درر الحكام شرح غرر الأحكام

[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]
(كِتَابُ الْمَفْقُودِ) (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً مِنْ فَقَدْت الشَّيْءَ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفَقْدِ وَالِاسْمُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْأَضْدَادِ تَقُولُ فَقَدْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَضْلَلْتُهُ وَفَقَدْته أَيْ طَلَبْته وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَفْقُودِ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ

(2/127)


مَنْ يَقْبِضُ حَقَّهُ) الْكَائِنَ فِي ذِمَمِ النَّاسِ (وَيَحْفَظُ مَالَهُ وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ فَسَادُهُ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَفْقُودِ كَذَلِكَ وَفِي نَصْبِ الْحَافِظِ لَهُ وَالْقَائِمِ عَلَيْهِ نَظَرٌ لَهُ فَإِنَّهُ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ غَرِيمٌ مِنْ غُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَيُخَاصِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ بَلْ هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ، فَإِنْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى الْمَفْقُودِ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلُ الْقَاضِي وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ خَصْمًا، وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَيُنْفِقُ عَلَى أَقْرِبَائِهِ بِالْوَلَاءِ كَوَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ وَعُرْسِهِ) لِمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ. الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ حَالَ حُضُورِهِ بِلَا قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حُضُورِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ (لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ الْمَفْقُودِ وَعُرْسِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَيَانُ» (وَلَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ) وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ (وَمَيِّتٌ) عَطْفٌ عَلَى حَيٌّ (فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ إذَا مَاتَ الْمُوصِي) (بَلْ يُوقَفُ قِسْطُهُ مِنْ مَالِ مُوَرِّثِهِ وَمُوصِيهِ إلَى مَوْتِ أَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ) اُخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ مُدَّةِ حَيَاتِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَ هُنَا فَإِنَّ مَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَطَرِيقُهُ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إلَى مِثَالِهِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَمَهْرِ مِثْلِ النِّسَاءِ، وَبَقَاؤُهُ بَعْدَ كُلِّ أَقْرَانِهِ نَادِرٌ وَبِنَاءُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ الْغَالِبِ وَاعْتُبِرَ أَقْرَانُهُ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ التَّفَحُّصَ عَنْ حَالِ الْأَقْرَانِ فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ خَارِجٌ عَنْ الْإِمْكَانِ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخْتَارُ أَنْ يُفَوَّضَ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ، وَكَذَا غَلَبَةُ الظَّنِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ مَاتَ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ مَهْلَكَةً وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مُدَّتِهِ إلَّا اخْتِلَافَ آرَائِهِمْ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ لَهُ (فَإِنْ ظَهَرَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ (حَيًّا) (فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْقِسْطُ الْمَوْقُوفُ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ (يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي) حَقِّ (مَالِهِ يَوْمَ تَمَّتْ الْمُدَّةُ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ أَيْ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَوْمَ تَمَامِ الْمُدَّةِ (فَتَعْتَدُّ عُرْسُهُ) لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ الْآنَ مَاتَ (لِلْمَوْتِ) يَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ مَنْ يَرِثُهُ الْآنَ) وَلَا يَرِثُهُ وَارِثٌ مَاتَ قَبْلَ الْمُدَّةِ.
(وَفِي مَالِ غَيْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى فِي مَالِهِ أَيْ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ مَالِ غَيْرِهِ (مِنْ حِينِ فُقِدَ) حَتَّى لَا يَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحِينِ مَالِكًا لِمَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَيُخَاصِمُ) يَعْنِي الْوَكِيلَ فِي كُلِّ دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ أَيْ عَقْدِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى الْمَفْقُودِ حَقًّا. . . إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَقُولُ نَعَمْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْكَالِ عَلَى مَا نَصَّ فِي الْمَذْهَبِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يُقِرَّ بِهِ الْغَرِيمُ إلَى أَنْ قَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ، ثُمَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ. هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ أَبَدًا فَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ حَتَّى يُنْفِذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي وَاقِعَةٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذِ أَحَدٍ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا قَبْلَ الْحُكْمِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَيُنْفِقُ عَلَى أَقْرِبَائِهِ بِالْوَلَاءِ. . . إلَخْ) يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَ هُنَا) هَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْبُرْهَانُ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ كَمَا فِي ابْنِ الضِّيَاءِ.
وَفِي الْبُرْهَانِ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَالْأَرْفَقُ بِالنَّاسِ التَّقْدِيرُ بِتِسْعِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ وَالْفَحْصُ عَنْ حَالِ الْأَقْرَانِ أَنَّهُمْ مَاتُوا أَوْ لَا غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ فِيهِ حَرَجٌ.

(2/128)


الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ مَالًا (فَيُرَدُّ مَا وُقِفَ لَهُ إلَى مَنْ يَرِثُ مُوَرِّثَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِهَذَا الْمَالِ الْمَوْقُوفِ إلَى الْآنَ، وَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَالِ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لَا مُثْبِتَةٌ فَالْمَفْقُودُ قَبْلَ الْمُدَّةِ حَيٌّ فَلَا يَرِثُهُ الْوَارِثُ الَّذِي كَانَ حَيًّا وَقْتَ فَقْدِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا فَيَصْلُحُ حُجَّةً لِدَفْعِ أَنْ يَرِثَهُ الْغَيْرُ وَفِي مَالِ غَيْرِهِ مَيِّتٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلْحُجِّيَّةِ لِإِيجَابِ إرْثِهِ مِنْ الْغَيْرِ فَيُرَدُّ مَا وُقِفَ لِلْمَفْقُودِ إلَى مَنْ يَرِثُ مُوَرِّثَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ (لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ الْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَعَبْدِهِمَا وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا وَيَبِيعَهُمَا) كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.

(كِتَابُ اللَّقِيطِ) وَهُوَ لُغَةً مَا يُلْقَطُ أَيْ يُرْفَعُ مِنْ الْأَرْضِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَنْبُوذِ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُلْقَطُ، وَشَرْعًا مَوْلُودٌ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ التُّهْمَةِ
(نُدِبَ رَفْعُهُ) إنْ لَمْ يُخَفْ هَلَاكُهُ بِأَنْ وُجِدَ فِي الْأَمْصَارِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الشَّفَقَةِ عَلَى الْأَطْفَالِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ (وَوَجَبَ إنْ خِيفَ هَلَاكُهُ) بِأَنْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَهَالِكِ كَمَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ عَنْ الْوُقُوعِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ (وَهُوَ حُرٌّ إلَّا بِحُجَّةِ رِقِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَادَ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا الْحُرِّيَّةُ ثُمَّ إنَّهُ حُرٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ حَتَّى إنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ لَا قَاذِفَ أُمِّهِ لِوُجُودِ وَلَدٍ مِنْهَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ (وَنَفَقَتُهُ وَجِنَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِرْثُهُ لَهُ) لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (إنْفَاقُ الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ تَبَرُّعٌ لَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ) أَيْ اللَّقِيطِ (وَإِنْ أَمَرَهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطَ (الْقَاضِي بِهِ) أَيْ بِالْإِنْفَاقِ (فِي الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى اللَّقِيطِ يَرْجِعُ بِهِ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يَكْفِي فِي الرُّجُوعِ عَلَى اللَّقِيطِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنًا عَلَى شَخْصٍ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَفِي الْأَصَحِّ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ (فَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ الْإِنْفَاقَ كَمَا ذَكَرَ) أَيْ بِقَوْلِ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ (فَكَذَّبَهُ) أَيْ اللَّقِيطُ الْمُلْتَقِطَ (لَا يَرْجِعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ حَيْثُ يُصَدَّقُ فِي الْإِنْفَاقِ الْمُتَعَارَفِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ (أَبَى الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ) أَيْ الْقَاضِي (لَا يَقْبَلُهُ) أَيْ اللَّقِيطَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى كَوْنِهِ لَقِيطًا) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ أَوْ بَعْضَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَاحْتَالَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ لِيَدْفَعَ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِذَا أَقَامَهَا قَبِلَهَا الْقَاضِي بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ (وَبَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ (الْأَوْلَى قَبُولُهُ إنْ عَلِمَ عَجْزَهُ) أَيْ عَجْزَ الْمُلْتَقِطِ (فَإِنْ) أَيْ بَعْدَمَا قَبِلَهُ إنْ (وَضَعَهُ) أَيْ الْقَاضِي (عِنْدَ آخَرَ فَطَلَبَهُ الْأَوَّلُ) (فَهُوَ) أَيْ الْقَاضِي (مُخَيَّرٌ) بَيْنَ الدَّفْعِ وَعَدَمِهِ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ آخِذِهِ) لِسَبْقِهِ فِي الْأَخْذِ (وَإِنْ دَفَعَهُ) أَيْ آخِذُهُ (إلَى آخَرَ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ) لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ.

(وَنَسَبُهُ) يَثْبُتُ (مِمَّنْ ادَّعَاهُ وَلَوْ) كَانَ الْمُدَّعِي (رَجُلَيْنِ) فَيَكُونُ وَلَدًا لَهُمَا كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (أَوْ) يَثْبُتُ (مِمَّنْ يَصِفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