أسنى
المطالب في شرح روض الطالب [بَابُ الدِّمَاءِ فِي الْمَنَاسِكِ]
(بَابُ الدِّمَاءِ)
(1/529)
شَعْرٍ وَقَلْمِ أَظْفَارٍ وَسَيَأْتِي فِي
الضَّحَايَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ
(فَإِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ، فَلَوْ (ذَبَحَهَا) أَيْ الْبَدَنَةَ (عَنْ دَمٍ)
وَاجِبٍ (فَالْفَرْضُ سُبُعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ) عَنْهُ (وَأَكْلُ
الْبَاقِي إلَّا فِي جَزَاءِ) الصَّيْدِ (الْمِثْلِيِّ) فَلَا يُشْتَرَطُ
كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ فِي سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا، بَلْ يَجِبُ فِي
الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ
كَمَا مَرَّ (بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ شَاتِه) أَيْ
الْمِثْلِيِّ، وَإِنْ أَجْزَأَتْ عَنْهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ
رَاعَوْا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمُمَاثَلَةَ أَيْ فِي الْجِنْسِ فَلَا
يُشْكِلُ بِإِجْزَاءِ الْكَبِيرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ
أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْبَعِيرُ عَنْ الْبَقَرَةِ، وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا
سَبْعُ شِيَاهٍ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ
وَعَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَى قَوْلِهِ
جَزَاءِ الْمِثْلِيِّ لِيَخْرُجَ جَزَاءُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ
كَالْحَمَامِ.
(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّمَاءِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا
(وَالدِّمَاءُ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ) تَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا
إلَى أَرْبَعَةٍ: دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ
دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ كَمَا يُعْلَمُ
مِمَّا يَأْتِي (أَحَدُهَا دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَكَذَا
الْفَوَاتِ، وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ
الذَّبْحُ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ
عَنْهُ (وَتَقْدِيرٍ) بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَا يَعْدِلُ
إلَيْهِ بِمَا لَا يَزِيدُ، وَلَا يَنْقُصُ أَمَّا دَمُ التَّمَتُّعِ
فَلِآيَةِ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]
وَقِيسَ بِهِ دَمُ الْقِرَانِ، وَأَمَّا دَمُ الْفَوَاتِ فَلِخَبَرِ
هَبَّارٍ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ مُوجِبَ دَمِ التَّمَتُّعِ تَرْكُ
الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالنُّسُكُ الْمَتْرُوكُ فِي الْفَوَاتِ
أَعْظَمُ مِنْهُ (الثَّانِي جَزَاءُ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ، وَهُوَ دَمُ
تَخْيِيرٍ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ
الْقُدْرَةِ (وَتَعْدِيلٍ) بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ
بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ
لِآيَةِ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] وَقِيسَ
بِالصَّيْدِ: الشَّجَرُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْحَشِيشُ أَيْ فِي
غَيْرِ الذَّبْحِ إذْ لَا ذَبْحَ فِيهِ كَمَا مَرَّ وَأُخِذَ اسْمُ
التَّعْدِيلِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}
[المائدة: 95] .
(الثَّالِثُ - دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ، وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ
وَتَقْدِيرٍ فَيَتَخَيَّرُ) إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ قَلَّمَ
ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ بَيْنَ أُمُورٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (أَمَّا الدَّمُ
أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ أَوْ
صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] فَحَلَقَ
{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]
وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِك قَالَ نَعَمْ
قَالَ فَاحْلِقْ رَأْسَك وَانْسُكْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
أَوْ تَصَدَّقَ بِفَرَقٍ مِنْ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ»
وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَقِيسَ
بِالْحَلْقِ الْقَلْمُ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ وَبِالْمَعْذُورِ غَيْرِهِ؛
لِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ تَثْبُتُ فِيهَا التَّخْيِيرُ إذَا كَانَ
سَبَبُهَا مُبَاحًا ثَبَتَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا مُحَرَّمًا
كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ.
