تبيين
الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ (كِتَابُ
الْمَفْقُودِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(هُوَ غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ)
وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ فِي
اللُّغَةِ مِنْ الْأَضْدَادِ يَقُولُ
الرَّجُلُ فَقَدْت الشَّيْءَ أَيْ أَضْلَلْته
وَفَقَدْته أَيْ طَلَبْته وَكُلٌّ مِنْ
الْمَعْنَيَيْنِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْمَفْقُودِ
فَقَدْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ وَهُمْ فِي
طَلَبِهِ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ
غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ وَحَيَاتُهُ
وَمَوْتُهُ ، وَأَهْلُهُ فِي طَلَبِهِ
يَجِدُّونَ وَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ
خَبَرُهُ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ أَثَرُهُ
فَبِالْجِدِّ قَدْ يَصِلُونَ إلَى الْمُرَادِ
وَرُبَّمَا يَتَأَخَّرُ اللِّقَاءُ إلَى
يَوْمِ التَّنَادِ وَحُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ
أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَا
يُقْسَمَ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مَيِّتٌ
فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ مِنْ
أَحَدٍ مَاتَ مِنْ أَقَارِبِهِ لِأَنَّ
ثُبُوتَ حَيَاتِهِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ
وَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي إبْقَاءِ مَا
كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَلَا يَصْلُحُ
لِلِاسْتِحْقَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(فَيُنَصِّبُ الْقَاضِي مَنْ يَأْخُذُ حَقَّهُ
وَيَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ)
لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرَ الْكُلِّ
مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَقَدْ
عَجَزَ الْمَفْقُودُ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ
وَالْمَجْنُونِ وَفِي نَصْبِ مَا ذَكَرْنَا
نَظَرٌ لَهُ فَيَفْعَلُ وَقَوْلُهُ مَنْ
يَأْخُذُ حَقَّهُ يَعْنِي يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ
وَالدُّيُونَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا
غُرَمَاؤُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ
وَلَا يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يُقِرَّ بِهِ
الْغَرِيمُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي
عَقَارٍ أَوْ عَرَضٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ
عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ
مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَلِأَنَّهُ لَا
يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا
فِيهِ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ عَلَى
الْغَائِبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ
الْمَعْرُوفُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِيمَنْ
وَكَّلَهُ الْمَالِكُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ هَلْ
يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ أَمْ لَا فَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ يَمْلِكُ وَعِنْدَهُمَا لَا
يَمْلِكُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ .
فَإِذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ عَلَى
الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَوْ
قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ جَازَ
لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ
قَضَاؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ
الْمُجْتَهَدُ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ
فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى
إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ
الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ قُلْنَا
لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ
سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ
هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ
حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا رَآهَا الْقَاضِي
حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا
لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي
الْقَذْفِ هَكَذَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ
مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ
الْقَضَاءِ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ
الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ أَبَدًا
فَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ
الْقَضَاءِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ حَتَّى
يُنَفِّذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ
الْمُشْتَرَكِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ
أَرْبَابِ الدُّيُونِ حَيْثُ يُبَاعُ
وَيُقَدَّمُ الْجُعْلُ ثُمَّ الْبَاقِي
لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ ا هـ ا ق.
(كِتَابُ الْمَفْقُودِ)
قَالَ فِي النُّقَايَةِ هُوَ غَائِبٌ لَمْ
يُدْرَ أَثَرُهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ
فَلَا تُنْكَحُ عِرْسُهُ وَلَا يُقْسَمُ
مَالُهُ وَلَا تَنْفَسِخُ إجَارَتُهُ . ا هـ .
(3/310)
مَا إذَا كَانَ
الِاخْتِلَافُ فِي وَاقِعَةٍ فَحَكَمَ
الْحَاكِمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ
يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ
تَنْفِيذِ أَحَدٍ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ
فِيهَا قَبْلَ الْحُكْمِ ثُمَّ الْوَكِيلُ
الَّذِي نَصَّبَهُ الْقَاضِي يُخَاصِمُ فِي
دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ بِلَا خِلَافٍ
لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِيهِ فَتَرْجِعُ حُقُوقُهُ
إلَيْهِ وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ
الْفَسَادَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ
حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَتَعَيَّنَ
النَّظَرُ فِيهِ بِحِفْظِ الْمَعْنَى وَلَا
يَبِيعُ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ
فِي نَفَقَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ
لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا
فِي حِفْظِ مَالِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ
حِفْظِ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُنْفِقُ
مِنْهُ عَلَى قَرِيبِهِ وِلَادًا
وَزَوْجَتِهِ) أَيْ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ
عَلَى فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ وَهُوَ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وِلَادًا وَعَلَى
زَوْجَتِهِ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ
وَاجِبَةٌ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي
وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرُوا بِمَالِهِ أَخَذُوهُ
مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَيَكُونُ الْقَضَاءُ
إعَانَةً لَهُمْ فَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى
الْغَائِبِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ
كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَغَيْرِهِمْ
مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ غَيْرِ
الْوِلَادِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَا تَجِبُ
إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِمَا أَنَّهُ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَوْ قَضَى لَهُمْ لَكَانَ
قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ
وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ الْمُرَادُ بِهِ
الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لِأَنَّ
حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ
يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ
وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالْقَضَاءُ عَلَى
الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَالتِّبْرُ
بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ
لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالنُّقُودِ
وَهَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْقَاضِي وَإِنْ
كَانَ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ
عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ
وَالْمَدِينُ مُقِرَّيْنِ الْوَدِيعَةِ
وَالدَّيْنِ وَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ إذَا
لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي
وَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى
إقْرَارِهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا
ظَاهِرًا دُونَ الْآخَرِ يُشْتَرَطُ
الْإِقْرَارُ بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي
الصَّحِيحِ فَإِنْ دَفَعَا إلَيْهِمْ بِغَيْرِ
أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودِعُ وَلَا
يَسْقُطُ الدَّيْنُ لِتَعَدِّي الْمُودِعِ
وَعَدَمِ إيصَالِ الدَّيْنِ إلَى صَاحِبِهِ
أَوْ نَائِبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ
إلَى الْقَاضِي نَفْسُهُ أَوْ إلَى غَيْرِهِ
بِأَمْرِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةُ
الدَّفْعِ وَالْأَخْذِ فَإِذَا كَانَا
جَاحِدَيْنِ أَصْلًا أَوْ كَانَا جَاحِدَيْ
السَّبَبِ مِنْ النَّسَبِ وَالزَّوْجِيَّةِ
لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ
الْمُسْتَحَقِّينَ خَصْمًا فِيهِ لِأَنَّ مَا
يُثْبِتُهُ لِلْغَائِبِ وَهُوَ الْمَالُ لَمْ
يَتَعَيَّنْ لِحَقِّهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ
لَهُ مَالٌ آخَرُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ حَقُّهُ مُتَعَيِّنًا فِيهِ
كَالشَّفِيعِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ شِرَاءَ
الْمَشْفُوعِ مِنْ الْمَالِكِ الْغَائِبِ
وَكَالْعَبْدِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ
اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ الْغَائِبِ
وَأَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَى
الْغَائِبِ فِي مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُفَرَّقُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ لَا يُفَرَّقُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَقَالَ
مَالِكٌ إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ
يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ
الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ
لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فَعَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ
الْجِنُّ وَلِأَنَّهُ فَاتَ حَقُّهَا
فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ
مُدَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْعُنَّةِ
وَالْإِيلَاءِ فَأَخَذَ مِنْهُمَا
الْمِقْدَارَ الْأَرْبَعَ مِنْ الْإِيلَاءِ
