درر
الحكام شرح غرر الأحكام [كِتَابُ الشُّفْعَةِ]
(كِتَابُ الشُّفْعَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ شَرَعَ
فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَأْخِيرِهَا إلَى
أَوَاخِرِ الْكِتَابِ كَمَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ (هِيَ) لُغَةً
مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ سُمِّيَتْ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ
الْمُشْتَرَاةِ إلَى مِلْكِ الشَّفِيعِ وَشَرْعًا (تَمَلُّكُ الْعَقَارِ)
وَهُوَ الضَّيْعَةُ وَقِيلَ مَا لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ أَوْ ضَيْعَةٍ
كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَمَا فِي حُكْمِهِ) كَالْعُلُوِّ قَالَ فِي
الْكَافِي: الْعُلُوُّ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَتُسْتَحَقُّ بِهِ
الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْعُلُوِّ فِي
السُّفْلِ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ بِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ
الْقَرَارِ (جَبْرًا عَلَى مُشْتَرِيهِ بِمِثْلِ) مُتَعَلِّقٌ
بِالتَّمَلُّكِ (مَا قَامَ عَلَيْهِ) مِنْ الثَّمَنِ (وَتَثْبُتُ) أَيْ
الشُّفْعَةُ (بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْخَلِيطِ) أَيْ الشَّرِيكِ (فِي نَفْسِ
الْمَبِيعِ ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ مَا سَلَّمَهَا تَثْبُتُ لِلْخَلِيطِ (فِي
حَقِّهِ) أَيْ حَقِّ الْمَبِيعِ (كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ الْخَاصَّيْنِ)
مَعْنَى خُصُوصِهِمَا أَنْ يَكُونَ الشُّرْبُ مِنْ نَهْرٍ لَا تَجْرِي
فِيهِ السُّفُنُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الطَّرِيقُ نَافِذًا (ثُمَّ) أَيْ
بَعْدَ مَا سَلَّمَهَا تَثْبُتُ (لِجَارٍ مُلَاصِقٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ
مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا) لِإِطْلَاقِ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ
يُقَاسِمْ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَارُ
الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ يُنْتَظَرُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ
غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَالْمُرَادُ جَارٌ هُوَ
شَرِيكٌ فِي الطَّرِيقِ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الشُّرْبِ دَلَالَةً
لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ
بِاعْتِبَارِ الْخُلْطَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِي الشُّرْبِ (بَابُهُ فِي
السِّكَّةِ أُخْرَى) فَإِنَّ بَابَهُ إنْ كَانَ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ
كَانَ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ فَلَا يَكُونُ جَارٌ مُلَاصِقًا؛
صُورَتُهُ مَنْزِلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي دَارٍ هِيَ الْقَوْمُ
فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ
مِنْ الْمَنْزِلِ فَالشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ،
فَإِنْ سَلَمَ فَالشُّرَكَاءُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي
السِّكَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ لِلشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ فِي صَحْنِ
الدَّارِ، فَإِنْ سَلَمُوا فَأَهْلُ السِّكَّةِ أَحَقُّ لِلشَّرِكَةِ فِي
الطَّرِيقِ، فَإِنْ سَلَمُوا فَلِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ وَهُوَ الَّذِي
عَلَى ظَهْرِ هَذَا الْمَنْزِلِ وَبَابُ دَارِهِ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى -
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْجَارُ الْمُلَاصِقُ (وَاضِعَ
الْجِذْعِ عَلَى حَائِطِهِ) أَيْ حَائِطِ الْمَبِيعِ (أَوْ شَرِيكًا)
لِلْبَائِعِ (فِي خَشَبَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ، فَإِنَّ
الْجَارَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَا يَكُونُ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ
وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ جَارًا مُلَاصِقًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ
وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ
الْوِقَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهَا تَغَايُرُهُمَا لِلْجَارِ -
(عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَتَثْبُتُ (لَا قَدْرِ
الْمِلْكِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَثْبُتُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ
صُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ
سُدُسُهَا وَلِلثَّالِثِ ثُلُثُهَا فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ
وَطَلَبَ الْآخَرَانِ الشُّفْعَةَ قُضِيَ بِالشِّقْصِ الْمَبِيعِ
بَيْنَهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَثْلَاثًا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا، وَإِنْ
بَاعَ صَاحِبُ السُّدُسِ قُضِيَ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا، وَإِنْ بَاعَ
صَاحِبُ الثُّلُثِ قُضِيَ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا وَعِنْدَنَا يُقْضَى
بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي الْكُلِّ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
كِتَابُ الشُّفْعَةِ) هِيَ حَقُّ الشَّرْعِ نَظَرًا لِمَنْ كَانَ شَرِيكًا
أَوْ جَارًا عِنْدَ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا إلَخْ) يَعْنِي
بِهِ مَنْ تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ وَسَوَاءٌ كَانَ أُنْثَى أَوْ
صَغِيرًا أَوْ مُعْتَقَ الْبَعْضِ وَالْخَصْمُ عَنْ الصِّبْيَانِ فِي
الشُّفْعَةِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ آبَاؤُهُمْ أَوْ أَوْصِيَاءُ الْآبَاءِ
عِنْدَ عَدَمِهِمْ وَالْأَجْدَادُ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَوْصِيَاءُ الْأَجْدَادِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
فَالْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ يُقِيمُ لَهُمْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي
الْخُصُومَةِ وَالطَّلَبِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ
(قَوْلُهُ: إذْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ) أَقُولُ الصَّوَابُ
إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّ
طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ هُوَ الَّذِي يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْإِشْهَادِ
ابْتِدَاءً فَلَمْ يَبْقَ بُدٌّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَعَلَى مَا
صَوَّبْنَاهُ يَتَفَرَّعُ قَوْلُهُ، فَإِذَا أَشْهَدَ ابْتِدَاءً عَلَى
طَلَبِهَا تَيَسَّرَ أَخْذُ الْمَقْصُودِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَا
يَصِحُّ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ لِإِبْطَالِهِ مَا فَرَّعَ عَلَيْهِ
فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا
(2/208)
(وَتَسْتَقِرُّ) عَطْفٌ عَلَى تَثْبُتُ
أَيْ تَسْتَقِرُّ الشُّفْعَةُ (بِالْإِشْهَادِ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ
الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ
بِالْإِعْرَاضِ، فَإِذَا أَشْهَدَ ابْتِدَاءً عَلَى طَلَبِهَا تَيَسَّرَ
أَخْذُ الْمَقْصُودِ بِحُكْمِ الْقَاضِي وَلَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى
الْيَمِينِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَيُمْلَكُ) أَيْ الْعَقَارُ وَمَا فِي
حُكْمِهِ (بِالْقَضَاءِ أَوْ الْأَخْذِ بِالرِّضَا) بَيْنَ الشَّفِيعِ
وَالْمُشْتَرِي قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ وَيُمْلَكُ بِالْأَخْذِ
بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَصَرَّحَ شَارِحَاهُمَا بِأَنَّ
قَوْلَهُ أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَطْفٌ عَلَى الْأَخْذِ لَا عَلَى
التَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ
لِلشَّفِيعِ قَبْلَ أَخْذِهِ وَلَمَّا كَانَ عِبَارَةُ الْمَتْنَيْنِ
مُوهِمَةً لِعَطْفٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى التَّرَاضِي بَلْ ظَاهِرُهُ
فِيهِ غَيْرُ الْعِبَارَةِ إلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهَا ثُمَّ إذَا
ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ قَبْلَ أَخْذِهِ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي
كَأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا
حَيْثُ قَالَ وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ
حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ حَكَمَ عَطْفٌ عَلَى سَلَّمَ
فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ مُعْتَبَرًا فِي كُلٍّ مِنْ تَسْلِيمِ
الْمُشْتَرِي وَحُكْمِ الْقَاضِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الثَّانِي -
(وَيَطْلُبُهَا) أَيْ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَبَ
هَاهُنَا ثَلَاثَةٌ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبُ الْإِشْهَادِ
وَالتَّقْرِيرِ وَطَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ
بِقَوْلِهِ وَيَطْلُبُهَا الشَّفِيعُ (فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ
بِسَمَاعِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ (مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ
وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ) وَقَالَا: يَكْفِي وَاحِدٌ حُرًّا
كَانَ أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا
(وَإِنْ امْتَدَّ) أَيْ الْمَجْلِسُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ
التَّمَلُّكِ اُحْتِيجَ إلَى زَمَانِ التَّأَمُّلِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ
فَلَوْ قَالَ بَعْدَمَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَا
حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَا
تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَمْدٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى
الْخَلَاصِ مِنْ جَوَارِ الْبَائِعِ مِنْ الْأَمْنِ مِنْ ضَرَرِ الدَّخِيلِ
بِالشُّفْعَةِ وَالثَّانِي تَعَجُّبٌ مِنْهُ بِقَصْدِ إضْرَارِهِ
وَالثَّالِثُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ كَمَا هُوَ عُرْفُ بَعْضِ النَّاسِ
فَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ (بِلَفْظٍ) مُتَعَلِّقٌ
بِيُبْطِلُهَا (يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُهَا) كَطَلَبْتُ الشُّفْعَةَ أَوْ
أَنَا طَالِبُهَا أَوْ أَطْلُبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ
لِلْمَعْنَى وَفِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الطَّلَبُ
لِلْحَالِ لَا الْخَبَرُ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ حَتَّى قَالَ
الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إذَا سَمِعَ بِبَيْعِ
أَرْضٍ بِجَنْبِ أَرْضِهِ فَقَالَ شُفْعَةً شُفْعَةً كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ
طَلَبًا كَذَا فِي الْكَافِي -
(وَقِيلَ تَبْطُلُ بِأَدْنَى سُكُوتٍ) حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ بِكِتَابٍ
وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى
آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ الْأَوَّلُ أَصَحُّ
(وَيُسَمَّى) هَذَا الطَّلَبُ (طَلَبَ مُوَاثَبَةٍ) لِيَدُلَّ عَلَى
غَايَةِ التَّعْجِيلِ كَأَنَّ الشَّفِيعَ يَثِبُ وَيَطْلُبُ الشُّفْعَةَ
وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ
لِمَخَافَةِ الْجُحُودِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَسَيَأْتِي
لَهُ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ الثَّانِي
بِقَوْلِهِ (ثُمَّ يُشْهِدُ عِنْدَ الدَّارِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ
مُتَعَلِّقٌ بِهَا (أَوْ عَلَى الْبَائِعِ) إنْ كَانَ الدَّارُ فِي يَدِهِ
لَمْ تُسَلَّمْ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهَا إذَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ لَمْ
يَصِحَّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا إذْ
لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ (أَوْ الْمُشْتَرِي) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا
يَدٍ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ (قَائِلًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُشْهِدُ (اشْتَرَى
فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَكُنْتُ طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ
وَطَلَبْتُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ وَيُسَمَّى طَلَبَ إشْهَادٍ)
وَهَذَا الطَّلَبُ وَاجِبٌ حَتَّى إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ
الدَّارِ أَوْ عَلَى ذِي الْيَدِ وَلَمْ يَشْهَدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ،
فَإِذَا كَانَ فِي مَكَان بَعِيدٍ فَسَمِعَ فَطَلَبُ مُوَاثَبَةٍ وَعَجَزَ
عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَيَطْلُبُهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ إلَخْ) هَذَا
عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ
وَبِهَا أَخَذَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ عَامَّةِ
الْمَشَايِخِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِعِلْمِهِ وَهُوَ
مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ
سَكَتَ هُنَيْهَةً بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَطْلُبْ أَوْ تَكَلَّمَ
بِكَلَامٍ لَغْوٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَالزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ
إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى
رِوَايَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَإِنْ طَالَ الْمَجْلِسُ كَمَا فِي
الذَّخِيرَةِ
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَبْطُلُ بِأَدْنَى سُكُوتٍ) عِبَارَتُهُ تَقْتَضِي
ضَعْفَهُ وَعَلِمْت أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ
عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ بِأَدْنَى سُكُوتٍ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي
فِيهِ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ) الَّذِي سَيَأْتِي لَا تَحْقِيقَ فِيهِ بَلْ
هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، فَإِنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى طَلَبِ
الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا إذَا سُلِّمَتْ
إلَيْهِ) يَعْنِي إلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ الْإِشْهَادُ
عَلَيْهِ) يَعْنِي عَلَى الْبَائِعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ
وَالنَّاطِفِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا
كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الْمَوَاهِبِ وَقِيلَ مُطْلَقًا يَعْنِي يُشْهِدُ عَلَيْهِ يَعْنِي
الْبَائِعَ وَلَوْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ
الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: قَائِلًا اشْتَرَى فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ. . .
إلَخْ) .
أَقُولُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ تَعْرِيفِ
الدَّارِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الدَّارِ، وَالْوَصْفُ
فِي الْحَاضِرِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ حُدُودَهَا
وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بُدَّ
وَأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ شَفِيعٌ بِالشَّرِكَةِ أَوْ بِالْجِوَارِ أَوْ
بِالْحُقُوقِ وَيُبَيِّنَ الْحُدُودَ لِتَصِيرَ مَعْلُومَةً اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّارِ. . .
إلَخْ) يُشِيرُ بِهِ إلَى تَقْدِيرِ مُدَّةِ هَذَا الطَّلَبِ (قَوْلُهُ:
أَوْ عَلَى ذِي الْيَدِ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْبَائِعُ
خَصْمًا عِنْدَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي كَمَا قَدَّمَهُ وَعَلِمْتَ
أَنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا اسْتِحْسَانًا
(2/209)
أَوْ عَلَى ذِي الْيَدِ يُوَكِّلُ وَكِيلًا
إنْ وُجِدَ وَأَلَّا يُرْسِلَ رَسُولًا أَوْ كِتَابًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ
فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، فَإِذَا حَضَرَ طَلَبَ، وَإِنْ وَجَدَ وَلَمْ
يَفْعَلْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (وَإِذَا شَهِدَ فِي
الْأَوَّلِ) يَعْنِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ (عِنْدَ أَحَدِهَا) أَيْ عِنْدَ
الدَّارِ أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي (اسْتَغْنَى عَنْهُ) أَيْ مِنْ
الْإِشْهَادِ فِي الثَّانِي لِقِيَامِهِ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ نَقَلَهُ
فِي الْكَافِي عَنْ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ
عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَ أَحَدِهَا؛
لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى مُجَرَّدِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِلَا حُضُورِ
وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ بِلَا خَفَاءٍ -
(ثُمَّ يَطْلُبُ عِنْدَ قَاضٍ قَائِلًا اشْتَرَى فُلَانٌ دَارَ كَذَا
وَأَنَا شَفِيعًا بِدَارِ كَذَا فَمُرْهُ يُسَلِّمُ إلَيَّ وَيُسَمِّي
طَلَبَ تَمْلِيكٍ وَخُصُومَةٍ وَبِتَأْخِيرِهِ مُطْلَقًا) أَيْ شَهْرًا
كَانَ أَوْ أَكْثَرَ (لَا تَبْطُلُ) أَيْ الشُّفْعَةُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَرَكَهُ شَهْرًا بِلَا عُذْرٍ بَعْدَ
الْإِشْهَادِ بَطَلَتْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ
تَسْقُطْ بِهِ تَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي إذْ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ
حِذَارَ نَقْضِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ فَقُدِّرَ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ
آجِلٌ وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ كَمَا مَرَّ فِي الْإِيمَانِ قَالَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى هَذَا لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ
النَّاسِ فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ وَاخْتَارَهُ فِي
الْوِقَايَةِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
أَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ شَرْعًا فَلَا يَبْطُلُ بِتَأْخِيرِهِ
كَسَائِرِ الْحُقُوقِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا بِلِسَانِهِ وَمَا ذُكِرَ
مِنْ الضَّرَرِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى
الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَ الشَّفِيعَ بِالْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ فَمَتَى
لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الْمُضِرُّ بِنَفْسِهِ (وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي
الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ
قَاضٍ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ اتِّفَاقًا إذْ لَا
يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَكَانَ عُذْرًا -
(وَإِذَا طَلَبَ) أَيْ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي (سَأَلَ
الْقَاضِي الْخَصْمَ عَنْ مَالِكِيَّةِ الشَّفِيعِ لِمَا يَشْفَعُ بِهِ،
فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا أَوْ نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْعِلْمِ) بِأَنْ
يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكُ الدَّارِ الَّتِي
يَشْفَعُ بِهَا (أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ) بِكَوْنِهِ مَالِكًا لِمَا
يَشْفَعُ بِهِ (سَأَلَهُ) أَيْ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
(عَنْ الشِّرَاءِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى
الْحَاصِلِ أَوْ السَّبَبِ) ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ إنْ كَانَ
مُتَّفَقًا عَلَيْهِ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ
هَذَا الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَيَّ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ
كَشُفْعَةِ الْجِوَارِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت
هَذِهِ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِمَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ (أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ قُضِيَ لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ
(بِهَا) أَيْ بِالشُّفْعَةِ -
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُحْضِرْ) أَيْ الشَّفِيعُ (الثَّمَنَ وَقْتَ
الدَّعْوَى وَبَعْدَ الْقَضَاءِ لَزِمَهُ) أَيْ الشَّفِيعَ إحْضَارُ
الثَّمَنِ (وَلِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الدَّارِ لِقَبْضِهِ) أَيْ الثَّمَنِ
(وَبِتَأْخِيرِ أَدَائِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (لَا تَبْطُلُ) أَيْ الشُّفْعَةُ
يَعْنِي إذَا قِيلَ لِلشَّفِيعِ: أَدِّ الثَّمَنَ فَأَدَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
ثُمَّ لَوْ قَصَدَ الْأَبْعَدَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ
الْأَقْرَبَ، فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا فِي مِصْرٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا
وَأَنَّ بَعْضَهُمْ فِيهِ وَالْبَعْضُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي
الرُّسْتَاقِ فَقَصَدَ الْأَبْعَدَ وَتَرَكَ الَّذِي فِي مِصْرِهِ بَطَلَتْ
شُفْعَتُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَ مِنْ الضَّرَرِ. . . إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ
الزَّيْلَعِيُّ بِمَا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا حَيْثُ لَا يَسْقُطُ
بِالتَّأْخِيرِ اهـ.
(قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى هَذَا)
قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ أَصَحُّ مَا يُفْتَى يَعْنِي بِهِ أَنَّ
تَصْحِيحَ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَقَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ
الصَّغِيرِ مِنْ كَوْنِ تَقْدِيرِ السُّقُوطِ بِشَهْرٍ أَصَحَّ مِنْ
تَصْحِيحِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي عَدَمُ سُقُوطِهَا
بِالتَّأْخِيرِ أَبَدًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ سَائِرِ الْحُقُوقِ أَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ يُمْلَكُ فِي
الْعَيْنِ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ وَهُوَ احْتِمَالُ حُصُولِ الضَّرَرِ مِنْ
الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ عَلَى الْمُشْتَرِي،
وَأَمَّا سَائِرُ الْحُقُوقِ فَلِأَنَّ تَأْخِيرَهَا يَنْفَعُ مَنْ
عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ
بِدَفْعِهَا إلَى أَرْبَابِهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا طَلَبَ سَأَلَ الْقَاضِي الْخَصْمَ عَنْ مَالِكِيَّةِ
الشَّفِيعِ بِمَا يَشْفَعُ بِهِ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي
بِظَاهِرِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا
لِلِاسْتِحْقَاقِ وَاكْتَفَى بِهِ زُفَرُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا طَلَبَ
سَأَلَ الْقَاضِي الْخَصْمَ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ فِي التَّبْيِينِ ذَكَرَ سُؤَالَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوَّلًا عَقِبَ طَلَبِ الشَّفِيعِ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ بَلْ الْقَاضِي يَسْأَلُ أَوَّلًا الْمُدَّعِيَ قَبْلَ أَنْ
يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ
الْمِصْرِ وَمَحَلِّهِ وَحُدُودِهَا، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ
قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ وَعَدَمِهِ، فَإِذَا بَيَّنَ سَأَلَهُ عَنْ
سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا، فَإِذَا بَيَّنَ وَلَمْ
يَكُنْ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ سَأَلَهُ مَتَى عَلِمَ وَكَيْفَ صَنَعَ حِينَ
عَلِمَ، فَإِذَا بَيَّنَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ
وَعِنْدَ مَنْ أَشْهَدَ وَهَلْ كَانَ الَّذِي أَشْهَدَ عِنْدَهُ أَقْرَبَ
أَمْ لَا، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ فِي
شُرُوطِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ وَأَقْبَلَ الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَالِكِيَّةِ الشَّفِيعِ بِمَا يَشْفَعُ بِهِ. .
. إلَخْ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا
بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَطْلُبُ عِنْدَ قَاضٍ قَائِلًا اشْتَرَى فُلَانٌ دَارَ
كَذَا وَأَنَا شَفِيعُهَا بِدَارِ كَذَا فَمُرْهُ يُسَلِّمُ إلَيَّ؛
لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا لَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الدَّعْوَى لِمَا
قَدَّمْته مِنْ الشُّرُوطِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي
(2/210)
لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ (وَالْخَصْمُ)
لِلشَّفِيعِ (الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) أَيْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ
إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ ذُو الْيَدِ (وَ) لَكِنْ (لَا تُسْمَعُ
الْبَيِّنَةُ) أَيْ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ
(بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي وَيُفْسَخُ) أَيْ الْبَيْعُ (بِحُضُورِهِ) أَيْ
الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ (وَيُقْضَى بِالشُّفْعَةِ
وَالْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ) يَعْنِي يَجِبُ تَسْلِيمُ الدَّارِ
عَلَيْهِ وَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ يَكُونُ عُهْدَةُ الثَّمَنِ عَلَيْهِ
فَيُطْلَبُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ
يَدِهِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ حُضُورُهُ وَلَا تَكُونُ الْعُهْدَةُ
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا -
(الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ لِلشَّفِيعِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ
وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ (مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ
إلَى الْمُوَكِّلِ) ، فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ هُوَ
الْخَصْمَ إذْ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ فَيَكُونُ الْخَصْمُ
هُوَ الْمُوَكِّلَ -
(لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي
الْبَرَاءَةَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ
بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ
الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَشِرَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ لِتَحَوُّلِ
الصَّفْقَةِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارَانِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ
مِنْهُمَا وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا
بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ
عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا يُعْمَلُ شَرْطُهُ وَرُؤْيَتُهُ فِي حَقِّهِ -
(اخْتَلَفَا) أَيْ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي (فِي الثَّمَنِ) قَالَ
الْمُشْتَرِي أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقَالَ الشَّفِيعُ أَلْفٌ (فَالْقَوْلُ
لِلْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ
الدَّارِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ (وَلَوْ
بَرْهَنَا فَالشَّفِيعُ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ أَكْثَرُ إثْبَاتًا
مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ إثْبَاتًا صُورَةً؛
لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِلْزَامِ وَبَيِّنَةُ الشَّفِيعِ مُلْزِمَةٌ
بِخِلَافِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ إذَا
قُبِلَتْ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الدَّارِ إلَيْهِ بِأَلْفٍ
شَاءَ أَوْ أَبَى وَإِذَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لَا يَجِبُ
عَلَى الشَّفِيعِ شَيْءٌ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ -
(ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَبَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ بِلَا قَبْضِهِ
فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (وَبِهِ) أَيْ بِالْقَبْضِ
(لِلْمُشْتَرِي) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى
بَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ
بِمَا قَالَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ
الْبَائِعُ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ
الْمُشْتَرِي يَكُونُ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ الْأَقَلَّ
وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي
فَيَأْخُذُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَهَا
الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ
أَوْ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ خَرَجَ مِنْ
الْبَيْنِ وَالْتَحَقَ بِالْأَجَانِبِ فَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ
الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ
لِلْمُشْتَرِي (حَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ) حَيْثُ
يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ
فَكَانَ الثَّمَنُ مَا بَقِيَ (لَا حَطُّ الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ
حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيْعًا بَاطِلًا أَوْ هِبَةً وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ
لَا تَصِحُّ الشُّفْعَةُ.
(وَ) لَا (الزِّيَادَةُ) عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ
اسْتِحْقَاقَهُ الْأَخْذَ بِمَا دُونَهَا (وَفِي الشِّرَاءِ بِمِثْلِيٍّ
يَأْخُذُ) الشَّفِيعُ (بِمِثْلِهِ وَفِي قِيَمِيٍّ) يَأْخُذُهُ
(بِالْقِيمَةِ فَفِي) بَيْعِ (عَقَارٍ بِعَقَارٍ يَأْخُذُ كُلًّا بِقِيمَةِ
الْآخَرِ) يَعْنِي إذَا بِيعَ عَقَارٌ بِعَقَارٍ يَأْخُذُ شَفِيعُ كُلٍّ
مِنْ الْعَقَارَيْنِ كُلًّا مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ
بَدَلُهُ وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ.
