مجمع
الأنهر في شرح ملتقى الأبحر [كِتَابُ الْمَفْقُودِ]
ِ مِنْ فَقَدَهُ يَفْقِدُهُ فَقْدًا أَوْ فِقْدَانًا أَوْ فُقُودًا
عَدِمَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَيُقَالُ فَقَدْته إذَا أَضْلَلْته أَوْ
طَلَبْته وَكِلَاهُمَا مُتَحَقِّقٌ فَإِنَّهُ قَدْ أَضَلَّهُ أَهْلُهُ
وَهُمْ فِي طَلَبِهِ.
وَفِي الشَّرْعِ (هُوَ) أَيْ الْمَفْقُودُ (غَائِبٌ) أَيْ بَعِيدٌ عَنْ
أَهْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَائِبَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ
الْمُشْتَرَكَةِ (لَا يُدْرَى) أَيْ لَا يُعْلَمُ (مَكَانُهُ وَلَا
حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ) وَفِي الْبَحْرِ الْمَدَارُ إنَّمَا هُوَ عَلَى
الْجَهْلِ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ لَا عَلَى الْجَهْلِ بِمَكَانِهِ
فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ الْمُسْلِمَ الَّذِي
أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَا يُدْرَى أَحَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ مَعَ أَنَّ
مَكَانَهُ مَعْلُومٌ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ مَكَانُهُ
مُسْتَدْرَكٌ تَدَبَّرْ (فَيَنْصِبُ لَهُ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ
وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ) أَيْ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدَّيْنَ الَّذِي
أَقَرَّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ فَلَا يُخَاصِمُ
فِي الدَّيْنِ الْمَجْحُودِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي
نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ لِأَنَّ وَكِيلَ
الْقَاضِي بِالْقَبْضِ لَيْسَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ بِالْإِجْمَاعِ
لَكِنْ لَوْ قَضَى بِهِ نَفَذَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (مِمَّا) أَيْ
مِنْ شَيْءٍ (لَا وَكِيلَ لَهُ فِيهِ) وَأَمَّا فِيمَا لَهُ فِيهِ وَكِيلٌ
فَيَسْتَوْفِيه الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِ مُوَكِّلِهِ
(وَيَبِيعُ) مَنْصُوبُ الْقَاضِي (مَا يَخَافُ عَلَيْهِ) الْهَلَاكَ (مِنْ
مَالِهِ) كَالْعُرُوضِ وَالثِّمَارِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ حِفْظُهُ
لَهُ بِصُورَتِهِ كَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي حِفْظِهِ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ
ثَمَنُهُ قَيَّدَ بِمَا يَخَافُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ
ذَلِكَ لَا يَبِيعُهُ لَا فِي النَّفَقَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا إذْ لَا
نَظَرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
نَظَرًا لِمَنْ عَجَزَ مِنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ
عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي حِفْظِهِ بِصُورَتِهِ
وَقِيلَ لَوْ نَقَصَ عَبْدُهُ أَوْ أَرْضُهُ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ جَازَ
بَيْعُهُ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَعَنْهُ إنْ
بَاعَ نَفَذَ وَعَنْهُ بَاعَ لِدَيْنِهِ كَمَا إذَا عَلِمَ كَوْنَهُ حَيًّا
غَائِبًا مُنْذُ سِنِينَ بِلَا رُجُوعٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَيُنْفِقُ) مِنْهُ (عَلَى زَوْجَتِهِ) أَيْ الْغَائِبِ (وَقَرِيبِهِ
وِلَادًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوِلَادُ وَهُوَ فُرُوعُهُ وَإِنْ سَفَلُوا
وَأُصُولُهُ وَإِنْ عَلَوْا لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ بِلَا
قَضَاءِ الْقَاضِي وَيَكُونُ الْقَضَاءُ إعَانَةً لَهُمْ وَلَا يَكُونُ
قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ
النَّفَقَةَ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ غَيْرِ الْوِلَادِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى
حُكْمِهِ فَقَالَ (وَهُوَ) أَيْ الْمَفْقُودُ (حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ)
بِالِاسْتِصْحَابِ حَتَّى (لَا تُنْكَحَ امْرَأَتُهُ) .
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ
يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إنْ طَلَبَتْ ثُمَّ تَعْتَدُّ
(1/712)
عِدَّةَ الْوَفَاةِ فَلَهَا التَّزَوُّجُ
بِزَوْجٍ آخَرَ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَهَكَذَا
رُوِيَ قَضَاءُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الَّذِي
اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ
حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ - هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ إلَى
قَوْلِ عَلِيٍّ.
(وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ) بَيْنَ وَرَثَتِهِ (وَلَا تُفْسَخُ إجَارَتُهُ)
لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَصْلُحُ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ
(مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ دَلِيلٌ ضَعِيفٌ
غَيْرُ مُثْبِتٍ (فَلَا يَرِثُ) الْمَفْقُودُ (مِمَّنْ مَاتَ) أَيْ مِنْ
أَقَارِبِهِ (حَالَ فَقْدِهِ إنْ حُكِمَ بِمَوْتِهِ) يُرِيدُ أَنَّهُ لَا
يَرِثُ مِمَّنْ مَاتَ حَالَ فَقْدِهِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ إنْ حُكِمَ
بِمَوْتِهِ فِيمَا بَعْدَهُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا مَاتَ
مُوَرِّثُهُ حَالَ فَقْدِهِ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ
كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُنَا فِيمَا بَعْدَهُ يُفْهِمُ مِنْ تَفْرِيعِهِ
عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَيُوقَفُ نَصِيبُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا إلَى أَنْ
يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ كَمَا قِيلَ تَأَمَّلْ
(فَيُوقَفُ نَصِيبُهُ) أَيْ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِ
مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ فِي يَدِ عَدْلٍ لِإِمْكَانِ
حَيَاتِهِ (كُلًّا) لَوْ انْفَرَدَ وَارِثًا (أَوْ بَعْضًا) لَوْ مَعَهُ
وَارِثٌ آخَرُ فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا مَفْقُودًا فَقَطْ
وُقِفَ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَإِنْ مَعَهُ بِنْتَيْنِ أُعْطِيَ نِصْفُ
التَّرِكَةِ لَهُمَا وَوُقِفَ النِّصْفُ الْآخِرُ (إلَى أَنْ يُحْكَمَ
بِمَوْتِهِ فَإِنْ جَاءَ) أَيْ الْمَفْقُودُ وَلَوْ قَالَ فَإِنْ ظَهَرَ
حَيًّا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِئْ وَلَكِنْ إنْ ثَبَتَ
حَيَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ
(قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ) أَيْ بِمَوْتِهِ (فَهُوَ) أَيْ الْمَوْقُوفُ
(لَهُ) أَيْ الْمَفْقُودِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِئْ قَبْلَ
الْحُكْمِ بِالْمَوْتِ حَتَّى حُكِمَ بِهِ (فَلِمَنْ) أَيْ فَالْمَوْقُوفُ
لِمَنْ (يَرِثُ ذَلِكَ الْمَالَ لَوْلَاهُ) أَيْ لَوْلَا الْمَفْقُودُ.
وَفِي التَّبْيِينِ فَإِنْ تَبَيَّنَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتٍ مَاتَ فِيهِ
قَرِيبُهُ كَانَ لَهُ وَإِلَّا يُرَدُّ الْمَوْقُوفُ لِأَجْلِهِ إلَى
وَارِثِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي وَقَفَ مِنْ مَالِهِ.
(وَإِذَا مَضَى مِنْ عُمُرِهِ) أَيْ الْمَفْقُودِ (مَا) أَيْ مُدَّةً (لَا
يَعِيشُ إلَيْهِ أَقْرَانُهُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنْ
اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ فَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ
الْبِلَادِ وَقِيلَ مِنْ بَلَدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا أَرْفَقُ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ أَحْوَطُ وَأَقْيَسُ وَقِيلَ يُفَوَّضُ
إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ
فَإِنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يُغَلَّبُ عَلَى
الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ مَاتَ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ
مَهْلَكَةً.
وَفِي التَّبْيِينِ هُوَ الْمُخْتَارُ (وَقِيلَ تِسْعُونَ سَنَةً) مِنْ
وَقْتِ وِلَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ
الْحَيَاةَ بَعْدَهَا نَادِرَةٌ فِي زَمَانِنَا وَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
(1/713)
كَمَا فِي الْكَافِي وَالذَّخِيرَةِ (وَقِيلَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً)
.
وَعَنْ الْإِمَامِ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَعَنْ بَعْضِهِمْ سِتُّونَ سَنَةً
وَقِيلَ سَبْعُونَ سَنَةً وَقِيلَ ثَمَانُونَ سَنَةً.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا وَعَنْهُمَا
مِائَةُ سَنَةٍ (حُكِمَ بِمَوْتِهِ) جَوَابُ إذَا (فِي حَقِّ مَالِهِ
حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ مَضَى مِنْ عُمُرِهِ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ
أَقْرَانُهُ وَنَحْوُهُ (فَلَا يَرِثُهُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ
قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ
الْمَوْجُودِينَ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ كَأَنَّهُ مَاتَ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ مُعَايَنَةً إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ
(وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ لِلْمَوْتِ عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ الْحُكْمِ
لَا قَبْلَهُ.
وَفِي الدُّرَرِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ الْغَائِبِ
وَالْمَجْنُونِ وَعَبْدِهِمَا وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهَا وَيَبِيعَهُمَا
كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. |