(الرَّابِعُ) الدَّمُ (الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ كَالْإِحْرَامِ مِنْ
الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ) بِمُزْدَلِفَةُ وَبِمِنًى (وَهُوَ
كَدَمِ التَّمَتُّعِ) فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ لِاشْتِرَاكِ
مُوجِبَيْهِمَا فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ إذْ الْمُوجِبُ لِدَمِ التَّمَتُّعِ
تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ
فِي الْجُمْلَةِ فَيَصُومُ إذَا عَجَزَ كَالْمُتَمَتِّعِ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ
كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ كَوْنِهِ دَمَ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ (الْخَامِسُ
دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالطِّيبِ) الْأَوْلَى قَوْلُهُ أَصْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ فَالْفَرْضُ سُبُعُهَا) قَالَ شَيْخُنَا: كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ
أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ
لَوْ أَخْرَجَ قَدْرًا زَائِدًا وَقَعَ الزَّائِدُ نَفْلًا، وَهَذَا مِنْ
الْقَبِيلِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ حَتَّى لَوْ
أَرَادَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ،
وَلَا كَذَلِكَ بَعِيرُ الزَّكَاةِ حَيْثُ وَقَعَ كُلُّهُ فَرْضًا لِمَا
مَرَّ.
[فَصْلٌ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّمَاءِ فِي الْحَجّ]
ثَمَّ (قَوْلُهُ أَحَدُهَا دَمُ التَّمَتُّعِ إلَخْ) دَمُ التَّمَتُّعِ
وَاجِبٌ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَرَغَ
مِنْهَا، ثُمَّ أَنْشَأَ فِي سُنَّتِهَا حَجًّا بِلَا عَوْدٍ لِلْإِحْرَامِ
بِهِ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ وَقَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ إلَى
مِيقَاتٍ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَةِ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ
بِالْعُمْرَةِ أَوْ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ،
وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حِينَ التَّلَبُّسِ
بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَدَمُ الْقِرَانِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ
بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا أَوْ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ بِحَجٍّ فِي أَشْهُرِهِ
قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي طَوَافِهَا، وَلَمْ يَعُدْ إلَى مِيقَاتٍ قَبْلَ
الْوُقُوفِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
(قَوْلُهُ الثَّالِثُ دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ) وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى
مُحْرِمٍ مُمَيِّزٍ لَمْ يَتَحَلَّلْ أَزَالَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أُزِيلَ
مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ
فَصَاعِدًا أَوْ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهَا، وَلَا فِي مَكَان وَاحِدٍ وَعَلَى
مَنْ أَزَالَ مِنْ مُحْرِمٍ حَيٍّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ
لَا إذَا طَالَ شَعْرُ حَاجِبِهِ أَوْ رَأْسِهِ وَغَطَّى عَيْنَهُ فَقَطَعَ
الْقَدْرَ الْمُغَطِّي فَقَطْ أَوْ نَبَتَتْ شَعَرَاتٌ دَاخِلَ جَفْنِهِ
فَتَأَذَّى مِنْ ذَلِكَ أَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَقَطَعَ الْمُؤْذِي.
(قَوْلُهُ الرَّابِعُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ) كَالْإِحْرَامِ
مِنْ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى مُرِيدِ نُسُكٍ تَرَكَ
الْإِحْرَامَ مِنْ حَيْثُ لَزِمَهُ أَوْ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ
لِلْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ
إلَى حَيْثُ لَزِمَهُ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَأَحْرَمَ
بِالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ (قَوْلُهُ
وَالرَّمْيِ وَطَوَافِ) الْوَدَاعِ قَالَ الْبَارِزِيُّ لَا يُتَصَوَّرُ
صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ، وَلَا فِي طَوَافِ
الْوَدَاعِ أَيْ فِي الْحَجِّ، فَيَجِبُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِمْكَانِ بَعْدَ الْوُجُوبِ.
اهـ. وَالْفَوَاتُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالْمَبِيتِ) دَمُ تَرْكِ
الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ عَلَى مُحْرِمٍ بِحَجِّ غَيْرِ
مَعْذُورٍ لَمْ يَحْضُرْ لَحْظَةً مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي لَيْلَةَ
النَّحْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَدَمُ تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَاجِبٌ
عَلَى حَاجٍّ غَيْرِ مَعْذُورٍ تَرَكَ حُضُورَ مُعْظَمِ كُلِّ لَيْلَةٍ
مِنْ لَيْلَتَيْ مِنًى إنْ نَفَرَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ أَوْ
الثَّلَاثِ إنْ نَفَرَ فِي النَّفْرِ الثَّانِي وَدَمُ تَرْكِ الرَّمْيِ
وَاجِبٌ عَلَى حَاجٍّ تَرَكَ رَمْيَ ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ فَأَكْثَرَ مِنْ
رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ مِنْهُمَا
بِغَيْرِ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ بِهِ، وَلَمْ يَسْتَنِبْ أَوْ
اسْتَنَابَ، وَلَمْ يَمْتَثِلْ النَّائِبُ مِنْ غَيْرِ تَدَارُكٍ فِي
بَاقِيهَا وَدَمُ تَرْكِ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ حَائِضٍ
وَنُفَسَاءَ وَمُتَحَيِّرَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَخَائِفٍ
مِنْ ظَالِمٍ أَوْ فَوْتِ رُفْقَةٍ أَوْ غَرِيمٍ، وَهُوَ مُعْسِرٌ وَنَحْوِ
ذَلِكَ سَافَرَ مِنْ مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ بِعَرَفَةَ أَوْ مِنْ مِنًى،
وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَكَانَ حَاجًّا، وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ
بِقَصْدِ الْوَدَاعِ أَوْ طَافَ وَمَكَثَ لَا يَسِيرًا لِشُغْلِ السَّفَرِ
وَصَلَاةٍ أُقِيمَتْ، وَلَمْ يَعُدْ لَهُ قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ مِنْ
مَكَّةَ (قَوْلُهُ لِشَبَهِهِ بِالْفَوَاتِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ) ؛
وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لِإِفْسَادِ عِبَادَةٍ
(1/530)
كَالتَّطَيُّبِ (وَالدَّهْنِ) بِفَتْحِ
الدَّالِ (وَاللُّبْسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ
وَتَقْدِيرٍ كَالْحَلْقِ) أَيْ دَمُهُ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا فِي
التَّرَفُّهِ وَالِاسْتِهْلَاكِ (السَّادِسُ دَمُ الْجِمَاعِ) الْمُفْسِدِ
(وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ فَيَجِبُ بَدَنَةٌ) أَيْ بَعِيرٌ
(ثُمَّ بَقَرَةٌ، ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ
دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ) عَلَى الْوَجْهِ
الْآتِي فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي (فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ
مُدٍّ يَوْمًا) وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ وَقَدَّمَ الطَّعَامَ عَلَى
الصِّيَامِ كَمَا فِي جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ وَأُقِيمَا مَقَامَ الْبَدَنَةِ
تَشْبِيهًا بِجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ عَلَى
التَّخْيِيرِ كَمَا مَرَّ، وَهُنَا عَلَى التَّرْتِيبِ لِشَبَهِهِ
بِالْفَوَاتِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ وَقُدِّمَتْ الْبَدَنَةُ عَلَى
الْبَقَرَةِ، وَإِنْ قَامَتْ مَقَامَهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ لِنَصِّ
الصَّحَابَةِ عَلَيْهَا وَبَيْنَهُمَا بَعْضُ تَفَاوُتٍ لِخَبَرِ «مَنْ
رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ
رَاحَ فِي الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً»
(السَّابِعُ شَاةُ الْجِمَاعِ) غَيْرِ الْمُفْسِدِ (وَهِيَ كَشَاةِ
مُقَدِّمَاتِهِ) فِي كَوْنِهَا دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ لِاشْتِرَاكِ
مُوجِبَيْهِمَا فِي التَّمَتُّعِ بِغَيْرِ إفْسَادِهِ وَعَبَّرَ هُنَا
بِشَاةِ الْجِمَاعِ وَفِيمَا مَرَّ بِدَمِ الْجِمَاعِ لِدَفْعِ اللَّبْسِ
(الثَّامِنُ دَمُ الْإِحْصَارِ، وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ) كَدَمِ
الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا فِي الْخُرُوجِ
بِهِمَا مِنْ النُّسُكِ الصَّحِيحِ فِي وَقْتِهِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ، ثُمَّ
طَعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطَّعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ
مُدٍّ يَوْمًا) لَا حَاجَةَ لِهَذَا وَإِذْ قَدْ ذَكَرَهُ فَلْيُذْكَرْ مَا
ذَكَرْتُهُ قَبْلَهُ.
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ زَمَنِ إرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَمَكَانِهَا (هَذِهِ
الدِّمَاءُ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ) بَلْ تُفْعَلُ فِي أَيَّامِ
التَّضْحِيَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ، وَلَمْ
يَرِدْ مَا يُخَالِفُهُ لَكِنْ تُنْدَبُ إرَاقَتُهُ أَيَّامَ التَّضْحِيَةِ
قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ
إلَيْهَا إذَا حَرُمَ السَّبَبُ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ فَيُحْمَلُ مَا
أَطْلَقُوهُ هُنَا عَلَى الْإِجْزَاءِ، أَمَّا الْجَوَازُ فَأَحَالُوهُ
عَلَى مَا قَرَّرُوهُ فِي الْكَفَّارَةِ (وَكُلُّهَا تُرَاقُ فِي
النُّسُكِ) الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ (إلَّا دَمَ الْفَوَاتِ فَإِنَّهُ لَا
يَجِبُ) أَدَاؤُهُ (وَلَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ
بِالْقَضَاءِ) لِظَاهِرِ خَبَرِ هَبَّارٍ السَّابِقِ وَكَمَا أَنَّ دَمَ
التَّمَتُّعِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِجَامِعِ أَنَّ
الْمُحْرِمَ فِيهِمَا يَتَحَلَّلُ مِنْ نُسُكٍ وَيُحْرِمُ بِآخَرَ،
وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ فِي الْفَائِتِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ لَمْ
يُجْزِهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ
الْعُمْرَةِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إجْزَاءُ
إخْرَاجِ دَمِ الْفَوَاتِ بَيْنَ التَّحَلُّلِ وَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ،
وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ
وَذَلِكَ فِي قَابِلٍ كَمَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ
لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ
دَخَلَ وَقْتُ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَكَلَامُ الْأَصْلِ تَبَعًا
لِلْعِرَاقِيِّينَ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ
الْأَذْرَعِيُّ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا بَعْدَ
الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ هَكَذَا أَفْهَمَ، وَلَا
تَغْتَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ.
(فَإِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ
بِالْقَضَاءِ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ) إلَى أَهْلِهِ لَا حَاجَةَ إلَى
هَذَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَصْلُهُ لِيُفَرِّعَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي
وَقْتِ وُجُوبِ الدَّمِ (وَكُلُّ هَذِهِ الدِّمَاءِ وَبَدَلُهَا) مِنْ
الطَّعَامِ (تَخْتَصُّ) تَفْرِقَتُهُ (بِالْحَرَمِ) عَلَى مَسَاكِينِهِ
(وَكَذَا) يَخْتَصُّ بِهِ (الذَّبْحُ) لِلدَّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَقِيسَ بِهَا بَقِيَّةُ
الْحَرَمِ وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَشَارَ إلَى مَوْضِعِ النَّحْرِ مِنْ مِنًى وَقَالَ هَذَا
مَنْحَرٌ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «وَكُلُّ
فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ» ؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ
بِالْهَدْيِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ كَالتَّصَدُّقِ، فَلَوْ ذَبَحَ
خَارِجَهُ لَمْ يَكْفِ (إلَّا الْمُحْصَرَ) فَيَذْبَحُ وَيُفَرِّقُ حَيْثُ
أُحْصِرَ (كَمَا سَبَقَ) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ التَّفْرِقَةُ مَعَ الذَّبْحِ
بِالْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ لَا تَلْوِيثُهُ
بِالدَّمِ وَالْفَرْثِ، وَلَا تَخْتَصُّ التَّفْرِقَةُ بِلَحْمِ
الْمَذْبُوحِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بَلْ سَائِرُ
أَجْزَائِهِ مِنْ جِلْدٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهِمَا كَذَلِكَ.
(فَإِنْ عَدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَهُ) أَيْ الْوَاجِبَ
الْمَالِيَّ (حَتَّى يَجِدَهُمْ كَمَنْ نَذَرَ) التَّصَدُّقَ (عَلَى
فُقَرَاءِ بَلَدٍ) فَلَمْ يَجِدْهُمْ فِيهِ فَإِنَّهُ يَصْبِرُ حَتَّى
يَجِدَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ وَيُخَالِفُ الزَّكَاةَ إذْ لَيْسَ
فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا وَمَا
ذَكَرَهُ مِنْ الصَّبْرِ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي فِي
فَتَاوِيهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ جَزَمَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ
الْوَصِيَّةِ بِأَنَّهُ يَصْبِرُ بَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَقَدْ ذَكَرَ
الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَكِنَّهُ تَرَدَّدَ
فِي النَّذْرِ فَقَالَ أَمَّا أَنْ يَبْطُلَ أَوْ يَصْبِرَ حَتَّى يَجِدَ
الْفُقَرَاءَ، وَزَادَ فَائِدَةً أُخْرَى فَقَالَ: لَوْ نَذَرَ لِأَصْنَافٍ
فَعَدِمَ بَعْضَهَا جَازَ النَّقْلُ كَنَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ. اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ نَقْلِ الزَّكَاةِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ
عَلَى تَفْصِيلٍ قَدَّمْتُهُ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَقَدَّمَ
الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ ثَمَّ جَوَازَ نَقْلِ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ
وَالْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا وَقَدَّمْت ثَمَّ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ
يُعَيِّنْ الْبَلَدَ (وَيَصُومُ حَيْثُ شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
فَكَانَتْ عَلَى التَّرْتِيبِ كَكَفَّارَةِ الصَّوْمِ.
(قَوْلُهُ الْجِمَاعِ غَيْرِ الْمُفْسِدِ) الْجِمَاعُ بَعْدَ الْجِمَاعِ
الْمُفْسِدِ وَدَمُهُ وَاجِبٌ عَلَى مُحْرِمٍ ذَكَرٍ مُمَيِّزٍ جَامَعَ،
وَلَوْ بِحَائِلٍ عَامِدًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فِي
الْحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ أَوْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ
التَّحَلُّلِ مِنْهَا بَعْدَ جِمَاعٍ مُفْسِدٍ مُنْفَصِلٍ أَوْ مُتَّصِلٍ
وَقَضَى وَطَرَهُ فِي الْأَوَّلِ وَدَمُ الْجِمَاعِ بَيْنَ
التَّحَلُّلَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى مُحْرِمٍ بِالْحَجِّ ذَكَرٍ مُمَيِّزٍ
جَامَعَ، وَلَوْ بِحَائِلٍ عَامِدًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ
بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ (قَوْلُهُ الثَّامِنُ دَمُ الْإِحْصَارِ) ، وَهُوَ
وَاجِبٌ عَلَى مُحْرِمٍ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ حَبْسٌ مِنْ سُلْطَانٍ
وَنَحْوِهِ ظُلْمًا أَوْ بِدَيْنٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ،
وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِإِعْسَارِهِ أَوْ زَوْجٍ فِي غَيْرِ
عِدَّتِهِ أَوْ سَيِّدٍ جَازَ لَهُمَا الْمَنْعُ أَوْ أَصْلٌ فِي
التَّطَوُّعِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَلَمْ يَجِدْ
فِي مَنْعِ الْعَدُوِّ لَهُ عَنْ سُلُوكِ طَرِيقٍ مَسْلَكًا فِي طَرِيقٍ
آخَرَ وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ سُلُوكُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ
غَيْرُهُ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ انْكِشَافَ الْعَدُوِّ فِي مُدَّةٍ
يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ فِيهَا إنْ كَانَ حَاجًّا أَوْ فِي ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا أَوْ حَدَثَ بِهِ عُذْرٌ كَمَرَضٍ
وَضَلَالِ طَرِيقٍ وَنَفَاذِ نَفَقَةٍ وَكَانَ قَدْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ
الْإِحْرَامِ التَّحَلُّلَ بِهِ بِالْهَدْيِ قَصَدَ التَّحَلُّلَ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ زَمَنِ إرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَمَكَانِهَا فِي الْحَجّ]
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا إلَخْ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إجْزَاءُ إخْرَاجِ
دَمِ الْفَوَاتِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ بَعْدَ
دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(
(1/531)
لِلْمَسَاكِينِ فِيهِ لَكِنَّهُ فِي الْحَرَمِ أَوْلَى لِشَرَفِهِ.
(فَرْعٌ أَفْضَلُ) بُقْعَةٍ مِنْ (الْحَرَمِ لِذَبْحِهِ) يَعْنِي لِذَبْحِ
الْحَاجِّ، وَلَوْ مُتَمَتِّعًا (مِنًى وَ) لِذَبْحِ (الْمُعْتَمِرِ
الْمَرْوَةُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِمَا (وَكَذَا الْهَدْيُ)
الَّذِي سَاقَهُ تَقَرُّبًا مِنْ مَنْذُورٍ وَغَيْرِهِ أَفْضَلُ بُقْعَةٍ
لِذَبْحِ الْحَاجِّ لَهُ مِنًى وَلِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ لَهُ الْمَرْوَةُ
لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ فَالْأَفْضَلُ لَهُ
ذَبْحُ هَدْيِهِ بِالْمَرْوَةِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ
الْأَصْحَابِ وَفِيهِ عَنْهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ
بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي
الْحَجِّ أَنْ يُذْبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ (وَالْوَاجِبُ دَفْعُهُ) أَيْ
الْوَاجِبُ الْمَالِيِّ جُمْلَةً أَوْ مُفَرَّقًا (إلَى ثَلَاثَةٍ)
فَأَكْثَرَ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ
الْجَمْعِ (كَالزَّكَاةِ) ، فَلَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ
عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ لَهُ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ
الزَّكَاةِ وَذَكَرَ فِيهِ فِي الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحِ
أَحَدِهِمَا هَذَا وَالثَّانِي يَضْمَنُ الثُّلُثَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا
نُقِلَ عَنْ النَّصِّ الْآتِي وَعُلِمَ مِنْ وُجُوبِ دَفْعِ ذَلِكَ
حُرْمَةَ الْأَكْلِ مِنْهُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ، فَلَوْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ
بِالْقِيمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُ
الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا
اللَّحْمُ مُتَقَوِّمٌ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ فَيَنْبَغِي
تَصْحِيحُ ضَمَانِهِ بِالْمِثْلِ، وَعُلِمَ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالزَّكَاةِ
وُجُوبُ نِيَّةِ الدَّفْعِ مُقْتَرِنَةً بِهِ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ،
وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ فِي
الْمُقْتَرِنَةِ وَسَوَاءٌ فِي الْمَسَاكِينِ الْغُرَبَاءُ
وَالْمُسْتَوْطِنُونَ (وَ) لَكِنْ (الْمُسْتَوْطِنُونَ أَوْلَى)
بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ
حَاجَةُ الْغُرَبَاءِ أَشَدُّ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ، وَإِنْ
انْحَصَرُوا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ قَالَ
السُّبْكِيُّ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا حُرْمَةُ
الْبَلَدِ وَثَمَّ سَدُّ الْخَلَّةِ.
(وَفِي) دَفْعِ (الطَّعَامِ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (لَا يَتَعَيَّنُ
لِكُلٍّ) مِنْهُمْ (مُدٌّ) بَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَالنَّقْصُ
مِنْهُ وَقِيلَ يَمْتَنِعَانِ كَالْكَفَّارَةِ وَنُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ
تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ
الْبُلْقِينِيُّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ
فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ دَمُهُ دَمَ تَخْيِيرٍ
وَتَقْدِيرٍ أَمَّا دَمُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا دَمُهُ
دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ مَسَاكِينَ
نِصْفُ صَاعٍ مِنْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ ذَبَحَ) الدَّمَ
الْوَاجِبَ فِي الْحَرَمِ مَثَلًا (فَسُرِقَ) مِنْهُ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ
التَّفْرِقَةِ (لَمْ يُجْزِهِ) فَعَلَيْهِ إعَادَةُ ذَبْحِ دَمٍ، وَهِيَ
أَوْلَى (وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ) ؛
لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ
يَشْتَرِيَ اللَّحْمَ وَغَيْرَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَمِثْلُ
كَلَامِهِمْ مَا لَوْ سَرَقَهُ مَسَاكِينُ الْحَرَمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ
سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ نِيَّةُ الدَّفْعِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ
الدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ بِهِ وَمَا قِيلَ مِنْ
أَنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ
التَّفْرِقَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ
الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ
بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةَ بِعَيْنِ الْمَالِ.
[فَصْلٌ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ]
(فَصْلٌ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ
(عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ الْأُوَلُ وَ) الْأَيَّامُ (الْمَعْدُودَاتُ)
الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) رَوَاهُمَا
الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ هُنَا لِاخْتِصَاصِ غَالِبِ الْمَنَاسِكِ
بِهِمَا أُصُولُهُمَا بِالْمَعْلُومَاتِ وَتَوَابِعُهَا بِالْمَعْدُودَاتِ
وَفِي الْمَعْلُومَاتِ خِلَافٌ بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ قَالَ
الْبَغَوِيّ وَسُمِّيَتْ الْأُولَى مَعْلُومَاتٌ لِلْحِرْصِ عَلَى
عَمَلِهَا بِحِسَابِهَا لِأَجْلِ أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ فِي آخِرِهَا
وَالثَّانِيَةُ مَعْدُودَاتٌ لِقِلَّتِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {دَرَاهِمَ
مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20]
(بَابُ الْهَدْيِ) هُوَ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ
وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ
مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ
النَّعَمِ وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى دِمَاءِ
الْجُبْرَانَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ
لِنُسُكٍ) بَلْ وَلِمَنْ يَقْصِدُهَا لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ
الْمَجْمُوعِ (أَنْ يُهْدِيَ) إلَيْهَا (شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ) فَفِي
الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى
فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ» وَتَعْبِيرُهُ بِنُسُكٍ أَوْلَى
مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَلَا يَجِبُ) ذَلِكَ
(إلَّا بِالنَّذْرِ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ
لَهُ أَنْ يَكُونَ مَا يُهْدِيهِ سَمِينًا حَسَنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] فَسَّرَهَا ابْنُ
عَبَّاسٍ بِالِاسْتِسْمَانِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَكَوْنُهُ مَعَهُ مِنْ
بَلَدِهِ أَفْضَلُ وَشِرَاؤُهُ مِنْ طَرِيقِهِ أَفْضَلُ مِنْ شِرَائِهِ
مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ مِنْ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ أَصْلًا بَلْ
اشْتَرَاهُ مِنْ مِنًى جَازَ وَحَصَلَ أَصْلُ الْهَدْيِ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ (أَنْ يُقَلِّدَ الْبَدَنَةَ وَالْبَقَرَةَ
نَعْلَيْنِ) مِنْ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْإِحْرَامِ
(وَيَتَصَدَّقُ بِهِمَا) بَعْدَ ذَبْحِهَا (ثُمَّ يُشْعِرُهَا)
وَالْإِشْعَارُ الْإِعْلَامُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ
(فَيَجْرَحُ) ، وَهِيَ بَارِكَةً (صَفْحَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ ذَبْحُ هَدْيِهِ بِالْمَرْوَةِ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وُجُوبُ دَفْعِ ذَلِكَ) (قَوْلُهُ وُجُوبُ نِيَّةِ
الدَّفْعِ ذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ إلَخْ)
عِنْدَنَا، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا نَقَلَهُ
الزَّمَخْشَرِيّ وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَتَالِيَاهُ
فَتَالِيَاهُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ، وَهَذَا
مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا فِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَيَانِ هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَتَالِيَاهُ وَقَالَ
عَلِيٌّ فِي رِوَايَةٍ هِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ فِي
أُخْرَى هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ، وَهَذِهِ
مَرْوِيَّةٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى هِيَ
يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ كَعْبٍ هِيَ وَالْمَعْدُودَاتُ وَاحِدٌ، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ |