أسنى
المطالب في شرح روض الطالب [كِتَابُ الْجَنَائِزِ]
بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جَنَازَةٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ اسْمٌ
لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِذَلِكَ
وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَقِيلَ عَكْسُهُ
وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ
فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ، وَهِيَ مِنْ جَنَزَهُ يَجْنِزُهُ إذَا سَتَرَهُ
ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ لَا يُسَمَّى
جِنَازَةً حَتَّى يُشَدَّ الْمَيِّتُ عَلَيْهِ مُكَفَّنًا (يُسْتَحَبُّ
الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ) الْمُسْتَلْزِمِ ذَلِكَ
لِاسْتِحْبَابِ ذِكْرِهِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ أَزْجَرُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَأَدْعَى إلَى الطَّاعَةِ وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ
الْحَيَاءِ قَالُوا إنَّا نَسْتَحِيُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ قَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ مَنْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ
حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَلْيَحْفَظْ
الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ
الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ
اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ خَبَرَ «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» يَعْنِي
الْمَوْتَ زَادَ ابْنُ حِبَّانَ «فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ
إلَّا وَسِعَهُ وَلَا ذَكَرَهُ فِي سَعَةٍ إلَّا ضَيَّقَهَا» وَهَاذِمٌ
بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعٌ، وَأَمَّا بِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ
الْمُزِيلُ لِلشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ
حَدِيثِ «اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» وَتَقَدَّمَ
تَعْرِيفُ الْمَوْتِ فِي بَابِ الْغُسْلِ (وَالِاسْتِعْدَادُ لَهُ
بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ) إلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يُبَادِرَ
إلَيْهِمَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهُمَا وَظَاهِرُ
كَلَامِهِ اسْتِحْبَابُهُمَا بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ
تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ وَالْمَعْرُوفُ وُجُوبُهُمَا وَكَلَامُ أَصْلِهِ
مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَصَرَّحَ كَأَصْلِهِ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ
مَعَ دُخُولِهِ فِي التَّوْبَةِ لِعِظَمِ أَمْرِهِ وَلِئَلَّا يَغْفُلَ
عَنْهُ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا كَانَ أَوْلَى (وَ) مَا ذَكَرَ
(لِلْمَرِيضِ آكَدُ) مِنْهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إلَى الْمَوْتِ أَقْرَبُ
(وَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِمَرَضِهِ (بِالصَّبْرِ) عَلَيْهِ
قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ} [الزمر: 10] وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْبَاءَ كَانَ أَخْصَرَ
وَأَوْلَى وَأَوْفَقَ بِقَوْلِ أَصْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّبْرُ
عَلَى الْمَرَضِ أَيْ بِتَرْكِ الضَّجَرِ مِنْهُ (وَتَرْكِ الشَّكْوَى)
فِيهِ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ بِنَوْءِ كَذَا) النَّوْءُ سُقُوطُ نَجْمٍ مِنْ الْمَنَازِلِ فِي
الْمَغْرِبِ مَعَ الْفَجْرِ وَطُلُوعُ رَقِيبِهِ مِنْ الْمَشْرِقِ
مُقَابِلُهُ مِنْ سَاعَتِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ
يَوْمًا وَهَكَذَا كُلُّ نَجْمٍ إلَى انْقِضَاءِ السَّنَةِ مَا خَلَا
الْجَبْهَةَ فَإِنَّ لَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا
(كِتَابُ الْجَنَائِزِ) (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلنَّعْشِ)
لَوْ قَالَ أُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بِكَسْرِ الْجِيمِ صَحَّتْ إنْ
لَمْ يُرِدْ بِهَا النَّعْشَ وَكَتَبَ أَيْضًا الْمَوْتُ يُبْطِلُ
الصَّلَاةَ، وَفِي الصَّوْمِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَالصَّلَاةِ
وَالثَّانِي لَا كَالْإِحْرَامِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ لِعُثْمَانَ أَنْتَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ»
رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ
وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (قَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ
ذِكْرِ الْمَوْتِ) الْمُرَادُ ذِكْرُ الْقَلْبِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ نُصْبَ
عَيْنَيْهِ وَكَتَبَ أَيْضًا الْمَوْتُ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ
وَالرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ لَا يَفْنَى أَبَدًا (قَوْلُهُ «فِي ضِيقٍ إلَّا
وَسَّعَهُ» إلَخْ) وَالنَّسَائِيُّ «فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ
إلَّا قَلَّلَهُ وَلَا قَلِيلٍ إلَّا كَثَّرَهُ» أَيْ كَثِيرٍ مِنْ
الْأَمَلِ وَالدُّنْيَا وَقَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ وَالْمَعْرُوفُ
وُجُوبُهُمَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَبَّرَ
بِالْخُرُوجِ مِنْهَا كَانَ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ رَدَّ
الْعَيْنِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ وَإِقَامَةَ
الْحُدُودِ التَّعَازِيرِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُمَا ح
(1/294)
وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ،
وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصَّبْرِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَذَكَرَ مَا فِي
الرَّوْضَةِ مِنْ كَرَاهَةِ كَثْرَةِ الشَّكْوَى كَمَا ذَكَرَهَا فِي
شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَانَ أَوْلَى وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْمَجْمُوعِ
وَقَالَ فَلَوْ سَأَلَهُ طَبِيبٌ أَوْ قَرِيبٌ لَهُ أَوْ صَدِيقٌ أَوْ
نَحْوُهُ عَنْ حَالِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالشِّدَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا
عَلَى صُورَةِ الْجَزَعِ فَلَا بَأْسَ (وَ) تَرْكُ (الْأَنِينِ) مِنْهُ
جَهْدُهُ لِمَا مَرَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا
يُكْرَهُ، وَإِنْ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ بَلْ فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ عَائِشَةَ
قَالَتْ وَارَأْسَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ» لَكِنَّ الِاشْتِغَالَ
بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى مِنْهُ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى
وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ (وَيُسْتَحَبُّ) لَهُ (التَّدَاوِي) لِلْأَخْبَارِ
الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِنَّ
اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» وَخَبَرِ أَبِي
دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّ الْأَعْرَابَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَنَتَدَاوَى فَقَالَ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا
وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ.
فَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِي تَوَكُّلًا فَفَضِيلَةٌ وَيُفَارِقُ
اسْتِحْبَابَهُ وُجُوبُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَإِسَاغَةُ
اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ بِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِإِفَادَتِهِ بِخِلَافِ
ذَيْنِك (وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْرَهَ) الْمَرِيضُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى
التَّدَاوِي أَيْ تَنَاوُلِهِ الدَّوَاءَ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الطَّعَامِ
لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيشِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَدِيثُ
«لَا تُكْرِهُوا مَرَضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ
يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ» ضَعِيفٌ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعَبَّرْ فِيهِ
بِكَرَاهَةٍ بَلْ بِاسْتِحْبَابِ تَرْكِهِ قَالَ فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ
تَعَهُّدُ نَفْسِهِ بِتَقْلِيمِ الظُّفْرِ وَأَخْذِ شَعْرِ الشَّارِبِ
وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا الِاسْتِيَاكُ
وَالِاغْتِسَالُ وَالتَّطَيُّبُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الطَّاهِرَةِ
(وَيُسْتَحَبُّ) لِلْمُكَلَّفِ (عِيَادَةُ) مَرِيضٍ (مُسْلِمٍ وَكَذَا
ذِمِّيٍّ قَرِيبٍ) لِلْعَائِدِ (أَوْ جَارٍ) لَهُ وَفَاءً بِصِلَةِ
الرَّحِمِ وَحَقِّ الْجِوَارِ وَالْأَصْلُ فِي اسْتِحْبَابِهَا خَبَرُ
الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ
وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ ثَوْبَانَ «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ الْمُسْلِمَ
إذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ
حَتَّى يَرْجِعَ» وَأَرَادَ بِالْمُخْرِقَةِ الْبُسْتَانَ يَعْنِي
يَسْتَوْجِبُ الْجَنَّةَ وَمَخَارِقَهَا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ «كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ
أَسْلِمْ فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ، وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ
أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ
مِنْ النَّارِ» .
(وَ) تُفْعَلُ الْعِيَادَةُ (لِغَيْرِهِمَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ
وَالذِّمِّيِّ بِنَوْعَيْهِ (جَوَازًا) وَفِي عِبَارَتِهِ فِي هَذَا وَمَا
قَبْلَهُ قُصُورٌ سَلِمَ مِنْهُ قَوْلُ أَصْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ
عِيَادَتُهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَهُ قَرَابَةٌ
أَوْ جِوَارٌ أَوْ نَحْوُهُمَا أَيْ كَرَجَاءِ إسْلَامٍ اُسْتُحِبَّتْ
وَإِلَّا جَازَتْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَسَوَاءٌ الرَّمَدُ وَغَيْرُهُ
وَسَوَاءٌ الصَّدِيقُ وَالْعَدُوُّ وَمَنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ لَا
يَعْرِفُهُ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ
أَنَّ الْمُعَاهِدَ وَالْمُسْتَأْمِنَ كَالذِّمِّيِّ قَالَ وَفِي
اسْتِحْبَابِ عِيَادَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَأَهْلِ
الْفُجُورِ وَالْمُكُوسِ إذَا لَمْ تَكُنْ قَرَابَةٌ وَلَا جِوَارٌ وَلَا
رَجَاءُ تَوْبَةٍ نَظَرٌ فَإِنَّا مَأْمُورُونَ بِمُهَاجَرَتِهِمْ
(وَلْتَكُنْ) الْعِيَادَةُ (غَبًّا) فَلَا يُوَاصِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ إلَّا
أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ
وَالصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَتَأَنَّسُ بِهِ الْمَرِيضُ أَوْ
يَتَبَرَّكُ بِهِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ عَدَمُ رُؤْيَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ
أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُوَاصِلُونَهَا مَا لَمْ يُنْهَوْا أَوْ يَعْلَمُوا
كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ وَتُسْتَحَبُّ
عِيَادَتُهُ وَلَوْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ مَرَضِهِ وَقَوْلُ
الْغَزَالِيِّ إنَّمَا يُعَادُ بَعْدَ ثَلَاثٍ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ رُدَّ
بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ (وَيَدْعُو لَهُ) وَيَنْصَرِفُ وَيُسْتَحَبُّ فِي
دُعَائِهِ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ
يَشْفِيَك سَبْعَ مَرَّاتٍ لِخَبَرِ «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ
أَجَلُهُ فَقَالَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَيُخَفِّفُ الْمُكْثَ) عِنْدَهُ بَلْ
تُكْرَهُ إطَالَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْجَارِهِ وَمَنْعِهِ مِنْ بَعْضِ
تَصَرُّفَاتِهِ نَعَمْ إنْ فَهِمَ عَنْهُ الرَّغْبَةَ فِيهَا فَلَا
كَرَاهَةَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَيُطَيِّبُ) عَائِدُهُ (نَفْسَهُ
فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ) الْمَوْتَ (رَغْبَةً فِي التَّوْبَةِ
وَالْوَصِيَّةِ) مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ (وَتُكْرَهُ)
عِيَادَتُهُ (إنْ شَقَّتْ عَلَيْهِ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ
لِأَهْلِهِ وَخَادِمِهِ الرِّفْقُ وَاحْتِمَالُهُ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ
وَكَذَا مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ بِسَبَبِ حَدٍّ أَوْ نَحْوِهِ وَيُسْتَحَبُّ
لَلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنْ يُحَسِّنَ الْمَرِيضُ
خُلُقَهُ وَأَنْ يَجْتَنِبَ الْمُنَازَعَةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَنْ
يَسْتَرْضِيَ مَنْ لَهُ بِهِ عَلَقَةٌ كَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ
وَغِلْمَانِهِ وَجِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَأَنْ يَتَعَهَّدَ نَفْسَهُ
بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ
وَأَحْوَالِهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَنْ يُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ
عَلَيْهِ وَبِتَرْكِ النَّوْحِ عَلَيْهِ وَإِكْثَارِ الْبُكَاءِ
وَنَحْوِهِمَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الْبِدَعِ فِي
الْجَنَائِزِ وَيُسْتَحَبُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ سَلِمَ مِنْهُ قَوْلُ أَصْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ إلَخْ)
هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى
(قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ الرَّمَدُ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَادَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ مِنْ رَمَدٍ» (قَوْلُهُ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ رُدَّ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ) قَالَ الذَّهَبِيُّ: فِي الْمِيزَانِ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْفَرَاوِيُّ: تُسْتَحَبُّ إعَادَةُ الْمَرِيضِ فِي الشِّتَاءِ
لَيْلًا وَفِي الصَّيْفِ بَاكِرًا وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّيْلَ يَطُولُ فِي
الشِّتَاءِ وَفِي زِيَارَتِهِ تَخْفِيفٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ فَلَا كَرَاهَةَ
قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(1/295)
طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهُ وَوَعْظُهُ
بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرِهِ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ
عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَيْرِ وَيَنْبَغِي لَهُ
هُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ
إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34]
(فَصْلٌ وَآدَابُ الْمُحْتَضَرِ)
وَهُوَ مَنْ حَضَرَتْهُ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ أَيْ مِنْ آدَابِهِ (أَنْ
يَسْتَقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ) لِلْإِجْمَاعِ «؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ
الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَقَالُوا تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ وَأَوْصَى
بِثُلُثِهِ لَك وَبِأَنْ يُوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ إذَا اُحْتُضِرَ فَقَالَ
أَصَابَ الْفِطْرَةَ وَقَدْ رَدَدْت ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ ذَهَبَ
فَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ
وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَك وَقَدْ فَعَلْت» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
(مُضْطَجِعًا عَلَى) جَنْبِهِ (الْأَيْمَنِ) كَالْمَوْضُوعِ فِي اللَّحْدِ
ثُمَّ الْأَيْسَرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي
الِاسْتِقْبَالِ مِنْ إلْقَائِهِ عَلَى قَفَاهُ وَقُدِّمَ الْأَيْمَنُ
لِشَرَفِهِ وَلِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ
الْأَيْمَنِ» وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَتْ
عِنْدَ مَوْتِهَا الْقِبْلَةَ ثُمَّ تَوَسَّدَتْ يَمِينَهَا (فَإِنْ لَمْ
يَتَّفِقْ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَضْعُهُ عَلَى
جَنْبِهِ لِضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِغَيْرِهِ (أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ
وَوَجْهِهِ وَأَخْمَصَاهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا
وَضَمِّهَا (إلَى الْقِبْلَةِ) بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ هُوَ الْمُمْكِنُ.
وَالْأَخْمَصَانِ هُمَا أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ وَحَقِيقَتُهُمَا
الْمُنْخَفِضُ مِنْ أَسْفَلِهِمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ
(وَ) أَنْ (يُلَقِّنَهُ) الشَّهَادَةَ (غَيْرُ الْوَارِثِ) لِئَلَّا
يَتَّهِمَهُ بِاسْتِعْجَالِ الْإِرْثِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَحْضُرْهُ
غَيْرُهُ لَقَّنَهُ (أَشْفَقُ الْوَرَثَةِ) وَفِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي
أَنْ يُقَالَ وَلَا يُلَقِّنْهُ مَنْ يَتَّهِمُهُ مُطْلَقًا لِيَعُمَّ
الْوَارِثَ وَالْعَدُوَّ وَالْحَاسِدَ وَنَحْوَهُمْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ،
وَهُوَ حَسَنٌ إنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ
يُلَقِّنُهُ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ وَدَلِيلُ التَّلْقِينِ خَبَرُ مُسْلِمٍ
«لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ
أَيْ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ
بِاسْمِ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ
خَمْرًا} [يوسف: 36] وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
مَنْ كَانَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»
(فَيَذْكُرُ عِنْدَهُ الشَّهَادَةَ) ، وَهِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
بِأَنْ يَذْكُرَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَتَذَكَّرَ أَوْ يَقُولَ ذِكْرُ
اللَّهِ تَعَالَى مُبَارَكٌ فَنَذْكُرَ اللَّهَ جَمِيعًا سُبْحَانَ اللَّهَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ (بِلَا
زِيَادَةٍ) عَلَيْهَا فَلَا تُسَنُّ زِيَادَةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ
لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَقِيلَ تُسَنُّ زِيَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ
بِذَلِكَ التَّوْحِيدُ وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا مُوَحِّدٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ
مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا لُقِّنَ
الشَّهَادَتَيْنِ وَأُمِرَ بِهِمَا لِخَبَرِ الْيَهُودِيِّ السَّابِقِ.
(وَ) أَنْ (يَذْكُرَهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (مَنْ عِنْدَهُ) أَيْضًا،
وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي (وَ) أَنْ (لَا
يَأْمُرَهُ بِهَا) بَلْ يَذْكُرَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْته
(وَ) أَنْ (لَا يُلِحَّ) عَلَيْهِ فِيهَا لِئَلَّا يَضْجَرَ (فَإِنْ
قَالَهَا لَمْ تُعَدْ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ) بِغَيْرِهَا مِنْ
كَلَامِ الدُّنْيَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ
كَلَامِهِمْ وَلِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ
(لِيَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يُزَادُ عَلَى مَرَّةٍ وَقَالَ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ
الْعُدَّةِ يُكَرِّرُهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا
وَالتَّلْقِينُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ وَقَالَ ابْنُ
الْفِرْكَاحِ إنْ أَمْكَنَ جَمْعُهُمَا فُعِلَا مَعًا وَالْإِقْدَامُ
التَّلْقِينُ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ فِيهِ أَثْبَتُ وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ
غَيْرَ الْمُكَلَّفِ فَيُسْتَحَبُّ تَلْقِينُهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ فِي
الْمُمَيِّزِ لَكِنَّ قِيَاسَ مَا يَأْتِي فِي تَلْقِينِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ
أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا.
وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ التَّلْقِينَ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ
وَثُمَّ لِئَلَّا يُفْتَنَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ، وَهَذَا لَا يُفْتَنُ
(وَ) أَنْ (يَقْرَأَ عِنْدَهُ يس) لِخَبَرِ «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ
يس» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ الْمُرَاد
بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَعْنِي مُقَدَّمَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ
لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهَا أَنَّ أَحْوَالَ
الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ مَذْكُورَةٌ فِيهَا فَإِذَا قُرِئَتْ عِنْدَهُ
تَجَدَّدَ لَهُ ذِكْرُ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَأَخَذَ ابْنُ الرِّفْعَةِ
تَبَعًا لِبَعْضِهِمْ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ فَصَحِيحٌ أَنَّهَا إنَّمَا
تُقْرَأُ بَعْدَ مَوْتِهِ (قِيلَ وَ) يُقْرَأُ عِنْدَهُ (الرَّعْدُ)
لِقَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّهَا تُهَوِّنُ عَلَيْهِ خُرُوجَ رُوحِهِ قَالَ
الْجَبَلِيُّ وَيُسْتَحَبُّ تَجْرِيعُهُ مَاءً فَإِنَّ الْعَطَشَ يَغْلِبُ
مِنْ شِدَّةِ النَّزْعِ فَيُخَافُ مِنْهُ إزْلَالُ الشَّيْطَانِ إذْ وَرَدَ
أَنَّهُ يَأْتِي بِمَاءٍ زُلَالٍ وَيَقُولُ قُلْ لَا إلَهَ غَيْرِي حَتَّى
أَسْقِيَك نَقَلَهُ عِنْدَ الْإِسْنَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَالْأَذْرَعِيُّ
وَقَالَ إنَّهُ غَرِيبٌ حُكْمًا وَدَلِيلًا (وَلْيُحْسِنْ) نَدْبًا
(ظَنَّهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَمُوتَنَّ
أَحَدُكُمْ إلَّا، وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» أَيْ
يَظُنُّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ
«قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» (وَيُحَسِّنُهُ
لَهُ الْحَاضِرُونَ وَيُطَمِّعُوهُ فِي رَحْمَتِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ آدَابُ الْمُحْتَضِرِ]
قَوْلُهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ حَسَنٌ إنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَيَذْكُرُ عِنْدَهُ الشَّهَادَةَ) قَالَ
الدَّمِيرِيِّ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَبْكِيَ بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضَرِ
(قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ
كَانَ إلَخْ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَالتَّلْقِينُ مُقَدَّمٌ عَلَى
الِاسْتِقْبَالِ) ، وَإِنْ ظَنَّ بَقَاءَ حَيَاتِهِ (قَوْلُهُ
وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ فَيُسْتَحَبُّ تَلْقِينُهُ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ: إنَّهُ غَرِيبٌ إلَخْ) أَيْ
قَالَ كَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلْيُحْسِنْ نَدْبًا ظَنَّهُ بِاَللَّهِ
تَعَالَى) يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَدَبُّرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ بِسَعَةِ
الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالْأَحَادِيثِ (تَنْبِيهٌ) الظَّنُّ فِي
الشَّرْعِ يَنْقَسِمُ إلَى الْوَاجِبِ وَمَنْدُوبٍ وَحَرَامٍ وَمُبَاحٍ
فَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْحَرَامُ سُوءُ
الظَّنِّ بِهِ تَعَالَى وَبِكُلِّ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُبَاحُ الظَّنُّ بِمَنْ اشْتَهَرَ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ بِمُخَالَطَةِ الرِّيَبِ وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْخَبَائِثِ
فَلَا يَحْرُمُ ظَنُّ السَّوْءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى نَفْسِهِ
كَمَا أَنَّ مَنْ يَسْتُرُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُظَنَّ بِهِ إلَّا خَيْرًا
وَمَنْ دَخَلَ مَدْخَلَ السُّوءِ اُتُّهِمَ وَمَنْ هَتَكَ نَفْسَهُ
ظَنَنَّا بِهِ السُّوءَ وَمِنْ الظَّنِّ الْجَائِزِ بِإِجْمَاعِ
الْمُسْلِمِينَ مَا يَظُنُّ الشَّاهِدَانِ فِي التَّقْوِيمِ وَأُرُوشِ
الْجِنَايَاتِ وَمَا يَحْصُلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَحْكَامِ
بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا وَالْبَيِّنَاتُ عِنْدَ
الْحُكَّامِ
(1/296)
تَعَالَى لِيُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ.
أَمَّا الصَّحِيحُ فَقِيلَ الْأَوْلَى لَهُ تَغْلِيبُ خَوْفِهِ عَلَى
رَجَائِهِ وَالْأَظْهَرُ فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا إذْ الْغَالِبُ
فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا كَقَوْلِهِ
{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] {إِنَّ
الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي
جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}
[الحاقة: 19] " {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة:
25] وَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ
أَوْلَى أَوْ دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى (فَإِنْ مَاتَ
فَلْيُغْمِضْ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ عَيْنَيْهِ) لِئَلَّا يَقْبَحَ
مَنْظَرُهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ
قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ
أَهْلِهِ فَقَالَ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ
الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمُهْدِيَيْنِ
وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا
رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ»
وَقَوْلُهُ «تَبِعَهُ الْبَصَرُ» أَيْ ذَهَبَ أَوْ شَخَصَ نَاظِرًا إلَى
الرُّوحِ أَيْنَ تَذْهَبُ وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ
وَقُبِضَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَسَدِ وَشَقَّ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ
وَضَمِّ الرَّاءِ شَخَصَ.
وَالرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ، وَهُوَ بَاقٍ لَا يَفْنَى عِنْدَ أَهْلِ
السُّنَّةِ وقَوْله تَعَالَى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا} [الزمر: 42] تَقْدِيرُهُ عِنْدَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيمَا يُقَالُ حَالَ
إغْمَاضِهِ وَيُسْتَحْسَنُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ
قَالَ إذَا أَغْمَضْت الْمَيِّتَ فَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ
رَسُولِ اللَّهِ وَإِذَا حَمَلْته فَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ تُسَبِّحُ
مَا دُمْت تَحْمِلُهُ (وَيَشُدُّ لَحْيَيْهِ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ
يَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ) حِفْظًا لِفَمِهِ عَنْ الْهَوَامِّ وَقُبْحِ
مَنْظَرِهِ (وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ بِالْمَدِّ وَالرَّدِّ) فَيَرُدُّ
سَاعِدَهُ إلَى عَضُدِهِ وَسَاقِهِ إلَى فَخِذِهِ وَفَخِذَهُ إلَى بَطْنِهِ
ثُمَّ يَمُدُّهَا (وَ) يُلَيِّنُ (أَصَابِعَهُ) تَسْهِيلًا لِغُسْلِهِ
وَتَكْفِينِهِ فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ
بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ فَإِذَا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ
وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدُ (وَيَنْزِعُ) عَنْهُ
(ثِيَابَهُ) الْمَخِيطَةَ (الَّتِي مَاتَ فِيهَا) بِحَيْثُ لَا يُرَى
شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ لِئَلَّا يَسْرُعَ فَسَادُهُ (وَيَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ
خَفِيفٍ لَا أَكْثَرَ) لِذَلِكَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُجِّيَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبٍ
حِبَرَةٍ» هُوَ بِالْإِضَافَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ
الْبَاءِ نَوْعٌ مِنْ ثِيَابِ الْقُطْنِ تُنْسَجُ بِالْيَمَنِ «وَسُجِّيَ
غُطِّيَ»
(وَيَجْعَلُ طَرَفَيْهِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ) بِأَنْ يَجْعَلَ
أَحَدَهُمَا تَحْتَ رَأْسِهِ وَالْآخَرَ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لِئَلَّا
يَنْكَشِفَ وَسَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَحْرَمِ
كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي (وَيَضَعُ عَلَى بَطْنِهِ) شَيْئًا
(ثَقِيلًا كَسَيْفٍ وَمِرْآةٍ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيدِ
(ثُمَّ طِينٌ رَطْبٌ) ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَنَسًا أَمَرَ بِوَضْعِ حَدِيدَةٍ عَلَى بَطْنِ
مَوْلًى لَهُ مَاتَ وَقَدَّرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ
دِرْهَمًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُوضَعُ وَإِلَّا
فَالسَّيْفُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ
يُوضَعُ بِطُولِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ الْمَوْضُوعَ يَكُونُ فَوْقَ
الثَّوْبِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ (وَيُصَانُ الْمُصْحَفُ عَنْهُ)
نَدْبًا احْتِرَامًا لَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ
بِهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ الْمُحْتَرَمِ (وَيَرْفَعُهُ عَلَى
سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا هُوَ مُرْتَفِعٌ فَلَا يُجْعَلُ عَلَى
الْأَرْضِ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ بِنَدَوَاتِهَا وَلَا عَلَى فِرَاشٍ
لِئَلَّا يُحْمَى فَيَتَغَيَّرَ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ
الْأَرْضُ صُلْبَةً جَازَ جَعْلُهُ عَلَيْهَا يَعْنِي مِنْ غَيْر
ارْتِكَابِ خِلَافِ الْأَوْلَى.
(وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ) الْقِبْلَةَ (كَالْمُحْتَضَرِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ
قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى جَنْبِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْمُرَادَ هُنَا إلْقَاؤُهُ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهِهِ وَأَخْمَصَاهُ إلَى
الْقِبْلَةِ وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ
ثَقِيلٌ (وَالرِّجَالُ بِالرِّجَالِ أَوْلَى) بِمَا ذَكَرَ وَكَذَا
النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيَتَوَلَّاهُ
الرِّجَالُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ مِنْ النِّسَاءِ فَإِنْ
تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ نِسَاءِ الْمَحَارِمِ أَوْ النِّسَاءُ مِنْ
رِجَالِ الْمَحَارِمِ جَازَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى
أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَا
بِالْعَكْسِ وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ لَهُمَا مَعَ الْغَضِّ وَعَدَمِ
الْمَسِّ انْتَهَى وَيُومِئُ إلَيْهِ زِيَادَةُ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةَ
أَوْلَى وَكَالْمَحْرَمِ فِيمَا ذَكَرَ الزَّوْجَانِ بَلْ أَوْلَى
(وَيُبَادَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ نَدْبًا (بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَإِنْفَاذِ
وَصِيَّتِهِ إنْ تَيَسَّرَ) حَالًّا تَعْجِيلًا لِلْخَيْرِ وَلِخَبَرِ
«نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ.
وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ هُنَا الرُّوحُ وَمُعَلَّقَةٌ مَحْبُوسَةٌ عَنْ
مَقَامِهَا الْكَرِيمِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ حَالًّا سَأَلَ وَلِيُّهُ
غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الْبَرَاءَةَ
بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مِيرَاثًا
لِلْمَيِّتِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ
تَجِبُ عِنْدَ طَلَبِ ذِي الْحَقِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ لِيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ
وُجُوبُهُ إذَا رَأَوْا مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ إذْ قَدْ
يُفَارَقُ عَلَى هَذَا فَيَهْلَكُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَخْذًا
مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهَذَا الْحَالُ مِنْ
أَهَمِّهَا وَقَوْلُهُ وَيَظْهَرُ وُجُوبُهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ بِالْمَدِّ وَالرَّدِّ
إلَخْ) لَوْ احْتَاجَ فِي تَلْيِينِ مَفَاصِلِهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ
الدُّهْنِ فَلَا بَأْسَ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ
وَالْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ وَيَنْزِعُ ثِيَابَهُ الَّتِي
مَاتَ فِيهَا) هَذَا فِيمَنْ يُغَسَّلَ لَا فِي شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ
(قَوْلُهُ لِئَلَّا يُسْرِعَ فَسَادُهُ) يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ
الْقَمِيصُ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ إذَا كَانَ طَاهِرًا إذْ لَا مَعْنَى
لِنَزْعِهِ ثُمَّ إعَادَتُهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي
نَزْعِهِ إنَّمَا هُوَ خَوْفُ تَغَيُّرِ الْمَيِّتِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ
الشَّهِيدِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ طَهَارَةِ الْقَمِيصِ وَعَدَمِهَا
(قَوْلُهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا) أَيْ تَقْرِيبًا (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ
أَنَّ السَّيْفَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، وَإِنَّ
الْمَوْضُوعَ يَكُونُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إلْقَاؤُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ لَهُمَا) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُبَادِرُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ) قَالُوا
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِغُسْلِهِ
وَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِهِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ)
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ح (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ
الْمُبَادَرَةَ تَجِبُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ عِنْدَ
طَلَبِ ذِي الْحَقِّ
(1/297)
حَقَّهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ
التَّرِكَةِ
(وَيُكْرَهُ تَمَّنِي الْمَوْتِ) لِضُرٍّ فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي
دُنْيَاهُ (فَإِنْ كَانَ مُتَمَنَّيَا قَالَ اللَّهُمَّ أَمِتْنِي إنْ
كَانَ الْمَمَاتُ خَيْرًا لِي) وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا
يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لَا
بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ
خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» وَصَرَّحَ
فِي الرَّوْضَةِ بِالشِّقِّ الْأَوَّلِ أَيْضًا (وَلَا يُكْرَهُ) تَمَنِّيه
(لِمَنْ خَشِيَ فِتْنَةً فِي دِينِهِ) لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ
بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ النَّوَوِيَّ أَفْتَى بِاسْتِحْبَابِهِ
لَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْمَوْتِ بِبَلَدٍ
شَرِيفٍ وَحَذَفَ الْمُصَنِّف تَقْيِيدَ الرَّوْضَةِ كَرَاهَةَ تَمَنِّي
الْمَوْتِ بِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ لَا
يُقَالُ الْكَرَاهَةُ بِلَا ضَرَرٍ وَمَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّا
نَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّمَنِّي مَعَ الضُّرِّ يُشْعِرُ بِعَدَمِ
الرِّضَا بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِهِ بِدُونِهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِكُلِّ مُكَلَّفٍ (أَنْ يَذْكُرَ الْمَيِّتَ بِخَيْرٍ)
لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ
الْمَيِّتَ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «الْمَيِّتُ بِلَا
شَكٍّ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ قَالَتْ
فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سَلَمَةَ
قَدْ مَاتَ قَالَ قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ وَاعْقُبْنِي
مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً فَقُلْت فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مَنْ هُوَ لِي
خَيْرٌ مِنْهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَبَيْنَ
تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ وَقَوْلِ الرَّوْضَةِ وَيُسْتَحَبُّ
لِلنَّاسِ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ الْمَيِّتِ خَيْرًا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ
(وَيُكْرَهُ نَفْيُ الْجَاهِلِيَّةِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِ
الشَّخْصِ وَذِكْرِ مَآثِرِهِ وَمَفَاخِرِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي
وَغَيْرُهُ وَتُكْرَهُ مَرْثِيَّةُ الْمَيِّتِ، وَهِيَ عَدُّ مَحَاسِنِهِ
لِلنَّهْيِ عَنْ الْمَرَاثِي. اهـ. وَالْوَجْهُ حَمْلُ تَفْسِيرِهَا
بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِ صِيغَةِ النَّدْبِ الْآتِي بَيَانُهَا وَإِلَّا
فَيَلْزَمُ اتِّحَادُهَا مَعَهُ وَقَدْ أَطْلَقَهَا الْجَوْهَرِيُّ عَلَى
عَدِّ مَحَاسِنِهِ مَعَ الْبُكَاءِ وَعَلَى نَظْمِ الشَّعْرِ فِيهِ
فَيُكْرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَالْأَوْجَهُ
حَمْلُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ تَبَرُّمٌ أَوْ
عَلَى فِعْلِهِ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهُ أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ
أَوْ عَلَى مَا يُجَدِّدُ الْحُزْنَ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَمَا زَالَ
كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهُ
وَقَدْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِيهِ
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى
الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ
عُدْنَ لَيَالِيَا
(وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ) لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَذَا
فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ إذَا قُصِدَ الْإِعْلَامُ لِكَثْرَةِ الْمُصَلَّيْنَ لِمَا
رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَى
لِأَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَنَّهُ
نَعَى جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ
اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ» وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي إنْسَانٍ كَانَ يَقُمُّ
الْمَسْجِدَ أَيْ يَكْنِسُهُ فَمَاتَ فَدُفِنَ لَيْلًا أَفَلَا كُنْتُمْ
آذَنْتُمُونِي بِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي
قَالُوا كَانَ اللَّيْلُ وَالظُّلْمَةُ فَكَرِهْنَا أَنْ نَشُقَّ عَلَيْك
فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» (وَلِأَصْدِقَائِهِ) وَأَقَارِبِهِ
الْمَفْهُومِينَ بِالْأَوْلَى (تَقْبِيلُ وَجْهِهِ) رَوَى أَبُو دَاوُد
وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ
عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَغَيْرُهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَبَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بَعْدَ مَوْتِهِ بَلْ قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لَهُمْ
وَبَحَثَهُ السُّبْكِيُّ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُمْ
مُسْتَحَبًّا وَلِغَيْرِهِمْ جَائِزًا، وَهُوَ حَسَنٌ مَعَ أَنَّ الْأَخْذَ
بِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ التَّقْبِيلِ لِغَيْرِ
هَؤُلَاءِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ بَعِيدٌ
وَسَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ وَالسِّيَرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ
وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ فَيَحْتَمِلُ تَقْيِيدَ مَا هُنَا
بِالصَّالِحِ وَيَحْتَمِلُ إطْلَاقَهُ وَتَخْصِيصَ الصَّالِحِ بِغَيْرِ
الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ
(بَابُ) بَيَانِ (غُسْلُ الْمَيِّتِ)
وَمَا مَعَهُ مِمَّا يَأْتِي (غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ
عَلَيْهِ) وَحَمْلُهُ (وَدَفْنُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهَا (فَرْضُ كِفَايَةٍ)
لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا حَكَاهُ الْأَصْلُ وَالْأَمْرُ بِهِ فِي
الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي غَيْرِ الدَّفْنِ وَقَاتِلُ نَفْسِهِ
كَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إلَّا فِي
الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَمَحَلُّهُمَا فِي الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ
كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَهَلْ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ أَقَارِبُ
الْمَيِّتِ ثُمَّ عِنْدَ عَجْزِهِمْ أَوْ غِيبَتِهِمْ الْأَجَانِبُ أَوْ
الْكُلُّ مُخَاطَبُونَ بِلَا تَرْتِيبٍ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا
الْجِيلِيُّ، وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عُمُومُ الْخِطَابِ لِكُلِّ
مَنْ عُلِمَ بِمَوْتِهِ (فَيُبَادَرُ بِهِ) نَدْبًا إكْرَامًا لَهُ
وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنَّ تَكُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
حَقَّهُ إلَخْ) أَوْ كَانَ قَدْ عَصَى بِتَأْخِيرِهِ لِمَطْلٍ أَوْ
غَيْرِهِ لِضَمَانِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا
(قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ النَّوَوِيَّ إلَخْ) وَنَقَلَهُ
بَعْضُهُمْ عَنْ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ إنَّهُ لَيْسَ بَعِيدًا إلَخْ)
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ لَمْ يَتَمَنَّ نَبِيٌّ الْمَوْتَ غَيْرَ يُوسُفَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا تَمَنَّى
الْمَوْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا الْمَوْتَ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ حَمْلُ
تَفْسِيرِهَا بِذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[بَابُ بَيَانِ غُسْلُ الْمَيِّتِ]
(بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ) (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ) إذَا شَرَعَ
فِيهَا ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فَوْرًا؛ لِأَنَّ مَنْ
شَرَعَ فِيهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا (قَوْلُهُ وَلِلْأَمْرِ بِهِ
فِي الْأَخْبَارِ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«فُرِضَ عَلَى أُمَّتِي غُسْلُ مَوْتَاهَا وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا
وَدَفْنُهَا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا
عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» (قَوْلُهُ وَالْمَشْهُورُ
عُمُومُ الْخِطَابِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(1/298)
صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا
إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ»
وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَمَّا عَادَ طَلْحَةُ بْنُ الْبَرَاءِ وَانْصَرَفَ قَالَ مَا أَرَى
طَلْحَةَ إلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَإِذَا مَاتَ فَآذَنُونِي
بِهِ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَعَجِّلُوا بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي
لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ»
وَالصَّارِفُ عَنْ الْوُجُوبِ الِاحْتِيَاطُ لِلرُّوحِ الشَّرِيفَةِ
لِاحْتِمَالِ الْإِغْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ «وَقَدْ مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ضَحْوَةً وَدُفِنَ فِي جَوْفِ
اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ» (إنْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ
وَأَمَارَتُهُ) أَيْ مِنْهَا (اسْتِرْخَاءُ قَدَمٍ وَامْتِدَادُ جِلْدَةِ
وَجْهٍ وَمَيْلُ أَنْفٍ وَانْخِلَاعُ كَفٍّ وَانْخِفَاضُ صُدْغٍ
وَتَقَلُّصُ خُصْيَةٍ مَعَ تَدَلِّي جِلْدَتِهَا وَيُتْرَكُ) وُجُوبًا (إنْ
شَكَّ) فِي مَوْتِهِ (حَتَّى يَتَيَقَّنَ بِتَغَيُّرٍ وَنَحْوِهِ)
(فَصْلٌ وَأَقَلُّ الْغُسْلِ اسْتِيعَابُ الْبَدَنِ) بِالْمَاءِ (مَرَّةً
بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ) عَنْهُ إنْ كَانَ فَلَا تَكْفِي لَهُمَا
غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ
فِي الْحَيِّ مِنْ أَنَّ الْغَسْلَةَ لَا تَكْفِي عَنْ الْحَدَثِ
وَالنَّجَسِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ ثُمَّ أَنَّهَا تَكْفِيهِ وَكَأَنَّهُ
تَرَكَ الِاسْتِدْرَاكَ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا هُنَاكَ فَيَتَّحِدُ
الْحُكْمَانِ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَلُوحُ بِهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ
ذِكْرِهِ اشْتِرَاطَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوَّلًا وَقَدْ مَرَّ
بَيَانُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّ مَا هُنَا
أَوْلَى بِالِاكْتِفَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ مُجَرَّدُ النَّظَافَةِ
فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ حَذْفُ الِاشْتِرَاطِ كَمَا فَعَلَ فِي
الْإِرْشَادِ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا
مَحْمُولٌ عَلَى نَجَاسَةٍ تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ
وَمِنْ أَنَّ مَا هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ فَجَازَ إسْقَاطُهُ وَمَا
هُنَا بِغَيْرِهِ فَامْتَنَعَ إسْقَاطُهُ لَا يُجْدِي لِخُرُوجِ الْأَوَّلِ
عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَالثَّانِي عَنْ الْمُدْرَكِ، وَهُوَ أَنَّ
الْمَاءَ مَا دَامَ عَلَى الْمَحَلِّ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَمَا
مَرَّ بَيَانُهُ فَيَكْفِي غُسْلُهُ لِذَلِكَ مَرَّةً.
(وَإِنْ كَانَ جُنُبًا) أَوْ حَائِضًا كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ
الطَّهَارَاتِ تَتَدَاخَلُ (وَلَوْ بِلَا نِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ
مِنْ غُسْلِهِ النَّظَافَةُ، وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ؛
وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الْأَغْسَالِ عَلَى
الْمُغْتَسِلِ لَا الْغَاسِلِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (وَ)
لَوْ كَانَ الْغُسْلُ (مِنْ كَافِرٍ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ
اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ (وَيُغَسَّلُ الْغَرِيقُ) فَلَا يَكْفِي غَرَقُهُ؛
لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ
عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا حَتَّى لَوْ شَاهَدْنَا الْمَلَائِكَةَ
تُغَسِّلُهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنَّا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْكَفَنِ؛
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ السِّتْرُ وَقَدْ حَصَلَ وَمِنْ الْغُسْلِ
التَّعَبُّدُ بِفِعْلِنَا لَهُ وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا
لِلتَّكْفِينِ (وَأَكْمَلُهُ أَنْ يُقَمَّصَ) أَيْ يُجْعَلَ عِنْدَ
إرَادَةِ غُسْلِهِ (فِي) قَمِيصٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ «وَقَدْ غُسِّلَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَمِيصٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (بَالٍ) أَيْ خَلْقٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ
أَوْ سَخِيفٍ أَيْ حَتَّى لَا يَمْنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ
الْقَوِيَّ يَحْبِسُ الْمَاءَ قَالَ السُّبْكِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ
يُغَطِّيَ وَجْهَهُ بِخِرْقَةٍ مِنْ أَوَّلِ مَا يَضَعُهُ عَلَى
الْمُغْتَسَلِ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَيُغَسَّلُ فِي
خَلْوَةٍ) كَمَا فِي الْحَيَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِبَدَنِهِ مَا
يُخْفِيهِ (وَلِلْوَلِيِّ الدُّخُولُ) إلَى الْمُغْتَسَلِ (وَإِنْ لَمْ)
يُغَسِّلْ وَلَمْ (يُعِنْ) لِحِرْصِهِ عَلَى مَصْلَحَتِهِ «وَقَدْ تَوَلَّى
غُسْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ
الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ يُنَاوِلُ الْمَاءَ وَالْعَبَّاسُ
وَاقِفٌ» ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ
وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ
وَإِلَّا فَكَالْأَجْنَبِيِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ؛
لِأَنَّهُ أَسْتَرُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ
(وَيُغَسَّلُ عَلَى لَوْحٍ أَوْ سَرِيرٍ) هُيِّئَ لِذَلِكَ لِئَلَّا
يُصِيبَهُ الرَّشَاشُ (مُسْتَلْقِيًا كَالْمُحْتَضَرِ) إذَا اسْتَلْقَى فِي
أَنَّهُ يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْقِبْلَةُ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ
وَاسْتِلْقَاؤُهُ أَمْكَنُ لِغُسْلِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ
زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ (وَيَرْفَعُ مِنْهُ مَا يَلِي الرَّأْسَ)
لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ عَنْهُ وَلَا يَقِفَ تَحْتَهُ (وَيُدْخِلَ)
الْغَاسِلُ (يَدَهُ فِي الْكُمِّ) إنْ كَانَ وَاسِعًا (وَإِنْ ضَاقَ فَتَحَ
دَخَارِيصَهُ) لِيُدْخِلَ يَدَهُ مِنْهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَمِيصًا أَوْ
لَمْ يَتَأَتَّ غَسَّلَهُ فِيهِ) لِضِيقِهِ (سَتَرَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ
وَرُكْبَتِهِ وَحَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَا بَيْنَهُمَا؛
لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ وَإِلَى غَيْرِهِ إنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ إلَّا فِي حَقِّ
الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ لَا شَهْوَةَ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا إذْ لَيْسَ شَيْءٌ
مِنْ أَحَدِهِمَا عَوْرَةٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ (وَكُرِهَ لِلْغَاسِلِ
نَظَرُ) شَيْءٍ مِنْ (الْبَدَنِ) غَيْرِ الْعَوْرَةَ (بِغَيْرِ حَاجَةٍ)
وَلَا شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِبَدَنِهِ مَا يُخْفِيهِ
وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ مَكْرُوهٌ
أَمَّا لِلْحَاجَةِ كَأَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ الْمَغْسُولِ مِنْ غَيْرِهِ
فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى.
(وَلَا يَنْظُرُ الْمُعِينُ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ النَّظَرُ إلَى شَيْءٍ
مِنْ غَيْرِ عَوْرَتِهِ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) لِمَا مَرَّ قَالَ الشَّيْخُ
أَبُو حَامِدٍ؛ وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى بَدَنِ
الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى وَالْمَسُّ فِيمَا ذَكَرَ كَالنَّظَرِ كَمَا
قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَأَمَارَتُهُ اسْتِرْخَاءُ قَدَمٌ وَامْتِدَادُ جِلْدَةِ وَجْهٍ
إلَخْ) الْوَاوُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ
بِتَغَيُّرٍ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُتْرَكُ الْيَوْمَ
وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ نَصَّ عَلَيْهِ
[فَصْلٌ أَقَلُّ الْغُسْلِ لِلْمَيِّتِ]
(قَوْلُهُ وَأَقَلُّ الْغُسْلِ إلَخْ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ
وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَحْصِيلُ مَاءٍ يُغَسَّلُ بِهِ
بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ
أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَاءٌ يَمَّمَهُ الرُّفْقَةُ وَلَا
يَلْزَمُهُمْ شِرَاءُ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ فَاضِلًا عَنْ
حَاجَاتِهِمْ أَوْ كَانَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَاضِلٌ لَا يَجِبُ عَلَى
الرَّفِيقِ بَذْلُهُ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا، وَهُوَ
التَّيَمُّمُ كَمَا لَا يَجِبُ فِي الْحَيَاةِ لِأَجْلِ الطَّهَارَةِ
وَجَزَمَ بِأَنَّهُ يَجِبُ بَذْلُ الْكَفَنِ لَوْ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ لَا
بَدَلَ لَهُ قَالَ شَيْخُنَا: إلَّا وَجْهَ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ
الْمُصَنِّفِ وَلَعَلَّ مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ فَرَّعَهُ عَلَى
رَأْيِهِ الَّذِي نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْهُ فِي نَفَقَةِ الرَّقِيقِ
أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ شِرَاءُ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ
لِرَقِيقَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ لُزُومُهُ كَالْحَضَرِ فَيَكُونُ
هُنَا كَذَلِكَ بِجَامِعِ الْوُجُوبِ فِي كُلٍّ مِنْ السَّيِّدِ
وَمُجَهِّزِ الْمَيِّتِ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ خَاتِمَةَ أَمْرِ
كَاتِبِهِ (قَوْلُهُ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ) لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ
نَجَاسَةٌ لَا تَخْرُجُ إلَّا أَنْ يُلَيِّنَهُ بِالدُّهْنِ لَيَّنَهُ
(قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْرَاكَ هُنَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ «غُسِّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي قَمِيصٍ» ) اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي غُسْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ نُجَرِّدُهُ أَوْ نُغَسِّلُهُ
فِي ثِيَابِهِ فَغَشِيَهُمْ النُّعَاسُ وَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ لَا
تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي
رِوَايَةٍ غَسِّلُوهُ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
(قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِبَدَنِهِ مَا يُخْفِيهِ فَيَظْهَرُ)
أَوْ قَدْ اجْتَمَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ دَمٌ أَوْ الْتَوَى
عُنُقُهُ لِعَارِضٍ فَيَظُنُّ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ عُقُوبَةٌ
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ إلَخْ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مُسْتَلْقِيًا كَالْمُحْتَضَرِ) وَمَوْضِعُ
رَأْسِهِ أَعْلَى وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَيَحْرُمُ كَبُّهُ عَلَى
وَجْهِهِ فَكَبُّ الْحَيِّ نَفْسَهُ مَكْرُوهٌ
(1/299)
وَكَالْمُعِينِ فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ
مِمَّنْ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ
اللَّذَيْنِ لَا يُشْتَهَيَانِ أَمَّا فِيهِمَا فَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى
جَمِيعِ بَدَنِهِمَا إلَّا الْفَرْجَ (وَيُغَسِّلُ بِبَارِدٍ) لِأَنَّهُ
يَشُدُّ الْبَدَنَ بِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ فَإِنَّهُ يُرْخِيهِ (مَا لَمْ
يُحْتَجْ الْمُسَخَّنُ) أَيْ إلَيْهِ (لِوَسَخٍ وَبَرْدٍ وَنَحْوِهِ)
فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى لَكِنْ لَا يُبَالِغُ فِي
تَسْخِينِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ
وَاسْتَحَبَّ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ كَوْنَهُ مَالِحًا عَلَى
كَوْنِهِ عَذْبًا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَالِحُ الْبَارِدُ أَحَبُّ
إلَيَّ مِنْ الْحَارِّ الْعَذْبِ قَالَ أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ وَلَا
يَنْبَغِي أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِلْخِلَافِ فِي
نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ (وَيُعِدُّهُ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ) كَالْجُبِّ.
(وَيُبْعِدُهُ عَنْ الرَّشَاشِ) الْحَاصِلُ مِنْ الْغُسْلِ لِتَكُونَ
النَّفْسُ أَطْيَبَ إلَيْهِ وَلِئَلَّا يَتَأَثَّرَ بِالْمَاءِ
الْمُسْتَعْمَلِ وَيُعِدُّ مَعَهُ إنَاءَيْنِ آخَرَيْنِ صَغِيرًا
وَمُتَوَسِّطًا فَيَعْرِفُ بِالصَّغِيرِ مِنْ الْكَبِيرِ وَيَصُبُّهُ فِي
الْمُتَوَسِّطِ ثُمَّ يُغَسِّلُهُ بِالْمُتَوَسِّطِ قَالَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ (فَرْعٌ وَيُعِدُّ) الْغَاسِلُ قَبْلَ الْغُسْلِ
(خِرْقَتَيْنِ نَظِيفَتَيْنِ) إحْدَاهُمَا لِلسَّوْأَتَيْنِ وَالْأُخْرَى
لِبَاقِي الْبَدَنِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ
(وَيُجْلِسُهُ) عِنْدَ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ (بِرِفْقٍ مَائِلًا
إلَى وَرَائِهِ) قَلِيلًا (وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى
وَيَدُهُ) الْيُمْنَى مَوْضُوعَةٌ (عَلَى كَتِفَيْهِ وَإِبْهَامُهَا فِي
نَقْرَةِ قَفَاهُ كَيْلًا يَمِيلَ) رَأْسُهُ (وَيُمِرُّ يَدَهُ الْيُسْرَى
عَلَى بَطْنِهِ وَيُبَالِغُ) فِي إمْرَارِهَا (لِتَخْرُجَ) مِنْهُ
(الْفَضَلَاتُ) وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ
غُسْلِهِ أَوْ بَعْدَ تَكْفِينِهِ فَيُفْسِدَ بَدَنَهُ أَوْ كَفَنَهُ
(وَالْمِجْمَرَةُ) بِكَسْرِ أَوَّلِهَا أَيْ الْمِبْخَرَةُ مُتَّقِدَةٌ
(فَائِحَةٌ) بِالطِّيبِ كَالْعُودِ (وَيُكْثِرُ الْمُعِينُ الصَّبَّ)
لِلْمَاءِ (لِيُخْفِيَ الرَّائِحَةَ) مِمَّا يَخْرُجُ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ وَفِي الْبَيَانِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَخَّرَ عِنْدَ الْمَيِّتِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ؛
لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَغْلِبُهُ رَائِحَةُ
الْبَخُورِ (ثُمَّ يَضَعُهُ مُسْتَلْقِيًا) كَمَا كَانَ أَوَّلًا
(وَيَغْسِلُ) وَفِي نُسْخَةٍ فَيَغْسِلُ (دُبُرَهُ وَمَذَاكِيرَهُ)
جَمَعُوا الذَّكَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّدًا بِاعْتِبَارِهِ مَعَ
مَا يَتَّصِلُ بِهِ بَعْدَ إطْلَاقِ اسْمِهِ عَلَى الْكُلِّ فَيَغْسِلُ
جَمِيعَ ذَلِكَ (وَعَانَتِهِ) كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيَّ (بِخِرْقَةٍ
مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْخِرْقَتَيْنِ بَعْد لَفِّهَا عَلَى يَدِهِ
الْيُسْرَى وَاللَّفُّ هُنَا وَاجِبٌ لِئَلَّا يَمَسَّ الْعَوْرَةَ (ثُمَّ
يُلْقِيهَا) لِتُغْسَلَ (وَيَغْسِلُ يَدَهُ بِالْأُشْنَانِ) وَالْمَاءِ
بِقَيْدٍ زَادَهُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ (إنْ تَلَوَّثَتْ)
قَالَ فِي الْأَصْلِ كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَغْسِلُ
السَّوْأَتَيْنِ مَعًا بِخِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ
وَالْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْسِلُ كُلَّ سَوْأَةٍ بِخِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا
شَكَّ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ انْتَهَى.
وَالْجُمْهُورُ رَأَوْا أَنَّ الْإِسْرَاعَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ
وَالْبُعْدَ عَنْهُ أَوْلَى (ثُمَّ يَتَعَهَّدُ مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ
قَذَرٍ) وَنَحْوِهِ فَيَغْسِلُهُ بِخِرْقَةٍ يَلُفُّهَا عَلَى يَدِهِ كَذَا
قَالَهُ الْإِمَامُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا خِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ وَعَلَى مَا
مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ تَكُونُ الثَّانِيَةُ
فَعَلَيْهِ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ وَأَصْلِهِ تَأْخِيرُ هَذَا
عَنْ قَوْلِهِ (فَرْعٌ ثُمَّ يَلُفُّ الْخِرْقَةَ الْأُخْرَى عَلَى يَدِهِ)
أَيْ الْيُسْرَى كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ
الْخُوَارِزْمِيَّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ مُتَّجِهٌ وَيُؤَيِّدُهُ
أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يُزِيلُ مَا فِي أَنْفِهِ بِيَسَارِهِ قَالَ لَكِنْ
رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مِنْ الْمُحَرَّرِ التَّعْبِيرَ
بِالْيُمْنَى قَامَتْ وَبِهَا عَبَّرَ الْقَمُولِيُّ فِي بَحْرِهِ
وَجَوَاهِرِهِ لَكِنْ لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ (وَيُسَوِّكُهُ
بِأُصْبُعِهِ) أَيْ السَّبَّابَةِ فِيمَا يَظْهَرُ (مَبْلُولَةً) بِمَاءٍ،
وَإِنَّمَا سَوَّكَهُ بِالْيُسْرَى مَعَ أَنَّ الْحَيَّ يَتَسَوَّكُ
بِالْيُمْنَى خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ؛
وَلِأَنَّ الْقَذَرَ ثَمَّ لَا يَتَّصِلُ بِالْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَا
(وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ) لِخَوْفِ سَبْقِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ
فَيُسْرِعَ فَسَادُهُ (ثُمَّ يُنَظِّفُ بِهَا) يَعْنِي بِإِصْبَعِهِ
الْخِنْصَرِ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ (مَنْخِرَيْهِ) بِأَنْ يُزِيلَ مَا
فِيهِمَا مِنْ أَذًى (ثُمَّ يُوَضِّئَهُ كَالْحَيِّ بِمَضْمَضَةٍ
وَاسْتِنْشَاقٍ) لِلْخَبَرِ الْآتِي وَلَا يَكْفِي عَنْهُمَا مَا مَرَّ
آنِفًا بَلْ ذَاكَ كَالسِّوَاكِ وَزِيَادَةً فِي التَّنْظِيفِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْحَيِّ
(وَيُمِيلُ فِيهِمَا رَأْسَهُ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ) قَالَ
فِي الْمَجْمُوعِ وَيُتْبِعُ بِعُودٍ لَيِّنٍ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ
لَمْ يُقَلِّمْهَا وَظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَصِمَاخَيْهِ انْتَهَى
وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ غَسْلَةٍ بَعْدَ
تَلْيِينِهَا بِالْمَاءِ لِيَحْصُلَ لِمَا تَحْتَهَا تَكْرَارُ الْغُسْلِ
ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَظْفَارِ قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءَ
الْمَسْنُونَ كَمَا فِي الْغُسْلِ (ثُمَّ يَغْسِلَ رَأْسَهُ ثُمَّ
لِحْيَتَهُ بِالسِّدْرِ) رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِغَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ
مِنْهَا وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ
مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي
الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ» وَفِي رِوَايَةٍ
لِلْبَيْهَقِيِّ «فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ غَسْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ
غَيْرِهَا فَاجْعَلِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ
مِنْهُنَّ فَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَضَفَرْنَا
نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا»
. وَقَوْلُهُ «إنْ رَأَيْتُنَّ» أَيْ احْتَجْتُنَّ «وَمَشَطْنَا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ مَا لَمْ يُحْتَجْ الْمُسَخَّنُ لِوَسَخٍ وَبَرْدٍ وَنَحْوِهِ)
لَوْ كَانَ وَسَخُهُ لَا يَزُولُ إلَّا بِتَلْيِينِهِ بِالدُّهْنِ
لَيَّنَهُ بِهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ قِيلَ لَا يُكْرَهُ غُسْلُهُ بِالشَّمْسِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛
لِأَنَّ الْغَاسِلَ يُخَامِرُهُ وَصَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ
بِالْكَرَاهَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ هُنَا وَقَوْلُهُ،
وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ بِالْأُشْنَانِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا (قَوْلُهُ أَيْ
السَّبَّابَةُ فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
مَنْخَرَيْهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْخَاءِ وَكَسْرِهِمَا وَضَمِّهِمَا
وَفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ، وَهِيَ أَشْهَرُهَا (قَوْلُهُ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ
(1/300)
بِالتَّخْفِيفِ وَكَذَا «ضَفَرْنَا» أَيْ
لَوَيْنَا «وَثَلَاثَةَ قُرُونٍ» أَيْ ضَفَائِرَ الْقَرْنَيْنِ
وَالنَّاصِيَةِ وَقُدِّمَ غَسْلُ الرَّأْسِ عَلَى اللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ عُكِسَ نَزَلَ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى لِحْيَتِهِ
فَيُحْتَاجُ إلَى غَسْلِهَا ثَانِيًا فَالْأَوَّلُ أَرْفَقُ كَمَا فِي
الْحَيِّ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْوَاوُ
فِيهَا بِمَعْنَى أَوْ وَالْمُرَادُ أَوْ نَحْوُهُمَا لَكِنَّ السِّدْرَ
أَوْلَى لِلنَّصِّ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّهُ أَمْسُك
لِلْبَدَنِ (وَيُسَرِّحُهُمَا بِمُشْطٍ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ
وَلِإِزَالَةِ مَا فِيهِمَا مِنْ سِدْرٍ وَوَسَخٍ كَمَا فِي الْحَيِّ
(وَاسِعِ الْأَسْنَانِ) لِئَلَّا يَنْتَتِفَ الشَّعْرَ (بِرِفْقٍ)
لِيَقِلَّ الِانْتِتَافُ أَوْ لَا يُنْتَتَفُ شَيْءٌ (إنْ تَلَبَّدَا)
شَرْطٌ لِتَسْرِيحِهِمَا بِوَاسِعِ الْأَسْنَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ
شَرْطٌ لِتَسْرِيحِهِمَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ
الْمَجْمُوعِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ
تَسْرِيحِ الرَّأْسِ عَلَى اللِّحْيَةِ تَبَعًا لِلْغُسْلِ وَنَقَلَهُ
الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ.
(فَإِنْ سَقَطَتْ شَعْرَةٌ) مِنْ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ (رَدَّهَا)
إلَيْهِ بِأَنْ يَضَعَهَا فِي كَفَنِهِ لِتُدْفَنَ مَعَهُ كَمَا سَيَأْتِي
بِزِيَادَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ يُرَدُّ الْمُنْتَفُ إلَى وَسَطِ
شَعْرِهِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالسُّقُوطِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ
أَصْلِهِ بِالِانْتِتَافِ (ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا
يَلِي الْوَجْهَ) مِنْ عُنُقِهِ إلَى قَدَمِهِ (ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ
ثُمَّ يُحَوِّلُهُ لِجَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ
مِمَّا يَلِي الْقَفَا) وَالظَّهْرِ مِنْ كَتِفِهِ إلَى قَدَمِهِ (ثُمَّ)
يُحَوِّلُهُ (لِلْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ) شِقَّهُ (الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ)
وَقِيلَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ مِنْ مُقَدِّمِهِ ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ ثُمَّ
يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ مِنْ مُقَدِّمِهِ ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ
وَكُلَّ سَائِغٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَلَا يُعِيدُ
غَسْلَ رَأْسِهِ) الشَّامِلِ هُنَا لِلِحْيَتِهِ وَوَجْهِهِ لِحُصُولِ
الْغَرَضِ بِغُسْلِهِ أَوَّلًا بَلْ يَبْدَأُ بِصَفْحَةِ عُنُقِهِ فَمَا
تَحْتَهَا (وَيَحْرُمُ كَبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ) احْتِرَامًا لَهُ
بِخِلَافِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي الْحَيَاةِ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ؛
لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ فِعْلُهُ هَذَا كُلُّهُ غَسْلَةٌ مِنْ
غَسَلَاتِ التَّنْظِيفِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ (هَذِهِ الْغَسْلَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ)
قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْخِطْمِيِّ أَيْ تَنْظِيفًا قَالَ السُّبْكِيُّ:
وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ السِّدْرِ بِالْأَوْلَى بَلْ الْوَجْهُ
التَّكْرِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يَحْصُلَ النَّقَاءُ عَلَى وَفْقِ الْخَبَرِ
وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ فَإِذَا حَصَلَ النَّقَاءُ وَجَبَ غَسْلُهُ
بِالْمَاءِ الْخَالِصِ وَتُسَنُّ بَعْدَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً كَغُسْلِ
الْحَيِّ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْخَالِصَ بَعْدَ كُلِّ غَسْلَةٍ مِنْ
غَسَلَاتِ التَّنْظِيفِ كَفَاهُ ذَلِكَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ بَعْدَ
تَمَامِهَا وَيَكُونُ كُلَّ مَرَّةٍ مِنْ التَّنْظِيفِ وَاسْتِعْمَالُ
الْمَاءِ الْخَالِصِ بَعْدَهُ غَسْلَةً وَاحِدَةً وَكَلَامُهُ الْأَخِيرُ
بَيَانٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ الْآتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
كَأَصْلِهِ، وَأَمَّا كَلَامُهُ الْأَوَّلُ فَقَالَ ابْنُهُ فِي
التَّوْشِيحِ: قَدْ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَيُقَالُ إنَّمَا
خَصَّصْت الْأُولَى بِالذِّكْرِ لِحُصُولِ النَّقَاءِ بِهَا غَالِبًا أَيْ
فَيَكُونُ الْآخَرُ بَيَانًا لِكَلَامِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْغَاسِلُ
بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْغَسْلَةِ
الْمَذْكُورَةِ (يَصُبُّ الْمَاءَ) الْخَالِصَ (مِنْ قَرْنِهِ) أَيْ
جَانِبِ رَأْسِهِ (إلَى قَدَمِهِ وَيُسْتَحَبُّ) أَنْ يَكُونَ (غَسْلُهُ
ثَلَاثًا فَإِنْ احْتَاجَ) إلَى زِيَادَةٍ (زَادَ) بِقَدْرِ الْحَاجَةِ
بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَيِّ لَا يَزِيدُ فِيهَا عَلَى الثَّلَاثِ؛
لِأَنَّ طَهَارَتَهُ مَحْضُ تَعَبُّدٍ.
وَالْقَصْدُ مِنْ طَهَارَةِ الْمَيِّتِ النَّظَافَةُ (وَيَكُونُ) عَدَدُ
الْغَسَلَاتِ (وِتْرًا) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَمَا دَامَ السِّدْرُ)
أَوْ نَحْوُهُ (عَلَيْهِ وَالْمَاءُ يَتَغَيَّرُ بِهِ فَلَا يُحْسَبُ
ذَلِكَ مِنْ الثَّلَاثِ) كَمَا فِي طُهْرِ الْحَيِّ فَيُغْسَلُ بَعْدَ
الْغَسْلَةِ الْمُزِيلَةِ لِلسِّدْرِ وَنَحْوِهِ ثَلَاثًا بِالْمَاءِ
الْخَالِصِ مُتَوَالِيَةً فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى وَمُتَفَرِّقَةً
فِي الثَّانِيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ (وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ)
هَذِهِ (الثَّلَاثِ) فِي غَسْلِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ بِقَرِينَةِ مَا
سَيَأْتِي (كَافُورٌ أَوْ) هُوَ (فِي الْأَخِيرَةِ آكَدُ) لِلْخَبَرِ
السَّابِقِ وَلِتَقْوِيَتِهِ الْبَدَنَ وَدَفْعِهِ الْهَوَامَّ وَيُكْرَهُ
تَرْكُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَ) لِيَكُنْ بِحَيْثُ (لَا
يَفْحُشُ التَّعْبِيرُ بِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ صُلْبًا (ثُمَّ يُلَيِّنُ
مَفَاصِلَهُ بَعْدَ الْغَسْلِ) ؛ لِأَنَّهَا لَانَتْ بِالْمَاءِ
فَيَتَوَخَّى بِالتَّلْيِينِ بَقَاءَ لِينِهَا (ثُمَّ يُبَالِغُ فِي
تَنْشِيطِهِ) لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ فَيُسْرِعَ فَسَادُهُ
وَبِهَذَا فَارَقَ غُسْلُ الْحَيِّ وَوُضُوءُهُ حَيْثُ اسْتَحْيَوْا تَرْكَ
التَّنْشِيفِ فِيهِمَا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَدَّ صَاحِبُ الْخِصَال مِنْ السُّنَنِ
التَّشَهُّدَ عِنْدَ غُسْلِهِ قَالَ وَكَانَ مُرَادُهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ
مِنْهُ وَيَكُونُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ قَالَ وَيَحْسُنُ أَنْ يَزِيدَ
اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْ التَّوَّابِينَ وَمِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ أَوْ
يَقُولَ اجْعَلْنِي وَإِيَّاهُ انْتَهَى وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي
الْوُضُوءِ بِذَلِكَ وَبِدُعَاءِ الْأَعْضَاءِ قَالَ السُّبْكِيُّ
وَاسْتَحَبَّ الْمُزَنِيّ إعَادَةَ الْوُضُوءِ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ (فَرْعٌ
وَلْيَتَعَهَّدْ) نَدْبًا (مَسْحَ بَطْنِهِ كُلَّ مَرَّةٍ أَرْفَقَ مِمَّا
قَبْلَهَا فَلَوْ خَرَجَ) مِنْ الْمَيِّتِ (بَعْدَ الْغُسْلِ نَجَاسَةٌ)
وَلَوْ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَقَبْلَ التَّكْفِينِ (كَفَاهُ غَسْلُهَا)
مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ غَسْلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِمَا
جَرَى وَحُصُولِ النَّظَافَةِ بِإِزَالَةِ الْخَارِجِ كَمَا لَوْ
أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا
يُنْتَقَضُ طُهْرُهُ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ فِيمَا ذَكَرَ وَاجِبٌ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شُرِطَ لِتَسْرِيحِهِمَا مُطْلَقًا) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ) أَيْ
وَغَيْرِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ
تَقْدِيمُ تَسْرِيحِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بَلْ
الْوَجْهُ التَّكْرِيرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
وَاسْتَحَبَّ الْمُزَنِيّ إعَادَةَ الْوُضُوءِ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ) قَالَ
شَيْخُنَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ فَلَا يُنْتَقَضُ
غُسْلُهُ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ إلَخْ) شَرْطُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ
الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
قَبْلَ إدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ كَفَى غُسْلُ
النَّجَاسَةِ قَطْعًا، وَفِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ
أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا أَيْضًا إذَا كَانَ الْخُرُوجُ بَعْدَ
التَّكْفِينِ اهـ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ
(1/301)
(وَلَا يَجْنُبُ مَيِّتٌ) فَلَوْ وَطِئَ
أَوْ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ بَعْدَ غُسْلِهِ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهُ
وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْوَطْءِ
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحْدِثُ أَيْضًا بِالْمَسِّ فِيمَا
إذَا اخْتَلَفَ مَعَ الْمَاسِّ ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً وَبِهِ صَرَّحَ
أَصْلُهُ فِي الْمَيِّتَةِ
(فَصْلٌ الرِّجَالُ أَوْلَى بِغَسْلِ الرَّجُلِ وَالنِّسَاءِ) أَوْلَى
(بِالْمَرْأَةِ) وَسَيَأْتِي تَرْتِيبُهُمْ (وَ) لَكِنْ (لِلرَّجُلِ غَسْلُ
زَوْجَتِهِ) وَلَوْ كِتَابِيَّةً (وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا) أَوْ
أَرْبَعًا سِوَاهَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ لَا تَنْقَطِعُ
بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ مَا ضَرَّك لَوْ مُتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُك
وَكَفَّنْتُك وَصَلَّيْت عَلَيْك وَدَفَنْتُك» رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ (وَلَهَا غَسْلُهُ) بِالْإِجْمَاعِ
«وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ
أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا نِسَاؤُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (بِلَا مَسٍّ) مِنْهَا لَهُ فِي هَذِهِ
وَمِنْهُ لَهَا فِيمَا قَبْلَهَا كَأَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ مِنْهُمَا
عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً (لِئَلَّا يُنْتَقَضَ الْوُضُوءُ) يَعْنِي وُضُوءَ
الْغَاسِلِ (فَقَطْ) .
أَمَّا وُضُوءُ الْمَغْسُولِ طُهْرٌ مُطْلَقًا فَلَا يُنْتَقَضُ، وَإِنْ
نَقَضْنَا طُهْرَ الْمَلْمُوسِ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ فِيهِ
لِلْحَاجَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَهَذَا لَيْسَ
تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ لَفِّ الْخِرْقَةِ عَلَى يَدِهِ
الشَّامِلِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذْ ذَاكَ بِالنَّظَرِ لِكَرَاهَةِ
اللَّمْسِ، وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِانْتِقَاضِ الطُّهْرِ بِهِ (وَإِنْ
انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ) كَأَنْ وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ
ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَلَهَا غَسْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهَا فَلَا
يَسْقُطُ كَالْمِيرَاثِ (لَا مُطَلَّقَةٌ وَلَوْ رَجْعِيَّةً) فَلَيْسَ
لِأَحَدِهِمَا غَسْلُ الْآخَرِ، وَإِنْ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ لِتَحْرِيمِ
النَّظَرِ وَفِي مَعْنَى الْمُطَلَّقَةِ الْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ: وَالْقِيَاسُ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ
أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُغَسِّلُ الْآخَرَ كَمَا لَا يُغَسِّلُ
أَمَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَرَدَّ الزَّرْكَشِيُّ لَهُ
بِأَنَّهُمْ جَعَلُوهَا كَالْمُكَاتَبَةِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ لِمَا
عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْهَا فَلَا مَنْعَ مِنْ
الْغُسْلِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ
بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِهِ فِي الْمُعْتَدَّةِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلسَّيِّدِ (غَسْلُ) أَمَتِهِ حَتَّى (مُدَبَّرَتِهِ
وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُنَّ مَمْلُوكَانِ لَهُ
فَأَشْبَهْنَ الزَّوْجَةَ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ
وَالْبُضْعَ جَمِيعًا وَكِتَابَةُ الْمُكَاتَبَةِ تَرْتَفِعُ بِمَوْتِهَا
(لَا) غُسْلُ (أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ
وَالْمُسْتَبْرَأَةِ) لِتَحْرِيمِ بُضْعِهِنَّ عَلَيْهِ وَكَذَا
الْمُشْتَرَكَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ بِالْأَوْلَى وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ
أَنَّ كُلَّ أَمَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ
كَذَلِكَ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الْبَارِزِيُّ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ
مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ جَوَازُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مَعَ
مُوَافَقَتِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الْمُزَوَّجَةَ
وَالْمُعْتَدَّةَ لَكِنْ لَمْ يُعَلِّلْهُ بِمَا مَرَّ بَلْ بِأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا وَلَا الْخَلْوَةُ بِهِمَا، وَهُوَ
مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي النِّكَاحِ بِاشْتِرَاكِهِمَا مَعَ
الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا فِي جَوَازِ النَّظَرِ
لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ الْمُقْتَضِي ذَلِكَ
لِجَوَازِ الْخَلْوَةِ بِهِنَّ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ قَدْ يُقَالُ لَهُ لِمَ
جَوَّزْت لَهُ تَغْسِيلَ الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ دُونَ
الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي هَاتَيْنِ
تَعَلَّقَ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافٍ فِي الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ
وَاعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْمُسْتَبْرَأَةِ
بِأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً
بِالسَّبْيِ فَالْأَصَحُّ حِلُّ غَيْرِ الْوَطْءِ مِنْ التَّمَتُّعَاتِ
فَغُسْلُهَا أَوْلَى أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ
بِهَا وَلَا لَمْسُهَا وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا بِلَا شَهْوَةٍ كَمَا
ذَكَرَ فِي بَابِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ غَسْلُهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ
تَحْرِيمَ الْغُسْلِ لَيْسَ لِمَا قَالَهُ بَلْ التَّحْرِيمُ الْبُضْعُ
كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَالصَّوَابُ أَنَّهَا
كَالْمُعْتَدَّةِ بِجَامِعِ تَحْرِيمِ الْبُضْعِ وَتَعَلُّقِ الْحَقِّ
بِأَجْنَبِيٍّ (وَلَيْسَ لِأَمَتِهِ) وَلَوْ غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ
وَمُعْتَدَّةٍ وَمُسْتَبْرَأَةٍ (وَنَحْوِهَا) كَمُدَبَّرَةٍ وَأُمِّ
وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ (غُسْلُهُ) لِانْتِقَالِ مِلْكِهِ عَنْهُنَّ
بِإِرْثٍ أَوْ عِتْقٍ وَيُفَارِقُ النِّكَاحَ بِبَقَاءِ حُقُوقِهِ كَمَا
مَرَّ؛ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ
(وَلِرِجَالِ الْمَحَارِمِ غُسْلُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ وَقَضِيَّةُ
كَلَامِ الْغَزَالِيِّ تَجْوِيزُهُ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ، وَهُوَ
ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَبٌّ لَا
وَاجِبٌ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ جَمَاعَةَ شَارِحُ الْمِفْتَاحِ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي وَأَكَادُ أَجْزِمُ بِهِ أَنَّ
الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِأُمُورٍ ثُمَّ قَالَ وَلَا شَكَّ
فِي بُعْدِ تَعْصِيَةِ الْأَبِ بِغُسْلِ ابْنَتِهِ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ الرِّجَالُ أَوْلَى بِغَسْلِ الرَّجُلِ وَالنِّسَاءُ أَوْلَى
بِالْمَرْأَةِ]
قَوْلُهُ الرِّجَالُ أَوْلَى بِالرَّجُلِ) إذَا حَرَّمْنَا النَّظَرَ إلَى
الْأَمْرَدِ إلْحَاقُهُ بِالْمَرْأَةِ فَالْقِيَاسُ امْتِنَاعُ غَسْلِ
الرَّجُلِ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كِتَابِيَّةً) ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ
رِجَالُ مَحَارِمِهَا مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ
النِّكَاحِ لَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ) ؛ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى بِأَنَّ تُغَسِّلَهُ زَوْجَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ
عُمَيْسٍ فَفَعَلَتْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ (قَوْلُهُ كَانَ يَلُفُّ
الْغَاسِلُ مِنْهُمَا) عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً اسْتِحْبَابًا (قَوْلُهُ
وَالْقِيَاسُ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَهُ غَسْلُ مُدَبَّرَتِهِ إلَخْ) قَالَ
النَّاشِرِيُّ: هَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ قَرَابَةِ الْأَمَةِ أَحَدٌ
فَإِنْ وُجِدَ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا فَهُوَ كَالزَّوْجِ،
وَإِنْ كُنَّ نِسَاءً بُنِيَ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ هَلْ يَبْطُلُ
بِالْمَوْتِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ فَهُوَ كَالزَّوْجِ مَعَهُنَّ،
وَإِنْ بَطَلَ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهُنَّ عَلَيْهِ هَذَا مَا ظَهَرَ
(قَوْلُهُ وَلَا لَمْسُهَا وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا بِلَا شَهْوَةٍ إلَخْ)
اعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالنَّظَرِ ضَعِيفٌ
فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَى أَمَةِ الْغَيْرِ
عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَلَا يُبَاحُ لَهُ غُسْلُهَا وَالتَّعْلِيلُ
بِجَوَازِ اللَّمْسِ يَنْقُضُ بِجَوَازِهِ لِلْمُدَاوَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ لَهُ الْغُسْلُ فَإِذَا بَطَلَ التَّعْلِيلُ بِالنَّظَرِ
وَاللَّمْسِ لَا يَبْقَى إلَّا الْمِلْكُ وَالْمِلْكُ قَدْ عَارَضَهُ
مَنْعُ حِلِّ الْوَطْءِ فَأَشْبَهَ الْعِدَّةَ فَوَضَحَ مَا قَالَهُ
النَّوَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ تَحْرِيمَ
الْغُسْلِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ
الْغَزَالِيِّ تَجْوِيزُهُ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي
الْأَنْوَارِ وَيَجِبُ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالزَّوْجِ عَلَى غَيْرِهِمْ
وَيَحْرُمُ تَفْوِيضُهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ كَمَا يَجِبُ تَقْدِيمُ
الْمَحَارِمِ عَلَى الْأَجَانِبِ وَيَحْرُمُ تَفْوِيضُهُمْ ثُمَّ قَالَ فِي
غُسْلِ الرَّجُلِ وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الرِّجَالِ وَالزَّوْجَةِ
وَالنِّسَاءِ الْمَحَارِمِ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ وَيَحْرُمُ
التَّفْوِيضُ إلَيْهِنَّ كَمَا يَجِبُ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ الْمَحَارِمِ
عَلَى الْأَجَانِبِ (قَوْلُهُ وَأَيَّدَهُ بِأُمُورٍ) بِإِطْلَاقِهِمْ
أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُغَسِّلَ زَوْجَتَهُ، وَإِنْ نَكَحَ أُخْتَهَا
وَأَنَّهُ يُكْرَهُ تَغْسِيلُ الذِّمِّيَّةِ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ
وَاسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى تَغْسِيلِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا بِتَغْسِيلِ
أَسْمَاءَ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ أَنَّهُ كَانَ
لَهُ عَصَبَةٌ وَعَلَى عَكْسِهِ بِتَغْسِيلِ عَلِيٍّ
(1/302)
وُجُودِ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ الْأُمِّ
ابْنَهَا مَعَ وُجُودِ أَجْنَبِيٍّ وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ نَحْوَهُ
(فَرْعٌ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ
عَكْسُهُ يُمِّمَا) إلْحَاقًا لِفَقْدِ الْغَاسِلِ بِفَقْدِ الْمَاءِ
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ
وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ إزَالَتَهَا لَا بَدَلَ لَهَا
بِخِلَافِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَبِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَصِحُّ
بَعْدَ إزَالَتِهَا كَمَا مَرَّ وَلَوْ قَالَ يُمِّمَ كَانَ أَوْلَى؛
لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ (وَلَوْ حَضَرَ الْمَيِّتَ) الذَّكَرُ (كَافِرٌ
وَمُسْلِمَةٌ) أَجْنَبِيَّةٌ (غَسَلَهُ) الْكَافِرُ؛ لِأَنَّ لَهُ
النَّظَرَ إلَيْهِ دُونَهَا (وَصَلَّتْ عَلَيْهِ) الْمُسْلِمَةُ
(وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُشْتَهَى يُغَسِّلُهُ الْفَرِيقَانِ)
الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِحِلِّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ لَهُ (وَالْخُنْثَى)
الْمُشْكِلُ (يُغَسِّلُهُ الْمَحَارِمُ مِنْ كُلٍّ) مِنْ الْفَرِيقَيْنِ
(فَلَوْ عَدِمُوا) أَيْ مَحَارِمُهُ وَكَانَ كَبِيرًا يُشْتَهَى (يُمِّمَ)
كَمَا لَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَيِّتَةَ إلَّا أَجْنَبِيٌّ، وَهَذَا ظَاهِرُ
كَلَامِ الْأَصْلِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عَنْ
اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ تَغْسِيلَهُ
لِلْحَاجَةِ وَاسْتِصْحَابًا بِالْحُكْمِ الصَّغِيرِ قَالَ وَيُغَسِّلُ
فَوْقَ ثَوْبٍ وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ بِأَنَّهُ هُنَا يُحْتَمَلُ
الِاتِّحَادُ فِي جِنْسِ الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ
وَيُفَارِقُ ذَلِكَ أَخْذُهُمْ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ فِي النَّظَرِ
بِأَنَّهُ هُنَا مَحَلُّ حَاجَةٍ
(فَصْلٌ الرِّجَالُ يُقَدَّمُونَ) فِي غُسْلِ الرَّجُلِ (عَلَى
الزَّوْجَةِ) ؛ لِأَنَّهُمْ بِهِ أَلْيَقُ وَأَقْرَبُ (وَأَوْلَاهُمْ
بِغُسْلِ الرَّجُلِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) وَسَيَأْتِي
بَيَانُهُ نَعَمْ الْأَفْقَهُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ هُنَا وَتَعْبِيرُهُ
بِهَذَا مَعَ مَا يَأْتِي ثُمَّ سَالِمٌ مِنْ إيهَامِ أَنَّ الْمَوْلَى
وَالْوَالِيَ كَالْأَجَانِبِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْأَصْلِ (ثُمَّ
الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ) ؛ لِأَنَّهُمْ بِهِ أَلْيَقُ (ثُمَّ الزَّوْجَةُ)
؛ لِأَنَّ مَنْظُورَهَا أَكْثَرُ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ
الرِّجَالُ يُقَدَّمُونَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ
الزَّوْجَةَ الْأَمَةَ وَذَكَرَ فِيهَا ابْنُ الْأُسْتَاذِ احْتِمَالَيْنِ
أَحَدُهُمَا لَاحِقٌ لَهَا لِبُعْدِهَا عَنْ الْمَنَاصِبِ وَالْوِلَايَاتِ
وَيَدُلُّ لَهُ كَلَامُ ابْنِ كَجٍّ الْآتِي (ثُمَّ النِّسَاءُ
الْمَحَارِمُ) لِوُفُورِ شَفَقَتِهِنَّ فَإِنْ اسْتَوَتْ اثْنَتَانِ
مِنْهُنَّ فِي الْقُرْبِ فَكَنَظِيرِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ
(وَالْأَوْلَى بِغُسْلِ الْمَرْأَةِ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ) ، وَإِنْ كُنَّ
غَيْرَ مَحَارِمَ كَبِنْتِ عَمٍّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ مِنْ غَيْرِهِنَّ
(وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ رَحِمٍ مُحْرَمٍ) ، وَهِيَ مَنْ لَوْ قُدِّرَتْ
ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا كَأُمٍّ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ
وَبِنْتِ بِنْتٍ (وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا) أَوْ نَحْوَهَا فَإِنَّهَا
أَوْلَاهُنَّ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي غُسْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ مَعَ الِاغْتِنَاءِ بِغَيْرِهِمَا نَظَرٌ
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ
وَحَدَثُ الْحَيْضِ أَغْلَظُ (فَإِنْ تَسَاوَيَا) أَيْ اثْنَتَانِ فِي
الْمَحْرَمِيَّةِ (فَاَلَّتِي فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَة) لَوْ كَانَتْ
ذَكَرًا أَوْلَى (فَالْعَمَّةُ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ) فَإِنْ اسْتَوَتَا
قُدِّمَتْ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى فَإِنْ اسْتَوَتَا قُدِّمَ بِمَا
يُقَدَّمُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنْ اسْتَوَتَا فِي
الْجَمِيعِ وَلَمْ تَتَشَاحَّا فَذَاكَ وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا
(فَإِنْ عُدِمَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ) كَبِنْتِ عَمٍّ وَبِنْتِ عَمَّةٍ
وَبِنْتِ خَالٍ وَبِنْتِ خَالَةٍ (فَالْأَقْرَبُ الْأَقْرَبُ) أَوْلَى
وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَالْقُرْبَى فَالْقُرْبَى ثُمَّ ذَاتُ
الْوَلَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي
الْمَجْمُوعِ (ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ) ؛ لِأَنَّهُنَّ بِالْأُنْثَى
أَلْيَقُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَمْ يَذْكُرُوا مَحَارِمَ الرَّضَاعِ
وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَدَّمْنَ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ. اهـ. وَمِثْلُهُ
مَحَارِمُ الْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ رَأَيْت الْبُلْقِينِيَّ بَحَثَهُمَا مَعًا
قَالَ وَعَلَيْهِ تُقَدَّمُ بِنْتُ عَمٍّ بَعِيدَةٌ هِيَ مُحَرَّمٌ مِنْ
الرَّضَاعِ عَلَى بِنْتِ عَمٍّ أَقْرَبَ مِنْهَا بِلَا مَحْرَمِيَّةٍ
انْتَهَى.
وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ مَحَارِمِ الرَّضَاعِ عَلَى مَحَارِمِ
الْمُصَاهَرَةِ (ثُمَّ الزَّوْجُ) ؛ لِأَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ (ثُمَّ
رِجَالُ الْمَحَارِمِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الصَّلَاةِ) الْآتِي بَيَانُهُ
إلَّا فِيمَا مَرَّ أَمَّا غَيْرُ الْمَحَارِمِ كَابْنِ الْعَمِّ
فَكَالْأَجْنَبِيِّ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ
فِي الصَّلَاةِ فَتَعْبِيرُهُ بِرِجَالِ الْمَحَارِمِ أَوْلَى مِنْ
تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِرِجَالِ الْقَرَابَةِ (وَالْمُسْلِمُ الْأَجْنَبِيُّ
أَوْلَى) بِالْمُسْلِمِ (مِنْ الْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ الْقَرِيبَيْنِ)
لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاة بَيْن كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ
فَشَرْطُ كُلِّ مِنْ قُدِّمَ أَنْ يَكُون مُسْلِمًا، وَأَنَّ لَا يَكُونَ
قَاتِلًا لِلْمَيِّتِ وَلَوْ بِحَقٍّ كَمَا فِي إرْثِهِ مِنْهُ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا الْكَافِرُ الْبَعِيدُ أَوْلَى
بِالْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْقَاتِلِ الْقَرِيبَيْنِ كَمَا صَرَّحَ
بِهِ الْقَمُولِيُّ فِي الْأُولَى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ
يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ
الْقَاتِلِ بِحَقٍّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ
الرَّافِعِيِّ أَنَّ الصِّبَا وَالْفِسْقَ لَا يُؤَثِّرَانِ وَفِيهِ
نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا وَقَدْ جَزَمَ
الصَّيْمَرِيُّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوثَقُ
بِهِمَا لِلْخَلْوَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
زَوْجَتَهُ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ وُجُودِ
النِّسَاءِ
[فَرْعٌ مَاتَ رَجُل وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا أَجْنَبِيَّة أَوْ عكسه]
(قَوْلُهُ يُمِّمَا) لَوْ حَضَرَ مَنْ لَهُ غُسْلُهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ
عَلَيْهِمَا وَجَبَ غُسْلُهُمَا كَمَا لَوْ يُمِّمَا لِفَقْدِ الْمَاءِ
ثُمَّ وُجِدَ وَتَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ قَالَهُ
النَّاشِرِيُّ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ إنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ تَغْسِيلَهُ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ
الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ هُنَا مَحَلُّ حَاجَةٍ) وَبِأَنَّهُ لَا
يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ
[فَصْلٌ الرِّجَالُ يُقَدَّمُونَ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ عَلَى الزَّوْجَةِ]
(قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا لَاحِقٌ لَهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) فَإِنْ اسْتَوَتَا فِي الْقُرْبِ
قُدِّمَتْ الَّتِي فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَة عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ
كَبِنْتِ الْعَمَّةِ مَعَ بِنْتِ الْخَالَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ
يُقَدَّمْنَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ
مَحَارِمُ الْمُصَاهَرَةِ) ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُدْرَكِ الَّذِي مِنْ
جِهَتِهِ اُعْتُبِرَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ، وَهُوَ النَّظَرُ وَقَوْلُ
الْأَذْرَعِيِّ لَمْ يَذْكُرُوا مَحَارِمَ الرَّضَاعِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ
اعْتِبَارَهُمْ الْمَحْرَمِيَّةَ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ يَتَنَاوَلُ
الرَّضَاعَ وَالْمُصَاهَرَةَ (قَوْلُهُ، وَعَلَيْهِ تُقَدَّمُ بِنْتُ عَمٍّ
بَعِيدَةٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ هِيَ مُحَرَّمٌ مِنْ
الرَّضَاعِ) أَيْ أَوْ الْمُصَاهَرَةِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ
مَحَارِمِ الرَّضَاعِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ
مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ) ؛ وَلِأَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَمَا رُوِيَ مِنْ إنْكَارِ
ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَيْهِ لَمْ يَثْبُتْ نَقْلُهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى
عَكْسِهِ فَإِنَّهَا تُغَسِّلُ الزَّوْجَ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ أَنْ
يَكُونَ مُسْلِمًا) حُرًّا مُكَلَّفًا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَافِرُ
الْبَعِيدُ أَوْلَى إلَخْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ
يُشْتَرَطَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(1/303)
غَالِبًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قَالَ
وَقَضِيَّةُ إلْحَاقِ مَا نَحْنُ فِيهِ بِالْإِرْثِ أَنَّهُ لَا حَقَّ
لِلْعَبْدِ هُنَا أَيْضًا.
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ وَالْمَمْلُوكُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ فِي
الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ
انْتَهَى وَكَالصَّبِيِّ فِيمَا قَالَهُ الْمَجْنُونُ (وَلِلْأَقْرَبِ
إيثَارُ الْأَبْعَدِ) إنْ كَانَ (مِنْ جِنْسِهِ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ
يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَيْسَ لِلرِّجَالِ التَّفْوِيضُ لِلنِّسَاءِ وَلَا
عَكْسُهُ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ
الْجُوَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ هَؤُلَاءِ
أَعْنِي الْجُوَيْنِيَّ وَغَيْرَهُ مِنْ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ
أَمَّا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَهُوَ مَا قَدَّمْته عَنْ جَمَاعَةٍ
فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ ثُمَّ سَاقَ
كَلَامَ الْجُوَيْنِيِّ مَسَاقَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ بَلْ كَلَامُ
وَلَدِهِ الْإِمَامِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ لَهُ
فَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ غَايَتُهُ أَنَّ الْمُفَوَّضَ ارْتَكَبَ
خِلَافَ الْأَوْلَى لِتَفْوِيتِهِ حَقَّ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ بِنَقْلِهِ
إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَقْرِيرُ كَلَامِ
الْجُوَيْنِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ خِلَافُ
الْأَوْلَى قَدْ يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ
الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ قُلْت كَلَامُ
الْجُوَيْنِيِّ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ لَا يَجُوزُ
التَّوْكِيلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ قُلْت
لَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ التَّوْكِيلِ الْعَمَلُ عَنْ الْمُوَكِّلِ
بِخِلَافِ مَا هُنَا عَلَى أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ رَدَّ عَلَى
الرُّويَانِيِّ فَقَالَ الْأَشْبَهُ جَوَازُ التَّوْكِيلِ فِيهِ لِجَوَازِ
الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْقَمُولِيُّ نَحْوَهُ، وَأَمَّا مَا
جَمَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا مَرَّ عَنْ
الْغَزَالِيِّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا فِي
التَّفْوِيضِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَلَا يُجْدِي فَتَأَمَّلْهُ
(وَأَقَارِبُ الْكَافِرِ الْكُفَّارُ أَوْلَى بِهِ) أَيْ بِتَجْهِيزِهِ
مِنْ غُسْلٍ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] فَإِنْ تَرَكُوهُ أَوْ لَمْ
يُوجَدُوا تَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْمُرَادَ بِالْحَرَامِ الرَّقِيقُ فَلَعَلَّ سَيِّدَهُ الْمُسْلِمَ
أَوْلَى بِهِ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيمَا قَالَهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ
بِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْله بِغُسْلِهِ (وَيُجْزِئُ لِحَائِضٍ)
وَنَحْوِهَا (غُسْلٌ وَاحِدٌ) ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ الَّذِي كَانَ
عَلَيْهِمَا سَقَطَ بِالْمَوْتِ
(فَصْلٌ وَيُكْرَهُ التَّقْلِيمُ) لِأَظْفَارِ الْمَيِّتِ غَيْرِ
الْمُحْرِمِ (وَإِزَالَةُ شَعْرِ الْمَيِّتِ) الْمَذْكُورِ كَشَعْرِ
إبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَرَأْسِهِ، وَإِنْ اعْتَادَ إزَالَتَهُ حَيًّا؛
لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَيِّتِ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا تُنْتَهَكُ بِذَلِكَ
وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ بَلْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالْإِسْرَاعِ
الْمُنَافِي لِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ مَصِيرَهُ إلَى الْبِلَى فَصَارَ (كَمَا)
لَوْ كَانَ أَقْلَفَ (لَا يُخْتَنُ) ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا؛ لِأَنَّهُ
جُزْءٌ فَلَا يُقْطَعُ كَيَدِهِ الْمُسْتَحِقَّةِ فِي قَطْعِ سَرِقَةٍ أَوْ
قَوَدٍ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ إزَالَةِ الشَّعْرِ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهَا
حَاجَةٌ وَإِلَّا كَأَنْ لَبَّدَ شَعْرَ رَأْسِهِ حَيًّا بِصَمْغٍ أَوْ
نَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى أَصْلِهِ إلَّا بِإِزَالَتِهِ
وَجَبَتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي قَوْلِهِ (وَيَحْرُمُ
ذَلِكَ مِنْ الْمُحْرِمِ) قَبْلَ تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ إبْقَاءً لِأَثَرِ
الْإِحْرَامِ إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ فَيَأْتِي
فِيهِ مَا مَرَّ (وَ) يَحْرُمُ (تَطْيِيبُهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ
فَمَاتَ «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا
تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَحُرْمَةُ التَّطْيِيبِ مَعْلُومَةٌ مِمَّا سَيَأْتِي (لَا
الْمُعْتَدَّةُ) الْمُحِدَّةُ فَلَا يَحْرُمُ تَطِيبُهَا؛ لِأَنَّ
تَحْرِيمَ الطِّيبِ عَلَيْهَا إنَّمَا كَانَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ
الرِّجَالِ وَلِلتَّفَجُّعِ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ زَالَا بِالْمَوْتِ
بِخِلَافِهِ فِي الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى
وَلَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ (وَكَذَا) يَحْرُمُ (إلْبَاسُ مَخِيطٍ وَسَتْرُ
رَأْسٍ لِرَجُلٍ) مُحْرِمٍ (وَ) سَتْرُ (وَجْهٍ) وَكَفٍّ بِقُفَّازٍ
(لِامْرَأَةٍ) مُحْرِمَةٍ لِمَا مَرَّ (وَلَا بَأْسَ بِالتَّجْمِيرِ عِنْدَ
غُسْلِهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ كَمَا لَا بَأْسَ بِجُلُوسِهِ عِنْدَ
الْعَطَّارِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ
عِنْدَ الْعَطَّارِ بِقَصْدِ الرَّائِحَةِ لَا يَأْتِي هُنَا لِلْحَاجَةِ
إلَى ذَلِكَ هُنَا بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ
لَا يُحْلَقْ رَأْسُهُ إذَا مَاتَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لِيَأْتِيَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا وَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ
تَكْلِيفِهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حَلْقٌ وَلَا يَقُومُ غَيْرٌ بِهِ كَمَا
لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ سَعْيٌ (وَمَنْ طَيَّبَهُ) أَيْ
الْمُحْرِمَ (أَوْ أَلْبَسهُ) أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ أَوْ أَزَالَ شَعْرَهُ
أَوْ نَحْوَهَا (عَصَى وَلَا فِدْيَةَ كَمَنْ قَطَعَ عُضْوَ مَيِّتٍ) ؛
لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا
فِدْيَةَ فِي حَلْقِ شَعْرِ الْمَيِّتِ الْمُحْرِمِ وَلَا فِي تَقْلِيمِ
ظُفْرِهِ لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ إيجَابُهَا
عَلَى الْفَاعِلِ كَمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ نَائِمٍ وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ؛
لِأَنَّ النَّائِمَ بِصَدَدِ عَوْدِهِ إلَى الْفَهْمِ؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ
جَمَاعَةٌ إلَى تَكْلِيفِهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ (وَيُصَرُّ فِي كَفَنِهِ)
أَيْ الْمَيِّتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ مِنْ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا: الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَمَعَ
ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ تَفْوِيضُ ذَلِكَ مَعَ غَيْرِ الْجِنْسِ لِمَا فِيهِ
مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْجِنْسِ
(قَوْلُهُ فَقَالَ الْأَشْبَهُ جَوَازُ التَّوْكِيلِ فِيهِ لِجَوَازِ
الِاسْتِئْجَارِ إلَخْ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ
اسْتِحْقَاقِ الْأَجِيرِ الْأُجْرَةَ وُقُوعُ عَمَلِهِ لِمُسْتَأْجِرِهِ
بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ إلَخْ) ؛
لِأَنَّ الْمُفَوِّضَ، وَإِنْ رَضِيَ بِنَقْلِ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ
لَكِنَّهُ فَوَّتَ بِهِ حَقَّ الْمَيِّتِ بِتَفْوِيضِهِ غُسْلَهُ لِغَيْرِ
جِنْسِهِ مَعَ كَوْنِ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَيِّتِ فِيهِ مُتَعَلِّقَةً
بِهِ (قَوْلُهُ وَأَقَارِبُ الْكَافِرِ إلَخْ)
[فَصْلٌ التَّقْلِيمُ لِأَظْفَارِ الْمَيِّتِ غَيْرِ الْمُحْرِمِ]
(قَوْلُهُ كَمَا لَا يُخْتَنُ) قَالَ شَيْخُنَا جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ
وَالْعُبَابِ بِحُرْمَتِهِ وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا
كَأَنْ لَبَّدَ شَعْرَ رَأْسِهِ إلَخْ) أَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ مَثَلًا
وَجَمَدَ دَمُهَا (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي
قُوتِهِ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحْرِمِ
وَتَطْيِيبِهِ) قَالَ الْغَزِّيِّ وَلَكِنْ يَفْدِي عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ
كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ، وَهُوَ سَاكِتٌ. اهـ. لَكِنْ
سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ طَيَّبَ إنْسَانٌ الْمُحْرِمَ فَلَا فِدْيَةَ
وَيَعْصِي فَقِيَاسُهُ أَنْ لَا تَجِبَ الْفِدْيَةُ هُنَا إلَّا أَنْ
يُقَالَ هَذَا أَثَرُ فِعْلِهِ (قَوْلُهُ «وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلَا
تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» إلَخْ) نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مِنْ أَحْكَامِ
الْإِحْرَامِ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْإِحْرَامُ فَوَجَبَ
اطِّرَادُ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ «وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ» قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ ذِكْرُ الْوَجْهِ غَرِيبٌ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ
الرُّوَاةِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا بُدَّ
مِنْ كَشْفِهِ مِنْ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا
فِدْيَةَ فِي حَلْقِ شَعْرِ الْمَيِّتِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَيُصَرُّ فِي كَفَنِهِ) قَالَ شَيْخُنَا صَرَّحَ بَعْضُهُمْ
بِاسْتِحْبَابِهِ وَلَعَلَّهُ مِنْ حَيْثُ الصَّرُّ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي
أَنَّهُ يَجِبُ دَفْنُ مَا وُجِدَ مِنْ جُزْءِ مَيِّتٍ انْفَصَلَ مِنْهُ
بَعْدَ مَوْتِهِ
(1/304)
(مَا يُنْتَفُ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ قُلِمَ
مِنْ ظُفْرِهِ وَيُدْفَنُ مَعَهُ) وَمِثْلُهُ السَّاقِطُ بِلَا نَتْفٍ أَوْ
تَقْلِيمٍ وَقَدْ وُجِدَ فِي نُسْخَةٍ بَدَلُ يُنْتَفُ يُنْتَتَفُ
بِزِيَادَةِ تَاءٍ
(فَرْعٌ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ تَهَرَّى) لِحَرْقٍ أَوْ
نَحْوِهِ (يُمِّمَ) بَدَلَ الْغُسْلِ لِعُسْرِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ
أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ لَوْ تَحَرَّقَ مُسْلِمٌ بِحَيْثُ إلَى
آخِرِهِ (وَإِنْ خِيفَ) مِنْ غُسْلِهِ (إسْرَاعُ فَسَادِ) لَهُ (بَعْدَ
الدَّفْنِ) لِقُرُوحٍ كَانَتْ بِهِ أَوْ نَحْوِهَا (غُسِّلَ) وُجُوبًا؛
لِأَنَّ الْجَمِيعَ صَائِرٌ إلَى الْبِلَى وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ
مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْقُرُوحِ (وَإِنْ رَأَى الْغَاسِلُ مِنْهُ مَا
يُعْجِبُهُ) مِنْ اسْتِنَارَةِ وَجْهٍ وَطِيبٍ رِيحٍ وَنَحْوِهِمَا
(ذَكَرَهُ) نَدْبًا (أَوْ مَا يُكْرَهُ) مِنْ سَوَادِ وَجْهٍ وَنَتَنٍ
وَنَحْوِهِمَا (سَتَرَهُ) وُجُوبًا لِخَبَرِ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا
فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً» أَيْ لَوْ
أَذَنْبَهَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وَلِخَبَرِ «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ
مَسَاوِيهِمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ (إلَّا لِمَصْلَحَةٍ)
كَأَنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا يُظْهِرُ الْبِدْعَةَ فَلَا يَجِبُ
سَتْرُهُ بَلْ يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِهِ لِيَنْزَجِرَ النَّاسُ عَنْهَا
وَالْخَبَرُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي
أَنْ يَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَتِرِ بِبِدْعَتِهِ عِنْدَ
الْمُطَّلِعِينَ عَلَيْهَا الْمَائِلِينَ إلَيْهَا لَعَلَّهُمْ
يَنْزَجِرُونَ بِذَلِكَ قَالَ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إذَا رَأَى مِنْ
الْمُبْتَدَعِ أَمَارَةَ خَبَرٍ يَكْتُمُهَا وَلَا يُنْدَبُ لَهُ ذِكْرُهَا
لِئَلَّا يُغْرِيَ بِبِدْعَتِهِ وَضَلَالَتِهِ بَلْ لَا يَبْعُدُ إيجَابُ
الْكِتْمَانِ عِنْدَ ظَنِّ الْإِغْرَاءِ بِهَا وَالْوُقُوعِ فِيهَا
بِذَلِكَ (وَيُجْعَلُ) نَدْبًا (شَعْرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَ ذَوَائِبَ)
وَتُلْقَى (خَلْفَهَا) لِخَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ السَّابِقِ وَكَأَنَّهُمْ
جَرَوْا عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ
لَهُ شَعْرٌ طَوِيلٌ كَذَلِكَ.
