أسنى المطالب في شرح روض الطالب

[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]
تُقَالَ عَلَى الْإِيدَاعِ وَعَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ يَدَعُ إذَا سَكَنَ؛ لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدُ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ فِي دَعَةٍ أَيْ رَاحَةٍ؛ لِأَنَّهَا فِي رَاحَةٍ الْمُودَعِ وَمُرَاعَاتِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَقَوْلُهُ {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] وَخَبَرُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً بَلْ ضَرُورَةً إلَيْهَا
(وَهِيَ تَوْكِيلٌ بِالْحِفْظِ لِمَمْلُوكٍ أَوْ مُخْتَصِّ) .

(وَقَبُولُهَا مُسْتَحَبٌّ لِلْأَمِينِ الْقَادِرِ عَلَى حِفْظِهَا) لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْد عَدَمِ غَيْرِهِ) كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ (بِالْأُجْرَةِ) فَالْوَاجِبُ أَصْلُ الْقَبُولِ دُونَ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ فِي الْحِفْظِ بِلَا عِوَضٍ وَقَضَيْتُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ كَمَا يَأْخُذُ أُجْرَةَ الْحِرْزِ، وَمَنَعَهُ الْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا فِي سَقْيِ اللُّبَا (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ؟ يَقْبَلْ (عَصَى) لَتَرْكِهِ الْوَاجِبَ بِلَا عُذْرٍ (وَلَمْ يَضْمَنْ) إنْ تَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا.
(أَوْ أُكْرِهَ) عَلَى قَبُولِهَا (فَفَعَلَ وَتَلِفَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْهُ (لَمْ يَضْمَنْ) كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مُخْتَارًا وَأَوْلَى (وَ) قَبُولُهَا أَيْ أَخْذُهَا (حَرَامٌ عَلَى الْعَاجِزِ) عَنْ حِفْظِهَا؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُهَا لِلتَّلَفِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا إمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ) هُوَ الْأَصَحُّ.

(قَوْلُهُ: فَلَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ) قَالَ الْأَزْرَقُ: وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَعْيَانَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا أَدَّى عَدَمُ ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ الْمَنَافِعِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلَهُ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(فَرْعٌ) لَوْ جَعَلَ الْمُوصِي لِلْوَصِيِّ أَوْ الْمُشْرِفُ عَلَيْهِ جُعْلًا فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ بِمُتَبَرِّعٍ بِالْعَمَلِ.
(فَرْعٌ) لَوْ قَالَ الْمُوصِي: فَرِّقْ ثُلُثِي لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلَا أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَلَا مَنْ يَخَافُ مِنْهُ أَوْ يَسْتَصْلِحُهُ وَإِنْ قَالَ لَهُ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ وَلَا لِعَبْدِهِ وَلَهُ إعْطَاءُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ

(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) .
(قَوْلُهُ: مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ إلَخْ) مَادَّةُ وَدَعْ تَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ اسْتَقَرَّ وَتَرَكَ وَتَرَفَّهَ وَالْكُلُّ مَوْجُودٌ هُنَا لِاسْتِقْرَارِهَا عِنْدَ الْمُودَع وَتَرْكِهَا عِنْدَهُ وَعَدَمُ اسْتِعْمَالِهَا (قَوْلُهُ: وَهِيَ تَوْكِيلٌ بِالْحِفْظِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيدَاعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ هُنَاكَ وَكَذَا يَمْتَنِعُ اسْتِيدَاعُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبُ الْعِلْمِ عِنْدَ الْكَافِرِ ر وَقَوْلُهُ: صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ) وَخَافَ إنْ لَمْ يَقْبَلْ هَلَكَتْ (قَوْلُهُ: كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ) الْمُتَّجَهُ أَنْ قَبُولَهَا مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ كَقَبُولِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ عر وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي نَظِيرهِ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّي التَّوَاكُلُ إلَى ضَيَاعِهَا غ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَحَرَامٌ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ حِفْظِهَا) يَشْمَلُ مَنْ وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا فَلَوْ أَخَذَهَا وَأَحْرَزَهَا فَهَلْ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَتَغْرِيرِهِ أَوْ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ كَغَيْرِهِ. فِيهِ نَظَرٌ وَعَدَمُ الضَّمَانِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ) وَابْنُ يُونُسَ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ) لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْهُ

(3/74)


وَأَمَّا عَلَى الْمُودَعِ فَلِإِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلْمُ الْمَالِكُ بِعَجْزِهِ لَا يُبِيحُ لَهُ الْقَبُولَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورٌ عَلَى الْإِثْمِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمُودِعُ وَكِيلًا أَوْ وَلِيَّ يَتِيمِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ قَطْعًا.
(وَفِيمَنْ لَا يَثِقُ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ) فِيهَا (وَجْهَانِ) : أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا. وَالثَّانِي: يُكْرَهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ لَكِنْ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَبِالتَّحْرِيمِ أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالرُّويَانِيُّ، وَالشَّاشِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ الْمُخْتَار. قَالَ وَلِيَكُنْ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَوْدَعَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مَالَ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ قَبُولُهَا مِنْهُ جَزْمًا.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ الْحَالَ وَإلَّا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ وَفِيهِ مَا مَرَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَصِحُّ إيدَاعُ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا أَيْ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا اخْتِصَاصَ فِيهِ، أَمَّا مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ وَزِبْلٍ وَكَلْبٍ مُحْتَرَمٍ فَيَجُوزُ إيدَاعُهُ كَالْمَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَارِزِيُّ وَشَمِلَهُ قَوْلُ الْوَسِيطِ: الْوَدِيعَةُ كُلُّ مَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ الْحَافِظَةُ وَمَنَعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَالْمَالِ قَالَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَدِيعَةِ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ بِالتَّقْصِيرِ وَهَذَا لَا يُضْمَنُ إذَا تَلِفَ وَهَذَا خِلَافٌ لَفْظِيٌّ؛ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ كَالْمَالِ لَا يُرِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِتَلَفِهِ كَالْمَالِ بَلْ يُرِيدُ أَنَّهُ يَصِحُّ إيدَاعُهُ وَيَجِبُ رَدَّهُ مَا دَامَ بَاقِيًا كَمَا فِي الْمَالِ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ لَا يُضْمَنُ.

(فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ) لِلْإِيدَاعِ (الْإِيجَابُ) الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ إذْ الْإِيجَابُ رُكْنٌ لِلْإِيدَاعِ. وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: الْعَاقِدَانِ، الْوَدِيعَةُ، وَالصِّيغَةُ، فَلَا بُدَّ مِنْ صِيغَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الِاسْتِحْفَاظِ (كَأَوْدَعْتُكَ) هَذَا الْمَالَ (وَاحْفَظْهُ وَنَحْوِهِ) كَاسْتَحْفَظْتُكَ وَأَنَبْتُكَ فِي حِفْظِهِ وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ (لِأَنَّهَا عَقْدٌ) كَالْوَكَالَةِ لَا إذْنٌ مُجَرَّدٌ فِي الْحِفْظِ (وَلَوْ عَلَّقَهَا) كَأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَوْدَعْتُكَ هَذَا (فَكَالْوَكَالَةِ) فَلَا تَصِحُّ حَتَّى يَسْقُطَ الْمُسَمَّى إنْ كَانْ وَيَرْجِعُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَصِحُّ الْحِفْظُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ ثَمَّ حِينَئِذٍ، وَالْقِيَاسَ عَلَى الْوَكَالَةِ هُوَ مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ قَطْعِ الرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ (وَ) يَشْتَرِطُ (الْقَبُولُ) مِنْ الْوَدِيعِ (وَلَوْ بِالْقَبْضِ) كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بَلْ أَوْلَى لِبُعْدِهَا عَنْ مُشَابَهَةِ الْعُقُودِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا تَفْتَقِرُ الْوَدِيعَةُ إلَى عِلْمِ الْوَدِيعِ بِمَا فِيهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَعْرِيفِهَا.
(فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ) الْمَالِكُ (لَهُ) بَلْ وَضَعَ مَالَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَوَاءٌ أَقَالَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أُرِيدُ أَنْ أُودِعَكَ أَمْ لَا (أَوْ أَوْجَبَ) لَهُ حِينَ وَضَعَهُ بَيْن يَدَيْهِ (وَرَدَّ) هُوَ (ضَمِنَ بِالْقَبْضِ) إنْ قَبَضَ إلَّا إنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ فَقَبَضَهُ حِسْبَةً صَوْنًا لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَضْمَنُ (لَا بِالتَّضْيِيعِ) لَهُ بِأَنْ ذَهَبَ فَتَرَكَهُ فَلَا يَضْمَنُ (وَإِنْ أَثِمَ) بِهِ إنْ كَانَ ذَهَابُهُ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ كَمَا يَعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَخَرَجَ بِرَدِّهِ مَا لَوْ قَبِلَ وَلَوْ بِقَوْلِهِ ضَعْهُ فَإِنَّهُ إيدَاعٌ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا حَتَّى يَقْبِضَهُ (وَذَهَابُ الْوَدِيعِ) مَعَ تَرْكِهِ الْوَدِيعَةِ (وَالْمَالِكُ حَاضِرٌ كَالرَّدِّ) لَهَا فَلَا ضَمَانَ.

(فَصْلٌ: وَدِيعُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَالْعَبْدِ (ضَامِنٌ) لِوَدِيعَتِهِمْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ مُوجِبِهَا إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ كَقَابِلِهَا فَهُوَ مُقَصِّرٌ بِالْأَخْذِ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِيدَاعِ وَلَا يَزُولُ ضَمَانُهُ إلَّا بِرَدِّهَا إلَى مَالِكِ أَمْرِهِمْ (فَلَوْ خَشِيَ ضَيَاعَهَا) فِي يَدِهِمْ (فَأَخَذَهَا) مِنْهُمْ (حِسْبَةً) صَوْنًا لَهَا عَنْ الضَّيَاعِ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَخَذَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مِنْ جَارِحَةٍ لِيَتَعَهَّدَهُ فَتَلِفَ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَضَمَانُ الْوَدِيعَةِ) الَّتِي أَوْدَعَهَا مَالِكُهَا لِصَبِيِّ أَوْ عَبْدٍ (يَلْزَمُ الصَّبِيَّ وَرَقَبَةَ الْعَبْدِ بِالْإِتْلَافِ) مِنْهُمَا لَهَا لِعَدَمِ تَسْلِيطِهِمَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَا مَالَ غَيْرِهِمَا بِلَا اسْتِيدَاعٍ وَلَا تَسْلِيطٍ وَقِيلَ يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ ذِمَّتَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا بِالتَّقْصِيرِ) إذْ لَيْسَ عَلَيْهِمَا حِفْظُهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْتِزَامِهِمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمَا بِلَا اسْتِيدَاعٍ فَتَلِفَتْ (وَالسَّفِيهُ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (كَالصَّبِيِّ) فِيمَا ذَكَرَ.

(وَوَلَدُ الْوَدِيعَةِ كَأُمِّهِ) فَيَكُونُ وَدِيعَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَقْدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَالثَّانِي يُكْرَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ) مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصَلِّ فِي أَرْكَانُ الْإِيدَاعِ]
(قَوْلُهُ كَأَوْدَعْتُكَ) أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ وَالْكِتَابَةُ مِنْهُ وَمِنْ النَّاطِقِ كَالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَالْقَبُولُ وَلَوْ بِالْقَبْضِ) لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي هَذَا وَدِيعَةً فَدَفَعَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَدِيعَةً فَالشَّرْطُ وُجُودُ اللَّفْظِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ لِلْعِلْمِ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْبَغَوِيّ إلَخْ) هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْقَبُولُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ اللَّفْظَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي هَذَا لِأَحْفَظَهُ أَوْ أَوْدِعْنِيهِ كَيْ لَا يَضِيعَ وَنَحْوِهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ كَفَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ ر غ.

[فَصْلٌ وَدِيعُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ ضَامِنٌ لِوَدِيعَتِهِمْ]
(قَوْلُهُ: وَلَا يَزُولُ ضَمَانُهُ إلَّا بِرَدِّهَا إلَى مَالِكِ أَمَرِهِمْ) أَوْ إتْلَافِ مَالِكِهَا إيَّاهَا بِلَا تَسْلِيطِ مِنْ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يُمْكِنُ إحْبَاطُهُ وَتَضْمِينُهُ مَالَ نَفْسِهِ مُحَالٌ فَتُضْمَنُ الْبَرَاءَةُ. قَالَ شَيْخُنَا: لَا يُقَالُ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَنَّ تَسْلِيطَ الْمُمَيَّزِ غَيْرِ الْأَعْجَمِيِّ لَا أَثَرَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَالْمَدَارَ عَلَى إتْلَافِهِ مَالَ نَفْسِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودِعِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ سَبَقَ ضَمَانُ الْمُودِعِ بِوَضْعِ يَدِهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ ضَمَانُهُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ فِي حَالَةِ مُبَاشَرَةِ الْمَالِكِ الْعَارِيَّةَ عَنْ تَسْلِيطٍ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ تَسْلِيطِهِ فَضَعُفَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ ضَمَانِ الْيَدِ كَاتِبُهُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ خَشِيَ ضَيَاعَهَا فَأَخَذَهَا إلَخْ) قَالَ الْغَزِّيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ تَعَدَّى بِأَخْذِهَا فَلَا يَأْخُذُهَا كَمَا لَا يَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: لَا بِالتَّقْصِيرِ) وَإِنْ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ إنَّ الْعَبْدَ يَضْمَنُهَا بِالتَّفْرِيطَ (قَوْلُهُ: وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ) لَوْ طَرَأَ سَفَهُ رَشِيدٍ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَجْرُ حَاكِمٍ فَهَلْ يُبْنَى إيدَاعُهُ وَالْإِيدَاعُ مِنْهُ عَلَى الْخِلَاف فِي تَصَرُّفَاتِهِ أَوْ أَنَّهُ

(3/75)


وَقِيلَ لَيْسَ بِوَدِيعَةٍ بَلْ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي يَدِهِ يَجِبُ رَدُّهَا فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَقَالَا: لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ. قُلْتُ: وَقَدْ يُقَالُ بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْعَيْنَ يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الثَّانِي حَالًا وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الطَّلَبِ.

[فَصْلٌ أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ]
(فَصْلٌ وَأَحْكَامُهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ الْجَوَازُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ (فَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَإِغْمَائِهِ) وَجُنُونِهِ وَحَجْر السَّفَهِ وَالْجُحُودِ الْمُضَمَّنِ وَنَقْلِ الْمِلْكِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَالْوَكَالَةِ (وَلَوْ عَزَلَ) الْوَدِيعُ (نَفْسَهُ) أَوْ عَزَلَهُ الْمَالِكُ انْفَسَخَتْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَقْدٌ وَبَقِيَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً كَالثَّوْبِ الَّذِي طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ وَ (لَزِمَهُ الرَّدُّ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبُ مِنْهُ (فَإِنْ أَخَّرَ) هـ (بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ) .

الْحُكْمُ (الثَّانِي الْأَمَانَةُ) لِأَنَّ الْوَدِيعَ يَحْفَظُهَا لِلْمَالِكِ فَيَدُهُ كَيَدِهِ وَلَوْ ضَمِنَ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ (وَ) إنَّمَا (يَضْمَنُ بِالتَّقْصِيرِ وَلَهُ) أَيْ لِلتَّقْصِيرِ (أَسْبَابٌ) ثَمَانِيَةٌ (أَحَدُهَا: إيدَاعُهَا) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا (بِلَا عُذْرٍ) عِنْدَ غَيْرِهِ (وَلَوْ عِنْدَ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَأَمَانَتِهِ وَلَا عُذْرَ وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مَا لَوْ طَالَتْ غَيْبَةُ الْمَالِكِ فَأَوْدَعَهَا الْوَدِيعُ الْقَاضِيَ (وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ فِي حِفْظِهَا وَعَلَفِهَا) وَسَقْيِهَا وَلَوْ بِأَجْنَبِيٍّ (وَنَظَرُهُ) بَاقٍ (عَلَيْهَا كَالْعَادَةِ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ (فَإِنْ كَانَتْ بِمَخْزَنِهِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ وَاسْتَحْفَظَ) عَلَيْهَا (ثِقَةً يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ يُلَاحِظُ) بِهَا فِي عَوْدَاتِهِ (فَلَا بَأْسَ) بِهِ (وَإِنْ قَطَعَ نَظَرُهُ عَنْهَا وَلَمْ يُلَاحِظْهَا فَفِي تَضْمِينِهِ تَرَدُّدٌ) عَنْ الْإِمَامِ وَصَرَّحَ الْفُورَانِيُّ بِالْمَنْعِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ فَحْوَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ (وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ) هَا (ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ أَمَّا إذَا اُسْتُحْفِظَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ مَنْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

(فَرْعٌ: يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ عِنْدَ خَوْفٍ) عَلَيْهَا (كَالْحَرِيقِ وَاسْتِهْدَامِ الْحِرْزِ وَلَمْ يَجِدْ) حِرْزًا (غَيْرَهُ) يَنْقُلُهَا إلَيْهِ (أَوْ) عِنْدَ (سَفَرٍ ثُمَّ) إنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهِمَا رَدَّهَا (إلَى الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ كُلِّ غَائِبٍ وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ مِمَّنْ سَافَرَ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ لَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِينَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا (وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الدَّيْنِ) مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ (وَلَا الْمَغْصُوبِ) مِنْ غَاصِبِهِ (لِلْغَائِبِ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْفَظُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا لَهُ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ وَإِذَا تَعَيَّنَ تَعَرَّضَ لَهُ وَلِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا رَدَّهَا (إلَى أَمِينٍ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَأْخِيرِ السَّفَرِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ (وَالتَّرْتِيبُ) فِيمَا ذُكِرَ (وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ) بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي أَوْ أَمِينٍ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ رَدَّهَا إلَى أَمِينٍ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْقَاضِي (ضَمِنَ) لِعُدُولِهِ عَنْ الْأَقْوَى. قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَهَذَا فِي غَيْرِ زَمَانِنَا أَمَّا فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ بِرَدِّهَا إلَى ثِقَةٍ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
كَالْمَحْجُورِ أَوْ كَالرَّشِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَوْدَعَهُ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مَالَهُ فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالِاسْتِيلَاءِ بِمُجَرَّدِهِ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ صَبِيُّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ مَحْجُورٌ أَوْ غَاصِبٌ أَوْ نَحْوُهُ

[وَلَدُ الْوَدِيعَةِ كَأُمِّهِ]
(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ الْجَوَازُ) الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ إذَا اقْتَضَى فَسْخُهَا ضَرَرًا عَلَى الْآخَرِ امْتَنَعَ وَصَارَتْ لَازِمَةً وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ لِلْمُوصِي عَزْلُ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ قُلْتُ: وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الشَّرِيكِ وَالْمُقَارِضِ (قَوْلُهُ: وَالْجُحُودُ الْمُضْمَنُ) وَبِكُلِّ فِعْلٍ مُضْمَنٌ وَبِالْإِقْرَارِ بِهِ لِآخَرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ إلَخْ) يُشْبِهُ تَقْيِيدُهُ بِحَالَةٍ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الْقَبُولُ وَإِلَّا حَرُمَ الرَّدُّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ر غ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّخْلِيَةُ.

(قَوْلُهُ: الثَّانِي الْأَمَانَةُ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً وَالضَّمَانُ يُنَافِيهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ بِجُعْلٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْوَكَالَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلِمَ مِنْ قَوْلِهِ الْأَمَانَةَ أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى وَفَرَّطَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ فَلَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ وَهَذَا فِي صَحِيحِ الْوَدِيعَةِ وَفَاسِدِهَا. وَفِي الْكَافِي لَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً وَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا أَوْ ثَوْبًا وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ فَهَذَا إيدَاعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ قَضِيَّةَ الْإِيدَاعِ فَلَوْ رَكِبَ أَوْ لَبِسَ صَارَتْ عَارِيَّةً فَاسِدَةً فَلَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَا يَضْمَنُ فِي صَحِيحِ الْإِيدَاعِ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْعَارِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَسْبَابٌ) تَزِيدُ جُزْئِيَّاتِهَا عَلَى سِتِّينَ صُورَةً (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ وَصَرْحَ الْفُورَانِيُّ بِالْمَنْعِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَرْعٌ يَجِبُ رَدُّ الْوَدِيعَة إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ عِنْدَ خَوْفٍ عَلَيْهَا]
(قَوْلُهُ: إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ) مِثْلُهُ وَلِيُّ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ لِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ طَرَأَ غ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهَا) أَيْ لِغَيْبَةٍ أَوْ حَبَسٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي) أَيْ الْأَمِينُ أَمَّا غَيْرُهُ فَكَالْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ غ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَكَتَبَ أَيْضًا ذَكَرُوا فِي عَدْلِ الرَّهْنِ إذَا أَرَادَ دَفْعَهُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ أَمِينُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الرَّاهِنِ وَوَكِيلِهِ طَوِيلَةٌ وَهِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَقْبِضُهُ عَنْهُمَا وَلَا يُلْجِئُهُ إلَى حِفْظِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا أَوْدَعَهُ أَمِينًا وَإِنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةِ فَكَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرِينَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَتَّجِهُ جَرَيَانُهُ هُنَا إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ لِلْحَاكِمِ مَدْخَلًا فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا) الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ الْفَارِقِيُّ: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيًّا وَإِلَّا فَعَلَى الْحَاكِمِ قَبْضُهُ بِلَا خِلَافٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ) قِيلَ: هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ وَأَصَحَّهُمَا عَدَمُ اللُّزُومِ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ لِعُدُولِهِ عَنْ الْأَقْوَى) وَجْهُ ضَمَانِهِ بِرَدِّهَا إلَى الْأَمِينِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْقَاضِي أَنَّ أَمَانَتَهُ قَطْعِيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يُوَلَّى حَتَّى تُعْرَفَ عَدَالَتُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعَدَالَةُ غَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ فَأَشْبَهَ عُدُولَ الْحَاكِمِ عَنْ النَّصِّ إلَى الِاجْتِهَادِ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْفَظُهَا بِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِكِهَا الْغَائِبِ

(3/76)


وُجُودِ الْحَاكِمِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ الْحُكَّامِ (فَإِنْ دَفَنَهَا بِحِرْزٍ وَسَافَرَ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ (لَا إنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا سَاكِنًا) بِالْمَكَانِ (حَيْثُ يَجُوزُ إيدَاعُهُ) فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ إعْلَامَهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ وَخَرَجَ بِالْحَيْثِيَّةِ مَا لَوْ أَوْدَعَهَا عِنْد وُجُودِ الْحَاكِمِ فَيَضْمَنُ.

السَّبَبُ (الثَّانِي السَّفَرُ) بِهَا (فَيَضْمَنُ الْمُقِيمُ) الْوَدِيعَةَ (بِالسَّفَرِ بِهَا) وَإِنْ قَصُرَ وَكَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا لِتَقْصِيرِهِ بِالسَّفَرِ الَّذِي حِرْزُهُ دُونَ حِرْزِ الْحَضَرِ (إلَّا إنْ عُدِمَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ) مِنْ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ وَالْحَاكِمِ وَالْأَمِينِ (عَلَى التَّرْتِيبِ) السَّابِقِ (وَسَافَرَ) بِهَا فِي (طَرِيقٍ آمِنٍ فَيَجُوزُ) السَّفَرُ بِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ الْوَدِيعُ مَعَ عُذْرِهِ عَنْ مَصَالِحِهِ وَيَنْفِرُ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ (بَلْ يَجِبُ) عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا حِينَئِذٍ (إنْ خَافَ عَلَيْهَا) مِنْ نَحْوِ حَرِيقِ أَوْ إغَارَةٍ لِئَلَّا تَضِيعَ وَقَوْلُهُ: عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ إنْ عُلِّقَ بِعَدَمٍ لَا بِذَكَرْنَاهُ (فَإِنْ حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ خَوْفٌ أَقَامَ) بِهَا (فَإِنْ فُوجِئَ) بِأَنْ هَجَمَ عَلَيْهِ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ (فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا) فَضَاعَتْ (ضَمِنَ) وَكَذَا لَوْ دَفَنَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ عِنْدِ إقْبَالِهِمْ ثُمَّ أُضِلَّ مَوْضِعَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً عَلَى آخِذِهَا (وَلَوْ أَوْدَعَ) هَا (مُسَافِرًا فَسَافَرَ بِهَا) أَوْ مُنْتَجِعًا فَانْتَجَعَ بِهَا (فَلَا ضَمَانَ لِرِضَا الْمَالِكِ) بِهِ وَلَوْ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا ثَانِيًا لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إحْرَازُهَا بِالْبَلَدِ فَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمُجَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ اللَّائِقُ بِالْمَذْهَبِ الْمَنْعُ.

(السَّبَبُ الثَّالِثُ تَرْكُ الْإِيصَاءِ) بِهَا (فَعَلَى ذِي مَرَضٍ مَخُوفٍ) أَوْ حَبْسٍ لَقَتْلٍ (إنْ تَمَكَّنَ) مِنْ الرَّدِّ وَالْإِيدَاعِ وَالْوَصِيَّةِ (الرَّدُّ) لَهَا (إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ ثُمَّ) إنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ إلَيْهِمَا فَعَلَيْهِ (الْوَصِيَّةُ) بِهَا (إلَى الْحَاكِمِ ثُمَّ) إنْ عَجَزَ فَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ (إلَى أَمِينٍ وَإِنْ كَانَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (وَارِثًا) وَعَطَفَ عَلَى الْوَصِيَّةِ قَوْلَهُ (أَوْ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا) أَيْ إيدَاعًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْإِيدَاعُ عِنْدَهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَوْتِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَيَدَهُ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ؛ إذْ الْوَارِثُ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْيَدِ وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ أَوْ أَوْدَعَهُ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ يَصِيرُ ضَامِنًا لَهَا حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِآفَةٍ فِي مَرَضِهِ أَوْ بَعْدَ صِحَّتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: لَا إنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ حَمَلَ إطْلَاقَ الْأَمِينِ عَلَى مَنْ لَهُ التَّسْلِيمُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ حَاكِمٍ وَأَمِينٍ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّنْوِيهِ (قَوْلُهُ سَاكِنًا إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَجَعَلَ الْإِمَامُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى أَنْ يَرْقُبَهَا مِنْ الْجَوَانِبِ أَوْ مِنْ فَوْقُ كَالْحَارِسِ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامَ النِّهَايَةِ إلَى وَجْهٍ يُخَالِفُهُ وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: كَانَ الرَّافِعِيُّ سَقَطَ مِنْ أَصْلِهِ سَطْرٌ أَوْ زَلَّ نَظَرُهُ وَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَوْنُ يَدِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ فِي الْأَمِينِ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ وَلَعَلَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالْأَمَانَةِ دُونَ الْعَدَالَةِ لِذَلِكَ وَصَرَّحَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمِينِ مَسْتُورُ الْعَدَالَةِ وَقَوْلُهُ وَجَعَلَ الْإِمَامُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى أَنْ يَرْقُبَهَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
وَقَوْلُهُ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامَ النِّهَايَةِ إلَخْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ أَطْلَقَ الِاكْتِفَاءَ بِاطِّلَاعِ الْأَمِينِ مَعْ كَوْنِ الْمَوْضِعِ حِرْزًا وَحَكَى عَنْ أَئِمَّةِ الْعِرَاقِ اعْتِبَارَ سُكْنَى الدَّارِ وَاسْتَحْسَنَهُ ثُمَّ قَالَ: وَلَسْتُ أَرَى ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الطُّرُقِ وَالِاطِّلَاعُ الَّذِي ذَكَرهُ غَيْرُ الْعِرَاقِيِّينَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَكِنَّهُمْ بَيَّنُوهُ وَفَصَلُوهُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ خَالِيَةً وَالْمُطَّلِعُ لَا يَدْخُلُهَا وَلَكِنَّهُ يَرْعَاهَا مِنْ فَوْقُ رِعَايَةَ الْحَارِسِ أَوْ مِنْ الْجَوَانِبِ فَلَا يَكَادُ يَصِلُ إلَى الْغَرَضِ وَإِنْ أَحَاطَتْ بِالدَّارِ حِيَاطَتُهُ وَعَمَّهَا مِنْ الْجَوَانِبِ رِعَايَتُهُ فَهَذِهِ الْيَدُ الَّتِي تَلِيقُ الْوَدِيعَةِ وَهِيَ الَّتِي عَنَاهَا الْعِرَاقِيُّونَ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ الْمُقِيمُ بِالسَّفَرِ بِهَا) حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ ضَمِنَهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ سَفَرَهُ بِهَا مُضَمَّنٌ سَوَاءٌ أَكَانَ لِحَمْلِهَا مُؤْنَةٌ أَمْ لَا.
(فَرْعٌ) لَوْ أَمَرَهُ بِإِيدَاعِ أَمِينٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَفَعَلَ صُدِّقَ الْأَمِينُ فِي التَّلَفِ وَالْمَالِكُ فِي عَدَمِ رَدَّهَا إلَيْهِ فَإِذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِذْنُ لِلْأَمِينِ فِي نَقْلِهَا إذَا خَافَ الْمَكَانَ أَمْ لَا وَجْهَانِ: فَعَلَى الثَّانِي لَوْ نَقَلَهَا عِنْدَ حُدُوثِهِ فَهَلْ يَضْمَنُ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عَدَمُ لُزُومِهِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالتَّصْبِيبِ (قَوْلُهُ إلَّا إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ إلَخْ) كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِيدَاعِ قَدْ قَارَبَ بَلَدَهُ وَدَلَّتْ قَرِينَةُ الْحَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إحْرَازُهَا فِيهِ

(قَوْلُهُ: الثَّالِثُ تَرْكُ الْإِيصَاءِ بِهَا) قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَدِيعَةِ بَيِّنَةٌ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ اهـ. وَيُلْتَحَقُ بِالْمَرَضِ الْمَخُوفِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الطَّلْقِ وَالْأَسْرِ وَالطَّاعُونِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً فَلَا ضَمَانَ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَسَائِرُ الْأُمَنَاءِ كَالْمُودَعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ إلَيْهِمَا) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ مَالِكُهَا بِالْبَلَدِ وَلَكِنَّهُ مَحْبُوسٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إلَى أَمِينٍ) اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا أَوْ وَكِيلُهُ وَالْحَاكِمُ حَاضِرًا يَعْنِي فِي الْبَلَدِ (قَوْلُهُ: وَمَحِلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ) وَبِالْجُمْلَةِ الْوَجْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالْمَوْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ: وَإِذَا تَرَكَ الْإِيصَاءَ أَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ فَإِذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْد مَوْتِهِ وَجَبَ الضَّمَانُ فِي تَرِكَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ بِإِعْرَاضِهِ وَتَرْكِهِ الدَّلَالَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَعَ ظُهُورِ شَوَاهِدِ الْمَوْتِ بَعْدُ مُضَيِّعًا لِلْوَدِيعَةِ وَالتَّضْيِيعُ مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ فَهِيَ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَتَرْكُ الْإِيصَاءِ لَا يُثْبِتُ ضَمَانًا فَإِنَّ فَائِدَةَ الْإِيصَاءِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوَدِيعَةِ الْبَاقِيَةِ حَتَّى لَا تَضِيعَ. اهـ. س وَقَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(3/77)


ضَمِنَهَا كَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّقْصِيرَاتِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي أَوَّلَ السَّبَبِ الرَّابِعِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْقَاضِي أَمَّا الْقَاضِي إذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مَالُ الْيَتِيمِ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَنَاءِ وَلِعُمُومِ وِلَايَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ: وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ إيصَائِهِ لَيْسَ تَفْرِيطًا وَإِنْ مَاتَ عَنْ مَرَضٍ وَهُوَ الْأَوْجُهُ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الْأَمِينِ وَنُقِلَ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ كُلَّ حَالَةٍ تُعْتَبَرُ الْوَصِيَّةُ فِيهَا مِنْ الثُّلُثِ كَوُقُوعِ الطَّاعُونِ بِالْبَلَدِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ فِيمَا ذَكِرَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً فَلَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا ذُكِرَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ (وَالْوَصِيَّةُ) هُنَا (الْإِعْلَامُ بِهَا) وَالْأَمْرُ بِرَدِّهَا مَعَ بَقَائِهَا فِي يَدِهِ وَمَعَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عِنْدَ إيصَاءِ الْوَارِثِ أَوْ غَيْرِهِ صَوْنًا لَهُ عَنْ الْإِنْكَار (وَيَجِبُ تَمْيِيزُهَا) فِي الْوَصِيَّةِ بِإِشَارَةٍ أَوْ صِفَةٍ.
(فَإِنْ قَالَ هِيَ ثَوْبٌ وَلَمْ يَصِفْهُ ضَمِنَ) هَا (وَلَوْ لَمْ يُخْلِفْ ثَوْبًا) لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّمْيِيزِ فَيُضَارِبُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ بِقِيمَتِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَيَّزَهَا لَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي التَّرِكَةِ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ (وَلَوْ خَلَفَهُ) أَيْ ثَوْبًا (لَمْ يَتَعَيَّنْ) كَوْنُهُ (لَهَا) أَيْ لِلْوَدِيعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَلِفَتْ وَالْمَوْجُودُ غَيْرُهَا بَلْ يَجِبُ قِيمَتُهُ فِي التَّرِكَةِ كَمَا لَوْ وَجَدَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَوْبٍ (فَإِنْ لَمْ يُوصِ) بِهَا (وَادَّعَى الْوَارِثُ التَّلَفَ) لَهَا (وَقَالَ: إنَّمَا لَمْ يُوصِ) بِهَا (لَعَلَّهُ) أَيْ تَلَفَهَا (كَانَ بِغَيْرِ تَقْصِيرِ) وَادَّعَى صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ تَقْصِيرَهُ (فَالظَّاهِرُ بَرَاءَةُ ذِمَّتَهِ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجْزِمْ الْوَارِثُ بِالتَّلَفِ بِأَنْ قَالَ: عَرَفْتُ الْإِيدَاعَ لَكِنْ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ كَانَ الْأَمْرُ وَأَنَا أُجَوِّزُ أَنَّهَا تَلِفَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَلَمْ يُوصِ بِهَا لِذَلِكَ فَيَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُ مُسْقِطًا (وَلَا أَثَرَ لِخَطِّ الْمَيِّتِ) أَيْ كِتَابَتُهُ عَلَى شَيْءٍ هَذَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ أَوْفِي جَرِيدَتَهُ لِفُلَانِ عِنْدِي كَذَا وَدِيعَةً (إنْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ) فَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَتَبَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ تَلْبِيسًا أَوْ اشْتَرَى الشَّيْءَ وَعَلَيْهِ الْكِتَابَةُ فَلَمْ يَمْحُهَا أَوْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ كِتَابَتِهَا فِي الْجَرِيدَةِ وَلَمْ يَمْحُهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ إقْرَارِ مُورِثِهِ أَوْ وَصِيَّتِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ.

(فَصْلُ: يَجُوزُ نَقْلُهَا مِنْ حِرْزٍ إلَى مِثْلِهِ) أَوْ فَوْقَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى (وَلَوْ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى لَا سَفَرَ بَيْنَهُمَا وَلَا خَوْفَ) وَلَا نَهْيَ مِنْ الْمَالِكِ كَمَا سَيَأْتِي إذْ لَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ بِذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ، لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا ضَرَرُهُ مِثْلَ ضَرَرِهَا وَدُونَهُ (لَا) نَقْلُهَا (إلَى حِرْزٍ دُونَهُ) وَإِنْ كَانَ حِرْزُ مِثْلِهَا (إلَّا إنْ اتَّحَدَتْ الدَّارُ) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْحِرْزَيْنِ فَلَا ضَمَانَ إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا بِنِيَّةِ التَّعَدِّي وَكَالدَّارِ الْخَانِ وَيُسْتَثْنَى مَعَ مَا اسْتَثْنَاهُ مَا لَوْ نَقَلَهَا بِظَنِّ الْمِلْكِ فَلَا ضَمَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَفَعَ بِهَا ظَانًّا مِلْكَهَا فَتَلِفَتْ أَمَّا إذَا نَقَلَهَا لِسَفَرٍ أَوْ خَوْفٍ فَلَا ضَمَانَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا عَيَّنَ الْمَالِكُ الْحِرْزَ وَهَذَا الْفَصْلُ جَعَلَهُ الْأَصْلُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ فَعَدَّ الْأَسْبَابَ تِسْعَةً.

(السَّبَبُ الرَّابِعُ تَرْكُ دَفْعِ الْهَلَاكِ) عَنْ الْوَدِيعَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ دَفْعُ مُهْلَكَاتِهَا عَلَى الْعَادَةِ (وَإِنْ أَوْدَعَهُ حَيَوَانًا) وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ إطْعَامِهِ (فَلَمْ يُطْعِمْهُ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ) مِثْلُهُ (فِيهَا صَارَ مَضْمُونًا) عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَمُتْ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَهُ فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ بِمَا يَصُونُهُ عَنْ التَّلَفِ وَالْعَيْبِ (لَا) إنْ مَاتَ (دُونَهَا) أَيْ الْمُدَّةُ فَلَا يَضْمَنُهُ (إلَّا إنْ كَانَ بِهَا) الْأَوْلَى بِهِ (جُوعٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ فَيَضْمَنُ الْقِسْطَ) لَا الْجَمِيعَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَلَا ضَمَانَ وَتَرْجِيحُ التَّقْسِيطِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَالْأَوْجَهُ مُقَابِلُهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ حَيْثُ شَبَّهَهُ بِمَا لَوْ اكْتَرَى بَهِيمَةً فَحَمَلَهَا أَكْثَرَ مِمَّا شَرَطَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا مَعَهَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ جَوَّعَ إنْسَانًا وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا.
(وَإِنْ نَهَاهُ) عَنْ إطْعَامِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) لِلْإِذْنِ فِي إتْلَافِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: اُقْتُلْ دَابَّتِي فَقَتَلَهَا نَعَمْ إنْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ كَأَنْ أُودِعَ لِوَلِيٍّ حَيَوَانَ مَحْجُورِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيُشْبِهُ أَنَّ نَهْيَهُ كَالْعَدَمِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَيَّدَهُ بِعِلْمِ الْوَدِيعِ بِالْحَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ السَّبَبِ الرَّابِعِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُوجَدْ مَالُ الْيَتِيمِ) قَالَ شَيْخُنَا: أَيْ أَوْ الْوَدِيعَةُ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الْأَمِينِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ قُتِلَ غِيلَةً) بِالْكَسْرِ الِاغْتِيَالُ (قَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ هُنَا الْإِعْلَامُ بِهَا إلَخْ) لَا أَنْ يُسَلِّمَهَا لِلْوَصِيِّ لِيَرُدَّهَا فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْإِيدَاعِ (قَوْلُهُ: وَمَعَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ إلَخْ) هَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ مِنْ لُزُومِ الْإِشْهَادِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ لُزُومِهِ. وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ.

[فَصْلُ نَقْلُ الْوَدِيعَة مِنْ حِرْزٍ إلَى مِثْلِهِ]
(قَوْلُهُ: أَوْ فَوْقَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى) لَيْسَ هَذَا مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ تُسَمَّى سَفَرًا أَوْ كَانَ فِيهَا خَوْفٌ ضَمِنَ (قَوْلُهُ: وَلَا خَوْفَ) أَيْ فِيهَا (قَوْلُهُ لَا إلَى حِرْزٍ دُونَهُ) جَعَلَ الْإِمَامُ هَذَا فِيمَا إذَا عَيَّنَ لَهُ حِرْزًا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالنَّهْيِ عَنْ النَّقْلِ مِنْهُ غ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ نَقَلَهَا إلَى مَحَلِّهِ أَوْ دَارٍ هِيَ حِرْزٌ مِثْلُهَا مِنْ أَحْرَزَ مِنْهَا لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ وَنَسَبَ لِلشَّيْخَيْنِ الْجَزْمَ بِخِلَافِهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَفِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا فِي السَّبَبِ الرَّابِعِ، وَقَدْ أَطْلَقَا فِي السَّبَبِ الثَّامِنِ الْجَزْمَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ بِالنَّقْلِ إلَى حِرْزِ مِثْلِهَا مِنْ أَحْرَزَ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَقَدْ أَطْلَقَا فِي السَّبَبِ الثَّامِنِ الْجَزْمَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ.

(قَوْلُهُ: وَتَرْجِيحُ التَّقْسِيطِ مِنْ زِيَادَتِهِ) كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ مُقَابِلُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَيُشْبِهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ بِعِلْمِ الْوَدِيعِ بِالْحَالِ) إنْ أَرَادَ بِالتَّقْيِيدِ اسْتِقْرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ

(3/78)


(وَيُعْصَى بِطَاعَتِهِ) أَيْ الْمَالِكِ بِتَرْكِ الْإِطْعَامِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ (وَإِنْ مَنَعَهُ) مِنْ إطْعَامِهِ (لِعِلَّةٍ) بِهِ تَقْتَضِي الْمَنْعَ كَقُولَنْجَ (فَأَطْعَمَهُ وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فَمَاتَ ضَمِنَ وَيَرْجِعُ بِالْإِنْفَاقِ) عَلَيْهِ (بِالْإِذْنِ) لَهُ فِيهِ (وَلَوْ مِنْ الْحَاكِمِ عَلَى الْمَالِكِ وَتَفَارِيعُهُ) مِنْ الِافْتِرَاضِ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ بَيْعِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ إيجَارِهِ وَصَرْفِ الْأُجْرَةِ فِي مُؤْنَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (كَمَا) مَرَّ (فِي هَرَبِ الْجَمَّالِ) وَعَلَفِ الضَّالَّةِ وَنَفَقَةِ اللَّقِيطِ وَنَحْوِهِمَا (وَلَوْ أَخْرَجَهَا) الْأَوْلَى أَخْرَجَهُ (فِي الْأَمْنِ لِلسَّقْيِ وَالْعَلَفِ مِنْ دَارِهِ وَلَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِ) وَكَانَ (أَمِينًا لَمْ يَضْمَنْ) وَإِنْ كَانَ يَعْلِفُ وَيُسْقَى دَوَابَّهُ فِيهَا لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ اسْتِنَابَةٌ لَا إيدَاعٌ فَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي الْخَوْفِ أَوْ فِي الْأَمْنِ لَكِنْ مَعَ غَيْرِهِ أَمِينٌ ضَمِنَ (وَهَلْ يَضْمَنُ نَخْلًا) وَفِي نُسْخَةٍ نَخِيلًا اسْتَوْدَعَهَا (لَمْ يَأْمُرْهُ بِسَقْيِهَا) فَتَرَكَهُ كَالْحَيَوَانِ أَوْ لَا (وَجْهَانِ) صَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِيَ وَفَرَّقَ بِحُرْمَةِ الرُّوحِ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَا تَشْرَبُ بِعُرُوقِهَا وَفِيمَا إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ سَقْيِهَا.

(فَرْعٌ يَجِبُ) عَلَى الْوَدِيعِ (نَشْرُ الصُّوفِ) وَنَحْوِهِ (وَلُبْسُهُ إنْ احْتَاجَ) الصُّوفُ لِنَشْرِهِ لِلرِّيحِ لَدَفْعِ الدُّودِ أَوْ لِلُبْسِهِ لِتَعْبَقَ بِهِ رَائِحَةُ الْآدَمِيِّ فَتَدْفَعَ الدُّودَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفَسَدَ ضَمِنَ سَوَاءٌ أَمَرَهُ الْمَالِكُ أَمْ سَكَتَ نَعَمْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَأَنْ كَانَ فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ لَمْ يَضْمَنْ، فَلَوْ كَانَ مَا يَحْتَاج إلَى لُبْسِهِ لَا يَلِيقُ بِهِ لِضَيِّقِهِ أَوْ صِغَرِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْبَسُهُ مَنْ يَلِيقُ بِهِ لُبْسُهُ بِهَذَا الْقَصْدِ قَدْرَ الْحَاجَةَ وَيُلَاحِظُهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ: وَكَنَشْرِ الصُّوفِ تَمْشِيَةُ الدَّابَّةِ وَتَسْيِيرُهَا الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا مِنْ الزَّمَانَةِ لِطُولِ وُقُوفِهَا (وَلَوْ فَتَحَ قُفْلًا) عَنْ صُنْدُوقٍ فِيهِ صُوفٌ أَوْ نَحْوُهُ (لِذَلِكَ) أَيْ لِنَشْرِهِ أَوْ لُبْسِهِ (لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ نَهَاهُ) عَنْ ذَلِكَ (لَكِنْ يُكْرَهُ امْتِثَالُهُ) .

(السَّبَبُ الْخَامِسُ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ بِالرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ مُضَمَّنٌ) لِتَعَدِّيهِ (لَا رُكُوبُهَا لِلسَّقْيِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِانْتِفَاعٍ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ هَذَا (إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ) وَلَمْ تُنَسَّقْ بِغَيْرِ الرُّكُوبِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا لِتَعَدِّيهِ حِينَئِذٍ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ رَكِبَهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ ظَالِمٍ وَهَرَبَ بِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ إذْ لَا تَعَدِّيَ (وَإِخْرَاجُهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ يَعْنِي أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الْحِرْزِ (لِلِانْتِفَاعِ) بِهَا (مُضَمِّنٌ) وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا بِهَذَا الْقَصْدِ خِيَانَةٌ (لَا مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْخِيَانَةِ وَلَوْ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِعَلًا بِهَا (إلَّا) إذَا نَوَاهَا (عِنْدَ الْقَبْضِ) لِلْوَدِيعَةِ كَمَا فِي الِالْتِقَاطِ (وَلَوْ فَتَحَ قُفْلًا) عَنْ صُنْدُوقٍ فِيهِ وَدِيعَةٌ (أَوْ خَتْمًا) عَنْ كِيسِ كَذَلِكَ (لَا رِبَاطًا أَوْ خَرَقَ الْكِيسَ عَنْهَا لَا مِنْ فَوْقِ الْخَتْمِ أَوْ أَوْدَعَهُ) دَرَاهِمَ مَثَلًا (مَدْفُونَةً فَنَبَشَهَا ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَتَحَ الرِّبَاطَ الَّذِي شَدَّ بِهِ رَأْسَ الْكِيسِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ مَنْعُ الِانْتِشَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ خَرْقِ الْكِيسِ مِنْ فَوْقِ الْخَتْمِ لَا يَضْمَنُ إلَّا نُقْصَانَ الْخَرْقِ نَعَمْ إنْ خَرَقَهُ مُتَعَمِّدًا ضَمِنَ جَمِيعَ الْكِيسِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ ضَمِنَ أَنَّهُ يَضْمَنُ الصُّنْدُوقَ وَالْكِيسَ أَيْضًا وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ.
ثَانِيهِمَا الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ الْخِيَانَةَ فِيهِمَا وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَدِيعَةِ (وَهَلْ يَضْمَنُ بِالْعَدِّ) أَوْ الْوَزْنِ (لِلدَّرَاهِمِ وَالذَّرْعِ لِلثِّيَابِ لِلْمَعْرِفَةِ) بِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: يَعْصِي بِطَاعَتِهِ وَإِنْ مَنَعَهُ لِعِلَّةٍ إلَخْ) السَّقْيُ فِي ذَلِكَ كَالْعَلَفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعَلَفِ يَجِبُ فَرْضُهُ فِي الْحَضَرِ حَيْثُ يُعْتَادُ أَمَّا أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يُعْتَادُ سِوَى الرَّعْي فَهُوَ فِي حَقِّهِمْ كَالْعَلَفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ نَعَمْ لَوْ فَقَدَ الْكَلَأَ أَوْ الْمَاءَ بِمَكَانِهِ وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهَا إلَى مَنْ ذُكِرَ فَالظَّاهِرُ أَنْ عَلَيْهِ النُّجْعَةَ بِهَا لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ تُعْلَفُ فَلَوْ كَانَتْ رَاعِيَةً فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبُ رَعْيِهَا مَعَ ثِقَةٍ فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ النُّجْعَةَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَنَعَهُ لِعِلَّةِ الْغَيْرِ إلَخْ) كَذَا أَطْلَقَاهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الضَّمَانَ بِمَا إذَا عَلِمَ بِعِلَّتِهَا فس وَإِذَا أَمَرَهُ بِعَلْفِهَا فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَجْهَانِ: الْأَقْرَبُ إلَى إطْلَاقِ الْمُعْظَمِ الثَّانِي غ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ الْحَاكِمِ) فَتَعَذَّرَ الْحَاكِمُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ الْوَلَاءِ لَهَلَكَ أَوْ نَقَصَ فَإِنْ كَانَ بِهِ سَمْنٌ مُعْتَدِلٌ فَهَلْ يُطْعِمُهُ قَدْرًا يَبْقَى كَذَلِكَ وَجْهَانِ: أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ يُطْعِمُهُ مَا يَحْفَظُ سِمَنَهُ الْمَذْكُورُ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ أَنْفَقَهُ لِيَرْجِعَ.
(قَوْلُهُ: صَحَّحَ مِنْهَا الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا كَالصُّوفِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنْ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَا تَشْرَبُ بِعُرُوقِهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَرْعٌ يَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ نَشْرُ الصُّوفِ وَنَحْوِهِ وَلُبْسُهُ]
(قَوْلُهُ: فَرْعٌ يَجِبُ نَشْرُ الصُّوفِ وَنَحْوِهِ) لَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ آخَرَ طَعَامًا ثُمَّ خَافَ الْمُودِعُ عَلَى الطَّعَامِ السُّوسَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَأْمُرَهُ بِبَيْعِهِ أَوْ يُقْرِضَهُ إيَّاهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى هَلَكَ الطَّعَامُ ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ فِي سَبَبِ حِفْظِهِ (قَوْلُهُ: وَلُبْسُهُ إنْ احْتَاجَ) قَالَ النَّاشِرِيُّ: مُرَادُهُ أَنَّهُ يَرْتَدِي بِهِ أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ النَّوْمِ فَلَا وَقَوْلُهُ: قَالَ النَّاشِرِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْبَسُهُ مَنْ يَلِيقَ بِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالِانْتِفَاعُ بِالرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ مُضَمِّنٌ إلَخْ) شَمِلَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا وَقَالَ لَهُ حَرِّقْهُ أَوْ أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَالتَّحْرِيقِ أَوْ الْإِلْقَاءِ فِي الْبَحْرِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ ضَمَانِهِ وَتَلْزَمُهُ أَيْضًا أُجْرَةُ اسْتِعْمَالِهِ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إخْرَاجَهَا بِهَذَا الْقَصْدِ خِيَانَةٌ) شَرْطُ الْفِعْلِ الْمُضَمَّنِ مَعَ النِّيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فَلَا يَضْمَنُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْفِعْلِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي صُنْدُوقٍ غَيْرِ مُقْفَلٍ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لَأَخْذِهَا ثُمَّ تَرَكَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُفْهَمُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا يَضْمَنُ مِنْ حِينِ نِيَّةِ الْأَخْذِ فَإِذَا نَوَى يَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَخَذَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَضْمَنُ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ) كَأَنْ نَوَى أَنْ لَا يَدْفَعَهَا لَهُ بَعْدَ طَلَبهِ لَهَا (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ ضَمِنَ أَنَّهُ يَضْمِنَ الصُّنْدُوقَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْخِيَانَةَ فِيهِمَا) قَالَ الْفَتِيُّ: فَكَانَ الْمُصَنِّفُ فَهِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ عَدَمَ ضَمَانِهَا أَصَحُّ فَأَسْقَطَهَا لِتَكُونَ مَأْخُوذَةً مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى ضَمَانِ فَتْحِ قُفْلِهِ أَوْ فَضِّ خَتْمِهِ لَا ظَرْفِهِمَا

(3/79)


نَوْعُ تَصَرُّفٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَرَادَ بِهِ الِاحْتِيَاطَ (وَجْهَانِ) جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِالثَّانِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ فِي اللُّقَطَةِ وَهِيَ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَهَذِهِ أَوْلَى.

(فَرْعٌ وَإِنْ خَانَ) فِي الْوَدِيعَةِ بِسَبَبِ مِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ (ثُمَّ رَجَعَ) عَنْ الْخِيَانَةِ (لَمْ يَبْرَأْ) مِنْ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ رَدَّ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ إلَى مَكَانِهِ (إلَّا بِالْإِيدَاعِ) ثَانِيًا فَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ (وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهَا) قَبْلَهُ إلَى مَالِكِهَا (وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الضَّمَانِ بَعْدَ الْخِيَانَةِ لَا قَبْلَهَا صَارَ أَمِينًا) وَبَرِئَ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ حَقُّ الْمَالِكِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ عَنْ ضَمَانِ الْحَفْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْهُ قَبْلَهَا كَأَنْ قَالَ: أَوْدَعْتُكَ فَإِنْ خُنْت ثُمَّ تَرَكْتَ الْخِيَانَةَ عُدْتَ أَمِينًا لِي فَخَانَ ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ لَا يَصِيرُ أَمِينًا؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ وَتَعْلِيقٌ لِلِاسْتِثْمَانِ الثَّانِي.

(فَرْعٌ) لَوْ (قَالَ) لَهُ (خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ فَوَدِيِعَةٌ أَبَدًا أَوْ) خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً (وَيَوْمًا عَارِيَّةً) فَوَدِيعَةٌ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَعَارِيَّةٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَ (لَمْ يَعُدْ بَعْدَهَا) أَيْ الْعَارِيَّةُ أَيْ يَوْمُهَا (وَدِيعَةٌ) أَبَدًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ عَكَسَ الْأُولَى فَقَالَ خُذْهُ يَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ وَيَوْمًا وَدِيعَةً. فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَيْسَتْ عَقْدَ وَدِيعَةٍ. وَلَوْ عَكَسَ الثَّانِيَةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَارِيَّةً وَفِي الثَّانِي أَمَانَةً. .

[فَصْلٌ خَلَطَ الْوَدِيعَة بِمَالٍ فَلَمْ تَتَمَيَّزْ عَنْهُ بِسُهُولَةٍ]
(فَصْلٌ) لَوْ (خَلَطَهَا) بِمَالٍ (فَلَمْ تَتَمَيَّزْ) عَنْهُ بِسُهُولَةٍ (ضَمِنَ) هَا (وَلَوْ) خَلَطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا أَوْ (بِمَالِ الْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَانَةً نَعَمْ إنْ خَلَطَهَا سَهْوًا فَلَا ضَمَانَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا إذَا تَمَيَّزَتْ كَأَنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَنَانِير فَلَا ضَمَانَ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ نَقْصٌ بِالْخَلْطِ فَيَضْمَنَ (وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا) وَهِيَ دَرَاهِمُ (دِرْهَمًا وَرَدَّ بَدَلَهُ) إلَيْهَا (لَمْ يَمْلِكْهُ الْمَالِك) إلَّا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهِ (ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ) عَنْهَا (ضَمِنَ الْجَمِيعَ) لَخَلْطِهِ الْوَدِيعَةَ بِمَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْهَا فَالْبَاقِي غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْ بَعْضِهَا لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ بِصِفَةٍ كَسَوَادٍ وَبَيَاضٍ وَسِكَّةٍ ضَمِنَ مَالًا يَتَمَيَّزُ خَاصَّةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (فَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ) إلَيْهَا (لَمْ يَضْمَنْ سِوَاهُ) مِنْ بَقِيَّةِ الدَّرَاهِمِ (وَإِنْ تَلِفَتْ) كُلُّهَا أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ هُوَ عَنْهَا لِاخْتِلَاطِهِ بِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَلْطَ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْأَخْذِ (وَإِنْ تَلِفَ نِصْفُهَا ضَمِنَ نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ الدِّرْهَمِ فَقَطْ (هَذَا) كُلُّهُ (إذَا لَمْ يَفُضَّ خَتْمًا) أَوْ قُفْلًا عَلَى الدَّرَاهِمِ (فَإِنْ فَضَّهُ ضَمِنَ الْجَمِيعَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَضَّ يَقْتَضِي الضَّمَانَ.

(وَلَوْ قَطَعَ الْوَدِيعُ) لِدَابَّةٍ (يَدَهَا أَوْ أَحْرَقَ بَعْضَ الثَّوْبِ) الْمُودَعِ عِنْدَهُ (خَطَأً ضَمِنَهُ) أَيْ الْمُتْلِفُ لِتَفْوِيتِهِ (دُونَ الْبَاقِي) لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فِيهِ (أَوْ عَمْدًا) أَوْ شَبَهَهُ (ضَمِنَهُمَا) جَمِيعًا لِتَعَدِّيهِ وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ تَسْوِيَتَهُمْ الْخَطَأَ بِالْعَمْدِ فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ كَمَا فِي الْبَعْضِ الْمُتْلَفِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا فِي ضَمَانِ التَّعَدِّي كَمَا فِي الْبَاقِي فِيهَا إذْ لَا تَعَدِّيَ فِيهِ. .

(السَّبَبُ السَّادِسُ الْمُخَالَفَةُ) فِي الْحِفْظِ لِلْوَدِيعَةِ (وَإِنْ خَالَفَهُ فِي وَجْهِ الْحِفْظِ) بِأَنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَعَدَلَ إلَى آخَرَ (وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ) وَكَانَتْ الْمُخَالَفَةُ تَقْصِيرًا لِتَأْدِيَتِهَا إلَى التَّلَفِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ (فَلَا) يَضْمَنُ فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ فِي صُنْدُوقٍ وَ (قَالَ) لَهُ (لَا تَرْقُدْ عَلَى الصُّنْدُوقِ فَرَقَدَ) عَلَيْهِ (وَانْكَسَرَ بِهِ) أَيْ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ مَا فِيهِ بِذَلِكَ (ضَمِنَ) لِلْمُخَالَفَةِ (وَكَذَا) يَضْمَنُ (لَوْ سُرِقَ) مَا فِيهِ (فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ جَانِبٍ كَانَ يَرْقُدُ فِيهِ إنْ لَمْ يَرْقُدْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ إذَا رَقَدَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَخْلَى جَانِبَ الصُّنْدُوقِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ السَّارِقُ مِنْ الْأَخْذِ إذَا كَانَ بِجَانِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سُرِقَ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ غَيْر الْجَانِبِ الْمَذْكُورِ أَوْ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ وَلَوْ مِنْ الْجَانِبِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ احْتِيَاطًا وَلَمْ يَحْصُلْ التَّلَفُ بِفِعْلِهِ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ (لَا تُقْفِلْ) عَلَيْهَا (أَوْ لَا تَجْعَلْ) عَلَيْهَا (قُفْلَيْنِ أَوْ ادْفِنْهَا) فِي بَيْتِكَ (وَلَا تَبْنِ عَلَيْهَا فَخَالَفَ) فِي ذَلِكَ (لَمْ يَضْمَنْ) لِذَلِكَ (وَلَا يَرْجِعُ بِالْبِنَاءِ) أَيْ بِبَدَلِهِ عِنْدَ رَدِّهِ الْوَدِيعَةَ (كَأُجْرَةِ النَّقْلِ) لَهَا (لِلضَّرُورَةِ) فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ (وَإِنْ قَالَ) لَهُ (ارْبِطْ الدَّرَاهِمَ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّهَا (فِي كُمِّكَ فَأَمْسَكَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِالثَّانِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَرْعٌ خَانَ فِي الْوَدِيعَةِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْخِيَانَةِ]
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ رَدَّ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ إلَخْ) وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَيَدُهُ بِتَعَدِّيهِ قَدْ أَخَذَتْ الْوَدِيعَةَ وَكَمَا لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ بِهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّضْمِينَ حَقُّ الْمَالِكِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ) لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ مَنْ يَدُهُ يَدُ ضَمَانٍ كَالْغَاصِبِ إذَا أَبْرَأَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْرَأْ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ يَدُ أَمَانَةٍ وَالضَّمَانُ عَارِضٌ وَبِالْإِبْرَاءِ رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا بِخِلَافِ يَدِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ وَخَرَجَ بِالْمَالِكِ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ هَذَا الِاسْتِئْمَانَ إنَّمَا هُوَ لِلْمَالِكِ خَاصَّةً لَا لِلْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ وَنَحْوِهِمَا بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ فَعَلُوهُ لَمْ يَعُدْ أَمِينَا قَطْعًا

[فَرْعٌ قَالَ لَهُ خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ]
(قَوْلُهُ: خَلَطَهَا فَلَمْ تَتَمَيَّزْ ضَمِنَ) حَتَّى لَوْ خَلَطَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ مَثَلًا ضَمِنَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَيْسَ الضَّابِطُ التَّمَيُّزَ بَلْ سُهُولَتُهُ حَتَّى لَوْ خَلَطَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ مَثَلًا كَانَ مُضَمَّنًا فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ خَلَطَهَا سَهْوًا فَلَا ضَمَانَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَحْصُلَ نَقْصٌ بِالْخَلْطِ فَيَضْمَنُ) أَيْ النَّقْصَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ ضَمِنَ الْجَمِيعَ لِخَلْطِ الْوَدِيعَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْطِ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبِ بِمِثْلِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى جِهَةِ التَّعَدِّي. وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكُ لِنَفْسِهِ فَغَلِظَ عَلَيْهِ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَى ذِمَّتِهِ وَالْمُودَعُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَالِ عُدْوَانًا فَإِنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَلَا وُجِدَ مِنْهُ الْإِمْسَاكُ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ) قَالَ شَيْخُنَا: عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَوْ لَا أَمَّا مَسْأَلَةُ ضَمَانِ نِصْفِ دِرْهَمٍ فِيمَا لَوْ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَشْرَةً مَثَلًا وَتَلِفَ نِصْفُهَا فَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ سَلَامَةَ الدِّرْهَمِ أَوْ تَلَفَهُ فَضَمَّنَّاهُ نِصْفَ دِرْهَمِ؛ إذْ هُوَ الْمُحَقَّقُ

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ سُرِقَ فِي الصَّحْرَاءِ) الْمُرَادُ بِالصَّحْرَاءِ هُنَا غَيْرُ الدَّار حَتَّى لَوْ كَانَ خَارِجَ الْبَابِ فَهُوَ كَالصَّحْرَاءِ (قَوْلُهُ: كَانَ يَرْقُدُ فِيهِ) أَيْ عَادَةً

(3/80)


بِيَدِهِ فَإِنْ تَلِفَتْ) أَيْ سَقَطَتْ (بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ ضَمِنَ) إذْ لَوْ رَبَطَهَا لَمْ تَضِعْ بِهَذَا السَّبَبِ فَالتَّلَفُ حَصَلَ بِالْمُخَالَفَةِ (أَوْ) تَلِفَتْ (بِغَصْبٍ فَلَا) ضَمَانَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ مِنْ الرَّبْطِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَصْبِ وَالرَّبْطَ أَحْرَزُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّلَفِ بِالسُّقُوطِ (وَإِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ لَمْ يَرْبِطْهَا فِي كُمِّهِ بَلْ (جَعْلَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ أَحْرَزُ (إلَّا إنْ كَانَ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ) فَيَضْمَنُ (أَوْ) قَالَ لَهُ (اجْعَلْهَا فِي جَيْبِكَ فَرَبَطَ) هَا (فِي الْكُمِّ ضَمِنَ) لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْرَزُ مِنْهُ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ امْتَثَلَ) أَمْرَهُ (وَرَبَطَهَا فِي الْكُمِّ لَمْ يُكَلَّفْ) مَعَهُ (إمْسَاكُهَا بِالْيَدِ بَلْ إنْ كَانَ الرَّبْطُ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ فَأَخَذَهَا الطُّرَّارُ) أَيْ الْقَاطِعُ مَأْخُوذٌ مِنْ طُرَّ الثَّوْبُ بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ قُطِعَ (ضَمِنَ) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُهَا وَتَنْبِيهُ الطُّرَّارِ وَإِغْرَاؤُهُ عَلَيْهَا لِسُهُولَةِ قَطْعِهِ أَوْ حَلِّهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (لَا إنْ اسْتَرْسَلَتْ) بِانْحِلَالِ الْعُقْدَةِ وَضَاعَتْ (وَقَدْ احْتَاطَ فِي الرَّبْطِ) فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ بَقِيَتْ الْوَدِيعَةُ فِي الْكُمِّ (أَوْ) كَانَ الرَّبْطُ (مِنْ دَاخِلِهِ فَبِالْعَكْسِ) فَيَضْمَنُهَا إنْ اسْتَرْسَلَتْ لِتَنَاثُرِهَا بِالِانْحِلَالِ لَا إنْ أَخَذَهَا الطُّرَّارُ لِعَدَمِ تَنْبِيهِهِ.
وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مُطْلَقُ الرَّبْطِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى جِهَةِ التَّلَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَدَلَ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ فَحَصَل بِهِ التَّلَفُ وَبِأَنَّهُ لَوْ قَالَ احْفَظْ الْوَدِيعَةَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَوَضَعَهَا فِي زَاوِيَةٍ مِنْهُ فَانْهَدَمَتْ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَتْ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى لَسَلِمَتْ. وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الرَّبْطَ لَيْسَ كَافِيًا عَلَى أَيْ وَجْهٍ فُرِضَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَضَمُّنِهِ الْحِفْظَ وَلِهَذَا لَوْ رَبَطَ رَبْطًا غَيْرَ مُحْكَمٍ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الرَّبْطِ يَشْمَلُ الْمُحَكَّمَ وَغَيْرُهُ وَلَفْظُ الْبَيْتِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلٍّ مِنْ زَوَايَاهُ وَالْعُرْفُ لَا يُخَصِّصُ مَوْضِعًا مِنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ) بِرَبْطِهَا فِي كُمِّهِ بِإِمْسَاكِهَا فِي يَدِهِ (فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ فِيمَا سَبَقَ وَإِنْ أَوْدَعَهُ) إيَّاهَا (فَوَضَعَهَا فِي الْكُمِّ بِلَا رَبْطٍ) فَسَقَطَتْ (وَهِيَ خَفِيفَةٌ) لَا يَشْعُرُ بِهَا (ضَمِنَ) لِتَفْرِيطِهِ فِي الْإِحْرَازِ (أَوْ) وَهِيَ (ثَقِيلَةٌ) يَشْعُرُ بِهَا (فَلَا) يَضْمَنُهَا (أَوْ) وَضَعَهَا (فِي كَوْرِ عِمَامَتِهِ بِلَا رَبْطٍ) فَضَاعَتْ (ضَمِنَ) هَذَا إذَا أَوْدَعَهُ فِي السُّوقِ مَثَلًا وَلَمْ يَعُدْ إلَى بَيْتِهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ لَزِمَهُ إحْرَازُهَا فِيهِ، وَلَا يَكُونُ مَا ذُكِرَ حِرْزًا لَهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ بَيْتَهُ أَحْرَزُ فَلَوْ خَرَجَ بِهَا فِي كُمِّهِ أَوْ جَيْبِهِ أَوْ يَدِهِ ضَمِنَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْأَصْلِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ.
(وَإِنْ أَعْطَاهُ) إيَّاهَا (فِي السُّوقِ وَقَالَ) لَهُ (احْفَظْهَا فِي بَيْتِكَ لَزِمَهُ الذَّهَابُ بِهَا) إلَى بَيْتِهِ (فَوْرًا) وَحَفِظَهَا فِيهِ (أَوْ) أَعْطَاهَا لَهُ (فِي الْبَيْتِ وَقَالَ) لَهُ (احْفَظْهَا فِيهِ لَزِمَهُ الْحِفْظُ فِيهِ) فَوْرًا (فَإِنْ أَخَّرَ) فِيهِمَا الْحِفْظَ فِيهِ (بِلَا مَانِعٍ ضَمِنَ) لِتَفْرِيطِهِ (وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ) هَا (فِيهِ وَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ شَدَّهَا فِي عَضُدِهِ لَا مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ) وَخَرَجَ بِهَا أَوْ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا وَأَمْكَنَ إحْرَازُهَا فِي الْبَيْتِ (ضَمِنَ) لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْرَزُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَدَّهَا فِي عَضُدِهِ مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا حَصَل التَّلَفُ فِي زَمَنِ الْخُرُوجِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ. قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِي تَقْيِيدِهِمْ الصُّورَةَ بِمَا إذَا قَالَ: احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ - إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مَرْبُوطَةً وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ.

(وَإِنْ) أَوْدَعَهُ دَابَّةً وَ (قَالَ) لَهُ (اجْعَلْهَا فِي بَيْتِكَ فَوَضَعَهَا فِي حِرْزٍ) آخَرَ (مِثْلِ بَيْتِهِ) أَوْ أَحْرَزَ مِنْهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ أَوْ تَلِفَتْ بِغَصْبٍ فَلَا) شَمِلَ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ إمْسَاكِهَا بِيَدِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ إلَخْ) هَلْ الْمُرَادُ بِالْجَيْبِ فَتْحَةُ الْقَمِيصِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُعْتَادٌ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ أَوْ الْجَيْبِ الْمُعْتَادِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ عِنْد طَوْقِهِ فَتْحَةً نَازِلَةً كَالْخَرِيطَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ أَيْضًا. قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا شَامِل لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي فِي الطَّوْقِ أَحْرَزُ.
(قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ مِنْ طُرَّ الثَّوْبُ بِضَمِّ الطَّاءِ إلَخْ) وَأَمَّا طَرَّ بِالْفَتْحِ فَمَعْنَاهُ نَبَتَ يُقَالُ طَرَّ الشَّارِبُ أَيْ نَبَتَ (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ دَاخِلِهِ فَبِالْعَكْسِ) لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ فَرَبَطَهَا فِي التَّحْتَانِيِّ مِنْهُمَا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ رُبِطَ دَاخِلَ الْكُمِّ أَمْ خَارِجَهُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ ر (قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الرَّبْطَ إلَخْ) وَجِهَاتُ الرَّبْطِ مُخْتَلِفَةٌ وَجِهَاتُ الْبَيْتِ مُسْتَوِيَةٌ فَإِنْ فُرِضَ اخْتِلَافُهَا فِي الْبِنَاءِ أَوْ الْقُرْبِ مِنْ الشَّارِعِ وَنَحْوِهِ فَقَدْ يُقَالُ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ، وَبِهَذَا فَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِشْكَالَ الرَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الرَّبْطَ فِي الْكُمِّ حِرْزٌ كَيْفَ كَانَ وَلَا يَجِبُ الْحِفْظُ فِي الْأَحْرَزِ س (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الرَّبْطِ يَشْمَلُ الْمُحْكَمَ وَغَيْرَهُ إلَخْ) وَقَوْلُهُ: اُرْبُطْ مُطْلَقٌ لَا عَامُّ وَلَفْظُ الْبَيْتِ عَامٌّ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ الذَّهَابُ بِهَا فَوْرًا إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ نَفَاسَةِ الْوَدِيعَةِ وَطُولُ التَّأْخِيرِ وَضِدُّهُمَا اهـ. وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَأَمَّا لَوْ قَالَ أَحْرِزْهَا الْآنَ فِي الْبَيْتِ فَأَخَذَ ضَمِنَ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا مَانِعٍ ضَمِنَ) وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إنْ تَرَكَهَا فِي دُكَّانِهِ وَهُوَ حِرْزُ مِثْلِهَا إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِهِ بِالْعَشِيِّ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْبَيْتِ فِي الْحِرْزِ. قُلْتُ وَلَعَلَّ هَذَا مَادَّةُ تَفْصِيلِ الْفَارِقِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ حَيْثُ قَالَا: إنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الْقُعُودُ فِي السُّوقِ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ لِاشْتِغَالِهِ بِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَأَخَّرَهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِالْقُعُودِ وَلَا لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فِي الْمُضِيِّ إلَى الْبَيْتِ ضَمِنَ مُطْلَقًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا قَالُوهُ حَسَنٌ مُتَّجِهٌ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ لَكِنْ الْمَنْقُولُ فِي الشَّامِلِ وَحُلْيَةِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ يَرُدُّهُ فَافْهَمْ. قَالُوا: لَوْ قَالَ لَهُ وَهُوَ فِي حَانُوتِهِ احْمِلْهَا إلَى بَيْتِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الْحَالِ وَيَحْمِلَهَا إلَيْهِ، فَلَوْ تَرَكَهَا فِي حَانُوتِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهَا إلَى الْبَيْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ، وَقَالَ سَلِيمٌ فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ حَمَلَهَا مِنْ سَاعَتِهِ فَهَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ تَشَاغَلَ عَنْهَا وَلَمْ يَحْمِلْهَا مِنْ سَاعَتِهِ ثُمَّ حَمَلَهَا فَهَلَكَتْ فِي طَرِيقِهِ ضَمِنَ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(3/81)


(فَمَاتَتْ) فَجْأَةً أَوْ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) حَمْلًا لِتَعْيِينِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحِرْزِيَّةِ عِنْدَ التَّخْصِيصِ الَّذِي لَا غَرَضَ فِيهِ كَمَا لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا ضَرَرُهُ مِثْلُ ضَرَرِهَا وَدُونَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهَا فِي حِرْزٍ دُونَ بَيْتِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ حِرْزُ مِثْلِهَا (وَإِنْ انْهَدَمَ عَلَيْهَا) الْحِرْزُ الْمُمَاثِلُ لِبَيْتِهِ أَوْ الْأَحْرَزُ مِنْهُ (ضَمِنَ لِلْمُخَالَفَةِ) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِهَا (وَإِنْ سُرِقَتْ مِنْهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ نَهَاهُ عَنْ النَّقْلِ) لَهَا (فَنَقَلَ ضَمِنَ) وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَحْرَزَ لِصَرِيحِ الْمُخَالَفَةِ (إلَّا إنْ وَقَعَ خَوْفٌ) مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ نَقْلُهَا (بَلْ يَجِبُ إلَى حِرْزٍ) لِمِثْلِهَا (وَيَتَعَيَّنُ مِثْلُهُ) أَيْ حِرْزٌ مِثْلُ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ (إنْ وَجَدَ) وَإِلَّا فَلَا يَتَعَيَّنُ. فَلَوْ تَرَكَ النَّقْلَ فِي ذَلِكَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ بِالنَّهْيِ نَوْعًا مِنْ الِاحْتِيَاطِ (إلَّا أَنْ قَالَ) لَهُ لَا تَنْقُلْهَا (وَإِنْ وَقَعَ خَوْفٌ) فَلَا يَنْقُلُهَا وَإِنْ وَقَعَ خَوْفٌ وَلَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ نَقْلِهَا حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَتْلِفْ مَالِي فَأَتْلَفَهُ (لَكِنْ لَوْ نَقَلَ) حِينَئِذٍ (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ قَصَدَ الصِّيَانَةَ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا مَحَلَّ لَهُ فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ كَأَصْلِهِ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي) وُقُوعِ (الْخَوْفِ أَثْبَتَ) أَيْ أَقَامَ (بِهِ الْوَدِيعُ) بَيِّنَةً (إنْ لَمْ يَعْرِفْ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عَرَفَ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِهِ (وَلَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) إنْ أُحْرِزَتْ فِيهِ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) .

(فَرْعُ) لَوْ (عَيَّنَ الْمَالِكُ لَهَا ظَرْفًا مِنْ ظُرُوفِهِ فَنَقَلَهَا) الْوَدِيعُ مِنْهُ (إلَى غَيْرِهِ مِنْهَا لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الظَّرْفَ وَالْمَظْرُوفَ وَدِيعَتَانِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا حِفْظُ أَحَدِهِمَا فِي حِرْزٍ وَالْأُخْرَى فِي آخَرَ (إلَّا إنْ كَانَ) الثَّانِي (دُونَ الْمُعَيَّنِ) فَيَضْمَنُ (وَإِنْ كَانَتْ الظُّرُوفُ لِلْوَدِيعِ فَكَالْبُيُوتِ) فِيمَا ذَكَر فِيهَا (وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ دُخُولِ أَحَدٍ عَلَيْهَا أَوْ الِاسْتِعَانَةِ) عَلَى حِفْظِهَا (بِحَارِسٍ أَوْ) عَنْ (الْإِخْبَارِ بِهَا فَخَالَفَهُ) فِيهِ (ضَمِنَ إنْ أَخَذَهَا الدَّاخِلُ) عَلَيْهَا (وَالْحَارِسُ) لَهَا (أَوْ) تَلِفَتْ (بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ) بِهَا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا وَإِنَّ أَخَذَهَا غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ أَوْ تَلِفَتْ لَا بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ فَلَا ضَمَانَ. وَقَوْلُ الْعَبَّادِيِّ: وَلَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ هَلْ عِنْدَكَ لِفُلَانٍ وَدِيعَةٌ فَأَخْبَرَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ كَتْمَهَا مِنْ حِفْظِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الضَّمَانِ بِالْأَخْذِ لِسَبَبٍ آخَرَ.

(وَإِنْ أَمَرَهُ) وَقَدْ أَوْدَعَهُ خَاتَمًا (بِوَضْعِ الْخَاتَمِ فِي خِنْصَرِهِ فَجَعَلَهَا فِي بِنَصْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ أُحْرِزَ لِكَوْنِهِ أَغْلَظَ (إلَّا إنْ جَعَلَهَا فِي أَعْلَاهُ) أَوْ فِي وَسَطِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ (أَوْ انْكَسَرَتْ لِغِلَظِهَا) أَيْ الْبِنْصِرِ فَيَضْمَنُ (لِأَنَّ أَسْفَلَ الْخِنْصَرِ أَحْفَظُ مِنْ أَعَلَى الْبِنْصِرِ) وَوَسَطِهِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَلِلْمُخَالَفَةِ فِي الْأَخِيرَة، وَالتَّعْلِيلُ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ، وَإِنْ قَالَ اجْعَلْهُ فِي الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصَرِ فَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَهِي إلَى أَصْلِ الْبِنْصِرِ فَاَلَّذِي فَعَلَهُ أَحْرَزُ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: لَوْ قَالَ احْفَظْهُ فِي بِنْصَرِكَ فَحَفِظَهُ فِي خِنْصَرِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ لَبِسَهُ فِي الْبِنْصِرِ كَانَ فِي الْخِنْصَرِ وَاسِعًا انْتَهَى وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنْ مَا قَالَهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ: احْفَظْ هَذَا فِي يَمِينِكَ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ ضَمِنَ وَبِالْعَكْسِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَحْرَزُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ أَكْثَرُ غَالِبًا نَقَلَهُ الْعِجْلِيّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ لَوْ هَلَكَ لِلْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ قَالَ: وَقَضَيْتُهُ مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَعْسَرَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ كَانَا سَوَاءً.
(وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ) فِي إيدَاعِ الْخَاتَمِ (بِشَيْءٍ فَوَضَعَهَا فِي الْخِنْصَرِ لَا غَيْرِهَا ضَمِنَ) وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ فَصَّهَا إلَى ظَهْرِ الْكَفِّ (لِأَنَّهُ لَبِسَهَا) أَيْ اسْتَعْمَلَهَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا (إلَّا إنْ قَصَدَ) بِلُبْسِهَا فِيهَا (الْحِفْظَ) فَلَا يَضْمَنُ وَقَضِيَّتُهُ تَصْدِيقُهُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَبِسَهَا لِلْحِفْظِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي وُقُوعِ الْخَوْفِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْهُ بِخِلَافِ وُقُوعِ الْخَوْفِ وَالْبِنْصِرِ مُؤَنَّثٌ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَالْخَاتَمُ مُذَكَّرٌ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ مُؤَنَّثًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حَلَقَةٌ (وَغَيْرُ الْخِنْصَرِ لِلْمَرْأَةِ) فِي حِفْظِهَا لِلْخَاتَمِ (كَالْخِنْصَرِ) لِأَنَّهَا قَدْ تَتَخَتَّمُ فِي غَيْرِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْخُنْثَى يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِالرَّجُلِ إذَا لَبِسَ الْخَاتَمَ فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ وَيَحْتَمِلُ مُرَاعَاةَ الْأَغْلَظِ هُنَا وَهُوَ الْتِحَاقُهُ بِالْمَرْأَةِ كَمَا غَلَّظْنَا فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالرَّجُلِ.

(السَّبَبُ السَّابِعُ التَّضْيِيعُ) لَهَا؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا وَبِالتَّحَرُّزِ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ (فَيَضْمَنُهَا بِهِ) أَيْ بِالتَّضْيِيعِ (وَلَوْ نَاسِيًا) لَهَا وَذَلِكَ (كَإِتْلَافِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَإِنْ سُرِقَتْ مِنْهُ فَكَذَلِكَ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ إذَا سُرِقَ مَا فِيهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ع وَذَكَرَ فِي الْأَنْوَارِ مَعَهُمَا الْغَصْبَ مِنْهُ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ اعْتِمَادُ إلْحَاقِهِ بِالْمَوْتِ وَكَلَامُ الْأَنْوَارِ فِيمَا إذَا كَانَ سَبَبَ الْغَصْبِ النَّقْلُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ كَأَصْلِهِ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى) عَبَّرَ بِلَكِنْ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالنَّقْلِ لِلْمُخَالَفَةِ

[فَرْعُ عَيَّنَ الْمَالِكُ لَهَا ظَرْفًا مِنْ ظُرُوفِهِ فَنَقَلَهَا الْوَدِيعُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْهَا]
(قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّ مَا قَالَهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ لَوْ هَلَكَ لِلْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ وَقَضِيَّةُ مَا قَالَهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِهَا إلَخْ) يَجِبُ تَقَيُّدُهُ بِمَنْ لَا يَقْصِدُ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ وَبِمَنْ لَمْ يَعْتَدِ اللُّبْسَ فِي غَيْرِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ تَصْدِيقِهِ فِي دَعْوَاهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالْخُنْثَى يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِالرَّجُلِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا) وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقُ بِسَرِقَتِهِ مِنْهُ

(3/82)


لَهَا (أَوْ انْتِفَاعُهُ بِهَا) أَوْ وَضْعُهُ لَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا وَلَوْ (خَطَأً أَوْ غَلَطًا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي الْخَطَأِ وَنَحْوِهِ (وَإِنْ أُخِذَتْ) مِنْهُ (قَهْرًا لَمْ يَضْمَنْ) إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ (وَإِنْ أُعْلِمَ بِهَا هُوَ لَا غَيْرُهُ مِنْ مَصَادِرِ الْمَالِكِ) وَعُيِّنَ لَهُ مَوْضِعُهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ (ضَمِنَ) لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ الْحِفْظِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَهُ بِهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ بِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ أَعْلَمَهُ بِهَا كَرْهًا لَكِنْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ حِينَئِذٍ كَالْمُحْرِمِ إذَا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ لَا يَضْمَنُهُ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّلَالَةِ مُضَيَّعٌ لَهَا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ لِلْيَدِ وَالْتِزَامُ الْحِفْظِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا أَصْلًا. قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ: لَوْ أُكْرِهَ حَتَّى دَلَّ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ أَكْرَهَ حَتَّى سَلَّمَهَا بِنَفْسِهِ.
(وَلَوْ أُكْرِهَ) عَلَى تَسْلِيمِهَا لَهُ (فَسَلَّمَهَا ضَمِنَ) لِتَسْلِيمِهِ (وَالْقَرَارُ) لِلضَّمَانِ (عَلَى الْمُكْرِهِ) لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهَا عُدْوَانًا فَإِذَا ضَمِنَ الْمَالِكُ الْوَدِيعَ رَجَعَ عَلَى الْمُكْرِهِ (وَيَجِبُ) عَلَى الْوَدِيعِ (إنْكَارُهَا عَنْ الظَّالِمِ وَالِامْتِنَاعُ) مِنْ إعْلَامِهِ بِهَا (جَهْدَهُ) فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ ضَمِنَ (وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ) عَلَى ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ يُوَرِّي إذَا أَمْكَنَتْهُ التَّوْرِيَةُ وَكَانَ يَعْرِفُهَا لِئَلَّا يَحْلِفَ كَاذِبًا. قَالَ: وَيَتَّجِهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ رَقِيقًا وَالظَّالِمُ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ الْفُجُورَ بِهِ: قَالَ وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلِفُ كَاذِبًا؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ مُحَرَّمًا لَعَيْنِهِ (وَيُكَفِّرُ) عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهَا (وَإِنْ حَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ) أَوْ الْعِتْقِ (مُكْرَهًا) عَلَيْهِ أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ فَحَلَفَ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَدَى الْوَدِيعَةَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَسَلَّمَهَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ فَدَى زَوْجَتَهُ أَوْ رَقِيقَهُ بِهَا (وَإِنْ أَعْلَمَ اللُّصُوصَ بِمَكَانِهَا) فَضَاعَتْ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (ضَمِنَ) لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ الْحِفْظِ (لَا) إنْ أَعْلَمَهُمْ (بِأَنَّهَا عِنْدَهُ) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَكَانِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ.

(السَّبَبُ الثَّامِنُ الْجُحُودُ) لَهَا (وَجُحُودُهَا) عَنْ مَالِكِهَا (بَعْدَ الطَّلَبِ) مِنْهُ لَهَا (لَا قَبْلَهُ خِيَانَةٌ) فَيَضْمَنُهَا بِخِلَافِ جُحُودِهَا قَبْلَهُ وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ إخْفَاءَهَا أَبْلَغُ فِي حِفْظِهَا (فَلَوْ قَالَ) لَهُ مَالِكُهَا (بِلَا طَلَبٍ لَهَا: لِي عِنْدَكِ وَدِيعَةٌ فَأَنْكَرَ) أَوْ سَكَتَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهَا لِنَفْسِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِي الْجُحُودِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَانْ يُرِيدَ بِهِ زِيَادَةَ الْحِفْظِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ طَلَبِهَا كَمَا تَقَرَّرَ نَعَمْ إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُ غَرَضًا صَحِيحًا كَأَنْ أَمَرَ الظَّالِمُ مَالِكَهَا بِطَلَبِهَا مِنْ الْوَدِيعِ فَطَلَبَهَا مِنْهُ وَهُوَ يُحِبُّ جُحُودَهَا فَجَحَدَهَا حِفْظًا لَهَا فَلَا ضَمَانَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. فَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْجُحُودِ الْمُضْمَنِ كُنْتُ غَلِطْت أَوْ نَسِيتُ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَالِكُ.

(فَرْعٌ) .
(وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْجَاحِدِ) لِلْوَدِيعَةِ بِإِيدَاعِهَا عِنْدَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهَا (وَادَّعَى التَّلَفَ أَوْ الرَّدَّ لَهَا قَبْلَهُ) أَيْ الْجُحُودِ نَظَرْتَ فِي صِيغَةِ جُحُودِهِ (فَإِنْ قَالَ فِي جُحُودِهِ لَا شَيْءَ) أَوْ لَا وَدِيعَةَ (لَك عِنْدِي صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَاهُ إذْ لَا تَنَاقَضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ نَعَمْ إنْ اعْتَرَفَ بَعْدَ الْجُحُودِ بِأَنَّهَا كَانَتْ بَاقِيَةً يَوْمَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَالَ (لَمْ تَرُدَّ عَنِّي لَمْ يُصَدَّقْ فِي الرَّدِّ) لِتَنَاقُضِ كَلَامَيْهِ وَظُهُورِ خِيَانَتِهِ (لَكِنْ لَوْ سَأَلَ التَّحْلِيفَ) لِلْمَالِكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ أَوْ وَضْعُهُ لَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا) لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَبْطِ الدَّابَّةِ فِي الدَّارِ فَرَبَطَهَا الْوَدِيعُ فِي حَرِيمِهَا بِمَرْآهُ وَمَسْمَعِهِ فَفِي ضَمَانِهَا وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ ضَمَانِهِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ (قَوْلُهُ وَعَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ) قَالَ فِي الذَّخَائِرِ إذَا دَلَّ سَارِقًا عَلَى الْوَدِيعَةِ ضَمِنَ إذَا أَخَذَهَا السَّارِقُ فَإِنْ ضَاعَتْ بِغَيْرِ السَّرِقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا تَكُونُ الدَّلَالَةُ كَنِيَّةِ الْخِيَانَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ. اهـ.: وَأَصَحُّهُمَا عَدَمُ ضَمَانِهَا (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُكْرِهَ فَسَلَّمَهَا ضَمِنَ) لِتَسْلِيمِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ الظَّالِمُ مِنْ تَسَلُّمِهَا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْمُودَعُ (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ) قَالَ شَيْخُنَا جَوَازًا كَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يُوَرِّيَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ وَيُتَّجَهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ مُحَرَّمَا لَعَيْنِهِ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ الْمَذْكُورُ هُنَا وَإِلَّا فَكُلُّ كَذِبٍ مُحَرَّمٍ مَعَ التَّعَمُّدِ.
(قَوْلُهُ: وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهَا) فَلَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ مَسَكَ الْمَكَسَةَ تَاجِرٌ وَقَالُوا لَهُ بِعْتَ بِضَاعَةً بِلَا مَكْسٍ أَوْ حَدَثَ عَنْ الطَّرِيقِ لِأَجَلٍ الْمَكْسِ فَأَنْكَرَ فَقَالُوا لَهُ: احْلِفْ بِالطَّلَاقِ أَنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ فَحَلَفَ بِهِ خَوْفًا مِنْهُمْ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ إكْرَاهٌ عَلَى نَفْسِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ مُكْرَهًا حَنِثَ إلَخْ) مِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ الْمَكَّاسُونَ لِلتَّاجِرِ بِعْتَ بِضَاعَةً بِلَا مَكْسٍ أَوْ حَدَثَ عَنْ الطَّرِيقِ لِأَجْلِ الْمَكْسِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إكْرَاهٌ عَلَى نَفْسِ الْحَلِفِ بِعَيْنِهِ أَوْ الِاعْتِرَافِ بَلْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَانْتَفَى شَرْطُ الْإِكْرَاهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْلَمَ اللُّصُوصَ بِمَكَانِهَا إلَخْ) ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ كَلَامًا يَتَعَيَّنُ ذِكْرُهُ أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ أَوْدَعَهُ وَقَالَ لَا تُخْبِرْ بِهَا فَخَالَفَ فَسَرَقَهَا مَنْ أَخْبَرَهُ أَوْ مَنْ أَخْبَر مَنْ أَخْبَرَهُ ضَمِنَ وَلَوْ تَلْفِتْ بِسَبَبٍ آخَر لَمْ يَضْمَنْ وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ لَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ هَلْ عِنْدَكَ لِفُلَانِ وَدِيعَةٌ فَأَخْبَرَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ كَتَمَهَا مِنْ حِفْظِهَا. اهـ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الضَّمَانِ بِالْأَخْذِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا) أَيْ فِي الْجُحُودِ (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(السَّبَبُ الثَّامِن الْجُحُودِ) .
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ فِي جُحُودِهِ إلَخْ) وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ جُحُودِهِ وَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْكَ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ مُقْتَضَاهُ الِاكْتِفَاءُ مِنْ الْمُودَعِ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بَلْ التَّخْلِيَةُ وَقَدْ نَبَّهَ النَّوَوِيُّ عَلَى هَذَا فِي آخِرِ الدَّعَاوَى فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي، ثُمَّ يُقَالُ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ فَأَمَّا أَنْ يُقَدَّرَ خِلَافٌ أَوْ يُؤَوَّلُ مَا أَطْلَقُوهُ فَصَوَّبَ النَّوَوِيُّ التَّأْوِيلَ

(3/83)


(أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى التَّلَفِ أَوْ الرَّدِّ قُبِلَ مِنْهُ) لِاحْتِمَالِهِ أَنَّهُ نَسِيَ ثُمَّ تَذَكَّرَ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِشَيْءٍ لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَقَدْ حَكَيْنَا فِي الْمُرَابَحَةِ فِيمَا إذَا قَالَ: اشْتَرَيْتُ بِمِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ وَجْهًا مُحْتَمَلًا فِي الْغَلَطِ وَأَنْ لَا يَذْكُرَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمِثْلِهِ هُنَا وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُتَّجِهَةٌ، وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ ثَمَّ مُعَارِضٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّأْوِيلِ لِيَجْتَمِعَ الْكَلَامَانِ، وَإِنْكَارُ الْوَدِيعَةِ غَيْرُ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ تَلَفِهَا فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرٍ مُحْتَمَلٍ، الْوَدِيعَةُ أَصْلُهَا ثَابِتٌ بِتَوَافُقِهِمَا وَقَدْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى تَلَفِ الْعَيْنِ قَبْلَ الْجُحُودِ فَتَسْمَعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا ضَمَانَ حِينَئِذٍ انْتَهَى، وَالْأُولَى أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ مَبْنَى الْوَدِيعَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالْقَصْدِ بِالدَّعْوَى فِيهَا بِمَا ذُكِرَ دَفْعُ الضَّمَانِ فَسُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ فِيهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَافْتَقَرَ سَمَاعُهَا فِيهِ إلَى تَأْوِيلٍ (وَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ بَعْدَهُ) أَيْ الْجُحُودِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَضَمِنَ) الْبَدَلَ لِخِيَانَتِهِ بِالْجُحُودِ (كَالْغَاصِبِ) سَوَاءٌ أَقَالَ فِي جُحُودِهِ لَا شَيْءَ لَك عِنْدِي أَمْ قَالَ لَمْ تُودِعْنِي وَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَهُ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.

(الْحُكْم الثَّالِثُ) رَدَّهَا عِنْدَ بَقَائِهَا عَلَى مَالِكِهَا (الرَّدُّ لَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلُ لِلْقَبْضِ وَاجِبٌ بَعْدَ الطَّلَبِ) مِنْهُ لَهَا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (وَالْمُرَادُ بِهِ التَّخْلِيَةُ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا لَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الرَّدِّ وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِ بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا أَهْلًا لِلْقَبْضِ كَأَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ كَانَ نَائِمًا فَوَضَعَهَا فِي يَدِهِ فَلَا يَكْفِي فِي الرَّدِّ بَلْ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ (فَإِنْ أَخَّرَهُ) بَعْدَ الطَّلَبِ (ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ (لَا) إنْ أَخَّرَهُ (بِعُذْرٍ كَاحْتِيَاجِهِ إلَى الْخُرُوجِ) مِمَّا هُوَ فِيهِ (وَهُوَ فِي ظَلَامٍ) الْوَدِيعَةُ بِخِزَانَتِهِ لَا يَتَأَتَّى فَتْحُهَا إذْ ذَاكَ (أَوْ فِي حَمَّامٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ عَلَى طَعَامٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا يَطُولُ زَمَنُهُ غَالِبًا كَصَلَاةٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَطَهَارَةٍ وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ يَخَافُ هَرَبَهُ فَلَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَلَهُ أَنْ يُنْشِئَ مَا يَتَأَتَّى إنْشَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ كَالتَّطْهِيرِ وَالْأَكْلِ وَالصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بَعِيدَةً عَنْ مَجْلِسِهِ.

(فَرْعٌ إذَا أَوْدَعَاهُ مُشْتَرَكًا) بَيْنَهُمَا (لَمْ يُعْطِ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ) وَإِنْ طَلَبَهَا (إلَّا بِالْحَاكِمِ) بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ لِيَقْسِمَهُ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْهُ إنْ انْقَسَمَ وَذَلِكَ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِيدَاعِ فَكَذَا فِي الِاسْتِرْدَادِ (وَإِنْ قَالَ) لَهُ مَالِكُهَا (أَعْطِ) الْوَدِيعَةَ (وَكِيلِي) فُلَانًا وَتَمَكَّنَ مِنْ إعْطَائِهَا لَهُ (ضَمِنَ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ) الْوَكِيلُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ عَزَلَهُ فَيَصِيرُ مَا بِيَدِهِ كَالْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الرَّدِّ عَلَى طَلَبٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لَا يَضْمَنُ (وَكَذَا) يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ الرَّدِّ مَعَ التَّمَكُّنِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ (مَنْ) وَجَدَ ضَالَّةً وَقَدْ (عَرَّفَ مَالِكَ الضَّالَّةِ وَ) مِنْ وَجَدَ (مَا طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ) إلَى دَارِهٍ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ تَنْتَهِي بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ وَلَا يَسْتَمِرُّ إلَى الطَّلَبِ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ لِحُصُولِ الْمَالِ بِيَدِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَبِحُصُولِهِ فِي الْحِرْزِ الْفُلَانِيِّ إنْ عِلْمَهُ.
(وَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ الْإِعْطَاءَ (عَنْ وَكِيلٍ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهِ) بِالْقَبْضِ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِ (أَوْ) أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ (لِيُعْطِيَ وَكِيلًا آخَرَ) لِلْمَالِكِ (وَقَدْ قَالَ لَهُ أَعْطِهَا أَحَدَ وُكَلَائِي ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ (فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَلَا تُؤَخِّرَ فَأَخَّرَ عَصَى أَيْضًا) وَقَضَيْتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْصَى بِدُونِ هَذَا الْقَوْلِ وَفِيهِ فِي الْأَصْلِ وَجْهَانِ وَعَدَمُ الْعِصْيَانِ ظَاهِرٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ (فَإِنْ قَالَ لَهُ أَعْطِ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْصِ بِالتَّأْخِيرِ) لِيُعْطِيَ آخَرَ (وَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَرْعٌ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْجَاحِدِ لِلْوَدِيعَةِ بِإِيدَاعِهَا عِنْدَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهَا وَادَّعَى التَّلَفَ أَوْ الرَّدَّ قَبْلَ الْجُحُودِ]
قَوْلُهُ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُتَّجِهَةٌ) أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَهْلٌ لِلْقَبْضِ) يُخْرِجُ بِذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: لَوْ انْعَزَلَ الْوَلِيِّ الْمُودِعُ بِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ بَعْدَ الطَّلَبِ مِنْهُ لَهَا) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْزَامُ الْمَالِكِ بِالْإِشْهَادِ وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدَّفْعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِي الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبَهَا وَكِيلُ الْمُودَعِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْمُودَعُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَوْ أَوْدَعَ لِصٌّ مَشْهُورٌ بِاللُّصُوصِيَّةِ مَالًا عِنْدَ رَجُلٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُودَعِ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَطَالَبَهُ الْمُودِعُ بِرَدِّهِ فَهَلْ يَرُدُّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُتَوَقَّفُ وَيُطْلَبُ صَاحِبُهُ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ رَدَّهُ.

(قَوْلُهُ كَأَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) أَيْ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مَرَضٍ ر قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ سَكْرَانَ مَأْثُومًا بِهِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بَرِئَ (قَوْلُهُ لَا بِعُذْرٍ كَاحْتِيَاجِهِ إلَى الْخُرُوجِ) قَالَ النَّاشِرِيُّ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا أَخَّرَ لِإِتْمَامِ غَرَضِ نَفْسِهِ. مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مَخُوفٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْمُؤَجِّرُ الْتِزَامَ خَطَرِ الضَّمَانِ فَالْتَزَمَ لَهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْعَيْنُ إنْ غُصِبَتْ مَثَلًا وَقَدْ عَلَّلُوا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بِمَا يَقْتَضِيهِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ بِمَا لَا يَطُولُ زَمَنُهُ غَالِبًا إلَخْ) لَوْ كَانَ الْعُذْرُ مِمَّا يَطُولُ زَمَنُهُ كَاعْتِكَافِ شَهْرٍ نَذَرَهُ مَثَلًا وَقَدْ دَخَلَ فِيهِ أَوْ إحْرَامٌ يَطُولُ زَمَنُهُ فَالْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ نُسُكِهِ مُضِرٌّ بِالْمَالِكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ وَكِيلٍ مُتَبَرِّعٍ أَمِينٍ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَّرَ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ أَنْ يَرْفَعَ الْمُودِعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لَيَبْعَثَ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُ مَنْ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَإِلَّا بَعَثَ مَعَهُ مَنْ يُسَلِّمُهُ مَالَهُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْد ثُبُوتِ الْإِيدَاعِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُ أَحَدٌ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ جِهَةٍ مَنْ يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ غَائِبًا ع، وَلَوْ طَالَبَ الْمُودَعُ الْمَالِكَ بِأَخْذِ وَدِيعَتِهِ لَزِمَهُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْوَدِيعَةِ لَا يَجِبُ فَكَذَا اسْتِدَامَةُ حِفْظِهَا وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي حَالَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْقَبُولُ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ الِامْتِنَاعُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ الْأَمْرِ مَضْمُونَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْوَكِيلُ حَتَّى تَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ لَكِنْ لَوْ طَلَبَهَا الْمَالِكُ نَفْسُهُ وَجَبَ تَمْكِينُهُ دُون مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ فُصِلَ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَعْرِفَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ فَيَجِبُ التَّمْكِينُ فَقَطْ أَمْ لَا فَيَجِبُ إعْلَامُهُ وَبَيْنَ أَنْ يُجِيبَ الْمُودِعُ سُؤَالَ الْمُودَعِ وَيَقُولَ نَعَمْ أَوْ لَا يُجِيبَ وَيَسْكُتَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ قَالَ احْفَظْ مَتَاعِي فَقَامَ وَتَرَكَهُ (قَوْلُهُ وَقَضَيْتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْصَى بِدُونِ هَذَا الْقَوْلِ) هُوَ الرَّاجِحُ

(3/84)


قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الْمَنْعُ.

(فَرْعٌ) .
لَوْ (أَمَرَهُ) الْمَالِكُ (بِإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ وَكِيلَهُ أَوْ) أَمَرَ مَنْ دَفَعَ هُوَ إلَيْهِ مَالَهُ (بِإِيدَاعِ مَالِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ) عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَدِيعِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمَا كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَقْبُولٌ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ فَلَا يَقْتَضِي الْإِشْهَادَ وَلِأَنَّ الْوَدَائِعَ حَقُّهَا الْإِخْفَاءُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ.
(وَجْهَانِ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ صَاحِبَهُ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ) فَتَرَكَهُ (فَالضَّمَانُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ (فِي التَّوْكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ) فَيَضْمَنُ إنْ دَفَعَ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ دُونَ مَا إذَا دَفَعَ بِحَضْرَتِهِ.

(فَصْلٌ يُصَدَّقُ الْوَدِيعُ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ) وَإِنْ وَقَعَ نِزَاعُهُ مَعَ وَارِثِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ ائْتَمَنَهُ وَلِأَنَّ التَّلَفَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالِاخْتِيَارِ فَقَدْ لَا تُسَاعِدُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَمِنْ ثَمَّ قَبْلَ قَوْلِ غَيْرِ الْأَمِينِ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ (وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ السَّبَبِ) لِلتَّلَفِ (فَإِنْ بَيَّنَهُ وَكَانَ ظَاهِرًا كَمَوْتِ الْحَيَوَانِ وَالنَّهْبِ) وَالْحَرِيقِ وَالْغَارَةِ (لَا الْغَصْبِ) وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوهِمَا (وَعَلِمَ) بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الِاسْتِفَاضَةِ (وَعَمَّ وَلَمْ يَحْتَمِلْ سَلَامَتَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (صُدِّقَ بِلَا يَمِينِ) ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يُغْنِيهِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَفِيَّةِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ سَلَامَتَهَا قَيْدٌ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ وَعَمَّ خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ عَمَّ ظَاهِرًا لَا يَقِينًا فَيَحْلِفُ لِاحْتِمَالِ سَلَامَتِهَا (أَوْ لَمْ يَعُمَّ أَوْ جَهِلَ عُمُومَهُ) فَاحْتَمَلَ سَلَامَتهَا (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي التَّلَفِ بِهِ لِاحْتِمَالِهِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعُمَّ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ السَّبَبَ أَثَبْتَهُ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ حَلَفَ عَلَى التَّلَفِ بِهِ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمَالِكَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ وَاسْتُحِقَّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (وَكَذَا يُصَدَّقُ) بِيَمِينِهِ (فِي دَعْوَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ) وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْإِيدَاعِ أَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ مَعَ وَارِثِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَلِفِ نَابَ عَنْهُ وَارِثُهُ وَانْقَطَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِحَلِفِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (لَا عَلَى وَارِثِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ (فَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ فَعَلَى الْوَدِيعِ الرَّدُّ إلَى وَرَثَتِهِ) إنْ لَمْ يَعْلَمُوا الْوَدِيعَةِ وَإِلَّا فَبَعْدَ طَلَبِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، فَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهَا وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهَا ضَمِنَهَا (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَجِدْهُمْ رَدَّهَا (إلَى الْحَاكِمِ) .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَدِيعِ رَدُّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ الرُّشَدَاءِ بَلْ يُرَاجِعُ الْحَاكِمُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ رَهْنًا عِنْدَ عَدْلٍ (وَإِنْ مَاتَ الْوَدِيعُ فَعَلَى وَارِثِهِ رَدُّهَا) إلَى مَالِكِهَا أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ (فَلَوْ أَخَّرَا) أَيْ الْوَدِيعُ وَوَارِثُهُ (بَعْدَ التَّمَكُّنِ) مِنْهُ (ضَمِنَا وَلَوْ ادَّعَى التَّلَفَ) لَهَا (قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْ رَدِّهَا (صُدِّقَا) بِيَمِينِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُمَا (وَإِنْ ادَّعَى وَارِثُ الْوَدِيعِ رَدَّهَا) إلَى مَالِكِهَا (لَمْ يُصَدَّقْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ (أَوْ) ادَّعَى (رَدَّ مُوَرِّثِهِ) لَهَا (أَوْ تَلَفَهَا عِنْدَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُصُولِهَا فِي يَدِهِ (وَلَا يُصَدِّقُ مُلْتَقَطٌ) لِشَيْءٍ (وَ) لَا (مَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ عَلَيْهِ ثَوْبًا فِي الرَّدِّ) إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُمَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّدِّ.

(وَإِنْ أَوْدَعَ الْوَدِيعُ) الْوَدِيعَةَ (أَمِينًا عِنْدَ سَفَرِهِ فَادَّعَى) الْأَمِينُ (رَدَّهَا إلَيْهِ لَا إلَى الْمَالِكِ صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ بِخِلَافِ الْمَالِكِ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: كَذَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَفِيهِ ذَهَابٌ إلَى أَنَّ لِلْوَدِيعِ إذَا عَادَ مِنْ السَّفَرِ أَنْ يَسْتَرِدّهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ مَا يُخَالِفُهُ تَرَكْتُهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي نِهَايَتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ فِيمَا لَوْ أَوْدَعَهُ شَيْئًا وَوَكَّلَهُ فِي إجَارَتِهِ فَأَجَّرَهُ وَانْقَطَعَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَعُودُ وَدِيعَةً نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْخُوَارِزْمِيَّ ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ (فَإِنْ أَوْدَعَهُ) أَيْ الْأَمِينُ إيَّاهَا (بِتَعْيِينِ الْمَالِكِ) لَهُ (فَبِالْعَكْسِ) فَيُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى الْمَالِكِ لَا إلَى مَنْ أَوْدَعَهُ (وَإِنْ ادَّعَى) الْوَدِيعُ (أَنَّهُ أَوْدَعَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الْمَنْعُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَعِبَارَتُهُ فِي غُنْيَتِهِ أَرْجَحُهُمَا.

[فَرْعٌ أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ وَكِيلَهُ أَوْ أَمَرَ مَنْ دَفَعَ هُوَ إلَيْهِ مَالَهُ بِإِيدَاعِ مَالِهِ]
(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّهْذِيبِ) وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّفْعِ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ وَغِيبَتِهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَصَحَّهُمَا الثَّانِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْوَكَالَةِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ.

[فَصْلٌ يُصَدَّقُ الْوَدِيعُ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ]
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ كَمَوْتِ الْحَيَوَانِ) أَيْ بِقَرْيَةٍ أَوْ رُفْقَةِ سَفَرِهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى مَوْتَهُ بِبَرِّيَّةٍ حَالَ انْفِرَادِهِ فَكَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ ع كَذَا يُقَالُ فِي الْغَصْبِ إنْ ادَّعَى وُقُوعَهُ فِي جَمْعٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَلَا، وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ اُشْتُهِرَ وُقُوعُ مَوْتٍ وَفَنَاءٍ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ كَالْحَرِيقِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْعُمُومِ تَمَكُّنُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي. وَكَتَبَ أَيْضًا سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ شَخْصٍ أَوْدَعَ شَخْصًا نَحْلًا فَادَّعَى الْمُودَعُ مَوْتَهُ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُصَدِّقُهُ بِيَمِينِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي اشْتِرَاطِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي دَعْوَى الْمُودَعِ مَوْتَ الْحَيَوَانِ فَذَلِكَ فِي حَيَوَانٍ تَمَكَّنَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَالنَّحْلُ لَا تَمْكُنُ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ كُلَّمَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُ نَعَمْ إذَا ادَّعَى مَوْتَهُ بِسَبَبِ تَمَكُّنِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَحَرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ احْتَاجَ إلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَأَمَرَ بِالْأَدَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْإِشْهَادِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَأَرْشَدَ إلَيْهِ كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا الْحُكْمُ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ أَمِينِ مِنْ وَكِيلٍ وَشَرِيكٍ وَعَامِلِ قِرَاضٍ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ، وَكَتَبَ أَيْضًا: إنَّمَا يَقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ إذَا كَانَ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الْقَبْضِ وَوِلَايَتِهِ حَالَةَ الرَّدِّ فَيَخْرُجُ عَنْ هَذَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ ع وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْحِرْزِ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا يَدَّعِي فِعْلَ الْمَالِكِ وَفِي الْأَوَّلِ يَدَّعِي فِعْلَ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَانْقَطَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِحَلِفِهِ) وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ حَلِفِهِ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَ مُورِثِهِ فِي دَعْوَاهُ أَوْ ظَنَّهَا (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ الْوَدِيعُ إلَخْ) جُنُونُ كُلٍّ

(3/85)


زَيْدًا بِتَعْيِينِ) أَيْ بِإِذْنِ (الْمَالِكِ) لَهُ (فَصَدَّقَهُ زَيْدٌ) فِي الدَّفْعِ (وَأَنْكَرَ الْمَالِكَ) الْإِذْنَ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ (وَلَهُ مُطَالَبَتُهُمَا بِالْقِيمَةِ) لَهَا لِلْفَيْصُولَةِ (إنْ فَاتَتَ أَوْ الرَّدِّ) لَهَا (إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَوْ الْقِيمَةِ) لَهَا (لِلْحَيْلُولَةِ) ثُمَّ (إنْ غَابَتْ) فَإِذَا حَضَرَتْ وَقَدْ غُرِمَ الْوَدِيعُ قِيمَتَهَا أَخَذَ الْوَدِيعَةَ وَرَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ وَاسْتَرَدَّ مِنْهُ الْقِيمَةَ (وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ) بِمَا غَرِمَهُ (لَزَعْمِهِ أَنَّ الظَّالِمَ) لَهُ هُوَ (الْمَالِكُ) أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ زَيْدٌ فَيَصْدُقُ بِيَمِينِهِ وَيَخْتَصُّ الْغُرْمُ بِالْوَدِيعِ وَذَكَرَ مُطَالَبَةَ الْمَالِكِ الْأَمِينِ بِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَلَوْ اعْتَرَفَ) الْمَالِكُ (بِالْإِذْنِ) فِي الْإِيدَاعِ مِنْ زَيْدٍ (وَأَنْكَرَ الدَّفْعَ) لَهُ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ) أَيْ بِالدَّفْعِ (زَيْدٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَ يَدَّعِي الرَّدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ وَكَمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ زَيْدٍ عَلَى الْمَالِكِ فِي الرَّدِّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فِي التَّلَفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
(وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِمَا) أَيْ بِالْإِذْنِ وَالدَّفْعِ (وَأَنْكَرَ الْإِشْهَادَ) بِالْإِيدَاعِ وَزَيْدٌ يُنْكِرُ الدَّفْعَ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْوَدِيعِ بِنَاءً عَلَى عَدِمَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ بِالْإِيدَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الضَّمَانِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ تَرْجِيحُهُ هَذَا الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَوْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى دَفْعِهَا إلَى الْأَمِينِ وَادَّعَى الْأَمِينُ رَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ تَلَفَهَا فِي يَدِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَإِنْ قَالَ) الْمَالِكُ (لَهُ أَوْدِعْهَا أَمِينًا مَا) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْهُ (فَفَعَلَ وَادَّعَى الْأَمِينُ التَّلَفَ) لَهَا (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ (لَا) إنْ ادَّعَى (الرَّدَّ) لَهَا (عَلَى الْمَالِكِ) فَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ.

[فَصْلٌ تَنَازَعَ الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ]
(فَصْلٌ وَلَوْ تَنَازَعَ الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ) بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ (فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا) بِعَيْنِهِ (فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو يَغْرَمُ لِعَمْرٍو (فَإِنْ) حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى الْآخَرِ وَإِنْ (نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَغَرِمَ لَهُ) الْقِيمَةَ، وَقِيلَ تُوقَفُ الْوَدِيعَةُ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَصْطَلِحَا، وَقِيلَ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمَا فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ (وَإِنْ صَدَّقَهُمَا فَالْيَدُ لَهُمَا وَالْخُصُومُ بَيْنَهُمَا) فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لَهُ وَلَا خُصُومَةَ لِلْآخَرِ مَعَ الْوَدِيعِ لِنُكُولِهِ، وَإِنْ نَكَلَا أَوْ حَلَفَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَحُكْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَالْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُقَرِّ لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
(وَإِنْ قَالَ: هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيتُهُ) وَكَذَّبَاهُ فِي النِّسْيَانِ (ضَمِنَ كَالْغَاصِبِ) لِتَقْصِيرِهِ بِنِسْيَانِهِ، وَإِنْ صَدَّقَاهُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ (وَالْغَاصِبُ) فِيمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ اثْنَانِ غَصْبَ مَالٍ فِي يَدِهِ (إذَا قَالَ هُوَ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيتُهُ فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ لَمْ يُغْصَبْهُ تَعَيَّنَ) الْمَغْصُوبُ (لِلْآخَرِ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ قَالَ: هُوَ وَدِيعَةً) عِنْدِي (وَلَا أَدْرِي أَ) هُوَ (لَكُمَا) أَمْ لِأَحَدِكُمَا (أَمْ لِغَيْرِكُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ ادَّعَيَاهُ وَتُرِكَ فِي يَدِهِ لِمَنْ يُثْبِتُ) أَيْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ (بِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا تَحْلِيفُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ) وَلَا اسْتِحْقَاقٌ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ.

(فَصْلٌ مَسَائِلُهُ مَنْثُورَةٌ) .
لَوْ (تَعَدَّى) الْوَدِيعُ (فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ مُدَّةً لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا) .

(وَإِنْ رَبَطَ) عِبَارَةَ الْأَصْلِ وَإِنْ تَرَكَ (عِنْدَ صَاحِبِ الْخَانِ) مَثَلًا (حِمَارًا وَقَالَ) لَهُ (احْفَظْهُ) كَيْ لَا يَخْرُجَ (فَلَاحَظَهُ فَخَرَجَ فِي بَعْضِ غَفَلَاتِهِ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْحِفْظِ الْمُعْتَادِ.

(وَإِنْ احْتَرَقَ مَنْزِلُهُ فَبَادَرَ بِإِخْرَاجِ مَالِهِ) مِنْهُ (قَبْلَ) إخْرَاجِ (الْوَدِيعَةِ) مِنْهُ فَاحْتَرَقَتْ (لَمْ يَضْمَنْ) كَمَا لَوْ قَدَّمَ وَدِيعَةً عَلَى أُخْرَى نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ إخْرَاجُهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ الضَّمَانُ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَنْظَرِ بِهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْوَدَائِعِ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ الِابْتِدَاءُ بِهِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ الِابْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ فَيَخْرُجُ عَلَى مَا إذَا قَالَ اُقْتُلْ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ بِخِلَافِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ أَسْفَلَ الْوَدَائِعِ فَنَحَّاهَا وَأَخْرَجَ مَالَهُ لَمْ يَضْمَنْ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ حِينَئِذٍ إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ التَّنْحِيَةِ.

(وَإِنْ ادَّعَى الْوَارِثُ عِلْمَ الْوَدِيعِ بِمَوْتِ الْمَالِك وَطَلَبَ) مِنْهُ (الْوَدِيعَة فَلَهُ تَحْلِيفُهُ) عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِ وَالْمُودَعِ كَمَوْتِهِ.

(قَوْلُهُ: فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ) لَوْ أَقَرَّ بِهِ الثَّالِثُ حَلَفَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ لَا أَنَّهُ لِغَيْرِهِمَا وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ الثَّالِثِ وَإِذَا حَلَفَ أَقَرَّ الْمَالَ بِيَدِهِ وَكَذَا إنْ نَكَلَ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَخَذُوهُ وَطُولِبَ بِكَفِيلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا الْوَدِيعَةُ مَنْقُولَةٌ، وَإِنْ حَلَفَا فَهَلْ يَقْتَسِمَانِهِ وَيُطَالِبَانِ بِكَفِيلٍ أَوْ يُقِرُّ مَعَ الْمُقِرِّ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا أَوَّلُهُمَا (قَوْلُهُ إذَا قَالَ هُوَ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيتُهُ إلَخْ) أَمَّا إذَا كَذَّبَاهُ فِي دَعْوَى النِّسْيَانِ وَادَّعَيَا عِلْمَهُ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَتَكْفِيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: كَذَا جَزَمَ بِهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْلِفْ الْخِلَافَ فِي نَظِيرِهَا وَهِيَ مَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجَاتُ فِي صُورَةِ تَزْوِيجِ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْلَمُ سَبْقَ نِكَاحِهِ وَأَنْكَرَتْ هَلْ تَكْفِي لَهُمَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ أَمْ يَجِبُ يَمِينَانِ قَالَ الْبَغَوِيّ: يَمِينَانِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ حَضَرَا وَادَّعَيَا حَلَفَتْ يَمِينًا، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ وَقَالَ الْإِمَامُ إنْ حَضَرَا وَرَضِيَا بِيَمِينٍ كَفَتَ وَإِنْ حَلَفَهَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُهَا وَجْهَانِ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ وَنَفْيُ الْعِلْمُ بِالسَّبْقِ يَشْمَلُهُمَا وَمِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ يَأْتِي هُنَا بِلَا فَرْقٍ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ نَظَرٌ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا تَوَجَّهَ عَلَى إنْسَانٍ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا فَإِنْ رَضُوا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَصِحَّ وَقِيلَ يَصِحُّ. وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ حَتَّى فِي التَّنْبِيهِ فِي آخِرِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى فَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ جَارٍ عَلَى غَيْرِ الرَّاجِحِ

[فَصْلٌ فِي مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْوَدِيعَة]
(فَصْلٌ مُسَائِلُهُ مَنْشُورَةٌ) (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ الضَّمَانُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ عَلَى مَا إذَا قَالَ: اُقْتُلْ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(3/86)


نَفْيِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ (فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ) الْوَارِثُ (وَأَخَذَهَا وَإِنْ قَالَ) الْوَدِيعُ (حَبَسْتُهَا) عِنْدِي (لِأَنْظُرَ هَلْ أَوْصَى) بِهَا مَالِكُهَا أَوْ لَا (فَهُوَ مُتَعَدِّ ضَامِنٌ) .

(وَإِنْ عَرَفَ الْمُلْتَقِطُ) لِشَيْءٍ (الْمَالِكَ) لَهُ (فَلَمْ يُخْبِرْهُ) بِهِ حَتَّى تَلِفَ (أَوْ عَزَلَ قَيِّمٌ) لِطِفْلِ أَوْ لِنَحْوِهِ أَوْ لِمَسْجِدٍ (نَفْسِهِ وَلَمْ يُخْبِرْ الْحَاكِمَ بِمَا تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى تَلِفَ أَوْ أَخَّرَ الْقَيِّمُ بَيْعَ وَرَقِ فِرْصَادٍ لِطِفْلٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى مَضَى وَقْتُهُ ضَمِنَ لَا إنْ ارْتَقَبَ) بِتَأْخِيرِ بَيْعِهِ (نَفَاقًا) بِالْفَتْحِ أَيْ رَوَاجًا لَهُ (فَرَخَّصَ) فَلَا يَضْمُنُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكَذَا قَيِّمُ الْمَسْجِدِ فِي أَشْجَارِهِ وَهَذَا شَبِيهٌ بِتَعْرِيضِ الثَّوْبِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الدُّودُ لِلرِّيحِ.

(وَإِنْ) بَعَثَ رَسُولًا لِقَضَاءِ حَاجَةٍ و (أَعْطَاهُ خَاتَمَهُ أَمَارَةً) لِمَنْ يَقْضِي لَهُ الْحَاجَةَ (وَقَالَ) لَهُ (رُدَّهُ) عَلَيَّ (بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَوَضَعَهُ) بَعْدَ قَضَائِهَا (فِي حِرْزٍ) لِمِثْلِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ (لَمْ يَضْمَنْ إذْ لَا يَجِبُ) عَلَيْهِ (إلَّا التَّخْلِيَةُ لَا الرَّدُّ) بِمَعْنَى النَّقْلِ وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِ.

(وَلَوْ لَمْ يُسْتَحْفَظْ) دَاخِلَ الْحَمَّامِ (الْحَمَّامِيُّ) لِحِفْظِ ثِيَابِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ حِفْظُ الثِّيَابِ) فَلَوْ ضَاعَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ نَامَ أَوْ قَامَ مِنْ مَكَانِهِ وَلَا نَائِبَ لَهُ ثَمَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. أَمَّا إذَا اسْتَحْفَظَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ الْحِفْظُ.

(وَإِنْ أَوْدَعَهُ قَبَالَةً) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ وَرَقَةً مَكْتُوبَةً فِيهَا الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ (وَتَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ) كَأَنْ قَالَ لَا نَدْفَعُهَا إلَى زَيْدٍ حَتَّى يُعْطِيَكَ دِينَارًا فَدَفَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ (ضَمِنَ قِيمَةَ الْكَاغِدِ مَكْتُوبًا) الْأَوْلَى وَالْأَخْصَرُ قِيمَتُهَا مَكْتُوبَةً (وَأُجْرَةُ الْكِتَابَةِ) إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ بَيَانُ مَأْخَذِ قِيمَتِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا إلَى مُنْشِئِهَا الْكِتَابَةُ بِالْأُجْرَةِ فَذَاكَ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ظَاهِرًا مِنْ إيجَابِ قِيمَتِهَا مَكْتُوبَةً مَعَ الْأُجْرَةِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّ الْقِبْلَةَ لَهُ مُتَقَوِّمَةٌ فَإِذَا تَلِفَتْ لَزِمَ قِيمَتُهَا وَلَا نَظَرَ لِأُجْرَةِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَلَزِمَ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ ثَوْبًا مُطَرَّزًا غَرِمَ قِيمَتَهُ وَأُجْرَةَ التَّطْرِيزِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَالْغَاصِبُ إنَّمَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فَقَطْ كَمَا أَجَابَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَالصَّوَابُ لُزُومُهَا فَقَطْ انْتَهَى.

(خَاتِمَةٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ كُلُّ مَالٍ تَلِفَ فِي يَدِ أَمِينٍ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا إذَا اسْتَسْلَفَ السُّلْطَانُ لِحَاجَةِ الْمَسَاكِينِ زَكَاةً قَبْلَ حَوْلِهَا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَيَضْمَنُهَا لَهُمْ أَيْ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا الْمُقَرَّرَةِ فِي مَحَلِّهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُلْتَحَقُ بِهَا مَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَحَبَسَهَا الْبَائِعُ عَلَى الثَّمَنِ ثُمَّ أَوْدَعَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَلِفَتْ فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ

(كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ) الْمَشْهُورُ تَغَايُرُهُمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَقِيلَ يَقَعُ اسْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ إذَا أَفْرَدَ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا افْتَرَقَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، وَقِيلَ اسْمُ الْفَيْءِ يَقَعُ عَلَى الْغَنِيمَةِ دُونَ الْعَكْسِ وَمِنْ هَذَيْنِ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الْفَيْءِ وَالْأَصْلُ فِيهِمَا قَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] وَقَوْلُهُ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَتَيْنِ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ فَيْئًا لِرُجُوعِهِ مِنْ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ فَاءَ أَيْ رَجَعَ وَالثَّانِي غَنِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَضْلٌ وَفَائِدَةٌ مَحْضَةٌ (وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ: الْفَيْءُ وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ بِلَا قِتَالٍ وَلَا إيجَافٍ)
أَيْ إسْرَاعِ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (مِنْ جِزْيَةٍ وَعُشُورٍ) مَشْرُوطَةٍ عَلَيْهِمْ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ إذَا دَخَلُوا دَارَنَا (وَتَرِكَةِ مُرْتَدٍّ وَذِمِّيٍّ لَا وَارِثَ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ بَيَانُ مَأْخَذِ قِيمَتِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا الَّتِي مَنْشَؤُهَا الْكِتَابَةُ بِالْأُجْرَةِ فَذَاكَ وَإِنْ أُرِيدَ إلَخْ) لَمْ يُرِدْ بِهِ الشِّقُّ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ ظَاهِرُهُ وَوَجْهُهُ وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ الْكَاغِدَ قَبْلَ كِتَابَتِهِ تَكْثُرُ الرَّغْبَةُ فِيهِ لِلِانْتِفَاعِ بِالْكِتَابَةِ فِيهِ فَقِيمَتُهُ مُرْتَفِعَةٌ كَثِيرَةٌ وَبَعْدَ كِتَابَتِهِ يَصِيرُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ قِيمَتُهُ تَافِهَةٌ فَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ مَعَ قِيمَتِهِ مَكْتُوبًا أُجْرَةُ كِتَابَةِ الشُّهُودِ لَا حَجَّ مِنَّا بِمَالِكِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَوْ تَلِفَ مَاءٌ بِمَفَازَةٍ ثُمَّ ظَفَرَ بِهِ مَالِكُهُ بِمَكَانٍ لَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ فِيهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ وَأَمَّا لُزُومُ قِيمَةِ الثَّوْبِ مُطَرَّزًا دُونَ أُجْرَةِ التَّطْرِيزِ فَلَا إجْحَافَ فِيهِ بِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ تَزِيدُ بِتَطْرِيزِهِ بَلْ كَثِيرًا مَا تُجَاوِزُ الزِّيَادَةُ قِيمَةَ مَا طُرِّزَ بِهِ وَأَجَرْتُهُ وَمِنْ نَظَائِرِ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلدَّفْنِ فَحَفَرَ فِيهَا الْمُسْتَعِيرُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ الدَّفْنِ فَمُؤْنَةُ الْحَفْرِ عَلَيْهِ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ، وَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَوْ نَقَضَ وُضُوءَهَا بِاللَّمْسِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَاءِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَمَا لَوْ حَمَى الْوَطِيسُ لِيُخْبَزَ فِيهِ فَجَاءَ إنْسَانٌ فَبَرَّدَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا يُخْبَزُ فِيهِ.

[خَاتِمَةٌ مَالٍ تَلِفَ فِي يَدِ أَمِينٍ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ]
(قَوْلُهُ خَاتِمَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ إلَخْ) رَأَيْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَمِينَ عَلَى الْبَهِيمَةِ الْمَأْكُولَةِ كَالْمُودَعِ وَالرَّاعِي وَنَحْوِهِمَا لَوْ رَآهَا وَقَعَتْ فِي مَهْلَكَةٍ فَذَبَحَهَا جَازَ وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى مَاتَتْ فَلَا ضَمَانَ. قُلْتُ وَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَهُ إعْلَامُ رَبِّهَا بِهَا إنْ أَمْكَنَهُ وَفِي عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أَمْكَنَهُ تَخْلِيصُهَا بِلَا كُلْفَةٍ نُظِرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ الْمَالِكُ فِي ذَبَحَهَا لِمَا ادَّعَاهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْأَمِينُ إلَّا بِبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ع وَمَا نُظِرَ فِيهِ لَيْسَ بِمُرَادٍ قَالَ شَيْخُنَا: وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ: وَلَوْ سَقَطَتْ شَاةٌ وَلَمْ يَذْبَحْهَا الرَّاعِي حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ وَلَوْ عَلِمَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ غَالِبًا فَيَجُوزُ لَهُ الذَّبْحُ وَلَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ) الْأَصَحُّ خِلَافُهُ فَإِنَّ تَلَفَهُ فِي يَدِهِ حِينَئِذٍ كَتَلَفِهِ فِي يَدِ بَائِعِهِ