درر
الحكام شرح غرر الأحكام [كِتَابُ الْحُدُودِ]
[حَدّ الزِّنَا]
[مَا يَثْبُت بِهِ حَدّ الزِّنَا]
(كِتَابُ الْحُدُودِ) (قَوْلُهُ فَإِنَّ أَكْثَرَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ.
. . إلَخْ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ
وَالْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ
كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَجِبُ أَيْ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهَا)
يَعْنِي بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَعَلَيْهِ ابْتَنَى
عَدَمُ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ
وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ تَجُوزُ
الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ
وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَقَالَ إذَا بَلَغَ
إلَى الْإِمَامِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إنْ عَفَا كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ مِنْ شَرْعِهِ الِانْزِجَارُ)
يَعْنِي الِانْزِجَارَ بَعْدَهُ لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْعِلْمَ
بِشَرْعِيَّةِ الْحُدُودِ مَانِعٌ قَبْلَ الْفِعْلِ زَاجِرٌ بَعْدَهُ
يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَلَيْسَ الْحَدُّ كَفَّارَةً
لِلْمَعْصِيَةِ بَلْ التَّوْبَةُ هِيَ الْمُسْقِطَةُ عَنْهُ عَذَابَ
الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ خَرَجَ بِهِ الْقِصَاصُ
لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ) وَكَذَا خَرَجَ بِهِ التَّعْزِيرُ أَيْضًا
وَإِنْ خَرَجَ بِقَيْدِ التَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ وَالزِّنَا) مَقْصُورٌ فِي
اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي جَاءَ بِهَا
الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء:
32] وَيُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ هَذَا
التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُسْلِمٍ
أَوْ ذِمِّيٍّ نَاطِقٍ بِنَاطِقَةٍ بِدَارِنَا تَحْتَ وِلَايَةِ أَهْلِ
الْعَدْلِ وَأَنْ لَا يَظْهَرَ بِهِ جَبٌّ أَوْ رَتْقٌ بَعْدَ إقْرَارِهِ
بِهِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهُ هَذِهِ شُرُوطٌ وَهِيَ
زَائِدَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ) لَا يُشْتَرَطُ
أَنْ يَكُونَ بِإِيلَاجِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا
فَأَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا لَزِمَهُمَا الْحَدُّ (قَوْلُهُ فِي
قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ. . . إلَخْ) قَدَّمَ فِي مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ قَيْدَ
الْحَيَاةِ مَتْنًا وَلَمْ يَذْكُرْ قَيْدَ الِاشْتِهَاءِ هُنَاكَ
وَاكْتَفَى بِهِ هُنَا لِدَلَالَةِ الِاشْتِهَاءِ عَلَى الْحَيَاةِ فَكَانَ
يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ كَذَلِكَ ثَمَّةَ
(2/61)
لَا تُشْتَهَى وَالْمَيِّتَةُ
وَالْبَهَائِمُ فَإِنَّ وَطْأَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (خَالٍ عَنْ
مِلْكٍ) أَعَمُّ مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ
(وَشُبْهَتِهِ) وَيَدْخُلُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَسَيَأْتِي
بَيَانُهَا (عَنْ طَوْعٍ) خَرَجَ بِهِ زِنَا الْمُكْرَهِ فَإِنَّ
الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْحَدَّ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ
الْإِكْرَاهِ هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا زِنَا الْمَرْأَةِ
فَعِبَارَةُ عَنْ تَمْكِينِهَا لِمِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ كَذَا فِي
النِّهَايَةِ (وَيَثْبُتُ) أَيْ الزِّنَا (بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ) مِنْ
الرِّجَالِ (فِي مَجْلِسٍ) وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ
لَمْ تُقْبَلْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (بِالزِّنَا) مُتَعَلِّقٌ
بِالشَّهَادَةِ أَيْ بِشَهَادَةٍ مُلْتَبِسَةٍ بِلَفْظِ الزِّنَا لِأَنَّهُ
الدَّالُّ عَلَى الْفِعْلِ الْحَرَامِ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ
وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (لَا) مُجَرَّدُ لَفْظِ (الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ)
فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ (فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْهُ مَا
هُوَ) أَيْ عَنْ مَاهِيَّتِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَنْ كُلِّ وَطْءٍ
حَرَامٍ وَأَيْضًا أَطْلَقَهُ الشَّارِعُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْفِعْلِ
نَحْوُ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ» (وَكَيْفَ هُوَ) فَإِنَّ الْوَطْءَ قَدْ
يَقَعُ بِلَا الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ (وَأَيْنَ زَنَى) فَإِنَّ الزِّنَا
فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَمَتَى زَنَى) فَإِنَّ
الْمُتَقَادِمَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَبِمَنْ زَنَى) فَإِنَّهُ قَدْ
يَكُونُ فِي وَطْئِهَا شُبْهَةٌ (فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ
وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمَّتَيْنِ
وِعَاءُ الْكُحْلِ (وَعُدِّلُوا سِرًّا وَعَلَنًا) وَلَمْ يُكْتَفَ
بِظَاهِرِ عَدَالَتِهِمْ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ (حَكَمَ) أَيْ الْإِمَامُ
(بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ الزِّنَا وَبِإِقْرَارِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِشَهَادَةِ اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ إذْ
لَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ خُصُوصًا فِي وُجُوبِ
الْحَدِّ لَا الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ
عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ إقْرَارَ
الْعَبْدِ بِالزِّنَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ
مَحْجُورًا خِلَافًا لِزُفَرَ (أَرْبَعًا) أَيْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ
عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً كَمَا فِي
سَائِرِ الْحُقُوقِ (فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ) مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ
لَا الْحَاكِمِ لِقِصَّةِ مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الْإِقَامَةَ عَلَيْهِ إلَى
أَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ فَلَوْ ظَهَرَ
دُونَهَا لَمَا أَخَّرَهَا لِثُبُوتِ الْوُجُوبِ (رَدَّهُ كُلَّ مَرَّةٍ
إلَّا) مَرَّةً (رَابِعَةً) فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ مَرَّةً رَابِعَةً
قَبِلَهُ الْإِمَامُ (ثُمَّ سَأَلَهُ كَمَا مَرَّ) قِيلَ إلَّا فِي
السُّؤَالِ عَنْ مَتَى لِأَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّقَادُمِ وَهُوَ
يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ لَا الْإِقْرَارَ وَقِيلَ يُسْأَلُ عَنْهُ أَيْضًا
لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فِي الصِّبَا (فَإِنْ بَيَّنَهُ نُدِبَ تَلْقِينُهُ
رُجُوعَهُ بِلَعَلَّكَ لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت أَوْ وَطِئْت بِشُبْهَةٍ
فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ حَدِّهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ خُلِّيَ وَإِلَّا حُدَّ
وَهُوَ) أَيْ حَدُّ الزِّنَا نَوْعَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَشُبْهَتِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى
وَشُبْهَةٍ بِالتَّنْكِيرِ وَهُوَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَشْمَلَ مِنْهَا
مُعَرَّفَةً بِالْإِضَافَةِ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلْمُلْكِ
(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَمْ تُقْبَلْ) يَعْنِي
مُتَفَرِّقِينَ حَالَ مَجِيئِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ وَيُحَدُّونَ حَدَّ
الْقَذْفِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ وَأَمَّا إذَا حَضَرُوا فِي مَجْلِسٍ
وَاحِدٍ أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي وَجَلَسُوا مَجْلِسَ الشُّهُودِ وَقَامُوا
إلَى الْقَاضِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَشَهِدُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي
السِّرَاجِ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ الزِّنَا لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ
الْحَرَامِ) يَعْنِي الدَّلَالَةَ بِالْوَضْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ
وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ
لِأَنَّهُمَا مُحْتَمَلَانِ (قَوْلُهُ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ) عَطْفٌ
عَلَى بِلَفْظِ الزِّنَا وَيُنْظَرُ هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ
الْمُجَرَّدَةُ عَنْ لَفْظِ الزِّنَا مَعَ لَفْظٍ يُفِيدُ مَعْنَاهُ أَوْ
لَا فَلْيُحَرَّرْ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ أَيْ
عَنْ مَاهِيَّتِهِ) أَيْ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ
بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الزِّنَا وَطْءٌ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ وَكَيْفَ هُوَ
فَإِنَّ الْوَطْءَ يَقَعُ بِلَا الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ) فِيهِ
تَأَمُّلٌ فَإِنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ
لِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِتَصَوُّرِهِ بِدُونِهِمَا فِي الدُّبُرِ لَكِنَّ
الْكَيْفَ هُوَ أَنْ يَكُونَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا (قَوْلُهُ فَإِنْ
بَيَّنُوهُ. . . إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ
الزِّنَا حَرَامٌ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَنَقَلَ إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ
عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ فِي
شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَيَنْفِي
هَذَا يَعْنِي الِاشْتِرَاطَ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ
بِأَمَانٍ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا
حَلَالٌ لِي لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُحَدُّ وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ
أَوَّلَ يَوْمٍ دَخَلَ الدَّارَ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ
الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ لَا تَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ
حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ اهـ.
(قَوْلُهُ الْمُكْحُلَةُ بِضَمَّتَيْنِ) يَعْنِي ضَمَّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ
كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَعُدِّلُوا سِرًّا) هُوَ أَنْ يَبْعَثَ
وَرَقَةً فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ مَحَلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ
يَتَمَيَّزُ كُلٌّ مِنْهُمْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ
هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ حُكِمَ بِهِ أَيْ بِثُبُوتِ
الزِّنَا) وَالْمُرَادُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَعَلَنًا)
هُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ هَذَا هُوَ
الَّذِي عَدَّلْته كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سَأَلَ عَنْهُ
أَيْضًا) هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ
الْمَعْلُومَةِ
(2/62)
أَحَدُهُمَا (لِلْمُحْصَنِ) وَثَانِيهِمَا
لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ وَالْإِحْصَانُ أَيْضًا نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا
إحْصَانُ الزِّنَا وَثَانِيهِمَا إحْصَانُ الْقَذْفِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِّ
الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ لِلْمُحْصَنِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ
الْآتِي رَجْمُهُ وَبَيَّنَ الْمُحْصَنَ عَلَى وَجْهٍ يُعْلَمُ مِنْهُ
إحْصَانُ الزِّنَا بِقَوْلِهِ (أَيْ الْحُرِّ) فَإِنَّ الْإِحْصَانَ
يُطْلَقُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ
الْحَرَائِرَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (الْمُكَلَّفِ) أَيْ الْعَاقِلِ
الْبَالِغِ فَإِنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعُقُوبَاتِ
(الْمُسْلِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ
أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» (الْوَاطِئِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ)
هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِشَرْطَيْنِ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ بِهِ، اشْتِرَاطُ
الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] أَيْ الْمَنْكُوحَاتُ
وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] أَيْ تَزَوَّجْنَ
وَاشْتِرَاطُ الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ» وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ بِلَا دُخُولٍ وَذَا
لَا يَكُونُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَصْلُ حَالِ الْآدَمِيِّ مِنْ
الْحُرِّيَّةِ إلَّا بِالنِّكَاحِ وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ حُصُولَ
الْوَطْءِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ شَرْطٌ لِحُصُولِ صِفَةِ الْإِحْصَانِ وَلَا
يَجِبُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ فِي
عُمْرِهِ مَرَّةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ زَالَ النِّكَاحُ
وَبَقِيَ مُجَرَّدًا وَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ (وَهُمَا) أَيْ
وَالْحَالُ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ (بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) فَالْجُمْلَةُ
حَالٌ عَمَّا فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهَا مِنْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ
وَنَظِيرُهُ لَقِيت زَيْدًا رَاكِبَيْنِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ
صِفَةِ الْإِحْصَانِ فِيهِمَا عِنْدَ الدُّخُولِ حَتَّى إنَّ
الْمَمْلُوكَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَطْءٌ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ حَالَ
الرِّقِّ ثُمَّ عَتَقَا لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ وَكَذَا الْكَافِرَانِ
وَكَذَا الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً
وَوَطِئَهَا وَكَذَا الْمُسْلِمُ إذَا تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً وَوَطِئَهَا
وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَوْصُوفًا بِإِحْدَى هَذِهِ الصِّفَاتِ
وَهِيَ حُرَّةٌ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ مُسْلِمَةٌ بِأَنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ
أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ الْكَافِرُ قَبْلَ
أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مَحْضَةً بِهَذَا
الدُّخُولِ لِأَنَّ الدُّخُولَ إنَّمَا شُرِطَ لِكَوْنِهِ مُشْبِعًا عَنْ
الْحَرَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُشْبِعًا إذَا خَلَا عَمَّا يُخِلُّ
بِالرَّغْبَةِ كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالرِّقِّ وَالْكُفْرِ
(رَجَمَهُ فِي قَضَاءٍ حَتَّى يَمُوتَ يَبْدَأُ بِهِ شُهُودُهُ فَإِنْ
أَبَوْا أَوْ غَابُوا أَوْ مَاتُوا سَقَطَ الْحَدُّ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ
يَرْمِي النَّاسُ وَفِي الْمُقِرِّ يَبْدَأُ الْإِمَامُ ثُمَّ يَرْمِي
النَّاسُ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) وَذَكَرَ النَّوْعَ
الثَّانِيَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا بِقَوْلِهِ (وَلِغَيْرِ الْمُحْصَنِ) حَالَ
كَوْنِهِ (حُرًّا جَلْدُهُ مِائَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}
[النور: 2] لَكِنَّهُ نُسِخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ
غَيْرِهِ مَعْمُولًا بِهِ (وَسَطًا) أَيْ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْمُبَرِّحِ
وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِإِفْضَاءِ الْأَوَّلِ إلَى الْهَلَاكِ وَخُلُوِّ
الثَّانِي عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ (بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ
لَهُ) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ
يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ عُقْدَتَهُ (وَنَزَعَ ثِيَابَهُ) لِأَنَّهُ
أَبْلَغُ فِي إيصَالِ الْأَلَمِ إلَيْهِ وَمَبْنَى هَذَا الْحَدِّ عَلَى
الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ (إلَّا الْإِزَارَ) لِأَنَّ فِيهِ كَشْفَ
الْعَوْرَةِ (وَيُفَرَّقُ) الضَّرْبُ (عَلَى بَدَنِهِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ
فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَهَذَا الْحَدُّ زَاجِرٌ
لَا مُتْلِفٌ (إلَّا رَأْسَهُ وَفَرْجَهُ وَوَجْهَهُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْحَدَّ
اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» (قَائِمًا فِي كُلِّ حَدٍّ) لِأَنَّ
مَبْنَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ
(بِلَا مَدٍّ) قِيلَ هُوَ أَنْ يَلْقَى عَلَى الْعَرْضِ وَيُمَدُّ كَمَا
يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ السَّوْطَ فَيَرْفَعَهُ
الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ
وَكُلُّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ فَلَا يُفْعَلُ (وَعَبْدًا)
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ حُرًّا (نِصْفُهَا) وَهُوَ خَمْسُونَ سَوْطًا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ} [النساء: 25] نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ (وَلَا يَحُدُّهُ)
أَيْ الْعَبْدَ (سَيِّدُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ الْحَدَّ
حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إخْلَاءُ الْعَالَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
مِنْ الْمَقَامِ
(قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَوْا أَوْ غَابُوا أَوْ مَاتُوا سَقَطَ) كَذَا لَوْ
كَانَ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا يَسْقُطُ
الْحَدُّ بِاعْتِرَاضِ مَا يُخْرِجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ كَمَا
لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ فَسَقَ أَوْ قَذَفَ
فَحُدَّ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ
بَعْدَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا كَمَا ذَكَرَ وَغَيْرُهُ يُقَامُ
عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
وَسَنَذْكُرُ تَتِمَّةَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ فِي كِتَابِ
السَّرِقَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ
وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ) يَعْنِي فَيَكُونُ مُؤْلِمًا وَلَوْ كَانَ ضَعِيفَ
الْخِلْقَةِ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا
يَحْتَمِلُهُ (قَوْلُهُ كَسَرَ عُقْدَتَهُ) يَعْنِي حَلَّهَا أَوْ
لَيَّنَهَا بِالدَّقِّ إذَا كَانَ يَابِسًا (قَوْلُهُ إلَّا رَأْسَهُ
وَفَرْجَهُ وَوَجْهَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
. . إلَخْ) الدَّلِيلُ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ
ضَرْبُ الرَّأْسِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ
بَعْدَ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ وَرَأْسُهُ مَجْمَعُ
الْحَوَاسِّ وَكَذَا الْوَجْهُ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ أَيْضًا فَلَا
يُؤْمَنُ فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْهَا بِالضَّرْبِ وَذَلِكَ إهْلَاكٌ مَعْنًى
اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي الْقَوْلِ
بِأَنَّ الْعَقْلَ فِي الرَّأْسِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ
بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ مَبْنَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ. . .
إلَخْ) التَّشْهِيرُ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ غَيْرَ أَنَّهُ يُزَادُ فِي
شُهْرَتِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ
وَيُكْتَفَى فِي الْمَرْأَةِ بِالْإِخْرَاجِ وَالْإِتْيَانِ بِهَا إلَى
مُجْتَمَعِ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ خُصُوصًا فِي الرَّجْمِ وَأَمَّا
الْجَلْدُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ أَيْ الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَأْمُرَ
الْإِمَامُ طَائِفَةً أَيْ جَمَاعَةً أَنْ يَحْضُرُوا إقَامَةَ الْحَدِّ
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاحِدٌ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ عَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ اثْنَانِ وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَشَرَةٌ وَعَنْ
الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَرْبَعَةٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ} [النساء: 25] نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ قَالَ الْكَمَالُ
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ
فَيَرْجِعُ إلَى دَلَالَةِ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ
فِي الدَّلَالَةِ أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ مِنْ
الْمَذْكُورِ بَلْ الْمُسَاوَاةُ تَكْفِي فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَحُدُّهُ
سَيِّدُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) شَامِلٌ كُلَّ مَالِكٍ لِمَا قَالَ
الْكَمَالُ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ
ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ امْرَأَةً اهـ.
وَيَنْظُرُ هَلْ يَعْتَدُّ بِالْحَدِّ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا
اهـ.
وَقَيَّدَ بِالْحَدِّ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لِلسَّيِّدِ بِلَا إذْنِ
الْإِمَامِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(2/63)
عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ
بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ النَّائِبُ عَنْ الشَّرْعِ وَهُوَ
الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ
الْعَبْدِ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ الصَّبِيُّ وَحَقُّ الشَّرْعِ سَاقِطٌ
عَنْهُ (وَلَا يُنْزَعُ ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) لِأَنَّ
فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالْفَرْوُ وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ
وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْمَضْرُوبِ (وَتُحَدُّ جَالِسَةً) لِأَنَّهُ
أَسْتَرُ لَهَا (وَجَازَ الْحَفْرُ لَهَا) لِلرَّجْمِ لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - لِشُرَاحَةَ وَإِنْ تَرَكَ لَا بَأْسَ لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَهِيَ مَسْتُورَةٌ
بِثِيَابِهَا (لَا لَهُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ (وَلَا يَجْمَعُ) فِي الْمُحْصَنِ (بَيْنَ جَلْدٍ
وَرَجْمٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْمَعْ
(وَلَا) فِي الْبِكْرِ بَيْنَ (جَلْدٍ وَنَفْيٍ) وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ
بَيْنَهُمَا فَيَجْلِدُ مِائَةً وَيُغَرِّبُ سَنَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ
وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2]
حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ التَّغْرِيبَ وَالسُّكُوتُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ
إلَى الْبَيَانِ تَمَامُ الْبَيَانِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَمَا
رَوَاهُ مَنْسُوخٌ (إلَّا سِيَاسَةً) فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا رَأَى فِيهِ
مَصْلَحَةً غَرَّبَ بِقَدْرِ مَا يَرَى لِأَنَّهُ يُفِيدُ فِي بَعْضِ
الْأَحْوَالِ (وَيُرْجَمُ مَرِيضٌ) مُحْصَنٌ (زَنَى) لِأَنَّهُ شُرِعَ
إتْلَافًا فَلَا يُمْنَعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ (وَلَا يُجْلَدُ) مَرِيضٌ
حَدُّهُ الْجَلْدُ (حَتَّى يَبْرَأَ) لِأَنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا لَا
مُتْلِفًا وَالْجَلْدُ فِي الْمَرَضِ رُبَّمَا يَكُونُ مُتْلِفًا
(وَحَامِلٌ زَنَتْ) لَا تُحَدُّ حَتَّى تَضَعَ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا
بِالْوَلَدِ الَّذِي لَمْ يَجْنِ وَالْمَخْلُوقُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا
مُحْتَرَمٌ كَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ (تُرْجَمُ حِينَ
وَضَعْت) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ خَرَجَ
وَالْمَرَضُ لَا يُنَافِي إقَامَةَ الرَّجْمِ.
(وَ) إنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ (تُجْلَدُ بَعْدَ النِّفَاسِ) لِأَنَّهُ
نَوْعُ مَرَضٍ فَيُنْتَظَرُ الْبُرْءُ مِنْهُ
(بَابٌ وَطْءٌ يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ لَا) (الشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ
لِلْحَدِّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا
الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» هَذَا حَدِيثٌ تَلَقَّتْهُ
الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ
وَحَدِّهَا فَيَحْتَاجُ إلَى تَحْدِيدِهَا وَتَنْوِيعِهَا فَنَقُولُ
الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ
أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ
اشْتِبَاهٍ (وَهِيَ) شُبْهَةٌ تَثْبُتُ (فِي الْفِعْلِ بِظَنِّ غَيْرِ
الدَّلِيلِ) أَيْ غَيْرِ دَلِيلِ الْحِلِّ (دَلِيلًا) وَهِيَ تَحَقُّقٌ فِي
حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَا مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ وَلَا
بُدَّ مِنْ الظَّنِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ كَقَوْمٍ سُقُوا خَمْرًا
يُحَدُّ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَمْرٌ لَا مَنْ لَا يَعْلَمُ
(فَلَمْ يُحَدَّ مَنْ ظَنَّ الْحِلَّ) فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ ذَكَرَهَا
بِقَوْلِهِ (فِي وَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ) فَإِنَّ اتِّصَالَ الْأَمْلَاكِ
بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ يُفِيدُ ظَنَّ أَنَّ لِلِابْنِ وِلَايَةُ
وَطْءِ جَارِيَةِ الْأَبِ كَمَا فِي الْعَكْسِ.
(وَ) أَمَةِ (امْرَأَتِهِ) فَإِنَّ غِنَى الزَّوْجِ بِمَالِ زَوْجَتِهِ
الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى}
[الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَدْ
يُورِثُ شُبْهَةَ أَنَّ مَالَ الزَّوْجَةِ مِلْكُ الزَّوْجِ.
(وَ) أَمَةِ (سَيِّدِهِ) فَإِنَّ احْتِيَاجَ الْعَبِيدِ إلَى أَمْوَالِ
الْمَوَالِي إذْ لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ يَنْتَفِعُونَ بِهِ مَعَ كَمَالِ
الِانْبِسَاطِ بَيْنَ مَمَالِيكِ مَوْلًى وَاحِدٍ وَمَعَ أَنَّهُمْ
مَعْذُورُونَ بِالْجَهْلِ مَظِنَّةً لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّ وَطْءِ إمَاءِ
الْمَوْلَى
(وَ) وَطْءِ (الْمُرْتَهِنِ) الْأَمَةَ (الْمَرْهُونَةَ) فَإِنَّ
مَالِكِيَّةَ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَةَ مِلْكُ يَدٍ يُفِيدُ ظَنَّ
حِلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ
لِلْغَامِدِيَّةِ) أَيْ إلَى ثُنْدُوَتِهَا وَالثَّنْدُوَةُ بِضَمِّ
الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْهَمْزَةِ مَكَانَ الْوَاوِ وَبِفَتْحِهَا
مَعَ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً ثَدْيُ الرَّجُلِ أَوْ لَحْمُ الثَّدْيَيْنِ
وَالدَّالُ مَضْمُومَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
لِشُرَاحَةَ) أَيْ الْهَمْدَانِيَّةِ بِسُكُونِ الْمِيمِ (قَوْلُهُ
لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ)
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ بِنَاءً عَلَى
أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ هُوَ الْإِيجَابُ وَقَالَ إنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ
لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ
أَمْرٍ وَإِلَّا كَانَتْ مُنَاقَضَةٌ غَرِيبَةٌ فَإِنَّ مِثْلَهَا إنَّمَا
يَقَعُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ أَمَّا مَعَهُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ
فَغَرِيبٌ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا
يَجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا جَلْدُ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شُرَاحَةَ ثُمَّ رَجْمُهَا فَإِمَّا
لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إحْصَانُهَا إلَّا بَعْدَ جَلْدِهَا أَوْ
هُوَ رَأْيٌ لَا يُقَاوِمُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَلَا مَا ذَكَرْنَا عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ فَإِنْ
كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ تُرْجَمُ حِينَ وَضَعَتْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ
وَتَأْخِيرُهُ أَيْ الرَّجْمِ إلَى اسْتِغْنَاءِ الْوَلَدِ لِعَدَمِ
الْمُرَبِّي لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الْوَطْءُ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ]
(بَابٌ وَطْءٌ يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ لَا) (قَوْلُهُ فَلَمْ يُحَدَّ مَنْ
ظَنَّ الْحِلَّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ
يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي
ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ) الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا حَاصِلَةٌ بِالنَّظَرِ
لِتَعَدُّدِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ فِي وَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ) لَوْ
قَالَ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ الْأَجْدَادَ
وَالْجَدَّاتِ (قَوْلُهُ وَأَمَةِ امْرَأَتِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا
يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَكَذَا لَا تُحَدُّ الْمَوْطُوءَةُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ
لَمَّا تَحَقَّقَتْ فِي الْفِعْلِ نَفَتْ الْحَدَّ عَنْ طَرَفَيْهِ اهـ.
وَمَتَى ادَّعَى شُبْهَةً بِغَيْرِ إكْرَاهٍ سَقَطَ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ
دَعْوَاهُ وَلَا يَسْقُطُ بِدَعْوَى الْإِكْرَاهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ
الْبَيِّنَةَ كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ وَوَطْءِ الْمُرْتَهِنِ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ) جَعَلَهَا
مِنْ قَبِيلِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ هُوَ الْأَصَحُّ وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ
الْحُدُودِ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ
كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَعِيرُ
لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ
(2/64)
وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ (وَبَقَاءُ أَثَرِ
النِّكَاحِ) وَهُوَ الْعِدَّةُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا لَأَنْ
يُشْتَبَهَ عَلَيْهِ حِلُّ وَطْءِ (الْمُعْتَدَّةِ) أَيْ مُعْتَدَّتِهِ
(بِثَلَاثٍ وَ) الْمُعْتَدَّةِ (بِطَلَاقٍ عَلَى مَالٍ، وَ) الْمُعْتَدَّةِ
(بِإِعْتَاقٍ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ
أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّمَانِيَةِ إنْ
قَالَ الْجَانِي ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَإِنْ قَالَ عَلِمْت
أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ وَجَبَ الْحَدُّ وَثَانِي أَنْوَاعِ الشُّبْهَةِ
شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً.
(وَ) هِيَ تَثْبُتُ (فِي الْمَحَلِّ بِقِيَامِ دَلِيلٍ مُنَافٍ
لِلْحُرْمَةِ ذَاتًا) أَيْ إذَا نَظَرْنَا إلَى الدَّلِيلِ مَعَ قَطْعِ
النَّظَرِ عَنْ الْمَانِعِ يَكُونُ مُنَافِيًا لِلْحُرْمَةِ وَلَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ (فَلَمْ يُحَدَّ)
الْجَانِي بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ قَالَ عَلِمْتُ
أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ
(بِوَطْءِ أَمَةِ ابْنِهِ) فَإِنَّ الدَّلِيلَ النَّافِيَ لِلْحُرْمَةِ
فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك
لِأَبِيك»
. (وَ) بِوَطْءِ (مُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) فَإِنَّ الدَّلِيلَ فِيهِ
قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إنَّ الْكِنَايَاتِ رَوَاجِعُ.
(وَ) وَطْءِ (الْبَائِعُ) الْأَمَةَ (الْمَبِيعَةَ، وَ) وَطْءِ (الزَّوْجِ)
الْأَمَةَ (الْمَهْمُورَةَ) أَيْ الَّتِي جَعَلَهَا صَدَاقًا لِامْرَأَةٍ
تَزَوَّجَهَا (قَبْلَ تَسْلِيمِهَا) أَيْ تَسْلِيمِ الْأُولَى إلَى
الْمُشْتَرِي وَالثَّانِيَةُ إلَى الزَّوْجَةِ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَبِيعَةِ
فِي يَدِ الْبَائِعِ بِحَيْثُ لَوْ هَلَكَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ دَلِيلُ
الْمِلْكِ فِي الْأُولَى وَكَوْنَ الْمَهْرِ صِلَةً أَيْ غَيْرَ مُقَابَلٍ
بِمَالٍ دَلِيلُ عَدَمِ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي الثَّانِيَةِ.
. (وَ) وَطْءِ (الشَّرِيكِ) أَيْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ
(الْمُشْتَرَكَةَ) فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ
دَلِيلُ جَوَازِ الْوَطْءِ
(وَإِذَا ادَّعَى النَّسَبَ ثَبَتَ) أَيْ النَّسَبُ (هُنَا) فِي شُبْهَةِ
الْمَحَلِّ (لَا الْأُولَى) أَيْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي
الْأُولَى تَمَحَّضَ زِنًا وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ
إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ
وَثَالِثُ أَنْوَاعِ الشُّبْهَةِ شُبْهَةُ الْعَقْدِ.
(وَ) هِيَ تَثْبُتُ (بِالْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ (عِنْدَهُ) أَيْ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي وَطْءٍ مُحَرَّمٍ نِكَاحُهَا) وَإِنْ كَانَ
حُرْمَتُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ حَيْثُ لَا حَدَّ
عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ
وَعِنْدَ غَيْرِهِ إنْ عَلِمَ يُحَدُّ وَإِلَّا فَلَا وَسَيَأْتِي
بَيَانُهُ
(وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ) أَوْ أُخْتِهِ (أَوْ عَمّه) أَوْ
عَمَّتِهِ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَكَذَا سَائِرُ
الْمَحَارِمِ سِوَى الْأَوْلَادِ إذْ لَا بُسُوطَةَ لَهُ فِي مَالِ
هَؤُلَاءِ فَلَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةِ بِثَلَاثٍ) هَذَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا
صَرِيحًا أَمَّا لَوْ نَوَاهَا بِالْكِنَايَةِ فَوَقَعْنَ فَوَطِئَهَا فِي
الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ
الِاخْتِلَافِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهَذِهِ
يُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا وَطِئَتْ فِي الْعِدَّةِ
وَقَالَ عَلِمْت حُرْمَتَهَا وَلَا يُحَدُّ وَهِيَ مَا وَقَعَ الثَّلَاثُ
عَلَيْهَا بِالْكِنَايَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُحَدَّ
مُطْلَقًا بِوَطْءِ أَمَةِ ابْنِهِ) لَوْ قَالَ وَلَدِهِ أَوْ فَرْعِهِ
لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ أَمَةَ بِنْتِهِ وَلِيَتِمَّ بِهِ الْعَدَدُ
السِّتَّةُ وَإِلَّا فَهِيَ فِي كَلَامِهِ خَمْسَةٌ وَقَالَ إنَّهَا
سِتَّةٌ وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي أَمَةِ وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ
وَلَدُهُ حَيًّا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ تَمَلُّكِ مَالِهِ
حَالَ قِيَامِ ابْنِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي سِتَّةِ
مَوَاضِعَ) ظَاهِرُهُ الْحَصْرُ لِمَقَامِ الْبَيَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ
فَإِنَّ أَمَةَ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ الْمُسْتَغْرَقِ
وَالْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا كَذَلِكَ فِي
الْحُكْمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ
يُزَادَ جَارِيَتُهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَارِيَتُهُ
قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالزَّوْجَةُ الَّتِي حَرُمَتْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا
حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَوَطْءِ مُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) هَذَا بِخِلَافِ وَطْءِ
الْمُخْتَلِعَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الشُّبْهَةِ
الْحُكْمِيَّةِ وَأَخْطَأَ مَنْ بَحَثَ وَقَالَ يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ
ذَوَاتِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
وَوَطْءِ الْبَائِعِ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ. . . إلَخْ) قَيَّدَ
بِكَوْنِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَمَّا
الْفَاسِدُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ
بَعْدُ وَكَذَا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ لِلْبَائِعِ أَوْ
الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ لَا الْأُولَى) أَيْ شُبْهَةُ الْفِعْلِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ
الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا يَثْبُتُ نَسَبُ
وَلَدِهَا لِدُونِ سَنَتَيْنِ بِلَا دَعْوَةٍ وَلِأَكْثَرَ بِدَعْوَةٍ
فَكَانَ مُخَصَّصًا لِهَذَا وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ مَنْ زُفَّتْ
إلَيْهِ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُهُ بِدَعْوَتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ
التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ) يَعْنِي وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ
مُعْتَقِدٌ لِحُرْمَةِ الزِّنَا كَمَا سَيَأْتِي إذْ لَوْ اعْتَقَدَ
الْحِلَّ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ
(قَوْلُهُ وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ) قَالَ
الْكَمَالُ وَهِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً
وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ إنْ عَلِمَ يُحَدُّ) الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ
صَاحِبَاهُ وَبِقَوْلِهِمَا أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَرَجَّحَهُ
فِي الْوَاقِعَاتِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ
وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ) لَمْ يُبَيِّنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي جَمِيعًا بَلْ
لَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَأَحَالَ هُنَاكَ عَلَى مَا
هُنَا وَبَيَانُهُ أَنَّ الْعَقْدَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مَنْ وَافَقَهُمَا
لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْعَاقِدِ
فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ مَحَلَّهُ يَعْنِي
مَحَلِّيَّتَهَا لِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ
الْعَاقِدِ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَقْبَلُ مَقْصُودَهُ
وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ قَابِلَةٌ لِلتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ
وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ
الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْحِلِّ
لِدَلِيلٍ فَيُورِثُ شُبْهَةً اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ كَلَامُهُمَا أَوْضَحُ
اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي) قَالَ فِي الْفَتْحِ
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ
أَنَّ وَطْأَهُ هَذِهِ لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي
الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ
وَإِنَّمَا يَنْفِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ. اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ
(2/65)
يَسْتَنِدْ ظَنُّهُ إلَى دَلِيلٍ فَلَمْ
يُعْتَبَرْ
. (وَ) حُدَّ بِوَطْءِ (أَجْنَبِيَّةٍ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ) وَقَالَ
حَسِبْتهَا امْرَأَتِي إذْ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ لَا تَشْتَبِهُ
عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ (وَلَوْ هُوَ أَعْمَى) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى
التَّمْيِيزِ بِالْحَرَكَاتِ وَالْهَيْئَاتِ إلَّا إذَا دَعَاهَا
فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ وَقَالَتْ أَنَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا
لِأَنَّ الْإِخْبَارَ دَلِيلٌ كَذَا فِي الْكَافِي حَتَّى إذَا أَجَابَتْ
بِالْفِعْلِ وَلَمْ تَقُلْ ذَلِكَ فَوَاقَعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ
كَذَا فِي الْإِيضَاحِ (وَذِمِّيَّةٌ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ حُدَّ وَجَازَ
لِلْفَصْلِ (زَنَى بِهَا حَرْبِيٌّ وَذِمِّيٌّ وَزَنَى بِحَرْبِيَّةٍ)
لِكَوْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُخَاطَبِينَ بِالْعُقُوبَاتِ (لَا
الْحَرْبِيُّ وَالْحَرْبِيَّةُ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ بِهَا
(وَلَا مَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً زُفَّتْ إلَيْهِ وَقُلْنَ هِيَ عِرْسُك
وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) قَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَبِالْعِدَّةِ (وَلَا) مَنْ وَطِئَ (مَحْرَمًا نَكَحَهَا) عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعَقْدَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ كَمَا
سَبَقَ (وَلَا) مَنْ وَطِئَ (بَهِيمَةً) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى
الزِّنَا فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً ثُمَّ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ
تُذْبَحُ ثُمَّ تُحْرَقُ بِالنَّارِ وَلَا تُحْرَقُ قَبْلَ الذَّبْحِ
وَضَمِنَ الْفَاعِلُ قِيمَةَ الدَّابَّةِ إنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ
لِأَنَّهَا قُتِلَتْ لِأَجْلِهِ وَالْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ لَيْسَ
بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ لِئَلَّا يُعَيَّرَ الرَّجُلُ بِهَا إنْ
كَانَتْ بَاقِيَةً فَيَنْقَطِعُ التَّحَدُّثُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا
يُؤْكَلُ تُذْبَحُ فَتُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُحْرَقُ (أَوْ أَتَى فِي دُبُرٍ) عَطْفٌ عَلَى
وَطِئَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحَدُّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ
قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى
وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَإِنَّ
الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي مُوجَبِهِ عَنْ الْإِحْرَاقِ وَهَدْمِ
الْجِدَارِ عَلَيْهِ وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ بِإِتْبَاعِ
الْأَحْجَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ بِأَمْثَالِ هَذِهِ
الْأُمُورِ (أَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ) دَارِ (الْبَغْيِ ثُمَّ
خَرَجَ إلَيْنَا) لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ هُنَاكَ بِالْحَدِيثِ وَلَا
بَعْدَ مَا خَرَجَ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فَلَا تَنْقَلِبُ
مُوجِبَةً (وَلَا بِزِنَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ بِمُكَلَّفَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ
لَا عَلَى الْفَاعِلِ وَلَا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ.
(وَفِي عَكْسِهِ) بِأَنْ زَنَى مُكَلَّفٌ بِغَيْرِ مُكَلَّفَةٍ (حُدَّ هُوَ
فَقَطْ وَلَا بِالزِّنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ) يَعْنِي وَلَوْ فِي لَيْلَةٍ
مُظْلِمَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ)
الْمَسْأَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَقْيِيدِ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ وَلَهُ
امْرَأَةٌ قَدِيمَةٌ اهـ.
وَيُنْظَرُ مَاذَا يَكُونُ بِهِ قِدَمُهَا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا دَعَاهَا
فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ
الدَّاعِي بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ
الْأَعْمَى دَعَا امْرَأَتَهُ فَأَجَابَتْهُ غَيْرُهَا فَجَامَعَهَا قَالَ
مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ أَجَابَتْهُ وَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ
تَعْنِي امْرَأَتَهُ فَجَامَعَهَا لَا يُحَدُّ لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَا
يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ اهـ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ
وَذِمِّيَّةٍ زَنَى بِهَا حَرْبِيٌّ) يُرِيدُ بِهِ الْمُسْتَأْمَنَ
(قَوْلُهُ وَذِمِّيٌّ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ) أَيْ مُسْتَأْمَنَةٍ (قَوْلُهُ
وَلَا مَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً زُفَّتْ. . . إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ فِيهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ
عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ
مِنْ هَذَا الْوَطْءِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ الْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةِ
الِاشْتِبَاهِ نَسَبٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ شُبْهَةُ دَلِيلٍ ثُمَّ قَالَ
وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ غَيْرَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ
الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ
(قَوْلُهُ كَمَا سَبَقَ) قَدْ عَلِمْت مَا فِي حَوَالَتِهِ عَلَى هَذَا
وَأَيْضًا هَذَا مُسْتَدْرَكٌ فَلِذَا قَالَ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ
وَالْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ) كَذَا قَتْلُهَا لِمَا قَالَ
فِي الْفَتْحِ وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ
وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ امْتِدَادِ التَّحَدُّثِ بِهِ كُلَّمَا
رُئِيَتْ فَيَتَأَذَّى الْفَاعِلُ بِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ تُذْبَحُ فَتُؤْكَلُ) قَالَ
الْكَمَالُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي السِّرَاجِ إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ الْأَصَحُّ
عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ عَدْلَانِ وَلَا
يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ أَتَى فِي دُبُرٍ)
شَامِلٌ دُبُرَ مَنْكُوحَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى
اللِّوَاطَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكْفِي عَدْلَانِ وَعِنْدَهُمَا
لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَمَا
فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ بِأَمْثَالِ
هَذِهِ الْأُمُورِ) قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ
الْكَمَالُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّهُ
يُعَزَّرُ وَيُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ وَالْحَدُّ الْمُقَدَّرُ
شَرْعًا لَيْسَ حُكْمًا لَهُ اهـ.
وَمَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ
فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى
السِّيَاسَةِ اهـ.
وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ سَوَاءٌ كَانَ
بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ بِنِكَاحٍ
صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ
مُحْصَنٍ سِيَاسَةً اهـ.
وَلَكِنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِاسْتِحْلَالِهِ بِمَمْلُوكَتِهِ كَذَا فِي
التَّتَارْخَانِيَّة يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ وَلَوْ أَمْكَنَ
امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ مِنْ الْعَبَثِ بِذَكَرِهِ فَأَمْنَى فَإِنَّهُ
مَكْرُوهٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ
وَقَالَ الْكَمَالُ الصَّحِيح أَنَّ اللِّوَاطَةَ لَيْسَتْ فِي الْجَنَّةِ
اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ) يَعْنِي فِي
غَيْرِ مُعَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ أَوْ أَمِيرِ الْمِصْرِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ
عَسْكَرٍ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحُدُودِ فَدَخَلَ دَارَ
الْحَرْبِ وَزَنَى ثُمَّ عَادَ أَوْ كَانَ مَعَ أَمِيرِ سَرِيَّةٍ أَوْ
أَمِيرِ عَسْكَرٍ فَزَنَى ثَمَّةَ أَوْ كَانَ تَاجِرًا أَوْ أَسِيرًا
أَمَّا لَوْ زَنَى وَهُوَ مَعَ عَسْكَرٍ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ
الْحَدِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِخِلَافِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ أَوْ
السَّرِيَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَوَّضَ لَهُمَا تَدْبِيرَ الْحَرْبِ لَا
إقَامَةَ الْحُدُودِ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةٌ ثَمَّةَ كَمَا
فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا بِزِنَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ بِمُكَلَّفَةٍ)
كَذَا لَا عُقْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ لَرَجَعَ بِهِ
الْوَلِيُّ عَلَيْهَا لِأَمْرِهَا لَهُ بِمُطَاوَعَتِهَا لَهُ بِخِلَافِ
مَا لَوْ زَنَى الصَّبِيُّ بِصَبِيَّةٍ أَوْ بِمُكْرَهَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ
عَلَيْهِ الْعُقْرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(2/66)
بِمُسْتَأْجَرَةٍ لَهُ) أَيْ لِلزِّنَا
بِأَنْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا فَزَنَى بِهَا لَا يُحَدُّ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا حُدَّا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إذْ
لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ فَكَانَ زِنًا مَحْضًا
وَلَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَجُلًا مَالًا فَأَبَى أَنْ
يُعْطِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ عُمَرُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُمَا الْحَدَّ وَقَالَ هَذَا مَهْرُهَا (وَلَا)
بِالزِّنَا (بِإِكْرَاهٍ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ زَانِيًا أَوْ
مَزْنِيَّةً (وَلَا بِإِقْرَارٍ) بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (إنْ
أَنْكَرَ الْآخَرُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا
أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعًا بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ إنَّهُ
تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ أَرْبَعًا بِالزِّنَا مَعَ فُلَانٍ وَقَالَ
فُلَانٌ تَزَوَّجْتُهَا لَمْ يُحَدَّ وِفَاقًا وَثَانِيهِمَا أَنْ يُقِرَّ
أَرْبَعًا أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَقَالَتْ مَا زَنَى بِي وَلَا
أَعْرِفُهُ أَوْ أَقَرَّتْ أَرْبَعًا بِالزِّنَا مَعَ فُلَانٍ وَقَالَ
فُلَانٌ مَا زَنَيْت بِهَا وَلَا أَعْرِفُهَا لَا يُحَدُّ الْمُقِرُّ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
(وَفِي قَتْلِ أَمَةٍ بِزِنًا يَجِبُ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ) لِأَنَّهُ
جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُوجَبُهَا
الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ (وَالْخَلِيفَةُ) أَيْ
الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ أَمَامٌ (لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ
الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتُهُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ
وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ (وَيُقْتَصُّ وَيُؤْخَذُ
بِالْمَالِ) لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ
الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ
الْمُسْلِمِينَ
(بَابٌ شَهَادَةُ الزِّنَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا) (شَهِدَ بِحَدٍّ
مُتَقَادِمٍ بِلَا عُذْرٍ) بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ إمَامِهِ بِحَيْثُ
يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الشَّهَادَةِ بِلَا تَأْخِيرٍ (لَمْ تُقْبَلْ)
لِأَنَّ الشَّاهِدَ فِي الْحُدُودِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ أَدَاءِ
الشَّهَادَةِ وَالسِّتْرِ فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ
السِّتْرَ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَهُ لِسُوءٍ فِي بَاطِنِهِ
مِنْ حِقْدٍ أَوْ عَدَاوَةٍ حَرَّكَتْهُ فَيُتَّهَمُ فِيهَا وَإِلَّا صَارَ
فَاسِقًا آثِمًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ كَمَا سَيَأْتِي (إلَّا فِي
قَذْفٍ) لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى
انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ
(وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ) أَيْ إذَا شَهِدَ شُهُودُ السَّرِقَةِ بَعْدَ
التَّقَادُمِ لَا يُحَدُّ السَّارِقُ وَيَضْمَنُ مَا سَرَقَ لِأَنَّ
التَّقَادُمَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ (وَلَوْ أَقَرَّ
بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ بَعْدَ التَّقَادُمِ (يُحَدُّ) لِانْتِفَاءِ
تُهْمَةِ الْحِقْدِ وَالْعَدَاوَةِ (إلَّا فِي الشُّرْبِ) كَمَا سَيَأْتِي
(وَتَقَادُمُهُ) أَيْ الشُّرْبِ (بِزَوَالِ الرِّيحِ وَ) التَّقَادُمُ
لِغَيْرِهِ (بِمُضِيِّ شَهْرٍ) هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ
(شَهِدُوا بِزِنًا وَهِيَ غَائِبَةٌ حُدَّ وَبِسَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ لَا)
لِأَنَّ الدَّعْوَى تَنْعَدِمُ بِالْغَيْبَةِ وَهِيَ شَرْطٌ فِي
السَّرِقَةِ لَا الزِّنَا كَمَا سَيَأْتِي
(وَلَوْ اخْتَلَفَ أَرْبَعَةٌ فِي زَاوِيَتَيْ الْبَيْتِ أَوْ أَقَرَّ
بِزِنًا وَجَهِلَهَا حُدَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ
كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَا فِي زَاوِيَةٍ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ
لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ
الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَالِانْتِهَاءُ فِي الْأُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ.
وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ
ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا فَلَا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ
جَهْلَ الْمُقِرِّ لَا يَدْفَعُ الْحَدَّ إذْ لَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ
أَوْ أَمَتُهُ لَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَهِدُوا كَذَلِكَ) أَيْ
شَهِدُوا أَنَّهُ يَزْنِي بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا (أَوْ
اخْتَلَفُوا فِي طَوْعِهَا) أَيْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى
بِفُلَانَةَ فَأَكْرَهَهَا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ (أَوْ)
اخْتَلَفُوا (فِي بَلَدِ زِنَاهُ) أَيْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى
بِامْرَأَةٍ بِالْكُوفَةِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ
(أَوْ اتَّفَقَ حُجَّتَاهُ فِي وَقْتِهِ وَاخْتَلَفَا فِي بَلَدِهِ أَوْ
شَهِدُوا بِزِنًا وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ هُمْ فَسَقَةٌ أَوْ شُهُودٌ عَلَى
شُهُودٍ لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ) أَيْ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا وَلَا
الشُّهُودُ بِسَبَبِ الْقَذْفِ (وَإِنْ شَهِدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وِفَاقًا) أَيْ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَإِنْ
كَانَتْ مُعْتَرِفَةً بِأَنْ لَا مَهْرَ لَهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ وَفِي قَتْلِ أَمَةٍ بِزِنًا. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ
يُخَالِفُ مَا لَوْ أَذْهَبَ عَيْنَيْهَا بِهِ وَفِيهِ يَجِبُ عَلَيْهِ
قِيمَتُهَا وَسَقَطَ بِهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي
الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً كَمَا فِي
الْهِدَايَةِ
[بَاب شَهَادَة الزِّنَا وَالرُّجُوع عَنْهَا]
(بَابٌ شَهَادَةُ الزِّنَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا) (قَوْلُهُ شَهِدَ
بِحَدٍّ) أَيْ بِمُوجِبِ حَدٍّ وَقَوْلُهُ مُتَقَادِمٍ أَيْ مُوجِبُهُ
فَإِسْنَادُهُ إلَى الْحَدِّ مَجَازٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا
مِنْ إمَامِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ
الْبُعْدُ عُذْرًا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ
خَوْفِ طَرِيقٍ وَلَوْ فِي بُعْدِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ
الَّتِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْمُسَارَعَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ لَمْ يُقْبَلْ) وَحَكَى الْحَسَنُ أَنَّهُمْ يُحَدُّونَ وَقَالَ
الْكَرْخِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ
(قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ) أَيْ الْمَسْرُوقَ (قَوْلُهُ بِمُضِيِّ
شَهْرٍ) هُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَاضِي
وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ
كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) قَالَ فِي
الْبُرْهَانِ وَقِيلَ بِنِصْفِ شَهْرٍ أَوْ بِمَا يَرَاهُ الْقَاضِي
(قَوْلُهُ شَهِدُوا بِزِنًا وَهِيَ غَائِبَةٌ) أَيْ وَهُمْ يَعْرِفُونَهَا
(إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ) بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ) لَكِنَّهُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى
السَّرِقَةِ بِدُونِ الدَّعْوَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيُحْبَسُ
السَّارِقُ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ) يَعْنِي
مُمْكِنٌ لِصِيَانَةِ الْبَيِّنَاتِ عَنْ التَّعْطِيلِ لَا لِإِيجَابِ
الْحَدِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِأَمْرِنَا بِالِاحْتِيَالِ
لِدَرْئِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(2/67)
الْأُصُولُ بَعْدَهُمْ) أَيْ بَعْدَ
الْفُرُوعِ أَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُودِ
عَلَيْهِ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ وَأَمَّا
عَدَمُهُ عَلَى الشُّهُودِ فَلِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى
الزِّنَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَخْرَجَ كَلَامَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ
قَذْفًا وَأَمَّا عَدَمُهُ فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَشْهُودَ
بِهِ إذَا كَانَ وَاحِدًا فَبَعْضُهُمْ كَاذِبٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا
يَكْفِي بِطَوْعِهَا وَكَرْهِهَا وَإِلَّا فَلَا نِصَابَ لِلشَّهَادَةِ
عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَمَّا عَدَمُهُ عَلَى الشُّهُودِ
فَلِإِتْيَانِهِمْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ
فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا
يُحَدُّ الشُّهُودُ لِمَا ذُكِرَ وَأَمَّا فِي الرَّابِعِ فَلِمَا فِي
الثَّالِثِ وَأَمَّا فِي الْخَامِسِ فَلِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ
مَعَ الْبَكَارَةِ فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِيَقِينٍ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ
عَلَيْهِمَا لِأَنَّ قَوْلَهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي
إيجَابِهِ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ وَلَفْظِ
الشَّهَادَةِ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُوَ
مَجْبُوبٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَلَا الشُّهُودُ
لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ كَمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى
امْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَوُجِدَتْ رَتْقَاءَ حَيْثُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا
وَلَا عَلَيْهِمْ وَأَمَّا السَّادِسُ فَلِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ
التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ
لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ
يَنْفُذُ عِنْدَنَا فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ الزِّنَا مِنْ وَجْهٍ
بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ دُونَ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْقُصُورِ
فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ
الثُّبُوتِ وَيَسْقُطُ عَنْ الشُّهُودِ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ وَأَمَّا
السَّابِعُ فَلِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ زِيَادَةَ
الشُّبْهَةِ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهَا فِي مَوْضُوعَيْنِ فِي
شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَلَا يُحَدُّ الْفُرُوعُ
لِأَنَّهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا بَلْ حَكَّمُوا
شَهَادَةَ الْأُصُولِ وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ
وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ لَا إثْبَاتِهِ وَإِنْ جَاءَ
الْأُصُولُ وَشَهِدُوا عَلَى مُعَايِنَةِ ذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ لَمْ
تُقْبَلْ وَلَمْ يُحَدُّوا أَيْضًا لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ قَدْ رُدَّتْ فِي
تِلْكَ الْحَادِثَةِ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِأَنَّهُمْ
قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ وَشَهَادَتُهُمْ كَشَهَادَتِهِمْ وَالشَّهَادَةُ
فِي حَادِثَةٍ إذَا رُدَّتْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا أَبَدًا (فَإِنْ شَهِدُوا
بِالزِّنَا) حَالَ كَوْنِهِمْ (عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ
أَوْ ثَلَاثَةً) وَقَدْ وَجَبَ الْأَرْبَعَةُ (أَوْ) أَرْبَعَةً
(أَحَدُهُمْ مَحْدُودٌ) فِي قَذْفٍ (أَوْ عَبْدًا أَوْ وُجِدَ كَذَا) أَيْ
مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ عَبْدًا (بَعْدَ الْحَدِّ حُدُّوا) أَيْ
الشُّهُودُ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ
شَهِدُوا وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَدُّ بِهِمْ لِعَدَمِ أَهْلِيهِ
الشَّهَادَةِ فِيهِمْ أَوْ عَدَمِ النِّصَابِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَا
وَيَجِبُ الْحَدُّ لِكَوْنِهِمْ قَذَفَةً
(وَأَرْشُ جَرْحِ جِلْدِهِ هَدَرٌ) أَيْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِزِنًا
وَالزَّانِي غَيْرُ مُحْصَنٍ فَجُلِدَ فَجَرَحَهُ الْجَلْدُ ثُمَّ ظَهَرَ
أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَأَرْشُ الْجِلْدِ هَدَرٌ
عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (وَدِيَةُ رَجْمِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ
شَهِدُوا وَالزَّانِي مُحْصَنٌ فَرُجِمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا
أَوْ نَحْوَهُ فَدِيَةُ الرَّجْمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَأَيُّ رَجْعٍ
مِنْ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ رَجْمٍ حُدَّ) أَيْ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ
حَدَّ الْقَذْفِ خِلَافًا لِزُفَرَ (وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ) خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ (وَقَبْلَهُ) أَيْ أَيُّ رَجْعٍ مِنْهُمْ قَبْلَ الرَّجْمِ
(حُدُّوا) أَيْ حُدَّ جَمِيعُ الشُّهُودِ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ
كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً
بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بَقِيَ قَذْفًا
فَيُحَدُّونَ (لَا شَيْءَ عَلَى خَامِسٍ رَجَعَ) إذْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى
بِشَهَادَتِهِمْ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ
حُدَّا وَغَرِمَا الرُّبْعَ) أَيْ رُبْعَ الدِّيَةِ إذَا بَقِيَ ثَلَاثُ
أَرْبَاعِ الْحَقِّ بِبَقَاءِ الثَّلَاثَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا)
ضَمَّنَ نَسَبُوا مَعْنَى رَمَوْا لِتَعْدِيَةِ الزِّنَا بِالْبَاءِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَ الْأُصُولُ. . . إلَخْ) إنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ
شَهَادَةُ الْأُصُولِ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِلشُّبْهَةِ
الْمَذْكُورَةِ لِدَرْءِ الْحَدِّ فَرَدُّ شَهَادَةِ الْفَرْعِ رَدٌّ
لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ لِلشُّبْهَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شَهَادَةَ
الْأُصُولِ تُقْبَلُ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ فِي غَيْرِ
الْحُدُودِ لِثُبُوتِ الْمَالِ مَعَ الشُّبْهَةِ دُونَ الْحَدِّ وَلَوْ
رُدَّتْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ لَا تُقْبَلُ بَعْدَهُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ
فِي كُلِّ شَيْءٍ إنْ كَانَ الرَّدُّ لِتُهْمَةٍ مَعَ بَقَاءِ
الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ رُدَّتْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالرِّقِّ
وَالْكُفْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ لِثُبُوتِ
الْأَهْلِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ
أَحَدُهُمْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ عَبْدٌ) كَذَا لَوْ كَانَ أَعْمَى
(قَوْلُهُ أَوْ وُجِدَ كَذَا. . . إلَخْ) كَذَا إذَا وُجِدَ أَعْمَى أَوْ
كَافِرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ حُدُّوا) أَيْ الشُّهُودُ لَا
الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ شَهِدُوا وَلَا
يَخْفَى أَنَّ نَفْيَ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فِيمَا
إذَا فَاتَ شَرْطُ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ إمْضَاءِ الْحَدِّ أَمَّا
إذَا مَضَى الْحَدُّ ثُمَّ ظَهَرَ فَوَاتُ الشَّرْطِ كَيْفَ يُنْفَى
الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ حُدَّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ
يَقُولَ حُدَّ الشُّهُودُ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ
وَبَعْدَهُ الشُّهُودُ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْحَدُّ لِكَوْنِهِمْ قَذَفَةً)
يَعْنِي فَيُقَامُ إذَا طَلَبَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عِنْدَ
عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة
(قَوْلُهُ فَأَرْشُ الْجَلْدِ هَدَرٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ
فَيَكُونُ الْأَرْشُ عِنْدَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا الْخِلَافُ
فِيمَا إذَا مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
وَقَبْلَهُ حُدُّوا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ
فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بَقِيَ قَذْفًا) الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ
الْقَضَاءُ الْمَمْضِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ
يَمْضِ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ حُدُّوا كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ
لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ الْقَضَاءِ فِي
الْحُدُودِ
(2/68)
عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كَمَالَ
الْعَدَدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْبَقَاءِ بَلْ يَبْقَى لِكُلِّ رَجُلٍ
قِسْطُهُ فَصَارَ عَلَيْهِمَا الرُّبْعُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ
الرَّاجِعَيْنِ حَدٌّ كَامِلٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَتَجَزَّأُ
(ضَمِنَ الْمُزَكِّي دِيَةَ الْمَرْجُومِ إنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ
كُفَّارًا) يَعْنِي شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزُكُّوا
فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ كُفَّارٌ أَوْ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى
الْمُزَكِّينَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ قَالُوا
مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ وَقَالُوا هُمْ عَبِيدٌ أَوْ
كُفَّارٌ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا بِالتَّزْكِيَةِ مَعَ
عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ (كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ
فَظَهَرُوا كَذَلِكَ) يَعْنِي شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا
فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ وَلَمْ يُرْجَمْ
ثُمَّ وُجِدَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَعَلَى الْقَاتِلِ
الدِّيَةُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا
مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ
صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً بِخِلَافِ مَا إذَا
قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَصِرْ حُجَّةً
بَعْدُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ
الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ دَمَ الْعَمْدِ.
(وَ) ضَمِنَ (بَيْتُ الْمَالِ إنْ لَمْ تُزَكِّ فَرُجِمَ) لِأَنَّهُ
امْتَثَلَ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَ
بِنَفْسِهِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَا هَذَا
(أَقَرَّ شُهُودُ الزِّنَا بِنَظَرِهِمْ عَمْدًا قُبِلَتْ) لِإِبَاحَةِ
النَّظَرِ لَهُمْ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ
(زَانٍ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ) بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ
(فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَوَلَدَتْ زَوْجَتُهُ
مِنْهُ رُجِمَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ
فَإِنَّ زُفَرَ يَقُولُ إنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فَلَا
يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ
وَالشَّافِعِيُّ يَجْرِي عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ
مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ
عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الزِّنَا فَلَا
يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْعِلَّةِ أَنْ
تَكُونَ مُفْضِيَةً إلَى الْمَعْلُولِ وَهُوَ فِي الْمَانِعِ غَيْرُ
مَعْقُولٍ
(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)
(إذَا شَرِبَ خَمْرًا) جَوَابُ إذَا قَوْلُهُ الْآتِي حُدَّ يَعْنِي أَنَّ
مُجَرَّدَ شُرْبِ الْخَمْرِ (وَلَوْ) كَانَتْ (فِطْرَةً أُخِذَ بِرِيحِهَا
وَإِنْ زَالَتْ) أَيْ رِيحُهَا لِبُعْدِ الطَّرِيقِ (أَوْ سَكِرَ) عَطْفٌ
عَلَى شَرِبَ (وَزَالَ عَقْلُهُ) بِحَيْثُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الرَّجُلِ
وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لِقَوْلِهِ سَكِرَ فَإِنَّ
الْمُرَادَ بِالسُّكْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ
هَذَا الْمَعْنَى وَفِي حَقِّ حُرْمَةِ الْأَشْرِبَةِ أَنْ يَهْذِيَ
وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَهْذِيَ مُطْلَقًا (بِنَبِيذٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ
الْمُسْكِرَاتِ غَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ ضَمِنَ الْمُزَكِّي) التَّزْكِيَةُ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي هُمْ
أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ عُدُولٌ أَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هُمْ عُدُولٌ
فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا ظَهَرُوا عَبِيدًا اتِّفَاقًا كَمَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ قَالُوا مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ
وَقَالُوا هُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ) أَيْ مَعْنَى الرُّجُوعِ الْمُوجِبِ
لِلضَّمَانِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ قَالُوا أَخْطَأْنَا فِي ذَلِكَ
فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ اتِّفَاقًا وَعَمَّا لَوْ اسْتَمَرَّ
الْمُزَكُّونَ عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ قَائِلِينَ هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ
فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ اتِّفَاقًا وَمَعْنَاهُ بَعْدَ ظُهُورِ كُفْرِهِمْ
حُكْمُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا طَرَأَ كُفْرُهُمْ
كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي ادِّعَاءِ طَرَيَانِ الْكُفْرِ لِتَصَوُّرِهِ فَمَا
الْحُكْمُ فِي الرِّقِّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا
بِالتَّزْكِيَةِ. . . إلَخْ) فِي جَعْلِ هَذَا صُورَةً أُخْرَى لِلظُّهُورِ
نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصُّورَةِ الْأُولَى اهـ.
وَقَدْ صَوَّرَ الْكَمَالُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِيمَا
لَوْ اسْتَمَرُّوا عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ وَفِيمَا إذَا قَالُوا أَخْطَأْنَا
ثُمَّ قَالَ فَلَمْ يَبْقَ لِصُورَةِ الرُّجُوعِ إلَّا أَنْ يَقُولُوا
تَعَمَّدْنَا فَقُلْنَا هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ مَعَ عِلْمِنَا
بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ
الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ
عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي بَعْدَ قَوْلِهِ إذَا
رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ فِي صُورَةِ
الرُّجُوعِ الْخِلَافِيَّةِ قَوْلَيْنِ أَنْ يَرْجِعُوا بِهَذَا الْوَجْهِ
أَوْ بِأَعَمَّ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ فَرَجَمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُ إلَى الرَّجُلِ
فِي قَوْلِهِ فَقَتَلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ
(قَوْلُهُ فَشَهِدَ عَلَيْهِ) أَيْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ
رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ
يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَاءَ مَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا
وَلَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا
يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ بِهِ إحْسَانُهُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ
الْوَطْءِ وَالزِّفَافِ وَالْخَلْوَةِ وَالزِّيَارَةِ فَلَا يَثْبُتُ
بِالشَّكِّ كَلَفْظِ الْقُرْبَانِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَكَلَفْظِ
الْإِتْيَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا
مُقِرَّانِ بِالْوَلَدِ. اهـ.
[بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ]
(بَابٌ حَدُّ الشُّرْبِ) (قَوْلُهُ وَأُخِذَ بِرِيحِهَا) قَيَّدَ بِوُجُودِ
الرَّائِحَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ
كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ وَبِوِجْدَانِ الرَّائِحَةِ وَإِذَا
شَهِدَا بِالشُّرْبِ فَقَطْ يَأْمَرُ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ
فَيَسْتَنْكِهُهُ وَيُخْبِرُهُ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ كَمَا فِي
الْفَتْحِ وَإِنْ زَالَتْ لِبُعْدِ الطَّرِيقِ لَا بُدَّ فِيهِ أَنْ
يَشْهَدَ بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ كَمَا
فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَالرِّيحُ مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا كَذَا فِي
الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِي حَقِّ حُرْمَةِ الْأَشْرِبَةِ أَنْ يَهْذِيَ)
ظَاهِرٌ فِيمَا لَيْسَ مُحَرَّمًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ عِنْدَهُ وَأَمَّا
الْمُحَرَّمَةُ بِأَصْلِهَا كَيْفَ يُشْتَرَطُ الْهَذَيَانُ لِلْحُرْمَةِ
وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ أَنَّ الطَّرِيقَ
الْمُفْضِيَ إلَى السُّكْرِ قَدْ تَكُونُ حَرَامًا كَمَا فِي الْأَرْبَعَةِ
الْمُحَرَّمَةِ اهـ فَلَا تَتَوَقَّفُ الْحُرْمَةُ فِيهَا عَلَى
الْهَذَيَانِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِ هَذَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ
وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَهْذِيَ مُطْلَقًا) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ
غَالِبُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ
بِسَكْرَانَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّحَاةِ فِي إقْرَارِهِ
بِالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي الْعُرْفِ مَنْ
اخْتَلَطَ كَلَامُهُ جِدُّهُ بِهَزْلِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ
وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ لِلْفَتْوَى كَذَا
فِي الْفَتْحِ
(2/69)
الْخَمْرِ (وَأَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِشُرْبِ
الْخَمْرِ أَوْ السُّكْرِ بِغَيْرِهَا (مَرَّةً أَوْ شَهِدَ بِهِ
رَجُلَانِ) لَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي
الْحُدُودِ (وَعُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا) فَإِنَّ الشُّرْبَ بِالْإِكْرَاهِ
لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (حُدَّ صَاحِيًا) لِيَتَأَدَّبَ بِهِ وَيَنْزَجِرَ
لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ حَالَ السُّكْرِ (ثَمَانِينَ
سَوْطًا لِلْحُرِّ وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ -
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - (يُنْزَعُ ثَوْبُهُ) يَعْنِي إلَّا
الْإِزَارَ (وَيُفَرَّقُ عَلَى جِلْدِهِ كَمَا فِي الزِّنَا) لِمَا مَرَّ
ثَمَّةَ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ (أَوْ شَهِدَ
عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الرِّيحِ) قَيْدٌ لِمَجْمُوعِ الْإِقْرَارِ
وَالشَّهَادَةِ (أَوْ تَقَيَّأَهَا) أَيْ عُلِمَ شُرْبُهَا بِأَنْ
تَقَيَّأَهَا (أَوْ وُجِدَ رِيحُهَا مِنْهُ) بِلَا إقْرَارٍ أَوْ شَهَادَةٍ
(أَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَ) شَرِبَ (السَّكَرَ)
بِفَتْحَتَيْنِ عَصِيرَ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ وَقِيلَ هُوَ كُلُّ
شَرَابٍ مُسْكِرٍ (أَوْ أَقَرَّ سَكْرَانُ لَا) أَيْ لَا يُحَدُّ أَمَّا
عَدَمُ الْحَدِّ بَعْدَ زَوَالِ الرِّيحِ فَلِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ
بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا إجْمَاعَ
إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ شَرْطُ قِيَامِ الرَّائِحَةِ
وَأَمَّا عَدَمُهُ بِتَقَيُّئِهَا وَوُجِدَ أَنَّ رِيحَهَا فَلِأَنَّ
الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا الشُّرْبُ قَدْ يَقَعُ عَنْ إكْرَاهٍ
وَاضْطِرَارٍ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ
مِنْ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا
يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَكَذَا شُرْبُ
الْمُكْرَهِ لَا يُوجِبُ وَأَمَّا عَدَمُهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ إقْرَارِهِ
فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ فِيهِ الرُّجُوعُ
وَأَمَّا عَدَمُهُ فِي إقْرَارِ السَّكْرَانِ فَلِزِيَادَةِ احْتِمَالِ
الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ
حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ
الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي
سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ (وَلَوْ ارْتَدَّ) السَّكْرَانُ زَائِلُ الْعَقْلِ
(لَا يَحْرُمُ عِرْسُهُ) لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ وَلَا
يَتَحَقَّقُ مَعَ زَوَالِ الْعَقْلِ (أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ
فَهَرَبَ فَشَرِبَ ثَانِيًا يُسْتَأْنَفُ الْحَدُّ كَذَا فِي الزِّنَا)
لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْحُدُودَ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ
تَتَدَاخَلُ
(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)
(هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً) أَيْ عَدَدًا وَهُوَ ثَمَانُونَ
جَلْدَةٍ لِلْحُرِّ وَنِصْفُهَا لِغَيْرِهِ (وَثُبُوتًا) حَيْثُ يَثْبُتُ
كُلٌّ مِنْهُمَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ
النِّسَاءِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ (وَإِذَا قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ
مُحْصَنَةً) وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الْإِحْصَانِ هَاهُنَا مُغَايِرًا
لِمَعْنَى الْإِحْصَانِ فِي الزِّنَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (أَيْ
مُكَلَّفًا) يَعْنِي عَاقِلًا بَالِغًا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ
لِأَنَّ الْعَارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَأَقَرَّ بِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَخْرَسَ لَا
يُحَدُّ بِإِشَارَتِهِ بِشُرْبِهِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهِ لَمْ
يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِسُؤَالِ الْقَاضِي الْمُقِرَّ عَنْ الْخَمْرِ
مَا هِيَ وَكَيْفَ شَرِبَهَا وَأَيْنَ شَرِبَ وَيَنْبَغِي ذَلِكَ كَمَا فِي
الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا
إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ السُّكْرِ بِغَيْرِهَا) يَعْنِي
وَرِيحُهَا لَمْ تَزُلْ كَمَا فِي الْخَمْرِ (قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ بِهِ
رَجُلَانِ) لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ الْقَاضِي لَهُمْ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ
عَنْ قَاضِي خَانْ يَسْأَلُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ ثُمَّ
سَأَلَهُمْ كَيْفَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ وَأَيْنَ شَرِبَ
لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَ فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ.
(قَوْلُهُ حُدَّ صَاحِيًا) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَحْثًا مِنْهُ
ظَاهِرُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِحَدِّهِ حَالَ سُكْرِهِ
لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ اهـ.
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ يُنْزَعُ ثَوْبُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ
لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ) لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ
وَلَبَنِ الرِّمَاكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي
كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَهَلْ يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ يَعْنِي
نَبِيذَ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَإِنْ
لَمْ يُطْبَخْ قِيلَ لَا يُحَدُّ قَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ بِلَا
تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَطْبُوخِ وَالنِّيءِ وَكَذَا الْمُتَّخَذُ مِنْ
الْأَلْبَانِ إذَا اشْتَدَّ اهـ.
وَكَذَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِمَا
هُنَا ثُمَّ قَالَ وَهُوَ أَيْ لُزُومُ الْحَدِّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَقَدْ
صَرَّحَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ هُنَا
لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ حَدًّا غَيْرُ الْمُخْتَارِ
وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ
أَنَّهُمَا سُئِلَا فِيمَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ فَارْتَفَعَ إلَى رَأْسِهِ
وَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ هَلْ يَقَعُ قَالَا إنْ كَانَ يَعْلَمُهُ حِينَ
شَرِبَهُ مَا هُوَ يَقَعُ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ
الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِذَا سَكِرَ مِنْ
الْبَنْجِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
لَا يُحَدُّ وَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا عَتَاقُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا
نِكَاحُهُ وَلَا إقْرَارُهُ وَلَا رِدَّتُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ
لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِهِ بِسَرِقَةٍ وَيَضْمَنُ الْمَالَ صَرَّحَ بِهِ
فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ كَالْمُكْرَهِ
اهـ ثُمَّ قَالَ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ إسْلَامَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ. . . إلَخْ) هَذَا قَضَاءً أَمَّا دِيَانَةً
فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ التَّكَلُّمَ بِهِ ذَاكِرًا
لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْفَتْحِ
[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]
(بَابٌ حَدُّ الْقَذْفِ) الْقَذْفُ لُغَةً الرَّمْيُ بِالشَّيْءِ وَشَرْعًا
الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ
وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّافِعِيَّةُ مَا كَانَ فِي خَلْوَةٍ لِعَدَمِ
لُحُوقِ الْعَارِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ
وَنَاقَشَهُ أَخُوهُ الشَّيْخُ عُمَرُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ
رَجُلَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَسْأَلُهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْقَذْفِ
مَا هُوَ وَعَنْ خُصُوصِ مَا قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى
اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقَذْفُ بِهَا إذْ لَوْ اخْتَلَفُوا فِيهَا
بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَكَذَا الِاتِّفَاقُ عَلَى زَمَانِ الْقَذْفِ اهـ.
(قَوْلُهُ إذَا قَذَفَ) أَيْ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِ
مَقَالَتِهِ فَإِنْ أَقَامَهَا لَمْ يُحَدَّ أَيْ الْقَاذِفُ وَكَذَا
الْمَقْذُوفُ إنْ تَقَادَمَ السَّبَبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ
الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ مُكَلَّفًا. . .
إلَخْ) أَسْقَطَ مِنْهُ قَيْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَقَدْ
ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ
مَجْبُوبًا وَلَا أَخْرَسَ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلًا وَأَنْ لَا تَكُونَ
الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ وَلَا خَرْسَاءَ
(2/70)
لَا يَلْحَقُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ
لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهُمَا (مُسْلِمًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ»
(عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا) فَإِنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ
الْعَارُ وَأَيْضًا الْقَاذِفُ صَادِقٌ فِيهِ وَعِفَّتُهُ أَعَمُّ مِنْ إنْ
وَطِئَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا وَبِهَذَا التَّعْمِيمِ يَمْتَازُ عَنْ
إحْصَانِ الزِّنَا (بِصَرِيحِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَذَفَ أَيْ بِصَرِيحِ
الزِّنَا بِأَنْ يَقُولَ زَنَيْت أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ أَنْتِ زَانِيَةٌ
وَنَحْوَهَا (أَوْ بِزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ) مَعْنَاهُ زَنَيْتِ فَإِنَّهُ
يَجِيءُ مَهْمُوزًا أَيْضًا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ هُوَ الصُّعُودُ أَوْ
مُشْتَرَكٌ أَوْ الشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ قُلْنَا حَالَةُ الْغَضَبِ
تُرَجِّحُ ذَلِكَ (أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ
أَبِيهِ) أَيْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ زَيْدٍ الَّذِي هُوَ أَبُو
الْمَقْذُوفِ فَقَوْلُهُ أَبِيهِ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ (فِي غَصْبٍ)
مُتَعَلِّقٌ بِزَنَأْتِ وَالْمَعْطُوفَيْنِ بَعْدَهُ وَنَفْيُ الْبُنُوَّةِ
فِي غَيْرِ الْغَضَبِ يَحْتَمِلُ الْمُعَاتَبَةَ (حُدَّ) الْقَاذِفُ
(بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ) الْمُحْصَنِ وَاشْتُرِطَ طَلَبُهُ لِأَنَّ فِيهِ
حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُ
(وَلَوْ) كَانَ الْمَقْذُوفُ (غَائِبًا) عَنْ مَجْلِسِ الْقَاذِفِ (حَالَةَ
الْقَذْفِ) ذَكَرَ هَذَا التَّعْمِيمَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا
عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَإِنَّهُ كَثِيرُ
الْوُقُوعِ (يَنْزِعُ الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ فَقَطْ) مُتَعَلِّقٌ بِحُدَّ
يَعْنِي لَا يُجَرَّدُ كَمَا يُجَرَّدُ فِي حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّ
سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْقَاذِفِ صَادِقًا
لَكِنْ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ إيصَالَ
الْأَلَمِ إلَيْهِ
(لَا بِلَسْتَ) أَيْ لَا يُحَدُّ بِقَوْلِهِ لَسْت (بِابْنِ فُلَانٍ
جَدِّهِ) بِالْجَرِّ صِفَةُ فُلَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ
يُحَدَّ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي نَفْيِهِ (وَنِسْبَتِهِ) أَيْ وَلَا يُحَدُّ
أَيْضًا بِنِسْبَتِهِ (إلَيْهِ) أَيْ جَدِّهِ (أَوْ وَإِلَى خَالِهِ
وَعَمِّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
إذْ الْمَجْبُوبُ وَالرَّتْقَاءُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا لِأَنَّهُمَا
وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِمَا تَعْرِيفُ الْمُحْصَنِ هُنَا لَا يَلْحَقُهُمَا
الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ وَالْأَخْرَسُ طَلَبُهُ
بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ كَذَا فِي
الْبَحْرِ وَالْمَبْسُوطِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ
الزِّنَا مِنْهُمَا) يَعْنِي الزِّنَا الْمُؤْثِمَ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَذَفَ مُرَاهِقًا فَادَّعَى
الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ
بِقَوْلِهِ اهـ فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا لَوْ
رَاهَقَا وَقَالَا بَلَغْنَا صُدِّقَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ
الْبَالِغِينَ (قَوْلُهُ عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ
هُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِكَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الزِّنَا (قَوْلُهُ
وَعِفَّتُهُ أَعَمُّ مِنْ إنْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا) يَعْنِي
أَوْ لَا وَطِئَ أَصْلًا لَا صَحِيحًا وَلَا غَيْرَهُ لِمَا قَالَ
الْكَمَالُ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْعِفَّةِ قَالَ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ
امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِشُبْهَةٍ وَلَا بِنِكَاحِ الْفَاسِدِ فِي
عُمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً يُرِيدُ النِّكَاحَ
الْفَاسِدَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا لَوْ
وَطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ وَطِئَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً سَقَطَتْ
عَدَالَتُهُ وَإِنْ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ وَحُرْمَتُهَا مُؤَقَّتَةٌ لَا
تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ أَوْ
أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهُ
كَأَمَتِهِ وَهِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا اهـ.
وَيُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ اهـ.
وَلَمْ يُصَوِّرْ الْكَمَالُ بِوَطْءِ الْمَوْلَى الْأَمَةَ الَّتِي
زَوَّجَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مِلْكَ مُتْعَتِهَا لَيْسَ إلَّا لِزَوْجِهَا
بِخِلَافِ الْمَجُوسِيَّةِ إذْ حُرْمَتُهَا لِعَارِضٍ فَتَمْثِيلُ
الزَّيْلَعِيِّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَنْكُوحَةِ فِيمَا لَا يَسْقُطُ
إحْصَانُهُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ فِيهِنَّ
ثَابِتٌ بِنَفْيِ ذَلِكَ التَّصْوِيرِ إذْ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي
مُتْعَةِ أَمَتِهِ الَّتِي زَوَّجَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَوْ مَسَّ
امْرَأَةً أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَتَزَوَّجَ بِنْتَهَا
أَوْ أُمَّهَا وَدَخَلَ بِهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ لِتَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَلَهُ أَنَّ
كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ نِكَاحَهَا وَإِنَّمَا قَالَ
بِحُرْمَتِهَا احْتِيَاطًا فَهِيَ حُرْمَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يَنْتَفِي بِهَا
الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ
بِزِنَا الْأَبِ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَلَا
يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ (قَوْلُهُ
بِصَرِيحِهِ) أَيْ مِنْ أَيِّ لِسَانٍ كَانَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ
قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ غَيْرُهُ صَدَقْت حُدَّ
الْمُبْتَدِئُ دُونَ الْمُصَدِّقِ وَلَوْ قَالَ لَهُ صَدَقْتَ هُوَ كَمَا
قُلْتَ فَهُوَ قَاذِفٌ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ زَنَيْتَ بِبَعِيرٍ أَوْ
نَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ
لِإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا
يَجِبُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقَرِينَةٍ
وَيَجِبُ فِي بَعْضِهَا مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِيمَا
تَقَدَّمَ صَدَقْت هُوَ كَمَا قُلْت فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ لِضَبْطِ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ اهـ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَنَحْوَهَا) يَعْنِي
كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ زَنَيْتِ بِنَاقَةٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ
دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْت وَأَخَذْت
الْبَدَلَ وَلَوْ قَالَ زَنَيْتُ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لَا
يُحَدُّ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ. . . إلَخْ كَذَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ بِزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ) وَكَذَا يُحَدُّ لَوْ
قَالَ عَلَى الْجَبَلِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَقِيلَ
لَا يُحَدُّ لِأَنَّ لَفْظَةَ عَلَى تَعْيِينِ كَوْنِ الْمُرَادِ
الصُّعُودَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك. . .
إلَخْ) يَعْنِي وَأُمُّ الْمَقْذُوفِ مُحْصَنَةٌ لِأَنَّهُ فِي
الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لَهَا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى
أَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ عَنْ أُمِّهِ أَوْ قَالَ لَسْتَ لِأَبِيك وَأُمِّك
أَوْ لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَاهُ لَا حَدَّ
عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ
فِي غَضَبٍ مُتَعَلِّقٌ بِزَنَأْتِ وَالْمَعْطُوفَيْنِ بَعْدَهُ)
اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فِي غَضَبٍ وَاضِحٌ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقَةً عَنْ
التَّقْيِيدِ بِالْغَضَبِ وَقَدْ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ كَاَلَّتِي
تَلِيهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ
الْكَمَالُ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ
الشَّهِيدِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا
ابْنَ الزِّنَا أَوْ لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ
فَعَلَيْهِ الْحَدُّ اهـ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ
وَصَرَّحَ بِهِ فِي قَاضِي خَانْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْتَ لِأَبِيك عَنْ
أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَذَفَ كَانَ ذَلِكَ فِي غَضَبٍ أَوْ رِضَا اهـ
كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَاشْتَرَطَ طَلَبَهُ لِأَنَّ فِيهِ
حَقَّهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقِّ
اللَّهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ
الْمُصَنِّفِ
(2/71)
أَوْ رَابِّهِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ
يُسَمَّى أَبًا وَلَيْسَ بِأَبٍ حَقِيقَةً فَلَا حَدَّ فِي نَفْيِهِ.
(وَ) لَا (بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ) فَإِنَّ فِي ظَاهِرِهِ
نَفْيَ كَوْنِهِ ابْنًا لِأَبِيهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ بَلْ
التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ.
(وَ) لَا (بِقَوْلِهِ يَا نَبَطِيُّ لِعَرَبِيٍّ) فَإِنَّهُمْ جِيلٌ مِنْ
النَّاسِ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ قَذْفٌ
فَيُحَدُّ فِيهِ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالْحُجَّةُ
عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ يَا نَبَطِيُّ فَقَالَ لَا
حَدَّ عَلَيْهِ.
(وَبِطَلَبِ) عَطْفٌ عَلَى بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ (مَنْ يَقَعُ الْقَدَحُ
فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ) يَعْنِي لَا يُطَالَبُ بِحَدِّ
الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ
بِقَذْفِهِ (كَالْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا وَالْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ) لِأَنَّ
الْعَارَ يَلْحَقُ بِهِمْ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ فَيَتَنَاوَلُهُمْ
الْقَذْفُ مَعْنًى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَدُّ الْقَذْفِ يُورَثُ
فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَارِثٍ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ (وَلَوْ) كَانَ
الطَّالِبُ (مَحْرُومًا) عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ أَوْ الْكُفْرِ أَوْ
الرِّقِّ فَإِنَّ الْمَقْذُوفَ إذَا كَانَ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ
الْكَافِرِ أَوْ لِعَبْدٍ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ خِلَافًا لِزُفَرَ
فِيهِمَا (أَوْ وَلَدِ بِنْتٍ) فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ لِتَحَقُّقِ
الْجُزْئِيَّةِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُطَالَبُ إلَّا مَنْ يَرِثُ بِالْعُصُوبَةِ (قَالَ
يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ وَقَدْ مَاتَ أَبَوَاهُ فَعَلَيْهِ حَدٌّ
وَاحِدٌ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْحُدُودِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ
تَعَالَى فَتَتَدَاخَلُ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَجُلًا مِرَارًا أَوْ
جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَجِبُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ كَمَا
سَيَأْتِي حُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَانَ قَاضِيًا بِالْكُوفَةِ
فَسَمِعَ يَوْمًا رَجُلًا يَقُولُ عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ لِرَجُلٍ يَا
ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَأَمَرَ بِأَخْذِهِ فَأُدْخِلَ الْمَسْجِدَ
فَضَرَبَهُ حَدَّيْنِ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ لِقَذْفِهِ الْوَالِدَيْنِ
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَا لَلْعَجَبِ مِنْ قَاضِي
بَلَدِنَا قَدْ أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ
حَدَّهُ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةِ الْمَقْذُوفِ، وَضَرَبَهُ حَدَّيْنِ وَلَا
يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ وَلَوْ قَذَفَ أَلْفًا، وَوَالَى
بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ أَوْ
أَكْثَرَ، وَحَدَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا صِبْيَانَكُمْ مَسَاجِدَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ
وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ» وَالْخَامِسُ يَنْبَغِي أَنْ
يَكْشِفَ أَنَّ الْمَقْذُوفَيْنِ حَيَّانِ أَوْ مَيِّتَانِ لِتَكُونَ
الْخُصُومَةُ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى وَلَدِهِمَا، وَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَى
وَاحِدٍ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ بِأَنْ قَذَفَ وَزَنَى وَشَرِبَ وَسَرَقَ
يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَلَا يُوَالِي بَيْنَهُمَا خِيفَةَ الْهَلَاكِ
بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَبْدَأُ بِحَدِّ
الْقَذْفِ أَوَّلًا لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ ثُمَّ الْإِمَامُ
بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِالْقَطْعِ
لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ لِثُبُوتِهِمَا بِالْكِتَابِ وَيُؤَخِّرُ
حَدَّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
(وَلَا يُطَالِبُ أَحَدٌ) مِنْ الْعَبِيدِ (سَيِّدَهُ وَلَا) أَحَدًا مِنْ
الْأَوْلَادِ (أَبَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّ
الْمَوْلَى لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ عَبْدِهِ وَلَا الْأَبُ بِسَبَبِ
ابْنِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ لَهُ الطَّلَبُ لِوُجُودِ
السَّبَبِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ
(وَلَيْسَ فِيهِ إرْثٌ) أَيْ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ
عِنْدَنَا خِلَافًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ أَوْ رَابِّهِ) هُوَ زَوْجُ أُمِّهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا
مِنْهُمْ يُسَمَّى أَبًا. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَسَبَهُ
إلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ فَقَالَ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ حُدَّ وَهُوَ
اسْتِحْسَانٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ فَلَا حَدَّ فِي
نَفْيِهِ) يَعْنِي النَّفْيَ الصَّرِيحَ فِي قَوْلِهِ لَسْت بِابْنِ
فُلَانٍ جَدِّهِ وَالنَّفْيُ الضِّمْنِيُّ فِي نِسْبَتِهِ لِنَحْوِ خَالِهِ
(قَوْلُهُ وَبِطَلَبِ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِ
الْمَيِّتِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ يَكُونُ
لِغَيْرِهِ إقَامَتُهُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ وَبِهِ صَرَّحَ
الْكَمَالُ (قَوْلُهُ جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ أَنْ
يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) يُخَالِفُهُ مَا فِي
السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ
لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ هَذَا قَوْلُ
أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ اهـ.
وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَأَجَزْنَا طَلَبَ الِابْنِ الْكَافِرِ
وَالْعَبْدِ بِقَذْفِ الْأَبِ اهـ فَلَمْ يَجْعَلَا الْخِلَافَ مَعَ
مُحَمَّدٍ بَلْ مَعَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدَ
الْبِنْتِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ:
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُطَالِبُ إلَّا مَنْ يَرِثُ بِالْعُصُوبَةِ) كَذَا
فِي التُّحْفَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ
وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ كَمَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الِابْنِ خِلَافًا
لِمُحَمَّدٍ اهـ.
قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ يَعْنِي فِي رِوَايَةٍ
لَيْسَتْ هِيَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت قَدْ
ظَهَرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ
بِقَذْفِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ إنَّمَا خَالَفَ زُفَرَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ
وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَمَا وَجْهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ إذَا قَالَ جَدُّك
زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ قُلْنَا ذَلِكَ لِلْإِبْهَامِ لِأَنَّ فِي
أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ
مُسْلِمًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ ابْنِ الزَّانِيَةِ لِأَنَّهُ
قَاذِفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى فَإِنْ كَانَ أَوْ كَانَتْ مُحْصَنَةً حُدَّ
(قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا) هَذَا عَلَى سَبِيلِ
الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ يَعْنِي لَوْ لَزِمَهُ حَدَّانِ لَوَجَبَ
الْفَصْلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ هُنَا
بَعْدَ الْفَصْلِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ)
يَعْنِي ذَكَرَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ حَكَى. . . إلَخْ أَمَّا
أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فَمَأْخُوذٌ مِمَّا حُكِيَ (قَوْلُهُ وَلَا أَحَدٌ
مِنْ الْأَوْلَادِ أَبَاهُ) لَوْ قَالَ أَصْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى
لِيَشْمَلَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ وَقَالَ فِي
الْبَحْرِ قَيَّدَ بِالْقَذْفِ لِأَنَّهُ لَوْ شَتَمَ وَلَدَهُ فَإِنَّهُ
يُعَزَّرُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَفِي
نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يُعَاقَبُ
بِسَبَبِ وَلَدِهِ فَإِذَا كَانَ الْقَذْفُ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا
فَالشَّتْمُ أَوْلَى اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ إرْثٌ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ طَلَبَ الْفَرْعِ
بِقَذْفِ أَصْلِهِ مَيِّتًا بِالْأَصَالَةِ لَا الْمِيرَاثِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ أَيْ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ عِنْدَنَا
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. . . إلَخْ) ذَهَبَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو
الْيُسْرِ إلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَقَوْلِ
الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(2/72)
لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي
فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهَاهُنَا حَقُّ الشَّرْعِ غَالِبٌ عِنْدَنَا
(وَلَا) فِيهِ (رُجُوعٌ) يَعْنِي مَنْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ ثُمَّ رَجَعَ لَا
يُقْبَلُ لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ حَقًّا فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ
بِخِلَافِ حُدُودٍ هِيَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا مُكَذِّبَ
لَهُ فِيهَا (وَلَا اعْتِيَاضَ) أَيْ أَخْذَ عِوَضٍ (عَنْهُ) لِأَنَّهُ
أَيْضًا يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ
(قَالَ) رَجُلٌ (لِآخَرَ يَا زَانِي فَرَدَّ) الْآخَرُ كَلَامَهُ عَلَيْهِ
بِلَا أَيْ بِقَوْلِهِ لَا (بَلْ أَنْتَ حُدَّا) لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا
بَلْ أَنْتَ زَانٍ (وَلَوْ قَالَ لِعِرْسِهِ فَرُدَّتْ بِهِ حُدَّتْ وَلَا
لِعَانَ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرَ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ
اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ
فِي بُدَاءَتِهِ فَائِدَةَ إبْطَالِ اللِّعَانِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي
الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلِ اللِّعَانِ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ لِأَنَّ
الْمُلَاعَنَةَ تُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ إحْصَانَهُ لَا يُبْطِلُ
اللِّعَانَ وَالْمَحْدُودَةُ فِي الْقَذْفِ لَا تُلَاعَنُ لِسُقُوطِ
الشَّهَادَةِ فَيُحْتَالُ لِدَفْعِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى
الْحَدِّ (وَبِزَنَيْتُ بِك هَدَرٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا يَا
زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْتُ بِكَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِوُقُوعِ
الشَّكِّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا
قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ لَا اللِّعَانُ وَاحْتِمَالُ أَنَّهَا
أَرَادَتْ زَنَائِي هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي
مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ
الْحَالَةِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّ الْحَدَّ لِوُجُودِ
الْقَذْفِ مِنْهُ لَا مِنْهَا فَجَاءَ الشَّكُّ
(أَقَرَّ بِوَلَدٍ فَنَفَى لَاعَنَ وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ) لِأَنَّ النَّسَبَ
يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ بِالنَّفْيِ صَارَ قَاذِفًا فَوَجَبَ
اللِّعَانُ وَإِذَا نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ فَقَدْ كَذَّبَ نَفْسَهُ
فَوَجَبَ الْحَدُّ (وَالْوَلَدَانِ) يَعْنِي وَلَدٌ أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ
نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ (لَهُ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ
لِإِقْرَارِهِ
(قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي حُدَّ وَلِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَا) كَذَا
فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ (لَا شَيْءَ بِلَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك)
لِأَنَّهُ نَفْيُ الْوِلَادَةِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ قَاذِفًا
(وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ مَنْ لَهَا وَلَدٌ لَا أَبَ لَهُ) لِقِيَامِ
إمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ
فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا (أَوْ) بِقَذْفِ (مَنْ لَاعَنَتْ
بِوَلَدٍ وَالْوَلَدُ حَيٌّ) أَوْ قَذَفَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ
لِقِيَامِ إمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمُلَاعَنَةِ
بِلَا نَفْيِ الْوَلَدِ حَيْثُ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِانْتِفَاءِ
الْإِمَارَةِ (أَوْ) بِقَذْفِ (رَجُلٍ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِكُلِّ
وَجْهٍ أَوْ بِوَجْهٍ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ) فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي
الصُّورَتَيْنِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا
حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ (أَوْ) وَطِئَ (فِي
مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا كَأَمَةٍ هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا أَوْ مَنْ
زَنَتْ) عَطْفٌ عَلَى رَجُلٍ وَطِئَ أَيْ لَا حَدَّ بِقَذْفِ مَنْ زَنَتْ
(فِي كُفْرِهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَلَا اعْتِيَاضَ عَنْهُ) كَذَا لَا عَفْوَ فِيهِ لَكِنَّهُ
لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ بَعْدَ ذَهَابِ الْمَقْذُوفِ وَعَفَوْهُ
بَلْ إذَا عَادَ وَطَلَبَهُ حُدَّ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا
فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ إلَى الْآنَ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الشَّامِلِ لَا يَصِحُّ عَفْوُ
الْمَقْذُوفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَّبَ شُهُودِي
اهـ كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ يَا زَانِي فَرَدَّ عَلَيْهِ بِلَا بَلْ
أَنْتَ حُدَّا) يَعْنِي بِطَلَبِهِمَا وَلَا عَفْوَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا
يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَكَذَا لَوْ تَضَارَبَا يُعَزَّرَانِ وَلَا
يَتَكَافَآنِ وَيُبْدَأُ بِالْبَادِئِ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ وَهَذَا
بِخِلَافِ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ مِنْ السَّبِّ فَإِنَّهُمَا
يَتَكَافَآنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي
لِأَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ بِتَشَاتُمِهِمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كَمَا
فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ أَقَرَّ بِوَلَدٍ فَنَفَى. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي
الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي بَابِ
اللِّعَانِ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَفَى أَوَّلَ
التَّوْأَمَيْنِ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ وَإِنْ عَكَسَ لَاعَنَ
وَثَبَتَ نَسَبُهُمَا فِيهِمَا وَلِذَا نَبَّهَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى
ذَلِكَ
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي حُدَّ) هَذَا
بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّرْخِيمَ شَائِعٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ
لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَا) أَيْ لَا يُحَدُّ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَهُ عَلَى
الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ التَّاءَ تُزَادُ لَهُ كَمَا فِي عَلَّامَةٍ
وَنَسَّابَةٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ فَلَا
يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْبُوبًا وَكَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ مَحَلٌّ
لِلزِّنَا لَا يُحَدُّ وَكَوْنُ التَّاءِ لِلْمُبَالَغَةِ مَجَازٌ لِمَا
عُهِدَ لَهَا مِنْ التَّأْنِيثِ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْحَدُّ لَا
يَجِبُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا شَيْءَ بِلَيْسَ
بِابْنِي. . . إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ
الَّتِي قَبْلَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا
(قَوْلُهُ لَا أَبَ لَهُ) يَعْنِي لَا أَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ فِي بَلَدِ
الْقَذْفِ لَا فِي كُلِّ الْبِلَادِ كَذَا فِي الْبَحْرِ اهـ فَهَذَا
أَعَمُّ مِنْ مَجْهُولِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ
فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَذْفِ مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ)
يَعْنِي وَقَدْ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ وَاسْتَمَرَّ
مُنْقَطِعَ النَّسَبِ عَنْهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ بَعْدَهُ
فَحُدَّا وَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى مَاتَ أَوْ لَاعَنَ وَلَمْ يَقْطَعْ
الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ حُدَّ قَاذِفُهَا وَكَذَا يُحَدُّ لَوْ قَامَتْ
بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَهُوَ يُنْكِرُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ
مِنْ الْأَبِ وَيُحَدُّ الْأَبُ لِخُرُوجِهَا عَنْ صُورَةِ الزَّوَانِي
كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا
نَفْيِ الْوَلَدِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ كَمَا يُحَدُّ قَاذِفُ
وَلَدِ الزِّنَا أَوْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ (قَوْلُهُ بِكُلِّ وَجْهٍ
كَوَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ إحْصَانَهُ وَلَوْ
مُكْرَهًا) كَذَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ فَإِنَّ
الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْإِثْمَ وَلَا يَخْرُجُ الْفِعْلُ بِهِ مِنْ أَنْ
يَكُونَ زِنًا كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ
زَنَتْ فِي كُفْرِهَا) لَوْ قَالَ مَنْ زِنَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ
الرَّجُلَ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ حُكْمُهُ مِنْ حُكْمِهَا وَبِهِ صَرَّحَ
فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قُذِفَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِزِنًا
كَانَ فِي الْكُفْرِ بِأَنْ قَالَ زَنَيْتَ وَأَنْتَ كَافِرٌ كَذَا فِي
الْفَتْحِ
(2/73)
لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهَا شَرْعًا
لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَالزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ
(أَوْ) بِقَذْفِ (مُكَاتَبٍ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ
فِي حُرِّيَّتِهِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهِ (وَحُدَّ مُسْتَأْمَنٌ
قَذَفَ مُسْلِمًا هُنَا) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ
الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ.
(وَ) حُدَّ (قَاذِفُ وَاطِئِ عِرْسِهِ حَائِضًا) لِكَوْنِ الْحُرْمَةِ
مُؤَقَّتَةً (أَوْ) وَاطِئِ جَارِيَةٍ (مَمْلُوكَةٍ حَرُمَتْ مُؤَقَّتَةً
كَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ، وَ) قَاذِفُ (مَجُوسِيٍّ
نَكَحَ أَمَةً فَأَسْلَمَ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
خِلَافًا لَهُمَا وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ تَزَوُّجَ
الْمَجُوسِيِّ بِالْمَحَارِمِ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ
عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا
(إذَا أَقَرَّ) الْقَاذِفُ (بِالْقَذْفِ يُطَالَبُ) أَيْ الْقَاذِفُ
(بِالْبَيِّنَةِ) عَلَى كَوْنِ الْمَقْذُوفِ زَانِيًا (فَإِنْ أَقَامَ
أَرْبَعَةً عَلَى زِنَاهُ وَإِقْرَارِهِ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَا (كَمَا
مَرَّ) أَيْ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ (حُدَّ الْمَقْذُوفُ
وَإِنْ عَجَزَ) الْقَاذِفُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (لِلْحَالِ
وَاسْتَأْجَلَ لِإِحْضَارِ شُهُودٍ فِي الْمِصْرِ يُؤَجَّلُ إلَى قِيَامِ
الْمَجْلِسِ فَإِنْ عَجَزَ حُدَّ وَلَا يُكْفَلُ لِيَذْهَبَ فَيَطْلُبَهُمْ
بَلْ يُحْبَسُ وَيُقَالُ ابْعَثْ إلَيْهِمْ) مَنْ يُحْضِرُهُمْ كَذَا فِي
تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ (كَفِي حَدٍّ) وَاحِدٍ (بِجِنَايَاتٍ اتَّحَدَ
جِنْسُهَا بِخِلَافِ مَا اُخْتُلِفَ) أَيْ جِنْسُهَا وَقَدْ مَرَّ
تَفْصِيلُهُ
(فَصْلٌ)
(التَّعْزِيرُ تَأْدِيبٌ) فِي الْكَشَّافِ الْعَزْرُ الْمَنْعُ وَمِنْهُ
التَّعْزِيرُ لِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ مُعَاوَدَةِ الْقَبِيحِ (دُونَ
الْحَدِّ) أَيْ أَدْنَى قَدْرًا مِنْ الْحَدِّ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ
بِالْحَبْسِ أَوْ الصَّفْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ أَوْ إقْرَارُهُ بِهِ أَيْ بِالزِّنَا كَمَا مَرَّ. . . إلَخْ)
كَذَا قَالَ فِي بَدَائِع فَإِنْ أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ عَلَى
مُعَايَنَةِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا
سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَيُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى
الْمَقْذُوفِ اهـ (قُلْت) فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَقْذُوفِ
بِالْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي
كَلَامِ الْبَدَائِعِ مَا يُنَاقِضُ هَذَا وَهُوَ الصَّوَابُ وَنَصُّهُ
وَلَوْ أَقَرَّ أَيْ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ
الْقَاضِي وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ
شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُقِرًّا فَالشَّهَادَةُ لَغْوٌ لِأَنَّ
الْحُكْمَ لِلْإِقْرَارِ لَا لِلشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا
فَالْإِنْكَارُ مِنْهُ رُجُوعٌ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي
الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ صَحِيحٌ اهـ فَقَدْ أَفَادَ
بِهَذَا صَرِيحًا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِإِقَامَةِ
الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ لِإِقَامَةِ
الْبَيِّنَةِ وَيُمْكِنُ دَفْعُ الْمُنَاقَضَةِ بِحَمْلِ قَوْلِ صَاحِبِ
الْبَدَائِعِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ بِإِرْجَاعِ
قَوْلِهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ عَلَى
إقْرَارِهِ عَلَى الزِّنَا وَإِرْجَاعِ قَوْلِهِ وَيُقَامُ حَدُّ الزِّنَا
عَلَى الْمَقْذُوفِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ
الشُّهُودِ عَلَى مُعَايَنَةِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ اهـ.
وَلَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَلَا يُسَاعِدُهُ
كَلَامُ التُّحْفَةِ وَفِي كَلَامِ الْكَمَالِ مَا يُشِيرُ إلَى هَذَا
حَيْثُ قَالَ فَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى
إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا يُدْرَأُ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدُّ
وَعَنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ الْقَاذِفُ فَشَهِدُوا
بِالزِّنَا لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ
بِالْمُعَايَنَةِ فَكَأَنَّا سَمِعْنَا إقْرَارَهُ بِالزِّنَا إلَّا أَنَّ
الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِقْرَارِ إسْقَاطُ الْحَدِّ لَا إقَامَتُهُ لِأَنَّ
ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ وَلَوْ كَثُرَتْ الشُّهُودُ اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ
أَقَرَّ بِالزِّنَا لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الْمَشْهُودِ
عَلَيْهِ بِالزِّنَا اهـ.
(قَوْلُهُ يُؤَجَّلُ إلَى قِيَامِ الْمَجْلِسِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَأْنَى بِهِ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي كَمَا
فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْفَلُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يُكْفَلُ
فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا يَحْبِسُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي
قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخِرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ
الْكَفِيلُ فَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ عِنْدَهُمَا فِي دَعْوَى حَدِّ
الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُكْفَلُ بِنَفْسِ
الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ
يَقُولُ مُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى
إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فَأَمَّا إذَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ
لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ نَفْسَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَالْكَفِيلُ فِي
الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إنَّمَا يُطَالِبُ بِهَذَا الْقَدْرِ اهـ.
(قَوْلُهُ بَلْ يُحْبَسُ وَيُقَالُ لَهُ ابْعَثْ إلَيْهِمْ) هُوَ ظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ
لَهُ مَنْ يَأْتِي بِهِمْ أَطْلَقَ عَنْهُ وَبَعَثَ مَعَهُ وَاحِدًا مِنْ
شُرَطِهِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَبْسِ حَقِيقَتُهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي
التَّتَارْخَانِيَّة فَقَالَ الْمُرَادُ بِالْحَبْسِ حَقِيقَتُهُ وَقَالَ
فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُرَادُ بِالْحَبْسِ الْمُلَازَمَةُ أَيْ يُقَالُ
لِلْمُدَّعِي لَازِمْهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ فَإِنْ أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ
فِيهِ وَإِلَّا خُلِّيَ سَبِيلُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ كَفَى حَدٌّ وَاحِدٌ بِجِنَايَاتٍ اتَّحَدَ سَبَبُهَا) هُوَ مِنْ
التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا السَّبَبِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي سُجُودِ
التِّلَاوَةِ وَمِنْ فُرُوعِ التَّدَاخُلِ لَوْ قَذَفَ آخَرَ وَقَدْ بَقِيَ
سَوْطٌ مِنْ حَدِّهِ لِلْأَوَّلِ كَفَى كَذَا فِي الْفَتْحِ
[فَصْلُ التَّعْزِيرُ]
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ التَّعْزِيرُ تَأْدِيبٌ) قَالَ الْكَمَالُ التَّعْزِيرُ
التَّأْدِيبُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ التَّعْزِيرُ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ
وَاجِبٌ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ
حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ اللَّهِ فَمَا كَانَ حَقُّ اللَّهِ يَمْلِكُهُ
الْإِنْسَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ
إزَالَةِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ وَالشَّارِعُ وَلَّى كُلَّ أَحَدٍ ذَلِكَ
اهـ.
وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقِيمُهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ إلَّا حَالَ
قِيَامِ الْمَعْصِيَةِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَيْسَ إلَّا لِلْحَاكِمِ كَذَا
فِي الْبَحْرِ وَمَا كَانَ حَقَّ الْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى
لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ أَوْ مِنْ حُكْمِهِ فِيهِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَقِيلَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ إقَامَتُهُ
كَالْقِصَاصِ وَقِيلَ لِلْإِمَامِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ يُسْرِفُ
فِيهِ غَلَطًا اهـ. (قَوْلُهُ دُونَ الْحَدِّ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَدْنَى
الْحُدُودِ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ
(قَوْلُهُ أَوْ الصَّفْعِ) كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَنَقَلَهُ فِي
الْعِنَايَةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ وَالسَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ
لَا يُبَاحُ التَّعْزِيرُ
(2/74)
أَوْ تَعْرِيكِ الْأُذُنِ أَوْ الْكَلَامِ
الْعَنِيفِ أَوْ نَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ أَوْ الضَّرْبِ
فَحِينَئِذٍ (أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ
ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْلُغَ حَدَّ
الْحَدِّ وَأَقَلُّ الْحَدِّ أَرْبَعُونَ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي
الْقَذْفِ وَالشُّرْبِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ
لِأَنَّهُمْ الْأُصُولُ وَهُوَ ثَمَانُونَ وَتَقُصُّ عَنْهَا سَوْطًا فِي
رِوَايَةٍ وَخَمْسَةً فِي أُخْرَى وَإِنَّمَا كَانَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةً
لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ (وَلَا يُفَرَّقُ)
الضَّرْبُ عَلَى الْأَعْضَاءِ (هُنَا) أَيْ فِي التَّعْزِيرِ كَمَا
يُفَرَّقُ فِي الْحَدِّ لِمَا سَيَأْتِي وَالتَّعْزِيرُ عَلَى أَرْبَعِ
مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ أَشْرَافٍ الْأَشْرَافُ كَالْفُقَهَاءِ
وَالْعَلَوِيَّةِ وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ كَالدَّهَاقِنَةِ وَكِبَارِ
التُّجَّارِ وَتَعْزِيرُ أَوْسَاطِ النَّاسِ وَتَعْزِيرُ الْخَسَائِسِ
فَالْأَوَّلُ الْإِعْلَامُ لَا غَيْرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي
بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا وَالثَّانِي الْإِعْلَامُ
وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ
السُّوقِيَّةُ الْإِعْلَامُ أَوْ الْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي
وَالْحَبْسُ وَتَعْزِيرُ الْخَسَائِسِ الْإِعْلَامُ وَالْجَرُّ إلَى بَابِ
الْقَاضِي الْحَبْسُ وَالضَّرْبُ
(وَصَحَّ حَبْسُهُ مَعَ ضَرْبِهِ) إذَا اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ تَأْدِيبٍ
(وَضَرْبُهُ أَشَدُّ) مِنْ ضَرْبِ الْحَدِّ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ جَرَى
فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ
لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوْتِ الْمَقْصُودِ وَلِذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ
حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَيُضْرَبُ قَائِمًا فِي إزَارٍ
وَاحِدٍ (ثُمَّ) الضَّرْبُ (لِلزِّنَا) أَشَدُّ مِنْ الْبَاقِي لِأَنَّهُ
ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَحَدُّ الشُّرْبِ يَثْبُتُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَيْثُ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى
الْمُفْتَرِينَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ -
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - (ثُمَّ لِلشُّرْبِ ثُمَّ لِلْقَذْفِ)
لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ مَقْطُوعٌ بِهَا وَجِنَايَةُ الْقَذْفِ لَا
لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْقَاذِفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِالصَّفْعِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ
فَيُصَانُ عَنْهُ أَهْلُ الْقِبْلَةِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَالصَّفْعُ
الضَّرْبُ عَلَى الْقَفَا اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الضَّرْبِ) سَيَذْكُرُ
الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْقَتْلِ لِمَنْ رَآهُ
يَزْنِي وَبَقِيَ التَّعْزِيرُ بِالشَّتْمِ وَأَخْذِ الْمَالِ فَأَمَّا
التَّعْزِيرُ بِالشَّتْمِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ
قَذْفًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَأَمَّا بِالْمَالِ
فَصِفَتُهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْ صَاحِبِهِ مُدَّةً لِيَنْزَجِرَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ اهـ.
وَلَا يُفْتَى بِهَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيطِ الظَّلَمَةِ عَلَى
أَخْذِ مَالِ النَّاسِ فَيَأْكُلُونَهُ (قَوْلُهُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ
وَثَلَاثُونَ سَوْطًا) سَيُقَيِّدُهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا كَانَ
سَبَبُهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ نَحْوُ أَنْ
يَقُولَ لِذِمِّيَّةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ يَا زَانِيَةُ كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَ
الْقُدُورِيُّ وَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ
مَشَايِخُنَا أَنَّ أَدْنَاهُ عَلَى مَا يَرَى الْإِمَامُ يُقَدِّرُهُ
بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِهِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ
الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقَرِّبُ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ
بَابِهِ فَيُقَرِّبُ اللَّمْسَ وَالْقُبْلَةَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا
وَالْقَذْفَ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ اهـ.
وَتَقْرِيبُهُ مِنْ حَدِّ الزِّنَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَكْثَرُ
الْجَلَدَاتِ وَتَقْرِيبُهُ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ
أَقَلُّ الْجَلَدَاتِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَ
أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ) أَيْ
لِمَنْ يُنَاسِبُهُ لِمَا قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ لَازِمًا
لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرِّقُ) كَذَا
فِي الْهِدَايَةِ وَفِي حُدُودِ الْأَصْلِ يُفَرِّقُ التَّعْزِيرَ عَلَى
الْأَعْضَاءِ وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يَضْرِبُ التَّعْزِيرَ فِي
مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ
اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَاخْتِلَافُ الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ
الْمَوْضُوعِ فَالْأَوَّلُ فِيمَا إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ
وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ وَهَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى
وَفَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالتَّعْزِيرُ عَلَى
أَرْبَعَةِ مَرَاتِبَ) كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الشَّافِي (قَوْلُهُ
وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا
وَكَذَا) قَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ النِّهَايَةِ بِأَنْ
يَكُونَ مَعَ النَّظَرِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَعَ مُلَاحَظَةِ السَّبَبِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ
لَا يَكُونَ مِمَّا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحَدِّ كَمَا إذَا أَصَابَ
مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ غَيْرَ الْجِمَاعِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي الْإِعْلَامُ
وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي) يَتَمَيَّزُ عَنْ الْأَوَّلِ بِحُصُولِ
الْأَوَّلِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ سَبْقِ طَلَبِهِ
لِمَنْ يُعَزِّرُهُ وَإِلَّا يَتَّحِدُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ اهـ.
وَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ التَّمْيِيزُ ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ
تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ بِالْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ وَهُوَ أَنْ
يَبْعَثَ الْقَاضِي أَمِينَهُ إلَيْهِ فَيَقُولُ بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ
كَذَا وَكَذَا وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ وَالْجَرُّ إلَى
بَابِ الْقَاضِي وَالْخِطَابُ بِالْمُوَاجِهَةِ. . . إلَخْ وَأَمَّا عَلَى
مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فَيَتَمَيَّزُ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ
بِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً عَنْ الْجَرِّ وَالْإِعْلَامِ
فَإِنَّهُ قَالَ تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ
وَالْعُلْوِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي
بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا فَيَنْزَجِرُ بِهِ وَتَعْزِيرُ
الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْأُمَرَاءُ وَالدَّهَاقِينُ بِالْإِعْلَامِ
وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ وَتَعْزِيرُ
الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقَةُ بِالْجَرِّ وَالْحَبْسِ وَتَعْزِيرِ
الْأَخِسَّةِ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِالضَّرْبِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَضَرْبُهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْحَدِّ) يُؤْخَذُ مِنْ
التَّعْلِيلِ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا عَزَّرَ بِمَا دُونَ أَكْثَرِهِ
وَإِلَّا فَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ أَشَدَّ فَوْقَ ثَمَانِينَ حُكْمًا
فَضْلًا عَنْ الضَّرْبِ أَرْبَعِينَ مَعَ تَنْقِيصِ وَاحِدٍ مِنْ
الْأَشَدِّيَّةِ فَيَفُوتُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ نَقَصَ كَذَا
قَالَهُ الشَّيْخُ قَاسِمُ بْنُ قُطُلُوبُغَا (قَوْلُهُ وَيُضْرَبُ
قَائِمًا فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ثُمَّ
قَالَ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يُضْرَبُ فِي التَّعْزِيرِ قَائِمًا عَلَيْهِ
ثِيَابُهُ وَيُنْزَعُ الْحَشْوُ وَالْفَرْوُ وَلَا يُمَدُّ فِي
التَّعْزِيرِ اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ مَقْطُوعٌ بِهَا) أَيْ مُتَيَقَّنٌ
بِسَبَبِهَا لِلْمُشَاهَدَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ التَّيَقُّنُ
بِالسَّبَبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ وَتَقُومُ
عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّيَقُّنُ
مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ
(2/75)
صَادِقًا فِي قَذْفِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ
إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ لِاحْتِمَالِ غَيْبَةِ
شُهُودِهِ أَوْ آبَائِهِمْ عَنْ أَدَائِهَا وَلِأَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ
قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْقَذْفِ فَيَصِيرُ كُلُّ شَارِبٍ جَامِعًا بَيْنَ
الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ جِنَايَتَانِ وَمِنْ
الْقَاذِفِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلِهَذَا كَانَ ضَرْبُهُ أَخَفَّ مِنْ
ضَرْبِ الشَّارِبِ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْكَافِي
فَاضْمَحَلَّ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَقُولُ حَدُّ الْقَاذِفِ
ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ
جَلْدَةً} [النور: 4] وَحَدُّ الشُّرْبِ قِيسَ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ
لِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ لَمْ يَثْبُتْ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِإِجْمَاعِ
الصَّحَابَةِ غَايَتُهُ أَنَّ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ هُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ
تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْحُكْمَ يَسْتَنِدُ إلَى الْإِجْمَاعِ
لَا بِسَنَدِهِ
(وَعُزِّرَ بِقَذْفِ مَمْلُوكٍ) عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ
(أَوْ كَافِرٍ بِزِنَاهُ) لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ وَقَدْ امْتَنَعَ
وُجُوبُ الْحَدِّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَلِهَذَا
يَبْلُغُ فِي التَّعْزِيرِ غَايَتَهُ وَفِي الصُّوَرِ الْآتِيَةِ الرَّأْيُ
إلَى الْإِمَامِ وَصُورَتَانِ أُخْرَيَانِ يَجِبُ فِيهِمَا الْبُلُوغُ فِي
التَّعْزِيرِ غَايَتَهُ أَحَدُهُمَا مَا إذَا أَصَابَ مِنْ
الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ حَرَامٍ غَيْرَ الْجِمَاعِ وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا
أُخِذَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا جَمَعَ الْمَتَاعَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ كَذَا
فِي الْكَافِي.
(وَ) عُزِّرَ بِقَذْفِ (مُسْلِمٍ بِيَا فَاسِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ
مَعْلُومَ الْفِسْقِ) فَحِينَئِذٍ لَا يُعَزَّرُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ
(قَالَ يَا فَاسِقُ فَأَرَادَ إثْبَاتَهُ لِدَفْعِ التَّعْزِيرِ لَا
يُسْمَعُ) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ (بِخِلَافِ
مَا إذَا قَالَ يَا زَانِي فَأَرَادَ إثْبَاتَهُ حَيْثُ يُسْمَعُ)
لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا
يَكُونُ جَرْحًا مُجَرَّدًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ
. (وَ) عُزِّرَ بِيَا (كَافِرُ يَا خَبِيثُ يَا سَارِقُ يَا فَاجِرُ يَا
مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ يَا لُوطِيُّ يَا زِنْدِيقُ يَا لِصُّ) إلَّا أَنْ
يَكُونَ لِصًّا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (يَا دَيُّوثُ) هُوَ مَنْ لَا
يَغَارُ عَلَى زِنَا أَهْلِهِ (يَا قَرْطَبَانُ) هُوَ مُعَرَّبُ
قَلْتَبَانَ مُرَادِفُ دَيُّوثٍ (يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا آكِلَ الرِّبَا
يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ) فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْقَحْبَةُ
الزَّانِيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقُحَابِ وَهُوَ السُّعَالُ وَكَانَتْ
الزَّانِيَةُ فِي الْعَرَبِ إذَا مَرَّ بِهَا رَجُلٌ سَعَلَتْ لِيَقْضِيَ
مِنْهَا حَاجَتَهُ فَسُمِّيَتْ الزَّانِيَةُ لِهَذَا قَحْبَةً وَقِيلَ هِيَ
مَنْ تَكُونُ هِمَّتُهَا الزِّنَا وَقِيلَ هِيَ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِيَةِ
لِأَنَّ الزَّانِيَةَ قَدْ تَفْعَلُ سِرًّا وَتَأْنَفُ مِنْهُ
وَالْقَحْبَةُ مَنْ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ أَقُولُ يَرِدُ عَلَى
ظَاهِرِهِ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْمَعَانِي أَنْ يَكُونَ فِي
الْقَحْبَةِ مَعْنَى الزِّنَا مَعَ زِيَادَةِ أَمْرٍ قَبِيحٍ فَيَنْبَغِي
أَنْ يَجِبَ فِيهِ الْحَدُّ كَمَا وَجَبَ فِي يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ كَمَا
مَرَّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ إذَا
قَذَفَ بِصَرِيحِ الزِّنَا أَوْ بِمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بِأَنْ يَدُلَّ
عَلَيْهِ اللَّفْظُ اقْتِضَاءً كَمَا إذَا قَالَ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ
لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ أَبِيهِ فِي الْغَضَبِ كَمَا مَرَّ وَلَفْظُ
الْقَحْبَةِ لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنَى الزَّانِيَةِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ
بَعْدَ وَضْعِهِ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا مَرَّ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
اقْتِضَاءً أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
لَا يُقَالُ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ لَسْت لِأَبِيك وَهُوَ
لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ
بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى
الزِّنَا اقْتِضَاءً وَالْمُقْتَضَى إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ
لَوَازِمِهِ فَيَجِبُ الْحَدُّ إذْ الثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ
بِالْعِبَارَةِ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَكِنَّهُ
بَعْدُ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ (يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ) فَإِنَّهَا مَنْ
تُبَاشِرُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الزَّانِيَةِ وَلَا
فِي حُكْمِهِ فَلَا حَدَّ بِهِ (إنَّكَ مَأْوَى اللُّصُوصِ أَنْتَ مَأْوَى
الزَّوَانِي يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا حرام زاده) مَعْنَاهُ
الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الزِّنَا
وَغَيْرِهِ كَالْوَطْءِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَفِي الْعُرْفِ لَا يُرَادُ
إلَّا وَلَدُ الزِّنَا وَكَثِيرًا مَا يُرَادُ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ فَأَرَادَ إثْبَاتَهُ) يَعْنِي بِأَنْ
يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ فَاسِقٌ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا
يُقْبَلُ أَمَّا لَوْ أَرَادَ إثْبَاتَ فِسْقِهِ ضِمْنًا لِمَا تَصِحُّ
فِيهِ الْخُصُومَةُ كَجَرْحِ الشُّهُودِ إذَا قَالَ رَشَوْتهمْ بِكَذَا
فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَذَا هَذَا اهـ نَقَلَهُ
صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ فَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ بَعْضَ مَا
فِيهَا مَعَ الْحَاجَةِ إلَى ذِكْرِ بَاقِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ
وَإِذَا قَالَ يَا فَاسِقُ فَلَمَّا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّهُ
رَآهُ يُقَبِّلُ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ خَلَا بِهَا وَنَحْوُ
ذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ رَجُلَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ فَعَلَ
ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَسُقُوطُ التَّعْزِيرِ عَنْ الْقَائِلِ
وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاتِمَ عَنْ سَبَبِ
فِسْقِ مَنْ نَسَبَهُ فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا شَرْعِيًّا طَلَبَ مِنْهُ
إثْبَاتَهُ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ أَنَّ سَبَبَهُ تَرْكُ
الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا
وَلَا يَسْأَلَهُ بَيِّنَةً بَلْ يَسْأَلُ الْمَقُولَ لَهُ عَنْ
الْفَرَائِضِ الَّتِي عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ
فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ يَا فَاسِقُ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الْمُجْتَبَى أَنَّ تَارِكَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ لَا تُقْبَلُ
شَهَادَتُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِي) مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ
الْقُنْيَةِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ
(قَوْلُهُ وَعُزِّرَ بِقَذْفِ مُسْلِمٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ التَّقْيِيدُ
بِالْمُسْلِمِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ شَتَمَ ذِمِّيًّا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ
ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَذَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ
يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَمُقْتَضَاهُ
أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ مَا أَوْجَبَ الْإِثْمَ اهـ. وَفِيهِ
تَأَمُّلٌ
(قَوْلُهُ وَعُزِّرَ بِيَا كَافِرُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي
التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ قَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ قَالَ
لِآخَرَ يَا كَافِرُ لَا يَجِبُ التَّعْزِيرُ مَا لَمْ يَقُلْ يَا كَافِرُ
بِاَللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمُؤْمِنَ كَافِرًا
بِالطَّاغُوتِ فَيَكُونُ مُحْتَمِلًا اهـ كَذَا فِي النَّهْرِ (قُلْتُ)
يُرَجَّحُ خِلَافُهُ حَالَةَ السَّبِّ وَالْأَذِيَّةِ فَلِذَا أَطْلَقَهُ
فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصًّا) كَذَا
لَوْ كَانَ بِهِ مَا وَصَفَهُ بِهِ كَأَكْلِ الرَّبَّا وَشُرْبِ الْخَمْرِ
(قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِ الْحَدُّ) نَقَلَ التَّصْرِيحَ
بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فِي مِنَحِ
الْغَفَّارِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ اهـ
(2/76)
الْخَبِيثُ اللَّئِيمُ فَلَا يُحَدُّ بِهِ وَإِنَّمَا عُزِّرَ فِيهَا
لِأَنَّهُ آذَى مُسْلِمًا وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ وَلَا مَدْخَلَ
لِلْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ
(وَلَا) أَيْ لَا يُعَزَّرُ (بِيَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا كَلْبُ يَا
تَيْسُ يَا قِرْدُ يَا حَجَّامُ يَا ابْنَهُ) أَيْ ابْنَ الْحَجَّامِ
(وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَا مُؤَاجِرٌ) فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ
يُؤَاجِرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَا لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ
الْمُتَعَارَفَ بَلْ بِمَعْنَى الْمُؤَجَّرِ فَلَا تَعْزِيرَ فِيهِ (يَا
بَغَّاءُ) فَإِنَّهُ مِنْ شَتْمِ الْعَوَامّ وَلَا يَقْصِدُونَ بِهِ
مَعْنًى مُعَيَّنًا (يَا ضُحْكَةُ) بِوَزْنِ نُقْطَةٍ مَنْ يَضْحَكُ
عَلَيْهِ النَّاسُ وَبِوَزْنِ الْهُمَزَةِ مَنْ يَضْحَكُ عَلَى النَّاسِ
(يَا سُخْرَةُ) هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ فِي
يَا كَلْبُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرَةُ إذْ يُرَادُ بِهِ
الشَّتْمُ وَيَتَأَذَّى بِهِ وَقِيلَ إذَا كَانَ الْمَسْبُوبُ مِنْ
الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعُلْوِيَّةِ يُعَزَّرُ لِأَنَّ
الْوَحْشَةَ تَلْحَقُهُمْ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ لَا
يُعَزَّرُ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِ وَهَذَا حَسَنٌ كَذَا فِي الْكَافِي
(ادَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً وَعَجَزَ عَنْ
إثْبَاتِهَا لَا يُعَزَّرُ) لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُدَّعِي تَحْصِيلُ
مَالِهِ لَا السَّبُّ وَالشَّتْمُ (بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا) فَإِنَّهُ
إذَا لَمْ يُثْبِتْ يُحَدُّ لِمَا مَرَّ (وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ) أَيْ
حَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ فِيهِ (فَيَجُوزُ الْإِبْرَاءُ فِيهِ وَالْعَفْوُ
وَالْيَمِينُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ
وَامْرَأَتَيْنِ) بِخِلَافِ الْحَدِّ الَّذِي هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ
تَعَالَى حَيْثُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (يُعَزِّرُ
الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَالزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى تَرْكِهَا الزِّينَةَ،
وَ) تَرْكِهَا (غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَعَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ
وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَى الْفِرَاشِ)
(لَا) أَيْ لَا يُعَزِّرُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ (عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ
وَالْأَبُ يُعَزِّرُ الِابْنَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّهُ
إنَّمَا يَضْرِبُهَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ
تَعُودُ إلَيْهَا أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى
تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ
وَنَحْوِهِ (مَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ
فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى الْآمِرِ
فَكَأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ (إلَّا امْرَأَةً عَزَّرَهَا زَوْجُهَا)
بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا (فَمَاتَتْ) فَإِنَّ دَمَهَا لَا يَكُونُ هَدَرًا
لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ
(ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا ضَرْبًا فَاحِشًا وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ
يُعَزَّرُ) وَكَذَا الْمُعَلِّمُ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ ضَرْبًا فَاحِشًا
يُعَزَّرُ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ
أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَتَانِ قَتَلَ الرَّجُلَ
وَالْمَرْأَةَ جَمِيعًا كَذَا فِي الْمُنْيَةِ
(كِتَابُ السَّرِقَةِ) (هِيَ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ
خُفْيَةً أَيَّ شَيْءٍ كَانَ وَشَرْعًا (أَخْذُ مُكَلَّفٍ) أَيْ عَاقِلٍ
بَالِغٍ (خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ جَيِّدًا
مُحْرَزًا) صِفَةُ قَدْرَ أَوْ حَالٌ مِنْهُ (بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ)
فَقَدْ زِيدَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْصَافٌ شَرْعًا مِنْهَا فِي
السَّارِقِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا وَمِنْهَا فِي الْمَسْرُوقِ هُوَ
كَوْنُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا مُقَدَّرًا وَمِنْهَا فِي الْمَسْرُوقِ
مِنْهُ وَهُوَ كَوْنُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَإِنَّمَا عُزِّرَ فِيهَا لِأَنَّهُ آذَى مُسْلِمًا وَأَلْحَقَ
بِهِ الشَّيْنَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا أَوْ
آذَى مُسْلِمًا يَعْنِي أَوْ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلٍ أَوْ
فِعْلٍ عُزِّرَ قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ
وَكَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا حَسَنٌ كَذَا فِي
الْكَافِي) مِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ فَتَحَصَّلَ
ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يُعَزَّرُ مُطْلَقًا
وَمُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيِّ يُعَزَّرُ مُطْلَقًا وَالْمُفَصَّلُ بَيْنَ
كَوْنِ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْأَشْرَافِ فَيُعَزَّرُ قَائِلُهُ وَإِلَّا
فَلَا
(قَوْلُهُ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ
الْقُنْيَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ إذَا ادَّعَى
عَلَى شَخْصٍ بِدَعْوَى تُوجِبُ تَكْفِيرَهُ وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ مَا
ادَّعَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا صَدَرَ الْكَلَامُ عَلَى وَجْهِ
الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ) كَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ
الْخَانِيَّةِ.
وَفِي الْفَتْحِ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا
هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَحَقُّ الْعَبْدِ يَجْرِي
فِيهِ مَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ نَحْوِ الْإِبْرَاءِ وَأَمَّا مَا وَجَبَ
مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى
الْإِمَامِ إقَامَتُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا عُلِمَ
أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ
وَامْرَأَتَيْنِ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى
وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُقْبَلُ فِي
التَّعْزِيرِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ كَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ
حَقُّ آدَمِيٍّ كَالدُّيُونِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ اهـ.
وَقَدْ عَلِمْت تَقْسِيمَهُ
(قَوْلُهُ لَا يُعَزِّرُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ. .
. إلَخْ)
قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَقَوْلُهُ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ بِخِلَافِ
الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ. . . إلَخْ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَعْنِي تَرْكَ
الصَّلَاةِ وَالزِّينَةِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتَرْكَ
الْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ
ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ رَأَى
رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ
وَقَالَ قَبْلَهُ سَأَلَ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رَجُلًا
مَعَ امْرَأَتِهِ أَيَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ قَالَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ
أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا
وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ
الْقَتْلُ. اهـ. |