مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر

[بَابُ الْعِدَّةِ]
ِ لَمَّا كَانَ تَرْتِيبُ الْوُجُودِ عَلَى الْفُرْقَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا أَوْ رَدِّهَا عَقِيبَ الْكُلِّ (هِيَ) لُغَةً الْإِحْصَاءُ وَشَرْعًا (تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ) عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا النِّكَاحُ الْمُتَأَكَّدُ بِالتَّسْلِيمِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ الْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ وَشَرْطُهُ الْفُرْقَةُ وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ ثَابِتَةٌ بِهَا وَصِحَّةُ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعِدَّةُ الصَّغِيرَةُ إذْ لَا لُزُومَ فِي حَقِّهَا وَلَا تَرَبُّصَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ هِيَ الْمُخَاطَبَةُ بَلْ الْوَلِيُّ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ تَلْزَمُ الْمَرْأَةَ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ مِنْ التَّرَبُّصِ عَنْ الزَّوَاجِ إلَى مُضِيِّ عِدَّةِ امْرَأَتِهِ فِي نِكَاحِ أُخْتِهَا وَنَحْوِهِ لَا يُسَمَّى عِدَّةً اصْطِلَاحًا وَإِنْ وُجِدَ مَعْنَى الْعِدَّةِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِدَّةِ عَلَيْهِ شَرْعًا وَعَلَى هَذَا مَا فِي الْكِتَابِ مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيُّ وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَهِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (عِدَّةُ الْحُرَّةِ) الْمَدْخُولَةِ الَّتِي تَحِيضُ (لِلطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ) أَوْ الرَّفْعِ قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا فَكُلُّ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ تَمَامِ النِّكَاحِ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ، وَالْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْفِرْقَةُ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَسْخٌ وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ كَالْفُرْقَةِ بِمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَالْفُرْقَةِ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَنَحْوِهِ رُفِعَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ عِدَّةُ الْحُرَّةِ وَالْفُرْقَةُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ تَأَمَّلْ.
(ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ أَيْ حِيَضٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَلِهَذَا أَتَى بِلَفْظِ الْقُرُوءِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْحِيَضِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ طُهْرٌ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ ابْنُ حَنْبَلٍ ثُمَّ رَجَعَ وَالدَّلَائِلُ بُيِّنَتْ فِي الْأُصُولِ فَلْيُرَاجَعْ.

(1/464)


(وَكَذَا مَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) بِمِلْكِ النِّكَاحِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَتْهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَكَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَجَارِيَةِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَامْرَأَتِهِ وَقَالَ أَظُنُّ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ بِ) سَبَبِ (نِكَاحٍ فَاسِدٍ) كَالْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ وَبِلَا شُهُودٍ وَنِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا وَنِكَاحِ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ بِالزِّنَا وَلَا عَلَى الْمَخْلُوِّ بِهَا بِالشُّبْهَةِ (وَفُرِّقَ) سَوَاءٌ بِالْقَضَاءِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا) وَهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِالْمَوْطُوءَةِ بِهِمَا لَا بُدَّ لِلتَّعَرُّفِ فَإِنْ قِيلَ التَّعَرُّفُ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ قُلْنَا إنَّمَا وَجَبَ الثَّلَاثَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِجَوَازِ أَنْ تَحِيضَ الْحَامِلُ إذْ هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَتَبَيَّنُ الْفَرَاغُ بِحَيْضَةٍ فَقُدِّرَ بِالثَّلَاثِ لِيُعْلَمَ فَرَاغُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ وَالْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَيُقَدَّرُ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ صِيَانَةً لِلْمَاءِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ كَمَا قُدِّرَ الصَّحِيحُ بِهَا، وَالْغَرَضُ مِنْ الْأَمَةِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ لَا الْوَلَدُ فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهَا مُهِمًّا فَاكْتُفِيَ بِاسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ.
(وَ) كَذَا (أُمُّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا مَوْلَاهَا) فَإِنَّ عِدَّتَهَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ ثَلَاثُ حِيَضٍ كَوَامِلُ لِزَوَالِ الْفِرَاشِ كَمَنْكُوحَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْإِمَاءِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْضَةٌ لِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ كَالِاسْتِبْرَاءِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً وَإِلَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَلَا بِالْإِعْتَاقِ (وَلَا يُحْتَسَبُ) مِنْ الْعِدَّةِ (حَيْضٌ طَلُقَتْ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يُحْتَسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ فَلَا يُحْتَسَبُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ لَا تَتَجَزَّأُ وَلَوْ قَالَ حَيْضٌ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَكَانَ شَامِلًا لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ كَانَتْ) الْحُرَّةُ مُطَلَّقَةً أَوْ مَفْسُوخًا عَنْهَا أَوْ مَرْفُوعًا (لَا تَحِيضُ لِكِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ) أَيْ وَصَلَتْ إلَى خَمْسَةَ عَشْرَ سَنَةً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ (وَلَمْ تَحِضْ) فَإِنَّهَا لَوْ حَاضَتْ ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِالْحَيْضِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ (فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) أَيْ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِالْأَيَّامِ إنْ وُطِئَتْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا حَتَّى تَجِبَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَلَوْ فَاسِدَةً.
(وَ) عِدَّةُ الْحُرَّةِ مُؤْمِنَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ وَلَوْ غَيْرَ مَخْلُوٍّ بِهَا (لِلْمَوْتِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ) وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ الْمُقَدَّرَ فِيهِ عَشْرُ لَيَالٍ