(وَفِي ثَمَنٍ) أَيْ فِي الْمَبِيعِ بِثَمَنٍ (مُؤَجَّلٍ يَأْخُذُ بِحَالٍ
أَوْ يَطْلُبُ الْآنَ وَيَأْخُذُ بَعْدَ الْأَجَلِ) ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ
بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَقْدِ وَاشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ
الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ اشْتِرَاطًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَالْخِيَارِ
وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَرِضَاءِ الْبَائِعِ بِهِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَالْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ الْبَائِعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) يَعْنِي
فِي طَلَبِ التَّمَلُّكِ (قَوْلُهُ: وَيُفْسَخُ أَيْ الْبَيْعُ بِحُضُورِهِ
أَيْ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ
(قَوْلُهُ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَكِنْ لَا
يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ حُضُورُ الْمُوَكِّلِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَائِعُ؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْوَكِيلِ
(قَوْلُهُ: ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَبَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ بِلَا
قَبْضَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) أَقُولُ: وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ
أَكْثَرَ يَتَحَالَفَانِ يَعْنِي الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَأَيُّهُمَا
نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا قَالَهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا
الشَّفِيعُ بِذَلِكَ وَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ
وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ. . . إلَخْ) هَذَا
إذَا كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ ظَاهِرًا كَمَا ذَكَرَ بِأَنْ ثَبَتَ
بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ
الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ يَأْخُذُهَا
الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ وَلَوْ بَدَأَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ بَيَانِ
الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُ الدَّارَ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهُوَ
أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ
كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: لَا حَطُّ الْكُلِّ) أَيْ فَيَأْخُذُهَا
الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى الَّذِي أَبْرَأَهُ عَنْهُ الْبَائِعُ
إنْ شَاءَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ. . . إلَخْ) كَانَ
يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْحَطَّ لِلْكُلِّ لَا يَلْتَحِقُ
بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ أُلْحِقَ
الْحَطُّ بِهِ يَكُونُ بَيْعًا بَاطِلًا إلَخْ أَيْ فَلَا يَكُونُ
الْإِلْحَاقُ مَقُولًا بِهِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْبُطْلَانِ فِيهِ
تَسَامُحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيْعًا
بَاطِلًا) أَقُولُ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَكُونُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ هَذَا فِي
حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْ ثَمَنِهِ بَلْ أَرْقَى مِنْهُ إذْ التَّسْمِيَةُ
وُجِدَتْ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَيْسَ إلَّا لِلْمُسَمَّى
(2/211)
فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَدُلُّ عَلَى
رِضَاهُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ أَحْوَالِ النَّاسِ (وَلَوْ لَمْ
يَطْلُبْ) الشَّفِيعُ الْآنَ (وَسَكَتَ عَنْ طَلَبِهَا) وَصَبَرَ
لِيَطْلُبَهَا عِنْدَ الْأَجَلِ (بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ
الشَّفِيعِ قَدْ يَثْبُتُ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ الْآنَ
بِثَمَنٍ حَالٍّ وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ
يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ -
(وَفِي شِرَاءِ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) يَأْخُذُ الشَّفِيعُ
(بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ وَلَوْ) كَانَ الشَّفِيعُ
(ذِمِّيًّا أَوْ قِيمَتَهُمَا لَوْ) كَانَ الشَّفِيعُ (مُسْلِمًا وَفِي
بِنَاءِ الْمُشْتَرِي) فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ (وَغَرْسِهِ
بِالثَّمَنِ وَقِيمَتِهِمَا) حَالَ كَوْنِهِمَا (مُسْتَحَقِّي الْقَلْعِ
أَوْ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعُهُمَا) يَعْنِي إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي
أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ
أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ
كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعُهُمَا كَمَا فِي الْغَصْبِ (وَإِنْ
قَلَعَهُمَا) أَيْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ (الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ
رَجَعَ بِالثَّمَنِ فَقَطْ) وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ
وَالْغَرْسِ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا
بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِمَا عَلَى
الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ قِبَلِهِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ؛
لِأَنَّهُ أَخَذَ جَبْرًا -
(وَإِنْ خَرِبَتْ الدَّارُ أَوْ احْتَرَقَ بِنَاؤُهَا أَوْ جَفَّ شَجَرُ
الْبُسْتَانِ) بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ (إنْ شَاءَ
أَخَذَهَا بِتَمَامِ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ تَابِعٌ
حَتَّى دَخَلَا فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ
مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ كَمَا مَرَّ
(أَوْ تَرَكَ) ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَمَلُّكِ الدَّارِ
بِمَالِهِ (وَبِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ) عَطْفٌ عَلَى بِتَمَامِ الثَّمَنِ -
(إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) يَعْنِي إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي
الْبِنَاءَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنْ شِئْتَ فَخُذْ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا،
وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ
فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ
الْهَلَاكَ فِيهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (وَالنَّقْضُ لَهُ) أَيْ
لِلْمُشْتَرِي لَا لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَصِلًا فَلَمْ يَبْقَ
تَبَعًا حَتَّى يَكُونَ لِلشَّفِيعِ
(وَفِي شِرَاءِ أَرْضِ نَخْلٍ عَلَيْهَا ثَمَرٌ) يَعْنِي إذَا شَرَى
أَرْضًا بِنَخْلٍ عَلَيْهَا ثَمَرٌ وَذَكَرَ ثَمَرَ النَّخْلِ إذْ لَا
يَدْخُلُ بِدُونِ الذِّكْرِ (أَوْ شَرَاهَا وَلَمْ يَكُنْ) عَلَى النَّخْلِ
(ثَمَرٌ وَأَثْمَرَتْ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (يَأْخُذُهَا)
أَيْ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ (وَالثَّمَرَ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِيهِمَا) أَيْ
فِي الْفَصْلَيْنِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ
الِاتِّصَالِ كَانَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ كَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ
وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ تَبَعًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ
سَرَى إلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى حَامِلًا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ كَانَ
مِلْكُهُ تَبَعًا (وَإِذَا جَذَّهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ
لَا يَأْخُذُ الثَّمَرَ فِيهِمَا) لِانْعِدَامِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْعَقَارِ
وَقْتَ الْأَخْذِ بِالِانْفِصَالِ (لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا
اشْتَرَى أَرْضًا بِنَخْلٍ عَلَيْهَا ثَمَرٌ (ثُمَّ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ
الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ قَصْدًا وَكَانَ لَهُ قِسْطٌ
مِنْ الثَّمَنِ فَيُفَوِّتُ قِسْطَهُ بِفَوَاتِهِ (لَا الثَّانِي) ؛
لِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ
الْقَبْضِ فَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا الْقَبْضُ الَّذِي لَهُ
شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَفَوَاتُهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ
(مَا تَكُونُ هِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ (فِيهِ أَوْ لَا) تَكُونُ (وَمَا
يُبْطِلُهَا لَا تَثْبُتُ قَصْدًا إلَّا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ الشَّفِيعُ الْآنَ وَسَكَتَ عَنْ طَلَبِهَا
وَصَبَرَ لِيَطْلُبَهَا عِنْدَ الْأَجَلِ لِأَنَّ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ)
غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا طَلَبُ تَمَلُّكٍ وَلَا تَبْطُلُ
الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ لَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً وَلَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ
لِتَقْدِيرِهِ بِشَهْرٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ قَدْ ثَبَتَ)
لَا يَصِحُّ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ بَلْ لِقَوْلِهِ
سَابِقًا وَيَأْخُذُ بَعْدَ الْأَجَلِ فَكَانَ حَقُّهُ ذِكْرَهُ ثَمَّةَ
(قَوْلُهُ: وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ يُبْطِلُ
الشُّفْعَةَ) قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ
فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَلَعَهُمَا أَيْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ الشَّفِيعُ)
أَقُولُ الصَّوَابُ فِعْلُهُمَا بِالْفَاءِ فَالْعَيْنِ فَاللَّامِ
لِمَكَانِ قَوْلِهِ فَاسْتُحِقَّتْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَلْعُهُ
مُقَدَّمًا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ إتْلَافًا مِنْهُ لَا بِأَمْرِ
أَحَدٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ فَأَمَرَهُ
الْمُسْتَحِقُّ بِقَلْعِهِ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِمَا وَهَذَا
عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى مَنْ
أَخَذَ مِنْهُ الدَّارَ كَالْمُشْتَرِي الْمَغْرُورِ مِنْ جِهَةِ
الْبَائِعِ وَقَالَا: إنَّهُ مُتَمَلِّكٌ جَبْرًا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي،
فَإِنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ جِهَةِ بَائِعِهِ وَالشَّفِيعُ غَيْرُ مَغْرُورٍ
كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ خَرِبَتْ الدَّارُ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَبْقَ
لِلْبِنَاءِ نَقْضٌ وَلَا مِنْ الشَّجَرِ شَيْءٌ مِنْ حَطَبٍ أَوْ خَشَبٍ،
وَأَمَّا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي
لِانْفِصَالِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ
فَلَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَنِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ
عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بَقِيَ مُحْتَسَبًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ
لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ
الدَّارِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ
كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَبِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ إنْ نَقَضَ
الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) أَقُولُ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ
الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ
الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا انْهَدَمَ الْبِنَاءُ بِنَفْسِهِ وَكَانَ
النَّقْضُ بَاقِيًا حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قِيمَةُ النَّقْضِ يَوْمَ
الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ ثَمَرَ النَّخْلِ) أَقُولُ لَوْلَا ذَكَرَهُ شَرْحًا
لَمْ يُعْلَمْ مِنْ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا جَذَّهُ الْمُشْتَرِي. .