وَالذَّوَائِبُ جَمْعُ ذُؤَابَةٍ وَكَانَ أَصْلُهُ ذَآئِبَ؛ لِأَنَّ أَلْفَ
ذُؤَابَةٍ كَأَلْفِ رِسَالَةٍ حَقُّهَا أَنْ تُبْدَلَ هَمْزَةً فِي
الْجَمْعِ وَلَكِنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا أَنْ تَقَعَ أَلْفُ الْجَمْعِ
بَيْنَ هَمْزَتَيْنِ فَأَبْدَلُوا مِنْ الْأُولَى وَاوًا قَالَهُ
الْجَوْهَرِيُّ (وَلِيَكُنْ الْغَاسِلُ مَأْمُونًا) أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ
يَكُونَ أَمِينًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ؛
لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إلَّا فِي
مَسَائِلَ مُسْتَثْنَاةٍ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَعِبَارَةُ كَثِيرٍ
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ وَمُعِينُهُ أَمِينَيْنِ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَفْوِيضُهُ إلَى الْفَاسِقِ،
وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَوِلَايَةٌ وَلَيْسَ
الْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِهِمَا، وَإِنْ صَحَّ غُسْلُهُ كَمَا يَصِحُّ
أَذَانُهُ وَإِمَامَتُهُ وَلَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَهُمَا قَالَ فِي
الْمُهَذَّبِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ إلَّا إنْ
احْتَاجَ إلَى مُعِينٍ فَيَسْتَعِينُ بِمَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ
(وَيُقْرِعُ) وُجُوبًا (بَيْنَ الزَّوْجَاتِ) لِتَمْيِيزِ (مَنْ يَبْدَأُ
بِغُسْلِهَا) مِنْهُنَّ (إنْ مُتْنَ) مَعًا بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ
نَحْوِهِ (أَوْ) لِتَمْيِيزِ (مَنْ تُغَسِّلُهُ) مِنْهُنَّ (إنْ مَاتَ)
فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَلَوْ قِيلَ فَيُقَدَّمُ فِي
الْأَوْلَى عَلَى الْقُرْعَةِ بِسُرْعَةِ الْفَسَادِ ثُمَّ بِالْفَضْلِ
لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (وَمَنْ دُفِنَ بِلَا غَسْلٍ) وَلَا تَيَمُّم
(نُبِشَ) وَغُسِّلَ أَوْ يُمِّمَ بِشَرْطِهِ وُجُوبًا تَدَارُكًا
لِلْوَاجِبِ (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: بِالنَّتِنِ
وَالرَّائِحَةِ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ
بِالتَّقَطُّعِ، وَهَذَا أَبْلَغُ مِمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّ التَّأَذِّي
بِرَائِحَتِهِ أَخَفُّ مِنْ تَقْطِيعِهِ فَإِنْ تَغَيَّرَ يَجُوزُ نَبْشُهُ
لِمَا فِيهِ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ وَهَذِهِ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ مَعَ
أَخَوَاتِهَا فِي بَابِ الدَّفْنِ وَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ ثُمَّ
لَكِنَّهُ أَعَادَ شَرْطَهَا، وَهُوَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فَلَزِمَهُ
تَكْرَارٌ
(بَابُ التَّكْفِينِ) (يُكَفَّنُ) الْمَيِّتُ بَعْدَ غُسْلِهِ (فِيمَا لَهُ
لُبْسُهُ) حَيًّا فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ بِالْحَرِيرِ
وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى إذَا
وَجَدَ غَيْرَهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ تَكْفِينِ الصَّبِيِّ
بِذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ
وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ وَفَرَضَهُ فِي الْحَرِيرِ قُلْت بِنَاءً عَلَى
مَا قَوَّاهُ مِنْ تَحْرِيمِ تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سَرَفٌ
وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُعَامَلُ بِمَا يُعَامَلُ
بِهِ حَيًّا وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي بَابِ
اللُّبْسِ قَالَ وَالظَّاهِرُ فِي الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُكَفَّنُ بِهِ إذَا
قُتِلَ، وَهُوَ لَابِسُهُ بِشَرْطِهِ لَا سِيَّمَا إذَا تَلَطَّخَ بِدَمِهِ
لَكِنَّهُ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ يَنْبَغِي نَزْعُهُ عَنْهُ وُجُوبًا
أَوْ نَدْبًا لِزَوَالِ الْحَاجَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْتَفَى
بِالطِّينِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ
الْمَنْعُ هُنَا عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَشِيشًا لِمَا فِيهِ مِنْ
الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ ثُمَّ رَأَيْت الْجُرْجَانِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ
(إلَّا) وَفِي نُسْخَةٍ لَا (الْمُتَنَجِّسُ) بِنَجَاسَةٍ لَا يُعْفَى
عَنْهَا فَلَا يَكْفِي فِيهِ (وَهُنَاكَ طَاهِرٌ) ، وَإِنْ جَازَ لَهُ
لُبْسُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَحَلُّهُ إذَا
لَمْ يَكُنْ الطَّاهِرُ حَرِيرًا فَإِنْ كَانَ حَرِيرًا قُدِّمَ عَلَيْهِ
الْمُتَنَجِّسُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ
وَغَيْرُهُمَا وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي شُرُوطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلِهِ وَيُدْفَنُ مَعَهُ إلَخْ) وَاخْتَارَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهَا
لَا تُدْفَنُ مَعَهُ إذْ لَا أَصْلَ لَهُ
[فَرْعٌ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ الْمَيِّت تَهَرَّى لِحَرْقٍ أَوْ
نَحْوِهِ]
(قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا
لِمَصْلَحَةٍ عَائِدٌ لِلْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ بَلْ لَا يَبْعُدُ إيجَابُ
الْكِتْمَانِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا
فَظَاهِرٌ أَنَّ الرَّجُلَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ؛
لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ) أَيْ فِي تَكْمِيلِ الْغُسْلِ
وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشْرُوعِ قَالُوا فَلَوْ غَسَّلَهُ فَاسِقٌ أَوْ
كَافِرٌ وَقَعَ الْمَوْقِعُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَهُمَا) ،
وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ فِيمَنْ نُصِبَ لِغَسْلِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْغُسْلِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ قِيلَ يُقَدَّمُ فِي الْأَوْلَى إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ إلَخْ) لَوْ وَقَعَ فِي
الْقَبْرِ مَالٌ فَهَلْ يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ فِيهِ وَجْهَانِ كَأَنَّهُمَا
الْوَجْهَانِ فِي الْغَرِيقِ قَالَ شَيْخُنَا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ النَّبْشُ
(قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: بِالنَّتِنِ وَالرَّائِحَةِ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ
[بَابُ التَّكْفِينِ]
(بَابُ التَّكْفِينِ) (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى إلَخْ)
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ
تَكْفِينُهُمَا بِالْمُعَصْفَرِ دُونَ الْمُزَعْفَرِ كَمَا قَالَهُ
الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَكْفِينُ قَرِيبِهِ
الذِّمِّيِّ فِي الْحَرِيرِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ
تَكْفِينِ الصَّبِيِّ بِذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
وَالظَّاهِرُ فِي الشَّهِيدِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
وَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ
إلَخْ) كَلَامُ الْبَغَوِيّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى
رَأْيٍ لَهُ مَرْجُوحٍ، وَهُوَ أَنَّهُ.
(1/305)
الصَّلَاةِ (وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ) أَيْ فِي
الْكَفَنِ أَيْ لَوْنِهِ (الْبَيَاضُ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كُفِّنَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ وَلِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ»
السَّابِقِ فِي الْجُمُعَةِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ
أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» .
(وَالْمَغْسُولُ أَوْلَى) لِلتَّكْفِينِ (مِنْ الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّ
مَآلَهُ إلَى الْبِلَى وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
نَظَرَ أَبُو بَكْرٍ إلَى ثَوْبٍ كَانَ يَمْرَضُ فِيهِ فَقَالَ اغْسِلُوا
هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهَا فَقُلْت إنَّ
هَذَا خَلْقٌ قَالَ الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إنَّمَا
هُوَ لِلْمُهْلَةِ أَيْ لِدَمِ الْمَيِّتِ وَصَدِيدِهِ وَنَحْوِهِ
الْمُرَادُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ بِإِحْسَانِ الْكَفَنِ فِي خَبَرِ
مُسْلِمٍ السَّابِقِ بَيَاضُهُ وَنَظَافَتُهُ وَسُبُوغُهُ وَكَثَافَتُهُ
وَسَتَأْتِي الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ، وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد
«عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ
الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إنَّ الْمَيِّتَ
يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا أَيْ قَبْلَ أَنْ يُحْشَرَ
عُرْيَانًا حَافِيًا» جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ
عَلَى أَوْلَوِيَّةِ الْجَدِيدِ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَثَوْبُ الْقُطْنِ
أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يُسْتَحْسَنَ) الْكَفَنُ
(عَلَى قَدْرِ يَسَارِ الْمَيِّتِ) لَمْ يُعَبِّرْ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا
بِالِاسْتِحْسَانِ بَلْ بِقَوْلِهِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْكَفَنِ الْمُبَاحِ
حَالُ الْمَيِّتِ فَيُكَفَّنُ الْمُوسِرُ مِنْ جِيَادِ الثِّيَابِ
وَالْمُتَوَسِّطُ مِنْ أَوْسَطِهَا وَالْمُعْسِرُ مِنْ خَشِنِهَا أَيْ
وَلَا عِبْرَةَ بِإِسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ كَذَا صَرَّحَ
بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ
مُسْتَغْرِقٌ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ تَقْتِيرِهِ كَمَا
اعْتَبَرُوهُ فِي الْفَلَسِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِتَعَذُّرِ كَسْبِ
الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْحَيِّ يُمْكِنُهُ كَسْبُ مَا يَلِيقُ بِهِ
غَالِبًا (وَ) أَنْ (يَكُونَ سَابِغًا) لِبَدَنِهِ (صَفِيقًا نَظِيفًا)
لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ اللَّائِقُ
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ
الْكَفَنِ فِي الْبَيَاضِ وَالنَّظَافَةِ وَسُبُوغِهِ وَكَثَافَتِهِ لَا
فِي ارْتِفَاعِهِ (وَتُكْرَهُ الْمُغَالَاةُ فِيهِ) لِخَبَرِ «لَا
تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَائِبًا أَوْ
كَانَ الْمَيِّتُ مُفْلِسًا حَرُمَتْ الْمُغَالَاةُ مِنْ التَّرِكَةِ
(وَيُكْرَهُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَرِيرِ وَالْمُعَصْفَرِ
وَالْمُزَعْفَرِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَرَفٌ لَا يَلِيقُ بِالْحَالِ
بِخِلَافِهِ فِي الْحَيَاةِ
(فَصْلٌ وَأَقَلُّهُ) أَيْ الْكَفَنِ (ثَوْبٌ) لِحُصُولِ السِّتْرِ بِهِ
(يَعُمُّ الْبَدَنَ) إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ
تَنَكُّرًا بِمَا لَهُ وَسَتْرًا لِمَا يَعْرِضُ مِنْ التَّغَيُّرِ،
وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا
لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلِلنَّوَوِيِّ فِيمَا صَحَّحَهُ فِي
مَنَاسِكِهِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ هُنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ
بِالنِّسْبَةِ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذًا مِنْ الِاتِّفَاقِ الْآتِي فِي
كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا
فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ (وَالْوَاجِبُ سِتْرُ الْعَوْرَةِ) ، وَهُوَ
مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي بَقِيَّةِ كُتُبِهِ وَعَزَاهُ لِلنَّصِّ
وَالْجُمْهُورُ كَالْحَيِّ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ خَبَّابُ أَنَّ
مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ بِنَمِرَةَ كَانَ إذَا غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ
بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ
فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرَ» قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ: وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ النَّمِرَةِ
مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِمَّنْ خَرَجَ لِلْقِتَالِ وَبِأَنَّهُ لَوْ
سُلِّمَ ذَلِكَ لَوَجَبَ تَتْمِيمُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى وَقَدْ يُقَالُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِتَتْمِيمِهِ
بِالْإِذْخِرِ، وَهُوَ سَاتِرٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّكْفِينَ بِهِ لَا
يَكْفِي إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّكْفِينِ بِثَوْبٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْجُرْجَانِيُّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ.
وَعَلَى ذَلِكَ يَخْتَلِفُ قَدْرُ الْوَاجِبِ بِذُكُورَةِ الْمَيِّتِ
وَأُنُوثَتِهِ لَا بِرِقِّهِ وَحُرِّيَّتِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَيِّتِ نَجَاسَةٌ أَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ
تَكْفِينِهِ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا لَوْ الْمَذْهَبُ وُجُوبَهُ
فَالْمَذْهَبُ تَكْفِينُهُ فِي الْحَرِيرِ لَا الْمُتَنَجِّسُ
وَتَعْلِيلُهُمْ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ غُسْلِهِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ
بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَصَلَاتِهِ عَلَى نَفْسِهِ صَرِيحٌ فِيمَا
ذَكَرْته وَالْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ فِي
الْمُتَنَجِّسِ مَعَ وُجُودِ الْحَرِيرِ وَبَيْنَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
خَارِجَ الصَّلَاةِ بِالْمُتَنَجِّسِ دُونَ الْحَرِيرِ وَاضِحٌ وَقَدْ
قَالَ الْفَقِيهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي
الْمَيِّتِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُصَلَّى مِنْ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ
الْعَوْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ)
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا كَذَا ضُبِطَ بِالْقَلَمِ
(قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِتَعَذُّرِ كَسْبِ الْمَيِّتِ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ قَالَ
الْوَرَثَةُ نُكَفِّنُهُ فِي شَرب أَوْ ديبقي وَقَالَ الْغُرَمَاءُ
نُكَفِّنُهُ بِغَلِيظِ الثِّيَابِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي:
يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُلْزِمَ الْفَرِيقَيْنِ الْمُتَعَارَفَ
لِمِثْلِ الْمَيِّتِ فِي حَالِهِ وَيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ وَسَطًا إلَّا
مَا عَادَ إلَيْهِ الْمُسْرِفُ وَلَا مَا مَنَعَ مِنْهُ الشَّحِيحُ
وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُلْزِمَ إلَخْ أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بِتَعَذُّرِ كَسْبِ الْمَيِّتِ إلَخْ) وَبِأَنَّ
هَذَا خَاتِمَةُ أَمْرِ الْمَيِّتِ فُرُوعِي فِيهِ مَا لَمْ يُرَاعَ فِي
حَقِّ الْحَيِّ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ
إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ
الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ
[فَصْلٌ أَقَلُّ الْكَفَنِ]
(قَوْلُهُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ هُنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ
إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا: اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَنَ
فِيهِ حُقُوقٌ فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى
وَبَقِيَّةُ الْبَدَنِ فِيهِ شَائِبَةُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ
الْآدَمِيِّ فَلَيْسَ مُتَمَحِّضًا لَهُ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْ
إسْقَاطَهُ وَالزَّائِدُ عَلَى الثَّوْبِ مَحْضُ حَقِّهِ فَلَهُ إسْقَاطُهُ
(قَوْلُهُ وَالْجُمْهُورُ كَالْحَيِّ) اسْتَشْكَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ
بِقَوْلِهِمْ فِي النَّفَقَاتِ لَا يَحِلُّ الِاقْتِصَارُ فِي كِسْوَةِ
الْعَبْدِ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِحَرٍّ أَوْ
بَرْدٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْقِيرٌ وَإِذْلَالٌ فَإِذَا امْتَنَعَ ذَلِكَ فِي
الْحَيِّ الرَّقِيقِ فَامْتِنَاعُهُ فِي الْمَيِّتِ الْحُرِّ بِطَرِيقِ
الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَكَلَّفُونَ لِلْمَيِّتِ مَا لَا
يَتَكَلَّفُونَ لِلْحَيِّ وَيَعُدُّونَ تَرْكَ ذَلِكَ إزْرَاءً
بِالْمَيِّتِ لِكَوْنِهِ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ
لَازِمٍ وَالْفَرْقُ مِنْ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَحْصُلُ
لَهُ السِّتْرُ مَعَ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ
الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ يَسْتُرُ بَقِيَّةَ بَدَنِهِ الثَّانِي
أَنَّ فِي ثَوْبِ الْعَبْدِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا، وَهُوَ
التَّجَمُّلُ لِلصَّلَاةِ فَقَدْ «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ
عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» الثَّالِثُ أَنَّ مَا عَدَا الْعَوْرَةَ
مِنْ الْبَدَنِ يُسْتَرُ مُرُوءَةً وَلِهَذَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَمَّنْ
لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بَقِيَّةَ بَدَنِهِ، وَإِنْ وَجَدَ سَاتِرَ
الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِالْعَدَالَةِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ
أَنْ يَفْعَلَ بِالْعَبْدِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَالْعَدَالَةِ
وَهَذِهِ الْمَعَانِي لَا تُوجَدُ فِي الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ لَا بِرِقِّهِ
وَحُرِّيَّتِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ
(1/306)
كَلَامُهُمْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي
الْكِفَايَةِ فَيَجِبُ فِي الْمَرْأَةِ بِسِتْرِ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا
وَكَفَّيْهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ
كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَلَا يُنَافِيهِ
جَوَازُ تَغْسِيلِ السَّيِّدِ لَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِكَوْنِهَا
بَاقِيَةً فِي مِلْكِهِ بَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ كَمَا
يَجُوزُ لِلزَّوْجِ تَغْسِيلُ زَوْجَتِهِ مَعَ أَنَّ مِلْكَهُ زَالَ
عَنْهَا وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى سَاتِرِ
الْعَوْرَةِ قَوْلُ الْمُزَنِيّ فِي نِهَايَةِ الِاخْتِصَارِ مِنْ قَوْلِ
الشَّافِعِيِّ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْكَفَنِ إنْ لَمْ يُوجَدْ
غَيْرُهُ مَا يُوَارِي مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ وُجُوبَ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ
عِنْدَ وُجُودِهِ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّكْفِينِ
لِاحْتِمَالِهِ أَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ
يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى
هَذَا جَمِيعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي بَيَانِ
أَقَلِّ الْكَفَنِ إذَا غَطَّى مِنْ الْمَيِّتِ عَوْرَتَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ
الْفَرْضَ لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِحَقِّهِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ
ذَلِكَ بِمَا فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِاقْتِصَارُ فِي
كِسْوَةِ الْعَبْدِ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ
بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْقِيرٌ وَإِذْلَالٌ فَامْتِنَاعُهُ فِي
الْمَيِّتِ الْحُرِّ أَوْلَى وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي تِلْكَ لَيْسَ لِكَوْنِ
سَتْرِ مَا زَادَ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ
لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ حَتَّى إذَا أَسْقَطَهُ جَازَ ذَلِكَ
كَنَظِيرِهِ هُنَا.
وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّهُ إذَا خَلَّفَ مَالًا وَسُتِرَتْ عَوْرَتُهُ
وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِ الزَّائِدِ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْأَمَةِ
وَبَقِيَ حَرَجُ تَرْكِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَرَثَةِ (ثُمَّ) إذَا كُفِّنَ
فِيمَا لَا يَعُمُّ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَ كَانَ (الرَّأْسُ أَوْلَى)
بِالسِّتْرِ (مِنْ الرِّجْلِ) لِخَبَرِ مُصْعَبٍ السَّابِقِ (وَأَكْمَلُهُ)
أَيْ الْكَفَنِ (ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لِلذَّكَرِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا
تَكْفِينُ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فِي ثَوْبَيْنِ؛
فَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
(وَ) أَكْمَلُهُ (خَمْسَةٌ لِلْمَرْأَةِ) مُبَالَغَةً فِي سَتْرِهَا وَقَدْ
«أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَاسِلَاتِ
ابْنَتِهِ فِي تَكْفِينِهَا الْحِقَاءَ أَيْ الْإِزَارَ ثُمَّ الدِّرْعَ
أَيْ الْقَمِيصَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ
فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
(وَالْخُنْثَى) كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا لِلسِّتْرِ قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا
وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي حَقِّهِ خِلَافُ الْأَكْمَلِ
وَيُرَدُّ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى فِي حَقِّ مَنْ
تَحَقَّقَتْ رُجُولِيَّتُهُ (فَإِنْ امْتَنَعَ الْغُرَمَاءُ) وَدُيُونُهُمْ
مُسْتَغْرِقَةٌ لِلتَّرِكَةِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ (أَوْ
أَوْصَى) الْمَيِّتُ (بِثَوْبٍ) وَاحِدٍ (فَثَوْبٌ) وَاحِدٌ يُكَفَّنُ
فِيهِ.
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِحُصُولِ سِتْرِهِ، وَهُوَ إلَى بَرَاءَةِ
ذِمَّتِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى التَّجَمُّلِ بِخِلَافِ الْحَيِّ
الْمُفْلِسِ تُتْرَكُ لَهُ ثِيَابُ تَجَمُّلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى
التَّجَمُّلِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ الزَّائِدَ حَقٌّ لَهُ
بِمَثَابَةِ مَا يُجَمِّلُ الْحَيَّ فَلَهُ مَنْعُهُ أَمَّا الثَّوْبُ
الْوَاجِبُ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى
وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ
أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَمْ يَصِحَّ وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ
بِسَاتِرِ كُلِّ بَدَنِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى إيجَابِ سِتْرِ كُلِّ الْبَدَنِ
وَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ
الِاتِّفَاقِ عَلَى سَاتِرِ كُلِّ بَدَنِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْوَرَثَةُ
يُكَفَّنُ بِهِ وَالْغُرَمَاءُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ
وَاجِبًا فِي التَّكْفِينِ بَلْ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ يَتَقَدَّمُ
بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَلَمْ يُسْقِطْهُ عَلَى أَنَّ هَذَا الِاتِّفَاقَ
لَا يَسْلَمُ مِنْ نِزَاعٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَبِتَقْدِيرِ
صِحَّتِهِ فَهُوَ مَعَ حَمْلِهِ عَلَى مَا قُلْنَا مُسْتَثْنًى لِتَأَكُّدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
إطْلَاقُهُمْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ)
وَمِمَّنْ اسْتَثْنَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ النَّوَوِيُّ فِي
مَجْمُوعِهِ لَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِي الْحُرَّةِ وَوُجُوبُ سَتْرِهِمَا فِي
الْحَيَاةِ لَيْسَ لِكَوْنِهِمَا عَوْرَةً بَلْ لِكَوْنِ النَّظَرِ
إلَيْهِمَا يُوقِعُ فِي الْفِتْنَةِ غَالِبًا س (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِهِ
أَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ ذَلِكَ بِمَا فِي
النَّفَقَاتِ إلَخْ) وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ بَلْ تَسَاوِي
إذْ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ
وَالْحَيُّ الْمُفْلِسُ يَبْقَى لَهُ مَا يَجْعَلُهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى
التَّجَمُّلِ لِلصَّلَاةِ وَبَيْنَ النَّاسِ؛ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ
يُسْتَرُ بِالتُّرَابِ عَاجِلًا بِخِلَافِ الْعَبْدِ س (قَوْلُهُ حَتَّى
إذَا أَسْقَطَهُ جَازَ كَنَظِيرِهِ هُنَا) مَا أَفْهَمهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ
أَوْصَى فِي تَكْفِينِهِ بِسَاتِرِ عَوْرَتِهِ فَقَطْ عُمِلَ
بِوَصِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ
إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ
بِمَوْتِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: لَا يُشْكِلُ هَذَا الْكَلَامُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ
أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِإِسْقَاطِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عُمِلَ بِهِ مَعَ
أَنَّهُ حَقُّهُ وَفِيهِ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَمَا
هُنَا؛ لِأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى مَا ذَكَرَ هُنَا مُشَارَكَةُ حَقِّ
اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ الْآدَمِيِّ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَلَا
كَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَيْهِ إذْ هُوَ مَحْضُ حَقِّهِ (قَوْلُهُ
وَأَكْمَلُهُ خَمْسَةٌ لِلْمَرْأَةِ) أَمَّا لِلرَّجُلِ جُلٍّ فَجَائِزَةٌ
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا خَفَاءَ أَنَّ مَوْضِعَ جَوَازِ الْخَمْسَةِ
مِنْ التَّرِكَةِ إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ
وَرَضُوا أَمَّا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ
وَمَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ غَائِبًا أَوْ كَانَ الْوَارِثُ
بَيْتَ الْمَالِ فَلَا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ جَوَازِ
الزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ وَاَلَّذِي أَطْلَقُوهُ الْكَرَاهَةُ قَالَ
الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَبْعُدُ التَّحْرِيمُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: بَلْ
هُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَعِبَارَةُ جَمَاعَةٍ وَالزِّيَادَةُ عَلَى
الْخَمْسِ مَمْنُوعَةٌ وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْجُرْجَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ
وَعِبَارَةُ الْبَسِيطِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ سَرَفٌ مَحْذُورٌ إلَخْ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ فِي
شَرْحِ التَّنْبِيهِ بِالْحُرْمَةِ وَقَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ:
الْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ.
وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا خَفَاءَ إلَخْ أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَاَلَّذِي أَطْلَقُوهُ الْكَرَاهَةُ
(قَوْلُهُ فُلَانٌ الزَّائِدُ حَقٌّ لَهُ إلَخْ) وَيُقْتَصَرُ أَيْضًا
عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ إذَا كَفَّنَّهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ
كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ يَجِبُ لِفَقْدِ التَّرِكَةِ، وَمَنْ
عَلَيْهِ النَّفَقَةُ أَوْ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ فَقْدِ بَيْتِ
الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفِ الْأَكْفَانِ (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ
أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَمْ يَصِحَّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ مُفَرَّعٌ عَلَى إيجَابِ سَتْرِ كُلِّ الْبَدَنِ) ، وَإِنْ
أَبَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ س أَيْ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْهُمْ
وَأَقَرَّهُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّفْرِيعِ الْمَذْكُورِ
مَمْنُوعٌ فَإِنَّا، وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ
فَقَطْ فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ وَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ
بِالْمَكْرُوهِ قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ يُقَالُ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَصِيَّةُ
الْمَرِيضِ بِزَائِدٍ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ مَعَ
صِحَّتِهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّتِهَا
هُوَ الَّذِي لَا تَزُولُ كَرَاهَتُهُ بِحَالٍ كَمَا هُنَا بِخِلَافِ
مَسْأَلَةِ الثُّلُثِ، فَإِنَّهُ مَتَى أَجَازَ الْوَارِثَ نَفَذَتْ
وَزَالَتْ الْكَرَاهَةُ
(1/307)
أَمْرِهِ وَإِلَّا فَقَدْ جَزَمَ
الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعَ مَا يُصْرَفُ فِي
الْمُسْتَحَبِّ (وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْ ثَلَاثَةٍ)
تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَالِكِ وَفَارَقَ الْغَرِيمُ بِأَنَّ حَقَّهُ
سَابِقٌ وَبِأَنَّ مَنْفَعَةَ صَرْفِ الْمَالِ لَهُ تَعُودُ إلَى
الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا فَلَوْ أَنْفَقَ الْوَرَثَةُ
عَلَى ثَوْبٍ أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَلَاثَةٍ وَبَعْضُهُمْ
بِثَوْبٍ وَلَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ بِهِ فِيهِمَا كُفِّنَ بِثَلَاثَةٍ
أَمَّا مَنْعُهُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَوْ فِي
الْمَرْأَةِ فَجَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَبِهِ
عُلِمَ أَنَّ الْخَمْسَةَ لَيْسَتْ مُتَأَكِّدَةً فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ
كَتَأَكُّدِ الثَّلَاثَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ حَتَّى يُجْبَرَ الْوَارِثُ
عَلَيْهَا كَمَا يُجْبَرُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي
الرَّوْضَةِ وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: أُكَفِّنُهُ مِنْ مَالِي
وَبَعْضُهُمْ مِنْ التَّرِكَةِ أُجِيبَ الثَّانِي دَفْعًا لِلْمِنَّةِ
عَنْهُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ
بِتَكْفِينِهِ وَقَبِلَ الْوَرَثَةُ جَازَ، وَإِنْ امْتَنَعُوا أَوْ
بَعْضُهُمْ لَمْ يُكَفَّنْ فِيهِ لِمَا عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ
قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَإِذَا قَبِلُوا قَالَ الْقَفَّالُ فَلَهُمْ
إبْدَالُهُ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ
وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ لَمْ يُكَفَّنْ فِيهِ
وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ إنْ كَانَ
الْمَيِّتُ مِمَّنْ يُقْصَدُ تَكْفِينُهُ لِصَلَاحِهِ أَوْ عَمَلِهِ
تَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلَيْهِ فَإِنْ كَفَّنَهُ غَيْرُهُ رَدُّوهُ إلَى
مَالِكِهِ وَإِلَّا كَانَ لَهُمْ أَخْذُهُ وَتَكْفِينُهُ فِي غَيْرِهِ
ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَمُولِيُّ فِي الْوَصَايَا وَاقْتَصَرَ الْأَصْلُ فِي
الْهِبَةِ عَلَى كَلَامِ أَبِي زَيْدٍ
(فَرْعٌ الْكَفَنُ) مَعَ سَائِرِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ وَاجِبٌ (فِي مَالِ
الْمَيِّتِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ وَالْجَانِي) جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا
يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ قَوَدًا وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ (وَ) غَيْرُ
(الْمُتَعَلِّقِ بِهِ زَكَاةٌ وَرُجُوعٌ) أَيْ أَوْ رُجُوعٌ فِيهِ
(كَفَلَسٍ) بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ وَمَاتَ مُفْلِسًا
وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَكِتَابَةٍ أَمَّا هَذِهِ
الْأَشْيَاءُ وَنَحْوُهَا مِمَّا تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ حَقٌّ كَمَا أَشَارَ
إلَيْهِ فِي الْفَرَائِضِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ثُمَّ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ
عَلَى الْكَفَنِ وَسَائِرِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ لِتَأَكُّدِ تَعَلُّقِ
الْحَقِّ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ كَفَنُ الْمَيِّتِ مَعَ سَائِرِ مُؤَنِ
تَجْهِيزِهِ (مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ) الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ
لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ بَلْ أَوْلَى
لِانْقِطَاعِ كَسْبِهِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَهُوَ (عَلَى
مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) حَيًّا (مِنْ قَرِيبٍ أَوْ سَيِّدٍ
وَعَلَيْهِ) أَيْضًا (تَجْهِيزُ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَمُكَاتَبِهِ) ،
وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُمَا حَيَّيْنِ لِعَجْزِ الْوَلَدِ
وَانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِالْمَوْتِ نَفَى عَوْدَ ضَمِيرٍ عَلَيْهِ إلَى
مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ أُعِيدَ عَلَيْهِ تَسَمَّحَ.
(وَكَذَا) عَلَيْهِ تَجْهِيزُ (زَوْجَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ أَيْسَرَتْ) أَوْ
كَانَتْ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنًا حَامِلًا لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا
عَلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا
عَلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ لِنُشُوزٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَخَرَجَ
بِزَوْجَةِ نَفْسِهِ زَوْجَةُ غَيْرِهِ كَزَوْجَةِ أَبِيهِ فَلَا
يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهَا، وَإِنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ ضَرُورَةِ
الْإِعْفَافِ (وَفِي) وُجُوبِ تَجْهِيزِ (خَادِمِهَا وَجْهَانِ) هَذَا مِنْ
زِيَادَتِهِ هُنَا وَأَعَادَهُ فِي النَّفَقَاتِ، وَهُوَ مَعَ ارْتِكَابِهِ
التَّكْرَارَ مُفَوِّتٌ لِبَيَانِ الْمُرَجِّحِ، وَهُوَ الْوُجُوبُ
الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ صَحَّحَ هُنَا وُجُوبَ
تَجْهِيزِ الزَّوْجَةِ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ فِي وُجُوبِ تَجْهِيزِ
الزَّوْجَةِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الْجَنَائِزِ وَيَجْرِيَانِ فِي
تَجْهِيزِ الْخَادِمَةِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْرَبُ
الْمَنْعُ ثُمَّ قَالَ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ فِي
أَمَتِهَا إذَا أَخَدَمَهَا إيَّاهَا.
أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُكْتَرَاةً أَوْ أَمَتَهُ أَوْ غَيْرَهُمَا فَلَا
يَخْفَى حُكْمُهُ وَمَا قَالَهُ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ
خَادِمَ الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا يَجِبُ تَكْفِينُهَا لَكِنْ
لَا خَفَاءَ أَنَّ الَّتِي أَخَدَمَهَا إيَّاهَا بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا
كَأَمَتِهَا فَيَأْتِي فِيهَا الْوَجْهَانِ (فَإِنْ أَعْسَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ) أَشَارَ إلَيَّ تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ
الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ سُرِقَ الْكَفَنُ وَضَاعَ قَبْلَ
قِسْمَةِ التَّرِكَةِ لَزِمَ الْوَرَثَةَ إبْدَالُهُ مِنْ التَّرِكَةِ
فَلَوْ قُسِمَتْ ثُمَّ سُرِقَ لَمْ يَلْزَمْهُمْ إبْدَالُهُ بَلْ
يُسْتَحَبُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا إذَا كُفِّنَ
أَوَّلًا فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لَهُ فَإِنَّهُ لَا
يَتَوَقَّفُ التَّكْفِينُ بِهَا عَلَى رِضَا الْوَرَثَةِ أَمَّا لَوْ
كُفِّنَ مِنْهَا بِوَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُمْ تَكْفِينُهُ مِنْ
تَرِكَتِهِ بِثَانٍ وَثَالِثٍ، وَإِنْ كَانَ الْكَفَنُ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَكَمَنْ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ وَقَوْلُهُ
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ الْكَفَنُ مَعَ سَائِرِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ وَاجِبٌ فِي مَالِ
الْمَيِّتِ]
(قَوْلُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَبِيهٌ
بِكِسْوَتِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دُيُونِهِ (قَوْلُهُ
ثُمَّ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَخْ) لَوْ مَاتَ مَنْ لَزِمَهُ
تَجْهِيزُهُ غَيْرُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ تَجْهِيزِهِ وَتَرِكَتِهِ
لَا نَفْيَ إلَّا بِتَجْهِيزِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَهَلْ يُقَدَّمُ
الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ لِسَبْقِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ أَوْ الثَّانِي
لِتَبَيُّنِ عَجْزِهِ عَنْ تَجْهِيزِ غَيْرِهِ الظَّاهِرُ الثَّانِي
(قَوْلُهُ وَمُكَاتَبُهُ) ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فَالْحُكْمُ وَاضِحٌ وَإِلَّا
فَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ عَلَى مَنْ مَاتَ فِي نَوْبَتِهِ وَلَوْ كَفَّنَ
أَجْنَبِيٌّ عَبْدًا مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ الْغَائِبِ مُسْتَقِلًّا وَثَمَّ
قَاضٍ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَكَذَا زَوْجَةُ نَفْسِهِ إلَخْ)
لَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَجْهِيزِ زَوْجَتِهِ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَجُهِّزَتْ
مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ
إنْ كَانَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ يَرَاهُ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ كَمَا
لَوْ عَسِرَ وَجُهِّزَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا
يَبْقَى دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّجْهِيزَ امْتِنَاعٌ إذْ لَا
يُمْكِنُ تَمْلِيكُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ
مَاتَتْ زَوْجَاتُهُ دَفْعَةً بِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا
كَفَنًا وَاحِدًا.
فَالْقِيَاسُ الْإِقْرَاعُ أَوْ يُقَالُ تُقَدَّمُ الْمُعْسِرَةُ أَوْ مَنْ
يُخْشَى فَسَادُهَا فِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ مُتْنَ مُرَتَّبًا فَهَلْ
تُقَدَّمُ الْأُولَى مَوْتًا أَوْ الْمُعْسِرَةُ وَيُقْرَعُ فِيهِ نَظَرٌ
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ: لَوْ مَاتَ أَقَارِبُهُ دَفْعَةً
بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ قُدِّمَ فِي التَّكْفِينِ وَغَيْرِهِ مَنْ يُسْرِعُ
فَسَادُهُ فَإِنْ اسْتَوَوْا قُدِّمَ الْأَقْرَبُ ثُمَّ الْأَقْرَبُ
فَالْأَقْرَبُ وَيُقَدَّمُ مِنْ الْأَخَوَيْنِ أَسَنُّهُمَا وَيُقْرَعُ
بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ تُقَدَّمُ
الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ وَفِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ مُطْلَقًا نَظَرٌ وَلَا
وَجْهَ لِتَقْدِيمِ الْفَاجِرِ الشَّقِيِّ عَلَى الْبَرِّ التَّقِيِّ،
وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ
الْقِيَامُ بِأَمْرِ الْكُلِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ
الْفِطْرَةِ أَوْ النَّفَقَةِ. اهـ. وَلَوْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ
وَخَادِمُهَا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا تَجْهِيزَ إحْدَاهُمَا فَالْقِيَاسُ
تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَالْمَتْبُوعَةُ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِتَقْدِيمِ الْمُعْسِرَةِ أَوْ مَنْ يُخْشَى
فَسَادُهَا وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
وَكَذَا قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ الْإِقْرَاعُ وَقَوْلُهُ أَوْ مَنْ يُخْشَى
فَسَادُهَا وَقَوْلُهُ فَهَلْ تُقَدَّمُ الْأُولَى وَقَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ
تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ مَنْ يُخْشَى فَسَادُهَا فَقَدْ
كَتَبَ عَلَى عَلَامَةِ التَّصْحِيحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(قَوْلُهُ أَوْ صِغَرٌ أَوْ نَحْوُهُ) كَمَوْتِهَا قَبْلَ تَمْكِينِهِ
(قَوْلُهُ، وَهُوَ الْوُجُوبُ الْمَأْخُوذُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ إلَخْ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا خَفَاءَ أَنَّ الَّتِي
أَخَدَمَهَا إيَّاهَا إلَخْ)
(1/308)
الزَّوْجُ) عَنْ تَجْهِيزِ زَوْجَتِهِ
(فَمِنْ مَالِهَا) جُهِّزَتْ كَغَيْرِهَا، وَإِنْ أَعْسَرَ عَنْ بَعْضِهِ
كَمَّلَ مِنْ مَالِهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهَا مَالٌ (فَمِثْلُهَا)
مِنْ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ (يُكَفَّنُ) يَعْنِي يُجَهَّزُ وَلَوْ ذِمِّيًّا
(مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) كَنَفَقَةِ الْحَيِّ فَكَذَا هِيَ (وَلَا يَلْزَمُ
الْقَرِيبَ وَ) لَا (بَيْتَ الْمَالِ) فِي التَّكْفِينِ (إلَّا ثَوْبٌ)
وَاحِدٌ (لِمَنْ عَدِمَهُ) لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ بَلْ لَا تَجُوزُ
الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ
الْأَصْلِ وَكَذَا إنْ كُفِّنَ مِمَّا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ كَمَا أَفْتَى
بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ وَيَكُونُ سَابِغًا وَلَا يُعْطَى الْقُطْنَ
وَالْحَنُوطَ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَثْوَابِ الْمُسْتَحْسَنَةِ
الَّتِي لَا تُعْطَى عَلَى الْأَظْهَرِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَكُونُ
سَابِغًا أَنَّهُ يُعْطَى، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ سِتْرُ الْعَوْرَةِ
وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ وَفِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْقَرِيبِ
قُصُورٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَبَّرَ
كَالرَّوْضَةِ وَالْإِرْشَادِ بِمِنْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ كَانَ
أَوْلَى وَأَوْلَى مِنْهُ مَنْ عَلَيْهِ تَجْهِيزُ غَيْرِهِ لِيَدْخُلَ
الْوَلَدُ الْكَبِيرُ وَالْمُكَاتَبُ.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بِبَيْتِ الْمَالِ مَالٌ أَوْ تَعَذَّرَ التَّكْفِينُ
مِنْهُ (فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ثَوْبٌ) وَاحِدٌ يُكَفَّنُ بِهِ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ التَّكْفِينِ مِنْ مُكَلَّفٍ حَتَّى
لَوْ كَفَّنَهُ غَيْرُهُ حَصَلَ التَّكْفِينُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ
وَفِيهِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ لَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَمْ
يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ بِهِ إلَّا ثَوْبٌ مَعَ مَالِكٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ
إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لَهُ بِالْقِيمَةِ كَالطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ
زَادَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ
فَمَجَّانًا؛ لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَازِمٌ لِلْأَمَةِ وَلَا بَدَلَ لَهُ
يُصَارُ إلَيْهِ (فَرْعٌ مَنْ كُفِّنَ) مِنْ ذَكَرٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ
أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (فِي ثَلَاثَةٍ
مِنْ الْأَثْوَابِ جُعِلَتْ لَفَائِفَ) يَسْتُرُ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيعَ
بَدَنِهِ (مُتَسَاوِيَةً) طُولًا وَعَرْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
(وَإِنْ زِيدَ الرَّجُلُ قَمِيصًا وَعِمَامَةً جَازَ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنًا لَهُ فِي خَمْسَةِ
أَثْوَابٍ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَثَلَاثُ لَفَائِفَ وَلَيْسَتْ
زِيَادَتُهُمَا مَكْرُوهَةً لَكِنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ
فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَلَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» كَمَا
مَرَّ (وَجُعِلَا تَحْتَ اللَّفَائِفِ) ؛ لِأَنَّ إظْهَارَهُمَا زِينَةٌ
وَلَيْسَ الْحَالُ حَالَ زِينَةٍ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ لَمْ
يُكْرَهْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ (وَإِذَا كُفِّنَتْ) أَيْ الْمَرْأَةُ
وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (فِي خَمْسَةٍ شُدَّ عَلَيْهَا إزَارٌ) ، وَهُوَ
وَالْمُتَّزِرُ مَا يُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ (ثُمَّ قَمِيصٌ ثُمَّ
خِمَارٌ) ، وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ (ثُمَّ يَلُفُّهُ)
الْأَوْلَى يَلُفُّهَا الْغَاسِلُ (فِي ثَوْبَيْنِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد
السَّابِقِ (وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى خَمْسَةٍ) لِلْمَرْأَةِ
وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ سَرَفٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قِيلَ
بِتَحْرِيمِهَا لَمْ يَبْعُدْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ
الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ (نَعَمْ يُشَدُّ) نَدْبًا
(عَلَى صَدْرِهَا) فَوْقَ الْأَكْفَانِ (ثَوْبٌ سَادِسٌ يَجْمَعُ
الْأَكْفَانَ) عَنْ انْتِشَارِهَا بِاضْطِرَابِ ثَدْيَيْهَا عِنْدَ
الْحَمْلِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ يُخَافُ مِنْ اضْطِرَابِ
ثَدْيَيْهَا لِكِبَرِهِمَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (وَيُحَلُّ عَنْهَا فِي
الْقَبْرِ) كَبَقِيَّةِ الشَّدَّادَاتِ
(فَرْعٌ تُبَخَّرُ الْأَكْفَانُ) نَدْبًا بِعُودٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْأَصْلُ بِأَنْ تُجْعَلَ عَلَى أَعْوَادٍ ثُمَّ تُبَخَّرَ كَمَا
تُبَخَّرَ ثِيَابُ الْحَيِّ (وَلَوْ لِمُحِدَّةٍ) التَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ
زِيَادَتِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْعُودِ غَيْرَ
مُطَيَّبٍ بِالْمِسْكِ، وَإِنْ تَبَخَّرَ ثَلَاثًا لِخَبَرِ «إذَا
جَمَّرْتُمْ الْمَيِّتَ فَجَمْرَةً وَثَلَاثًا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَوْ
تَطَوَّعَ أَهْلُهُ فَجَعَلُوا فِيهِ الْمِسْكَ وَالْعَنْبَرَ فَلَا بَأْسَ
وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرَ أَنَّ الْعُودَ أَوْلَى مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ،
وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ إنَّهُ أَحَبُّ مِنْ الْمِسْكِ
وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ النِّدِّ الْمَعْمُولِ (لَا
مُحَرَّمٌ) فَلَا تُبَخَّرُ أَكْفَانُهُ لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الَّذِي
وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ (وَيُبْسَطُ) الْكَفَنُ (الْأَوْسَعُ أَوَّلًا)
عِبَارَةُ الْأَصْلِ ثُمَّ يُبْسَطُ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعُهَا
أَيْ كَمَا يُظْهِرُ الْحَيُّ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَأَوْسَعَهَا
وَالْمُرَادُ أَوْسَعُهَا إنْ اتَّفَقَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ
تَكُونَ مُتَسَاوِيَةً أَوْ الْمُرَادُ بِتَسَاوِيهَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ
شُمُولُهَا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ
فِي مُقَابَلَةِ وَجْهٍ قَائِلٍ بِأَنَّ الْأَسْفَلَ يَأْخُذُ مَا بَيْنَ
سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَالثَّانِي مِنْ عُنُقِهِ إلَى كَعْبِهِ
وَالثَّالِثُ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ (وَيُذَرُّ) بِالْمُعْجَمَةِ
(عَلَيْهِ) أَيْ الْأَوْسَعُ (الْحَنُوطُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيُقَال لَهُ
الْحِنَاطُ بِكَسْرِهَا، وَهُوَ أَنْوَاعٌ مِنْ الطِّيبِ تُجْمَعُ
لِلْمَيِّتِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ
وَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَافُورُ وَذَرِيرَةُ الْقَصَبِ وَالصَّنْدَلُ
الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ
(وَكَذَا) يُبْسَطُ فَوْقَهُ (الثَّانِي) وَيُذَرُّ عَلَيْهِ الْحَنُوطُ
(وَ) فَوْقَ الثَّانِي (الثَّالِثُ) كَذَلِكَ لِئَلَّا يُسْرِعَ بَلَاؤُهَا
مِنْ بَلَلٍ يُصِيبُهَا وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ لِلثَّالِثِ
كَالْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا فِي الْحُسْنِ وَالسَّعَةِ
(وَيُزَادُ عَلَى مَا يَلِيهِ) أَيْ الْمَيِّتُ مِنْ الْأَكْفَانِ
(كَافُورٌ) لِدَفْعِ الْهَوَامِّ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ مَعَ
دُخُولِهِ فِي الْحَنُوطِ وَنَدَبَهُ فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ أَيْضًا
لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَتُهُ عَلَى مَا يُجْعَلُ
فِي أُصُولِ الْحَنُوطِ وَنَصَّ الْإِمَامُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا) أَوْ مُعَاهِدًا
أَوْ مُسْتَأْمِنًا (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَكُونُ سَابِغًا
أَنَّهُ يُعْطَى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ زِيدَ
الرَّجُلُ قَمِيصًا وَعِمَامَةً جَازَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ
مَوْضِعَ جَوَازِ الْخَمْسَةِ مِنْ التَّرِكَةِ إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ
مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَرَضُوا أَمَّا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا
أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ غَائِبًا فَلَا
وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ) وَعِبَارَةُ
جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْجُرْجَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالزِّيَادَةُ عَلَى
الْخَمْسَةِ مَمْنُوعَةٌ. اهـ. وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ الْكَرَاهَةُ
[فَرْعٌ تُبَخَّرُ الْأَكْفَانُ نَدْبًا بِعُودٍ]
(قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ شُمُولُهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(1/309)
وَغَيْرُهُ عَلَى اسْتِحْبَابِ
الْإِكْثَارِ مِنْهُ فِيهِ بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاسْتُحِبَّ أَنْ
يُطَيَّبَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِالْكَافُورِ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّيهِ
وَيَشُدُّهُ وَلَوْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ جُعِلَ بَيْنَ كُلٍّ ثَوْبَيْنِ
حَنُوطٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُوضَعُ) الْمَيِّتُ (عَلَيْهَا)
بِرِفْقٍ (مُسْتَلْقِيًا) عَلَى قَفَاهُ (وَيُدَسُّ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) .
الْأَفْصَحُ أَلْيَيْهِ قُطْنٌ (حَلِيجٌ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ)
حَتَّى يَتَّصِلَ بِالْحَلْقَةِ (لِيَسُدَّ) أَيْ لِيَرُدَّ (الْخَارِجَ)
بِتَحْرِيكِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُدْخِلُهُ بَاطِنَهُ أَيْ
يُكْرَهُ ذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَّا أَنْ تَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ
يَخَافُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِهَا عِنْدَ تَحْرِيكِهِ فَلَا
بَأْسَ بِذَلِكَ وَنَصُّوا عَلَى الْكَافُورِ بَعْدَ الْحَنُوطِ لِمَا
مَرَّ (ثُمَّ يُوَثِّقُهُ بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ يَجْعَلُ
وَسَطَهَا تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ) وَعَانَتِهِ (وَيَشُدُّ مَا يَلِي ظَهْرَهُ
عَلَى سُرَّتِهِ وَيَعْطِفُ) الشِّقَّيْنِ (الْآخَرَيْنِ عَلَيْهِ أَوْ
يَرْبِطُهُمَا) أَيْ الطَّرَفَيْنِ (فِي فَخِذَيْهِ) أَيْ بِأَنْ يَشُدَّ
شِقًّا مِنْ كُلِّ رَأْسٍ عَلَى فَخِذٍ وَمِثْلَهُ عَلَى الْآخَرِ
(وَيَجْعَلُ عَلَى الْعَيْنَيْنِ وَالْمَنْخَرَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ
وَكُلَّ مَنْفَذٍ وَجُرُوحٍ وَغَيْرِهِ) بِمَعْنَى غَائِرَةٍ أَيْ
نَافِذَةٍ وَفِي نُسْخَةٍ وَجُرْحٍ وَغَيْرِهِ (قُطْنًا) وَ (عَلَيْهِ
حَنُوطٌ) دَفْعًا لِلْهَوَامِّ (وَكَذَا) يَجْعَلُهُ (عَلَى مَسَاجِدِهِ)
تَكْرِمَةً لَهَا (وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَبَاطِنُ الْكَفَّيْنِ
وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ) يَعْنِي بَاطِنَ أَصَابِعِهِمَا.
وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُ الْحَنُوطِ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ كَمَا نَصَّ
عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (ثُمَّ يَلُفُّ عَلَيْهِ) أَيْ
الْمَيِّتِ (الثَّوْبَ الْأَوَّلَ) ، وَهُوَ الَّذِي يَلِيهِ (فَيَضُمُّ
مِنْهُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ) عَلَى شِقِّ الْمَيِّتِ الْأَيْمَنِ (ثُمَّ
الْأَيْمَنَ) عَلَى الْأَيْسَرِ (لَا عَكْسُهُ) كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ
بِالْقَبَاءِ (ثُمَّ) يَلُفُّ (الثَّانِيَ ثُمَّ الثَّالِثَ كَذَلِكَ
وَيَجْمَعُ الْفَاضِلَ عِنْدَ رَأْسِهِ جَمْعَ الْعِمَامَةِ ثُمَّ
يَرُدُّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ) إلَى حَيْثُ يَبْلُغُ (وَ) يَرُدُّ
(الْفَاضِلَ مِنْ رِجْلَيْهِ عَلَى قَدَمَيْهِ وَسَاقَيْهِ وَلِيَكُنْ
فَاضِلُ الرَّأْسِ أَكْثَرَ) كَالْحَيِّ وَلِخَبَرِ مُصْعَبٍ السَّابِقِ
(ثُمَّ يَشُدُّ الْأَكْفَانَ عَلَيْهِ بِشِدَادٍ) لِئَلَّا تَنْتَشِرَ
عِنْدَ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْجُرْجَانِيُّ (وَيَحِلُّ فِي الْقَبْرِ) ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ
يَكُونَ مَعَهُ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ مَعْقُودٌ (وَلَا يَجِبُ الْحَنُوطُ)
بَلْ يُنْدَبُ (وَيَسْتَوِي فِي الْكَفَنِ) بِصِفَتِهِ مِنْ حَيْثُ
الْعَدَدُ (الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (وَلَا
يُعَدُّ) أَيْ لَا يُنْدَبُ أَنْ يَعُدَّ (لِنَفْسِهِ كَفَنًا لِئَلَّا
يُحَاسَبَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اتِّخَاذِهِ لَا عَلَى اكْتِسَابِهِ؛
لِأَنَّ ذَاكَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْكَفَنِ بَلْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ
كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ تَكْفِينَهُ مِنْ مَالِهِ وَاجِبٌ، وَهُوَ يُحَاسَبُ
عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ (مِنْ) جِهَةِ (حِلٍّ
وَأَثَرِ ذِي صَلَاحٍ فَحَسُنَ) إعْدَادُهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ
الصَّحَابَةِ فِعْلُهُ لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهِ كَمَا
اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بَلْ
لِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ لَكِنَّ قَضِيَّةَ بِنَاءِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ
ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ الْوُجُوبُ
وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُومِئُ إلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ:
وَالْمُتَّجِهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَلَا يَجِبُ
عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ نَزَعَ الثِّيَابَ الْمُلَطَّخَةَ
بِالدَّمِ عَنْ الشَّهِيدِ وَكَفَّنَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ مَعَ أَنَّ
فِيهَا أَثَرَ الْعِبَادَةِ الشَّاهِدَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ فَهَذَا
أَوْلَى قَالَ وَلَوْ أَعَدَّ لَهُ قَبْرًا يُدْفَنُ فِيهِ فَيَنْبَغِي
أَنْ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لِلِاعْتِبَارِ بِخِلَافِ الْكَفَنِ قَالَ
الْعَبَّادِيُّ: وَلَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَوَافَقَهُ
ابْنُ يُونُسَ وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ
شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَفَنِ صِيَانَةً عَنْ صَدِيدِ الْمَوْتَى
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ نُبِشَ الْقَبْرُ وَأُخِذَ كَفَنُهُ فَفِي
التَّتِمَّةِ يَجِبُ تَكْفِينُهُ ثَانِيًا سَوَاءٌ أَكَانَ كَفَنٌ مِنْ
مَالِهِ أَمْ مِنْ مَالِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَمْ مِنْ بَيْتِ
الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى الْحَاجَةُ، وَهِيَ
مَوْجُودَةٌ وَفِي الْحَاوِي إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ وَقُسِمَتْ
التَّرِكَةُ ثُمَّ سُرِقَ كَفَنُهُ اُسْتُحِبَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ
يُكَفِّنُوهُ ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُمْ
ثَانِيًا لَلَزِمَهُمْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى
(بَابُ حَمْلِ الْجَنَائِزِ) (لَيْسَ فِي حَمْلِهَا دَنَاءَةٌ) وَسُقُوطُ
مُرُوءَةٍ (بَلْ) هُوَ (بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ) فَقَدْ فَعَلَهُ
بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (وَلَا يَتَوَلَّاهُ إلَّا
الرِّجَالُ) ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً لِضَعْفِ النِّسَاء
غَالِبًا وَقَدْ يَنْكَشِفُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ لَوْ حَمَلْنَ فَيُكْرَهُ
لَهُنَّ حَمْلُهُ لِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُنَّ تَعَيَّنَ
عَلَيْهِنَّ (وَيَحْرُمُ حَمْلُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (بِهَيْئَةٍ
مُزْرِيَةٍ) كَحَمْلِهِ فِي غِرَارَةٍ أَوْ قُفَّةٍ (أَوْ) بِهَيْئَةٍ
(يُخْشَى سُقُوطُهُ مِنْهَا) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُحْمَلُ عَلَى
سَرِيرٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ مَحْمَلٍ وَأَيِّ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَيْهِ
أَجْزَأَ فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ وَانْفِجَارُهُ قَبْلَ أَنْ يُهَيَّأَ
لَهُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَيْدِي
وَالرِّقَابِ حَتَّى يُوصَلَ إلَى الْقَبْرِ (وَالْحَمْلُ بَيْنَ
الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ) مِنْ التَّرْبِيعِ لِحَمْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَّاصٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ «وَحَمْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ» رَوَاهُمَا
الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ الْأَوَّلِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالثَّانِي
بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ (وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ
الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ الشَّاخِصَتَانِ
(وَاحِدٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ بَلْ سَائِرُ أَمْوَالِهِ كَذَلِكَ إلَخْ) قَالَ ابْنُ
الْعِمَادِ: وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُسْأَلُ
عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ فَإِنْ اكْتَسَبَ
الْمَالَ وَلَمْ يُنْفِقْهُ سُئِلَ عَنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا سُئِلَ
عَنْ الْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّ جِهَةَ الْإِنْفَاقِ قَدْ
تَقَعُ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ وَقَدْ تَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ
يَكُونُ فِيهَا سَرَفٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَقَدْ يَكُونُ مُحْتَاجًا
إلَيْهَا وَقَدْ لَا يَكُونُ فَإِذَا أَنْفَقَ الْمَالَ فِي جِهَةِ
الْكَفَنِ سُئِلَ عَنْ الْأَمْرَيْنِ وَقَدْ يُلَامُ الْإِنْسَانُ عَلَى
ذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْآنَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى لُبْسِهِ وَلِمَا فِيهِ
مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا بِحَبْسِ ذَلِكَ عَنْهُمْ
(قَوْلُهُ وَالْمُتَّجِهُ الْأَوَّلُ إلَخْ) الْمُتَّجِهُ الْوُجُوبُ فِي
الْمَبْنِيِّ كَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهِ
لِلْوَارِثِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثِيَابِ الشَّهِيدِ وَاضِحٌ
إذَا لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِ الْمُوَرِّثِ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا
(قَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ
[بَابُ حَمْلِ الْجَنَائِزِ]
(بَابُ حَمْلِ الْجَنَائِزِ) (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ
امْرَأَةً) يَتَوَلَّى النِّسَاءُ حَمْلَ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُغْتَسَلِ
إلَى الْجِنَازَةِ وَكَذَا تَسْلِيمُهَا لِمَنْ فِي الْقَبْرِ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ وَكَذَا حَلُّ ثِيَابِهَا فِي الْقَبْرِ كَمَا قَالَهُ
الْأَصْحَابُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ
عَنْ النَّصِّ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ لِحَمْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
إلَخْ) وَكَذَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي أَمْوَاتٍ حَمَلُوهُمْ
(1/310)
فَيَضَعُهُمَا عَلَى عَاتِقِيهِ
وَالْمُعْتَرِضَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ
الْحَمْلِ (أَعَانَهُ اثْنَانِ بِالْعَمُودَيْنِ) بِأَنْ يَضَعَ كُلٌّ
مِنْهُمَا وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ (وَ) يَأْخُذَ (اثْنَانِ
بِالْمُؤَخِّرَيْنِ) فِي حَالَتَيْ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ.
(وَلَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى مَا بَيْنَ
قَدَمَيْهِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّمَيْنِ فَحَامِلُهَا بِلَا عَجْزٍ
ثَلَاثَةٌ وَبِهِ خَمْسَةٌ فَإِنْ عَجَزُوا فَسَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ أَوْ
أَكْثَرُ وِتْرًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ
(وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَحْمِلَ كُلٌّ) مِنْ بَيْنِ أَرْبَعَةٍ (بِعَمُودٍ)
بِأَنْ يَضَعَ أَحَدُ الْمُتَقَدِّمَيْنِ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ عَلَى
عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ الْعَمُودَ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ
الْأَيْمَنِ وَالْمُتَأَخِّرَانِ كَذَلِكَ فَإِنْ عَجَزُوا فَسِتَّةٌ أَوْ
ثَمَانِيَةٌ أَوْ أَكْثَرُ شَفْعًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالزَّائِدُ عَلَى
الْأَصْلِ يَحْمِلُ مِنْ الْجَوَانِبِ أَوْ يُزَادُ عَمَدٌ مُعْتَرِضَةٌ
كَمَا فُعِلَ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِبَدَانَتِهِ، وَأَمَّا مَا
يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ
فَمَكْرُوهٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي
غَيْرِ الطِّفْلِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِحَمْلِهِ عَلَى الْأَيْدِي
(وَالْحَمْلُ تَارَةً كَذَا) أَيْ بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ
الْعَمُودَيْنِ (وَتَارَةً كَذَا) أَيْ بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ (أَفْضَلُ)
مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى إحْدَاهُمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خُرُوجًا مِنْ
الْخِلَافِ فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ وَتَفْسِيرِ صِفَةِ الْجَمْعِ
بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرَ هُوَ مَا فِي الْأَصْلِ عَنْ بَعْضِهِمْ
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بَعْدَ
قَوْلِهِ وَصِفَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ
الْمَاوَرْدِيُّ.
وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ أَنْ يَحْمِلَهَا خَمْسَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنْ
الْجَوَانِبِ وَوَاحِدٌ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ
الْمَاوَرْدِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجِنَازَةِ إذْ الْأَفْضَلُ
حَمْلُهَا بِخَمْسَةٍ دَائِمًا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى
كُلٍّ مِنْ مُشَيِّعِيهَا فَيَحْمِلُ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا
فَيَكُونُ لِلْجَمْعِ كَيْفِيَّتَانِ كَيْفِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى
الْجِنَازَةِ وَكَيْفِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ أَحَدٍ (وَمَنْ
أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ) الْجَوَانِبِ (الْأَرْبَعَةِ)
بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ (بَدَأَ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ مِنْ
مُقَدِّمِهَا) بِأَنْ يَضَعَهُ (عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ) ؛ لِأَنَّ
فِيهِ الْبُدَاءَةَ بِيَمِينِ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ (ثُمَّ
بِالْأَيْسَرِ مِنْ مُؤَخِّرِهَا كَذَلِكَ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ) بَيْنَ
يَدَيْهَا (لِئَلَّا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ مِنْ
مُقَدِّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ) بِالْأَيْمَنِ (مِنْ
مُؤَخِّرِهَا) كَذَلِكَ وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِهَا
بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بَدَأَ بِحَمْلِ الْمُقَدِّمِ
عَلَى كَتِفَيْهِ ثُمَّ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ الْمُؤَخِّرِ ثُمَّ
يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَيَأْخُذُ الْأَيْمَنَ الْمُؤَخِّرَ أَوْ
بِحَمْلِهَا بِالْهَيْئَتَيْنِ أَتَى فِيمَا يَظْهَرُ بِمَا أَتَى بِهِ فِي
الْأَوْلَى وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمُ عَلَى كَتِفَيْهِ مُقَدِّمًا أَوْ
مُؤَخِّرًا ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيَّ بَحَثَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ جَعَلَ
حَمْلَ الْمُقَدِّمِ عَلَى كَتِفَيْهِ مُؤَخِّرًا وَلَيْسَ بِقَيْدِ بَلْ
الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ
(فَصْلٌ وَالْمَشْيُ) لِلْمُشَيِّعِ لَهَا وَكَوْنُهُ (أَمَامَهَا
أَفْضَلَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ؛
وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ وَحَقُّ الشَّفِيعِ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَا
رُوِيَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَخَبَرِ «امْشُوا خَلْفَ الْجَنَائِزِ»
فَضَعِيفٌ (وَ) كَوْنُهُ (قَرِيبًا) مِنْهَا (بِحَيْثُ يَرَاهَا إنْ
الْتَفَتَ) إلَيْهَا أَفْضَلَ مِنْهُ بَعِيدًا بِأَنْ لَا يَرَاهَا
لِكَثْرَةِ الْمَاشِينَ مَعَهَا لِلْخَبَرِ الْآتِي قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ
فَإِنْ بَعُدَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِأَنْ
يَكُونَ التَّابِعُونَ كَثِيرِينَ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ وَإِلَّا فَلَا
وَلَوْ مَشَى خَلْفَهَا حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ أَصْلُ الْمُتَابَعَةِ
وَفَاتُهُ كَمَالُهَا وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى الْمَقْبَرَةِ لَمْ يُكْرَهْ
ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَامَ حَتَّى تُوضَعَ الْجِنَازَةُ،
وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (وَكَذَا) ذَهَابُهُ أَمَامَهَا
وَقَرِيبًا مِنْهَا (إنْ رَكِبَ) أَفْضَلُ كَذَا فِي الْأَصْلِ
وَالْمَجْمُوعِ لَكِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ
الشَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْخَطَّابِيِّ أَمَّا ذَهَابُ الرَّاكِبِ
خَلْفَهَا فَأَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَدَلِيلُهُ خَبَرُ «الرَّاكِبِ
يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي عَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا
قَرِيبًا مِنْهَا. وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ
بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ الْمُغِيرَةِ
وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْط الْبُخَارِيِّ؛ وَلِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ
يُؤْذِي الْمُشَاةَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قَالَ
فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ انْتَهَى وَدَلِيلُهُ قَوِيٌّ لَكِنْ
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ خَطَأٌ إذْ لَا خِلَافَ
عِنْدَنَا أَنَّهُ يَكُونُ أَمَامَهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ
وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ
وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الرَّافِعِيَّ فِي ذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ
الْخَطَّابِيُّ (وَيُكْرَهُ) رُكُوبُهُ فِي ذَهَابِهِ مَعَهَا لِخَبَرِ
«إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى نَاسًا
رُكْبَانًا فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَنَّ مَلَائِكَةَ
اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ رُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْقُوفًا وَرَوَى
أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ
بِدَابَّةٍ، وَهُوَ مَعَ جِنَازَةٍ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَ فَلَمَّا
انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ إنَّ
الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي فَلَمْ أَكُنْ لِأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ
فَلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْت» (بِلَا عُذْرٍ) أَمَّا رُكُوبُهُ بِعُذْرٍ
كَمَرَضٍ وَضَعْفٍ أَوْ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الطِّفْلِ إلَخْ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَتَى فِيمَا يَظْهَرُ بِمَا أَتَى
بِهِ فِي الْأَوْلَى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَصْلٌ مَشْيُ الْمُشَيِّعِ لَلْجِنَازَة]
(قَوْلُهُ ذَكَرَ الْأَصْلُ) وَنَقَلَهُ فِيهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ
وَالْأَصْحَابِ
(1/311)
رُجُوعِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ
وَالتَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهَا فِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (ثُمَّ الْإِسْرَاعُ بِهَا بَيْنَ
الْمَشْيِ) الْمُعْتَادِ (وَالْخَبَبُ أَفْضَلُ) لِخَبَرِ «أَسْرِعُوا
بِالْجِنَازَةِ» السَّابِقِ وَحُمِلَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَهُ
يُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ الضُّعَفَاءِ هَذَا (إنْ لَمْ يَضُرَّهُ)
الْإِسْرَاعُ فَإِنْ ضَرَّهُ فَالتَّأَنِّي أَفْضَلُ (فَإِنْ خِيفَ)
عَلَيْهِ (تَغَيُّرٌ أَوْ انْفِجَارٌ أَوْ انْتِفَاخٌ زِيدَ فِي
الْإِسْرَاعِ وَتُسْتَرُ الْمَرْأَةُ بِشَيْءٍ كَالْخَيْمَةِ) مُبَالَغَةً
فِي السِّتْرِ (وَتَشْيِيعُ الْجِنَازَةِ) إلَى أَنْ تُدْفَنَ (سُنَّةٌ)
مُتَأَكِّدَةٌ (لِلرِّجَالِ) لِخَبَرِ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» وَقَدْ مَرَّ
(مَكْرُوهٌ لِلنِّسَاءِ) إنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ حَرَامًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ
فِي الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ نُهِينَا
عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْنَا» أَيْ نَهْيًا
غَيْرَ مُحَتَّمٍ فَهُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ فَضَعِيفٌ وَلَوْ
صَحَّ حُمِلَ عَلَى مَا يَتَضَمَّنُ حَرَامًا
(وَلَهُ) بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (تَشْيِيعُ
جِنَازَةِ كَافِرٍ قَرِيبٍ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ
لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ
قَالَ انْطَلِقْ فَوَارِهِ» قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ إلْحَاقُ
الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْقَرِيبِ وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْجَارُ
كَمَا فِي الْعِيَادَةِ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى، وَأَمَّا زِيَارَةُ
قَبْرِهِ فَفِي الْمَجْمُوعِ الصَّوَابُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ
الْأَكْثَرُونَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «اسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ
لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْته أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا
فَأَذِنَ لِي» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا
تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ»
(وَيُكْرَهُ أَنْ تُتَّبَعَ) الْجِنَازَةُ (بِنَارٍ أَوْ مِجْمَرَةٍ)
الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّوْضَةِ أَنْ تُتَّبَعَ بِنَارٍ فِي مِجْمَرَةٍ أَوْ
غَيْرِهَا (وَأَنْ يُجْمَرَ عِنْدَ الْقَبْرِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا
تُتْبِعُوا الْجِنَازَةَ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُتَفَاءَلُ
بِذَلِكَ فَأْلَ السَّوْءِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ
قَالَ إذَا أَنَا مِتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَارٌ وَلَا نَائِحَةٌ وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ أَوْصَى لَا تُتْبِعُونِي
بِصَارِخَةٍ وَلَا مِجْمَرَةٍ وَلَا تَجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ
شَيْئًا (وَالنَّوْحُ) ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ
(وَالصِّيَاحُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَرَامٌ) لِمَا مَرَّ وَلِخَبَرِ
مُسْلِمٍ «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» وَلِخَبَرِ
الصَّحِيحَيْنِ «بَرِئَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ» السِّرْبَالِ
وَالْقَمِيصِ كَالدِّرْعِ وَالْقَطِرَانِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا
دُهْنُ شَجَرٍ تُطْلَى بِهِ الْإِبِلُ الْجُرْبُ وَيُسَرَّحُ بِهِ، وَهُوَ
أَبْلَغُ فِي اشْتِعَالِ النَّارِ وَالصَّالِقَةُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ
رَافِعَةُ الصَّوْتِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (وَ) فِعْلُهُمَا (خَلْفَهَا
أَشَدُّ تَحْرِيمًا) لِمَا مَرَّ مَعَ اشْتِغَالِ الْفِكْرِ الْمَأْمُورِ
بِاشْتِغَالِهِ بِمَا يَأْتِي (وَيُكْرَهُ لِلْمَاشِي) يَعْنِي لِلذَّاهِبِ
مَعَهَا (الْحَدِيثُ) فِي أُمُورِ الدُّنْيَا (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ
الْفِكْرُ فِي الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ) وَفَنَاءِ الدُّنْيَا، وَإِنَّ
هَذَا آخِرُهَا وَيُسْتَحَبُّ الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ
سِرًّا.
قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُخْتَارُ وَالصَّوَابُ مَا كَانَ عَلَيْهِ
السَّلَفُ مِنْ السُّكُونِ فِي حَالِ السَّيْرِ مَعَهَا فَلَا يُرْفَعُ
صَوْتٌ بِقِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ
لِلْخَاطِرِ وَأَجْمَعُ لِلْفِكْرِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِنَازَةِ،
وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْحَالِ (وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ
لِلْجِنَازَةِ) إذَا مَرَّتْ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ الذَّهَابَ مَعَهَا كَمَا
صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَدْ ثَبَتَتْ
الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَمَرَ مَنْ مَرَّتْ بِهِ بِالْقِيَامِ وَمَنْ تَبِعَهَا بِأَنْ لَا
يَقْعُدَ عِنْدَ الْقَبْرِ حَتَّى تُوضَعَ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْعُلَمَاءُ
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ هَذَانِ الْقِيَامَانِ مَفْسُوخَانِ
فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِالْقِيَامِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ
أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ الْقِيَامُ إذَا لَمْ يُرِدْ الْمَشْيَ مَعَهَا
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْقِيَامُ وَاَلَّذِي قَالَهُ
الْمُتَوَلِّي هُوَ الْمُخْتَارُ فَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرِ
بِالْقِيَامِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْقُعُودِ شَيْءٌ إلَّا حَدِيثَ عَلِيٍّ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي النَّسْخِ لِاحْتِمَالِ
أَنَّ الْقُعُودَ فِيهِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَا رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ
قَالَ «قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ
الْجِنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ قَعَدَ بَعْدَ
ذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ وَفِي
رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «أَنَّ عَلِيًّا رَأَى نَاسًا قِيَامًا
يَنْتَظِرُونَ الْجِنَازَةَ أَنْ تُوضَعَ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِدِرَّةٍ
مَعَهُ أَوْ سَوْطٍ أَنْ اجْلِسُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَلَسَ بَعْدَمَا كَانَ يَقُومُ» قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ وَفِيمَا اخْتَارَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي فَهِمَهُ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّرْكَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ
وَلِهَذَا أَمَرَ بِالْقُعُودِ مَنْ رَآهُ قَائِمًا وَاحْتَجَّ
بِالْحَدِيثِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا وَأَنْ
يُثْنِيَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ وَأَنْ يَقُولَ مَنْ
رَآهَا سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ
الْمِلْكِ الْقُدُّوسِ انْتَهَى وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ ابْنَ
عُمَرَ كَانَ إذَا رَأَى جِنَازَةً قَالَ {هَذَا مَا وَعَدَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَتُسْتَرُ الْمَرْأَةُ كَالْخَيْمَةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ أَوَّلُ مَنْ غُطِّيَ نَعْشُهَا فِي الْإِسْلَامِ فَاطِمَةُ
بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ
بَعْدَهَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ
(قَوْلُهُ وَلَهُ تَشْيِيعُ جِنَازَةِ كَافِرٍ قَرِيبٍ) أَفْهَمَ كَلَامُهُ
تَحْرِيمَ تَشْيِيعِ الْمُسْلِمِ جِنَازَةَ الْكَافِرِ غَيْرَ الْقَرِيبِ
وَبِهِ صَرَّحَ الشَّاشِيُّ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ قَالَ شَيْخُنَا:
يَرُدُّهُ إلْحَاقُ الْجَارِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِمْ
بِالْقَرِيبِ (قَوْلُهُ فَقُلْت «إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ» ) قَالَ
شَيْخُنَا كَانَ لَهُ أَمَانٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ إلْحَاقُ الزَّوْجَةِ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْمَمْلُوكُ) أَيْ وَالْمَوْلَى
(قَوْلُهُ وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْجَارُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ تُتْبَعَ بِنَارٍ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ اُحْتِيجَ
إلَى الدَّفْنِ لَيْلًا فِي اللَّيَالِي الْمُظْلِمَةِ فَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَمْلُ السِّرَاجِ وَالشَّمْعَةِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا
سِيَّمَا حَالَةُ الدَّفْنِ لِأَجْلِ إحْسَانِ الدَّفْنِ وَإِحْكَامِهِ
وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَالصِّيَاحُ حَرَامٌ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَكَذَا
الْقِرَاءَةُ بِالتَّمْطِيطِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ
الْمَنْعِ وَلَمْ يَمْنَعْ فَسَقَ
(1/312)
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ} [الأحزاب: 22] اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا
ثُمَّ أَسْنَدَ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ رَأَى جِنَازَةً فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ
صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هَذَا مَا وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا كُتِبَ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً»
(بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ)
(إنَّمَا تَصِحُّ عَلَى) مَيِّتٍ (مُسْلِمٍ غَيْرِ شَهِيدٍ) فَلَا تَصِحُّ
عَلَى حَيٍّ وَلَا عَلَى عُضْوٍ دُونَ بَاقِيهِ وَلَا كَافِرٍ وَلَا
شَهِيدٍ كَمَا سَيَأْتِي (وَإِنْ وُجِدَ جُزْءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مُسْلِمٍ
غَيْرِ شَهِيدٍ (وَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَلَوْ) كَانَ الْجُزْءُ (ظُفْرًا
أَوْ شَعْرًا وَجَبَ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ) كَالْمَيِّتِ
الْحَاضِرِ وَلَا يَقْدَحُ غَيْبَةُ بَاقِيهِ فَقَدْ صَلَّى الصَّحَابَةُ
عَلَى يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ وَقَدْ
أَلْقَاهَا طَائِرُ نَسْرٍ بِمَكَّةَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَعَرَفُوهَا
بِخَاتَمِهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا وَكَانَتْ الْوَقْعَةُ فِي
جُمَادَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ مِنْ
مَيِّتٍ لِيَخْرُجَ الْمُنْفَصِلُ مِنْ حَيٍّ كَأُذُنِهِ الْمُلْتَصِقَةِ
إذَا وُجِدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَفْتَى بِهِ
الْبَغَوِيّ ثُمَّ قَالَ فَلَوْ أُبِينَ عُضْوٌ مِنْ إنْسَانٍ فَمَاتَ فِي
الْحَالِ فَحُكْمُ الْكُلِّ وَاحِدٌ يَجِبُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ
وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ
سَوَاءٌ انْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ أَمْ لَا (لَا شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ) فَلَا
تُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا كَذَا
نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا
كَغَيْرِهَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي الْحَقِيقَةِ
صَلَاةٌ عَلَى غَائِبٍ (وَكَذَا) تَجِبُ (مُوَارَاتُهُ) أَيْ الْجُزْءِ
الْمَذْكُورِ (بِخِرْقَةٍ) إنْ كَانَ مِنْ الْعَوْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
الْوَاجِبَ فِي التَّكْفِينِ سِتْرُهَا فَقَطْ كَمَا مَرَّ (وَدَفْنُهُ)
كَالْمَيِّتِ.
(وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ مَا انْفَصَلَ مِنْ حَيٍّ) لَمْ يَمُتْ فِي الْحَالِ
أَوْ مِمَّنْ شَكَكْنَا فِي مَوْتِهِ (كَيَدِ سَارِقٍ وَظُفْرٍ وَشَعْرٍ
وَعَلَقَةٍ وَدَمِ فَصْدٍ وَنَحْوِهِ) إكْرَامًا لِصَاحِبِهَا وَصَرَّحَ
الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهَا تُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ أَيْضًا بَلْ ظَاهِرُ
كَلَامِهِ وُجُوبُ لَفِّ الْيَدِ وَدَفْنِهَا (وَمَنْ وَجَدَ مَيِّتًا
مَجْهُولًا أَوْ عُضْوَهُ) الْأَوْلَى أَوْ بَعْضَهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ
(فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ صَلَّى عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا
الْإِسْلَامُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِهَا قَالَ الْقَاضِي مُجَلِّيٌّ
وَابْنُ الرِّفْعَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ اللَّقِيطِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ
فِي بَابِهِ (وَنَوَى الصَّلَاةَ) فِي صُورَةِ الْعُضْوِ (عَلَى الْمَيِّتِ
لَا الْعُضْوِ) وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ صَلَاةٌ عَلَى
غَائِبٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ:
وَهُوَ الْحَقُّ، وَإِنَّمَا أَزَدْنَا هُنَا شَرْطِيَّةَ حُضُورِ
الْعُضْوِ وَغُسْلَهُ وَبَقِيَّةَ مَا يُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ
الْحَاضِرِ وَيَكُونُ الْجُزْءُ الْغَائِبُ تَبَعًا لِلْحَاضِرِ قَالَ
وَكَلَامُهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي وُجُوبِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَبِهِ صَرَّحَ
الْمُصَنِّفُ كَمَا مَرَّ قَالَ أَعْنِي السُّبْكِيَّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا
لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَهَلْ نَقُولُ تَجِبُ حُرْمَةٌ
لَهُ كَالْجُمْلَةِ أَوْ لَا فِيهِ احْتِمَالٌ يُعْرَفُ مِنْ كَلَامِهِمْ
فِي النِّيَّةِ انْتَهَى.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى
عَلَيْهِ بَعْدَ غَسْلِ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَتَجِبُ لِزَوَالِ
الضَّرُورَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِدُونِ غَسْلِ
الْعُضْوِ بِوُجْدَانِنَا لَهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْكَافِي لَوْ
قُطِعَ رَأْسُ إنْسَانٍ بِبَلَدٍ وَحُمِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ صُلِّيَ
عَلَيْهِ حَيْثُ هُوَ وَعَلَى الْجُثَّةِ حَيْثُ هِيَ وَلَا يُكْتَفَى
بِالصَّلَاةِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ صُلِّيَ عَلَى
الْمَيِّت كَمَا قَالَ فِيمَا مَرَّ وَتَرْكُ مَا بَعْدَهُ كَانَ أَخْصَرَ
(فَرْعٌ السِّقْطُ) بِتَثْلِيثِ سِينِهِ (إنْ اسْتَهَلَّ) أَيْ صَاحَ
وَالْمُرَادُ إنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِصِيَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ
(فَكَالْكَبِيرِ) فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ
لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ بَعْدَهَا (وَكَذَا أَنْ اخْتَلَجَ
وَتَحَرَّكَ) بَعْدَ انْفِصَالِهِ لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ
وَلِخَبَرِ «الطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الِاخْتِلَاجِ وَالتَّحَرُّكِ تَأْكِيدٌ
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَظْهَرْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ بِاخْتِلَاجٍ أَوْ
نَحْوِهِ (فَإِنْ بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أَيْ مِائَةً وَعِشْرِينَ
يَوْمًا فَأَكْثَرَ حَدَّ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ (غُسِّلَ وَكُفِّنَ)
وَدُفِنَ وُجُوبًا (بِلَا صَلَاةٍ) فَلَا تَجِبُ بَلْ لَا تَجُوزُ لِعَدَمِ
ظُهُورِ حَيَاتِهِ وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّهُ أَوْسَعُ بَابًا
مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ
وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (وَلِدُونِهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
(وَرَوَى بِخِرْقَةٍ وَدُفِنَ) فَقَطْ نَدْبًا لَكِنَّ مَا نِيطَ بِهِ مَا
ذُكِرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
[بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ]
ِ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ مِنْ
خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْإِيصَاءُ
بِالثُّلُثِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ وُجِدَ جُزْءٌ مِنْهُ وَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ
إلَخْ) مَنْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ فَأَلْصَقَهَا فِي حَرَارَةِ الدَّمِ ثُمَّ
افْتَرَسَهُ سَبُعٌ وَوُجِدَتْ الْأُذُنُ فَقَطْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا
لِانْفِصَالِهَا فِي حَيَاتِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا)
فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَنُ تَابِعًا لَهَا فِي الْوُجُوبِ
الْمَذْكُورِ وَمِثْلُ الشَّعْرَةِ نَحْوُهَا (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى
أَنَّ الْوَاجِبَ فِي التَّكْفِينِ سَتْرُهَا فَقَطْ إلَخْ) لِحَقِّ
اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا بَاقِي الْبَدَنِ فَيَجِبُ سَتْرُهُ لِحَقِّ
الْمَيِّتِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: هَذَا كُلُّهُ
فَاسِدٌ حَصَلَ مِنْ التَّغَفُّلِ وَعَدَمِ الْإِحَاطَةِ بِالْمَدَارِكِ
فَإِنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَتْرَ الزَّائِدِ
مِنْ الْبَدَنِ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا اسْتِيعَابُ جَمِيعِ
بَدَنِهِ (قَوْلُهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ) سَكَتَ عَنْ مَيِّتٍ
مَجْهُولٍ وُجِدَ بِبَلَدِنَا، وَهُوَ أَغْلَفُ وَوَسَطُ رَأْسِهِ
مَحْلُوقٌ وَهَذِهِ عَادَةُ نَصَارَى الشَّامِ فَتَوَقَّفْت فِيهِ
لِلْقَرِينَتَيْنِ عِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا الْإِسْلَامُ)
مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إذَا وُجِدَ فِي مَوَاتٍ لَا
يُنْسَبُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا إلَى دَارِ الْكُفْرِ، وَهُوَ
الَّذِي لَا يَذُبُّ عَنْهُ أَحَدٌ وَفِيهِ نَظَرٌ ح (قَوْلُهُ وَنَوَى
الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ إلَخْ) ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى
جُمْلَةِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ إلَخْ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ السقط إِن اسْتَهَلَّ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ
وَيُدْفَنُ]
(قَوْلُهُ السَّقْطُ) بِتَثْلِيثِ سِينِهِ الْوَلَدُ النَّازِلُ قَبْلَ
تَمَامِ مُدَّتِهِ وَقِيلَ مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا (قَوْلُهُ حَدُّ نَفْخِ
الرُّوحِ فِيهِ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ
أَحَدَكُمْ لَيَمْكُثُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً
وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَةً ثُمَّ
يُؤْمَرُ الْمِلْكُ فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَأَثَرَهُ وَشَقِيٌّ
أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» وَكَانَ الْأَصْحَابُ
أَخَذُوا تَعَقُّبَ نَفْخِ الرُّوحِ لِلْأَرْبَعَيْنِ السَّابِقَةِ مِنْ
سِيَاقِ الْخَبَرِ فَإِنَّ الْعَلَقَةَ تَتَعَقَّبُ النُّطْفَةَ بَعْدَ
الْأَرْبَعِينَ وَالْمُضْغَةَ تَتَعَقَّبُ الْعَلَقَةَ بَعْدَ
الْأَرْبَعِينَ وَإِلَّا فَثُمَّ لَا تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ (قَوْلُهُ
لِعَدَمِ ظُهُورِ حَيَاتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ
الْأَحْيَاءِ فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ
الْغُسْلَ آكَدُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْكَافِرَ
(1/313)
وَمَا دُونَهَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ
مِنْ ظُهُورِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ عِنْدَهَا وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ إنَّمَا
هُوَ بِظُهُورِ خَلْقِهِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ
الْأَصْلِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِزَمَنِ إمْكَانِ نَفْخِ الرُّوحِ
وَعَدَمِهِ وَبَعْضُهُمْ بِالتَّخْطِيطِ وَعَدَمِهِ وَكُلُّهَا، وَإِنْ
كَانَتْ مُتَقَارِبَةً فَالْعِبْرَةُ بِمَا قُلْنَا
(فَصْلٌ يَجُوزُ غُسْلُ الْكَافِرِ) وَلَوْ حَرْبِيًّا إذْ لَا مَانِعَ
وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَلِيًّا بِغُسْلِ أَبِيهِ» لَكِنْ ضَعَّفَهُ
الْبَيْهَقِيُّ (لَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَلَوْ ذِمِّيًّا لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84]
(وَيَجِبُ تَكْفِينُ الذِّمِّيِّ وَدَفْنُهُ) عَلَيْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ
لَهُ مَالٌ وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ كَمَا
يَجِبُ إطْعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ حَيًّا حِينَئِذٍ وَفِي مَعْنَاهُ
الْمُعَاهِدُ وَالْمُؤَمَّنُ (لَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ) فَلَا يَجِبُ
تَكْفِينُهُمَا وَلَا دَفْنُهُمَا (وَيُغْرِي بِهِمَا الْكِلَابَ) جَوَازًا
إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُمَا وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِإِلْقَاءِ قَتْلَى
بَدْرٍ فِي الْقَلِيبِ بِهَيْئَتِهِمْ (فَإِنْ تَأَذَّى) أَحَدٌ
(بِرِيحِهِمَا دُفِنَا) الْمُوَافِقُ لِعِبَارَةِ أَصْلِهِ فَإِنْ دُفِنَا
فَلِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهِمَا (وَإِنْ اخْتَلَطَ مَنْ
يُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِمْ) مِنْ الْكُفَّارِ وَالشُّهَدَاءِ
وَالسَّقْطِ الَّذِي لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ (غُسِّلُوا)
وَكَفِّنُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ (جَمِيعًا) إذْ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ
إلَّا بِذَلِكَ وَعُورِضَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ
مُحَرَّمَةٌ وَلَا يَتِمُّ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ
مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي
الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ
قَوْلِهِ.
(وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ
غَيْرِ الشُّهَدَاءِ مِنْهُمْ) أَوْ غَيْرِ السَّقْطِ وَيَقُولُ فِي
الْأُولَى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ (وَإِنْ أَفْرَدَ
كُلًّا) مِنْهُمْ بِصَلَاةٍ (وَنَوَاهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا) أَوْ غَيْرَ
شَهِيدٍ أَوْ غَيْرَ سَقْطٍ (جَازَ) وَيُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ فِي
النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ
(وَيَقُولُ) فِي الْأَوْلَى (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا)
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَدْ تَتَعَيَّنُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ كَأَنْ
يُؤَدِّيَ التَّأْخِيرُ لِاجْتِمَاعِهِمْ إلَى تَغَيُّرِ أَحَدِهِمْ
وَسَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ
بِإِسْلَامِهِ وَكُفْرِهِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَيَنْوِي الصَّلَاةَ
عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي
وَلَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَشَهِدَ عَدْلٌ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ
لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ فِي تَوْرِيثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ
وَلَا حِرْمَانُ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تُقْبَلُ
شَهَادَتُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى
الْقَوْلَيْنِ فِي ثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ
وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ قَبُولِهَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَضِيَّةُ
كَلَامِ الْجُمْهُورِ خِلَافُهُ
(فَصْلٌ يَحْرُمُ غُسْلُ الشَّهِيدِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ
جُنُبًا) وَحَائِضًا وَنُفَسَاءَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي
قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ
يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ»
بِفَتْحِ اللَّام وَلِخَبَرِ أَحْمَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كَلْمٍ
أَوْ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ»
وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إبْقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ
وَالتَّعْظِيمُ لَهُمْ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ دُعَاءِ الْقَوْمِ قَالَ
فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَمَّا خَبَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى
الْمَيِّتِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ»
فَالْمُرَادُ دَعَا لَهُمْ كَدُعَائِهِ لِلْمَيِّتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ لَهُ؛
لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا
يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا سَقَطَ
غُسْلُ الْجُنُبِ وَنَحْوُهُ بِالشَّهَادَةِ «؛ لِأَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ
الرَّاهِبِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ جُنُبٌ وَلَمْ يُغَسِّلْهُ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ رَأَيْت
الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي
صَحِيحَيْهِمَا فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِفِعْلِنَا؛
وَلِأَنَّهُ طُهْرٌ عَنْ حَدَثٍ فَسَقَطَ بِالشَّهَادَةِ كَغُسْلِ
الْمَوْتِ فَيَحْرُمُ إذْ لَا قَائِلَ بِغَيْرِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ
وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَحْرُمُ غُسْلُهُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ
حَدَثٍ فَلَمْ تَجُزْ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ.
(وَهُوَ) أَيْ الشَّهِيدُ (مَنْ مَاتَ) وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا
أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا (فِي حَالِ الْقِتَالِ أَوْ لَمْ تَبْقَ
فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِسَبَبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ) بَلْ أَوْ
الْكَافِرِ الْوَاحِدِ وَلَوْ قَالَ أَوَّلًا فِي حَالِ قِتَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
يُغَسَّلَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ
الْأَصْلِ) وَالْمَجْمُوعِ
[فَصْلٌ غُسْلُ الْكَافِرِ]
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ}
[التوبة: 84] إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ
بِالْمَغْفِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] (قَوْلُهُ بِغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ)
كَاخْتِلَاطِ مُسْلِمٍ بِأَلْفِ كَافِرٍ (قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ
وَقَدْ تَتَعَيَّنُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ إلَخْ) وَقَدْ تَتَعَيَّنُ
الْكَيْفِيَّةُ الْأُولَى كَأَنْ يُؤَدِّيَ الِانْفِرَادُ إلَى تَغَيُّرٍ
أَوْ انْفِجَارٍ لِشِدَّةِ حَرٍّ وَكَثْرَةِ الْمَوْتَى (قَوْلُهُ وَهَلْ
تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ قَبُولِهَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ
وَتَوَابِعِهَا) وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْأَصَحُّ
[فَصْلٌ غُسْلُ الشَّهِيدِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ]
(قَوْلُهُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ خَبَرُ جَابِرٍ لَا
يُحْتَجَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَشَهَادَةُ النَّفْيِ مَرْدُودَةٌ مَعَ
مَا عَارَضَهَا فِي خَبَرِ الْإِثْبَاتِ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ
شَهَادَةَ النَّفْيِ إنَّمَا تُرَدُّ إذَا لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُ
الشَّاهِدِ، وَلَمْ تَكُنْ مَحْصُورَةً وَإِلَّا فَتُقْبَلُ
بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ أَحَاطَ بِهَا جَابِرٌ
وَغَيْرُهُ عِلْمًا، وَأَمَّا خَبَرُ الْإِثْبَاتِ فَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ
ش (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ) فِي ذَلِكَ حَثٌّ عَلَى الْجِهَادِ
وَلَيْسَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَثٌّ (قَوْلُهُ
فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِفِعْلِنَا) اعْتَرَضَهُ ابْنُ
سُرَيْجٍ بِالْكَفَنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا وَمَعَ ذَلِكَ إذَا
شَاهَدْنَا تَكْفِينَ الْمَلَائِكَةِ لِلْمَيِّتِ كَفَى فَمَنَعَ الشَّيْخُ
أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ ذَلِكَ قَالَ وَلَا يَكْفِي فِيهِ أَيْ فِي
الْكَفَنِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا قَالَ وَسَلَّمَهُ الْقَاضِي أَبُو
الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيَّ وَفَرَّقَا بِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَفَنِ سَتْرُهُ وَقَدْ حَصَلَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ
الْغُسْلِ هُوَ التَّعَبُّدُ بِفِعْلِهِ؛ وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ
لَا لِلْكَفَنِ وَقَوْلُهُ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا شَاهَدْنَا إلَخْ أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ بِسَبَبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ) وَلَوْ فِي حَالِ انْهِزَامِهِمْ
وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ بِكُفَّارٍ فَقَتَلَ كَافِرٌ
مُسْلِمًا فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ
اسْتَعَانَ الْكُفَّارُ بِالْبُغَاةِ مِنَّا فَقَتَلَ بَاغٍ عَادِلًا
مِنَّا فِي الْقِتَالِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّهُ
مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قِتَالُ
الْكُفَّارِ يَشْمَلُ الْحَرْبِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلَ
الذِّمَّةِ إذَا حَارَبُونَا فِي دَارِنَا
(1/314)
الْكُفَّارِ وَثَانِيًا بِسَبَبِ
الْقِتَالِ كَانَ أَوْلَى (وَلَوْ) مَاتَ (بِدَابَّتِهِ) الْأَوْلَى
بِدَابَّةٍ بِالتَّنْكِيرِ أَيْ بِسَبَبِهَا (وَ) بِسَبَبِ (سِلَاحِهِ أَوْ
سِلَاحِ مُسْلِمٍ) آخَرَ (خَطَأً) أَوْ تَرَدَّى فِي وَهْدَةٍ (أَوْ) مَاتَ
وَ (جُهِلَ السَّبَبُ) الَّذِي مَاتَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرُ
دَمٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْقِتَالِ وَقَوْلُهُ
خَطَأً إيضَاحٌ فَإِنَّ مَا خَرَجَ بِهِ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِسَبَبِ
الْقِتَالِ (فَإِنْ) جُرِحَ فِي الْقِتَالِ وَقَدْ (بَقِيَتْ فِيهِ) بَعْدَ
انْقِضَائِهِ (حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ
(وَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَهُ فَأَشْبَهَ
مَا لَوْ مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ (وَلَا مَنْ مَاتَ فَجْأَةً فِيهِ) أَوْ
بِمَرَضٍ (أَوْ قَتَلَهُ أَهْلُ بَغْيٍ أَوْ اُغْتِيلَ) أَيْ قَتَلَهُ
غِيلَةً مُسْلِمٌ مُطْلَقًا أَوْ كَافِرٌ فِي غَيْرِ قِتَالٍ (وَاسْمُ
الشَّهِيدِ فِي الْفِقْهِ مُخَصَّصٌ بِمَنْ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى
عَلَيْهِ) مِمَّنْ مَاتَ مِنَّا بِالسَّبَبِ الْمَذْكُورِ (وَأَمَّا فِي
الْأَجْرِ) فِي الْآخِرَةِ (فَكُلُّ مَقْتُولٍ ظُلْمًا شَهِيدٌ) ذِكْرُ
شَهِيدٍ تَأْكِيدٌ (وَكَذَا مَبْطُونٌ وَمَطْعُونٌ وَغَرِيقٌ وَغَرِيبٌ)
أَيْ مَاتُوا بِالْبَطْنِ وَالطَّاعُونِ وَالْغَرَقِ وَالْغُرْبَةِ (وَمَنْ
مَاتَ عِشْقًا أَوْ بِالطَّلْقِ) أَوْ بِدَارُ الْحَرْبِ أَوْ نَحْوِ
ذَلِكَ فَكُلُّهُمْ شُهَدَاءُ فِي الْأَجْرِ خَاصَّةً فَيَجِبُ غُسْلُهُمْ
وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهُمَا، وَإِنَّمَا
خَالَفْنَاهُ فِي الْمَيِّتِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ
وَتَرْغِيبًا فِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالشُّهَدَاءُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ.
شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا
يُصَلَّى عَلَيْهِ وَفِي حُكْمِ الْآخِرَةِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ ثَوَابًا
خَاصًّا، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ وَقَدْ
قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَشَهِيدٌ فِي
الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا بِغَيْرِ ذَلِكَ
وَالْمَبْطُونُ وَنَحْوُهُمَا وَشَهِيدٌ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ،
وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ وَقَدْ غَلَّ مِنْ
الْغَنِيمَةِ أَوْ قُتِلَ مُدْبِرًا أَوْ قَاتَلَ رِيَاءً أَوْ نَحْوُهُ
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ الْغَرِيبِ الْعَاصِيَ بِغُرْبَتِهِ
كَالْآبِقِ وَالنَّاشِزَةِ وَمِنْ الْغَرِيقِ الْعَاصِيَ بِرُكُوبِهِ
الْبَحْرَ كَمَنْ رَكِبَهُ لِشُرْبِ الْخَمْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ قَالَ، وَأَمَّا
الْمَيِّتُ عِشْقًا فَشَرْطُهُ الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ لِخَبَرِ «مَنْ
عَشِقَ فَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» وَقَدْ ضُعِّفَ
إسْنَادُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّبَ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ
الْأَشْبَهُ وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ يُتَصَوَّرُ إبَاحَةُ
نِكَاحِهِ لَهَا شَرْعًا وَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا كَزَوْجَةِ
الْمَلِكِ وَإِلَّا فَعِشْقُ الْمُرْدِ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ تَحْصُلُ بِهَا
دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ قَالَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمَيِّتَةِ بِالطَّلْقِ
الْحَامِلُ بِزِنَاهَا (وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ) إذَا اسْتَحَقَّ
الصَّلْبَ مَعَ الْقَتْلِ (فَيُقْتَلُ ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ
ثُمَّ يُصْلَبُ مُكَفَّنًا وَتُغْسَلُ) وُجُوبًا (نَجَاسَةُ شَهِيدٍ)
حَصَلَتْ بِغَيْرِ سَبَبِ الشَّهَادَةِ (وَلَوْ أَدَّى غُسْلُهَا إلَى
غُسْلِ دَمِهِ) الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
مِنْ أَثَرِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ مَا كَانَ بِسَبَبِهَا مِنْ الدَّمِ
فَتَحْرُمُ إزَالَتُهُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ؛
وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ (فَائِدَةٌ) سُمِّيَ الشَّهِيدُ الْمَذْكُورُ
شَهِيدًا لَمَعَانٍ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَهِدَا لَهُ
بِالْجَنَّةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُبْعَثُ وَلَهُ شَاهِدٌ بِقَتْلِهِ،
وَهُوَ دَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا وَمِنْهَا
أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ
(فَرْعٌ وَالْأَوْلَى) فِي تَكْفِينِ الشَّهِيدِ (تَكْفِينُهُ فِي
ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ «عَنْ جَابِرٍ قَالَ رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ
حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَالْمُرَادُ ثِيَابُهُ
الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَاعْتِيدَ لُبْسُهَا غَالِبًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
مُلَطَّخَةً بِالدَّمِ لَكِنَّ الْمُلَطَّخَةَ أَوْلَى ذَكَرَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ فَالتَّقْيِيدُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ
بِالْمُلَطَّخَةِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ وَعُلِمَ بِكَوْنِهَا أَوْلَى
أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى وَفَارَقَ
الْغُسْلَ بِإِبْقَاءِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَدَنِ وَالصَّلَاةِ
عَلَيْهِ بِإِكْرَامِهِ وَالْإِشْعَارِ بِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الدُّعَاءِ
(فَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ ثِيَابُهُ تُمِّمَ عَلَيْهَا) نَدْبًا إنْ سَتَرَتْ
عَوْرَتَهُ وَإِلَّا فَوُجُوبًا فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ
قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا عَلَيْهِ سَابِغًا تُمِّمَ وَمِنْ
قَوْلِ الْمَجْمُوعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا عَلَيْهِ كَافِيًا لِلْكَفَنِ
الْوَاجِبِ وَجَبَ لِتَمَامِهِ (وَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ نَزْعَهَا)
وَتَكْفِينَهُ فِي غَيْرِهَا (نُزِعَتْ) أَيْ جَازَ نَزْعُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَتَصَدَّوْا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَيْنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ
نَصًّا وَقَوْلُهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ شَهِيدٌ أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَهُ أَهْلُ بَغْيٍ) ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ
بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غَسَّلَتْ ابْنَهَا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ؛ وَلِأَنَّهُ
مَقْتُولٌ فِي حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْبَهَ الْقَتِيلَ مِنْ أَهْلِ
الْبَغْيِ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ الْغَرِيبِ الْعَاصِيَ
بِغُرْبَتِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَشَرْطُهُ
الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ تُتَصَوَّرُ وَإِلَخْ) قَالَ
شَيْخُنَا أَفْتَى الْوَالِدُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ
لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يُتَصَوَّرُ نِكَاحُهُ شَرْعًا أَوْ لَا
كَالْأَمْرَدِ حَيْثُ عَفَّ وَكَتَمَ إذْ الْمَحَبَّةُ لَا قُدْرَةَ لَهُ
عَلَى دَفْعِهَا وَقَدْ يَكُونُ الصَّبْرُ عَلَى الثَّانِي أَشَدَّ إذْ لَا
وَسِيلَةَ لَهُ لِقَضَاءِ وَطَرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ
وَتُغْسَلُ نَجَاسَةُ شَهِيدٍ) الظَّاهِرُ وُجُوبُ إزَالَةِ غَائِطٍ نَشَأَ
خُرُوجُهُ عَنْ الْقَتْلِ، وَإِنَّ الَّذِي لَا يُزَالُ إنَّمَا هُوَ
الدَّمُ فَقَطْ لِوُرُودِ الْفَضْلِ فِيهِ. اهـ. قَدْ جَزَمَ بِهِ
جَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْعُبَابِ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا إزَالَةُ دَمِ
الشَّهِيدِ بِلَا غَسْلٍ بَلْ يَحُكُّهُ بِنَحْوِ عُودٍ قَالَ شَيْخُنَا
يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى حَكٍّ لَا تَحْصُلُ بِهِ الْإِزَالَةُ رَأْسًا
وَإِلَّا فَالْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ
مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ يَشْهَدُونَهُ إلَخْ) وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ
فَكَأَنَّ رُوحَهُ شَاهِدَةٌ أَيْ حَاضِرَةً وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ
عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْكَرَامَةِ
وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْأَمَانِ مِنْ النَّارِ، وَقِيلَ؛
لِأَنَّهُ الَّذِي يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ
[فَرْعٌ تَكْفِينِ الشَّهِيدِ]
(قَوْلُهُ نَدْبًا إنْ سُتِرَتْ الْعَوْرَةُ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ غَيْرُ
مَرَّةٍ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا
زَادَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
سَابِغًا تَمَّمَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَيْ وُجُوبًا عِنْدَ الْمُكْنَةِ
كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ:
هَكَذَا قَالَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ يَعْنِي اللَّفْظَ الَّذِي فِي
الْكِتَابِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ السَّابِغَ مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ نَزْعَهَا نُزِعَتْ) قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ الدِّيبَاجُ الْمُبَاحُ
لَهُ إمَّا وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا بِالزَّوَالِ الْحَاجَةِ،
وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا فَلَيْسَ مَخِيطًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
دَفْنُهُ فِيهِ لِبَقَاءِ حُكْمِ إحْرَامِهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ
ثِيَابُهُ نَفِيسَةً بِحَيْثُ يَكُونُ التَّكْفِينُ بِهَا إسْرَافًا أَوْ
مُغَالَاةً وَفِي الْوَرَثَةِ مَنْ لَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُمْ أَوْ كَانُوا
غَائِبِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْنُهُ فِيهَا وَلَمْ أَرَ فِي هَذَا
كُلِّهِ شَيْئًا اهـ
(1/315)
وَتَكْفِينُهُ فِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ
أَكَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ الشَّهَادَةِ أَمْ لَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ
أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَامْتَنَعَ الْبَاقُونَ أُجِيبَ
الْمُمْتَنِعُونَ كَمَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ فَكَفَّنَهُ فِي ثَوْبٍ
وَامْتَنَعَ الْبَاقُونَ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ
التَّكْفِينِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ تَكْفِينِ الشَّهِيدِ فِي ثِيَابِهِ
(وَتُنْزَعُ) نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ
(آلَةُ الْحَرْبِ عَنْهُ) كَدِرْعٍ (وَ) كَذَا (الْخُفُّ وَنَحْوُهُ)
مِمَّا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ غَالِبًا كَجِلْدٍ وَفَرْوَةٍ وَجُبَّةٍ
مَحْشُوَّةٍ كَسَائِرِ الْمَوْتَى، وَفِي أَبِي دَاوُد فِي قَتْلَى أُحُدٍ
الْأَمْرُ بِنَزْعِ الْحَدِيدِ وَالْجُلُودِ وَدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ
وَثِيَابِهِمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخُفَّ وَنَحْوَهُ لَيْسَا
مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِ فِي شَرْحِ
الْإِرْشَادِ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا
قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ، وَأَمَّا الدِّرْعُ وَالْجِلْدُ
وَالْفِرَاءُ وَالْخِفَافُ فَتُنْزَعُ
(فَرْعٌ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ) وَلَوْ
امْرَأَةً مَنْ يَأْتِي؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَضَاءِ حَقِّ الْمَيِّت
كَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ (وَإِنْ أَوْصَى) بِهَا (لِغَيْرِهِ) ؛
لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهَا كَالْإِرْثِ
وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ
عُمَرُ فَصَلَّى، وَأَنَّ عُمَرَ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ
فَصَلَّى، وَأَنَّ عَائِشَةَ وَصَّتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا أَبُو
هُرَيْرَةَ فَصَلَّى، وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ
عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَصَلَّى مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ
أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ فَيُقَدَّمُ (الْأَبُ) وَقَوْلُهُ (أَوْ نَائِبُهُ)
مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَغَيْرِ الْأَبِ أَيْضًا نَائِبُهُ (ثُمَّ أَبُوهُ،
وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ سَفَلَ) بِتَثْلِيثِ
الْفَاءِ وَخَالَفَ ذَلِكَ تَرْتِيبَ الْإِرْثِ بِأَنَّ مُعْظَمَ الْغَرَضِ
الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فَقُدِّمَ الْأَشْفَقُ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ
إلَى الْإِجَابَةِ (ثُمَّ الْعَصَبَاتُ) النِّسْبِيَّةُ أَيْ بَقِيَّتُهُمْ
(عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ) فِي غَيْرِ ابْنَيْ عَمِّ أَحَدِهِمَا أَخٍ
لِأُمٍّ كَمَا سَيَأْتِي فَيُقَدَّمُ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْأَخُ
لِلْأَبِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ
وَهَكَذَا وَسَيَأْتِي بَعْضُهُ.
(وَيُقَدَّمُ مُرَاهِقٌ) وَالْمُرَادُ مُمَيِّزٌ (أَجْنَبِيٌّ عَلَى
امْرَأَةٍ قَرِيبَةٍ وَلَوْ اجْتَمَعَ ابْنَا عَمِّ أَحَدِهِمَا أَخٌ مِنْ
أُمٍّ قُدِّمَ) هُوَ لِتَرَجُّحِهِ بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ وَالْأُمِّ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا دَخْلٌ فِي إمَامَةِ الرِّجَالِ لَهَا مَدْخَلٌ
فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهَا تُصَلِّي مَأْمُومَةً
وَمُنْفَرِدَةً وَإِمَامَةً لِلنِّسَاءِ عِنْدَ فَقْدِ الرِّجَالِ
فَقُدِّمَ بِهَا (كَمَا يُقَدَّمُ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ) عَلَى
الْأَخِ مِنْ الْأَبِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْعَصَبَاتِ النِّسْبِيَّةِ
(الْمَوْلَى) فَيُقَدَّمُ (الْمُعْتَقُ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ) فَيُقَدَّمُ
عَصَبَاتُهُ النِّسْبِيَّةُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ
النِّسْبِيَّةُ وَهَكَذَا وَذِكْرُ لَفْظِ الْمَوْلَى مِنْ زِيَادَتِهِ
وَلَا فَائِدَةَ لَهُ غَيْرُ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلُ بِمَا
بَعْدَهُ (ثُمَّ السُّلْطَانُ) مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ
الصَّيْمَرِيُّ وَالْمُتَوَلِّي (ثُمَّ الْأَرْحَامُ) أَيْ ذَوِي
الْأَرْحَامِ وَيُقَدَّمُ (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَيُقَدَّمُ أَبُو
الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ
لِلْأُمِّ) فَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ هُنَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ
بِخِلَافِهِ فِي الْإِرْثِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ تَأْخِيرُ
بَنِي الْبَنَاتِ عَنْ هَؤُلَاءِ لَكِنْ قَدَّمَهُمْ فِي الذَّخَائِرِ
عَلَى الْأَخِ لِلْأُمِّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي
الصَّلَاةِ لِلزَّوْجِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا
وُجِدَ مَعَ الزَّوْجِ غَيْرُ الْأَجَانِبِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ ذَكَرٌ
وَإِلَّا فَالزَّوْجُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ وَالْمَرْأَةُ تُصَلِّي
وَتُقَدَّمُ بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي تَقْدِيمِ السَّيِّدِ عَلَى أَقَارِبِ
الرَّقِيقِ الْأَحْرَارِ نَظَرٌ يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ الرِّقَّ هَلْ
يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَدْ سَبَقَ فِي
الْغُسْلِ أَنَّ شَرْطَ الْمُقَدَّمِ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا
وَالْقِيَاسُ هُنَا مِثْلُهُ قُلْت وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ
الْأَصْحَابِ (فَرْعٌ) لَوْ (اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ) كَابْنَيْنِ
وَأَخَوَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلْإِمَامَةِ (قُدِّمَ الْأَسَنُّ
فِي الْإِسْلَامِ غَيْرُ الْفَاسِقِ وَالرَّقِيقُ وَالْمُبْتَدِعُ عَلَى
الْأَفْقَهِ) مِنْهُ عَكْسُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا
الدُّعَاءُ وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ وَسَائِرُ
الصَّلَوَاتِ مُحْتَاجَةٌ إلَى الْفِقْهِ لِوُقُوعِ الْحَوَادِثِ فِيهَا
أَمَّا الْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ فَلَا حَقَّ لَهُمَا فِي الْإِمَامَةِ،
وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَالْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ
رَقِيقًا فَالْأَسَنُّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ
اسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ وَالْأَوْرَعُ
بِالتَّرْتِيبِ السَّابِقِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَضِيَّةُ
كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْفَقِيهِ عَلَى الْأَسَنِّ غَيْرِ الْفَقِيهِ،
وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ اقْتَضَتْ الْعِلَّةُ خِلَافَهُ (وَيُقَدَّمُ
الْحُرُّ) الْعَدْلُ (عَلَى رَقِيقٍ) وَلَوْ (أَقْرَبَ) وَأَفْقَهَ
وَأَسَنَّ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ
(كَالْعَمِّ الْحُرِّ) فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ (عَلَى الْأَبِ الرَّقِيقِ)
مُطْلَقًا (وَكَذَا) يُقَدَّمُ الْحُرُّ الْعَدْلُ (عَلَى رَقِيقٍ فَقِيهٍ)
كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا قَبْلَهُ أَيْضًا وَيُقَدَّمُ الرَّقِيقُ الْقَرِيبُ
عَلَى الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ وَالرَّقِيقُ الْبَالِغُ عَلَى الْحُرِّ
الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى تَكْمِيلِ
الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهَا
بِخِلَافِهَا خَلْفَ الصَّبِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ
يُقَدَّمُ مَفْضُولُ الدَّرَجَةِ عَلَى نَائِبِ فَاضِلِهَا فِي الْأَقْيَسِ
وَنَائِبُ الْأَقْرَبِ الْغَائِبِ عَلَى الْبَعِيدِ الْحَاضِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ
إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ
الْخُفَّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ أَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ]
(قَوْلُهُ ثُمَّ السُّلْطَانُ) يُقَدَّمُ الْوَالِي عَلَى الْوَلِيِّ إذَا
خِيفَتْ الْفِتْنَةُ مِنْ الْوَالِي كَمَا فِي الْمُعِينِ عَنْ مَفْهُومِ
الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ إلَخْ) قَالَ
شَيْخُنَا: الْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ أَمْنِ
الْفِتْنَةِ عَلَى الْإِمَامِ وَلَوْ مَعَ الِانْتِظَامِ نَظَرًا
لِلْعِلَّةِ، وَهُوَ أَنَّ دُعَاءَ الْأَقْرَبِ لِلْإِجَابَةِ (قَوْلُهُ
لَكِنْ قَدَّمَهُمْ فِي الذَّخَائِرِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ، وَفِي تَقْدِيمِ السَّيِّدِ عَلَى أَقَارِبِ الرَّقِيقِ إلَخْ)
هَلْ يَكُونُ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى أَمَتِهِ
كَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّ مَدَارَ الصَّلَاةِ عَلَى
الشَّفَقَةِ احْتِمَالَانِ لِلْقَفَّالِ نَقَلَهُمَا عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ
وَيُؤْخَذُ مِنْهُمَا أَنَّ السَّيِّدَ أَحَقُّ بِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ
عَلَى رَقِيقِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَهُ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ
أَوْلَى إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ أَنَّ السَّيِّدَ
أَحَقُّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ)
وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ
يَسْتَحْيِ أَنْ يَرُدَّ دَعْوَةَ ذِي الشَّيْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ»
(قَوْلُهُ، وَإِنْ اقْتَضَتْ الْعِلَّةُ خِلَافَهُ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَنَائِبُ الْأَقْرَبِ الْغَائِبِ) إذَا كَانَ
الْأَقْرَبُ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ فَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهَا حَضَرَ
أَوْ غَابَ وَلَا اعْتِرَاضَ
(1/316)
(فَإِنْ اسْتَوَوْا) فِيمَا ذَكَرَ هُنَا
وَفِيمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ مِنْ النَّظَافَةِ وَحُسْنِ
الْوَجْهِ وَغَيْرِهِمَا (وَتَشَاحُّوا أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ قَطْعًا
لِلنِّزَاعِ، وَإِنْ تَرَاضَوْا بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ قُدِّمَ أَوْ
بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أُقْرِعَ كَنَظِيرِهِ فِيمَا يَأْتِي
قَالَ فِي الذَّخَائِرِ فَلَوْ تَقَدَّمَ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ
الْقُرْعَةُ جَازَ قَطْعًا وَفِي نَظِيرِهِ فِي النِّكَاحِ خِلَافٌ
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْأَجْنَبِيُّ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ
الْوَلِيُّ حَاضِرًا بِخِلَافِهِ فِي النِّكَاحِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ
وَالتَّقْدِيمُ فِي الْأَجَانِبِ مُعْتَبَرٌ بِمَا قُدِّمَ بِهِ فِي
سَائِرِ الصَّلَوَاتِ
(فَصْلٌ يَقِفُ الْإِمَامُ) وَالْمُنْفَرِدُ نَدْبًا (عِنْدَ رَأْسِ
الذَّكَرِ) وَلَوْ صَبِيًّا (وَعِنْدَ عَجِيزَةِ غَيْرِهِ) مِنْ أُنْثَى
وَخُنْثَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فِي الْأَوَّلِ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَفِي الثَّانِي فِي الْأُنْثَى الشَّيْخَانِ
وَقِيسَ بِهَا الْخُنْثَى وَالْمَعْنَى فِيهِ مُحَاوَلَةُ سِتْرِهِمَا
وَتَعْبِيرُهُ بِغَيْرِهِ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ أَصْلِهِ عَلَى
الْأُنْثَى لَكِنْ فِيهِ تَغْلِيبٌ؛ لِأَنَّ الْعَجِيزَةَ إنَّمَا تُقَالُ
فِي الْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا يُقَالُ فِيهِ عَجُزٌ كَمَا يُقَالُ فِيهَا
أَيْضًا قَالَ بَعْضُ الْغَسِيلِيِّ الْيَمَنِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ
يَأْتِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ
وَاسْتَبْعَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ بَلْ
هُوَ حَسَنٌ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ فِي الْأَصْلِ (فَإِنْ تَقَدَّمَ)
الْمُصَلِّي (عَلَى الْجِنَازَةِ الْحَاضِرَةِ أَوْ الْقَبْرِ لَمْ تَصِحَّ
صَلَاتُهُ) كَمَا فِي تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ أَمَّا
الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْغَائِبَةِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِلْحَاجَةِ
(فَرْعٌ فَإِنْ اجْتَمَعَ جَنَائِزُ وَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِوَاحِدٍ)
مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ (فَلَهُ) أَيْ لِلْوَاحِدِ
(جَمْعُهُمْ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ) سَوَاءٌ أَكَانُوا ذُكُورًا أَمْ إنَاثًا
أَمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ
ابْنَ عُمَرَ صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ فَجَعَلَ
الرِّجَالَ مِمَّا يَلِيهِ وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ
وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ
صَلِّي عَلَى زَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأُمُّهُ أُمُّ
كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَجَعَلَهُ مِمَّا
يَلِيهِ وَجَعَلَهَا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَفِي الْقَوْمِ نَحْوُ
ثَمَانِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالُوا هَذِهِ السُّنَّةُ» ؛ وَلِأَنَّ
مَقْصُودَهَا الدُّعَاءُ وَيُمْكِنُ جَمْعُهَا فِيهِ (وَ) لَهُ (إفْرَادُ
كُلٍّ) بِصَلَاةٍ (وَهُوَ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَرْجَى
لِلْقَبُولِ، وَلَيْسَ هُوَ تَأْخِيرًا كَثِيرًا قَالَ الرَّافِعِيُّ
وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ الْجَمْعَ وَيَتَعَذَّرُ إفْرَادُ كُلِّ
جِنَازَةٍ بِصَلَاةٍ أَيْ كَمَا لَوْ خِيفَ تَغَيُّرُ بَعْضِهِمْ أَوْ
ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الدَّفْنِ وَهَاتَانِ الْكَيْفِيَّتَانِ تَأْتِيَانِ
أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ تَتَعَدَّدْ الْأَوْلِيَاءُ كَأَنْ كَانَ وَلِيُّ
الْكُلِّ وَاحِدًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفَرْقٌ بَيْنَ أَوْلَوِيَّةِ
الْإِفْرَادِ هُنَا وَأَوْلَوِيَّةِ الْجَمْعِ فِي اخْتِلَاطِ
الْمُسْلِمِينَ بِالْكُفَّارِ بِأَنَّ الْإِفْرَادَ فِيهِ تَعْظِيمٌ،
وَهُوَ لَا يُلَائِمُ حَالَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ
لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِهِ هُنَا (فَإِنْ رَضُوا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ
مِنْهُمْ) أَوْ تَنَازَعُوا فِي التَّقْدِيمِ وَثَمَّ جِنَازَةٌ سَابِقَةٌ
(فَوَلِيُّ السَّابِقَةِ) أَوْلَى ذَكَرًا كَانَ مَيِّتُهُ أَوْ لَا،
وَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْمُتَأَخِّرَةِ أَفْضَلُ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ
سَابِقَةٌ تُقَدَّمُ (بِالْقُرْعَةِ) لِمَا مَرَّ.
وَلَك أَنْ تَقُولَ لِمَ لَمْ يُقَدِّمُوا بِالصِّفَاتِ قَبْلَ
الْإِقْرَاعِ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ (فَلَوْ جَمَعَهُمْ) الْإِمَامُ
لِلصَّلَاةِ (وُضِعُوا بَيْن يَدَيْهِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ
الْقِبْلَةِ) لِيُحَاذِيَ الْجَمِيعَ سَوَاءٌ أَجَاءُوا مُرَتَّبِينَ أَمْ
مَعًا وَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّوْعُ (فَإِنْ جَاءُوا مَعًا) وَاخْتَلَفَ
النَّوْعُ (قُرِّبَ إلَى الْإِمَامِ الرَّجُلُ ثُمَّ الطِّفْلُ ثُمَّ
الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ) لِمَا مَرَّ مِنْ الْآثَارِ وَلِئَلَّا
يَتَقَدَّمَ نَاقِصٌ عَلَى كَامِلٍ وَيُحَاذِي بِرَأْسِ الرَّجُلِ
عَجِيزَةَ الْمَرْأَةِ وَفَارَقَ مَا ذَكَرَهُ الدَّفْنَ حَيْثُ يُقَدَّمُ
فِيهِ الرَّجُلُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ بِأَنَّ قُرْبَ
الْإِمَامِ مَطْلُوبٌ، وَهُوَ مُمْكِنٌ فِي الصَّلَاةِ فَفُعِلَ
بِخِلَافِهِ فِي الدَّفْنِ (وَإِنْ حَضَرَ خَنَاثَى) مَعًا أَوْ
مُرَتَّبِينَ (جُعِلُوا صَفًّا عَنْ يَمِينِهِ رَأْسًا لِرِجْلٍ) أَيْ
رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ لِئَلَّا تَتَقَدَّمَ أُنْثَى
عَلَى ذَكَرٍ (فَإِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ، وَإِنْ (اتَّحَدَ النَّوْعُ) بِأَنْ
كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ خَنَاثَى (قُرِّبَ)
إلَيْهِ (أَفْضَلُهُمْ وَرَعًا وَتَقْوَى) وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُرَغِّبُ
فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا) لِزَوَالِ الرِّقِّ
بِالْمَوْتِ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ اسْتَوَوْا) وَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ
بِتَقْدِيمِ وَاحِدٍ فَذَاكَ وَإِلَّا (أُقْرِعَ) وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْلُ
بِالشِّقَّيْنِ مَعًا فَإِنْ صَلَّوْا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ
وَالْإِمَامُ وَاحِدٌ قُدِّمَ مَنْ يُخَافُ فَسَادُهُ ثُمَّ الْأَفْضَلُ
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إنْ تَرَاضَوْا وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَ
الْفَاضِلِ وَغَيْرِهِ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِالتَّقْرِيبِ
إلَى الْإِمَامِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ التَّقْدِيمِ فِي
الصَّلَاةِ (وَإِنْ تَعَاقَبُوا لَمْ يُنَحَّ سَابِقٌ) ، وَإِنْ كَانَ
مَفْضُولًا (إلَّا لِأُنُوثَةِ) فِيهِ وَلَوْ مُحْتَمَلَةً فَتُنَحَّى
الْأُنْثَى لِلذَّكَرِ وَلَوْ صَبِيًّا وَلِلْمُشْكِلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
لِلْأَبْعَدِ صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ فَمَا وَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ
مِمَّا يُخَالِفُهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَقَدَّمَ
غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ جَازَ قَطْعًا) قَالَ شَيْخُنَا: م
يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ أَجْنَبِيٌّ عَلَى وَلِيِّهَا مَعَ
حُضُورِهِ وَعَدَمِ إذْنِهِ جَازَ
[فَصْلٌ كَيْفِيَّة وُقُوف الْإِمَامُ فِي الصَّلَاة عَلَيَّ الْمَيِّت]
(قَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا لِتَفْصِيلٍ إلَخْ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ قَالَ النَّاشِرِيُّ: إذَا صَلَّى عَلَى قَبْرِ
الْخُنْثَى أَوْ الْمَرْأَةِ هَلْ يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهَا أَوْ عِنْدَ
عَجِيزَتِهَا قَالَ الْأَصْبَحِيُّ يَقِفُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْعَجِيزَةِ
نَظَرًا إلَى مَا كَانَ قَبْلُ وَوَجَدْت بِخَطِّ وَالِدِي عَنْ
الْفَقِيهَيْنِ فِي كِتَابِ الْمُذَاكَرَةِ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ
يَأْتِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعْدَ الدَّفْنِ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ قَاضِي
شُهْبَةَ وَعِمَادُ الدِّينِ الْمُنَاوِيُّ قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ صَلَّى
عَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى فِي سَرِيرٍ وَاحِدٍ فَإِنْ أَخَّرَ رَأْسَ
الذَّكَرِ إلَى عَجُزِ الْأُنْثَى فَظَاهِرٌ وَإِلَّا رَاعَى الْأُنْثَى
لِلسِّتْرِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ)
لَكِنْ لَوْ وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ
جَازَ كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الدَّفْنِ وَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ
فِي بَابِ الْقُدْوَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وُضِعَ
الْمَيِّتُ فِي تَابُوتٍ مُقْفَلٍ لَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ إنَّمَا
امْتَنَعَ فِي بَابِ الْقُدْوَةِ لِكَوْنِ الْمَأْمُومِ لَا يُشَاهِدُ
الْإِمَامَ وَيَخْفَى عَلَيْهِ أَحْوَالُهُ وَأَحْوَالُ الْمَيِّتِ غَيْرُ
مُفْتَقِرٍ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ انْتِقَالَاتٌ وَلَا حَرَكَاتٌ
يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يُحَاذِ الْمَيِّتَ بِجُزْءٍ مِنْ
بَدَنِهِ بِأَنْ وَقَفَ الْمُصَلِّي فِي الْعُلُوِّ وَالْمَيِّتُ فِي
السُّفْلِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي تَابُوتٍ
وَعَلَيْهِ خَشَبَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فَوَقَفَ الْمُصَلِّي عَلَيْهَا بِحَيْثُ
صَارَ مُرْتَفِعًا عَلَى الْمَيِّتِ هَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ كَمَا تَصِحُّ
الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمُحَاذَاةِ أَمْ لَا
تَصِحُّ وَيُخَالِفُ الْقَبْرَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ وَنَبْشُ
الْمَيِّتِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَتَمُّ الرِّوَايَتَيْنِ
الْبُطْلَانُ
[فَرْعٌ اجْتَمَعَ جَنَائِزُ وَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ
فَلَهُ جَمْعُهُمْ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ]
(قَوْلُهُ وَلَك أَنْ تَقُولَ لِمَ لَمْ يُقَدِّمُوا بِالصِّفَاتِ قَبْلَ
الْإِقْرَاعِ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ،
وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ تَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ
بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ
(1/317)
وَيُنَحَّى الْمُشْكِلُ لِلذَّكَرِ
لِئَلَّا تَتَقَدَّمَ أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنَحَّ
الصَّبِيُّ لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ مَعَهُ فِي الصَّفِّ
بِخِلَافِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَتَعْبِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ أَوْلَى
مِنْ اقْتِصَارِ أَصْلِهِ عَلَى تَنْحِيَةِ الْمَرْأَةِ لِلذَّكَرِ وَمَنْ
لَمْ يَرْضَ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ صَلَّى عَلَى مَيِّتِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
(فَصْلٌ وَأَرْكَانُهَا سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ النِّيَّةُ) كَغَيْرِهَا
وَلِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَيَجِبُ قَرْنُهَا
بِالتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) وَالتَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي
غَيْرِهَا وَوُجُوبُ التَّعَرُّضِ لَهَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَوْ
نَوَى الْفَرْضَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْكِفَايَةِ أَجْزَأَ وَلَا يَجِبُ
تَعْيِينُ الْمَيِّتِ) وَلَا مَعْرِفَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
(فَيَكْفِي قَصْدُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْإِمَامُ) فَالْعِبْرَةُ
بِنَوْعِ تَمْيِيزٍ فَلَوْ صَلَّى عَلَى جَمَاعَةٍ كَفَى قَصْدُهُمْ،
وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَهُمْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ صَلَّى عَلَى
بَعْضِهِمْ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ ثُمَّ صَلَّى عَلَى الْبَاقِي كَذَلِكَ لَمْ
تَصِحَّ قَالَ وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُمْ عَشْرَةٌ فَبَانُوا أَحَدَ
عَشَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ
يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعَيِّنٍ قَالَ وَلَوْ اعْتَقَدَ
أَنَّهُمْ أَحَدَ عَشَرَ فَبَانُوا عَشْرَةً فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ
(فَإِنْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ) كَأَنْ صَلَّى عَلَى زَيْدٍ أَوْ عَلَى
الْكَبِيرِ أَوْ الذَّكَرِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَبَانَ عَمْرًا أَوْ
الصَّغِيرَ أَوْ الْأُنْثَى (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ أَيْ لَمْ تَصِحَّ إلَّا
مَعَ الْإِشَارَةِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ.
وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا بِهَذَا الْمُسْتَثْنَى وَلَوْ أَحْرَمَ
الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى وَهُمْ
فِي الصَّلَاةِ تُرِكَتْ حَتَّى يَفْرُغَ ثُمَّ يُصَلِّ عَلَى
الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا أَوَّلًا ذَكَرَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ (وَيَجِبُ) عَلَى الْمَأْمُومِ (نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ) أَوْ
الِائْتِمَامِ أَوْ الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامِ كَمَا مَرَّ فِي صِفَةِ
الْأَئِمَّةِ (الثَّانِي الْقِيَام) فِيهَا (وَلَا يَسْقُطُ إلَّا
بِالْعَجْزِ) عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِهَا (الثَّالِثُ التَّكْبِيرَاتُ
الْأَرْبَعُ) مِنْهَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ وَعَدَّ الْغَزَالِيُّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ رُكْنًا وَلَا
خِلَافَ فِي الْمَعْنَى (فَلَوْ كَبَّرَ هُوَ) أَيْ الْمَأْمُومُ (أَوْ
إمَامُهُ خَمْسًا) وَلَوْ عَمْدًا (لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ لِلِاتِّبَاعِ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالصَّلَاةِ وَقَضِيَّةُ
الْعِلَّةِ وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الزَّائِدَ
عَلَى الْخَمْسِ لَا يُبْطِلُ أَيْضًا، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ
الْأَرْبَعَ أَوْلَى لِتَقَرُّرِ الْأَمْرِ عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَتَشْبِيهُ
التَّكْبِيرَةِ بِالرَّكْعَةِ فِيمَا يَأْتِي مَحَلُّهُ بِقَرِينَةٍ
الْمَقَامِ فِي الْمُتَابَعَةِ حِفْظًا لِتَأَكُّدِهَا نَعَمْ لَوْ زَادَ
عَلَى الْأَرْبَعِ عَمْدًا مُعْتَقِدًا لِلْبُطْلَانِ بَطَلَتْ ذَكَرَهُ
الْأَذْرَعِيُّ.
(وَ) لَوْ زَادَ الْإِمَامُ عَلَيْهَا وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ (لَمْ
يُتَابِعْهُ) الْمَأْمُومُ أَيْ لَا تُسَنُّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي
الزَّائِدِ لِعَدَمِ سُنَّةٍ لِلْإِمَامِ وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ جَرَى
السُّبْكِيُّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا
هُوَ فِي الْوُجُوبِ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي
الِاسْتِحْبَابِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الصَّوَابُ أَنَّهُ فِي الْجَوَازِ
مَمْنُوعٌ (وَلَهُ انْتِظَارُهُ) لِيُسَلِّمَ مَعَهُ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى
لِتَأَكُّدِ الْمُتَابَعَةِ وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الْحَالِ (وَلَا
سُجُودَ لِسَهْوِهَا) أَيْ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذْ لَا
مَدْخَلَ لِلسُّجُودِ فِيهَا (الرَّابِعُ السَّلَامُ بَعْدَهَا) أَيْ
التَّكْبِيرَاتِ (كَغَيْرِهَا) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ فِي صِفَةِ
الصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ النَّسَائِيّ الْآتِي وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا
كَغَيْرِهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَالثَّانِي مُغْنٍ عَنْ الْأَوَّلِ
(الْخَامِسُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ قَرَأَ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَالَ لِتَعْلَمُوا
أَنَّهَا سُنَّةٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَجَهَرَ
بِهَا وَقَالَ إنَّمَا جَهَرْت لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ» وَلِعُمُومِ
خَبَرِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»
(بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الْأُولَى) لِخَبَرِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ
عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ
السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ
الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً ثُمَّ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا
وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الْآخِرَةِ» (وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى)
التَّكْبِيرَةِ (الثَّانِيَةِ) كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ حِكَايَةِ
الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ لَهُ عَنْ النَّصِّ بَعْدَ نَقْلِهِمَا
الْمَنْعَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجُ
وَالْمَجْمُوعِ وَلَمْ يَخُصَّ الثَّانِيَةَ فَقَالَ قُلْت تُجْزِئُ
الْفَاتِحَةُ بَعْدَ غَيْرِ الْأُولَى وَعَلَيْهِ مَعَ مَا قَالُوهُ مِنْ
تَعَيُّنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّانِيَةِ وَالدُّعَاءِ فِي الثَّالِثَةِ
يَلْزَمُ خُلُوُّ الْأُولَى عَنْ ذِكْرٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ رُكْنَيْنِ فِي
تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ تَعَيُّنُ
الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ أَرْكَانُ صَلَاةُ الْجِنَازَة]
قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ) اسْتَثْنَى ابْنُ عُجَيْلٍ
وَإِسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ الْيُمْنَيَانِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ
التَّعْيِينِ الْغَائِبِ فَقَالَا: لَا بُدَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ
تَعْيِينِهِ بِالْقَلْبِ وَعُزِيَ إلَى الْبَسِيطِ وَوَجَّهَهُ
الْأَصْبَحِيُّ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْمَوْتِ فِي
أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَهُمْ غَائِبُونَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِ الَّذِي
يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ اسْتَثْنَى ابْنُ عُجَيْلٍ إلَخْ
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَلَوْ صَلَّى
إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ: وَإِنْ اعْتَقَدَ
أَنَّهُمْ أَحَدَ عَشْرَ إلَخْ) قَالَ وَلَوْ صَلَّى عَلَى حَيٍّ وَمَيِّتٍ
صَحَّتْ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ جُهِلَ الْحَالُ وَإِلَّا فَلَا كَمَنْ
صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ عَلَى مَيِّتَيْنِ ثُمَّ نَوَى
قَطْعَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا بَطَلَتْ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا
بِالْعَجْزِ عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِهَا) قَالَ النَّاشِرِيُّ:
وَالْقِيَاسُ جَوَازُ الْقُعُودِ لِمَنْ تَقَعُ لَهُ نَافِلَةٌ
كَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا صَلَّيَا مَعَ الرِّجَالِ قَالَ
شَيْخُنَا: إلَّا وَجْهَ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ الثَّالِثُ التَّكْبِيرَاتُ
الْأَرْبَعُ) لِدَوَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا
مِنْ مَوْتِ النَّجَاشِيِّ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي
عِيَاضٌ.
(قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ عَمْدًا مُعْتَقِدًا
لِلْبُطْلَانِ بَطَلَتْ) يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ
يَبْطُلُ أَنْ يَبْطُلَ جَزْمًا لِاعْتِقَادِهِ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ
الْكَافِي قَالَ: وَيُكَبِّرُ فِيهَا أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ فَلَوْ زَادَ
عَلَى الْأَرْبَعِ إنْ زَادَ خَطَأً لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ زَادَ عَمْدًا
إنْ فَعَلَ ذَلِكَ اجْتِهَادًا أَوْ تَقْلِيدًا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ
عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَظِنَّةُ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ
فَعَلَهُ جُزَافًا تَبْطُلُ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. لَفْظُهُ وَالْوَجْهُ
التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ فَعَلَهُ اجْتِهَادًا أَوْ تَقْلِيدًا
لَمْ تَبْطُلْ وَلَا بَطَلَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ غَالِطًا
أَوْ شَاكًّا فِي الْعَدَدِ غ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا تُسَنُّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ إلَخْ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَقَالَ قُلْت تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ
بَعْدَ غَيْرِ الْأُولَى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ
شَمِلَ الْمُنْفَرِدَ وَالْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ
الْعِمَادِ إنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُومِ أَمَّا
الْمَأْمُومُ الْمُوَافِقُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ
فِيمَا يَأْتِي بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ كَرَكْعَةٍ.
(قَوْلُهُ يَلْزَمُ خُلُوُّ الْأُولَى عَنْ ذِكْرٍ إلَخْ) وَتَرْكُ
التَّرْتِيبِ قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَاسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّهُ إذَا
أَخَّرَ الْقِرَاءَةَ إلَى الثَّانِيَةِ قَرَأَ ثُمَّ صَلَّى عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إلَى الثَّالِثَةِ
قَرَأَ ثُمَّ
(1/318)
فِي التِّبْيَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ
نَصَّيْنِ نَقَلَهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُهُ فِيهِ تَبَعًا
لِجَمَاعَةٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الْأَوْلَوِيَّةُ لِيَجْمَعَ
بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ إذَا كَبَّرَ عَلَى
الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ
الْأُولَى إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ
وَاجِبٌ إلَى آخِرِهِ سُنَّةٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ تَتِمَّتُهُ ثُمَّ
يُكَبِّرُ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَيَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
يُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ فَأُحِبُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ
الَّذِي مِنْهُ الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَهُوَ
مَسْنُونٌ وَمِنْ هَذَا فِيمَا أَظُنُّ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ
النَّصِّ أَنَّهَا تُجْزِئُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ
نَصٍّ صَرِيحٍ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فَالْفَتْوَى عَلَى
مَا فِي التِّبْيَانِ وِفَاقًا لِلنَّصَّيْنِ وَالْجُمْهُورِ وَلِخَبَرِ
النَّسَائِيّ السَّابِقِ وَالْمُدْرَكُ هُنَا الِاتِّبَاعُ وَلَا خَفَاءَ
أَنَّ تَعَيُّنَهَا فِي الْأُولَى أَوْلَى مِنْ تَعَيُّنِ الدُّعَاءِ فِي
الثَّالِثَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ
وَالْأَكْثَرِينَ تَعَيُّنُهَا فِي الْأُولَى، وَهُوَ الْمُخْتَارُ نَعَمْ
لَوْ نَسِيَهَا فِيهَا فَهَلْ يَكْفِي تَدَارُكُهَا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ
تَلْغُو الثَّانِيَةُ فَيَقْرَؤُهَا ثُمَّ يُكَبِّرُ عَنْ الثَّانِيَةِ
فِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
وَالْقِيَاسُ الثَّانِي وَكَالْفَاتِحَةِ فِيمَا ذَكَرَ عِنْدَ الْعَجْزِ
عَنْهَا بَدَلُهَا (السَّادِسُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى
شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ «عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرُوهُ أَنَّ
الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ مِنْ السُّنَّةِ» (بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّانِيَةِ)
لِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فَلَا
تَجِبُ فِيهَا كَغَيْرِهَا وَأَوْلَى لِبِنَائِهَا عَلَى التَّخْفِيفِ
(السَّابِعُ أَدْنَى الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ) بِخُصُوصِهِ نَحْوُ
اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد
وَالْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ «إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ
فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ» ؛ وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ
مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ (بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّالِثَةِ) لِفِعْلِ
السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَا يَجِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ذَكَرَ كَمَا
عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ.
(وَيُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ) مِنْ الْأَرْبَعِ
حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ (وَوَضْعُهُمَا بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ كُلِّ
تَكْبِيرَةٍ (تَحْتَ الصَّدْرِ) كَمَا فِي غَيْرِهَا (وَتَرْكُ
الِاسْتِفْتَاحِ وَالسُّورَةِ) لِطُولِهِمَا وَالْأُولَى قَدَّمَهَا فِي
صِفَةِ الصَّلَاةِ وَقُدِّمَتْ ثُمَّ مَا لَهُ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ
تَعَلُّقٌ (وَأَنْ يَتَعَوَّذَ) قَبْلَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
سُنَنِهَا كَالتَّأْمِينِ وَلَا تَطْوِيلَ فِيهِ وَحَذَفَ سُنَّ
التَّأْمِينُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ
فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةُ
وَذَكَرَ كَالرَّوْضَةِ ثُمَّ أَنَّهُ تَحْسُنُ زِيَادَةُ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (وَ) أَنْ (يُسِرَّ وَلَوْ لَيْلًا) لِخَبَرِ أَبِي
أُمَامَةَ السَّابِقِ وَكَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ بِجَامِعِ عَدَمِ
مَشْرُوعِيَّةِ السُّورَةِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ
أَنَّهُ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ خَبَرَ أَبِي
أُمَامَةَ أَصَحُّ مِنْهُ وَقَوْلُهُ فِيهِ إنَّمَا جَهَرْت لِتَعْلَمُوا
أَنَّهَا سُنَّةٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَعْنِي لِتَعْلَمُوا أَنَّ
الْقِرَاءَةَ مَأْمُورٌ بِهَا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْإِسْرَارِ
يَشْمَلُ التَّعَوُّذَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْأَدْعِيَةَ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ
قَوْلِ أَصْلِهِ وَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ
يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَالسَّلَامِ (وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ)
تَعَالَى (وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ عَلَى الْآلِ) مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ
لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) كُلٌّ مِنْهَا (فِي الثَّانِيَةِ وَ)
أَنْ (يُرَتِّبَهَا) أَيْ الثَّالِثَةَ هَكَذَا وَذِكْرُ اسْتِحْبَابِ
الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ مِنْ زِيَادَتِهِ.
وَصَرَّحَ بِهِ الْقَمُولِيُّ (وَ) أَنْ (يُكْثِرَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ
بَعْدَ الثَّالِثَةِ فَيَقُولَ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَيَقُولَ
(اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُك إلَى آخِرِهِ) وَبَقِيَّتُهُ كَمَا فِي
الْأَصْلِ وَابْنُ عَبْدَيْك خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا
بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا أَيْ نَسِيمِ رِيحِهَا وَاتِّسَاعِهَا وَمَحْبُوبِهِ
وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا أَيْ مَا يُحِبُّهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ إلَى ظُلْمَةِ
الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ أَيْ مِنْ الْأَهْوَالِ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ
لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ
أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِك أَيْ هُوَ ضَيْفُك وَأَنْتَ
أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَضَيْفُ الْكِرَامِ لَا يُضَامُ وَأَنْتَ خَيْرُ
مَنْزُولٍ بِهِ وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ
عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاك رَاغِبِينَ إلَيْك شُفَعَاءَ لَهُ اللَّهُمَّ
إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا
فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ أَيْ أَعْطِهِ بِرَحْمَتِك رِضَاك وَقِه
فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَجَافِ
الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك
حَتَّى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ جَمَعَ
الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ
وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ وَوُجِدَ فِي نُسَخٍ مِنْ الرَّوْضَةِ
وَمَحْبُوبِهَا وَكَذَا هُوَ فِي الْمَجْمُوعِ.
وَالْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ الْجَرُّ
وَيَجُوزُ رَفْعُهُ يَجْعَلُ الْوَاوَ لِلْحَالِ (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ
الْجِنَازَةُ (امْرَأَةً قَالَ) (أَمَتُك وَأَنْتِ) مَا يَعُودُ إلَيْهَا
(وَإِنْ ذَكَرَ بِقَصْدِ الشَّخْصِ جَازَ) أَيْ لَمْ يَضُرَّ كَمَا عَبَّرَ
بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ كَانَ خُنْثَى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
دَعَا لِلْمَيِّتِ لِإِمْكَانِ التَّرْتِيبِ فَلَا يُخِلُّ بِهِ، وَإِنْ
جَمَعَ بَيْنَ رُكْنَيْنِ فِي تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَأْتِي هُنَا فِي
الْفَاتِحَةِ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ بَدَلِهَا لِمَنْ لَا يُحْسِنُهَا
وَبَدَلِ بَعْضِهَا وَتِلْكَ الْحَالَاتُ وَقَوْلُهُ قَالَ النَّاشِرِيُّ:
أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ (قَوْلُهُ لِفِعْلِ السَّلَفِ
وَالْخَلَفِ) وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا
صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا» ؛ وَلِأَنَّهُ أَرْجَى
لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ بِخُصُوصِهِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:
قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمَا وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَجِبُ لِغَيْرِ
الْمُكَلَّفِ وَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَدَامَ إلَى مَوْتِهِ
وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. اهـ. قَالَ
بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَشْبَهُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَ
عَلَى الصَّلَاةِ التَّعَبُّدُ وَقَالَ الْغَزِّيِّ: وَاسْتَثْنَى
بَعْضُهُمْ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ فَلَا يَجِبُ الدُّعَاءُ لَهُ فِيمَا
يَظْهَرُ. اهـ.، وَهُوَ بَاطِلٌ.
(قَوْلُهُ وَتَرْكُ الِاسْتِفْتَاحِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى
التَّخْفِيفِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: هَذَا إذَا صَلَّى عَلَى حَاضِرٍ
فَإِنْ صَلَّى عَلَى غَائِبٍ اُتُّجِهَ حِينَئِذٍ الْإِتْيَانُ بِدُعَاءِ
الِاسْتِفْتَاحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْجِنَازَةِ
لِأَجْلِ التَّعْجِيلِ بِدَفْنِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي
الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ وَكَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ
وَفِي التَّفْقِيهِ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ لِمَنْ صَلَّى عَلَى
الْقَبْرِ أَوْ صَلَّى عَلَى الْغَائِبِ لِفَقْدِ عِلَّةِ التَّعْجِيلِ
بِدَفْنِ الْمَيِّتِ قَالَ شَيْخُنَا هَذَا وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ
الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ مَبْنَاهَا عَلَى
التَّخْفِيفِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إمَامَ الْكُسُوفِ
يُطَوِّلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ مَحْصُورُونَ لَمْ يَرْضَوْا
بِالتَّطْوِيلِ أَوْ غَيْرَ مَحْصُورِينَ (قَوْله وَالْأَدْعِيَةُ)
وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَغَيْرِهَا مَا عَدَا التَّكْبِيرَاتِ وَالسَّلَامَ (قَوْلُهُ وَلِقِهْ)
يَجُوزُ فِيهَا كَسْرُ الْهَاءِ مَعَ الْإِشْبَاعِ وَدُونَهَا وَسُكُونُهَا
وَكَذَلِكَ فِي " قِهْ " أَيْضًا (قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ
(1/319)
فَالْمُتَّجِهُ التَّعْبِيرُ
بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَبٌ
بِأَنْ كَانَ وَلَدَ زِنًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ وَابْنُ
أَمَتِك. اهـ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى جَمْعٍ مَعًا
يَأْتِي فِيهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ (وَيَزِيدُ) نَدْبًا (قَبْلَ ذَلِكَ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا
وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ
أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْته
مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ زَادَ
غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا
تُضِلّنَا بَعْدَهُ» وَنُدِبَ تَقْدِيمُ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ
زِيَادَتِهِ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ
عَلَيْهِ لِثُبُوتِ لَفْظِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ
الْتَقَطَهُ مِنْ أَخْبَارِ بَعْضِهِ بِاللَّفْظِ وَبَعْضَهُ بِالْمَعْنَى
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزَلَهُ
وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ
وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْت الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ
الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا
مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ
وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ»
، وَهَذَا أَصَحُّ دُعَاءِ الْجِنَازَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ
الْحُفَّاظِ وَفِي الْبَابِ أَخْبَارٌ أُخَرُ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ
الثَّلَاثَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الْأَخِيرِ وَصَدَقَ
قَوْلُهُ فِيهِ وَأَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ فِيمَنْ لَا
زَوْجَةَ لَهُ وَفِي الْمَرْأَةِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا مَعَ زَوْجِهَا
فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ يُرَادَ فِي الْأَوَّلِ مَا يَعُمُّ الْفِعْلِيَّ
وَالتَّقْدِيرِيَّ وَفِي الثَّانِي مَا يَعُمُّ إبْدَالَ الذَّاتِ
وَإِبْدَالَ الْهَيْئَةِ (فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرًا اقْتَصَرَ
عَلَى هَذَا) أَيْ الثَّانِي فِي كَلَامِهِ (وَزَادَ) عَلَيْهِ نَدْبًا
(اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ) أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا
مَصَالِحَهُمَا فِي الْآخِرَةِ (وَسَلَفًا وَذُخْرًا) بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَةِ (وَعِظَةً) أَيْ مَوْعِظَةً (وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا
وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا
وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا تَحْرِمْهُمَا) بِفَتْحِ التَّاءِ
وَضَمِّهَا (أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ أَجْرَ
الْمُصِيبَةِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلْحَالِ.
وَيَشْهَدُ لِلدُّعَاءِ لَهُمَا مَا فِي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ السَّابِقِ
وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ
وَالرَّحْمَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانَ
أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا خَصَّهُ بِالدُّعَاءِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ
الْإِسْنَوِيُّ وَسَوَاءٌ فِيمَا قَالُوهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبَوَيْهِ
أَمْ لَا لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّهُ فِي الْأَبَوَيْنِ
الْحَيَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ أَتَى بِمَا
يَقْتَضِيهِ الْحَالُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ جَهِلَ إسْلَامَهُمَا
فَكَالْمُسْلِمِينَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَالدَّارِ. اهـ.
وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُؤَنَّثُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرَةً
(وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ اللَّهُمَّ لَا
تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) أَيْ بِالِابْتِلَاءِ
بِالْمَعَاصِي وَفِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْأَوَّلَانِ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَ) أَنْ
(يُطَوِّلَهَا) أَيْ الرَّابِعَةَ أَيْ بَعْدَهَا (بِالدُّعَاءِ لَهُ)
لِثُبُوتِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي
الرَّوْضَةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ (فَرْعٌ) لَوْ خَشِيَ
تَغَيُّرَ الْمَيِّتِ أَوْ انْفِجَارَهُ لَوْ أَتَى بِالسُّنَنِ
فَالْقِيَاسُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْكَانِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
(فَرْعٌ) لَوْ (أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ (كَبَّرَ وَأَتَى بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ بِتَرْتِيبِ
نَفْسِهِ) كَغَيْرِهَا وَلِخَبَرِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا» (فَإِنْ
كَبَّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ) أَيْ قِرَاءَةِ
الْمَسْبُوقِ لَهَا (أَوْ فِي أَثْنَائِهَا تَابَعَهُ) فِي تَكْبِيرَةٍ
(وَيَتَحَمَّلُهَا) أَيْ كُلَّهَا أَوْ بَقِيَّتِهَا (عَنْهُ) كَمَا لَوْ
رَكَعَ قَبْلَ قِرَاءَتِهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا فِي سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ فَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ الْمُسْتَقْبِلَةَ
وَتَقَدَّمَ فِي نَظِيرِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ
بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ تَخَلَّفَ وَقَرَأَ بِقَدْرِهِ وَإِلَّا
تَابَعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ هُنَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ
وَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِهِ هُنَا بِنَاءً عَلَى نَدْبِ التَّعَوُّذِ
وَالِافْتِتَاحِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ (وَيَتَدَارَكُ) وُجُوبًا
فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ (مَا فَاتَهُ) مِنْهَا مَعَ
الْإِمَامِ (مِنْ تَكْبِيرٍ وَذِكْرٍ بَعْدَ السَّلَامِ) لِمَا مَرَّ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُرْفَعَ) الْجِنَازَةُ (حَتَّى يُتِمَّ
الْمَسْبُوقُ) مَا فَاتَهُ (فَإِنْ رُفِعَتْ لَمْ يَضُرَّ) ، وَإِنْ
حُوِّلَتْ عَنْ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ عَقْدِ الصَّلَاةِ لَا
يُحْتَمَلُ فِيهِ ذَلِكَ وَالْجِنَازَةُ حَاضِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ
فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الِابْتِدَاءِ قَالَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
فَالْمُتَّجِهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: الصَّوَابُ
التَّعْبِيرُ بِالْعَبْدِ مُطْلَقًا عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ
وَصْفَ الْعُبُودِيَّةِ أَشْرَفُ (قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ
فِيهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ يَأْتِي فِيهِ بِمَا
يُنَاسِبُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (وَقَوْلُهُ إذَا قُلْنَا
بِأَنَّهَا مَعَ زَوْجِهَا فِي الْآخِرَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا إلَخْ) لَوْ شَكَّ فِي بُلُوغِهِ هَلْ
يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُلُوغِ أَوْ
يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَنَحْوِهَا وَحَسُنَ أَنْ يَجْمَعَ
بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا وَقَوْلُهُ وَحَسُنَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ)
كَالْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ مَحَلُّهُ فِي الْأَبَوَيْنِ
الْحَيَّيْنِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تُصَحِّحِيهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَهِلَ
إسْلَامَهُمَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ
أَنَّهُ يُؤَنَّثُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ
عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى
عَلَى جِنَازَةٍ كَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ قَامَ بَعْدَ
الرَّكْعَةِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ يَسْتَغْفِرُ لَهَا،
وَيَدْعُو» (قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْكَانِ
إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَام أَثْنَاء صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]
(قَوْلُهُ وَيَتَحَمَّلُهَا أَيْ كُلَّهَا إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا، وَإِنْ
قَصَدَ تَأْخِيرَهَا لِغَيْرِهَا لِسُقُوطِهَا عَنْهُ شَرْعًا خِلَافًا
لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ فَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَةَ
الْإِمَامِ الْمُسْتَقْبَلَةَ) ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ صَارَتْ مُنْحَصِرَةً
فِيمَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى نَدْبِ التَّعَوُّذِ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ فَلَوْ اشْتَغَلَ بِهِ فَلَمْ يَفْرُغْ
مِنْ الْفَاتِحَةِ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ أَوْ
الثَّالِثَةَ لَزِمَهُ التَّخَلُّفُ لِلْقِرَاءَةِ بِقَدْرِ الْمُنْفَرِدِ
وَيَكُونُ مُتَخَلِّفًا بِعُذْرٍ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ
يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ التَّعَوُّذِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ
أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهَا فَمُتَخَلِّفٌ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ لَمْ
يُتِمَّهَا حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
(قَوْلُهُ وَيَتَدَارَكُ مَا فَاتَهُ مِنْ تَكْبِيرٍ إلَخْ) وَخَالَفَتْ
تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ حَيْثُ لَا يَأْتِي بِمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَإِنَّ
التَّكْبِيرَاتِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يُمْكِنُ
الْإِخْلَالُ بِهَا، وَفِي الْعِيدِ سُنَّةٌ فَسَقَطَتْ بِفَوَاتِ
مَحَلِّهَا
(1/320)
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُوَافِقَ
كَالْمَسْبُوقِ فِي ذَلِكَ وَلَوْ أَحْرَمَ عَلَى جِنَازَةٍ يَمْشِي بِهَا
وَصَلَّى عَلَيْهَا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ
مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ كَمَا سَيَأْتِي وَأَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا
لَهَا كَالْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَضُرُّ الْمَشْيُ بِهَا كَمَا
لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فِي سَرِيرٍ وَحَمَلَهُ إنْسَانٌ وَمَشَى بِهِ
فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَهُوَ فِي
سَفِينَةٍ سَائِرَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ (فَرْعٌ لَوْ تَخَلَّفَ
الْمَأْمُومُ عَنْهُ بِتَكْبِيرَةٍ) بِأَنْ لَمْ يُكَبِّرْهَا (حَتَّى
شَرَعَ) الْإِمَامُ (فِي الْأُخْرَى بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) إذْ
الِاقْتِدَاءُ هُنَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّكْبِيرَاتِ، وَهُوَ
تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ يُشْبِهُ التَّخَلُّفَ بِرَكْعَةٍ وَقَضِيَّةُ
تَقْيِيدِهِ كَأَصْلِهِ بِالشُّرُوعِ فِي الْأُخْرَى عَدَمُ بُطْلَانِهَا
فِيمَا لَوْ لَمْ يُكَبِّرْ الرَّابِعَةَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ قَالَ
فِي الْمُهِمَّاتِ وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا ذِكْرٌ
فَلَيْسَتْ كَالرَّكْعَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَإِنْ كَانَ ثَمَّ
عُذْرٌ كَبُطْءِ قِرَاءَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْطُلُ بِتَخَلُّفِهِ
بِتَكْبِيرَةٍ فَقَطْ بَلْ بِتَكْبِيرَتَيْنِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ
كَلَامُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ
بِتَكْبِيرَةٍ عَمْدًا لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ نَزَّلُوهَا مَنْزِلَةَ
الرَّكْعَةِ
(فَصْلٌ شَرْطُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ (تَقَدُّمُ الْغُسْلِ
أَوْ التَّيَمُّمِ) لَهُ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ؛ وَلِأَنَّ
الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ نَفْسِهِ وَقَدْ قُدِّمَ هَذَا فِي
التَّيَمُّمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغُسْلِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّيَمُّمِ مِنْ
زِيَادَتِهِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فَإِنْ وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَ
التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الدَّفْنِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ
غُسْلُهُ كَمَا لَوْ وُجِدَ بَعْدَ الدَّفْنِ وَأَصَحُّهُمَا يَجِبُ
لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْنِ وَتَقَدَّمَ هَذَا عَنْ غَيْرِ
الْجُرْجَانِيِّ مَعَ تَقْيِيدِهِ بِالْحَضَرِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ
(فَلَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ انْهَدَمَ عَلَيْهِ مَكَانٌ) وَمَاتَ
(وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ) وَغَسَّلَهُ (لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) كَذَا
نَقَلَهُ الْأَصْلُ وَالْمَجْمُوعُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَجَزَمَ بِهِ
الْمِنْهَاجُ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ الْقِيَاسُ
الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الدَّارِمِيِّ
وَالْخُوَارِزْمِيّ وَعَنْ حِكَايَةِ الْجُوَيْنِيِّ لَهُ عَنْ النَّصِّ.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ نَقْلًا وَدَلِيلًا وَجَرَى
عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (وَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ
عَلَيْهِ (قَبْلَ التَّكْفِينِ) لَكِنَّهَا تَصِحُّ وَاسْتَشْكَلَتْ
صِحَّتُهَا بِعَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَ التَّطَهُّرِ مَعَ أَنَّ
التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَوْجُودَانِ هُنَا وَيُجَابُ بِأَنَّ
التَّكْفِينَ أَوْسَعُ بَابًا مِنْ الْغُسْلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَبْرَ
يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ، وَأَنَّ مَنْ صَلَّى بِلَا طُهْرٍ
لِعَجْزِهِ عَمَّا يَتَطَهَّرُ بِهِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِخِلَافِ
مَنْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَسْتُرُهَا بِهِ
(وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (وَبَيْنَهَا)
أَيْ الْجِنَازَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ مَسَافَةٌ (فَوْقَ ثَلَثِمِائَةِ
ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا) وَأَنْ يَجْمَعَهُمَا مَكَانٌ وَاحِدٌ تَنْزِيلًا
لِلْجِنَازَةِ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ، وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ
فِي الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ يَأْتِي هُنَا
(وَتُسْتَحَبُّ) فِيهَا (الْجَمَاعَةُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ رَجُلٍ
مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا
يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ»
وَلِخَبَرِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي
عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَوْجَبَ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى
شَرْطِ مُسْلِمٍ وَمَعْنَى أَوْجَبَ غُفِرَ لَهُ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ
كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَلَّتْ الصَّحَابَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَادًا كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِعِظَمِ أَمْرِهِ وَتَنَافُسِهِمْ فِي
أَنْ لَا يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَقَالَ
غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَعَيَّنَ إمَامٌ يَؤُمُّ الْقَوْمَ
فَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ فِي الصَّلَاةِ لَصَارَ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ
شَيْءٍ وَتَعَيَّنَ لِلْخِلَافَةِ (وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ) فِيهَا
(بِوَاحِدٍ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِصَلَاتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا
تُشْتَرَطُ فَكَذَا الْعَدَدُ كَغَيْرِهَا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ
مِنْ زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ كَأَصْلِهِ
(وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا) مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
جِنْسِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا لَهُمْ وَفَارَقَ
ذَلِكَ عَدَمَ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ فِي رَدِّ السَّلَامِ بِأَنَّ
السَّلَامَ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
سَالِمٌ مِنْ الْآخَرِ وَآمِنٌ مِنْهُ وَأَمَانُ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ
بِخِلَافِ صَلَاتِهِ (لَا بِامْرَأَةٍ) مَعَ وُجُودِ رَجُلٍ وَلَوْ
صَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهَا وَدُعَاؤُهُ إلَى الْإِجَابَةِ
أَقْرَبُ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِهَانَةٌ بِالْمَيِّتِ فَإِنْ قُلْت
كَيْفَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَرْأَةِ مَعَ وُجُودِ الصَّبِيِّ مَعَ أَنَّهَا
الْمُخَاطَبَةُ بِهِ دُونَهُ قُلْت قَدْ يُخَاطَبُ الشَّخْصُ بِشَيْءٍ
وَيَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ لَا سِيَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُوَافِقَ كَالْمَسْبُوقِ فِي ذَلِكَ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ
إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا
لَهَا) قَالَ شَيْخُنَا: احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ صَارَتْ إلَى حَالَةٍ
تَمْنَعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لَوْ كَانَ إمَامًا كَمَا لَوْ حَالَتْ
بَيْنَهُمَا الْبَيِّنَةُ مَانِعَةً مِنْ الْمُشَاهَدَةِ كَمَا لَا يَخْفَى
أَوْ تَكُونُ الْمُحَاذَاةُ عَلَى الرَّأْيِ الْجَارِي عَلَى اعْتِبَارِهَا
فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ) أَيْ
وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ كَأَصْلِهِ بِالشُّرُوعِ فِي
أُخْرَى عَدَمُ بُطْلَانِهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ
شَيْخُنَا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ حَتَّى كَبَّرَ إمَامُهُ أُخْرَى
شُرُوعُهُ فِيهَا إلَّا فِي تَكْبِيرَتَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ
إلَّا فِي الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ عَدَمُ بُطْلَانِهَا فِيمَا لَوْ لَمْ
يُكَبِّرْ الرَّابِعَةَ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ عَنْهَا حَتَّى أَتَى الْإِمَامُ بِتَكْبِيرَةٍ
أُخْرَى بَلْ هَذَا مَسْبُوقٌ بِبَعْضِ التَّكْبِيرَاتِ فَيَأْتِي بِهَا
بَعْدَ السَّلَامِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَتْ كَالرَّكْعَةِ بِخِلَافِ مَا
قَبْلَهَا) صَرَّحَ فِي التَّنْجِيزِ بِالْبُطْلَانِ فَقَالَ: وَلَوْ
تَخَلَّفَ بِتَكْبِيرَةٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ أَوْ
سَلَّمَ بَطَلَتْ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ أَوْ نِسْيَانٌ) أَوْ عَدَمُ سَمَاعِ تَكْبِيرٍ أَوْ جَهْلٌ
قَالَ شَيْخُنَا: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ كَوْنِ النِّسْيَانِ لَيْسَ
بِعُذْرٍ حَتَّى تَبْطُلَ بِتَخَلُّفِهِ بِتَكْبِيرَتَيْنِ يُنَافِيهِ مَا
فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي مِنْ أَنَّ
النِّسْيَانَ لَا يَضُرُّ، وَإِنْ طَالَ فَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ
بَلْ بِتَكْبِيرَتَيْنِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ حُكْمِهِمْ
بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالتَّخَلُّفِ بِهَا الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهَا
بِالتَّقَدُّمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ مِنْ
التَّخَلُّفِ
[فَصْلٌ شَرْط الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ]
(قَوْلُهُ فَلَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ إلَخْ) أَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ أَوْ
احْتَرَقَ حَتَّى صَارَ رَمَادًا (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْخُوَارِزْمِيّ) وَابْنُ
الْأُسْتَاذِ
(1/321)
فِيمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الشَّيْءُ بِفِعْلِ
غَيْرِهِ لَكِنَّ كَلَامَهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَقْتَضِي أَنَّهُ
يَسْقُطُ بِهَا حَيْثُ قَالَ وَلَوْ صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ ذَكَرٌ وَلَوْ
صَبِيًّا مُمَيِّزًا سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ عَمَّنْ حَضَرَ مِنْ الرِّجَالِ
عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنَّهُ، وَإِنْ سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ لَا يَسْقُطُ
حُضُورُهُ الْفَرْضَ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا يُسْقِطُهُ الرِّجَالَ؛
لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَيُجْزِئُ صَلَاتُهُنَّ حِينَئِذٍ انْتَهَى،
وَهُوَ الْأَوْجَهُ (فَإِنْ بَانَ حَدَثُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ لَا
أَحَدُهُمَا) فَقَطْ (لَغَتْ) صَلَاتُهُمَا فَتَجِبُ إعَادَتُهَا
بِخِلَافِهَا فِي أَحَدِهِمَا لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَكَانَ الْأَوْلَى
تَأْخِيرُ هَذِهِ عَنْ قَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) مَعَ وُجُودِ
الْمَرْأَةِ (رِجَالٌ) أَيْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (لَزِمَتْهَا) أَيْ
الصَّلَاةُ فَتُصَلِّي لِلضَّرُورَةِ وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ وَلَوْ حَضَرَ
الرَّجُلُ بَعْدُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ وَصَلَاتُهَا وَصَلَاةُ
الصَّبِيِّ مَعَ الرَّجُلِ أَوْ بَعْدَهُ تَقَعُ نَفْلًا؛ لِأَنَّ
الْفَرْضَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا وَقَدْ يُقَالُ إذَا وَقَعَتْ مِنْ
الصَّبِيِّ نَفْلًا فَكَيْفَ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهَا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ
لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ صَلَّى صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ ثُمَّ
بَلَغَ فِي الْوَقْتِ (وَالْخُنْثَى) فِيمَا ذَكَرَ (كَالْمَرْأَةِ)
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَا سَقَطَ الْفَرْضُ بِصَلَاةِ
كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي صَلَاتِهِ دُونَ
صَلَاتِهَا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ
الْإِرْشَادِ وَإِذَا صَلَّى سَقَطَ الْفَرْض عَنْهُ وَعَنْ النِّسَاءِ
وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ النِّسَاءِ، وَأَمَّا
عَنْ الْخُنْثَى فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَأْبَى ذَلِكَ (وَصَلَاتُهُنَّ
فُرَادَى أَفْضَلُ) مِنْهَا جَمَاعَةً، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى
وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
رَجُلٌ صَلَّيْنَ مُنْفَرِدَاتٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِهِ
ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ
تُسَنَّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ كَمَا فِي غَيْرِهَا وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ
مِنْ السَّلَفِ
(فَصْلٌ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ) وَلَوْ دُونَ
مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَفِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُصَلِّي
مُسْتَقْبِلَهَا «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ مَوْتِهِ بِالْحَبَشَةِ»
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ قَالَ ابْنُ
الْقَطَّانِ لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ
وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ إزْرَاءً وَتَهَاوُنًا بِالْمَيِّتِ لَكِنَّ
الْأَقْرَبَ السُّقُوطُ لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ
إذَا عَلِمَ الْحَاضِرُونَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَا
تَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ
غُسِّلَ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَقْدِيمُ الْغُسْلِ شَرْطٌ عِنْدَ
الْإِمْكَانِ فَقَطْ عَلَى مَا مَرَّ أَوْ يُقَالَ يَنْوِي الصَّلَاةَ
عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْ غُسِّلَ فَيُعَلِّقَ النِّيَّةَ (لَا) عَلَى
الْغَائِبِ (فِيهَا) أَيْ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَبُرَتْ لِتَيَسُّرِ
الْحُضُورِ وَشَبَّهُوهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَنْ بِالْبَلَدِ مَعَ
إمْكَانِ إحْضَارِهِ فَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ السُّورِ قَرِيبًا
مِنْهُ فَهُوَ كَدَاخِلِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي
وَأَقَرَّهُ وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَى مَنْ فِي الْبَلَدِ الْحُضُورُ
لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ فَفِيهِ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ
وَجَزَمَ فِي مَوْضِعٍ بِالْجَوَازِ لِلْمَحْبُوسِ.
(وَ) تَجُوزُ (عَلَى قَبْرِ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَعْدَ الدَّفْنِ) سَوَاءٌ أَدُفِنَ قَبْلَهَا أَمْ بَعْدَهَا
«؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ
امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَعَلَى قَبْرِ
مِسْكِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ مِحْجَنٍ دُفِنَتْ لَيْلًا» رَوَى
الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَسَلَّمَ فَلَا تَجُوزُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَنَ
اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ» وَبِأَنَّا لَمْ نَكُنْ أَهْلًا لِلْفَرْضِ وَقْتَ مَوْتِهِمْ،
وَإِنَّمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قُبُورِ غَيْرِهِمْ وَعَلَى
الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ (لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ
عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ) أَيْ وَقْتَهُ قَالُوا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ
مُتَنَفِّلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ
مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَقَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِصُورَتِهَا
مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ يُؤْتِي بِصُورَتِهَا
ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ مَا قَالُوهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ الْمُعْتَمَدُ) مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ
مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ صَبِيٌّ
مُمَيِّزٌ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يُخَاطَبْنَ بِهَا حِينَئِذٍ خِطَابَ
فَرْضٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ أَمْرُهُ بِهَا كَمَا يَجِبُ عَلَى
وَلِيِّ الطِّفْلِ أَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ وَقَدْ
يُقَالُ إذَا وَقَعَتْ مِنْ الصَّبِيِّ نَفْلًا إلَخْ) لَا إشْكَالَ
لِاخْتِلَافِ حَالَةِ وُقُوعِهَا مِنْهُ نَفْلًا وَحَالَةِ وُقُوعِهَا
فَرْضًا (قَوْلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي صَلَاتِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ
[فَصْلٌ الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ]
(قَوْلُهُ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى
عَلَى النَّجَاشِيِّ بِالْمَدِينَةِ» إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّ
الْأَرْضَ زُوِيَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى
رَآهُ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ
لَنُقِلَ وَكَانَ أَوْلَى بِالنَّقْلِ مِنْ نَقْلِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ
مُعْجِزَةٌ وَالثَّانِي أَنَّ رُؤْيَتَهُ إنْ كَانَتْ لِأَنَّ أَجْزَاءَ
الْأَرْضِ تَدَاخَلَتْ حَتَّى صَارَتْ الْحَبَشَةُ بِبَابِ الْمَدِينَةِ
لَوَجَبَ أَنْ تَرَاهُ الصَّحَابَةُ أَيْضًا وَلَمْ يُنْقَلْ، وَإِنْ
كَانَتْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَهُ إدْرَاكًا فَلَا يَتِمَّ عَلَى
مَذْهَبِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْبُعْدَ عَنْ الْمَيِّتِ يَمْنَعُ
صِحَّةَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ رَآهُ وَأَيْضًا وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ
الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ) قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ
بِمَوْضِعٍ لَا يَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ عَلَى أَهْلِهِ لَا كَدَارِ
الْحَرْبِ وَالْبَادِيَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُخَاطَبُ بِهِ أَقْرَبُ
الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ دُونَ مَنْ بَعُدَ انْتَهَى.
ش وَقَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
وَكَتَبَ أَيْضًا أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَجَازَ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ
أَنَّهَا تُسْقِطُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ
الْقَطَّانِ ف (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ السُّوَرِ إلَخْ)
لِيَنْظُرَ هَلْ الْقُرَى الْمُتَقَارِبَةُ جِدًّا كَالْقَرْيَةِ
الْوَاحِدَةِ أَمْ لَا غ وَقَوْلُهُ كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَقَالَ صَاحِبُ الْوَافِي: وَغَيْرُهُ
إنَّ خَارِجَ السُّوَرِ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ يَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ
مِنْ بَعْضٍ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ السُّوَرِ
لِلْخَارِجِ وَلَا الْعَكْسُ (قَوْلُهُ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ
صَاحِبِ الْوَافِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ فِي
مَوْضِعٍ بِالْجَوَازِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ،
وَتَجُوزُ عَلَى قَبْرِ غَيْرِ النَّبِيِّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ
الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ (قَوْلُهُ
لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ)
يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ النِّسَاءِ إذَا كَانَ وَقْتُ
الْمَوْتِ هُنَاكَ رَجُلٌ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ غ (قَوْلُهُ قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ) : أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا
تُفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتِمَّةِ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ قَوْلُهُ
بِخِلَافِ
(1/322)
يَنْتَقِضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ
الرِّجَالِ فَإِنَّهَا لَهُنَّ نَافِلَةٌ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَلَوْ
أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ وَقَعَتْ نَافِلَةً.
وَقَالَ الْقَاضِي فَرْضًا كَصَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ
وَقَضِيَّةُ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ يَوْمَ الْمَوْتِ
مَنَعَ الْكَافِرَ وَالْحَائِضَ يَوْمئِذٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي،
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَرَأَى الْإِمَامُ إلْحَاقَهُمَا
بِالْمُحْدِثِ وَتَبِعَهُ فِي الْوَسِيطِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ
وَاعْتِبَارُ الْمَوْتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ بَعْدَ
الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ وَالصَّوَابُ
خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ لَزِمَتْهُ
الصَّلَاةُ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ فَتَرَكَ
الْجَمِيعُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ بَلْ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ
الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَدْرَكَ زَمَنًا يُمْكِنُ
فِيهِ الصَّلَاةُ كَانَ كَذَلِكَ (وَلَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا قَطُّ)
يَعْنِي أَبَدًا كَانَ الْأَوْلَى تَرْكُ قَطُّ أَوْ إبْدَالُهَا بِ
مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَصَلَّى مُنْفَرِدًا أَمْ جَمَاعَةً أَعَادَهَا
فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا حَضَرَتْ الْجَمَاعَةُ قَبْلَ الدَّفْنِ
أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَ نَفْلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا
كَمَا مَرَّ قَالَ وَفِي الْمُهِمَّاتِ وَفِي التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ
قُصُورٌ فَإِنَّ الْإِعَادَةَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْلَوِيَّةُ التَّرْكِ لِجَوَازِ التَّسَاوِي
وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهُ
الْإِعَادَةُ بَلْ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا وَأُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ
لُزُومِ أَوْلَوِيَّةِ التَّرْكِ بَلْ يَلْزَمُ فِي الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ
كَوْنَهَا عِبَادَةٌ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مَطْلُوبَةً إيجَابًا أَوْ
نَدْبًا.
أَمَّا الْإِبَاحَةُ وَالْعِبَادَةُ فَلَا يَجْتَمِعَانِ (وَلِمَنْ حَضَرَ
بَعْدَ الْجَمَاعَةِ) الَّذِينَ صَلَّوْا (أَنْ يُقِيمُوا) الصَّلَاةَ
(جَمَاعَةٌ أُخْرَى) وَفُرَادَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ حَذَفَ جَمَاعَةً أُخْرَى كَانَ أَوْلَى
وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْأَوْلَى أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ إلَى بَعْدِ
دَفْنِهِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ النَّصِّ (وَيَنْوُونَ الْفَرْضَ)
وَتَقَعُ صَلَاتُهُمْ فَرْضًا كَالْأَوَّلِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا كَمَا مَرَّ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ وَالسَّاقِطُ بِالْأُولَى عَنْ الْبَاقِينَ خَرَجَ الْفَرْضُ
لَا هُوَ وَقَدْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ غَيْرَ فَرْضٍ
وَبِالدُّخُولِ فِيهِ يَصِيرُ فَرْضًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَأَحَدِ
خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَمَا قَالَهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ
إنَّهُ إذَا سَقَطَ الْحَرَجُ سَقَطَ الْفَرْضُ وَقَدْ أَوْضَحَهُ
السُّبْكِيُّ فَقَالَ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ بِهِ
الْمَقْصُودُ بَلْ تَتَجَدَّدُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِ الْفَاعِلِينَ
كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذْ
مَقْصُودُهَا الشَّفَاعَةُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَإِنْ سَقَطَ
الْحَرَجُ وَلَيْسَ كُلُّ فَرْضٍ يُؤْثَمُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا (وَإِنْ
دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ) عَلَيْهِ (أَثِمُوا) أَيْ الدَّافِنُونَ
وَالرَّاضُونَ بِدَفْنِهِ قَبْلَهَا لِوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ
(وَصَلَّوْا عَلَى الْقَبْرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِلصَّلَاةِ
عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَلَا تُكْرَهُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ (فِي الْمَسْجِدِ بَلْ هِيَ) فِيهِ
(أَفْضَلُ) مِنْهَا فِي غَيْرِهِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ عَلَى ابْنِي بَيْضَاءَ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَسْجِد أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا
خَبَرُ «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ»
فَضَعِيفٌ وَاَلَّذِي فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ وَلَوْ صَحَّ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا جَمْعًا بَيْنَ
الرِّوَايَاتِ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ، {وَإِنْ
أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَوْ عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ
الْمُصَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ يَنْصَرِفُ عَنْهَا غَالِبًا وَمَنْ
يُصَلَّى عَلَيْهَا فِي الصَّحْرَاءِ يُحْضَرُ دَفْنُهَا غَالِبًا
فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَلَا أَجْرَ كَامِلَ لَهُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ»
(وَيُسْتَحَبُّ) فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ فَأَكْثَرُ)
لِخَبَرِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّابِقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ
بَعْضُهُمْ وَالثَّلَاثَةُ بِمَنْزِلَةِ الصَّفِّ الْوَاحِدِ فِي
الْأَفْضَلِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ
مُحَافَظَةً عَلَى مَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنْ الثَّلَاثَةِ (فَلَوْ)
الْأَوْلَى وَلَوْ (صَلَّى) الْإِمَامُ (عَلَى حَاضِرٍ وَالْمَأْمُومُ
عَلَى غَائِبٍ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ) صَلَّى إنْسَانٌ (عَلَى حَاضِرٍ
وَغَائِبٍ جَازَ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ لَا يَضُرُّ
وَالْأَخِيرُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى جَوَازَ
اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمُصَلَّى عَلَيْهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي
الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ (وَإِنْ حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ لَمْ يُنْتَظَرْ)
أَحَدٌ لِخَبَرِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ» (إلَّا الْوَلِيَّ) قَالَ فِي
الرَّوْضَةِ فَلَا بَأْسَ بِانْتِظَارِهِ أَيْ عَنْ قُرْبٍ (مَا لَمْ
يُخَفْ تَغَيُّرٌ) لِلْمَيِّتِ وَاسْتَثْنَى مَعَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ
وَغَيْرُهُ مَا إذَا كَانُوا دُونَ أَرْبَعِينَ فَيُنْتَظَرُ
تَكْمِلَتُهُمْ عَنْ قُرْبٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مَطْلُوبٌ فِيهَا
قَالَ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْ أَوَّلِ
الْوَقْتِ إذَا حَضَرَتْ وَتُؤَخَّرُ إنْ لَمْ تَحْضُرْ وَفِي مُسْلِمٍ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ لِلْأَرْبَعَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
صَلَاةِ الظُّهْرِ خَطَأٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ
لِلْإِنْسَانِ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَاطَى
عِبَادَةً لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا، وَهُوَ حَرَامٌ وَالْأَسْبَابُ الَّتِي
تُؤَدَّى بِهَا الظُّهْرُ ثَلَاثَةٌ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ
وَالْإِعَادَةُ انْتَهَى.
يُجَابُ بِأَنَّ الْخَطَأَ إنَّمَا هُوَ مَا قَالَهُ لِخَطَأِ فَهْمِهِ
كَلَامَ النَّوَوِيِّ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ لَوْ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ يُؤْتَى بِهَا (قَوْلُهُ وَقَعَتْ نَافِلَةً) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مُنِعَ الْكَافِرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
كَانَ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَا تُسْتَحَبُّ
إعَادَتُهَا قَطُّ) قُلْت إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَاءً وَلَا تُرَابًا
فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيُعِيدُ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى
وَقِيَاسُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَكْتُوبَةِ لِخَلَلٍ
أَنْ يُصَلِّيَ هُنَا وَيُعِيدَ أَيْضًا لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ هَلْ
مَحَلُّهُ مَا إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَوْ مُطْلَقًا فِيهِ
احْتِمَالٌ عِنْدِي وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ
لَهُ ذَلِكَ مَعَ حُصُولِ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِ انْتَهَى.
وَمَا تَفَقَّهَهُ فِي فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِهِمْ
(قَوْلُهُ وَهَذِهِ لَا يَتَنَقَّلُ بِهَا) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا
يَفْعَلُهَا مَرَّةً ثَانِيَةً لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ شَرْعًا بِخِلَافِ
الْفَرَائِضِ فَإِنَّهَا تُعَادُ سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَوْ لَا فَرْضًا أَوْ
نَفْلًا كَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي التَّتِمَّةِ فَقَالَ
عَامَّةُ أَصْحَابِنَا: عَلَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ
عَلَى الْكِفَايَةِ فَلَوْ قُلْنَا يُعِيدُهَا لَمْ يَكُنْ الثَّانِي
فَرْضًا بَلْ تَطَوُّعًا وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالتَّطَوُّعِ بِصَلَاةِ
الْجِنَازَةِ؛ وَلِأَنَّ السُّنَنَ كَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا فُعِلَتْ مَرَّةً لَا تُعَادُ مَرَّةً
أُخْرَى فَكَذَا هُنَا (قَوْلُهُ فَقَالَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ
يَتِمَّ بِهِ الْمَقْصُودُ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْمَقْصُودُ
وَلَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ
الْفَرْضُ أَيْضًا مِنْهُ (قَوْلُهُ فَأَكْثَرُ) قَالَ شَيْخُنَا: بَيَانٌ
لِمَنْعِ النَّقْصِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ
بِالْأَصَالَةِ، وَإِنْ طَلَبَ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ
الرَّابِعَ مَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ وَهَكَذَا وَلَوْ
كَانُوا ثَلَاثَةً وَقَفَ وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَالِاثْنَانِ صَفًّا
أَوْ اثْنَانِ وَقَفَا صَفًّا أَوْ خَمْسَةً وَقَفَ وَاحِدٌ مَعَ
الْإِمَامِ وَكُلُّ اثْنَيْنِ صَفًّا (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى مَعَ ذَلِكَ
الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ
(1/323)
قِيلَ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَمْ
يَجْتَمِعْ أَرْبَعُونَ إلَّا كَانَ لِلَّهِ فِيهِمْ وَلِيٌّ وَلَا
يُؤَخَّرُ بَعْدُ صَلَاةُ مَنْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهِ لِيُصَلِّيَ
عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (عَلَى مَنْ مَاتَ
وَغُسِّلَ الْيَوْمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ
عَدَدُهُمْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ
(بَابُ الدَّفْنِ) لِلْمَيِّتِ (وَهُوَ فِي الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ) مِنْهُ
فِي غَيْرِهَا لِلِاتِّبَاعِ وَلِنَيْلِ دُعَاءِ الطَّارِقِينَ وَفِي
أَفْضَلِ مَقْبَرَةٍ بِالْبَلَدِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا دُفِنَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي
مَدْفَنِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ خَافُوا مِنْ دَفْنِهِ فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ
التَّنَازُعَ فِيهِ فَتَطْلُبُ كُلُّ قَبِيلَةٍ دَفْنَهُ عِنْدَهُمْ؛
وَلِأَنَّ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ
يَمُوتُونَ وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا الشَّهِيدَ
فَيُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ حَيْثُ قُتِلَ لِخَبَرٍ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ
مَضْجَعَهُ يَشْهَدُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَهُ، وَهُوَ مَا سَالَ مِنْ
دَمِهِ قَدْ صَارَ فِيهِ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْمَقْبَرَةُ مَغْصُوبَةً
أَوْ سَبَّلَهَا ظَالِمٌ اشْتَرَاهَا بِمَالٍ خَبِيثٍ أَوْ نَحْوِهِمَا
أَوْ كَانَ أَهْلُهَا أَهْلَ بِدْعَةٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ كَانَتْ
تُرْبَتُهَا فَاسِدَةً لِمُلُوحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ كَانَ نَقْلُ
الْمَيِّتِ إلَيْهَا يُؤَدِّي لِانْفِجَارِهِ فَالْأَفْضَلُ اجْتِنَابُهَا
قُلْت بَلْ يَجِبُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ
الدَّفْنَ فِي الْبَيْتِ مَكْرُوهٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إلَّا أَنْ
تَدْعُوَ إلَيْهِ حَاجَةٌ أَوْ مَصْلَحَةٌ كَمَا مَرَّ عَلَى أَنَّ
الْمَشْهُورَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ فَلَوْ قَالَ
بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُدْفَنُ فِي مِلْكِهِ وَقَالَ الْبَاقُونَ: فِي
الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ (فَيُجَابُ طَالِبُهَا) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ
قَدْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ وَبَعْضُهُمْ غَيْرُ رَاضٍ بِدَفْنِهِ فِيهِ
فَلَوْ تَنَازَعُوا فِي مَقْبَرَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ أَوْصَى
بِشَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: إنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا فَيَنْبَغِي أَنْ
يُجَابَ الْمُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ فَإِنْ اسْتَوَوْا
أُقْرِعَ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً أُجِيبَ الْقَرِيبُ دُونَ الزَّوْجِ
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ التَّسَاوِي،
وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمَيِّتِ
فَيُجَابُ الدَّاعِي إلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ أَوْ
أَصْلَحَ أَوْ مُجَاوِرَةً لَا خِيَارَ وَالْأُخْرَى بِالضِّدِّ بَلْ لَوْ
اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلَحِ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ الِاعْتِرَاضُ
عَلَيْهِمْ فِيهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ
اتَّفَقُوا عَلَى تَكْفِينِهِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ دَفَنَهُ بَعْضُ
الْوَرَثَةِ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَمْ يُنْقَلْ) لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ،
وَلَيْسَ فِي إبْقَائِهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ
دَفْنِهِ فِي أَرْضِ بَعْضِهِمْ (لَهُمْ) أَيْ لِبَقِيَّتِهِمْ
(الِامْتِنَاعُ) مِنْ دَفْنِهِ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ
عَلَيْهِمْ فَيُجَابُونَ لِدَفْنِهِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ،
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ مِنْ مَالِي
وَقَالَ الْبَاقُونَ: مِنْ الْأَكْفَانِ الْمُسَبَّلَةِ حَيْثُ يُجَابُ
الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ جَرَتْ بِالدَّفْنِ فِي الْمَقَابِرِ
الْمُسَبَّلَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَهُمْ عَارٌ بِخِلَافِ
الْأَكْفَانِ الْمُسَبَّلَةِ وَقَوْلُهُ وَقَبْلَهُ لَهُمْ الِامْتِنَاعُ
مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيُجَابُ طَالِبُهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَدْفَنُ
ثَمَّ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُنَا مِنْ غَيْرِهَا (أَوْ) دَفَنَهُ بَعْضُهُمْ
(فِي أَرْضِ التَّرِكَةِ فَلِلْبَاقِينَ لَا لِلْمُشْتَرِي مِنْهُمْ
نَقْلُهُ وَالْأَوْلَى) لَهُمْ (تَرْكُهُ) فَنَقْلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى
لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَالْمُرَادُ كَرَاهَتُهُ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي
الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهَا عَنْ الْأَصْحَابِ أَمَّا لَوْ دَفَنُوهُ فِي
مِلْكِهِ ثُمَّ بَاعُوهُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي نَقْلُهُ لِسَبْقِ
حَقِّهِمْ فَقَوْلُهُ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا مِنْ الْبَاقِينَ
(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (الْخِيَارُ) فِي فَسْخِ الْبَيْعِ (إنْ
جَهِلَ) الْحَالَ (وَهُوَ) أَيْ الْمَدْفِنُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي
يَنْتَفِعُ بِهِ (إنْ بَلِيَ) الْمَيِّتُ أَوْ اتَّفَقَ نَقْلُهُ
(فَرْعٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ مَاتَ رَقِيقٌ وَتَنَازَعَ
قَرِيبُهُ وَسَيِّدُهُ فِي مَقْبَرَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فَفِي
الْمُجَابِ مِنْهُمَا احْتِمَالَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّقَّ هَلْ
يَزُولُ بِالْمَوْتِ وَقَدْ مَرَّ (وَأَقَلُّ الْوَاجِبِ) فِي الْمَدْفِن
(حُفْرَةٌ تَصُونُ جِسْمَهُ عَنْ السِّبَاعِ) غَالِبًا (وَرَائِحَتَهُ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا
مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ
رِعَايَتِهِمَا فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا لَيْسَا
بِمُتَلَازِمَيْنِ كَالْفَسَاقِيِ الَّتِي لَا تَكْتُمُ الرَّائِحَةَ مَعَ
مَنْعِهَا الْوَحْشَ فَلَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا وَقَدْ قَالَ
السُّبْكِيُّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْفَسَاقِيِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهَا
لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِكَتْمِ الرَّائِحَةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى
هَيْئَةِ الدَّفْنِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا قَالَ وَقَدْ أَطْلَقُوا
تَحْرِيمَ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ
حُرْمَةِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ رَائِحَتِهِ فَيَجِبُ إنْكَارُ ذَلِكَ
(وَالْأَكْمَلُ) فِي الدَّفْنِ (قَبْرٌ وَاسِعٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ «أَسْفِرُوا وَأَوْسِعُوا
وَأَعْمِقُوا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ارْتِفَاعُهُ (قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ) مِنْ
رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ لَهُمَا بِأَنْ يَقُومَ بَاسِطًا يَدَيْهِ
مَرْفُوعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ
فِي الْمَقْصُودِ (وَهُمَا أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٍ) خِلَافًا
لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَغُسْلُ الْيَوْمِ) أَيْ أَوْ السَّنَةِ
[بَابُ الدَّفْنِ لِلْمَيِّتِ]
(بَابُ الدَّفْنِ) (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ
إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بَلْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى
خِلَافِ الْأَصْلَحِ إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ: يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ
مَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ مَفْرُوضًا عِنْدَ التَّسَاوِي أَمَّا
مَتَى ظَهَرَتْ مَصْلَحَةُ الْمَيِّتِ فِي إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ
تَقْدِيمُهَا وَقَوْلُهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ) أَيْ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ أَيْ
مِنْ الْوَرَثَةِ لَا مِنْ الْبَاقِينَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ أَعَمُّ
مِنْ الْبَاقِينَ فَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِمْ صَحِيحٌ
[فَرْعٌ مَاتَ رَقِيقٌ وَتَنَازَعَ قَرِيبُهُ وَسَيِّدُهُ فِي
مَقْبَرَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ]
(قَوْلُهُ احْتِمَالَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّقَّ هَلْ يَزُولُ
بِالْمَوْتِ إلَخْ) قَدْ قَدَّمْت مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُجَابَ
السَّيِّدُ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّ الْوَاجِبِ حُفْرَةٌ إلَخْ) قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ حُفْرَةٌ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا
يُصْنَعُ بِالشَّامِ وَغَيْرِهِ مِنْ عَقْدِ أَزَجًّ وَاسِعٍ أَوْ
مُقْتَصِدٍ شِبْهِ بَيْتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ سَبُعًا وَلَا نَبَّاشًا
مَعَ مُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ، وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَحَقِيقَةِ بَيْتٍ
تَحْتَ الْأَرْضِ فَهُوَ كَوَضْعِهِ فِي غَارٍ وَنَحْوِهِ وَسَدِّ بَابِهِ
وَلَيْسَ هَذَا بِدَفْنٍ قَطْعًا. اهـ. وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:
إلَخْ أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ (قَوْلُهُ تَصُونُ جِسْمَهُ عَنْ
السِّبَاعِ) وَرَائِحَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي وُجُوبِ الدَّفْنِ
عَدَمُ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ بِانْتِشَارِ رَائِحَتِهِ وَاسْتِقْذَارِ
جِيفَتِهِ وَأَخْذِ السِّبَاعِ لَهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ
وَاسِعٍ) أَيْ مِنْ قِبَلَ رِجْلَيْهِ وَرَأْسِهِ (قَوْلُهُ «وَأَوْسَعُوا
وَأَعْمَقُوا» ) التَّوْسِيعُ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ
وَالتَّعْمِيقُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ
الزِّيَادَةُ فِي النُّزُولِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي
قَوْلِهِ إلَخْ) يَصِحُّ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَمْلُ كَلَامِ
الرَّافِعِيِّ عَلَى الذِّرَاعِ الْمَعْرُوفِ وَكَلَامِ النَّوَوِيِّ عَلَى
ذِرَاعِ الْيَدِ
(1/324)
ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ (فَرْعٌ ثُمَّ) بَعْدَ
حَفْرِ الْقَبْرِ (يَحْفِرُ) نَدْبًا (اللَّحْدَ) بِفَتْحِ اللَّامِ
وَضَمِّهَا يُقَالُ لَحَدْت لِلْمَيِّتِ وَأَلْحَدْت لَهُ (فِي جَانِبِهِ
الْقِبْلِيِّ مَائِلًا عَنْ الِاسْتِوَاءِ إلَى) عِبَارَةِ الْأَصْلِ مِنْ
(أَسْفَلِهِ) قَدْرَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ (وَيُوَسِّعُ) مِنْ
زِيَادَتِهِ أَيْ يُوَسِّعُ اللَّحْدَ نَدْبًا بِالْعُمُومِ الْخَبَرِ
السَّابِقِ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ لِلْأَمْرِ
بِهِ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ فِي أَبِي دَاوُد (فَإِنْ كَانَتْ) أَرْضَ
الْقَبْرِ (رِخْوَةً) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ مِنْ
فَتْحِهَا وَضَمِّهَا (شَقَّ فِي وَسَطِهِ) كَالنَّهْرِ وَالْأَرْضِ
الرِّخْوَةِ هِيَ الَّتِي تَنْهَارُ وَلَا تَتَمَاسَكُ (وَبَنَى) عِبَارَةَ
الرَّافِعِيِّ أَوْ بَنَى (جَانِبَيْهِ وَسَقْفَهُ) بِلَبِنٍ أَوْ خَشَبٍ
أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَرْفَعُ السَّقْفَ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ
الْمَيِّتَ (وَاللَّحْدُ فِي) الْأَرْضِ (الصُّلْبَةِ أَفْضَلُ) مِنْ
الشَّقِّ بِفَتْحِ الشِّينِ «لِقَوْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي
مَرَضِ مَوْتِهِ أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنِ
نَصْبًا كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَمَّا فِي الرَّخْوَةِ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ
خَشْيَةَ الِانْهِيَارِ
(فَرْعٌ يُوضَعُ الْمَيِّتُ) نَدْبًا بِحَيْثُ يَكُونُ رَأْسُهُ (عِنْدَ
رِجْلِ الْقَبْرِ) أَيْ مُؤَخِّرِهِ الَّذِي سَيَصِيرُ عِنْدَ رِجْلِ
الْمَيِّتِ (وَيُسَلُّ مِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ
الْخِطْمِيَّ الصَّحَابِيَّ صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ الْحَارِثِ ثُمَّ
أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ وَقَالَ هَذَا مِنْ
السُّنَّةِ» وَلِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَّ مِنْ قِبَلِ
رَأْسِهِ سَلًّا» وَمَا قِيلَ أَنَّهُ أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ
ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ حَسَّنَهُ
التِّرْمِذِيُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهُ مِنْ قِبَلِ
الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ شَقَّ قَبْرِهِ لَاصِقٌ بِالْجِدَارِ وَلَحْدَهُ
تَحْتَ الْجِدَارِ فَلَا مَوْضِعَ هُنَاكَ يُوضَعُ فِيهِ قَالَهُ
الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
(وَيُنْزِلُهُ اللَّحْدَ) أَوْ غَيْرَهُ (أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ
عَلَيْهِ) فَلَا يُنْزِلُهُ إلَّا الرِّجَالُ مَتَى وُجِدُوا، وَإِنْ كَانَ
الْمَيِّتُ امْرَأَةً بِخِلَافِ النِّسَاءِ لِضَعْفِهِنَّ عَنْ ذَلِكَ
غَالِبًا وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِي قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْمُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ» .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ لَهَا مَحَارِمُ مِنْ النِّسَاءِ كَفَاطِمَةَ
وَغَيْرِهَا نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَلِينَ
حَمْلَ الْمَرْأَةِ مِنْ مُغْتَسَلِهَا إلَى النَّعْشِ وَتَسْلِيمَهَا إلَى
مَنْ فِي الْقَبْرِ وَحَلِّ ثِيَابِهَا فِيهِ (لَكِنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ)
مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ
مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ (ثُمَّ الْأَفْقَهُ) بِالدَّفْنِ (الْقَرِيبِ)
أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى مِنْ الْأَقْرَبِ وَإِلَّا سُنَّ عَكْسُ مَا
مَرَّ فِيهِمَا فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ،
وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ دَفَعَ بِهِ وُرُودَهُ عَلَى إطْلَاقِ قَوْلِهِمْ
وَيُنْزِلُهُ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَعْدَ
الْقَرِيبِ عَلَى الْأَقْرَبِ أَيْ يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ الْقَرِيبُ عَلَى
الْأَقْرَبِ وَلَوْ أَسَنَّ (ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ
الْمَحَارِمِ) فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَبُوهُ، وَإِنْ عَلَا ثُمَّ
الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ نَزَلَ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ
الْأَخُ لِلْأَبِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ
لِلْأَبِ ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ أَبُو
الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ مِنْهَا ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ مِنْهَا
عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ (ثُمَّ عَبِيدُهَا) أَيْ الْمَيِّتَةِ؛
لِأَنَّهُمْ كَالْمَحَارِمِ فِي النَّظَرِ وَنَحْوِهِ وَاسْتَشْكَلَ
بِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تُغَسِّلُ سَيِّدَهَا لِانْقِطَاعِ الْمِلْكِ،
وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ هُنَا وَأُجِيبَ بِاخْتِلَافِ الْبَابَيْنِ
إذْ الرَّجُلُ ثَمَّ يَتَأَخَّرُ.
وَهُنَا يَتَقَدَّمُ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ يَتَقَدَّمُ
هُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَبْدُ الْمَيِّتَةِ أَوْلَى مِنْهُ وَيُشْبِهُ
أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى عَبِيدِهَا مَحَارِمُ الرَّضَاعِ وَمَحَارِمُ
الْمُصَاهَرَةِ (ثُمَّ الْخُصْيَانُ) الْأَجَانِبُ لِضَعْفِ شَهْوَتِهِمْ
وَلَوْ قَالَ ثُمَّ الْمَمْسُوخُونَ ثُمَّ الْمَجْبُوبُونَ ثُمَّ
الْخُصْيَانُ كَانَ أَوْلَى لِلتَّفَاوُتِ بِضَعْفِ الشَّهْوَةِ (ثُمَّ
الْعَصَبَةُ) الَّذِينَ لَا مَحْرَمِّيَةَ لَهُمْ كَبَنِي الْعَمِّ
بِتَرْتِيبِهِمْ فِي الصَّلَاةِ (ثُمَّ ذَوُو الرَّحِمِ) وَفِي نُسْخَةٍ
ذَوُو الْأَرْحَامِ (الَّذِينَ لَا مَحْرَمِّيَةَ لَهُمْ) كَبَنِي الْخَالِ
وَبَنِي الْعَمَّةِ فَقَوْلُهُ الَّذِينَ لَا مَحْرَمِّيَةَ لَهُمْ صِفَةٌ
لِلْعَصَبَةِ وَلِذَوِي الرَّحِمِ وَذِكْرُ الْعَصَبَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ
(ثُمَّ صَالِحُ الْأَجَانِبِ) لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ السَّابِقِ إذْ لَمْ
يَكُنْ ثَمَّ مَحْرَمٌ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّهُ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي نُزُولِ قَبْرِهَا وَكَذَا
زَوْجُهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ النِّسَاءُ بِتَرْتِيبِهِنَّ
السَّابِقِ فِي الْغُسْلِ وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ قَالَ الْإِمَامُ
وَلَا أَرَى تَقْدِيمَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَحْتُومًا بِخِلَافِ
الْمَحَارِمِ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ فِي وُجُوبِ الِاحْتِجَابِ
عَنْهُمْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ لَيْسَ حَتْمًا فِي
تَأْدِيَةِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجُمْهُورِ يَرَوْنَهُ حَتْمًا فِيهَا
عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبٌّ لَا
وَاجِبٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ
لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي الدَّفْنِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ فِي الْأَمَةِ
الَّتِي تَحِلُّ لَهُ كَالزَّوْجِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَهَلْ يَكُونُ
مَعَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ أَمَّا فِي الرَّخْوَةِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: اللَّحْدُ
عِنْدَنَا أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً فَيُحْفَرُ قَبْرٌ
وَاسِعٌ وَيُبْنَى لَحْدُهُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ لَبِنٍ وَيُدْفَنُ الْمَيِّتُ
فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ يَنْبَغِي تَنْزِيلُ كَلَامِ
غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْبِنَاءُ أَوْ لَمْ يُفْعَلْ
فَالشَّقُّ أَوْلَى مِنْ اللَّحْدِ الرَّخْوِ
[فَرْعٌ كَيْفِيَّة الدَّفْن]
(قَوْلُهُ وَقَالَ هَذَا مِنْ السُّنَّةِ) وَقَوْل الصَّحَابِيِّ مِنْ
السُّنَّةِ كَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ (قَوْلُهُ أَوْلَاهُمْ
بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ
أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِالدَّفْنِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ أَنَّا حَيْثُ
قَدَّمْنَا الْوَالِيَ فِي الصَّلَاةِ نُقَدِّمُهُ فِي الدَّفْنِ قَالَ
ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ فِيهِ. اهـ.
وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ أَحَقُّ فَإِنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ
فَيَكُونُ لَهُ التَّقْدِيمُ وَالتَّقَدُّمُ (قَوْلُهُ وَاسْمُهَا أُمُّ
كُلْثُومٍ) قَالَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
وَوَقَعَ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهَا رُقَيَّةُ ثُمَّ قَالَ مَا
أَدْرِي مَا هَذَا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لَمْ يَشْهَدْ رُقَيَّةَ أَيْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ غَائِبًا بِبَدْرٍ
وَصَحَّحَ ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّهَا زَيْنَبُ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ
أَبِي شَيْبَةَ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَبِيدُهَا) قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ
وَالْخَصِيُّ مِنْهُمْ أَوْلَى مِنْ الْفَحْلِ وَأَغْفَلَهُ النَّوَوِيُّ
فِي شَرْحِهِ لَهُ (قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى
عَبِيدِهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مَحَارِمُ الرَّضَاعِ
وَمَحَارِمُ الْمُصَاهَرَةِ) وَقَدْ شَمِلَ ذَلِكَ كَلَامُ الْحَاوِي
الصَّغِيرِ وَفُرُوعَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَدْ يُقَالُ إنَّ
الْعِنِّينَ وَالْهَمَّ مِنْ الْفُحُولِ أَضْعَفُ شَهْوَةً مِنْ شَبَابِ
الْخُصْيَانِ فَيُقَدَّمُونَ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ
مُسْتَحَبُّ لَا وَاجِبٌ) نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ
وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَوْلَى كَذَا وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا
أَوْلَوِيَّةُ اسْتِحْبَابٍ
(1/325)
كَالْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ
وَالْأَقْرَبُ نَعَمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ،
وَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ أَحَقُّ بِدَفْنِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ حَتْمًا
(فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَدَدُهُمْ) أَيْ الدَّافِنِينَ
(وَعَدَدُ الْغَاسِلِينَ وِتْرًا) ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ
الْحَاجَةِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَنَهُ
عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِدُونِ الْعَبَّاسِ وَزِيَادَةُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأُسَامَةَ وَنَزَلَ مَعَهُمْ خَامِسٌ وَفِي
رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَأُسَامَةَ وَفِي
أُخْرَى لَهُ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَشُقْرَانُ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَ
مَعَهُمْ خَامِسٌ «؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَدْ تَوَلَّى غُسْلَهُ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ»
كَمَا مَرَّ فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ (وَيُجْزِئُ كَافٍ) لِدَفْنِهِ
وَغُسْلِهِ وَلَوْ وَاحِدًا أَوْ شَفْعًا لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ وَلَك
أَنْ تُدْخِلَ الْوَاحِدَ فِي قَوْلِهِ وِتْرًا وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِهِ
فِي الدَّفْنِ عِنْدَ الِاكْتِفَاءِ بِهِ الِاتِّبَاعُ رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَخَبَرُ أَبِي طَلْحَةَ السَّابِقُ (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ
يُدْخِلَهُ) الْقَبْرَ (وَالْقَبْرُ مَسْتُورٌ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتُرَ الْقَبْرَ عِنْدَ الدَّفْنِ بِثَوْبٍ رَجُلًا
كَانَ أَوْ امْرَأَةً أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِمَا عَسَاهُ أَنْ
يَنْكَشِفَ مِمَّا كَانَ يَجِبُ سَتْرُهُ (وَ) سَتْرُهُ (لِلْمَرْأَةِ
آكَدُ) مِنْهُ لِغَيْرِهَا كَمَا فِي الْحَيَاةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ
لِلْخُنْثَى آكَدُ مِنْهُ لِلرَّجُلِ (قَائِلًا) مُدْخِلُهُ (بِسْمِ
اللَّهِ) وَبِاَللَّهِ (وَعَلَى مِلَّةِ) أَوْ سُنَّةِ (رَسُولِ اللَّهِ) -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ لَهُ بِالْمَأْثُورِ) .
وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ عَنْ الشَّافِعِيِّ اللَّهُمَّ أَسْلَمَهُ
إلَيْك الْأَشِحَّاءُ مِنْ وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَقَرَابَتِهِ
وَإِخْوَانِهِ وَفَارَقَهُ مَنْ كَانَ يُحِبُّ قُرْبَهُ وَخَرَجَ مِنْ
سَعَةِ الدُّنْيَا وَالْحَيَاةِ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ
وَنَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ إنْ عَاقَبْته فَبِذَنْبِهِ،
وَإِنْ عَفَوْت عَنْهُ فَأَهْلُ الْعَفْوِ أَنْتَ أَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ
عَذَابِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِك اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَسَنَتَهُ
وَاغْفِرْ سَيِّئَتَهُ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَاجْمَعْ لَهُ
بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك وَاكْفِهِ كُلَّ هَوْلٍ دُونَ
الْجَنَّةِ اللَّهُمَّ وَاخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْغَابِرِينَ
وَارْفَعْهُ فِي عَلِيَّيْنِ وَعُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِك يَا
أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى أَنَّثَ
ضَمَائِرَهُ كَمَا عُلِمَ زِيَادَةً مِمَّا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَخْذًا
مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الصَّغِيرِ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا
الذِّكْرِ الْمَأْثُورِ فِي غَيْرِ الصَّغِيرِ (ثُمَّ يُضْجِعُهُ) نَدْبًا
(عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ) اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَكَمَا
فِي الِاضْطِجَاعِ عِنْدَ النَّوْمِ (وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ بِلَبِنَةٍ)
طَاهِرَةٍ (وَنَحْوِهَا) خَوْفًا (مِنْ السُّقُوطِ) أَيْ اسْتِلْقَائِهِ
(وَيُدْنِي مِنْ جِدَارِ اللَّحْدِ) فَيُسْنِدُ إلَيْهِ وَجْهَهُ
وَرِجْلَاهُ وَيَجْعَلُ فِي بَاقِيهِ بَعْضَ التَّجَافِي فَيَكُونُ
قَرِيبًا مِنْ هَيْئَةِ الرَّاكِعِ خَوْفًا مِنْ انْكِبَابِهِ وَلَوْ
أَخَّرَ قَوْلَهُ مِنْ السُّقُوطِ إلَى هُنَا كَانَ أَنْسَبَ لِيَكُونَ
الْمَعْنَى خَوْفًا مِنْ اسْتِلْقَائِهِ وَانْكِبَابه. (وَالِاسْتِقْبَالُ
بِهِ) الْقِبْلَةَ (وَاجِبٌ) تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُصَلِّي
(فَإِنَّ دُفِنَ مُسْتَدْبِرًا) يَعْنِي غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ لَهَا
فَيَشْمَلُ الِاسْتِلْقَاءَ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ (نُبِشَ)
وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) وَإِلَّا فَلَا
يُنْبَشُ وَمَحَلُّهُ فِي الِاسْتِلْقَاءِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا
جَعَلَ عَرْضَ الْقَبْرِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ كَالْعَادَةِ وَإِلَّا
فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ جَعْلُ عَرْضِ الْقَبْرِ مِمَّا
يَلِي الْقِبْلَةَ فَإِنْ جَعَلَ طُولَهُ إلَيْهَا بِحَيْثُ إذَا وَضَعَ
فِيهِ الْمَيِّتَ تَكُونُ رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ فَعَلَ
لِضِيقِ مَكَان لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ لَكِنْ إذَا دُفِنَ عَلَى
هَذَا الْوَجْهِ لَا يُنْبَشُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ
فِيمَا ذَكَرَهُ لِلتَّنْزِيهِ وَتَعَقَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ:
وَيَنْبَغِي تَحْرِيمُ جَعْلِ الْقَبْرِ كَذَلِكَ بِلَا ضَرُورَةٍ؛
لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ وَسَبِّ صَاحِبِهِ
لِاعْتِقَادِ أَنَّهُ مِنْ الْيَهُودِ أَوْ النَّصَارَى فَإِنَّ هَذَا
شِعَارُهُمْ وَفِي كَوْنِ مَا قَالَهُ مُوجِبًا لِلتَّحْرِيمِ نَظَرٌ (لَا
إنْ وُضِعَ عَلَى يَسَارِهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا فَلَا يُنْبَشُ
(وَذَلِكَ) أَيْ وَضْعُهُ عَلَى يَسَارِهِ (مَكْرُوهٌ) .
وَهُوَ مُرَادُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ خِلَافُ
الْأَفْضَلِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا فَإِنَّ الَّذِي
سَبَقَ لَهُ ثُمَّ إنَّمَا هُوَ الْكَرَاهَةُ (وَلَوْ اخْتَلَطَ
مُسْلِمُونَ بِكُفَّارٍ أَوْ مَاتَتْ كَافِرَةٌ) وَلَوْ حَرْبِيَّةً أَوْ
مُرْتَدَّةً (وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مُسْلِمٌ) مَيِّتٌ (قُبِرُوا فِيمَا
بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ) وُجُوبًا لِئَلَّا
يُدْفَنَ الْكُفَّارُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَعَكْسُهُ رَوَى
الْبَيْهَقِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَصْرَانِيَّةٍ فِي بَطْنِهَا مُسْلِمٌ وَمَا
رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِهَا فِي مَقَابِرِ
الْمُسْلِمِينَ مُعَارِضٌ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَتَعْبِيرُ
الْمُصَنِّفِ بِالْكَافِرَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ
بِالذِّمِّيَّةِ لِمَا مَرَّ (وَاسْتَدْبَرُوا بِالْمَرْأَةِ) الْقِبْلَةَ
وُجُوبًا (لِيَسْتَقْبِلَ) هَا (الْجَنِينُ) ؛ لِأَنَّ وَجْهه إلَى ظَهْرِ
أُمِّهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إذَا نُفِخَ
فِيهِ الرُّوحُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ دُفِنَتْ أُمُّهُ كَيْفَ شَاءَ
أَهْلُهَا؛ لِأَنَّ دَفْنَهُ حِينَئِذٍ لَا يَجِبُ فَاسْتِقْبَالُهُ
أَوْلَى كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ إنَّ
وَقْتَ التَّخَلُّقِ هُوَ وَقْتُ نَفْخِ الرُّوحِ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَالْأَقْرَبُ نَعَمْ) الْأَقْرَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي
النَّظَرِ وَنَحْوِهِ كَالْمَحْرَمِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ عَبْدِ
الْمَرْأَةِ إذْ الْمَالِكِيَّةُ أَقْوَى مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ
[فَرْعٌ يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون عَدَد الدَّافِنِينَ والمغسلين وِتْرًا]
(قَوْلُهُ نُبِشَ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّتِنِ) أَوْ التَّقَطُّعِ
(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ
لِلتَّنْزِيهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ
الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ
(1/326)
الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَخَطَّطْ
لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَلَا دَفْنُهُ.
وَمَا رُدَّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجِهَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ النُّطْفَةِ بِدَوَاءٍ أَوْ
غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْحَامِلِ قَوَدٌ وَجَبَ
التَّأْخِيرُ إلَى وَضْعِهِ، وَإِنْ ظَنَنَّا عَدَمَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ
مَرْدُودٌ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ فِي الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ
بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي حَمْلِ الْحَيَاةِ وَفِي حَمْلِ الْمَيِّتَةِ
فَلَمْ يُرَاعُوا حُرْمَتَهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا لَوْ يُرَاعُوهَا
فِي التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ (وَحَكَى عَنْ النَّصِّ أَنَّ أَهْلَ
دِينِهَا يَتَوَلَّوْنَ غُسْلَهَا وَدَفْنَهَا) ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ
بِذَلِكَ
(فَرْعٌ يُرْفَعُ رَأْسُ الْمَيِّتِ) نَدْبًا (بِنَحْوِ لَبِنَةٍ)
طَاهِرَةٍ كَكَوْمِ تُرَابٍ (وَيُفْضَى بِخَدِّهِ) الْأَيْمَنِ (مَكْشُوفًا
إلَيْهَا) الْأَوْلَى إلَيْهِ أَيْ إلَى نَحْوِ اللَّبِنَةِ (أَوْلَى
التُّرَابُ) مُبَالَغَةً فِي الِاسْتِكَانَةِ وَالِامْتِهَانِ رَجَاءَ
الرَّحْمَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ مَكْشُوفًا إيضَاحٌ (وَيُكْرَهُ)
أَنْ يُوضَعَ تَحْتَهُ (مِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَفُرُشٌ) قَالُوا؛
لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَأَجَابُوا عَمَّا فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مِنْ أَنَّهُ جُعِلَ فِي قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِرِضَا جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ
وَلَا عِلْمِهِمْ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرَاهَةَ أَنْ تُلْبَسَ بَعْدَهُ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ وَضْعَ ثَوْبٍ
تَحْتَ الْمَيِّتِ بِقَبْرِهِ مَعَ أَنَّ الْقَطِيفَةَ أُخْرِجَتْ قَبْلَ
إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الِاسْتِيعَابِ وَلَوْ سُلِّمَ
أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ وَكِيعٌ هَذَا
خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَ) يُكْرَهُ (صُنْدُوقٌ) أَيْ جَعْلُ الْمَيِّتِ فِيهِ (وَلَا تَنْفُذُ
وَصِيَّته بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ الثَّلَاثَةِ
أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَقَوْلُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ
بِهِ (فَإِنْ اُحْتِيجَ الصُّنْدُوقُ) أَيْ إلَيْهِ (لِنَدَاوَةٍ
وَنَحْوِهَا) كَرَخَاوَةٍ فِي الْأَرْضِ فَلَا كَرَاهَةَ فَإِنْ وَصَّى
بِهِ (نَفَذَتْ) وَصِيَّتُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتَثْنَى
الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ فِي تَهْرِيَةٍ
بِحَرِيقٍ أَوْ لَدْغٍ بِحَيْثُ لَا يَضْبِطُهُ إلَّا الصُّنْدُوقُ قَالَ
وَيُسْتَثْنَى امْرَأَةٌ لَا مَحْرَمٌ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي
وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَمَسَّهَا الْأَجَانِبُ عِنْدَ الدَّفْنِ قُلْت فِيهِ
نَظَرٌ قَالَ وَيَظْهَرُ أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُسَبَّعَةُ
بِحَيْثُ لَا يَصُونُهُ مِنْ نَبْشِهَا إلَّا الصُّنْدُوقُ (وَهُوَ) أَيْ
الصُّنْدُوقُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) كَالْكَفَنِ؛
وَلِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ دَفْنِهِ الْوَاجِبِ (فَرْعٌ ثُمَّ) بَعْدَ
فَرَاغِهِ مِمَّا مَرَّ (يُبْنَى اللَّحْدُ) نَدْبًا (بِاللَّبِنِ
وَالطِّينِ) أَوْ نَحْوِهِمَا لِقَوْلِ سَعْدٍ فِيمَا مَرَّ وَانْصِبُوا
عَلَى اللَّبِنِ نَصْبًا؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي صِيَانَةِ
الْمَيِّتِ عَنْ النَّبْشِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
أَنَّ «اللَّبِنَاتِ الَّتِي وُضِعَتْ فِي قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعٌ» (وَتَسُدُّ فُرَجُهُ) أَيْ اللَّحْدِ
بِكَسْرِ اللَّبِنِ مَعَ الطِّينِ أَوْ بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا
يَمْنَعُ التُّرَابَ وَالْهَوَامَّ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ بَدَلَ
الْإِذْخِرِ الْآجُرُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ
وَالْجُمْهُورُ بَلْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِكَرَاهَةٍ قُلْت وَجَرَى
عَلَيْهِ الْقَمُولِيُّ قَالَ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ وَضْعُ شَيْءٍ مَسَّتْهُ
النَّارُ فِي الْقَبْرِ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي إسْنَادِ ظَهْرِهِ وَرَفْعِ
رَأْسِهِ وَبِنَاءِ لَحْدِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ
الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ يُنْصَبُ اللَّبِنُ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ وَتُسَدُّ
الْفُرَجُ بِقَطْعِ اللَّبِنِ مَعَ الطِّينِ أَوْ بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ
(ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُحْثِي) نَدْبًا (كُلُّ مَنْ دَنَا) عِبَارَةُ
الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ (ثَلَاثَ
حَثَيَاتٍ) مِنْ تُرَابِهِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَلِيَكُنْ قِبَلَ رَأْسِهِ
وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا
قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا
الْفَرْضِ يُقَالُ حَثَى يُحْثِي حَثْيًا وَحَثَيَاتٍ وَحَتَّى يَحْثُوَ
حَثْوًا وَحَثْوَاتٍ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ (وَيَقُولُ نَدْبًا فِي
الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] وَفِي الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا
نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] وَفِي الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً
أُخْرَى} [طه: 55] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ الْمُحِبُّ
الطَّبَرِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ فِي الْأُولَى اللَّهُمَّ
لَقِّنْهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حُجَّتَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ
افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ
جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ (ثُمَّ يُدْفَنُ بِالْمَسَاحِي) إسْرَاعًا
بِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَثْيِ؛
لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ وُقُوعِ اللَّبِنَاتِ وَعَنْ تَأَذِّي
الْحَاضِرِينَ بِالْغُبَارِ وَالْمَسَاحِي بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعِ
مِسْحَاةٍ بِكَسْرِهَا؛ لِأَنَّهَا آلَةٌ يُمْسَحُ بِهَا الْأَرْضُ وَلَا
تَكُونُ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ قَالَهُ
الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ هُنَا هِيَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا
(فَرْعٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى تُرَابِهِ)
الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لِئَلَّا يُعَظِّمَ شَخْصُهُ (وَأَنْ يُرْفَعَ
قَدْرَ شِبْرٍ) تَقْرِيبًا لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ كَقَبْرِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ تُرَابُهُ شِبْرًا فَالْأَوْجَهُ أَنْ
يُزَادَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى
الزِّيَادَةِ كَأَنْ سَفَّتْهُ الرِّيحُ قَبْلَ إتْمَامِ حَفْرِهِ أَوْ
كَانَتْ الْأَرْضُ قَلِيلَةَ التُّرَابِ لِكَثْرَةِ الْحِجَارَةِ
(وَتَسْطِيحُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَسْنِيمِهِ) كَقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ
رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ
قَالَ دَخَلْت عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ فِي الْأَوْلَى مِنْ هَاتَيْنِ) أَيْ
حُكْمُهَا مَمْنُوعٌ
[فَرْعٌ يُرْفَعُ رَأْسُ الْمَيِّتِ نَدْبًا بِنَحْوِ لَبِنَةٍ طَاهِرَةٍ
وَيُفْضَى بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ مَكْشُوفًا إلَيْهَا]
(قَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ دَفْنِهِ الْوَاجِبِ)
قَالَ شَيْخُنَا مَا لَمْ يُوصَ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ
دَنَا إلَخْ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ
الدَّفْنَ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْبَعِيدَ وَالْقَرِيبَ وَقَوْلُهُ لِمَنْ
حَضَرَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى تُرَابِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ]
(قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُزَادُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(1/327)
عَائِشَةَ فَقُلْت لَهَا اكْشِفِي لِي عَنْ
قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبِيهِ
فَكَشَفَتْ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ
بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ أَيْ لَا مُرْتَفِعَةً كَثِيرًا
وَلَا لَاصِقَةً بِالْأَرْضِ كَمَا بَيَّنَهُ آخِرَ الْخَبَرِ يُقَالُ
لَطِئَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَلَطَا بِفَتْحِهَا أَيْ لَصِقَ وَلَا يُؤَثِّرُ
أَفْضَلِيَّةُ التَّسْطِيحِ كَوْنُهُ صَارَ شِعَارَ الرَّوَافِضِ؛ لِأَنَّ
السُّنَّةَ لَا تُتْرَكُ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فِيهَا وَلَا
يُخَالِفُ ذَلِكَ «قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَنِي
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تَدَعَ
قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ
تَسْوِيَتَهُ بِالْأَرْضِ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ تَسْطِيحَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ نَقَلَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ دُفِنَ) مُسْلِمٌ (فِي بَلَدِ
الْكُفَّارِ أُخْفِيَ قَبْرُهُ) صِيَانَةً لَهُ عَنْهُمْ وَأَلْحَقَ بِهِ
الْأَذْرَعِيُّ الْأَمْكِنَةَ الَّتِي يُخَافُ نَبْشُهَا لِسَرِقَةِ
كَفَنِهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ) أَيْ
تَبْيِيضُ الْقَبْرِ بِالْجَصِّ أَيْ الْجِبْسُ وَيُقَالُ هُوَ النُّورَةُ
الْبَيْضَاءُ (وَكِتَابَةٌ وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ) قَالَ جَابِرٌ: «نَهَى
رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَصَّصَ
الْقَبْرُ، وَإِنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
زَادَ التِّرْمِذِيُّ «وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُوطَأَ» وَقَالَ
حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ الْقُبَّةُ أَمْ غَيْرُهَا
وَسَوَاءٌ فِي الْمَكْتُوبِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرُهُ فِي لَوْحٍ
عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَمَا
يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ يُكْرَهُ بِنَاؤُهُ فَفِي رِوَايَةٍ
صَحِيحَةٍ نَهَى أَنْ يُبْنَى الْقَبْرُ (بَلْ يُهْدَمَ) الْبِنَاءُ
الَّذِي بُنِيَ (فِي) الْمَقْبَرَةِ (الْمُسَبَّلَةِ) بِخِلَافِ مَا إذَا
بُنِيَ فِي مِلْكِهِ.
وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِيهَا
وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرَبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ بِالْمُسَبَّلَةِ؛ لِأَنَّ
فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةٍ وَلَا غَرَضٍ
شَرْعِيٍّ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ (وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ) ؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزِّينَةِ بِخِلَافِ التَّجْصِيصِ وَقِيلَ لَا
يُطَيَّنُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ
الرَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَمَشْيٌ) أَيْ وَلَا بَأْسَ بِمَشْيِ
(مُتَنَعِّلٍ بِمَقْبَرَةٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْعَبْدُ إذَا
وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى يَسْمَعَ قَرْعَ
نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ» الْحَدِيثَ وَأَجَابُوا عَنْ خَبَرِ أَبِي
دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ:
رَآهُ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ
وَيْحَك أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك فَخَلَعَهُمَا» بِأَنَّهُ كَرِهَهُمَا
لِمَعْنًى فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ هِيَ
الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ، وَهِيَ لِبَاسُ أَهْلِ التَّرَفُّهِ
وَالتَّنَعُّمِ فَنَهَى عَنْهُمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْخُيَلَاءِ
فَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ الْمَقَابِرَ عَلَى زِيِّ التَّوَاضُعِ
وَلِبَاسِ أَهْلِ الْخُشُوعِ وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ
فِيهِمَا نَجَاسَةٌ وَالنَّهْيُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِلتَّنْزِيهِ
لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ عِنْدَ الْقُبُورِ (وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يُرَشَّ) الْقَبْرُ (بِالْمَاءِ) لِئَلَّا يَنْسِفَهُ الرِّيحُ؛
وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ بِقَبْرِ
ابْنِهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي وَبِقَبْرِ سَعْدٍ رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَوَاهُ
الْبَزَّارُ وَسَعْدٌ هَذَا هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ
الْمَاءُ طَاهِرًا طَهُورًا بَارِدًا تَفَاؤُلًا بِأَنَّ اللَّهَ يُبَرِّدُ
مَضْجَعَهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَ (وَأَنْ يُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى)
رَوَى الشَّافِعِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَشَّ
عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ» ، وَهِيَ
بِالْمَدِّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْحَصَى الصِّغَارُ، وَهُوَ حَدِيثٌ
مُرْسَلٌ مَرْوِيٌّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (وَ) يُوضَعُ (عِنْدَ رَأْسِهِ
صَخْرَةٌ أَوْ خَشَبَةٌ) أَوْ نَحْوِهِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ حَجَرًا
أَيْ صَخْرَةً عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ أَتَعَلَّمُ
بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ وَيُوضَعُ ذَلِكَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا (وَيُكْرَهُ
رَشُّهُ) أَيْ قَبْرٍ (بِمَاءِ وَرْدٍ) وَنَحْوِهِ وَأَنْ يُطْلَى
بِالْخَلُوقِ قَالُوا؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ رَشِّهِ بِالنَّجَسِ أَوْ
تَحْرِيمُهُ (وَ) يُكْرَهُ (ضَرْبُ مِظَلَّةٍ عَلَيْهِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ؛
لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى مِظَلَّةً عَلَى قَبْرٍ
فَأَمَرَ بِرَفْعِهَا وَقَالَ دَعَوْهُ يُظِلُّهُ عَمَلُهُ وَيُكْرَهُ
اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ
(فَصْلٌ يَحْصُلُ مِنْ الْأَجْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) الْمَسْبُوقَةِ
بِالْحُضُورِ مَعَهُ (قِيرَاطٌ وَ) يَحْصُلُ مِنْهُ (بِهَا وَالْحُضُورُ)
مَعَهُ (إلَى تَمَامِ الدَّفْنِ لَا الْمُوَارَاةُ) فَقَطْ (قِيرَاطَانِ)
لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ
عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ» وَفِي
رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَلَهُ
قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ
الْأَمْكِنَةُ الَّتِي يُخَافُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
وَبَنَى عَلَيْهِ) اسْتَثْنَى الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مَا
إذَا خَشِيَ نَبْشَهُ فَيَجُوزُ وَتَجْصِيصُهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ
النَّبَّاشُ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا لَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ مِنْ
نَبْشِ الضَّبُعِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنْ يَجْرِفَهُ السَّيْلُ وَقَوْلُهُ
مَا إذَا خَشِيَ نَبْشَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بَلْ
يُهْدَمُ فِي الْمُسَبَّلَةِ) بِأَنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ
بِالدَّفْنِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْقُوفَةً ذَكَرَهُ فِي
الْمُهِمَّاتِ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ
مَوْقُوفَةً عَلَى الدَّفْنِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ
الْمُسَبَّلَةِ وَمَا أَدْرَى مَا حَمَلَهُ عَلَى صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ
ظَاهِرِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى تَأْوِيلٍ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي
الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِيهَا) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْ
النَّوَوِيِّ يُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا إذَا بَنَى عَلَى الْقَبْرِ
خَاصَّةً بِحَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ وَاقِعًا فِي حَرِيمِ الْقَبْرِ
فَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَضْيِيقَ فِيهِ وَيُحْمَلُ
الْحُرْمَةُ عَلَى مَا إذَا بَنَى فِي الْمَقْبَرَةِ فِيهِ أَوْ بَيْتًا
يُسْكَنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ بَنَاهُ لِيَأْوِيَ
فِيهِ الزَّائِرُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ اهـ قَالَ الْقَاضِي
عَضُدُ الدِّينِ فِي الْمَوَاقِفِ وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ
مِنْ فَمِ أَخِيك سُوءً مَا أَمْكَنَك لَهَا مَحْمَلٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ
وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ) بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:
لَا خِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيَقْرَبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ
بِالْمُسَبَّلَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ
يَرُشَّ الْقَبْرُ بِالْمَاءِ) قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ
بِمُدَّةٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْأَوْجَهُ فِعْلُهُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ
مَطَرٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِ
الْعَصْرِيِّينَ (قَوْلُهُ وَيُوضَعُ ذَلِكَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ تَحْرِيمِهِ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ قَوْله كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ عِبَارَةٌ فِي
الْقُوتِ إشَارَاتٌ: حَضَرْت جِنَازَةً بِحَلَبِ فَوَقَعَ عَقِبَ دَفْنِهَا
مَطَرٌ غَزِيرٌ فَقُلْتُ لَهُمْ: يَكْفِي هَذَا عَنْ الرَّشِّ اهـ مِنْ
خَطِّ الْمُجَرَّدِ
(1/328)
الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ»
وَلِمُسْلِمٍ «أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ» وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ
رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ «حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ» وَهَلْ ذَلِكَ
بِقِيرَاطِ الصَّلَاةِ أَوْ بِدُونِهِ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ قَرَارِيطَ
فِيهِ احْتِمَالٌ لَكِنَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ
الْأَيْمَانِ التَّصْرِيحَ بِالْأَوَّلِ وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي مَا رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً حَتَّى يُقْضَى
دَفْنُهَا كُتِبَ لَهُ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ» وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ
إنْ وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ ذَكَرًا فَطَلْقَتَيْنِ
فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَقَعَ ثَلَاثٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ
وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ
الْجَنَائِزُ وَاتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً هَلْ
يَتَعَدَّدُ الْقِيرَاطُ بِتَعَدُّدِهَا أَوْ لَا نَظَرًا لِاتِّحَادِ
الصَّلَاةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ التَّعَدُّدُ وَبِهِ أَجَابَ
قَاضِي حُمَاةَ الْبَارِزِيُّ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ
صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ وَحْدَهُ وَمَكَثَ حَتَّى دُفِنَ لَمْ
يَحْصُلْ لَهُ الْقِيرَاطُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الْمَجْمُوعِ وَغَيْرُهُ لَكِنْ لَهُ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ
(فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ) لِمَنْ حَضَرَ دَفْنَ الْمَيِّتِ أَوْ عَقِبَهُ (أَنْ
يَقِفَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ وَيَسْتَغْفِرَ) اللَّهَ
وَيَدْعُوَ (لَهُ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الرَّجُلِ يَقِفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ
اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ
فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ
حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ
التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ
جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَعْلَمَ
مَاذَا أُرْجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ شُنُّوا
رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ
الْأَصْحَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ
الْقُرْآنِ، وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ (وَأَنْ يُلَقَّنَ
الْمَيْتُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ
الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى
التَّذْكِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (بَعْدَ الدَّفْنِ بِالْمَأْثُورِ)
أَيْ الْمَنْقُولِ، وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ
أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،
وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ
حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ
يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا
وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً
وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ «إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إخْوَانِكُمْ
فَسَوَّيْتُمْ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى
رَأْسِ قَبْرِهِ لِيَقُلْ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ
وَلَا يُجِيبُ ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ
يَسْتَوِي قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ
يَقُولُ أَرْشِدْنَا رَحِمَك اللَّهُ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ فَلْيَقُلْ
اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّك رَضِيت
بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا
وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ انْطَلَقَ بِنَا مَا
يُقْعِدُنَا عِنْدَ مَنْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ قَالَ فَلْيَنْسِبْهُ إلَى أُمِّهِ
حَوَّاءَ يَا فُلَانُ بْنَ حَوَّاءَ» قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ
لَكِنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُتَسَامَحُ فِيهَا عِنْدَ أَهْلِ
الْعِلْمِ وَقَدْ اُعْتُضِدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِشَوَاهِدَ مِنْ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَحَدِيثِ «اسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ
التَّثْبِيتَ» وَوَصِيَّةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقَةُ قَالَ
بَعْضُهُمْ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقِّنُوا
مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» دَلِيلٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ
الْمَيِّتِ مَنْ مَاتَ أَمَّا قَبْلَ الْمَوْتِ أَيْ، وَهُوَ مَا جَرَى
عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا مَرَّ فَمَجَازٌ.
وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ يَا ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ
الْمَشْهُورَ أَنَّ النَّاسَ يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِآبَائِهِمْ
كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ
مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْفِيِّ وَوَلَدُ الزِّنَا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ أجر الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت]
قَوْلُهُ وَهَلْ ذَلِكَ بِقِيرَاطِ الصَّلَاةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ التَّعَدُّدُ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَبِهِ أَجَابَ قَاضِي حَمَاةَ الْبَارِزِيُّ)
وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ نَظَرًا إلَى تَعَدُّدِ الْجِنَازَةِ
وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اتِّحَادُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ
رَبَطَ الْقِيرَاطَ بِوَصْفٍ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَيِّتٍ فَلَا
فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَدَفَعَاتٍ قَالَ
السُّبْكِيُّ: الْقِيرَاطُ مِنْ الْأَجْرِ لَيْسَ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ
بَلْ هُوَ مَشْرُوطٌ بِشُهُودِهَا مِنْ مَكَانِهَا حَتَّى يُصَلَّى
عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَمَحَلُّ التَّعَدُّدِ لِمَنْ شَهِدَهَا مِنْ
مَكَانِهَا حَتَّى صَلَّى عَلَيْهَا انْتَهَى.
وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ»
الْحَدِيثَ هَلْ يَتَعَدَّدُ النَّقْصُ لَوْ تَعَدَّدَتْ الْكِلَابُ
الَّتِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا قَالَ السُّبْكِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ
عَدَمُ التَّعَدُّدِ لَكِنْ يَتَعَدَّدُ الْإِثْمُ فَإِنَّ اقْتِنَاءَ
كُلِّ وَاحِدٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالْوَاحِدِ
إنَّمَا وَبِالِاثْنَيْنِ وَهَلُمَّ جَرَّا، وَلَكِنَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ
نَقُولَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ بِعَدَدِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ
تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ وَلَا دَلَالَةَ
لِكَلَامِ الشَّارِعِ عَلَيْهِ
[فَرْعٌ يُسْتَحَبّ لِمِنْ حضر دفن الْمَيِّت أَنْ يَقِف عَلَى الْقَبْر
بَعْد الدّفن وَيَسْتَغْفِر اللَّه وَيَدْعُوَا لَهُ]
(قَوْلُهُ وَأَنْ يُلَقِّنَ الْمَيِّتَ بَعْدَ الدَّفْنِ إلَخْ) رَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا
أُقْبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ
أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالْآخَرِ النَّكِيرُ
فَيَقُولَانِ مَا كُنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ
يَقُولُهُ فِيهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ قَدْ
كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّك تَقُولُ هَذَا ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ
سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ
يُقَالُ لَهُ ثُمَّ فَيَقُولُ أَرْجِعُ إلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ
فَيُقَالُ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إلَّا أَحَبُّ
أَهْلِهِ إلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ»
قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قَالَ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِمَرَّاتٍ لِمُجَاوَبَةٍ لَهُمَا تَوَاضَعَا لَهُ
(قَوْلُهُ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ
التَّلْقِينَ يَكُونُ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ
نَصْرٍ الْمَقْدِسِيَّ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ
قَبْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَأَقَرَّهُ
وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ الْعَبْدَ إذَا
وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَسْمَعُ
قَرْعَ نِعَالِهِمْ فَإِذَا انْصَرَفُوا أَتَاهُ مَلَكَانِ» الْحَدِيثَ
فَإِذَا أُخِّرَ التَّلْقِينُ إلَى مَا بَعْدَ الْإِهَالَةِ كَانَ أَقْرَبَ
إلَى حَالَةِ سُؤَالِهِ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَخْ)
وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ اللَّذَيْنِ يَأْتِيَانِ
الْمُؤْمِنَ فِي قَبْرٍ مُبَشِّرٌ وَبَشِيرٌ أَيْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ
لَا مُنْكِرٌ وَنَكِيرٌ
(1/329)
أَنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ خَيْرٌ فَقَالَ
يُقَالُ يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَمَةِ
اللَّهِ وَأُبْدِلَ مَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ بِالْعَهْدِ الَّذِي خَرَجَتْ
عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ صَاحِبُ
الِاسْتِقْصَاءِ: وَيُسَنُّ إعَادَةُ التَّلْقِينِ ثَلَاثًا قُلْت، وَهُوَ
قِيَاسُ التَّلْقِينِ عِنْدَ الْمَوْتِ. اهـ. قَالَ الْقَمُولِيُّ قَالَ
الْعُلَمَاءُ وَلَا يُعَارِضُ التَّلْقِينُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْتَ
بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] وَقَوْلُهُ {إِنَّكَ لا
تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَادَى أَهْلَ الْقَلِيبِ وَأَسْمَعَهُمْ وَقَالَ مَا أَنْتُمْ
بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ لَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ جَوَابًا» .
«وَقَالَ فِي الْمَيِّتِ إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِكُمْ» ، وَهَذَا
يَكُونُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ (وَأَنْ يَقِفَ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ
نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَيَقْعُدُ (الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِ
الْقَبْرِ) لِوُرُودِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ
إلَى سَمَاعِ الْمَيِّتِ التَّلْقِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى
التَّلْقِينَ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ مِنْ أَقْرِبَائِهِ فَإِنْ لَمْ
يَكُونُوا فَمِنْ غَيْرِهِمْ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَلَا يُلَقَّنُ
طِفْلٌ) وَلَوْ مُرَاهِقًا (وَنَحْوُهُ) كَمَجْنُونٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ
تَكْلِيفٌ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا
يُفْتَنَانِ فِي قَبْرَيْهِمَا أَمَّا خَبَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ» فَغَرِيبٌ
(وَلَيُفْرَدُ كُلُّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ) حَالَةَ الِاخْتِيَارِ
لِلِاتِّبَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عِبَارَةُ
الْأَصْلِ الْمُسْتَحَبُّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ
مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ. اهـ. فَلَوْ جُمِعَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاتَّحَدَ
الْجِنْسُ كَرَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ كُرِهَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ
وَحَرُمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي
مَجْمُوعِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَعِبَارَةُ
الْأَكْثَرِينَ لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ قَالَ السُّبْكِيُّ
لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْكَرَاهَةُ أَوْ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ.
أَمَّا التَّحْرِيمُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. اهـ. وَمَا قَالَهُ
الْمَاوَرْدِيُّ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَصْلِ السَّابِقِ مِنْ كَلَامِ
الْمَجْمُوعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَمِيلُ إلَى التَّحْرِيمِ
بِقَرِينَةِ تَعْبِيرِهِ بِالْجَوَازِ فِي قَوْلِهِ (فَإِنْ كَثُرُوا
وَعَسِرَ) إفْرَادُ كُلِّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ (جَازَ الْجَمْعُ) بَيْنَ
الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَةِ
وَكَذَا فِي ثَوْبٍ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ (وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ) «؛ لِأَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْأَلُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ
عَنْ أَكْثَرِهِمْ قُرْآنًا فَيُقَدِّمُهُ إلَى اللَّحْدِ» (لَا فَرْعٌ)
فَلَا يُقَدَّمُ (عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ) فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى
الِابْنِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ
وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهَا
وَتَعْبِيرُهُ بِالْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَبِ
وَالْأُمِّ (وَلَا) يُقَدَّمُ (أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ) فَيُقَدَّمُ الِابْنُ
عَلَى أُمِّهِ لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ
مِمَّا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ (وَ)
يُقَدَّمُ (الرَّجُلُ عَلَى الصَّبِيِّ) وَالصَّبِيُّ عَلَى الْخُنْثَى
وَالْخُنْثَى عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُمْكِنُ
إدْخَالُهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ بِأَنْ
يُقَالَ وَلَوْ احْتِمَالًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ
عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا تَسَاوَوْا فِي الْفَضِيلَةِ
يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُمْ إذَا تَرَتَّبُوا لَا يُنَحَّى لِمَا
سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ يَأْتِي هُنَا،
وَأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَأْتِي
هُنَاكَ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُدَّةَ هُنَا مُؤَيَّدَةٌ
بِخِلَافِهَا وَبِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ
وَالْأَفْضَلُ أَوْلَى بِهِ (وَلَا يُجْمَعُ) فِي قَبْرٍ (رَجُلٌ
وَامْرَأَةٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ) فَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَمَا فِي
الْحَيَاةِ وَمَحَلِّهِ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ
زَوْجِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ
وَغَيْرُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَهُوَ
مُتَّجِهٌ وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَقَالَ إنَّهُ
حَرَامٌ حَتَّى فِي الْأُمِّ مَعَ وَلَدِهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّ الصَّغِيرَ
الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَالْمُحَرَّمِ بَلْ أَوْلَى،
وَأَنَّ الْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مَعَ
الذَّكَرِ (وَيُحْجَزُ بَيْنَ الْمَيِّتَيْنِ بِتُرَابٍ) نَدْبًا فِيمَا
يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ
الْإِرْشَادِ (وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ)
(فَصْلٌ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالِاسْتِنَادُ وَالْوَطْءُ لِلْقَبْرِ) أَيْ
الْجُلُوسُ وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادُ لَهُ تَوْقِيرًا
لِلْمَيِّتِ، وَأَمَّا الْجُلُوسُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَأَنْ يَجْلِسَ
أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ حَتَّى تَخْلُصَ إلَى
جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» فَفَسَّرَهُ
رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجُلُوسِ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ
وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ «مَنْ جَلَسَ
عَلَى قَبْرٍ يَبُولُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَغَوَّطُ» اكْتَفَى الْمُصَنِّفُ
بِالْإِسْنَادِ عَنْ الِاتِّكَاءِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْأَصْلِ (إلَّا
لِحَاجَةٍ بِأَنَّ حَالَ) الْقَبْرِ (دُونَ مَنْ يَزُورُهُ) وَلَوْ
أَجْنَبِيًّا بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَيْهِ إلَّا بِوَطْئِهِ فَلَا كَرَاهَةَ
فِيهِ وَفُهِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى عَدَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى التَّلْقِينَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُلَقَّنُ طِفْلٌ وَنَحْوُهُ) يَنْبَغِي أَنْ
لَا يُلَقَّنَ الشَّهِيدُ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَمَا تَقَرَّرَ
مِنْ أَنَّ الطِّفْلَ لَا يُفْتَنُ فِي قَبْرِهِ جَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ
كَابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ
وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ حَجَرٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ -
عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُسْأَلُونَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ
النَّبِيِّ يُسْأَلُ عَنْ النَّبِيِّ فَكَيْفَ يُسْأَلُ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُفْتَنُ كَمَا
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ (قَوْلُهُ
وَحَرُمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
قَالَ السُّبْكِيُّ لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْكَرَاهَةُ إلَخْ) وَخَالَفَاهُ
فِي الْقُوتِ وَالْخَادِمِ وَأَلْحَقَ السُّبْكِيُّ بَحْثًا بِالنَّوْعِ
الْوَاحِدِ الْمُحَرَّمِ وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ التَّصْرِيحَ بِهِ
وَبِالزَّوْجِ وَنَقَلَهُ فِي الْخَادِمِ أَيْضًا ثُمَّ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ
بِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّأَذِّي، وَأَمَّا مَحْذُورُ الشَّهْوَةِ
وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَزَالَ بِالْمَوْتِ وَسَيَأْتِي
الْإِلْحَاقُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا
مَرَّ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ
يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُدَّةَ هُنَا مُؤَبَّدَةٌ بِخِلَافِهَا ثُمَّ
وَبِأَنَّ الْقَصْدَ إلَخْ) وَفِيهِمَا نَظَرٌ ش (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ
أَنَّ الصَّغِيرَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَأَنَّ
الْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَبِهِ
جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ) وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ
لِفِعْلِهِ مَنْدُوبٌ
[فَصْلٌ الْجُلُوسُ وَالِاسْتِنَادُ وَالْوَطْءُ لِلْقَبْرِ]
(قَوْلُهُ تَوْقِيرًا لِلْمَيِّتِ) قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي
أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَتَيَقَّنُ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَبْقَى فِي
الْقَبْرِ أَنَّهُ لَا احْتِرَامَ وَعِبَارَتُهُ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْبَلَدِ
لَا تَبْقَى لَهُ حُرْمَةٌ
(1/330)
كَرَاهَةِ الْوَطْءِ لِضَرُورَةِ الدَّفْنِ
وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ عَنْ النَّصِّ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَنْ
يَزُورُهُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَبْرِ مَيِّتِهِ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْرُ الْمُسْلِمِ لَا
قَبْرُ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَنَحْوِهِمَا وَفِي قَبْرِ
الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي
نَفْسِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِأَجْلِ كَفِّ الْأَذَى عَنْ
أَحْيَائِهِمْ إذَا وُجِدُوا وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ الْمُكْثِ فِي
مَقَابِرِهِمْ
(فَرْعٌ تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ) أَيْ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ
(لِلرَّجُلِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ
الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» (وَتُكْرَهُ
لِلْمَرْأَةِ) لِجَزَعِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهَا «لِقَوْلِ
عَائِشَةَ قُلْت كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَعْنِي إذَا زُرْت
الْقُبُورَ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ
مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ
لَاحِقُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَمَّا خَبَرُ «لَعَنَ اللَّهُ زَوْرَاتِ
الْقُبُورِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ
لِلتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ
عَادَتُهُنَّ (إلَّا قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -) فَلَا تُكْرَهُ لَهَا زِيَارَتُهُ بَلْ تُنْدَبُ كَمَا
يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الْحَجّ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَيَنْبَغِي
كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ أَنْ تَكُونَ قُبُورُ
سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ كَذَلِكَ (وَيَقُولُ الزَّائِرُ)
نَدْبًا (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ إلَى آخِرِهِ) ،
وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ
اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ وَفِي
هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَقْوَالٌ قِيلَ هُوَ عَلَى عَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ
لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى بَابِهِ رَاجِعٌ إلَى
اللُّحُوقِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ
قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا}
[الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَمَا ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ مِنْ تَنْكِيرِ السَّلَامِ رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ تَعْرِيفُهُ
لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي
وَالْمُتَوَلِّي يَقُولُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَلَا يَقُولُ السَّلَامُ
عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْخِطَابِ «وَلِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ لَهُ عَلَيْك السَّلَامُ
أَنَّ عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى إذَا لَقِيَ الرَّجُلُ
أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَلْيَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالصَّحِيحُ مَا مَرَّ وَأُجِيبَ عَنْ
الْخَبَرِ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ عَادَتِهِمْ لَا تَعْلِيمٌ لَهُمْ
وَبِأَنَّ أَخْبَارَنَا أَصَحُّ وَأَكْثَرُ وَقَوْلُهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا
لِلْخِطَابِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ يَعْرِفُهُ
فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ
السَّلَامَ» (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ دُنُوَّهُ مِنْهُ
حَيًّا) عِنْدَ زِيَارَتِهِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ مَعَهُ
الْبُعْدَ وَقَدْ أَوْصَى بِالْقُرْبِ مِنْهُ قَرُبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ
حَقُّهُ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي الْحَيَاةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَأَنْ
يَقْرَأَ) عِنْدَهُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ (ثُمَّ يَدْعُوَ) لَهُ
بَعْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ
الْإِكْثَارُ مِنْ الزِّيَارَةِ وَأَنْ يُكْثِرَ الْوُقُوفَ عِنْدَ قُبُورِ
أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ (وَالْأَجْرُ لَهُ) أَيْ لِلْقَارِئِ
(وَالْمَيِّتُ كَالْحَاضِرِ تُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ) وَالْبَرَكَةُ
وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ مَا يُوَضِّحُهُ
(فَرْعٌ يَحْرُمُ نَبْشُ الْقَبْرِ قَبْلَ الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ
الْخِبْرَةِ) بِتِلْكَ الْأَرْضِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ (فَإِنْ
بَلِيَ الْمَيِّتُ) بِأَنْ انْمَحَقَ جِسْمُهُ وَعَظْمُهُ وَصَارَ تُرَابًا
(جَازَ) نَبْشُ قَبْرِهِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ (وَحَرُمَ) حِينَئِذٍ
(تَجْدِيدُهُ) بِأَنْ يَسْتَوِيَ تُرَابُهُ عَلَيْهِ وَيُعَمَّرَ عِمَارَةَ
قَبْرٍ جَدِيدٍ (فِي) مَقْبَرَةٍ (مُسَبَّلَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ
النَّاسَ أَنَّهُ جَدِيدٌ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْ الدَّفْنِ فِيهِ
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَا لَوْ كَانَ الْمَدْفُونُ صَحَابِيًّا أَوْ
مِمَّنْ اشْتَهَرَتْ وِلَايَتُهُ فَلَا يَجُوزُ نَبْشُهُ عِنْدَ
الِانْمِحَاقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي
الْوَصَايَا أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِعِمَارَةِ قُبُورِ
الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ
وَالتَّبَرُّكِ وَالْمُرَادُ بِعِمَارَتِهَا حِفْظُهَا مِنْ الدِّرَاسَةِ
لَا تَجْدِيدُ بِنَائِهَا لِمَا مَرَّ (وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ
خَاتَمٌ وَنَحْوُهُ) أَيْ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُتَمَوَّلُ، وَإِنْ قَلَّ
(نَبْشٌ) وَرُدَّ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ وَقَيَّدَهُ فِي
الْمُهَذَّبِ بِطَلَبِ مَالِكِهِ لَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَمْ
يُوَافِقْهُ وَعَلَيْهِ وَرَدَ بِمُوَافَقَةِ صَاحِبَيْ الِانْتِصَارِ
وَالِاسْتِقْصَاءِ لَهُ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ مُوَافَقَتَهُمَا لَا تُنَافِي مَا قَالَهُ وَعَلَى
الْإِطْلَاقِ يُفَارِقُ مَا يَأْتِي فِي الِابْتِلَاعِ وَفِي التَّكْفِينِ
وَالدَّفْنِ فِي الْمَغْصُوبِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ بَشَاعَةٌ بِشَقِّ
جَوْفِ الْمَيِّتِ وَالْأَخِيرَيْنِ ضَرُورِيَّانِ لِلْمَيِّتِ فَاحْتِيطَ
لَهَا بِالطَّلَبِ بِخِلَافِ هَذَا (أَوْ ابْتَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ)
وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ (وَلَمْ يَضْمَنْهُ) أَيْ
مِثْلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ إلَخْ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ زِيَارَةُ الْقُبُورِ]
(قَوْلُهُ أَيْ قُبُورُ الْمُسْلِمِينَ) فَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَمْ
تُسْتَحَبَّ بَلْ تُبَاحُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: تَحْرُمُ وَقَالَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مَنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ
أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ
إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ:
وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ) مِثْلُهَا
الْخُنْثَى (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ
وَالْقَمُولِيُّ أَنْ تَكُونَ قُبُورُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ إلَخْ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ الزَّائِرُ السَّلَامُ
عَلَيْكُمْ إلَخْ) سَبَقَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ زِيَارَةُ قُبُورِ
أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ وَالْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ لَا
يَجُوزَ السَّلَامُ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بَلْ أَوْلَى ج وَقَوْلُهُ
وَالْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) قِيلَ إنْ بِمَعْنَى إذْ وَقِيلَ
مَعْنَاهُ عَلَى الْإِيمَانِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ دُنُوَّهُ
مِنْهُ حَيًّا) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يَسْتَلِمْ الْقَبْرَ وَلَا
يُقَبِّلْهُ وَيَسْتَقْبِلُ وَجْهَهُ لِلسَّلَامِ وَالْقِبْلَةِ
لِلدُّعَاءِ ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ شَيْخُنَا:
نَعَمْ إنْ كَانَ قَبْرَ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ عَالِمٍ وَاسْتَلَمَهُ
أَوْ قَبَّلَهُ بِقَصْدِ التَّبَرُّكِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ
قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ نَبْشُ الْقَبْرِ قَبْلَ الْبِلَى]
(قَوْلُهُ يَحْرُمُ نَبْشُ الْقَبْرِ قَبْلَ الْبِلَى) بِكَسْرِ الْبَاءِ
وَالْقَصْرِ وَبِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ س (قَوْلُهُ فَإِنْ بَلِيَ
الْمَيِّتُ جَازَ) يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ
النَّاحِيَةِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) : وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ،
وَهُوَ حَسَنٌ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْله وَرُدَّ بِمُوَافَقَةِ صَاحِبَيْ
الِانْتِصَارِ وَالِاسْتِقْصَاءِ لَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي
كَلَامِ الدَّارِمِيِّ إشَارَةٌ إلَى مُوَافَقَةٍ وَلَمْ أَرَ
لِلْأَئِمَّةِ مَا يُخَالِفُهُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأَرْضِ
وَالثَّوْبِ الْمَغْصُوبَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ
الْكَلَامَ هُنَا فِي وُجُوبِ النَّبْشِ أَوْ فِي جَوَازِهِ وَيُحْتَمَلُ
أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُطْلِقِينَ عَلَى الْجَوَازِ وَكَلَامُ
الْمُهَذَّبِ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ الطَّلَبِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا
لِإِطْلَاقِهِمْ اهـ
(1/331)
أَوْ قِيمَتَهُ (أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ)
أَوْ غَيْرُهُمْ (نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ) وَرُدَّ لِمَا مَرَّ
وَتَعْبِيرُهُ بِأَحَدٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْوَرَثَةِ
وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ صَاحِبِ
الْعُدَّةِ وَنَقَلَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ
بِحَالٍ وَيَجِبُ الْغُرْمُ فِي تَرِكَتِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ
وَالتَّقْيِيدُ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ إطْلَاقُ الشَّقِّ
مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ
فَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ
لَا خِلَافَ فِيهِ (لَا) إنْ ابْتَلَعَ مَالَ (نَفْسِهِ) فَلَا يُنْبَشُ
وَلَا يُشَقُّ لِاسْتِهْلَاكِهِ مَالَهُ فِي حَيَاتِهِ (وَلَوْ كُفِّنَ فِي
مَغْصُوبٍ أَوْ دُفِنَ فِيهِ وَشَحَّ مَالِكُهُ) بِهِ عَلَى الْمَيِّتِ
مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ لَا يَشِحَّ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ
الْأَصْلُ بَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَشِحَّ بِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ (أَوْ) دُفِنَ (فِي مَسِيلٍ) أَيْ مَكَان
لَحِقَهُ بَعْدَ الدَّفْنِ فِيهِ سَيْلٌ (أَوْ) فِي أَرْضٍ ذَاتِ
(نَدَاوَةٍ) .
وَهَذَا قَدْ يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ (نُبِشَ) لِيُؤْخَذَ الْكَفَنُ فِي
الْأُولَى وَلِيُنْقَلَ فِي الْبَقِيَّةِ وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِ بِشُحِّ
الْمَالِكِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّبْشُ قَبْلَ
طَلَبِهِ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ
وَغَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مِمَّنْ يُحْتَاطُ
لَهُ وَمَحَلُّ النَّبْشِ أَيْضًا فِي الْكَفَنِ الْمَغْصُوبِ إذَا وُجِدَ
مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ النَّبْشُ كَمَا
اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى
أَنَّا إذَا لَمْ نَجِدْ إلَّا ثَوْبًا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِكِهِ قَهْرًا
وَلَا يُدْفَنُ عُرْيَانًا، وَهُوَ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ
الْأَصَحُّ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيُنْبَشُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَالَ
إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ
فَوَلَدَتْ مَيِّتًا وَدُفِنَ وَلَمْ يَعْلَمْ كَمَا يَأْتِي فِي
الطَّلَاقِ أَوْ شَهِدَا عَلَى شَخْصِهِ ثُمَّ دُفِنَ وَاشْتَدَّتْ
الْحَاجَةُ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صُورَتُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ
فِي الشَّهَادَاتِ أَوْ دُفِنَتْ امْرَأَةٌ وَفِي جَوْفِهَا جَنِينٌ
تُرْجَى حَيَاتُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ
تَدَارَكَا لِلْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ شَقُّ جَوْفِهَا قَبْلَ
الدَّفْنِ الْكَافِرِ بِالْحَرَمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ أَوْ
تَدَاعَيَاهُ فَيُنْبَشُ لِتُلْحِقَهُ الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى مَا
اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ.
وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ صُورَتُهُ كَمَا قَالَهُ
الْبَغَوِيّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ
يَتَغَيَّرْ يُنْبَشُ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ كَفَّنَهُ أَحَدُ
الْوَرَثَةِ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَسْرَفَ فَعَلَيْهِ غُرْمُ حِصَّةِ
بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَلَوْ قَالَ أَخْرِجُوا الْمَيِّتَ وَخُذُوهُ لَمْ
يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ نَبْشُ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ
الْكَفَنُ مُرْتَفِعَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ زَادَ فِي الْعَدَدِ فَلَهُمْ
النَّبْشُ وَإِخْرَاجُ الزَّائِدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْمُرَادَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ (لَا) إنْ دُفِنَ (بِلَا كَفَنٍ
أَوْ فِي حَرِيرٍ) فَلَا يُنْبَشُ لِحُصُولِ السِّتْرِ فِي الْأُولَى
بِالتُّرَابِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ بِالنَّبْشِ، وَأَمَّا
فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْحَرِيرِ حَقُّ اللَّهِ
تَعَالَى (وَشَرْطٌ) وَفِي نُسْخَةٍ وَيُشْتَرَطُ (عَدَمُ التَّغَيُّرِ)
لِلْمَيِّتِ (فِي النَّبْشِ لِلْغُسْلِ) أَوْ التَّيَمُّمِ فَإِنْ
تَغَيَّرَ وَخَشِيَ فَسَادَهُ حَرُمَ النَّبْشُ لِتَعَذُّرِ تَظْهِيرِهِ
فَسَقَطَ كَمَا يَسْقُطُ وُضُوءُ الْحَيِّ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ
(فَرْعٌ) لَوْ (مَاتَ فِي سَفِينَةٍ وَأَمْكَنَ) مَنْ هُنَاكَ دَفْنُهُ
لِكَوْنِهِمْ قُرْبَ الْبَرِّ وَلَا مَانِعَ (لَزِمَهُمْ) التَّأْخِيرُ
لِيَدْفِنُوهُ فِيهِ (وَإِلَّا جُعِلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ) عَلَيْهِ (بَيْنَ
لَوْحَيْنِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَأُلْقِيَ لِيَنْبِذَهُ الْبَحْرُ إلَى
مَنْ) لَعَلَّهُ (يَدْفِنُهُ، وَإِنْ) لَمْ يُجْعَلْ بَيْنَ لَوْحَيْنِ
بَلْ (ثُقِّلَ بِشَيْءٍ لِيَنْزِلَ) إلَى الْقَرَارِ (لَمْ يَأْثَمُوا) ،
وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَرِّ مُسْلِمِينَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ
إلْقَائِهِ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ أَوْ مُثَقَّلًا بِشَيْءٍ
غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ
وَإِذَا أَلْقَوْهُ بَيْن لَوْحَيْنِ أَوْ فِي الْبَحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ
قَبْلَ ذَلِكَ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ
(وَتُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ) وَنَحْوِهِمْ لِخَبَرِ
ابْنِ مَظْعُونٍ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الزَّائِرِ قَالَ
فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ
الْأَبُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ. اهـ.
وَلَوْ قِيلَ هُنَا بِمَا قِيلَ بِهِ فِي التَّقْدِيمِ إلَى الْقِبْلَةِ
فِي الْقَبْرِ كَانَ أَقْرَبَ (وَمَنْ سَبَقَ إلَى) مَحَلٍّ مِنْ (مَكَان
مُسَبَّلٍ فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَفْرِ فِيهِ) لِخَبَرِ «مِنًى مُنَاخُ مَنْ
سَبَقَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ
وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فَإِنْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ
كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ
يَحْرُمُ نَبْشُ قَبْرِ الْمَيِّتِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ قَبْلَ
الْبِلَى (فَإِنْ حَفَرَ فَوَجَدَ عِظَامَ مَيِّتٍ) أَيْ شَيْئًا مِنْهَا
قَبْلَ تَمَامِ الْحَفْرِ (وَجَبَ رَدُّ تُرَابِهِ عَلَيْهِ. وَإِنْ
وَجَدَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْحَفْرِ جَعَلَهَا فِي جَانِبٍ)
مِنْ الْقَبْرِ (وَجَازَ) لِمَشَقَّةِ اسْتِئْنَافِ قَبْرٍ (دَفْنُهُ) أَيْ
الْآخَرِ (مَعَهُ) وَنَقَلُوهُ عَنْ النَّصِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ
وَغَيْرِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) : أُمِّيٌّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَقَالَ
لَا خِلَافَ فِيهِ) وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ مُرَاعَاةً لِلْمَيِّتِ وَحِفْظًا لِحَقِّ
الْمَالِكِ وَيَقْوَى الْجَزْمُ بِهِ حَيْثُ لَا غَرَضَ إلَّا
الْمَالِيَّةُ فَقَطْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ إذَا وُجِدَ مَا يُكَفَّنُ بِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ) أَيْ وَالرَّاجِحُ
خِلَافُهُ (قَوْلُهُ أَوْ تَدَاعَيَا لِتُلْحِقْهُ الْقَافَةُ إلَخْ) أَوْ
اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ فِي أَنَّ الْمَدْفُونَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى نُبِشَ
لِيَعْلَمَ كُلٌّ مِنْ الْوَرَثَةِ قَدْرَ حِصَّتِهِ وَتَظْهَرَ ثَمَرَةُ
ذَلِكَ فِي الْمُنَاسَخَاتِ وَغَيْرِهَا أَوْ قَالَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ
وَلَدًا غُلَامًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ
حَالُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْبَشَ لِقَطْعِ النِّزَاعِ أَوْ بُشِّرَ
بِمَوْلُودٍ فَقَالَ: إنْ كَانَ ذَكَرًا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أُنْثَى
فَأَمَتِي حُرَّةٌ فَمَاتَ الْمَوْلُودُ وَدُفِنَ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ
فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْبَشَ لِيُعْتَقَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ أَوْ
ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بَعْدَمَا دُفِنَ أَنَّهُ امْرَأَتُهُ وَطَلَبَ
الْإِرْثَ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَطَلَبَتْ الْإِرْثَ
وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَيُنْبَشُ فَلَوْ وُجِدَ خُنْثَى
تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَوْ زَعَمَ الْجَانِي شَلَلَ الْعُضْوِ
وَلَوْ أُصْبُعًا نُبِشَ لِيُعْلَمَ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَلَوْ دُفِنَ
فِي ثَوْبٍ مَرْهُونٍ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ إخْرَاجَهُ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ: فَالْقِيَاسُ غُرْمُ الْقِيمَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ نُبِشَ
وَأُخْرِجَ مَا لَمْ تَسْقُطْ قِيمَتُهُ وَقَوْلُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ
تَتَغَيَّرَ صُورَتُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ
أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَشَرْطُ عَدَمِ التَّغَيُّرِ فِي النَّبْشِ لِلْغُسْلِ) قَالَ
الْغَزِّيِّ: يُسْتَثْنَى مَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَلَا تَيَمُّمٍ
لِفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ هَذَا هُوَ
الظَّاهِرُ
[فَرْعٌ لَوْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ وَأَمْكَنَ مَنْ هُنَاكَ دَفْنُهُ
لِكَوْنِهِمْ قُرْبَ الْبَرِّ لَزِمَهُمْ التَّأْخِيرُ لِيَدْفِنُوهُ
فِيهِ]
(قَوْلُهُ وَلَوْ قِيلَ هُنَا بِمَا قِيلَ بِهِ فِي التَّقْدِيمِ إلَخْ)
هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ فَإِنْ حُفِرَ فَوُجِدَ
عِظَامُ مَيِّتٍ) لَوْ انْهَدَمَ قَبْرُ مَيِّتٍ تَخَيَّرَ وَارِثُهُ
بَيْنَ تَرْكِهِ بِحَالِهِ وَنَبْشِهِ لِإِصْلَاحِهِ وَنَقْلِهِ إلَى
غَيْرِهِ
(1/332)
وَهَذَا النَّصُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
لَا يَحْرُمُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافًا
لِلسَّرَخْسِيِّ وَقَدْ مَرَّ (وَمَنْ مَاتَ أَقَارِبُهُ) أَوْ جَمَاعَةٌ
مِنْهُمْ (دَفْعَةً) وَأَمْكَنَهُ دَفْنُ كُلٍّ فِي قَبْرٍ (بَدَأَ
بِدَفْنِ) الْأَوْلَى بِتَجْهِيزِ (مَنْ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ ثُمَّ
بِأَبِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ حُرْمَةً (ثُمَّ أُمَّةُ) ؛ لِأَنَّ لَهَا
رَحِمًا (ثُمَّ الْأَقْرَبُ وَيُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ) سِنًّا (مِنْ
أَخَوَيْهِ) مَثَلًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي تَقْدِيمِ
الْأَكْبَرِ مُطْلَقًا نَظَرٌ إذَا كَانَ الْأَصْغَرُ أَتْقَى وَأَعْلَمَ
وَأَوْرَعَ فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا (وَيُقْرَعُ بَيْنَ
زَوْجِيَّتِهِ) إذْ لَا مَزِيَّةَ وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ عَبْدَاهُ
وَأَمَتَاهُ.
(وَلَا يُدْفَنُ مُسْلِمٌ مَعَ كُفَّارٍ) أَيْ فِي مَقْبَرَتِهِمْ (وَلَا
عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي
مُجَلِّيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلَعْنِ الْمُسْلِمِ
وَتَأَذِّيه بِمَوَاضِعِ الْغَضَبِ وُقُوعِ الْمُسْلِمِ فِي
الِاسْتِغْفَارِ لِلْكَافِرِ (وَيُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ نَهَارًا)
لِسُهُولَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ نَعَمْ إنْ خُشِيَ
تَغَيُّرُهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ لِيُدْفَنَ نَهَارًا قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِهِ
(وَلَا يُكْرَهُ لَيْلًا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «وَرَأَى
نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَبْرِ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ
نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ
صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «زَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى
يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إنْسَانٌ إلَى ذَلِكَ» فَالنَّهْيُ
فِيهِ إنَّمَا هُوَ عَنْ دَفْنِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
(وَلَا) يُكْرَهُ (فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا
نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا
(إنْ لَمْ يَتَحَرَّهَا) وَإِلَّا كُرِهَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ
مُسْلِمٍ «عَنْ عُقْبَةَ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَإِنْ
نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا وَذَكَرَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا» وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ
بِالْأَوْقَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمُتَعَلِّقَةِ
بِالْفِعْلِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ
وَالْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ لِذَلِكَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ:
الصَّوَابُ التَّعْمِيمُ وَنَقْبُرُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ
بِدَفْنٍ (وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ فِي الْمَقْبَرَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ
الْوَحْشَةِ (وَيَحْرُمُ حَمْلُهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ) آخَرَ
لِيُدْفَنَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ
دَفْنِهِ الْمَأْمُورِ بِتَعْجِيلِهِ وَتَعْرِيضِهِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْبَلَدِ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ
بِظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الصَّحْرَاءَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَنْتَظِمُ
مِنْهَا مَعَ الْبَلَدِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ، وَهِيَ النَّقْلُ مِنْ بَلَدٍ
إلَى بَلَدٍ وَمِنْ صَحْرَاءَ إلَى صَحْرَاءَ، وَمِنْ بَلَدٍ إلَى
صَحْرَاءَ وَالْعَكْسُ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ بِالْبَلَدَيْنِ
الْمُتَّصِلَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ لَا سِيَّمَا وَالْعَادَةُ
جَارِيَةٌ بِالدَّفْنِ خَارِجَ الْبَلَدِ وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ فِي كُلِّ
بَلَدٍ بِمَسَافَةِ مَقْبَرَتِهَا (إلَّا مَنْ بِقُرْبِ) مَكَان (مِنْ
الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ) مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ
فَيَخْتَارُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ لِفَضْلِ الدَّفْنِ فِيهِ
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقُرْبِ بِمَسَافَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا
الْمَيِّتُ قَبْلَ وُصُولِهِ وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ لَا
نَفْسُ الْبَلَدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمُحِبِّ
الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَا يَنْبَغِي التَّخْصِيصُ بِالثَّلَاثَةِ بَلْ
لَوْ كَانَ بِقُرْبِهِ مَقَابِرُ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ
فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَقْصِدُ الْجَارَ الْحَسَنَ
قَالَ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الشَّهِيدِ لِخَبَرِ جَابِرٍ قَالَ «أَمَرَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ
يُرَدُّوا إلَى مَصَارِعِهِمْ وَكَانُوا نُقِلُوا إلَى الْمَدِينَةِ»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. اهـ. وَلَوْ تَعَارَضَ الْقُرْبُ مِنْ
الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَدَفَنَهُ بَيْنَ أَهْلِهِ فَالظَّاهِرُ
أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى (فَإِنْ وَصَّى بِهِ) أَيْ بِحَمْلِهِ إلَى
بَلَدٍ آخَرَ غَيْرَ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ (لَمْ تَنْفُذْ
وَصِيَّتُهُ) بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ (وَإِنْ رُجِيَتْ حَيَاةُ جَنِينِ
مَيِّتَةٍ شُقَّ جَوْفُهَا) وُجُوبًا (فِي الْقَبْرِ) نَدْبًا فِيمَا
يَظْهَرُ (وَأُخْرِجَ) مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَا إخْرَاجِهِ
أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا وَالتَّقْيِيدُ
بِالْقَبْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ عَنْ
الْأَصْحَابِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّقَّ فِيهِ أَسْتَرُ وَأَكْثَرُ
احْتِرَامًا وَأَقَلُّ كُلْفَةً قَالَ الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ
يُشَقُّ قَبْلَهُ أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ، وَهَذَا النَّصُّ يَدُلُّ إلَخْ) مَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ
هُوَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ إذَا وَجَبَ رَدُّ التُّرَابِ وَحَرُمَ
الدَّفْنُ فِي الشَّقِّ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ فِي الشَّقِّ
الثَّانِي لِمَشَقَّةِ اسْتِئْنَافِ قَبْرٍ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ
أَبَاحَهُ قَالَ عَقِبَ النَّصِّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ
مَنَعَ مِنْ دَفْنِ الثَّانِي مَعَهُ وَقَوْلُهُ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي
تَحْرِيمِ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ
الدَّفْنُ نَهَارًا) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى
طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ النَّهَارِ لَا مِنْ اللَّيْلِ وَلَا شَكَّ فِي
إلْحَاقِهِ بِاللَّيْلِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى، وَهُوَ مَشَقَّةُ
الِاجْتِمَاعِ بَلْ هُوَ فِي الْمَشَقَّةِ أَشَدُّ مِمَّا بَعْدَ
الْغُرُوبِ لَا سِيَّمَا إذَا جُهِّزَ وَحُمِلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ
يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا الدَّفْنُ. اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا
شَكَّ فِي إلْحَاقِهِ بِاللَّيْلِ لِمَشَقَّةِ الِاجْتِمَاعِ يُعْكَسُ
عَلَيْهِ فَيُقَالُ: لَا شَكَّ فِي إلْحَاقِهِ بِالنَّهَارِ وَتَيَسُّرِ
الِاجْتِمَاعِ فَإِنَّ جَمَاعَاتِ الصُّبْحِ تَكْثُرُ فِي أَوَّلِ
الْفَجْرِ وَهُمْ أَكْثَرُ فَرَاغًا مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ
فَإِنَّهُمْ إذْ ذَاكَ يَنْتَشِرُونَ فِي مَعَايِشِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ
بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الشَّمْسِ.
(قَوْلُهُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِهِ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ) ؛ لِأَنَّ
لَهُ سَبَبًا مُتَقَدِّمًا أَوْ مُقَارِنًا، وَهُوَ الْمَوْتُ (قَوْلُهُ
وَإِلَّا كُرِهَ) تَحَرِّيهَا مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
فَظَاهِرُهُ التَّنْزِيهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ
كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ
ظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ
إذَا عَلِمَ بِالنَّهْيِ وَقَوْلُهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى
التَّحْرِيمِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا: الْأَوْجَهُ
تَحْرِيمُ الدَّفْنِ عِنْدَ تَحَرِّي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي
الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ، وَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَالْفَرْقُ
ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ) : أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ
وَالصَّوَابُ التَّعْمِيمُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ
حَمْلُهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا
يَحْرُمُ النَّقْلُ إلَى بَلَدٍ إلَّا إذَا كَانَتْ مَقْبَرَتُهُ أَبْعَدَ
مِنْ مَقْبَرَةِ الْبَلَدِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَمَّا لَوْ كَانَتْ
عَلَى مَسَافَتِهَا أَوْ أَقْرَبَ فَلَا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ
أَمِيرُ الْجَيْشِ مَثَلًا بِدَارٍ الْحَرْبِ وَعَلِمَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ
وَعَلِمْنَا أَوْ خِفْنَا أَنَّا لَوْ دَفَنَاهُ بِهَا لَنَبَشُوهُ
وَأَحْرَقُوهُ وَمَثَّلُوا بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّقْلُ
جَزْمًا بَلْ يَتَأَكَّدُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى انْفِجَارِهِ وَنَحْوِهِ
لِيُرَدَّ الْوَقْتُ أَوْ قُرْبِ دَارِنَا وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى
أَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَا شَكَّ فِي
جَوَازِهِ فِي الْبَلَدَيْنِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ) وَغَيْرُهُ: (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ
أَوْلَى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ رُجِيَتْ حَيَاةُ
جَنِينٍ مَيِّتَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ إخْرَاجِهِ إلَخْ)
(1/333)
وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ
بِضِيقِ النَّفَسِ (وَإِنْ لَمْ تُرْجَ) حَيَاتُهُ (لَمْ تُدْفَنْ) هِيَ
(حَتَّى يَمُوتَ) هُوَ (وَلَوْ مَرَّ مُسَافِرُونَ بِمَيِّتٍ أَوْ مَاتَ
أَحَدُهُمْ) وَكَانَ الْمَيِّتُ فِيهِمَا بِمَحَلٍّ لَا يَمُرُّ بِهِ
أَحَدٌ إلَّا نَادِرًا (فَتَرَكُوهُ) بِلَا تَجْهِيزٍ (أَثِمُوا)
لِتَفْوِيتِهِمْ الْوَاجِبَ (وَعُوقِبُوا) أَيْ عَاقَبَهُمْ الْإِمَامُ
لِذَلِكَ (إلَّا إنْ خَافُوا) عَدُوًّا أَوْ نَحْوَهُ لَوْ اشْتَغَلُوا
بِتَجْهِيزِهِ فَلَا يَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ وَلَا يُعَاقَبُونَ
لِلضَّرُورَةِ لَكِنْ يَخْتَارُ أَنْ يُوَارُوهُ مَا أَمْكَنَهُمْ صَرَّحَ
بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِثْنَاءِ الْخَوْفِ وَيَذْكُرُ
الْعُقُوبَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرُورِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ
خَافُوا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ خَافُوا عَدُوًّا (وَإِنْ كَانَ)
الْمَيِّتُ الْمَذْكُورُ (بِجَنْبِ قَرْيَةٍ أَوْ) طَرِيقٍ (جَادَّةٍ) أَيْ
تَسْلُكُهُ الْمَارَّةُ كَثِيرًا (فَمُسِيئُونَ) بِتَرْكِ تَجْهِيزِهِ
وَلَا (لَا يُعَاقَبُونَ) وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
دَفْنُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ إنْ أَسَاءَ
تَجِيءُ لِغَيْرِ التَّحْرِيمِ وَمِنْهُ خَبَرُ «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا
أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ» وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ
فِي التَّحْرِيمِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَتَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ ثُمَّ
(فَإِنْ وَجَدُوهُ مُكَفَّنًا مُحَنَّطًا دَفَنُوهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ
أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ شَاءَ) الصَّلَاةَ عَلَيْهِ (صَلَّى بَعْدَ
دَفْنِهِ) عَلَى قَبْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى دَفْنِهِ بَعْدَ
الصَّلَاةِ الْأُولَى عَلَيْهِ أَهَمُّ
(بَابُ التَّعْزِيَةِ) (وَهِيَ سُنَّةٌ) وَفِي نُسْخَةٍ سُنَّةٌ
مُؤَكَّدَةٌ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ
عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا فَقَالَ لَهَا اتَّقَى
اللَّهَ وَاصْبِرِي ثُمَّ قَالَ إنَّمَا الصَّبْرُ أَيْ الْكَامِلُ عِنْدَ
الصَّدْمَةِ الْأُولَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِمَا رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُعَزِّي
أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا) بِأَنْ يَجْتَمِعَ
أَهْلُ الْمَيِّتِ بِمَكَانٍ لِيَأْتِيَهُمْ النَّاسُ لِلتَّعْزِيَةِ؛
لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَهُوَ بِدْعَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ
وَيُكَلِّفُ الْمُعَزَّى، وَأَمَّا مَا ثَبَتَ «عَنْ عَائِشَةَ مِنْ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَهُ قَتْلُ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ فِي
الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ» فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ
جُلُوسَهُ كَانَ لِأَجْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ النَّاسُ لِيُعَزُّوهُ
(وَيُعَزَّى كُلُّ أَهْلِ الْمَيِّتِ) وَلَوْ صِبْيَانًا وَنِسَاءً (لَا
أَجْنَبِيٌّ شَابَّةً) فَلَا يُعَزِّيهَا إلَّا مَحَارِمُهَا وَزَوْجُهَا
وَكَذَا مِنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ فِيمَا يَظْهَرُ
وَصَرَّحَ ابْنُ خَيْرَانَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ
بِالْمَمْلُوكِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّهُ يُعَزِّي بِكُلِّ مَنْ
يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
حَتَّى بِالزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى
عَلَى الْغَالِبِ (وَتَأْخِيرُهَا) أَيْ التَّعْزِيَةِ (حَتَّى يُدْفَنَ
الْمَيِّتُ أَوْلَى) مِنْهَا قَبْلَهُ لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ
بِتَجْهِيزِهِ وَلِشِدَّةِ حُزْنِهِمْ حِينَئِذٍ بِالْمُفَارَقَةِ (إلَّا
إنْ أَفْرَطَ جَزَعُهُمْ) فَيَخْتَارُ تَقْدِيمَهَا لِيُصَيِّرَهُمْ (وَلَا
تَعْزِيَةَ بَعْدَ ثَلَاثٍ) مِنْ الْأَيَّامِ (تَقْرِيبًا) أَيْ تُكْرَهُ
بَعْدَهَا إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ
سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدِّدْ حُزْنَهُ وَقَدْ جَعَلَهَا النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِهَايَةَ الْحُزْنِ بِقَوْلِهِ «لَا
يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ
تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ هُنَا كَانَ
ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَوْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ
الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو
الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيُّ
وَابْنُ أَبِي الدَّمِ وَالْغَزَالِيُّ فِي خُلَاصَتِهِ وَالْقَوْلُ
بِأَنَّهُ مِنْ الدَّفْنِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّعْزِيَةِ
مِنْهُ أَيْضًا لَا مِنْ الْمَوْتِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ
فَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُهَا مِنْ الْمَوْتِ إلَى الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ
بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُرَادُهُ بِهِ مَا قُلْنَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ
بَعْدَهُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهَا قَبْلَ
الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ انْتَهَى.
وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ
الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ لِلْحَنَابِلَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ
زِيَادَتِهِ (لَا تَحْدِيدًا) تَأْكِيدٌ (إلَّا لِغَيْبَةِ مُعَزٍّ أَوْ
مُعَزًّى) فَتَبْقَى التَّعْزِيَةُ لَهُ إلَى قُدُومِهِ قَالَ الْمُحِبُّ
الطَّبَرِيُّ وَالظَّاهِرُ امْتِدَادُهَا بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَيَلْحَقُ بِالْغَيْبَةِ الْمَرَضُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ
الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (وَالتَّعْزِيَةُ) لُغَةً
التَّصْبِيرُ لِمَنْ أُصِيبَ بِالتَّعْزِيَةِ عَلَيْهِ وَشَرْعًا (هِيَ
الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِالْوَعْدِ بِالْأَجْرِ وَالتَّحْذِيرِ) عَنْ
الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ
وَالدُّعَاءُ (لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ فَفِي تَعْزِيَةِ كَافِرٍ
بِمُسْلِمٍ وَعَكْسِهِ يَخُصُّ الْمُسْلِمَ بِالدُّعَاءِ الْأُخْرَوِيَّ)
فَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ عَظَّمَ اللَّهُ
أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك بِالْمَدِّ أَيْ جَعَلَ صَبْرَك حَسَنًا
وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَهُ بِمَا وَرَدَ
مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْتِهِ إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ
مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ
فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ
حُرِمَ الثَّوَابُ وَيَقُولَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
لِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْقَاءَ حَيٍّ مُحْتَرَمٍ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنْ
مَيِّتٍ فَوَجَبَ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ (قَوْلُهُ،
وَإِنْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ) بِأَنْ تَمُوتَ، وَهُوَ دُونَ سِتَّةٍ
أَشْهُرٍ أَوْ كَانَ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ
[بَابُ التَّعْزِيَةِ]
(بَابُ التَّعْزِيَةِ) (قَوْلُهُ وَيُعَزِّي كُلَّ أَهْلِ الْمَيِّتِ
إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلِأَصْلَحِهِمْ وَأَضْعَفِهِمْ صَبْرًا
آكَدُ (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَزِّيَ إلَخْ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ إلَخْ) ، وَهُوَ
الْمَشْهُورُ فَقَدْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ: إنَّ
أَوْلَى زَمَانِهَا مِنْ حِينِ يَمُوتُ إلَى أَنْ يُدْفَنَ وَبَعْدَ
الدَّفْنِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَوَقْتُهَا مِنْ
حِينِ يَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ مِنْ الدَّفْنِ إلَى
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ
دَفْنِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ امْتِدَادُهَا بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُمْ فِي الْبَيْعِ
إنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ بُلُوغِ الْخَبَرِ
يُؤَيِّدُهُ (قَوْلُهُ وَيَلْحَقُ بِالْغَيْبَةِ الْمَرَضُ) أَيْ
وَالْحَبْسُ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ)
ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ هِيَ الْحَمْلُ عَلَى
الصَّبْرِ بِالْوَعْدِ إلَخْ) تَحْصُلُ بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ الْغَائِبِ
وَيَلْحَقُ بِهِ الْحَاضِرُ الْمَعْذُورُ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي
غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَفْقُهُ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَدْعُوَ لِلْمَيِّتِ
وَالْمُصَابِ) قِيلَ يُقَدِّمُ الدُّعَاءَ لِلْمُعَزَّى؛ لِأَنَّهُ
الْمُخَاطَبُ وَالثَّانِي يُقَدِّمُ الْمَيِّتَ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَى
الدُّعَاءِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ فَيُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ هَذَا فِي
الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ فَإِنْ عَزَّى ذِمِّيًّا بِمُسْلِمٍ
(1/334)
فِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ
غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَفِي تَعْزِيَةِ
الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَخْلَفَ عَلَيْك
وَأَلْهَمَك الصَّبْرَ أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَهُ وَمَحَلُّ
قَوْلِهِ وَأَخْلَفَ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وَلَدًا أَوْ نَحْوَهُ مِمَّنْ
يُخْلَفُ بَدَلُهُ فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ نَحْوَهُ فَيَقُولُ خَلَفَ
عَلَيْك أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو
حَامِدٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَفِي) تَعْزِيَةِ (ذِمِّيٍّ بِذِمِّيٍّ)
يُعَزِّي (بِنَحْوِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدَك)
بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا
بِكَثْرَةِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ قَالَ
فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ
فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ مَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ
مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ قَالَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى
تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ انْتَهَى.
وَفَائِدَةُ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ تَظْهَرُ فِي تَعْزِيَةِ
الْحَرْبِيِّ بِالْحَرْبِيِّ فَيُعَزَّى عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْفِدَاءِ
دُونَ التَّعْلِيلِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ لَكِنْ أَطْلَقَ الْجِيلِيُّ
أَنَّهُ لَا يُعَزَّى، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ
وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ تُكْرَهُ تَعْزِيَتُهُ،
وَهُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا
أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ الْآتِي، وَعَبَّرَ الْأَصْلُ فِي
تَعْزِيَةِ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ بِجَوَازِهَا، وَفِي الْمَجْمُوعِ
بِعَدَمِ نَدْبِهَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ
صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَالصَّرِيحِ فِي نَدْبِهَا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ
يُوَافِقُهُ وَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ:
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُنْدَبَ تَعْزِيَةُ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ أَوْ
بِالْمُسْلِمِ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ تَأْلِيفًا عَلَى
الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي التَّعْزِيَةِ الدُّعَاءَ
لِلْمُصَابِ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ وَلِيُوَافِقَ قَوْلَهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا
وَمَيِّتِنَا» حَيْثُ بَدَأَ بِالْحَيِّ وَخُولِفَ فِي تَعْزِيَةِ
الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ تَقْدِيمًا لِلْمُسْلِمِ
(فَصْلُ يُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ) وَلَوْ أَجَانِبَ
(وَأَقَارِبُهُ الْأَبَاعِدُ) ، وَإِنْ كَانُوا بِغَيْرِ بَلَدِ الْمَيِّتِ
(أَنْ يَصْنَعُوا لِأَهْلِهِ) الْأَقَارِبِ (طَعَامًا يَكْفِيهِمْ
يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ) عَقِبَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْمَوْتِ لِخَبَرِ
«اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ»
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ؛ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ قَالَ
الْإِسْنَوِيُّ: وَالتَّعْبِيرُ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَاضِحٌ إذَا
مَاتَ فِي أَوَائِلِ الْيَوْمِ فَلَوْ مَاتَ فِي آخِرِهِ فَقِيَاسُهُ أَنْ
يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ أَيْضًا لَا سِيَّمَا إذَا
تَأَخَّرَ الدَّفْنُ عَنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَنْوَارِ
مَعَ جِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ مَعَارِفَهُمْ (وَيُلِحُّونَ) الْأَوْلَى
حَذْفُ النُّونِ لِيَكُونَ الْمَعْنَى وَأَنْ يُلِحُّوا (عَلَيْهِمْ فِي
الْأَكْلِ) مِنْهُ لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ (وَيَحْرُمُ صُنْعُهُ
لِمَنْ يَنُوحُ) ؛ لِأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ (وَيُكْرَهُ
لِأَهْلِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (طَعَامٌ) أَيْ صُنْعُ طَعَامٍ (يَجْمَعُونَ
عَلَيْهِ النَّاسَ) أَخَذَ كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ الْكَرَاهَةَ مِنْ
تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ غَيْرُ
مُسْتَحَبٍّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِ جَرِيرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ
وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَيْسَ فِي
رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ «بَعْدَ دَفْنِهِ» ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي
التَّحْرِيمِ فَضْلًا عَنْ الْكَرَاهَةِ وَالْبِدْعَةِ الصَّادِقَةِ
بِكُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا الذَّبْحُ وَالْعَقْرُ
عِنْدَ الْقَبْرِ فَمَذْمُومٌ لِخَبَرِ «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(فَصْلٌ الْبُكَاءُ) عَلَى الْمَيِّتِ (جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ
وَبَعْدَهُ) وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ:
إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا
يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ
وَبَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى
وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ» رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ
الْبُخَارِيُّ وَالثَّالِثَ مُسْلِمٍ (وَ) لَكِنَّهُ (قَبْلَهُ) أَيْ
الْمَوْتِ (أَوْلَى) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ طَلَبُ الْبُكَاءِ
وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ ابْنِ
الصَّبَّاغِ وَنَظَرَ فِيهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْمُرَادَ أَنَّهُ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ
أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ
خِلَافَ الْأَوْلَى وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ
لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ «فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ
قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمَوْتُ» رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْبُكَاءُ
لِرِقَّةٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ
وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ
الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ
فَيُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا كُلُّهُ فِي
الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ أَمَّا مُجَرَّدُ دَمْعِ الْعَيْنِ فَلَا مَنْعَ
مِنْهُ وَاسْتَثْنَى الرُّويَانِيُّ مَا إذَا غَلَبَهُ الْبُكَاءُ فَلَا
يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ
(وَالنَّدْبُ) ، وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ عَدُّ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ
بِنَحْوِ الصِّيغَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
يَبْدَأُ بِالْمُسْلِمِ قَطْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمَاعَةٍ
(قَوْلُهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) لَيْسَ فِيهِ الدُّعَاءُ بِكَثْرَةِ
مَصَائِبِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ
عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] (قَوْلُهُ وَفِي
تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ إلَخْ) وَفِي تَعْزِيَةِ السَّيِّدِ
بِرَقِيقِهِ أَعْظَمَ اللَّهُ لَك الْأَجْرَ فِي رَقِيقِك وَأَخْلَفَ
عَلَيْك فِي مَالِك وَلَا أَصَابَك نَقْصٌ فِي أَهْلِك وَلَا فِي مَالِك
(قَوْلُهُ وَفِي تَعْزِيَةِ ذِمِّيٍّ) أُلْحِقَ بِهِ الْمُعَاهِدُ
وَالْمُسْتَأْمِنُ (قَوْلُهُ لَكِنْ أَطْلَقَ الْجِيلِيُّ أَنَّهُ لَا
يُعَزَّى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا
إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ:
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُنْدَبَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ
عَلَيْهِ لَوْ قِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْ تُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ
وَبَيْنَ مَنْ لَا تُسْتَحَبُّ وَيُحْمَلُ النَّقْلَانِ عَلَيْهِ لَكَانَ
مُتَّجِهًا ج
[فَصْلُ صنع الطَّعَام لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]
(قَوْلُهُ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُلِحُّونَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ) وَلَا
بَأْسَ بِالْقَسَمِ عَلَيْهِمْ إنْ عَلِمَ الْحَالِفُ إبْرَارَ قَسَمِهِ،
وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ فِي سَفَرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ
الِاسْتِحْبَابُ بِالرُّفْقَةِ (قَوْلُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي
التَّحْرِيمِ) لَا خَفَاءَ فِي تَحْرِيمِهِ إنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ
دَيْنٌ أَوْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ وَصُنِعَ
ذَلِكَ مِنْ التَّرِكَةِ
[فَصْلٌ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ]
(قَوْلُهُ الْبُكَاءُ جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ
الْأَوْلَى أَنْ لَا يَبْكِيَ بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضَرِ (قَوْلُهُ: قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْبُكَاءُ
إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(1/335)
الْآتِيَةِ وَقِيلَ عَدُّهَا مَعَ
الْبُكَاءِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي
مَجْمُوعِهِ كَأَنْ يُقَالَ وَاكَهْفَاه وَاجَبَلَاه وَاسَنَدَاه
وَاكَرِيمَاه (حَرَامٌ) لِمَا سَيَأْتِي وَلِلْإِجْمَاعِ كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ قَالَ فِيهِ وَجَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ مَا
يُشْبِهُ النَّدْبَ وَلَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ
أَنَسٍ «لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ وَا
أَبَتَاهُ فَقَالَ لَيْسَ عَلَى أَبِيك كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَلَمَّا
مَاتَ قَالَتْ يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا
أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ» (وَكَذَا) يَحْرُمُ (النُّوحُ) ،
وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَيَّدَهُ
غَيْرُهُ بِالْكَلَامِ الْمُسَجَّعِ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ بِدَلِيلِهَا فِي
جُمَلِ الْجَنَائِزِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ (وَ) يَحْرُمُ (ضَرْبُ الْخَدِّ
وَنَشْرُ الشَّعْرِ) وَنَحْوِهِمَا كَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ وَإِلْقَاءِ
الرَّمَادِ عَلَى الرَّأْسِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِإِفْرَاطٍ فِي الْبُكَاءِ
لِمَا مَرَّ ثُمَّ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ
الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (وَلَا
يُعَذَّبُ بِهِ) أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (مَيِّتٌ لَمْ يُوصِ بِهِ)
قَالَ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]
بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ كَقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ
إذَا مِتُّ فَانْعَيْنِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ
الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدٍ
وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الْمَيِّتَ
لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «الْمَيِّتُ
يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا نِيحَ عَلَيْهِ»
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ ذَنْبُ الْمَيِّتِ الْأَمْرُ
بِذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفُ عَذَابُهُ بِامْتِثَالِهِمْ وَعَدَمِهِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّنْبَ عَلَى السَّبَبِ يَعْظُمُ بِوُجُودِ
الْمُسَبَّبِ وَشَاهِدُهُ خَبَرُ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً»
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى تَعْذِيبِهِ بِمَا يَبْكُونَ بِهِ عَلَيْهِ
مِنْ جَرَائِمِهِ كَالْقَتْلِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا
يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّتِ بِهَا وَيَعُدُّونَهَا فَخْرًا وَقَالَ
الْقَاضِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ الْعَفْوَ عَنْهُ إنْ
لَمْ يَبْكُوا عَلَيْهِ فَإِنْ بَكَوْا وَنَدَبُوا عُذِّبَ بِذَنْبِهِ
لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ
مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ
(بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَصَالَةً
جَحْدًا أَوْ غَيْرَهُ وَقَدَّمَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْجَنَائِزِ قَالَ
الرَّافِعِيُّ وَلَعَلَّهُ أَلْيَقُ (فَالْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا) ، وَإِنْ
أَتَى بِهَا (مُرْتَدٌّ) لِإِنْكَارِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ
بِالضَّرُورَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ
بِتَرْكِهَا جَحْدًا (إلَّا جَاهِلٌ) نَفَى ذَلِكَ (لِقُرْبِ عَهْدٍ)
بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ
ذَلِكَ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا بَلْ يَعْرِفُ الْوُجُوبَ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى
الْجَحْدِ صَارَ مُرْتَدًّا وَالْجُحُودُ إنْكَارُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ
الْمُنْكِرُ فَخَرَجَ بِهِ الْجَاهِلُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ
أَوْ نَحْوُهُ كَنَشْئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا
حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ قَاصِرٌ عَنْ تَمَامِ
الْغَرَضِ وَجَاهِلٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ كَمَا
قِيلَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلٌ عَلَى
قِرَاءَةِ الرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ لَا جَاهِلٌ، وَهِيَ أَحْسَنُ
(وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ) فِي بَابِهِ (وَمَنْ تَرَكَهَا غَيْرَ
جَاحِدٍ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ صَلَاةً وَاحِدَةً أَوْ جُمُعَةً وَلَوْ
قَالَ) فِي الْجُمُعَةِ (أُصَلِّيهَا ظُهْرًا أَوْ) تَرَكَ (وُضُوءً لَهَا)
أَيْ لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ (قُتِلَ بِالسَّيْفِ حَدًّا) لَا كُفْرًا.
قَالُوا أَمَّا فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ؛ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ
بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وَقَالَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ
حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا
فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا
بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَقَالَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ
جَاءَ بِهِنَّ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ
وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ
عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ
ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ
الْمَشِيئَةِ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ
الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِهَا جَحْدًا أَوْ
عَلَى التَّغْلِيظِ أَوْ الْمُرَادُ بَيْنَ مَا يُوجِبُهُ الْكُفْرُ مِنْ
وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ؛
فَلِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قُتِلَ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ،
وَإِنْ قَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا لَتَرَكَهَا بِلَا قَضَاءٍ إذْ الظُّهْرُ
لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا، وَيُقَاسُ بِالْوُضُوءِ الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ
الشُّرُوطِ وَصَرَّحَ فِي الْبَيَانِ بِبَعْضِهَا فَقَالَ لَوْ صَلَّى
عُرْيَانًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى السُّتْرَةِ أَوْ الْفَرِيضَةِ قَاعِدًا
بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ.
وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَوْ فِيهِ خِلَافٌ رَوَاهُ خِلَافَ
الْقَوِيِّ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ
الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ أَوْ لَمَسَ
الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا
يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا
يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ (إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ)
فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ يَجْمَعَ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَقِيلَ عَدَّهَا مَعَ الْبُكَاءِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ «قَالَتْ يَا أَبَتَاهُ» ) أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ
يَا أَبَتَاهُ (قَوْلُهُ كَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ إلَخْ) وَكَذَا تَغْيِيرُ
الزِّيِّ وَلَيْسَ غَيْرُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ
دَقِيقِ الْعِيدِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ الْإِمَامُ: وَالضَّابِطُ
أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إظْهَارَ جَزَعٍ يُنَافِي الِانْقِيَادَ
وَالِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُحَرَّمٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ
مِنْ ضَرْبِ الْخُدُودِ) خَصَّ الْخَدَّ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ
فِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فَضَرْبُ بَقِيَّةِ الْوَجْهِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ
(قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى تَعْذِيبِهِ إلَخْ)
وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ
[بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ]
(بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ) (قَوْلُهُ فَالْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا
مُرْتَدٌّ) ؛ لِأَنَّهُ جَحَدَ أَصْلًا مَقْطُوعًا بِهِ لَا عُذْرَ لَهُ
فِيهِ فَتَضَمَّنَ جَحْدُهُ تَكْذِيبَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (قَوْلُهُ
وَمَنْ تَرَكَ غَيْرَ جَاحِدٍ إلَخْ) لَا يُقَرُّ مُسْلِمٌ عَلَى تَرْكِ
الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ لَا فِي مَسْأَلَةٍ
وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَبَهَ صَغِيرُ مُسْلِمٍ بِصَغِيرِ كَافِرٍ
ثُمَّ بَلَغَا وَلَمْ يُعْلَمْ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا وَلَا قَافَةَ وَلَا
انْتِسَابَ وَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ شَهْرًا
فَأَكْثَرَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ
الْمُبْتَدَأَةُ إذَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ الضَّعِيفُ ثُمَّ أَقْوَى
مِنْهُ ثُمَّ أَقْوَى مِنْهُ (قَوْلُهُ أَوْ جُمُعَةً إلَخْ) ، وَهُوَ
مِمَّنْ يَلْزَمُهُ فِعْلُهَا إجْمَاعًا قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ أَفْتَى
الشَّارِحُ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِهَا حَيْثُ أُمِرَ بِهَا وَامْتَنَعَ
مِنْهَا أَوْ قَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا حَيْثُ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ
رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ
(قَوْلُهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ إلَخْ) وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» وَقَالَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ
بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ»
(1/336)
الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا فَلَا يُقْتَلُ
بِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ
حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ
وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ
فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ
إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ
الْقَتْلَ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا
مَحْمُولٌ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقَتْلِ بِقَرِينَةِ كَلَامِهَا بَعْدُ
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى
يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَلِخَبَرِ «لَا
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ
الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ
لِلْجَمَاعَةِ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ
بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ
بِمَا ذَكَرْنَا.
وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ عَلَى
أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِتَرَك الْقَضَاءِ مُطْلَقًا كَمَا
يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ (بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ) ؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُرْتَدِّ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا
قُتِلَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّ
اسْتِتَابَتَهُ وَاجِبَةٌ كَالْمُرْتَدِّ لَكِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ
نَدْبَهَا وَعَلَيْهِ فَرَّقَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تُخَلِّدُ
فِي النَّارِ فَوَجَبَ إنْقَاذُهُ مِنْهَا بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّلَاةِ
تَكْفِي اسْتِتَابَتُهُ (فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا يُفَوِّتُ
صَلَوَاتٍ وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْقَوْلَانِ فِي
النَّدْبِ وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (ثُمَّ)
بَعْدَ قَتْلِهِ (لَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ) فَيُجَهَّزُ وَيُصَلَّى
عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ وَلَوْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ
قَبْلَهَا إنْسَانٌ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ
وَلَوْ جُنَّ أَوْ سَكِرَ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ فَإِنْ
قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُرْتَدِّ لَا قَوَدَ
عَلَى قَاتِلِهِ لِقِيَامِ الْكُفْرِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى مَنْ
قَتَلَهُ فِي جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ
قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَعَائِدٌ بِالتَّرْكِ اهـ.
وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِتَابَةَ وَاجِبَةٌ أَمَّا
تَارِكُ الْمَنْذُورَةِ الْمُؤَقَّتَةِ فَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي
أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ
(فَرْعٌ) إذَا (قَالَ) حِينَ إرَادَةِ قَتْلِهِ (صَلَّيْت فِي بَيْتِي أَوْ
تَرَكْتهَا بِعُذْرٍ إمَّا صَحِيحٍ) فِي الْوَاقِعِ (كَنِسْيَانٍ) وَنَوْمٍ
وَإِغْمَاءٍ (أَوْ بَاطِلٍ كَكَانَ) أَيْ كَقَوْلِهِ كَانَ (عَلَى
نَجَاسَةٍ) أَوْ تَرَكَهَا لِلْبَرْدِ أَوْ عَدَمِ الْمَاءِ عِبَارَةَ
الرَّوْضَةِ، وَإِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ تَرَكْتهَا نَاسِيًا أَوْ
لِلْبَرْدِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ عَلَيَّ أَوْ
نَحْوِهَا مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ بَاطِلَةً (يُعْذَرُ)
بِذَلِكَ (وَلَا نَقْتُلهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقُ) مِنْهُ (تَعَمُّدُ
تَأْخِيرِهَا) عَنْ الْوَقْتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ (وَلَا بُدَّ مِنْ أَنَّ
نَأْمُرَهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ) وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ
الْبَاطِلِ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ فِيمَا يَظْهَرُ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ
صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ (وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْت
تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَا أُصَلِّيهَا)
بِأَنْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ سَكَتَ لِتَحْقِيقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ
التَّأْخِيرِ (وَمَنْ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ أَوْ نَوْمٍ لَمْ
يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا) بَلْ يَجُوزُ لَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى
التَّرَاخِي «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ
يَقْضِ صَلَاةَ الصُّبْحِ الَّتِي فَاتَتْهُ بِالنَّوْمِ حَتَّى خَرَجُوا
مِنْ الْوَادِي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَلَزِمَهُ
قَضَاؤُهَا فَوْرًا) لِتَقْصِيرِهِ (لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا إلَخْ) الْوَقْتُ
عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَقْتَانِ أَحَدُهُمَا وَقْتُ أَمْرٍ وَالْآخَرُ
وَقْتُ قَتْلٍ فَوَقْتُ الْأَمْرِ هُوَ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ
فِعْلِهَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَ التَّارِكَ فَنَقُولَ لَهُ صَلِّ
فَإِنْ صَلَّيْت تَرَكْنَاك، وَإِنْ أَخْرَجْتهَا عَنْ الْوَقْتِ
قَتَلْنَاك وَفِي وَقْتِ الْأَمْرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا إذَا بَقِيَ
مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَسَعُ مِقْدَارَ الْفَرِيضَةِ وَالطَّهَارَةِ
وَالثَّانِي إذَا بَقِيَ زَمَنٌ يَسَعُ رَكْعَةً وَطَهَارَةً.
(قَوْلُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) اسْتَشْكَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ
بِأَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عَلَى التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ عَمْدًا أَوْ
الْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَدَّ هُنَا
لَيْسَ هُوَ عَلَى مَعْصِيَةٍ سَابِقَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حَلَالُهُ عَلَى
فِعْلِ مَا تَرَكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ بِأَنَّهُ
عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَمْدًا مَعَ تَرْكِهَا فَالْعِلَّةُ
مُرَكَّبَةٌ فَإِذَا صَلَّى زَالَتْ الْعِلَّةُ وَقَالَ الرِّيمِيُّ فِي
التَّقْفِيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْبَةَ هُنَا تُفِيدُ تَدَارُكَ
الْفَائِتِ بِخِلَافِ التَّوْبَةِ عَنْ الزِّنَا وَشِبْهِهِ فَإِنَّ
التَّوْبَةَ لَا تُفِيدُ تَدَارُكَ مَا مَضَى مِنْ الْجَرِيمَةِ بَلْ
تُفِيدُ الِامْتِنَاعَ عَنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ تَوْبَتِهِ
هُنَا فَإِنَّهَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يُحَقِّقُ الْمُرَادَ فِي
الْمَاضِي وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَارِكُ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ حَدُّهُ
بِالتَّوْبَةِ، وَهِيَ الْعَوْدُ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَالْمُرْتَدِّ بَلْ
هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ كَيْفَ تَنْفَعُ
التَّوْبَةُ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَسْقُطُ
الْقَطْعُ، وَهَذَا كَلَامُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ
الْحُدُودَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ نَدْبَهَا) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّلَاةِ) بَلْ مُقْتَضَى مَا
قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ تُسْقِطُ
الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ
قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ
بِهِ قَالَ فِي الْخَادِمِ: مَا نَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى النَّوَوِيِّ مِنْ
كَوْنِ التَّارِكِ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَتْلِ إثْمٌ غَيْرُ
صَحِيحٍ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ
الْآدَمِيِّ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْقُطُ فِي الدَّارِ
الْآخِرَةِ أَعْنِي الْقِصَاصَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى أَمَّا
التَّوْبَةُ مِنْ التَّرْكِ فَلَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا
مِنْ الْإِقْلَاعِ وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ حَتَّى لَوْ قُتِلَ مِصْرًا عَلَى
التَّرْكِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى عَاصِيًا بِتَرْكِ التَّوْبَةِ وَقَدْ
ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ تَصِحُّ
التَّوْبَةُ مِنْ الْقَتْلِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَدِّ الْقِصَاصِ، وَأَمَّا
تَارِكُ الصَّلَاةِ فَقَتْلُهُ عَلَى إخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ
ثُمَّ أَنَّهُ يَبْقَى عَاصِيًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ تَرْكُ
فِعْلِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ ثَانِيهَا تَرْكُ التَّوْبَةِ
ثَالِثُهَا تَسَبُّبُهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ مَعَ
إمْكَانِهَا وَقَوْلُهُ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ يُسْقِطُ الْإِثْمَ إلَخْ
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ
الِاسْتِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا إنْسَانٌ) أَيْ لَيْسَ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ
كَأَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَجَّهَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ
الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَإِنْ وَجَدَ التُّرَابَ عَجَّلَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ
بِالتَّيَمُّمِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَحِيحَةً كَانَتْ الْأَعْذَارُ
أَوْ بَاطِلَةً وَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ
الْمَاءِ عَدَمُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ لَكِنَّهُ
نَصَّ عَلَى الْمَاءِ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ س وَقَوْلُهُ قَضِيَّتُهُ
أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَنَدْبًا
فِي الصَّحِيحِ فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ
لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ) قَالَ شَيْخُنَا لِعَدَمِ سَبْقِ
التَّهْدِيدِ بِهَا بِخِلَافِ فَائِتَةِ عَدَدٍ عَلَى فِعْلِهَا وَلَمْ
يَفْعَلْهَا فَيُقْتَلُ بِهَا
(1/337)
فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ أَوْ بِلَا عُذْرٍ
وَقَالَ أُصَلِّيهَا لِتَوْبَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ
كَمَا مَرَّ آنِفًا وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ مِنْ
زِيَادَتِهِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَالَةً أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ
وَأَحَلَّتْ لَهُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلُ مَالِ السُّلْطَانِ كَمَا
زَعَمَهُ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ،
وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ وَقَتْلُ مِثْلِهِ
أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ.
(كِتَابُ الزَّكَاةِ) هِيَ لُغَةً التَّطْهِيرُ وَالْإِصْلَاحُ
وَالنَّمَاءُ وَالْمَدْحُ وَمِنْهُ وَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ وَشَرْعًا
اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ
سُمِّيَ بِهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ وَيُصْلِحُ وَيُنَمِّي
وَيَمْدَحُ الْمُخْرَجَ عَنْهُ وَيَقِيهِ مِنْ الْآفَاتِ وَالْأَصْلُ فِي
وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا
الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَقَوْلُهُ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}
[التوبة: 103] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»
(هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ) لِهَذَا الْخَبَرِ (يَكْفُرُ
جَاحِدُهَا) وَإِنْ أَتَى بِهَا وَزَادَ قَوْلَهُ (كَالصَّلَاةِ)
لِيَسْتَغْنِيَ عَنْ اسْتِثْنَاءِ الْجَاهِلِ الْمُتَقَدِّمِ نَظِيرُهُ فِي
الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مِمَّا مَرَّ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ
بِالْجُحُودِ فَلَا حَاجَةَ لِمَا زَادَهُ (وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُونَ)
مِنْ أَدَائِهَا (عَلَيْهَا وَتُؤْخَذُ) مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يُقَاتَلُوا
(قَهْرًا) كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَتَلْزَمُ
الزَّكَاةُ كُلَّ مُسْلِمٍ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لِقَوْلِهِ فِي
الْخَبَرِ الْآتِي فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي فَرْضُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ
(حُرٍّ وَلَوْ مُبَعَّضًا مُلِكَ بِحُرِّيَّتِهِ) لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَى
مَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ وَلِهَذَا يَكْفُرُ كَالْحُرِّ
الْمُوسِرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِلُزُومِهَا غَيْرُ
الْمُكَلَّفِ أَنَّهَا تَلْزَمُ فِي مَالِهِ.
(فَعَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الطِّفْلِ) وَلَوْ مُرَاهِقًا
(وَالْمَجْنُونِ) كَقِيمَةِ مَا أَتْلَفَاهُ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ
الْمُوَجَّهَةِ عَلَيْهِمَا كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ (لَا الْجَنِينِ) فَلَا
زَكَاةَ فِي الْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِأَنَّهُ لَا ثِقَةَ بِوُجُودِهِ وَلَا
بِحَيَاتِهِ فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُتَّجَهُ
أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ
وَمَحِلُّ وُجُوبِهَا عَلَى الْوَلِيِّ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ
إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا فِي مَالِهِمَا فَإِنْ كَانَ لَا
يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ تُحْسَبَ
زَكَاتُهُ حَتَّى يَكْمُلَا فَيُخْبِرَهُمَا بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا
فَيُغَرِّمُهُ الْحَاكِمُ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَفَرَضَهُ فِي الطِّفْلِ
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مُتَمَذْهِبٍ بَلْ
عَامِّيًّا صِرْفًا فَإِنْ أَلْزَمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهَا بِإِخْرَاجِهَا
فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهَلْ نَقُولُ يَسْتَفْتِي وَيَعْمَلُ بِذَلِكَ أَوْ
يُؤَخِّرُ الْأَمْرَ إلَى كَمَالِهِمَا أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى
حَاكِمٍ عَدْلٍ مَأْمُونٍ وَيَعْمَلُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ
شَيْئًا وَقَيِّمُ الْحَاكِمِ يُرَاجِعُهُ وَيَعْمَلُ بِقَوْلِهِ. اهـ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ كَحَاكِمٍ
أَنَابَهُ حَاكِمٌ آخَرُ يُخَالِفُهُ فِي مَذْهَبِهِ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا
فِيهِ التَّرْدِيدَاتُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْقَفَّالِ
السَّابِقِ الِاحْتِيَاطُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ (فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا)
الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ (أَخْرَجَاهُ إنْ كَمُلَا)
لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ إلَى مَالِهِمَا لَكِنَّ الْوَلِيَّ عَصَى
بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا وَمِثْلُهُمَا
فِيمَا ذَكَرَ السَّفِيهُ (وَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إخْرَاجُهَا) لَا فِي
الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وَلَا
تَسْقُطُ) الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِسْلَامِ (بِالرِّدَّةِ)
مُؤَاخَذَةً لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ (فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا) وَقَدْ
مَضَى عَلَى مَالِهِ حَوْلٌ أَوْ أَكْثَرُ فِي رِدَّتِهِ (بَانَ أَنْ لَا
مَالَ لَهُ) مِنْ حِينِهَا فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ
أَخْرَجَ الْوَاجِبَ فِي الرِّدَّةِ وَقَبْلَهَا وَإِنْ أَخْرَجَ حَالَ
رِدَّتِهِ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ
الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ ذَكَرَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ (وَلَا زَكَاةَ) عَلَى السَّيِّدِ وَلَا مُكَاتَبِهِ (فِي
مَالِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبُ
لَيْسَ بِحُرٍّ وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَتْلِهِ بِالصَّلَوَاتِ |