وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ
الْأَكْثَرِ حَيًّا حَتَّى لَوْ خَرَجَ
أَكْثَرُ الْوَلَدِ ، وَهُوَ يَتَحَرَّكُ
صُلِّيَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ خَرَجَ الْأَقَلُّ
لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا)
أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى
عَلَيْهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْجُزْءِ
وَلِهَذَا لَمْ يَرِثْ وَاخْتَلَفُوا فِي
غُسْلِهِ وَتَسْمِيَتِهِ فَذَكَرَ
الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمْ
يُغَسَّلْ ، وَلَمْ يُسَمَّ وَذَكَرَ
الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ
أَبَوَيْهِ) أَيْ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَى
صَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ،
وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْلُودَ إذَا لَمْ
يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا لَا
يُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ الْمَسْبِيِّ مَعَ
أَحَدِ أَبَوَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا سُبِيَ
مَعَ أَحَدِهِمَا صَارَ تَبَعًا لَهُ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ
عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ
يُهَوِّدَانِهِ» الْحَدِيثَ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ
أَحَدُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ
خَيْرَهُمَا دِينًا فَيُصَلَّى عَلَيْهِ
تَبَعًا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(أَوْ هُوَ) أَيْ أَوْ يُسْلِمُ هُوَ يَعْنِي
الصَّبِيَّ ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ صَحِيحٌ إذَا
كَانَ مُسْتَدِلًّا عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا
عَلَى مَا يَأْتِي فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (أَوْ لَمْ
يُسْبَ أَحَدُهُمَا مَعَهُ) أَيْ إذَا لَمْ
يُسْبَ مَعَ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَبَوَيْهِ
فَحِينَئِذٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا
لِلسَّابِي أَوْ لِلدَّارِ ، وَهَذَا ؛
لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ تَنْقَطِعُ
بِاخْتِلَافِ الدَّارِ فَيُحْكَمُ
بِإِسْلَامِهِ ، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ
فِي تَقْدِيمِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ أَوْ
السَّابِي بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ فَقَالَ فِي
الْغَايَةِ : التَّبَعِيَّةُ عَلَى مَرَاتِبَ
أَقْوَاهَا تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ
الدَّارُ ثُمَّ الْيَدُ ، وَكَذَا صَاحِبُ
الْهِدَايَةِ رَتَّبَ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ
عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَذَكَرَ فِي
شَرْحِ الزِّيَادَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا
أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ
صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ
حَقِيقِيَّةٍ ، وَهَذَا يَجُوزُ إدْخَالَ
الْمَيِّتِ فِيهِ ، وَحَاجَةُ النَّاسِ
مَاسَّةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا
تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَيْهِمْ
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ
أَنَّهُ هَلْ هُوَ مَسْجِدٌ ، وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ
الِاقْتِدَاءِ ، وَإِنْ انْفَصَلَتْ
الصُّفُوفُ ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ
حَقِيقَةً . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ : لَا بَأْسَ إلَخْ) ،
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا
فِي الْمُخْتَلَفَاتِ وَذَكَرَ فِي
الْأَسْرَارِ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ
بِالْمَسْجِدِ إلَّا عَنْ عُذْرٍ خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ
تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ ؛ وَلِأَنَّ
الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِأَدَاءِ
الْمَكْتُوبَاتِ فَلَا يُقَامُ غَيْرُهَا
فِيهَا قَصْدًا إلَّا بِعُذْرٍ ، وَفِيمَا
إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ
عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يَجُوزُ
لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ
لَا يَجُوزُ لِلْمَعْنَى الثَّانِي . ا هـ .
(قَوْلُهُ : أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ
بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ إلَخْ) فِي
الْخُلَاصَةِ مَكْرُوهٌ وَسَوَاءٌ كَانَ
الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ
كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ
وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ
الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ
الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي
الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ
وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ
هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ
هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ
النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . ا هـ .
وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي الْكَرَاهَةِ
بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا
بُنِيَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ
وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ
وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ ، وَقِيلَ : لَا
يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ
الْمَسْجِدِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ تَلْوِيثِ
الْمَسْجِدِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْفَقُ
لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يَسْتَدِلُّ
بِهِ الْمُصَنِّفُ . ا هـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ إلَخْ)
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِنْ لَمْ
يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ
لِكَرَامَةِ بَنِي آدَمَ ، وَلَمْ يُصَلَّ
عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَيُغَسَّلُ فِي
غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ
لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَهُوَ
الْمُخْتَارُ . ا هـ . وَقَوْلُهُ لِمَا
رَوَيْنَا قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ لَمْ
يَثْبُتْ كَفَى فِي نَفْيِهِ كَوْنُهُ نَفْسًا
مِنْ وَجْهٍ جُزْءٍ مِنْ الْحَيِّ مِنْ وَجْهٍ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى
عَلَيْهِ ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا
فَأَعْمَلْنَا الشَّبَهَيْنِ فَقُلْنَا
يُغَسَّلُ عَمَلًا بِالْأَوَّلِ ، وَلَا
يُصَلَّى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالثَّانِي
وَرَجَّحْنَا خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِ السِّقْطِ الَّذِي
لَمْ تَتِمَّ خِلْقَةُ أَعْضَائِهِ
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُلَفُّ
فِي خِرْقَةٍ . ا هـ . كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ
وَالْمُحِيطِ ، وَقِيلَ لَا يُغَسَّلُ بَلْ
يُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ ثُمَّ فِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ وَيُحْشَرُ هَذَا السِّقْطُ ،
وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ إذَا نُفِخَ
فِيهِ الرُّوحُ يُحْشَرُ ، وَإِلَّا فَلَا
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا
أَنَّهُ يُحْشَرُ إذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ
خَلْقِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ
وَابْنِ سِيرِينَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ
الدِّرَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : أَوْ
السَّابِي بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ إلَخْ)
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ
مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَمَا وَقَعَ
فِي يَدِ مُسْلِمٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ لَا
. ا هـ . بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ : تَبَعِيَّةُ
الْأَبَوَيْنِ إلَخْ) أَوْ أَحَدِهِمَا أَيْ
فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى
فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ فِي
النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ
قِيلَ يَكُونُونَ خَدَمَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ
، وَقِيلَ إنْ كَانُوا قَالُوا بَلَى يَوْمَ
أَخْذِ
(1/243)
فِي كِتَابِ
السِّيَرِ : الدِّينُ يَثْبُتُ
بِالتَّبَعِيَّةِ ، وَأَقْوَى التَّبَعِيَّةِ
تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا
سَبَبٌ لِوُجُودِهِ ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ
؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ
بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ فِي يَدِهِ ،
وَعِنْدَ عَدَمِ الْيَدِ تُعْتَبَرُ
تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ
وُجُودِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّقِيطَ
الْمَوْجُودَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - عَصَمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - : قَدْ اخْتَلَفَتْ
الرِّوَايَةُ فِي اللَّقِيطِ أَيْضًا قِيلَ
يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ ، وَقِيلَ الْوَاجِدُ ،
وَقِيلَ الْأَنْفَعُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي
كِتَابِ اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَيُغَسِّلُ
وَلِيٌّ مُسْلِمٌ الْكَافِرَ وَيُكَفِّنُهُ
وَيَدْفِنُهُ) لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَمَا هَلَكَ أَبُوهُ
جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنَّ عَمَّك الضَّالَّ قَدْ مَاتَ
فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ ، وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ»
الْحَدِيثُ لَكِنْ يُغَسَّلُ غُسْلَ الثَّوْبِ
النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا
بُدَاءَةٍ بِالْمَيَامِنِ ، وَيُلَفُّ فِي
خِرْقَةٍ وَتُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ مِنْ
غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ التَّكْفِينِ
وَاللَّحْدِ وَيُلْقَى ، وَلَا يُوضَعُ .
وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ ، وَلَهُ أَبٌ كَافِرٌ
هَلْ يُمَكَّنُ أَنْ يُجَهِّزَهُ قَالَ فِي
الْغَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ
ذَلِكَ ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ
إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ رَجُلٌ
يُغَسِّلُهُ قَالَ تُعَلِّمُ النِّسَاءُ
الْكَافِرَ فَيُغَسِّلُهُ فَعَلَى هَذَا
يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : (وَيُؤْخَذُ سَرِيرُهُ
بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) يَعْنِي وَقْتَ
الْحَمْلِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : يَحْمِلُهَا رَجُلَانِ يَضَعُ
السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ وَالثَّانِي
عَلَى أَعْلَى صَدْرِهِ ؛ لِأَنَّ جِنَازَةَ
سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ حُمِلَتْ كَذَلِكَ ،
وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ : - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - إذَا تَبِعَ أَحَدُكُمْ
الْجِنَازَةَ فَلْيَأْخُذْ بِقَوَائِمِ
السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ لْيَتَطَوَّعْ
بَعْدُ أَوْ فَلْيَذْرِ أَيْ فَإِنَّهُ مِنْ
السُّنَّةِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا
عَلَى الْحَامِلِينَ وَصِيَانَةً عَنْ
السُّقُوطِ وَالِانْقِلَابِ ، وَزِيَادَةَ
الْإِكْرَامِ لِلْمَيِّتِ ، وَالْإِسْرَاعَ
بِهِ ، وَتَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ ، وَهُوَ
أَبْعَدُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِحَمْلِ
الْمَتَاعِ وَلِهَذَا يُكْرَهُ عَلَى
الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ ، وَمَا رَوَاهُ
ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا
خَبَبٍ) أَيْ يُسْرَعُ بِالْمَيِّتِ وَقْتَ
الْمَشْيِ بِلَا خَبَبٍ وَحَدُّهُ أَنْ
يُسْرِعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ
الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ لِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
قَالَ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ
كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إلَى
الْخَيْرِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ
فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ» ،
وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «مَرَّتْ بِرَسُولِ
اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
جِنَازَةٌ تَمْخَضُ مَخْضَ الزِّقِّ فَقَالَ
عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ» ، وَعَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
«سَأَلْنَا نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ
فَقَالَ مَا دُونَ الْخَبَبِ» ،
وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرَعَ بِتَجْهِيزِهِ
كُلِّهِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجُلُوسٍ قَبْلَ
وَضْعِهَا) أَيْ بِلَا جُلُوسٍ قَبْلَ وَضْعِ
الْجِنَازَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا
بَأْسَ بِالْجُلُوسِ قَبْلَ وَضْعِهَا ،
وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ
فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» ؛ وَلِأَنَّهُ
قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ ،
وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ
حَضَرُوا إكْرَامًا ، وَفِي الْجُلُوسِ قَبْلَ
الْوَضْعِ ازْدِرَاءٌ بِهِ هَذَا فِي حَقِّ
كُلِّ مَنْ يَمْشِي مَعَ الْجِنَازَةِ ،
وَأَمَّا الْقَاعِدُ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا
مَرَّتْ بِهِ أَوْ الْقَاعِدُ عَلَى الْقَبْرِ
فَلَا يَقُومُ لَهَا ، وَقَالَ بَعْضُ
الشَّافِعِيَّةِ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ
لَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ
فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ
تُوضَعَ» ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي
الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ ،
وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» فَصَارَ مَا
رَوَوْهُ مَنْسُوخًا .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَمَشْيٍ
قُدَّامَهَا) أَيْ بِلَا مَشْيٍ قُدَّامَ
الْجِنَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا
أَفْضَلُ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :
الْمَشْيُ قُدَّامَهَا أَفْضَلُ لِقَوْلِ
ابْنِ عُمَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي بَيْنَ
يَدَيْهَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ؛
وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ لِلْمَيِّتِ ،
وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ فِي الْعَادَةِ ،
وَلَنَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ» ، وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ
قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «حَقُّ
الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ ،
وَعَدَّ مِنْهَا اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ» ،
وَعَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَمَنْ اتَّبَعَ
جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا ،
وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا
وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ
مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ» الْحَدِيثَ .
وَالِاتِّبَاعُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى
التَّالِي ، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - يَمْشِي خَلْفَهَا ، وَقَالَ إنَّ
فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي
أَمَامَهَا كَفَضْلِ الصَّلَاةِ
الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ ، وَإِنَّ
أَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ كَانَا يَعْلَمَانِ
ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا سَهْلَانِ يُسَهِّلَانِ
عَلَى النَّاسِ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ
مِثْلُهُ . وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَشَى
خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَسَأَلَهُ نَافِعٌ
كَيْفَ الْمَشْيُ فِي الْجِنَازَةِ خَلْفَهَا
أَمْ أَمَامَهَا ؟ . فَقَالَ أَمَا تَرَانِي
أَمْشِي خَلْفَهَا ، وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا
بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ
الْجِنَازَةِ» وَبِهَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعَهْدِ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ ،
وَإِلَّا فَفِي النَّارِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ
أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ إنَّ اللَّهَ لَا
يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ ، وَهَذَا
نَفْيٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَتَوَقَّفَ
فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
. ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : ثُمَّ
تَبَعِيَّةُ الْيَدِ إلَخْ) ، وَفِي
الْمُحِيطِ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِ
الْأَبَوَيْنِ يَكُونُ تَبَعًا لِصَاحِبِ
الْيَدِ وَعِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْيَدِ
يَكُونُ تَبَعًا لِلدَّارِ ، وَلَعَلَّهُ
أَوْلَى فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ
صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ
الْحَرْبِ فَمَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ
وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ
الْيَدِ . ا هـ كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ : وَيُغَسِّلُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ
الْكَافِرَ إلَخْ) أَطْلَقَ الْوَلِيَّ
يَعْنِي الْقَرِيبَ فَيَشْمَلُ ذَوِي
الْأَرْحَامَ كَالْأُخْتِ وَالْخَالِ
وَالْخَالَةِ ثُمَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ
مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
قَرِيبٌ كَافِرٌ فَإِنْ كَانَ خُلِّيَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيَتْبَعُ
الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ هَذَا إذَا لَمْ
يَكُنْ كُفْرُهُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ -
بِارْتِدَادِهِ فَإِنْ كَانَ يُحْفَرُ لَهُ
حَفِيرَةٌ وَيُلْقَى فِيهَا كَالْكَلْبِ ،
وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى
دِينِهِمْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ
مَوْضِعٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ : وَيُؤْخَذُ
سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ إلَخْ) ،
وَفِي الذَّهَابِ بِالْجِنَازَةِ يُقَدَّمُ
الرَّأْسُ فَإِذَا انْتَهَوْا لِلْمُصَلَّى
فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَرْضًا رَأْسُهُ عَلَى
يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَرِجْلَاهُ عَلَى
يَسَارِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ
. ا هـ . طَحَاوِيٌّ (قَوْلُهُ : وَيُعَجَّلُ
بِهِ بِلَا خَبَبٍ) أَيْ ، وَلَوْ مَشَوْا
بِهِ الْخَبَبَ كُرِهَ ؛ لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ
بِالْمَيِّتِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ :
وَمَشَى قُدَّامَهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَفْضَلُ
لِلْمُشَيِّعِ لِلْجِنَازَةِ الْمَشْيُ
خَلْفَهَا وَيَجُوزُ أَمَامُهَا إلَّا أَنْ
يَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ
الْكُلُّ فَيُكْرَهُ ، وَلَا يَمْشِي عَنْ
يَمِينِهَا وَلَا عَنْ شِمَالِهَا وَيُكْرَهُ
لِمُشَيِّعِهَا
(1/244)
عُلِمَ أَنَّ
فِي الْمَشْيِ أَمَامَهَا فَضِيلَةً ،
وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ
مِنْ الْأَمْرِ وَالْفِعْلِ وَالْحَثِّ
عَلَيْهِ وَلِهَذَا مَشَى ابْنُ عُمَرَ
خَلْفَهَا ، وَهُوَ الرَّاوِي لِمَشْيِ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَمَامَهَا ؛ وَلِأَنَّ
الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَمْكَنُ لِلْمُعَاوَنَةِ
عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَوْ إذَا نَابَتْ
نَائِبَةٌ فَكَانَ أَوْلَى .
وَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُمْ إنَّ الشَّفِيعَ
يَتَقَدَّمُ عَادَةً ؛ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ
فِي الصَّلَاةِ ، وَهُمْ يَتَأَخَّرُونَ
عِنْدَهَا ؛ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا
يَتَقَدَّمُ عَادَةً إذَا خِيفَ عَلَيْهِ
بَطْشُ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ
الشَّفِيعُ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ هُنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَضَعْ
مُقَدَّمَهَا عَلَى يَمِينِك ثُمَّ
مُؤَخَّرَهَا ثُمَّ مُقَدَّمَهَا عَلَى
يَسَارِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا) ، وَهَذَا هُوَ
السُّنَّةُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْحَامِلِينَ
إذَا تَنَاوَبُوا فِي حَمْلِهَا يَبْتَدِئُ
الْحَامِلُ مِنْ الْيَمِينِ الْمُقَدَّمِ
لِلْمَيِّتِ ، وَهُوَ يَمِينُ الْحَامِلِ
فَيَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ
ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْمَنِ عَلَى
عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْمُقَدَّمِ
الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ
ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْسَرِ عَلَى
عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ
وَالْمُقَدَّمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَهَا
مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً
أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كُفِّرَتْ عَنْهُ
أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَيُحْفَرُ
الْقَبْرُ) وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْقِهِ قِيلَ
نِصْفُ الْقَامَةِ ، وَقِيلَ إلَى الصَّدْرِ ،
وَإِنْ زَادُوا فَحَسَنٌ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَيُلْحَدُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّحْدُ لَنَا
وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» ، وَإِذَا كَانَتْ
الْأَرْضُ رَخْوَةً فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ
وَاِتِّخَاذِ التَّابُوتِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ
حَدِيدٍ وَيُفْرَشُ فِيهِ التُّرَابُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ
الْقِبْلَةِ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُوضَعُ
رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ ، وَهُوَ
الْمَوْضِعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ رِجْلُ
الْمَيِّتِ ثُمَّ يُسَلُّ سَلًّا مِنْ قِبَلِ
رَأْسِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُلَّ سَلًّا مِنْ
قِبَلِ رَأْسِهِ ، وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ
مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَخَذَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ
الْقِبْلَةِ» ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا فَأُسْرِجَ لَهُ
سِرَاجٌ ، وَأَخَذَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ
الْقِبْلَةِ» ؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ
أَشْرَفُ فَكَانَ أَوْلَى ، وَقَدْ
اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ فِي إدْخَالِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ
إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ رَوَى أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُخِذَ
مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ ، وَلَمْ يُسَلَّ
سَلًّا ، وَلَئِنْ صَحَّ السَّلُّ لَمْ
يُعَارِضْ مَا رَوَيْنَا ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ
بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، وَمَا رَوَيْنَاهُ
فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُلَّ
لِأَجْلِ ضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِخَوْفِ أَنْ
يَنْهَارَ اللَّحْدُ لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ
فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَيَقُولُ
وَاضِعُهُ بِسْمِ اللَّهِ ، وَعَلَى مِلَّةِ
رَسُولِ اللَّهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا وَضَعَ
مَيِّتًا فِي قَبْرِهِ قَالَ ذَلِكَ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَجَّهُ
لِلْقِبْلَةِ) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَتُحَلُّ
الْعُقْدَةُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِسَمُرَةَ ،
وَقَدْ مَاتَ لَهُ ابْنٌ أَطْلِقْ عُقَدَ
رَأْسِهِ ، وَعُقَدَ رِجْلَيْهِ» ؛
وَلِأَنَّهُ وَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ
الِانْتِشَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ وَالْقَصَبُ)
لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ
اللَّبِنَ» وَرُوِيَ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ ،
وَالْمُهَاجِرُونَ كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ
الْقَصَبَ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(لَا الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ) ؛ لِأَنَّهُمَا
لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ ، وَالْقَبْرُ
مَوْضِعُ الْبِلَى ؛ وَلِأَنَّ بِالْآجُرِّ
أَثَرُ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا ،
وَلِهَذَا يُكْرَهُ الْإِجْمَارُ بِالنَّارِ
عِنْدَ الْقَبْرِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ
بِهَا ؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلَةٍ
مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ ، وَمَحَلُّ
الْمِحَنِ بِخِلَافِ الْبَيْتِ حَيْثُ لَا
يُكْرَهُ فِيهِ الْإِجْمَارُ ، وَلَا غَسْلُهُ
بِالْمَاءِ الْحَارِّ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَيُسَجَّى
قَبْرُهَا لَا قَبْرُهُ) أَيْ يُسَجَّى قَبْرُ
الْمَرْأَةِ بِثَوْبٍ حَتَّى يُجْعَلَ
اللَّبِنُ عَلَيْهِ لَا قَبْرُ الرَّجُلِ
لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قَدْ
دَفَنُوا مَيِّتًا وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ
ثَوْبًا فَجَذَبَهُ ، وَقَالَ إنَّمَا
يُصْنَعُ هَذَا لِلنِّسَاءِ ؛ وَلِأَنَّ
مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ ،
وَمَبْنَى حَالِ الرِّجَالِ عَلَى الْكَشْفِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَيُهَالُ
التُّرَابُ) سَتْرًا لَهُ ، وَإِلَيْهِ
وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
{لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ
أَخِيهِ} [المائدة : 31] وَيُكْرَهُ أَنْ
يُزَادَ عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ
مِنْ الْقَبْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْثَى
عَلَيْهِ التُّرَابُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى
عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ
فَحَثَى عَلَيْهِ التُّرَابَ مِنْ قِبَلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ
وَيَذْكُرُ فِي نَفْسِهِ . ا هـ . وَعَلَى
مُشَيِّعِي الْجِنَازَةِ الصَّمْتُ وَيُكْرَهُ
لَهُمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ ،
وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ مَنْ سُنَنِ
الْمُرْسَلِينَ الصُّمَاتُ مُخَالِفًا
لِأَهْلِ الْكِتَابِ . ا هـ . طَحَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ : وَضَعْ مُقَدَّمَهَا إلَخْ) قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ
قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَكَيْفِيَّةُ
الْحَمْلِ أَنْ تَضَعَ مُقَدَّمَ الْجِنَازَةِ
عَلَى يَمِينِك هُوَ حِكَايَةُ خِطَابِ أَبِي
حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ وَالْمُرَادُ
بِمُقَدَّمِ الْجِنَازَةِ يَمِينُهَا
وَيَمِينُ الْجِنَازَةِ بِمَعْنَى الْمَيِّتِ
هُوَ يَسَارُ السَّرِيرِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ
مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَالْحَاصِلُ أَنْ
تَضَعَ يَسَارَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَ عَلَى
يَمِينِك ثُمَّ يَسَارَهُ الْمُؤَخَّرَ ثُمَّ
يَمِينَهُ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَسَارِك ثُمَّ
يَمِينَهُ الْمُؤَخَّرَ ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا
إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ . ا هـ.
(قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ
رَخْوَةً) أَيْ فَيَخَافُ أَنْ يَنْهَارَ
اللَّحْدُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : فَلَا
بَأْسَ بِالشَّقِّ إلَخْ) بَلْ ذَكَرَ أَنَّ
بَعْضَ الْأَرْضِينَ مِنْ الرِّمَالِ
يَسْكُنُهَا بَعْضُ الْأَعْرَابِ لَا
يَتَحَقَّقُ فِيهَا الشَّقُّ أَيْضًا بَلْ
يُوضَعُ الْمَيِّتُ ، وَيُهَالُ عَلَيْهِ
نَفْسُهُ ، قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ :
وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ) أَيْ
وَذَلِكَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي
جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقَبْرِ ،
وَيُحْمَلُ الْمَيِّتُ مِنْهُ فَيُوضَعُ فِي
اللَّحْدِ فَيَكُونُ الْآخِذُ لَهُ
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَالَ الْأَخْذِ . ا
هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : ثُمَّ يُسَلُّ
سَلًّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَالسَّلُّ
إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ الشَّيْءِ بِجَذْبٍ
وَأُرِيدَ هُنَا إخْرَاجُ الْمَيِّتِ مِنْ
الْجِنَازَةِ إلَى الْقَبْرِ . ا هـ فِي
الْبَدَائِعِ . وَصُورَةُ السَّلِّ أَنْ
تُوضَعَ الْجِنَازَةُ عَنْ يَمِينِ
الْقِبْلَةِ وَيُجْعَلُ رِجْلَا الْمَيِّتِ
إلَى الْقَبْرِ طُولًا ثُمَّ يُؤْخَذُ
بِرِجْلَيْهِ وَيُدْخَلُ رِجْلَاهُ فِي
الْقَبْرِ وَيُذْهَبُ بِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ
رِجْلَاهُ إلَى مَوْضِعِهِمَا وَيُدْخَلُ
رَأْسُهُ الْقَبْرَ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
وَرُوِيَ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ) قَالَ فِي
الصِّحَاحِ الطُّنُّ بِالضَّمِّ حُزْمَةُ
الْقَصَبِ وَالْقَصَبَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ
الْحُزْمَةِ طُنَّةٌ . ا هـ . فَرْعٌ : قَالَ
الْوَلْوَالِجِيُّ : الْمَرْأَةُ إذَا مَاتَتْ
، وَلَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ فَأَهْلُ
الصَّلَاحِ مِنْ جِيرَانِهَا يَلِي دَفْنَهَا
، وَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ
الْقَبْرَ ؛ لِأَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ
إيَّاهَا فَوْقَ الثَّوْبِ يَجُوزُ عِنْدَ
الضَّرُورَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا
بَعْدَ الْوَفَاةِ . ا هـ . فَرْعٌ آخَرُ :
لَا يَضُرُّ وِتْرٌ دَخَلَهُ أَوْ شَفْعٌ
عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ
هِيَ الْوِتْرُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ
الْكَفَنِ وَالْغُسْلِ وَالْإِجْمَارِ ،
وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(1/245)
رَأْسِهِ
ثَلَاثًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ ، وَلَا يُرَبَّعُ ،
وَلَا يُجَصَّصُ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ
عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى
قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا ، وَقَالَ
إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ حَدَّثَنِي مَنْ
رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، وَأَبِي بَكْرٍ ،
وَعُمَرَ مُسَنَّمَةً ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ
: رَأَيْت قُبُورَ شُهَدَاءِ أُحُدٍ
مُسَنَّمَةً ، وَسَنَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَنَفِيَّةِ قَبْرَ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَيُسَنَّمُ قَدْرَ الشِّبْرِ ، وَقِيلَ
قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ ، وَلَا بَأْسَ
بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حِفْظًا
لِتُرَابِهِ عَنْ الِانْدِرَاسِ ، وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَهُ ؛ لِأَنَّهُ
يَجْرِي مَجْرَى التَّطْيِينِ وَيَكْرَهُ أَنْ
يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُقْعَدَ
عَلَيْهِ أَوْ يَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يُوطَأَ
عَلَيْهِ أَوْ يُقْضَى عَلَيْهِ حَاجَةُ
الْإِنْسَانِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ
يُعَلَّمَ بِعَلَامَةٍ مِنْ كِتَابَةٍ
وَنَحْوِهِ أَوْ يُصَلَّى إلَيْهِ أَوْ
يُصَلَّى بَيْنَ الْقُبُورِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ ، وَأَنْ
يُقْعَدَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ
، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُوطَأَ
عَلَيْهِ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ
عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ
فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ
أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» «وَنَهَى -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ
اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ» .
وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ
وَضْعِ الْحَجَرِ لِيَكُونَ عَلَامَةً لِمَا
رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَضَعَ حَجَرًا عَلَى قَبْرِ
عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» وَحَمَلَ
الطَّحَاوِيُّ الْجُلُوسَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ
عَلَى الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَلَا يُخْرَجُ
مِنْ الْقَبْرِ) يَعْنِي لَا يُخْرَجُ
الْمَيِّتُ مِنْ الْقَبْرِ بَعْدَ مَا أُهِيلَ
عَلَيْهِ التُّرَابُ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ
عَنْ نَبْشِهِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
(إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً)
فَيُخْرَجَ لِحَقِّ صَاحِبِهَا إنْ شَاءَ ،
وَإِنْ شَاءَ سَوَّاهُ مَعَ الْأَرْضِ
وَانْتَفَعَ بِهِ زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا ،
وَلَوْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ مَتَاعٌ
لِإِنْسَانٍ قِيلَ لَمْ يُنْبَشْ بَلْ
يُحْفَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَتَاعِ وَيُخْرَجُ ،
وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِنَبْشِهِ وَإِخْرَاجِهِ
. وَلَوْ وُضِعَ الْمَيِّتُ فِيهِ لِغَيْرِ
الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ
أَوْ جُعِلَ رَأْسُهُ فِي مَوْضِعِ رِجْلَيْهِ
وَأُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لَمْ يُنْبَشْ
، وَلَوْ سُوِّيَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ ، وَلَمْ
يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ نُزِعَ اللَّبِنُ
، وَرُوعِيَ السُّنَّةُ ، وَلَوْ بَلِيَ
الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ دَفْنُ
غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ وَزَرْعُهُ
وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ
[فَصَلِّ تعزية أَهْل الْمَيِّت]
(فَصْلٌ) وَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَةِ أَهْلِ
الْمَيِّتِ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الصَّبْرِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ
مِثْلُ أَجْرِهِ» وَيَقُولُ لَهُ أَعْظَمَ
اللَّهُ أَجْرَك ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك
وَغَفَرَ لِمَيِّتِك ، وَلَا بَأْسَ
بِالْجُلُوسِ لَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ
الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ
الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ
السُّرُورِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا عَقْرَ
فِي الْإِسْلَامِ» ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ
يَعْقِرُ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أَوْ
شَاةً ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُتَّخَذَ لِأَهْلِ
الْمَيِّتِ طَعَامٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اصْنَعُوا لِآلِ
جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا
يَشْغَلُهُمْ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بِالصَّوَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَدْخَلَهُ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ
الْعَبَّاسِ وَعَلِيٌّ وَصُهَيْبٌ وَقِيلَ فِي
الرَّابِعِ إنَّهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ
، وَقِيلَ إنَّهُ أَبُو رَافِعٍ فَدَلَّ عَلَى
أَنَّ الشَّفْعَ سُنَّةٌ ؛ وَلِأَنَّ
الدُّخُولَ فِي الْقَبْرِ لِلْحَاجَةِ إلَى
الْوَضْعِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ
الشَّفْعُ وَالْوِتْرُ فِيهِ سَوَاءٌ ؛
وَلِأَنَّهُ مِثْلُ حَمْلِ الْمَيِّتِ . ا هـ
بَدَائِعُ . (قَوْلُهُ : أَوْ يُعَلَّمُ
بِعَلَامَةٍ مِنْ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهِ إلَخْ)
، وَهَلْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ
الْقُبُورِ مَكْرُوهَةٌ ؟ . تَكَلَّمُوا فِيهِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ ، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ لَا يُكْرَهُ . ا هـ .
وَمَشَايِخُنَا أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ
رَجُلٌ مَاتَ فَأَجْلَسَ وَارِثُهُ رَجُلًا
يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ
تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ
ذَلِكَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ
بِمَكْرُوهٍ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ فِي هَذَا
الْبَابِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا حُكِيَ
عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْعِيَاضِيِّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَوْصَى عِنْدَ
مَوْتِهِ بِذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا
لَمَا أَوْصَى بِهِ . ا هـ . ذَكَرَهُ
الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْكَرَاهِيَةِ
(قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ
مَغْصُوبَةً أَوْ يَأْخُذُهَا شَفِيعٌ)
وَلِذَا لَمْ يُحَوَّلْ كَثِيرٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ ، وَقَدْ دُفِنُوا بِأَرْضِ
الْحَرْبِ إذْ لَا عُذْرَ . ا هـ . كَمَالٌ
(قَوْلُهُ : زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا إلَخْ)
فَإِنَّ حَقَّهُ فِي ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا
فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا ،
وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ
: وَلَوْ بَقِيَ فِي الْقَبْرِ مَتَاعٌ) قَالَ
الْكَمَالُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَسْقُطَ
فِي اللَّحْدِ مَالٌ ثَوْبٌ أَوْ دِرْهَمٌ
لِأَحَدٍ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ
فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا ، وَهِيَ
غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ
تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا
يَسَعُهَا ذَلِكَ فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ
الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ،
وَلَمْ نَعْلَمْ خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ
فِي أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَقَدْ دُفِنَ بِلَا
غُسْلٍ أَوْ بِلَا صَلَاةٍ فَلَمْ يُبِيحُوهُ
لِتَدَارُكِ فَرْضٍ لَحِقَهُ يَتَمَكَّنُ
مِنْهُ بِهِ أَمَّا إذَا أَرَادُوا نَقْلَهُ
قَبْلَ الدَّفْنِ وَتَسْوِيَةِ اللَّبِنِ
فَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ نَحْوَ مِيلٍ أَوْ
مِيلَيْنِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي
التَّجْنِيسِ ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إلَى
الْمَقَابِرِ قَدْ تَبْلُغُ هَذَا
الْمِقْدَارَ ، وَقَالَ الْإِمَامُ
السَّرَخْسِيُّ قَوْلُ سَلَمَةَ ذَلِكَ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْلَهُ مِنْ بَلَدٍ
إلَى بَلَدٍ مَكْرُوهٌ ، وَالْمُسْتَحَبُّ
أَنْ يُدْفَنَ كُلٌّ فِي مَقْبَرَةِ
الْبَلْدَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَنُقِلَ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ
زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَكَانَ مَاتَ بِالشَّامِ وَحُمِلَ مِنْهَا
لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيكَ إلَيَّ مَا
نَقَلْتُكَ ، وَلَدَفَنْتُكَ حَيْثُ مِتَّ
ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ
فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا
إثْمَ لِمَا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاتَ بِمِصْرَ
فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ وَمُوسَى - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ مَا أَتَى
عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ
لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ . ا هـ . وَلَا
يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ،
وَلَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهِ كَوْنُهُ شَرْعًا
لَنَا إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ مَاتَ فِي ضَيْعَةٍ
عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْمَدِينَةِ
فَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إلَيْهَا
قَوْلُهُ : وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَيْ
لِنَبْشِهِ . ا هـ.
(قَوْلُهُ : لَا بَأْسَ بِتَعْزِيَةِ أَهْلِ
الْمَيِّتِ إلَخْ) ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى
أَنْ يُعَزَّى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
يُتْرَكُ لِئَلَّا يَتَجَدَّدَ الْحُزْنُ
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ
بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ
حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . ا
هـ . أَبُو الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ : وَأَحْسَنَ
عَزَاءَك) أَيْ صَبَّرَك . ا هـ . (قَوْلُهُ :
؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ
إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَهِيَ بِدْعَةٌ
مُسْتَقْبَحَةٌ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ
جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا
نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ
وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ
(قَوْلُهُ : وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَّخَذَ
لِأَهْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ
وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ
وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ
طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ
وَلَيْلَتَهُمْ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ
طَعَامًا» الْحَدِيثَ حَسَّنَهُ
التِّرْمِذِيُّ
(1/246)
(بَابٌ
الشَّهِيدُ)
سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ
تَشْهَدُهُ إكْرَامًا لَهُ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ
مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : (هُوَ) أَيْ الشَّهِيدُ (مَنْ
قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ ،
وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ أَوْ وُجِدَ فِي
الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ أَوْ قَتَلَهُ
مُسْلِمٌ ظُلْمًا ، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ
دِيَةٌ) ، وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ ،
وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَكُلُّ
مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ طَاهِرٍ قُتِلَ ظُلْمًا ،
وَلَمْ يَرْتَثَّ ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ
عِوَضٌ مَالِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ ،
وَقَوْلُهُ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ
يَتَنَاوَلُ مَنْ قَتَلُوهُ مُبَاشَرَةً أَوْ
تَسْبِيبًا ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ
إلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ أَوْطَئُوا
دَابَّتَهُمْ مُسْلِمًا أَوْ نَفَّرُوا
دَابَّةَ مُسْلِمٍ فَرَمَتْهُ أَوْ رَمَوْهُ
مِنْ السُّورِ أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ
حَائِطًا أَوْ رَمَوْا بِنَارٍ فَأَحْرَقُوا
سُفُنَهُمْ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ
الْأَسْبَابِ فَمَاتَ بِهِ مُسْلِمٌ كَانَ
شَهِيدًا لِمَا قُلْنَاهُ ، وَلَوْ
انْفَلَتَتْ دَابَّةُ مُشْرِكٍ لَيْسَ
عَلَيْهَا أَحَدٌ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا أَوْ
رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ
مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ
مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ
الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَؤُهُمْ إلَى
خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ
جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى
عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ بِذَلِكَ لَمْ
يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ؛
لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ
إلَيْهِمْ .
وَإِنْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلْقَوْهُمْ فِي
النَّارِ يَكُونُوا شُهَدَاءَ إجْمَاعًا
قَوْلُهُ وَبِهِ أَثَرٌ أَيْ أَثَرٌ يَكُونُ
عَلَامَةً عَلَى الْقَتْلِ كَالْجُرْحِ
وَسَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ
أُذُنِهِ إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ
شِدَّةِ الضَّرْبِ وَجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ
عَادَةً ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ
أَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ
أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ لَا يَكُونُ
شَهِيدًا ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ
هَذِهِ الْمَخَارِقِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ
عَادَةً إذْ الْإِنْسَانُ يُبْتَلَى
بِالرُّعَافِ وَيَبُولُ الْجَبَانُ دَمًا
وَصَاحِبُ الْبَاسُورِ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ
دُبُرِهِ ، وَقَدْ يَمُوتُ الْجَبَانُ مِنْ
غَيْرِ ضَرْبٍ فَزَعًا ، وَكَوْنُهُ فِي
الْمَعْرَكَةِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِقَتْلِهِ
بِلَا إصَابَةٍ فَلَمْ يَقَعْ مَقَامَ
الْقَتْلِ ، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ
مِنْ فِيهِ فَإِنْ ارْتَقَى مِنْ الْجَوْفِ ،
وَكَانَ صَافِيًا يَكُونُ شَهِيدًا ؛
لِأَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْبَاطِنِ ،
وَإِنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ
شَهِيدًا ؛ لِأَنَّهُ رُعَافٌ خَرَجَ مِنْ
جَانِبِ الْفَمِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ
جَامِدًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا ؛ لِأَنَّهُ
سَوْدَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ احْتَرَقَتْ
قَوْلُهُ ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ
أَيْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ وَجَبَتْ
الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ أَوْ بِقَتْلِ الْأَبِ
ابْنَهُ أَوْ شَخْصًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ؛ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ
وَمَعْرُوفٌ وَيُلِحُّ عَلَيْهِمْ فِي
الْأَكْلِ فَإِنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ
مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ . ا هـ كَمَالٌ.
(بَابُ الشَّهِيدِ) .
الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ
الشَّهِيدَ لَمَّا كَانَ مَيِّتًا بِأَجَلِهِ
يَلِيقُ إيرَادُ بَابِ الشَّهِيدِ بَعْدَ
الْجَنَائِزِ أَوْ ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ
الشَّهِيدِ إلَى الْمَيِّتِ كَنِسْبَةِ
صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَى سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ مِنْ
وَجْهٍ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى {بَلْ
أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل
عمران : 169] فَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ
الْمَيِّتِ الْمُطْلَقِ عَقَّبَهُ بِبَيَانِ
حُكْمِ الْمَيِّتِ الْمُقَيَّدِ أَيْضًا كَذَا
فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ ، وَفِي
غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا ذَكَرَ الشَّهِيدَ
فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ
يُخَالِفُ حُكْمَ سَائِرِ الْمَوْتَى فِي
حَقِّ التَّكْفِينِ وَالْغُسْلِ فَإِنَّهُ
يُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ
وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالسِّلَاحُ
وَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْكَفَنِ ، وَلَا
يُغَسَّلُ . ا هـ . (قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ
الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ) أَيْ تَشْهَدُ
مَوْتَهُ فَهُوَ مَشْهُودٌ ، وَهُوَ عَلَى
هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : أَوْ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ
بِالْجَنَّةِ) أَوْ ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ
اللَّهِ حَاضِرٌ ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيلٌ
بِمَعْنَى فَاعِلٍ قَالَهُ فِي غَايَةِ
الْبَيَانِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : أَوْ
قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا إلَخْ) ، وَلَوْ
قُتِلَ بِشَيْءٍ لَا يُوصَفُ بِالظُّلْمِ
كَمَا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ
أَوْ سَقَطَ مِنْ الْجَبَلِ أَوْ غَرِقَ فِي
الْمَاءِ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَإِنَّهُ
يُغَسَّلُ . ا هـ طَحَاوِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى
قَوْلِهِ ظُلْمًا مَا نَصُّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ
. (قَوْلُهُ : أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ
الْحَسَكَ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ قَتِيلُ
الْحَسَكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغَسَّلَ ؛
لِأَنَّ جَعْلَهُ تَسْبِيبٌ لِلْقَتْلِ
قُلْنَا مَا قُصِدَ بِهِ الْقَتْلُ يَكُونُ
تَسْبِيبًا وَمَا لَا فَلَا ، وَهُمْ قَصَدُوا
بِهِ الدَّفْعَ لَا الْقَتْلَ . ا هـ .
كَمَالٌ (قَوْلُهُ : كَالْجُرْحِ) قَالَ فِي
الصِّحَاحِ جَرَحَهُ جَرْحًا وَالِاسْمُ
الْجُرْحُ بِالضَّمِّ . ا هـ . وَكَتَبَ عَلَى
قَوْلِهِ كَالْجُرْحِ أَوْ رَضٍّ ظَاهِرٍ . ا
هـ . كَمَالٌ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ : وَلَوْ
كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
وَإِنْ ظَهَرَ الدَّمُ مِنْ الْفَمِ فَقَالُوا
إنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ بِأَنْ
يَكُونَ صَافِيًا غُسِلَ ، وَإِنْ كَانَ
خِلَافَهُ مِنْ جِرَاحَةٍ فِيهِ فَلَا
يُغْسَلُ ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ
الْمُرْتَقِيَ مِنْ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونُ
عَلَقًا فَهُوَ سَوْدَاءُ بِصُورَةٍ ، وَقَدْ
يَكُونُ رَقِيقًا مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ
عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فَلَمْ
يَلْزَمْ كَوْنُهُ مِنْ جِرَاحَةٍ حَادِثَةٍ
بَلْ هُوَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ حِينَئِذٍ
. ا هـ . وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا يَصْعَدُ
مِنْ الْجَوْفِ لَا يَكُونُ صَافِيًا
أَلْبَتَّةَ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ إلَخْ)
وَكَانَ مُرْتَقِيًا مِنْ الْجَوْفِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : أَوْ شَخْصًا) يَعْنِي أَوْ
قَتَلَ الْأَبُ شَخْصًا آخَرَ وَوَارِثُ
ذَلِكَ الشَّخْصِ ابْنُ الْقَاتِلِ . ا هـ .
كَذَلِكَ بِخَطِّ الشَّارِحِ حَانُوتِيٌّ
(فَرْعٌ) ، وَإِذَا قُتِلَ فِي قِتَالٍ فَهُوَ
عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ . أَحَدُهَا فِي
الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ . الثَّانِي
فِي الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ
وَالْخَوَارِجِ . الثَّالِثُ فِي الْقِتَالِ
مَعَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسُّرَّاقِ
فَبِأَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ مِنْ هَذَا بَعْدَ
أَنْ قُتِلَ بِفِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَى
الْعَدُوِّ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَارٍ أَوْ
قُتِلَ مِنْ وَطْءِ دَوَابِّهِمْ أَوْ مَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلٍ مَنْسُوبٍ
إلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ
مِنْهُمْ أَوْ بِالتَّسَبُّبِ لَا يُغَسَّلُ ؛
لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يَجِبُ فِيهِ مَالٌ
فَيَكُونُ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا كَذَا
ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ . ا هـ
. بَدَائِعُ
(قَوْلُهُ : لِأَنَّ «السَّيْفَ مَحَّاءٌ
لِلذُّنُوبِ» قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ذَكَرُوهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ
الْفِقْهِ حَدِيثًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي
صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ ، وَإِنَّمَا
مُعْتَمَدُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ
«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ» . ا هـ
. اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ
الْبَائِعُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْجَنَّةِ مِنْ
اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ} [التوبة : 111] وَالْبَاءُ
تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَتَكُونُ الْجَنَّةُ
ثَمَنًا ، وَقَدْ عُرِفَ
(1/247)
آخَرَ
وَوَارِثُهُ ابْنُهُ يَكُونُ شَهِيدًا ؛
لِأَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ لَمْ يُوجِبْ
الدِّيَةَ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ ،
وَإِنَّمَا سَقَطَ بِالصُّلْحِ أَوْ
بِالشُّبْهَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (فَيُكَفَّنُ
وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ) ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ
لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- أَمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ فِي
دِمَائِهِمْ ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا ، وَلَمْ
يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ
شَفَاعَةٌ ، وَهُمْ مُسْتَغْنُونَ عَنْهَا ؛
لِأَنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ ؛
وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ
تَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ
لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا
بِخِلَافِ النُّبُوَّةِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ
كَسْبِيَّةٍ فَلَا يُمْكِنُ التَّرْغِيبُ
فِيهَا ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ ، عِنْدَ
اللَّهِ ، وَالصَّلَاةُ شُرِعَتْ فِي حَقِّ
الْأَمْوَاتِ ، وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ
عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى
عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ مَعَ حَمْزَةَ ،
وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ تِسْعَةٍ
وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ فَيُصَلِّي
عَلَيْهِمْ» الْحَدِيثَ ، وَقَدْ صَلَّى -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى
غَيْرِهِمْ كَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى
أَعْرَابِيًّا نَصِيبَهُ ، وَقَالَ قَسَمْتُهُ
لَك فَقَالَ مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ،
وَلَكِنْ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى
هَاهُنَا ، وَأَشَارَ إلَى حَلْقِهِ فَأَمُوتَ
، وَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ أُتِيَ
بِالرَّجُلِ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ
أَشَارَ وَكُفِّنَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى
عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ ، وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ
عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ
يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ
صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ
إلَى الْمِنْبَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛
وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ
شُرِعَتْ إكْرَامًا لَهُ ، وَالطَّاهِرُ مِنْ
الذَّنْبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا
كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ .
وَحَدِيثُ جَابِرٍ نَافٍ ، وَمَا رَوَيْنَاهُ
مُثْبِتٌ فَكَانَ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ مَا
رَوَيْنَاهُ يُوَافِقُ الْأُصُولَ ، وَمَا
رَوَاهُ يُخَالِفُ فَالْأَخْذُ بِمَا
يُوَافِقُ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ جَابِرًا كَانَ
مَشْغُولًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ
اُسْتُشْهِدَ أَبُوهُ ، وَعَمُّهُ وَخَالُهُ
فَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيُدَبِّرَ
كَيْفَ يَحْمِلُهُمْ إلَيْهَا ثُمَّ سَمِعَ
مُنَادِي ، رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُدْفَنَ
الْقَتْلَى فِي مُصَارِعِهِمْ ، فَلَمْ يَكُنْ
حَاضِرًا حِينَ صَلَّى عَلَيْهِمْ فَرَوَى
عَلَى مَا عِنْدَهُ ، وَفِي ظَنِّهِ ، وَمَنْ
لَمْ يَغِبْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَيْهِمْ
، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- دَخَلَ الْبَيْتَ ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ ،
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ
لِطَلَبِ الْمَاءِ» وَرَوَى بِلَالٌ «أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى
فِيهِ» ، وَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِهِ
لِكَوْنِهِ لَمْ يَغِبْ ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ
لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِمْ
لَنَبَّهَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَدَمِ
مَشْرُوعِيَّتِهَا وَعِلَّةِ سُقُوطِهَا كَمَا
نَبَّهَ عَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَعِلَّةِ
سُقُوطِهِ «؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى
غَيْرِ قَتْلَى أُحُدٍ» مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ
كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ
، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ
شَفَاعَةٌ ، وَهُمْ مُسْتَغْنَوْنَ ، عَنْهَا
فَفَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى
الْمَيِّتِ دُعَاءٌ لَهُ ، وَلَا يَسْتَغْنِي
أَحَدٌ عَنْ الدُّعَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صُلِّيَ
عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ
الْخَلْقِ ، وَأَعْلَى دَرَجَةً وَيُصَلَّى
عَلَى الصَّبِيِّ ، وَهُوَ لَمْ تُكْتَبْ
عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ قَطُّ . وَأَمَّا قَوْلُهُ
: وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ قُلْنَا
تِلْكَ الْحَيَاةُ لَيْسَتْ حَيَاةَ
الدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا هِيَ حَيَاةُ
الْأُخْرَى ، وَهِيَ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ
وَتِلْكَ لَا تَمْنَعُ مِنْ إجْرَاءِ
أَحْكَامِ الْمَوْتَى عَلَيْهِمْ أَلَا تَرَى
أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ وَتُقْسَمُ
أَمْوَالُهُمْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَتَعْتَدُّ
نِسَاؤُهُمْ وَتُعْتَقُ أُمَّهَاتُ
أَوْلَادِهِمْ ، وَمُدَبَّرُوهُمْ وَتَحِلُّ
دُيُونُهُمْ الْمُؤَجَّلَةُ إلَى غَيْرِ
ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَيُدْفَنُ
بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي شُهَدَاءِ
أُحُدٍ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ
وَدِمَائِهِمْ ، وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِمْ لَا
تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ يَفُوحُ
مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا مَا لَيْسَ مِنْ
الْكَفَنِ) كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ
وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسِّلَاحِ وَالْخُفِّ
فَإِنَّهَا تُنْزَعُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : (وَيُزَادُ وَيُنْقَصُ) يَعْنِي
يُزَادُ عَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ
إذَا كَانَتْ دُونَ كَفَنِ السُّنَّةِ ،
وَيُنْقَصُ إذَا كَانَتْ أَزْيَدَ مُرَاعَاةً
لِلسُّنَّةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَيُغَسَّلُ
إنْ قُتِلَ جُنُبًا أَوْ صَبِيًّا) ، وَكَذَا
إنْ قُتِلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنَّ الدَّائِنَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدَ
الْمَدْيُونَ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ ؛
لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى
عَبْدِهِ دَيْنًا ، وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ
الْمَبِيعَ ، وَهُوَ نَفْسُهُ لَمَّا قُتِلَ
فَتَسْقُطُ عَنْهُ الدُّيُونُ ، وَهَذَا
مَعْنَى قَوْلِهِ «السَّيْفُ مَحَّاءٌ
لِلذُّنُوبِ» ثُمَّ الْمَبِيعُ إنَّمَا
يَصِحُّ عَنْ عَقْلٍ وَتَمْيِيزٍ فَلِهَذَا
يُغْسَلُ الصَّبِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ
بَيْعُهُ ، وَإِذَا اُرْتُثَّ يَسْقُطُ حُكْمُ
الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الِارْتِثَاثَ
بِمَنْزِلَةِ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ عَنْ
تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كَذَا فِي
الْمُسْتَصْفَى . (قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ
الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ إلَخْ) قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَخْفَى
أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ
الصَّلَاةِ نَفْسِهَا الِاسْتِغْفَارُ لَهُ
وَالشَّفَاعَةُ وَالتَّكْرِيمُ تُسْتَفَادُ
إرَادَتُهَا مِنْ إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى
النَّاسِ فَنَقُولُ إذَا أَوْجَبَ الصَّلَاةَ
عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ
تَكْرِيمًا فَلَأَنْ يُوجِبَهَا عَلَى
الشَّهِيدِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ
الْكَرَامَةَ أَظْهَرُ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى
النَّبِيِّ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ
فِي الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَبَوَيْهِ
هَذَا وَلَوْ اخْتَلَطَ قَتْلَى
الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلَى الْكُفَّارِ أَوْ
مَوْتَاهُمْ بِمَوْتَاهُمْ لَمْ يُصَلَّ
عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتَى
الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ فَيُصَلَّى
عَلَيْهِمْ وَيَنْوِي أَهْلَ الْإِسْلَامِ
فِيهَا بِالدُّعَاءِ . ا هـ . (قَوْلُهُ :
«زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ»
قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْكَلْمُ الْجِرَاحَةُ
وَالْجَمْعُ كُلُومٌ . ا هـ . قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ : وَلَا يُغْسَلُ عَنْ
الشَّهِيدِ دَمُهُ ، وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ
ثِيَابُهُ لِمَا ، رَوَيْنَا قَالَ فِي
غَايَةِ الْبَيَانِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ ،
وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» : وَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى عَدَمِ غَسْلِ الدَّمِ عَنْ الشَّهِيدِ
، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَزْعِ
الثِّيَابِ ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ عَلَى
ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ
«أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ
يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ ،
وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ
وَثِيَابِهِمْ» . ا هـ.
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَيُغَسَّلُ إنْ
قُتِلَ جُنُبًا) قَالَ فِي الْكَافِي ، وَلَهُ
أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْلِمَ
طَاهِرٌ ، وَإِنَّمَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ
وَالشَّهَادَةُ مَانِعَةُ نَجَاسَةٍ ثَبَتَتْ
بِالْمَوْتِ بِسَبَبِ احْتِبَاسِ الدِّمَاءِ
السَّيَالَةِ فِيهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ
الَّتِي لَهَا دِمَاءٌ سَائِلَةٌ
وَالشَّهَادَةُ مَانِعَةٌ مِنْ الِاحْتِبَاسِ
فَلَا تَثْبُتُ نَجَاسَةُ الْمَوْتِ غَيْرَ
رَافِعَةٍ نَجَاسَةً ثَابِتَةً وَحَاجَتُنَا
إلَى الرَّفْعِ لِقِيَامِ الْجَنَابَةِ فَلَا
تَسْقُطُ بِالشَّهَادَةِ كَالنَّجَاسَةِ
الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ
إجْمَاعًا حَتَّى يُغْسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ
(1/248)
مَجْنُونًا ،
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا
لَا يُغَسَّلُ لِعُمُومِ مَا رَوَيْنَا ؛
وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ
بِالْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ التَّكْلِيفِ
وَالثَّانِي لَمْ يَجِبْ لِلشَّهَادَةِ ؛
وَلِأَنَّ الشَّهِيدَ إنَّمَا لَا يُغَسَّلُ
لِتَطَهُّرِهِ عَنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ ،
وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ أَطْهَرُ
فَكَانَا أَحَقَّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ
الرَّاهِبِ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ
فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَقَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي
رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ
بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِي صَحَائِفِ
الْفِضَّةِ» .
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ «فَذَهَبْنَا
وَنَظَرْنَا إلَيْهِ فَإِذَا رَأْسُهُ
يَقْطُرُ مَاءً فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى
امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ
أَنَّهُ خَرَجَ ، وَهُوَ جُنُبٌ» ،
وَأَوْلَادُهُ يُسَمَّوْنَ أَوْلَادَ غَسِيلِ
الْمَلَائِكَةِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ
عُرِفَتْ مَانِعَةً لَا رَافِعَةً فَلَا
تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ ، وَالصَّبِيُّ
وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ
أُحُدٍ ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ كَفَى عَنْ
الْغُسْلِ فِي حَقِّهِمْ لِوُقُوعِهِ طُهْرَةً
، وَلَا ذَنْبَ لَهُمَا فَتَعَذَّرَ
الْإِلْحَاقُ بِهِمْ ، وَعَلَى هَذَا
الْخِلَافِ الْحَائِضُ إذَا اُسْتُشْهِدَتْ
بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ ، وَكَذَا قَبْلَهُ
بَعْدَ اسْتِمْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي
الصَّحِيحِ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ ،
وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِي الْجُنُبِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ اُرْتُثَّ
بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ
تَدَاوَى أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ
، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ نُقِلَ مِنْ
الْمَعْرَكَةِ أَوْ أَوْصَى) ؛ لِأَنَّ
بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلِقًا فِي حُكْمِ
الشَّهَادَةِ وَيَنَالُ شَيْئًا مِنْ
مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي
مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَيُغَسَّلُ ؛
لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ مَاتُوا عِطَاشًا
وَالْكَأْسُ يُدَارُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ
نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا حُمِلَ
مِنْ مَصْرَعِهِ كَيْ لَا تَطَأَهُ الْخَيْلُ
؛ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ
الرَّاحَةِ ، وَقَوْلُهُ أَوْ مَضَى عَلَيْهِ
وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَيْ مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى
يَجِبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهَا
فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا
، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ،
وَقِيلَ إنْ بَقِيَ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ
لَيْلَةً كَامِلَةً غُسِّلَ ، وَإِلَّا فَلَا
، وَقِيلَ إنْ بَقِيَ يَوْمًا ، وَلَيْلَةً
غُسِّلَ ، وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ
ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا
تُعْتَبَرُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا
يُغَسَّلُ ، وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ ، أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ
؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِحَيَاتِهِ
فَكَانَ كَالْمَيِّتِ .
وَقَوْلُهُ : أَوْ أَوْصَى يَتَنَاوَلُ
الْوَصِيَّةَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا
وَبِأُمُورِ الْآخِرَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَكُونُ
مُرْتَثًّا بِالْوَصِيَّةِ ، وَقِيلَ
الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا
أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا ، وَفِي
الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا
يَكُونُ مُرْتَثًّا إجْمَاعًا ، وَقِيلَ
الِاخْتِلَافُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ ، وَفِي
أُمُورِ الدُّنْيَا يَكُونُ مُرْتَثًّا
إجْمَاعًا ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا
فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَتْ
الْوَصِيَّةُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا
وَمُحَمَّدٌ لَا يُخَالِفُهُ فِيهَا وَجَوَابُ
مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ
بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَبُو يُوسُفَ لَا
يُخَالِفُهُ فِيهَا ، وَمِنْ الِارْتِثَاثِ
أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ أَوْ
يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ ، وَقِيلَ
بِكَلِمَةٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُنْقِصُ مَعْنَى
الشَّهَادَةِ فَيُغَسَّلُ ، وَهَذَا كُلُّهُ
إذَا وُجِدَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ ،
وَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ
مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (أَوْ قُتِلَ
فِي الْمِصْرِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ
قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا) ؛ لِأَنَّ
الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ
فَخَفَّ أَثَرُ الظُّلْمِ فَيُغَسَّلُ ،
وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ فِي
الْمِصْرِ ، وَعُلِمَ قَاتِلُهُ لَمْ
يُغَسَّلْ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ
الْقِصَاصَ ، وَهُوَ عُقُوبَةٌ شُرِعَ
لِتَشَفِّي الْأَوْلِيَاءِ ، وَلَيْسَ
بِعِوَضٍ لِعَدَمِ عَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى
الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا
عِوَضٌ عَنْهُ وَلِهَذَا تَعُودُ
مَنْفَعَتُهَا إلَيْهِ حَتَّى يُقْضَى بِهَا
دُيُونُهُ فَبَقِيَ كَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ
مِنْ وَجْهٍ بِإِخْلَافِ بَدَلِهِ ؛ وَلِأَنَّ
وُجُوبَ الْمَالِ دَلِيلُ خِفَّةِ
الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ
بِالشُّبْهَةِ ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ دَلِيلُ
نِهَايَةِ الظُّلْمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ
بِالشُّبْهَةِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (أَوْ قُتِلَ
بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ بَاذِلٌ
نَفْسَهُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ
وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ
لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى
فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَيُغَسَّلُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (لَا لِبَغْيٍ ،
وَقَطْعِ طَرِيقٍ) أَيْ لَا مِنْ قُتِلَ
لِأَجْلِ بَغْيٍ بِأَنْ كَانَ مَعَ الْبُغَاةِ
، وَلَا مَنْ قُتِلَ لِأَجْلِ قَطْعِ طَرِيقِ
فَإِنَّهُمَا لَا يُغَسَّلَانِ ، وَلَا
يُصَلَّى عَلَيْهِمَا أَيْضًا إهَانَةً
لَهُمَا ، وَقِيلَ يُغَسَّلَانِ ، وَلَا
يُصَلَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْجَنَابَةُ كَانَتْ مَانِعَةً لِدُخُولِ
الْمَسْجِدِ أَوْ إدْخَالَهُ ، وَهُوَ مُغْمًى
عَلَيْهِ فَلَأَنْ يَمْنَعَ إدْخَالَهُ فِي
الْقَبْرِ لِلْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى
أَوْلَى . وَأَمَّا الْحَدَثُ فَلَا حُكْمَ
لَهُ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْعِ
مِنْ الْعَرْضِ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ
حَنْظَلَةَ قُتِلَ جُنُبًا فَغَسَّلَتْهُ
الْمَلَائِكَةُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا
لَمَا غَسَّلُوا إذْ غُسْلُهُمْ لِلتَّعْلِيمِ
كَمَا فِي آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فَإِنْ قِيلَ الْوَاجِبُ
غُسْلُ الْآدَمِيِّينَ لَا غُسْلُ
الْمَلَائِكَةِ قُلْنَا الْوَاجِبُ هُوَ
الْغُسْلُ فَأَمَّا الْغَاسِلُ فَيَجُوزُ مَنْ
كَانَ ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ غُسْلَ
الْجُنُبِ وَجَبَ وَجَبَ عَلَيْنَا ؛ لِأَنَّا
مُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ دُونَ
الْمَلَائِكَةِ وَإِنَّمَا أُمِرُوا فِي
الْبَعْضِ إظْهَارًا لِلْفَضِيلَةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : ؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ
بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ
وُجُوبَهُ لِوُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا
بِهِ ، وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ
فَيَسْقُطُ الْغُسْلُ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ : وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ
أَطْهُرُ فَكَانَا أَحَقَّ بِهَذِهِ
الْكَرَامَةِ) أَيْ ، وَهُوَ سُقُوطُ
الْغُسْلِ فَإِنَّ سَقُوطَهُ لِإِبْقَاءِ
أَثَرِ الْمَظْلُومِيَّةِ وَغَيْرُ
الْمُكَلَّفِ أَوْلَى بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
مَظْلُومِيَّتَهُ أَشَدُّ حَتَّى قَالَ
أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
خُصُومَةُ الْبَهِيمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ . ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ
الْحَائِضُ إلَى آخِرِهِ) احْتِرَازًا عَنْ
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
الْغُسْلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا قَبْلَ
الْمَوْتِ إذْ لَا يَجِبُ قَبْلَ
الِانْقِطَاعِ بِالْمَوْتِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ
إلْحَاقِهِ بِالْجُنُبِ إذْ قَدْ صَارَ
أَصْلًا مُعَلَّلًا بِالْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ
تَعَالَى ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ
بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ . ا هـ فَتْحٌ .
(قَوْلُهُ : أَوْ اُرْتُثَّ بِأَنْ أَكَلَ
أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ
مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اُرْتُثَّ
غُسِّلَ ، وَهُوَ مَنْ صَارَ خَلِقًا فِي
حُكْمِ الشَّهَادَةِ لِنَيْلِ مَرَافِقِ
الْحَيَاةِ ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَخِفُّ أَثَرُ
الظُّلْمِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى
شُهَدَاءِ أُحُدٍ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - قَوْلُهُ : لِنَيْلِ مَرَافِقِ
الْحَيَاةِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ خَلِقًا فِي
حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَحُكْمُ الشَّهَادَةِ
أَنْ لَا يُغَسَّلَ ، وَقَيَّدَ بِهِ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ خَلِقًا فِي نَفْسِ
الشَّهَادَةِ بَلْ هُوَ شَهِيدٌ عِنْدَ
اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ إلَى
آخِرِهِ)
(1/249)
عَلَيْهِمَا
لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّهِيدِ ،
وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا فِي حَالَةِ
الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَا ، وَأَمَّا إذَا قُتِلَا بَعْدَ
ثُبُوتِ يَدِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمَا
فَإِنَّهُمَا يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى
عَلَيْهِمَا ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ
أَخَذَ بِهِ الْكِبَارُ مِنْ الْمَشَايِخِ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ قَتْلَ قَاطِعِ
الطَّرِيقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَدٌّ أَوْ
قِصَاصٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ
وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَقَتْلُ الْبَاغِي فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ
لِلسِّيَاسَةِ
أَوْ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَيَنْزِلُ
مَنْزِلَتَهُ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى
الْعَامَّةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :
يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا
كَيْفَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ
بِحَقٍّ فَصَارَ كَمَنْ قُتِلَ بِالْقِصَاصِ
أَوْ بِالْحَدِّ ، وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى
أَصْحَابِ النَّهْرَوَانِ ، وَلَمْ
يُغَسِّلْهُمْ فَقِيلَ لَهُ أَكُفَّارٌ هُمْ
فَقَالَ أَخِوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا
فَأَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ ، وَهِيَ الْبَغْيُ
وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ
الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا
يَأْتِي بَيَانُهُ فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى ؛ وَلِأَنَّهُ قُتِلَ
ظَالِمًا لِنَفْسِهِ مُحَارِبًا
لِلْمُسْلِمِينَ كَالْحَرْبِيِّ فَلَا
يُغَسَّلُ ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ
عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ
كَالْمَصْلُوبِ يُتْرَكُ عَلَى الْخَشَبَةِ
عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ ،
وَكَذَا مَنْ يَقْتُلُ بِالْخَنْقِ غِيلَةً ؛
لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ
كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَحُكْمُ أَهْلِ
الْعَصَبِيَّةِ حُكْمُ الْبُغَاةِ ، وَمَنْ
قَتَلَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ لَا يُصَلَّى
عَلَيْهِ إهَانَةً لَهُ ، وَمَنْ قَتَلَ
نَفْسَهُ عَمْدًا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ
فَاسِقٌ غَيْرُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ
بِالْفَسَادِ ، وَإِنْ كَانَ بَاغِيًا عَلَى
نَفْسِهِ كَسَائِرِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابٌ : الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : (صَحَّ فَرْضٌ
وَنَفْلٌ فِيهَا ، وَفَوْقَهَا) أَيْ صَحَّ
فَرْضُ الصَّلَاةِ وَنَفْلُهَا فِي
الْكَعْبَةِ ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ لِحَدِيثِ
بِلَالٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى
فِيهِ وقَوْله تَعَالَى» {أَنْ طَهِّرَا
بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة : 125]
دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ إذْ
لَا مَعْنَى لِتَطْهِيرِ الْمَكَانِ لِأَجْلِ
الصَّلَاةِ ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِي ذَلِكَ
الْمَكَانِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ
اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ لَا اسْتِيعَابُهُ ،
وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيمَنْ صَلَّى فِيهَا
أَوْ فَوْقَهَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ
الْقِبْلَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ
إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ دُونَ الْبِنَاءِ ؛
لِأَنَّهُ يُحَوَّلُ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى
عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ
صَلَاتُهُ ، وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ ،
وَلَكِنْ يُكْرَهُ فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ
تَرْكِ التَّعْظِيمِ . قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - : (وَمَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى
ظَهْرِ إمَامِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْكَعْبَةِ
(صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى
الْقِبْلَةِ ، وَلَيْسَ بِمُتَقَدِّمٍ عَلَى
إمَامِهِ ، وَلَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي ، وَكَذَا
إذَا جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ
لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ
بِلَا حَائِلٍ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ
الصُّورَةِ ، وَلَوْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى
جَوَانِبِ الْإِمَامِ تَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى وَجْهِهِ
لَا) أَيْ مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ
الْإِمَامِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ
لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ . قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - : (وَإِنْ تَحَلَّقُوا
حَوْلَهَا) أَيْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ (صَحَّ
لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى
الْكَعْبَةِ (مِنْ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ
فِي جَانِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ
حُكْمًا ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ
وَالتَّأَخُّرَ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ
اتِّحَادِ الْجِهَةِ . وَلَوْ قَامَ
الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ وَتَحَلَّقَ
الْمُقْتَدُونَ حَوْلَهَا جَازَ إذَا كَانَ
الْبَابُ مَفْتُوحًا لِأَنَّهُ كَقِيَامِهِ
فِي الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهَا مِنْ
الْمَسَاجِدِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ
وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ
الْكَمَالُ : - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَوْنُ
هَذَا فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِهِ (قَوْلُهُ : وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا
إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْقَيْدُ اقْتَصَرَ
عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ أَهْلُ
الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ لَا
يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَوْ قُتِلُوا
بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا
صُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَكَذَا قُطَّاعُ
الطَّرِيقِ إذَا قُتِلُوا فِي حَالِ
حَرْبِهِمْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ فَإِنْ
أَخَذَهُمْ الْإِمَامُ وَقَتَلَهُمْ صَلَّى
عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ مَا دَامُوا فِي
الْحَرْبِ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ
الْبَغْيِ ، وَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَا فَقَدْ تَرَكُوا الْبَغْيَ
وَمَشَايِخُنَا جَعَلُوا حُكْمَ
الْمَقْتُولِينَ بِالْعَصَبِيَّةِ حُكْمَ
أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى قَالُوا عَلَى هَذَا
التَّفْصِيلِ . ا هـ . (قَوْلُهُ : غِيلَةً)
وَالْغِيلَةُ بِالْكَسْرِ الِاغْتِيَالُ
يُقَالُ قَتَلَهُ غِيلَةً ، وَهُوَ أَنْ
يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ
فَإِذَا صَارَ إلَيْهِ قَتَلَهُ . ا هـ
مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ ..
(بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ) .
وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي إيرَادِ هَذَا
الْبَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ
لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ خَارِجَ
الْكَعْبَةِ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ دَاخِلَ
الْكَعْبَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْتَ مَأْمَنٌ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ
كَانَ آمِنًا} [آل عمران : 97] وَالْقَبْرُ
مَأْمَنٌ لِقَالَبِ الْمَيِّتِ أَيْضًا ؛
وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ
مُسْتَقْبِلٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُسْتَدْبِرٌ مِنْ
وَجْهٍ وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ حَيٌّ عِنْدَ
اللَّهِ مَيِّتٌ عِنْدَ النَّاسِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ : ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ
اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ
فِي الْبَدَائِعِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ
اسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ غَيْرِ
عَيْنٍ ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ
قِبْلَةً لَهُ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ
وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَمَتَى صَارَ
قِبْلَةً فَاسْتِدْبَارُهَا فِي الصَّلَاةِ
مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَكُونُ مُفْسِدًا
فَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الَّتِي لَمْ
يَتَوَجَّهْ إلَيْهَا لَمْ تَصِرْ قِبْلَةً
فِي حَقِّهِ فَاسْتِدْبَارُهَا لَا يَكُونُ
مُفْسِدًا ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّ
مَنْ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ رَكْعَةً
إلَى جِهَةٍ وَرَكْعَةً إلَى جِهَةٍ أُخْرَى
لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ
مُسْتَدْبِرًا عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي صَارَتْ
قِبْلَةً فِي حَقِّهِ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ
ضَرُورَةٍ وَالِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ
مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ
بِخِلَافِ النَّائِي عَنْ الْكَعْبَةِ إذَا
صَلَّى بِالتَّحَرِّي إلَى الْجِهَاتِ
الْأَرْبَعِ بِأَنْ صَلَّى رَكْعَةً إلَى
جِهَةٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ
أُخْرَى فَصَلَّى رَكْعَةً إلَيْهَا هَكَذَا
جَازَ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ
الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ ؛
لِأَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي تَحَرَّى إلَيْهَا
مَا صَارَتْ قِبْلَةً لَهُ بِيَقِينٍ بَلْ
بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَمَتَى تَحَوَّلَ
رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى صَارَتْ
قِبْلَتَهُ هَذِهِ الْجِهَةُ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ مَا أَدَّى
بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ مَا
مَضَى بِالِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ
بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ فَصَارَ مُصَلِّيًا فِي
الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إلَى الْقِبْلَةِ
فَلَمْ يُوجَدْ الِانْحِرَافُ عَنْ
الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ فَهُوَ الْفَرْقُ . ا
هـ
(1/250)
|