. إلَخْ) .
أَقُولُ وَكَذَا يَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْفَصْلِ
الْأَوَّلِ لَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بِالصَّوَابِ
[بَابٌ مَا تَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ]
(بَابُ مَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِيهِ)
(2/212)
عَقَارٍ) إنَّمَا قَالَ قَصْدًا؛
لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِتَبَعِيَّةِ الْعَقَارِ
كَالشَّجَرِ وَالثَّمَرِ (وَمَا فِي حُكْمِهِ كَالْعُلُوِّ) وَقَدْ مَرَّ
بَيَانُهُ (مُلِكَ بِمَالٍ) صِفَةُ عَقَارٍ أَيْ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ حَتَّى
إذَا لَمْ يَكُنْ بِعِوَضٍ بَلْ هِبَةٍ لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ
وَكَذَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ غَيْرَ مَالِيٍّ حَتَّى لَوْ خُولِعَ عَلَى
دَارٍ لَمْ تَثْبُتْ (وَإِنْ لَمْ يُقْسَمْ) أَيْ الْعَقَارُ وَمَا فِي
حُكْمِهِ ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ فِيهِ عِنْدَ
الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ
وَعِنْدَنَا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ (كَحَمَّامٍ وَرَحًى وَبِئْرٍ
وَبَيْتٍ صَغِيرٍ) بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا قُسِمَ (وَنَهْرٍ
وَطَرِيقٍ) مَمْلُوكَيْنِ (لَا بِنَاءٍ وَنَخْلٍ) ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَا
بِعَقَارٍ وَلَا فِي حُكْمِهِ (بَيْعًا قَصْدًا) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُمَا
إذَا بِيعَا تَبَعًا لِلْعَقَارِ تَثْبُتُ فِيهِمَا الشُّفْعَةُ (وَعَرَضٍ
وَفُلْكٍ) خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَإِرْثٍ) أَيْ مَوْرُوثٍ، فَإِنَّ الدَّارَ
إذَا مُلِكَتْ بِإِرْثٍ لَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ (وَصَدَقَةٍ
وَهِبَةٍ إلَّا بِشَرْطِ عِوَضٍ بِلَا شُيُوعٍ فِيهِمَا) أَيْ الْمَوْهُوبِ
وَعِوَضِهِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ فَصَارَتْ
كَالْإِرْثِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ
انْتِهَاءً وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ وَعَدَمُ الشُّيُوعِ فِي
الْمَوْهُوبِ وَعِوَضِهِ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَاءً، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا -
(وَ) لَا فِي (دَارٍ قُسِمَتْ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ
فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ
وَالشُّفْعَةُ وَلَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ -
(أَوْ جُعِلَتْ أُجْرَةً أَوْ بَدَلَ خُلْعٍ أَوْ) بَدَلَ (عِتْقٍ أَوْ)
بَدَلَ (صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ إنْ قُوبِلَ بِبَعْضِهَا
مَالٌ) بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ هِيَ
عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا
عِنْدَنَا تَخْتَصُّ بِمُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُطْلَقٍ؛ لِأَنَّهَا
تَثْبُتُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْآثَارِ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ
مُطْلَقٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا -
(أَوْ بِيعَتْ) عَطْفٌ عَلَى جُعِلَتْ أَيْ لَا شُفْعَةَ فِي دَارٍ بِيعَتْ
(بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ
زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَسْقَطَ وَجَبَتْ لِزَوَالِ
الْمَانِعِ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ
سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِيرُ سَبَبًا
لِزَوَالِ الْمِلْكِ عِنْدَ ذَلِكَ (أَوْ) بِيعَتْ (بَيْعًا فَاسِدًا)
يَعْنِي إذَا اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا
أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيهَا وَأَمَّا
بَعْدَهُ فَلِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ
الْمُتَبَايِعَيْنِ بِسَبِيلٍ مِنْ فَسْخِهِ (وَلَمْ يَسْقُطْ فَسْخُهُ) ،
فَإِنَّهَا إذَا بِيعَتْ بَيْعًا فَاسِدًا وَسَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ بِأَنْ
بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ -
(أَوْ رَدَّ) أَيْ الْمَبِيعَ (بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ شَرْطٍ أَوْ
عَيْبٍ بِقَضَاءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِرَدَّ (بَعْدَمَا سُلِّمَتْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَمَا فِي حُكْمِهِ كَالْعُلُوِّ) أَقُولُ ثُمَّ إنْ كَانَ
الْعُلُوُّ طَرِيقُهُ طَرِيقَ السُّفْلِ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ
بِالطَّرِيقِ عَلَى أَنَّهُ خَلِيطٌ فِي الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
بِأَنْ بَانَ طَرِيقُهُ غَيْرَ طَرِيقِ السُّفْلِ يَسْتَحِقُّهَا
بِالْمُجَاوَرَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ. . . إلَخْ)
أَقُولُ وَيَجِبُ الطَّلَبُ وَقْتَهُ
(قَوْلُهُ أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ) هَذَا الْخِلَافُ مَا لَوْ شُرِيَتْ
بِخِيَارٍ، فَإِنَّهَا تَجِبُ اتِّفَاقًا ثُمَّ إذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ
فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَزِمَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ
الرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَنَى فِيهَا) فِي
هَذَا الْحَصْرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا انْقِطَاعُ حَقِّ
الْبَائِعِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبِنَاءِ بَلْ يَكُونُ بِأَعَمَّ
كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ إخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا
عُرِفَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ بَاعَهَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ
بِأَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ أَخَذَهَا بِالثَّانِي أَخَذَهَا
بِالثَّمَنِ، وَإِنْ بِالْأَوَّلِ فَبِالْقِيمَةِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا
بِغَيْرِ الْبَيْعِ كَالْهِبَةِ وَالْمَهْرِ نُقِضَ تَصَرُّفُهُ وَأُخِذَتْ
بِالْقِيمَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ رَدَّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ) عَطَفَ عَلَى أَوْ
بِيعَتْ بَيْعًا فَاسِدًا. . . إلَخْ سَوَاءٌ رَدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ
بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ أَوْ بِدُونِهِ لَمْ يَكُنْ
لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ
وَالشَّرْطِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرُدُّ
مِنْ غَيْرِ رِضَى الْبَائِعِ بَلْ هُوَ فَسْخٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ
وَرَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَيَعُودُ
إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا
تَجِبُ الشُّفْعَةُ (قَوْلُهُ: أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ) قَيَّدَ
بِالْقَضَاءِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِإِسْقَاطِ الْأَخْذِ
بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهِ فَسْخٌ مُطْلَقٌ سَوَاءٌ كَانَ
بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ كَذَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ كَشُرُوحِ
الْهِدَايَةِ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِهِ: بِقَضَاءٍ مُتَعَلِّقٌ
بِرَدِّ الْمَصْدَرِ بِهِ فِي مَتْنِهِ وَكَانَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ
بِتَعْلِيقِهِ بِرَدِّ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ
لَكِنْ يَأْبَاهُ تَصْرِيحُهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي إذَا سُلِّمَتْ
الشُّفْعَةُ ثُمَّ رَدَّ الْبَيْعَ بِأَحَدِ مَا ذُكِرَ بِقَضَاءِ
الْقَاضِي فَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لَا بَيْعٌ بِخِلَافِ رَدٍّ
بِلَا قَضَاءٍ اهـ فَتَصْرِيحُهُ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي رَدٍّ
بِلَا قَضَاءٍ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ خَطَأٌ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ
رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ فِي
الرَّدِّ بِعَيْبٍ لَيْسَ شَرْطًا لِإِبْطَالِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ
مُطْلَقًا بَلْ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ
فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَفِيمَا بَعْدَ
الْقَبْضِ يَكُونُ إقَالَةً لِعَدَمِ الْقَضَاءِ بِهِ وَهِيَ بَيْعٌ
جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ قَالَ فِي
الذَّخِيرَةِ إذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ إنَّ
الْمُشْتَرِيَ رَدَّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الرَّدُّ
بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ نَحْوُ الرَّدِّ بِخِيَارِ
الرُّؤْيَةِ وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ وَبِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ
بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ لَا
يَتَجَدَّدُ وَلِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ
بِسَبَبٍ هُوَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ نَحْوُ الرَّدِّ
بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَالرَّدُّ بِحُكْمِ
الْإِقَالَةِ يَتَجَدَّدُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَمَا سُلِّمَتْ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا لَمْ
يُسَلِّمْ الشَّفِيعُ وَلَهُ الْأَخْذُ مَعَ كُلِّ فَسْخٍ وَبِدُونِ فَسْخٍ
لَكِنْ فِي الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ عِنْدَ إسْقَاطِهِ الْخِيَارَ كَمَا
تَقَدَّمَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
(2/213)
يَعْنِي إذَا بِيعَ وَسُلِّمَتْ
الشُّفْعَةُ ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ يَأْخُذُ مَا ذَكَرَ بِقَضَاءِ
الْقَاضِي فَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لَا بَيْعٌ (بِخِلَافِ رَدٍّ
بِلَا قَضَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يَجِبْ فَأَخَذَهُ
بِالرِّضَا صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ (أَوْ بِإِقَالَةٍ) ، فَإِنَّهَا
بَيْعٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَالشَّفِيعُ ثَالِثُهُمَا -
(وَتَثْبُتُ) أَيْ الشُّفْعَةُ (لِلْعَبْدِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ)
بِحَيْثُ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ (فِي مَبِيعِ سَيِّدِهِ وَلَهُ)
أَيْ لِسَيِّدِهِ (فِي مَبِيعِهِ) أَيْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ
حِينَئِذٍ لَيْسَ مِلْكَ مَوْلَاهُ -
. (وَ) تَثْبُتُ أَيْضًا (لِمَنْ شَرَى) سَوَاءً شَرَى أَصَالَةً أَوْ
وَكَالَةً (أَوْ اشْتَرَى لَهُ) أَيْ لِمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِالشِّرَاءِ
فَاشْتَرَى لِأَجْلِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُوَكِّلُ شَفِيعٌ كَانَ لَهُ
الشُّفْعَةُ؛ صُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ وَلِلدَّارِ جَارٌ
مُلَاصِقٌ، فَإِذَا بِيعَتْ الدَّارُ وَاشْتَرَاهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ
تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءً اشْتَرَى أَصَالَةً أَوْ
وَكَالَةً وَكَذَا تَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ إذَا اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ
لِأَجْلِهِ وَتَثْبُتُ أَيْضًا لَلشَّرِيكِ الْآخَرِ وَفَائِدَتُهُ
أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ -
(لَا) أَيْ لَا تَثْبُتُ (لِمَنْ بَاعَ) وَكِيلًا كَانَ أَوْ أَصِيلًا؛
لِأَنَّ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ
جِهَتِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ لِلْمُشْتَرِي وَسَعْيُ الْإِنْسَانِ
فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ (أَوْ بِيعَ لَهُ)
وَهُوَ الْمُوَكِّلُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ بِهِ إذًا لَا تَوْكِيلُهُ
لَمَا جَازَ بَيْعُهُ (أَوْ ضَمِنَ الدَّرْكَ) أَيْ مَنْ ضَمِنَ الدَّرْكَ
عَنْ الْبَائِعِ وَهُوَ شَفِيعٌ لَا تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ
تَقْرِيرُ الْبَيْعِ فَكَانَ كَالْبَيْعِ -
(كَذَا) أَيْ كَمَا لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا ذَكَرَ لَا تَثْبُتُ
أَيْضًا (فِيمَا بِيعَ إلَّا ذِرَاعٌ) مَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ مِنْ
قَوْلِهِ إلَّا ذِرَاعًا بِالنَّصْبِ كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ
(مِنْ طُولِ حَدِّ الشَّفِيعِ) أَيْ إلَّا مِقْدَارٌ عُرْضُهُ ذِرَاعٌ أَوْ
شِبْرٌ أَوْ إصْبَعٌ وَطُولُهُ تَمَامُ مَا يُلَاصِقُ دَارَ الشَّفِيعِ،
فَإِنَّ مَا يُلَاصِقُهَا إذَا لَمْ يُبَعْ لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ
لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِإِسْقَاطِ شُفْعَةِ الْجِوَارِ
-
كَذَا إذَا وُهِبَ لِلْمُشْتَرِي هَذَا الْمِقْدَارُ وَقَبَضَهُ وَلَهُ
حِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ شَرَى سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ
بَاقِيهَا بِثَمَنٍ آخَرَ فَالْجَارُ شَفِيعٌ فِي الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ
الْمَبِيعُ أَوَّلًا لَا فِي الثَّانِي بَلْ هُوَ فِيهِ جَارٌ
(وَالْمُشْتَرِي شَرِيكٌ فِي الثَّانِي) وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى
الْجَارِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ ابْتِدَاءً
وَهُنَا حِيلَةٌ تُفِيدُ تَقْلِيلَ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ
وَهِيَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِأَلْفٍ اشْتَرَى
سَهْمًا وَاحِدًا مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ مِنْهَا بِأَلْفٍ إلَّا دِرْهَمًا
ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ فَالشَّفِيعُ لَا يَأْخُذُ
بِالشُّفْعَةِ إلَّا الْأَوَّلَ بِثَمَنِهِ لَا الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ
الْمُشْتَرِيَ صَارَ شَرِيكًا وَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ وَلَهُ حِيلَةٌ
أُخْرَى ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ -
(أَوْ شَرَى) أَيْ الدَّارَ (بِثَمَنٍ غَالٍ) كَأَلْفٍ مَثَلًا (وَدَفَعَ
ثَوْبًا دَيْنًا) قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ (بِهِ) أَيْ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ
(فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ لَا الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ آخَرُ
وَالثَّمَنُ هُوَ الْعِوَضُ عَنْ الدَّارِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ تَعُمُّ
الشَّرِكَةَ وَالْجِوَارَ فَيَشْتَرِي الْمَنْزِلَ الَّذِي قِيمَتُهُ
مِائَةٌ بِأَلْفٍ وَيُعْطِي عَنْ الْأَلْفِ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ
لَكِنَّ الْمَنْزِلَ إذَا اُسْتُحِقَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى
الْبَائِعِ بِأَلْفٍ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ الثَّانِي فَيَتَضَرَّرُ
الْبَائِعُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُبَاعَ بِالدَّرَاهِمِ الثَّمَنُ دِينَارٌ
حَتَّى إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَنْزِلُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ فَيَجِبُ رَدُّ
الدِّينَارِ فَقَطْ إذْ ظَهَرَ أَنَّ الْأَلْفَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ
فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دِينَارًا بِعَشْرَةٍ ثُمَّ تَصَادَقَا
عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الدِّينَارَ وَلَهُ
حِيلَةٌ أُخْرَى أَحْسَنُ وَأَسْهَلُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ -
(أَوْ شَرَى بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ) إمَّا بِالْوَزْنِ أَوْ
بِالْإِشَارَةِ (بِقَبْضَةِ) أَيْ مَعَ قَبْضَةِ (فُلُوسٍ أُشِيرَ إلَيْهَا
وَجَهِلَ قَدْرَهَا وَضَيَّعَ الْفُلُوسَ بَعْدَ الْقَبْضِ) ، فَإِنَّ
الثَّمَنَ مَعْلُومٌ حَالَ الْعَقْدِ وَمَجْهُولٌ حَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ أَوْ بِإِقَالَةٍ) عَطَفَ عَلَى بِخِلَافِ رَدٍّ بِلَا قَضَاءٍ
يَعْنِي فَتَجِبُ فِيهَا
(قَوْلُهُ: يُبْطِلُهَا أَيْ الشُّفْعَةَ تَرْكُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ. .
. إلَخْ) أَقُولُ هَذَا مُسْتَدْرَكٌ فَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكُهُ كَمَا
أَنَّهُ هُنَا لَمْ يَذْكُرْ تَرْكَ طَلَبِ التَّقْرِيرِ مَعَ أَنَّهُ
مُبْطِلٌ أَيْضًا مَعَ الْقُدْرَةِ
(2/214)
الشُّفْعَةِ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ
تَمْنَعُ الشُّفْعَةَ -
[الْحِيلَةَ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ]
(كُرِهَ الْحِيلَةَ لِإِسْقَاطِ) الشُّفْعَةِ (الثَّابِتَةِ وِفَاقًا)
بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ بَعْدَ إثْبَاتِهِ (أَنَا
أَبِيعُهَا مِنْكَ بِمَا أَخَذْتُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ بِهَا
فَيُسَلِّمُ الشَّفِيعُ) وَلَا يَأْخُذُهَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ فَتَسْقُطُ
الشُّفْعَةُ لَكِنْ تُكْرَهُ (وَأَمَّا) الْحِيلَةُ (لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا
ابْتِدَاءً فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُكْرَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَالُ
لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَمَلُّكِ الدَّارِ
عَلَيْهِ بِلَا رِضَاهُ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَالْحِيلَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ
عَنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ، وَإِنْ تَضَرَّرَ الْغَيْرُ فِي ضَمَنِهِ (وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ تُكْرَهُ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِدَفْعِ
الضَّرَرِ وَفِي إبَاحَةِ الْحِيلَةِ إبْقَاءُ الضَّرَرِ (وَبِالْأَوَّلِ
يُفْتَى هَاهُنَا وَبِالثَّانِي فِي الزَّكَاةِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ
الشُّفْعَةُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ فَالْمُشْتَرِي
إنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْجِيرَانُ لَا يَحِلُّ إسْقَاطُهَا،
وَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْجَارُ وَالشَّفِيعُ
مُتَغَلِّبٌ لَا يَجِبُ جِوَارُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْتَالُ فِي إسْقَاطِهَا -
(يُبْطِلُهَا) أَيْ الشُّفْعَةَ (تَرْكُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ)
تَرْكُ (الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ
(قَادِرًا عَلَيْهِمَا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَتْرُكَ طَلَبَ
الْمُوَاثَبَةِ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ قَادِرًا عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ
يَأْخُذْ أَحَدٌ فَمَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ
شُفْعَتَهُ تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَهُوَ إنَّمَا يَثْبُتُ حَالَةَ
الِاخْتِيَارِ وَهِيَ بِالِاقْتِدَارِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ
يَتْرُكَ الْإِشْهَادَ عَلَى طَلَبِهَا حِين عَلِمَ بِالْبَيْعِ قَادِرًا
عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
فَسَكَتَ وَلَمْ يُشْهِدْهُمَا عَلَى طَلَبِهِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا دَلِيلُ
إعْرَاضٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ
حِينَ عَلِمَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَقَدْ
قَالَ قَبْلَ هَذَا فِي بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ الْإِشْهَادُ فِي طَلَبِ
الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ بَيْنَ
كَلَامَيْهِ تَنَاقُضًا وَمُنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِ وَهُوَ
يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا سَمِعَ
بِالْبَيْعِ فِي مَكَان خَالٍ عَنْ الشُّهُودِ فَسَكَتَ تَبْطُلُ
شُفْعَتُهُ وَإِذَا قَالَ طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ
لَا تَبْطُلُ حَتَّى إذَا حَضَرَا عِنْدَ الْقَاضِي وَقَالَ الشَّفِيعُ
طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَلَمْ أَتْرُكْهَا وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ
بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَيَثْبُتُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَسَيَأْتِي
لِهَذَا زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ عَنْ قَرِيبٍ -
. (وَ) يُبْطِلُهَا أَيْضًا (صُلْحُهُ) أَيْ الشَّفِيعِ (مِنْهَا) أَيْ
الشُّفْعَةِ (بِعِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ (فَيَرُدُّهُ) أَيْ
الْعِوَضَ لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ
بِلَا مِلْكٍ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ
فَيَرُدُّهُ (وَ) يُبْطِلُهَا أَيْضًا (مَوْتُ الشَّفِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ
قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا) أَيْ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ
حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا
وَلَوْ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِهِ لَا تَبْطُلُ لِتَقَرُّرِهِ
بِالْقَضَاءِ وَجْهُ بُطْلَانِهَا أَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ
وَهُوَ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَكَيْفَ يُورَثُ
عَنْهُ -
(لَا) أَيْ لَا يُبْطِلُهَا مَوْتُ (الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ
الْمُسْتَحِقَّ بَاقٍ فَبِمَوْتِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لَا يَتَغَيَّرُ
سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ.
(وَ) يُبْطِلُهَا أَيْضًا (بَيْعُهُ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ
بِهَا) يَعْنِي إذَا بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا
بَعْدَ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ
وَهُوَ يَعْلَمُ بِالشِّرَاءِ أَوْ لَا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ
الِاسْتِحْقَاقَ بِالْجِوَارِ وَالشَّرِكَةِ وَقَدْ زَالَ قَبْلَ
التَّمَلُّكِ -
. (وَ) يُبْطِلُهَا أَيْضًا (جَعْلُهُ) أَيْ جَعْلُ مَا يَشْفَعُ بِهِ
(مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ وَقْفًا مُسَجَّلًا) قَالَ قَاضِي خَانْ
شَرْطُ قِيَامِ مِلْكِ الشَّفِيعِ فِيمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ
وَقْتُ الْقَضَاءِ فَلَوْ جَعَلَ دَارِهِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا
الشُّفْعَةَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ وَقْفًا مُسَجَّلًا ثُمَّ
قُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ شَفِيعًا لِلْمَبِيعَةِ، فَإِنَّ
الْمَسْجِدَ وَالْمَقْبَرَةَ وَالْوَقْفَ الْمُسَجَّلَ بِمَنْزِلَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ) هَذَا
سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الطَّلَبُ فَقَطْ دُونَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ
كَمَا سَيَذْكُرُهُ هُوَ وَكَمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ: الْإِشْهَادُ فِيهِ
أَيْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ
لِمَخَافَةِ الْجُحُودِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ اهـ.
وَكَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِأَبِي نَصْرٍ وَالزَّيْلَعِيِّ
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا تَرَكَ. . . إلَخْ) الْعَجَبُ مِنْ
الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَيْفَ لَمْ يَنْتَبِهْ لِمَا قَالَهُ
الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ مِنْ تَأْوِيلِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ
نَصُّهُ قَوْلُهُ: وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ
يَعْنِي طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ
شُفْعَتُهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِذَلِكَ كَيْ لَا يَرُدَّ مَا ذَكَرَ
قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّ تَرْكَ مَا
لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ لَا يُبْطِلُهُ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُ
الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ مِنْ قَبْلُ وَالْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى
الْمُطَالَبَةِ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَقَوْلُهُ هَاهُنَا لِإِعْرَاضِهِ
عَنْ الطَّلَبِ اهـ كَلَامُ الْأَكْمَلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ بَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُضًا
وَمُنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِ وَهُوَ يُقَدَّرُ. . . إلَخْ)
هَذَا لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ لِقُوَّةِ ظُهُورِ الْمُخَالَفَةِ
لَوْلَا تَأْوِيلُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ الَّذِي تَقَدَّمَ
رَحِمَهُمْ اللَّهُ (قَوْلُهُ: فَإِذَا بِيعَ الدَّارُ) يَعْنِي بِيعَ
بَعْضُهَا بِأَنْ اشْتَرَى الشَّرِيكُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ
(قَوْلُهُ وَيُبْطِلُهَا أَيْضًا بَيْعُهُ مَا يَشْفَعُ بِهِ) الْمُرَادُ
بَيْعٌ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بَاتًّا أَوْ فِيهِ
خِيَارُ الْمُشْتَرِي
(قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً) تَقَدَّمَ بِمَاذَا
يَصِيرَانِ بِهِ مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: أَوْ وَقْفًا مُسَجَّلًا) يَنْبَغِي
عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَنْ تَسْقُطَ
بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَجِّلْ
(2/215)
الزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِ -
(قَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْتُ حِينَ عَلِمْتُ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ)
قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُقِيمَ
الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ إمَّا بِأَنْ يَقُولَ لِلشَّفِيعِ تَرَكْتَ
الطَّلَبَ لِيَكُونَ فِي صُورَةِ الْإِثْبَاتِ أَوْ يَقُولَ مَا طَلَبْتَ؛
لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا ظَاهِرًا لَكِنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ
فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْإِثْبَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَعَلَى
التَّقْدِيرَيْنِ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ وَأَلَّا يُحَلِّفَ
الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ أَوْ طَلَبَ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى تَرْكِهِ وَأَقَامَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ
عَلَى طَلَبِهِ تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ لَهَا بَيِّنَةٌ تُرَجَّحُ
بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ
وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَلَمْ يُكَلَّفْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ
بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلِمْتُ أَمْسِ وَطَلَبْتُ كَمَا سَيَأْتِي وَيَدُلُّ
عَلَى ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَنَّ
الشَّفِيعَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يَسْمَعُ يَنْبَغِي أَنْ
يَطْلُبَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا إشْهَادٍ إنَّمَا الْإِشْهَادُ لِئَلَّا
يُنْكِرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ حَتَّى إذَا حَلَّفَهُ الْمُشْتَرِي
يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ طَلَبَ كَمَا سَمِعَ فَظَهَرَ أَنَّ
الْحُكْمَ هَاهُنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ حُكِمَ
بِهَا وَإِلَّا، فَإِنْ أَقَامَهَا الشَّفِيعُ حُكِمَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ حَلَفَ الشَّفِيعُ فَحُكِمَ
بِالشُّفْعَةِ -
(وَلَوْ قَالَ عَلِمْتُ أَمْسِ وَطَلَبْتُ كُلِّفَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ)
وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَبَ إلَى وَقْتٍ مَاضٍ
فَقَدْ حَكَى مَا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ وَمَنْ حَكَى مَا
لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا حَكَى بِلَا
بَيِّنَةٍ وَإِذَا لَمْ يُضِفْ الطَّلَبَ إلَى وَقْتٍ مَاضٍ بَلْ أُطْلِقَ
الْكَلَامُ إطْلَاقًا فَقَدْ حَكَى مَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ؛
لِأَنَّا نَجْعَلُهُ كَأَنَّهُ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ الْآنَ وَطَلَبَ
الشُّفْعَةَ الْآنَ فَلِذَا جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ كَذَا فِي
الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا -
(سَمِعَ) أَيْ الشَّفِيعُ (شِرَاءَكَ فَسَلَّمَهَا) أَيْ الشُّفْعَةَ
(فَظَهَرَ شِرَاءُ غَيْرِكَ أَوْ) سَمِعَ (بَيْعَهُ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ
وَكَانَ بِأَقَلَّ أَوْ بِكَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ أَوْ عَدَدِيٍّ
مُتَقَارِبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَهِيَ لَهُ) أَيْ الشُّفْعَةُ
تَكُونُ لِلشَّفِيعِ وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُهُ مَانِعًا (وَبِعَرَضٍ
كَذَلِكَ) أَيْ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرَضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ
أَوْ أَكْثَرُ (لَا) أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ الشُّفْعَةُ وَالْأَصْلُ فِيهِ
أَنَّ الْغَرَضَ فِي الشُّفْعَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِ الثَّمَنِ
وَجِنْسِهِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِذَا سَلَّمَ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ ثُمَّ
تَبَيَّنَ خِلَافَهُ بَقِيَتْ الشُّفْعَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّ
التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بَيَانُهُ
أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ أَنَّ الدَّارَ بِيعَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ
الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَكْثَرَ
فَالتَّسْلِيمُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ لِاسْتِكْثَارِ
الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ أَرْضَى
بِالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ أَوْ بِحِنْطَةٍ
أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهُمَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛
لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ كَثْرَةِ الثَّمَنِ لَا يَدُلُّ عَلَى
تَسْلِيمِهِ عِنْدَ الْقِلَّةِ وَكَذَا تَسْلِيمُهُ فِي أَحَدِ
الْجِنْسَيْنِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا فِي الْآخَرِ فَرُبَّمَا يَسْهُلُ
عَلَيْهِ أَدَاءُ أَحَدِهِمَا وَيَتَعَذَّرُ الْآخَرُ وَكَذَا كُلُّ
مَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ بِخِلَافِ مَا إذَا
عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ،
فَإِنَّهُ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ بِقِيمَتِهِ دَرَاهِمَ
أَوْ دَنَانِيرَ وَلَوْ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ
أَوْ أَكْثَرُ صَحَّ التَّسْلِيمُ وَكَذَا هَذَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ
فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ -
(يَشْفَعُ عَلَى حِصَّةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِينَ لَا) حِصَّةِ (أَحَدِ
الْبَاعَةِ بَلْ أَخَذَ الْكُلَّ أَوْ تَرَكَ) يَعْنِي اشْتَرَى جَمَاعَةٌ
مِنْ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ
بَاعَ جَمَاعَةٌ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَأْخُذُ حِصَّةَ أَحَدِ الْبَاعَةِ؛
لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ دَفْعَ ضَرَرِ الْجَارِ لَا الثَّانِي -
. (وَ) يَشْفَعُ أَيْضًا (نِصْفًا مُفْرَزًا بِيعَ مُشَاعًا مِنْ دَارٍ
فَقَسَمَا) يَعْنِي اشْتَرَى رَجُلٌ نِصْفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: أَمَّا بِأَنْ يَقُولَ لِلشَّفِيعِ تَرَكْت الطَّلَبَ) يَعْنِي
بِقَوْلِهِ لَهُ أَنْتَ قُلْت تَرَكْت الطَّلَبَ وَتَشْهَدُ بِهِ
الْبَيِّنَةُ
(قَوْلُهُ: يَشْفَعُ عَلَى حِصَّةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِينَ) أَقُولُ سَوَاءٌ
كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ لَا
يَأْخُذُ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى
يَنْقُدَ الْجَمِيعَ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا أَوْ لِلْكُلِّ
جُمْلَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ دَفْعَ ضَرَرِ الْجَارِ لَا
الثَّانِي) أَقُولُ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ فِي
الْأَوَّلِ بِأَخْذِهِ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ قَامَ مَقَامَهُ فَلَا
تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى أَحَدٍ وَفِي الثَّانِي تَفْرِيقُهَا عَلَى
الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَبِعَيْبِ الشَّرِكَةِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ
وَهِيَ شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ
الشَّفِيعِ فَلَا تُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي
ضَرَرًا زَائِدًا سِوَى الْأَخْذِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ
لِلْمُشْتَرِي أَوْ يَدَعَ) أَقُولُ وَيَأْخُذُهُ فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ
عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ
الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي
الْجَانِبِ الْآخَرِ
(2/216)
دَارٍ فَقَاسَمَ الْبَائِعُ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الَّذِي
صَارَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ يَدَعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْقِسْمَةَ؛
لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لِلِانْتِفَاعِ
وَلَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ فِي الشَّائِعِ إلَّا بِالْقِسْمَةِ -
(صَحَّ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ تَسْلِيمُهَا) أَيْ الشُّفْعَةِ (عَلَى
الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ لِلتِّجَارَةِ فَصَحَّ مِمَّنْ يَمْلِكُ
التِّجَارَةَ (كَذَا إذَا بَلَغَهُمَا شِرَاءُ دَارٍ بِجِوَارِ الصَّبِيِّ
فَسَكَتَا) ، فَإِنَّ السُّكُوتَ عَنْ الطَّلَبِ مِمَّنْ يَمْلِكُ
التَّسْلِيمَ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ -
(الْوَكِيلُ بِطَلَبِهَا إذَا سَلَّمَ أَوْ أَقَرَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ
بِتَسْلِيمِهِ) الشُّفْعَةَ (صَحَّ لَوْ) كَانَ التَّسْلِيمُ أَوْ
الْإِقْرَارُ (عِنْدَ الْقَاضِي) ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا
يَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا |