أسنى
المطالب في شرح روض الطالب [حاشية الرملي
الكبير]
[كِتَابُ الْبُيُوعِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (كِتَابُ الْبُيُوعِ) (قَوْلُهُ
لَفْظُ الْبَائِعِ) بِالْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الرَّافِعِيُّ
أَنَّهَا شُرُوطٌ) قَالَ لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ بَيْعٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ
وَلَا صِيغَةَ وَلِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا
لِتَدْخُلَ صُورَةُ الْبَيْعِ فِي الْوُجُودِ فَلْيَعُدَّ الزَّمَانَ
وَالْمَكَانَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ أَرْكَانًا وَإِنْ
أُرِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِهَا لِيَتَصَوَّرَ الْبَيْعَ
فَلْيَخْرُجْ الْعَاقِدُ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذْ الْبَيْعُ فِعْلٌ
وَمَوْرِدُ الْفِعْلِ وَفَاعِلُهُ لَا يَدْخُلَانِ فِي حَقِيقَتِهِ
وَلِهَذَا لَمْ يَعُدَّ الْمُصَلِّي وَالْحَاجَّ رُكْنَيْنِ فِي الصَّلَاةِ
وَالْحَجِّ وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ
بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مُسْتَثْنًى عَلَى أَنَّ إيرَادَهُ لَازِمٌ
بِتَقْدِيرِ جَعْلِ الثَّلَاثَةِ شُرُوطًا أَيْضًا وَعَنْ الثَّانِي
بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَعُدَّ
الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ وَنَحْوَهُمَا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهَا بِالْبَيْعِ
وَبِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَلَا يُرَادُ بِالرُّكْنِ مَا تَرَكَّبَ
حَقِيقَةُ الشَّيْءِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ لِيَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ
مَوْرِدُ الْفِعْلِ وَفَاعِلُهُ دَاخِلَيْنِ فِي حَقِيقَةِ الْبَيْعِ بَلْ
الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا لَا بُدَّ لِلشَّيْءِ
مِنْهُ فِي وُجُودِ صُورَتِهِ عَقْلًا إمَّا لِدُخُولِهِ فِي حَقِيقَتِهِ
أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِهِ فَخَرَجَ الشَّرْطُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي
وُجُودِ صُورَتِهِ شَرْعًا وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَنَحْوَهُمَا لِمَا
مَرَّ وَأَمَّا الْمُصَلِّي وَالْحَاجُّ فَالْكَلَامُ فِيهِمَا كَمَا
قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُنْدَرِجٌ فِي الْكَلَامِ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ
الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِمَا فِي الْمَاهِيَّةِ
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي مُطْلَقِ ذِكْرِهِمَا بَلْ فِي
ذِكْرِهِمَا رُكْنَيْنِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِيمَا ذُكِرَ وَيُجَابُ
بِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُمَا ذَكَرَا رُكْنَيْنِ وَإِنْ
لَمْ يُصَرِّحُوا بِشَيْءٍ وَأَجَابَ الزَّنْجَانِيُّ بِأَنَّ
الْغَزَالِيَّ بَنَى هَذَا عَلَى أَصْلٍ قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ
أَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ فِي الْبِيَاعَاتِ عَلَى قِسْمَيْنِ
أَحَدِهِمَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَالثَّانِي مَا لَا يَقْتَضِيهِ
وَجَعَلَ الضَّابِطَ أَنَّ مَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ بِسَبَبِ مَفْسَدَةٍ
نَشَأَتْ مِنْ أَحَدِ أَرْكَانِ الْعَقْدِ فَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ
كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ
بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ
الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ الدَّاعِيَةَ إلَى
النَّهْيِ عَنْهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَى
الْعَاقِدِ وَفِي الثَّانِي إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِي الثَّالِثِ
إلَى الصِّيغَةِ وَمَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ بِسَبَبٍ عَارِضٍ لِهَذِهِ
الْحَيْثِيَّاتِ خَارِجٍ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ
كَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَعُلِمَ أَنَّ
الْغَزَالِيَّ جَعَلَ الْعَاقِدَ
(2/2)
(بَابُ مَا يَصِحُّ بِهِ الْبَيْعُ) عَبَّرَ عَمَّا ذَكَرْته مَا
يَحْتَمِلُ الْأَرْكَانَ وَالشُّرُوطَ مُبْتَدِئًا بِالصِّيغَةِ لِأَنَّهَا
أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا ثُمَّ بِالْعَاقِدِ ثُمَّ بِالْمَعْقُودِ
عَلَيْهِ لِتَقَدُّمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ طَبْعًا فَقَالَ
(وَيُعْتَبَرُ فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ)
لِأَنَّ الْبَيْعَ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِمَا مَرَّ وَالرِّضَا أَمْرٌ
خَفِيٌّ لِأَنَّهُ مَيْلُ النَّفْسِ فَاعْتُبِرَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ
وَيَحْصُلُ (بِالْإِيجَابِ) مِنْ الْبَائِعِ (كَ بِعْتُك) بِكَذَا (أَوْ
مَلَّكْتُك بِكَذَا) وَهَذَا مَبِيعٌ مِنْك بِكَذَا أَوْ أَنَا بَائِعُهُ
لَك بِكَذَا وَنَحْوَهَا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ
قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ (وَالْقَبُولِ) مِنْ الْمُشْتَرِي (كَ
اشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت وَكَذَا إنْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي)
بِكَلَامِهِ (وَ) كَذَا إنْ (اخْتَلَفَ اللَّفْظُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ
(فَقَالَ اشْتَرَيْت مِنْك) هَذَا (بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ مَلَّكْتُك
أَوْ قَالَ) لَهُ (الْبَائِعُ مَلَّكْتُك فَقَالَ اشْتَرَيْت) لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ (فَإِنْ بَدَأَ بِ قَبِلْت لَمْ يَصِحَّ) إذْ لَا
يَنْتَظِمُ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَهَذَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ
وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ
الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِهِ فِي النِّكَاحِ وَأَشَارَ بِكَافِ الْخِطَابِ
فِي صِيَغِ الْإِيجَابِ إلَى اعْتِبَارِ الْخِطَابِ فِيهَا وَإِسْنَادِهَا
لِجُمْلَةِ الْمُخَاطَبِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْت وَلَوْ
بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي لَهُ بِعْت هَذَا بِكَذَا وَلَا قَوْلُهُ بِعْت
يَدَك أَوْ نِصْفَك وَلَا بِعْت مُوَكِّلَك بَلْ يَقُولُ بِعْتُك أَوْ
مَلَّكْتُك وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي النِّكَاحِ بِأَنْكَحْت مُوَكِّلَك
بَلْ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ االْوَكِيلَ ثَمَّ سَفِيرٌ مَحْضٌ وَقَدْ لَا
يُعْتَبَرُ الْخِطَابُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ
الْمُتَوَسِّطِ (وَيُشْتَرَطَانِ) أَيْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ (فِي
عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ) وَإِنْ عَلَا (طَرَفَيْهِ كَالْبَيْعِ) لِمَالِهِ
(مِنْ طِفْلِهِ) وَعَكْسَهُ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا إذْ مَعْنَى
التَّحْصِيلِ غَيْرُ مَعْنَى الْإِزَالَةِ وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونُ
وَكَذَا السَّفِيهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَهَذَا إنْ بَلَغَ سَفِيهًا
وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ فَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ
شَفَقَتَهُ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ الْأَبِ وَتَرْجِيحُ الِاشْتِرَاطِ فِيمَا
قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ
(فَرْعٌ وَلَا يَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ (بِالْمُعَاطَاةِ) إذْ الْفِعْلُ لَا
يَدُلُّ بِوَضْعِهِ (وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ
الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (الِانْعِقَادَ) لَهُ (فِي كُلٍّ) أَيْ
بِكُلِّ (مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ
اشْتِرَاطُ لَفْظٍ فَيَرْجِعُ لِلْعُرْفِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ
الْمُطْلَقَةِ (وَبَعْضُهُمْ) كَابْنِ سُرَيْجٍ وَالرُّويَانِيِّ (خَصَّصَ
جَوَازَ) بَيْعِ (الْمُعَاطَاةِ بِالْمُحَقَّرَاتِ) وَهِيَ مَا جَرَتْ
الْعَادَةُ فِيهَا بِالْمُعَاطَاةِ كَرَطْلِ خُبْزٍ (فَعَلَى الْأَوَّلِ)
وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ (الْمَقْبُوضُ بِهَا
كَالْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ) فَيُطَالِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا
دَفَعَ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ (وَقَالَ
الْغَزَالِيُّ) فِي الْإِحْيَاءِ (يَتَمَلَّكُهُ) يَعْنِي لِلْبَائِعِ أَنْ
يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ (إنْ سَاوَى) قِيمَةَ مَا دَفَعَهُ
لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ ظَفِرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ هَذَا
كُلُّهُ فِي الدُّنْيَا أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِطِيبِ
النَّفْسِ بِهَا وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا نَقَلَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَقَرَّهُ قَالَ وَخِلَافُ
الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ
وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ
أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَيُعْطِيَا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ
وَلَا قَبُولٍ وَقَدْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا
(فَرْعٌ لَوْ قَالَ) شَخْصٌ (بِصِيغَةِ الْأَمْرِ) لِآخَرَ (بِعْنِي أَوْ
اشْتَرِ مِنِّي) هَذَا بِكَذَا (فَقَالَ الْآخَرُ بِعْتُك أَوْ اشْتَرَيْت
أَوْ قَدْ فَعَلْت) أَوْ نَحْوَهَا صَحَّ لِدَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى
الرِّضَا وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى اسْتِيجَابًا وَإِيجَابًا وَالثَّانِي
اسْتِقْبَالًا وَقَبُولًا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِي الثَّانِيَةِ
مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا إنْ جَاءَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ) وَلَوْ
مُقَدَّرًا (فَقَالَ تَبِيعُنِي أَوْ بِعْتنِي) هَذَا بِكَذَا فَقَالَ
بِعْتُك فَلَا يَصِحُّ (فَإِنَّ جَوَابَهُ إيجَابٌ يَفْتَقِرُ إلَى
الْقَبُولِ) بِاشْتَرَيْت أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ (أَوْ)
قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالصِّيغَةَ مِنْ أَرْكَانِ الْعَقْدِ وَلَمْ
يَجْعَلْ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ مِنْ أَرْكَانِهِ بَلْ جَعَلَهُمَا
أَمْرًا خَارِجًا مُجَاوِرًا لَهُ |