(1/465)


فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ لَكِنَّ الْأَحْوَطَ مَا فِي الْكَافِي أَنَّ الْأَيَّامَ تَابِعَةٌ لِلَّيَالِيِ وَمِنْ الظَّنِّ تَرْجِيحُ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ بِتَذْكِيرِ عَشْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَإِنَّ الْمُمَيَّزَ إذَا حُذِفَ جَازَ تَذْكِيرُ الْعَدَدِ.

[عِدَّةُ الْأَمَةِ الَّتِي تَحِيضُ]
(وَعِدَّةُ الْأَمَةِ) الَّتِي تَحِيضُ لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِلْمَوْتِ أَوْ الْفُرْقَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُعْتَقَةَ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ (حَيْضَتَانِ) كَامِلَتَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَقَدْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَجَازَ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَكَمُلَتْ فَصَارَتْ حَيْضَتَانِ (وَفِي الْمَوْتِ وَعَدَمُ الْحَيْضِ نِصْفُ مَا لِلْحُرَّةِ) فَلِلَّتِي لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ أَوْ لِكِبَرٍ أَوْ بُلُوغٍ بِالسِّنِّ شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلِلَّتِي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ لِقَبُولِ التَّنْصِيفِ فِيهِمَا.

[عِدَّةُ الْحَامِلِ]
(وَعِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ مُطْلَقًا) وَإِنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ سَقْطًا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَارَكَةً فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.
وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَاتَ عَنْهَا) زَوْجٌ (صَبِيٌّ) لَمْ يَبْلُغْ اثْنَيْ عَشْرَ سَنَةً وَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَرُّ بِهَا قَبْلَهُ كَمَا فِي الْحَيْضِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (إنْ مَاتَ عَنْهَا صَبِيٌّ فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ) أَيْ بِأَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا كَحَادِثٍ بَعْدَ مَوْتِ الصَّغِيرِ لِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ عَنْ مَاءِ الصَّغِيرِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعِدَّةَ شُرِعَتْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ لَا لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الصَّبِيِّ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِهَذَا قَالَ.
(وَإِنْ حَمَلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ) بِأَنْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ (فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ إجْمَاعًا وَلَا نَسَبَ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا حَبِلَتْ قَبْلَ مَوْتِ الصَّبِيِّ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعُلُوقُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ الصَّبِيِّ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَيُحْكَمُ بِانْقِضَائِهَا قَبْلَ الْوَضْعِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَفِي الْمِنَحِ إنَّ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا إذَا تَزَوَّجَتْ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا

(1/466)


فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ وَلِهَذَا صَحَّحْنَا نِكَاحَهَا لِغَيْرِ الزَّانِي وَإِنْ حَرُمَ الْوَطْءُ (وَمَنْ طَلُقَتْ فِي مَرَضِ مَوْتٍ رَجْعِيًّا كَالزَّوْجَةِ) يَعْنِي تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إجْمَاعًا.
(وَإِنْ) كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِ الْمَوْت (بَائِنًا) أَوْ ثَلَاثًا (تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ الْعِدَّتَيْنِ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا حَتَّى إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ فَتَمَّ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَلَمْ تَرَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ إلَّا حَيْضَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ أُخْرَيَانِ لِتَسْتَكْمِلَ فِي الْعِدَّةِ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَلَأَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ الْعِدَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِيهَا فَيَجِبُ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالرَّجْعِيِّ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بِالطَّلَاقِ وَلَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ أَثَرُهُ فِي الْإِرْثِ لَا فِي تَغْيِيرِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْمُصَنَّفِ كَالرَّجْعِيِّ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَالصَّوَابُ ثَلَاثُ حِيَضٍ تَأَمَّلْ.

(وَمَنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ) طَلَاقٍ (رَجْعِيٍّ تَتِمُّ) عِدَّتَهَا (كَالْحُرَّةِ) أَيْ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَإِنْ) عَتَقَتْ (فِي عِدَّةِ بَائِنٍ) أَوْ ثَلَاثٍ (أَوْ) فِي عِدَّةِ (مَوْتٍ فَ) تَتِمُّ (كَالْأَمَةِ) فِيهِمَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عِدَّتُهَا لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْمَوْتِ.
(وَإِنْ اعْتَدَّتْ الْآيِسَةُ) أَيْ الْبَالِغَةُ إلَى خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَوْ خَمْسِينَ سَنَةً وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَعَنْهُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى مُجْتَهِدِ الزَّمَانِ وَقَدَّرَ بَعْضٌ بِعَدَمِ رُؤْيَةِ الدَّمِ مَرَّةً وَقِيلَ مَرَّتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ، وَكَذَا فِي مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ.
وَفِي الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ لَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ إنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَيُفْتِي بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (بِالْأَشْهُرِ) كَمَا هِيَ عَادَتُهَا

(1/467)


(ثُمَّ عَادَ دَمُهَا عَلَى عَادَتِهَا) الْمَعْرُوفَةِ مِنْ أَلْوَانِ الْحَيْضِ (بَطَلَتْ عِدَّتُهَا وَتَسْتَأْنِفُ بِالْحَيْضِ) ؛ لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْيَأْسَ (هُوَ الصَّحِيحُ) فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلَفًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْيَأْسِ، وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَقَبْلَ انْقِضَائِهَا كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَالصَّوَابُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا كَمَا فِي الدُّرَرِ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهُ وَكَانَ صَدْرُ الشَّهِيدِ يُفْتِي بِبُطْلَانِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَلَا.
وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ تَكُونُ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ هَذَا وَيَكُونُ مُرَادُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ عِدَّةِ الْأَشْهُرِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي عِدَّةِ الْأَشْهُرِ فَلَا سَهْوَ تَدَبَّرْ.
وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ (وَكَذَا تَسْتَأْنِفُ الصَّغِيرَةُ إذَا حَاضَتْ فِي خِلَالِ الْأَشْهُرِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فَلَا تَسْتَأْنِفُ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ (وَمَنْ اعْتَدَّتْ الْبَعْضَ) أَيْ بَعْضَ الْعِدَّةِ (بِالْحَيْضِ ثُمَّ آيَسَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ) وَفِي الْإِصْلَاحِ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ آيَسَتْ اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّ إكْمَالَ الْأَصْلِ فِي الْبَدَلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْنَافِ، وَلَا مَجَالَ لِاحْتِسَابِ وَقْتِ الْحَيْضَةِ مِنْ الْعِدَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَقْتٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ لِلْآيِسَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِآيِسَةٍ وَقْتَئِذٍ (وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ) لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ وَغَيْرِهِمَا (بِشُبْهَةٍ) مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ (وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى) لِلْوَطْءِ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ وَفِيهِ إشَارَةٌ لِي أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا مَبْتُوتَةً مُقِرًّا بِالطَّلَاقِ لَمْ تَسْتَأْنِفْ الْعِدَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ تَسْتَأْنِفُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَتَدَاخَلَتَا) أَيْ تَشَارَكَ الْعِدَّتَانِ فِي دُخُولِ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ، وَكَانَ السَّبَبُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَقَعَا مَعًا فِي الْوَقْتِ الثَّانِي فَتَعْتَدُّ مِنْهُ (وَمَا تَرَاهُ) الْمَرْأَةُ مِنْ الْحَيْضِ بَعْدَ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ (يُحْتَسَبُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ جَمِيعًا (فَتَتِمُّ) الْعِدَّةَ (الثَّانِيَةَ إنْ تَمَّتْ) الْعِدَّةُ (الْأُولَى قَبْلَ تَمَامِهَا) فَلَوْ وُطِئَتْ قَبْلَ حُدُوثِ الْحَيْضِ كَانَ مَا رَأَتْ مِنْ الْحِيَضِ

(1/468)


الثَّلَاثِ مَحْسُوبَةً عَنْهُمَا فَتَنُوبُ عَنْ سِتِّ حِيَضٍ وَإِنْ وُطِئَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ فَهِيَ مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَحَيْضَتَانِ بَعْدَهَا تُحْسَبَانِ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ وَعَلَيْهَا حَيْضَةٌ أُخْرَى لِلْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ وَلَا نَفَقَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ الْوَطْءِ لَا عِدَّةُ النِّكَاحِ وَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَيُحْتَسَبُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِيهَا مِنْ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ تَحْقِيقًا لِلتَّدَاخُلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعَرُّفُ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ، وَقَدْ حَصَلَ بِالْوَاحِدَةِ فَتَدَاخَلَانِ يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ تَعَرُّفُ الْفَرَاغِ وَهُوَ وَإِنْ حَصَلَ بِالْحَيْضَةِ لَكِنَّ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لِلتَّعَرُّفِ وَالثَّانِيَةَ لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ وَالثَّالِثَةَ لِفَضِيلَةِ الْحُرْمَةِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوَاحِدَةِ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْمَقَاصِدُ فَلَا يُرَدُّ نَظَرُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّدَاخُلُ لَجَازَ التَّدَاخُلُ فِي أَوَانِ عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَبَقِيَ ضَرَرُ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَنْهَا تَدَبَّرْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَتَدَاخَلَانِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْعِدَّتَانِ مِنْ رَجُلَيْنِ إذْ لَوْ كَانَتَا مِنْ وَاحِدٍ تَنْقَضِيَانِ بِمُدَّةٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالسَّبَبِ الثَّانِي أَصْلًا فَلَا تَتَصَوَّرُ الْخِلَافَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ.

(وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ عَقِيبَهُمَا) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ فَيُعْتَبَرُ الْمُسَبَّبُ مِنْ حِينِ وُجُوبِ السَّبَبِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ نِكَاحٌ مُتَأَكِّدٌ بِالدُّخُولِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ تَعْلَمْ) الْمَرْأَةُ (بِهِمَا) أَيْ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ حَتَّى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهَا وَبَلَغَهَا خَبَرُ تَطْلِيقِهِ إيَّاهَا بَعْدَمَا رَأَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ مَوْتَهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَكَانَتْ عِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةً، وَفِي الْغَايَةِ إذَا أَتَاهَا خَبَرُ مَوْتِ زَوْجِهَا وَشَكَّتْ فِي وَقْتِ الْمَوْتِ تَعْتَدُّ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَسْتَيْقِنُ فِيهِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ.
(وَ) ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ (فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ) مِنْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا (أَوْ) إظْهَارِ (الْعَزْمِ) مِنْ الزَّوْجِ (عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا مُجَرَّدُ الْعَزْمِ.
وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ ثَلَاثَ حِيَضٍ انْقَضَتْ إذْ الْمُؤَثِّرُ فِي إيجَابِهَا الْوَطْءُ لَا الْعَقْدُ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ وَرُفِعَ هَذِهِ بِالتَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ لَا يُحَدُّ وَبَعْدَهُ يُحَدُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَمَنْ قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي بِالْحَيْضِ) وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فِي إخْبَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ الْيَمِينِ) ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِيمَا تُخْبِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا (إنْ مَضَى عَلَيْهَا سِتُّونَ يَوْمًا) عِنْدَ الْإِمَامِ كُلُّ حَيْضٍ عَشْرَةٌ وَكُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ

(1/469)


عَشْرَ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَعِنْدَهُمَا إنْ مَضَى تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَثَلَاثُ سَاعَاتٍ) كُلُّ حَيْضٍ ثَلَاثَةٌ، وَكُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشْرَ.

(وَإِنْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ) طَلَاقٍ (بَائِنٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعِدَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى لِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا نَابَ ذَلِكَ عَنْ الْقَبْضِ الثَّانِي كَالْغَاصِبِ إذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ، وَهُوَ فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَجِبُ (نِصْفُ مَهْرٍ، وَإِتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ زُفَرُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ زُفَرُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزَوُّجِ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّانِي لِإِكْمَالِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إكْمَالَ الْعِدَّةِ وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ حَالَ التَّزَوُّجِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ، وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا نَابَ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالثَّانِي هَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا أَمَّا لَوْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَا اسْتِقْبَالُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِدًا وَالثَّانِي صَحِيحًا فَهُوَ كَمَا كَانَ صَحِيحًا (وَلَا عِدَّةَ فِي طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] (وَلَا) عِدَّةَ (عَلَى ذِمِّيَّةٍ) أَوْ كِتَابِيَّةٍ (طَلَّقَهَا) أَوْ مَاتَ عَنْهَا (ذِمِّيٌّ) عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا اعْتَقَدُوا عَدَمَ وُجُوبِ الِاعْتِدَادِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطَأُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ، وَعَنْهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا مُسْلِمٌ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ (أَوْ حَرْبِيَّةٍ خَرَجَتْ إلَيْنَا) مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةٍ أَوْ مُسْتَأْمَنَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ

(1/470)


فَالِاخْتِلَافُ فِي الذِّمِّيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْأَحْكَامِ عِنْدَهُ وَمُخَاطَبُونَ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَحْوُ الْمَوْتِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَكَذَا بِسَبَبِ التَّبَايُنِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ الرَّجُلُ وَتَرَكَهَا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ كَانَ فِيهَا حَقُّ بَنِي آدَمَ وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ حَتَّى كَانَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا؛ لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ وَعَنْهُ جَوَازُ نِكَاحِ الْحَرْبِيَّةِ وَلَا تُوطَأُ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]
ِ (تُحَدُّ) أَيْ تَتَأَسَّفُ وُجُوبًا عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ مِنْ أَحَدَّتْ الزَّوْجَةُ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدَّةٌ أَوْ مِنْ يَحُدُّ بِالضَّمِّ أَوْ الْكَسْرِ حِدَادًا فَهِيَ حَادَّةٌ أَيْ امْتَنَعَتْ مِنْ الزِّينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (مُعْتَدَّةُ الْبَائِنِ) بِالطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الْإِيلَاءِ أَوْ اللِّعَانِ أَوْ بِفُرْقَةٍ أُخْرَى فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهَا لِلطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ التَّزَيُّنُ لِتَرْغِيبِ الزَّوْجِ.
(وَ) مُعْتَدَّةُ (الْمَوْتِ إنْ كَانَتْ مُكَلَّفَةً) مُسْلِمَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يُخَاطَبُ بِهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْج كَالْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ قِيلَ أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْإِحْدَادُ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ كَافِرَةً تَحْتَ مُسْلِمٍ (بِتَرْكِ الزِّينَةِ) ظَرْفُ تَحُدُّ وَالزِّينَةُ مَا تَزَيَّنَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ كَمَا فِي الْكَشَّافِ فَقَدْ اسْتَدْرَكَ مَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَ) تَرْكُ (لُبْسِ) الثَّوْبِ (الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ) أَيْ الْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْعُصْفُرُ بِالضَّمِّ إذْ يَفُوحُ مِنْهُمَا رَائِحَةُ الطِّيبِ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ جَدِيدًا تَقَعُ بِهِ الزِّينَةُ أَمَّا إذَا كَانَ خَلَقًا لَا تَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ.
(وَ) تَرْكُ (الطِّيبِ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ بِأَنْوَاعِهِ وَلَوْ لِلتَّجْرِبَةِ (وَالدَّهْنِ) مُطْلَقًا وَلَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ، وَالدَّهْنُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ مِنْ دَهَنَ يَدْهُنُ وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ (وَالْكُحْلِ) بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ أَيْ الِاكْتِحَالُ بِهِ (وَالْحِنَّاءِ) أَيْ الِاخْتِضَابِ بِهِ (إلَّا مِنْ عُذْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا تَجِدُ إلَّا أَحَدَ هَذِهِ الْأَثْوَابِ أَوْ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ قَمْلٌ فَتَلْبَسُ الْحَرِيرَ لِأَجْلِهَا أَوْ اشْتَكَتْ رَأْسَهَا أَوْ عَيْنَهَا أَوْ اعْتَادَتْ الدَّهْنَ أَوْ اكْتَحَلَتْ لِلْمُعَالَجَةِ

(1/471)


وَلَا تَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ أَسْنَانُهُ ضَيِّقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لِتَحْسِينِ الشَّعْرِ لَا لِدَفْعِ الْأَذَى بِخِلَافِ الْوَاسِعَةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَمْتَشِطُ بِهِ (لَا) تَحُدُّ (مُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ) بِأَنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا.
(وَ) لَا مُعْتَدَّةُ (النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) وَلَا فِي عِدَّةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَفُتْهَا ذَلِكَ (وَلَا تُخْطَبُ) بِالضَّمِّ مَنْ خَطَبَ الْمَرْءُ فِي النِّكَاحِ خِطْبَةً بِالْكَسْرِ لَا مِنْ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ خُطْبَةً بِالضَّمِّ (الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ) وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ وَهُوَ هَاهُنَا أَنْ يَقُولَ إنَّك لَجَمِيلَةٌ وَإِنَّك لَصَالِحَةٌ وَمِنْ غَرَضِي أَنْ أَتَزَوَّجَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ التَّزَوُّجِ وَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَك، هَذَا فِي مُعْتَدَّةِ الْوَفَاةِ وَأَمَّا فِي مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ سَوَاءٌ كَانَ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ وَأَمَّا فِي الْبَيْنُونَةِ فَلِأَنَّ تَعْرِيضَهَا يُورِثُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخَاطَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِمُعْتَدَّةِ الْوَفَاةِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ.

(وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ) رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا (مِنْ بَيْتِهَا أَصْلًا) يَعْنِي لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا (وَمُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ) إذْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهَا فَتَضْطَرُّ إلَى الْخُرُوجِ لِإِصْلَاحِ مَعَاشِهَا وَرُبَّمَا امْتَدَّ ذَلِكَ إلَى اللَّيْلِ وَالْمُطَلَّقَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَلَا حَاجَةَ لَهَا إلَى الْخُرُوجِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَعَتْ عَنْ نَفَقَتِهَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي رِوَايَةٍ لِضَرُورَةِ مَعَاشِهَا وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اخْتَارَتْ إسْقَاطَ نَفَقَتِهَا فَلَا تُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهَا (وَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا) إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا (وَالْأَمَةُ) الْمُعْتَدَّةُ (تَخْرُجُ فِي حَاجَةِ الْمَوْلَى) فِي الْعِدَّتَيْنِ لِوُجُوبِ خِدْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى بَوَّأَهَا لَمْ تَخْرُجْ مَا دَامَتْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْمَوْلَى كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ

(1/472)


