تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ

 (كِتَابُ الْإِقْرَارِ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ : الْإِثْبَاتُ يُقَالُ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ وَأَقَرَّهُ غَيْرُهُ إذَا أَثْبَتَهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَهُوَ ضِدُّ الْجُحُودِ وَشَرْطُ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ بَالِغًا عَاقِلًا طَائِعًا وَكَوْنُهُ حُرًّا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَصِحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ وَيَنْفُذَ فِي الْحَالِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ، وَفِيمَا فِيهِ تُهْمَةٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَوْلَى وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ لِلْحَالِ وَإِذَا مَلَكَهَا يَوْمًا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقِرِّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَالْإِخْبَارُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا لَا يَصِحُّ ، وَلَوْ كَانَ إنْشَاءً لَصَحَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ حَقِّ الْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ) هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَقَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ يَكُونُ شَهَادَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْكُتُبَ أَعْنِي كِتَابَ الْإِقْرَارِ وَكِتَابَ الصُّلْحِ وَكِتَابَ الْمُضَارَبَةِ وَكِتَابَ الْوَدِيعَةِ عَقِيبَ كِتَابِ الدَّعْوَى لِلْمُنَاسَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ فَإِنْ أَقَرَّ فَبَابُهُ الْإِقْرَارُ ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْإِنْكَارُ مُنَازَعَةٌ وَخُصُومَةٌ وَالْخُصُومَةُ تَسْتَدْعِي الصُّلْحَ فَبَعْدَ مَا ثَبَتَ لَهُ الْمَالُ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالصُّلْحِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِنَفْسِهِ بِالْبَيْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَابُهُ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِغَيْرِهِ هُوَ الْمُضَارَبَةُ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الِاسْتِرْبَاحَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْفَظَ الْمَالَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَحِفْظُهُ بِنَفْسِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَبَقِيَ حِفْظُهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَرَّ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْغَيْرِ ، وَلَوْ بَدَأَ وَقَالَ هُوَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ هُوَ لِفُلَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْحُرِّ لِغَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ا هـ قَالَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ مَنْ يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مَا نَصُّهُ : وَقَدْ يَكُونُ خَصْمًا فِي الْيَمِينِ وَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِي الْبَيِّنَةِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فُلَانٌ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ بِاَللَّهِ مَا كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ رَدَّ الثَّمَنَ ا هـ (قَوْلُهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ لِإِنْسَانٍ إلَخْ) هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ ا هـ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي الشَّارِحِ بِوَرَقَةٍ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَلَكَهُ الْمُقِرُّ يَوْمًا عَتَقَ فَرَاجِعْهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ) ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَذِهِ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ فُلَانٍ وَقْفٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا ثُمَّ مَلَكَهَا الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُتَوَلِّي هَكَذَا أَفْتَيْتُ فِي سُؤَالٍ رُفِعَ إلَيَّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مَعْزِيًّا إلَى أَوَّلِ إقْرَارِ فَتَاوَى صَاحِبِ الْمُحِيطِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ

(5/2)


وَلِنَفْسِهِ يَكُونُ دَعْوَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا أَقَرَّ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِحَقٍّ صَحَّ وَلَوْ مَجْهُولًا كَشَيْءٍ وَحَقٍّ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ ثَبَتَتْ حُجِّيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة : 282] أَمَرَهُ بِالْإِمْلَالِ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ إقْرَارَهُ لَمَا كَانَ لِإِمْلَالِهِ مَعْنًى ، وَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا عَنْ كِتْمَانِ الْحَقِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة : 282] فَصَارَ نَظِيرَ أَمْرِهِ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَنَهْيِهِ عَنْ كِتْمَانِهَا وقَوْله تَعَالَى {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة : 14] أَيْ شَاهِدٌ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء : 135] وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِقْرَارُ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا» فَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَالْمَالُ أَوْلَى أَنْ يَجِبَ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَالْمَالُ أَوْلَى
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الصِّدْقِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَكَمَالِ الْوِلَايَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَجْهُولُ النَّسَبِ بِالرِّقِّ جَازَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَمُدَبَّرِيهِ وَمُكَاتَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْقَضَاءِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْكُلِّ ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَحُجَّةٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا رَدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ ، وَلَوْ صَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّهُ وَلَكِنْ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إذَا سَلَّمَهُ لَهُ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ حَلَّ فَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً مِنْهُ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَكَذَا الْمَأْذُونُ لَهُ يَتَأَخَّرُ إقْرَارُهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ كَإِقْرَارِهِ بِالْمَهْرِ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ
وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا التِّجَارَةَ فَلَمْ يَكُنْ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ فِيهِ وَشَرْطُ التَّكْلِيفِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ لَا يَصِحُّ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَعْتُوهُ مَأْذُونًا لَهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَا يُعَامِلُهُ أَحَدٌ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فَدَخَلَ فِي الْإِذْنِ كُلُّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ التِّجَارَةَ كَالدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْغُصُوبِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهَا لِالْتِحَاقِهِ فِي حَقِّهَا بِالْبَالِغِ الْعَاقِلِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَدُلُّ عَلَى عَقْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ كَالْمَهْرِ وَالْجِنَايَةِ وَالْكَفَالَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَهْرَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَالْجِنَايَةَ لَيْسَتْ بِمُبَادَلَةٍ وَالْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ وَالنَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ جَائِزٌ مُطْلَقًا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْخِطَابَ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَأُقِيمَ السُّكْرُ مَقَامَهُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
وَإِنْ سَكِرَ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ كَالشُّرْبِ مُكْرَهًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثُمَّ رَدَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ الرَّدُّ . ا هـ . وَسَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إذَا أَقَرَّ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِحَقٍّ) لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِلَفْظِ الْحَقِّ بَلْ بِدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْحَقِّ كَقَوْلِ الرَّجُلِ جَاءَنِي فُلَانٌ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ فِي حَقِّ الْقَائِلِ فَعَبَّرَ عَنْ الْمُعَرَّفِ الَّذِي عِنْدَهُ بِالْمُنْكَرِ ا هـ مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْإِقْرَارِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مَجْهُولَانِ لَهُمَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا يَتَكَلَّمُ أَقَرَّا بِالرِّقِّ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَعَلَى ابْنِهِمَا جَازَ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ : أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبَّرُونَ فَإِقْرَارُهُ بِالرِّقِّ لَا يَعْمَلُ فِي حَقِّهِمْ ا هـ (قَوْلُهُ فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدٌ لَك فَقَالَ الْآخَرُ : لَا ثُمَّ قَالَ بَلَى أَنْتَ عَبْدٌ لِي فَإِنَّهُ عَبْدُهُ وَلَا يَكُونُ نَفْيُهُ شَيْئًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمَوْلَى أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ يَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ . ا هـ . خُلَاصَةٌ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ) أَيْ فِيمَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَكَوْنُهُ مُكَلَّفًا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ قَالَ مَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ لِفُلَانٍ صَحَّ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ وَلَيْسَ بِمَجْهُولٍ فَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ لِيَأْخُذَ عَبْدًا مِنْ يَدِ الْمُقِرِّ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : كَانَ فِي يَدِك وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ لِي وَقَالَ الْمُقِرُّ : لَا بَلْ مَلَكْتُ هَذَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَقْتَ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ يُنْكِرُ دُخُولَ هَذَا الْعَبْدِ فِي الْإِقْرَارِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ مَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ رَجُلٌ قَالَ مَا فِي حَانُوتِي لِفُلَانٍ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا فِي الْحَانُوتِ لَهُ وَوَضَعَهُ فِي الْحَانُوتِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ صُدِّقَ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ قَالُوا تَأْوِيلُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا ادَّعَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فِي مُدَّةٍ لَا يُمْكِنُهُ إدْخَالُهُ فِي الْحَانُوتِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِيَقِينٍ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ إذَا ادَّعَى الْمُقِرُّ حُدُوثَ الْمِلْكِ فِي زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهُ فِيهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي مَلَكْتُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ . ا هـ . قَاضِيخَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي .
(فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ رَجُلٌ قَالَ : جَمِيعُ مَا فِي يَدِي لِفُلَانٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ يُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ قَبْلَ الْبَيَانِ ا هـ

(5/3)


شُرْبُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلُهُ ، وَلَوْ مَجْهُولًا كَشَيْءٍ وَحَقٍّ أَيْ ، وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ يُتْلِفَ مَالًا أَوْ يَجْرَحَ جِرَاحَةً أَوْ يَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يَعْرِفُ قِيمَتَهُ وَلَا أَرْشَهَا وَلَا قَدْرَهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ بِالْإِيفَاءِ أَوْ التَّرَاضِي فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف : 86] وَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» ؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجَبُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ فَيَبْطُلُ إذْ لَا حَاجَةَ لِلشُّهُودِ بِدُونِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ وَبِخِلَافِ الْجَهَالَةِ فِي الْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ تَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ لَمْ تَتَفَاحَشْ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ لِأَحَدِ هَذَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا إذْ لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ عَلَى الْبَيَانِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّعَى فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَالنَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ أَنَّهَا إذَا تَفَاحَشَتْ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ جَازَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَعْدُو مَنْ ذَكَرَهُ وَفِي مِثْلِهِ يُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ يَنْسَى صَاحِبَ الْحَقِّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْحَقِّ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ وَالْقَاضِي نُصِبَ لِإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا لِإِبْطَالِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ ثُمَّ نَسِيَهُ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الْبَيَانِ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ وَبِخِلَافِ إعْتَاقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَنْزِلْ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُؤَدِّي الْإِجْبَارُ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَخْذِ مِنْ الْمُقِرِّ وَاصْطَلَحَا بَيْنَهُمَا أَمْكَنَ دَعْوَاهُمَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ
وَقَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ لَك عَلَى أَحَدِنَا : أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُجْبَرُ عَلَى بَيَانِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَسْبَابِ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَيُودِعُ مَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ فِي قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَوَصْفِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُفَسِّرْ السَّبَبَ فَيَصِحُّ حَتَّى لَوْ فَسَّرَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ ، وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ ، وَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فَكَذَلِكَ
وَإِنْ كَانَ سَبَبًا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْبَرُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَبِيعُ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ يَشْتَرِي بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ ثَمَنٍ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى الْأَدَاءِ فَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهِ ، وَلَوْ عَايَنَهُ يَغْصِبُ شَيْئًا لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ أَوْ يُودِعُهُ يَأْمُرُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ فَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُبَيِّنُ مَا لَهُ قِيمَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا فَإِذَا بَيَّنَهُ فِيهِ يَكُونُ رُجُوعًا فَلَا يُقْبَلُ ، وَذَلِكَ مِثْلُ حَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ قَطْرَةِ مَاءٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ عَادَةً وَلَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ ، وَلَوْ بَيَّنَ فِي الصَّبِيِّ الْحُرِّ أَوْ الزَّوْجَةِ لَا يَصِحُّ وَقِيلَ : يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ بَيَّنَهُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ إلَّا إذَا بَيَّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَوْ مَجْهُولًا إلَخْ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ بِحَقٍّ يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيَانِ مَا لَهُ قِيمَةٌ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا مِثْلَ الْجَوْزَةِ وَالْحَفْنَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِمَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْأَبْزَارِ وَغَيْرِهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِوَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّ زَيْدًا فِي الدُّنْيَا كَثِيرٌ إلَّا إذَا عَيَّنَ ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً
فَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِعَلَامَةِ الْوَاوِ مِنْ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ : جَارِيَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ : إنَّ هَذِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ جَازَ وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا ادَّعَيَاهَا ، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً . ا هـ . (قَوْلُهُ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ) أَيْ ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ الْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ هُنَا . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ جَازَ) أَيْ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ : هَذَا الْعَبْدُ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَإِنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ أَبِي الْيُسْرِ ا هـ مُسْتَصْفَى وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ مَا نَصُّهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ إذْ فَائِدَتُهُ وُصُولُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَطَرِيقُ الْوُصُولِ بَابٌ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ فَلَهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ قَالَهُ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) هَذَا التَّصْحِيحُ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلْتُهُ عَنْ الْكَاكِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبَيِّنُ مَا لَهُ قِيمَةٌ) أَيْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ نَحْوُ حَبَّةٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ جَوْزَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ قَالَهُ الْكَاكِيُّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ يَعْنِي إذَا لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ مَجْهُولًا لَا يُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ وَقَعَ مِنْ جِهَتِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَكِنْ يُبَيِّنُ شَيْئًا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، نَحْوُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ حَبَّةً أَوْ فَلْسًا أَوْ جَوْزَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا بَيَّنَ شَيْئًا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ : عَنَيْتُ حَقَّ الْإِسْلَامِ أَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ أَوْ نَحْوَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ .
(قَوْلُهُ فَلَا يُقْبَلُ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِالْكَلْبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَمَالِكٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ) يَعْنِي لَوْ بَيَّنَ فِي الْغَصْبِ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ قِيلَ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَعَلَى الْوَلَدِ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ . ا هـ . كِفَايَةٌ

(5/4)


التَّمَانُعُ وَهُوَ الْمُتَقَوِّمُ وَلَوْ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ حَقٌّ أَرَدْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ عُرْفًا وَعَلَيْهِ التَّعْوِيلُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي مَالٍ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ مِنْ الْكُسُورِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ عَادَةً وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَالٌ عَظِيمٌ نِصَابٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ بِالْعِظَمِ فَيُعْتَبَرُ هَذَا الْوَصْفُ وَالنِّصَابُ عَظِيمٌ فِي الشَّرْعِ حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةَ الْفُقَرَاءِ ، وَكَذَا عُرْفًا حَتَّى يُعَدَّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ عَادَةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَهُوَ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ وَيُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ الْمُحْتَرَمُ ، وَعَنْهُ مِثْلُ جَوَابِ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا ثُمَّ يُعْتَبَرُ أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا يُؤْخَذُ مِنْ جِنْسِهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بَيَّنَهُ فِيهِ حَتَّى إذَا بَيَّنَهُ فِي الْإِبِلِ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ قَلِيلٌ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ يَبْنِي عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِعَظِيمٍ وَهُوَ الشَّرْعُ مُتَعَارِضٌ فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ عَظِيمٌ
وَفِي السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ الْعَشَرَةُ عَظِيمَةٌ فَيُرْجَعُ إلَى حَالِهِ ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَحَوَاشِي الْهِدَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى مَبْسُوطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمْوَالٌ عِظَامٌ ثَلَاثَةُ نُصُبٍ) يَعْنِي مِنْ أَيِّ مَالٍ فَسَّرَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَلَا يَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ ، وَإِنْ بَيَّنَهُ بِغَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ نُصُبٍ وَيُعْتَبَرُ الْأَدْنَى فِي ذَلِكَ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ حَالُ الْمُقِرِّ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ عَشَرَةٌ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا : لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصَابِ مُكْثِرٌ ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَكَانَ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ : عَلَيَّ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ عِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى النِّصَابِ وَعِنْدَهُ إلَى الْعَشَرَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ ثِيَابٌ كَثِيرَةٌ أَوْ وَصَائِفُ كَثِيرَةٌ فَعِنْدَهُ عَشَرَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ قَالَ غَصَبْتُ إبِلًا كَثِيرَةً أَوْ بَقَرًا كَثِيرَةً أَوْ غَنَمًا كَثِيرَةً أَوْ حِنْطَةً كَثِيرَةً يَنْصَرِفُ إلَى أَقَلِّ نِصَابٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَعِنْدَهُ يُرْجَعُ إلَى بَيَانِ الْمُقِرِّ ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ مَالٌ نَفِيسٌ أَوْ كَرِيمٌ أَوْ خَطِيرٌ أَوْ جَلِيلٌ قَالَ النَّاطِفِيُّ لَمْ أَجِدْهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَكَانَ الْجُرْجَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ يَلْزَمُهُ مِائَتَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ حَقٌّ إلَخْ) وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُسْتَزَادِ أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا صُدِّقَ ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ تَغَيَّرَ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ حَقُّ الْإِسْلَامِ ا هـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ عُرْفًا) أَيْ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَالٌ عَظِيمٌ نِصَابٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَوْ قَالَ : دِرْهَمٌ عَظِيمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ فَيَكُونُ الْعِظَمُ صِفَةً لِعَرَضِهِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ نَاقِلًا عَنْ الْمُنْتَقَى فِي الْمَالِ الْقَلِيلِ أَنَّهُ دِرْهَمٌ وَنُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ يَلْزَمُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا قَلِيلٌ لَزِمَهُ الْكَثِيرُ وَالْمَالُ الْكَثِيرُ فِي الشَّرْعِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةٌ وَالتَّضْعِيفُ أَقَلُّهُ مَرَّةٌ فَيُضَعَّفُ مَرَّةً قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً أَوْ قَالَ مُضَاعَفَةً أَضْعَافًا عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ الْأَضْعَافَ جَمْعُ الضِّعْفِ فَتُضَاعَفُ ثَلَاثَةَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَكَانَ تِسْعَةً ، وَقَوْلُهُ مُضَاعَفَةً يَقْتَضِي ضِعْفَ ذَلِكَ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ الدَّرَاهِمُ الْمُضَاعَفَةُ سِتَّةٌ وَأَضْعَافُهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَأَضْعَافُهَا مُضَاعَفَةً عَلَيْهِ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ أَضْعَافَ الْعَشَرَةِ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ضُمَّتْ إلَى الْعَشَرَةِ كَانَ أَرْبَعِينَ فَأَوْجَبَهَا مُضَاعَفَةً فَتَكُونُ ثَمَانِينَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكِفَايَةِ
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الدَّرَاهِمِ صُدِّقَ فِي أَيِّ جِنْسٍ ذَكَرَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا نِصَابَ لَهُ صُدِّقَ يَبْلُغُ قِيمَةَ النِّصَابِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ قَالَ مَالٌ نَفِيسٌ أَوْ كَرِيمٌ أَوْ خَطِيرٌ أَوْ جَلِيلٌ قَالَ النَّاطِفِيُّ لَمْ أَجِدْهُ مَنْصُوصًا وَكَانَ الْجُرْجَانِيُّ يَقُولُ مِائَتَانِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ سَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ يُبْنَى إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَالُ الْمُقِرِّ إنْ كَانَ غَنِيًّا يَقَعْ عَلَى مَا يُسْتَعْظَمُ عِنْدَ الْأَغْنِيَاءِ ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَقَعْ عَلَى النِّصَابِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَدَّقُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ قَوْلِهِ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَالٌ عَظِيمٌ أَنَّ الدَّرَاهِمَ تُفِيدُ الْعَدَدَ ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَكُونُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فَاعْتُبِرَ الْكَثْرَةُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْعَدَدِ وَقَوْلُهُ عَظِيمٌ لَا يَتَضَمَّنُ عَدَدًا فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُسْتَعْظَمِ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ الْعَظِيمُ فِي الشَّرْعِ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ بِنَفْسِهِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ أَوْ وَصَائِفُ) الْوَصِيفُ الْغُلَامُ دُونَ الْمُرَاهِقِ ، وَالْوَصِيفَةُ الْجَارِيَةُ كَذَلِكَ وَالْجَمْعُ وُصَفَاءُ وَوَصَائِفُ مِثْلُ كَرِيمٍ وَكُرَمَاءَ وَكَرِيمَةٍ وَكَرَائِمَ . ا هـ . مِصْبَاحٌ

(5/5)


قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَرَاهِمُ ثَلَاثَةٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ عَلَيَّ دَرَاهِمُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ فَصَارَ مُتَيَقَّنًا بِهِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ فَعَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَضِعْفَهَا سِتَّةٌ ، وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ أَضْعَافًا لَفْظُ جَمْعٍ وَأَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ تِسْعَةً ثُمَّ بِالْمُضَاعَفَةِ تَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَكَذَا إذَا عَكَسَ بِأَنْ قَالَ : عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةً أَضْعَافًا ؛ لِأَنَّهَا بِالْمُضَاعَفَةِ تَصِيرُ الثَّلَاثَةُ سِتَّةً ثُمَّ بِالْأَضْعَافِ وَهُوَ جَمْعٌ تَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا دِرْهَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ ، وَذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَأَقَلَّ الْعَدَدِ اثْنَانِ إذْ الْوَاحِدُ لَا يُعَدُّ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قِيلَ : يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ كَذَا يُذْكَرُ لِلْعَدَدِ عُرْفًا وَأَقَلُّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالنَّصْبِ عِشْرُونَ ، وَلَوْ ذُكِرَ بِالْخَفْضِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ عَدَدٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالْخَفْضِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ : دِرْهَمٌ عَظِيمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ مَعْلُومُ الْقَدْرِ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَزْدَادُ قَدْرُهُ بِقَوْلِهِ عَظِيمٌ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دُرَيْهِمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ تَامٌّ ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ قَدْ يُذْكَرُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا يُنْقِصُ عَنْ الْوَزْنِ ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْوَزْنُ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، وَكَذَا فِي الدَّنَانِيرِ ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يَجْرِي عَلَى الْمُعْتَادِ عَادَةً فَلَا يُعْرَضُ عَنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(كَذَا كَذَا أَحَدَ عَشَرَ كَذَا ، وَكَذَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ، وَلَوْ ثَلَّثَ بِالْوَاوِ يُزَادُ مِائَةٌ ، وَلَوْ رَبَّعَ زِيدَ أَلْفٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مُبْهَمَةٌ فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى نَظِيرِهَا مِنْ الْمُفَسَّرِ فَأَقَلُّ عَدَدَيْنِ يُذْكَرَانِ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ بَيْنَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ وَبِحَرْفِ عَطْفٍ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ بِحَرْفَيْ الْعَطْفِ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ بِثَلَاثَةِ حُرُوفٍ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ ، وَلَوْ ثَلَّثَ بِلَا وَاوٍ يَجِبُ أَحَدَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَوْ خَمَّسَ بِالْوَاوِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَشْرَةُ آلَافٍ ، وَلَوْ سَدَّسَ يُزَادُ مِائَةُ أَلْفٍ ، وَلَوْ سَبَّعَ يُزَادُ أَلْفُ أَلْفٍ وَعَلَى هَذَا كُلَّمَا زَادَ عَدَدًا مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ زِيدَ عَلَيْهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى ، وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا وَدِينَارًا فَعَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي الْأَصْلِ وَقَالَ الْإِمَامُ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْأَنْصَارِيُّ الْعُقَيْلِيُّ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمِنْهَاجِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ مَا بَيَّنَهُ أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ فِي هَذَا أَحَدَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْعَدَدِ الَّذِي يَقَعُ مُمَيَّزُهُ مَنْصُوبًا هَكَذَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي بَيَانِهِ بِدِرْهَمٍ وَالْقِيَاسُ فِيهِ مَا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَةً وَفَسَّرَهَا بِدِرْهَمٍ مَنْصُوبٍ ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ عِشْرِينَ إلَى تِسْعِينَ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ وَهُوَ عِشْرُونَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ) مُحَالًا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَكَمِ الْمَالِكِيُّ . ا هـ . (قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ) أَيْ ، وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمٌ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا وَاوَ الْعَطْفِ وَذَكَرَ الدِّرْهَمَ عَقِيبَهُمَا بِالْخَفْضِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدِ الْمُصَرَّحِ ثَلَاثُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ ثَلَاثًا عَدَدٌ وَمِائَةً عَدَدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَيَسْتَقِيمُ ذِكْرُ الدِّرْهَمِ بِالْخَفْضِ عَقِيبَهُمَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ .
(قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْوَزْنُ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ أَيْ بَيْنَ النَّاسِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ عَمَّا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ قَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ الْبَلَدِ مِنْ الْأَوْزَانِ أَوْ الْعَدَدِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مُتَعَارَفًا فَيُحْمَلُ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ فَإِنَّهُ الْوَزْنُ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ ، وَكَذَلِكَ فِي الدِّينَارِ يَعْتَبِرُونَ الْمَثَاقِيلَ إلَّا فِي مَوْضِعٍ مُتَعَارَفٍ فِيهِ بِخِلَافِهِ ، وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ دُرَيْهِمٍ أَوْ دُنَيْنِيرٌ فَعَلَيْهِ الْإِتْمَامُ ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ قَدْ يُذْكَرُ لِصِغَرِ الْحَجْمِ وَقَدْ يَكُونُ لِاسْتِحْقَارِ الدِّرْهَمِ وَقَدْ يَكُونُ لِخِفَّةِ الْوَزْنِ فَلَا يَنْقُصُ الْوَزْنُ بِالشَّكِّ ، إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي : وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَوْ وَزْنُ سِتَّةٍ وَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ بِالْكُوفَةِ فَعَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى النُّقْصَانِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَزْنَهَا مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ ، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ ، وَإِنْ كَانُوا فِي بِلَادٍ يَتَبَايَعُونَ عَلَى دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَالْوَزْنُ بَيْنَهُمْ يَنْقُصُ عَنْ سَبْعَةٍ صُدِّقَ إذَا ادَّعَى أَنَّ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ هُوَ عَلَى وَزْنِهِمْ وَلَا يُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى وَزْنًا دُونَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مُخْتَلِفًا فَهُوَ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَذَا كَذَا أَحَدَ عَشَرَ) وَالزِّيَادَةُ تَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَذَا كَذَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ) وَالزِّيَادَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى بَيَانِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ بَيْنَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا إلَى تِسْعَةَ عَشَرَ إلَّا أَنَّ الْأَقَلَّ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَالزِّيَادَةُ تَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِحَرْفِ عَطْفٍ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَإِنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَدْ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ مَعْطُوفًا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ فَيُجْعَلُ عِبَارَةً عَنْ عَدَدَيْنِ مُصَرَّحَيْنِ بَيْنَهُمَا وَاوُ الْعَطْفِ يَسْتَقِيمُ ذِكْرُ الدِّرْهَمِ عَقِيبَهُمَا بِالنَّصْبِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إلَّا أَنَّ الْأَقَلَّ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَالزِّيَادَةُ تَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ " كَذَا " عِبَارَةٌ عَنْ الدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ عَقِيبَ الْوَاحِدِ لَا يُذْكَرُ بِالنَّصْبِ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ بِالرَّفْعِ فَيُقَالُ وَاحِدٌ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ا هـ

(5/6)


بِالسَّوِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدًا مُبْهَمًا وَأَشْرَكَ فِيهِ جِنْسَيْنِ فَيَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا ، وَكَذَا كَذَا دِينَارًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدَيْنِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ وَعَلَى هَذَا فِي الْمُفَسَّرِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا لَزِمَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ عَشَرَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ مِقْدَارًا وَأَضَافَهُ إلَى صِنْفَيْنِ مِنْ الْمَالِ يَجِبُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلَيْنِ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ، مِثَالُهُ إذَا قَالَ : عَلَيَّ مِائَةُ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ أَوْ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٌ فَالْبَيَانُ فِي النَّيِّفِ إلَيْهِ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ النَّيِّفَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ يُقَالُ : جَبَلٌ مُنِيفٌ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الْجِبَالِ ، وَلَوْ قَالَ : عَلَيَّ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ ؛ لِأَنَّ الْبِضْعَةَ أَوْتَارُ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعَةٌ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(عَلَيَّ وَقِبَلِي إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْوُجُوبِ وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْعُلُوِّ وَإِنَّمَا يَعْلُوهُ إذَا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ قَضَائِهِ لِيَخْرُجَ عَنْهُ ، وَكَلِمَةُ قِبَلٍ تُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ يُقَالُ قَبَلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَيْ ضَمِنَ وَسُمِّيَ الْكَفِيلُ قَبِيلًا ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَسُمِّيَ الصَّكُّ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ الدَّيْنِ قَبَالَةً ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهُ كَالضَّامِنِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ فِيهِمَا أَرَدْتُ بِهِ وَدِيعَةً وَوَصَلَ صُدِّقَ ؛ لِأَنَّهُمَا يُنْبِئَانِ عَنْ الْوُجُوبِ ، وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُودَعِ ، وَالْمَالُ مَحَلُّهُ فَجَازَ ذِكْرُ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةُ الْحَالِّ مَجَازًا وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، وَيَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِهِ مُتَّصِلًا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا وَلَا يَجُوزُ مُنْفَصِلًا ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ حُكْمُهُ بِالسُّكُوتِ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْمُغَيِّرَاتِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ قِبَلِي أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمَا يُقَالُ لَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ دَيْنٌ وَلَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ وَدِيعَةٌ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ حَقٌّ يَكُونُ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْجِهَةِ فَيَتَنَاوَلُهُمَا ، وَالْأَمَانَةُ أَدْنَاهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عِنْدِي مَعِي فِي بَيْتِي فِي صُنْدُوقِي فِي كِيسِي أَمَانَةٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَحَلٌّ لِلْعَيْنِ لَا لِلدَّيْنِ إذْ الدَّيْنُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ وَالْعَيْنُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَأَمَانَةً ، وَالْأَمَانَةُ أَدْنَاهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عِنْدَ لِلْقُرْبِ وَمَعَ لِلْقِرَانِ وَمَا عَدَاهُمَا لِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ مِنْ خَصَائِصِ الْعَيْنِ ، وَلَا يَحْتَمِلُ الدَّيْنَ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ فَإِذَا كَانَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْعَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأَمَانَةُ لِمَا ذَكَرْنَا ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَمَانَاتِ ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ قَالَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ : اتَّزِنْهُ أَوْ انْتَقِدْهُ أَوْ أَجِّلْنِي بِهِ أَوْ قَضَيْتُكَهُ أَوْ أَحَلْتُكَ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا كَانَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِعَدَدَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ فَوَجَبَا مِنْهُمَا جَمِيعًا ، وَكَيْفَ يُقْسَمُ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةً وَنِصْفَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةً وَنِصْفَ مِنْ الدَّنَانِيرِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ أَدَّى إلَى الْكَسْرِ ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ فَيُجْعَلُ سِتَّةً مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةً مِنْ الدَّنَانِيرِ فَصَرَفْنَاهُ إلَيْهَا احْتِيَاطًا كَذَا ذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ فَعَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا بِالسَّوِيَّةِ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ ، وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ أَحَدَ عَشَرَ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَيَّ وَقِبَلِي إقْرَارٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا قَوْلُهُ عَلَيَّ فَإِنَّمَا كَانَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ بِسَبِيلِ الِاقْتِضَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ صَرِيحًا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ تُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران : 97] وَمَحَلُّ الْإِيجَابِ الذِّمَّةُ ، وَالثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ الدَّيْنُ لَا الْعَيْنُ فَصَارَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ مُقْتَضَى قَوْلِهِ عَلَيَّ ، وَالثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ نَصًّا ، وَلَوْ نَصَّ فَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ كَانَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ لَا بِالْعَيْنِ فَكَذَلِكَ هَذَا ا هـ (قَوْلُهُ قَبَالَةً) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَتَقَبَّلْت الْعَمَلَ مِنْ صَاحِبِهِ إذَا الْتَزَمْته بِعَقْدٍ وَالْقَبَالَةُ بِالْفَتْحِ اسْمُ الْمَكْتُوبِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ عَمَلٍ وَدَيْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ كُلُّ مَنْ تَقَبَّلَ بِشَيْءٍ مُقَاطَعَةً وَكَتَبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا فَالْكِتَابُ الَّذِي يُكْتَبُ هُوَ الْقَبَالَةُ بِالْفَتْحِ وَالْعَمَلُ قِبَالَةً بِالْكَسْرِ ؛ لِأَنَّهُ صِنَاعَةٌ ا هـ (قَوْلُهُ وَإِرَادَةُ الْحَالِ) إلَى هُنَا آخِرُ الْخَرْمِ الَّذِي فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ إلَخْ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ قِبَلِي ، وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابَاتِ وَالْأَمَانَاتِ ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ لِفُلَانٍ قِبَلِي وَدِيعَةٌ وَقِبَلِي أَمَانَةٌ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِيجَابَاتِ وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْكَلَامِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَالدَّرَاهِمِ الْمُطْلَقَةِ تَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ ا هـ (فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ : وَإِنْ قَالَ لَهُ فِي مَالِي مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ فِي دَرَاهِمِي هَذِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ مَالُهُ بِمَالِهِ كَانَ شَرِيكًا لَهُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ اتَّزِنْهُ أَوْ انْتَقِدْهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلِهِ اتَّزِنْ وَانْتَقِدْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْهَاءِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْتِزَامٍ وَقَدْ يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَسْتَهْزِئُ وَيُبَالِغُ فِي الْجُحُودِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ يَكُونُ إقْرَارًا كَقَوْلِنَا وَقَالَ سَحْنُونٌ الْمَالِكِيُّ يَكُونُ إقْرَارًا فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا إذَا قَالَ اتَّزِنْ أَوْ اتَّزِنْهَا مَا أَبْعَدَك مِنْ ذَلِكَ ا هـ كَاكِيٌّ

(5/7)


وَبِلَا كِنَايَةٍ لَا) ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الْمُدَّعَى فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَمِيرُ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِلَا كِنَايَةٍ لَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَوَابَ يَنْتَظِمُ إعَادَةَ الْخِطَابِ لِيُفِيدَ الْكَلَامُ فَكُلُّ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ ابْتِدَاءً يُجْعَلُ جَوَابًا وَمَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلْبِنَاءِ أَوْ يَصْلُحُ لَهُمَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْتِدَاءً لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ جَوَابًا لِئَلَّا يَلْزَمَهُ الْمَالُ بِالشَّكِّ فَإِنَّ ذِكْرَ هَاءِ الْكِنَايَةِ يَصْلُحُ جَوَابًا لَا ابْتِدَاءً وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْهَاءَ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا أَوْ يَصْلُحُ ابْتِدَاءً وَجَوَابًا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ هَذَا إذَا كَانَ الْجَوَابُ مُسْتَقِلًّا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ كَقَوْلِهِ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ جَوَابًا وَهُوَ صَالِحٌ لَهُ فَصَارَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ كَالْمُعَادِ فِيهِ ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهَا أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهَا أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهَا كَانَ إقْرَارًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَتْلُو الْوُجُوبَ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهَا ، وَكَذَا دَعْوَى الْإِحَالَةِ بِهَا يَكُونُ إقْرَارًا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْضِيكَهَا أَوْ لَا أَزِنُهَا لَك الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْقَضَاءَ وَالْوَزْنَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَالْقَضَاءُ يَكُونُ مُنْتَفِيًا أَبَدًا ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : أَعْطِنِي ثَوْبَ عَبْدِي هَذَا فَقَالَ : نَعَمْ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ لَهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ افْتَحْ بَابَ دَارِي هَذِهِ أَوْ جَصِّصْ دَارِي هَذِهِ أَوْ أَسْرِجْ دَابَّتِي هَذِهِ أَوْ أَعْطِنِي سَرْجَهَا أَوْ لِجَامَهَا فَقَالَ نَعَمْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ إقْرَارًا مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كَلِمَةَ نَعَمْ لَا تَسْتَقِلُّ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْجَوَابِ كَيْ لَا يَصِيرَ لَغْوًا ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ : هَلْ لِفُلَانٍ عَلَيْكَ كَذَا ؟ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ قَائِمَةٌ مَقَامَ النُّطْقِ لَا مِنْ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ حَالٌّ لَزِمَهُ حَالًّا) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ وَادَّعَى حَقًّا عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِرَجُلٍ وَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَكَذَّبَهُ فِي الصِّفَةِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ السُّودُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ السُّودَ نَوْعٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي النَّوْعِ ، وَالْأَجَلُ عَارِضٌ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ بِالشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فِي الْعَوَارِضِ وَبِخِلَافِ إقْرَارِ الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي الْأَجَلِ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ نَوْعٌ حَيْثُ يَثْبُتُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَفَلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَفَالَةِ وَخِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْأَجَلِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ لِلْأَجَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ فَهِيَ دَرَاهِمُ وَمِائَةٌ وَثَوْبٌ يُفَسِّرُ الْمِائَةَ) يَعْنِي يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ (وَكَذَا مِائَةٌ وَثَوْبَانِ بِخِلَافِ مِائَةٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) حَيْثُ تَكُونُ الْأَثْوَابُ تَفْسِيرًا لِلْمِائَةِ أَيْضًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُرْجَعَ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَوْ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ مُفَسَّرًا عَلَى مُبْهَمٍ فِي الْفَصْلَيْنِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوضَعْ لِلْبَيَانِ فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي عَطْفِ الثَّوْبِ عَلَيْهَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عَطْفَ الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ عَلَى عَدَدٍ مُبْهَمٍ يَكُونُ بَيَانًا لِلْمُبْهَمِ عَادَةً ؛ لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ التَّفْسِيرِ عِنْدَ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَذَلِكَ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّعَامُلُ ، وَهُوَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ مَرَّةً لِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَدَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ ؛ لِأَنَّهَا لَا يَكْثُرُ التَّعَامُلُ بِهَا لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ فَلَمْ يَسْتَثْقِلُوا ذِكْرَهَا لِقِلَّةِ دَوَرَانِهَا فِي الْكَلَامِ وَالِاكْتِفَاءِ بِالثَّانِي لِلْكَثْرَةِ ، وَلَمْ تُوجَدْ فَبَقِيَ عَلَى الْقِيَاسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ حَيْثُ تَكُونُ الْأَثْوَابُ تَفْسِيرًا لِلْمِائَةِ أَيْضًا وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُقَدَّرَاتُ وَغَيْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهُمَا تَفْسِيرًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَكُونُ بَيَانًا لَهُمَا ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِذَلِكَ
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ أَوْ أَعْطِنِي سَرْجَهَا إلَخْ) ، وَلَوْ قَالَ لَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَكُونُ إقْرَارًا أَيْضًا ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِذِكْرِ لَا أَمَّا لَوْ قَالَ لَا أُعْطِيكَ الْيَوْمَ أَوْ أَبَدًا فَهُوَ إقْرَارٌ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالْكِنَايَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أُعْطِيَكَ سَرْجَ بَغْلِك الْيَوْمَ أَوْ أَبَدًا وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا كَانَ إقْرَارًا فَكَذَا فِي الْكِنَايَةِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ

(قَوْلُهُ لَزِمَهُ حَالًا) أَمَّا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي التَّأْجِيلِ أَيْضًا لَكِنَّهُ ادَّعَى مُضِيَّ الْأَجَلِ وَأَنْكَرَهُ الْمُقِرُّ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حُلُولَ الدَّيْنِ وَاسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ . ا هـ . شَرْحُ تَكْمِلَةٍ فِي الْبُيُوعِ (قَوْلُهُ حَيْثُ تَكُونُ الْأَثْوَابُ تَفْسِيرًا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ مِائَةٌ وَدِينَارٌ أَوْ قَالَ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ مِائَةٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ أَوْ مِائَةٌ وَفَلْسٌ أَوْ مِائَةٌ وَمَنُّ زَعْفَرَانٍ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمَعْطُوفُ وَيُرْجَعَ فِي بَيَانِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إلَى الْمُقِرِّ وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبَ وَجَعَلُوا الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمَعْطُوفِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَصَاحِبُ الْأَسْرَارِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَوْ مِائَةٌ وَشَاةٌ أَوْ مِائَةٌ وَعَبْدٌ يَلْزَمُهُ الْمَعْطُوفُ وَالْمَرْجِعُ فِي بَيَانِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ قَالَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ قَالَ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ أَوْ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ يَكُونُ الْبَيَانُ فِي الْمَعْطُوفِ بَيَانًا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْحُكْمُ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبٌ ، وَإِنْ قَالَ ثَوْبَانِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا فِي السَّلَمِ وَالنِّكَاحِ وَذَا لَا يَكْثُرُ فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ا هـ

(5/8)


يَقُولُونَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ثَوْبًا وَثَلَاثَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَيَنْصَرِفُ التَّفْسِيرُ إلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَفِي النِّهَايَةِ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ الثِّيَابِ ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَشَاةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الثِّيَابَ وَالْغَنَمَ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعَبِيدِ فَإِنَّهُمْ لَا يُقْسَمُونَ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَمَا يُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً تَتَحَقَّقُ فِي أَعْدَادِهَا الْمُجَانَسَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُفَسَّرُ مِنْهُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تُقْسَمُ الْعَبِيدُ كَالْغَنَمِ وَلَا يُقْسَمُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ وَثَوْبٌ فَعَلَيْهِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا
وَكَذَا لَوْ قَالَ نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ وَنِصْفُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَيَنْصَرِفُ النِّصْفُ إلَى الْكُلِّ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ نِصْفُ هَذَا وَنِصْفُ هَذَا إلَخْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مُعَيَّنًا ، وَبَعْضُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَالَ : نِصْفُ هَذَا الدِّينَارِ وَدِرْهَمٌ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّينَارِ وَيَجِبُ الدِّرْهَمُ كُلُّهُ ، وَلَوْ قَالَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَدَانِقٌ وَقِيرَاطٌ فَهُوَ مِنْ الْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ شَائِعٌ عِنْدَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف : 25] يَعْنِي مِنْ السِّنِينَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَاهُ) يَعْنِي التَّمْرَ وَالْقَوْصَرَّةَ وَفُسِّرَ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ غَصَبْتُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِ تَمْرٍ حَالَ كَوْنِهِ مَظْرُوفًا ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِدُونِ ظَرْفِهِ فَلَزِمَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْتُ تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالْمَنْزُوعِ ، وَعَلَى هَذَا الطَّعَامُ فِي الْجُوَالِقِ أَوْ فِي السَّفِينَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَتْهُ الدَّابَّةُ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَنْقُولِ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُهُمَا وَعَلَى هَذَا - الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الظَّرْفَ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ ظَرْفًا حَقِيقَةً يُنْظَرْ فَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ لَزِمَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نَقْلُهُ لَزِمَهُ الْمَظْرُوفُ خَاصَّةً عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ الْمَظْرُوفُ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبٍ تَامٍّ إذْ هُوَ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَزِمَاهُ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْقُولِ مُتَصَوَّرٌ عِنْدَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ ظَرْفًا حَقِيقَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَبِخَاتَمٍ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَيْفٍ لَهُ النَّصْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ) أَيْ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ كَانَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْكُلَّ الْوَاجِبَ بِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ فَيَقْضِي الْإِبْهَامُ بِالسَّوِيَّةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَوْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ) الْقَوْصَرَّةُ وِعَاءُ التَّمْرِ مَنْسُوجٌ مِنْ قَصَبٍ قَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ أَمَّا الْقَوْصَرَّةُ فَأَحْسَبُهَا دَخِيلًا وَقَدْ رُوِيَ :
أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ ... يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ
ثُمَّ قَالَ : وَلَا أَدْرِي صِحَّةَ هَذَا الْبَيْتِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَزِمَاهُ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ إخْبَارٌ عَنْ نَقْلِهِ إذْ الْغَصْبُ نَقْلٌ وَنَقْلُ الْمَظْرُوفِ لَا يُتَصَوَّرُ حَالَ كَوْنِهِ مَظْرُوفًا إلَّا بِنَقْلِ الظَّرْفِ فَصَارَ إقْرَارًا بِغَصْبِهِمَا ضَرُورَةً كَذَا فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ) أَيْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِأَنَّ مَبْدَأَ الْغَصْبِ مِنْ قَوْصَرَّةٍ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالْمَنْزُوعِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ كَذَا وَكَذَا أَوْ كَذَا مَعَ كَذَا أَوْ كَذَا بِكَذَا أَوْ كَذَا عَلَيْهِ كَذَا لَزِمَاهُ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَقْتَضِي إلْصَاقَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَضَمَّهُ إلَيْهِ فَيَرِدُ عَلَيْهِمَا الْغَصْبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ كَذَا مِنْ كَذَا أَوْ كَذَا عَلَى كَذَا لَزِمَهُ الْأَوَّلُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِانْفِصَالَ وَالتَّمْيِيزَ لَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ وُرُودِ الْغَصْبِ عَلَيْهِمَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّانِي ظَرْفًا لِلْأَوَّلِ وَوِعَاءً لَهُ لَزِمَاهُ ، نَحْوُ : ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ ، وَطَعَامٌ فِي سَفِينَةٍ وَحِنْطَةٌ فِي جَوَالِقَ وَتَمْرٌ فِي قَوْصَرَّةٍ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مِمَّا لَا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ نَحْوُ غَصَبْتُكَ دِرْهَمًا فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلظَّرْفِيَّةِ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا طَعَامٌ فِي الْجُوَالِقَ) كَمَا إذَا قَالَ غَصَبْتُ الطَّعَامَ فِي الْجُوَالِقِ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ فِي السَّفِينَةِ) حَيْثُ يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيّْ ، وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُك كَذَا فِي كَذَا وَالثَّانِي مِمَّا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ لَزِمَاهُ نَحْوُ ثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ وَطَعَامٍ فِي سَفِينَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَظْرُوفُهُ فِي حَالِ وُرُودِ الْغَصْبِ عَلَيْهِ فَيَرِدُ عَلَى ظَرْفِهِ ضَرُورَةً . ا هـ ..

(قَوْلُهُ : وَعَلَى هَذَا الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي : وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ مِائَةَ كُرٍّ حِنْطَةً فِي بَيْتٍ ضَمِنَ الطَّعَامَ وَالْبَيْتَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ يَرَى الْغَصْبَ فِي الْبَيْتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَرَيَانِهِ فَيَضْمَنُ الطَّعَامَ لَا غَيْرُ وَلَوْ قَالَ : غَصَبْتُكَ الْبَيْتَ بِالطَّعَامِ وَلَمْ أُحَوِّلْهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَأُخِذَ بِهِمَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ فِي الْحِنْطَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ فَإِذَا قَالَ لَمْ أُحَوِّلْ الطَّعَامَ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْدَمَا أَقَرَّ فَلَا يُصَدَّقُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِخَاتَمٍ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ) وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ أَوْ أَرْضٍ لِرَجُلٍ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ إذَا كَانَا فِيهِمَا حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَشْجَارَ لِي ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْفَصُّ لِي لَمْ يُصَدَّقْ وَلَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمَا) ؛ وَلِهَذَا يَدْخُلُ الْفَصُّ فِي بَيْعِ الْخَاتَمِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَإِذَا تَنَاوَلَهُمَا الِاسْمُ لَزِمَاهُ جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِسَيْفٍ لَهُ النَّصْلُ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ ، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْخَاتَمُ لِي وَفَصُّهُ لَك هَذَا السَّيْفُ لِي وَحِلْيَتُهُ لَك هَذِهِ الْجُبَّةُ لِي وَبِطَانَتُهَا لَك وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْكُلُّ لِي فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَزْعِ الْمُقَرِّ بِهِ ضَرَرٌ يُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِالنَّزْعِ وَالدَّفْعِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي النَّزْعِ ضَرَرٌ فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُقِرِّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا أَقَرَّ بِهِ ا هـ

(5/9)


وَالْجَفْنُ وَالْحَمَائِلُ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّيْفِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكُلِّ النَّصْلُ حَدِيدَتُهُ وَالْجَفْنُ غِمْدِهِ وَالْحَمَائِلُ غِمْدُهُ وَالْحَمَائِلُ جَمْعُ الْحِمَالَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ عَلَاقَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحَجْلَةٍ لَهُ الْعِيدَانُ وَالْكِسْوَةُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يُطْلَقُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَادَةً ، وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ وَالْحَجْلَةُ بَيْتٌ مُزَيَّنٌ بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّةِ وَالْعِيدَانُ جَمْعُ عُودٍ كَالدِّيدَانِ فِي جَمْعِ دُودٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ لَزِمَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ حَقِيقَةً فَيَدْخُلُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْتُ إكَافًا عَلَى حِمَارٍ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْإِكَافُ خَاصَّةً دُونَ الْحِمَارِ ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ مَذْكُورٌ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْمَغْصُوبِ حِينَ أَخَذَهُ وَغَصْبُ الشَّيْءِ مِنْ مَحَلٍّ لَا يَكُونُ مُقْتَضِيًا غَصْبَ الْمَحَلِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثَوْبٍ فِي عَشَرَةٍ لَهُ ثَوْبٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا ؛ لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةٍ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ ظَرْفًا كَقَوْلِهِ حِنْطَةٌ فِي جَوَالِقَ أَوْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : عَشَرَةُ أَثْوَابٍ فِي ثَوْبٍ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا أَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِثَوْبٍ وَاحِدٍ عَادَةً وَالْمُمْتَنِعُ عَادَةً كَالْمُمْتَنِعِ حَقِيقَةً إذْ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إذَا لُفَّ فِي ثِيَابٍ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَظْرُوفًا فِي حَقِّ مَا وَرَاءَهُ فَلَا يَكُونُ ظَرْفًا إلَّا الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ ظَرْفًا لِوَاحِدٍ فَلَغَا آخِرُ كَلَامِهِ وَحَمْلُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ احْتِيَالًا لِإِيجَابِ الْمَالِ مَعَ الِاحْتِمَالِ ؛ لِأَنَّ " فِي " قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْبَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر : 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَقَوْلُهُ النَّفِيسُ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا قَالَ غَصَبْت مِنْهُ كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابِ حَرِيرٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ عُرْفًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ وَعُنِيَ الضَّرْبُ خَمْسَةً) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ عَشَرَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ لِعُرْفِ الْحِسَابِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ ارْتِفَاعَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِقَدْرِ الْعَدَدِ الْآخَرِ وَلِزُفَرَ أَنَّ حَرْفَ " فِي " تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر : 29] أَيْ مَعَهُمْ وَهُوَ الْفَاشِي بَيْنَ الْكَافَّةِ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ ارْتِفَاعُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِقَدْرِ الْآخَرِ عِنْدَ الْخَوَاصِّ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ الْحُسَّابُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ فِي أَنْ تَكُونَ لِلظَّرْفِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ ظَرْفًا لِلدَّرَاهِمِ فَتَعَيَّنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ كَالدِّيدَانِ فِي جَمْعِ دُودٍ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الدُّودُ جَمْعُ دُودَةٍ وَجَمْعُ الدُّودِ دِيدَانٌ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ كَانَ مُقِرًّا بِالثَّوْبِ وَيُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظُّرُوفِ يُقَالُ جَعَلْت الدُّرَّةَ فِي الْحِقَّةِ وَالْحِنْطَةَ فِي الْجُوَالِقِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ عَلَى تَوَافُقِ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ يُجْعَلُ الْمِنْدِيلُ ظَرْفًا لِلثَّوْبِ وَإِذَا أَمْكَنَ بِحَقِيقَتِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَإِذَا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَهَذَا أَقَرَّ بِثَوْبٍ مَظْرُوفٍ فِي مِنْدِيلٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُ ثَوْبٍ مَظْرُوفٍ فِي مِنْدِيلٍ إلَّا بِغَصْبِ الثَّوْبِ وَالْمِنْدِيلِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ مَتَى غَصَبَ الثَّوْبَ دُونَ الْمِنْدِيلِ لَا يَكُونُ غَاصِبًا لِثَوْبٍ مَظْرُوفٍ فِي الْمِنْدِيلِ فَصَارَ مُقِرًّا بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَمِنْدِيلٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الثَّوْبَ وَالْمِنْدِيلَ فَيُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : غَصَبْتُكَ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي عَيْبَةٍ كَانَ مُقِرًّا بِغَصْبِ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ وَعَيْبَةٍ فَيُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي غَصْبِ الثَّوْبِ وَالْمِنْدِيلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ كَلِمَةُ فِي حَقِيقَتُهَا لِلظَّرْفِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِثَوْبٍ وَاحِدٍ عَادَةً) أَيْ فَتُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ وَتُحْمَلُ كَلِمَةُ فِي عَلَى الْمَجَازِ وَيُجْعَلُ بِمَعْنَى الْبَيْنِ وَالْوَسَطِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر : 29] فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ غَصَبْتُ ثَوْبًا مِنْ وَسَطِ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدٌ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر : 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَبِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ أَنَّ " فِي " فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ . ا هـ . (قَوْلُهُ مَنْقُوضٌ) مِثْلُ هَذَا عَلَى عَادَةِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ حَقِيقَةً يَكُونُ بِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَرَادَ بِهِ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَذْهَبُ زُفَرَ مِثْلُ قَوْلِ الْحَسَنِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ا هـ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ بِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ بِمَعْنَى مَعَ لَزِمَتْهُ عَشَرَةٌ ، وَإِنْ أَرَادَ الْحِسَابَ أَلْزَمْنَاهُ بِخَمْسَةٍ لَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ا هـ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ زُفَرَ فَلَعَلَّ عَنْ زُفَرَ رِوَايَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ ظَرْفًا لِلدَّرَاهِمِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ : عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ الْعَشَرَةُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " فِي " تُسْتَعْمَلُ لِلظَّرْفِ وَالْعَشَرَةُ لَا تَصْلُحُ ظَرْفًا لِعَشَرَةٍ أُخْرَى فَلَغَا قَوْلُهُ فِي عَشَرَةٍ وَبَقِيَ قَوْلُهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَنَيْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر : 29] أَيْ مَعَ عِبَادِي وَلَكِنَّهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُنْصَرَفُ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ ، وَلَوْ قَالَ : عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ وَالْقَفِيزُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْقَفِيزَ ، وَإِنْ صَلَحَ ظَرْفًا لِلدِّرْهَمِ لَكِنَّهُ الْتِزَامُ الْمَظْرُوفِ دُونَ الظَّرْفِ فَلَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ وَبَيَانُهُ مَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ : إنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ فِي الذِّمَّةِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَظْرُوفًا فِي شَيْءٍ آخَرَ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ فِي دِرْهَمٍ لَزِمَهُ الْقَفِيزُ وَبَطَل الدِّرْهَمُ ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لَهُ
وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ فَرْقُ زَيْتٍ فِي عَشَرَةِ مَخَاتِيمِ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الزَّيْتُ ، وَالْحِنْطَةُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ ظَرْفًا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ

(5/10)


الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ اتِّصَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ قُلْنَا : لَمَّا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ الظَّرْفِيَّةُ لَغَا وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ مُتَعَارِضٌ ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ وَبِمَعْنَى " مَعَ " عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِمَعْنَى " عَلَى " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه : 71] أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى عَلَى لَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الثَّانِي عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَيْسَ حَمْلُهَا عَلَى الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَلَغَتْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الظَّرْفِيَّةَ إذَا تَعَذَّرَتْ تَلْغُو فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيَّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِلْغَاءِ فِيهِ هُوَ تَعَذُّرُ الظَّرْفِيَّةِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَمَا ذَكَرَ الْحَسَنُ لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَوْزُونِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَسْمُوحِ عَلَى أَنَّ الِارْتِفَاعَ الَّذِي ذَكَرَهُ يُرَادُ بِهِ تَكْثِيرُ الْأَجْزَاءِ لَا تَكْثِيرُ الْأَعْدَادِ صَحِيحَةً وَتَكْثِيرُ الْأَجْزَاءِ لَا يُوجِبُ تَكْثِيرَ الْعَدَدِ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ الْحِسَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَشَرَةٌ إنْ عَنَى مَعَ) أَيْ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ إنْ أَرَادَ بِهِ مَعْنَى مَعَ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَهُوَ حَرْفُ " فِي " يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَهُ تِسْعَةٌ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ فَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ أَوْ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ فَإِنَّ الْحَائِطَيْنِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلْمَوْجُودِ وَوُجُودُهُ بِوُجُوبِهِ فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَحْسُوسِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فَيَصْلُحُ حَدًّا فَلَا يَدْخُلَانِ وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ كَمَا قَالَ زُفَرُ لَكِنْ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْغَايَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَوَّلِ إذْ لَا يُعْقَلُ ثَانٍ بِدُونِ الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الْغَايَةُ الْأُولَى ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي إدْخَالِ الثَّانِيَةِ فَأَخَذْنَا فِيهَا بِالْقِيَاسِ فَلَا تَدْخُلُ ؛ وَلِأَنَّ الْعَدَدَ يَقْتَضِي ابْتِدَاءً
فَإِذَا أَخْرَجْنَا الْأَوَّلَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً صَارَ الثَّانِي هُوَ الِابْتِدَاءُ فَيَخْرُجُ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً كَالْأَوَّلِ ، وَكَذَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إلَى آخِرِهِ فَيُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الْكُلِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فَكَانَ بَاطِلًا ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ كُرُّ حِنْطَةٍ إلَى كُرِّ شَعِيرٍ فَعَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزًا ؛ لِأَنَّ الْقَفِيزَ الْآخَرَ مِنْ الشَّعِيرِ هُوَ الْغَايَةُ الثَّانِيَةُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْكُرَّانِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ ذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ مِنْ دَارَى مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لَهُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ وَلِلْحَمْلِ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَالَةِ الْوُجُوبِ فَقَدْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ دِرْهَمٍ آخَرَ سَابِقًا عَلَيْهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَيُؤْخَذُ بِهِ ، وَإِنْ قَالَ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَاهُ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْجَمْعَ وَالْمُقَارَنَةَ فِي الْوُجُوبِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ فَيُجْعَلُ الثَّانِي مُؤَكِّدًا لِلْأَوَّلِ وَالطَّلَاقُ إنْشَاءٌ وَالتَّأْكِيدُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِنْشَاءِ فَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَاقْتَضَى وُقُوعَ طَلَاقٍ آخَرَ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْبَدَلِيَّةِ يَعْنِي عَوَّضَهُ دِرْهَمٌ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْأَوَّلَ بِالْوُجُوبِ وَالثَّانِي بِكَوْنِهِ مَوْضِعًا لَهُ فَلَا يَتَّصِفُ الثَّانِي بِالْوُجُوبِ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الدِّرْهَمِ سَابِقًا عَلَى وُجُوبِ الدِّرْهَمَيْنِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهِيَ الظَّرْفِيَّةُ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا ا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَشَرَةٌ إنْ عَنَى مَعَ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرَادَ بِفِي مَعْنَى عَلَى مَا حُكْمُهُ عِنْدَنَا وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ . ا هـ . كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ فَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ كُرُّ حِنْطَةٍ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ شَعِيرٍ إلَى كُرِّ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ كُرُّ شَعِيرٍ وَكُرُّ حِنْطَةٍ إلَّا قَفِيزًا وَلَمْ يَجْعَلْ الْغَايَةَ جَمِيعَ الْكُرِّ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تَكُونُ أَكْثَرَ الشَّيْءِ وَلَا نِصْفَهُ وَالْكُرُّ عِبَارَةٌ عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ الْقُفْزَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ الِانْتِهَاءُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الدِّينَارُ ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ الْغَايَةَ أَكْثَرُ الشَّيْءِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْحَمْلِ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا إلَخْ) كَمَا إذَا قَالَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ عَلَيَّ مِنْ جِهَةِ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا لَهُ فُلَانٌ بِعَيْنِهَا أَوْ مِيرَاثٍ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ فَاسْتَهْلَكَتْهَا عَلَيْهِ وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا لِلْجَنِينِ عَلَيَّ أَوْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَأَوْصَى بِهَا لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ وَمَاتَ أَوْ كَانَ لِأَبِيهِ أَوْ قَرِيبٍ لَهُ آخَرَ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(5/11)


وَإِلَّا فَلَا) وَقَوْلُهُ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا يَتَعَلَّقُ بِالْإِقْرَارِ لِلْحَمْلِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ هُوَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ الصَّالِحِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَيَّنَ فِيهِ سَبَبًا صَالِحًا بِأَنْ قَالَ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فُلَانٌ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ مَا أَمْكَنَ ، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ وَرِثَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْإِبْطَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَصَارَ كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ أَوْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ الْجَوَازِ
وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسَادَ بِأَنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ إقْرَارُهُ بِالْحَمْلِ مَعَ احْتِمَالِ الْفَسَادِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِجَوَازِهِ طَرِيقَيْنِ الْإِرْثُ وَالْوَصِيَّةُ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَبْطُلُ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ وَعَبْدًا آخَرَ مَعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى ، وَإِنْ أَمْكَنَ جَوَازُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ الْأَلْفُ أَوْ أَكْثَرُ حِصَّةَ الْمُشْتَرِي وَالْبَاقِي حِصَّةُ الْآخَرِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ لِصِحَّتِهِ جِهَةً وَاحِدَةً وَهِيَ التِّجَارَةُ وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْحَمْلِ ؛ لِأَنَّ لِصِحَّتِهِ جِهَةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الْحَمْلَ وَحْدَهُ لَا يُمْلَكُ بِالْوَصِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ سَبَبًا ؛ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَيَنْفُذُ إقْرَارُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَى شَرِيكِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا جَازَ وَلَا نَفَذَ فَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْبَيْعُ مِنْ الْجَنِينِ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَبْطُلُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ إمَّا أَنْ يُبْهِمَ الْإِقْرَارَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا صَالِحًا فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ
وَلَا يُقَالُ ظَاهِرُ إقْرَارِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بِبَيَانِ سَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَالْإِبْطَالُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ سَبَبٍ مُحْتَمَلٍ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَوْلِيَائِهِ بَائِعُهُ عَنْهُ فَيَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فَيُقِرُّ بِهِ وَيُضِيفُهُ إلَى الْجَنِينِ أَيْضًا مَجَازًا كَمَا يُقَالُ بَنَى فُلَانٌ دَارًا ، وَإِنْ كَانَ الْبَانِي غَيْرَهُ وَهُمْ الْأُجَرَاءُ ثُمَّ إذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ لِلْحَمْلِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا جَاءَتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ يُحْتَمَلُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً ثُمَّ إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا كَانَ لَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي أَوْ وَرَثَةِ أَبِيهِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَفِي الْإِرْثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ أُبْهِمْ وَلَمْ يُبَيَّنْ السَّبَبُ
وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ لَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ حَمَلَ جَارِيَةً فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا ، وَإِنْ كَانَ حَمَلَ بَهَائِمَ يُقَدَّرْ بِأَدْنَى مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ مَا أَمْكَنَ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَلَامِ الْعَاقِلِ أَنْ يُصَحَّحَ مَهْمَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْجَنِينِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ فَلَا يَجُوزُ) أَيْ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِأَنْ قَالَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الِاقْتِرَاضِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يُضَفْ إلَى مَحَلِّهِ فَإِنَّ الْجَنِينَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ دَيْنًا بِالتِّجَارَةِ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَتَّجِرُ وَلَا يُتَّجَرُ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْجَنِينُ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ بِالسَّبَبِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلْجَنِينِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ كَذِبًا بِيَقِينٍ وَالْكَذِبُ بِيَقِينٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَيَكُونُ وُجُودُهُ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ فَكَانَ كَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ فُلَانٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأٍ أَوْ يَدَ فُلَانٍ صَحِيحَةً لَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ بِيَقِينٍ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِرَضِيعٍ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّضِيعَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الدَّيْنَ لِهَذَا السَّبَبِ بِتِجَارَةِ وَلِيِّهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَّجِرُ لَهُ إنْ كَانَ لَا يَتَّجِرُ هُوَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْجَنِينِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَوْ وَرَثَةُ أَبِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَإِنْ أُبْهِمَ وَلَمْ يُبَيَّنْ السَّبَبُ) أَيْ ؛ لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا بِأَنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِالْحَمْلِ لِآخَرَ وَمَاتَ فَأَقَرَّ وَارِثُهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ لِفُلَانٍ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ غَيْرَهُ فَتَعَيَّنَ طَرِيقُ التَّصْحِيحِ فَيَصِحُّ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِقْرَارِ هُوَ الْفَسْخُ فَلَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْإِقْرَارُ الْفَسْخَ لَمْ يَجُزْ شَرْطُ الْخِيَارِ وَلَزِمَهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ فَسْخِ الْإِقْرَارِ فَسْخُ الْمُقَرِّ بِهِ وَالْمُقَرُّ بِهِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ وُجُوبُ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَوُجُوبُهُ مَا كَانَ بِالْإِقْرَارِ حَتَّى يَنْفَسِخَ بِفَسْخِ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَ ، وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ مُبْتَدَأً وَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْمَقْصُودُ مِنْ فَسْخِ الْإِقْرَارِ بِفَسْخِهِ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ كَمَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ فَسْخُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ مَا سَقَطَ بِهِمَا لَمْ يَكُونَا مُحْتَمِلَيْنِ لِلْفَسْخِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَأَوْرَدَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ الْإِقْرَارُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الرَّدَّ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ لِلْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الشَّيْءِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَتَكْذِيبُ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي إقْرَارِهِ لَيْسَ بِرَفْعِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّهِ بَلْ بَيَانٌ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّهِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثَبَتَ الْكَذِبُ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا صَحَّ التَّكْذِيبُ فِي حَقِّهِ ظَهَرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ لَا أَنَّهُ انْفَسَخَ فِي حَقِّهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ ا هـ

(5/12)


إذَا قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْكَائِنِ وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَالْإِخْبَارُ لَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِيَتَغَيَّرَ بِهِ صِفَةُ الْعَقْدِ وَيَتَخَيَّرَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ ، وَالْخَبَرُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ صِدْقٌ اخْتَارَ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا بِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَالْخَبَرُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْإِعْدَامُ وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ بِعْتُهُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ صَحَّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ عَقْدٌ يَقْبَلُ الْخِيَارَ فَيَصِحُّ إذَا ثَبَتَ بِحُجَّةٍ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ كَالْأَجَلِ وَالْقَوْلُ فِي الْعَوَارِضِ قَوْلُ الْمُنْكِرِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بِسَبَبِ كَفَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ قَصِيرَةٍ جَازَ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَصِحُّ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لَا تَقْبَلُ الْخِيَارَ فَكَذَا الْإِقْرَارُ بِهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ)
الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا عِنْدَنَا وَإِخْرَاجٌ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَلَوْ كَانَ إخْرَاجًا لِمَا صَحَّ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الرُّجُوعَ وَالرَّفْعَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي وَكَانَ مَانِعًا مِنْ الدُّخُولِ شَكَكْنَا فِي الْمُتَكَلَّمِ بِهِ وَالْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ وَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ وَعِنْدَهُ لَمَّا دَخَلَ الْأَلْفُ كُلُّهُ صَارَ الشَّكُّ فِي الْمُخْرِجِ فَيَخْرُجُ الْأَقَلُّ وَهُوَ خَمْسُونَ وَالْبَاقِي عَلَى حَالِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ مُتَّصِلًا وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَصَارَ اسْمًا لَهُ فَيَلْزَمُهُ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي ابْتِدَاءً ثُمَّ إطْلَاقُ لَفْظَةِ الْبَعْضِ فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَرَ جَائِزٌ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ قُلْنَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص : 82] {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص : 83] ثُمَّ قَالَ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر : 42] فَاسْتَثْنَى الْمُخْلَصِينَ تَارَةً وَالْغَاوِينَ أُخْرَى فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ لَزِمَهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ
أَدُّوا الَّتِي نَقَصْت تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ ... ثُمَّ ابْعَثُوا حَكَمًا بِالْعَدْلِ حُكَّامًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَالْإِخْبَارُ لَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ) أَيْ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ صَاحِبُهُ أَوْ كَذَّبَهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِلْإِسْبِيجَابِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِيَتَغَيَّرَ) أَيْ شُرِعَ لَأَنْ يَتَغَيَّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ جَازَ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) أَيْ وَالْخِيَارُ لَهُ آخِرَ الْمُدَّةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تُلَائِمُ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْخَطَرِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ فَإِذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْبَيْعِ فَفِي الْكَفَالَةِ أَوْلَى ثُمَّ قُدِّرَ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُقَدَّرْ الْخِيَارُ فِي الْكَفَالَةِ بِمُدَّةٍ ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْخِيَارِ يُنَافِي حُكْمَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ وَحُكْمَ الْخِيَارِ مَنْعُ السَّبَبِ مِنْ الْعَمَلِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَحُكْمُ الْكَفَالَةِ هَاهُنَا لُزُومُ الدَّيْنِ وَأَنْ يَصِحَّ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا فَلَا يَكُونُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ مُنَافِيًا ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْخِيَارِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّأْخِيرَ وَهُوَ يُنْكِرُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْإِقْرَارِ بِلَا تَغْيِيرٍ شَرَعَ فِي مُوجِبِهِ مَعَ الْمُغَيِّرِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ الشَّكِّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا كَمَا لَوْ ذَكَرَ كَلِمَةَ الشَّكِّ فِي الْإِقْرَارِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا فَكَذَا هَذَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْإِقْرَارِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ أَوْ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَيَثْبُتُ الْأَقَلُّ قَالُوا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ حَصَلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ظَاهِرًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَصَارَ اسْمًا لَهُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ تِسْعُمِائَةٍ أَمَّا جَوَازُ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا دَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا دَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ صَارَ مُقِرًّا بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى وَذَلِكَ تِسْعُمِائَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ فَأَمَّا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ وَيَكُونُ عَلَيْهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْفَرَّاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَذَا ذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَوَجْهُهُ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِالِاسْتِثْنَاءِ إخْرَاجَ الْأَقَلِّ دُونَ الْأَكْثَرِ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا عُرِفَ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ ا هـ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْفَرَّاءَ . ا هـ .

(5/13)


اسْتَثْنَى تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَدَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِطَرِيقِهِمْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُسُورِ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا لَا يُقْسَمُ أَوْ مِمَّا يُقْسَمُ حَتَّى إذَا قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهُ أَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَيْهِ صَحَّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَهُ ، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لِيَصِيرَ مُتَكَلَّمًا بِهِ فَيَكُونُ رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِلَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً أَوْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ لَفْظِهِ يَجُوزُ ، وَإِنْ أَتَى عَلَى الْكُلِّ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ ، أَوْ يَقُولَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ يَقُولَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا مُبَارَكًا وَسَالِمًا وَبَزِيعًا أَوْ يَقُولَ : نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَفَاطِمَةَ ولِ يس لَهُ عَبِيدٌ وَلَا نِسَاءٌ غَيْرَ الْمُسْتَثْنَى صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا يُعْتَقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذْ اللَّفْظُ صَالِحٌ لَهُ ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ حَقِيقَةُ الْبَقَاءِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَتْبَعُ صِحَّةَ الْكَلَامِ لَفْظًا لَا تَحَقُّقَ مَا دَخَلَ تَحْتَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ يَصِحُّ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ كَانَ يَتْبَعُ صِحَّةَ الْحُكْمِ لَوَقَعَ الثَّلَاثُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَلْفًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَالِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا أَلْفًا وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ لَا غَيْرَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ شَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَتْبَعُ صِحَّةَ اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ وَلَا لِلتَّكَلُّمِ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَلَمْ يَصِحَّ اللَّفْظُ ، وَلَا الِاسْتِثْنَاءُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا غَيْرِهِمَا) حَتَّى إذَا قَالَ : عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ أَوْ دِينَارًا صَحَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا أَلْفًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ مِنْ الْأَلْفِ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ وَزِيَادَةٍ أَوْلَى . ا هـ . (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ا هـ .
(فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفُ بالإسبيجابي فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ قَالَ لَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا سَبْعَةَ دَرَاهِمَ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرِ وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَسْتَثْنِيهِ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَيَبْقَى دِرْهَمَانِ فَيَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الَّذِي يَلِيهِمَا وَهُوَ خَمْسَةٌ فَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ ثُمَّ يَسْتَثْنِي الْبَاقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ فَيَبْقَى مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ثُمَّ يَسْتَثْنِي الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الَّذِي يَلِيه وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَيَبْقَى سِتَّةٌ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيرَاطًا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْأَخِيرِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الَّذِي يَلِيهِ ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا مِنْ الْأَلْفِ كَانَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمَحَلِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ مِنْ الْأَلْفِ جَعَلْتَهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ الدَّنَانِيرُ وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا جَعَلْتَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الدِّرْهَمِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُصْرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا هُوَ جِنْسٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَلَا تَعَذُّرَ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ وَاحِدٌ
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَدِرْهَمٌ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ وَاحِدًا جَعَلْتَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ نَوْعِهِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَيْسَ مِنْ نَسَقِ الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَا يُلَائِمُ الْإِخْبَارَ وَالْإِقْرَارَ فَصَارَ فَاصِلًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ فَاصِلًا ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ غَلِطْتُ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا فَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاءً ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ لَا يُذْكَرُ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَكَانَ نَسَقًا آخَرَ فَعُدَّ فَاصِلًا وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ لِشَخْصٍ خَاصٍّ ، وَهَذَا صِيغَتُهُ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا حَشْوٌ لَا يُحْتَاجُ الْإِقْرَارُ إلَيْهِ فَعُدَّ فَاصِلًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا فُلَانُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَشْوًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْكَيْلِيِّ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ يُطْرَحُ قَدْرُ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْمُقِرِّ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى تَسْتَغْرِقُ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ثُمَّ مَا ذُكِرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَلْزَمُ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ مُحَالًا إلَى الْمُنْتَقَى فَقَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قَلِيلًا فَعَلَيْهِ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهَا نَحْوِ قَوْلِهِ إلَّا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الشَّيْءِ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ عُرْفًا فَأَوْجَبْنَا النِّصْفَ وَزِيَادَةَ دِرْهَمٍ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا بَعْضَهَا فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ ا هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَزْنِيُّ مِنْ الدَّرَاهِمِ) يَعْنِي أَوْ مِنْ الدَّنَانِيرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدَ قَوْلِهِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَتْنِ أَوْ إلَّا دِينَارًا صَحَّ بِقَوْلِهِ ، وَكَذَا إلَخْ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ فَفِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءُ الْمُقَدَّرِ مِنْ الْمُقَدَّرِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ

(5/14)


وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ أَوْ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ فِيهِمَا يَعْنِي فِي الْمِثْلِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ امْتِنَاعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ مِنْ الْعُمُومِ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا خَمْسَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ فَإِذَا كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ الْمُعَارِضُ مِنْ جِنْسِهِ يَجِبُ إخْرَاجُ قَدْرِهِ
وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَجِبُ إخْرَاجُ قِيمَتِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ اللَّفْظِ ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ اللَّفْظِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّهُمَا اسْتَحْسَنَا فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَهِيَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُورَتُهَا فَإِذَا كَانَتْ فِي الْمَعْنَى جِنْسًا وَاحِدًا جَازَ اسْتِثْنَاؤُهَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجٌ بِطَرِيقِ الْمَعْنَى عَلَى أَنْ يَصِيرَ الْكَلَامُ بِهِ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ ؛ لِأَنَّ انْتِقَاءَ أَحَدِهِمَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْآخَرِ فَلَا يَتَعَارَضَانِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْفِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْتَفِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِنْكَارِهِ ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ كَمَا ذَكَرَهُ لَاسْتَوَى فِيهِ الْبَعْضُ وَالْكُلُّ كَالنَّسْخِ
وَكَذَا كَانَ يَسْتَوِي فِي الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَارِضَ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُغَيِّرِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا كَذِبًا ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت : 14] ، وَلَوْ كَانَ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ لُبْثِهِ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَلْبَثْ فِيهِمْ خَمْسِينَ عَامًا مِنْهَا لَكَانَ كَذِبًا - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا - وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلْبَاقِي بَعْدَ الثِّنْيَا كَأَنَّهُ قَالَ فَلَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَذَلِكَ اسْمٌ لِلْخَمْسَةِ كَأَنَّك قُلْتَ عَلَيَّ خَمْسَةٌ لَا أَنَّكَ أَقْرَرْتَ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ أَسْقَطْت الْخَمْسَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ مُعَارِضٍ وَالْمَعْدُودُ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْفُلُوسِ مِثْلُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَلَوْ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ) ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ بَطَلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ حَتَّى إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا ، وَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ ؛ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَيُطْرَحُ قَدْرُ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى مِمَّا أَقَرَّ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ، وَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءُ غَيْرِ الْمُقَدَّرِ مِنْ الْمُقَدَّرِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَلَامٌ آخَرُ يُعَارِضُ الصَّدْرَ بِحُكْمِهِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُجَانَسَةُ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ
قَدْ اسْتَثْنَى مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثِّنْيَا وَعَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُجَانَسَةِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَالدُّخُولُ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ لَا يَكُونُ إذَا لَمْ تُوجَدْ الْمُجَانَسَةُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّدْرِ ، وَجْهُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ جِنْسٍ مِنْ خِلَافِ جِنْسٍ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اسْتَثْنَى مِنْ الْمُقَدَّرِ ثَوْبًا أَوْ حَيَوَانًا فِي الْحُجَّةِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اسْتَثْنَى كَلْبًا فِي الْحُجَّةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ
وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يُطْرَحُ قِيمَةُ قَدْرِ الْمُسْتَثْنَى وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا دَخَلَ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْمُسْتَثْنَى مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا وَيُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْوُجُوبُ ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ بِالْعَقْدِ ؛ وَلِهَذَا يَصِحُّ إيجَابُهَا فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى فَيَصِيرُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَدَمًا فِي قَدْرِهِ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى غَيْرَ الْمُقَدَّرِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لِكَوْنِهِ مُتَفَاوِتًا فِي نَفْسِهِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ فَيَفْسُدُ ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُجَانِسُ الدَّرَاهِمَ لَا صُورَةً وَلَا وُجُوبًا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الثَّوْبَ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا أَوْ هُوَ فِي مَعْنَى السَّلَمِ كَالْبَيْعِ بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ وَالدَّرَاهِمُ تَجِبُ مُطْلَقًا ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَضُمَّ إلَى إقْرَارِهِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْهُ إقْرَارُهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَقَالَ فُلَانٌ قَدْ شِئْتُ فَهَذَا الْإِقْرَارُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ وَمَا نَجَّزَ ، وَاللُّزُومُ حُكْمُ التَّنْجِيزِ لَا حُكْمُ التَّعْلِيقِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِخَطَرٍ أَوْ شَرْطٍ نَحْوُ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إنْ مَطَرَتْ السَّمَاءُ أَوْ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إنْ قَضَى اللَّهُ أَوْ إنْ أَرَادَهُ أَوْ إنْ رَضِيَهُ أَوْ إنْ أَحَبَّهُ أَوْ إنْ أَصَبْتُ مَالًا أَوْ إنْ كَانَ كَذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا فِي الْحَالِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إقْرَارًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّا أَبْقَيْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمِينٌ وَلَهُ حُكْمٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ ثُمَّ إذَا جَاءَ الشَّرْطُ انْحَلَّ التَّرْكِيبُ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَهَاهُنَا الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا ، وَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ)

(5/15)


عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ فِي وُجُودِهِ خَطَرٌ وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ ، وَالْإِقْرَارُ لَا يُحْلَفُ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنْ كَانَ صِدْقًا لَا يَصِيرُ كَذِبًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ صِدْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ أَصْلًا ، وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ فِيمَا هُوَ إيجَابٌ لِيَتَبَيَّنَ بِالتَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَكَذَلِكَ كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِالشَّرْطِ نَحْوُ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إنْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَرَادَهُ أَوْ رَضِيَهُ أَوْ أَحَبَّهُ أَوْ قَدَّرَهُ أَوْ يَسَّرَهُ أَوْ إنْ بُشِّرْت بِذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا شَاكَلَهُ مُبْطِلٌ لِلْإِقْرَارِ إذَا كَانَ مَوْصُولًا لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا
وَلَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ إنْ مِتُّ فَهُوَ عَلَيْهِ إنْ مَاتَ أَوْ عَاشَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فَإِنَّ مَوْتَهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَمُرَادُهُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ عَلَى الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ حَتَّى لَا تَبْقَى ذِمَّتُهُ مُرْتَهَنَةً لِيَشْهَدُوا بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا جَحَدَتْ الْوَرَثَةُ فَيَكُونُ رَاجِعًا إلَى تَأْكِيدِ الْإِقْرَارِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ عَاشَ أَوْ مَاتَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ أَوْ إلَى الْفِطْرِ أَوْ إلَى الْأَضْحَى ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى الْأَجَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ مَقْبُولًا وَدَعْوَاهُ الْأَجَلَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ تَعْلِيقِ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ : أَصْلُهُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ وَالْكَائِنُ لَا يُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ وَإِنَّمَا يُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ غَيْرِ الْكَائِنِ لِيَصِيرَ كَائِنًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنْ كَانَ صِدْقًا لَا يَصِيرُ كَذِبًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ صِدْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ فَلَغَا تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ إلَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ سَبَبًا كَحُلُولِ الْأَجَلِ وَالْمَوْتِ وَمَجِيءِ الْغَدِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ مَحَلِّ الْأَجَلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ
وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي أَوَائِلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ فَقَالَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ الشَّرْطِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِنْشَاءَاتِ دُونَ الْإِخْبَارَاتِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الِاسْتِثْنَاءُ مُخْرِجٌ لِلْكَلَامِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً لَا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُعَاتَبْ عَلَى تَرْكِ الصَّبْرِ ، وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَعُوتِبَ ؛ لِأَنَّ الْوَعْدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بِكَلَامٍ هُوَ عَزِيمَةٌ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُؤَثِّرُ خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ اسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَنَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ» قُلْنَا هُوَ مُغَيَّرٌ وَالْمُغَيَّرُ لَا يَصِحُّ إلَّا مُتَّصِلًا كَالشَّرْطِ وَاسْتِثْنَاءُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لَا لِمَنْعِ الِانْعِقَادِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ هَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ أَوْ إبْطَالٌ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا نُعِيدُهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبِنَاءَ مِنْ الدَّارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَيْ ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ فُلَانٍ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ ا هـ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ أَوْ إلَى الْأَضْحَى) فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ وَهُوَ حَالٌّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُقِرَّ الطَّالِبُ بِالْأَجَلِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَيَلْزَمُهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ عِنْدَ عَدَمِهَا قَالَ تَعَالَى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف : 69] بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَصْبِرْ كَانَ خُلْفًا فِي الْوَعْدِ فَلَمَّا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَصِرْ مُخْلِفًا لِلْوَعْدِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا عُلِّقَ بِهَا تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْزَمَهُ الْمَالُ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ وَالْقِيَاسَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ فَائِدَةَ التَّعْلِيقِ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ وَتَأْخِيرُ مَا كَانَ مُتَحَقِّقًا فِي الْمَاضِي لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْمَاضِي وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ مُبْتَدَأٍ فِي الْحَالِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ تَعْلِيقُ أَمْرٍ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُتَحَقِّقٍ لَا يُعْرَفُ وُجُودُهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا عُلِّقَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى . ا هـ . (قَوْلُهُ هَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبِنَاءَ مِنْ الدَّارِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَرَّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا مَعْلُومًا فَإِنَّهُ لِي فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا لِي فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِمَا سِوَى الْمُسْتَثْنَى ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي ، وَلَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا لِفُلَانٍ ، وَكَذَا قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَلَكِنَّ هَذَا الْبَيْتَ لِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ وَنَخْلُهَا لِي أَوْ قَالَ النَّخْلُ بِأُصُولِهِ لِفُلَانٍ وَثَمَرَتُهُ لِي ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ كُلَّهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي لَمْ يُصَدَّقْ أَيْضًا عَلَى الْبِنَاءِ ، وَالْبِنَاءُ تَابِعٌ وَلَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ وَالْبِنَاءُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا دَخَلَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَالْأَتْبَاعُ لَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا
لَوْ قَالَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ لِفُلَانٍ إلَّا بَيَاضَهَا أَوْ جَمَالَهَا فَإِنَّهُ لِي أَلَيْسَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ كَذَا هُنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا الْبُسْتَانُ لِفُلَانٍ إلَّا نَخِيلَهُ بِغَيْرِ أُصُولِهِ فَإِنَّهُ لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الْجُبَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا بِطَانَتَهَا فَإِنَّهَا لِي أَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ فَإِنَّهَا لِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِلتَّوَابِعِ وَأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فِي الدَّارِ مِنْ مَبْسُوطِهِ

(5/16)


فَهُمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَخَلَ فِي الْإِقْرَارِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فَصَارَ وَصْفًا ، وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْمَلْفُوظِ ، وَلِكَوْنِ الْبِنَاءِ وَصْفًا لَا يَسْقُطُ بِاسْتِحْقَاقِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَفَوَاتِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الدَّارِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ لَفْظِ الدَّارِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا ؛ وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ هَذَا الْجُزْءُ أَوْ فَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَالطَّوْقُ فِي الْجَارِيَةِ وَالْفَصُّ فِي الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَكَانَ الْعَرْصَةِ الْأَرْضَ بِأَنْ قَالَ : بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الْبِنَاءُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كَالدَّارِ فَيَتْبَعُهَا الْبِنَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو حَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ لِزَيْدٍ صَارَ مِلْكًا لَهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ لِعَمْرٍو بِالْأَرْضِ إذْ لَا يَصْدُقُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مَمْلُوكٌ لَهُ
فَإِذَا أَقَرَّ بِالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ يَتْبَعُهَا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي أَوْ لِفُلَانٍ كَانَ الْكُلُّ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْأَرْضِ لَهُ مَلَكَ الْبِنَاءَ تَبَعًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَهُمَا فَيَنْفُذُ ، وَتَخْرِيجُ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِهِ وَأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنْ عَيَّنَ الْعَبْدَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ إنْ عَيَّنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَوْ أَقَرَّ فَقَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَتَكُونُ الْأَرْضُ مَعَ الْبِنَاء لِلْمُقِرِّ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَقَرَّ فَقَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا وَكَانَ مَا عَدَا الْبَيْتَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا هُوَ أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُرَكَّبٌ لَا مَقْصُودًا كَمَا دَخَلَ الْبِنَاءُ تَحْتَ بَيْعِ الدَّارِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا حَتَّى إذَا احْتَرَقَ الْبِنَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَدَلَّ أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِالدَّارِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْعَبْدِ وَاسْتَثْنَى يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ صِفَةً مِنْ أَوْصَافِهِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجٌ لِلْمُسْتَثْنَى مَقْصُودًا مِنْ اللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا كَالْإِقَالَةِ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْبَيْعِ تَبَعًا ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ مَقْصُودًا
وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ الْبِنَاءَ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْأَرْضُ لِلْمُقِرِّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا كَمَا فِي الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ مَقْصُودًا حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّ الْبَيْتَ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا صَحِيحٌ وَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ جُعِلَ مُقِرًّا لَهُ بِمَا وَرَاءَ الْبَيْتِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا الْبُسْتَانُ لِفُلَانٍ إلَّا نَخِيلَهُ بِغَيْرِ أُصُولِهِ فَإِنَّهُ لِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِالْبُسْتَانِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَكَانَ الْبِنَاءُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ لَا يَصِحُّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَثْنَى نَخِيلَهُ بِأُصُولِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَكَانَ كَالْبَيْتِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : هَذِهِ الْجُبَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا بِطَانَتَهَا ؛ لِأَنَّ الْبِطَانَةَ دَخَلَتْ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِالْجُبَّةِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا فِي الْبَيْعِ تَدْخُلُ الْبِطَانَةُ تَحْتَ بَيْعِ الْجُبَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ تَبَعًا فَكَانَتْ كَالْبِنَاءِ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَفَلَ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ جُبَّةَ خَزٍّ فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَ جُبَّةَ خَزٍّ كَانَ لَهُ الظِّهَارَةُ دُونَ الْبِطَانَةِ فَلَمْ تُجْعَلْ الْبِطَانَةُ فِي التَّنْفِيلِ تَبَعًا لِلْجُبَّةِ وَاعْتُبِرَ هَاهُنَا تَبَعًا لِلظِّهَارَةِ حَتَّى لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ
وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى جُبَّةِ خَزٍّ بِطَانَتُهَا مِثْلُ ظِهَارَتِهَا فِي النَّفَاسَةِ فَلَا تَكُونُ الْبِطَانَةُ تَبَعًا لِلظِّهَارَةِ فَكَانَتَا بِمَنْزِلَةِ جُبَّتَيْنِ وَمَا ذُكِرَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى جُبَّةٍ بِطَانَتُهَا فِي النَّفَاسَةِ دُونَ الظِّهَارَةِ فَتَكُونُ تَبَعًا لِلظِّهَارَةِ وَلَا تَكُونُ بِمَعْنَى جُبَّتَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ مِثْلَ الظِّهَارَةِ فِي النَّفَاسَةِ بِأَنْ كَانَتْ جُبَّةَ خَزٍّ ظِهَارَتُهَا وَبِطَانَتُهَا مِنْ خَزٍّ أَوْ مِنْ غَيْرِ خَزٍّ لَكِنَّهَا فِي النَّفَاسَةِ مِثْلُهَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبِطَانَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ حِينَئِذٍ قَالَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ فَإِنَّهُ لِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ دَخَلَتْ الْإِقْرَارَ بِالسَّيْفِ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ) يَعْنِي كَمَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ لَا يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْفَصِّ وَالنَّخْلَةِ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الصَّدْرِ تَبَعًا لَا لَفْظًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ تَبَعًا أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ ا هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ قَالَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ بُقْعَةٍ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْأَصْلِ إقْرَارًا بِالتَّبَعِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي ، وَلَوْ بَدَأَ فَقَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَهَا لِيُقَابِلَ بِهَا مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ أَرْضُ هَذِهِ إلَخْ . ا هـ . قَارِئُ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ الْأَلْفُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ فَحُكْمُهُ

(5/17)


الْمُقِرُّ الْعَبْدَ وَسَلَّمَهُ الْمُقَرُّ لَهُ إلَى الْمُقِرِّ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ بِهَذَا الْقَيْدِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ عَلَى صِفَةٍ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَا إذَا صَدَّقَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا يَكُونُ كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدُ عَبْدُكَ مَا بِعْتُكَهُ وَإِنَّمَا بِعْتُكَ عَبْدًا آخَرَ وَسَلَّمْتُهُ إلَيْك وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ مَا أَقَرَّ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِهِمَا وَلَا بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَاتِّحَادِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِغَصْبِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ : الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ قَرْضٌ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُكَهُ وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُقِرَّ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَبْدِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِهَا
وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ أَبِعْكَ هَذَا الْعَبْدَ وَإِنَّمَا بِعْتُكَ عَبْدًا آخَرَ فَحُكْمُهُ أَنْ يَتَحَالَفَا ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ وَهُوَ يُوجِبُ التَّحَالُفَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَزِمَهُ الْأَلْفُ كَقَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ لَزِمَهُ الْأَلْفُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ وَلَا تَفْسِيرُهُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : إنْ وَصَلَ صُدِّقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ خَمْرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ وَبَيَّنَ سَبَبَهُ وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ عَبْدٍ مَجْهُولٍ لَا يَجِبُ سَوَاءً كَانَتْ الْجَهَالَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِالِاخْتِلَاطِ بِأَمْثَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ أَوْ يَهْلِكُ بِهِ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الثَّمَنُ ، وَكَذَا ثَمَنُ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ وَصَدْرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَصَارَ بَيَانًا مُغَيِّرًا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ ، وَالْمُغَيِّرُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ لَمَّا كَانَ لِلْوُجُوبِ فَإِتْيَانُهُ فِي آخِرِهِ بِمَا يُنَافِي الْوُجُوبَ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا ؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ ادَّعَى تَأْخِيرَ الثَّمَنِ إلَى شَهْرٍ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي التَّأْجِيلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ حَالًا فَفِي إضَافَةِ الْبَيْعِ إلَى الْمَجْهُولِ وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّأْخِيرِ أَبَدًا كَانَ أَوْلَى : بَيَانُهُ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ
فَلَوْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ عَيْنًا لِيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ : الْمَبِيعُ غَيْرُ هَذَا ، وَكَذَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَلَا يَصِلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَأْتِي بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَتْنًا وَشَرْحًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ وَسَلَّمْته إلَيْك) أَيْ وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ) أَيْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ أَوْ فِي يَدِ الثَّالِثِ ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَإِنْ صَدَّقَهُ الطَّالِبُ فِيمَا أَقَرَّ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ عَايَنَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَذَلِكَ هَذَا ، فَأَمَّا إذَا قَالَ الطَّالِبُ الْعَبْدُ عَبْدِي وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بَدَلًا عَنْ هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعَبْدَ لَا يُسَلِّمُ الْمُقِرُّ لَهُ بَدَلَهُ فَأَمَّا إذَا قَالَ الْعَبْدُ عَبْدُك وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَهُ وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْجِهَةِ الَّتِي وَجَبَ الْأَلْفُ وَاتَّفَقَا عَلَى الْوُجُوبِ
أَمَّا الطَّالِبُ فَلِأَنَّهُ ادَّعَى وُجُوبَ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِسَبَبِ بَيْعِ عَبْدٍ آخَرَ اُشْتُرِيَ مِنْهُ وَقَبَضَهُ وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ بَدَلًا عَنْ هَذَا الْعَبْدِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْعَبْدَ فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ وَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْوُجُوبِ وَفِي مِثْلِ هَذَا يُقْضَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ فَقَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ مِنْ غَصْبٍ وَقَالَ الْآخَرُ لَا مِنْ قَرْضٍ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ هَذَا الْعَبْدِ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا فَصَارَ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ عَايَنَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي اُنْقُدْ الثَّمَنَ وَخُذْ الْعَبْدَ صَحَّ فَكَذَلِكَ هَذَا ، فَأَمَّا إذَا قَالَ الْعَبْدُ عَبْدُك وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ آخَرَ قَبَضْتَهُ مِنِّي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ وَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْوُجُوبِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْجِهَةِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ مَتَى تَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الطَّرِيقِ إذَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْحُكْمِ ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَبِعْك هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ عَبْدِي وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ وَقَبَضْتَهُ مِنِّي لَا يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْأَلْفِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَقَرَّ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعَبْدُ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْوُجُوبِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَيُسَلَّمُ الْعَبْدُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَيَبْطُلُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ بِبَيْعِ غَيْرِ هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْمُقِرُّ يَدَّعِي تَسْلِيمَ هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَتَحَالَفَانِ فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ ثَالِثٍ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَأَمْكَنَهُ تَسْلِيمُهُ لَزِمَهُ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ وَهُوَ يُوجِبُ التَّحَالُفَ) أَيْ فَإِذَا تَحَالَفَا بَطَلَ الْمَالُ عَنْ الْمُقِرِّ وَالْعَبْدُ سَالِمٌ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ . ا هـ . كِي (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَزِمَهُ الْأَلْفُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّ إقْرَارَهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ وَإِضَافَتُهُ إلَى مَبِيعٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يَقْتَضِي إسْقَاطَهُ فَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك ثَمَنَهُ أَوْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا ثُمَّ جُهِلَ ، وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَسُقُوطَ الثَّمَنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِدَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَى سُقُوطَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ فَقَدْ أَضَافَ الدَّيْنَ إلَى جِهَةٍ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ مِنْهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ بَيَانُهُ أَنَّ الثَّمَنَ إلَخْ) أَيْ بَيَانُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ الثَّمَنِ أَبَدًا ا هـ

(5/18)


الْبَائِعُ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ أَبَدًا فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْبُطْلَانِ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي السَّبَبِ بِأَنْ قَالَ : بِعْتُكَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ . وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ فَصَلَ أَمْ وَصَلَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا بَقِيَ أَمْرُ الْقَبْضِ مُجْمَلًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ نَصًّا وَلَا اقْتِضَاءً ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ إذْ هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَيَّنَ الْمَبِيعَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي السَّبَبِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَهُنَا لَا تَغْيِيرَ فِيهِ لِتَصَادُقِهِمَا فِي السَّبَبِ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْمُجْمَلَاتِ فَيَصِحُّ بَيَانُهُ مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا
وَلَوْ قَالَ : إنِّي اشْتَرَيْت مِنْهُ مَبِيعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الشِّرَاءِ مِنْهُ وَبِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْعَقْدِ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا ، وَعِنْدَهُمَا إذَا فَصَلَ الْبَيَانَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ هُنَاكَ بِالْوُجُوبِ فَلَا يَسْقُطُ بِآخِرِ كَلَامِهِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَرَامٌ أَوْ رِبًا فَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَلَالًا عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُورًا أَوْ بَاطِلًا إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَزِمَهُ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ هَذَا مِنْ فُلَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ وَحَبَسَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ نَفَذَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ أَقْرَضَنِي وَهِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ ، وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ لَهُمَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مُغَيِّرٌ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُ الْجِيَادَ وَالزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ حَتَّى لَوْ تُجُوِّزَ بِالزُّيُوفِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ وَالسَّتُّوقَةَ بِمَجَازِهِ إلَّا أَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يَقَعُ بِهَا وَالْأَذْهَانُ تَسْبِقُ إلَيْهَا فَكَانَ مُغَيِّرًا لِلْأَصْلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ وَنَقْدُ الْبَلَدِ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَيْبٌ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهُ وَدَعْوَاهَا رُجُوعٌ عَنْ مُقْتَضَى مَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ سَلِيمًا فَالْقَوْلُ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالسَّتُّوقَةُ وَالرَّصَاصُ لَيْسَا مِنْ الْأَثْمَانِ وَالْبَيْعُ يَرِدُ عَلَى الثَّمَنِ فَكَانَ رُجُوعًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْقَدْرَ فَصَارَ مُغَيِّرًا فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ دَارٍ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ حَيْثُ يُقْبَلُ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا بِخِلَافِ الْجُودَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيهَا وَلَا يَصِحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) أَيْ فِي السَّبَبِ بِأَنْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَجِبُ الثَّمَنُ وَإِنْ قَبَضَ أَيْضًا مَا لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ أَيْ إنَّمَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ وَإِلَّا فَالثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ يَجِبُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ مَا نَصُّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْبَيْعِ الْبَاتِّ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ .
(فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ وَوَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُصَدَّقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هُمَا مَرَّا عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ هَذَا بَيَانٌ مُغَيِّرٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَمَّا قَالَ عَلَيَّ فَقَدْ وَصَفَ بِالْوُجُوبِ فَإِذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَقَدْ نَاقَضَ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ الطَّالِبُ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنٍ حُرٍّ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ وَنَقَلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ إقْرَارِ الْأَصْلِ رِوَايَةَ هِشَامٍ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَقَالَ الطَّالِبُ بَلْ هُوَ مِنْ ثَمَنِ بُرٍّ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمَطْلُوبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثَمَنُ مَيْتَةٍ أَوْ رَطْلِ خَمْرٍ كَانَ بَاطِلًا ثُمَّ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُف رِوَايَةُ ابْن سِمَاعَة لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَرَامٌ أَوْ بَاطِلٌ لَزِمَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ) أَيْ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ) أَيْ وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ رَصَاصٌ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُصَدَّقُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ فَيَلْزَمُهُ الْجِيَادُ وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْغَصْبِ ، وَأَمَّا فِي الْغَصْبِ فَسَيَأْتِي الْحُكْمُ فِيهِ فِي الشَّارِحِ آخِرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ) أَيْ فِي رِوَايَةٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ مَعَ مُحَمَّدٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ فِي فَصْلِ بَيَانِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ الرَّدَاءَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِي الْحِنْطَةِ فَالْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ وَالرَّدَاءَةُ فِي الْحِنْطَةِ تَكُونُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَيَكُونُ هَذَا بَيَانَ النَّوْعِ لَا بَيَانَ الْعَيْبِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ أَفْلُسٍ مِنْ

(5/19)


اسْتِثْنَاؤُهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي اسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِغَصْبِ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَيُودِعُ مَا عِنْدَهُ فَلَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا ؛ لِأَنَّهُمَا نَوْعٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِيهِ يُقْبَلُ مَفْصُولًا ؛ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَقْبُوضِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا مَوْصُولًا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ مَجَازًا فَكَانَ مِنْ بَابِ التَّغْيِيرِ فَلَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إنْ وَصَلَ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَأَشْبَهَ الْغَصْبَ وَالْوَدِيعَةَ
وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّعَامُلِ فَأَشْبَهَ مَا يَجِبُ بِالْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ غَصَبْت أَلْفًا ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا فَصَلَ كَمَا فِي الْقَرْضِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ قِيلَ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا إذَا وَصَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَقْدِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْجُودَةِ بِهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْوُجُوبِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لَهُ وَهُوَ التِّجَارَةُ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا مُتَّصِلًا صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْقَدْرَ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَلَوْ كَانَ الِانْقِطَاعُ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ أَوْ بِسَبَبِ دَفْعِ السُّعَالِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا وَصَلَهُ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَيَذْكُرَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي آخِرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا يَكُونُ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَجَاءَ بِمَعِيبٍ صُدِّقَ) ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً وَهَلَكَتْ ، وَقَالَ : أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثَمَنِ مَبِيعٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ كَاسِدَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَصَلَ ؛ لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ عَيْبٌ فِيهَا فَصَارَ كَالزُّيُوفِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ
وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكَاسِدَةِ وَالزُّيُوفِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْكَسَادَ فَقَدْ ادَّعَى فَسَادَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ كَاسْتِثْنَاءِ الْقَدْرِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ) أَيْ عَنْ الْعَيْبِ عُرْفًا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا يَرِدُ فِي الْجِيَادِ يَرِدُ فِي الزُّيُوفِ فَكَانَ ذَلِكَ بَيَانَ النَّوْعِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً فَجَاءَ بِهِ وَهُوَ مَعِيبٌ خَلَقٌ ، فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا هَذَا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي قَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنْ قَالَ مَوْصُولًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي السَّتُّوقَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ، وَإِنْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ صُدِّقَ إنْ وَصَلَ وَلَمْ يُصَدَّقْ إذَا فَصَلَ يَعْنِي فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَقِيقَةً ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا صُورَةً فَصَارَ إرَادَتُهَا بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ كَإِرَادَةِ الْمَجَازِ بِاسْمِ الْحَقِيقَةِ وَإِذَا بَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَجَازَ مَوْصُولًا قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا ا هـ
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي السَّتُّوقَةِ مَا نَصُّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إنْ وَصَلَ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ هِيَ زُيُوفٌ يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ قَوْلَهُ هِيَ زُيُوفٌ بِقَوْلِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَمَّا إذَا قَطَعَ كَلَامَهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ زَمَانٍ هِيَ زُيُوفٌ لَا يُصَدَّقُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ فَرُبَّمَا يَكُونُ الْمَقْبُوضُ زَيْفًا فَيُصَدَّقُ فِيمَا إذَا وَصَلَ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَأَرَادَ بِالْأُصُولِ الْجَامِعَيْنِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْمَبْسُوطِ وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَغَيْرُهَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْأَمَالِي وَالنَّوَادِرِ وَالرُّقَيَّاتِ والهارونيات والكيسانيات . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ ا هـ
(قَوْلُهُ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا أَيْ يَتَنَاوَلُ الزُّيُوفَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَلَوْ أَرْسَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ ثُمَّ قَالَ : هِيَ زُيُوفٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْأُصُولِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَاهُنَا يُصَدَّقُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ تَجِبُ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَاَلَّذِي قَالَ عَلَى الِاخْتِلَافِ هُوَ الْكَرْخِيُّ كَذَا ذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَمِنْ هَذَا عَرَفْت قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ : لَا يُصَدَّقُ أَيْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الصَّادِرَ مِنْهُ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَشْرُوعَةُ وَالْحُكْمُ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ هَذَا عِنْدَهُ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَصْبِ حَتَّى يُجْعَلَ مُصَدَّقًا فِي دَعْوَى الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ أَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحَرَامِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْصَرِفَ إقْرَارُهُ إلَى الْوَدِيعَةِ فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ كَمَا فِي الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَنْفِي الْوَدِيعَةَ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ل قَاضِيخَانْ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) مُكَرَّرٌ . ا هـ .

(قَوْلُهُ كَالْوَدِيعَةِ) فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا غَصَبَ سَوَاءً وَصَلَ أَوْ فَصَلَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

(5/20)


أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ ؛ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» ثُمَّ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ وَهُوَ الْإِذْنُ بِالْأَخْذِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْخَصْمُ عَنْ الْيَمِينِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ وَالْأَخْذُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ إلَّا بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الضَّمَانِ ، فَالْمَالِكُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَقْدَ وَذَاكَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَعَلَى هَذَا إذَا أَقَرَّ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَدِيعَةً ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ : أَعْطَيْتَنِيهَا وَدِيعَةً وَقَالَ : غَصَبْتَنِيهَا لَا) أَيْ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٍ فَهَلَكَتْ وَقَالَ الْمَالِكُ : لَا بَلْ غَصَبْتَهَا مِنِّي لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ بَلْ أَقَرَّ بِالْإِعْطَاءِ وَهُوَ فِعْلُ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ كَالْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَالْإِقْرَارُ بِالدَّفْعِ كَالْإِقْرَارِ بِالْإِعْطَاءِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ . فَإِنْ قِيلَ إعْطَاؤُهُ وَالدَّفْعُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ هُوَ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْن يَدَيْهِ وَلَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ فَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ ضَرُورَةً فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ انْعِقَادِهِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ عَدَمٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَإِنْ قَالَ هَذَا كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَكَ فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ : هُوَ لِي أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَقْرَضْتُك أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْك يَجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ دَفْعُهَا إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ آجَرْتُ بَعِيرِي أَوْ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَرَكِبَهُ أَوْ لَبِسَهُ فَرَدَّهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ الْبَعِيرُ وَالثَّوْبُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ بِالْإِعَارَةِ أَوْ الْإِسْكَانِ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَهُ دُونَ دَعْوَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَمَا فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ عَلَى مَا مَرَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ثَبَتَتْ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) أَيْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْخَصْمُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقِرِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ ا هـ . (قَوْلُهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُقِرِّ ا هـ . (قَوْلُهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ) أَيْ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ مَكَانَ الْقَرْضِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ بِلَا خِلَافٍ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا) فِي الْخُلَاصَةِ أَخَذْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ عَارِيَّةً وَقَالَ صَاحِبُهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَلْبَسْهُ أَمَّا إذَا لُبِسَ وَهَلَكَ يَضْمَنُ ا هـ.

(قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْفِعْلِ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُقِرُّ لَفْظَ الْأَخْذِ ، وَقَالَ أَوْدَعْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ وَقَالَ الطَّالِبُ غَصَبْتَنِي ، وَأَنْتَ ضَامِنٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ ا هـ . (قَوْلُهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ قَبَضْتُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ غَصَبْتَهَا كَانَ ضَامِنًا كَمَا إذَا قَالَ أَخَذْتُهَا وَدِيعَةً . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ هُوَ) أَيْ الدَّفْعُ وَالْإِعْطَاءُ ا هـ (قَوْلُهُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ بِدُونِ قَبْضِهِ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَاهُ الْإِيدَاعَ إلَّا بِحُجَّةٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ) أَيْ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَرَدَّهُ) فَقَالَ فُلَانٌ كَذَبْت بَلْ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ لِي . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ بِالْإِعَارَةِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَعَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فُلَانًا فَرَكِبَهَا وَرَدَّهَا أَوْ قَالَ أَعَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ وَرَدَّهُ ا هـ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِسْكَانُ) بِأَنْ قَالَ أَسْكَنْتُ فُلَانًا بَيْتِي هَذَا ثُمَّ أَخْرَجْتُهُ فَادَّعَى السَّاكِنُ أَنَّهُ لَهُ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّاكِنِ بَعْدَمَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَسْكَنَهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرُّ ا هـ (قَوْلُهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ) أَيْ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ثَبَتَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ جَعَلَ فِيهَا الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ حَيْثُ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُقِرِّ وَذَكَرَ الْقُمِّيُّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ : إنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ قَالَ أَخَذْتهَا مِنْهُ فَوَجَبَ جَزَاؤُهُ وَجَزَاءُ الْأَخْذِ الرَّدُّ وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ قَالَ فَرَدَّهَا عَلَيَّ فَافْتَرَقَا لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْوَضْعِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ يَأْخُذُهَا الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ مَعَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّارِعَ أَحْسَنَ فِي إطْلَاقِ الْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَقَضَاءً لِحَوَائِجِهِمْ مَعَ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ ، وَكُلُّ قِيَاسٍ يَرْجِعُ إلَى نَقْضِ هَذَا الِاسْتِحْسَانِ فَهُوَ بَاطِلٌ مِثْلُ قِيَاسِ مَنْ عَلَّلَ بِعَدَمِ الْمَنَافِعِ لِإِبْطَالِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَإِذَا كَانَ إطْلَاقُ الْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ لِمَرَافِق النَّاسِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُقِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ

(5/21)


بِالْيَدِ لَهُمَا مَقْصُودًا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُقِرِّ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِمَا مَقْصُودَةٌ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا إقْرَارًا لَهُمَا بِالْيَدِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ أَقَرَّ بِيَدٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي كَيْفِيَّتِهَا وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَ وَدِيعَةً ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ يَهُبَّ فِيهِ الْهَوَاءُ وَيُلْقِيَهُ فِي دَارِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ : أُودِعْتَهَا كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا وَعَدَمِ ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ عَلِيٌّ الْقُمِّيُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَدَارَ الْفَرْقِ ذَلِكَ ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ أَيْضًا فِي الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ مَعْرُوفَةً لِلْمُقِرِّ ، وَلَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ
وَلَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ خَاطَهُ لِي بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلَانٌ ثُمَّ قَبَضْتُهُ مِنْهُ وَقَالَ فُلَانٌ : الثَّوْبُ ثَوْبِي فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ اقْتِضَاءً لِحَقِّهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا يُبَرِّئُهُ مِنْ الضَّمَانِ وَهُوَ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيه مِنْ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِجَارَةِ وَأَشْبَاهِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ فِيهَا بِالْمِلْكِ وَلَا بِالْيَدِ لَهُ مَقْصُودًا وَلَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ مِنْهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ ؛ وَلِأَنَّا لَوْ أَخَذْنَا النَّاسَ فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ بِإِقْرَارِهِمْ لَامْتَنَعُوا مِنْهُمَا وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ بَيِّنٌ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِمَا فَلَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ اسْتِحْسَانًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ ، وَلَوْ قَالَ إنَّ فُلَانًا زَرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمِلْكُ مِلْكِي وَفَعَلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي ، وَقَالَ الْمُقِرُّ لَا بَلْ اسْتَعَنْتُ بِك فَفَعَلْتُ أَوْ فَعَلْتَهُ بِأَجْرٍ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِالْيَدِ لَا صَرِيحًا وَلَا اقْتِضَاءً وَإِنَّمَا أَقَرَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَهَبَ مَرَافِقُ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَعَارَ أَوْ آجَرَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ يَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ امْتَنَعَ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا تَخْتَلَّ حَوَائِجُ النَّاسِ فَهَذَا وَجْهٌ مَرْجِعُهُ إلَى الْإِجْمَاعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الْوَجْهُ الْفِقْهِيُّ أَنَّ الْيَدَ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ فَلَا تَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ إذَنْ إقْرَارُهُ بِالْيَدِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْإِيدَاعِ مَقْصُودَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحِفْظُ وَلَا يَكُونُ الْحِفْظُ بِدُونِ الْيَدِ فَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ مَقْصُودَةً فِي الْوَدِيعَةِ كَانَ إقْرَارًا بِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْيَدِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ عَلَّلَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ : الْيَدُ فِي الْإِيدَاعِ مَقْصُودَةٌ دُونَ الْإِعَارَةِ ا هـ
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ) أَيْ وَهِيَ الْإِجَارَةُ وَالْإِسْكَانُ وَالْإِعَارَةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ) لَمْ يَعْزِهِ إلَى الْأَسْرَارِ وَإِنَّمَا عَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَ فُلَانٌ الثَّوْبُ ثَوْبِي) أَعَرْتُكَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يُسَلَّمُ إلَى الصَّبَّاغِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ خَاطَ لِي قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ لَمْ يُرَدَّ الثَّوْبُ عَلَى الْخَيَّاطِ فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لِلْخَيَّاطِ بِالْيَدِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خَاطَهُ فِي مَنْزِلِهِ ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ فِي الْوَدِيعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إلَخْ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ) وَفِي الْغَايَةِ ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْأُصُولِ ا هـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا : هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ اقْتَضَيْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْتُ ، أَوْ قَالَ أَقْرَضْتُ وَأَخَذْتُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ ، قَالَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ فَإِذَا أَقَرَّ بِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ وَأَخْذِ الْقَرْضَ كَانَ مُقِرًّا بِأَخْذِ مِثْلِ حَقِّهِ وَالْمِثْلُ مِلْكُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَصْلِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِهِ لَهُ فَيُرَدُّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ
أَمَّا فِي صُورَةِ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ فَالْمَقْبُوضُ عَيْنُ مَا ادَّعَى فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابٍ بَعْدَ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ : وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ فُلَانٌ مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ وَلَكِنَّكَ أَخَذْتَهَا مِنِّي ظُلْمًا فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُؤْخَذُ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ ، وَمُطْلَقُ الْأَخْذِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَقَدْ ادَّعَى جِهَةً مَانِعَةً مِنْ التَّمْكِينِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهَا هِبَةً ، أَوْ صَدَقَةً ، أَوْ وَدِيعَةً ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى جِهَةً مَانِعَةً مِنْ الضَّمَانِ فَلَا يُصَدَّقُ ، أَوْ قَالَ قَبَضْتُهَا بِوَكَالَةٍ مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْك ، أَوْ وَهَبْتُهَا لَهُ فَأَمَرَنِي فَقَبَضْتُهَا وَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَلَمْ تَثْبُتْ الْجِهَةُ الَّتِي ادَّعَاهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ لَامْتَنَعُوا مِنْهُمَا) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَعَارَ شَيْئًا أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِ يَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ امْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا تَخْتَلَّ حَوَائِجُ النَّاسِ . ا هـ . إتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ لَا بَلْ اسْتَعَنْتُ بِك) أَيْ عَلَى الزِّرَاعَةِ ، أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(5/22)


بِمُجَرَّدِ فِعْلٍ مِنْهُ ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ يَدِهِ فِيهِ بِأَنْ يَفْعَلَهُ وَهُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ بَلْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ : خَاطَ لِي هَذَا الْقَمِيصَ فُلَانٌ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ لِتَصَوُّرِ فِعْلِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَفِي بَيْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِالسُّكْنَى فِي دَارِهِ ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَكُونُ إلَّا بِالْيَدِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ لَهُ بِهِ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا السَّمْنَ أَوْ هَذَا الْجُبْنَ مِنْ بَقَرَةِ فُلَانٍ أَوْ هَذَا الصُّوفَ مِنْ غَنَمِهِ أَوْ هَذَا التَّمْرَ مِنْ نَخْلِهِ وَادَّعَى فُلَانٌ أَنَّهُ لَهُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ شَيْءٍ إقْرَارٌ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةُ فُلَانٍ لَا بَلْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الْمُقِرِّ مِثْلُهُ الثَّانِي) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ صَحَّ إقْرَارُهُ لَهُ وَصَارَ مِلْكًا لَهُ لِثُبُوتِ يَدِهِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَلْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ إضْرَابٌ عَنْهُ وَرُجُوعٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهَا لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا ، وَقَدْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَيَضْمَنُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالْإِيدَاعِ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ وَشَهِدَ بِهِ لِلثَّانِي فَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ وَشَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ مِنْ الثَّانِي ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهَا فَيَضْمَنُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْأَلْفُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا بَلْ لِفُلَانٍ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَإِقْرَارَهُ لِلثَّانِي صَحِيحٌ فَيَلْزَمُهُ لَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ وَاحِدًا بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفَانِ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُهُمَا اسْتِحْسَانًا وَهُوَ الْأَلْفَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْمَالَانِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَلْ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَاسْتِدْرَاكُ غَلَطٍ بِالثَّانِي ، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَإِقْرَارُهُ بِالْمَالَيْنِ صَحِيحٌ فَلَزِمَاهُ فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالَيْنِ بِأَنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفُ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا إقْرَارَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْمُقَرِّ لَهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ تَكْرَارًا كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ مَرَّتَيْنِ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَانِ لِذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفَانِ فَكَذَا هَذَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَوْ اخْتِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَسْتَحِيلُ جَعْلُهُ تَكْرَارًا وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ لِلثَّانِي فَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَصْفِ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ جِيَادٌ لَا بَلْ زُيُوفٌ أَوْ أَلْفٌ زُيُوفٌ لَا بَلْ جِيَادٍ لَزِمَهُ الْجِيَادُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكُ الْغَلَطِ فِي الصِّفَةِ فَيَلْزَمُهُ أَفْضَلُ الصِّفَتَيْنِ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي الِاسْتِدْرَاكِ فِي الْغَلَطِ فِي الْمِقْدَارِ أَكْثَرُ الْمَالَيْنِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْدَأَ دَاخِلٌ فِي الْأَجْوَدِ كَمَا أَنَّ الْأَقَلَّ دَاخِلٌ فِي الْأَكْثَرِ ، وَلَوْ قَالَ غَصَبْت فُلَانًا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ فُلَانًا لَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ مِنْهُمَا وَهُوَ فِعْلٌ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ ، وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي مِثْلُهَا وَلَوْ قَالَ : غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَفُلَانًا مِائَةَ دِينَارٍ وَفُلَانًا كُرَّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلرَّابِعِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلثَّالِثِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ وَرُجُوعٌ عَنْ الْأَخِيرِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ لَا رُجُوعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ قُدِّمَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَيْنُ الصِّحَّةِ وَدَيْنُ الْمَرَضِ يَسْتَوِيَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَفِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ إذْ هِيَ مَحَلُّ الْوُجُوبِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْوُجُوبِ وَصِحَّتِهِ بِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْمِلَانِهِ عَلَى الصِّدْقِ وَيَزْجُرَانِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ بَلْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ يَزْدَادُ رُجْحَانُ جِهَةِ الصِّدْقِ ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ التَّوَرُّعِ وَالْإِنَابَةِ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْمَحَلِّ اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِيفَاءِ ؛ وَلِهَذَا يَسْتَوِيَانِ إذَا كَانَ وُجُوبُهُ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ كَالشِّرَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَكَالتَّزْوِيجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ بِفِعْلِهِ) أَيْ وَهُوَ إقْرَارُهُ بِهَا لِلْأَوَّلِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِقْرَارًا بِهِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالْإِقْرَارُ ا هـ.

(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ) أُخِّرَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ إمَّا ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ ، أَوْ ؛ لِأَنَّ فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ اخْتِلَافًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ وَإِقْرَارُ الصَّحِيحِ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَكَانَ أَقْوَى وَبِالتَّقْدِيمِ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَأُفْرِدَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِبَابٍ لِكَثْرَةِ أَحْكَامِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ بِالْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ ا هـ . هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَإِذَا قُضِيَتْ وَفَضَلَ شَيْءٌ كَانَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ حَالَةَ الْمَرَضِ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعَانٍ ثُمَّ قَالَ وَمِنْهَا أَنَّ دَيْنَ الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ فِي مَرَضِهِ لِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ ، أَوْ أَمَانَةٍ بِأَنْ قَالَ : مُضَارَبَةٌ ، أَوْ وَدِيعَةٌ ، أَوْ غَصْبٌ يُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ فَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ إلَى غُرَمَاءِ الْمَرَضِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَسْتَوِيَانِ إذَا كَانَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا اسْتَقْرَضَ مَالًا فِي مَرَضِهِ وَعَايَنَ الشُّهُودُ دَفْعَ الْمُقْرِضِ الْمَالَ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَايَنَ الشُّهُودُ قَبْضَ الْمَبِيعِ ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، أَوْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَكُونُ مُسَاوِيَةً لِدُيُونِ الصِّحَّةِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ لَا مَرَدَّ لَهَا

(5/23)


بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَهَنَ عَيْنًا أَوْ آجَرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُنَا أَيْضًا فِي إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَصْحَابِ الدُّيُونِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ اسْتِيفَاءً ؛ وَلِهَذَا مُنِعَ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِمْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُهَا مَعْرُوفًا كَالنِّكَاحِ الْمُشَاهَدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَالْبَيْعِ الْمُشَاهَدِ وَالْإِتْلَافِ الْمُشَاهَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا التُّهْمَةُ فِي الْإِقْرَارِ ، وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُمْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَفِي النِّكَاحِ إنْ كَانَ يَبْطُلُ لَكِنَّ حَقَّهُ فِيهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَأْكَلِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَسْكَنِهِ وَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ حَيْثُ يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ وَلِهَذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ مُطْلَقًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَحَالَةُ الْمَرَضِ حَالَةُ عَجْزٍ فَيُمْنَعُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرَ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ

وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِيهِ ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّهُمْ ، وَإِنَّمَا حَوَّلَهُ مِنْ مَحَلٍّ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مَحَلٍّ حَصَّلَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَدَّ عَيْنَ مَا اسْتَقْرَضَهُ إلَى الْمُقْرِضِ أَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِمَا يُعَادِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ لَا يُعَدُّ إخْرَاجًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَعْطَاهَا الْمَهْرَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُشَارِكُوا الْمَرْأَةَ فِيمَا قَبَضَتْ ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَيْنًا وَأَوْفَى أُجْرَتَهَا فَإِنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَضَى حَقَّ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ ، وَلَهُمْ فِيهِ أَنْ يُشَارِكُوهُ فَكَذَا هَذَا . فَإِنْ قِيلَ : يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِوَارِثٍ آخَرَ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ يَحْجُبُ غَيْرَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِالْمُزَاحَمَةِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ الْحَجْبِ قُلْنَا : إنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَارِثِ الْمَالَ بِالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا وَالِاسْتِحْقَاقُ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا فَيُضَافُ إلَى الْمَوْتِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَا بِالنَّسَبِ قَبْلَ الْمَوْتِ ثُمَّ مَاتَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَوَرِثَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ بِالْمَوْتِ فَأَمَّا الدَّيْنُ فَلَا يَجِبُ بِالْمَوْتِ بَلْ بِالْإِقْرَارِ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ

وَدَيْنُ الْمَرَضِ إذَا كَانَ سَبَبُهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْمَرَضِ كُلَّهَا بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الْحَجْرِ فَيَسْتَوِي فِيهَا السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ كَمَا أَنَّ أَحْوَالَ الصِّحَّةِ كُلَّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
؛ وَلِأَنَّهُ بِالْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي التَّرِكَةِ مِقْدَارَ الدَّيْنِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهَا وَمَتَى لَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُقُوقِهِمْ بِالْإِبْطَالِ نَفَذَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ ؛ وَلِهَذَا مُنِعَ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِاسْتِوَاءِ الْحَالَيْنِ يَعْنِي لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ التَّبَرُّعِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ فِيمَا لَمْ تَسْتَغْرِقْ الدُّيُونُ جَمِيعَ مَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَفِي حَقِّ الثُّلُثِ يُمْنَعُ أَيْضًا إذَا اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ جَمِيعَ مَالِهِ . ا هـ . كَاكِيٌّ .
(فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي : وَلَوْ مَرِضَ وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ ، أَوْ مُضَار بِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ قُسِمَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدَيْهِ فَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ فَقَدْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ مَعْنًى وَالْكُلُّ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ فَاسْتَوَتْ الدُّيُونُ فِي التَّعَلُّقِ ، وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ : لَا حَقَّ لِي قِبَلَ الْمَيِّتِ ، أَوْ قَدْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ دَيْنِي كَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَرِيمِ الْآخَرِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ وُجِدَتْ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْكُلِّ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ بِإِبْرَاءِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ لَمْ يُبْرِئْهُ الْأَوَّلُ وَلَكِنَّهُ أَكْذَبَهُ فِي الْإِقْرَارِ وَرَدَّهُ كَانَتْ الْأَلْفُ كُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِكْذَابِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ وَلَا تَعَلُّقَ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَيَسْبِقُهُ فِي التَّعَلُّقِ لِمَا بَيَّنَّا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَأْكَلِهِ وَمَلْبَسِهِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ تَزَوَّجَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يُولَدُ لَهُ عَادَةً أَوْ الْمَرْأَةُ آيِسَةٌ ، أَوْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ لَهُ نِسَاءً وَجِوَارِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشَارِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ قُلْنَا النِّكَاحُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ مِنْ الْحَوَائِجِ ، وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ لَا لِلْعَارِضِ وَهَذِهِ الْعَوَارِضُ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا لِيُبْتَنَى الْأَمْرُ عَلَيْهَا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي الصِّحَّةِ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَا أَنَّ الدَّيْنَ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فَقَالَ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِالْمَالِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَيَتَحَقَّقُ التَّمَيُّزُ فَلَمْ تَقَعْ الْحَاجَةُ إلَى تَعْلِيقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ وَهَذِهِ أَيْ حَالَةُ الْمَرَضِ حَالَةُ الْعَجْزِ عَنْ الِاكْتِسَابِ إذْ الْمَرِيضُ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ فَتَعَيَّنَ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ . ا هـ . كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ) يَعْنِي إذَا قَضَى الْمَرِيضُ بَعْضَ الدُّيُونِ مِنْ دُيُونِ الصِّحَّةِ وَالدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابِ يُرَدُّ ذَلِكَ وَيُجْعَلُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ إلَّا إذَا قَضَى الْقَرْضَ ، أَوْ أَدَّى ثَمَنَ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ الْمُقْرِضُ وَالْبَائِعُ أَحَقَّ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لِغُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَغَيْرِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) جَوَابُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي إذَا أَقَرَّ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ ثَانِيًا أَنْ لَا يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِمَالِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِهِ . ا هـ . كَاكِيٌّ

(5/24)


بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ مَعَ حَالَةِ الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ صِفَةً مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالْحَجْرِ فَيُقَدَّمُ دَيْنُ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ وَيُقَدَّمُ فِيهِ دَيْنُهُ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا فَإِذَا صَحَّ إقْرَارُهُ نَفَذَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَى الثُّلُثِ وَعَلَّقَ حَقَّ الْوَرَثَةِ بِالثُّلُثَيْنِ فَكَذَا إقْرَارُهُ لَكِنْ تُرِكَ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ : إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ ذِمَّتِهِ وَرَفْعَ الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَسَائِرِ حَوَائِجِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّهِ ؛ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ كَفَنُهُ عَلَيْهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُخِّرَ الْإِرْثُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الدُّيُونِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ لِمَا بَيَّنَّا آنِفًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ بَطَلَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيمَا فِيهِ فِكَاكُ رَقَبَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ حَقٍّ ثَابِتٍ عَلَيْهِ وَجَانِبُ الصِّدْقِ رَاجِحٌ فِيهِ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَبِوَارِثِ آخَرَ وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنِ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ جَمِيعِهِمْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَقِيَّةِ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِوَرَثَتِهِ كَمَا لَا يُمَكَّنُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِ حَذَرًا مِنْ إتْوَاءِ أَمْوَالِهِمْ فَيَنْسَدُّ عَلَيْهِ طَرِيقُ التِّجَارَةِ وَالْمُدَايَنَةِ فَيُحْرَجُ حَرَجًا عَظِيمًا فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُعَامَلَةِ كَمَا لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ مِنْ التَّبَرُّعِ إلَى الثُّلُثِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَعَهُ نَادِرَةٌ إذْ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهَا ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَقَاءِ نَسْلِهِ وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ قَصْدًا ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ حَقُّهُمْ بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ دِينُهُمَا وَفِي الْإِقْرَارِ يَبْطُلُ فِي الْحَالِ بِإِقْرَارِهِ قَصْدًا فَافْتَرَقَا وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ كَانَ لِلتُّهْمَةِ فَانْتَفَى الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ كَذَّبْنَاهُ فَمَاتَ وَجَبَ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهَلًا ، وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَكْذِيبِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِاسْتِهْلَاكِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ كَانَ لِحَقِّهِمْ فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَقَرُّوا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ فَيَلْزَمُهُمْ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى وَارِثِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَقِيَّةُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ أَصْلًا كَمَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ أَوْ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَتَبَرُّعَاتِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا جَوَابَهُ وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا صَحَّ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ) حَيْثُ لَا يَصِحَّانِ لَهَا أَيْضًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا عَنْ عُمَرَ ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الْأَصْلِ حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيهِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَ إقْرَارِهِ فِي الْجَمِيعِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي الْجَمِيعِ كَالصَّحِيحِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِوَارِثٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِجَوَازِ إيثَارِهِ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ ا هـ .
(فَرْعَانِ) مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ ، أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ وَارِثِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى وَارِثِهِ الْمَرِيضِ وَكَذَّبَهُ الْمُوَرِّثُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَلَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ مَدْيُونِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ . ا هـ . قَاضِيخَانْ (قَوْلُهُ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ) صَوَابُهُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ فَتَأَمَّلْ ا هـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ بَطَلَ) ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنِ الْمَهْرِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَإِنْ كَانَ هَذَا إقْرَارًا لِلْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ لَا تُهْمَةَ فِيهِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ . ا هـ . تَتِمَّةٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ إلَخْ) وَتَصْدِيقُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ هُنَا صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ وَالْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَا عِبْرَةَ لِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِيهِمَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ا هـ كَذَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى . ا هـ . (قَوْلُهُ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ) أَيْ لَهُ حَالَةَ الصِّحَّةِ وَإِقْرَارِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا وَصِيَّةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ» . ا هـ .

(5/25)


كَمَا لَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ لَهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَحَصَلَتْ التُّهْمَةُ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَهَبَهَا أَوْ أَوْصَى لَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَلَنَا أَنَّ النَّسَبَ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْبُنُوَّةَ كَانَتْ حَالَةَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ فَإِنَّهَا حَادِثَةٌ فَتَكُونُ مُقْتَصِرَةً عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهَا شَيْئًا أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ تَبْطُلُ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ حَتَّى لَا تَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْوَصِيَّةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَصَارَتْ كَالْوَصِيَّةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ دُونَ الْمَوْتِ أَوْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا وَلَمْ يَكُنْ وَارِثًا فِيمَا بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَصَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ
فَإِنْ كَانَ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ دُونَ وَقْتِ الْمَوْتِ بِأَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ مَثَلًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا لَا فِيمَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ وَالَى رَجُلًا فَأَقَرَّ لَهُ ثُمَّ فَسَخَ الْمُوَالَاةَ ثُمَّ عَقَدَاهَا ثَانِيًا لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مُتَّهَمٌ فِي الطَّلَاقِ وَفَسْخِ الْمُوَالَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ امْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَبْقَى وَارِثًا إلَى الْمَوْتِ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَلَمْ يَبْقَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ أَجْنَبِيًّا نَفَذَ الْإِقْرَارُ كَمَا لَوْ أَنْشَأَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْقِدْ ثَانِيًا كَانَ جَائِزًا فَكَذَا إذَا عَقَدَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ يُنْظَرْ فَإِنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْأَبِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَالتَّزَوُّجِ وَعَقْدِ الْمُوَالَاةِ جَازَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حَصَلَ لِلْوَارِثِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ ، وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ حِينَ صَدَرَ حَصَلَ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا لِلْوَارِثِ فَنَفَذَ وَلَزِمَ فَلَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ ؛ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَتُعْتَبَرُ وَقْتَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ بِأَنْ أَقَرَّ مُسْلِمٌ مَرِيضٌ لِأَخِيهِ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَ مَحْجُوبًا بِالِابْنِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ لَهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ
وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَارِثُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَرِيضِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حَصَلَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَقَالَ آخِرًا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرِيضِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَرَثَةُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَتِمُّ بِهِ ثُمَّ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعَبْدٍ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِ الْمَرِيضِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِيهِ) أَيْ فِي الْمَرَضِ (فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ) هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ لَكِنْ لَمَّا أَقَرَّ لَهَا بِالدَّيْنِ بَقِيَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ثُمَّ وُجِدَ لَهُ وَلَدٌ) أَيْ وَبَقِيَ الْوَالِدُ إلَى أَنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ أَقَرَّ وَارِثُهُ بِمُوَالَاةٍ ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ وَيَوْمَ مَاتَ وَارِثُهُ وَقَدْ خَرَجَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ بِبَيْنُونَةٍ ، أَوْ فَسْخٍ لِلْمُوَالَاةِ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ الْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الْإِقْرَارِ وَحَالَةِ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْإِقْرَارِ حَالَةُ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَحَالَةَ الْمَوْتِ حَالَةُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْحُكْمِ بِهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : بِأَنَّ الْإِقْرَارَ وُجِدَ فِي حَالِ كَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا ، وَالْإِقْرَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ قَوْلُهُ حَالَ نَفَاذِهِ هُوَ وَارِثٌ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا يَكُونُ الْإِرْثُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَلَيْسَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ كَذَلِكَ هَاهُنَا ا هـ .
وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَدْ رَجَعَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ هَذَا وَوَافَقَ مُحَمَّدًا كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ا هـ . وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ رُجُوعِ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ نَفَذَ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ وَارِثًا فَيَصِيرُ إقْرَارًا لِلْوَارِثِ فَلَا يَجُوزُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ) قَالَ فِي وَصَايَا الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَبْدٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ كَانَ سَبَبُ التُّهْمَةِ بَيْنَهُمَا قَائِمًا وَهُوَ الْقَرَابَةُ الَّتِي صَارَ بِهَا وَارِثًا فِي ثَانِي الْحَالِ وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التُّهْمَةِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافَ زُفَرَ فِي الْإِقْرَارِ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ ، أَوْ عَبْدٌ فَقَالَ : إنَّ الْإِقْرَارَ صَحِيحٌ عِنْدَ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ) إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَلُهَا لِمَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ السَّبَبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ السَّابِقُ . ا هـ ..

(5/26)


مُتَّهَمَيْنِ فِيهِ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ عَلَى الطَّلَاقِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ لَهَا فَتُعْطَى أَقَلَّهُمَا رَدًّا لِقَصْدِهِمَا وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لَهَا تُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ وَمِنْ الْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ بِشُعَبِهَا فِي الطَّلَاقِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ مَجْهُولٍ يُولَدُ لِمِثْلِهِ) أَيْ لِمِثْلِ الْمُقِرِّ (أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَلَوْ مَرِيضًا وَشَارَكَ الْوَرَثَةَ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ مَا بَيَّنَّاهُ ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ قَصْدًا فَيَصِحُّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الدَّعْوَى وَالْعَتَاقِ وَشُرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ مِنْهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِهِ عَنْهُ ، وَشُرِطَ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ كَيْ لَا يُكَذِّبَهُ الظَّاهِرُ وَشُرِطَ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغُلَامُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَالْكَلَامُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِذَا صَحَّ إقْرَارُهُ شَارَكَ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ ثُبُوتِ النَّسَبِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ إقْرَارُهُ) أَيْ إقْرَارُ الرَّجُلِ (بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ ، وَشَرْطُهُ مَا بَيَّنَّا فِي الِابْنِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ إقْرَارِهِ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِأَحَدٍ فَيَنْفُذُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِقْرَارُهَا) أَيْ يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ (بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ حُجَّةٌ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إلْزَامُ نَفْسِهَا فَيُقْبَلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْوَلَدِ إنْ شَهِدَتْ قَابِلَةٌ أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ) أَيْ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَالزَّوْجُ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَإِذَا صَدَّقَهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ فَلَزِمَهُمَا بِالْإِقْرَارِ لَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ مُعْتَدَّةً وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهَا ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا هِيَ مُعْتَدَّةٌ أَوْ كَانَ لَهَا وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ إقْرَارُهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا فَيَنْفُذُ عَلَيْهَا فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى هُوَ الْوَلَدَ فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّهَا إلَّا بِتَصْدِيقِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ) يَعْنِي تَصْدِيقَ الْمُقَرِّ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِهِمْ لَا يَلْزَمُهُمْ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي يَدِ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ صَغِيرًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ مَوْلَاهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ إلَّا تَصْدِيقَ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ تَصْدِيقُهُ إلَّا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ النَّسَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَكَذَا إقْرَارُ الزَّوْجِ بِالزَّوْجِيَّةِ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَاقٍ فِي حَقِّهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ لَهَا غَسْلُهُ مَيِّتًا كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ رَدًّا لِقَصْدِهِمَا) أَيْ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْأَقَلِّ هَذَا إذَا كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ جَازَ إقْرَارُهُ فَإِذَا أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنِ الْمَهْرِ فَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنٍ مِنْ مَهْرِهَا صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَتَحَاصَّ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ ، وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ فِي مَرَضِهَا بِقَبْضِ الْمَهْرِ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ تُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُوجِبُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لِلْوَارِثِ لَا يَصِحُّ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَرِيضَةُ إذَا أَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا فَإِنْ مَاتَتْ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ ، أَوْ مُعْتَدَّةٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا ، وَإِنْ مَاتَتْ غَيْرَ مَنْكُوحَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ بِأَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَصِحُّ وَنَقَلَهُ عَنْ إقْرَارِ الْجَامِعِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَشَرَطَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ شُرُوطِ : الْأَوَّلُ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ) أَيْ ؛ لِأَنَّ مَعْرُوفَ النَّسَبِ لَا يَصِحُّ دَعْوَى نَسَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدٍ لَا يُقْبَلُ الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ شَارَكَ الْوَرَثَةَ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ . ا هـ . اخْتِيَارٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَصَحَّ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ) فِي النِّهَايَةِ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ صِحَّةِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ بِالْأُمِّ حَيْثُ قَالَ بِالْوَالِدَيْنِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ التُّحْفَةِ وَرِوَايَةِ شَرْحِ فَرَائِضِ السِّرَاجِيِّ لِمُصَنِّفِهِ وَمُخَالِفٌ لِعَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْجَامِعِ وَغَيْرِهَا . ا هـ . مِعْرَاجٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزَّوْجَةِ) أَيْ إذَا صَدَّقَتْهُ وَكَانَتْ خَالِيَةً مِنْ الزَّوْجِ وَعِدَّتِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُقِرِّ أُخْتُهَا أَوْ أَرْبَعٌ سِوَاهَا ، وَأَرَادَ بِالْمَوْلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ سَوَاءٌ أَرَادَ الْمُعْتَقَ أَوْ الْمُعْتِقَ ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَلَا وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ غَيْرِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَوْلَى) أَطْلَقَ الْمَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ جَمِيعًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَيَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ وَمِنْ تَحْتُ إذَا صَدَّقَهُ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَعْدُوهُمَا فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيُقْبَلُ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ ، وَيَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَهَا فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهَا وَفِيمَا عَدَاهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ وَإِنْ صَدَّقَهَا وَلَكِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ مَعْرُوفٌ ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ إقْرَارُهَا فِي حَقِّهَا وَلَا يُقْضَى بِالنَّسَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْحُجَّةِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ فَإِنْ شَهِدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ صَدَّقَهَا الْوَلَدُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهَا امْرَأَةٌ وَقَدْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا فِيهِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(5/27)


قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ وَلَا يَبْطُلُ كَالنَّسَبِ ، وَالْمُنْتَهِي مُتَقَرِّرٌ فَيَصِحُّ تَصْدِيقُهَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَالْإِقْرَارُ قَائِمٌ ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يُوجَدْ فَصَحَّ التَّصْدِيقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بِتَصَادُقِهِمَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذْ الثَّابِتُ بِتَصَادُقِهَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى النِّكَاحِ تُقْبَلُ وَلَوْلَا أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَمَا قُبِلَتْ فَكَذَا بِتَصَادُقِهِمَا يُعْمَلُ فِيهِ أَيْضًا كَالْبَيِّنَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ وَأَمَّا الْإِرْثُ فَحُكْمٌ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالنِّكَاحُ إنَّمَا يَنْتَهِي فِي حَقِّ حُكْمٍ كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَالنِّكَاحُ مَعْدُومٌ فِيهِ فَلَوْ صَحَّحْنَا الْإِقْرَارَ وَالنِّكَاحُ مَعْدُومٌ صَحَّحْنَاهُ لِإِثْبَاتِ الْإِرْثِ ابْتِدَاءً فَيَكُونُ التَّصْدِيقُ وَاقِعًا فِي شَيْءٍ هُوَ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ جَانِبِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُ النِّكَاحِ بَاقِيًا بِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ قِيلَ : إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ كَسْبًا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ثُمَّ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ اسْتَحَقَّ الْكَسْبَ وَالْإِرْثُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ فِي حَقِّهِ قُلْنَا الْكَسْبُ يَقَعُ مِلْكًا لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ وَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً مَلَكَ مَنَافِعَهَا حُكْمًا تَبَعًا لَهَا فَيَصِيرُ الْإِقْرَارُ بِالْعَبْدِ إقْرَارًا لَهُ بِأَنَّ الْكَسْبَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِيرُ قِيَامُهُ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِ الْعَبْدِ ، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهَا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ لَا بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ يَفُوتُ بِمَوْتِهَا فَيَبْقَى تَصْدِيقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى إرْثٍ مُبْتَدَأٍ فَلَا يَصِحُّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّتْ بِهِ هِيَ نِكَاحٌ وَمَا ادَّعَاهُ هُوَ بَعْدَ مَوْتِهَا إرْثٌ فَلَا يَكُونُ تَصْدِيقُهَا لَهَا فِيمَا أَقَرَّتْ بِهِ بَلْ هُوَ دَعْوًى مُبْتَدَأَةٌ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بِلَا حُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ فَيَثْبُتُ بِهَا مُدَّعَاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ نَحْوِ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَمْ يَثْبُتْ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِنَسَبٍ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ بِأَنَّهُ ابْنُهُ ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالْجَدِّ أَوْ بِابْنِ الِابْنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالْإِرْثِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ وَرِثَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا) أَيْ إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ لَا يَرِثُ الْمُقَرُّ لَهُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مَعَ وَارِثٍ مَعْرُوفٍ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ كَذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ بَعِيدًا كَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَرِثَهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالنَّسَبِ وَبِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ بَعْدَهُ وَهُوَ فِي النَّسَبِ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ فَيُرَدُّ وَفِي اسْتِحْقَاقِ مَالِهِ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِهَذَا الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَالْوَصِيَّةِ إرْثٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُقَرِّ لَهُ مَا دَامَ الْمُقِرُّ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ كَأَنَّهُ وَارِثٌ حَقِيقَةً

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَرَكَهُ فِي الْإِرْثِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، نَظِيرُهُ مُشْتَرِي الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ مُطْلَقًا عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يُجْعَلُ إقْرَارُهُ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ فَيُعْطَى الْمُقِرُّ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَاتَ أَبُوهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ فَكَذَّبَهُ أَخُوهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ أَعْطَى الْمُقِرُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي النِّصْفَيْنِ فَنَفَذَ إقْرَارُهُ فِي حِصَّتِهِ وَبَطَلَ مَا كَانَ فِي حِصَّةِ أَخِيهِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالسُّدُسُ الْآخَرُ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ بَطَلَ إقْرَارُهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ بِإِنْكَارِهِ فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ كَالْهَالِكِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا تَأْخُذُ خُمُسَهُ ، وَلَوْ أَقَرَّ ابْنٌ وَبِنْتٌ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُمَا ابْنٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً أَيْ لَكِنْ الْإِقْرَارُ بِنَسَبِ الْأَخِ وَالْعَمِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ بِالْمَالِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ النَّسَبَ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ الْمَالُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لَمَّا صَحَّ بَطَلَ الْإِقْرَارُ أَصْلًا وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ ثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ لِكَوْنِهِ تَحْمِيلًا عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ؛ وَلِهَذَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ قَالَ هُوَ ابْنُ عَبْدِي الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ لَا يَنْتَقِضُ بِالْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَيْسَ هَذَا بِوَصِيَّةٍ فِي الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ ، ثُمَّ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ وَالْبَاقِيَ لِلْأَخِ ، وَلَوْ كَانَ الْأَخُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَجَبَ قِسْمَةُ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ فِي حُكْمِ الْمُوصَى لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَالَ بِقَوْلِ الْمَرِيضِ وَلَيْسَ هُنَاكَ نَسَبٌ ثَابِتٌ يَسْتَنِدُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَيْهِ . ا هـ ..

(5/28)


وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرَّيْنِ أَخْمَاسًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا ، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ فَيُعَامَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا يُعَامَلُ لَوْ ثَبَتَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِزَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ أَخَذَتْ تُسْعَيْ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلزَّوْجَةِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ ، فَلَمَّا أَخَذَ أَخُوهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِمَا صَارَ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ فَتَضْرِبُ هِيَ بِقَدْرِ حَقِّهَا وَهُوَ سَهْمَانِ وَيَضْرِبُ الِابْنُ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ فَيَحْصُلُ لَهَا سَهْمَانِ مِنْ تِسْعَةٍ وَلَهُ سَبْعَةٌ ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ يَعْنِي مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَلَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةٌ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ أَبِيهِ خَمْسِينَ مِنْهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ غَيْرُ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا عَلَى زَعْمِهِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَاسْتَغْرَقَ نَصِيبَهُ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا كَمَا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ آخَرَ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ أَخَاهُ فِي الْخَمْسِينَ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ لَرَجَعَ أَخُوهُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى زَعْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ الْمُكَذِّبِ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْمُقِرَّ يَحْصُلُ لَهُ نِصْفُ الْخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُ الْإِقْرَارَ إلَى الْكُلِّ شَائِعًا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَخِيهِ ، فَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ مَقْبُولٌ فَيَصِحُّ وَفِي حَقِّ أَخِيهِ لَا يُقْبَلُ فَلَا يَصِحُّ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ كُلَّ الدَّيْنِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ جَوَابُهُ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ هُنَا يُحَلِّفُ الْمُنْكِرَ لِحَقِّ الْمَدِينِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ ، وَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا النِّصْفُ فَيُحَلِّفُهُ ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِائَةً أُخْرَى غَيْرَ الدَّيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَاقْتَسَمَاهَا رَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْغَرِيمِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِائَةِ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا وَلِلْغَرِيمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ ، وَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ ، وَهُوَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنْ الْغَرِيمِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُقِرِّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ أَبِيهِ الْمِائَةَ فَقَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