وَالسِّنِينَ مِنْ الْعُنَّةِ عَمَلًا
بِالشَّبَهَيْنِ لِأَنَّ حَقَّهَا فَاتَ
وَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْعُنَّةِ لِأَنَّهُ
مُبَاحٌ كَمَا فِي الْعُنَّةِ وَلَنَا
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إنَّهَا
امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ
وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فِيهَا هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ
فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتُهُ
أَوْ طَلَاقُهُ فَكَانَا بَيَانًا لِلْبَيَانِ
الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ وَلِأَنَّ
النِّكَاحَ حَقُّهُ وَهُوَ حَيٌّ فِي إبْقَاءِ
حَقِّهِ وَلِهَذَا لَا يُورَثُ مَالُهُ
لِلْحَالِ فَكَذَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهَا وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ إلَى
قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَالتَّفْرِيقُ فِي
الْإِيلَاءِ لِرَفْعِ الظُّلْمِ وَلَا ظُلْمَ
فِي الْمَفْقُودِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ
وَلِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا
فَأَجَّلَهُ الشَّارِعُ فَكَانَ إيقَاعًا
بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ فَلَا تُقَاسُ عَلَيْهِ
وَلَا عَلَى الْعُنَّةِ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ
يَعْقُبُهَا الرُّجُوعُ وَالْعُنَّةُ لَا
تَزُولُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهَا سَنَةً
عَادَةً فَانْعَدَمَ شَرْطُ الْقِيَاسِ وَهُوَ
الِاسْتِوَاءُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُكِمَ
بِمَوْتِهِ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا)
أَيْ الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ أَوْ
النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ . ا هـ . هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِحَقِّهِ) أَيْ
وَهُوَ النَّفَقَةُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ لِأَنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي
الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ) أَيْ
جَرَّتْهُ ا هـ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ
أَنَا لَقِيت الْمَفْقُودَ فَحَدَّثَنِي
حَدِيثَهُ قَالَ أَكَلْت خَزِيرًا بِالزَّايِ
وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مَرَقَةٌ تُطْبَخُ
بِمَا يُصَفَّى مِنْ بَلَالَةِ النُّخَالَةِ
فِي أَهْلِي ثُمَّ خَرَجَتْ فَأَخَذَنِي
نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَمَكَثْت فِيهِمْ ثُمَّ
بَدَا لَهُمْ فِي عِتْقِي فَأَعْتَقُونِي
ثُمَّ أَتَوْا بِي قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ
فَقَالُوا أَتَعْرِفُ النَّخِيلَ قُلْت نَعَمْ
فَخَلُّوا عَنِّي فَجِئْت فَإِذَا عُمَرُ
أَبَانَ امْرَأَتِي بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ
فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجْت فَخَيَّرَنِي
عُمَرُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيَّ
وَبَيْنَ الْمَهْرِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ
يَرَوْنَ أَنَّ عُمَرَ هَمَّ بِتَأْدِيبِهِ
حِينَ رَآهُ وَجَعَلَ يَقُولُ يَغِيبُ
أَحَدُكُمْ عَنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ
الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَلَا يَبْعَثُ
بِخَبَرِهِ فَقَالَ لَا تَعَجَّلْ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ وَذَكَرَ لَهُ قِصَّتَهُ وَفِي
هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ
السُّنَّةِ أَنَّ الْجِنَّ يَتَسَلَّطُونَ
عَلَى بَنِي آدَمَ وَأَهْلُ الزَّيْغِ
يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ
بَيْنَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ :
الْمُسْتَنْكَرُ دُخُولُهُمْ فِي الْآدَمِيِّ
لِأَنَّ اجْتِمَاعَ رُوحَيْنِ فِي شَخْصٍ
وَاحِدٍ لَا يَتَحَقَّقُ . وَقَدْ يُتَصَوَّرُ
تَسَلُّطُهُمْ عَلَى الْآدَمِيِّ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ
الْجِنُّ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ فَلَا
يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْمِلُوا جِسْمًا كَثِيفًا
مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَكِنَّا
نَأْخُذُ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْآثَارُ قَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ
الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ
مَجْرَى الدَّمِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهُ يَدْخُلُ
فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ عَلَى
قَافِيَةِ رَأْسِهِ» فَنَتَّبِعُ الْآثَارَ
وَلَا نَشْتَغِلُ بِكَيْفِيَّةِ ذَلِكَ كَذَا
فِي الدِّرَايَةِ وَفِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ
وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ
يَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَفْقُودَ كَانَ
اسْمُهُ خُرَافَةَ وَكَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ
مِنْ الْجِنِّ يَحْكِي عَنْهُمْ أَشْيَاءَ
يَتَعَجَّبُ مِنْهَا وَيَتَوَقَّفُ فِي
صِحَّتِهَا فَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا
حَدِيثُ خُرَافَةَ وَصَارَ هَذَا مَثَلًا
يُضْرَبُ عِنْدَ سَمَاعِ مَا لَا تُعْرَفُ
صِحَّتُهُ وَالْخُرَافَاتُ كُلُّ مَا لَا
صِحَّةَ لَهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَذَا ا هـ
وَاسْتَبْعَدَهَا فِي الْمُغْرِبِ لِأَنَّ
الْمَفْقُودَ كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَخُرَافَةُ كَانَ
فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . ا هـ .
(3/311)
لِأَنَّ الْغَالِبَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الْفَضْلِيِّ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ
بْنِ حَامِدٍ وَأَبُو يُوسُفَ قَدَّرَهُ
بِمِائَةِ سَنَةٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمِائَةٍ
وَعِشْرِينَ سَنَةً وَفِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَوْتِ
الْأَقْرَانِ فِي بَلَدِهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ
إلَى أَمْثَالِهِ فِيمَا تَقَعُ الْحَاجَةُ
فِيهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ طَرِيقُ الشَّرْعِ
كَقَيِّمِ الْمُتْلَفَاتِ وَمَهْرِ مِثْلِ
النِّسَاءِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مَنْ
أَقَرَّ أَنَّهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَوْتِهِ
فَحَكَمَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ بَعْدَ
أَقْرَانِهِ نَادِرٌ وَمَبْنَى الْأَحْكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْغَالِبِ لَا عَلَى
النَّادِرِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُفَوَّضُ
إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَكَذَا غَلَبَةُ
الظَّنِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ
إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يَغْلِبُ عَلَى
الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ مَاتَ
لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ فِي مَهْلَكَةٍ
وَمَا كَانَ سَبَبُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي
مُدَّتِهِ إلَّا لِاخْتِلَافِ آرَائِهِمْ
فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْتَدُّ
امْرَأَتُهُ وَوَرِثَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَا
قَبْلَهُ) أَيْ حِينَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ لَا
قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَرِثَهُ إلَّا
وَرَثَتُهُ الْمَوْجُودُونَ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ لَا مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ
الْوَقْتِ مِنْ وَرَثَتِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ
فِيهِ عِيَانًا لِأَنَّ الْحُكْمِيَّ
مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرِثُ
مِنْ أَحَدٍ مَاتَ) أَيْ لَا يَرِثُ
الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ مِنْ
أَقَارِبِهِ حَالَ فَقْدِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ
بِمَوْتِهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ إلَى ذَلِكَ
الْوَقْتِ حَيًّا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ
وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لَأَنْ
يَسْتَحِقَّ بِهِ مَالَ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا
يَدْفَعُ بِهِ اسْتِحْقَاقَ مَالِيَّةِ
غَيْرِهِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ حَيٌّ فِي
مَالِهِ مَيِّتٌ فِي حَقِّ مَالِ غَيْرِهِ
هَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ إلَى أَنْ
يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ وَإِنْ عُلِمَ حَيَاتُهُ
فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَرِثُ مِمَّنْ
مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِهَذَا
يُوقَفُ نَصِيبُهُ مِنْ مَالِ مَنْ مَاتَ
قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَقَارِبِهِ
كَمَا فِي الْحَمْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ
يَكُونَ حَيًّا فَيَرِثُ فَإِنْ تَبَيَّنَ
حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ مَاتَ فِيهِ قَرِيبُهُ
كَانَ لَهُ وَإِلَّا يَرُدَّ الْمَوْقُوفَ
لِأَجَلِهِ إلَى وَارِثِ مُورِثِهِ الَّذِي
وَقَفَ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى
لَهُ بِوَقْفِ الْمُوصَى بِهِ إلَى أَنْ
يَحْكُمَ بِمَوْتِهِ فَإِذَا حَكَمَ
بِمَوْتِهِ يَرُدُّ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ
إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ
مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَمْ
يُعْطَ شَيْئًا وَإِنْ انْتَقَصَ حَقُّهُ
بِهِ) أَيْ بِالْمَفْقُودِ (يُعْطِي أَقَلَّ
النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي
كَالْحَمْلِ) لِأَنَّ مُتَرَدِّدٌ فَيُعْمَلُ
بِالْأَحْوَطِ فَالْأَحْوَطُ كَالْحَمْلِ
ثُمَّ الْأَصْلُ فِي تَصْحِيحِ مَسَائِلِ
الْمَفْقُودِ هُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي
الْمَسْأَلَةِ فَتُصَحَّحُ عَلَى تَقْدِيرِ
حَيَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ ثُمَّ
يُنْظَرُ بَيْنَ التَّصْحِيحَيْنِ فَإِنْ
كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ
وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ وَإِلَّا
اضْرِبْ الْجَمِيعَ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ مَنْ
كَانَ يَسْقُطُ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى
تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ أَوْ مَمَاتِهِ
فَتُسْقِطُهُ وَمَنْ كَانَ يُنْتَقَصُ فِي
إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَلَا يَسْقُطُ يُعْطَى
أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي
وَمَنْ لَا يَتَغَيَّرُ نَصِيبُهُ فِي
الْحَالَتَيْنِ يُعْطَى نَصِيبَهُ كَامِلًا
مِثَالُهُ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا
وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبَوَيْنِ وَأَخًا
كَذَلِكَ مَفْقُودًا فَلِلَامِ السُّدُسُ
عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ
مَمَاتِهِ الرُّبْعُ وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ
عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ
وَفَاتِهِ الرُّبْعُ وَالثُّمُنُ وَكَذَا
لِلْأُخْتِ عَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ وَعَلَى
تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ لَهَا التُّسْعُ
فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْأَقَلُّ
وَيُوقَفُ الْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِ وَلَوْ
تَرَكَ رَجُلٌ بِنْتَيْنِ وَأَخًا لِأَبٍ
وَبِنْتَ ابْنٍ وَابْنَ ابْنٍ مَفْقُودًا
فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ عَلَى كُلِّ
حَالٍ وَلِبِنْتِ الِابْنِ التُّسْعُ عَلَى
تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى
تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ وَلِلْأَخِ الثُّلُثُ
عَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ
عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَيُعْطَى
الْبِنْتَانِ الثُّلُثَيْنِ وَلَا يُعْطَى
الْأَخُ وَلَا بِنْتُ الِابْنِ شَيْئًا كَمَا
فِي الْحَمْلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي
مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ |