الأم للشافعي

 [بَابٌ بَيْعُ الْخِيَارِ]
ِ قَالَ (الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَمْلَى عَلَيَّ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ» قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إذَا ابْتَاعَ الْبَيْعَ فَأَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَّا وَجَبَتْ الْبَرَكَةُ فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ الْبَرَكَةُ مِنْ بَيْعِهِمَا» أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْوَضِيءِ قَالَ كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ فَلَمَّا أَرَدْنَا الرَّحِيلَ خَاصَمَهُ فِيهِ إلَى أَبِي بَرْزَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَرْزَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْبَيْعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُبَيِّنُ هَذَا أَيْضًا لَمْ يَحْضُرْ الَّذِي حَدَّثَنِي حِفْظَهُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ أَنَّهُمَا بَاتَا لَيْلَةً ثُمَّ غَدَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ لَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ إذَا بَاتَا مَكَانًا وَاحِدًا بَعْدَ الْبَيْعِ (قَالَ) : أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا وَجَبَ الْبَيْعُ خَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ قَالَ يَقُولُ " اخْتَرْ إنْ شِئْت فَخُذْ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ " قَالَ فَقُلْت لَهُ فَخَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ فَأَخَذَ ثُمَّ نَدِمَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا ذَلِكَ أَتَقْبَلُهُ مِنْهُ لَا بُدَّ؟ قَالَ لَا أَحْسَبُهُ إذَا خَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ إنَّكُمَا افْتَرَقْتُمَا بَعْدَ رِضًا بِبَيْعٍ أَوْ خَيَّرَ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ (قَالَ) : وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فِي سَلَفٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ تَبَايَعَا وَتَرَاضَيَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا أَوْ مَجْلِسِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ رَدُّهُ إلَّا بِخِيَارٍ أَوْ شَرْطِ خِيَارٍ أَوْ مَا وَصَفْت إذَا تَبَايَعَا فِيهِ وَتَرَاضَيَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ أَوْ كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ (قَالَ) : وَاحْتَمَلَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» مَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ وَأَوْلَاهُمَا بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ فَالْمُتَبَايِعَانِ اللَّذَانِ عَقَدَا الْبَيْعَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فَإِنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لَا يَنْقَطِعُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي السُّنَّةِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَتَفَرُّقُهُمَا هُوَ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ كَانَ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ وَكَانَ مَوْجُودًا فِي اللِّسَانِ وَالْقِيَاسِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَجِبُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْفِرَاقُ أَنْ يَجِبَ بِالثَّانِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ إذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَانَ الْخِيَارُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ كَمَا كَانَ التَّفَرُّقُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ بَيِّنَةٌ بِمِثْلِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَانَ مَا وَصَفْنَا أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ الْقِيَاسِ مَعَ

(3/4)


أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ الرَّجُلُ: عَمْرَك اللَّهُ مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ» قَالَ وَكَانَ أَبِي يَحْلِفُ مَا الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ (قَالَ) : وَبِهَذَا نَقُولُ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجِبُ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَيَجِبُ بِأَنْ يَعْقِدَ الصَّفْقَةَ عَلَى خِيَارٍ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لَك بِسِلْعَتِك كَذَا بَيْعًا خِيَارًا فَيَقُولُ: قَدْ اخْتَرْت الْبَيْعَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ نَأْخُذُ بِهَذَا وَقَوْلُنَا الْأَوَّلُ: لَا يَجِبُ الْبَيْعُ إلَّا بِتَفَرُّقِهِمَا أَوْ تَخْيِيرِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُهُ (قَالَ) : وَإِذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ السِّلْعَةَ وَتَقَابَضَا أَوْ لَمْ يَتَقَابَضَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِذَا خَيَّرَهُ وَجَبَ الْبَيْعُ بِمَا يَجِبُ بِهِ إذَا تَفَرَّقَا، وَإِنْ تَقَابَضَا وَهَلَكَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ الْخِيَارِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهَا وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقْبِضَهَا، فَإِنْ قَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَدِيعَةً فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا، وَإِنْ تَفَرَّقَا فَمَاتَتْ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى أَمَةً فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ الْخِيَارِ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي بَاطِلًا لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ مِلْكُهُ، وَإِذَا أَعْتَقَهَا الْبَائِعُ كَانَ عِتْقُهُ جَائِزًا لِأَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ عَلَيْهِ مِلْكًا يَقْطَعُ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ عَنْهَا إلَّا بِتَفَرُّقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارٍ وَأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَتِمَّ فِيهِ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ إذَا شَاءَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ كَانَ لَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي غَفْلَةٍ مِنْ الْبَائِعِ عَنْهُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ فَسْخُهُ وَكَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْبَائِعِ، وَإِنْ أَحَبْلهَا فَاخْتَارَ الْبَائِعُ رَدَّ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ وَكَانَتْ الْأَمَةُ لَهُ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا فَأَعْتَقْنَا وَلَدَهَا بِالشُّبْهَةِ وَجَعَلْنَا عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ وَلَدِهِ يَوْمَ وُلِدَ، وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَهِيَ أَمَتُهُ وَالْوَطْءُ كَالِاخْتِيَارِ مِنْهُ لِفَسْخِ الْبَيْعِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وَكَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ مَا كَانَ لَهُ، وَإِنْ خَرِسَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فِي رَدِّ الْبَيْعِ أَوْ أَخْذِهِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ ثُمَّ أَفَاقَ الْآخَرُ فَأَرَادَ نَقْضَ مَا فَعَلَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ أَوْ بَهِيمَةً فَنَتَجَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَهُمَا عَلَى الْخِيَارِ، فَإِنْ اخْتَارَا إنْفَاذَ الْبَيْعِ أَوْ تَفَرَّقَا فَالْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَقَعَ وَهُوَ حَمْلٌ. وَكَذَلِكَ كُلُّ خِيَارٍ بِشَرْطٍ جَائِزٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ

(3/5)


[بَابٌ الْخِلَافُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ]
ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ فَقَالَ: إذَا عُقِدَ الْبَيْعُ وَجَبَ وَلَا أُبَالِي أَنْ لَا يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قَبْلَ بَيْعٍ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ بَعْدَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْت فِي هَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَهَذَا بَيْعٌ وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ لِلْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ وَلَا أَعْرِفُ الْبَيْعَ إلَّا بِالْكَلَامِ لَا بِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ فَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ جَاهِلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فَقَالَ مِثْلَ مَا قُلْت أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلَا أَعْرِفُ بَيْعًا حَلَالًا وَآخَرَ حَرَامًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ اسْمُ الْبَيْعِ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ قَالَ إذْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بُيُوعٍ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قُلْت لَهُ وَلَك بِهَذَا حُجَّةٌ فِي النَّهْيِ فَمَا عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَّ سُنَّةً فِي الْبُيُوعِ أَثْبَتَ مِنْ قَوْلِهِ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا بَرْزَةَ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَرْوُونَهُ وَلَمْ يُعَارِضْهُمْ أَحَدٌ بِحَرْفٍ يُخَالِفُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ نَهَى عَنْ الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ، فَعَارَضَ ذَلِكَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِخَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافِهِ، فَنَهَيْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ عَنْ الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ وَقُلْنَا هَذَا أَقْوَى فِي الْحَدِيثِ وَمَعَ مَنْ خَالَفْنَا مِثْلُ مَا احْتَجَجْت بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَأَنَّ نَهْيَهُ عَنْ الرِّبَا خِلَافُ مَا رَوَيْته وَرَوَوْهُ أَيْضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةَ وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ فَإِذَا كُنَّا نُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَنَذْهَبُ إلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَرْجَحِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَرَى لَنَا حُجَّةً عَلَى مَنْ خَالَفَنَا أَفَمَا نَرَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ بِرِوَايَةٍ عَنْهُ أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ؟ قَالَ بَلَى إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ قُلْت فَهُوَ كَمَا أَقُولُ فَهَلْ تَعْلَمُ مُعَارِضًا لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَالِفُهُ؟ قَالَ لَا وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قُلْت وَبِهِ أَقُولُ وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ عَلَى غَيْرِ مَا قُلْت، قُلْت فَاذْكُرْ لِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ فِيهِ قَالَ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فِي الْكَلَامِ قَالَ فَقُلْت لَهُ الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ مُحَالٌ لَا يَجُوزُ فِي اللِّسَانِ قَالَ وَمَا إحَالَتُهُ؟ وَكَيْفَ لَا يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ؟ قُلْت إنَّمَا يَكُونَانِ قَبْلَ التَّسَاوُمِ غَيْرَ مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ

(3/6)


مُتَسَاوِمَيْنِ قَبْلَ التَّبَايُعِ ثُمَّ يَكُونَانِ بَعْدَ التَّسَاوُمِ مُتَبَايِعَيْنِ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ حَتَّى يَتَبَايَعَا وَيَفْتَرِقَا فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّبَايُعِ (قَالَ) : فَقَالَ فَادْلُلْنِي عَلَى مَا وَصَفْت بِشَيْءٍ أَعْرِفُهُ غَيْرَ مَا قُلْت الْآنَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ تَسَاوَمْت أَنَا وَأَنْتَ بِسِلْعَةِ رَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْتُمَا تَبَايَعْتُمَا فِيهَا؟ قَالَ فَلَا تَطْلُقُ مِنْ قِبَلِ أَنَّكُمَا غَيْرُ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ، قُلْت وَعَقْدُ الْبَيْعِ التَّفَرُّقُ عِنْدَك فِي الْكَلَامِ عَنْ الْبَيْعِ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت أَرَأَيْت لَوْ تَقَاضَيْتُك حَقًّا عَلَيْك، فَقُلْت وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي مَتَى أَحْنَثُ، قَالَ إنْ فَارَقْتَهُ بِبَدَنِك قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَك حَقَّك، قُلْت فَلَوْ لَمْ تَعْرِفْ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ شَيْئًا إلَّا هَذَا أَمَا دَلَّك عَلَى أَنَّ قَوْلَك مُحَالٌ وَأَنَّ اللِّسَانَ لَا يَحْتَمِلُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا غَيْرِهِ؟ قَالَ فَاذْكُرْ غَيْرَهُ، فَقُلْت لَهُ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، قَالَ فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي أَوْ حَتَّى تَأْتِيَ خَازِنَتِي مِنْ الْغَابَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَنَا شَكَكْت وَعُمَرُ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» ، قُلْت لَهُ أَفَبِهَذَا نَقُولُ نَحْنُ وَأَنْتَ إذَا تَفَرَّقَ الْمُصْطَرِفَانِ عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَصَارَفَا فِيهِ انْتَقَضَ الصَّرْفُ وَمَا لَمْ يَتَفَرَّقَا لَمْ يُنْتَقَضْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قُلْت لَهُ فَمَا بَانَ لَك وَعَرَفْت مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ التَّفَرُّقَ هُوَ تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ بَعْدَ التَّبَايُعِ لَا التَّفَرُّقُ عَنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّك لَوْ قُلْت تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِبَعْضِ الصَّرْفِ دَخَلَ عَلَيْك أَنْ تَقُولَ لَا يَحِلُّ الصَّرْفُ حَتَّى يَتَرَاضَيَا وَيَتَوَازَنَا وَيَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَأْخُذُ وَيُعْطِي ثُمَّ يُوجِبَا الْبَيْعَ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ التَّقَابُضِ أَوْ مَعَهُ، قَالَ لَا أَقُولُ هَذَا، قُلْت وَلَا أَرَى قَوْلَك التَّفَرُّقَ تَفَرُّقُ الْكَلَامِ إلَّا جَهَالَةً أَوْ تَجَاهُلًا بِاللِّسَانِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قُلْت لَهُ أَرَأَيْت رَجُلًا قَالَ لَك أُقَلِّدُك فَأَسْمَعُك تَقُولُ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ كَانَ الصَّرْفُ رِبًا وَهُمَا فِي مَعْنَى الْمُتَبَايِعَيْنِ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ مُتَبَايِعَانِ، وَإِذَا تَفَرَّقَا عَنْ الْكَلَامِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَسَدَ الصَّرْفُ قَالَ لَيْسَ هَذَا لَهُ، قُلْت فَيَقُولُ لَك كَيْفَ صِرْت إلَى نَقْضِ قَوْلِك؟ قَالَ إنَّ عُمَرَ سَمِعَ طَلْحَةَ وَمَالِكًا قَدْ تَصَارَفَا فَلَمْ يَنْقُضْ الصَّرْفَ وَرَأَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَاءَ وَهَاءَ» إنَّمَا هُوَ لَا يَتَفَرَّقَا حَتَّى تَقَاضَا قُلْت تَفَرَّقَا عَنْ الْكَلَامِ، قَالَ نَعَمْ: قُلْت فَقَالَ لَك أَفَرَأَيْت لَوْ احْتَمَلَ اللِّسَانُ مَا قُلْت وَمَا قَالَ مَنْ خَالَفَك أَمَا يَكُونُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ الرَّجُلِ الَّذِي سَمِعَ الْحَدِيثَ أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي سَمِعَ الْحَدِيثَ فَلَهُ فَضْلُ السَّمَاعِ وَالْعِلْمِ بِمَا سَمِعَ وَبِاللِّسَانِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَلَمْ لَمْ تُعْطِ هَذَا ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» فَكَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ أَنْ يَجِبَ لَهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ فَمَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ وَلِمَ لَمْ تُعْطِ هَذَا أَبَا بَرْزَةَ وَهُوَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ» وَقَضَى بِهِ وَقَدْ تَصَادَقَا بِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا ثُمَّ كَانَ مَعًا لِمَ لَمْ يَتَفَرَّقَا فِي لَيْلَتِهِمَا ثُمَّ غَدَوَا إلَيْهِ فَقَضَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ فِي رَدِّ بَيْعِهِ؟ .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ تَقُولُ إنَّ قَوْلِي مُحَالٌ؟ قُلْت نَعَمْ قَالَ فَمَا أَحْسَبُنِي إلَّا قَدْ اكْتَفَيْت بِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْت وَأَسْأَلُكَ قَالَ فَسَلْ قُلْت أَفَرَأَيْت إذْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» أَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ إلَيْهِمَا الْخِيَارَ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إلَى أَيِّهِمَا كَانَ؟ قَالَ لِي قُلْت فَمَا الْوَقْتَانِ؟ قَالَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِالْكَلَامِ، قُلْت فَمَا الْوَجْهُ الثَّانِي؟ قَالَ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا فَدَعْهُ، قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ بِعْتُك بَيْعًا وَدَفَعْتُهُ إلَيْك، فَقُلْت أَنْتَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ مِنْ يَوْمِك هَذَا وَأَنْ تَخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ قَبْلَ اللَّيْلِ أَجَائِزٌ هَذَا الْبَيْعُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت فَمَتَى يَنْقَطِعُ خِيَارُك وَيَلْزَمُك الْبَيْعُ فَلَا يَكُونُ لَك رَدُّهُ؟ قَالَ إنْ انْقَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ أَخْتَرْ رَدَّ الْبَيْعِ انْقَطَعَ

(3/7)


الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ، أَوْ اخْتَرْت قَبْلَ اللَّيْلِ إجَازَةَ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ، قُلْت فَكَيْفَ لَا تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا قَطَعَ الْخِيَارَ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقَالَ، دَعْهُ، قُلْت نَعَمْ بَعْدَ الْعِلْمِ مِنِّي بِأَنَّك إنَّمَا عَمَدْت تَرْكَ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ قَطْعَ الْخِيَارِ الْبَيْعَ التَّفَرُّقُ أَوْ التَّخْيِيرُ كَمَا عَرَفْتُهُ فِي جَوَابِك قَبْلَهُ، فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت إنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى مُدَّةٍ، وَزَعَمْتَ أَنَّهَا أَنْ يَتَفَرَّقَا فِي الْكَلَامِ، أَيُقَالُ لِلْمُتَسَاوِمَيْنِ أَنْتُمَا بِالْخِيَارِ؟ قَالَ نَعَمْ، السَّائِمُ فِي أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَدَعَ، وَالْبَائِعُ فِي أَنْ يُوجِبَ، أَوْ يَدَعَ، قُلْت أَلَمْ يَكُونَا قَبْلَ التَّسَاوُمِ هَكَذَا؟ قَالَ بَلَى، قُلْت: فَهَلْ أَحْدَثَ لَهُمَا التَّسَاوُمُ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِهِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ؟ قَالَ لَا، قُلْت: فَيُقَالُ لِإِنْسَانٍ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِك الَّذِي لَمْ تُوجِبْ فِيهِ شَيْئًا لِغَيْرِك فَالسَّائِمُ عِنْدَك لَمْ يُوجِبْ فِي مَالِهِ شَيْئًا لِغَيْرِهِ إنَّك لِتُحِيلَ فِيمَا تُجِيبُ فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ، قَالَ فَلِمَ لَا أَقُولُ لَك أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِك؟ قُلْت لِمَا وَصَفْت لَك، وَإِنْ قُلْت ذَلِكَ إلَى مُدَّةٍ تَرَكْت قَوْلَك، قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى مُدَّةٍ فَإِذَا اخْتَارَ انْقَطَعَ خِيَارُهُ كَمَا قُلْت إذَا جَعَلْتَهُ بِالْخِيَارِ يَوْمًا، فَمَضَى الْيَوْمُ انْقَطَعَ الْخِيَارُ، قَالَ أَجَلْ وَكَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فَهُوَ إلَى مُدَّةٍ، قُلْت لَمْ أُلْزِمْهُ قَبْلَ إيجَابِ الْبَيْعِ شَيْئًا فَيَكُونُ فِيهِ يَخْتَارُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِك مَا جَازَ أَنْ يُقَالَ أَنْتَ بِالْخِيَارِ إلَى مُدَّةٍ، إنَّمَا يُقَالُ، أَنْتَ بِالْخِيَارِ أَبَدًا، قَالَ: فَإِنْ قُلْت الْمُدَّةُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ؟ قُلْت، وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ، فَهُوَ لِغَيْرِهِ، أَفَيُقَالُ، لِأَحَدٍ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِ غَيْرِك؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقُلْت أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا عَارَضَك بِمِثْلِ حُجَّتِك، فَقَالَ قَدْ قُلْت الْمُتَسَاوِمَانِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك يَحْتَمِلُ تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ وَالتَّفَرُّقَ بِالْكَلَامِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، فَلَا خِيَارَ لَهُمَا، وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُعْطِيَ بَيِّعَهُ مَا بَذَلَ لَهُ مِنْهُ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ سِلْعَتَهُ لَهُ بِمَا اسْتَامَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَمَّا بَذَلَهَا بِهِ إذَا تَفَرَّقَا، قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قُلْت وَلَا لَك.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ أَفَلَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ أَمْلِكَ سِلْعَتَك وَتَمْلِكَ مَالِي ثُمَّ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا الرَّدُّ بِغَيْرِ عَيْبٍ أَوْ لَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقُهُ قَبْلَ أَنْ نَتَفَرَّقَ، وَلَا يَجُوزُ عِتْقِي وَأَنَا مَالِكٌ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قُلْت لَيْسَ يَقْبُحُ فِي هَذَا شَيْءٌ، إلَّا دَخَلَ عَلَيْك أَعْظَمُ مِنْهُ، قَالَ، وَمَا ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت إنْ بِعْتُك عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضْنَا وَتَشَارَطْنَا أَنَّا جَمِيعًا أَوْ أَحَدَنَا بِالْخِيَارِ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ؟ قَالَ، فَجَائِزٌ، قُلْت وَمَتَى شَاءَ وَاحِدٌ مِنَّا نَقْضَ الْبَيْعِ نَقَضَهُ، وَرُبَّمَا مَرِضَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ سَيِّدُهُ وَانْتَفَعَ الْبَائِعُ بِالْمَالِ، وَرُبَّمَا الْمُبْتَاعُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَسْتَغِلَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِدَيْنٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ وَقَدْ عَظُمَتْ مَنْفَعَةُ الْمُبْتَاعِ بِمَالِ الْبَائِعِ؟ قَالَ نَعَمْ هُوَ رَضِيَ بِهَذَا، قُلْت، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّلَاثِينَ سَنَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ جَازَ، قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِنَّمَا جَعَلْتُ لَهُ الْخِيَارَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، أَوْ لَا يَبْلُغُ يَوْمًا كَامِلًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْوُضُوءِ أَوْ تَفَرُّقِهِمْ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَبَّحْتَهُ، وَجَعَلَتْ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثِينَ سَنَةٍ بِرَأْيِ نَفْسِك فَلِمَ تُقَبِّحُهُ؟ قَالَ: ذَلِكَ بِشَرْطِهِمَا، قُلْتُ فَمَنْ شَرَطَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لَهُ شَرْطُهُ مِمَّنْ شَرَطَ لَهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ، وَقُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ اشْتَرَيْتُ مِنْك كَيْلًا مِنْ طَعَامٍ مَوْصُوفٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ فَجَائِزٌ، قُلْتُ وَلَيْسَ لِي وَلَا لَك نَقْضُ الْبَيْعِ قَبْلَ تَفَرُّقٍ؟ قَالَ لَا، قُلْتُ، وَإِنْ تَفَرَّقْنَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَفَلَيْسَ قَدْ وَجَبَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِي وَلَا لَك نَقْضُهُ ثُمَّ انْتَقَضَ بِغَيْرِ رِضَا وَاحِدٍ مِنَّا بِنَقْضِهِ؟ قَالَ نَعَمْ إنَّمَا نَقَضْنَاهُ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(3/8)


«نَهَى عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ» ، قُلْتُ، فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ، أَهْلُ الْحَدِيثِ يُوَهِّنُونَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ هَذَا دَيْنًا لِأَنِّي مَتَى شِئْتُ أَخَذْتَ مِنْكَ دَرَاهِمِي الَّتِي بِعْتُك بِهَا إذَا لَمْ أُسَمِّ لَك أَجَلًا، وَالطَّعَامُ إلَى مُدَّتِهِ، قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، قُلْتُ وَلِمَ وَعَلَيْكَ فِيهِ لِمَنْ طَالَبَكَ أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّك تُجِيزُ تَبَايُعَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْعَرَضَ بِالنَّقْدِ وَلَا يُسَمِّيَانِ أَجَلًا وَيَفْتَرِقَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَلَا تَرَى بَأْسًا وَلَا تَرَى هَذَا دَيْنًا بِدَيْنٍ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا عِنْدَك احْتَمَلَ اللَّفْظُ أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ سِلْعَةٍ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا، فَيَكُونُ حَالًّا غَيْرَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَكِنَّهُ عَيْنٌ بِدَيْنٍ قَالَ: بَلْ هُوَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ قُلْتُ، فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ فَلَوْ كَانَ كَمَا وَصَفْتَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا فِي السَّلَفِ فَتَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ، وَلَزِمَك أَنَّك قَدْ فَسَخْت الْعُقْدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الصَّحِيحَةَ بِتَفَرُّقِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا.
وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك فِي الْبُيُوعِ لَيْسَ لَهُ مَعْنَى إنَّمَا الْمَعْنَى فِي الْكَلَامِ، أَوْ لَزِمَك أَنْ تَقُولَ فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا: إنَّ لِتُفَرِّقْهُمَا بِأَبْدَانِهِمَا مَعْنًى يُوجِبُهُ كَمَا كَانَ لِتَفَرُّقِ هَذَيْنِ بِأَبْدَانِهِمَا مَعْنًى يَنْقُضُهُ وَلَا تَقُولُ هَذَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقَالَ، فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ، الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، قُلْتُ أَرَأَيْتَ إذَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَصَفْتَ لَوْ كَانَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَوْلًا يُخَالِفُهُ أَلَا يَكُونُ الَّذِي تَذْهَبُ إلَيْهِ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا لَمْ يُخَالِفْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَقُولُ قَدْ يَعْزُبُ عَنْ بَعْضِهِمْ بَعْضُ السُّنَنِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ أَفَتَرَى فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةً؟ فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ حَضَرَهُ: لَا، قُلْتُ: وَلَوْ أَجَزْتَ هَذَا خَرَجَتْ مِنْ عَامَّةِ سُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْكَ مَا لَا تُعْذَرُ مِنْهُ، قَالَ فَدَعْهُ، قُلْتُ فَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ عُمَرَ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا، زَعَمَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا مِثْلُ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَهَذَا مُنْقَطِعٌ قُلْتُ وَحَدِيثُك الَّذِي رَوَيْت عَنْ عُمَرَ غَلَطٌ، وَمَجْهُولٌ، أَوْ مُنْقَطِعٌ، فَهُوَ جَامِعٌ لِجَمِيعِ مَا تُرَدُّ بِهِ الْأَحَادِيثُ، قَالَ لَئِنْ أَنْصَفْنَاك مَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ، فَقُلْتُ احْتِجَاجُك بِهِ مَعَ مَعْرِفَتِكَ بِمَنْ حَدَّثَهُ وَعَمَّنْ حَدَّثَهُ تَرْكُ النَّصَفَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقُلْتُ لَهُ: لَوْ كَانَ كَمَا رَوَيْتَ، كَانَ بِمَعْنَى قَوْلِنَا أَشْبَهَ وَكَانَ خِلَافَ قَوْلِكَ كُلِّهِ، قَالَ وَمَنْ أَيْنَ؟ قُلْتُ أَرَأَيْت إذْ زَعَمْتَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ أَلَيْسَ تَزْعُمُ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا بِصَفْقَةٍ، وَإِمَّا بِخِيَارٍ؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ أَفَيَجِبُ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ خِيَارٍ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْتُ وَيَجِبُ بِالْخِيَارِ، قَالَ تُرِيدُ مَاذَا؟ قُلْتُ مَا يَلْزَمُك قَالَ وَمَا يَلْزَمُنِي؟ قُلْتُ تَزْعُمُ أَنَّهُ يَجِبُ الْخِيَارُ بِلَا صَفْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ كَمَا تَقُولُ فِي الْمَوْلَى يَفِيءُ أَوْ يُطَلِّقُ وَفِي الْعَبْدِ يَجْنِي يُسَلَّمُ أَوْ يُفْدَى وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ قَالَ: مَا يَصْنَعُ الْخِيَارُ شَيْئًا إلَّا بِصَفْقَةٍ تَقْدُمُهُ أَوْ تَكُونُ مَعَهُ وَالصَّفْقَةُ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ الْخِيَارِ فَهِيَ إنْ وَقَعَتْ مَعَهَا خِيَارٌ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ لَيْسَ مَعَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَجَبَتْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَقَدْ زَعَمْتُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ خِيَارٌ لَا مَعْنَى لَهُ قَالَ فَدَعْ هَذَا قُلْتُ نَعَمْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِعِلْمِك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّك زَعَمْتُ أَنَّ مَا ذَهَبْتُ إلَيْهِ مُحَالٌ قَالَ: فَمَا مَعْنَاهُ عِنْدَك؟ قُلْتُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ هَذَا مُوَفَّقًا لَمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ

(3/9)


عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ وَكَانَ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ بَعْدَهَا تَفَرُّقٌ أَوْ خِيَارٌ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَا لَهُ مَعْنَى يَصِحُّ غَيْرُهَا قَالَ أَمَّا إنَّهُ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ قُلْتُ أَجَلْ فَلِمَ اسْتَعَنْتَ بِهِ؟ قَالَ: فَعَارَضَنَا غَيْرُ هَذَا بِأَنْ قَالَ فَأَقُولُ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثَابِتَةٌ مُتَّصِلَةٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا يُخَالِفُهَا لَمْ يَجُزْ لِلْعَالِمِ بِالْحَدِيثِ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ هُوَ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُزَالُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَيَشُدُّهُ أَحَادِيثُ مَعَهُ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ؟ .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ يُخَالِفُ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَيْنِ مُتَبَايِعَانِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى التَّبَايُعِ وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَارُ أَنْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُمَا مِمَّا يُعْقَدُ بِهِ الْبَيْعُ مُخْتَلِفَةً تَنْقُضُ أَصْلَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ الْخِيَارَ إلَّا لِلْمُبْتَاعِ فِي أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ وَحَدِيثُ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي ثَمَنٍ وَلَا ادِّعَاءٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ يُفْسِدُ أَصْلَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْقُضُهُ إنَّمَا أَرَادَ تَحْدِيدَ نَقْضِ الْبَيْعِ بِشَيْءٍ جُعِلَ لَهُمَا مَعًا وَإِلَيْهِمَا إنْ شَاءَا فَعَلَاهُ، وَإِنْ شَاءَا تَرَكَاهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ غَلِطَ رَجُلٌ إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَقَامِهِمَا لَمْ يُجِزْ لَهُ الْخِيَارُ لَهُمَا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا مِنْ مَقَامِهِمَا، فَإِنْ قَالَ فَمَا يُغْنِي فِي الْبَيْعِ اللَّازِمِ بِالصَّفْقَةِ أَوْ التَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ؟ قِيلَ لَوْ وَجَبَ بِالصَّفْقَةِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ التَّفَرُّقِ وَلَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بَهُمَا وَمَعْنَى خِيَارِهِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ كَمَعْنَى الصَّفْقَةِ وَالتَّفَرُّقِ وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَ زَمَانٍ إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ، وَلَوْ جَازَ أَنْ نَقُولَ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ وَجَازَ أَنْ يُطْرَحَ كُلُّ حَدِيثٍ أَشْبَهَ حَدِيثًا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ لِحُرُوفٍ أُخُرَ مِثْلِهِ، وَإِنْ وُجِدَ لَهُمَا مَحْمَلٌ يُخَرَّجَانِ فِيهِ فَجَازَ عَلَيْهِ لِبَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ مَا هُوَ أَوْلَى أَنْ يَحُوزَ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ الْجُزَافُ بِالْكَيْلِ مِنْ جِنْسِهَا وَعَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَحَرَّمْنَا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَزَعَمْنَا نَحْنُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَرَايَا حَلَالٌ بِإِحْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَجَدْنَا لِلْحَدِيثَيْنِ مَعْنًى يُخَرَّجَانِ عَلَيْهِ وَلَجَازَ هَذَا عَلَيْنَا فِي أَكْثَرِ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَخَالَفَنَا بَعْضُ مَنْ وَافَقَنَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ فَقَالَ الْخِيَارُ إذَا وَقَعَ مَعَ الْبَيْعِ جَازَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَمِنْ الْقِيَاسِ إذَا كَانَتْ بَيْعًا فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِتَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَتَفَرُّقُهُمَا شَيْءٌ غَيْرُ عَقْدِ الْبَيْعِ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَكُونَ يَجِبُ بِالْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ كَمَا كَانَ التَّفَرُّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْخِيَارُ بَعْدَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَحَدِيثُ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَيَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ» لِأَنِّي لَوْ كُنْتُ إذَا بِعْتُ رَجُلًا سِلْعَةً تَسْوَى مِائَةَ أَلْفٍ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا ضَرَّنِي أَنْ يَبِيعَهُ رَجُلٌ سِلْعَةً خَيْرًا مِنْهَا بِعَشْرَةٍ، وَلَكِنْ فِي نَهْيِهِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ

(3/10)


أَخِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا يَضُرُّ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إلَّا قَبْلَ التَّفَرُّقِ حَتَّى يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَأَخْذِهِ فِيهَا لِئَلَّا يُفْسِدَ عَلَى الْبَائِعِ وَلَعَلَّهُ يُفْسِدُ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ يَخْتَارُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ مَعْنًى أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّ الْبَائِعَ مَنْ بَاعَ عَلَى بَيْعِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى غَيْرِ هَذَا جَازَ أَنْ لَا يَصِيرَ النَّاسُ إلَى حَدِيثٍ إلَّا أَحَالَهُمْ غَيْرُهُمْ إلَى حَدِيثٍ غَيْرِهِ