درر
الحكام شرح غرر الأحكام [كِتَابُ الْحَجِّ]
(كِتَابُ الْحَجِّ) الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِهِمَا
قُرِئَ فِي التَّنْزِيلِ
(1/215)
أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ رَابِعُ
الْعِبَادَاتِ الْجَامِعُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ
وَالْبَدَنِيَّةِ (وَهُوَ) لُغَةً: الْقَصْدُ وَشَرْعًا (زِيَارَةُ مَكَان
مَخْصُوصٍ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) وَسَيَأْتِي
تَفْصِيلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فُرِضَ مَرَّةً) ؛ لِأَنَّ
قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] لَمَّا نَزَلَ قَالَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّهَا النَّاسُ
حُجُّوا فَقَالُوا أَنَحُجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟
فَقَالَ لَا بَلْ مَرَّةً» وَلِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْبَيْتُ كَمَا
تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَلَا تَعَدُّدَ لَهُ (بِالْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ وَفِي الْعُمُرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَقْتُ الْحَجِّ فِي اصْطِلَاحِ
الْأُصُولِيِّينَ يُسَمَّى مُشْكِلًا؛ لِأَنَّ فِيهِ جِهَةَ
الْمِعْيَارِيَّةِ وَالظَّرْفِيَّةِ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ لَا يَقُولُ
بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ فِعْلُهُ قَضَاءً، وَمَنْ قَالَ
بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْعَامِ
الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ أَصْلًا كَمَا إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ
الْوَقْتِ الْأَوَّلِ بَلْ جِهَةُ الْمِعْيَارِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَ
الْقَائِلِ بِالْفَوْرِ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ
شَهَادَتُهُ لَكِنْ إذَا حَجَّ بِالْآخِرَةِ كَانَ أَدَاءً لَا قَضَاءً،
وَجِهَةُ الظَّرْفِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْقَائِلِ بِخِلَافِهِ حَتَّى
إذَا أَدَّاهُ بَعْدَ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ
لَكِنْ لَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ عِنْدَهُ أَيْضًا (عَلَى حُرٍّ)
مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فُرِضَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ رَابِعُ الْعِبَادَاتِ) أَيْ مِنْ الْفُرُوعِ
الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَهُوَ إنْ كَانَ خَامِسًا كَمَا عُدَّ فِي
الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَتَكَلَّمْ الْفُقَهَاءُ
عَلَى الْإِيمَانِ أَسْقَطُوهُ فَعُدَّ الْحَجُّ رَابِعًا (قَوْلُهُ هُوَ
لُغَةً الْقَصْدُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا
مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظَنَّهُ الشَّارِحُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا
قَالَ فِي الْبُرْهَانِ مَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ
لَا الْقَصْدُ الْمُطْلَقُ اهـ.
وَعَنْ الْخَلِيلِ هُوَ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَى مَنْ يُعَظِّمُهُ
(قَوْلُهُ وَشَرْعًا: زِيَارَةُ مَكَان. . . إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ
يُقَالَ قَصْدُ مَكَان. . . إلَخْ لِيَتَضَمَّنَ الشَّرْعِيُّ اللُّغَوِيَّ
مَعَ زِيَادَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الزِّيَارَةُ تَتَضَمَّنُ الْقَصْدَ
وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ جِنْسَهُ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا هُوَ
زِيَارَةُ بِقَاعٍ مَخْصُوصَةٍ اهـ فَعَمَّ الرُّكْنَيْنِ وَغَيْرَهُمَا
كَمُزْدَلِفَةَ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ سَبَبَ
وُجُوبِهِ الْبَيْتُ) الْمُرَادُ السَّبَبُ الظَّاهِرِيُّ وَهُوَ
اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ وَأَمَّا سَبَبُهُ الْخَفِيُّ فَهُوَ خِطَابُ
الْأَزَلِيِّ أَوْ تَرَادُفُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ
فَيَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ مَوْلَاهُ وَلُزُومُ حَضْرَةِ بَابِهِ فَلَمَّا
أَضَافَ الْبَيْتَ إلَى نَفْسِهِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَإِعْظَامًا
لِقَدْرِهِ وَجَبَ عَلَى عَبِيدِهِ زِيَارَتُهُ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ
فِنَائِهِ وَسَبَبُ التَّفْرِيعِ عَنْ الذِّمَّةِ الْأَمْرُ (قَوْلُهُ
بِالْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَفِي الْعُمُرِ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ بِالْمَوْتِ كَمَا
سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا
فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ
مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ فِعْلُهُ قَضَاءً) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ
فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ آثِمًا
لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ
بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ آثِمًا وَأَيْضًا لَا مَفْهُومَ لِمَا
ذَكَرَهُ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ فِعْلَهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ
يَكُونُ قَضَاءً كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ إنَّ فِي قَوْلِهِ
وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ
الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ زِيَادَةُ لَامِ
الْأَلْفِ مِنْ لَا يَقُولُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَالِاخْتِلَافُ فِي
الْإِثْمِ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَاتَّفَقَ عَلَى
زَوَالِهِ بِالْحَجِّ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً وَذَكَرَ فِي
الْمُبْتَغَى أَنَّ مَنْ فَرَّطَ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ
وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى
قَضَائِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ قَالُوا يُرْجَى أَنْ لَا
يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ آثِمًا اهـ.
وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ قَضَاءُ
الدَّيْنِ إذَا قَدَرَ اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى حُرٍّ. . . إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ
الْحَجِّ، وَهِيَ شَرَائِطُ أَدَاءً وَشَرَائِطُ صِحَّةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ
تَمْيِيزِهَا فَنَقُولُ: شَرَائِطُ الْوُجُوبِ ثَمَانِيَةٌ عَلَى
الْأَصَحِّ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ
وَالْوَقْتُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ، وَلَوْ بِمَكَّةَ بِنَفَقَةٍ
وَسَطٍ وَالْقُدْرَةُ عَلَى رَاحِلَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ أَوْ عَلَى شِقِّ
مَحْمَلٍ بِالْمِلْكِ أَوْ الْإِجَارَةِ لَا الْإِبَاحَةِ وَالْإِعَارَةِ
لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ
مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ
وَالْكَمَالُ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ
بِالْقَدَمِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى
أَهْلِ مَكَّةَ بِدُونِ الرَّاحِلَةِ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَيُشْتَرَطُ
كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ
كَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ كَالْكُتُبِ لِأَهْلِ
الْعِلْمِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمَسْكَنِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا
يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ
بِمَا دُونَهُ بِبَعْضِ ثَمَنِهِ وَالْحَجُّ بِالْبَاقِي لَكِنْ إنْ فَعَلَ
وَحَجَّ كَانَ أَفْضَلَ، وَالثَّامِنُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْحَجِّ فَرْضًا
كَذَا ذَكَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ
بِدَارِ الْحَرْبِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ مِنْ
شَرَطِ فَرْضِيَّتِهِ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ لِمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ
الْحَرْبِ أَوْ الْكَوْنِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِ
الْأَدَاءِ فَخَمْسَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ
الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ عَنْ الذَّهَابِ لِلْحَجِّ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ
وَعَدَمُ قِيَامِ الْعِدَّةِ وَخُرُوجُ مَحْرَمٍ، وَلَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ
مُصَاهَرَةٍ، مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ أَوْ رَقِيقٍ مَأْمُونٍ عَاقِلٍ
بَالِغٍ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ
وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ السَّلَامَةِ فِي الطَّرِيقِ بَرًّا وَبَحْرًا
عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ
أَنْهَارٌ لَا بِحَارٌ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ فِي الزَّوْجِ شُرُوطَ الْمَحْرَمِ
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَحْرَمِ
الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ فَكَذَا فِي الزَّوْجِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا
بَالِغًا مَأْمُونًا اهـ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتُهُ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ
إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يَجِبُ مَا
لَمْ يَخْرُجْ
(1/216)
(مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ صَحِيحٍ بَصِيرٍ لَهُ
زَادٌ وَرَاحِلَةٌ فَضْلًا) أَيْ زَائِدًا (عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ)
كَالسُّكْنَى وَالْخَادِمِ وَأَثَاثِ الْبَيْتِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ (وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى عَوْدِهِ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ)
؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَثْبُتُ دُونَهُ (وَمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ
لِامْرَأَةٍ فِي مَسِيرَةِ سَفَرٍ) الْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ
نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ
(فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ فَبَلَغَ أَوْ عَبْدٌ فَعَتَقَ فَمَضَى لَمْ
يَسْقُطْ فَرْضُهُمَا) ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ
النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ (وَتَجْدِيدُ) الصَّبِيِّ
(الْبَالِغِ إحْرَامُهُ لِلْفَرْضِ قَبْلَ وُقُوفِهِ مُسْقِطٌ) لِلْوَاجِبِ
عَلَيْهِ (لَا الْعِتْقُ) فَإِنَّ تَجْدِيدَهُ غَيْرُ مُسْقِطٍ لَهُ؛
لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ
وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ
بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ.
(وَفَرْضُهُ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ)
فَإِذَا فَاتَ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَ الْحَجُّ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ فِي
الْعَامِ الْقَابِلِ وَالْأَوَّلُ شَرْطٌ كَالتَّحْرِيمَةِ فِي الصَّلَاةِ
وَالْبَاقِيَانِ رُكْنَانِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ أَيْضًا
رُكْنٌ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ قَبْلَ
أَشْهُرِ الْحَجِّ جَازَ عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُ.
(وَوَاجِبُهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ) وَيُسَمَّى جَمْعًا أَيْضًا
سُمِّيَ بِهِمَا؛ لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
اجْتَمَعَ فِيهَا مَعَ حَوَّاءَ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا
(وَالسَّعْيُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَطَوَافُ الصَّدَرِ لِلْآفَاقِيِّ
وَالْحَلْقُ) وَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا جَازَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ
دَمٌ (وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ) وَسَيَجِيءُ تَقْرِيرُ الْكُلِّ فِي
مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا
(وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَكُرِهَ) يَعْنِي إذَا كَانَ هَذِهِ أَشْهُرُهُ
كُرِهَ (الْإِحْرَامُ لَهُ) أَيْ لِلْحَجِّ (قَبْلَهَا وَالْعُمْرَةُ
سُنَّةٌ وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَجَازَتْ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَكُرِهَتْ
يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهُ) لِكَوْنِهَا أَوْقَاتَ الْحَجِّ
وَتَوَابِعِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْمَحْرَمُ بِنَفَقَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ؛
لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْحَجُّ لَا إحْجَاجُ غَيْرِهَا وَقَالَ
الْقُدُورِيُّ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ حَجِّهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ
وَالْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَمْنُ الطَّرِيقِ وَالْمَحْرَمُ
مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْأَصَحِّ لَا
مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فَيَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ وَنَفَقَةِ
الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى إلَّا بِهِمَا وَالتَّزَوُّجُ
عَلَيْهَا لِلْحَجِّ بِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا وَعَلَى الْقَوْلِ
بِأَنَّهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ
ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ اهـ. قُلْت
وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ بَلْ هِيَ كَذَلِكَ فِي شَرَائِطِ
وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ
[أَرْكَان الْحَجّ]
(قَوْلُهُ فَإِذَا فَاتَ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَ الْحَجُّ وَوَجَبَ
الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا فَاتَ الْإِحْرَامُ لَا يُقَالُ بَطَلَ الْحَجُّ؛
لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فَرْعٌ عَنْ التَّلَبُّسِ بِالشَّيْءِ وَثَانِيًا
أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا يَفُوتُ فَلَا يُقَالُ يَجِبُ بِتَرْكِهِ
الْقَضَاءُ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ، وَثَالِثًا أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ
الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ بِأَكْثَرِهِ،
وَرَابِعًا أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْحَجُّ لَا يَتَقَيَّدُ الْقَضَاءُ
بِالْعَامِ الْقَابِلِ.
[وَاجِبَات الْحَجّ]
(قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ بَقِيَ
وَاجِبَاتٌ أُخْرَى إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَدُّ
الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ وَكَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ
مُعْتَدٍّ بِهِ وَبُدَاءَةُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَلَى
مَا قِيلَ، وَسَنَذْكُرُهُ وَالتَّيَامُنُ فِيهِ وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ
لَا عُذْرَ لَهُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثَيْنِ
وَسَتْرَهُ الْعَوْرَةِ وَأَقَلُّ الْأَشْوَاطِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ
وَبُدَاءَةِ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا وَإِذَا ابْتَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ
لَا يَعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي
الْمُبْتَغَى وَيَجِبُ الْمَشْيُ فِي السَّعْيِ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ
وَذَبْحُ الشَّاةِ لِلْقَارِنِ أَوْ الْمُتَمَتِّعِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْ
الطَّوْفِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ وَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الْحَلْقِ
وَنَحْرُ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ بَيْنَهُمَا وَتَوْقِيتُ إلْحَاقٍ
بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ فِي أَيَّامٍ النَّحْرِ
كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ قُلْت وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْمَحْظُورِ
كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ
الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ.
[الْمِيقَات الزَّمَانِيّ لِلْحَجِّ]
(قَوْلُهُ وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ. . . إلَخْ) فَائِدَةُ التَّوْقِيتِ
بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ عَدَمُ جَوَازِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي
غَيْرِهَا حَتَّى لَوْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ
طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَصَوْمِ
الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الثَّلَاثَةَ فِيهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا) أَقُولُ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ
(قَوْلُهُ فَكُرِهَ الْإِحْرَامُ لَهُ قَبْلَهَا) أَقُولُ وَأَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ
الْمَحْظُورَاتِ أَوْ لَا وَهُوَ الْحَقُّ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ
الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ فِي الْأَشْهُرِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ،
وَإِنَّمَا كُرِهَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ
مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الرُّكْنَ فَيُرَاعَى
مُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّبَهِ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا حَقِيقَةً
لَمْ يَصِحَّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذَا كَانَ شَبِيهًا بِهِ كُرِهَ
قَبْلَهَا لِشَبَهِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَلِشَبَهِ
الرُّكْنِ لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ
لِيَقْتَضِيَ بِهِ مِنْ قَابِلٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ وَقِيلَ فَرْضُ
كِفَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ وَقِيلَ:
وَاجِبَةٌ لَا فَرْضُ عَيْنٍ وَأَرْبَعَةٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَا
فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ) أَقُولُ مُعْظَمُ
الطَّوَافِ رُكْنُهَا وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ فِيهَا كَمَا هُوَ فِي الْحَجِّ،
وَكَذَا الْحَلْقُ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ: إنَّ الْحَلْقَ شَرْطُ
الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهَا كَمَا
فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَكُرِهَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةً
بَعْدَهُ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِلْحَجِّ أَوْ مُرِيدِ الْحَجِّ
وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا يُكْرَهُ فِي
يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنْ أَهَلَّ بِهَا فِي الْأَيَّامِ
(1/217)
(مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ) أَيْ
الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا
(ذُو الْحُلَيْفَةِ) لِلْمَدَنِيِّ (وَذَاتُ عِرْقٍ) لِلْعِرَاقِ
(وَجُحْفَةُ) لِلشَّامِيِّ (وَقَرْنٌ) فِي الْمُغْرِبِ بِسُكُونِ الرَّاءِ
وَفِي الصِّحَاحِ بِفَتْحِهَا لِلنَّجْدِيِّ (وَيَلَمْلَمُ) لِلْيَمَنِيِّ
(لِأَهْلِهَا) أَيْ لِأَهْلِ هَذِهِ الْمَوْضِعِ (وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا)
مِنْ أَهْلِ خَارِجِهَا
(وَجَازَ تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْإِحْرَامُ (عَلَيْهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتِ
(لَا تَأْخِيرُهُ عَنْهَا لِقَاصِدِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَازَ
(دُخُولِ مَكَّةَ وَلَوْ لِحَاجَةٍ) أَيْ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ أَوْ
لِحَاجَةٍ أُخْرَى قَيَّدَ بِقَصْدِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ
يَقْصِدْ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ
اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْتَ لَمَّا كَانَ مُعَظَّمًا مُشَرَّفًا جُعِلَ لَهُ
حِصْنٌ، وَهُوَ مَكَّةُ وَحِمًى وَهُوَ الْحَرَمُ وَلِلْحَرَمِ حَرَمٌ
وَهُوَ الْمَوَاقِيتُ حَتَّى لَا يَجُوزُ لِمَنْ وَصَلَ إلَيْهَا أَنْ
يَتَجَاوَزَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْقَاصِدُ (مِنْ
دَاخِلِ الْمِيقَاتِ فَلَهُ) إذَا كَانَ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ
وَخَارِجِ مَكَّةَ فَالْمِيقَاتُ لَهُ (الْحِلُّ) الَّذِي بَيْنَ
الْمَوَاقِيتِ وَبَيْنَ الْحَرَمِ (وَلِمَنْ بِمَكَّةَ لِلْحَجِّ الْحَرَمُ
وَلِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ) ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فِي عَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي
الْحِلِّ فَإِحْرَامُهُ مِنْ الْحَرَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْخَمْسَةِ رَفَضَهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا صَحَّ
وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إمَّا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ
الْأَفْعَالِ الْبَاقِيَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَمِمَّا اخْتَارَهُ
الْكَمَالُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِنْ
لَمْ يَحُجَّ وَبِهِ يُزَادُ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ تُكْرَهُ فِي
خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ.
[مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ]
(قَوْلُهُ مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ) الْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ
الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ اُسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ كَمَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِلْمَدَنِيِّ) أَقُولُ فَإِنْ
جَاوَزَ الْمَدَنِيُّ أَوْ مَنْ هُوَ فِي حُكْمِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ إلَى
الْجُحْفَةِ فَأَحْرَمَ عِنْدَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ
يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ يُسْتَحَبُّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
لِلْمَارِّ عَلَى مِيقَاتَيْنِ أَوْ بَيْنَهُمَا أَنْ يُحْرِمَ مِنْ
أَوَّلِهِمَا وَقِيلَ يَجِبُ اهـ.، وَالْحُلَيْفَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ عَشْرِ
مَرَاحِلَ أَوْ تِسْعٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ
وَقِيلَ: سَبْعَةٌ وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ وَبِهَذَا الْمَكَانِ
آبَارٌ تُسَمِّيهِ الْعَوَامُّ آبَارَ عَلِيٍّ قِيلَ:؛ لِأَنَّ عَلِيًّا -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاتَلَ الْجِنَّ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ كَذِبٌ
مِنْ قَائِلِهِ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ وَذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ لِأَهْلِ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِنْ مَكَّةَ قِيلَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ
مَكَّةَ مَرْحَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَجُحْفَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ
الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهَا فِي الْأَصْلِ مَهْيَعَةُ نَزَلَ بِهَا
سَيْلٌ جَحَفَ أَهْلَهَا أَيْ اسْتَأْصَلَهُمْ فَسُمِّيَتْ جُحْفَةَ
وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ، وَعَلَى ثَمَانِيَةِ
مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالشَّمَالِ مِنْ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ تَبُوكَ، وَهِيَ طَرِيقُ أَهْلِ
الشَّامِ وَنَوَاحِيهَا الْيَوْمَ، وَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ مِصْرَ
وَالْمَغْرِبِ وَالشَّامِ قِيلَ: إنَّ الْجُحْفَةَ قَدْ ذَهَبَتْ
أَعْلَامُهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا رُسُومٌ خَفِيَّةٌ لَا يَكَادُ
يَعْرِفُهَا إلَّا بَعْضُ سُكَّانِ تِلْكَ الْبَوَادِي فَلِذَا -
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اخْتَارَ النَّاسُ مِنْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى
بِرَابِضٍ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ بِالْغَيْنِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ
قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا
فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقَرْنٌ فِي الْمُغْرِبِ بِسُكُونِ الرَّاءِ)
أَيْ وَفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مَرْحَلَتَيْنِ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ (قَوْلُهُ
وَفِي الصِّحَاحِ بِفَتْحِهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَخَطِئَ أَيْ صَاحِبُ
الصِّحَاحِ بِأَنَّ الْمُحَرَّكَ اسْمُ قَبِيلَةٍ إلَيْهَا يُنْسَبُ
أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ (قَوْلُهُ وَيَلَمْلَمُ) مَكَانٌ جَنُوبِيُّ مَكَّةَ
وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ
لِلْيَمَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) أَقُولُ
فَإِنْ كَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ بَرٍّ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ،
الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى
آخِرَهَا وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ إلَى مَكَّةَ كَذَا
فِي الْفَتْحِ
[تَقْدِيم الْإِحْرَامُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ]
(قَوْلُهُ وَجَازَ تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْإِحْرَامُ عَلَيْهَا أَيْ
الْمَوَاقِيتِ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْحِلُّ وَإِلَّا فَالصِّحَّةُ
لِلْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ مَا إذَا كَانَ فِي
أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَا إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَحْظُورِ
الْإِحْرَامِ وَإِذَا انْتَفَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِ نَفْسِهِ
هَلْ يَكُونُ الثَّابِتُ الْإِبَاحَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ لِحَاجَةٍ
أُخْرَى) أَيْ كَالتِّجَارَةِ وَمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ أَوْ لِلْقِتَالِ
وَدُخُولُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ
إحْرَامٍ يَوْمَ الْفَتْحِ كَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ (قَوْلُهُ
قَيَّدَ بِقَصْدِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَيْسَ
عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ) أَيْ بِأَنْ قَصَدَ الْآفَاقِيُّ مَوْضِعًا مِنْ
الْحِلِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ كَخُلَيْصٍ وَجُدَّةَ فَإِذَا حَلَّ بِهِ
الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ،
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ؛
لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِجَّةٍ آفَاقِيَّةٍ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ
بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَارَتْ حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً فَكَانَ مُخَالِفًا كَذَا
فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاصِدُ مِنْ دَاخِلِ
الْمِيقَاتِ. . . إلَخْ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ خَارِجَ حَدِّ
الْمِيقَاتِ فَيَشْمَلُ الَّذِي فِي الْمِيقَاتِ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ إذْ
لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي نَصِّ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ فَلَهُ الْحِلُّ)
أَيْ فَالْحِلُّ مِيقَاتُهُ يُحْرِمُ مِنْهُ بِمَا أَرَادَهُ مِنْ حَجٍّ
وَعُمْرَةٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِهِ أَرْضَ
الْحَرَمِ، وَإِنْ عَجَّلَهُ مِنْ دَارِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ
وَلِمَنْ بِمَكَّةَ) أَرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ بِالْحَرَمِ لَا خُصُوصَ
السَّاكِنِ بِمَكَّةَ فَلَوْ قَالَ وَلِمَنْ بِالْحَرَمِ لَكَانَ أَوْلَى
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فِي عَرَفَاتٍ) أَقُولُ عَدَلَ عَنْ عِبَارَةِ
الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ
(1/218)
وَالْعُمْرَةُ فِي الْحَرَمِ
فَإِحْرَامُهَا مِنْ الْحِلِّ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ سَفَرٍ
(مَنْ أَرَادَ إحْرَامَهُ) أَيْ كَوْنَهُ مُحْرِمًا (تَوَضَّأَ، وَغُسْلُهُ
أَحَبُّ وَلَبِسَ إزَارًا وَرِدَاءً طَاهِرَيْنِ وَتَطَيَّبَ وَصَلَّى
شَفْعًا، وَقَالَ الْمُفْرِدُ بِحَجٍّ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ
فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي ثُمَّ لَبَّى يَنْوِي بِهَا الْحَجَّ
وَهِيَ) أَيْ التَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ (لَبَّيْكَ) وَرَدَ بِلَفْظِ
التَّثْنِيَةِ وَالْمُرَادُ تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى
وَمَعْنَاهَا أَنْ أُقِيمَ فِي طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ مِنْ
أَلَبَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِيهَا وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيهَا
بِأَنَّ اسْمَ الْمَوْقِفِ عَرَفَاتٌ سُمِّيَ بِجَمْعٍ كَأَذْرُعَاتٍ كَذَا
فِي الْكَشَّافِ وَعَرَفَةُ اسْمُ الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ وَاَلَّذِي فِي الْحِلِّ الْمَوْقِفُ لَا الْيَوْمُ وَقَوْلُ
النَّاسِ نَزَلْنَا بِعَرَفَةَ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ كَذَا نَقَلَ
صَاحِبُ الْإِقْلِيدِسِ عَنْ الْفَرَّاءِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي
شَرْحِ الْمُفَصَّلِ إنَّ عَرَفَةَ وَعَرَفَاتٍ جَمِيعًا عَلَمَانِ لِهَذَا
الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ - قَالَهُ
الْأَتْقَانِيُّ
(قَوْلُهُ مَنْ أَرَادَ إحْرَامَهُ) الْإِحْرَامُ لُغَةً: مَصْدَرُ
أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي الْحَرَمِ كَأَشْتَى إذْ دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ
كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْإِحْرَام
مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا
تُهْتَكُ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: الْإِحْرَامُ وَالتَّحْرِيمُ
بِمَعْنًى.
وَقَالَ الْكَمَالُ حَقِيقَةُ الْإِحْرَامِ الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ
وَالْمُرَادُ الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ الْتِزَامُهَا
وَالْتِزَامُهَا شَرْطُ الْحَجِّ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ
ثُبُوتُهُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ
عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَغُسْلُهُ أَحَبُّ) هَذَا الْغُسْلُ
لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلتَّطْهِيرِ فَتُؤْمَرُ بِهِ الْحَائِضُ
وَالنُّفَسَاءُ وَإِذَا كَانَ لِلنَّظَافَةِ وَإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ لَا
يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ بَدَلَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ
وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ وَيُسْتَحَبُّ كَمَالُ النَّظَافَةِ فِي
الَّذِي أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ
وَنَتْفِ الْإِبْطَيْنِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَجِمَاعِ أَهْلِهِ
وَالدَّهْنِ، وَلَوْ مُطَيَّبًا مِنْ الْفَتْحِ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ
وَلُبْسُ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَالثَّوْبُ
الْوَاحِدُ السَّاتِرُ جَائِزٌ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ طَاهِرَيْنِ)
كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ جَدِيدَيْنِ لِنَفْيِ قَوْلِ مَنْ قَالَ
بِكَرَاهَةِ لُبْسِ الْجَدِيدِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي
الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْأَفْضَلُ الْجَدِيدُ الْأَبْيَضُ.
اهـ.
وَالْإِزَارُ مِنْ الْحِقْوِ أَيْ الْخَصْرِ، وَالرِّدَاءُ مِنْ الْكَتِفِ
يُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ
الْأَيْسَرِ وَيَبْقَى كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا، وَلَا يَزِرُّهُ،
وَلَا يَعْقِدُهُ، وَلَا يُخَلِّلُهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ، وَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِي حِفْظِي أَنَّهُ لَا
يُطْلَبُ مِنْهُ كَشْفُ الْمَنْكِبِ إلَّا عِنْدَ الطَّوَافِ لِيَكُونَ
مُضْطَبِعًا وَسَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَطَافَ لِلْقُدُومِ نَقْلًا
عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَتَطَيَّبَ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا تَبْقَى
عَيْنُهُ بَعْدُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ وَكَرِهَ مُحَمَّدٌ مَا
تَبْقَى عَيْنُهُ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَسُنَّ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قَيَّدَ
بِالْبَدَنِ إذْ لَا يَجُوزُ التَّطَيُّبُ فِي الثَّوْبِ مِمَّا يَبْقَى
عَيْنُهُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا
قَالُوا: وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ: الْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِنَانِ الطِّيبِ عِنْدَ
الْإِحْرَامِ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ بِهِ حَالَةَ الْمَنْعِ مِنْهُ فَهُوَ
عَلَى مِثَالِ السُّحُورِ لِلصَّوْمِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يَحْصُلُ
بِمَا فِي الْبَدَنِ فَيُغْنِي عَنْ تَجْوِيزِهِ أَيْ تَجْوِيزِ مَا
تَبْقَى عَيْنُهُ فِي الثَّوْبِ إذْ لَمْ يَقْصِدْ كَمَالَ الِارْتِفَاقِ
فِي حَالِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ الشُّعْثَ التُّفْلُ، وَقَدْ
قِيلَ: يَجُوزُ فِي الثَّوْبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَصَلَّى شَفْعًا) أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ بَعْدَ
اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ، وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ
وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَقَالَ
الْمُفْرِدُ بِحَجٍّ اللَّهُمَّ. . . إلَخْ) كَذَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي
وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي فَيَسْأَلُ اللَّهَ التَّيْسِيرَ؛ لِأَنَّهُ
الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَيَسْأَلُ مِنْهُ التَّقَبُّلَ كَمَا سَأَلَ
الْخَلِيلُ وَإِسْمَاعِيلُ بِقَوْلِهِمَا: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَكَذَا يَسْأَلُ فِي جَمِيعِ الطَّاعَاتِ
مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ، وَلَا
يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي
الْهِدَايَةِ وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ أَيْ
سُؤَالَ التَّيْسِيرِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاؤُهَا -
عَادَةً - مُتَيَسِّرٌ فَبِطَلَبِ التَّيْسِيرِ فِي الْعَسِيرِ مِنْ
الْأُمُورِ لَا فِي الْيَسِيرِ مِنْهَا، وَكَذَا فِي الْكَافِي
وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ، وَإِنْ ذَكَرَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ نَوَيْت الْحَجَّ
وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ. . . إلَخْ فَحَسَنٌ
لِيَجْتَمِعَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا فِي
شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ
فَإِنْ اجْتَمَعَتْ فَلَا وَلَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ لِنُسُكِهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَصْلًا فَصْلًا قَطُّ، رَوَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ
أَنَّهُ سَمِعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ نَوَيْت الْعُمْرَةَ،
وَلَا الْحَجَّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ) أَيْ إجَابَةِ الدَّاعِي،
وَالْكَلَامُ فِي التَّلْبِيَةِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ فِي
اشْتِقَاقِهَا فَقِيلَ: إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَلَبَّ الرَّجُلُ إذَا
أَقَامَ فِي مَكَان كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالثَّانِي أَنَّ
الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُلَبِّي حِينَ تَسْتَوِي بِهِ رَاحِلَتُهُ،
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ جَوَابٌ
لِلدُّعَاءِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الدَّاعِي فَقِيلَ هُوَ اللَّهُ
تَعَالَى كَمَا قَالَ {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ
لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [إبراهيم: 10] وَقِيلَ رَسُولُ
اللَّهِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ
سَيِّدًا بَنَى دَارًا وَاِتَّخَذَ مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا»
وَأَرَادَ بِالدَّاعِي نَفْسَهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الدَّاعِيَ هُوَ
الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا
فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إلَى
الْحَجِّ فَصَعِدَ أَبَا قُبَيْسٍ وَقَالَ أَلَا إنَّ اللَّهَ
(1/219)
بِالْمَكَانِ وَلَبَّ بِهِ إذَا أَقَامَ
وَلَزِمَهُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ (اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا
شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا
شَرِيكَ لَك، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا، وَإِنْ زَادَ جَازَ) ، وَعَنْ عُمَرَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَبَّيْكَ ذَا
النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا
إلَيْك.
(وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا) لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (أَوْ قَلَّدَ
بَدَنَةَ نَفْلٍ) التَّقْلِيدُ أَنْ يَرْبِطَ قِلَادَةً عَلَى عُنُقِ
الْبَدَنَةِ فَيَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا كَمَا فِي التَّلْبِيَةِ (أَوْ)
بَدَنَةَ (نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَالدِّمَاءِ
الْوَاجِبَةِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ
(وَتَوَجَّهَ مَعَهَا) أَيْ الْبَدَنَةِ (يُرِيدُ الْحَجَّ) حَالٌ مِنْ
ضَمِيرِ تَوَجَّهَ (أَوْ بَعَثَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ وَلَحِقَهَا أَوْ
بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ
يَلْحَقْهَا فَقَدْ أَحْرَمَ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا.
. . إلَخْ أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْحَجِّ لَا يَحْصُلُ
بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِحُّ إذَا صَادَفَتْ
فِعْلًا فَإِذَا صَادَفَتْ التَّلْبِيَةَ صَحَّتْ وَصَارَ مُحْرِمًا،
وَإِذَا صَادَفَتْ التَّقْلِيدَ مَعَ التَّوَجُّهِ صَارَ شَارِعًا
لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِفِعْلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ؛
لِأَنَّ التَّقْلِيدَ مَعَ السَّوْقِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَقَدْ
أَوْرَدَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ قَوْلَهُ أَوْ قَلَّدَ بَدَنَةَ نَفْلٍ. . .
إلَخْ فِي آخَرِ الْبَابِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ الْمُنَاسِبَ كَمَا
لَا يَخْفَى (وَلَوْ أَشْعَرَهَا) أَيْ شَقَّ سَنَامَهَا لِيُعْلَمَ
أَنَّهَا هَدْيٌ (أَوْ جَلَّلَهَا) أَيْ أَلْقَى الْجُلَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
تَعَالَى أَمَرَ بِبِنَاءِ بَيْتٍ لَهُ، وَقَدْ بُنِيَ أَلَا فَحُجُّوا
فَبَلَّغَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْتَهُ النَّاسَ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ
وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَهُ مَرَّةً
وَمَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى حَسَبِ جَوَابِهِمْ
يَحُجُّونَ وَالرَّابِعُ فِي صِفَةِ التَّلْبِيَةِ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ
لَبَّيْكَ. . . إلَخْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْخَامِسُ فِي كَسْرِ
الْهَمْزَةِ مِنْ إنَّ الْحَمْدَ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ: الْفَتْحُ أَحْسَنُ كَمَا فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي
الْهِدَايَةِ: بِالْكَسْرِ لَا بِالْفَتْحِ لِيَكُونَ ابْتِدَاءً لَا
بِنَاءً إذْ الْفَتْحَةُ صِفَةٌ لِلْأُولَى اهـ. يَعْنِي فِي الْوَجْهِ
الْأَوْجَهِ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَيَجُوزُ وَالْكَسْرُ عَلَى
اسْتِئْنَافِ الثَّنَاءِ، وَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، وَالْفَتْحُ
عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ
وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ
الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ
بِاعْتِبَارِ صِفَةِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ اسْتِئْنَافُ الثَّنَاءِ لَا
يَتَعَيَّنُ مَعَ الْكَسْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا
كَمَا فِي قَوْلِك عَلِّمْ ابْنَك الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ
قَالَ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}
[التوبة: 103] ، وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مِنْ عِلْمِ
الْأُصُولِ لَكِنْ لَمَّا جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُحْمَلُ عَلَى
الْأَوَّلِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ لَيْسَ فِيهِ سِوَى
أَنَّهُ تَعْلِيلٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَالسَّادِسُ فِي الزِّيَادَةِ
وَالنُّقْصَانِ فَالنُّقْصَانُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ
بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ وَالزِّيَادَةُ تَجُوزُ عِنْدَنَا، وَفِيهَا
أَلْفَاظٌ مِنْهَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْهَا مَا قَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ لَبَّيْكَ بِعَدَدِ التُّرَابِ لَبَّيْكَ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا لَبَّى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَمْ
يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ
اعْتِبَارِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْفِقْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ
مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَإِنْ
كَانَ يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ، وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ
يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ بَابَ
الْحَجِّ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ حَتَّى قَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ
مَقَامَهُ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ
الْعَرَبِيَّةِ وَالْأَخْرَسُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ مَعَ النِّيَّةِ.
وَفِي الْمُحِيطِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ،
وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى
أَنَّهُ شَرْطٌ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ
فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ
(قَوْلُهُ نَاوِيًا لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ) أَقُولُ لَا تَتَوَقَّفُ
صِحَّةُ الْإِحْرَامِ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَبْهَمَ
الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ وَعَلَيْهِ
التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ، فَإِنْ لَمْ
يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا كَانَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ،
وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ وَالتَّعْيِينِ فَتَحَلَّلَ
بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا
قَضَاءُ حِجَّةٍ، وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَوَجَبَ الْمُضِيُّ فِي
الْفَاسِدِ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ عُمْرَةً ثُمَّ إذَا
نَوَى مُطْلَقَ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْفَرْضِ، وَلَا النَّفْلِ
فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِإِطْلَاقِ نِيَّةِ الْحَجِّ
بِخِلَافِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَفْلًا،
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ الْفَرْضَ بَعْدُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
التَّقْلِيدُ أَنْ يَرْبِطَ قِلَادَةً) الْمُرَادُ بِهَا شَيْءٌ يَكُونُ
عَلَامَةً عَلَى أَنَّهَا هَدْيٌ كَقِطْعَةِ نَعْلٍ أَوْ لَحَا شَجَرٍ أَيْ
قِشْرُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا كَمَا
فِي التَّلْبِيَةِ) أَقُولُ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِحْرَامُ
بِالتَّلْبِيَةِ، وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَقَلَّدَهَا
أَحَدُهُمْ صَارُوا مُحْرِمِينَ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْبَقِيَّةِ
وَسَارُوا مَعَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا
يُرِيدُ الْحَجَّ) أَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ
الْعُمْرَةَ وَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ) قَالَ
أَبُو الْيُسْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَدْيُ الْقِرَانِ كَذَلِكَ كَذَا
فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا) أَقُولُ إنَّمَا
يَصِيرُ مُحْرِمًا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ إذَا حَصَلَ
التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَّا إنْ حَصَلَا
قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا؛
لِأَنَّ التَّمَتُّعَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ
نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الرُّقَيَّاتِ
(قَوْلُهُ فَقَدْ أَحْرَمَ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا تَمَّ الْإِحْرَامُ
لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلِ الْمَنَاسِكِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ،
وَإِنْ أَفْسَدَهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ فَيَعْمَلُ الْعُمْرَةَ وَإِلَّا
الْإِحْصَارَ فَيَذْبَحُ الْهَدْيَ اهـ. أَوْ تَحْلِيلُ الْمَوْلَى
عَبْدَهُ أَوْ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بِتَقْلِيمِ ظُفُرِهَا وَنَحْوِهِ
كَذَا بِخَطِّ شَيْخِي اهـ. ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا،
وَإِنْ كَانَ مَظْنُونًا إذَا أَفْسَدَهُ بِخِلَافِ
(1/220)
عَلَى ظَهْرِهَا (أَوْ بَعَثَهَا لِغَيْرِ
مُتْعَةٍ وَلَمْ يَلْحَقْهَا أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَا) يَكُونُ مُحْرِمًا
(وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ (يَتَّقِي الرَّفَثَ) وَهُوَ
الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ
الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَقِيلَ الْكَلَامُ
الْفَاحِشُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ كَالْجِمَاعِ
(وَالْفُسُوقَ) يَعْنِي الْمَنَاهِي وَهِيَ حَرَامٌ مُطْلَقًا لَكِنَّ
الْحُرْمَةَ فِي الْإِحْرَامِ أَشَدُّ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ
وَالتَّطَرُّبِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (وَالْجِدَالَ) ، وَهُوَ الْمِرَاءُ
مَعَ الرُّفَقَاءِ وَالْخَدَمِ وَالْمُكَارِينَ (وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ)
لَا الْبَحْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ
مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) الْإِشَارَةُ تَقْتَضِي الْحُضُورَ
وَالدَّلَالَةُ الْغَيْبَةَ (وَالتَّطَيُّبَ وَقَلْمَ الظُّفْرِ وَسَتْرَ
الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَغَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ)
قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
فَصَارَ طَيِّبًا، وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ فَيَجْتَنِبُهُ
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ
الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَعِنْدَهُمَا الصَّدَقَةُ (وَ) يَتَّقِي
(قَصَّهَا) أَيْ اللِّحْيَةِ وَحَلْقَ رَأْسِهِ وَشَعْرِ بَدَنِهِ وَلُبْسَ
قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ وَعِمَامَةٍ وَخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الصَّلَاةِ الْمَظْنُونَةِ إذَا أَبْطَلَهَا وَبِخِلَافِ الطَّوَافِ كَمَا
سَنَذْكُرُهُ
(قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ يَتَّقِي الرَّفَثَ) أَقُولُ يَعْنِي بِلَا مُهْلَةٍ
وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَالْكَنْزِ فَإِذَا لَبَّيْت نَاوِيًا
فَقَدْ أَحْرَمْت فَاتَّقِ الرَّفَثَ. . . إلَخْ؛ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ
لَا تُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْفَاءُ مِنْ التَّعْقِيبِ فَوْرًا (قَوْلُهُ،
وَقِيلَ: الْكَلَامُ الْفَاحِشُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ
كَالْجِمَاعِ) كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ
بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ
إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: إنَّمَا
يَكُونُ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ رَفَثًا بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِالْفَاحِشِ ذِكْرُ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ إنْ يَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا وَإِذَا
فُسِّرَ الْفَاحِشُ بِهِ ثَبَتَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْكَافِي
وَالْهِدَايَةِ مِنْ حَيْثِيَّةِ عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِحَضْرَةِ
النِّسَاءِ فِي الْكَافِي وَالتَّقْيِيدُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ
قَالَ فِيهَا وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ أَوْ
ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ. اهـ.
وَإِنَّمَا قَالَ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ
ذِكْرَ الْجِمَاعِ فِي غَيْرِ حَضْرَتِهِنَّ لَيْسَ مِنْ الرَّفَثِ كَمَا
فِي الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْبُرْهَانِ اهـ.
وَلَكِنْ عَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ
مُخْتَصًّا بِغَيْرِ ذِكْرِ الْجِمَاعِ، وَقَدْ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ
الْكَلَامُ الْفَاحِشُ أَيُّ كَلَامٍ كَانَ (قَوْلُهُ وَالْفُسُوقَ يَعْنِي
الْمَنَاهِي) أَيْ الْمُخْرِجَةَ عَنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ
الْفُسُوقَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْخُرُوجُ يُقَالُ: فَسَقَتْ الْفَارَةُ
إذَا خَرَجَتْ مِنْ جُحْرِهَا لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ
يُرَادُ بِهِ الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخُرُوجُ عَنْ
طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ فَفِي
هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى احْتِرَامًا لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَقِيلَ هُوَ
التَّسَابُّ وَالتَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ كَذَا قَالَهُ تَاجُ
الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْإِحْرَامِ أَشَدُّ
كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ. . . إلَخْ) أَيْ وَالظُّلْمُ فِي
الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ.
قَالَ تَعَالَى {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] ،
وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدَّ؛
لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَحْرُمُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُبَاحَاتِ
الْمُقَوِّيَةِ لِلنَّفْسِ فَكَيْفَ بِالْمُحَرَّمَاتِ الْأَصْلِيَّةِ
كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمِرَاءُ) أَيْ
الْخِصَامُ (قَوْلُهُ وَقَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ) أُرِيدَ بِالصَّيْدِ
الْمَصِيدُ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا
صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ}
[المائدة: 96] أَقُولُ: الْمُدَّعَى أَعَمُّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ
يَذْكُرَ أَوَّلَ الْآيَةِ أَيْضًا لِيَتِمَّ الدَّلِيلُ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] الْآيَةَ
(قَوْلُهُ وَالْإِشَارَةُ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ
مَحَلُّ تَحْرِيمِهِمَا مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ أَمَّا إذَا
عَلِمَ فَلَا، وَقِيلَ: يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ.
وَسَيَأْتِي تَمَامُ شُرُوطِ لُزُومِ الْجَزَاءِ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَالتَّطَيُّبَ) أَقُولُ، وَكَذَا لَا
يَمَسُّ طِيبًا بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّطَيُّبَ
وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ شَمُّ الزَّعْفَرَانِ وَالثِّمَارِ الطَّيِّبَةِ،
وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ. . . إلَخْ) هَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى
تَفْسِيرِهِ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ حَقِيقَةً كَالِاخْتِلَافِ فِي
الصَّابِئَةِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الدَّمُ كَمَا ذَكَرَ، وَعِنْدَهُمَا
تَجِبُ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلِينُ الشَّعْرَ
قَيَّدَ بِالْخِطْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالصَّابُونِ
وَالْحُرُضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ
وَحَلْقَ رَأْسِهِ) أَقُولُ، وَلَوْ لِلْحِجَامَةِ أَمَّا الْحِجَامَةُ فِي
ذَاتِهَا وَالْفَصْدُ وَجَبْرُ الْكَسْرِ وَالْخَتْنُ وَحَكُّ الْجَسَدِ
بِحَيْثُ لَا يُسْقِطُ شَعْرًا، وَلَا يَقْتُلُ قَمْلًا فَلَيْسَ مِنْ
مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ
بِحَلْقِ الشَّعْرِ إزَالَتُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ الْحَلْقِ
وَالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَالتَّنْوِيرِ وَالْإِحْرَاقِ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ
مِنْ الْجَسَدِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا (قَوْلُهُ وَشَعْرَ بَدَنِهِ)
اسْتَثْنَى الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ إزَالَةَ الشَّعْرِ النَّابِتِ
فِي الْعَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ
عِنْدَنَا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلُبْسَ قَمِيصٍ) أَقُولُ:
وَكَذَا مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ كَالزَّرَدِيَّةِ وَالْبُرْنُسِ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ
بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ تَلْزِيقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا،
وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَكِنْ
سَنَذْكُرُ أَنَّ لُبْسَ الْخَاتَمِ لَا يُكْرَهُ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ
هَذَا الْعُمُومِ (قَوْلُهُ وَسَرَاوِيلُ) السَّرَاوِيلُ أَعْجَمِيَّةٌ،
وَالْجَمْعُ سَرَاوِيلَاتٌ مُنْصَرِفٌ فِي أَحَدِ اسْتِعْمَالَيْهِ
يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْقَبَاءُ بِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ فَعَالُ
وَلُبْسُ الْقَبَاءِ بِأَنْ يُدْخِلَ مَنْكِبَيْهِ وَيَدَيْهِ فِي
كُمَّيْهِ فَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا لَوْ
ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ وَمَا لَمْ يُزِرُّهُ أَيْ الْقَبَاءَ
بِأَزْرَارِهِ وَيُكْرَهُ عَقْدُ الْإِزَارِ وَتَحْلِيلُ الرِّدَاءِ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْجِنَايَاتِ - إنْ
شَاءَ
(1/221)
لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعُ أَسْفَلَ
مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَثَوْبًا صُبِغَ بِمَا لَهُ طِيبٌ (إلَّا بَعْدَ
زَوَالِهِ لَا) أَيْ لَا يَتَّقِي (الِاسْتِحْمَامَ وَالِاسْتِظْلَالَ
بِبَيْتٍ وَمَحْمِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ
وَبِالْعَكْسِ الْهَوْدَجُ الْكَبِيرُ (وَشَدَّ هِمْيَانٍ فِي وَسَطِهِ)
يَعْنِي أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ مَخِيطًا لَا بَأْسَ بِشَدِّهِ عَلَى
حِقْوِهِ.
(وَأَكْثَرَ التَّلْبِيَةِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ مَتَى صَلَّى أَوْ عَلَا
شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا أَوْ أَسْحَرَ وَإِذَا
دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ وَحِينَ رَأَى الْبَيْتَ كَبَّرَ
وَهَلَّلَ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا رَافِعًا
يَدَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَاسْتَلَمَهُ) أَيْ تَنَاوَلَهُ بِالْيَدِ أَوْ
بِالْقُبْلَةِ أَوْ مَسَحَهُ بِالْكَفِّ (إنْ قَدَرَ بِلَا إيذَاءٍ) أَيْ
بِلَا إيذَاءِ مُسْلِمٍ يُزَاحِمُهُ (وَإِلَّا يَمَسُّ بِمَا فِي يَدِهِ
فَيُقَبِّلُهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا) أَيْ الِاسْتِلَامِ
وَالْإِمْسَاسِ (اسْتَقْبَلَهُ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا حَامِدًا اللَّهَ
تَعَالَى وَمُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَطَافَ لِلْقُدُومِ مُضْطَبِعًا) أَيْ جَاعِلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ فَيَقْطَعُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ)
الْمُرَادُ بِالْكَعْبِ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ
عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فَيَجُوزُ لُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ فِي رِجْلِهِ
لَا يُغَطِّي الْكَعْبَ سُرْمُوزَةً كَانَتْ أَوْ مَدَاسًا أَوْ غَيْرَ
ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَا الِاسْتِظْلَالَ بِبَيْتٍ وَمَحْمَلٍ) أَيْ لَا
يَمَسُّ رَأْسَهُ، وَلَا وَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا كُرِهَ كَذَا
فِي الْبَحْرِ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ الْقِدْرَ وَالطَّبَقَ
وَالْإِجَّانَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ
لِلرَّأْسِ وَلَا يَحْمِلُ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ عَادَةً
كَالثِّيَابِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَشَدَّ هِمْيَانَ فِي
وَسَطِهِ) الْهِمْيَانُ بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ
وَيُشَدُّ عَلَى الْحِقْوِ وَلَا يُكْرَهُ شَدُّهُ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ
نَفَقَتُهُ أَوْ نَفَقَةُ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَا يُكْرَهُ شَدُّ
الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ شَدَّ الْمِنْطَقَةِ
بِالْإِبْرَيْسَمِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ
(قَوْلُهُ وَأَكْثَرَ التَّلْبِيَةَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِيُنَاسِبَ
قَوْلَهُ بَعْدَهُ صَلَّى وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِمَا قَبْلَهُ أَنْ
يَقُولَ: وَيُكْثِرُ وَالْإِكْثَارُ مُسْتَحَبٌّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ
الزِّيَادَةُ مِنْهَا عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ سُنَّةٌ حَتَّى
يَلْزَمَهُ الْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا فَتَكُونُ فَرْضًا وَسُنَّةً
وَمَنْدُوبًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا أَخَذَ فِيهَا
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وِلَاءً، وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ
السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي
خِلَالِهَا وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ: لَبَّيْكَ إنَّ
الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِيبَ التَّلْبِيَةِ سِرًّا وَيَسْأَلُ اللَّهَ
الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ (قَوْلُهُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ)
هُوَ السُّنَّةُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّ تَرْكَ رَفْعِ
الصَّوْتِ كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ، وَلَا يُبَالِغُ فَيُجْهِدُ
نَفْسَهُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُسْتَحَبُّ
عِنْدَنَا فِي الدُّعَاءِ وَالْأَذْكَارِ الْإِخْفَاءُ إلَّا إذَا
تَعَلَّقَ بِإِعْلَانِهِ مَقْصُودٌ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ
وَغَيْرِهِمَا وَالتَّلْبِيَةُ لِلْإِعْلَامِ بِالشُّرُوعِ فِيمَا هُوَ
مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَكَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا مُسْتَحَبًّا
قَالَهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ مَتَى صَلَّى) أَيْ فَرْضًا أَوْ
وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَخَصَّهَا الطَّحَاوِيُّ
بِالْمَكْتُوبَاتِ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ أَوْ (عَلَا
شَرَفًا) أَيْ صَعِدَ مَكَانًا مُرْتَفِعًا وَقِيلَ بِضَمِّ الشِّينِ
جَمْعُ شُرْفَةٍ (قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ)
يَعْنِي بَعْدَمَا يَأْمَنُ عَلَى أَمْتِعَتِهِ بِوَضْعِهَا فِي حِرْزٍ
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ
نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ دُخُولُ بَلْدَةٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا. اهـ.
وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَكِنَّهُ قَالَ عَقِبَهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ
أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارًا اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا فَلَيْسَ
تَفْسِيرًا لِلسُّنَّةِ بَلْ شَفَقَةً عَلَى الْحَاجِّ مِنْ السُّرَّاقِ
اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ بَابِ
الْمُعَلَّاةِ لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا فِي دُخُولِهِ بَابَ الْبَيْتِ
تَعْظِيمًا وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ
مُلَبِّيًا فِي دُخُولِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ
الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ
مِنْهُ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظًا الْبُقْعَةَ مَعَ
التَّلَطُّفِ بِالْمُزَاحِمِ (قَوْلُهُ وَحِينَ رَأَى الْبَيْتَ كَبَّرَ
وَهَلَّلَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ
عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ وَهَكَذَا فِي الْمُتُونِ، وَهِيَ غَفْلَةٌ
عَمَّا لَا يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ
وَذَكَرَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْصَى رَجُلًا بِأَنْ
يَدْعُوَ اللَّهَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ
لِيَصِيرَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ
الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ، وَمِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ هُنَا الصَّلَاةُ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ) شُرُوعٌ فِي أَمْرِ الطَّوَافِ،
وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَ
الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ أَوْ
الْجَمَاعَةِ فَإِذَا خَشِيَ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ وَلَمْ
يَصِفْ الْحَجَرَ بِالْأَسْوَدِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ
الْجَنَّةِ كَانَ أَبْيَضَ مِنْ اللَّبَنِ، وَإِنَّمَا اسْوَدَّ بِمَسِّ
الْمُشْرِكِينَ وَالْعُصَاةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ
(قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ) أَيْ بَعْدَمَا أَرْسَلَ يَدَيْهِ بَعْدَ
رَفْعِهِمَا لِلتَّكْبِيرِ وَتَفْسِيرُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ
كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَهُ بِلَا تَصْوِيتٍ وَالْحِكْمَةُ
فِي تَقْبِيلِهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِيثَاقَ عَلَى بَنِي
آدَمَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ كَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا وَجَعَلَهُ فِي جَوْفِ
الْحَجَرِ فَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامِ وَيَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ
كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا
اسْتَقْبَلَهُ. . . إلَخْ) .
أَيْ مُشِيرًا بِكَفَّيْهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ يُقَبِّلُ كَفَّيْهِ،
ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَطَافَ لِلْقُدُومِ مُضْطَبِعًا) قَالَ
فِي الْبَحْرِ
(1/222)
رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ
مُلْقِيًا طَرَفَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ (وَرَاءَ الْحَطِيمِ) ،
وَهُوَ قِطْعَةُ جِدَارٍ فِي طَرَفِ الْمِيزَابِ مِنْ الْحَطْمِ بِمَعْنَى
الْكَسْرِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حُطِمَ مِنْ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ كَانَ
فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْبَيْتِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُطَافُ وَرَاءَهُ
حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ لَمْ يُجْزِهِ احْتِيَاطًا لَكِنْ إنْ
اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّي الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ
فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ تَثْبُتُ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى
بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا (آخِذًا عَنْ يَمِينِهِ
مِمَّا يَلِي الْبَابَ) أَيْ يَمِينِ الطَّائِفِ وَالطَّائِفُ
الْمُسْتَقْبِلُ لِلْحَجَرِ يَكُونُ يَمِينُهُ إلَى جَانِبِ الْبَابِ
فَيَبْدَأُ مِنْ الْحَجَرِ ذَاهِبًا إلَى هَذَا الْجَانِبِ وَمَا بَيْنَ
الْحَجَرِ إلَى الْبَابِ هُوَ الْمُلْتَزَمُ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) أَيْ
سَبْعَ مَرَّاتٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ طَافَ (رَمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ
الْأُوَلِ فَقَطْ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) الرَّمَلُ أَنْ يَهُزَّ
فِي مِشْيَتِهِ الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ
الصَّفَّيْنِ وَذَلِكَ مَعَ الِاضْطِبَاعِ وَكَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ
الْجَلَادَةِ لِلْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا أَضْنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ
ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي
عَلَى هِينَتِهِ (وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ) أَيْ الْحَجَرِ (فَعَلَ مَا
ذُكِرَ) مِنْ الِاسْتِلَامِ.
(وَنُدِبَ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ
سُنَّةٌ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا (وَخَتَمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ
الْحَجَرِ ثُمَّ صَلَّى شَفْعًا يَجِبُ بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ عِنْدَ
الْمَقَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْ الِاضْطِبَاعَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي
الطَّوَافِ بِقَلِيلٍ. اهـ.
وَلَوْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ وَالرَّمَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ
بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ
حَطِيمٌ مِنْ الْبَيْتِ) أَقُولُ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ،
وَقِيلَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ حَاطِمٍ كَعَلِيمٍ بِمَعْنَى
عَالِمٍ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ
فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ» كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ كَانَ
فِي الْأَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ) أَقُولُ: لَيْسَ الْحِجْرُ كُلُّهُ مِنْ
الْبَيْتِ بَلْ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْهُ فَقَطْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ
ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ لَمْ يَجُزْ
احْتِيَاطًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ كُلَّهُ، وَلَوْ
أَعَادَ عَلَى الْحِجْرِ أَيْ الْحَطِيمِ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ وَيَدْخُلُ
فِي الْفُرْجَةِ فِي الْإِعَادَةِ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَلْ لَمَّا
وَصَلَ إلَى الْفُرْجَةِ عَادَ وَرَاءَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ أَجْزَأَهُ
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ
مَنْكُوسٌ اهـ.
قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمَنْكُوسِ لَا
يَصِحُّ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَيَكُونُ تَارِكًا
لِلْوَاجِبِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَيَبْتَدِي مِنْ الْحَجَرِ) قَالَ الْكَمَالُ افْتِتَاحُ
الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ سُنَّةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا
ذَكَرَهُ فِي الْجِنَايَاتِ فَلَوْ افْتَتَحَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ
وَكُرِهَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي
الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فَجَعَلَهُ شَرْطًا، وَلَوْ قِيلَ:
إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ لِلْمُوَاظَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ اهـ.
فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ بِالْوُجُوبِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ
الْبَحْرِ وَأَخُوهُ فِي النَّهْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ
فِي الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوُجُوبِ، وَلَمَّا كَانَ
الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا كَانَ الِابْتِدَاءُ مُتَعَيِّنًا
مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ قَرِيبًا مِنْ
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِيَكُونَ مَارًّا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ شَاهَدْنَاهُمْ
يَبْتَدِئُونِ الطَّوَافَ، وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ طَوَافِهِمْ
فَاحْذَرْهُ اهـ.
(قُلْتُ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيَامِهِ مُسَامِتًا لِلْحَجَرِ
بِأَنْ وَقَفَ جِهَةَ الْمُلْتَزَمِ وَمَالَ بِبَعْضِ جَسَدِهِ لِيُقَبِّلَ
الْحَجَرَ أَمَّا مَنْ قَامَ مُسَامِتًا بِجَسَدِهِ الْحَجَرَ فَقَدْ
دَخَلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ؛ لِأَنَّ
الْحَجَرَ وَرُكْنَهُ لَا يَبْلُغُ عَرْضَ جَسَدِ الْمُسَامِتِ لَهُ،
وَبِهِ يَحْصُلُ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ سَبْعَةَ
أَشْوَاطٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فَلَوْ طَافَ ثَامِنًا عَالِمًا بِأَنَّهُ
ثَامِنٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُ إتْمَامَ
الْأُسْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا
ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَامِنٌ فَإِنَّهُ لَا
يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا
مُلْتَزِمًا كَالْعِبَادَةِ الْمَظْنُونَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا
عُلِمَ أَنَّ الطَّوَافَ خَالَفَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ
مُسْقِطًا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ،
وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ وَرَاءَ
السَّوَارِي وَزَمْزَمِ لَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَدُعَاءُ الطَّوَافِ
مَذْكُورٌ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ بِشَيْءٍ
فَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ (قَوْلُهُ رَمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ
فَقَطْ) فَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ فَإِذَا وَجَدَ
مَسْلَكًا رَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَيَقِفُ حَتَّى
يُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَسْنُونِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛
لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَنُدِبَ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) هُوَ ظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ
سُنَّةٌ) أَيْ فَيُقَبِّلُهُ مِثْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالدَّلَائِلُ تَشْهَدُ
لَهُ وَصَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِلَامُ
غَيْرِ الرُّكْنَيْنِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ
عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ
كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَقَامِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ
الْمُرَادُ بِالْمَقَامِ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ، وَهِيَ حِجَارَةٌ كَانَ
يَقُومُ عَلَيْهَا حِينَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ مِنْ الْإِبِلِ حِينَ
يَأْتِي إلَى زِيَارَةِ هَاجَرَ وَوَلَدِهَا إسْمَاعِيلَ كَمَا فِي
الْمُصَنَّفِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْحَجَرُ
الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمِهِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ
قَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى الْحَجِّ وَقِيلَ مَقَامُ
إبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ اهـ. قُلْت لَكِنْ يُبْعِدُ الْقَوْلَ
الْأَخِيرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ
هَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ وَإِلَّا فَحَيْثُ أَرَادَ، وَلَوْ بَعْدَ
الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهَا
(1/223)
الْقُدُومِ وَيُسَمَّى طَوَافَ
التَّحِيَّةِ أَيْضًا (سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ ثُمَّ عَادَ وَاسْتَلَمَ
الْحَجَرَ وَخَرَجَ فَصَعِدَ الصَّفَا وَاسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ
وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا بِمَا شَاءَ ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ
سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَصَعِدَ فِيهَا) أَيْ
الْمَرْوَةِ (وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا يَفْعَلُ هَكَذَا
سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) يَعْنِي أَنَّ
السَّعْيَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ ثُمَّ مِنْ الْمَرْوَةِ
إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ فَيَكُونُ بِدَايَةُ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا
وَخَتْمُهُ وَهُوَ السَّابِعُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
وَفِي رِوَايَةٍ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى مَرْوَةَ ثُمَّ مِنْهَا إلَى
الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا
(ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا شَاءَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُرِدْ طَوَافَ أُسْبُوعٍ آخَرَ لِمَا أَنَّهُ
يُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إذَا صَدَرَتْ عَنْ وِتْرٍ، وَهَذَا
الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ أَمَّا فِي
الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهِ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ
الْوَصْلُ مُطْلَقًا إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إلَى
وَقْتٍ مُبَاحٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَادَ
وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ) قَالَ قَاضِي خَانْ، وَهَذَا الِاسْتِلَامُ
لِافْتِتَاحِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ كَانَ لَا
يُرِيدُ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ السَّعْيَ لَا يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ
اهـ.
(قَوْلُهُ وَخَرَجَ فَصَعِدَ الصَّفَا) كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ
بِثُمَّ لِيُرَتِّبَهُ عَلَى الطَّوَافِ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي
وَيَخْرُجُ لِلسَّعْيِ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ وَالْخُرُوجُ مِنْ بَابِ
الصَّفَا أَفْضَلُ وَلَيْسَ ذَلِكَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا كَمَا فِي
الْجَوْهَرَةِ وَالصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةٌ
فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ عَنْ
الْبَدَائِعِ وَتَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْلَى
لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فَجَعْلُهُ تَبَعًا لِلْفَرْضِ أَوْلَى لَكِنَّ
الْعُلَمَاءَ رَخَّصُوا فِي إثْبَاتِ السَّعْيِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ
تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ لِلشَّغْلِ يَوْمَ النَّحْرِ بِنَحْرِ الدَّمِ
وَالرَّمْيِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ
يَدَيْهِ) أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ كَمَا
لِلدُّعَاءِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَمْشِي نَحْوَ
الْمَرْوَةِ) أَيْ عَلَى هِينَةٍ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَرُكْنِهِ
قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ يُسْرِعُ الْمَشْيَ وَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا؛
لِأَنَّهُ كَانَ مُبْتَدَأَ السَّعْيِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ الْمِيلُ عَنْ
مَبْدَأِ السَّعْيِ بِقَدْرِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
مَوْضِعٌ أَلْيَقُ مِمَّا وُضِعَ فِيهِ الْآنَ وَالْمِيلُ الثَّانِي كَانَ
مُتَّصِلًا بِدَارِ الْعَبَّاسِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ إذَا
تَجَاوَزَ بَطْنَ الْوَادِي مَشَى عَلَى هِينَةٍ حَتَّى يَأْتِيَ
الْمَرْوَةَ (قَوْلُهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ)
بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يَعْتَدُّ
بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَنَقَلَهُ
ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ
السَّعْيُ. . . إلَخْ) حَكَاهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِصِيغَةِ قِيلَ:
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ
يَبْتَدِئُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ
(قَوْلُهُ وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ غَيْرُ
مُعْتَبَرٍ عِنْدَهُ، وَلَا يَجْعَلُهُ شَوْطًا آخَرَ كَمَا لَا يَجْعَلُهُ
جُزْءَ شَوْطٍ فَمَا قِيلَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ السَّعْيُ مِنْ
الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ
فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى،
وَيَقَعُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا لَيْسَ بِذَاكَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ
إذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ
لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَالطَّوَافِ وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ
إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلَ وَجْهِهِ، وَقَدْ جَعَلَ
الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ
الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ثُمَّ يُصَلِّي
فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ الْمَذْكُورِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ
وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ
وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ مَا شَاءَ
وَيَلْزَمُ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَلَيْسَتْ
الْبَلَاطَةُ الْخَضْرَاءُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مُصَلَّى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ مِنْ
الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَهُوَ مَوْضِعٌ عَالٍ فِي جِدَارِ الْبَيْتِ
بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَالْمِسْمَارُ الَّذِي فِي وَسَطِ
الْبَيْتِ يُسَمُّونَهُ سُرَّةَ الدُّنْيَا يَكْشِفُ أَحَدُهُمْ سُرَّتَهُ
وَيَضَعُهَا عَلَيْهِ فِعْلُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ
قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) أَيْ
حَرَامًا وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي كَلَامِ
الْمُصَنِّفِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى
الْعُمْرَةِ وَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ
مَحْمُولٌ عَلَى تَخْصِيصِ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا شَاءَ) قَالَ فِي الْكَافِي
لَكِنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ إلَّا طَوْفَةً؛ لِأَنَّ
التَّنَفُّلَ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ. وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ
مِنْ الصَّلَاةِ نَفْلًا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَقَلْبُهُ لِلْمَكِّيِّ
كَذَا فِي الْجَوْهَرَةَ وَيَغْتَنِمُ الدُّعَاءَ فِي مَوَاطِنِ
الْإِجَابَةِ، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا نَقَلَهَا الْكَمَالُ عَنْ
رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الطَّوَافِ: وَعِنْدَ
الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ، وَعِنْدَ زَمْزَمَ
وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَعَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ
وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مِنًى، وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ
وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَيْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ عِنْدَ
رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي الْحَطِيمِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ تَحْتَ
الْمِيزَابِ اهـ.
وَرَأَيْت نَظْمًا لِلشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَمَالِ
الدِّينِ بْنِ مُنْلَا زَادَهْ الْعِصَامِيِّ ذَكَرَ فِيهِ الْمَوَاطِنَ
لِلدُّعَاءِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَعَيَّنَ سَاعَاتِهَا زِيَادَةً
عَلَى مَا فِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - طِبْقَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرِ
بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ
(1/224)
وَخَطَبَ الْإِمَامُ سَابِعَ ذِي
الْحِجَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ) اعْلَمْ أَنَّ فِي
الْحَجِّ ثَلَاثَ خُطَبٍ إحْدَاهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ
وَهِيَ هَذِهِ (يُعَلِّمُ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) أَيْ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى
(وَالصَّلَاةَ بِعَرَفَاتٍ وَالْإِفَاضَةَ فَإِذَا صَلَّى) بِمَكَّةَ
(الْفَجْرَ ثَامِنَ الشَّهْرِ) وَهِيَ غَدَاةُ التَّرْوِيَةِ سُمِّيَ
بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ الْإِبِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ (خَرَجَ
إلَى مِنًى وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ ثُمَّ رَاحَ إلَى
عَرَفَاتٍ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِمَا وَرَدَ فِي
الْحَدِيثِ (فَبَعْدَ الزَّوَالِ) قَبْلَ الظُّهْرِ (خَطَبَ) الْإِمَامُ
(خُطْبَتَيْنِ) هَذِهِ هِيَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ (كَالْجُمُعَةِ)
يَعْنِي يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا (يُعَلِّمُ فِيهِمَا الْوُقُوفَ بِعَرَفَاتٍ
وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالنَّحْرَ وَالْحَلْقَ وَطَوَافَ
الزِّيَارَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْمُفَسِّرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنَاسِكِهِ فَكَانَتْ خَمْسَةَ
عَشَرَ مَوْضِعًا فَقَالَ:
قَدْ ذَكَرَ النَّقَّاشُ فِي الْمَنَاسِكِ ... وَهُوَ لَعَمْرِي عُمْدَةٌ
لِلنَّاسِكِ
أَنَّ الدُّعَا فِي خَمْسَةٍ وَعَشَرَهْ ... بِمَكَّةَ يُقْبَلُ مِمَّنْ
ذَكَرَهْ
وَهْيَ الْمَطَافُ مُطْلَقًا وَالْمُلْتَزَمْ ... بِنِصْفِ لَيْلٍ فَهُوَ
شَرْطٌ مُلْتَزَمْ
وَدَاخِلُ الْبَيْتِ بِوَقْتِ الْعَصْرِ ... بَيْنَ يَدَيْ جِزْعَيْهِ
فَاسْتَقْرِ
وَتَحْتَ مِيزَابٍ لَهُ وَقْتَ السَّحَرْ ... وَهَكَذَا خَلْفَ الْمَقَامِ
الْمُفْتَخَرْ
وَعِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ شِرْبِ الْفُحُولْ ... إذَا دَنَتْ شَمْسُ
النَّهَارِ لِلْأُفُولْ
ثُمَّ الصَّفَا وَمَرْوَةِ وَالْمَسْعَى ... بِوَقْتِ عَصْرٍ فَهُوَ قَيْدٌ
يُرْعَى
كَذَا مِنًى فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ إذَا ... تَنَصَّفَ اللَّيْلُ فَخُذْ
مَا يُحْتَذَى
ثُمَّ لَدَى الْجِمَارِ وَالْمُزْدَلِفَهْ ... عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
ثُمَّ عَرَفَهْ
بِمَوْقِفٍ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ قُلْ ... ثُمَّ لَدَى السِّدْرَةِ
ظُهْرًا وَكَمُلْ
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْوُقُوفَ طُرًّا ... مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا
قَدْ مَرَّا
بَحْرُ الْعُلُومِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ ... خَيْرِ الْوَرَى ذَاتًا
وَوَصْفًا وَسُنَنْ
صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ ثُمَّ سَلَّمَا ... وَآلِهِ وَالصَّحْبِ مَا
غَيْثٌ هَمَى
اهـ. قُلْت، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِمَارَ ثَلَاثَةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ
فِي كَلَامِ الْحَسَنِ ذِكْرُ السِّدْرَةِ فِيهَا تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ
مَوْضِعًا فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ وَخَطَبَ الْإِمَامُ) يَعْنِي
خُطْبَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ
بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَذَلِكَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي
بِمِنًى وَأَمَّا الثَّانِيَةُ الَّتِي بِعَرَفَةَ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا،
وَهِيَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَيَبْدَأُ فِيهِنَّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ
بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالتَّحْمِيدِ كَمَا يَبْدَأُ فِي خُطْبَةِ
الْعِيدَيْنِ أَيْ بِالتَّكْبِيرِ، وَيَبْدَأُ بِالتَّحْمِيدِ فِي ثَلَاثِ
خُطَبٍ: خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالنِّكَاحِ كَذَا فِي
الْمُبْتَغَى، وَلَا يُخَالِفُهُ فِي خُطْبَةِ عَرَفَةَ قَوْلُ
الزَّيْلَعِيِّ وَصِفَةُ الْخُطْبَةِ الَّتِي بِعَرَفَةَ أَنْ يَحْمَدَ
اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُهَلِّلَ وَيُكَبِّرَ وَيُصَلِّيَ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِظَ النَّاسَ
وَيَأْمُرَهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ
عَنْهُ وَيُعَلِّمَهُمْ الْمَنَاسِكَ. . . إلَخْ اهـ. لِأَنَّهُ لَمْ
يَذْكُرْ مَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فِيمَا يَبْدَأُ بِهِ (قَوْلُهُ
فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ بِمَكَّةَ ثَامِنَ الشَّهْرِ خَرَجَ إلَى مِنًى)
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ: ظَاهِرُ هَذَا التَّرْتِيبِ
إعْقَابُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَهُوَ خِلَافُ
السُّنَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ خُصُوصَ وَقْتِ الْخُرُوجِ
وَاسْتَحْسَنَ فِي الْمُحِيطِ كَوْنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَيْسَ
بِشَيْءٍ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهُوَ
الصَّحِيحُ وَذَكَرَ وَجْهَ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ
الظُّهْرَ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، هَذَا وَلَا يَتْرُكُ
التَّلْبِيَةَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا حَالَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ فِي
الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ إلَّا حَالَ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ وَيُلَبِّي
عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى اهـ.
(قَوْلُهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ الْإِبِلَ فِي هَذَا
الْيَوْمِ) أَقُولُ لَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ كَانُوا أَيْ كَانُوا
يَرْوُونَ الْإِبِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ بِعَرَفَةَ إذْ
ذَاكَ هَذَا وَقِيلَ سُمِّيَ بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِتَرَوِّي
إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي رُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ ذَبْحِ
وَلَدِهِ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْعِنَايَةِ
وَعَرَفَةَ سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ
حَوَّاءَ فِيهَا وَسُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَةِ مُزْدَلِفَةً؛ لِأَنَّ آدَمَ
وَحَوَّاءَ ازْدَلَفَا فِيهَا أَيْ اجْتَمَعَا وَسُمِّيَتْ مِنًى بِهَا؛
لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُصِيبُونَ إلَى مَنَايَاهُمْ وَالْمَنَايَا جَمْعَ
الْمَنِيَّةِ وَقِيلَ سُمِّيَ مِنًى لِمَا يُمْنَى فِيهِ مِنْ الدِّمَاءِ
أَيْ يُرَاقُ، وَهِيَ قَرْيَةٌ فِيهَا ثَلَاثُ سِكَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ
التَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ، وَقَدْ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَذَا فِي
الْمِعْرَاجِ وَقِيلَ فِي التَّسْمِيَةِ غَيْرَ ذَلِكَ ذَكَرَهُ
الْأَتْقَانِيُّ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ وَالْأَكْمَلُ (قَوْلُهُ وَمَكَثَ
بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ) أَقُولُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ
بِقُرْبِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ
يَوْمَ عَرَفَةَ بِغَلَسٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَا
قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الْفَجْرَ بِغَلَسٍ إلَّا يَوْمَ
النَّحْرِ فَيُزَادُ وَيَوْمُ عَرَفَةَ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ ثُمَّ رَاحَ
إلَى عَرَفَاتٍ) أَقُولُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ وَقْتُ الذَّهَابِ
الْمَسْنُونِ وَالسُّنَّةُ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ كَمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى كَذَا فِي
الْفَتْحِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ التَّغْلِيسِ بِصَلَاةِ
الْفَجْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَفْعَلُهُ لِيُهَيِّئَ أَمْرَهُ لِلْخُرُوجِ
(قَوْلُهُ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ) أَقُولُ كَمَا أَنَّ شِعَابَ مَكَّةَ
كُلُّهَا مَنْحَرٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ) عَلَى
حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خَطَبَ الْإِمَامُ أَيْ فِي
مَسْجِدِ نَمِرَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ
خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ كَذَا فِي
الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ لَوْ خَطَبَ قَبْلَ
الزَّوَالِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ اهـ.
إذْ يُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ
(1/225)
فَصَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ
الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقْتَ الظُّهْرِ بِشَرْطِ الْإِمَامِ
وَالْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ) أَيْ الْإِحْرَامِ الْمَخْصُوصِ بِالْحَجِّ
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مُنْفَرِدًا أَوْ
بِجَمَاعَةٍ) هَذَا التَّفْرِيعُ أَحْسَنُ مِنْ تَفْرِيعِ الْوِقَايَةِ
كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الدِّرَايَةِ (ثُمَّ أَحْرَمَ لَا
يَجْمَعُ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
فِي وَقْتٍ بَلْ لَا يَجُوزُ الْعَصْرُ إلَّا فِي وَقْتِهِ (ثُمَّ ذَهَبَ
إلَى الْمَوْقِفِ بِغُسْلٍ سُنَّ وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ
بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ مُسْتَقْبِلًا، وَدَعَا بِجُهْدٍ وَعَلَّمَ
الْمَنَاسِكَ وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ بِقُرْبِهِ مُسْتَقْبِلِينَ
سَامِعِينَ قَوْلَهُ فَبَعْدَ الْغُرُوبِ أَتَى الْمُزْدَلِفَةِ وَكُلُّهَا
مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِأَذَانٍ) أَيْ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَرَاهُ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ الصُّعُودِ فِي
رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَيَقْرَأُ فِي
الصَّلَاتَيْنِ سِرًّا، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِنَفْلٍ فَإِنْ فَعَلَ
سُنَّ الْأَذَانُ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ
أَنَّهُ لَا يُعَادُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ جَمَعَهُمَا كَذَا فِي
الْبُرْهَانِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ مَا يَشْمَلُ النِّيَّةَ
الرَّاتِبَةَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ لَا يُصَلِّي
سُنَّةَ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَبِالْأَوْلَى أَنْ
لَا يَتَنَفَّلَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ
لِلْعَصْرِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ
يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَشْتَغِلَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالنَّافِلَةِ غَيْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ
يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ إذْ قَالَ فَصَلَّى أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ
وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، وَكَذَا بَاقِي إطْلَاقِ الْمَشَايِخِ
- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِمْ، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا
فَإِنَّ التَّطَوُّعَ يُقَالُ عَلَى السُّنَّةِ اهـ.
قُلْتُ يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ
عَنْ التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا يَأْتِي بِسُنَّةِ الظُّهْرِ
حَتَّى لَوْ أَتَى بِهَا أَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ عِنْدَهُمَا اهـ.
أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَقَوْلُ صَاحِبِ
الْهِدَايَةِ فِيهَا، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَلَوْ
أَنَّهُ فَعَلَ فَعَلَ مَكْرُوهًا وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ.
فَسَّرَهُ نَفْسُهُ بِمَا يَشْمَلُ الرَّاتِبَةَ فَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ
الْجَوْهَرَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا
سُنَّةُ الظُّهْرِ الرَّاتِبَةُ إذَا صَلَّاهَا لَا تَفْصِلُ وَلَا يُعَادُ
الْأَذَانُ إذَا اشْتَغَلَ بِهَا. اهـ.
وَكَذَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمئِذٍ وَإِنْ
كَانَتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ
الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ) أَقُولُ: وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ
الزَّوَالِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى
الزَّوَالِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَيْ الْإِحْرَامُ
الْمَخْصُوصُ بِالْحَجِّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ ذَكَرَهُ
الْمُفَسِّرُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَتْنًا بِقَوْلِهِ
وَالْإِحْرَامُ لِلْحَجِّ، اهـ. لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ إحْرَامِ
الْعُمْرَةِ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ جَوَازِ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
خَمْسَةٌ: الْوَقْتُ وَالْمَكَانُ وَالْإِحْرَامُ وَالْإِمَامُ
وَالْجَمَاعَةُ، وَعِنْدَهُمَا الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَا شَرْطًا
اهـ.
وَيُزَادُ سَادِسٌ وَهُوَ صِحَّةُ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُ
الظُّهْرِ أَعَادَهُ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ
وَيُشْتَرَطُ إدْرَاكُ شَيْءٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ مَعَ
الْإِمَامِ فَإِنْ أَدْرَكَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فَقَطْ لَا يَجُوزُ لَهُ
الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَا يَجُوزُ
لِلْإِمَامِ الْجَمْعُ وَحْدَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ،
وَلَوْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا نَفَرُوا قَبْلَ الشُّرُوعِ عَلَى قَوْلِهِ
فَوَجْهُ الْجَوَازِ الضَّرُورَةُ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ
مُقْتَدِيًا بِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنْ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ
وَالْإِمَامُ وَالْإِحْرَامُ فِي الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ لِلْجَوَازِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَهُمَا اقْتَصَرَا عَلَى الْإِحْرَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ
اهـ فَيَسْقُطُ شَرْطُ الْإِمَامِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ
(قَوْلُهُ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَوْقِفِ) هَذَا عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ؛
لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الذَّهَابُ إلَى الْمَوْقِفِ مِنْ ابْتِدَاءِ
الزَّوَالِ بَلْ لَوْ أَخَّرَهُ جَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
بِغُسْلٍ سُنَّ) وَيَغْتَسِلُ بَعْدَ الزَّوَالِ بِعَرَفَاتٍ (قَوْلُهُ
وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ
يَقِفُوا وَرَاءَ الْإِمَامِ لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا
بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ اهـ.
وَالْوُقُوفُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَهِيَ الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ
ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَفْضَلُ وَالْوُقُوفُ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ
الْوُقُوفِ قَاعِدًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَيَجْتَهِدُ عَلَى أَنْ
يَقْطُرَ مِنْ عَيْنَيْهِ قَطَرَاتٍ مِنْ الدَّمْعِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ
الْقَبُولِ وَيَدْعُو لِأَبَوَيْهِ وَأَهْلِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَمَعَارِفِهِ وَجِيرَانِهِ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ مَعَ قُوَّةِ
الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ، وَلَا يُقَصِّرُ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ
لَا يُمْكِنُهُ تَدَارُكُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ الْآفَاقِ عَنْ
طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ
«أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةٍ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ» رَوَاهُ
رَزِينٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ قَالَهُ
الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِقَوْلِهِ،
وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ
جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةٍ» ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ
الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّإِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْغُرُوبِ أَتَى مُزْدَلِفَةَ) أَقُولُ وَالْأَفْضَلُ
أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةٍ يُسْرِعُ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا وَدُعَاءُ الدَّفْعِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ
إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَتَشْدِيدِهَا هُوَ بَيْنَ
مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ يَسَارٍ الْمَوْقِفُ
كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ
فَاصِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ لَيْسَ
(1/226)
وَنَزَلَ عِنْدَ جَبَلِ قُزَحٍ وَصَلَّى
الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) هَاهُنَا جَمَعَ الْمَغْرِبَ
وَالْعِشَاءَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ (وَأَعَادَ مَغْرِبًا أَدَّاهُ فِي
الطَّرِيقِ أَوْ عَرَفَاتٍ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) فَإِنَّهُ إنْ
صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ
فَإِنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ
وَذَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِذَا فَاتَ إمْكَانُ الْجَمْعِ سَقَطَ
الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَجَبَ فَإِمَّا أَنْ يَجِبَ قَضَاءُ فَضِيلَةِ
الْجَمْعِ فَذَا مُحَالٌ إذْ لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ
قَضَاءُ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدَّاهَا فِي الْوَقْتِ فَلَا وَجْهَ
لِلْقَضَاءِ (وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) ، وَهُوَ الظُّلْمَةُ فِي آخِرِ
اللَّيْلِ (ثُمَّ وَقَفَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَلَبَّى وَصَلَّى وَدَعَا)
هَذَا الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةِ وَاجِبٌ حَتَّى يَجِبُ بِتَرْكِهِ بِلَا
عُذْرٍ دَمٌ.
(وَإِذَا أَسْفَرَ أَتَى مِنًى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَادِي مُحَسِّرٍ
خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا اهـ.
وَسُمِّيَ مُحَسِّرًا؛ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابَ الْفِيلِ حَسِرَ فِيهِ أَيْ
أَعْيَا وَكَلَّ، قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ
عَرَفَاتٍ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَهُوَ وَادٍ بِحِذَاءِ
عَرَفَاتٍ عَنْ يَسَارِ الْمَوْقِفِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ فِي
غَايَةِ الْبَيَانِ قِيلَ إنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَتَكَبَّرُونَ
وَيَنْزِلُونَ مُعْتَزِلِينَ عَنْ النَّاسِ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ وَبَطْنِ
مُحَسِّرٍ فَأَمَرَ الشَّرْعُ مُخَالَفَتَهُمْ رَدًّا عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ
وَنَزَلَ عِنْدَ جَبَلِ قُزَحٍ) أَقُولُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ
وَهُوَ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَزَحَ إذَا
ارْتَفَعَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْمَوْقِفُ فَيَنْزِلُ عِنْدَهُ
كَيْ لَا يَضِيقَ عَلَى الْمَارِّ الطَّرِيقُ وَيُكْثِرُ مِنْ
الِاسْتِغْفَارِ (قَوْلُهُ وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ)
بِخِلَافِ الْجَمْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ
بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَيُعْلَمُ بِالْإِقَامَةِ التَّقْدِيمُ عَنْ
وَقْتِهِ، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - لَمْ يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ
تَطَوَّعَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ
كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ. . .
إلَخْ) أَقُولُ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْجَوَازِ مَا لَمْ يَخَفْ طُلُوعَ
الْفَجْرِ فَإِذَا خَشِيَ طُلُوعَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مُزْدَلِفَةَ
صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ وَإِذَا صَلَّاهُمَا وَاحِدَةً
أَجْزَأَهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ كَذَا فِي
الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَدَعَا) أَيْ مُجْتَهِدًا فِي دُعَائِهِ
وَيَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُتِمَّ مُرَادَهُ وَسُؤَالَهُ فِي هَذَا
الْمَوْقِفِ كَمَا أَتَمَّهُ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ
لِأُمَّتِهِ حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ كَمَا ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ
رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَقَلَ الْكَمَالُ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ
وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ اهـ.
وَيَجُوزُ فِي حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ الرَّفْعُ وَالْجَرُّ
كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ هَذَا الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ
وَاجِبٌ) أَقُولُ وَقَالَ مَالِكٌ: سُنَّةٌ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
رُكْنٌ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ بِهَا مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ
يُسْفِرَ جِدًّا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُهُ فَلَا يَجُوزُ
الْوُقُوفُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَلَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَوْ
وَقَفَ فِيهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ مَرَّ بِهَا جَازَ كَمَا فِي
عَرَفَاتٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالتَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ
فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُهُ هُنَا شَيْءٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ
وَالْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَاجِبٌ وَهُوَ
أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ حَتَّى يَجِبَ بِتَرْكِهِ بِلَا
عُذْرٍ دَمٌ) أَقُولُ وَالْعُذْرُ بِأَنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ أَوْ ضَعْفٌ
أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا
فِي الْكَافِي وَكُلُّ وَاجِبٍ فِي الْحَجِّ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ
بِعُذْرٍ شَيْءٌ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا نَصَّ الشَّارِعُ بِقَوْلِهِ
{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] اهـ.
وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ
أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ فَقَالَ لَوْ مَرَّ قَبْلَ الْوَقْتِ
لِخَوْفِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ قُلْتُ وَكَذَلِكَ
أَطْلَقَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ، وَلَوْ دَفَعَ الْحَاجُّ إلَى مِنًى
بِلَيْلٍ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ جَازَ، وَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْفَرَ) قَالَ الْكَمَالُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي حَدِّ
الْإِسْفَارِ إذَا سَارَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ
دَفَعَ، وَهَذَا بِطَرِيقِ التَّقْرِيبِ اهـ.
وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ
الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ إذَا
أَسْفَرَ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ.
وَقَالَ الْأَكْمَلُ أَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ
أَيْ إذَا قَرُبَتْ إلَى الطُّلُوعِ وَفَعَلَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى
ظُهُورِ الْمَسْأَلَةِ اهـ.
وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْغَلَطُ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ لَا مِنْ
الْقُدُورِيِّ نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ
الْبَغْدَادِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ مِنْ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ
أَبِي الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ أَثْبَتَ
لَفْظَ الْقُدُورِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ
ثُمَّ يُفِيضُ الْإِمَامُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى يَأْتِيَ مِنًى وَأَثْبَتَ الْإِمَامُ أَبُو
الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مِثْلَ
هَذَا أَيْضًا فَقَالَ وَيُفِيضُ الْإِمَامُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
فَيَأْتِي مِنًى (قَوْلُهُ أَتَى مِنًى) أَقُولُ وَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ
مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ إنْ كَانَ مَاشِيًا وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ
رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَحِكْمَةُ
الْإِسْرَاعِ فِيهِ مُخَالَفَةُ النَّصَارَى فَإِنَّهُ مَوْقِفُهُمْ كَذَا
فِي الْمِعْرَاجِ.
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَوْضِعَ أَخْذِ الْجِمَارِ
وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ يَدْفَعُ
مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَقَالَ قَوْمٌ بِسَبْعِينَ
(1/227)
وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ
الْوَادِي سَبْعًا) أَيْ سَبْعَ حَصَيَاتٍ (خَذْفًا) بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ رَمْيُ الْحَصَى بِالْأَصَابِعِ وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ أَنْ
يَضَعَ طَرَفَ الْإِبْهَامِ عَلَى طَرَفِ السَّبَّابَةِ فِي الرَّمْيِ
(وَكَبَّرَ لِكُلِّ حَصَاةٍ) فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ
رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ اللَّهُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
حَصَاةً وَلَيْسَ مَذْهَبَنَا اهـ.
قُلْت يُعَارِضُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى
الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ. اهـ.
وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ
شَاءَ اهـ فَالنَّفْيُ لَيْسَ إلَّا عَلَى التَّعْيِينِ أَيْ لَا
يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَنَا مَذْهَبًا وَمَا قَالَهُ
فِي الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي خِلَافَ مَا قِيلَ: إنَّهُ يَلْتَقِطُهَا مِنْ
الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ:
جَرَى التَّوَارُثُ بِذَلِكَ وَمَا قِيلَ: يَأْخُذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ
سَبْعًا رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَأَفَادَ
أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ خِلَافُهَا الْإِسَاءَةَ، وَعَنْ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهَا مِنْ جَمْعٍ اهـ.
وَلَا يَأْخُذُهَا مِنْ مَوْضِعِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ كَرِهُوهُ؛
لِأَنَّهُ الْمَرْدُودُ وَمَعَ هَذَا لَوْ رَمَى بِهِ جَازَ مَعَ
الْكَرَاهَةِ، وَمَا هِيَ إلَّا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَيَلْتَقِطُ
الْحَصَيَاتِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْسِرَ حَجَرًا وَاحِدًا سَبْعِينَ
صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْآنَ وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَهَا لِيَتَيَقَّنَ
طَهَارَتَهَا فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ، وَلَوْ رَمَى
بِمُتَنَجِّسَةٍ بِيَقِينٍ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) أَقُولُ
هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ
يَمِينِهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَكَانَ رَاكِبًا، وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَ اهـ.
وَلَا يَقِفُ بَعْدَ هَذَا الرَّمْيِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ قَالَهُ
قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ خَذْفًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ) أَيْ وَالذَّالِ
الْمُعْجَمَةِ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْخَذْفُ صِغَارُ الْحَصَى
قِيلَ: مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ، وَقِيلَ مِقْدَارُ النَّوَاةِ وَقِيلَ
مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ، وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ
أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ خَشْيَةَ أَنْ
يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ رَمْيُ
الْحَصَى بِالْأَصَابِعِ) أَيْ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ قَالَهُ ابْنُ
كَمَالٍ بَاشَا وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ
النِّهَايَةِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَمَا
نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُغْرِبِ. . . إلَخْ) عَلَيْهِ مَشَى فِي
الْهِدَايَةِ فَقَالَ وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ
عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا التَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ
تَفْسِيرَيْنِ قِيلَ بِهِمَا: أَحَدُهُمَا أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إبْهَامِهِ
الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَاهِرِ
الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدُ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا وَعُرِفَ مِنْهُ
أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي كَوْنِ الرَّمْيِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَالْآخَرُ
أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِلِ إبْهَامِهِ
كَأَنَّهُ عَاقِدٌ عَشَرَةً، وَهَذَا فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّمْيِ بِهِ
مَعَ الزَّحْمَةِ وَالْوَهْجَةِ عُسْرٌ وَقِيلَ يَأْخُذُهَا بِطَرَفَيْ
إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ
الْأَيْسَرُ الْمُعْتَادُ اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ كَلَامَ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَصَحَّحَ
فِي النِّهَايَةِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَيْ الَّذِي بِطَرَفِ الْإِبْهَامِ
وَالْمُسَبِّحَةِ اهـ.
وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ
إهَانَةً لِلشَّيْطَانِ وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ السُّنَّةِ فَلَوْ رَمَى
كَيْفَمَا أَرَادَ جَازَ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِقْدَارَ مَوْضِعِ الرَّمْيِ وَقَالَ
فِي الْهِدَايَةِ مِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي
وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْكَمَالُ وَمَقَامُ الرَّامِي بِحَيْثُ
يَرَى مَوْقِعَ حَصَاهُ وَمَا قُدِّرَ بِهِ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ فِي
رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَذَاكَ تَقْدِيرُ أَقَلِّ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْمَكَانِ فِي الْمَسْنُونِ، أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِ فِي
الْكِتَابِ أَيْ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ
يَكُونُ طَرْحًا، وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ رَمَى
إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ، وَلَوْ
وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ، وَلَوْ
رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ يَكْفِيهِ لِعَدَمِ
الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا مِنْهَا لَا يُجْزِئُهُ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبُهُ إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ وَالْقُرْبُ
قَدْرُ ذِرَاعٍ، وَنَحْوِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ كَأَنَّهُ
اعْتَمَدَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُرْبِ، وَضِدُّهُ الْبُعْدُ فِي الْعُرْفِ،
وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ
اهـ.
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الثَّلَاثَةُ الْأَذْرُعِ فِي حَدِّ الْبَعِيدِ
وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ اهـ.
وَلَوْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى مَحْمَلٍ
وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ أَعَادَهَا، وَإِنْ سَقَطَتْ عَلَى سَنَنِهَا ذَلِكَ
أَجْزَأَهُ، وَلَوْ رَمَى بِسَبْعٍ جُمْلَةً أَجْزَأَهُ عَنْ حَصَاةٍ
وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ
الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ
وَالْمَدَرِ وَمَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ، وَلَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ،
وَلَا يَجُوزُ بِالْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ
وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا كَمَا فِي
الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَلَا يَصِحُّ بِالْبَعْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَدَّمْنَا جَوَازَ الرَّمْيِ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ
الْأَرْضِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَشَمِلَ كُلَّ
الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّدِ
وَالْبَلْخَشِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْعَقِيقِ وَبِهَذَا
صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ أَكْمَلَ الدِّينِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْعِنَايَةِ اُعْتُرِضَ عَلَى صَاحِبِ
الْهِدَايَةِ فِي قَوْلِهِ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ
أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ
أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا
يَجُوزُ الرَّمْيُ بِهِمَا حَتَّى لَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِمَا فِي
الرَّمْيِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِهَانَةِ
بِرَمْيِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا اهـ.
فَقَدْ أَثْبَتَ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ
الزَّيْلَعِيِّ، وَخُصِّصَ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ دُونَ
غَيْرِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَيُحَرَّرْ.
(قَوْلُهُ وَكَبَّرَ لِكُلِّ حَصَاةٍ)
(1/228)
اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي
مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا (وَقَطَعَ تَلْبِيَتَهُ بِأَوَّلِهَا
ثُمَّ ذَبَحَ إنْ شَاءَ) ، وَإِنَّمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي
يَأْتِي بِهِ الْمُفْرِدُ تَطَوُّعٌ وَالْكَلَامُ فِي الْمُفْرِدِ (ثُمَّ
قَصَّرَ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ وَحَلَّ لَهُ غَيْرُ النِّسَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَالَ فِي الْكَافِي، وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ جَازَ؛ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ وَذَا يَحْصُلُ
بِالتَّسْبِيحِ كَمَا يَحْصُلُ بِالتَّكْبِيرِ اهـ.
وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا كَمَا يُفِيدُهُ الْمُصَنِّفُ.
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقْتَ
هَذَا الرَّمْيِ وَلَهُ أَوْقَاتٌ أَرْبَعَةٌ وَقْتُ الْجَوَازِ
وَالِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ فَالْأَوَّلُ
ابْتِدَاؤُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَانْتِهَاؤُهُ إذَا
طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ إلَيْهِ
لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ رَمَى
قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا وَالثَّانِي مِنْ
طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَالثَّالِثُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى
الْغُرُوبِ وَالرَّابِعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ
وَبَعْدَ غُرُوبِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلَ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ الْوَقْتَ الْمُبَاحَ مِنْ الْمَكْرُوهِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ
عِنْدَهُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَمَحْمَلُ
الْكَرَاهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِسَاءَةِ فِي الرَّمْيِ الْمَكْرُوهِ
عَلَى عَدَمِ الْعُذْرِ فَلَا يَكُونُ رَمْيُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ
وَرَمْيُ الرُّعَاةِ لَيْلًا مُلْزِمَ الْإِسَاءَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ وَقَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) قَالَ الْكَمَالُ.
وَفِي الْبَدَائِعِ فَإِذَا زَارَ الْبَيْتَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ
وَيَحْلِقَ وَيَذْبَحَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلَبِّي مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ تَزُلْ
الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ
رِوَايَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةُ ابْنُ سِمَاعَةَ مَنْ لَمْ يَرْمِ
قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ،
وَرِوَايَةُ هِشَامٍ إذَا مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ وَظَاهِرُ رِوَايَتِهِ
مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَشَارَ بِالرَّمْيِ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا
فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُفْعَلُ يَوْمَ
النَّحْرِ فَيَقْطَعُهَا إنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ
لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ أَوْ ذَبَحَ
قَبْلَ الرَّمْيِ دَمَ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ، وَمَضَى وَقْتُ
الرَّمْيِ الْمُسْتَحَبِّ كَفِعْلِهِ فَيَقْطَعُهَا إذَا لَمْ يَرْمِ
جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ قَصَّرَ) التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِ
الرَّأْسِ مِقْدَارَ أُنْمُلَةٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَوْ
الْمَرْأَةُ مِنْ رُءُوسِ رُبُعِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ مُرَادُ الزَّيْلَعِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ
شَعْرَةٍ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّقْصِيرِ عَلَى
قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ مِنْ كُلِّ
شَعْرَةٍ بِرَأْسِهِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الشَّعْرِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ
عَادَةً قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ اهـ.
قُلْتُ يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ أَيْ مِنْ شَعْرِ
الرُّبُعِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ أَوْ مِنْ الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ
الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ
كَالْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ (قَوْلُهُ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ) أَيْ
حَلْقُ الرَّجُلِ أَفْضَلُ لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِلْمُحَلِّقِينَ» وَيَكْتَفِي بِحَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ وَحَلْقُ
الْكُلِّ أَوْلَى وَيَجِبُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ
عَلَى الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُ
إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ، وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ حَلَّ
كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْبَادِيَةِ فَلَمْ يَجِدْ
آلَةً أَوْ مَنْ يَحْلِقُهُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا الْحَلْقُ أَوْ
التَّقْصِيرُ وَلَيْسَ هَذَا بِعُذْرٍ قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ قُلْتُ
وَالْحَصْرُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ، وَلَوْ
بِالنَّارِ أَوْ النُّورَةِ فَيَتَحَلَّلُ بِهِ لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ
الْمَجْمَعِ إنَّ إجْرَاءَ الْمُوسَى أَيْ عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ لَمْ
يَجِبْ لِعَيْنِهِ بَلْ لِإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ
أَزَالَ الشَّعْرَ بِالنُّورَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ إجْرَاءُ الْمُوسَى اهـ.
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَلْمُ أَظْفَارِهِ وَقَصُّ شَارِبِهِ بَعْدَ الْحَلْقِ
وَالدُّعَاءُ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مَعَ التَّكْبِيرِ
وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الشَّعْرِ، وَإِنْ رَمَى بِهِ لَا بَأْسَ وَكُرِهَ
إلْقَاؤُهُ فِي الْكَنِيفِ وَالْمُغْتَسَلِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ
لِحْيَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَلَوْ فَعَلَ لَا يَلْزَمُهُ
شَيْءٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَحَلَّ لَهُ غَيْرُ النِّسَاءِ)
فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَحْلِيلَ بِالرَّمْيِ لِشَيْءٍ وَهُوَ
الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَفِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الرَّمْيَ
مُحَلِّلٌ لِغَيْرِ النِّسَاءِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالطِّيبُ أَيْضًا
كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
شَامِلٌ لِلطِّيبِ فَيَحِلُّ، وَلَا تَحِلُّ الدَّوَاعِي وَلَكِنْ نَقَلَ
فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ بِالرَّمْيِ كُلُّ
شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحِلُّ
لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ،
وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ،
وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ
الزِّيَارَةِ بِالْأَثَرِ اهـ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي
أَنْ يُحْكَمَ بِضَعْفِ مَا فِي الْفَتَاوَى لِمَا قَدَّمْنَا أَيْ مِنْ
حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «طَيَّبْنَا رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ حِينَ
أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» اهـ.
وَأَقُولُ لَمْ يَقْتَصِرْ قَاضِي خَانْ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي
الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا يُوَافِقُ الْهِدَايَةَ أَيْضًا
قِيلَ: هَذَا بِقَوْلِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ
بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ حَلَّ لَهُ
كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ مَرْوِيٌّ
ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ
شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ
الطِّيبُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَالصَّحِيحُ
مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ، وَإِنَّمَا
عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
بِالْأَثَرِ اهـ.
فَكَانَ الْأَنْسَبُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ أَنْ يَرُدَّ كَلَامَ قَاضِي
خَانْ الْمَذْكُورَ ثَانِيًا
(1/229)
وَخَطَبَ) الْإِمَامُ (كَمَا فِي
السَّابِعِ) هَذِهِ هِيَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ (يُعَلِّمُ فِيهَا
النَّفْرَ) ، وَهُوَ خُرُوجُ الْحَاجِّ مِنْ مِنًى (وَهُوَ طَوَافُ
الصَّدَرِ ثُمَّ طَافَ لِلزِّيَارَةِ) قَدْ مَرَّ أَنَّهُ فَرْضٌ
(يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ سَبْعَةً) أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ
(بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ إنْ فُعِلَا) أَيْ الرَّمَلُ وَالسَّعْيُ
(قَبْلُ وَإِلَّا فَبِهِمَا فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ طَوَافَ
الزِّيَارَةِ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (وَجَبَ دَمٌ)
وَسَنُبَيِّنُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(وَأَوَّلُ وَقْتِهِ) أَيْ أَوَّلُ وَقْتِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
(بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ) أَيْ الطَّوَافُ
(فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (أَفْضَلُ وَبِهِ) أَيْ
بِالطَّوَافِ (حَلَّ النِّسَاءُ ثُمَّ أَتَى مِنًى وَرَمَى الْجِمَارَ
الثَّلَاثَ بَعْدَ زَوَالِ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ يَبْدَأُ بِمَا
يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ بِمَا يَلِيهِ ثُمَّ بِالْعَقَبَةِ
سَبْعًا سَبْعًا وَكَبَّرَ لِكُلٍّ) أَيْ لِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَاهَا
(وَوَقَفَ أَيْ وَقَفَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى) وَأَثْنَى عَلَيْهِ
(وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَقَطْ) أَيْ
بَعْدَ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا الثَّالِثِ، وَلَا بَعْدَ
يَوْمِ النَّحْرِ (وَدَعَا بِحَاجَتِهِ رَافِعًا يَدَيْهِ ثُمَّ غَدَا
كَذَلِكَ وَبَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ لِمُوَافَقَةِ مَا فِي
الْهِدَايَةِ وَدَلِيلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّهُ
تَنَاقَضَ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَقَوْلُ قَاضِي خَانْ، وَإِنَّمَا
عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ إلَى آخِرِهِ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ
كَأَنَّهُ قِيلَ: الطِّيبُ دَاعٍ إلَى النِّسَاءِ فَكَانَ مَمْنُوعًا
مِنْهُ مُطْلَقًا فَخَصَّهُ بِالرَّمْيِ وَحَلَّ بِالْحَلْقِ
لِلْأَثَرِ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ لِتَحْلِيلِ الرَّمْيِ
لِشَيْءٍ فَالْمَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ الْمُوَافِقِ
لِلْهِدَايَةِ وَلِحَصْرِهِ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ بِقَوْلِهِ
وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلْقِ وَبِهَذَا
يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا يُنْسَبُ لِقَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْحَلْقَ
لَا يَحِلُّ بِهِ الطِّيبُ (قَوْلُهُ وَخَطَبَ الْإِمَامُ كَمَا فِي
السَّابِعِ) أَيْ يَخْطُبُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ
خُطْبَةً وَاحِدَةً لَا يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا (قَوْلُهُ هَذِهِ هِيَ
الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ) كَانَ يَنْبَغِي بَيَانُ وَقْتِهَا: وَهُوَ
الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَعِبَارَةُ
الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّهَا فِي الْعَاشِرِ، وَعِنْدَنَا يَفْصِلُ
بَيْنَ كُلِّ خُطْبَةٍ وَأُخْرَى بِيَوْمٍ وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ
اهـ.
(قَوْلُهُ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ فَرْضٌ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا
يُفْتَرَضُ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ
بِأَكْثَرِهِ وَيَنْجَبِرُ أَقَلُّهُ بِالدَّمِ إذَا تُرِكَ وَهُوَ
الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا نَقَلَهُ
الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) أَقُولُ
هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَلَا يَخْتَصُّ آخِرُهُ بِزَمَانٍ
يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ صِحَّتُهُ بَلْ الْعُمُرُ وَقْتٌ لِصِحَّتِهِ
فَإِذَا فَعَلَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ
لِتَرْكِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَبِهِمَا) أَيْ فَبِالرَّمَلِ
وَالسَّعْيِ يَطُوفُ أَيْ مَعَهُمَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ،
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ قَدَّمَ الرَّمَلَ وَالسَّعْيَ فِي طَوَافِ
الْقُدُومِ وَإِلَّا فَعَلَهُمَا فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ
وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى مَا بَعْدَ
طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَكَذَلِكَ الرَّمَلُ لِيَصِيرَا تَبَعًا
لِلْفَرْضِ دُونَ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا
أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ إلَّا
أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ
مُهِمٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ حِلُّ النِّسَاءِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ
يَقُولَ أَيْ بِالطَّوَافِ وَحِلِّ النِّسَاءِ وَيَسْقُطُ لَفْظُ
وَبِهِ كَمَا فَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا
تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ إذْ حِلُّ النِّسَاءِ إنَّمَا هُوَ
بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِالطَّوَافِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ
هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ أَخَّرَ عَمَلَهُ
إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ
كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أُخِّرَ عَمَلُهُ إلَى انْقِضَاءِ
الْعِدَّةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَكَذَا
صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ
إلَّا بِالْحَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَصْلًا
وَقَلَّمَ ظُفُرَهُ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ قَاصِدًا التَّحَلُّلَ مِنْ
الْإِحْرَامِ كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْجَزَاءِ وَحِلُّ
النِّسَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّكْنِ مِنْ السَّبْعَةِ أَشْوَاطٍ
وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَقَطْ اهـ. قُلْتُ لَكِنْ سَنَذْكُرُ
فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُحْرِمَةً لَهُ تَحْلِيلُهَا بِقَصِّ
ظُفُرٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ التَّحْلِيلُ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى مِنًى) أَقُولُ يَعْنِي بَعْدَمَا صَلَّى
رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ كَمَا
فَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا (قَوْلُهُ
وَرَمْيُ الْجِمَارِ) أَقُولُ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ
الرَّمْيَ تُوضَعُ فِي يَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا أَوْ يَرْمِي عَنْهُ
غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَعْنِي، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالصَّغِيرُ يَرْمِي
عَنْهُ أَبُوهُ وَيُحْرِمُ عَنْهُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ
الدِّينِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا،
وَهَذَا نَصٌّ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ
كَلَامِ الْمُحِيطِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَلَى جَوَازِ
إحْرَامِ الْأَبِ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِالْأَوْلَى فَقَالَ
وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ وَلَدِهِ
الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَيَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا
بِالْأَوْلَى. اهـ.
(قَوْلُهُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ بَعْدَ زَوَالِ ثَانِي
النَّحْرِ) هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا
يَصِحُّ قَبْلَ الزَّوَالِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَصْدُهُ
أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي النَّفَرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ
الزَّوَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَوَقَفَ بَعْدَ
رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ) أَقُولُ لِيَكُونَ الدُّعَاءُ فِي وَسَطِ
الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ
قَدْ انْتَهَتْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَدَعَا بِحَاجَتِهِ)
أَيْ بَعْدَمَا حَمِدَ وَأَثْنَى وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ رَافِعًا
يَدَيْهِ) أَيْ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ
نَحْوَ السَّمَاءِ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ فِي
(1/230)
وَهُوَ) أَيْ الْمُكْثُ (أَحَبُّ، وَإِنْ
رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِيهِ) أَيْ الْغَدِ (جَازَ وَلَهُ النَّفْرُ)
أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ مِنًى (إلَى مَكَّةَ قَبْلَ فَجْرِهِ) أَيْ
الْيَوْمِ الرَّابِعِ (لَا بَعْدَهُ) فَإِنَّهُ إنْ وَقَفَ حَتَّى
طَلَعَ الْفَجْرُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْجِمَارِ (وَجَازَ
الرَّمْيُ رَاكِبًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ) أَيْ مَا يَلِي مَسْجِدَ
الْخَيْفِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ (مَاشِيًا أَفْضَلُ لَا الْعَقَبَةِ)
بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْأُولَيَيْنِ (وَكُرِهَ أَنْ لَا يَبِيتَ
بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاتَ بِهَا وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا.
(وَ) كُرِهَ أَيْضًا (تَقْدِيمَ ثَقَلِهِ) أَيْ مَتَاعِهِ
وَحَوَائِجِهِ (إلَى مَكَّةَ وَإِقَامَتُهُ بِمِنًى لِلرَّمْيِ) ؛
لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ (وَإِذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ
نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ
نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(ثُمَّ طَافَ لِلصَّدَرِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْأَدْعِيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْوَالِدَيْنِ
وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي دُعَائِهِ بِهَذَا الْمَوْقِفِ
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» كَمَا فِي
الْكَافِي، وَكَذَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ كَمَا فِي
الْهِدَايَةِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ وَالِدَيْهِ وَأَقَارِبَهُ وَمَعَارِفَهُ
الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ عُمُومِهِ لِعَامَّةِ
الْمُؤْمِنِينَ وَقَدَّمْنَا مَا فِي جَوَازِهِ لِلْعُمُومِ (قَوْلُهُ:
وَإِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِيهِ أَيْ الْغَدِ) صَوَابُهُ رُجُوعُ
الضَّمِيرِ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ أَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ
(قَوْلُهُ جَازَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَقَالَا
رَمْيُ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالثَّانِي
وَالثَّالِثِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَهُ النَّفْرُ أَيْ
الْخُرُوجُ إلَى مِنًى) أَقُولُ صَوَابُهُ إلَى مَكَّةَ أَوْ مِنْ
مِنًى ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَلَهُ النَّفْرُ قَبْلَ فَجْرِهِ
مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَهُوَ أَيْ الْمُكْثُ أَحَبُّ إلَّا
أَنَّهُ أَعَادَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ عَدَمَ جَوَازِ النَّفْرِ
بَعْدَ فَجْرِ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَفِي
الْأُولَيَيْنِ مَاشِيًا أَفْضَلُ لَا الْعَقَبَةِ) كَذَا قَالَهُ
صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ
الْهِدَايَةِ وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ
يَرْمِيَهُ مَاشِيًا وَإِلَّا فَيَرْمِيهِ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ
الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَيَرْمِي
مَاشِيًا لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى التَّضَرُّعِ وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ
مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ
نَقْلِهِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ
الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ اهـ. لِأَنَّهُ رُوِيَ رُكُوبُهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ كُلِّهِ وَكَانَ أَبُو
يُوسُفَ يَحْمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ رُكُوبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - عَلَى ظُهُورِ فِعْلِهِ لِيُقْتَدَى بِهِ وَيُسْأَلَ
وَيُحْفَظَ عَنْهُ الْمَنَاسِكُ كَمَا ذُكِرَ فِي طَوَافِهِ رَاكِبًا،.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ الْمَشْيِ قَالَ:
يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إلَى الْجِمَارِ، وَإِنْ رَكِبَ إلَيْهَا فَلَا
بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَتَظْهَرُ أَوْلَوِيَّتُهُ؛
لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا رُكُوبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قُلْنَا كَانَ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ مَاشِيًا
أَقْرَبَ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ خُصُوصًا فِي هَذَا
الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ
الرَّمْيِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالْمَرْكُوبِ بَيْنَهُمْ
بِالزَّحْمَةِ اهـ. مَا قَالَهُ الْكَمَالُ، وَقَدْ شَاهَدْت أَذِيَّةَ
الرَّاكِبِ خُصُوصًا مِمَّنْ يَكُونُ فِي مِحَفَّةٍ وَمَعَهُ
أَتْبَاعُهُ مِنْ الْجُنْدِ رُكْبَانًا مَعَ ضِيقِ الْمَحَلِّ
بِكَثْرَةِ الْحَاجِّ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى)
قَالَ الْكَمَالُ وَيَكُونُ مُسِيئًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَقَالَ
فِي الْكَافِي يُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ،
وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا عَمْدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ
قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ
بَلْ هِيَ تَبَعٌ لِلرَّمْيِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَتَرْكُهَا لَا
يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ كَالْبَيْتُوتَةِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ
النَّحْرِ اهـ فَلْيُنْظَرْ التَّوْفِيقُ لِيُدْفَعَ التَّعَارُضُ
(قَوْلُهُ وَعُمَرُ كَانَ يُؤَدِّبُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي
الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ - اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ
- ثُمَّ نَقَلَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَنْهَى
أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ
أَنْ يَدْخُلُوا مِنًى وَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنَامَ أَحَدٌ أَيَّامَ
مِنًى بِمَكَّةَ (قَوْلُهُ ثَقَلِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَجَمْعُهُ
أَثْقَالٌ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَحَشَمُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَزَلَ
بِالْمُحَصَّبِ) لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ زَمَنًا وَقَالَ قَاضِي خَانْ
يَنْزِلُ سَاعَةً اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ يُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ
وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ
مَكَّةَ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنَّ النُّزُولَ سَاعَةً مُحَصِّلٌ لِأَصْلِ
السُّنَّةِ وَأَمَّا الْكَمَالُ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ
اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ) وَيُقَالُ لَهُ خَيْفُ بَنِي
كِنَانَةَ.
وَقَالَ فِي الْإِمَامِ هُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ
إلَى مِنًى أَقْرَبُ، وَهَذَا لَا تَحْرِيرَ فِيهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ
هُوَ فِنَاءُ مَكَّةَ حَدُّهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ
الْمُتَّصِلِينَ بِالْمَقَابِرِ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ
لِذَلِكَ مُصَعِّدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى
مِنًى مُرْتَفِعًا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ
مِنْ الْمُحَصَّبِ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَقُولُ وَكَانَ نُزُولُهُ قَصْدًا وَهُوَ
الْأَصَحُّ حَتَّى يَكُونَ النُّزُولُ بِهِ سُنَّةً كَذَا فِي
الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ طَافَ لِلصَّدَرِ) عَبَّرَ بِثُمَّ الْمُفِيدَةِ
لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي فَأَفَادَ أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِهِ
بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ
وَأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ مَا دَامَ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ
حَتَّى لَوْ مَكَثَ عَامًا لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ
يَطُوفَهُ وَيَقَعُ أَدَاءً وَإِذَا طَافَهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ
بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَطُوفَهُ حِينَ
يَخْرُجُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ إذَا اشْتَغَلَ بَعْدَهُ
بِعَمَلٍ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
إذَا طَافَ لِلصَّدَرِ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْعِشَاءِ قَالَ أَحَبُّ
إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ كَيْ لَا يَكُونَ بَيْنَ طَوَافِهِ
وَنَفْرِهِ حَائِلٌ، وَلَوْ نَفَر وَلَمْ يَطُفْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ
يَرْجِعَ فَيَطُوفَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جَدِيدٍ مَا لَمْ يُجَاوِزْ
الْمَوَاقِيتَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ عَيْنًا بَلْ
إمَّا أَنْ يَمْضِيَ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِمَّا
(1/231)
وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ
(سَبْعَةً) أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ (بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ ثُمَّ
شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) أَيْ عَتَبَةَ
الْكَعْبَةِ (وَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَى الْمُلْتَزَمِ) ،
وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ (وَتَشَبَّثَ) أَيْ تَمَسَّكَ
(بِالْأَسْتَارِ) أَيْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ سَاعَةً وَدَعَا
مُجْتَهِدًا (وَبَكَى) عَلَى فِرَاقِ الْكَعْبَةِ (وَرَجَعَ
الْقَهْقَرَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ جَازَ تَرْكُ طَوَافِ
الْقُدُومِ لِلْوَاقِفِ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ) ، وَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ (مَنْ وَقَفَ بِهَا)
أَيْ بِعَرَفَاتٍ (سَاعَةً مِنْ زَوَالِ عَرَفَةَ إلَى صُبْحِ يَوْمِ
النَّحْرِ أَوْ اجْتَازَ بِالنَّوْمِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ جَهِلَ
أَنَّهَا) أَيْ تِلْكَ الْأَرْضَ (عَرَفَاتٌ صَحَّ) وُقُوفُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَنْ يَرْجِعَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَطُوفَ
لِلصَّدَرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ وَقَالُوا الْأَوْلَى
أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ مَالًا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ
الْإِحْرَامِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
وَهُوَ وَاجِبٌ) أَقُولُ وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ
مُعَيَّنَةٌ حَتَّى لَوْ طَافَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ وَنَوَى
التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدَرِ كَمَا لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ
التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ كَذَا فِي
الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
وَيُلْحَقُ بِهِمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمِيقَاتِ وَمَنْ نَوَى
الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ أَيْ الرُّجُوعِ إلَى
مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ
صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ
بَعْدَمَا حَلَّ وَقْتُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ
النَّفْرُ الْأَوَّلُ لَزِمَهُ التَّوْدِيعُ كَنِيَّةِ الشُّرُوعِ
فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَائِضُ مُسْتَثْنَاةٌ
بِالنَّصِّ وَالنُّفَسَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِضِ وَلَيْسَ
لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ الصَّدَرِ كَعَدَمِ طَوَافِ الْقُدُومِ لَهَا
اهـ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. . . إلَخْ) .
أَيْ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْوَدَاعِ (قَوْلُهُ
وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) أَيْ بَعْدَ زَمْزَمَ لِمَا قَالَ
الزَّيْلَعِيُّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَبْدَأُ بِالْمُلْتَزَمِ أَوْ
بِزَمْزَمَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِزَمْزَمَ، وَكَيْفِيَّتُهُ
أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ فَيَسْتَقِيَ بِنَفْسِهِ الْمَاءَ وَيَشْرَبَهُ
مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسَ فِيهِ
مَرَّاتٍ وَيَرْفَعَ بَصَرَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَيَنْظُرَ إلَى
الْبَيْتِ وَيَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبَّ
عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبَهُ يَقُولُ
اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا
وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْكَمَالُ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا فِي فَضْلِ مَاءِ
زَمْزَمَ وَذَكَرَ فِيهِ مَا بِهِ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ مَتْنِ قَوْلِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَاءُ زَمْزَمَ
لِمَا شُرِبَ لَهُ» اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ سِيَاقِ حَدِيثِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا
شُرِبَ لَهُ» ، وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ
لِمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ فَنَالُوهَا بِبَرَكَتِهِ اهـ.
وَصَرَّحَ الْكَمَالُ بِاسْمِ بَعْضِهِمْ كَابْنِ الْمُبَارَكِ
(قَوْلُهُ وَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَ عَلَى الْمُلْتَزَمِ) قَالَ
الزَّيْلَعِيُّ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بَابَ الْبَيْتِ أَوَّلًا
وَيُقَبِّلَ الْعَتَبَةَ وَيَدْخُلَ الْبَيْتَ حَافِيًا ثُمَّ يَأْتِيَ
الْمُلْتَزَمَ فَيَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَيَتَشَبَّثَ
بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً يَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ بِمَا
أَحَبَّهُ مِنْ أُمُورِ الدَّارَيْنِ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا
بَيْتُك الَّذِي جَعَلْته مُبَارَكًا وَهُدَى لِلْعَالَمِينَ
اللَّهُمَّ كَمَا هَدَيْتنِي لَهُ فَتَقَبَّلْ مِنِّي، وَلَا تَجْعَلْ
هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ بَيْتِك وَارْزُقْنِي الْعَوْدَ إلَيْهِ
حَتَّى تَرْضَى عَنِّي بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَقَالَ
الْكَمَالُ الْمُلْتَزَمُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُسْتَجَابُ
فِيهَا الدُّعَاءُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا دَعَوْت
قَطُّ إلَّا أَجَابَنِي» اهـ. وَقَدَّمْنَاهُ مَعَ بَقِيَّةِ
الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَجَابِ فِيهَا الدُّعَاءُ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ
الْقَهْقَرَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
وَفِي ذَلِكَ إجْلَالُ الْبَيْتِ وَتَعْظِيمُهُ وَهُوَ وَاجِبُ
التَّعْظِيمِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَالْعَادَةُ
جَارِيَةٌ بِهِ فِي تَعْظِيمِ الْأَكَابِرِ وَالْمُنْكِرُ لِذَلِكَ
مُكَابِرٌ، وَهَذَا تَمَامُ الْحَجِّ يَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ
السُّفْلَى لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا
وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» قَالَهُ الْكَمَالُ، وَلَا
يَغْفُلُ عَنْ زِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَطَالِبِ
(تَنْبِيهٌ) : فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إشْعَارٌ
بِعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
الْمُجَاوَرَةُ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ وَنَفَى الْكَرَاهَةَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ قَالَ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ: وَهُوَ أَيْ قَوْلُهُمَا
أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] وَالْعُكُوفُ الْمُجَاوَرَةُ اهـ.
وَأَجَابَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ دَلِيلِهِمَا بِأَنَّ
الْعُكُوفَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى اللُّبْثِ دُونَ الْمُجَاوَرَةِ
(قَوْلُهُ جَازَ تَرْكُ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ. .
. إلَخْ) فِي تَعْبِيرِهِ بِجَوَازِ التَّرْكِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ
فِيهِ إيهَامَ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَلَا
يَأْتِي بِهِ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مَنْ لَمْ يَدْخُلْ
مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ؛
لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ
عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى
غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ سُنَّةً. اهـ.
وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي عُدُولِهِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالسُّقُوطِ
أَنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي اللَّازِمِ وَلَكِنْ
عَبَّرَ بِهِ الْمُؤَلِّفُونَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ عَنْ عَدَمِ
سُنِّيَّةِ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ؛ لِمَا
قُلْنَا إنَّهُ مَا شَرَعَ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْأَفْعَالِ كَمَا
أَفَادَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مَنْ وَقَفَ بِهَا سَاعَةً)
قَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ الْيَسِيرُ مِنْ
الزَّمَانِ وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ لَا
السَّاعَةُ عِنْدَ الْمُنَجِّمِينَ (قَوْلُهُ صَحَّ وُقُوفُهُ) تَبِعَ
فِيهِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَقُلْ تَمَّ حَجُّهُ كَصَاحِبِ الْكَنْزِ؛
لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَامِ الْأَمْنُ مِنْ بُطْلَانِ الْحَجِّ
لَا حَقِيقَةُ التَّمَامِ لِبَقَاءِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ
طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لَكِنَّهُ
(1/232)
؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ،
وَهُوَ الْوُقُوفُ (كَذَا) أَيْ صَحَّ أَيْضًا (لَوْ أَهَلَّ رَفِيقُهُ
عَنْهُ بِالْحَجِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقَدَ الرُّفْقَةَ
فَقَدْ اسْتَعَانَ بِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ
مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَالْإِحْرَامُ مَقْصُودٌ بِهَذَا السَّفَرِ
فَكَانَ الْإِذْنُ بِهِ ثَابِتًا دَلَالَةً فَإِنَّهُ إذَا آذَنَ
إنْسَانًا بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ
فَأَحْرَمَ عَنْهُ صَحَّ بِالْوِفَاقِ فَكَذَا هَذَا حَتَّى إذَا
أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ
فَيَصِيرُ الرَّفِيقُ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ، وَعَنْ
غَيْرِهِ بِالنِّيَابَةِ
(وَمَنْ لَمْ يَقِفْ فِيهَا) أَيْ فِي عَرَفَاتٍ (فَاتَ حَجُّهُ
فَطَافَ وَسَعَى وَتَحَلَّلَ وَقَضَى مِنْ قَابِلٍ) أَيْ عَامَ قَابِلٍ
بَعْدَهُ (وَالْمَرْأَةُ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (كَالرَّجُلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
إذَا وَقَفَ نَهَارًا وَجَبَ عَلَيْهِ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ إلَى مَا
بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ
وَقَفَ لَيْلًا يَجِبُ عَلَيْهِ امْتِدَادُهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ
أَيْ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ
الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ النِّيَةَ لَيْسَتْ
بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرُّكْنُ مِمَّا
يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً مَعَ عَدَمِ إحْرَامِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ
فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَصْلِ النِّيَّةِ، وَعَنْ هَذَا وَقَعَ
الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ
هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لِهَارِبٍ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْبَيْتُ
الَّذِي يَجِبُ الطَّوَافُ بِهِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ،
وَلَوْ نَوَى أَصْلَ الطَّوَافِ جَازَ، وَلَوْ عَيَّنَ جِهَةً غَيْرَ
الْفَرْضِ مَعَ أَصْلِ النِّيَّةِ لَغَتْ حَتَّى لَوْ طَافَ يَوْمَ
النَّحْرِ عَنْ نَذْرٍ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَمْ
يُجْزِهِ عَنْ النَّذْرِ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ يُؤَدَّى فِي إحْرَامٍ
مُطْلَقًا فَأَغْنَتْ النِّيَّةُ عِنْدَ الْعَقْدِ عَلَى الْأَدَاءِ
عَنْهَا فِيهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ الَّذِي يُؤَدَّى بَعْدَ
التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ فَلَا يُغْنِي وُجُودُهَا
عِنْدَ الْإِحْرَامِ عَنْهَا، وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا
فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا الْعُمْرَةِ وَالْأَوَّلُ يَعُمُّهُمَا
كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَذَا أَيْ صَحَّ أَيْضًا لَوْ أَهَلَّ
رَفِيقُهُ عَنْهُ بِالْحَجِّ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَوَاءٌ أَحْرَمَ الرَّفِيقُ قَبْلَ إحْرَامِهِ
عَنْهُ أَوْ لَا وَأَطْلَقَ مَنْ أَحْرَمَ عَنْهُ عَنْ قَيْدِ
الْإِغْمَاءِ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ،
وَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِإِغْمَائِهِ صَحَّ اهـ.
وَقَيَّدَ بِالْحَجِّ لِدَلَالَةِ حَالَةِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهِ
وَأَطْلَقَهُ عَنْ الْقَيْدِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَقَالَ فِي
الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ بِحِجَّةٍ
أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَمْ
أَرَهُ صَرِيحًا اهـ. قُلْتُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ
مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ كَيْفَ يَصِحُّ
أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ،
وَقَدْ يَمْتَدُّ الْإِغْمَاءُ، وَلَا يَحْصُلُ إحْرَامٌ عَنْهُ
بِالْحَجِّ فَيَفُوتُ مَقْصِدُهُ ظَاهِرًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛
لِأَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقْدَ الرُّفْقَةِ إلَخْ) فِيهِ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفِيقِ رَفِيقُ الْقَافِلَةِ لَا
الصُّحْبَةِ وَالْمُخَالَطَةِ كَمَا قَالُوا فِي خَوْفِ الْعَطَشِ
عَلَى الرَّفِيقِ الْمُرَادُ بِهِ رَفِيقُ الْقَافِلَةِ كَمَا صَرَّحَ
بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ
الْمُغْمَى عَلَيْهِ غَيْرُ رَفِيقِهِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ
الْمَشَايِخُ فِيهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ الْكَمَالُ الرَّفِيقُ
قَيْدٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ عِنْدَ آخَرِينَ حَتَّى
لَوْ أَهَلَّ غَيْرُ رُفَقَائِهِ عَنْهُ جَازَ وَهُوَ الْأَوْلَى؛
لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ لَا الْوِلَايَةِ، وَدَلَالَةُ
الْإِعَانَةِ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ عُلِمَ قَصْدُهُ رَفِيقًا
كَانَ أَوْ لَا وَلَيْسَ مَعْنَى الْإِحْرَامِ عَنْهُ أَنْ
يُجَرِّدُوهُ وَيُلْبِسُوهُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ بَلْ أَنْ
يَنْوُوا وَيُلَبُّوا عَنْهُ فَيَصِيرُ هُوَ بِذَلِكَ مُحْرِمًا كَمَا
لَوْ نَوَى وَلَبَّى وَيَنْتَقِلُ إحْرَامُهُمْ إلَيْهِ حَتَّى كَانَ
لِلرَّفِيقِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ ذَلِكَ وَإِذَا بَاشَرَ
أَيْ الرَّفِيقُ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ
بِخِلَافِ الْقَارِنِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ
اسْتَمَرَّ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ هَلْ
يَجِبُ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ الْمَشَاهِدَ فَيُطَافُ بِهِ وَيُسْعَى
وَيُوقَفُ أَوْ لَا بَلْ مُبَاشَرَةُ الرُّفْقَةِ لِذَلِكَ عَنْهُ
تُجْزِئُهُ فَاخْتَارَ طَائِفَةٌ الْأَوَّلَ وَاخْتَارَ آخَرُونَ
الثَّانِيَ، وَجَعَلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصَحَّ، وَإِنَّمَا
ذَلِكَ أَوْلَى لَا مُتَعَيِّنٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُغْمِيَ
عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَطِيفَ بِهِ الْمَنَاسِكَ فَإِنَّهُ
يُجْزِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَيُشْتَرَطُ نِيَّتُهُمْ
الطَّوَافَ إذَا حَمَلُوهُ فِيهِ كَمَا يُشْتَرَط نِيَّتُهُمْ ثُمَّ
قَالَ الْكَمَالُ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْهُمْ تَجْوِيزَ عَدَمِ حَمْلِهِ
وَعَدَمِ شُهُودِ الْمَشَاهِدِ. اهـ.
وَهَذَا يُفِيدُ إجْزَاءَ طَوَافٍ وَاحِدٍ عَنْ الْحَامِلِ
وَالْمَحْمُولِ بِالنِّيَّةِ عَنْهُمَا وَيُخَالِفُهُ فِي عَدَمِ
النِّيَّةِ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ
مَنْ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا أَجْزَأَ ذَلِكَ الطَّوَافُ عَنْ
الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ جَمِيعًا وَسَوَاءٌ نَوَى الْحَامِلُ
الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ الْمَحْمُولِ أَوْ لَمْ يَنْوِ أَوْ
كَانَ لِلْحَامِلِ طَوَافَ الْعُمْرَةِ وَلِلْمَحْمُولِ طَوَافَ
الْحَجِّ وَعَكْسُهُ أَوْ كَانَ الْحَامِلُ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ
وَالْمَحْمُولُ عَمَّا أَوْجَبَهُ إحْرَامُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ
جِنَايَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِانْقِلَابِهِ عَلَى صَيْدٍ وَنَحْوِهِ
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إذَا أَذِنَ صَحَّ بِالْوِفَاقِ) فِيهِ إشَارَةٌ
إلَى الْخِلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ
وَالْقَائِلُ بِصِحَّةِ الْإِهْلَالِ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَبُو
حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا فَإِذَا أَذِنَ بِهِ كَمَا قَالَهُ
الْمُصَنِّفُ صَحَّ إجْمَاعًا لَكِنْ لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ
الْمُخَالِفُ مِنْ الْقَائِلَ، وَلَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي مَعَ ذِكْرِ
الِاتِّفَاقِ بَعْدَهُ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ جَوَازُ إتْمَامِ
حَجِّ مَنْ حَصَلَ لَهُ عِلَّةٌ بَعْدَمَا أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ نَصَّ
الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ
الطَّوَافَ إلَّا مَحْمُولًا وَهُوَ يَعْقِلُ وَنَامَ مِنْ غَيْرِ
عِلَّةٍ فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَطَافُوا بِهِ رَوَى
ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ إذَا طَافُوا بِهِ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِهِ لَا يَجْزِيهِ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ ثُمَّ
نَامَ فَحَمَلُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ
إنْ دَخَلُوا بِهِ الطَّوَافَ أَوْ تَوَجَّهُوا بِهِ نَحْوَهُ فَنَامَ
وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ اهـ.
وَنَقَلَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ فَظَهَرَ
أَنَّ النَّائِمَ يَشْتَرِطُ صَرِيحَ الْإِذْنِ مِنْهُ بِخِلَافِ
الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَإِنْ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا بِغَيْرِ عِلَّةٍ
طَوَافَ الْعُمْرَةِ أَوْ الزِّيَارَةِ وَجَبَ الْإِعَادَةُ أَوْ
الدَّمُ اهـ.
(قَوْلُهُ فَطَافَ
(1/233)
لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا
رَأْسَهَا، وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا، وَلَا تَرْمُلُ، وَلَا تَسْعَى
بَيْنَ الْمِيلَيْنِ، وَلَا تَحْلِقُ وَتُقَصِّرُ وَتَلْبَسُ
الْمَخِيطَ، وَلَا تَقْرَبُ الْحَجَرَ فِي الزِّحَامِ، وَحَيْضُهَا لَا
يَمْنَعُ نُسُكًا غَيْرَ الطَّوَافِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ،
وَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ لِلْحَائِضِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَيْضُ (بَعْدَ
رُكْنَيْهِ) أَيْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ
(يَسْقُطُ الصَّدْرُ) ، وَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ (الْبُدْنُ) جَمْعُ
بَدَنَةٍ (مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) وَالْهُدَى مِنْهُمَا وَمِنْ
الْغَنَمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(بَابُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ)
(الْقِرَانُ أَنْ يُهِلَّ) الْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ
بِالتَّكْبِيرِ (بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا) قَالَ فِي الْكَنْزِ،
وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ. . .
إلَخْ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ اشْتِرَاطُ الْإِهْلَالِ مِنْ
الْمِيقَاتِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ
دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ أَنْ
يَصِلَ إلَى الْمِيقَاتِ جَازَ وَصَارَ قَارِنًا؛ وَلِذَا قُلْت
هَاهُنَا (مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ
قَبْلَهَا) كَذَا فِي الْكَافِي (وَيَقُولَ بَعْدَ الصَّلَاةِ) يَعْنِي
الشَّفْعَ الَّذِي يُصَلِّيهِ مُرِيدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
إلَخْ) أَيْ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ
لِفَوَاتِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا
رَأْسَهَا) تَبِعَ فِيهِ الْهِدَايَةَ وَالْكَنْزِ وَقَالَ
الزَّيْلَعِيُّ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا
تَكْشِفُ رَأْسَهَا، وَلَا يَذْكُرُ الْوَجْهَ؛ لِأَنَّهَا لَا
تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُهُ فِي
الرَّأْسِ فَيَكُونُ فِي ذِكْرِهِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَلَا
يُقَالُ: إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِيهِ،
وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمَا عُرِفَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى
سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ.
فَلَا يُنَاسِبُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمَّا كَانَ كَشْفُ
وَجْهِهَا خَفِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهَا
لَا تَكْشِفُ لِمَا أَنَّهُ مَحَلُّ الْفِتْنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ،
وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِيهِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ كَمَا قَالُوا أَنْ تُسْدِلَ عَلَى
وَجْهِهَا شَيْئًا وَتُجَافِيَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِذَلِكَ أَعْوَادًا
كَالْقُبَّةِ تُوضَعُ عَلَى الْوَجْهِ وَتُسْدَلُ فَوْقَهَا الثَّوْبُ
وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ
إبْذَالِ وَجْهِهَا لِلْأَجَانِبِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ دَلَّ
الْحَدِيثُ أَيْ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ
«كَانَ الرُّكْبَانُ تَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْنَا
سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا
فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ» . (قَوْلُهُ: وَلَا تَسْعَى بَيْنَ
الْمِيلَيْنِ) أَيْ فَتَمْشِي بَيْنَهُمَا عَلَى هِينَتِهَا كَبَاقِي
السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ سَعْيَهَا بَيْنَ
الْمِيلَيْنِ مُخِلٌّ بِالسَّتْرِ أَوْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ
الْمَشْرُوعِيَّةِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَهُوَ لِلرِّجَالِ وَأَشَارَ
إلَى أَنَّهَا لَا تَضْطَبِعُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الرَّمَلِ كَذَا فِي
الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَتُقَصِّرُ) أَيْ كَالرَّجُلِ مِنْ رُبُعِ
شَعْرِهَا خِلَافًا لِمَا قِيلَ: إنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ فِي حَقِّهَا
بِالرُّبُعِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ
وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ) قَالَ الْكَمَالُ لَكِنْ لَا تَلْبَسُ
الْمُوَرَّسَ وَالْمُزَعْفَرَ وَالْمُعَصْفَرَ اهـ. قُلْتُ إنْ كَانَ
لِصَبْغٍ فِيهِ يَنْفُضُهُ فَهِيَ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ فِي الْمَنْعِ
مِنْ حَيْثِيَّةِ الطِّيبِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْفَضُ فَهُوَ جَائِزٌ
لَهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَخِيطِ إذَا لَمْ يُنْفَضْ جَازَ لُبْسُهُ
لِلرَّجُلِ (قَوْلُهُ وَحَيْضُهَا لَا يَمْنَعُ نُسُكًا) كَذَا فِي
التَّبْيِينِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ
فِيهِ اهـ.
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي جَمِيعِ مَا
ذَكَرْنَاهُ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يَخْلُو بِامْرَأَةٍ،
وَلَا بِرَجُلٍ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ كَمَا فِي
التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[بَابُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ]
(قَوْلُهُ الْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ) أَقُولُ
كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ
فِي إهْلَالٍ مَخْصُوصٍ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ خُرُوجًا مِنْ
الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْإِهْلَالُ بِكُلِّ ذِكْرٍ خَالِصٍ
لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّلْبِيَةِ وَعَبَّرَ
الْمُصَنِّفُ بِالْإِهْلَالِ مُحَافَظَةً عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ
إذْ رَفْعُ الصَّوْتِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلدُّخُولِ فِي
الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا بَلْ الرَّفْعُ
مُسْتَحَبٌّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ الْقِرَانِ لُغَةً وَهُوَ
الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مَصْدَرُ قَرَنَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ
وَنَصَرَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْقِرَانَ لِفَضْلِهِ
عَلَى الْإِفْرَادِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ تَرَقِّيًا مِنْ الْوَاحِدِ
إلَى الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدُ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ كَمَا فِي
الْجَوْهَرَةِ وَأَخَّرَ بَيَانَ أَفْضَلِيَّتِهِ آخِرَ الْبَابِ
وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ (قَوْلُهُ مَعًا) الْمَعِيَّةُ
لَيْسَتْ قَيْدًا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ
بِحِجَّةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ صَارَ
قَارِنًا، وَإِنْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةً ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ
كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَكَذَا يَكُونُ قَارِنًا لَوْ أَحْرَمَ
بِالْحَجِّ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهُ وَقَدْ
أَسَاءَ لِتَقْدِيمِهِ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ،
وَلَوْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ لِلْحَجِّ طَوَافَ
الْقُدُومِ كَانَ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ
لَا دَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَنْزِ. . .
إلَخْ) أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
الْمِيقَاتَ ذُكِرَ قَيْدًا اتِّفَاقِيًّا فِي كَلَامِ الْكَنْزِ،
وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّ
الْقَارِنَ لَا يَكُونُ إلَّا آفَاقِيًّا وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَذَا
فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ قَبْلَهُ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَوْ
أَحْرَمَ مِنْهُ) وَلَيْسَ قَيْدًا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ
بِهِمَا دَاخِلَ الْمِيقَاتِ كَانَ قَارِنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ
(قَوْلُهُ وَيَقُولَ) بِالنَّصْبِ عُطِفَ عَلَى يُهِلَّ وَهُوَ
كِنَايَةٌ عَنْ وُجْدَانِ النِّيَّةِ أَوْ إعْلَامٌ بِهَا فَهُوَ
بَيَانٌ لِشَرْطَيْ دُخُولِهِ فِي الْقِرَانِ التَّلْبِيَةُ
وَالنِّيَّةُ أَفَادَ الْإِتْيَانَ بِالتَّلْبِيَةِ بِقَوْلِهِ يُهِلُّ
وَالْإِتْيَانَ بِالنِّيَّةِ بِيَقُولُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ
ظَرْفٌ
(1/234)
لِلْإِحْرَامِ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي
وَطَافَ لِلْعُمْرَةِ سَبْعَةٌ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ
وَيَسْعَى بِلَا حَلْقٍ) بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ
الْهَدْيَ (ثُمَّ يَحُجُّ) أَيْ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ
فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَيَسْعَى (كَمَا مَرَّ) فِي الْمُفْرِدِ
(وَكُرِهَ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ لَهُمَا) بِأَنْ طَافَ أَرْبَعَةَ
عَشَرَ شَوْطًا سَبْعَةً لِلْعُمْرَةِ وَسَبْعَةً لِطَوَافِ الْقُدُومِ
لِلْحَجِّ ثُمَّ سَعَى لَهُمَا، وَإِنَّمَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ
سَعْيَ الْعُمْرَةِ وَقَدَّمَ طَوَافَ الْقُدُومِ (وَذَبَحَ
لِلْقِرَانِ بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنْ عَجَزَ) عَنْ
الذَّبْحِ (صَامَ ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ (آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ
وَسَبْعَةَ) أَيَّامٍ (بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَيْنَ شَاءَ)
أَيْ سَوَاءٌ صَامَ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا (فَإِنْ فَاتَتْ
الثَّلَاثَةُ تَعَيَّنَ الدَّمُ وَبِالْوُقُوفِ قَبْلَ الْعُمْرَةِ
بَطَلَتْ وَقُضِيَتْ) أَيْ الْعُمْرَةُ (وَوَجَبَ دَمُ الرَّفْضِ
وَسَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ) .
قَوْلُهُ (وَالتَّمَتُّعُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْقِرَانُ
(الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِهِ فِي سَنَةٍ
وَاحِدَةٍ بِلَا إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
مُتَعَلِّقٌ بِيَقُولُ وَيُهِلُّ فَيَكُونَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى
الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ عَلَى
الْحَجِّ فِي الذِّكْرِ عِنْدَ الْإِهْلَالِ وَدُعَاءِ التَّيْسِيرِ
وَإِنْ أَخَّرَهَا فِيهِمَا جَازَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْكَافِي
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَدَّمَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ
ذِكْرَ الْحَجِّ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَمَنْ مَالَ إلَى الْأَوَّلِ
قَالَ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَفْعَالِ
الْحَجِّ اهـ.
وَالْآيَةُ، وَإِنْ وَرَدَتْ فِي التَّمَتُّعِ لَكِنَّ الْقِرَانَ فِي
مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَرَفَّقَ بِالنُّسُكَيْنِ كَذَا فِي
الْكَافِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ
لَهُ الْحَلْقُ بَعْدَ سَعْيِهِ إنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ كَمَا
سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحُجُّ) عَبَّرَ بِحَرْفِ التَّرْتِيبِ
وَالتَّرَاخِي لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بَيْنَ الطَّوَافَيْنِ
بِأَكْلٍ أَوْ نَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ أَيْ يَبْدَأُ.
. . إلَخْ) هَذَا التَّرْتِيبُ أَعْنِي تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ عَلَى
أَفْعَالِ الْحَجِّ وَاجِبٌ فَلَوْ طَافَ أَوَّلًا لِحَجَّتِهِ وَسَعَى
لَهَا ثُمَّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا فَطَوَافُهُ الْأَوَّلُ
وَسَعْيُهُ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ كَذَا فِي
الْبَحْرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ
التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْمَنَاسِكِ لَا يُوجِبُ الدَّمَ
عِنْدَهُمَا،.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ طَوَافُ التَّحِيَّةِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ لَا
يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى اهـ.
(تَنْبِيهٌ) : هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْقِرَانِ الْإِتْيَانُ بِأَكْثَرِ
أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالتَّمَتُّعِ ذَكَرَ
فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَالْحَقُّ اشْتِرَاطُ فِعْلِ
أَكْثَرِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَهُ الْكَمَالُ فِي
بَابِ التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ وَذَبَحَ لِلْقِرَانِ) أَيْ شَاةً أَوْ
سُبُعَ بَدَنَةٍ وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ
الشَّاةِ وَالْجَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ كَمَا فِي
الْأُضْحِيَّةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَتْ
حِصَّتُهُ مِنْ الْبَقَرَةِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ كَمَا هُوَ
فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ (قَوْلُهُ صَامَ ثَلَاثَةً آخِرُهَا
يَوْمُ عَرَفَةَ) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ
الْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَ
التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ
الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ
يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ اهـ.
وَعَلَى هَذَا يُسْتَثْنَى عَدَمُ كَرَاهَةِ صَوْمِ عَرَفَةَ
لِلْحَاجِّ عَنْ الْهَدْيِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَرَاهَةَ صَوْمِهِ
لِلْحَاجِّ، وَالْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ فِي الْعَجْزِ
وَالْقُدْرَةِ أَيْ مَا لَمْ يَحْلِقْ، وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى
الْهَدْيِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَمَا
أَكْمَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَحِلَّ وَهُوَ فِي أَيَّامِ
الذَّبْحِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْهَدْيِ، وَلَوْ
وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ صَوْمِ السَّبْعَةِ أَيَّامٍ
صَحَّ صَوْمُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْهَدْيِ، وَلَوْ صَامَ
الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ
الذَّبْحِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ مَاضٍ، وَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ ثُمَّ بَعْدَ
ثَلَاثِينَ سَنَةً مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ فَحَقَّقْت لُزُومَ
ذَبْحِ الْهَدْيِ لِوُجُودِهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بَعْدَ الْحَلْقِ
كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِيهَا قَبْلَ الْحَلْقِ وَأَنَّهُ لَا
يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ، وَلَا الرَّمْيِ وَلَيْسَ
التَّحَلُّلُ إلَّا بِالْحَلْقِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عَمَلُهُ فِي
حِلِّ النِّسَاءِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ
سَمَّيْتهَا بَدِيعَةَ الْهَدْيِ لِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ
(قَوْلُهُ وَسَبْعَةً بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) احْتَرَزَ بِهِ
عَمَّا لَوْ صَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ
الْوَاجِبِ لِلنَّهْيِ عَنْ صِيَامِهَا كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ
وَبِالْوُقُوفِ قَبْلَ الْعُمْرَةِ) أَيْ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِأَكْثَرِ
طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ أَتَى بِأَكْثَرِ الطَّوَافِ بِقَصْدِهَا
أَوْ بِقَصْدِ الْقُدُومِ أَوْ التَّطَوُّعِ لَمْ تَبْطُلْ وَيَأْتِي
بِبَاقِيهَا يَوْمَ النَّحْرِ، وَهُوَ قَارِنٌ عَلَى حَالِهِ وَتَلْغُو
نِيَّةُ الطَّوَافِ لِغَيْرِهَا، وَإِنْ أَتَى بِأَقَلِّهَا بَطَلَتْ
بِالْوُقُوفِ وَقُيِّدَ بُطْلَانُهَا بِالْوُقُوفِ فَلَا تَبْطُلُ
بِالذَّهَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى
الْحَسَنُ رَفْضَهَا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ كَالْجُمُعَةِ
وَالْفَرْقُ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ بِالتَّوَجُّهِ
مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَالتَّوَجُّهُ فِي الْقِرَانِ
وَالتَّمَتُّعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ وَالتَّمَتُّعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ)
أَيْ بَيْنَ أَفْعَالِهِمَا وَهُمَا صَحِيحَانِ بِإِحْرَامَيْنِ
وَأَكْثَرُ طَوَافِهِمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِإِحْرَامٍ بِهَا
قَبْلَهَا كَفِعْلِهَا فِيهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ
وَفَسَّرْنَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِالْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهَا
الشَّرْطُ لَا الْإِحْرَامُ إذْ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي
رَمَضَانَ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى شَوَّالٍ مِنْ قَابِلٍ
وَأَتَى بِهَا فِيهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا
وَقَوْلُنَا عَنْ إحْرَامٍ بِهَا قَبْلَهَا احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ
عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِالْعُمْرَةِ كَفَائِتِ الْحَجِّ فَلَمْ
يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ فِي عَامِهِ بَلْ أَخَّرَ إلَى قَابِلٍ
فَتَحَلَّلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ لَا
يَكُونُ مُتَمَتِّعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي سَنَةٍ
وَاحِدَةٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَتَى بِهِمَا فِي أَشْهُرِ
الْحَجِّ لَكِنْ مِنْ عَامَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ كَمَا
سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ بِلَا إلْمَامٍ
بِأَهْلِهِ) الْإِلْمَامُ النُّزُولُ يُقَالُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إذَا
نَزَلَ
(1/235)
إلْمَامًا صَحِيحًا بَيْنَهُمَا) قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ التَّمَتُّعُ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي
سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا
إلْمَامًا صَحِيحًا وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الَّذِي قَالَهُ
صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَا يَتِمُّ بِهِ مَعْنَى التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ
التَّرَفُّقَ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ
إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا
كَانَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْآخَرُ فِيهَا،
وَكَذَا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا كَانَ النُّسُكَانِ فِي أَشْهُرِ
الْحَجِّ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا حَصَلَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ
هَذِهِ السَّنَةِ وَالْآخَرَ مِنْ السَّنَةِ الْأُخْرَى، وَلَمْ
يُوجَدْ الْإِلْمَامُ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَأَيَّدَهُ
بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ ثُمَّ قَالَ فَإِذَنْ
لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِأَنْ يُقَالَ التَّمَتُّعُ هُوَ
الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي
سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا
إلْمَامًا صَحِيحًا وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّ مَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا كَوْنُ التَّرَفُّقِ
فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ فَهُوَ شَرْطٌ
وَسَنَذْكُرُهُ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ اللَّفْظِ
بِحَسَبِ مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا تَعْرِيفًا
اسْمِيًّا فَيَجِبُ كَوْنُهُ جَامِعًا وَمَانِعًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي
مَوْضِعِهِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ
الْمَحْدُودِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا فَلِهَذَا
اخْتَرْت هَهُنَا تِلْكَ الْعِبَارَةَ (فَيُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ
فِي الْأَشْهُرِ بِعُمْرَةٍ فَيَطُوفُ لَهَا قَاطِعًا التَّلْبِيَةَ
أَوَّلَ طَوَافِهِ) لِلْعُمْرَةِ (وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ
فَبَعْدَ مَا أَحَلَّ مِنْهَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ) وَكَوْنُهُ
مِنْ الْمَسْجِدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ (بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ
وَقَبْلَهُ أَفْضَلُ وَحَجَّ كَالْمُفْرِدِ لَكِنَّهُ يَرْمُلُ فِي
طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ
طَوَافِهِ لِلْحَجِّ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ فَإِنَّهُ قَدْ سَعَى
مَرَّةً (وَذَبَحَ) ، وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ (وَلَمْ تَنُبْ
الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُ، وَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الذَّبْحِ (صَامَ
كَالْقِرَانِ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا
رَجَعَ (وَجَازَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهَا) أَيْ
الْعُمْرَةِ (لَا قَبْلَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ (وَنُدِبَ تَأْخِيرُهُ
إلَى عَرَفَةَ) فَإِنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَقْتٌ لِصَوْمِ
الثَّلَاثَةِ لَكِنْ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ،
وَكَذَا الْحَالُ فِي الْقِرَانِ لَكِنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ وَهُوَ
أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ آخِرُهَا عَرَفَةُ؛
لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ
إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِنْ
شَاءَ) الْمُتَمَتِّعُ (سَوْقَ هَدْيِهِ أَحْرَمَ وَسَاقَهُ) ، وَهُوَ
أَفْضَل مِنْ قَوْدِهِ إلَّا إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ إلْمَامًا صَحِيحًا) هُوَ النُّزُولُ بِوَطَنِهِ مِنْ غَيْرِ
بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي
الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهُدَى وَالْإِلْمَامُ
الْفَاسِدُ مَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ وَهُوَ إنَّمَا
يَكُونُ فِيمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قُلْتُ
كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَلَكِنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ
تَحَلُّلِهِ لَا يَكُونُ إلْمَامُهُ صَحِيحًا (قَوْلُهُ أَقُولُ فِيهِ
بَحْثٌ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْعِنَايَةِ إنَّ
التَّرَفُّقَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. . . إلَخْ وَيُؤَيِّدُ بَحْثَ
الْمُصَنِّفِ قَوْلُ الْكَمَالِ بَعْدَ سِيَاقِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ
يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ اهـ
فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ بِمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ الْجَوَابِ،
وَلَكِنْ مَالَ شَيْخُنَا إلَى كَلَامِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ
الشُّرُوطَ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمَاهِيَّةِ وَالتَّعْرِيفُ
لِحَقِيقَةِ الْمَاهِيَّةِ (قَوْلُهُ فَيُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ)
الْمِيقَاتُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعُمْرَةِ، وَلَا لِلتَّمَتُّعِ حَتَّى
لَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا جَازَتْ
وَصَارَ مُتَمَتِّعًا كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ
الْبَحْرِ هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ
لِأَهْلِهَا تَمَتُّعٌ، وَلَا قِرَانٌ اهـ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمِيقَاتَ يُطْلَقُ لِكُلٍّ بِمَا
يُنَاسِبُهُ فَيَشْمَلُ الْمَكِّيَّ (قَوْلُهُ: فِي الْأَشْهُرِ)
قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ الْإِحْرَامُ بِهَا بِالْأَشْهُرِ
بَلْ أَكْثَرُ طَوَافِهَا فِيهَا شَرْطٌ (قَوْلُهُ قَاطِعًا
التَّلْبِيَةَ أَوَّلَ طَوَافِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ
الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا
رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ
فَيَكُونُ تَلْبِيَتُهُ إذْ ذَاكَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا إلَى أَنْ
يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ (قَوْلُهُ وَيَحْلِقُ) يَعْنِي إنْ شَاءَ
وَلَيْسَ بِحَتْمٍ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ تَحَلَّلَ، وَإِنْ
شَاءَ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ
سَاقَ الْهَدْيَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَرْمُلُ
فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ فَلَوْ كَانَ هَذَا
الْمُتَمَتِّعُ طَافَ وَسَعَى بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ
أَنْ يَذْهَبَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ،
وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَمْ
تَنُبْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُ) أَقُولُ حَتَّى لَوْ تَحَلَّلَ
بَعْدَمَا ضَحَّى يَجِبُ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ
قَبْلَ الذَّبْحِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ اهـ.
قُلْتُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُقُوعِ طَوَافٍ مَا فِي أَيَّامِ
النَّحْرِ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ
الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمُتْعَةِ وَتَلْغُوَ نِيَّتُهُ كَذَا ظَهَرَ
لِي ثُمَّ رَأَيْت مُوَافَقَتَهُ لِفَهْمِ صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ
قَالَ بَعْدَ نَقْلِ الْحُكْمِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ أَيْ دَمُ
التَّمَتُّعِ لَيْسَ فَوْقَ طَوَافِ الرُّكْنِ، وَلَا مِثْلَهُ، وَقَدْ
قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ التَّطَوُّعَ أَجْزَأَ عَنْ
الرُّكْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّمُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى
لَكِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ طَوَافُ الرُّكْنِ فَرْضًا
مُتَعَيِّنًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وُجُوبًا كَانَ النَّظَرُ
لِإِيقَاعِ مَا طَافَهُ عَنْهُ وَتَلْغُو نِيَّتُهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا
الْأُضْحِيَّةُ فَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ
كَالْمُتْعَةِ فَلَا تَقَعُ الْأُضْحِيَّةُ مَعَ تَعَيُّنِهَا عَنْ
غَيْرِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهَا أَيْ
الْعُمْرَةِ) أَقُولُ يَعْنِي فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ لَهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ صِحَّةُ
الصَّوْمِ (قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ يَعْنِي: وَلَوْ
صَامَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ وُجُودِ سَبَبِهِ
وَهُوَ التَّمَتُّعُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ الْمُتَمَتِّعُ سَوْقَ
الْهَدْيِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ
الْمُتَمَتِّعِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ
الْهَدْيَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ أَحْرَمَ وَسَاقَ)
عَبَّرَ بِالْوَاوِ فَصَدَقَ بِمَا لَوْ أَحْرَمَ ابْتِدَاءً
بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ
(1/236)
كَانَتْ لَا تُسَاقُ فَحِينَئِذٍ
يَقُودُهَا (وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ)
أَيْ إلْقَاءُ الْجَلِّ عَلَى ظَهْرِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي
الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ}
[المائدة: 97] (وَكُرِهَ إشْعَارُهَا) وَهُوَ شَقُّ سَنَامِهَا مِنْ
الْأَيْسَرِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ فَإِنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ طَعَنَ فِي جَانِبِ
الْيَسَارِ قَصْدًا وَفِي جَانِبِ الْيَمِينِ اتِّفَاقًا وَأَبُو
حَنِيفَةَ إنَّمَا كَرِهَ هَذَا الصُّنْعَ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ،
وَإِنَّمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا
بِهَذَا، وَقِيلَ إنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ
لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ حَتَّى يُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ، وَقِيلَ:
إنَّمَا كَرِهَ إيثَارَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ (وَاعْتَمَرَ) أَيْ
فَعَلَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ (وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْهَا) أَيْ
الْعُمْرَةِ (إذَا سَاقَهُ) أَمَّا إذَا لَمْ يَسُقْهُ فَيَتَحَلَّلْ
مِنْهَا كَمَا مَرَّ (ثُمَّ أَحْرَمَ) الْمُتَمَتِّعُ (بِالْحَجِّ
يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَحَبُّ) كَمَا مَرَّ (فَبِحَلْقِهِ
يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ
مُحَلِّلٌ فِي الْحَجِّ كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ.
(الْمَكِّيُّ يُفْرِدُ فَقَطْ) أَيْ لَا تَمَتُّعَ لَهُ، وَلَا
قِرَانَ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُمَا لِلتَّرَفُّهِ بِإِسْقَاطِ إحْدَى
السَّفْرَتَيْنِ، وَهَذَا فِي حَقِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
سَاقَ أَوْ سَاقَ مُقَارِنًا لِلنِّيَّةِ وَالْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ
بِالتَّلْبِيَةِ فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ التَّقْلِيدِ وَالسَّوْقِ كَيْ
لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِالتَّوَجُّهِ مَعَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ،
وَالسَّوْقُ أَفْضَلُ مِنْ قَوْدِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَبَقِيَ
قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا
بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلَا فِيهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ
يُدْرِكْ الْهَدْيَ وَيَسِيرِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ
الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَكُونُ
تَطَوُّعًا وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَيَسِيرُ
مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ
النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَقُّ سَنَامِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ)
هَذَا تَفْسِيرٌ لِهَذَا الْإِشْعَارِ الْمَخْصُوصِ وَتَفْسِيرُهُ
لُغَةً الْإِدْمَاءُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ
الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ) أَيْ تَفْسِيرُ الْإِشْعَارِ بِشَقِّ
سَنَامِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ هُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ يَعْنِي
فِي الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى
خِلَافِ مَا وَقَعَ فِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يُشَقُّ سَنَامُهَا مِنْ
الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ (قَوْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا كَرِهَ
هَذَا الصُّنْعَ. . . إلَخْ) .
أَيْ خِلَافًا لَهُمَا فَقَالَا يُشْعِرُ وَهُوَ أَحْسَنُ عِنْدَهُمَا
مِنْ التَّقْلِيدِ اتِّبَاعًا لِمَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ، وَقِيلَ إنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ) كَذَا
حَمَلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ الْأَوْلَى وَقَالَ
فِي الْبَحْرِ اخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ
لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ) أَيْ فَكَانُوا لَا يُحْسِنُونَهُ؛ لِأَنَّ
حَقِيقَتَهُ مُجَرَّدُ شَقِّ الْجِلْدِ لِيُدْمِيَ وَلَا يُبَالِغُ
فِيهِ إلَى اللَّحْمِ (قَوْلُهُ فَبِحَلْقِهِ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ
مِنْ إحْرَامَيْهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى بَقَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ
كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ
خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ
وَمَنْ تَابَعَهُ إنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ
وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ،
وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ
يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَبَعْدَ
الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ الْمَكِّيُّ يُفْرِدُ فَقَطْ) أَقُولُ كَذَلِكَ أَهْلُ مَا
دُونَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ، وَهَذَا مَا دَامَ مُقِيمًا
بِمَكَّةَ أَوْ وَطَنِهِ فَإِذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ
صَحَّ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتَانِ
فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ قَالَ الْمَحْبُوبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - هَذَا إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ
وَأَمَّا إذَا خَرَجَ بَعْدَهَا فَقَدْ مُنِعَ مِنْ الْقِرَانِ فَلَا
يَتَغَيَّرُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ
وَقَوْلُ الْمَحْبُوبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ نَقَلَهُ الشَّيْخُ
الشَّلَبِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيُّ ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ،
وَإِنَّمَا خَصَّ الْقِرَانَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ
الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ وَاعْتَمَرَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا
عَلَى مَا نَذْكُرُهُ اهـ قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى نَحْوِ مَا
ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ لَا يُتَصَوَّرُ
مِنْ الْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ
بَعْدُ الْعُمْرَةَ إلْمَامًا صَحِيحًا وَالْمَكِّيُّ إلْمَامُهُ
صَحِيحٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي إحْدَى صُورَتَيْ التَّمَتُّعِ
كَمَا نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ أَيْ لَا تَمَتُّعَ لَهُ، وَلَا قِرَانَ)
أَقُولُ الْمُرَادُ نَهْيُهُ عَنْ الْفِعْلِ لَا نَفْيُ الْفِعْلِ
لِمَا نَذْكُرُ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ
فَإِنْ فَعَلَ الْقِرَانَ صَحَّ وَأَسَاءَ كَمَا يَذْكُرُهُ
الْمُصَنِّفُ فِي إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ هَذَا
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ ظَاهِرُ الْكُتُبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا
وَفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ أَيْ أَهْلِ مَكَّةَ
تَمَتُّعٌ، وَلَا قِرَانٌ.
وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَمَتُّعُهُمْ وَقِرَانُهُمْ
فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْهَا أَنَّهُمْ لَوْ
تَمَتَّعُوا جَازَ وَأَسَاءُوا أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ
وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ
مُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَيْ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ
الصِّحَّةِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي
بِهِ صَاحِبَ التُّحْفَةِ الْقَائِلَ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْإِسَاءَةِ
اهـ.
قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ
إلَى الْإِحْرَامِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَكَذَلِكَ فِي
الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ وَالْمُتُونِ أَنَّ الْمَكِّيَّ
إذَا طَافَ شَوْطَ الْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ رَفَضَهُ فَإِنْ
مَضَى الْمَكِّيُّ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا أَجْزَأَهُ
قَالَ الْكَمَالُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا
الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
[البقرة: 196] يَعْنِي التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ دَخَلَ فِي
مَفْهُومِهِ وَسَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ
نَهْيًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ عَنْ فِعْلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا
يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الْمَشْرُوعِيَّةِ
بِأَصْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ إثْمَهُ كَصِيَامِ يَوْمِ
النَّحْرِ بَعْدَ أَنْ نَذَرَهُ اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي الْعِنَايَةِ، وَإِنْ مَضَى
أَيْ الْمَكِّيُّ عَلَيْهِمَا وَأَدَّاهُمَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ
أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ
وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ
أَصْلِنَا أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ دُونَ
النَّفْيِ قِيلَ:
(1/237)
الْآفَاقِيِّ (مَنْ اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقٍ
ثُمَّ عَادَ إلَى بَلَدِهِ فَقَدْ أَلَمَّ) أَيْ أَبْطَلَ تَمَتُّعَهُ
مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ إذْ قَدْ
عَرَفْت مَعْنَى التَّمَتُّعِ فَاَلَّذِي اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقِ
الْهَدْيِ لَمَّا عَادَ إلَى بَلَدِهِ صَحَّ إلْمَامُهُ فَبَطَلَ
تَمَتُّعُهُ (وَمَعَ سَوْقِهِ لِلْهَدْيِ تَمَتُّعٌ) فَإِنَّهُ إذَا
سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يَكُونُ إلْمَامُهُ صَحِيحًا إذْ لَا يَجُوزُ
لَهُ التَّحَلُّلُ فَيَكُونُ عَوْدُهُ وَاجِبًا فَإِنْ عَادَ
وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا (فَإِنْ طَافَ لَهَا أَقَلَّ
مِنْ أَرْبَعَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَتَمَّمَهَا فِيهَا وَحَجَّ فَقَدْ
تَمَتَّعَ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ
تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ أَدَاءُ
الْأَفْعَالِ فِيهَا، وَقَدْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ وَلَهُ حُكْمُ
الْكُلِّ (وَلَوْ طَافَ أَرْبَعَةً قَبْلَهَا) أَيْ الْأَشْهُرِ (لَا)
يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ
الْحَجِّ (كُوفِيٌّ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي مُتَمَتِّعٌ
(حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِيهَا) أَيْ الْأَشْهُرِ (وَسَكَنَ بِمَكَّةَ
أَوْ بَصْرَةَ وَحَجَّ) فِي عَامِهِ ذَلِكَ (مُتَمَتِّعٌ) ؛ لِأَنَّ
السَّفَرَ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْتَهِ بِرُجُوعِهِ إلَى الْبَصْرَةِ
كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ (وَلَوْ) أَتَى بِعُمْرَةٍ،
وَ (أَفْسَدَهَا وَرَجَعَ مِنْ الْبَصْرَةِ وَقَضَاهَا وَحَجَّ لَا
يَكُونُ مُتَمَتِّعًا) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ الْأَوَّلِ لَمَّا
بَقِيَ بِالرُّجُوعِ إلَى الْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ
مَكَّةَ وَلَا تَمَتُّعَ لِلسَّاكِنِ فِيهَا (إلَّا إذَا أَلَمَّ
بِأَهْلِهِ ثُمَّ أَتَى بِهِمَا) فَإِنَّهُ إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ
ثُمَّ رَجَعَ وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ كَانَ هَذَا إنْشَاءَ
سَفَرٍ لِانْتِهَاءِ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بِإِلْمَامٍ فَاجْتَمَعَ
نُسُكَانِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي
حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا
يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا إنَّهُ
يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَكَانَ التَّنَاقُضُ فِي كَلَامِهِ،
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ غَيْرُ
مَشْرُوعٍ كَامِلًا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَبِهِ يَنْدَفِعُ
التَّنَاقُضُ اهـ. كَلَامُ الْعِنَايَةِ فَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا
خِلَافَ فِي صِحَّةِ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَتَمَتُّعِهِ وَأَنَّ مَا
ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْكُتُبِ عَدَمُ
صِحَّتِهِ مَمْنُوعٌ وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّ
مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِمَّا
قَالَهُ صَاحِبُ التُّحْفَةِ قَدْ خَالَفَهُ بِنَفْسِهِ فِي بَابِ
إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ صَاحِبِ
الْبَحْرِ وَعَلَى تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ بِصَرِيحِ لَا
يَصِحُّ فِي كَلَامِهِمْ تَنْتَفِي الْمُخَالَفَةُ بِحَمْلٍ لَا
يَصِحُّ عَلَى نَفْيِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُثَابِ عَلَيْهَا وَيُحْمَلُ
كَلَامُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ عَلَى التَّمَتُّعِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي
مَعَهُ الْإِسَاءَةُ فَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِ الْقِرَانِ
وَالتَّمَتُّعِ مِنْ الْمَكِّيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ لَهُ
وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ
التَّمَتُّعُ مِنْ الْمَكِّيِّ لِمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ
التَّمَتُّعِ أَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا
وَالْإِلْمَامُ مَوْجُودٌ مِنْهُ قُلْتُ هَذَا خَاصٌّ بِمَا أَرَادَهُ
مِنْ إحْدَى صُورَتَيْ التَّمَتُّعِ وَهُوَ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ إذَا
حَلَقَ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ لِتَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ وَأَمَّا إذَا
سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ غَيْرُ إلْمَامٍ صَحِيحٍ
لِبَقَائِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ
وَلَمْ يَحْلِقْ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَكُنْ مُلِمًّا بِأَهْلِهِ
إلْمَامًا صَحِيحًا فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْحَلْقِ مِنْ
عَامِهِ وُجِدَ مِنْهُ التَّمَتُّعُ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ،
وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَدَعْوَى عَدَمِ تَصَوُّرِ وُجُودِ
تَمَتُّعِهِ خَاصٌّ بِصُورَةٍ وَيُتَصَوَّرُ بِصُورَتَيْنِ كَمَا
ذَكَرْنَاهُ فَثَبَتَ صِحَّةُ تَمَتُّعِ الْمَكِّيِّ كَمَا صَحَّ
قِرَانُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مُحَرَّرًا بِحَمْدِ اللَّهِ (قَوْلُهُ
مَنْ اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا إذَا حَلَقَ
فَإِنْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ
قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ كَذَا فِي
الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَقُيِّدَ بِالْمُتَمَتِّعِ إذْ الْقَارِنُ
لَا يَبْطُلُ قِرَانُهُ بِالْعَوْدِ وَالتَّقْيِيدُ بِبَلَدِهِ
قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ كَانَ
مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ
(قَوْلُهُ فَيَكُونُ عَوْدُهُ وَاجِبًا) يَعْنِي إذَا كَانَ عَلَى
عَزْمِ الْمُتْعَةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِعَزْمِ الْمُتْعَةِ لِنَفْيِ
اسْتِحْقَاقِ الْعَوْدِ شَرْعًا عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَدَا
لَهُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يُؤَاخَذُ
بِذَلِكَ أَيْ لَا يُؤَاخَذُ بِقَضَاءِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَمْ
يُحْرِمْ بِالْحَجِّ بَعْدُ وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ أَوْ أَمَرَ
بِذَبْحِهِ يَقَعُ تَطَوُّعًا كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت وَإِذَا
تَحَلَّلَ كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ فِيهَا)
أَقُولُ إنَّمَا خُصَّتْ الْمُتْعَةُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي
أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ كَانَ مُتَعَيَّنًا
لِلْحَجِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَدْخَلَ اللَّهُ الْعُمْرَةَ فِيهَا
إسْقَاطًا لِلسَّفَرِ الْجَدِيدِ عَنْ الْغُرَبَاءِ فَكَانَ
اجْتِمَاعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ رُخْصَةً
وَتَمَتُّعًا كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى
اشْتِرَاطِ الْإِتْيَانِ بِأَكْثَرِ الْعُمْرَةِ فِي الْقِرَانِ
كَالتَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ وَسَكَنَ بِمَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ) عَدَلَ
عَنْ قَوْلِهِمْ أَقَامَ؛ لِأَنَّ قَيْدَ الْإِقَامَةِ اتِّفَاقِيٌّ
إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَّخِذَ مَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ دَارًا
أَوْ لَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْبَدَائِعِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَتَى) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِلْكُوفِيِّ وَقَوْلُهُ
بِعُمْرَةٍ يَعْنِي فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَا
يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَتْ بِفِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ
الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ
وَأَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ
مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَقَضَى عُمْرَتَهُ
فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ اتِّفَاقًا
وَعَلَيْهِ دَمُ جَبْرٍ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ قَبْلَ
أَشْهُرِ الْحَجِّ لِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْمُتْعَةُ ثُمَّ عَادَ
وَدَخَلَ الْمِيقَاتَ قَبْلَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُحْرِمًا
لِلْقَضَاءِ وَقَضَاهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ
كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ دَخَلَ الْمِيقَاتَ فِي الْأَشْهُرِ لَا
يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ
مُتَمَتِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ
غَيْرِ مُجَاوَزَتِهِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ
عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يَتَمَتَّعُ مَنْ فَعَلَهُ كَمَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ) يَعْنِي بَعْدَ
مَا مَضَى فِي الْفَاسِدِ وَبَعْدَ مَا حَلَّ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى
بِهِمَا أَيْ بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ
(1/238)
مُتَمَتِّعًا (وَأَيًّا أَفْسَدَ أَتَمَّهُ
بِلَا دَمٍ) أَيْ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ
عَامِهِ فَأَيَّهمَا أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ
الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَسَقَطَ
دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ
الصَّحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ (وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْهُ)
أَيْ التَّمَتُّعِ (، وَهُوَ) أَيْ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ (مِنْ
الْإِفْرَادِ) فَيَكُونُ الْقِرَانُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا أَمَّا
الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ
فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ وَالِاعْتِكَافَ وَالْحِرَاسَةَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَصَلَاةَ اللَّيْلِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِي
التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ
فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ
بَابُ الْجِنَايَاتِ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ شَرَعَ فِيمَا
يَعْتَرِيهِمْ مِنْ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ
وَالْفَوَاتِ، وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا فِعْلُ مَا
لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ، ثُمَّ الْوَاجِبُ بِهَا قَدْ
يَكُونُ دَمًا، وَقَدْ يَكُونُ دَمَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ تَصَدُّقًا
أَوْ دَمًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَرَادَ تَفْصِيلَهَا
فَقَالَ (وَجَبَ دَمٌ عَلَى مُحْرِمٍ بَالِغٍ إنْ طَيَّبَ عُضْوًا)
كَامِلًا فَمَا زَادَ كَالرَّأْسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَبِأَدَاءِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ)
أَيْ وَلَزِمَهُ دَمٌ جَبْرٌ لِلْفَسَادِ
[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ]
(بَابُ الْجِنَايَاتِ)
أَيْ وَغَيْرِهَا لِمَا فِي الْبَابِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى
التَّرْجَمَةِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ) جَمَعَهَا
بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا) يَعْنِي فِي
هَذَا الْبَابِ فَعَلَ مَا لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْفَتْحِ الْجِنَايَةُ فِعْلٌ
مُحَرَّمٍ وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكُونُ
حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ
يَكُونُ تَصَدُّقًا أَوْ دَمًا) يَعْنِي أَوْ صَوْمًا عَلَى
التَّخْيِيرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ
غَيْرَ ذَلِكَ) أَيْ كَقِيمَةِ صَيْدٍ لَا يَبْلُغُ دَمًا وَلَا
صَدَقَةً مُطْلَقَةً وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ؛ لِأَنَّ
الصَّدَقَةَ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ
وَذَلِكَ كَتَمْرَةٍ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ أَوْ رُبْعِ صَاعٍ بِقَتْلِ
حَمَامَةٍ (قَوْلُهُ: وَجَبَ دَمٌ) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَفَسَّرَهُ
شَارِحُهُ ابْنُ الْمَلِكِ بِقَوْلِهِ أَيْ شَاةٌ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ
سِرَّهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ أَشَارَ أَيْ فِي
الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ تَجِبُ شَاةٌ إلَى أَنَّ سَبْع الْبَدَنَةِ لَا
يَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ اهـ لَكِنْ قَالَ
بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ
السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ يَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا
أَيْ الشَّاةِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بَالِغٍ) لَقَدْ أَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- بِذِكْرِ قَيْدِ الْبُلُوغِ كَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَالْمَوَاهِبِ
حَيْثُ قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُحْرِمِ فِي
جِنَايَتِهِ شَيْءٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الْإِحْرَامِ
كَالْبَالِغِ وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَفِعْلُهُ غَيْرُ
مَوْصُوفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَا يَكُونُ جَانِيًا اهـ.
وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ
الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: إنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا
زَادَ) يَعْنِي فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ
فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا
عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ
لِلْأُولَى وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ
وَالزَّعْفَرَانُ وَالْبَنَفْسَجُ وَالْيَاسَمِينُ وَالْغَالِيَةُ
وَالرَّيْحَانُ وَالْوَرْدُ وَالْوَرْسُ وَالْعُصْفُرُ طِيبٌ
وَإِطْلَاقُ الْعُضْوِ يَشْمَلُ الْفَمَ حَتَّى لَوْ أَكَلَ طِيبًا
كَثِيرًا بِحَيْثُ يَلْتَزِقُ بِكُلِّ فَمِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَجَبَ
عَلَيْهِ دَمٌ وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِ الدَّمِ حَتَّى لَوْ
الْتَزَقَ الطِّيبُ بِثُلُثِ فَمِهِ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ تَبْلُغُ ثُلُثَ
الدَّمِ وَإِنْ الْتَزَقَ بِنِصْفِهِ فَصَدَقَةٌ تَبْلُغُ نِصْفَهُ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا شَيْءَ يَأْكُلُهُ مُطْلَقًا
كَأَكْلِهِ مَعَ الطَّعَامِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوُجُوبَ عَنْ
قَيْدِ الزَّمَانِ فَأَفَادَ وُجُوبَ الدَّمِ، وَلَوْ أَزَالَ الطِّيبَ
عَنْ عُضْوِهِ مِنْ سَاعَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ
الْمُطَيَّبِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ
الدَّمِ بِلُبْسِهِ مُطَيَّبًا دَوَامُهُ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ
مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ
كَثْرَةُ الطَّيِّبِ فِي الثَّوْبِ وَالْمَرْجِعُ فِيهِ الْعُرْفُ،
وَوَرَدَ التَّنْصِيصُ فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي
الشِّبْرِ قَلِيلٌ وَفِي الْقَلِيلِ صَدَقَةٌ إنْ لَبِسَهُ يَوْمًا
كَامِلًا وَإِنْ لَبِسَهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَقَبْضَةٌ وَأَفَادَ
الْمُصَنِّفُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِشَمِّ
الطِّيبِ قَصْدًا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا بِهِ
قَبْلَ إحْرَامِهِ فَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا يُكْرَهُ شَمُّ الثِّمَارِ
الطَّيِّبَةِ كَالتُّفَّاحِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ فِي حَانُوتِ
عَطَّارٍ قَصْدًا، وَلَوْ دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أُجْمِرَ فِيهِ فَعَلِقَ
بِثَوْبِهِ رَائِحَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ
الطِّيبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ لَا شَيْءَ
عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَطَيَّبَ
بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَكَفَّرَ، ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ الطِّيبُ
وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا بِإِبْقَائِهِ
بَعْدَ التَّكْفِيرِ وَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَأَصَابَ فَمَه أَوْ
يَدَهُ خَلُوقٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا
فَصَدَقَةٌ وَسَنَذْكُرُ بَيَانَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْفَتْحِ وَالْمَجْمَعِ وَالْبَحْرِ
وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: كَالرَّأْسِ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ
الْعُضْوِ، فَلَيْسَ كَأَعْضَاءِ الْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ الْأُذُنُ
مَثَلًا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَبَرَ
كَغَيْرِهِ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ بِالْعُضْوِ وَالْقَلِيلَ بِمَا
دُونَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ،
وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إلَى أَنَّ الدَّمَ يَجِبُ
بِالتَّطَيُّبِ الْكَثِيرِ وَالصَّدَقَةَ بِالْقَلِيلِ وَلَمْ يَذْكُرْ
الْعُضْوَ وَمَا دُونَهُ فَفَهِمَ مِنْ ذَلِكَ الْفَقِيهُ أَبُو
جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ
الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ فَإِنْ كَانَ مِثْلُ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ
الْوَرْدِ وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ، وَقَدْرٌ مِنْ الْمِسْكِ
يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَثِيرًا وَإِلَّا فَهُوَ
قَلِيلٌ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ كَكَفٍّ مِنْ مَاءِ
الْوَرْدِ
(1/239)
(وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ وَنَحْوِهَا)
(أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ (أَوْ ادَّهَنَ)
أَيْ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ فِي عُضْوٍ (بِزَيْتٍ أَوْ حَلَّ، وَلَوْ)
كَانَا (خَالِصَيْنِ) فَإِنَّ الدُّهْنَ الْمُطَيِّبَ كَدُهْنِ
الْبَنَفْسَجِ وَنَحْوِهِ يُوجِبُ الدَّمَ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا
الْخَالِصُ فَيُوجِبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ
الصَّدَقَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَوَفَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ
الطِّيبُ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ حَتَّى لَوْ
طَيَّبَ بِهِ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ
لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِلطِّيبِ لَا
لِلْعُضْوِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ رُبْعَ عُضْوٍ لَزِمَهُ دَمٌ
وَفِيمَا دُونَهُ صَدَقَةٌ، وَهَذَا التَّوْفِيقُ هُوَ التَّوْفِيقُ
وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ) الْحِنَّاءُ مَمْدُودٌ
مُنَوَّنٌ؛ لِأَنَّهُ فِعَالٌ لَا فَعَلَاءٌ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ
أَلِفُ التَّأْنِيثِ، بَلْ الْهَمْزَةُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ وَلُزُومُ
الدَّمِ فِيمَا إذَا كَانَ مَائِعًا فَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَلَبَّدَ
الرَّأْسَ فَفِيهِ دَمَانِ لِلطِّيبِ وَالتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ
يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً عَلَى رَأْسِهِ أَوْ رُبْعِهِ، وَكَذَا إذَا
غَلَّفَ الْوَسْمَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ
بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ
شَيْئًا، وَقَدْ أَلْزَمُوا بِتَغْطِيَتِهِ بِالْحِنَّاءِ الْجَزَاءَ
فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
وَغَلَّفَ الْوَسِمَةَ أَيْ غَلَّفَ بِهَا رَأْسَهُ لِلصُّدَاعِ
فَغَطَّتْهَا وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِهَا وَالْأَوَّلُ
أَفْصَحُ وَهُوَ لُغَةُ الْحِجَازِ شَجَرَةٌ وَرَقُهَا خِضَابٌ
وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْحِنَّاءَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ
الطِّيبِ لِخَفَاءِ كَوْنِهَا طِيبًا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى
الرَّأْسِ وَلَمْ يَذْكُرْ اللِّحْيَةَ كَمَا ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ
لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّأْسَ بِانْفِرَادِهَا مَضْمُونَةٌ وَأَنَّ
الْوَاوَ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى أَوْ بِدَلِيلِ الِاقْتِصَارِ عَلَى
الرَّأْسِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا مَضْمُونٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ بِمَاذَا
يَكُونُ الضَّمَانُ وَبَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ اهـ قَالَ
صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَهَذَا سَهْوٌ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ
اللِّحْيَةَ مَضْمُونَةٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ
الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ اهـ.
وَقَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ أَقُولُ، بَلْ هُوَ أَيْ صَاحِبُ
الْبَحْرِ السَّاهِي وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ إنَّمَا
نَقَلَ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ اخْتَضَبَ بِالْوَسْمَةِ
وَلَفْظُهُ عَلَيْهِ دَمٌ لِخِضَابِ رَأْسِهِ بِالْوَسْمَةِ لَا
لِلْخِضَابِ، بَلْ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
فَإِنْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ بِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ إنْ
خَافَ مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ أَعْطَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى
الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَكَامِلٍ
فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ خِضَابِ
الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. اهـ.
قُلْت وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ هُنَا غَيْرُ الْمُصْطَلَحِ
عَلَيْهَا بِتَقْدِيرِهَا بِنِصْفِ صَاعٍ، بَلْ أَعَمُّ لِقَوْلِهِ فِي
الْمِعْرَاجِ أَعْطَى شَيْئًا فَإِطْلَاقُ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِيهِ مَا
فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ طِيبٌ)
دَلِيلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«الْحِنَّاءُ طِيبٌ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ
لَهُ رَائِحَةً مُسْتَلَذَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً كَمَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ فِي عُضْوٍ) يَعْنِي
عَلَى قَصْدِ التَّطَيُّبِ، أَمَّا لَوْ دَاوَى بِهِ جُرْحَهُ أَوْ
شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَهُ فِي أُذُنِهِ فَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ
وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ أَوْ طِيبٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ
اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا
أَكَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ
اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا
أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ
بِاسْتِعْمَالِهِ لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ بَيْنَ
الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهَذَا إذَا
أَكَلَهُ كَمَا هُوَ، وَفِيهِ خِلَافُهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ
جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ وَطَبَخَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَلَطَهُ
بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا وُجِدَتْ رَائِحَتُهُ وَإِنْ
كَانَ غَالِبًا وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ،
وَلَوْ خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ وَهُوَ غَالِبٌ فَفِيهِ الدَّمُ وَإِنْ
كَانَ مَغْلُوبًا فَصَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِرَارًا فَدَمٌ
فَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ تَدَاوِيًا يُخَيَّرُ فِي خِصَالِ
الْكَفَّارَةِ مِنْ الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَلَمْ يَذْكُرْ
الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا
تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ.
وَقَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا
بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مِنْ
الْمُخَالِطِ رَائِحَةُ الطِّيبِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ وَأَحَسَّ
الذَّوْقُ السَّلِيمُ بِطَعْمِهِ فِيهِ حِسًّا ظَاهِرًا فَهُوَ غَالِبٌ
وَإِلَّا فَهُوَ مَغْلُوبٌ وَلَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لِلتَّفْصِيلِ
أَيْضًا بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الطِّيبِ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ
بِإِثْبَاتِهِ فِيهَا لِجَدِيرٍ فَيُقَالُ إنْ كَانَ الطِّيبُ غَالِبًا
فَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا
صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ
كَثِيرًا فَصَدَقَةٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ
الْكَثِيرَ مَا يَعُدُّهُ الْعَارِفُ الْقَوْلَ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ
شَرُّهُ وَنَحْوُهُ كَثِيرًا وَالْقَلِيلُ مَا عَدَاهُ، ثُمَّ قَالَ
وَلَا شَيْءَ فِي أَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَلْوَى الْمُتَّخَذَةِ
بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ وَيُكْرَهُ إذَا وُجِدَتْ رَائِحَتُهُ مِنْهُ
بِخِلَافِ الْحَلْوَى الْمُضَافِ إلَى أَجْزَائِهَا الْمَاوَرْدُ
وَالْمِسْكُ فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ
صَدَقَةً اهـ. كَذَا فِي الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي حُكْمِ
الْمِسْكِ الْمُضَافِ إلَى الْحَلْوَى مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ
اخْتِلَاطِهِ بِمَا يُؤْكَلُ وَطُبِخَ وَفِيمَا إذَا لَمْ يُطْبَخْ.
(قَوْلُهُ: بِزَيْتٍ أَوْ حَلٍّ) الْحَلُّ بِالْمُهْمَلَةِ الشَّيْرَجُ
وَاحْتُرِزَ بِهِمَا عَنْ السَّمْنِ وَالشَّحْمِ إذْ لَا شَيْءَ
عَلَيْهِ بِالدُّهْنِ بِهِمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ
التَّجْرِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا
الْخَالِصُ. . . إلَخْ) أَقُولُ كَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ غَسَلَ
رَأْسَهُ بِخَطْمِي فَيَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَدَقَةٌ
عِنْدَهُمَا قِيلَ قَوْلُهُ: فِي خَطْمِي الْعِرَاقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ،
وَقَوْلُهُمَا فِي خَطْمِي الشَّامِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ فَلَا
خِلَافَ، وَلَوْ غَسَلَ بِالصَّابُونِ وَالْحَرَضِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ
وَقَالُوا
(1/240)
(أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ سَتَرَ
رَأْسَهُ يَوْمًا) كَامِلًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ
الصَّدَقَةُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ
نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ (أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ)
حَلَقَ (مَحَاجِمَهُ أَوْ إحْدَى إبْطَيْهِ أَوْ عَانَتَهُ أَوْ
رَقَبَتَهُ أَوْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ
أَوْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فِيهِ) فَإِنَّ الْكُلَّ إذَا كَانَ فِي
مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يُزَادُ عَلَى دَمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ
الْجِنَايَةَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ تَجِبُ
أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ
رِجْلًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ
التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ
وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا فِيهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يُقْتَلُ
الْقَمْلُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت ذَكَرَ أَصْحَابُ الْخَوَاصِّ
أَنَّ الصَّابُونَ يَقْتُلُ الصِّئْبَانَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا) أَقُولُ حَقِيقَةُ لُبْسِ الْمَخِيطِ
أَنْ يَحْصُلَ بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ اشْتِمَالٌ عَلَى الْبَدَنِ
وَاسْتِمْسَاكٌ وَمِنْهُ إدْخَالُ الْيَدَيْنِ فِي الْقَبَاءِ أَوْ
تَزْرِيرُهُ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ
تَزْرِيرُ الْقَبَاءِ كَعَقْدِ الْإِزَارِ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذْ
لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِعَقْدِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَخِيطَ
بِالْبَدَنِ كَالْمَخِيطِ وَذَلِكَ كَالْبُرْنُسِ وَالزَّرَدِيَّةِ
وَمَا صُنِعَ بِتَلْزِيقٍ وَدَوَامُ اللُّبْسِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ
وَهُوَ لَابِسُهُ كَإِنْشَائِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ انْتِفَاعِهِ
بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالطِّيبِ السَّابِقِ عَلَيْهِ لِلنَّصِّ فِيهِ،
وَلَوْلَاهُ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ
الْمُكْرَهِ وَالْمُخْتَارِ وَالنَّائِمِ إذَا غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ
أَلْبَسَ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ اللِّبَاسِ
مِنْ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَخُفٍّ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ
أَيَّامًا أَوْ كَانَ يَنْزِعُهَا لَيْلًا وَيُعَاوِدُ لُبْسَهَا
نَهَارًا أَوْ عَكْسُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَعْزِمْ
عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ الْخَلْعِ وَمَا لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ بَيْنَ
اللُّبْسَيْنِ وَإِلَّا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ كَمَا يَتَعَدَّدُ فِيمَا
إذَا اضْطَرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ لَا عَلَى
مَحَلِّ الضَّرُورَةِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ نَحْوُ أَنْ يَضْطَرَّ
إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَهُ وَقَلَنْسُوَةً، أَمَّا لَوْ لَبِسَ
ثَوْبَيْنِ عَلَى مَحَلِّ الضَّرُورَةِ لِوَاحِدٍ أَوْ اُضْطُرَّ إلَى
قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ عِمَامَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ
وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ
يَوْمًا كَامِلًا) أَقُولُ أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً وَتَغْطِيَةُ
رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ كَتَغْطِيَةِ الْكُلِّ كَمَا فِي
الْفَتْحِ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّتْرُ بِمَخِيطٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا
يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ وَالْخُوذَةِ
لِلْمُقَاتِلِ إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ
وَالْإِطْعَامِ لِعُذْرِ الْقِتَالِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ فَخَرَجَ
مَا لَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالطَّسْتِ وَالْأَجَّانَةِ وَعِدْلِ
الْبُرِّ، وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ كَانَ
يُصِيبُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ كُرِهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا
فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَ
الْمُصَنِّفُ الْوَاجِبَ بِالْجِنَايَةِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ
وَالْعُذْرُ مِنْ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ
بِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْبَعْضِ مِنْ الرَّأْسِ وَالْمَرْوِيُّ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرُّبْعَ كَالْكُلِّ اعْتِبَارًا
بِالْحَلْقِ نَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي
الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْأَكْثَرَ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا الْقَوْلُ أَوْجَهُ فِي النَّظَرِ، ثُمَّ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُعْتَبَرُ
الْوُجُوبُ فِيهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ
عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ
الْأَكْثَرُ اهـ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَطِّيَ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ
وَمِنْ لِحْيَتِهِ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الذَّقَنِ بِخِلَافٍ فِيهِ
وَعَارِضَهُ وَذَقَنَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى
أَنْفِهِ دُونَ ثَوْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ) أَقُولُ كَذَا رُبْعُ
لِحْيَتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الثَّلَاثِ شَعَرَاتٍ كَفٌّ مِنْ
طَعَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
أَنَّهُ لِكُلِّ شَعْرَةٍ نَتَفَهَا مِنْ رَأْسِهِ وَأَنْفِهِ أَوْ
لِحْيَتِهِ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ
بِالْحَلْقِ إزَالَةُ الشَّعْرِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُوسَى أَوْ
بِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا أَوْ لَا فَلَوْ أَزَالَهُ
بِالنُّورَةِ أَوْ النَّتْفِ أَوْ أَحْرَقَ شَعْرَهُ أَوْ مَسَّهُ
بِيَدِهِ فَسَقَطَ فَهُوَ كَالْحَلْقِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاثَرَ
شَعْرُهُ بِالْمَرَضِ أَوْ النَّارِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي
الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ مِحْجَمَهُ) يَعْنِي
وَاحْتَجَمَ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْحِجَامَةُ لَا يَجِبُ
إلَّا الصَّدَقَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَيْهِ صَدَقَةٌ
بِحَلْقِهِ لِلْحِجَامَةِ كَمَا إذَا حَلَقَهُ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ
كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَالْمَحَاجِمُ جَمْعُ مِحْجَمٍ
بِكَسْرِ الْمِيمِ اسْمُ آلَةٍ مِنْ الْحِجَامَةِ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ
جَمْعُ مَحْجَمَةٍ اسْمُ مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ إحْدَى
إبْطَيْهِ أَوْ عَانَتَهُ أَوْ رَقَبَتَهُ) أَقُولُ خَصَّ لُزُومَ
الدَّمِ بِحَلْقِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَامِلًا؛ لِأَنَّ
الرُّبْعَ مِنْهَا لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ
تَجْرِ فِيهَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ حَلْقُ
بَعْضِهَا وَلَوْ بَلَغَ أَكْثَرَهَا مُوجِبًا إلَّا لِلتَّصَدُّقِ
وَالْحُكْمُ بِوُجُوبِ الدَّمِ بِحَلْقِ الْأَكْثَرِ مِنْهَا ضَعِيفٌ
بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَذَكَرَ فِي الْإِبْطَيْنِ
الْحَلْقَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ وَهُوَ السُّنَّةُ وَالْأَوَّلُ دَلِيلُ
الْجَوَازِ مِنْ التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِ شَارِبِ
الْمُحَرَّمِ.
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ أَخَذَهُ
كُلَّهُ أَوْ حَلَقَهُ فَعَلَيْهِ طَعَامٌ لَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ
وَالطَّعَامُ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَأْخُوذِ مَا
نِسْبَتُهُ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الشَّارِبِ
فَيَجِبُ بِحِسَابِهِ فَإِنْ كَانَ مِثْلَ رُبْعِ رُبْعِهَا لَزِمَهُ
قِيمَةُ رُبْعِ الشَّاةِ أَوْ ثُمُنُهَا فَثُمُنُهَا وَهَكَذَا كَمَا
تُفِيدُهُ الْهِدَايَةُ أَوْ يُعْتَبَرُ بِهَا مُنْضَمًّا مَعَهَا
الشَّارِبُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ أَخَذَ الْمُحْرِمُ مِنْ
شَارِبِ حَلَالٍ أَطْعَمَ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي
مَجَالِسَ تَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا إذَا أَفْطَرَ
أَيَّامًا وَلَمْ يُكَفِّرْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ) الْإِلْحَاقُ بِآيَةِ
السَّجْدَةِ إنَّمَا هُوَ فِي تَقْيِيدِ التَّدَاخُلِ بِالْمَجْلِسِ
لَا فِي إثْبَاتِ التَّدَاخُلِ
(1/241)
إقَامَةً لِلرُّبْعِ مَقَامَ الْكُلِّ
كَمَا فِي الْحَلْقِ وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ
فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ
لِلصَّدْرِ جُنُبًا أَوْ لِلْفَرْضِ مُحْدِثًا، وَلَوْ لَهُ جُنُبًا
فَبَدَنَةٌ) أَيْ لَوْ طَافَ لِلْفَرْضِ جُنُبًا فَالْوَاجِبُ
بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ
جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ
بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا؛ لِأَنَّ
لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ (أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ
الْإِمَامِ أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ سُبْعِ الْفَرْضِ) أَيْ تَرَكَ
ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
(وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ) أَيْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ
(بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَطُوفَهُ أَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ
أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
نَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ بِلَا جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ فِي آيِ السَّجْدَةِ
لِلُزُومِ الْحَرَجِ بِاسْتِمْرَارِ الْعَادَةِ بِتَكْرَارِ الْآيَاتِ
لِلدِّرَاسَةِ وَالتَّدَبُّرِ لِلِاتِّعَاظِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: إقَامَةً لِلرُّبْعِ مُقَامَ الْكُلِّ) كَذَا فِي
الْهِدَايَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ مِنْ حَيْثُ جَعْلُ الْيَدِ مَثَلًا
رُبْعًا؛ لِأَنَّهَا عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي
الْحَلْقِ) أَقُولُ وَلَا يَكُونُ حَلْقُ الرَّأْسِ فِي أَرْبَعَةِ
مَوَاضِعَ مُوجِبًا لِأَرْبَعَةِ دِمَاءٍ، بَلْ لِدَمٍ وَاحِدٍ،
وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَقَ الْإِبْطَيْنِ فِي مَحَلَّيْنِ لَيْسَ عَلَيْهِ
إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصَّ
أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ. . . إلَخْ) فِيهِ إيهَامٌ
سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ كَلَامِهِ فِي مُوجِبِ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى (قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ) كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي
كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ فَيَجِبُ الدَّمُ لَوْ طَافَهُ جُنُبًا
وَالصَّدَقَةُ لَوْ مُحْدِثًا لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي
التَّبْيِينِ وَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا
وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا وَإِنْ أَعَادَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ سَقَطَ
الدَّمُ أَيْ وَالصَّدَقَةُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَحَلُّ سُقُوطِ الدَّمِ
إذَا أَعَادَ السَّعْيَ مَعَ الطَّوَافِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ
فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ لَمَّا اُنْتُقِضَ
وَاعْتُبِرَ الثَّانِي كَانَ السَّعْيُ وَاقِعًا قَبْلَ الطَّوَافِ
الْمُعْتَدِّ بِهِ فَيَجِبُ الدَّمُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَذَكَرَ
الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ
إعَادَةِ السَّعْيِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي
السَّعْيِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يُؤْتَى بِهِ عَلَى أَثَرِ
طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَتَحَلَّلُ بِهِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَإِذَا أَعَادَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ
الْكَرْخِيُّ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي وَيَكُونُ
فَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي إعَادَةِ السَّعْيِ
فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ وَعَلَى قَوْلِ
الرَّازِيِّ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ
لَمْ يَكُنْ وَاتَّفَقُوا فِي الْمُحْدِثِ أَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ
أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ اهـ.
وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ كَمَا فِي
الْفَتْحِ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَمَا طَافَ الْفَرْضَ
جُنُبًا وَلَمْ يُعِدْهُ وَلَمْ يَذْبَحْ فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْعَوْدُ
وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ وَبَعَثَ بَدَنَةً
أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ عَوْدُهُ بَعْدَ طَوَافِهِ مُحْدِثًا
فَالْأَفْضَلُ إرْسَالُ الشَّاةِ، وَلَوْ لَمْ يَطُفْ لِلْفَرْضِ
أَصْلًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ يَعُودُ بِإِحْرَامِهِ الَّذِي هُوَ
بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمَا إذَا طَافَ
لِلْعُمْرَةِ مُحْدِثًا.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ
وَسَعَى لَهَا مُحْدِثًا، وَلَوْ يُعِدْهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى
بَلَدِهِ كَتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ وَنَقَلَ
الْكَمَالُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا
أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ
الْعُمْرَةِ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ
لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ) كَذَا فِي
الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ
الشَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ الْمَدَارُ إلَّا أَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ
الْإِمَامِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ قَطُّ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ
أَعْنِي بَعْدَ الْغُرُوبِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ بِاعْتِبَارِهَا اهـ
حَتَّى لَوْ أَبْطَأَ الْإِمَامُ بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْغُرُوبِ
يَجُوزُ لِلنَّاسِ الدَّفْعُ قَبْلَهُ وَأَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ
فِي الدَّلِيلِ إلَى خُصُوصِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ
الِاسْتِدَامَةَ أَيْ فِي الْمَوْقِفِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ
وَاجِبَةٌ اهـ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفِيضَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ
نَدَبَهُ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ فَإِنْ عَادَ إلَى
عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
سُقُوطَ الدَّمِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛
لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكُ الْمَتْرُوكِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ
حَتَّى أَفَاضَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ غُرُوبِهَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ أَظْهَرُ خُصُوصًا عَلَى التَّصْحِيحِ
السَّابِقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ قُلْت، وَقَدْ نَصَّ فِي الْجَوْهَرَةِ
عَلَى التَّصْحِيحِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَقَطَ
عَنْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. فَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ
بِالْعَوْدِ مُطْلَقًا أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَبَعْدَهُ (قَوْلُهُ:
أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ سُبْعِ الْفَرْضِ) أَقُولُ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا
إلَّا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَوْ طَافَهُ
انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى طَوَافِ الْفَرْضِ مَا يُكْمِلُهُ، ثُمَّ
يَنْظُرُ إلَى الْبَاقِي مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ إنْ كَانَ أَقَلَّهُ
لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَإِلَّا فَدَمٌ، وَلَوْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي
آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَدْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
أَكْثَرَهُ كَمَّلَ مِنْ الصَّدْرِ وَلَزِمَهُ دَمَانِ فِي قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ وَدَمٌ لِتَرْكِهِ أَكْثَرَ
طَوَافِ الصَّدْرِ وَإِنْ كَانَ تَرَكَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ
لِلتَّأَخُّرِ دَمٌ وَصَدَقَةٌ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّدْرِ كَمَا فِي
الْفَتْحِ قُلْت وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِطَوَافِ الْوَدَاعِ، بَلْ
أَيُّ طَوَافٍ حَصَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَانَ لِلْفَرْضِ كَمَا
قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَيْ
فِي حَقِّ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَهُ وَكُلَّمَا جَامَعَ لَزِمَهُ
دَمٌ إذَا تَعَدَّدَتْ الْمَجَالِسُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ رَفْضَ
الْإِحْرَامِ بِالْجِمَاعِ الثَّانِي كَمَا فِي الْفَتْحِ وَسَنَذْكُرُ
تَمَامَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِيمَا إذَا جَامَعَ
قَبْلَ الْوُقُوفِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ)
(1/242)
أَوْ السَّعْيَ أَوْ الْوُقُوفَ بِجَمْعٍ)
يَعْنِي مُزْدَلِفَةَ (أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ أَوْ فِي يَوْمٍ أَوْ
الرَّمْيَ الْأَوَّلَ أَوْ أَكْثَرَهُ) أَيْ رَمَى جَمْرَةَ
الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرَ (أَوْ مَسَّ بِشَهْوَةٍ) عَطْفٌ عَلَى
تَرَكَ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الْفَرْضِ
عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى آخَرَ)
كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ
وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ (أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ حَاجًّا أَوْ
مُعْتَمِرًا)
أَيْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَيَّامَ
النَّحْرِ فَحَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْ خَرَجَ حَاجًّا مِنْ
الْحَرَمِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، ثُمَّ عَادَ بِخِلَافِ مُعْتَمِرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَقُولُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ
(قَوْلُهُ: أَوْ السَّعْيَ) أَقُولُ وَلَوْ هَذَا إذَا تَرَكَهُ بِلَا
عُذْرٍ، أَمَّا لَوْ تَرَكَ السَّعْيَ بِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ،
وَلَوْ رَكِبَ فِيهِ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ، وَلَوْ أَعَادَهُ
بَعْدَمَا حَلَّ وَجَامَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ، وَكَذَا لَوْ أَتَى
بِهِ بَعْدَمَا رَجَعَ لَكِنَّهُ يَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَتَرْكُ
أَكْثَرِهِ كَتَرْكِهِ وَتَرْكُ أَقَلِّهِ يُوجِبُ لِكُلِّ شَوْطٍ
نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ
كَمَا فِي الْبَحْرِ وَذَكَرْته هَاهُنَا لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ
إيَّاهُ فِيمَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي
السَّعْيِ الْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا فَيَجِبُ دَمٌ لَوْ بَدَأَ
بِالْمَرْوَةِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ الْوُقُوفَ بِجَمْعٍ) قَدَّمْنَا أَنَّ وَقْتَهُ مِنْ
طُلُوعِ الْفَجْرِ وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ فَالْوُقُوفُ فِي
غَيْرِ وَقْتِهِ كَتَرْكِهِ يُوجِبُ دَمًا لَوْ بِلَا عُذْرٍ
(قَوْلُهُ: أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ
يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ
الرَّمْيِ وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ
قُرْبَةً إلَّا فِيهَا وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ فَالْإِعَادَةُ
مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ اهـ، ثُمَّ بِتَأْخِيرِ
رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ أَخَّرَهُ
إلَى اللَّيْلِ فَرَمَاهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ
الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي آخِرِ
يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ
بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَا يَقْضِيهِ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ
وَقْتَهُ قَدْ خَرَجَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ: أَوْ فِي يَوْمٍ) يَعْنِي إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ
كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ
الرَّمْيَ الْأَوَّلَ أَوْ أَكْثَرَهُ. . . إلَخْ) قَدْ خَصَّ
الْمُصَنِّفُ لُزُومَ الدَّمِ فِيمَا إذَا تَرَكَ أَكْثَرَ رَمْيِ
الْيَوْمِ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَلَمْ يُفِدْ
ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ
دَمٌ بِتَرْكِ إحْدَى عَشْرَةَ حَصَاةً فَمَا فَوْقَهَا مِنْ رَمْيِ
كُلِّ يَوْمٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَسَّ
بِشَهْوَةٍ) لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْإِنْزَالَ كَمَا لَمْ
يَشْتَرِطْهُ فِي الْهِدَايَةِ مُوَافَقَةً لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ
وَالْأَصْلِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
لِقَاضِي خَانْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ قَالَ لِيَكُونَ جِمَاعًا
مِنْ وَجْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَبَّلَ) الْكَلَامُ
فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ مِنْ الْخِلَافِ فِي
اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ لِلُزُومِ الدَّمِ (قَوْلُهُ: أَوْ
طَوَافَ الْفَرْضِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) أَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ
بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ
وَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ
وَإِنْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الدَّمُ بِالتَّفْرِيطِ فِيمَا
تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْوَجِيزِ وَأَفَادَ
شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الطَّوَافِ عَيْنًا
فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ فَفِي إلْزَامِهَا بِالدَّمِ، وَقَدْ حَاضَتْ فِي
الْأَثْنَاءِ نَظَرٌ اهـ.
وَإِنْ أَدْرَكَتْ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ بَعْدَمَا طَهُرَتْ
مِقْدَارَ مَا تَطُوفُ أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ
تَطُفْ لَزِمَهَا دَمٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ) أَيْ وَقَدْ فَعَلَهُ
فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا حَتَّى لَا يَكُونَ
مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ
أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ فِي الْأَيَّامِ وَأَخَّرَ
الْحَلْقَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وُجِدَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ
فَيَجِبُ دَمٌ (قَوْلُهُ: كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ) مُمَاثِلُهُ
الطَّوَافُ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ الرَّمْيِ، وَهَذَا فِي الْمُفْرِدِ
وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْمُفْرِدِ ثَلَاثَةٌ الرَّمْيُ
وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الذَّبْحُ فَلَا
يَضُرُّهُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِتَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ
إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ
(قَوْلُهُ: أَيْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ. . . إلَخْ) أَقُولُ
لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ مُلْزِمٌ لِدَمَيْنِ فِي
الْمُعْتَمِرِ كَالْحَاجِّ إذَا حَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ بَعْدَ
أَيَّامِ النَّحْرِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا، وَقَدْ
نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ لِلزَّيْلَعِيِّ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّ لُزُومَ
الدَّمَيْنِ إنَّمَا هُوَ خَاصٌّ بِالْحَاجِّ لِمَا أَنَّهُ يَجِبُ
عَلَيْهِ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا
الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ إلَّا فِي الْحَرَمِ
وَلَا يَخْتَصُّ حَلْقُهُ بِزَمَانٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ مَا
ذَكَرَهُ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوْ حَلَقَ فِي
الْحِلِّ أَيْ يَجِبُ دَمٌ إذَا حَلَقَ فِي الْحِلِّ لِلْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ وَالْمُرَادُ فِيمَا إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ فِي غَيْرِ
الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَيَّامَ
النَّحْرِ فَحَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَإِصْلَاحُ الْعِبَارَةِ أَنْ يُزَادَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِفَاعِلِ
حَلَقَ فَيُقَالُ أَيْ حَلَقَ الْحَاجُّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ،
وَأَمَّا إذَا خَرَجَ. . . إلَخْ
(تَتِمَّةٌ) الْمُفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ
أَئِمَّتِنَا أَنَّ جَمِيعَ الْحَرَمِ مَحَلٌّ لِلْحَلْقِ وَلَا
يَخْتَصُّ وُجُوبُ الْحَلْقِ بِمَا كَانَ مِنْهُ فَمَا وَقَعَ فِي
صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ حَلَقَ
فِي حِلٍّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنَّ الْحَلْقَ اخْتَصَّ بِمِنًى
وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ اهـ، لَيْسَ الْمُرَادُ اخْتِصَاصَهُ بِمِنًى
عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، بَلْ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الْحَرَمِ
سَوَاءٌ، أَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِهَا فَهُوَ مَسْنُونٌ لِمَا قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ السُّنَّةُ جَرَتْ بِالْحَلْقِ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ
الْحَرَمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ حَاجًّا مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ،
ثُمَّ عَادَ) أَقُولُ كَذَا نَصَّ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ
بَاشَا وَإِطْلَاقُهُ لَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّ ذَاتَ الْخُرُوجِ مِنْ
الْحَرَمِ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى الْمُحْرِمِ لِمَا نَذْكُرُ
وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ الْمُعْتَمِرُ إذَا حَلَقَ
فِي الْحِلِّ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ
لِتَفْوِيتِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ
فَإِنْ عَادَ وَحَلَقَ فِيهِ
(1/243)
خَرَجَ، ثُمَّ عَادَ فَقَصَّرَ) حَيْثُ لَا
يَلْزَمُ دَمٌ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ بِحَجٍّ
أَوْ عُمْرَةٍ لَا فِي مُعْتَمِرٍ رَجَعَ مِنْ حِلٍّ، ثُمَّ قَصَّرَ
أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَقُولُ فِيهِ تَكَلُّفٌ لِوُجُوهٍ.
الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ
لِأَجْلِ الْخُرُوجِ مِنْ إحْرَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَا يَخْفَى
مَا فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَلِذَا قَالَ
بَعْضُهُمْ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُحْرِمٍ فِي قَوْلِهِ إنْ طَيَّبَ
مُحْرِمٌ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ
الثَّانِي أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَا فِي مُعْتَمِرٍ
غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ظَاهِرًا إذْ مَعْنَاهُ أَنَّ
الْمُعْتَمِرَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ
وَقَصَّرَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ، بَلْ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ
أَوْ خَرَجَ حَاجٌّ مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، ثُمَّ عَادَ
إلَيْهِ لَا مُعْتَمِرٌ رَجَعَ إلَى آخِرِهِ
الثَّالِثُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوْ قَبَّلَ يُوهِمُ عَطْفَهُ
عَلَى قَصَّرَ مَعَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى حَلَقَ وَلِذَا غَيَّرْت
الْعِبَارَةَ هَاهُنَا إلَى مَا تَرَى.
(وَدَمَانِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ دَمٌ فِي قَوْلِهِ وَجَبَ دَمٌ فِي
أَوَّلِ الْبَابِ (عَلَى قَارِنٍ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ) دَمٌ
لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ
الْحَلْقِ (وَعَلَى مَنْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ فِي
آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا، وَلَوْ مُحْدِثًا فِي
الْأَوَّلِ فَدَمٌ) عَلَى مَا مَرَّ يَعْنِي لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ
جُنُبًا وَطَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا
يَجِبُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا دَمٌ وَلَوْ طَافَ
لِلزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَطَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ طَاهِرًا يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ
أَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى
طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ وَإِعَادَةُ
طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْحَدَثِ مُسْتَحَبَّةٌ فَلَمْ يَنْتَقِلْ
إلَيْهِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ
إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ وَفِي
إقَامَةِ هَذَا الطَّوَافِ مُقَامَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَائِدَةُ
إسْقَاطِ الْبَدَنَةِ عَنْهُ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْعَزِيمَةُ فِي
ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ لِلْأَفْعَالِ عَلَى التَّرْتِيبِ
الْمَشْرُوعِ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ عَلَى خِلَافِهِ وَوَجَبَ صَرْفُهُ
إلَى مَا عَلَيْهِ كَمَنْ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ إذَا
سَجَدَ لِلسَّهْوِ يُصْرَفُ إلَى الصُّلْبِيَّةِ دُونَ السَّهْوِ
فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَيَجِبُ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ
الصَّدْرِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ
النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَجِبُ لِتَرْكِ طَوَافِ
الصَّدْرِ وَلَا شَيْءَ بِتَرْكِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
(وَتَصَدُّقٌ) عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ وَجَبَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَوْ
عَلَى قَوْلِهِ وَدَمَانِ (بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إنْ طَيَّبَ
أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ أَوْ لَبِسَ أَقَلَّ مِنْ
يَوْمٍ أَوْ حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ رَأْسِهِ أَوْ قَصَّ أَقَلَّ
مِنْ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ أَوْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِإِتْيَانِهِ بِمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ
وَهُوَ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ اهـ.
وَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ خُرُوجِ الْحَاجِّ قَالَ فِي
الْعِنَايَةِ بَعْدَ شَرْحِهِ مَسْأَلَةَ خُرُوجِ الْمُعْتَمِرِ،
وَلَوْ فَعَلَ الْحَاجُّ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَمُ
التَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ
الدَّمَ الَّذِي يَلْزَمُ الْحَاجَّ إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِ
الْحَلْقِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَيُقَيِّدُ أَنَّهُ إذَا أَعَادَ
بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَحَلَقَ فِيهِ فِي أَيَّامِ
النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ مَنْ
لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِمَسَائِلِ الْفِقْهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ
عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَاجِّ مُسْتَغْنًى عَنْهَا بِمَا قَدَّمَهُ
الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ
(قَوْلُهُ: وَدَمَانِ عَلَى قَارِنٍ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ دَمٌ
لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ
الْحَلْقِ) أَقُولُ كَذَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ
حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ
أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ
الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ
وَهُوَ الْأَوَّلُ وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا سَهْوٌ مِنْ الْقَلَمِ، بَلْ أَحَدُ
الدَّمَيْنِ بِمَجْمُوعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْآخَرُ دَمُ
الْقِرَانِ وَالدَّمُ الَّذِي يَجِبُ عِنْدَهُمَا دَمُ الْقِرَانِ
لَيْسَ غَيْرُ لَا لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ
لَزِمَ فِي كُلِّ تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ دَمَانِ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ وَلَا قَائِلَ بِهِ اهـ، وَكَذَا
الْأَكْمَلُ وَالْأَتْقَانِيُّ خَطَّآ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ
وَمُعْتَمَدُهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةُ الْهِدَايَةِ لِمَا هُوَ
الْأَصْلُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْجَامِعُ
الصَّغِيرُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ قَارِنٌ
حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ قَالَ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْقِرَانِ
وَدَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ يَعْنِي عَلَى
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَحَمَلَ فِي الْكَافِي قَوْلَ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا رَوَى عَنْ
بَعْضِهِمْ مِثْلَهُ، وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ
وَالْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَجِبُ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ
الصَّدْرِ وَلَا شَيْءَ بِتَرْكِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ) هَكَذَا فِي
النُّسَخِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ وَلَا شَيْءَ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ
الزِّيَارَةِ
(قَوْلُهُ: وَتَصَدُّقٌ) بِالتَّنْوِينِ أَيْ وَجَبَ تَصَدُّقٌ
(قَوْلُهُ: أَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ) أَقُولُ
يَعْنِي مِنْ عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ عُضْوَيْنِ وَتَبِعَ فِي
الْعِبَارَةِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا
وَهِيَ شَامِلَةٌ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ إلَى الْأَرْبَعِ فَيَجِبُ
فِي الْجَمِيعِ نِصْفُ صَاعٍ لِقَوْلِهِ قَبْلُ وَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ
صَاعٍ إنْ طَيَّبَ. . . إلَخْ وَهُوَ غَلَطٌ لِمَا فِي الْكَافِي
وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَإِنْ
قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ ظُفْرٍ
صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيُنْقِصُ مَا شَاءَ
(قَوْلُهُ: أَوْ خَمْسَةً مُتَفَرِّقَةً) فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ
لِمَا فِي الْكَافِي أَيْضًا لَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفْرًا مِنْ
كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةً يَجِبُ بِكُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَى
أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ مَا شَاءَ اهـ،
وَكَذَا
(1/244)
أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ
مُحْدِثًا أَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سُبْعِ الصَّدْرِ أَوْ إحْدَى
جِمَارٍ ثَلَاثٍ أَوْ حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ) أَيْ مُحْرِمٍ آخَرَ
(وَذَبْحٌ أَوْ تَصَدُّقٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَصَدُّقٌ
(بِثَلَاثَةِ أَصْوُعِ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ صَامَ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ
الثَّلَاثَةِ (إنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ)
. قَوْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ
أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا) قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ طَوَافِ تَطَوُّعٍ
فَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ جُنُبًا فِي الْقُدُومِ أَوْ
التَّطَوُّعِ أَعَادَهُ وَلَزِمَهُ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛
لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَإِنْ أَعَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ كَذَا فِي
الْمُحِيطِ وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ
مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ
لَوْ طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ
وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ؛ وَلِأَنَّ طَوَافَ التَّطَوُّعِ
إذَا شُرِعَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ، ثُمَّ يَدْخُلُهُ
النَّقْصُ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:
أَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سُبْعِ الصَّدْرِ) أَقُولُ فِيهِ كَمَا فِي
قَصِّ الْأَظْفَارِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَمَا
نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ إحْدَى
جِمَارٍ ثَلَاثٍ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ
الرَّابِعِ لَوْ أَقَامَهُ وَيَجِبُ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ
بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا
فَيُنْقِصُ مَا شَاءَ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ
مُعَلِّلًا بِأَنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ
مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ
بِمَنْزِلَةِ نَبَاتِ الْحَرَمِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ
شَعْرِهِ وَشَعْرِ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ فِي
شَعْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مُحْرِمٍ آخَرَ) أَقُولُ كَانَ الْوَاجِبُ إبْقَاءَ
الْمَتْنِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ حَلَقَ لِحَلَالٍ
فَيَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ،
وَإِذَا حَلَقَ لِمُحْرِمٍ كَانَ عَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ سَوَاءٌ
كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا وَلَا رُجُوعَ لَهُ
عَلَى الْحَالِقِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِإِدْخَالِهِ فِي الْوَرْطَةِ
وَلَنَا أَنَّ الرَّاحَةَ حَصَلَتْ لَهُ كَالْمَغْرُورِ لَا يَرْجِعُ
بِالْعُقْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ لِمُقَابَلَتِهِ بِاللَّذَّةِ كَمَا
فِي الْكَافِي
(قَوْلُهُ: وَذَبْحٌ) مَرْفُوعٌ مَنُونٌ لِعَطْفِهِ عَلَى مَا
قَدَّمَهُ مِنْ الْفَاعِلِ أَيْ وَجَبَ ذَبْحُ شَاةٍ فِي الْحَرَمِ
وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَرَمِ يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا بِذَبْحِهَا فِي
غَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ مَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِاللَّحْمِ عَلَى
سِتَّةٍ وَيَبْلُغُ قِيمَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ
كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ اهـ، وَإِذَا ذَبَحَ فِي
الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَالْقُرْبَةُ فِيهِ لَهَا جِهَتَانِ جِهَةُ
الْإِرَاقَةِ وَجِهَةُ التَّصَدُّقِ فَلِلْأُولَى لَا يَجِبُ غَيْرُهُ
إذَا سُرِقَ مَذْبُوحًا وَلِلثَّانِيَةِ يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهِ وَلَا
يَأْكُلُ مِنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَصَدُّقٌ) قَالَ
فِي الْجَوْهَرَةِ الصَّدَقَةُ تُجْزِيهِ عِنْدَنَا حَيْثُ أَحَبَّ
إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ
فِيهَا التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ أَعْنِي التَّغْذِيَةَ
وَالتَّعْشِيَةَ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ اهـ. وَقَالَ فِي
التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ يَجُوزُ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ فَلَمْ يَذْكُرَا لِأَبِي حَنِيفَة
قَوْلًا وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَخَّرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِهِ
وَقَبِلَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
وَقَالَ الْكَمَالُ قِيلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْحَدِيثُ الَّذِي فَسَّرَ الْآيَةَ فِيهِ
لَفْظُ الْإِطْعَامِ فَكَانَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَفِيهِ نَظَرٌ
فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ مُفَسِّرًا لِمُجْمَلٍ، بَلْ مُبَيِّنٌ
لِلْمُرَادِ بِالْإِطْلَاقِ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ
الْأُمَّةُ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ
الصَّدَقَةُ وَتَحَقُّقُ حَقِيقَتِهَا بِالتَّمْلِيكِ فَيَجِبُ أَنْ
يُحْمَلَ فِي الْحَدِيثِ الْإِطْعَامُ عَلَى الْإِطْعَامِ الَّذِي هُوَ
الصَّدَقَةُ وَإِلَّا كَانَ مُعَارِضًا وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ
يُعْتَبَرُ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَم اهـ.
(قَوْلُهُ: أَصْوُعٍ) عَلَى وَزْنِ أَرْجُلٍ جَمْعُ صَاعٍ (قَوْلُهُ:
عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ
أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى سِتَّةٍ حَتَّى لَوْ
تَصَدَّقَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ السِّتَّةِ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ لَا
يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ
وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَوْ
غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا أَوْ عَشَّاهُ أَيْ سِتَّةَ أَيَّامٍ
أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ صَامَ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ
الْمَاضِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ فَيُقَالُ أَوْ
صِيَامٌ لِعَطْفِهِ عَلَى تَصَدُّقٍ اهـ.
وَيَصُومُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مُفَرَّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا
كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: إنْ طَيَّبَ أَوْ
حَلَقَ) أَقُولُ أَوْ لَبِسَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَكِنْ
الْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي
اتِّبَاعُهُمَا الْهِدَايَةَ (قَوْلُهُ: بِعُذْرٍ) قَيْدٌ
لِلثَّلَاثَةِ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ وَاللُّبْسِ، وَالْعُذْرُ كَخَوْفِ
الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْمَرَضِ وَلُبْسِ السِّلَاحِ
لِلْقِتَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْخَوْفُ غَلَبَةُ الظَّنِّ لَا
مُجَرَّدُ الْوَهْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّيَمُّمِ وَعَوَارِضِ
الصَّوْمِ وَلْيُتَنَبَّهْ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي هَذَا
الْمَحَلِّ مِنْ إلْزَامِ دَمٍ آخَرَ أَوْ صَدَقَةٍ فِي قَوْلِهِ
وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَيُغَطِّي
رَأْسَهُ بِالْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ إنْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِهَا
وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ وَمُوجِبٌ
لِلدَّمِ إنْ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَصَدَقَةٍ بِأَقَلِّهِ اهـ؛
لِأَنَّهُ مُخَالِفَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ
عَدَمِ تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ بِلُبْسِ الْعِمَامَةِ مَعَ
الْقَلَنْسُوَةِ، وَقَدْ اُضْطُرَّ إلَى الْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ،
وَبِهِ صَرَّحَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَ
الْبَحْرِ نَاقَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا
انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِلُبْسِ جُبَّةٍ فَلَبِسَ جُبَّتَيْنِ إلَّا
أَنَّهُ يَكُونُ آثِمًا وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مُخَيَّرٌ
فِيهَا اهـ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا أَنَّ
الدَّمَ أَوْ الصَّدَقَةَ مُكَفِّرٌ لِهَذَا الْإِثْمِ مُزِيلٌ لَهُ
مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهَا مَعَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْحُدُودِ هَلْ هِيَ
كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَوْ لَا وَهَلْ يَخْرُجُ الْحَجُّ مِنْ أَنْ
يَكُونَ مَبْرُورًا
(1/245)
(وَوَطْؤُهُ وَلَوْ نَاسِيًا قَبْلَ
وُقُوفِ فَرْضٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (يَفْسُدُ حَجُّهُ
وَيَمْضِي وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي مِنْ قَابِلٍ وَلَمْ يَفْتَرِقَا) أَيْ
لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَهَا فِي قَضَاءِ مَا أَفْسَدَاهُ (وَ)
وَطْؤُهُ (بَعْدَ وُقُوفِهِ) أَيْ وُقُوفِ الْفَرْضِ (لَمْ يَفْسُدْ
وَتَجِبُ بَدَنَةٌ وَ) إنْ وَطِئَ (بَعْدَ الْحَلْقِ) لَمْ يَفْسُدْ
أَيْضًا (وَ) تَجِبُ (شَاةٌ، وَ) وَطْؤُهُ (فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ
طَوَافِ أَرْبَعَةٍ يُفْسِدُهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ (فَيَمْضِي
وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي، وَإِذَا وَطِئَ) فِي عُمْرَتِهِ (بَعْدَ
أَرْبَعَةٍ) أَيْ بَعْدَ طَوَافِهِ أَرْبَعَةً (ذَبَحَ وَلَمْ
يُفْسِدْ) الْوَطْءُ عُمْرَتَهُ
(إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِارْتِكَابِهِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا أَوْ لَا
الظَّاهِرُ بَحْثًا لَا نَقْلًا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَوَطْؤُهُ وَلَوْ نَاسِيًا) أَقُولُ يَعْنِي فِي قُبُلِ
أَوْ دُبُرِ آدَمِيٍّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ
أَمْ لَمْ يُنْزِلْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا وَيَفْسُدُ حَجُّ
الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ، وَلَوْ نَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً، وَلَوْ
كَانَ الْمُجَامِعُ لَهَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَزِمَهَا دَمٌ
كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَإِذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً تَرْجِعُ عَلَى
الزَّوْجِ فِيمَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ لَا فِيمَا عَنْ ابْنِ
شُجَاعٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. وَيَفْسُدُ حَجُّ الصَّبِيِّ
بِالْجِمَاعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا وَيُخَالِفُهُ مَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ
فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ صَبِيَّةً أَوْ
مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ اهـ، وَضَعَّفَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا
قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ، وَقَالَ
يَدُلُّ عَلَى ضَعِيفِ مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُمْ لَوْ أَفْسَدَ
الصَّبِيُّ حَجَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ
بِغَيْرِ الْجِمَاعِ اهـ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَا
يَنْحَصِرُ فِي الْجِمَاعِ إذْ يَكُونُ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
وَقَيَّدْنَا الْوَطْءَ بِأَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ لِمَا قَالَ فِي
الْجَوْهَرَةِ الْإِنْزَالُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ أَوْ
الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ يُوجِبُ شَاةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَلَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ، وَقَدْ وَعَدْنَا بِتَتِمَّةِ الْكَلَامِ عَلَى
الْجِمَاعِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فِي مَجْلِسٍ
وَاحِدٍ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ لَزِمَتْهُ شَاةٌ فَإِنْ جَامَعَ
فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفَضَ
الْحَجَّةَ الْفَاسِدَةَ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ
الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ
عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَاضِي خَانْ اهـ، وَكَذَا فِي
الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ قَالَ
عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ جَامَعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَعَ
امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا
فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَلَيْهِ
بَدَنَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ الشَّاةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ
اهـ.
وَعَلَّلَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَ لُزُومِ الدَّمِ فِيمَا إذَا نَوَى
بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ بِأَنَّهُ أَسْنَدَ
إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ وَإِنْ أَخْطَأَ
فِي تَأْوِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِالْأَفْعَالِ
وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِهَا وَعَلَى هَذَا سَائِرُ
مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ اهـ.
وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ
كَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛
لِأَنَّهُ تَلِفَ عَنْ تَأْوِيلٍ كَذَا فِي الْكَافِي. اهـ.
قُلْت وَيُنْظَرُ فِي قَوْلِهِ يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِالْأَفْعَالِ
وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِهَا اهـ مَعَ مَا
سَنَذْكُرُهُ مِنْ تَحْلِيلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِنَحْوِ قَصِّ
ظُفْرٍ وَبِالْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ
ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ) أَيْ قَبْلَ وُقُوفٍ
هُوَ فَرْضٌ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ لَا عَلَى مَعْنَى فِي
فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْفَاسِدِ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ
الْوُقُوفِ لِحَجٍّ مُطْلَقًا
[قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ]
(قَوْلُهُ: إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اعْلَمْ
أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ
بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَهُوَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ
تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ وَبَحْرِيٌّ وَهُوَ مَا
يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلِدَ هُوَ الْأَصْلُ
وَالتَّعَيُّشُ بَعْدَ ذَلِكَ عَارِضٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ
وَيَحْرُمُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُحْرِمِ دُونَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]
وقَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] ،
الْآيَةَ. وَالْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ خَارِجَةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا
يَجِيءُ. اهـ. وَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُ الْبَحْرِيِّ سَوَاءً
كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ
وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي مَنَاسِكِ
الْكَرْمَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا مَا يُؤْكَلُ
خَاصَّةً كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ
بِقَتْلِ صَيْدِ الْبَرِّ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسْبِيبِ إذَا
كَانَ مُتَعَدِّيًا فِيهِ فَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ أَوْ
حَفَرَ لِلصَّيْدِ حَفِيرَةً فَعَطِبَ صَيْدٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ
مُتَعَدٍّ، وَلَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ
فَمَاتَ أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ الْحَيَوَانِ يُبَاحُ
قَتْلُهُ كَالذِّئْبِ فَعَطِبَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا
لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ
أَوْ أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ حَلَالٌ فَتَجَاوَزَ
إلَى الْحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْدًا أَوْ طَرَدَ الصَّيْدَ حَتَّى
أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛
لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ فِي التَّسْبِيبِ وَلَا يُشْبِهُ هَذِهِ
الرَّمْيَةَ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ
تَمَّتْ جِنَايَتُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَا مَا لَوْ انْقَلَبَ
مُحْرِمٌ نَائِمٌ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لَا
يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَمُ التَّعَدِّي فَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ
وَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِ إلَّا إذَا قَصَدَ
بِهِ التَّحَلُّلَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ فَعَلَيْهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ
دَمٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِضْ
بِالنَّظَرِ لِلتَّحَلُّلِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالْأَفْعَالِ
كَمَا قَدَّمَهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ) الضَّمِيرُ فِي دَلَّ
لِلْمُحْرِمِ فَخَرَجَ دَلَالَةُ الْحَلَالِ، وَلَوْ عَلَى صَيْدِ
الْحَرَمِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطٍ لِلُزُومِ
الْجَزَاءِ بِالدَّلَالَةِ أَحَدُهَا وَتُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ
الدَّلَالَةِ عَدَمُ عِلْمِ الْمَدْلُولِ بِمَكَانِ الصَّيْدِ
وَتَصْدِيقُهُ فِي الدَّلَالَةِ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ وَصَدَّقَ
غَيْرَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ زَعَمَ كَذِبَهُ وَاتِّصَالُ
الْقَتْلِ بِالدَّلَالَةِ وَبَقَاءُ الدَّالِّ مُحْرِمًا عِنْدَ أَخْذِ
الْمَدْلُولِ وَأَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقَلِبَ، وَلَوْ أَمَرَهُ
بِقَتْلِهِ بَعْدَمَا أَخَذَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ وَعَلَى هَذَا
إذَا أَعَارَهُ سِكِّينًا لِيَقْتُلَهُ بِهَا وَلَيْسَ مَعَ
(1/246)
مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ
مَرَّةٍ أَوْ لَا أَوْ كَانَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا (فَعَلَيْهِ
جَزَاؤُهُ، وَلَوْ) كَانَ الصَّيْدُ (سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ وَلَا
شَيْءَ فِي الصَّائِلِ أَوْ) كَانَ الصَّيْدُ (مُسْتَأْنَسًا أَوْ
حَمَامًا مُسَرْوَلًا) وَهُوَ الَّذِي فِي رِجْلَيْهِ رِيشٌ
كَالسَّرَاوِيلِ.
وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ فَصَارَ كَالْبَطِّ
قُلْنَا هُوَ صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَإِنَّمَا لَا يَطِيرُ
لِثِقَلِهِ (أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ) بِالْجُوعِ أَوْ
غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ جَزَاؤُهُ (مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ فِي
مَقْتَلِهِ أَوْ) فِي (أَقْرَبِ مَكَان مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْآخِذِ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ أَوْ قَوْسًا أَوْ نَشَّابًا يَرْمِيهِ
بِهِ وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ
السِّكِّينِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ يَقْدِرُ
عَلَى ذَبْحِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي السِّيَرِ بِأَنَّهُ عَلَى صَاحِبِ
السِّكِّينِ الْجَزَاءُ، وَكَذَا إذَا دَلَّ عَلَى قَوْسٍ وَنَشَّابٍ
مَنْ رَآهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ لِبُعْدِهِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ
الْجَزَاءُ عَلَى الْمُعِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ
قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ
الْمُحِيطِ لَوْ أَعَارَهُ سِكِّينًا لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
يَتَوَصَّلُ إلَى قَتْلِهِ بِدُونِ سِكِّينٍ بِأَنْ يَخْنُقَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ) قَالَ فِي
الْبَحْرِ أَرَادَ بِالسَّبُعِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ مِمَّا
لَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّابِقَةِ وَالْحَشَرَاتِ سَوَاءٌ كَانَ
سَبُعًا أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا
وَالسَّبُعُ اسْمٌ لِكُلِّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ
عَادٍ عَادَةً اهـ.
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي شَرْحِهِ الْأَسَدُ حَيَوَانٌ
مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ فَيُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهِ
كَالضَّبُعِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ
وَالذِّئْبِ اهـ لَفْظُ الْجَوْهَرَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ مَا فِي
الْفَتَاوَى صَاحِبُ الْبَدَائِعِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْكَمَالُ
فَقَالَ الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ يَحِلُّ
قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَصُلْ، وَلَمْ يَحْكِ
خِلَافًا، بَلْ ذَكَرَهُ حُكْمًا مَسْكُوتًا فِيهِ قَالَ الْكَمَالُ،
ثُمَّ رَأَيْنَاهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي فَتَاوَى
قَاضِي خَانْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الذِّئْبِ
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صَيْدٌ إلَّا
الْكَلْبَ وَالذِّئْبَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي الصَّائِلِ) أَيْ سَبُعًا كَانَ أَوْ
صَيْدًا غَيْرَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصَّوْلُ
الْحَمْلُ أَيْ الْوَثْبُ لِإِيصَالِ الْأَذَى وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ
وُجُوبِ شَيْءٍ بِالصَّائِلِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ
الْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ
فَقَتَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَمَامًا مُسَرْوَلًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا فِي
الْفَتْحِ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ مَعَ أَنَّ
الْحُكْمَ فِي الْحَمَامِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ فِيهِ
خِلَافَ مَالِكٍ وَلْيُفْهَمْ غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى اهـ.
وَالْحَمَامَةُ الْمُصَوِّيَةُ فِي كَوْنِهَا صَيْدًا رِوَايَتَانِ
كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ:
فَصَارَ كَالْبَطِّ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
وَقَالَ فِي الْكَافِي فَصَارَ كَالدَّجَاجِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ
فِي الْحُكْمِ لِمَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَمَامُ
مُتَوَحِّشٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ بِخِلَافِ
الْبَطِّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالْبُيُوتِ فَإِنَّهُ
أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَطُّ الْكَسْكَرِيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ
إوَزُّ (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ) أَيْ بِأَنْ
لَمْ يَجِدْ إلَّا هُوَ، وَإِذَا وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا، وَقَدْ
اُضْطُرَّ فَالْمَيْتَةُ أَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ يَذْبَحُ الصَّيْدَ كَذَا فِي
فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَتَنَاوَلُ الصَّيْدَ وَيُؤَدِّي
الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَيِّتَةِ أَغْلَظُ لِارْتِفَاعِ
حُرْمَةِ الصَّيْدِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ فَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ
بِهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَيِّتَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ
أَخَفَّ الْحُرْمَتَيْنِ دُونَ أَغْلَظِهِمَا وَالصَّيْدُ وَإِنْ كَانَ
مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَكِنْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَرْتَفِعُ
الْحَظْرُ فَيَقْتُلُهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ كَذَا
فِي الْفَتْحِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ
الْغَزِّيِّ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ فِي نَظْمٍ لَهُ إنَّ
الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ اهـ، وَلَوْ وَجَدَ
صَيْدًا أَوْ مَال الْغَيْرِ فَالصَّيْدُ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا
مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ، وَعَنْ
ابْن سِمَاعَةَ الْغَصْبُ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ وَبِهِ أَخَذَ
الطَّحَاوِيُّ وَخَيَّرَهُ الْكَرْخِيُّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ جَزَاؤُهُ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ) قَيْدُ
الْمُثَنَّى لَيْسَ لَازِمًا لِمَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ
قَالُوا الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ مِنْ
الْغَلَطِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ
الْمُثَنَّى هُنَا بِالنَّصِّ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ
وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَالْعِنَايَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَيَّدَ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ
بِالْعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي لِظَاهِرِ
النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ، ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ
الْهِدَايَةِ عَقِبَهُ وَقَلَّدَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي
أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ صَحَّحَ لُزُومَ الْمُثَنَّى وَأَنْتَ تَرَى
أَنْ لَا تَصْحِيحَ فِيهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمَا اقْتِفَاءُ
أَثَرِ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْهِدَايَةِ،
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمُقَوَّمِ
وَاَلَّذِي لَمْ يُوجِبُوهُ أَيْ الْمُثَنَّى حَمَلُوا الْعَدَدَ فِي
الْآيَةِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ زِيَادَةُ
الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ وَقَصْدُ
الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ لَا يُنَافِيهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ
دَاعِيَتَهُ وَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلْقَةِ لَا
بِمَا زَادَهُ التَّعْلِيمُ فَلَوْ كَانَ بَازِيًا صَيُودًا أَوْ
حَمَامًا يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ قُوِّمَ لَا بِاعْتِبَارِ
الصُّيُودِيَّةِ وَالْمَجِيءِ مِنْ بَعِيدٍ فَإِذَا كَانَ مَمْلُوكًا
كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يَزِيدُهُ
التَّعْلِيمُ وَقِيمَتُهُ لِلْجِنَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ
حَتَّى إذَا قَتَلَ بَازِيَ نَفْسِهِ الْمُعَلَّمَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ
غَيْرَ مُعَلَّمٍ، وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِأَمْرِ خِلْقِيٍّ
كَمَا إذَا كَانَ طَيْرًا يُصَوِّتُ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ لِذَلِكَ
فَفِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي الْجَزَاءِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ
لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِي
شَيْءٍ وَفِي أُخْرَى يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ بِأَصْلِ
الْخِلْقَةِ كَالْحَمَامِ إذَا كَانَ مُطَوَّقًا (قَوْلُهُ: فِي
مَقْتَلِهِ أَوْ أَقْرَبَ مَكَان مِنْهُ) أَقُولُ كَلِمَةُ أَوْ
لِلتَّوْزِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ يَعْنِي أَنَّهُ يَقُومُ فِي مَكَانِ
قَتْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَفِي أَقْرَبِ
مَوْضِعٍ مِنْهُ لَهُ قِيمَةٌ فِيهِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ
زَمَانِ الْقَتْلِ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ
(1/247)
وَ) الْجَزَاءُ (فِي السَّبُعِ لَا يَزِيدُ
عَلَى شَاةٍ) وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا (ثُمَّ لَهُ) أَيْ
لِلْمُحْرِمِ (أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَدْيًا وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ
أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ
بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ
يَصُومَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا وَإِنْ فَضَلَ عَنْ
طَعَامِ مِسْكِينٍ) طَعَامُ الْمِسْكِينِ نِصْفُ صَاعٍ وَمَا فَضَلَ
يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ (تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بِمَا فَضَلَ (أَوْ
صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ وَيَجِبُ مَا نَقَصَ بِجَرْحِهِ وَنَتْفِ
شَعْرِهِ وَقَطْعِ عُضْوِهِ) أَيْ وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ
شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ اعْتِبَارًا
لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (وَتَجِبُ
الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةِ الصَّيْدِ كَامِلَةً (بِنَتْفِ رِيشِهِ
وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ) حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ؛
لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ
فَيَضْمَنُ جَزَاءَهُ (وَكَسْرِ بَيْضِهِ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ
قِيمَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَالْجَزَاءُ فِي السَّبُعِ لَا
يَزِيدُ عَلَى شَاةٍ) هَذَا بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى
لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ تَجِبُ قِيمَتُهُ
بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ يَعْنِي عَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ
لِمَالِكِهِ مُطْلَقًا وَقِيمَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا تُجَاوِزُ
قِيمَةَ شَاةٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَهُ أَيْ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ. . .
إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي أَحَدِ الْأُمُورِ
الثَّلَاثَةِ لِلْقَاتِلِ لَا لِمَنْ قَوَّمَ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ،
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الصَّيْدُ مِمَّا لَا
مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ الْخِيَارُ إلَى الْحُكْمَيْنِ وَفِي
مَالِهِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ لَا خِيَارَ فِيهِ لِلْحُكْمَيْنِ
وَيَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ مِثْلُ الْمَقْتُولِ، فِي النَّعَامَةِ
بَدَنَةٌ وَحِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَهَكَذَا كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُهُ بِمَكَّةَ) أَيْ بِالْحَرَمِ،
وَإِذَا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ جَازَ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى
مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ لِوُجُودِ الْقُرْبَةِ
بِالْإِرَاقَةِ فِي مَكَانِهَا، وَلَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ لَا
يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ فَقِيرٍ قَدْرَ قِيمَةِ نِصْفِ
صَاعِ بُرٍّ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّحْمِ مِثْلَ قِيمَةِ
الْمَقْتُولِ فَبِهَا وَإِلَّا فَيُكْمِلُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ
مِنْ الْجَزَاءِ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَيَجُوزُ
عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمُ أَحَبُّ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ
الْجَزَاءِ غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ:
أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ) وَالْإِبَاحَةُ
تَكْفِي فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي الْإِطْعَامِ كَالتَّمْلِيكِ
صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا يَكْفِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ
وَيَجُوزُ دَفْعُ قِيمَةِ نِصْفِ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ قِيَاسًا عَلَى
الْفِطْرِ (قَوْلُهُ: لَا أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ لَا يَجْزِيهِ لَوْ
دَفَعَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا، وَكَذَا مَا
أَعْطَاهُ زَائِدًا عَنْ نِصْفِ صَاعٍ لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ وَيَقَعُ
الزَّائِدُ تَطَوُّعًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِ مِثْلِهِ، وَقَدْ حَقَّقْنَا
فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ
الصَّاعِ عَلَى مَسَاكِينَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْقَائِلَ
بِالْمَنْعِ الْكَرْخِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا
خُصُوصًا وَالنَّصُّ هُنَا مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ فَضَلَ عَنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ) الضَّمِيرُ فِيهِ
رَاجِعٌ لِلطَّعَامِ وَهُوَ فَاعِلُ فَضَلَ أَيْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ
نِصْفِ صَاعٍ (قَوْلُهُ: نِصْفِ صَاعٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ طَعَامِ
مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ: أَوْ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ) كَذَا الْحُكْمُ
لَوْ كَانَ الْجَزَاءُ لَا يَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ تَخَيَّرَ إنْ شَاءَ
تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ كَمَا فِي
الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ الْجَمْعُ هُنَا بَيْنَ الصَّوْمِ
وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ
أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ فِي الْجَزَاءِ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ
الْيَمِينِ فَالصَّوْمُ بَدَلٌ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَلَا
يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي
كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ مَا نَقَصَ بِجَرْحِهِ
وَنَتْفِ شَعْرِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا بَرِئَ وَبَقِيَ
أَثَرُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوَالِ
الْمُوجِبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ لِلْأَلَمِ
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ
فَنَبَتَ لَهُ سِنٌّ أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ، وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ
مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ
بِخِلَافِ جَرْحِ الْآدَمِيِّ إذَا انْدَمَلَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ
أَثَرٌ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِزَوَالِ الشَّيْنِ اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الظَّاهِرُ إطْلَاقُ لُزُومِ أَرْشِ
النَّقْصِ. اهـ.
قُلْت يَعْنِي الظَّاهِرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهُ لَا
أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِذَا قَالَ أَخُوهُ الشَّيْخُ عُمَرُ
صَاحِبُ النَّهْرِ إنَّ كَلَامَ الْبَدَائِعِ هُوَ الْمُنَاسِبُ
لِلْإِطْلَاقِ اهـ، وَلَوْ غَابَ لَمْ يَدْرِ مَاتَ أَوْ لَا لَزِمَ
كُلُّ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ: وَقَطْعِ عُضْوِهِ) أَيْ
يَجِبُ مَا نَقَصَ بِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ حَيِّزِ
الِامْتِنَاعِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ
أَخْرَجَهُ لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ
الْإِصْلَاحَ فَإِنْ قَصَدَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا خَلَّصَ
حَمَامَةً مِنْ سِنَّوْرٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ أَوْ خَيْطًا مِنْ
رِجْلِهِ فَقُطِعَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي كُلِّ فِعْلٍ
قَصَدَ بِهِ الْإِصْلَاحَ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ
وَإِنْ جَرَحَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَجَبَ قِيمَتُهُ
وَسَقَطَ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَفَّرَ أَوَّلًا كَفَّرَ
ثَانِيًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ
رِيشِهِ) أَيْ إذَا كَانَ يَمْتَنِعُ بِهِ الطَّيَرَانُ فَلَوْ كَانَ
لَا يَمْتَنِعُ بِهِ كَالنَّعَامَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ النَّقْصَ
بِنَتْفِ رِيشِهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِجَرْيِهَا مَعَ
مُسَاعَدَةِ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا (قَوْلُهُ:
وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ) يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ
كُلِّ الْقَوَائِمِ، بَلْ إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا وَفَاتَ بِهِ
الِامْتِنَاعُ وَجَبَ الْجَزَاءُ فَلْيُنْظَرْ اهـ، وَإِذَا قَتَلَ
الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ قَالَ فِي
الْوَجِيزِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ
قَبْلَ التَّكْفِيرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: عَنْ حَيِّزِ
الِامْتِنَاعِ) الْحَيِّزُ يُشَدَّدُ وَيُخَفَّفُ وَهُوَ الْجِهَةُ
كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَكَسْرِ بَيْضِهِ) كَذَا
بِشَيِّهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهُ
(1/248)
الْبَيْضِ بِكَسْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ
الصَّيْدِ وَلَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ صَيْدًا فَنُزِّلَ
مَنْزِلَتَهُ احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ
صَارَ مَذِرَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَكَسْرِهِ وَخُرُوجِ
فَرْخٍ مَيِّتٍ) يَعْنِي إذَا خَرَجَ بَعْدَ كَسْرِ الْبَيْضِ فَرْخٌ
مَيِّتٌ يَجِبُ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا
تَخْلُو مِنْ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَمَاتَ بِالْكَسْرِ
أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ
بِسَبَبِ الْكَسْرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ
فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ
الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ عَلَيْهِ
قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ
مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ وَالْكَسْرُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ
لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا كَذَا فِي
الْعِنَايَةِ (وَذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ) أَيْ يَجِبُ
عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَسَيَجِيءُ فَائِدَةُ
التَّقْيِيدِ بِالْحَلَالِ (وَحَلْبِهِ) أَيْ يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَبَ
صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةُ لَبَنِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ
الصَّيْدِ فَأَشْبَهَ كُلَّهُ
(وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِمَّا
يُنْبَتُ) أَيْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ (وَلَوْ)
كَانَ ذَلِكَ الشَّجَرُ (مَمْلُوكًا) إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ
فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ غَيْرُ مَمْلُوكٍ غَيْرُ
مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا إنَّ
حَشِيشَ الْحَرَمِ وَشَجَرَهُ عَلَى نَوْعَيْنِ شَجَرٌ أَنْبَتَهُ
النَّاسُ وَشَجَرٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى
نَوْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ
النَّاسُ أَوْ لَا يَكُونُ وَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ
الْجَزَاءَ وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ وَإِنَّمَا
الْجَزَاءُ فِي الثَّانِي مِنْهُ وَهُوَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ
وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ
يَكُونَ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ بِأَنْ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أَوْ لَمْ
يَكُنْ حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غِيلَانٍ
فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِي مَاءٍ أَوْ دَفَنَهُ فِي تُرَابٍ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِمَا
قَالَ فِي الْفَتْحِ لَوْ نَفَّرَ طَيْرًا عَنْ بَيْضِهِ حَتَّى فَسَدَ
أَوْ وَضَعَ بَيْضَ الصَّيْدِ تَحْتَ الدَّجَاجِ فَفَسَدَ لَزِمَهُ
الْجَزَاءُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ وَطَارَ لَا يَلْزَمُهُ
شَيْءٌ اهـ.
وَهَلْ قَوْلُهُ: وَطَارَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ أَوْ اتِّفَاقِيٌّ
فَلْيُنْظَرْ (تَنْبِيهٌ) إذَا شَوَى الْبَيْضَ أَوْ الْجَرَادَ
وَضَمِنَهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِأَكْلِهِ
سَوَاءٌ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ
إلَى الذَّكَاةِ فَلَا يَصِيرُ مَيْتَةً وَلِهَذَا يُبَاحُ أَكْلُ
الْبَيْضِ قَبْلَ شَيِّهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. اهـ.
قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ مِنْ
الصَّيْدِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَمْ يَجِبْ
عَلَيْهِ شَيْءٌ) شَامِلٌ لِبَيْضِ النَّعَامَةِ فَإِذَا فَسَدَ لَا
شَيْءَ بِكَسْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ فَانْتَفَى بِهَذَا مَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إذَا
كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ مَذِرَةٍ وَجَبَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ
لِقِشْرِهَا قِيمَةٌ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ نَعَامَةٍ لَا يَجِبُ
شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْإِحْرَامِ لَيْسَ
مَنْهِيًّا عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْقِشْرِ، بَلْ لِلصَّيْدِ فَقَطْ
وَلَيْسَ لِلْمِذَرَّةِ عَرْضِيَّةُ الصَّيْدِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَسْرِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ) لَا يَخْفَى مَا فِي
إطْلَاقِ الْمَتْنِ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ
بِخُرُوجِ الْفَرْخِ مَيِّتًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَقْسِيمِ
الْمَسْأَلَةِ شَرْحًا مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ
(قَوْلُهُ: وَذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ) أَقُولُ إنَّمَا
خَصَّ لُزُومَ الْجَزَاءِ بِالْقَتْلِ لِيُخْرِجَ إشَارَةَ غَيْرِ
الْمُحْرِمِ إلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا
الْجَزَاءُ عَلَى الْقَاتِلِ.
وَقَالَ زُفَرُ عَلَى الدَّالِّ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ
(قَوْلُهُ: أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ) بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ
لِرُجُوعِهِ إلَى الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ وَعَبَّرْنَا بِالْمَقْتُولِ
إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَبْحَ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ
أَكْلُهُ وَيَكُونُ مَيْتَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ فِي
قَوْلِهِ لَوْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِنْ صَيْدِ ذَبَحَهُ غَرِمَ قِيمَةَ
مَا أَكَلَ مَعَ ضَمَانِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ
وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ
(قَوْلُهُ: وَشَجَرِهِ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ) أَقُولُ وَالشَّجَرَةُ
الَّتِي بَعْضُ أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ فَهِيَ كَاَلَّتِي جَمِيعُ
أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتُعْتَبَرُ
أَغْصَانُهَا فِي حَقِّ صَيْدٍ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى
غُصْنٍ مِنْهَا فِي الْحِلِّ حَلَّ صَيْدُهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ؛
لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَحَلِّ قِيَامِ الصَّيْدِ فَلَوْ كَانَ
رَأْسُهُ فِي الْحِلِّ وَقَوَائِمُهُ فِي الْحَرَمِ فَضَرَبَ فِي
رَأْسِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ كَانَ بِعَكْسِهِ لَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
وَقَيَّدَ بِقَطْعِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ وَرَقِ شَجَرِ
الْحَرَمِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ
كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَمْلُوكًا) إشَارَةٌ إلَى
أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ غَيْرَ
مَمْلُوكَةٍ غَيْرُ مُفِيدٍ أَقُولُ مَنْعُ الْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ
لِمَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إنْ قَيَّدَ غَيْرَ الْمَمْلُوكَةِ
لِإِفَادَةِ عَدَمِ تَعَدُّدِ الْقِيمَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا
قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ بِسَبَبِ تَعَلُّقِ الْحَرَمِ اهـ، ثُمَّ أَقُولُ
فِي كُلٍّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ قُصُورٌ
مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ صَدْرِ
الشَّرِيعَةِ مَتْنًا حُكْمُ الْمَمْلُوكَةِ هَلْ يَكُونُ الضَّمَانُ
مُتَعَدِّدًا أَوْ لَا وَلَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ
الدُّرَرِ مَتْنًا إلَّا لُزُومُ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ
الْمَقْطُوعُ مَمْلُوكًا أَوْ لَا وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فِي
الْمَمْلُوكِ كَمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ
وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي
يُنْبِتُهُ النَّاسُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ
وَمَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ
الْتَحَقَ بِمَا يَنْبُتُ عَادَةً فَكَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقِّ
الْأَمْنِ إلْحَاقًا بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بِجَامِعِ انْقِطَاعِ
كَمَالِ النِّسْبَةِ إلَى الْحَرَمِ عِنْدَ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ
بِالْإِنْبَاتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَإِذَا كَانَ
الْجَزَاءُ مُنْتَفِيًا فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْأَقْسَامِ
لَا يَنْتَفِي ضَمَانُهَا لِمَالِكِهَا لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً كَمَا
هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَبِهِ صَرَّحَ
الْبُرْجَنْدِيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى قَالُوا
فِي رَجُلٍ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غِيلَانٍ. . . إلَخْ) كَذَا
مِثْلُهُ
(1/249)
فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِمَالِكِهَا
وَعَلَيْهِ قِيمَةٌ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ (إلَّا مَا جَفَّ)
حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غُرْمٍ (وَلَا صَوْمَ فِي
الْأَرْبَعَةِ) أَيْ لَا يَصُومُ فِي ذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ
الْحَرَمِ وَحَلْبِهِ وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ بَدَلَ
الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ هَاهُنَا مِنْ الْقِيمَةِ غَرَامَةٌ
وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فَلَا
يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَبْحَ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ
الذَّابِحَ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا تَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ
ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَلَا يُرْعَى الْحَشِيشُ) مِنْ الْحَرَمِ
(وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ
شَوْكُهَا» ، وَأَمَّا الْإِذْخِرُ فَقَدْ اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ قَطْعُهُ
وَرَعْيُهُ (وَالْكَمْأَةُ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ
النَّبَاتِ
(وَ) تَجِبُ (صَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ
النَّبَاتَ يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ فَكَيْفَ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَعْدَ
ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَرَمَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ
فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ: وَقِيمَةٌ أُخْرَى ضَمَانًا
لِمَالِكِهِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ
الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» مَحْمُولٌ عَلَى خَارِجِ الْحَرَمِ،
وَأَمَّا حُكْمُ الْحَرَمِ فَبِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامُ
التَّعَرُّضِ بِالنَّصِّ كَصَيْدِهِ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى
قَوْلِ مَنْ يَرَى تَمَلُّكَ أَرْضِ الْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُتَصَوَّرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ
عِنْدَهُ تَمَلُّكُ أَرْضِ الْحَرَمِ، بَلْ هِيَ سَوَائِبُ وَأَرَادَ
بِالسَّوَائِبِ الْأَوْقَافَ وَإِلَّا فَلَا سَائِبَةَ فِي
الْإِسْلَامِ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا قَطَعَ الْمَالِكُ
أُمَّ غِيلَانٍ مِنْ أَرْضِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى مَا ذُكِرَ أَنْ
يَجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلَّهِ إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ
فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ
عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاءِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي
أُمِّ غِيلَانٍ تَنْبُتُ فِي الْحَرَمِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ لَيْسَ
لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَطْعُهُ وَلَا قَلْعُهُ، وَلَوْ قَلَعَهُ
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ اهـ، وَإِذَا لَزِمَ الْقَاطِعَ
الْقِيمَةُ مَلَكَهُ وَكُرِهَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَيْعًا
وَغَيْرَهُ لِتَطَرُّقِ النَّاسِ لِذَلِكَ فَيُؤَدِّي إلَى
اسْتِئْصَالِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَلَوْ بَاعَهُ جَازَ لِلْمُشْتَرِي
الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ النَّمَاءِ بِخِلَافِ
صَيْدِ الْحَرَمِ فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَدَّى
قِيمَتَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا
جَفَّ) أَيْ مِنْ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ
بِلَا غُرْمٍ وَصَرَّحْنَا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ بِقَطْعِ الْجَافِّ
مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ
وَغَيْرِهِ فَقَالَ وَحَرُمَ قَطْعُ مَا نَبَتَ فِي الْحَرَمِ مِنْ
شَجَرٍ وَكَلَأٍ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالْجَافَّ اهـ.
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ
شَجَرَهُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ
النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ
حُرْمَتَهَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ،
ثُمَّ قَالَ «وَمَا جَفَّ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ لَا ضَمَانَ فِيهِ» ؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ وَلَا يُرْعَى حَشِيشُ الْحَرَمِ وَلَا
يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ فِي حَاصِلِ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ النَّابِتَ
فِي الْحَرَمِ إمَّا إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَدْ جَفَّ أَوْ
انْكَسَرَ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَى أَنْ قَالَ وَاَلَّذِي
فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا
يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَلَا مُنْكَسِرًا وَلَا جَافًّا وَلَا إذْخِرًا
وَلَا بُدَّ فِي إخْرَاجِ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ مِنْ
دَلِيلٍ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِذْخِرَ خَرَجَ
بِالنَّصِّ وَمَا أَثْبَتُوهُ بِقِسْمَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا
الْجَافُّ وَالْمُنْكَسِرُ فَفِي مَعْنَاهُ فَاعْلَمْ أَنَّ
الْأَلْفَاظَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الْبَابِ الشَّجَرُ
وَالشَّوْكُ وَالْخَلَا فَالْخَلَا الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَإِ، وَكَذَا
الشَّجَرُ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ
فَهُوَ حَطَبٌ وَالشَّوْكُ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ يُقَالُ
عَلَى الرَّطْبِ وَالْجَافِّ فَلْيَحْلِلْ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ
دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ اهـ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مُعَوَّلَ
عَلَى مَا فَرَّقَ بِهِ الْبُرْجَنْدِيُّ بَيْنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَإِ
حَيْثُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ
الْكَلَأُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَوْ مُنْبَتًا أَوْ جَافًّا
لَا يَكُونُ فِيهِ الْجَزَاءُ لِحَقِّ الْحَرَمِ لَكِنْ الْمَذْكُورُ
فِي الْكُتُبِ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَإِ مُطْلَقًا يُوجِبُ الْجَزَاءَ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّجَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَيُمْكِنُ
حَمْلُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ بِأَنْ
يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ
مَعًا اهـ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ أَيْ مَتْنِ الْوِقَايَةِ أَوْ
قَطْعِ حَشِيشِهِ أَوْ شَجَرِهِ إلَّا مَمْلُوكًا أَوْ مُنْبَتًا أَوْ
جَافًّا اهـ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ سَنَدَهُ
قَوْلُهُ: إنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكُتُبِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ
بِقَطْعِ الْكَلَإِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ
تَقْيِيدِهِ فِي الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ
وَالْبَحْرِ، بَلْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي
يَظْهَرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَدْلُولِ لَفْظِ الْحَشِيشِ
وَالْجَوَابُ عَنْهُ يُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ
اللُّغَةِ الْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ
الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مَجَازًا وَسُمِّيَ الرَّطْبُ
حَشِيشًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا
يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ) قَالَ فِي الْبَحْرِ
الْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ وَاخْتِلَاؤُهُ قَطْعُهُ وَالْعَضَدُ
قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.
وَفِي الْفَتْحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الْخَلَا هُوَ الرَّطْبُ مِنْ
الْكَلَإِ (قَوْلُهُ: وَالْكَمْأَةَ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَ
الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا تَبْقَى
فَأَشْبَهَتْ الْيَابِسَ مِنْ النَّبَاتِ اهـ فَفِيهِ نَصٌّ عَلَى
جَوَازِ قَطْعِ الْحَشِيشِ الْيَابِسِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِمَا
قَدَّمَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ
شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا مَا جَفَّ فَلَا
ضَمَانَ فِيهِ وَيَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ
وَلَيْسَ بِنَامٍ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لِمَا
يَكُونُ نَامِيًا فِيهِ اهـ، وَلَوْ قَدَّرَ كَوْنَهَا أَيْ
الْكَمْأَةِ نَبَاتًا كَانَتْ مِنْ الْجَافِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: وَصَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ) يَعْنِي،
وَقَدْ أَخَذَهَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَيَتَصَدَّقُ لِقَضَاءِ
(1/250)
أَوْ جَرَادَةٍ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ
غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ وَعَقْرَبٍ وَحَيَّةٍ وَفَأْرَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ)
قَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ
بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ (وَبَعُوضٍ وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ
وَسُلَحْفَاتٍ وَلَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ
وَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ وَأَكْلُ مَا صَادَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
التَّفَثِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ حَتَّى لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً
سَاقِطَةً عَلَى الْأَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي
التَّبْيِينِ، وَلَوْ قَتَلَ قَمْلَةَ غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ
كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي
غَيْرِهَا مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَيْسَ فِي
قَتْلِ قَمْلَةِ الْغَيْرِ إزَالَةُ التَّفَثِ عَنْ الْقَاتِلِ فَلَا
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ.
وَإِلْقَاءُ قَمْلِ نَفْسِهِ وَإِشَارَتُهُ إلَيْهِ مُوجِبٌ
لِلصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَالْقَمْلَتَانِ وَالثَّلَاثُ كَالْوَاحِدَةِ
فِي الْجَزَاءِ وَفِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّالِثِ بَالِغًا مَا بَلَغَ
نِصْفُ صَاعٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ
خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتَاوَى كَقَاضِي خَانْ أَنَّ الْعَشَرَةَ
فَمَا فَوْقَهَا كَثِيرٌ فَيَجِبُ بِهِ نِصْفُ صَاعٍ، وَهَذَا إذَا
قَتَلَهَا قَصْدًا أَوْ أَلْقَى ثَوْبَهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ غَسَلَهَا
لِقَصْدِ قَتْلِهَا، وَلَوْ أَلْقَاهُ لَا لِقَتْلِهَا فَمَاتَتْ لَا
شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ مِثْلُهُ، ثُمَّ نُقِلَ
خِلَافُهُ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ وَهُوَ نَفْيُ الْجَزَاءِ
بِإِلْقَاءِ ثَوْبِهِ فِي الشَّمْسِ وَنَحْوِهَا لِقَتْلِ الْقَمْلِ
(قَوْلُهُ: أَوْ جَرَادَةٍ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ
تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرَادِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ
كَالْقَمْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَمْلِ فَفِي الثَّلَاثِ
وَمَا دُونَهَا يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ وَفِي الْأَرْبَعِ فَأَكْثَرَ
يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ صَاعٍ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ.
. . إلَخْ) .
أَطْلَقَ نَفْيَ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الْمَذْكُورَاتِ فَأَفَادَ عَدَمَ
اسْتِيعَابِ جَزَاءٍ بِقَتْلِهَا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا
أَوْ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ
الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَخْلِطُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ
بِالْأَذَى، أَمَّا الْعَقْعَقُ فَغَيْرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا
يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ
وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى قِيلَ
لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ، وَقِيلَ فَعَلَى هَذَا
يَكُونُ فِي قَوْلِهِ فِي الْعَقْعَقِ وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى
نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ كَذَا فِي
الْعِنَايَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ النَّظَرِ أَنَّ فِي الْعَقْعَقِ
رِوَايَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الصَّيُودِ كَذَا فِي
مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْهِدَايَةِ
وَغُرَابُ الزَّرْعِ لَا يُقْتَلُ وَيَرْمِيهِ الْمُحْرِمُ
لِيُنَفِّرَهُ عَنْ الزَّرْعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ:
وَحِدَأَةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ
الْحِدَأُ اهـ، وَبِفَتْحِ الْحَاءِ فَأْسٌ يُنْقَرُ بِهَا
الْحِجَارَةُ لَهَا رَأْسَانِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَفِي شَرْحِ
النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا
وَفَتْحِ الدَّالِ بِلَا مَدٍّ طَائِرٌ يَصِيدُ الْفَأْرَ
وَالْجَرَادَ.
(قَوْلُهُ: وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزِ وَاحِدَةُ الْفَأْرِ وَجَمْعُهُ
فِيرَانٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِهَمْزَةٍ
سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّسْهِيلُ اهـ.
وَلَا شَيْءَ فِيهَا أَهْلِيَّةً أَوْ وَحْشِيَّةً وَالسِّنَّوْرُ
كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي
رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا كَانَ مِنْهُ بَرِّيًّا فَهُوَ
مُتَوَحِّشٌ كَالصَّيُودِ يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ كَذَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: قَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.
. . إلَخْ) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَوَابَ سُؤَالٍ
مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الذِّئْبَ فِي الْمَتْنِ
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَيْ وَفِي
بَعْضِهَا لَمْ يُذْكَرْ فَاقْتَفَى أَثَرَ الَّتِي لَمْ تَذْكُرْهُ
أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ فَهُوَ نَصٌّ
عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الذِّئْبُ لَا يُعْلَمُ
حُكْمُ الْكَلْبِ نَصًّا فَيَلْحَقُ بِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ،
وَلَكِنْ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ صَرَّحَا بِعَدَمِ شَيْءٍ
بِقَتْلِ الذِّئْبِ وَالْكَلْبِ، وَإِذَا أُرِيدَ بِالْكَلْبِ
الْعَقُورِ الذِّئْبُ يَكُونُ مُكَرَّرًا فِي كَلَامِهِمَا وَلَعَلَّ
هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي عَدَمِ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ مَتْنًا
أَيْضًا، هَذَا وَقَدْ فَرَّقَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ الْكَلْبِ
وَالذِّئْبِ فَلَمْ يُجْعَلْ الذِّئْبُ مِنْ الْفَوَاسِقِ كَمَا
نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ اهـ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ
أَنَّ السِّبَاعَ كُلَّهَا صَيْدٌ إلَّا الذِّئْبَ وَالْكَلْبَ كَذَا
فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبَعُوضٍ) قَالَ فِي
الْبَحْرِ الْبَعُوضُ صِغَارُ الْبَقِّ الْوَاحِدَةُ بَعُوضَةٌ
بِالْهَاءِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا كَبَعْضِ
الْبَقَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَثَلا مَا بَعُوضَةً} [البقرة:
26] كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحَلُومِ اهـ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ
الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالسُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ
الْعَيْنِ وَاحِدَةُ السَّلَاحِفِ مِنْ خَلْقِ الْمَاءِ وَيُقَالُ
أَيْضًا سُلَحْفِيَةٌ بِالْيَاءِ
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ النَّمْلَ وَنَصَّ فِي
الْكَنْزِ كَمَا شَرَحَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِعَدَمِ شَيْءٍ بِقَتْلِهِ،
وَقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ الَّتِي
تُؤْذِي بِالْعَضِّ وَمَا لَا تُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ
لَا تُضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ
مِنْ الْبَدَنِ اهـ.
وَفِي الْغَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ لَيْسَ فِي الْقَنَافِذِ
وَالْخَنَافِسِ وَالْوَزَغِ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَلَمَةِ
وَصَيَّاحِ اللَّيْلِ وَالصَّرْصَرِ وَأُمِّ حَنِينٍ وَابْنِ عِرْسٍ
شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهِمَا
وَلَيْسَتْ بِصَيُودٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ اهـ،
وَقَالَ الْكَمَالُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَتْلِ الْقُنْفُذِ
رِوَايَتَانِ جَعَلَهُ نَوْعًا مِنْ الْفَأْرَةِ وَفِي أُخْرَى
جَعَلَهُ كَالْيَرْبُوعِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ.
وَفِي الْفَتَاوَى لَا شَيْءَ فِي ابْنِ عِرْسٍ خِلَافًا لِأَبِي
يُوسُفَ وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ لُزُومَ الْجَزَاءِ فِي الضَّبِّ
وَالْيَرْبُوعِ وَالسَّمُّورِ وَالسِّنْجَابِ وَالدَّلَقِ
وَالثَّعْلَبِ وَابْنِ عِرْسٍ وَالْأَرْنَبِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ
خِلَافٍ فِي شَيْءٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ
بِالْبَطِّ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ وَلَا
تَطِيرُ؛ لِأَنَّهَا أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالدَّجَاجِ،
وَأَمَّا الَّتِي تَطِيرُ فَصَيْدٌ فَيَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ
فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَامِيسُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ
فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ وَحْشِيٌّ وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ
مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ اهـ، وَلَوْ نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ
يَلْحَقُ وَلَدُهَا بِهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ
(1/251)
حَلَالٌ وَذَبْحُهُ بِلَا دَلَالَةِ
مُحْرِمٍ وَأُمِرَ بِهِ حَلَالٌ دَخَلَ الْحَرَمَ) .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ إلَى
آخِرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهُوَ حَلَالٌ حَتَّى يَظْهَرَ
خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ فِي الْمُحْرِمِ لَا يَتَوَقَّفُ
وُجُوبُ الْإِرْسَالِ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ
عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ بِالِاتِّفَاقِ
وَلِهَذَا قُلْت حَلَالٌ دَخَلَ الْحَرَمَ (بِصَيْدٍ فِي يَدِهِ) أَيْ
يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ حَتَّى إذَا كَانَ
فِي رَحْلِهِ أَوْ قَفَصِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ ذَكَرَهُ
تَاجُ الشَّرِيعَةِ (أَرْسَلَهُ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ
(وَرَدَّ بَيْعَهُ) أَيْ الْبَيْعَ الَّذِي أَتَى بِهِ بَعْدَ
دُخُولِهِ فِي الْمَحْرَمِ (إنْ بَقِيَ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي
(وَإِلَّا جَزَى) أَيْ أَعْطَى قِيمَتَهُ (كَبَيْعِ الْمُحْرِمِ
صَيْدَهُ) أَيْ يَرُدُّ الْمُحْرِمُ الْبَيْعَ إنْ كَانَ قَائِمًا
وَتَجِبُ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ فَائِتًا سَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ مُحْرِمٍ
أَوْ حَلَالٍ (لَا صَيْدًا) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ أَرْسَلَهُ (فِي
بَيْتِهِ أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ إنْ أَحْرَمَ) أَيْ إنْ أَحْرَمَ وَفِي
بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ؛
لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الصَّيْدِ
وَمُحَافَظَتَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنْ صِيدَ
فِيهَا صَارَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَيَجِبُ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ
(أَرْسَلَ صَيْدًا فِي يَدِ مُحْرِمٍ إنْ أَخَذَهُ حَلَالٌ ضَمِنَ
وَإِلَّا فَلَا، قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ مِثْلِهِ يُجْزِي كُلٌّ)
لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ
وَالْقَاتِلُ مُقَرِّرٌ لِذَلِكَ وَالتَّقْرِيرُ كَالِابْتِدَاءِ فِي
حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا
رَجَعُوا (وَيَرْجِعُ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ
بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى
مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُحَالُ بِالضَّمَانِ إلَيْهِ
(مَا بِهِ دَمٌ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَذَبْحُهُ بِلَا دَلَالَةٍ) شُرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ
دَالًّا عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ
بِالدَّلَالَةِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا كَانَ
فِي رَحْلِهِ أَوْ فِي قَفَصِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ
ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَزْمُهُ
بِعَدَمِ الْإِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِيمَا إذَا كَانَ
الْقَفَصُ لَيْسَ فِي يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي
يَدَيْهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ
الْجَارِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَحْرَمَ
وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَفَادَ
ضَعْفَ الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْإِرْسَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ
فِي يَدَيْهِ حَيْثُ قَالَ، وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ
قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، وَقِيلَ
إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى
وَجْهٍ لَا يَضِيعُ اهـ، وَكَذَلِكَ فِي التَّبْيِينِ وَجَعَلَ فِي
الْبَحْرِ حُكْمَ دَاخِلِ الْحَرَمِ بِالصَّيْدِ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ
أَحْرَمَ فَقَالَ قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْكَنْزِ، وَمَنْ دَخَلَ
الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ أَرَادَ بِهِ مَا إذَا دَخَلَ بِهِ
وَهُوَ مُمْسِكٌ لَهُ بِيَدِهِ الْجَارِحَةِ؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ
بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا
يُرْسِلُهُ فَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَمَعَهُ صَيْدٌ فِي
قَفَصِهِ لَا فِي يَدِهِ لَا يُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ
بَيْنَهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ
إرْسَالِهِ تَسَيُّبَهُ؛ لِأَنَّ تَسَيُّبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ، بَلْ
يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ
بِهَذَا الْإِرْسَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَلَهُ أَنْ
يُمْسِكَهُ، وَلَوْ أَخَذَهُ إنْسَانٌ يَسْتَرِدُّهُ وَأَطْلَقَ فِي
الصَّيْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْجَوَارِحِ أَوْ لَا فَلَوْ
دَخَلَ الْحَرَمَ وَمَعَهُ بَازِي فَأَرْسَلَهُ فَقَتَلَ حَمَامَ
الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ
الْوَاجِبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ
(قَوْلُهُ: وَرَدَّ بَيْعَهُ. . . إلَخْ) لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ رَدِّ
الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَمَا
أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَبَاعَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ
بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَا يَخْلُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ
ذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إشَارَةٌ بِقَوْلِهِ رَدَّ الْبَيْعَ إلَى
أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ. اهـ.
قُلْت وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ فَإِنْ بَاعَ
الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَسَدَ الْبَيْعُ اهـ،
وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْبَيْعُ فَاسِدٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ
(قَوْلُهُ: أَرْسَلَ صَيْدًا فِي يَدِ مُحْرِمٍ إنْ أَخَذَهُ حَلَالٌ
ضَمِنَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ
أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَلَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ
تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْوِيتِ يَدِهِ
الْحَقِيقِيَّةِ لَا مُطْلَقِ يَدِهِ، فَإِنْ ادَّعَيَا الثَّانِيَ
مَنَعْنَاهُ أَوْ الْأَوَّلَ سَلَّمْنَاهُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ
بِإِرْسَالِهِ، وَلَوْ فِي قَفَصٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْقِيَاسُ،
وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ
أَتْلَفَ الْمَعَازِفَ اهـ.
وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ،
أَمَّا لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ الْحُكْمِيَّةِ فَهُوَ ضَامِنٌ اتِّفَاقًا
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا
يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ الْيَدُ
الْحَقِيقِيَّةُ وَالْحُكْمِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ
مُحْرِمًا؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مَا.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمُحْرِمُ لَا
يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِيَّةِ
كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا
السَّبَبُ الْجَبْرِيُّ فَيَمْلِكُهُ بِهِ كَمَا إذَا وَرِثَ
الْمُحْرِمُ مِنْ قَرِيبِهِ صَيْدًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ،
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ
عَلَيْهِ الْمُحْرِمُ بِمَا غَرِمَهُ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ
شَيْءٌ بِالْقَتْلِ يَلْزَمُهُ مَا قَرَّرَهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى
الْمُحْرِمِ، ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ لَوْ
كَفَّرَ بِالْمَالِ، وَأَمَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَلَا يَرْجِعُ
عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا كَذَا فِي
التَّبْيِينِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاتِلِ صَبِيًّا أَوْ
نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ كَمَا
فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: مَا بِهِ دَمٌ عَلَى
(1/252)
الْمُفْرِدِ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ
دَمَانِ) دَمٌ لِحَجِّهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ (إلَّا بِجَوَازِ
الْمِيقَاتِ غَيْرُ مُحْرِمٍ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عِنْدَ
الْمِيقَاتِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَيْخِ
الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ فِيمَا إذَا
كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَفِي
الْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ
الْمَحْظُورَاتِ دَمٌ وَاحِدٌ (يُثَنَّى جَزَاءُ صَيْدٍ قَتَلَهُ
مُحْرِمَانِ) فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ
(وَيَتَّحِدُ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ حَلَالَانِ) فَإِنَّ
جَزَاءَ صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ الْمَحِلِّ وَهُوَ وَاحِدٌ
(بَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ وَحَرُمَ ذَبْحُهُ
وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ لَا مُحْرِمٌ لَمْ يَذْبَحْهُ) أَيْ لَوْ
أَكَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ لَمْ يَغْرَمْ فَقَوْلُهُ لَا مُحْرِمٌ عَطْفٌ
عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْمُفْرِدِ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ) كَذَا الصَّدَقَةُ
تَتَعَدَّدُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ
الْهَدْيَ أَيْ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَيْضًا كَالْقَارِنِ فِي
تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ، وَهَذَا أَيْ التَّعَدُّدُ إنَّمَا نَعْنِي بِهِ
الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ
كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالتَّعَرُّضِ
لِلصَّيْدِ، أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَلَا كَتَرْكِ
الرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمِثْلُهُ
الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَإِمْدَادُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى
الْغُرُوبِ (قَوْلُهُ: إلَّا بِجَوَازِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ)
قَالَ فِي الْبَحْرِ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ
فِيمَا لَزِمَ الْمُفْرِدَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِهِ
وَبِالْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا
لِيَخْرُجَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ
بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا فَلَا
حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ.
قُلْت لَكِنْ ذَكَرَ لِبَيَانِ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى
الْقَارِنِ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ دَمَانِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي
التَّبْيِينِ وَأَوْرَدَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَسَائِلَ عَلَى
اقْتِصَارِهِمْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ
صَاحِبُ الْبَحْرِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ: نَقَلَ
الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. . . إلَخْ) كَذَا نَقَلَهُ
عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ
إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إنَّمَا بَقِيَ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا
غَيْرُ. اهـ. قُلْت وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ
كَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ إجْمَاعٌ وَغَيْرُهُ فِي عَدَمِ
تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ اهـ، وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ
نَقْلِهِ وَقَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ إحْرَامِ عُمْرَةِ
الْقَارِنِ بَعْدَ الْوُقُوفِ إلَى الْحَلْقِ فَلَا يَنْتَهِي إلَّا
بِهِ وَمَا فِي الْأَجْنَاسِ كَمَا نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ
مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ
يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ فَمُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ
بِانْتِهَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ وَعَلِمْت ضَعْفَهُ
اهـ.
(قَوْلُهُ: يُثَنَّى جَزَاءُ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ) لَيْسَ
الْمُثَنَّى قَيْدًا، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ التَّعَدُّدُ لِمَا قَالَ
فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَزَاءُ كَامِلًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جَزَاءُ
الْفِعْلِ) كَذَا فِي صَحِيحِ النُّسَخِ وَفِي غَيْرِهَا الْقَتْلُ
بِالْقَافِ وَالتَّاءِ وَلَيْسَ صَوَابًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا
يَتَعَدَّدُ بَلْ الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: وَيَتَّحِدُ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ
الْحَرَمِ حَلَالَانِ) هَذَا إذَا قَتَلَاهُ بِضَرْبَةٍ فَلَا شَكَّ
فِي لُزُومِ نِصْفِ الْجَزَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، أَمَّا إذَا
ضَرَبَهُ كُلٌّ ضَرْبَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مَا تَقْتَضِيهِ
ضَرْبَتُهُ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا
بِضَرْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ فِعْلِهِمَا جَمِيعُ
الصَّيْدِ صَارَ مُتْلَفًا بِفِعْلِهِمَا فَضَمِنَ كُلٌّ نِصْفَ
الْجَزَاءِ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْجَزَاءُ الَّذِي تَلِفَ
بِضَرْبَةِ كُلٍّ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِإِتْلَافِهِ فَعَلَيْهِ
جَزَاؤُهُ وَالْبَاقِي مُتْلَفٌ بِفِعْلَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا
ضَمَانُهُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ تَفَارِيعُ لِهَذِهِ يَنْبَغِي
عِلْمُهَا، وَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمُونَ وَمُحِلُّونَ فِي قَتْلِ
صَيْدِ الْحَرَمِ وَجَبَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهِمْ
وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُحْرِمٍ مَعَ مَا خَصَّهُ مِنْ ذَلِكَ جَزَاءٌ
كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ
وَكَافِرٍ يَجِبُ عَلَى الْحَلَالِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ
الْقَسْمِ لَوْ قُسِمَتْ عَلَى الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(تَنْبِيهٌ) لِحُدُودِ الْحَرَمِ عَلَامَاتٌ مَنْصُوبَةٌ فِي جَمِيعِ
جَوَانِبِهِ نَصَّبَهَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَكَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُرِيهِ
مَوَاضِعَهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِتَجْدِيدِهَا، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ
مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهِيَ إلَى الْآنَ، وَقَدْ
نَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ النُّوَيْرِيُّ
بِقَوْلِهِ
وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَهْ ... ثَلَاثَةُ
أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ
وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ ... وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ
تِسْعٌ جِعْرَانَهْ
وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهَا ... وَقَدْ كَمَلَتْ
فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ
وَفِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ
قُلْت يُغْنِي عَنْ الْبَيْتِ الثَّالِثِ مَا لَوْ جَعَلَ النِّصْفَ
وَالْأَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ الثَّانِي هَكَذَا
وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ ... وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ
تِسْعٌ جِعْرَانَهْ
وَلَيْسَ لِلْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ حَرَمٌ عِنْدَنَا فَيَجُوزُ
الِاصْطِيَادُ فِيهَا وَقَطْعُ حَشِيشِهَا وَرَعْيُهُ
(قَوْلُهُ: بَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ) هَذَا إذَا
اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ
وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَلَوْ اصْطَادَهُ
وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِذَا
اشْتَرَى حَلَالٌ مِنْ حَلَالٍ صَيْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى
أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ ذَبْحُهُ) أَيْ مَذْبُوحُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ
وَعَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ) هَذَا إذَا
كَانَ بَعْدَ أَدَاءِ ضَمَانِ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ، أَمَّا إذَا كَانَ
قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَلَا يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ
لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَهَذَا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا
أَكَلَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لَا مُحْرِمٌ لَمْ يَذْبَحْهُ)
(1/253)
ضَمِيرِ غَرِمَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ
(وَلَدَتْ ظَبْيَةٌ أُخْرِجَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَمَاتَا غَرِمَهُمَا)
أَيْ الظَّبْيَةَ وَالْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ
مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحِقَّ الْأَمْنِ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ
رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى
الْأَوْلَادِ كَمَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ وَالْكِتَابَةِ
وَنَحْوِهَا (وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ)
أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْوَلَدِ إذْ بَعْدَ أَدَاءِ جَزَاءِ
الْأُمِّ لَمْ تَبْقَ آمِنَةً؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ كَوُصُولِ
الْأَصْلِ
(آفَاقِيّ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) قَيَّدَ
بِإِرَادَتِهِمَا إذْ لَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ (وَجَاوَزَ مِيقَاتَهُ
لَزِمَهُ دَمٌ فَإِنْ عَادَ فَأَحْرَمَ أَوْ مُحْرِمًا) أَيْ إنْ عَادَ
إلَى الْمِيقَاتِ حَالَ كَوْنِهِ مُحْرِمًا فِي الطَّرِيقِ (لَمْ
يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ) وَإِنَّمَا قَالَ (وَلَبَّى) احْتِرَازًا عَنْ
قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا كَافٍ
لِسُقُوطِ الدَّمِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ
الْعَوْدِ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا (سَقَطَ) أَيْ الدَّمُ اللَّازِمُ
(وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ عَادَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ الَّذِي قَتَلَهُ
أَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ جِهَتَيْنِ لِكَوْنِهِ
مَيْتَةً وَتَنَاوَلَهُ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ
يَذْبَحْهُ فَإِنَّمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ
وَهُوَ كَوْنُهُ مَيْتَةً فَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَحْظُورَ
إحْرَامِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ سِوَى
التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: غَرِمَهُمَا) أَيْ الْمُخْرِجُ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا
أَوْ حَلَالًا (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَذَا فِي
الْهِدَايَةِ) وَقَالَ الْكَمَالُ هَذِهِ أَيْ كَوْنُهَا مُسْتَحِقَّةَ
الْأَمْنِ بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ
فَالتَّأْنِيثُ هُوَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ مِثْلُ زَيْدٍ هُوَ
هَدِيَّةٌ إلَيْك وَلَا يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ اكْتِسَابِ الْكَوْنِ
لِلتَّأْنِيثِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِمَّا لَا
يَصِحُّ حَذْفُهُ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِفَسَادِ
الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الظَّبْيَةِ وَلَا يَصِحُّ الظَّبْيَةُ
صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِخِلَافِ نَحْوِ شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنْ
الدَّمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا فَوَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ)
كَذَلِكَ كُلُّ زِيَادَةٍ فِيهَا مِنْ سِمَنٍ أَوْ شَعْرٍ إنْ كَانَ
قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَيَضْمَنُ الْأَصْلَ
وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَضْمَنُهَا، وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ أَوْ
الْأَوْلَادَ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ لِلْحَلَالِ
وَيُكْرَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: إذْ بَعْدَ جَزَاءِ
الْأُمِّ لَمْ تَبْقَ أَمِنَةً) الضَّمِيرُ فِي تَبْقَ لِلْأُمِّ أَيْ
انْتَفَى عَنْهَا اسْتِحْقَاقُ الْأَمْنِ بِأَدَاءِ ضَمَانِهَا؛
لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ وَهُوَ جَزَاؤُهَا إلَى مَا أَمَرَ بِهِ
الشَّارِعُ كَوُصُولِ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ
الْكَمَالُ بَحْثًا مِنْهُ، وَقَالَ هَذَا أَدْيَنُ لِلَّهِ بِهِ
وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ إنْ أَعْطَى الْجَزَاءَ وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى
إعَادَتِهَا إلَى الْحَرَمِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً وَلَا يَحِلُّ
بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ
بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ بَعْدَمَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ
بِالْجَزَاءِ عَنْ عُهْدَتِهَا وَيُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا بَعْدَ
أَدَاءِ الْجَزَاءِ وَالْهَرَبِ إذَا ظَفِرَ بِهَا لِشُبْهَةِ كَوْنِ
دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا
اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ اهـ، وَنَاقَشَهُ فِيهِ
صَاحِبُ الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: أَفَاقِيٌّ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) لَيْسَ
قَيْدُهُ مُعْتَبَرَ الْمَفْهُومِ لِمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا
(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِإِرَادَتِهِمَا) إذْ لَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا
مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ كَذَا
قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَلَيْسَ
بِصَحِيحٍ لِمَا نَذْكُرُ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ مَا تُوُهِّمَ مِنْ
الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَيْ
مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ
أَوْ الْعُمْرَةَ فَإِنْ دَخَلَ الْبُسْتَانُ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَنْ
يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ اهـ، وَهَذَا الْوَهْمُ مَدْفُوعٌ
لِمَا قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا إذَا
أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ يُوهِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا
ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ الدَّمُ
إلَّا أَنْ يَتَلَافَاهُ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْكُوفِيُّ
قَاصِدًا النُّسُكَ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ، بَلْ التِّجَارَةَ أَوْ
السِّيَاحَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ
بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي قَاصِدِي مَكَّةَ مِنْ
الْآفَاقِيِّينَ قَصْدُ النُّسُكِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا
أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إذَا أَرَادَ مَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ
بَعْدَ تَوْجِيهِهِ وَمُوجِبُ هَذَا الْحَمْلِ أَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ
نَاطِقَةٌ بِلُزُومِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ
قَصَدَ النُّسُكَ أَمْ لَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْ
صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ الْمَوَاقِيتِ، ثُمَّ قَالَ
الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِهِ وَلَا أَصْرَحُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، بَلْ
يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ قَصْدُ الْحَرَمِ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا
لِلْإِحْرَامِ لِقَصْدِهِ مَكَّةَ اهـ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ
آفَاقِيٌّ مُسْلِمٌ بَالِغٌ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ وَجَاوَزَ
مِيقَاتَهُ لَزِمَهُ دَمٌ. . . إلَخْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحُرِّ
لِشُمُولِ الرَّقِيقِ فَإِذَا تَجَاوَزَ بِلَا إحْرَامٍ، ثُمَّ أَذِنَ
لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمٌ يُؤْخَذُ بِهِ
بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ جَاوَزَهُ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ
وَبَلَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ:
فَإِنْ عَادَ فَأَحْرَمَ) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَسَوَاءٌ عَادَ
إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي تَجَاوَزَهُ أَوْ عَادَ إلَى غَيْرِهِ
أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ إنْ كَانَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مُحَاذِيًا لِمَا فَاتَهُ
أَوْ أَبْعَدَ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ
وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ:
لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ) سَيُبَيِّنُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ
بِهِ الطَّوَافَ، وَلَوْ شَرْطًا (قَوْلُهُ: أَوْ مُحْرِمًا لَمْ
يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ وَلَبَّى) أَيْ عِنْدَهُ وَالتَّقْيِيدُ
بِالظَّرْفِ لِبَيَانِ أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَوْ حَصَلَتْ دَاخِلَ
الْمِيقَاتِ لَا عِنْدَهُ لَا تَكْفِي لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ
قَيَّدَ أَيْ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا
مُلَبِّيًا أَيْ فِي الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا
وَلَمْ يُلَبِّ فِي الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمٌ وَلَمْ يُلَبِّ فِيهِ
لَكِنْ لَبَّى بَعْدَمَا جَاوَزَهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَمَرَّ بِهِ
سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ
الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي
الْعَوْدِ إنَّمَا تُسْقِطُ الدَّمَ إذَا حَصَلَتْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ
أَوْ خَارِجَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا أَيْ
وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا
يَحْتَمِلُهُ الْمَتْنُ مِنْ تَصَوُّرِ الْعَوْدِ بِلَا إحْرَامٍ
لِانْفِهَامِ
(1/254)
وَلَكِنْ بَعْدَمَا شَرَعَ فِي نُسُكٍ
بِأَنْ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ أَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ فَلَا
يَسْقُطُ الدَّمُ (كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ
مِنْ عُمْرَتِهِ وَخَرَجَا مِنْ الْحَرَمِ وَأَحْرَمَا) تَشْبِيهٌ
بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي لُزُومِ الدَّمِ فَإِنَّ
إحْرَامَ الْمَكِّيِّ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ
لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ صَارَ مَكِّيًّا
وَإِحْرَامُهُ مِنْ الْحَرَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِمُجَاوَزَةِ
الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ
(دَخَلَ كُوفِيٌّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا
إحْرَامٍ وَمِيقَاتُهُ الْبُسْتَانُ كَالْبُسْتَانِيِّ) بُسْتَانُ
بَنِي عَامِرٍ مَوْضِعٌ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ خَارِجَ الْحَرَمِ فَإِذَا
دَخَلَهُ لِحَاجَتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِكَوْنِهِ
غَيْرَ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ
وَيَجُوزُ لِأَهْلِهِ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَكِنْ إنْ
أَرَادَ الْحَجَّ فَمِيقَاتُهُ الْبُسْتَانُ أَيْ جَمِيعُ الْحِلِّ
الَّذِي بَيْنَ الْبُسْتَانِ وَالْحَرَمِ كَالْبُسْتَانِيِّ (وَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِمَا) أَيْ الْبُسْتَانِيِّ، وَمَنْ دَخَلَهُ (إنْ
أَحْرَمَا مِنْ الْحِلِّ وَوَقَفَا بِعَرَفَاتٍ) لِأَنَّهُمَا
أَحْرَمَا مِنْ مِيقَاتِهِمَا اهـ.
(دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَصَحَّ
مِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَزِمَهُ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ
إحْرَامٍ (لَوْ خَرَجَ) فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ
وَأَحْرَمَ (وَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَا
بَعْدَهُ) وَقَالَ فِي زُفَرَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ
اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ النَّذْرِ وَصَارَ كَمَا إذَا
تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَلَنَا أَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي
وَقْتِهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ
دُخُولِ مَكَّةَ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ لَا أَنْ يَكُونَ
إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا
تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا
يَتَأَدَّى إلَّا بِالْإِحْرَامِ مَقْصُودًا كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
حُكْمِهِ مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: بِأَنْ
ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ أَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ) كَذَا فِي النُّسَخِ
الْعَطْفُ بِأَوْ فَيُفِيدُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ فَقَطْ
يَمْنَعُ سُقُوطَ الدَّمِ.
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ
وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ
التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ مَعَ الطَّوَافِ فَلَيْسَ
احْتِرَازِيًّا، بَلْ الطَّوَافُ يُؤَكِّدُ الدَّمَ مِنْ غَيْرِ
اسْتِلَامٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ اهـ.
وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْكَمَالُ الِاسْتِلَامَ فَقَالَ، وَلَوْ
عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ، وَلَوْ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ
الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعُدْ حَتَّى شَرَعَ فِي
الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطُوفَ اهـ فَلْيُحَرَّرْ
هَلْ مُجَرَّدُ الِاسْتِلَامِ مَانِعٌ لِلسُّقُوطِ أَوْ لَا بُدَّ
فِيهِ مِنْ طَوَافٍ (قَوْلُهُ: كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ
وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي
الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُقَيَّدْ الْمُعْتَمِرَ بِكَوْنِهِ خَرَجَ
يُرِيدُ الْحَجَّ.
وَقَالَ الْكَمَالُ لَمْ أَرَ تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمُتَمَتِّعِ
بِمَا إذَا خَرَجَ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ
بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ أَحْرَمَ
بِالْحَجِّ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْمَكِّيِّ
وَيَسْقُطُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ إلَى مِيقَاتِهِ عَلَى مَا عُرِفَ
(قَوْلُهُ: وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ. . .
إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُهُ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْمَنَاسِكِ
أَنَّ بِدُخُولِ أَرْضِ الْحَرَمِ يَصِيرُ لَهُ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ
فِي الْمِيقَاتِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ جَاوَزَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ
فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ بِعُمْرَةٍ
لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَدَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتِ
الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ
الْحِلُّ
(قَوْلُهُ: فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ) يَعْنِي سَوَاءٌ
نَوَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
أَنَّهُ شَرَطَ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَذَا
فِي الْعِنَايَةِ
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَزِمَ بِسَبَبِ دُخُولِ
مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ يَعْنِي مَنْ أَخَّرَ دُخُولَهُ دَخَلَهُ
بِغَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ مِرَارًا غَيْرَ
مُحْرِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ
فَإِذَا خَرَجَ فَأَحْرَمَ بِنُسُكٍ أَجْزَأَهُ عَنْ دُخُولِهِ
الْأَخِيرِ لَا عَمَّا قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
قَالَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرِ صَارَ دَيْنًا فِي
ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ اهـ كَذَا
فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: لَوْ خَرَجَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ
وَأَحْرَمَ) كَذَا قَيَّدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ عَامِهِ
فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْخُرُوجِ
إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ
بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ، ثُمَّ أَحْرَمَ يُرِيدُ
قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ
أَجْزَأَهُ فِي ذَلِكَ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ
بِالْحَرَمِ وَفِي الْعُمْرَةِ بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ
بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا فَيُجْزِئُهُ إحْرَامُهُ مِنْ
مِيقَاتِهِمْ اهـ.
وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ
بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ اهـ، وَلَوْ خَرَجَ وَأَهَلَّ مِنْ مِيقَاتٍ
أَقْرَبَ مِمَّا جَاوَزَهُ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ
الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ
يُسْقِطُ الدَّمَ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ
مُحْرِمٍ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ
دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّ
الْمُتَقَرَّرَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَلُزُومُ
نُسُكٍ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ كُلٍّ
فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَحَجُّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ
الْعَامِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَيْهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ
حَجَّةً مَنْذُورَةً، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ
فَلَوْ قَالَ وَأَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ وَأَتَمَّهُ فِي عَامِهِ
لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْعُمْرَةَ الْمَنْذُورَةَ (قَوْلُهُ: لَا
أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ) أَيْ
لَيْسَ الْمُرَادُ وُجُوبَ تَعْيِينِ الْإِحْرَامِ لِدُخُولِ مَكَّةَ،
بَلْ أَيُّ إحْرَامٍ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُجْزِئٌ لِوُجُودِ
تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ
السَّنَةُ) أَيْ فَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ.
وَقَالَ الْكَمَالُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ
الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا
دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ
النُّسُكَيْنِ فَقَطْ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً
إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ
لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا
(1/255)
الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى
بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي
كَمَا مَرَّ
(جَاوَزَ مِيقَاتَهُ بِلَا إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ
وَأَفْسَدَهَا مَضَى وَقَضَى وَلَا دَمَ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ)
لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ
فِي الْقَضَاءِ (مَكِّيٌّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا فَأَحْرَمَ
بِالْحَجِّ رَفَضَهُ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الْحَجَّ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ مَنْهِيٌّ عَنْ
الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْفُضُ
الْعُمْرَةَ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَجْلِ الرَّفْضِ (وَحَجٌّ
وَعُمْرَةٌ) لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَجَزَ
عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ بَعْدَ شُرُوعِهِ وَعَلَى فَائِتِهِ
حَجٌّ وَعُمْرَةٌ (وَلَوْ أَتَمَّهُمَا صَحَّ) لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا
كَمَا الْتَزَمَهُمَا لَكِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ عَنْ
الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يُحَقِّقُ الْمَشْرُوعِيَّةَ.
(وَ) لَكِنْ (ذَبَحَ) لِلنُّقْصَانِ، وَهَذَا دَمُ جَبْرٍ وَفِي
الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ
(مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ، ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ
بِآخَرَ) أَيْ بِحَجٍّ آخَرَ (فَإِنْ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ
الْآخَرُ) حَتَّى يَقْضِيَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (بِلَا دَمٍ
وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ لِلْأَوَّلِ (فَبِهِ) أَيْ
لَزِمَهُ الْآخَرُ بِالدَّمِ (قَصَّرَ) بَعْدَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي
(أَوَّلًا) أَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ فَإِذَا حَلَقَ فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ
انْتَهَى الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَصِرْ جَامِعًا بَيْنَ
إحْرَامَيْ الْحَجَّتَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ
فَإِذَا لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأَوَّلِ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ
إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَبَعْدَ هَذَا إنْ حَلَقَ
تَحَلَّلَ عَنْ الْأَوَّلِ وَجَنَى عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فِي
غَيْرِ أَوَانِهِ فَلَزِمَهُ دَمٌ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ
حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ،
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَبِهِ قَصَّرَ أَوَّلًا (أَتَى
بِعُمْرَةٍ) أَيْ بِأَفْعَالِهَا (إلَّا الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ
بِأُخْرَى ذَبَحَ) ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ
وَهُوَ مَكْرُوهٌ فَلَزِمَهُ دَمٌ
(آفَاقِيٌّ أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ بِالْحَجِّ (ثُمَّ بِهَا) أَيْ
بِالْعُمْرَةِ (لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ
لِلْآفَاقِيِّ كَالْقِرَانِ (وَبَطَلَتْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
دَيْنًا يُقْضَى فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ
عَلَيْهِ تَأَدَّى هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا
تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا
يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ
الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ
يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا
عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ وَلَا غَيْرَهُ جَازَ، وَكَذَا
لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَذَا نَقُولُ إذَا
رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى
عَدَدِ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مَضَى وَقَضَى) أَيْ مِنْ أَحَدِ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ
لَا مِنْ الْحَرَمِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي شَرْحًا
(قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ دَمٌ
لِفَسَادِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا) حَقَّ
الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ لَا يَخْفَى عَدَمُ
فَهْمِهِ مِنْ الْمَتْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: مَكِّيٌّ. . . إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي الْقِرَانِ مَا
يُغْنِي عَنْ الْكَلَامِ هُنَا وَحَاصِلُهُ صِحَّةُ قِرَانٍ وَصِحَّةُ
تَمَتُّعٍ لِلْمَكِّيِّ مَعَ الْإِسَاءَةِ وَدُفِعَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ
صِحَّتِهِمَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا. . .
إلَخْ) كَذَلِكَ يَرْفُضُهَا لَوْ أَتَى بِأَقَلِّ أَشْوَاطِهَا،
وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ قَارِنًا فَإِنْ أَتَى
الْمَكِّيُّ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِهَا رُفِضَ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ،
وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِذَا لَمْ
يَطُفْ الْمَكِّيُّ لِلْعُمْرَةِ شَيْئًا يَرْفُضُهَا اتِّفَاقًا كَمَا
فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الْحَجَّ)
الرَّفْضُ التَّرْكُ مِنْ بَابَيْ طَلَبَ وَضَرَبَ كَمَا فِي
الْمُغْرِبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّفْضُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ
يَحْلِقَ مَثَلًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ
لِقَصْدِ تَرْكِ الْحَجِّ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ التَّحَلُّلُ مِنْ
الْعُمْرَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَا يَكْتَفِي بِالْقَوْلِ
وَالنِّيَّةِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ يَرْفُضُ إحْدَاهُمَا
بِشُرُوعِهِ فِي الْأَعْمَالِ كَمَا نَذْكُرُهُ
(قَوْلُهُ: مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ. . . إلَخْ) قَيَّدَ
بِقَوْلِهِ وَحَجَّ لِمَا أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ
بِآخَرَ يَرْفُضُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ، وَحَاصِلُ
تَقْسِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا
مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: أَصْلُ هَذَا أَنَّ
الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ)
الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ
حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ
الْمُرَادَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ
بِدْعَةٌ لِصِدْقِهِ بِالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ وَلَيْسَ
الْمُقْسِمَ، وَقَدْ عَطَفَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَوْ فَقَالَ الْجَمْعُ
بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأَوَّلِ صَارَ جَامِعًا
بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) صَوَابُهُ صَارَ جَامِعًا
بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجَّتَيْنِ لِمَا أَنَّهُ الْمُتَحَدِّثُ عَنْهُ
لَا عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ: أَتَى بِعُمْرَةٍ إلَّا
الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ذَبَحَ) أَقُولُ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ
وَنَصَّ عَلَى وُجُوبِ الدَّمِ بِإِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى
الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا التَّقْصِيرُ، وَكَذَلِكَ فِي
الْحَجِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَنَاسِكِ الْمَبْسُوطِ وَعَدَمُ
ذِكْرِ الدَّمِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ لَيْسَ نَفْيًا بَعْدَ وُجُودِ الْمُوجِبِ لَهُ؛ لِأَنَّ
الْمُوجِبَ لَهُ فِي الْعُمْرَتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ
ثَابِتٌ فِي الْحَجَّتَيْنِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا
لَا يَتِمُّ وَعَلَيْهِ جَعَلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِي لُزُومِ
الدَّمِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ رِوَايَتَيْنِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ لِلْآفَاقِيِّ
كَالْقِرَانِ) يَعْنِي كَالْقِرَانِ الِابْتِدَائِيِّ بِأَنْ أَهَلَّ
بِهِمَا مَعًا، فَلَيْسَ تَشْبِيهًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ
هَذَا قِرَانٌ بَقَاءً فَهُوَ كَالْقِرَانِ ابْتِدَاءً فِي
الْمَشْرُوعِيَّةِ
(1/256)
الْعُمْرَةُ (بِالْوُقُوفِ قَبْلَ
أَفْعَالِهَا لَا بِالتَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ وَإِنْ طَافَ لَهُ)
أَيْ لِلْحَجِّ يَعْنِي طَوَافَ الْقُدُومِ (ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا)
أَيْ بِالْعُمْرَةِ (فَمَضَى عَلَيْهِمَا ذَبَحَ) ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ
أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ (وَنُدِبَ رَفْضُهَا)
لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ تَأَكَّدَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ
بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ (فَإِنْ رَفَضَ قَضَى)
لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا (وَذَبَحَ) لِرَفْضِهَا
(حَجَّ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ فِي ثَلَاثَةٍ
تَلِيهِ لَزِمَتْهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ صَحِيحٌ (وَرُفِضَتْ) أَيْ يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ؛
لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ فَيَصِيرُ
بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ
وَجْهٍ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ (أَيْضًا
وَقُضِيَتْ مَعَ دَمٍ) لِلرَّفْضِ (وَإِنْ مَضَى صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ)
لِارْتِكَابِ فِعْلٍ مَكْرُوهٍ (فَائِتُ الْحَجِّ أَهَلَّ بِهِ أَوْ
بِهَا رَفَضَ وَقَضَى وَذَبَحَ) أَيْ فَائِتُ الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ
بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يَجِبُ أَنْ يَرْفُضَ الْإِحْرَامَ
وَيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ
يَجِبُ عَلَيْهِ هَذَا، ثُمَّ يَقْضِي مَا أَحْرَمَ بِهِ لِصِحَّةِ
الشُّرُوعِ وَيَذْبَحُ وَإِنَّمَا يَرْفُضُ إحْرَامَ الْحَجِّ؛
لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ فَيَرْفُضُ
الثَّانِيَ وَإِنَّمَا يَرْفُضُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إذْ يَجِبُ
عَلَيْهِ عُمْرَةٌ لِفَوَاتِ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بِالْإِحْرَامِ
جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ فَيَرْفُضُ الثَّانِيَةَ وَإِنَّمَا
يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ بِالرَّفْضِ
{بَابُ مُحْرِمٍ أُحْصِرَ}
الْإِحْصَارُ لُغَةً الْمَنْعُ مُطْلَقًا يُقَالُ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ
وَمَا حَصَرَهُ الْمَرَضُ وَفِي الشَّرْعِ مَنَعَ الْخَوْفُ أَوْ
الْمَرَضُ مِنْ وُصُولِ الْمُحْرِمِ إلَى تَمَامِ حَجَّتِهِ أَوْ
عُمْرَتِهِ فَإِذَا أُحْصِرَ (بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَبَطَلَتْ الْعُمْرَةُ بِالْوُقُوفِ. . . إلَخْ) هَكَذَا
ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ، وَقَدْ سَبَقَ لَهُمْ ذِكْرُهَا
فِي الْقِرَانِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ أَيْ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا
مَعًا (قَوْلُهُ: فَإِذَا طَافَ لَهُ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا أَيْ
بِالْعُمْرَةِ فَمَضَى عَلَيْهِمَا ذَبَحَ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالَ
الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ) أَقُولُ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ
الدَّمَ دَمُ جَبْرٍ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَفَخْرِ
الْإِسْلَامِ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي
خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ وَإِنْ كَانَ
هُوَ أَكْثَرَ إسَاءَةً مِنْ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ
الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ
وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ الْكَمَالُ مَا يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ قَوْلِ
شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا
لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ رَفْضُ
الْعُمْرَةِ
(قَوْلُهُ: وَرُفِضَتْ) حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي الْهِدَايَةِ
بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ، ثُمَّ أَحْرَمَ لَا
يَرْفُضُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ
يَرْفُضُهَا احْتِرَازًا عَنْ الْمَنْهِيِّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو
جَعْفَرٍ وَمَشَايِخُنَا عَلَى هَذَا اهـ أَيْ عَلَى وُجُوبِ الرَّفْضِ
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ؛
لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ مِنْ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ
وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسُنَّةِ الْمَبِيتِ، وَقَدْ كُرِهَتْ
الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ
الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ كَذَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَضَى صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ لِارْتِكَابِ
فِعْلٍ مَكْرُوهٍ) أَفَادَ أَنَّ الدَّمَ لِلْكَفَّارَةِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُفِيدُ اخْتِلَافًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ
بِصِيغَةِ قَالُوا، وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: وَيَتَحَلَّلُ
بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ
إحْرَامَ الْعُمْرَةِ
[بَابُ الْإِحْصَارُ]
(بَابُ مُحْرِمٍ أُحْصِرَ)
(قَوْلُهُ: وَفِي الشَّرْعِ مَنْعُ الْخَوْفِ أَوْ الْمَرَضِ) أَقُولُ
لَا يَخْتَصُّ بِهَذَيْنِ لِمَا نَذْكُرُهُ وَلِذَا قَالَ فِي
الْجَوْهَرَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْمُحْرِمِ عَنْ
الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ. . . إلَخْ)
مَثَّلَ بِهَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ إشَارَةً إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ
الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ لَا إحْصَارَ إلَّا
بِعَدُوٍّ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ
بِالْعَدُوِّ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ
بِهِ أَنَّ الْإِحْصَارَ يَكُونُ بِالْمَرَضِ وَبِالْعَدُوِّ الْحَصْرُ
لَا الْإِحْصَارُ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْهُمْ الْفَرَّاءُ
وَابْنُ السِّكِّيتِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ
وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ وَالْعُتْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ
وَأَئِمَّةُ اللُّغَةِ الْمُتْقِنُونَ لِهَذَا الْفَنِّ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا
وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ
اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلَئِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ
كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَيَتَنَاوَلُ الْمَرَضَ دَلَالَةً كَذَا
فِي التَّبْيِينِ وَمِنْ الْإِحْصَارِ هَلَاكُ النَّفَقَةِ وَمَوْتُ
مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ أَوْ زَوْجِهَا فِي الطَّرِيقِ وَفِي
التَّجْنِيسِ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ
فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ وَإِلَّا فَمُحْصَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ، وَلَوْ
أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا مَحْرَمَ فَهِيَ
مُحْصَرَةٌ لَا تُحِلُّ إلَّا بِالدَّمِ؛ لِأَنَّهَا مُنِعَتْ شَرْعًا
آكَدَ مِنْ الْمَنْعِ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ،
وَهَذَا الْمُحْصَرُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِالدَّمِ، وَأَمَّا
الْمُحْصَرُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِغَيْرِ ذَبْحِ الْهَدْيِ فَكُلُّ
مُحْصَرٍ مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْإِحْرَامِ شَرْعًا
لِحَقِّ الْعَبْدِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَا بِغَيْرِ
إذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا بِغَيْرِ
كَرَاهَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَحْصُلُ
التَّحْلِيلُ بِالْقَوْلِ وَيُكْرَهُ التَّحْلِيلُ لَوْ أَذِنَ
بِالْإِحْرَامِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْعَثَ الْهَدْيَ أَوْ
ثَمَنَهُ إلَى الْحَرَمِ لِيُذْبَحَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَحَلَّلَتْ
بِغَيْرِ طَوَافٍ وَعَلَيْهَا حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ كَالرَّجُلِ
الْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا
أَعْتَقَ هَدْيَ الْإِحْصَارِ وَقَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَإِذَا
أُحْصِرَ، وَقَدْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ
أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى إنْفَاذُ هَدْيٍ عَنْهُ، وَذَكَرَ
الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَلَى
الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ
(1/257)
جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَحِينَئِذٍ
(بَعَثَ الْمُفْرِدُ دَمًا وَالْقَارِنُ دَمَيْنِ) لِاحْتِيَاجِهِ إلَى
التَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامَيْنِ (وَعَيَّنَ يَوْمَ الذَّبْحِ) أَيْ
وَأَعَدَّ مَنْ يَبْعَثُهُ يَوْمًا بِعَيْنِهِ يَذْبَحُهُ فِيهِ (فِي
الْحَرَمِ) لَا الْحِلِّ (وَلَوْ) كَانَ يَوْمُ الذَّبْحِ (قَبْلَ
يَوْمِ النَّحْرِ) وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مُحْصَرًا بِالْعُمْرَةِ
فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْصَرًا بِالْحَجِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ
الذَّبْحُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ (وَبِذَبْحِهِ يُحِلُّ بِلَا
حَلْقٍ وَتَقْصِيرٍ) وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْوِقَايَةِ
يُقْبَلُ حَلْقٌ وَتَقْصِيرٌ (وَعَلَيْهِ إنْ حَلَّ مِنْ حَجٍّ حَجٌّ
وَعُمْرَةٌ) لَزِمَهُ الْحَجُّ بِالشُّرُوعِ وَالْعُمْرَةُ
لِلتَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ (وَمِنْ
عُمْرَةٍ عُمْرَةٌ) هِيَ قَضَاؤُهَا (وَمِنْ قِرَانٍ حَجَّةٌ
وَعُمْرَتَانِ) أَمَّا الْحَجُّ وَإِحْدَاهُمَا فَلِأَنَّهُ فِي
مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ كَمَا مَرَّ فِي الْمُفْرِدِ، وَأَمَّا
الثَّانِيَةُ فَلِخُرُوجِهِ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ
(وَإِذَا زَالَ إحْصَارُهُ) أَيْ الْقَارِنِ (وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ
الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ) أَيْ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ لِأَدَاءِ
الْحَجِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِعَجْزِهِ
عَنْ إدْرَاكِ الْهَدْيِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ، وَقَدْ قَدَرَ
عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَسَقَطَ
اعْتِبَارُهُ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْعِتْقِ
إذَا قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ
فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَذَا هَذَا وَيَصْنَعُ
بِالْهَدْيِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ
لِجِهَةٍ فَاسْتَغْنَى عَنْهَا (وَمَعَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ
بِدُونِهِمَا لَهُ أَنْ يُحِلَّ) فَإِنْ أَدْرَكَ الْهَدْيَ لَا
الْحَجَّ فَيَتَحَلَّلُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَصْلِ، وَكَذَا
لَوْ أَدْرَكَ الْحَجَّ لَا الْهَدْيَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ
لَمْ يَتَحَلَّلْ يُضَيِّعُ مَالَهُ مَجَّانًا وَحُرْمَةُ الْمَالِ
كَحُرْمَةِ النَّفْسِ فَيَتَحَلَّلُ كَمَا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ،
وَكَذَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ
(وَمَنْعُهُ) أَيْ مَنْعُ الْمُحْرِمِ (بِمَكَّةَ عَنْ رُكْنَيْ
الْحَجِّ) يَعْنِي الطَّوَافَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَاتٍ (إحْصَارٌ
لَهُ) إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْأَفْعَالِ فَكَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبَعْضُهُ مِنْ قَاضِي خَانْ وَشَرْحِ
الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ) أَشَارَ بِهِ إلَى
أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّحَلُّلِ بِالْهَدْيِ أَوْ الْأَفْعَالِ
إذَا قَدَرَ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ
تَعْبِيرِ الْمَبْسُوطِ بِعَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بَعَثَ الْمُفْرِدُ
دَمًا) أَقُولُ وَإِذَا بَعَثَ إنْ شَاءَ أَقَامَ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ
إلَى أَهْلِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعَثَ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا؛
لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ فَلَهُ بَعْثُ قِيمَتِهَا لِتُشْتَرَى
فَتُذْبَحَ فِي الْحَرَمِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُذْبَحُ لَا
يَقُومُ الصَّوْمُ وَلَا الْإِطْعَامُ مَقَامَهُ، بَلْ يَبْقَى
مُحْرِمًا إلَى الْوُجْدَانِ أَوْ التَّحَلُّلِ بِالْأَفْعَالِ
وَيَكْفِيهِ سُبْعُ بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْكَافِي، وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يُقَوِّمُ الْهَدْيَ بِالطَّعَامِ
وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ
صَاعٍ يَوْمًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَارِنُ دَمَيْنِ) أَقُولُ فَإِنْ بَعَثَ وَاحِدًا
لِلْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَذَبَحَ لَمْ
يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ إحْرَامَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ
مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ
وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَبِذَبْحِهِ يُحِلُّ بِلَا حَلْقٍ
وَتَقْصِيرٍ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَإِنْ حَلَقَ أَوْ
قَصَّرَ فَهُوَ حَسَنٌ أَيْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمَا،.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَيْلَ الْحَلْقُ وَاجِبٌ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ
أَيْضًا أَيْ كَمَا قَالَا، وَهَذَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ،
أَمَّا إذَا أُحْصِرَ بِالْحَرَمِ فَالْحَلْقُ وَاجِبٌ كَذَا فِي
شَرْحِهِ، ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ
الْحَلْقُ وَأَرَادَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَعَلَ أَدْنَى مَا يَحْظُرُهُ
الْإِحْرَامُ لِيَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ كَذَا فِي
الْجَوْهَرَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي عَلَى صِيغَةِ الْجَزْمِ،
وَلَكِنْ نَقَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ عَنْ الْمُصَفَّى بِصِيغَةِ قِيلَ
وَنَصُّهُ: وَقِيلَ إنَّمَا لَا يَجِبُ الْحَلْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا
إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، أَمَّا إذَا أُحْصِرَ
فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ كَذَا فِي الْمُصَفَّى اهـ.
وَفِي التَّقْيِيدِ بِالذَّبْحِ فِي الْحَرَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ
لَوْ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ بَقِيَ حَيًّا فَحَلَّ
الْمُحْصَرُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْلَالِهِ وَهُوَ
عَلَى إحْرَامِهِ كَمَا كَانَ حَتَّى يَحْصُلَ مَا يَتَحَلَّلُ بِهِ
كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ إنْ حَلَّ
مِنْ حَجٍّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ) هَذَا إنْ قَضَاهُ مِنْ قَابِلٍ، أَمَّا
إذَا قَضَاهُ مِنْ عَامِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ الْقَارِنُ لَوْ
قَضَى مِنْ عَامِهِ لَا تَلْزَمُهُ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ كَذَا فِي
الْبَحْرِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ وَنِيَّةُ الْقَضَاءِ شَرْطٌ
فِي غَيْرِ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ فِي الْقَضَاءِ
(قَوْلُهُ: وَإِذَا زَالَ إحْصَارُهُ) أَيْ الْقَارِنِ فِيهِ قُصُورٌ
لِتَفْسِيرِ الضَّمِيرِ بِالْقَارِنِ خَاصَّةً وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ
فَكَانَ يَنْبَغِي إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى عُمُومِهِ لِشُمُولِهِ
الْمُفْرِدَ إذْ لَا يَخْتَصُّ وُجُوبُ التَّوَجُّهِ مَعَ إمْكَانِ
إدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ بِالْقَارِنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ
كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْهَدْيِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي
النُّسَخِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ
الزَّيْلَعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ إلَى آخِرِ مَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِحُرُوفِهِ، وَكَذَا عِبَارَةُ الْكَافِي
(قَوْلُهُ: وَمَعَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ بِدُونِهِمَا لَهُ أَنْ
يُحِلَّ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْ لَا يَتَوَجَّهَ
وَيَتَحَلَّلَ بِذَبْحِ الْهَدْيِ إذْ عِبَارَتُهُ تُوهِمُ
التَّحَلُّلَ قَبْلَهُ وَإِنْ فُهِمَ الْحُكْمُ مِمَّا سَبَقَ
وَأَخْصَرُ وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْكَنْزِ فَإِنْ زَالَ
الْإِحْصَارُ وَقَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ وَإِلَّا
لَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْحَجَّ لَا الْهَدْيَ) أَقُولُ
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيفَاءً بِمَا
الْتَزَمَ كَمَا الْتَزَمَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الْبَحْرِ
عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ هَدْيًا، ثُمَّ زَالَ
الْإِحْصَارُ وَحَدَثَ آخَرُ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ الثَّانِي
جَازَ وَحَلَّ بِهِ، وَكَذَا لَوْ بَعَثَ جَزَاءَ صَيْدٍ، ثُمَّ
أُحْصِرَ فَنَوَاهُ لِلْإِحْصَارِ أَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً
وَأَوْجَبَهَا، ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَاهَا لَهُ جَازَ وَعَلَيْهِ
بَدَنَةٌ مَكَانَ مَا أَوْجَبَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُجْزِيهِ إلَّا عَنْ التَّطَوُّعِ؛
لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْوَقْفِ وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ عِنْدَهُ
فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَهَا إلَى غَيْرِ تِلْكَ
(1/258)
مُحْصَرًا كَمَا إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ
(لَا عَنْ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا
يَكُونُ مُحْصَرًا، أَمَّا عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ
الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ،
وَأَمَّا عَلَى الْوُقُوفِ فَلِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْفَوَاتِ
(عَجَزَ) عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ (فَأَحَجَّ) أَيْ أَمَرَ غَيْرَهُ
بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ (صَحَّ عَنْهُ إنْ مَاتَ مُسْتَمِرَّ الْعَجْزِ
وَنَوَاهُ) أَيْ الْمَأْمُورُ الْحَجَّ (عَنْ الْعَاجِزِ) فَإِذَا
وُجِدَ الشَّرْطَانِ صَحَّ الْإِحْجَاجُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ قَاضِي
خَانْ هَذَا إنْ كَانَ الْآمِرُ عَاجِزًا يُرْجَى زَوَالُهُ
كَالْمَرَضِ وَالْحَبْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى
زَوَالُهُ كَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى جَازَ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ
بِالْحَجِّ
(حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِالْأَمْرِ يَقَعُ عَنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ
(فِي الصَّحِيحِ) وَقِيلَ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ
النَّفَقَةِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ تَدُلُّ
عَلَيْهِ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ
وَيَذْكُرُهُ الْحَاجُّ فِي التَّلْبِيَةِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي
أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ فُلَانٍ
(وَإِذَا مَرِضَ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ (فِي الطَّرِيقِ لَيْسَ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْجِهَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا عَنْ أَحَدِهِمَا. . . إلَخْ) أَقُولُ اُسْتُغْنِيَ
بِهَذَا عَنْ مَسْأَلَةٍ أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ فِي الْكَنْزِ
بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَا إحْصَارَ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ إذَا دَامَ الْإِحْصَارُ حَتَّى مَضَتْ
أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ
بِالْمُزْدَلِفَةِ دَمٌ وَلِتَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ دَمٌ
وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا اهـ.
(قُلْت) وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ
وَاجِبًا لِعُذْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ، وَاخْتَلَفُوا فِي
تَحَلُّلِهِ فِي مَكَانِهِ فِي الْحِلِّ قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ؛
لِأَنَّهُ لَوْ تَحَلَّلَ فِي مَكَانِهِ يَقَعُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ،
وَلَوْ أَخَّرَهُ لِيَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ يَقَعُ فِي غَيْرِ
أَوَانِهِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ الزَّمَانِ أَهْوَنُ مِنْ تَأْخِيرِهِ
عَنْ الْمَكَانِ، وَقِيلَ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ
رُبَّمَا يَمْتَدُّ الْإِحْصَارُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ فِي
غَيْرِ الْحَرَمِ فَيَفُوتُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ جَمِيعًا
فَتَحَمُّلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى قَالَ الْعَتَّابِيُّ وَهُوَ
الْأَظْهَرُ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ
[عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَحُجَّ
عَنْهُ]
(قَوْلُهُ: عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ) الْمُرَادُ بِهِ حَجُّ الْفَرْضِ
وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ إذْ النَّفَلُ لَا يُشْتَرَطُ
الْعَجْزُ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ
وُجْدَانَ الْعَجْزِ قَبْلَ الْأَمْرِ شَرْطٌ فَلَوْ أَمَرَ الصَّحِيحُ
رَجُلًا بِالْحَجِّ عَنْهُ، ثُمَّ عَجَزَ لَمْ يُجْزِهِ وَبِهِ صَرَّحَ
قَاضِي خَانْ وَمِنْ شَرَائِطِ النِّيَابَةِ الرُّكُوبُ إذَا أَوْصَى
بِالْحَجِّ رَاكِبًا فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ النَّفَقَةَ لَوْ مَشَى
وَمِنْهَا كَوْنُ أَكْثَرِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ وَفِيهِ
وَفَاءٌ بِمَا أَنْفَقَ إذْ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ مِنْ
غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ وَمِنْهَا الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ
حَجُّ الْغَيْرِ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا الْوَارِثَ يَحُجُّ
عَنْ مُوَرِّثِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً كَذَا فِي الْبَحْرِ وَبَاقِي
الشُّرُوطِ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: قَالَ
قَاضِي خَانْ هَذَا إذَا كَانَ الْآمِرُ عَاجِزًا. . . إلَخْ) أَقُولُ
ظَاهِرُهُ لَا يُفِيدُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ الْأَمْرِ
بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ، وَلَكِنْ الْمُرَادُ أَنَّ اسْمَ
الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِ قَاضِي خَانْ هَذَا رَاجِعٌ إلَى شَرْطِ
اسْتِمْرَارِ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ فَخَصَّصَهُ بِعَجْزٍ يُرْجَى
زَوَالُهُ كَالْحَبْسِ، أَمَّا مَنْ بِهِ عُذْرٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ
يَعْنِي عَادَةً كَالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَمْرُهُ
بِالْحَجِّ أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ دَوَامِ عَجْزِهِ حَتَّى إذَا
زَالَ عَمَاهُ لَا يَبْطُلُ الْحَجُّ عَنْهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَاضِي
خَانْ قَالَ قَبْلَ هَذَا لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ بِالْحَجِّ إلَّا إذَا
كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ عَجْزًا يَدُومُ إلَى
الْمَوْتِ، ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا كَانَ. . . إلَخْ فَبَيَّنَ
الْعَجْزَ الَّذِي يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ فَحَاصِلُ الْحُكْمِ أَنَّ
الْآمِرَ إذَا كَانَ عُذْرُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ فَالْأَمْرُ مُرَاعًى
فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ إلَى الْمَوْتِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ
الْآمِرِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ عُذْرُهُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ
كَالْعَمَى فَأَحَجَّ غَيْرَهُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ سَوَاءٌ
اسْتَمَرَّ ذَلِكَ أَوْ زَالَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ
الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اهـ.
وَقَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ إنَّ دَوَامَ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ
شَرْطٌ سَوَاءٌ كَانَ الْعَجْزُ بِمَعْنًى لَا يَزُولُ أَصْلًا
كَالزَّمَانَةِ أَوْ بِعَارِضٍ يُتَوَهَّمُ زَوَالُهُ فَإِنْ
اسْتَمَرَّ بِهِ إلَى الْمَوْتِ وَقَعَ جَائِزًا عَنْ الْآمِرِ
وَإِلَّا فَعَلَيْهِ حَجُّ الْإِسْلَامِ وَالْمُؤَدِّي يَصِيرُ
تَطَوُّعًا لِلْآمِرِ كَذَا فِي الْكَافِي اهـ مَا قَالَهُ
الْبُرْجَنْدِيُّ (قُلْت) إنْ أَرَادَ كَافِي النَّسَفِيِّ فَهُوَ
غَلَطٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي الشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ
إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ إنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ
الْعُمُرِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ عَجْزٌ مُسْتَوْعِبٌ لِبَقِيَّةِ
الْعُمُرِ لِيَقَعَ بِهِ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ
فَقُلْنَا إنْ عَجَزَ لِمَعْنًى لَا يَزُولُ كَالزَّمَانَةِ صَحَّ
الْأَدَاءُ بِالنَّائِبِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ بِعَارِضٍ يُتَوَهَّمُ
زَوَالُهُ بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَسْجُونًا كَانَ الْأَدَاءُ
بِالنَّائِبِ مُرَاعًى فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الْعُذْرُ إلَى
الْمَوْتِ تَحَقَّقَ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ فَوَقَعَ
الْمُؤَدِّي جَائِزًا وَإِلَّا تَبَيَّنَ أَنَّ الْيَأْسَ لَمْ
يَتَحَقَّقْ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ
الْإِسْلَامِ وَالْمُؤَدِّي تَطَوَّعَ لَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِالْأَمْرِ يَقَعُ عَنْهُ فِي
الصَّحِيحِ) أَقُولُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَيِّتِ لِمَا قَالَ فِي
الْكَافِي وَغَيْرِهِ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ حَجَّ عَنْ
غَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ،
وَذَكَرَ دَلِيلَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَيَكُونُ
لَهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي الْكَشْفِ، وَهَذَا
الِاخْتِلَافُ لَا ثَمَرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ
الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُورِ
وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْآمِرِ وَهُوَ دَلِيلُ
الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ النَّائِبِ لِصِحَّةِ
الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا لَا يَجُوزُ وَهُوَ دَلِيلُ
الضَّعْفِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالثَّمَرَةِ، وَقَدْ يُقَالُ
إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُجَّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ
إذَا حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ وَعَلَى الضَّعِيفِ يَحْنَثُ
إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعُرْفَ أَنَّهُ قَدْ حَجَّ وَإِنْ وَقَعَ
عَنْ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:
وَيَذْكُرُهُ الْحَاجُّ فِي التَّلْبِيَةِ) فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي
أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ
(1/259)
دَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ)
ذَلِكَ الْغَيْرُ (عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ) أَيْ
الْمَأْمُورِ (وَقْتَ الدَّفْعِ اصْنَعْ مَا شِئْت فَحِينَئِذٍ جَازَ)
دَفْعُهُ (مَرِضَ أَوْ لَا) لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا مُطْلَقًا
(خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ
عَنْهُ إنْ فُسِّرَ شَيْءٌ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا فُسِّرَ وَإِلَّا
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ إنْ وَفَّى
بِهِ ثُلُثَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَحُجُّ مِنْ حَيْثُ مَاتَ) هَذِهِ
الْمَسَائِلُ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(أَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يُجْزِهِ) كَذَا
فِي التَّجْرِيدِ
(وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ) يَعْنِي رَجُلًا أَمَرَهُ رَجُلَانِ
بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُمَا فَحَجَّ لَمْ يَقَعْ عَنْهُمَا، بَلْ (يَقَعُ
عَنْهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ (وَضَمِنَ مَالَهُمَا) إنْ أَنْفَقَ مِنْهُ؛
لِأَنَّهُ صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى حَجِّ نَفْسِهِ (وَلَا
يَجْعَلُهُ) أَيْ لَا يَقْدِرُ الْمَأْمُورُ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّ
(عَنْ أَحَدِهِمَا) وَلَكِنْ (جَازَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) فَإِنَّهُ
إنْ حَجَّ عَنْهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا
شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا
أَوْ لَهُمَا وَفِي الْأَوَّلِ يَفْعَلُ بِحُكْمِ الْآمِرِ، وَقَدْ
خَالَفَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فُلَانٍ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَذْكُرْهُ فِي التَّلْبِيَةِ لَمَّا فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ فَيَقُولُ
اللَّهُمَّ. . . إلَخْ وَأَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَتَقَبَّلْهُ
مِنِّي عَنْ فُلَانٍ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي
الِاشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فِي نِيَّةِ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بِهِ
مُخَالِفًا
[خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ
عَنْهُ]
(قَوْلُهُ: خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى. .
. إلَخْ) أَقُولُ وَلَا تَكُونُ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ عَلَى
مَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إنَّمَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ
عَلَى مَنْ قَدَرَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ حَتَّى مَاتَ
فَأَمَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَخَرَجَ عَنْ عَامِهِ فَمَاتَ
فِي الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ
لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَيْدٌ
حَسَنٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ إنْ
وَفَّى بِهِ ثُلُثَهُ) قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ
وَطَنَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَى
مَكَّةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ.
اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ
يُجْزِهِ) أَطْلَقَ الرَّجُلَ الْمُتَطَوِّعَ فَشَمِلَ الْوَارِثَ
وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ الْمَيِّتُ إذَا أَوْصَى
بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ أَوْ
الْأَجْنَبِيُّ لَا يَجُوزُ. اهـ.
قُلْت يَعْنِي لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَهُ
ثَوَابُ ذَلِكَ الْحَجِّ اهـ.
وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ بِالْإِحْجَاجِ أَوْ
الْحَجِّ بِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ
فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ
كَالدَّيْنِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ حَجَّ عَلَى
أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ كَذَا فِي
الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ
بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ
فَأَحَجَّ الْوَارِثُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ
جَازَ لِلْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ فَقَدْ فَرَّقَ فِي
الْحُكْمِ بَيْنَ مَا إذَا حَجَّ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا
إذَا حَجَّ غَيْرُهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْفَرْقِ
فَلْيُنْظَرْ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ. . . إلَخْ) أَيْ إذَا
أَمَرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحَجِّ عَنْهُ عَلَى الِانْفِرَادِ
فَأَهَلَّ عَنْهُمَا فَهِيَ عَنْهُ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا
وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُحْرِمَ
عَنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ أَوْ أَطْلَقَ
فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَإِنْ
أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ
صَارَ مُخَالِفًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى
مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الطَّوَافِ
وَالْوُقُوفِ جَازَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَهُوَ
الْقِيَاسُ وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَحْجُوجِ
عَنْهُ مُعَيِّنًا وَمُبْهِمًا لَا نَصَّ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ
يَصِحَّ التَّعْيِينُ هُنَا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ قَطْعًا
كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ: بَلْ وَقَعَ عَنْهُ)
أَيْ الْمَأْمُورِ قَالَ فِي الْبَحْرِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ
نَقْلًا وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ مَعَهُ عُمْرَةً
لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا، ثُمَّ قَالَ وَلَا
تَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ
أَقَلُّ مَا يَقَعُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَدْ صَرَفَهَا
عَنْهُ فِي النِّيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ جَازَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ
مِنْهُمَا أَمْرٌ بِالْحَجِّ عَنْهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ
الْمُصَنِّفِ شَرْحًا وَإِنْ كَانَ الْمَتْنُ بِخِلَافِهِ ظَاهِرًا
وَحُكْمُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ كَالْوَالِدَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ
لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إنْ
حَجَّ عَنْهُمَا. . . إلَخْ) يُفِيدُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ إذَا
أَهَلَّ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا
عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قُلْت) وَتَعْلِيلُ
الْمَسْأَلَةِ يُفِيدُ وُقُوعَ الْحَجِّ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَسْقُطُ
بِهِ الْفَرْضُ عَنْهُ وَإِنْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ قَالَ فِي
الْفَتْحِ وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو بِسَبَبِ
أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ قِبَلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ
مُعْتَبَرٌ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا
يُجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابُ اهـ.
وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا الْكَمَالُ
بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْوَلَدِ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ
جِدًّا لِمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«لِمَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ
جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ
حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ
لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقْبَلُ مِنْهُ
وَمِنْهُمَا
(1/260)
فَيَقَعُ عَنْهُ (وَدَمُ الْإِحْصَارِ
عَلَى الْآمِرِ وَفِي مَالِهِ لَوْ مَيِّتًا) لِأَنَّهُ الَّذِي
أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ
(وَدَمُ الْقِرَانِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَاجِّ) أَمَّا دَمُ
الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ
تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ
مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ
هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْآمِرُ بِالْقِرَانِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ
مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَأَمَّا دَمُ الْجِنَايَةِ
فَلِأَنَّهُ الْجَانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ (وَضَمِنَ)
الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ (النَّفَقَة) (إنْ جَامَعَ قَبْلَ وُقُوفِهِ)
وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ
(وَإِنْ مَاتَ) الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ
مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ (يَحُجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ مَا
بَقِيَ) مِنْ مَالِهِ،.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ
الْمُفْرَزِ لِلْحَجِّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ
الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِقِسْمَةِ الْوَصِيِّ بِقِسْمَةِ الْمُوصِي
فَإِنَّهُ لَوْ أَفْرَزَ فِي حَيَاتِهِ مَالًا وَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ
لِيَحُجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ النَّائِبِ لَا
يُؤْخَذُ غَيْرُهُ فَكَذَا إذَا أَفْرَزَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ
قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا
بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ نَفَاذِ
الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَمَتَى بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَنْفُذُ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ وَعَزْلَهُ الْمَالَ
لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَيَّنَهُ
الْمُوصِي وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ
الْمَالَ قَدْ ضَاعَ فَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ (لَا
مِنْ حَيْثُ مَاتَ) كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى
قَوْلِهِ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ وَوَجْهُهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ
أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَبْطُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ
مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100]
الْآيَةَ.
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ
الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» ، وَإِذَا
لَمْ يَبْطُلْ اُعْتُبِرَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ
وَوَجْهُ قَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ
مِنْ السَّفَرِ قَدْ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا قَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ
عَمَلُهُ، الْحَدِيثَ.
وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَبَقِيَتْ
الْوَصِيَّةُ مِنْ وَطَنِهِ كَأَنَّ الْخُرُوجَ لَمْ يُوجَدْ
(الْهَدْيُ) وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» اهـ.
(قَوْلُهُ: وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْحَاجِّ؛ لِأَنَّ دَفْعَ ضَرَرِ
امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ رَاجِعٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي مَالِهِ
لَوْ مَيِّتًا) فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا تَقَدَّمَ
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا هَلْ هُوَ مِنْ الثُّلُثِ
أَوْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ فَقِيلَ مِنْ الثُّلُثِ كَالزَّكَاةِ،
وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ
فَصَارَ دَيْنًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَدَمُ الْقِرَانِ.
. . إلَخْ) كَذَا الْمُتْعَةُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيَصِيرُ
مُخَالِفًا) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ لَا
يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَلَكِنْ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ
حِصَّةِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ كَالْوَكِيلِ
بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ
شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ
بِتَجْرِيدِ السَّفَرِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ
النَّفَقَةِ وَتَنْقِيصُهَا يُنْقِصُ الثَّوَابَ بِقَدْرِهِ فَكَانَ
الْخِلَافُ ضَرَرًا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: يَحُجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ
مَالِ آمِرِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَطْلَقَ
الْمُوصِي بِالْحَجِّ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَكَانًا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ
وَكَانَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ يَكْفِي لِذَلِكَ بِأَنْ عَيَّنَ مَكَانًا
يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِنْ كَانَ
الْمَالُ لَا يَكْفِي مِنْ مَنْزِلِ الْمُوصِي يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ
حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ لَهُ
أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَمَاتَ
وَكَانَ مِقْدَارُ الْحَجِّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَصِيُّ
إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَسُرِقَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ أَلْفُ
دِرْهَمٍ فَإِنْ سُرِقَ ثَانِيًا يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مَرَّةً
أُخْرَى هَكَذَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤْخَذُ مَا بَقِيَ مِنْ
ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ
وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثٌ فَإِنْ سُرِقَ ثَانِيًا لَا يُؤْخَذُ
مَرَّةً أُخْرَى.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا سُرِقَتْ الْأَلْفُ
الَّتِي دَفَعَهَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ بَقِيَ
مِنْهَا شَيْءٌ يَحُجُّ بِهِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ
وَوَجْهُ الْأَقْوَالِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ
حَيْثُ مَاتَ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى الْحَاجِّ عَنْ
الْغَيْرِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْآمِرُ فِي الطَّرِيقِ
(قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ) أَيْ وَجْهُ
قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ. . . إلَخْ، وَقَدْ خَالَفَ
الْمُصَنِّفُ صَنِيعَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ
بِتَقْدِيمِ تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا وَكَانَ يَنْبَغِي مُتَابَعَتُهُ
لَهُمَا لِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ،
ثُمَّ تَأْخِيرُ تَعْلِيلِهِمَا عَنْ تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا مُخْتَارَ
الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِمَا أَنَّ قَوْلَهُمَا
اسْتِحْسَانٌ وَقَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ
فِي عَامَّةِ الصُّوَرِ حُكْمُ الِاسْتِحْسَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ
ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» الْحَدِيثَ) تَمَامُهُ «إلَّا مِنْ
ثَلَاثَةٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ
صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ قَالَهُ الْكَمَالُ: ثُمَّ قَالَ وَمَا رَوَاهُ أَيْ
صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا
يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الْعَمَلِ وَالْكَلَامُ فِي بُطْلَانِ
الْقَدْرِ الَّذِي وُجِدَ فِي حُكْمِ الْعِبَادَةِ وَالثَّوَابِ وَهُوَ
غَيْرُهُ وَغَيْرُ لَازِمِهِ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْعَمَلِ لِفَقْدِ
الْعَامِلِ لَا يَسْتَلْزِمُ مَا كَانَ قَدْ وُجِدَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ.
وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}
[البقرة: 143] فِيمَا كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ حِينَ وُجِدَ، ثُمَّ
طَرَأَ الْمَنْعُ مِنْهُ وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ
بِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ
(1/261)
مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ لِيُتَقَرَّبَ
بِهِ فِيهِ (مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ)
أَيْ الذَّهَابِ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ، وَقِيلَ الْمُرَادُ الْإِعْلَامُ
كَالتَّقْلِيدِ (وَلَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا جَائِزُ الْأُضْحِيَّةِ)
وَسَيَجِيءُ بَيَانُهَا عَنْ قَرِيبٍ (وَجَازَ الْغَنَمُ) فِي كُلِّ
شَيْءٍ (إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا وَوَطْئِهِ بَعْدَ
الْوُقُوفِ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ (أَكَلَ)
أَيْ جَازَ الْأَكْلُ، بَلْ اُسْتُحِبَّ (مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ
وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ
الْأَكْلُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ سَائِرِ
الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ شُرِعَتْ جَزَاءً
لِلْجِنَايَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْحِرْمَانُ عَنْ الِانْتِفَاعِ
بِهَا لِزِيَادَةِ الزَّجْرِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهَا (وَيَذْبَحُ
الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ
لِذَبْحِهِمَا.
(وَ) يَذْبَحُ (غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ
لِلْكُلِّ) مِنْ الْهَدَايَا (لَا فَقِيرِهِ لِصَدَقَتِهِ) أَيْ لَا
يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ لِصَدَقَتِهِ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ
وَتَعَيَّنَ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِ الْأَخِيرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
مَتَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَالِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي مُوجِبُهُ
هُنَاكَ كَمَنْ صَامَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ
حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَجِبُ أَنْ يُوصِيَ بِفِدْيَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ إمْسَاكِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَاقِيًا اهـ
(تَتِمَّةٌ) يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ
يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيُكْرَهُ.
وَقَالَ الْكَمَالُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إنْ حَجَّ
الصَّرُورَةَ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ
عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ
مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَيْهِ
وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي أَوَّلِ سِنَى الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ
بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ؛
لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ، بَلْ
لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ لَا يُدْرِكَ الْفَرْضَ إذْ الْمَوْتُ
فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ
وَالْعَبْدِ، وَالصَّرُورَةَ وَالْأَفْضَلُ إحْجَاجُ الْحُرِّ
الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ
صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ
تَنْزِيهٍ وَإِلَّا قَالَ وَيَجِبُ إحْجَاجُ الْحُرِّ. . . إلَخْ
وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ تَحْرِيمِيَّةٌ
عَلَى الصَّرُورَةِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ وَلَمْ
يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[أَحْكَام الْهُدَى]
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَقُولُ: وَإِذَا لَمْ يَجِبْ
تَعْرِيفُهُ فَمَا كَانَ دَمَ شُكْرٍ اُسْتُحِبَّ تَعْرِيفُهُ وَمَا
كَانَ دَمَ كَفَّارَةٍ اُسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ وَسَتْرُهُ كَقَضَاءِ
الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهَا، وَلَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ
وَدَمَ الْجِنَايَاتِ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ
اهـ.
وَوَقْتُ تَقْلِيدِهِ مِنْ بَلَدِهِ إنْ بَعَثَ بِهِ وَإِنْ كَانَ
مَعَهُ فَمِنْ حَيْثُ يَحْرُمُ هُوَ السُّنَّةُ كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا) أَيْ أَوْ وَهِيَ
حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ (قَوْلُهُ: وَوَطِئَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ) أَيْ
قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَكْل) أَيْ جَازَ
الْأَكْلُ وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ أَيْضًا مِمَّا يَجُوزُ
لَهُ أَكْلُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بَلْ اُسْتُحِبَّ) أَيْ
لِلِاتِّبَاعِ الْفِعْلِيِّ الثَّابِتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ لُحُومِ
كُلِّ هَدَايَاهُ» وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ مِنْ إشَارَةً إلَى
أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُفْعَلَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ
التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثِ وَطَعَامِ الثُّلُثِ وَادِّخَارِ الثُّلُثِ
وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ
الْحَرَمَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِأَنْ عَطِبَ أَوْ ذَبَحَهُ فِي
الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ
تَتِمُّ الْقُرْبَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَفِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا
يَحْصُلُ بِهِ، بَلْ بِالتَّصَدُّقِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ
لِيَحْصُلَ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا
يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ كَمَا فِي الْفَتْحِ
وَالْبَحْرِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ
فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ
الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُ الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ)
أَرَادَ بِالْيَوْمِ زَمَانَ النَّحْرِ وَهُوَ الْأَيَّامُ
الثَّلَاثَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ
لِذَبْحِهِمَا) أَيْ فَلَا يُجْزِئُهُ لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ أَيَّامِ
النَّحْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخَّرَهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ
تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِلسُّنَّةِ عِنْدَهُمَا
فَيَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُ غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ) شَامِلٌ دَمَ
التَّطَوُّعِ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَكِنْ
ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي
الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهَا هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ
الْقُدُورِيِّ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ
وَالْقِرَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ مِنْ الْهَدَايَا) أَيْ
فَلَا تُجْزِيهِ لَوْ ذَبَحَهَا فِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا
أَوْ غَيْرَهُ يَعْنِي إلَّا مَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ
فَيَذْبَحُهُ فِي مَحَلِّ عَطَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ، وَيَجُوزُ
الذَّبْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ
بِمِنًى وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِنًى
وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ الْكَمَالِ
أَوْ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ التَّطَوُّعِ كَالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ
بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ
بِالْحَرَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ
لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ
الْمَنْذُورِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ إلَّا أَنْ
يَنْوِيَ نَحْرَ الْمَنْذُورَةِ بِمَكَّةَ فَتَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ
اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْكَافِي وَتَحَصَّلَ أَنَّ الدِّمَاءَ
قِسْمَانِ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَخْتَصُّ
بِالْمَكَانِ فَقَطْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ دِمَاءُ
الْحَجِّ وَإِنَّمَا حَمَلْت كَلَامَهُ عَلَى دِمَاءِ الْحَجِّ؛
لِأَنَّ الدِّمَاءَ أَرْبَعَةٌ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ
وَالْمَكَانِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَمَا يَخْتَصُّ
بِالْمَكَانِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ دِمَاءِ الْحَجِّ وَالْهَدَايَا
الْمَنْذُورَةِ وَالْمُتَطَوَّعِ بِهَا إلَى مَا عَطِبَ مِنْ
التَّطَوُّعِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ كَدَمِ الْأَضَاحِيِّ وَمَا
لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان كَدَمِ الْعَقِيقَةِ
وَالْوَكِيرَةِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ
لِصَدَقَتِهِ) أَقُولُ إلَّا أَنَّ
(1/262)
شَاءَ كَمَا تَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ
لَا فَقِيرِهِ لِصَدَقَتِهِ أَقُولُ رَبْطُ غَيْرِهَا مَتَى شَاءَ إلَى
مَا قَبْلَهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَكَلُّفٍ وَاعْتِسَافٍ كَمَا لَا يَخْفَى
عَلَى أَهْلِ مَعْرِفَةٍ وَإِنْصَافٍ وَالْعِبَارَةُ الْمُخْتَارَةُ
هَاهُنَا أَخْصَرُ وَأَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا (وَتَصَدَّقَ
بِجُلِّهِ وَخِطَامِهِ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَ جَزَّارٍ مِنْهُ وَلَا
يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا يَحْلُبُ لَبَنَهُ وَيُعَالِجُ
لِقَطْعِهِ) بِنَضْحِ ضَرْعِهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ
(مَا عَطِبَ أَوْ تَعَيَّبَ بِفَاحِشٍ فَفِي وَاجِبِهِ إبْدَالُهُ
وَالْمَعِيبُ لَهُ وَفِي نَقْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَنَحَرَ
بَدَنَةَ النَّفْلِ إنْ عَطِبَتْ) أَيْ قَرُبَتْ إلَى الْهَلَاكِ (فِي
الطَّرِيقِ وَصَبَغَ نَعْلَهَا) أَيْ قِلَادَتَهَا (بِدَمِهَا وَضَرَبَ
بِهِ صَفْحَةَ سَنَامِهَا لِيَأْكُلَ الْفَقِيرُ فَلَوْ شَهِدُوا
بِوُقُوفِهِمْ بَعْدَ وَقْتِهِ لَا تُقْبَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ أَحْوَجَ
مِنْهُمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: رَبْطُ وَغَيْرَهُمَا
مَتَى شَاءَ إلَى مَا قَبْلَهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَكَلُّفٍ وَاعْتِسَافٍ)
هَذَا إذَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي غَيْرِهِمَا
تَعَيَّنَ فَلَا يُنَاسِبُهُ مَتَى شَاءَ، وَأَمَّا إذَا قُدِّرَ لَهُ
عَامِلٌ يُنَاسِبُهُ كَذَبْحٍ فَلَا اعْتِسَافَ كَمَا فِي قَوْلِ
الْقَائِلِ
وَزَجَّجْنَا الْحَوَاجِبَ وَالْعَيُونَا
أَيْ كَحَّلْنَا
وَعَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
أَيْ سَقَيْتهَا (قَوْلُهُ: وَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ وَخِطَامِهِ)
الْجُلُّ مَا يُلْبَسُ عَلَى الدَّابَّةِ اتِّقَاءَ الْحَرِّ
وَالْبَرْدِ وَالْخِطَامُ الزِّمَامُ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي أَنْفِ
الْبَعِيرِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْبَدَنَةُ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا
لِهَدْيِهِ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا، وَلَوْ بَاعَ الْوَلَدَ عَلَيْهِ
قِيمَتُهُ فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا هَدْيًا فَحَسَنٌ وَإِنْ تَصَدَّقَ
بِهَا فَحَسَنٌ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ بِالْوَلَدِ فَإِنَّ
الْأَفْضَلَ أَنْ يُذْبَحَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ
فَكَذَلِكَ بِالْقِيمَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْطِ
أَجْرَ جَزَّارٍ مِنْهُ) فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ
اللَّحْمِ أَوْ مُعَاوَضَةً، وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ جَازَ كَمَا
فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْكَبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ) قَالَ
فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ رُكُوبَهُ لِغَيْرِ
حَاجَةٍ حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ
تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَأَشَارَ إلَى
أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ
أَوْ حَمَلَ فَنَقَصَتْ ضَمِنَ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى
الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَأَطْلَقَهُ أَيْ الْهَدْيَ
فَشَمِلَ مَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ
وَالْأَغْنِيَاءِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ حَالَةَ
الضَّرُورَةِ لِمَا. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مَرْفُوعًا
«ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا لَجَئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ
ظَهْرًا» ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ
أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ
عَلَيْهِ اهـ.
(قُلْت) الْمُصَرَّحُ بِهِ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَمَنْ
سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ
حَمَلَ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ وَنَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ ضَمِنَ
النُّقْصَانَ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ
يَرْكَبْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا بِالسَّوْقِ وَبِالرُّكُوبِ
يَصِيرُ كَالْمُرْتَجِعِ لَهَا اهـ، وَكَذَا صَرَّحَ الْبُرْجَنْدِيُّ
بِقَوْلِهِ وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَانَ عَاجِزًا
عَنْ الْمَشْيِ، وَإِذَا رَكِبَهَا وَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ
ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ اهـ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ
بِقَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا إلَّا أَنْ
يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ
ارْكَبْهَا وَيْلَك» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا،
وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا
نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ
كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ
عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ يَعْنِي إنْ
نَقَصَهَا ذَلِكَ ضَمِنَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلُبُ لَبَنَهُ وَيُعَالِجُ لِقَطْعِهِ) هَذَا
إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا
يَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا
وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ
بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ
(قَوْلُهُ: يَنْضَحُ ضَرْعُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ) النَّضْحُ الرَّشُّ
وَنَضَحَ يَنْضِحُ بِكَسْرِ الضَّادِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي
الْفَتْحِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ يَنْضَحُ مِنْ بَابَيْ
ضَرَبَ وَنَفَعَ فَعَلَى هَذَا تُكْسَرُ ضَادُهُ وَتُفْتَحُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْكَنْزِ وَيَنْضِحُ ضَرْعَهَا بِالنُّقَاخِ بِالنُّونِ
الْمَضْمُومَةِ وَالْقَافِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَاءُ
الْعَذْبُ الَّذِي يَنْفُخُ الْفُؤَادَ بِبَرْدِهِ كَذَا فِي
الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ فَفِيهِ زِيَادَةٌ عَنْ لَفْظِ الْمَاءِ
الْبَارِدِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَذْبًا
(قَوْلُهُ: أَوْ تَعَيَّبَ بِفَاحِشٍ) هُوَ مَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ
الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِيَأْكُلَ الْفَقِيرُ فَقَطْ) تَقَدَّمَ
تَوْجِيهُهُ (قَوْلُهُ: شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ بَعْدَ وَقْتِهِ لَا
تُقْبَلُ) كَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي هُمْ بِهَا
فِي مِنًى مُتَوَجِّهِينَ إلَى عَرَفَاتٍ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي
خَرَجْنَا بِهِ مِنْ مَكَّةَ الْمُسَمَّى بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَانَ
التَّاسِعَ لَا الثَّامِنَ وَلَا يُمْكِنُ لَلْإِمَامَ الْوُقُوفُ
بِأَنْ يَسِيرَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِيَقِفَ
لَيْلَةَ النَّحْرِ بِالنَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا
وَيَقِفُ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ شَهِدُوا
عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ فِيمَا بَقِيَ
مِنْ اللَّيْلِ صَارَ كَشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ
الْإِمَامُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ فِي اللَّيْلِ مَعَ النَّاسِ أَوْ
أَكْثَرِهِمْ وَلَا يُدْرِكُهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ لَزِمَهُ الْوُقُوفُ
فَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَاتَ حَجُّهُ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ فِي وَقْتِهِ
مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَا يَجُوزُ وُقُوفُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ
اعْتِمَادًا عَلَى مَا عِنْدَهُمْ وَعَلَيْهِمْ إعَادَتُهُ مَعَ
الْإِمَامِ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْوُقُوفَ لِمَعْنًى
يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لَمْ يَجُزْ وُقُوفُ مَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ
لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ وَقْتُهُ
شَرْعًا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّاسُ عَلَى
اعْتِقَادِ أَنَّهُ التَّاسِعُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ
وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ
وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» أَيْ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْيَوْمُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ عَنْ
اجْتِهَادٍ وَرَأَى أَنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(1/263)
وَلَوْ) شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ (قَبْلَهُ)
أَيْ قَبْلَ وَقْتِهِ (قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ) يَعْنِي
أَنَّهُمْ وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ قَوْمٌ بِأَنَّهُمْ وَقَفُوا
بَعْدَ يَوْمِ الْوُقُوفِ أَيْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ لَا تُقْبَلُ
وَيُجْزِيهِمْ حَجُّهُمْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا
يُجْزِيَهُمْ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصًّا بِزَمَانٍ
وَمَكَانٍ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً بِدُونِهِمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ
وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ، وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ
غَرَضَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِمْ فَلَا تُقْبَلُ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ
عَنْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالتَّدَارُكُ مُتَعَذِّرٌ وَفِي
الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ ظَاهِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ
عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ
التَّرْوِيَةِ فَإِنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ
(رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (الْجَمْرَةَ
الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ) وَتَرَكَ الْأُولَى (فَإِنْ) قَصَدَ
التَّكْمِيلَ وَ (رَمَى الْأُولَى) فَقَطْ (جَازَ) لِحُصُولِ الْكُلِّ،
وَلَوْ بِلَا تَرْتِيبٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (أَوْ) رَمَى
(الْكُلَّ بِالتَّرْتِيبِ حَسُنَ) لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ
الْمَسْنُونِ
(نَذَرَ حَجًّا مَشْيًا مَشَى حَتَّى يَطُوفَ الْفَرْضَ) يَعْنِي
أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ
حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ
(اشْتَرَى جَارِيَةً أَحْرَمَتْ بِالْإِذْنِ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَهُ قُبِلَتْ إنْ
أَمْكَنَ التَّدَارُكُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
الْكَلَامُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ وُقُوفَهُمْ يَوْمَ
التَّرْوِيَةِ عَلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لَا يُعَارِضُهُ شَهَادَةُ
مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ الثَّامِنُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ الثَّامِنَ
إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ ثَبَتَ
بِإِكْمَالِ عِدَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ التَّاسِعُ
بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ فَهَذِهِ شَهَادَاتٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَالْقَائِلُونَ
إنَّهُ الثَّامِنُ حَاصِلُ مَا عِنْدَهُمْ نَفْيٌ مَحْضٌ وَهُوَ
أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ
وَرَآهُ الَّذِينَ شَهِدُوا وَهِيَ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ
الشَّهَادَةَ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَفَ النَّاسُ لَا يَثْبُتُ بِهَا
شَيْءٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ إنَّمَا
يَتِمُّ أَنْ لَوْ انْحَصَرَ التَّصْوِيرُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَيْ
الْكَمَالُ، بَلْ صُورَتُهُ لَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ ظَنًّا
مِنْهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ
رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُ الْيَوْمُ الثَّامِنُ
فَقَدْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ فَهِيَ شَهَادَةٌ
لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ وَقَفُوا
يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ لَمْ
يُجْزِهِمْ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ
تَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ وَلَا بِدْعَ فِيهِ، بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ
اهـ.
(قُلْت) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حَمْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوُقُوفِ
بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ مُسْتَحِيلٌ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ
وَقَالُوا غَلَبَةُ الظَّنِّ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ
فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَا يَنْبَغِي
لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ فِي هَذَا شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ اهـ.
وَقَالَ فِي الْكَافِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ
يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَسْمَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيَقُولُ
قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ وَلَا رِفْقَ فِي شَهَادَتِكُمْ لَهُمْ،
بَلْ فِيهِ تَهْيِيجُ الْفِتْنَةِ وَالْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ
اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ
هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى
الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً وَهِيَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةٍ
قَبْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَتَمَامِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ:
بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَإِنَّ
التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ) عَلِمْت مَا فِيهِ
(قَوْلُهُ: لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ) وَجْهُ ذَلِكَ
أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا
يَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ
بِخِلَافِ السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ وَبِخِلَافِ
الْمَرْوَةِ فَإِنَّ الْبُدَاءَةَ مِنْ الصَّفَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ
وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَءُوا
بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ الْوَاقِعُ مِنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَمَرَاتِ
فَمَحْمُولٌ عَلَى السُّنَّةِ إذْ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ لَا يُفِيدُ
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ
الزِّيَارَةِ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ
الزِّيَارَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ
الصَّحِيحُ وَخَيَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ الرُّكُوبِ
وَالْمَشْيِ بَعْدَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا مَكْرُوهٌ
وَرَاكِبًا أَفْضَلُ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ
مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَا
يَتَأَدَّى نَاقِصًا وَالْمَشْيُ فِي الْحَجِّ صِفَةٌ كَمَال قَالَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ
بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ مَا
حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ»
وَالْمَشْيُ الْوَاجِبُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ الْمَكِّيِّ
الْفَقِيرُ إذَا أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ إلَى عَرَفَاتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ
الْحَجُّ مَاشِيًا، وَكَذَا الطَّوَافُ وَمَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَبُو
حَنِيفَةَ الْمَشْيَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ إذَا كَانَ
مَظِنَّةَ سُوءِ الْخُلُقِ كَأَنْ يَكُونَ صَائِمًا مَعَ الْمَشْيِ
أَوْ مِمَّنْ لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْإِثْمِ فِي
مُجَادَلَةِ الرَّفِيقِ وَالْخُصُومَةِ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ
الْمَشْيَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى
التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا كُفَّ
بَصَرُهُ مَا أَسِفْت عَلَى شَيْءٍ كَأَسَفِي عَلَى أَنْ لَمْ أَحُجَّ
مَاشِيًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى
{يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] مِنْ
الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ
أَيِّ مَحَلٍّ يُبْتَدَأُ بِالْمَشْيِ وَالْكَمَالُ قَالَ اخْتَلَفَ
الْمَشَايِخُ فِي مَحَلِّ وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ
مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْهُ قِيلَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عُرْفًا اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا حُكْمَ مَا لَوْ رَكِبَ، وَقَالَ فِي كَافِي
النَّسَفِيِّ إنْ رَكِبَ فِي الْكُلِّ أَرَاقَ دَمًا، وَكَذَا إنْ
رَكِبَ فِي الْأَكْثَرِ وَإِنْ رَكِبَ فِي الْأَقَلِّ تَصَدَّقَ
بِقَدْرِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا
(1/264)
إذْنِ مَوْلَاهَا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَتْ بِدُونِهِ لَا تَكُونُ
مُحْرِمَةً (لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (أَنْ يُحَلِّلَهَا بِقَصِّ
شَعْرٍ أَوْ قَلْمِ ظُفْرٍ فَيُجَامِعُهَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ
التَّحْلِيلِ بِالْجِمَاعِ) تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ
{كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ. وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْكِتَابِ
بِكِتَابِ الْحَجِّ وُقُوعُ الْأُضْحِيَّةِ فِي أَيَّامِهِ وَهِيَ
اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهَا وَتُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ عَلَى وَزْنِ
أَفَاعِلَ مِنْ أَضْحَى يُضْحِي إذَا دَخَلَ فِي الضُّحَى وَيُسَمَّى
مَا يُذْبَحُ أَيَّامَ النَّحْرِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُذْبَحُ وَقْتَ
الضُّحَى تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ وَقْتِهِ وَفِي الشَّرْعِ اسْمٌ
لِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ يُذْبَحُ بِنِيَّةِ
الْقُرْبَةِ فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا
وَسَبَبِهَا، وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْإِقَامَةُ وَالْيَسَارُ
الَّذِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَشَقَّ الْمَشْيُ فَإِذَا قَرُبَتْ وَهُوَ
مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَحْرَمَتْ بِدُونِهِ لَا تَكُونُ مُحْرِمَةً)
سَهْوٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا تَكُونُ مُحْرِمَةً، وَلَوْ لَمْ
يَأْذَنْ لَهَا الْمَوْلَى قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا
يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ لَا لِلِابْتِدَاءِ
فَإِنَّهَا لَوْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ صَحَّ وَلَهُ أَنْ
يُحَلِّلَهَا.
وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ إذَا
أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَهُ أَنْ
يَمْنَعَهُ وَيُحَلِّلَهُ بِلَا هَدْيٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصْنَعَ بِهِ
أَدْنَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ كَقَلْمِ ظُفْرٍ
وَنَحْوِهِ وَعَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ هَدْيُ الْإِحْصَارِ وَحَجَّةٌ
وَعُمْرَةٌ إنْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجَّةٍ وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ
الْمَوْلَى كُرِهَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَوْ حَلَّلَهُ حَلَّ اهـ.
وَكَذَا مِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي
الْإِحْصَارِ وَغَيْرِ مَا كِتَابٍ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ
الْمَسْأَلَةَ كَمَا هِيَ فِي مَتْنِ الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ
لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ سَبَقَ
مِلْكُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى
مَنْكُوحَةً وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ،
وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا فَكَذَا الْمُشْتَرِي
إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ
الْوَعْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي
اهـ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّحْلِيلُ
بِقَوْلِهِ حَلَلْتُك، بَلْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا بِأَمْرِهِ
كَالِامْتِشَاطِ بِأَمْرِهِ بِقَصْدِ التَّحْلِيلِ، وَلَوْ جَامَعَ
زَوْجَتَهُ الَّتِي أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ أَوْ أَمَتَهُ الْمُحْرِمَةَ
وَلَا يَعْلَمُ بِإِحْرَامِهَا أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ
التَّحْلِيلَ لَمْ يَكُنْ تَحْلِيلًا، وَقَدْ فَسَدَ حَجُّهَا، وَلَوْ
حَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ فَحَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ هَكَذَا مِرَارًا،
ثُمَّ حَجَّتْ مِنْ عَامِهَا أَجْزَأَهَا عَنْ كُلِّ التَّحْلِيلَاتِ،
وَلَوْ لَمْ تَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ كَانَ عَلَيْهَا لِكُلِّ
تَحْلِيلٍ عُمْرَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهَذَا آخِرُ مَا
أَوْرَدْنَاهُ فِي رُبْعِ الْعِبَادَاتِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى
وَأَوْفَرِ مِنَّتِهِ وَالْهِبَاتِ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
أَسْأَلُ وَبِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَتَوَسَّلُ أَنْ يَنْفَعَنِي وَالْمُسْلِمِينَ بِهِ النَّفْعَ
الْعَمِيمَ وَأَنْ يَصُونَهُ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ
حَاسِدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ أُعِيذُهُ بِرَبِّ
الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَبَ
وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ
|