(وَتَعْتَدُّ الْمُعْتَدَّةُ فِي مَنْزِلٍ يُضَافُ إلَيْهَا) بِالسُّكْنَى (وَقْتَ) وُقُوعِ (الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَإِضَافَةُ الْبُيُوتِ إلَيْهِنَّ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِهَا مِنْ حَيْثُ السُّكْنَى حَتَّى لَوْ طَلُقَتْ غَائِبَةً عَادَتْ إلَى مَنْزِلِهَا فَوْرًا وَتَبِيتُ فِي أَيِّ بَيْتٍ شَاءَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الدَّارِ مَنَازِلُ لِغَيْرِهِ فَلَا تَخْرُجُ إلَى تِلْكَ الْمَنَازِلِ وَلَا إلَّا صَحْنَ دَارٍ فِيهَا مَنَازِلُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلٍ لَهُ السِّكَّةُ (إلَّا أَنْ تَخْرُجَ جَبْرًا) بِأَنْ كَانَ الْمَنْزِلُ عَارِيَّةً أَوْ مُؤَجَّرًا مُشَاهَرًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مُدَّةً طَوِيلَةً فَلَا تَخْرُجُ (أَوْ خَافَتْ عَلَى مَالِهَا) فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ مِنْ السَّارِقِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) خَافَتْ (انْهِدَامَ الْمَنْزِلِ) وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إنْ خَافَتْ بِالْقَلْبِ مِنْ أَمْرِ الْمَبِيتِ خَوْفًا شَدِيدًا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (أَوْ لَمْ تَقْدِرْ) الْمَرْأَةُ (عَلَى كِرَائِهِ) نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرُورَاتِ (وَلَا بَأْسَ بِكَيْنُونَتِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (مَعًا بِمَنْزِلٍ) وَاحِدٍ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ) أَيْ سِتْرٌ وَحِجَابٌ تَحَرُّزًا مِنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الزَّوْجُ (فَاسِقًا) يُخَافُ مِنْهُ (فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ الْبَيْتُ ضَيِّقًا خَرَجَتْ) ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ (وَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ) أَيْ الزَّوْجِ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ مُكْثَهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَاجِبٌ وَمُكْثَهُ فِيهِ مُبَاحٌ وَرِعَايَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ.
(وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ) وَعَلَى مَنْعِ الْوَطْءِ (فَحَسَنٌ) عَمَلًا بِالْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَلَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) وَزَوْجُهَا (فِي سَفَرٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مِصْرًا أَوْ مَفَازَةً بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْإِبَانَةِ؛ لِأَنَّ فِي الرَّجْعِيِّ لَمْ تُفَارِقْهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا.
(وَ) الْحَالُ أَنَّ (بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا) الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ (أَقَلُّ مِنْ مُدَّتِهِ) أَيْ مُدَّةِ السَّفَرِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ التَّأْوِيلُ فِي قَوْلِهِ فِي سَفَرٍ بِأَنْ قَصَدَهُ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ هَذَا تَدَبَّرْ.
(رَجَعَتْ) إلَى مِصْرِهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ الْخُرُوجِ بَلْ هُوَ بِنَاءٌ.
(وَإِنْ كَانَتْ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا (مَسَافَتُهُ) أَيْ السَّفَرِ (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ تَخَيَّرَتْ) بَيْنَ الرُّجُوعِ إلَى مِصْرِهَا وَبَيْنَ التَّوَجُّهِ إلَى مَقْصِدِهَا سَوَاءٌ كَانَ (مَعَهَا وَلِيٌّ) أَيْ مَحْرَمٌ (أَوْ لَا) فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ أَخْوَفُ مِنْ السَّفَرِ (وَالْعَوْدُ أَحْمَدُ) لِتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا

(1/473)


فِي سَفَرٍ فَإِنْ كَانَ بُعْدُهَا عَنْ مِصْرِهَا الَّذِي نَشَأَتْ مِنْهُ أَوْ عَنْ مَقْصِدِهَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَعَنْ الْآخَرِ أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ تَتَوَجَّهُ الْمَرْأَةُ إلَى آخِرِ الْأَقَلِّ مِصْرًا كَانَ أَوْ مَقْصِدًا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ.
(وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ (فِي مِصْرٍ) مِنْ الْأَمْصَارِ الْوَاقِعَةِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمُرَادُ مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ وَلَوْ قَرْيَةً وَبُعْدُهَا عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمِصْرِ وَالْمَقْصِدِ مَسِيرَةَ سَفَرٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ثُمَّ تَخْرُجُ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ يَجُوزُ بِلَا مَحْرَمٍ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ مَا لَمْ تَعْتَدَّ (ثُمَّ تَخْرُجُ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ لَكِنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَفَازَةِ سَارَتْ إلَى أَدْنَى الْبِقَاعِ الْآمِنَةِ إلَيْهَا (وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ جَازَ الْخُرُوجُ قَبْلَ الِاعْتِدَادِ) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِأَذَى الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ فَهَذَا عُذْرٌ وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمَحْرَمِ، وَلَهُ إنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ فَلَمَّا حَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى.