الأم
للشافعي [كِتَابُ الرَّدِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَسَنِ] [بَابُ الدِّيَاتِ]
ِ بَابُ الدِّيَاتِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا
أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الدِّيَةِ عَلَى
أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةُ
آلَافِ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِ
الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ فِي
الدِّيَةِ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ.
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ
الْهَيْثَمِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَادَ
وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ
أَلْفُ شَاةٍ.
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ. قَالَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ
عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ رَوَى
عَنْ عُمَرَ وَانْظُرْ أَيُّ الرِّوَايَتَيْنِ أَقْرَبُ إلَى مَا قَالَ
الْمُسْلِمُونَ فِي غَيْرِ هَذَا فَهُوَ الْحَقُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ
جَمِيعًا لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْقَوْلَيْنِ كَافَّةً أَهْلِ
الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ
دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتِي
دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ فَجَعَلُوا لِكُلِّ دِينَارٍ عَشَرَةَ
دَرَاهِمَ فَفَرَضُوا الزَّكَاةَ عَلَى هَذَا فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ
بَيْنَهُمْ فَإِذَا فَرَضُوا هَذَا فِي الصَّدَقَةِ فَكَيْفَ يَنْبَغِي
لَهُمْ أَنْ يَفْرِضُوا الدِّيَةَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ
أَوْ يَفْرِضُوا كُلَّ دِينَارٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا إنَّمَا
يَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضُوا الدِّيَةَ بِمَا يَفْرِضُونَ عَلَيْهِ
الزَّكَاةَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا لَا تُقْطَعُ
الْيَدُ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَجَعَلُوا
الدِّينَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ فَعَلَى هَذَا
الْأَحْرَى مَا فَرَضُوا فِي مِثْلِ هَذَا، فَإِنْ زَادَ سِعْرٌ أَوْ
نَقَصَ لَمْ يُنْظَرْ فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ
دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَجَبَ فِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَجُعِلَ فِي
كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا زَكَاةٌ وَجُعِلَ دِينَارٌ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ
فَهَذَا أَمْرٌ وَاضِحٌ لَيْسَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْرِضُوا الدِّيَةَ
فِيهِ إلَّا عَلَى مَا فُرِضَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَنَحْوُهَا وَنَحْنُ
فِيمَا نَظُنُّ أَعْلَمُ بِفَرِيضَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ فَرَضَ الدِّيَةَ دَرَاهِمَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ يُؤَدِّي
الدِّيَةَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَقَدْ صَدَقَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ وَلَكِنَّهُ فَرَضَهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزْنَ
سِتَّةٍ.
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
قَالَ كَانَتْ الدِّيَةُ الْإِبِلَ فَجُعِلَتْ الْإِبِلُ الصَّغِيرُ
وَالْكَبِيرُ كُلُّ بَعِير بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَزْنَ سِتَّةٍ
فَذَلِكَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقِيلَ لِشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
إنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ شَرِيكٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ
فَأَتَى رَجُلٌ مِنَّا رَجُلًا مِنْ الْعَدُوِّ وَضَرَبَهُ فَأَصَابَ
رَجُلًا مِنَّا فَكَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ
(7/323)
حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَاجِبَيْهِ
وَأَنْفِهِ وَلِحْيَتِهِ وَصَدْرِهِ فَقَضَى فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ
الدَّرَاهِمُ يَوْمئِذٍ وَزْنَ سِتَّةٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : رَوَى
مَكْحُولٌ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبَ وَعَدَدٌ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ أَنَّ
عُمَرَ فَرَضَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ أَعْلَمْ
بِالْحِجَازِ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ وَلَا عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَمِمَّنْ قَالَ الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَلَا أَعْلَمُ
بِالْحِجَازِ أَحَدًا خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا وَلَقَدْ
رَوَى عِكْرِمَةُ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ» وَزَعَمَ
عِكْرِمَةُ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 74] فَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَالَ فِي أَحَدِهِمَا
فَرَضَ الدِّيَةَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَالَ فِي الْآخَرِ اثْنَيْ
عَشَرَ أَلْفًا وَزْنَ سِتَّةٍ قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
أَفَتَقُولُ إنَّ الدِّيَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزْنَ سِتَّةٍ
فَقَالَ لَا فَقُلْت مِنْ أَيْنَ زَعَمْت إنْ كُنْت أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ
فِيمَا زَعَمْت مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ لِأَنَّك مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ
وَلِأَنَّك عَنْ عُمَرَ قُلْتَهَا فَإِنَّ عُمَرَ قَضَى فِيهَا بِشَيْءٍ
لَا تَقْضِي بِهِ قَالَ لَمْ تَكُونُوا تَحْسَبُونَ قُلْت أَفَتَرْوِي
شَيْئًا تَجْعَلُهُ أَصْلًا فِي الْحُكْمِ فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ
تَرْوِي عَنْهُ لَا يُعْرَفُ قَضَى بِهِ وَكَيْفَ تَقْضِي بِالدِّيَةِ
وَزْنَ سَبْعَةٍ أَفَرَأَيْت مَا جَعَلْت فِيهِ الزَّكَاةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ
مِمَّا جَعَلْت فِيهِ الْقَطْعَ وَجَاءَ تَسْمِيَةُ دَرَاهِمَ لَيْسَ
فِيهَا وَزْنُ سِتَّةٍ وَلَا وَزْنُ سَبْعَةٍ وَقَالَ لَك قَائِلٌ بَلْ
هِيَ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ لَا وَزْنِ سَبْعَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ لَا
يَفْرِضُ الدِّيَةَ وَزْنَ سِتَّةٍ وَيَفْرِضُ فِيمَا سِوَاهَا وَزْنَ
سَبْعَةٍ مَا تَقُولُ؟ قَالَ أَقُولُ إنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا جَاءَتْ
جُمْلَةً فَهِيَ عَلَى وَزْنِ الْإِسْلَامِ قُلْنَا: فَكَيْفَ أَخْرَجْت
الدِّيَةَ مِنْ وَزْنِ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ وَزْنُ الْإِسْلَامِ
عِنْدَك وَزْنَ سَبْعَةٍ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ
مِنْهُمْ لِأَنَّكُمْ مِنْ أَهْلِهَا وَزَعَمْت لَنَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ
إنَّمَا كَانَتْ صِنْفَيْنِ.
أَحَدُهُمَا الدِّرْهَمُ وَزْنُ مِثْقَالٍ وَالْآخَرُ كُلُّ عَشَرَةِ
دَرَاهِمَ وَزْنُ سِتَّةٍ حَتَّى ضَرَبَ زِيَادُ دَرَاهِمَ الْإِسْلَامِ
فَلَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ كُلُّ دِرْهَمٍ جَاءَتْ بِهِ الزَّكَاةُ أَوْ فِي
الدِّيَةِ أَوْ فِي الْقَطْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بِوَزْنِ
الْمِثْقَالِ وَقَالَ آخَرُ بِوَزْنِ سِتَّةٍ وَقَالَ آخَرُ كُلُّ دِرْهَمٍ
فَهُوَ بِوَزْنِ الْإِسْلَامِ قِيلَ لَهُ فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَك أَنْ
تَقُولَ فِي الدِّيَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يَقُولُ لِقَائِلٍ قَوْلَهُ
أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ قَدْ خَرَجْت مِنْ حَدِيثِ أَبِي
إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ إنَّ الدِّيَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَزْنَ
سِتَّةٍ وَمِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الدِّيَةَ عَشْرَةُ آلَافِ
دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا تَرْوُونَ فِيهَا وَزْنَ سِتَّةٍ
كَمَا حَدَّثَ أَبُو إِسْحَاقَ لِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ يَذْكُرُ وَزْنَ
سِتَّةٍ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا وَقَالَ آخَرُونَ وَزْنُ الْمَثَاقِيلِ
لِأَنَّ الْأَكْثَرَ أَوْلَى بِهَا، فَإِنْ قَالَ بَلْ وَزْنُ الْإِسْلَامِ
فَادَّعَى مُحَمَّدٌ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ
بِالدِّيَةِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا عُمَرُ قَبِلَ الدِّيَةَ مِنْ أَهْلِ
الْوَرِقِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ مِنْهُ
إذَا كَانَ مِنْهُمْ فَمَنْ كَانَ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ أَوْلَى
بِالْمَعْرِفَةِ بِالدَّرَاهِمِ مِنْهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ إنَّمَا
وَقَعَ بِالْحَاكِمِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَرَضَ
الْمُسْلِمُونَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي مِائَتَيْ
دِرْهَمٍ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ قِيلَ لَهُ وَمَنْ
أَخْبَرك أَنَّهُمْ فَرَضُوا الزَّكَاةَ قِيَاسًا؟ أَرَأَيْت إذَا فُرِضَتْ
الزَّكَاةُ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ وَفِي ثَلَاثِينَ مِنْ
الْبَقَرِ أَقَاسُوا الْبَقَرَ عَلَى الْغَنَمِ؟ ، فَإِنْ قَاسُوهَا
فَالْقِيَاسُ لَا يَصْلُحُ إلَّا عَدَدًا وَعَدَدُ الْبَقَرِ أَقَلُّ مِنْ
عَدَدِ الْغَنَمِ أَوْ بِالْقِيمَةِ فَقِيمَةُ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ
أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ وَهَكَذَا خَمْسٌ مِنْ
الْإِبِلِ لَا عَدَدُهَا عَدَدَ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَا قِيمَتُهَا قِيمَةَ
وَاحِدٍ مِنْهَا قَالَ مَا الزَّكَاةُ بِقِيَاسٍ قُلْنَا وَلِذَلِكَ
كَانَتْ الدَّوَابُّ سِوَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ لَا زَكَاةَ
فِيهَا وَالتِّبْرُ سِوَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَكُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ لَا قِيَاسَ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ
نَعَمْ قُلْنَا فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الذَّهَبَ يُقَاسُ عَلَى الْوَرِقِ
وَالْوَرِقُ يُقَاسُ عَلَى الذَّهَبِ.
فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ أَحَدَهُمَا قِيَاسٌ عَلَى الْآخَرُ فَأَيُّهُمَا
(7/324)
الْأَصْلُ؟ ، فَإِنْ زَعَمْت أَنَّهُ
الذَّهَبُ لَزِمَك أَنْ تَقُولَ عِشْرِينَ دِينَارًا إذَا كَانَتْ فِيهَا
الزَّكَاةُ فَلَوْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا تَسْوَى عِشْرِينَ
دِينَارًا كَانَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ أَوْ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا تَسْوَى
عِشْرِينَ دِينَارًا لَمْ يَكُنْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ زَعَمْت أَنَّ
الْوَرِقَ هِيَ الْأَصْلُ قِيلَ لَك فِيهَا كَمَا قِيلَ لَك فِي الذَّهَبِ
وَالْوَرِقِ قَالَ فَمَا هِيَ؟ قُلْنَا كَمَا قُلْت فِي الْمَاشِيَةِ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ قَالَ فَالدِّيَةُ قُلْنَا فَأَصْلُ
الدِّيَةِ الْإِبِلُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوَّمَهَا عُمَرَ أَلْفَ دِينَارٍ وَاثْنَيْ
عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ الذَّهَبُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقُ
عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ فَاتَّبِعْ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ عُمَرَ كَمَا قَضَى
قَالَ فَكَيْفَ كَانَ الصَّرْفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا -؟ قِيلَ أَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَارِ بَيِّنًا
فَعَلِيٌّ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَقَطَعَ عُثْمَانُ سَارِقًا
فِي أُتْرُجَّةٍ ثَمَنِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ
دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَقَضَى فِي امْرَأَةٍ قُتِلَتْ فِي الْحَرَمِ
بِدِيَةٍ وَثُلُثِ ثَمَانِيَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِمِثْلِ هَذَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ
فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ
ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» وَهَذَا يُشْبِهُ قَضَاءَ عُثْمَانَ وَقِيلَ
لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مَنْ زَعَمَ لَك أَنَّ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ
وَمِائَةِ دِرْهَمٍ زَكَاةٌ؟ أَرَأَيْت مَنْ قَالَ فِي وَسْقَيْنِ وَنِصْفٍ
زَبِيبًا وَوَسْقَيْنِ وَنِصْفٍ تَمْرًا زَكَاةٌ؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ
حَتَّى يَكُونَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ
قَالَ، وَكَذَلِكَ فِي عِشْرِينَ شَاةً وَخَمْسَ عَشَرَةَ بَقَرَةً؟ قَالَ
نَعَمْ قِيلَ وَلِمَ؟ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِنْفٌ غَيْرُ
صِنْفِ صَاحِبِهِ قِيلَ، وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ لَا يُضَمُّ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ؟ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَالْحِنْطَةُ مِنْ
الشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ مِنْ الزَّبِيبِ أَقْرَبُ أَوْ الذَّهَبُ مِنْ
الْوَرِقِ فِي الْقِيمَةِ وَاللَّوْنِ؟ قَالَ وَمَا لِلْقُرْبِ وَلِهَذَا؟
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِنْفٌ قِيلَ فَكَيْفَ جَمَعْت بَيْنَ
الْأَبْعَدِ الْمُخْتَلِفِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَبَيْت أَنْ
تَجْمَعَ مَا بَيْنَ الْأَقْرَبِ الْمُخْتَلِفِ؟ قَالَ فَإِنَّا نَقُولُ
هَذَا قُلْنَا فَمَنْ قَالَ قَوْلَك هَذَا هَلْ تَجِدُ بِهِ أَثَرًا
يُتَّبَعُ؟ قَالَ لَا قُلْنَا فَقِيَاسٌ؟ قَالَ لَا قُلْنَا فَلَا قِيَاسَ
وَلَا أَثَرَ قَالَ فَإِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِكُمْ يَقُولُهُ مَعَنَا
قُلْنَا، فَإِنْ كَانَتْ الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ لَك بِأَنَّ ذَلِكَ
الصَّاحِبَ يَقُولُهُ مَعَك يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ
وَالسُّلْتُ فَيَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَ
الْقُطْنِيَّةِ قَالَ هَذَا خَطَأٌ قُلْنَا وَمَا دَلَّك عَلَى خَطَئِهِ؟
أَلَيْسَ إذْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» فَإِنَّمَا عَنَى مِنْ
صِنْفٍ وَاحِدٍ لَا مِنْ صِنْفَيْنِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا أَفَرَأَيْت إنْ
قَالَ لَك هِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ؟ .
قَالَ إذَا يَقُولُ لِي مَا يَعْرِفُ الْعَقْلُ غَيْرَهُ فَلَا أَقْبَلُهُ
مِنْهُ مَا قِيمَتُهَا وَلَا خِلْقَتُهَا بِوَاحِدَةٍ قُلْنَا فَالذَّهَبُ
أَبْعَدُ مِنْ الْوَرِقِ فِي الْقِيمَةِ وَالْخِلْقَةُ مِنْ الْحِنْطَةِ
مِنْ الشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ فَأَرَاك تَتَّخِذُ قَوْلَهُ إذَا وَافَقَك
حُجَّةً وَتَزْعُمُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُخْطِئُ
وَيُحِيلُ وَقُلْنَا لَهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا ذَكَرْت
مِنْ الْقَطْعِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ تَرْوِي عَنْ الثَّوْرِيِّ
عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ سَارِقًا
فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ» قَالَ هَذَا مَقْطُوعٌ قُلْنَا وَاَلَّذِي رَوَيْت
عَنْهُ الْقَطْعَ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَقْطُوعٌ
بِرِوَايَتِهِ عَنْ رَجُلٍ أَدْنَى فِي الثِّقَةِ عِنْدَك مِنْ رِوَايَةِ
هَذَا وَأَمَّا رِوَايَتُنَا عَنْ عَلِيٍّ فَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ هَذَا مُنْقَطِعٌ
قُلْنَا وَحَدِيثُكُمْ مَقْطُوعٌ عَنْ رَجُلٍ لَا نَعْرِفُهُ، فَإِنْ قَالَ
قَائِلٌ فَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي
الزَّكَاةِ مِنْ قَبِلَ أَنَّهُمَا ثَمَنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ قِيلَ لَهُ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَفَيَكُونَانِ ثَمَنًا لِكُلِّ شَيْءٍ
مَجْمُوعَيْنِ، فَإِنْ قَالَ مَا تَعْنِي بِمَجْمُوعَيْنِ؟ قِيلَ يُقَالُ
لَك أَرَأَيْت مَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ مَتَاعًا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ
ذَهَبًا وَوَرِقًا أَوْ أَحَدَهُمَا، فَإِنْ قَالَ بَلْ إحْدَاهُمَا
وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ الْوَرِقُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الَّذِينَ هِيَ
أَمْوَالُهُمْ وَالذَّهَبُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ
(7/325)
الَّذِينَ هِيَ أَمْوَالُهُمْ قِيلَ فَمَا
أَسْمَعُك جَمَعْت بَيْنَهُمَا فِي قِيمَةِ مَا اُسْتُهْلِكَ وَلَا فِي
دِيَةٍ وَمَا أَنْتَ إلَّا تُفْرِدُ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ
فَكَيْفَ لَمْ تُفْرِدْهُمَا هَكَذَا فِي الزَّكَاةِ؟ أَوْ رَأَيْت إذَا
كَانَا وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ تَجْتَمِعُ فِي أَنَّهَا
أَثْمَانٌ لِلْأَحْرَارِ الْمَقْتُولِينَ أَتَجْمَعُ بَيْنَهَا فِي
الزَّكَاةِ.
فَإِنْ قُلْت لَا وَلَيْسَ اجْتِمَاعُهَا فِي شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى
اجْتِمَاعِهَا فِي غَيْرِهِ قِيلَ فَهَكَذَا مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ
مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ وَفِيهِ الْعُشْرُ كُلُّهُ فَهُوَ مُجْتَمِعٌ فِي
أَنَّ فِيهِ الْعُشْرَ كَمَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ رُبُعُ الْعُشْرِ
وَيَفْتَرِقُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِثَمَنٍ لِكُلِّ شَيْءٍ كَمَا الذَّهَبِ
وَالْوَرِقِ عِنْدَك ثَمَنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَيَفْتَرِقُ فِي أَنَّهُ
مَأْكُولٌ كَمَا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ عِنْدَك غَيْرُ مَأْكُولٍ
أَفَتَجْمَعُ بَيْنَهُ لِاجْتِمَاعِهِ فِيمَا وَصَفْنَا؟ ، فَإِنْ قَالَ
لَا وَلَا يَدُلُّنِي اجْتِمَاعُهُ فِي مَعْنًى وَلَا فِي مَعَانٍ أَنْ
أَجْمَعَ بَيْنَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ قِيلَ فَهَكَذَا فَافْعَلْ فِي
الْجَمْعِ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ
أَنَّهُ قَالَ لَا يَكُونُ شَبَهُ الْعَمْدِ إلَّا فِي النَّفْسِ
وَالْعَمْدُ مَا أَصَبْت بِسِلَاحٍ وَالْخَطَأُ إذَا تَعَمَّدْت الشَّيْءَ
فَأَصَبْت غَيْرَهُ وَشَبَهُ الْعَمْدِ كُلُّ شَيْءٍ تَعَمَّدْت ضَرْبَهُ
بِلَا سِلَاحٍ.
[الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ]
ِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا قَوَدَ
بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ إلَّا فِي النَّفْسِ فَإِنَّ الْعَبْدَ
إذَا قَتَلَ حُرًّا مُتَعَمِّدًا أَوْ قَتَلَهُ الْحُرُّ مُتَعَمِّدًا
قُتِلَ بِهِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبِيدِ
وَالْأَحْرَارِ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدُ الْحُرَّ فَيُقْتَلُ
الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَيْفَ يَكُونُ
نَفْسَانِ تُقْتَلُ بِصَاحِبَتِهَا إنْ قَتَلَتْهَا الْأُخْرَى وَلَا
تُقْتَلُ بِهَا الْأُخْرَى إنْ قَتَلَتْهَا؟ قَالُوا لِنُقْصَانِ الْعَبْدِ
عَنْ نَفْسِ الْحُرِّ فَهَذَا الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمَرْأَةَ عَمْدًا
وَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَيُقْتَلُ بِهَا، وَكَذَلِكَ
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَتَلَ الْحُرُّ الْعَبْدَ
مُتَعَمِّدًا قُتِلَ بِهِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ
حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بَيْنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ وَلَا بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْمَمْلُوكِينَ فِيمَا
بَيْنَهُمْ قِصَاصٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا
كَانَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ لِلْعَبْدِ فَلَا قَوَدَ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسٍ
وَلَا غَيْرِهَا وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْحُرَّ أَوْ جَرَحَهُ
فَلِأَوْلِيَاءِ الْحُرِّ أَنْ يَسْتَقِيدُوا مِنْهُ فِي النَّفْسِ
وَلِلْحُرِّ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْهُ فِي الْجِرَاحِ إنْ شَاءَ أَوْ
يَأْخُذُ الْأَرْشَ فِي عُنُقِهِ إنْ شَاءَ وَيَدْعُ الْقَوَدَ قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنَّ الْمَدَنِيِّينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ إنَّمَا
تَرَكُوا إقَادَةَ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّ لِنَقْصِ نَفْسِ الْعَبْدِ عَنْ
نَفْسِ الْحُرِّ وَقَدْ يُقِيدُونَ الْمَرْأَةَ مِنْ الرَّجُلِ وَهِيَ
أَنْقَصُ نَفْسًا مِنْهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
وَلَا أَعْرِفُ مَنْ قَالَ هَذَا لَهُ وَلَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ
الْمَدَنِيِّينَ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ لَهُ مَنْ يَنْسِبُونَهُ إلَى عِلْمٍ
فَيَتَعَلَّقُ بِهِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ قَوَدِ الْعَبْدِ مِنْ
الْحُرِّ مَا لَا اخْتِلَافَ بَيْنَنَا فِيهِ وَالسَّبَبُ الَّذِي
قُلْنَاهُ لَهُ مَعَ الِاتِّبَاعِ أَنَّ الْحُرَّ كَامِلُ الْأَمْرِ فِي
أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَالْعَبْدَ نَاقِصُ الْأَمْرِ فِي عَامِّ
أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَفِي الْحُدُودِ فِيمَا يَتَّصِفُ مِنْهَا بِأَنَّ
حَدَّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَيُقْذَفُ فَلَا يُحَدُّ لَهُ قَاذِفُهُ
وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَأْخُذُ
سَهْمًا إنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَامِلَةُ الْأَمْرِ
فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَحَدُّهَا وَحَدُّ الرَّجُلِ فِي كُلِّ
شَيْءٍ سِوًى وَمِيرَاثُهَا ثَابِتٌ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهَا
وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ حَيْثُ أُجِيزَتْ وَلَيْسَتْ مِمَّنْ عَلَيْهِ
فَرْضُ الْجِهَادِ فَلِذَلِكَ لَا تَأْخُذُ سَهْمًا وَلَوْ كَانَ
الْمَعْنَى الَّذِي رَوَى مُحَمَّدٌ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ
الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ لِنَقْصِ الدِّيَةِ كَانَ الْمَدَنِيُّونَ قَدْ
يَجْعَلُونَ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ دِيَاتِ
أَحْرَارٍ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلُوا الْعَبْدَ الَّذِي
قِيمَتُهُ أَلْفَا دِينَارٍ بِحُرٍّ إنَّمَا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ
وَلَكِنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ مَعْنَى الْقِصَاصِ
بِسَبِيلٍ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا
أَرَأَيْت إذَا قَتَلَهُ بِهِ وَأَقَادَ النَّفْسَ الَّتِي هِيَ جِمَاعُ
الْبَدَنِ كُلِّهِ مِنْ الْحُرِّ بِنَفْسِ الْعَبْدِ فَكَيْفَ لَا
(7/326)
يَقُصُّهُ مِنْهُ فِي مُوضِحَةٍ إذَا كَانَ
الْكُلُّ بِالْكُلِّ فَالْبَعْضُ بِالْبَعْضِ أَوْلَى، فَإِنْ جَازَ
لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُصَّهُ
مِنْهُ فِي الْجِرَاحِ وَلَا يَقُصَّهُ مِنْهُ فِي النَّفْسِ
، ثُمَّ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبَعِّضَ الْجِرَاحَ فَيَقُصَّهُ فِي
بَعْضِهَا وَلَا يَقُصَّهُ فِي بَعْضٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْقِصَاصَ فَقَالَ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}
[المائدة: 45] الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:
45] وَأَصْلُ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْفِقْهِ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِقْهِ إلَّا بِخَبَرٍ
لَازِمٍ أَوْ قِيَاسٍ وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ بِخَبَرٍ لَازِمٍ
فِيمَا عَلِمْت وَضِدُّ الْقِيَاسِ فَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَيْفَ يَكُونُ نَفْسَانِ
تُقْتَلُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَلَا تُقْتَلُ الْأُخْرَى بِهَا
فَلِنَقْصِ الْقَاتِلِ فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ نَاقِصَ الْحُرْمَةِ لَمْ
يَكُنْ النَّقْصُ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ إذَا قَتَلَ مَنْ هُوَ
أَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْهُ وَالنَّقْصُ لَا يَمْنَعُ الْقَوَدَ وَإِنَّمَا
يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ.
، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَوْجَدَنِيهِ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا قِيلَ
نَعَمْ وَأَعْظَمُ مِنْهُ يَزْعُمُ أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَتَلَ أَبَاهُ
قُتِلَ لَهُ وَلَوْ قَتَلَهُ أَبُوهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ لِفَضْلِ
الْأُبُوَّةِ عَلَى الْوَلَدِ وَحُرْمَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَيَزْعُمُ أَنَّ
رَجُلًا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ لَمْ يَقْتُلْهُ بِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ
عَبْدُهُ قَتَلَهُ بِهِ وَلَوْ قَتَلَ مُسْتَأْمَنًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ
وَلَوْ قَتَلَهُ الْمُسْتَأْمَنُ يُقْتَلُ بِهِ.
[الرَّجُلَانِ يَقْتُلَانِ الرَّجُلَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ
الْقِصَاصُ]
ُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الصَّغِيرِ
وَالْكَبِيرِ يَقْتُلَانِ الرَّجُلَ جَمِيعًا عَمْدًا إنَّ عَلَى
الْكَبِيرِ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفَ
الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُقْتَلُ
الْكَبِيرُ وَيَكُونُ عَلَى الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ الْحَسَنِ.
وَكَيْفَ يُقْتَلُ الْكَبِيرُ وَقَدْ شَرِكَهُ فِي الدَّمِ مَنْ لَا قَوَدَ
عَلَيْهِ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ هُوَ وَرَجُلٌ
آخَرُ مَعَهُ أَكَانَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الْقَوَدُ وَقَدْ شَرِكَهُ
فِي دَمِ الْمَقْتُولِ نَفْسِهِ؟ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ الْقَوْلَ
الْأَوَّلَ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَيْضًا أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا
وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَجَاءَ
رَجُلٌ آخَرُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَمَاتَ مِنْ الْقِطْعَيْنِ جَمِيعًا
أَيُقْتَلُ الَّذِي قَطَعَ الرِّجْلَ وَقَدْ شَرِكَهُ فِي الدَّمِ حَدٌّ
مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَقَرَهُ سَبُعٌ
وَشَجَّهُ رَجُلٌ مُوضِحَةً عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ
أَيُقْتَلُ صَاحِبُ الْمُوضِحَةِ الضَّارِبُ وَقَدْ شَرِكَهُ فِي الدَّمِ
مَنْ لَيْسَ فِي فِعْلِهِ قَوَدٌ وَلَا أَرْشٌ؟ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ
هَذَا أَنْ يَقُولَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَصَبِيًّا سَرَقَا سَرِقَةً
وَاحِدَةً إنَّهُ يُقْطَعُ الرَّجُلُ وَيُتْرَكُ الصَّبِيُّ وَيَنْبَغِي
لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَرَقَا مِنْ رَجُلٍ
أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَحَدِهِمَا فِيهَا شِرْكٌ قُطِعَ الَّذِي لَا شِرْكَ
لَهُ وَلَا يُقْطَعُ الَّذِي لَهُ الشِّرْكُ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا
وَصَبِيًّا رَفَعَا سَيْفًا بِأَيْدِيهِمَا فَضَرَبَا بِهِ رَجُلًا
ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ أَتَكُونُ ضَرْبَةٌ
وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا عَمْدٌ فِيهِ الْقَوَدُ وَبَعْضُهَا خَطَأٌ، فَإِنْ
كَانَ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ فَأَيُّهَا الْعَمْدُ وَأَيُّهَا الْخَطَأُ؟
أَرَأَيْتُمْ إنْ رَفَعَ رَجُلَانِ سَيْفًا فَضَرَبَا بِهِ أَحَدُهُمَا
مُتَعَمِّدَيْنِ لِذَلِكَ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ وَهِيَ
ضَرْبَتُهُ وَضَرْبَةُ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِضَرْبَةٍ
دُونَ صَاحِبِهِ أَيَكُونُ فِي هَذَا قَوَدٌ لَيْسَ فِي هَذَا قَوَدٌ إذَا
أُشْرِكَ فِي الدَّمِ شَيْءٌ لَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا تَبْعِيضَ فِي شَيْءٍ
مِنْ النَّفْسِ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا ضَرَبَ رَجُلًا فَشَجَّهُ مُوضِحَةً
خَطَأً
، ثُمَّ ثَنَّى فَشَجَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَمَاتَ فِي مَكَانِهِ مِنْ
ذَلِكَ جَمِيعًا يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا عَلَى
عَاقِلَتِهِ نِصْفَ الدِّيَةِ بِالشَّجَّةِ الْخَطَأِ وَتَقْتُلُوهُ
بِالشَّجَّةِ الْعَمْدِ فَيَكُونُ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَلَيْهِ فِي نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْقَتْلُ وَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا
لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَبَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي شَجَّةٍ
مُوضِحَةٍ فَاقْتَضَّ مِنْهُ
، ثُمَّ زَادَ عَلَى حَقِّهِ مُتَعَمِّدًا فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ
مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْتَلُ الَّذِي اقْتَصَّ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي
تَعَمَّدَ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ
بْنُ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَوْمٍ
قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا فِيهِمْ مُصَابٌ
(7/327)
قَالَ تَكُونُ فِيهِ الدِّيَةُ أَخْبَرَنَا
عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَخَلَ خَطَأٌ فِي عَمْدٍ
فَهِيَ دِيَةٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْبَالِغُ
وَالصَّبِيُّ مَعَهُ أَوْ الْمَجْنُونُ مَعَهُ رَجُلًا وَكَانَ الْقَتْلُ
مِنْهُمَا جَمِيعًا عَمْدًا فَلَا يَجُوزُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
لِمَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ بَالِغَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا عَمْدًا بِرَجُلٍ
إلَّا أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلَ وَيَجْعَلَ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَى
الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقَتْلِ
فَإِذَا كَانَ عَمْدًا كُلُّهُ لَا يُخَالِطُهُ خَطَأٌ فَاشْتَرَكَ فِيهِ
اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ مِنْهُمْ أُقِيدَ
مِنْهُ وَمَنْ زَالَ عَنْهُ الْقَوَدُ أَزَالَهُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ
حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ (قَالَ الرَّبِيعُ) تَرَكَ الشَّافِعِيُّ
الْعَاقِلَةَ لِأَنَّهُ عَمْدٌ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ مَطْرُوحٌ عَنْهُ
لِلصِّغَرِ وَالْجُنُونِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا يُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ
لَهُ الرَّجُلَانِ يَقْتُلَانِ الرَّجُلَ عَمْدًا فَيَعْفُو الْوَلِيُّ
عَنْ أَحَدِهِمَا أَوْ يُصَالِحُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى
الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَلَا الْمُصَالَحِ وَيَكُونُ لَهُ السَّبِيلُ عَلَى
الَّذِي لَمْ يَعْفُ عَنْهُ فَيَقْتُلُهُ فَيَأْخُذُ مِنْ أَحَدِ
الْقَاتِلَيْنِ بَعْضَ الدِّيَةِ أَوْ يَعْفُو عَنْهُ وَيَقْتُلُ الْآخَرَ،
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَذَانِ كَانَ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ فَزَالَ عَنْ
أَحَدِهِمَا بِإِزَالَةِ الْوَلِيِّ قِيلَ لَهُ أَفَرَأَيْت إنْ أَزَالَهُ
الْوَلِيُّ عَنْهُ أَزَالَ عَنْ غَيْرِهِ؟ ، فَإِنْ قَالَ لَا قِيلَ
وَفِعْلُهُمَا وَاحِدٌ، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ وَيْحُكُمْ عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَ نَفْسِهِ لَا حُكْمَ غَيْرِهِ، فَإِنْ قَالَ
نَعَمْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَك هَكَذَا فِي هَذَيْنِ فَكَيْفَ
إذَا قَتَلَ الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الْقَاتِلَيْنِ
مِمَّنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَالْآخَرُ مِمَّنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ كَيْفَ
لَمْ تَقِدْ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَتَأْخُذُ الدِّيَةَ مِنْ
الَّذِي لَا قَوَدَ عَلَيْهِ مِثْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْأَبِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُقَالُ لَهُ إنْ كُنْت إنَّمَا رَفَعْت
الْقَوَدَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَقْتُلَانِ الرَّجُلَ
وَمَعَهُمَا عَاقِلٌ مِنْ قَبِلَ أَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا
فَحَكَمْت بِأَنَّ أَحَدَهُمَا خَطَأٌ فَقَدْ تَرَكْت هَذَا الْأَصْلَ فِي
الرَّجُلِ الْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ وَمُسْتَأْمَنٌ إذَا كُنْت
تَحْكُمُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَتَجْعَلُ عَلَى الْمُسْلِمِ حِصَّتَهُ
مِنْ الدِّيَةِ أَوْ رَأَيْت أَبَا رَجُلٍ وَرَجُلًا أَجْنَبِيًّا قَتَلَا
رَجُلًا لَمْ تَقْتُلْ الْأَجْنَبِيَّ وَتَجْعَلْ عَلَى الْأَبِ نِصْفَ
الدِّيَةِ إذَا كَانَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَعْقِلُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ
الْقَوَدُ وَلَا يَكُونُ الْقَلَمُ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَتَجْعَلُ عَلَيْهِ
الدِّيَةَ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَجْعَلُ عَمْدَهُ عَمْدًا
لَا خَطَأً وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ
فَتَزْعُمُ أَنَّ عَمْدَ أُولَئِكَ خَطَأٌ وَأَنَّ عَمْدَهُمَا عَلَى
عَاقِلَتِهِمَا فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ مَا فَرَّقْت
بَيْنَهُ؟ ، فَإِنْ زَعَمَ أَنْ حُجَّتَهُ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ
وَالْمَعْتُوهِ خَطَأٌ تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ وَعَمْدَ الْأَبِ يَقْتُلُ
ابْنَهُ مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ عَمْدٌ يَزُولُ
عَنْهُ الْقَوَدُ لِمَعْنًى فِيهِ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي
مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ، وَكَذَلِكَ عَمْدُ الْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُ
الْمُسْتَأْمَنَ مَعَ الْمُسْلِمِ إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ فَإِذَا زَعَمَ
أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا شَرِكَ الْأَبَ وَالْمُسْتَأْمَنَ إذَا شَرِكَ
الْمُسْلِمَ فِي الْقَتْلِ قُتِلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ فَقَدْ
تَرَكَ الْأَصْلَ الَّذِي إلَيْهِ ذَهَبَ فَأَمَّا مَا أُدْخِلَ عَلَى
أَصْحَابِنَا فَأَكْثَرُهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي
الرَّجُلِ تُقْطَعُ يَدُهُ فِي الْحَدِّ أَوْ الْقِصَاصِ
، ثُمَّ يَقْطَعُ آخَرُ رِجْلَهُ فَيَمُوتُ هَذَا لَا قِصَاصَ فِيهِ
لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ حَقٍّ وَجِنَايَةِ بَاطِلٍ وَلِأَنَّهُ
لَوْ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ دِيَةٌ لِأَنَّ يَدَهُ
قُطِعَتْ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا كَانَ
لِلْإِبَاحَةِ فِيهِ مَوْضِعٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ مَنْ
قَتَلَهُ وَقَتْلُهُ غَيْرُ مُنْفَرِدٍ بِهِ وَلَا شَرِكَةَ فِيهِ
بِتَعَدٍّ وَعَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا قَوَدَ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَهُ
السَّبُعُ فَجَرَحَهُ وَضَرَبَهُ آخَرُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ مِنْ
قِبَلِ أَنَّ جِنَايَةَ السَّبُعِ لَا عَقْلَ فِيهَا وَلَا قَوَدَ فَأَمَّا
جِنَايَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ فَثَابِتَةٌ عَلَيْهِمَا إنْ لَمْ
تَكُنْ بِقَوَدٍ فَبِعَقْلٍ وَإِذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُمَا غَيْرَ لَغْوٍ
وَالنَّفْسُ مَقْتُولَةً قَتْلَ عَمْدٍ وَمِنْ قَوْلِهِ أَنْ تُقْتَلَ
الْعَشَرَةُ بِوَاحِدٍ إذَا قَتَلُوهُ عَمْدًا وَيَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ كَأَنَّهُ قَاتِلٌ عَلَى الِانْفِرَادِ حَتَّى لَوْ أَزَالَ
الْقَوَدَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَخَذَ الْقَوَدَ مِنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ
أَصْلَ الْقَتْلِ كَانَ عَمْدًا فَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَمْ
يُقْتَلْ، فَإِنْ قَالَ فَقَتْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ خَطَأٌ قِيلَ
لَهُ هَذَا مُحَالٌ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّهُ خَطَأٌ وَهُوَ عَمْدٌ وَلَكِنْ
قَدْ كَانَتْ فِيهِمَا عِلَّةٌ يُمْنَعُ بِهَا الْقِصَاصُ، فَإِنْ قَالَ
قَائِلٌ أَجْعَلُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا أَجْعَلُ خَطَأَهُ قِيلَ
وَهَذَا إنْ رُدَّ عَلَيْك وَجُعِلَ فِي أَمْوَالِهِمَا لَمْ تَجِدْ فِيهِ
حُجَّةً وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ كَانَتْ عَلَيْك فِي الرَّجُلِ
يَقْتُلُ ابْنَهُ
(7/328)
مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ
الدِّيَةَ إلَّا فِي مَالِ الْأَبِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي
الْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ مَعَهُ مُسْلِمٌ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
[فِي عَقْلِ الْمَرْأَةِ]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فِي عَقْلِ الْمَرْأَةِ إنَّ عَقْلَ جَمِيعِ جِرَاحِهَا وَنَفْسِهَا عَلَى
النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَكَذَلِكَ
أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ
عَقْلِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا وَقَالَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ عَقْلُهَا كَعَقْلِهِ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ فَأُصْبُعُهَا
كَأُصْبُعِهِ وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ
وَمُنَقِّلَتُهَا كَمُنَقِّلَتِهِ فَإِذَا كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَكْثَرَ
مِنْ الثُّلُثِ كَانَ عَلَى النِّصْفِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
وَقَدْ رَوَى الَّذِي قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
قَالَ يَسْتَوِي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْعَقْلِ إلَى الثُّلُثِ،
ثُمَّ النِّصْفُ فِيمَا بَقِيَ
أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ حَمَّادٍ
عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ يَسْتَوِي
الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْعَقْلِ إلَى الثُّلُثِ، ثُمَّ النِّصْفُ
فِيمَا بَقِيَ
وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ
حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ
قَوْلِ زَيْدٍ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ
إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا عَقْلُ الْمَرْأَةِ
عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا
فَقَدْ اجْتَمَعَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ عَلَى هَذَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ
يُؤْخَذَ بِغَيْرِهِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صَوَابِ قَوْلِ
عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قُطِعَتْ أُصْبُعُهَا خَطَأً
وَجَبَ عَلَى قَاطِعِهَا فِي قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عُشْرُ دِيَةِ
الرَّجُلِ، فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرَا الدِّيَةِ،
فَإِنْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ
الدِّيَةِ، فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ وَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرَا
الدِّيَةِ فَإِذَا عَظُمَتْ الْجِرَاحَةِ قَلَّ الْعَقْلُ (قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الْقِيَاسُ الَّذِي لَا
يَدْفَعُهُ أَحَدٌ يَعْقِلُ وَلَا يُخْطِئُ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا نَرَى أَنَّ
نَفْسَ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ فِيهَا مِنْ الدِّيَةِ نِصْفُ دِيَةِ
الرَّجُلِ وَفِي يَدِهَا نِصْفُ مَا فِي يَدِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا
صَغُرَ مِنْ جِرَاحِهَا هَكَذَا فَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ
الَّتِي لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يُخْطِئَ بِهَا مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ
وَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ
ثَلَاثُونَ وَفِي أَرْبَعٍ عِشْرُونَ وَيُقَالُ لَهُ حِينَ عَظُمَ
جُرْحُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا فَيَقُولُ هِيَ السُّنَّةُ وَكَانَ يَرْوِي
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إلَى
ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ، ثُمَّ تَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِهِ
لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْطِئَ أَحَدٌ هَذَا الْخَطَأَ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ
لِأَنَّ الْخَطَأَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ فِيمَا يُمْكِنُ
مِثْلُهُ فَيَكُونُ رَأْيٌ أَصَحُّ مِنْ رَأْيٍ فَأَمَّا هَذَا فَلَا
أَحْسَبُ أَحَدًا يُخْطِئُ بِمِثْلِهِ إلَّا اتِّبَاعًا لِمَنْ لَا
يُجَوِّزُ خِلَافَهُ عِنْدَهُ
فَلَمَّا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ هِيَ السُّنَّةُ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ عَامَّةٍ
مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يُشَبِّهْ زَيْدٌ أَنْ يَقُولَ هَذَا مِنْ جِهَةِ
الرَّأْيِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ الرَّأْيُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ
فَقَدْ يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
خِلَافُهُ قِيلَ فَلَا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا عَنْ عُمَرَ وَلَوْ
ثَبَتَ كَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا قَالَاهُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ
الَّذِي لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ
قِلَّةَ عِلْمٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْقِلُ مَا قَالَا إذَا
كَانَتْ النَّفْسُ عَلَى نِصْفِ عَقْلِ نَفْسِهِ وَالْيَدِ كَانَ كَذَلِكَ
مَا دُونَهُمَا وَلَا يَكُونُ فِيمَا قَالَ سَعِيدٌ السُّنَّةُ إذَا
كَانَتْ تُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْعَقْلَ إلَّا عَنْ عِلْمِ اتِّبَاعٍ
فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَدْ كُنَّا نَقُولُ بِهِ
عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
، ثُمَّ وَقَفْت عَنْهُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْخِيرَةَ مِنْ
قِبَلِ أَنَّا قَدْ نَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ السُّنَّةُ
، ثُمَّ لَا نَجِدُ لِقَوْلِهِ السُّنَّةَ نَفَاذًا بِأَنَّهَا عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْقِيَاسُ أَوْلَى
بِنَا فِيهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ
زَيْدٍ كَثُبُوتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(7/329)
[بَابٌ فِي الْجَنِينِ]
ِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الرَّجُلِ
يَضْرِبُ بَطْنَ الْأَمَةِ فَتُلْقِي جَنِينًا مَيِّتًا إنْ كَانَ غُلَامًا
فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً
فَفِيهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً وَقَالَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ كَيْفَ فَرَضَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ
الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى شَيْئًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا «فَرَضَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ
غُرَّةً عَبْدًا أَوْ أَمَةً» فَقَدَّرَ ذَلِكَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا
وَالْخَمْسُونَ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ وَمِنْ
دِيَةِ الْمَرْأَةِ عُشْرُ دِيَتِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
أَيْضًا مِنْ قِيمَةِ الْجَنِينِ لَوْ كَانَ حَيًّا لَيْسَ مِنْ قِيمَةِ
أُمِّهِ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَلْقَتْ الْجَنِينَ حَيًّا فَمَاتَ كَمْ كَانَ
يَكُونُ فِيهِ؟ أَلَيْسَ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ قِيمَتُهُ لَا اخْتِلَافَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي ذَلِكَ؟ قَالُوا بَلَى قِيلَ لَهُمْ فَمَا
تَقُولُونَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَغَرِمَ قَاتِلُهُ
عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ أَلْقَتْ آخَرَ مَيِّتًا أَلَيْسَ يَغْرَمُ فِي
قَوْلِكُمْ عُشْرَ ثَمَنِ أُمِّهِ وَأُمُّهُ جَارِيَةٌ تُسَاوِي
خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ قَالُوا بَلَى يَغْرَمُ عُشْرَ قِيمَتِهَا وَهُوَ
خَمْسُونَ دِينَارًا قِيلَ لَهُمْ فَيَكُونُ الْقَاتِلُ غَرِمَ فِي الَّذِي
أَلْقَتْهُ حَيًّا أَقَلَّ مِنْ الَّذِي غَرِمَ فِيهِ مَيِّتًا وَإِنَّمَا
يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ أَكْثَرَ فِي الَّذِي أَلْقَتْهُ حَيًّا لِأَنَّهُ
يَغْرَمُ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ
الدِّيَةَ كَامِلَةً وَإِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا غَرِمَ غُرَّةً
وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ جَنِينُ الْأَمَةِ عَلَى مَا قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِ
الْحُرَّةِ فَيَغْرَمُ فِي الْمَيِّتِ أَقَلَّ مِمَّا يَغْرَمُ فِي
الْحَيِّ وَقَدْ غَرَّمْتُمُوهُ أَنْتُمْ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ
حَيًّا فَمَاتَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
إذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ الْأَمَةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا، ثُمَّ
مَاتَ
فَفِي الْجَنِينِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فَإِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ
عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ تُعْرَفْ فِيهِ حَيَاةٌ
فَإِنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ حُرًّا فِي بَطْنِهَا
وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ وَأَكْثَرُ مَنْ سَمِعْنَا مِنْهُ مِنْ مُفْتِي
الْحِجَازِيِّينَ وَأَهْلِ الْآثَارِ فَخَالَفَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي جَنِينِ
الْأَمَةِ فَقَالَا فِيهِ إذَا خَرَجَ فِيهِ حَيًّا كَمَا قُلْنَا وَقَالَا
فِيهِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا، فَإِنْ كَانَ غُلَامًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ
قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَفِيهَا عُشْرُ
قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَلَّمَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ بِمَا
سَأَحْكِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كُنْت لَعَلِّي لَا أُفَرِّقُ
بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ وَأَكْثَرُهُ كَلَامُهُ فَقَالَ مِنْ
أَيْنَ قُلْت هَذَا؟ قُلْت أَمَّا نَصًّا فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَ لَيْسَ يَلْزَمُنِي قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْ
هَؤُلَاءِ وَلَا يَلْزَمُك قُلْت وَلَكِنْ رُبَّمَا غَالَطْت بِقَوْلِ
الْوَاحِدِ مِنْهُمْ وَقُلْت قُلْته قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ قَالَ إنَّا
لَنَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَنَا هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى السُّنَّةِ
وَالْمَعْقُولِ قُلْت، فَإِنْ شِئْت فَأَسْأَلُ وَإِنْ شِئْت سَأَلَتْك
قَالَ سَلْ فَقُلْت أَلَيْسَ الْأَصْلُ جَنِينَ الْحُرَّةِ؟ قَالَ بَلَى
قُلْت فَلِمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ بِغُرَّةٍ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ
عَنْهُ أَذَكَرٌ وَأُنْثَى فَكَانَ الْجَنِينُ هُوَ الْحَمْلُ قُلْنَا
فَلَمَّا كَانَ الْجَنِينُ وَاحِدًا فَسَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؟
قَالَ بَلَى قُلْت هَكَذَا قُلْنَا فَجَمَعْنَا بَيْنَ جَنِينِهَا
فَجَعَلْنَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ
وَخَمْسِينَ دِينَارًا إذَا لَمْ تَكُنْ غُرَّةً قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ
خَرَجَا حَيَّيْنِ فَمَاتَا قَالَ فَفِي الْغُلَامِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ
وَفِي الْجَارِيَةِ خَمْسُونَ قُلْنَا وَسَوَاءٌ كَانَا ابْنَيْ أُمِّ
وَلَدٍ مِنْ سَيِّدِهَا قِيمَةُ أُمِّهِمَا عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ
كَانَا ابْنَيْ حُرَّةٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَى أُمِّهِمَا قَالَ نَعَمْ
إنَّمَا حُكْمُهُمَا حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفَيْنِ فِي الذَّكَرِ
مِنْهُمَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْأُنْثَى خَمْسُونَ قُلْت
، ثُمَّ سَوَّيْت بَيْنَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا حَيَاةٌ أَلَيْسَ
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ غَيْرِهِمَا لَا حُكْمُ
أَنْفُسِهِمَا؟ قَالَ فَلَا أُعْطِيك ذَلِكَ وَلَكِنْ أَجْعَلُ حُكْمَهُمَا
حُكْمَ أَنْفُسِهِمَا بِكُلِّ حَالٍ قُلْت فَإِذَا لَمْ تُعْطِ هَذَا
فَكَيْفَ فَرَّقْت بَيْنَ حُكْمِهِمَا إذَا عَرَفْت حَيَاتَهُمَا وَلَمْ
تَعْرِفْ قَالَ اتِّبَاعًا قُلْت فِي الْجَنِينَيْنِ مِنْ الْحُرَّةِ
دَلَالَةٌ مِنْ خَبَرٍ بِأَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا أَمْ
إنَّمَا قُلْت يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ
(7/330)
أَنْفُسِهِمَا قَالَ مَا فِيهِ خَبَرٌ
وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ قُلْنَا أَفَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا
حُكْمَ غَيْرِهِمَا إذَا لَمْ تَعْرِفْ حَيَاتَهُمَا وَحُكْمَ نَفْسِهِمَا
إذَا عَرَفْت حَيَاتَهُمَا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَإِذَا كَانَا
يُحْتَمَلَانِ مَعًا فَكَيْفَ لَمْ تَصِرْ إلَى مَا قُلْنَا حَيْثُ
فَرَّقْت بَيْنَ حُكْمِهِمَا وَلَا تَزْعُمُ أَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ
وَأَنَّ حُكْمَهُمَا يَتَفَرَّقُ وَإِذَا كَانَ يُحْتَمَلُ فَزَعَمْت أَنَّ
كُلَّ قَوْلَيْنِ أَبَدًا اُحْتُمِلَا فَأَوْلَاهُمَا بِأَهْلِ الْعِلْمِ
أَنْ يَصِيرُوا إلَيْهِ أَوْلَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ
فَقَوْلُنَا فِيهِ الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَقَوْلُك خِلَافُهُمَا قَالَ
وَكَيْفَ؟ قُلْنَا بِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّا إذَا لَمْ نُفَرِّقْ بَيْنَ
أَصْلِ حُكْمِهِمَا وَهُوَ جَنِينُ الْحُرَّةِ لِأَنَّ الذَّكَرَ
وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ فَرْعَيْ
حُكْمِهِمَا وَهُوَ جَنِينُ الْأَمَةِ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَمِنْ
قِبَلِ أَنَّنِي وَإِيَّاكَ نَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ الرَّجُلِ ضِعْفُ دِيَةِ
الْمَرْأَةِ وَأَنْتَ فِي الْجَنِينِ تَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ
ضِعْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَقُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُمَا لَوْ سَقَطَا
حَيَّيْنِ فَكَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً أَوْ مُخْتَلِفَةً كَانَ
فِيهِمَا قِيمَتُهُمَا مَا كَانَتْ وَإِنْ مَيِّتَيْنِ كَانَ فِي الذَّكَرِ
مِنْهُمَا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَفِي الْأُنْثَى
عُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْت أَنَّ
عَقْلَ الْأُنْثَى مِنْ أَصْلِ عَقْلِهَا فِي الْحَيَاةِ مَا أَعْلَمُك
إلَّا نَكَّسْت الْقِيَاسَ فَقَلَبْته قَالَ فَأَنْتَ سَوَّيْت بَيْنَهُمَا
قُلْت مِنْ أَجْلِ أَنَّنِي زَعَمْت أَنَّ أَصْلَ حُكْمِهِمَا حُكْمَ
غَيْرِهِمَا لَا حُكْمَ أَنْفُسِهِمَا كَمَا سَوَّيْت بَيْنَ الذَّكَرِ
وَالْأُنْثَى فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ فَلَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَ قِيَاسِهِمَا
وَجَعَلْت كُلًّا يُحْكَمُ فِيهِ حُكْمَ أُمِّهِ إذَا كَانَ مِثْلَ أُمِّهِ
عَتِيقًا بِعِتْقِهَا وَرَقِيقًا بِرِقِّهَا وَأَنْتَ قَلَبْت فِيهِ
الْقِيَاسَ قَالَ فَقَوْلُنَا يُحْتَمَلُ قُلْنَا مَا يُحْتَمَلُ إلَّا
النَّكْسُ وَالْقِيَاسُ كَمَا وَصَفْنَا فِي الظَّاهِرِ فَمَعَنَا
الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَنَزْعُمُ أَنَّ الْحُجَّةَ تَثْبُتُ بِأَقَلَّ
مِنْ هَذَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِي
قَوْلِكُمْ أَنْ تَكُونَ دِيَةُ جَنِينِ الْأَمَةِ مَيِّتًا أَكْثَرَ مِنْ
دِيَتِهِ حَيًّا فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ قِيلَ لَيْسَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا
مِنْ هَذَا شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا
هِيَ بِغَيْرِهِ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَأَنْتَ يَدْخُلُ عَلَيْك
فِي غَيْرِ هَذَا أَكْثَرُ مِنْهُ مَعَ مَا دَخَلَ عَلَيْك مِنْ خِلَافِ
الْقِيَاسِ مَعَ السُّنَّةِ قَالَ وَأَيْنَ ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت
رَجُلًا لَوْ جَنَى عَلَى أَطْرَافِ رَجُلٍ فِيهَا عَشْرُ دِيَاتٍ فِي
مَقَامٍ فَسِيحٍ؟ قَالَ يَكُونُ فِيهِ عَشْرُ دِيَاتٍ قُلْنَا، فَإِنْ
جَنَى هَذِهِ الْجِنَايَةَ الَّتِي فِيهَا عَشْرُ دِيَاتٍ
، ثُمَّ قَتَلَهُ مَكَانَهُ قَالَ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ قُلْنَا فَقَدْ
دَخَلَ عَلَيْك إذَا زَعَمْت أَنَّهُ إذَا زَادَ فِي الْجِنَايَةِ
الْمَوْتَ نَقَصَتْ جِنَايَتُهُ مِنْهُ تِسْعَ دِيَاتٍ قَالَ إنَّمَا
يَدْخُلُ هَذَا عَلَيَّ مَنْ قِبَلِ أَنَّنِي أَجْعَلُ الْبَدَنَ كُلَّهُ
تَبَعًا لِلنَّفْسِ قُلْنَا فَكَيْفَ تَجْعَلُهُ تَبَعًا لِلنَّفْسِ وَهُوَ
مُتَقَدِّمٌ قَبْلَهَا وَقَدْ أَصَابَهُ وَلَهُ حُكْمٌ؟ ، فَإِنْ جَازَ لَك
هَذَا رَدَدْت أَصَحَّ مِنْهُ أَنَّهُمْ زَعَمُوا لَك أَنَّ جَنِينَ
الْأَمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ قَطُّ إنَّمَا كَانَ حُكْمُهُ بِأُمِّهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَيْفَ يَكُونُ الْحُكْم لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ
حَيًّا قَطُّ؟ .
[بَابُ الْجُرُوحِ فِي الْجَسَدِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ
وَهُمَا سَوَاءٌ السُّفْلَى وَالْعُلْيَا وَأَيُّهُمَا قُطِعَتْ كَانَ
فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيهِمَا الدِّيَةُ
جَمِيعًا، فَإِنْ قُطِعَتْ السُّفْلَى فَفِيهَا ثُلُثَا الدِّيَةِ قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَلِمَ قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ هَذَا؟
أَلِأَنَّ السُّفْلَى أَنْفَعُ مِنْ الْعُلْيَا؟ فَقَدْ فَرَضَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِصْبَعِ
الْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ فَرِيضَةً وَاحِدَةً فَجَعَلَ فِي كُلِّ
وَاحِدَةٍ عُشْرَ الدِّيَةِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
«النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْخِنْصَرُ
وَالْإِبْهَامُ سَوَاءٌ» مَعَ آثَارٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ قَدْ جَاءَتْ
فِيهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ قَالَ
حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ
الْمُرِّيُّ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَرْسَلَهُ إلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَا فِي الضِّرْسِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ
خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ
أَفَتَجْعَلُ مُقَدِّمَ الْفَمِ كَالْأَضْرَاسِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
(7/331)
لَوْلَا أَنَّك لَا تَعْتَبِرُ ذَلِكَ
إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّك عَلَى
أَنَّ الشَّفَتَيْنِ عَقْلُهُمَا سَوَاءٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الشَّفَتَيْنِ
سِوَى هَذَا آثَارٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الشَّفَتَانِ سَوَاءٌ
وَالْأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالدِّيَةُ عَلَى الْأَسْمَاءِ لَيْسَتْ عَلَى
قَدْرِ الْمَنَافِعِ وَهَكَذَا بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ وَهُوَ
الَّذِي قَصَدَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَصْدُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ
رِوَايَةٌ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَمْ تَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ إذَا
كَانَ الَّذِي قَصَدَ قَصْدَهُ بِالرِّوَايَةِ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَا
لَا يَقُولُ وَيَرْوِي عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا قَدْ
تَرَكَهُ مَالِكٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنُصَّهُ فَيُسَمِّي مَنْ قَالَ
ذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ يُغَالِطَ بِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ أَسْمَعُهُ إذَا
سَمَّى وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي كُلِّ دَهْرِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَعِيبُ عَلَى غَيْرِهِ أَدْنَى مِنْ هَذَا، فَإِنْ
قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الشَّفَتَيْنِ وَالْأَصَابِعَ
سَوَاءٌ؟ قُلْنَا لَهُ دَلَالَةُ السُّنَّةِ ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ
الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَإِنْ قَالَ وَمَا ذَلِكَ؟ قِيلَ قَضَى
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَصَابِعِ
بِعُشْرِ عُشْرٍ وَالْأَصَابِعُ مُخْتَلِفَةُ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ
فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ إنَّمَا قَصَدَ قَصْدَ الْأَسْمَاءِ كَانَ يَنْبَغِي
فِي كُلِّ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْعَيْنِ
خَمْسُونَ وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ» فَلَمْ أَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ
اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ فِي الْيُسْرَى مِنْ الْيَدَيْنِ مَا فِي الْيُمْنَى
وَالْيُمْنَى أَنْفَعُ مِنْ الْيُسْرَى فَلَوْ كَانَ إذْ قَالَ فِي الْيَدِ
خَمْسُونَ عَنَى بِهَا الْيُمْنَى وَكَانَ لِلنَّاسِ أَنْ يُفَضِّلُوا
بَيْنَ الْيَدَيْنِ انْبَغَى أَنْ يَكُونَ فِي الْيُسْرَى أَقَلُّ مِنْ
خَمْسِينَ وَلَوْ كَانَ قَصَدَ فِي الْيَدِ الَّتِي جُعِلَ فِيهَا
خَمْسُونَ قَصْدَ الْيُسْرَى انْبَغَى أَنْ يَكُونَ فِي الْيُمْنَى
أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ فَلَمَّا رَأَيْنَا مَذَاهِبَ الْفُقَهَاءِ عَلَى
التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُمْ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَى الْأَسْمَاءِ
وَالسَّلَامَةِ فَإِذَا جُمِعَ الْعُضْوَانِ وَأَكْثَرُ الْأَسْمَاءِ
وَالسَّلَامَةُ كَانَا سَوَاءً وَهَكَذَا هَذَا فِي الْعَيْنَيْنِ
وَالْأَسْنَانِ سَوَاءٌ وَالثَّنِيَّةُ أَنْفَعُ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ
وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْعَقْلِ.
[بَابٌ فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ]
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَعْوَرِ
يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ وَفَقْءُ الصَّحِيحَةِ مِنْ عَيْنَيْهِ إنْ
كَانَ عَمْدًا فَلِلصَّحِيحِ الْقَوَدُ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ
وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَإِنَّ عَلَى مَا قُلْته نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَيْسَ
لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ
عَيْنَ الصَّحِيحِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَقِيدَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ
أَحَبَّ فَلَهُ الدِّيَةَ أَلْفُ دِينَارِ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الصَّحِيحَةِ إذَا
فُقِئَتْ إنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهَا الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً
فَعَلَى عَاقِلَةِ الَّتِي فَقَأَهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَهِيَ وَعَيْنُ
الصَّحِيحِ سَوَاءٌ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ
إذَا فُقِئَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
فَكَيْفَ صَارَتْ عَيْنُ الْأَعْوَرِ أَفْضَلَ مِنْ عَيْنِ الصَّحِيحِ؟
هَذَا عَقْلٌ أَوْجَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا فَجَعَلَ فِي كُلِّ عَيْنٍ نِصْفَ
الدِّيَةِ، فَإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُ رَجُلٍ فَغَرِمَ الْفَاقِئُ نِصْفَ
الدِّيَةِ
، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا آخَرَ عَدَا عَلَى الْعَيْنِ الْأُخْرَى فَفَقَأَهَا
خَطَأً لَمْ يَجِبْ عَلَى الْفَاقِئِ الثَّانِي الدِّيَةُ كَامِلَةً
فَيَكُون الرَّجُلُ قَدْ أَخَذَ فِي عَيْنَيْهِ دِيَةً وَنِصْفًا
وَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِيهِمَا دِيَةً فَفِي الْأُولَى نِصْفُ الدِّيَةِ،
وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَيْسَ يَتَحَوَّلُ ذَلِكَ
بِفَقْءِ الْأُولَى وَلَا تُزَادُ إحْدَاهُمَا فِي عَقْلِهَا عَلَى الَّذِي
أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا يَفْقَأُ الْأُخْرَى يَنْبَغِي
لِمَنْ قَالَ هَذَا فِي الْعَيْنَيْنِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْيَدَيْنِ
وَأَنْ يَقُولَهُ فِي الرِّجْلَيْنِ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَالْأَمْرُ
فِيهِ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ يَزْدَادُ شَيْئًا لِعَيْنٍ
فُقِئَتْ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي الْأَعْوَرِ
يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحِ يَفْقَأُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ
كِلَاهُمَا سَوَاءٌ إنْ كَانَ الْفَقْءُ عَمْدًا فَالْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ
بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَهُ
الْعَقْلُ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ
ثُلُثَاهَا فِي مُضِيِّ سَنَةٍ وَثُلُثُهَا فِي مُضِيِّ السَّنَةِ
الثَّانِيَةِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا
(7/332)
الْحُجَّةُ فِي هَذَا؟ قِيلَ السُّنَّةُ،
فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ السُّنَّةُ؟ قُلْنَا إذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ» ، فَإِنْ
أَصَابَ الصَّحِيحُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ أَصَابَ عَيْنًا أَوْ عَيْنَيْنِ،
فَإِنْ قَالَ عَيْنًا قُلْنَا فَإِنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ فِي
الْعَيْنِ خَمْسِينَ فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِينَ
فَقَدْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا قُلْنَا لَا
أَكْثَرَ مِنْ السُّنَّةِ هِيَ الْغَايَةُ وَمَا دُونَهَا تَبَعٌ لَهَا،
فَإِنْ قَالَ فَفِيهَا زِيَادَةٌ؟ قِيلَ نَعَمْ مَوْجُودٌ فِي السُّنَّةِ
إذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وَفِي الْعَيْنَيْنِ مِائَةٌ فَإِذَا
كَانَتَا إذَا فُقِئَتَا مَعًا كَانَتْ فِيهِمَا مِائَةٌ فَمَا بَالُهُمَا
إذَا فُقِئَتَا مَعًا يَكُونُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ
وَإِذَا فُقِئَتْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ ذَهَابِ الْأُخْرَى كَانَتْ فِيهَا
مِائَةٌ أَزَادَ تَفَرُّقُ الْجِنَايَةِ فِي عَقْلِهَا أَوْ خَالَفَ
تَفْرِيقَ الْجِنَايَةِ بَيْنَهُمَا أَوَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا
أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلَيْنِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْبَاقِيَةُ أَلَيْسَ
إنْ جَعَلْنَا فِيهِ خَمْسِينَ فَقَدْ جَعَلْنَاهَا فِي جَمِيعِ مَا فِي
بَطْشِهِ وَوَافَقْنَا السُّنَّةَ وَلَمْ نَزِدْ عَلَى الْجَانِي غَيْرَ
جِنَايَتِهِ وَإِنْ جَعَلْنَا فِيهَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ كُنَّا قَدْ
جَعَلْنَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَجْنِ وَخَالَفْنَا مَا رُوِيَ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَدِ.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ]
ٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْعَيْنِ
الْقَائِمَةِ إذَا فُقِئَتْ وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ وَفِي
كُلِّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ
مِنْ ذَلِكَ أَرْشٌ مَعْلُومٌ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ
أَخْبَرَنِي أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ
فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالرِّجْلِ
الْعَرْجَاءِ وَاللِّسَانِ الْأَخْرَسِ وَذَكَرِ الْخَصِيِّ حُكُومَةُ
عَدْلٍ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِمِثْلِ قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ نَرَى فِي ذَلِكَ
الِاجْتِهَادَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا
فُقِئَتْ مِائَةُ دِينَارٍ وَكُلُّ نَافِذَةٍ مِنْ عُضْوٍ مِنْ
الْأَعْضَاءِ ثُلُثُ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ الدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرُ الرَّجُلِ تُقْطَعُ
أُنْثَيَاهُ وَيَبْقَى ذَكَرُهُ تَامًّا كَمَا هُوَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ
مَا الْحُجَّةُ؟ قِيلَ أَرَأَيْت الذَّكَرَ إذَا كَانَتْ فِيهِ دِيَةٌ
أَبِخَبَرٍ لَازِمٍ هِيَ، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَفِي الْخَبَرِ
اللَّازِمِ أَنَّهُ ذَكَرُ غَيْرِ خَصِيٍّ، فَإِنْ قَالَ لَا قِيلَ فَلِمَ
خَالَفْتُمْ الْخَبَرَ؟ ، فَإِنْ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُحْبِلُ قِيلَ
أَفَرَأَيْت الصَّبِيَّ يُقْطَعُ ذَكَرُهُ أَوْ الشَّيْخُ الَّذِي قَدْ
انْقَطَعَ عَنْهُ أَمْرُ النِّسَاءِ أَوْ الْمَخْلُوقُ خَلْقًا ضَعِيفًا
لَا يَتَحَرَّكُ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ فِي هَذِهِ الدِّيَةُ فَقَدْ
جَعَلُوهَا فِيمَا لَا يُحْبِلُ وَلَا يُجَامِعُ بِهِ وَذَكَرُ الْخَصِيِّ
يُجَامِعُ بِهِ أَشَدَّ مَا كَانَ الْجِمَاعُ قَطُّ وَلَا أَعْلَمُ فِي
الذَّكَرِ نَفْسِهِ مَنْفَعَةً إلَّا مَجْرَى الْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ
وَهُمَا قَائِمَانِ وَجِمَاعُهُ أَشَدُّ مِنْ جِمَاعِ غَيْرِ الْخَصِيِّ
فَأَمْرُ الْوَلَدِ شَيْءٌ لَيْسَ مِنْ الذَّكَرِ إنَّمَا هُوَ بِمَنِيٍّ
يَخْرُجُ مِنْ الصُّلْبِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَخْرُجُ مِنْ
بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] وَيَخْرُجُ فَيَكُونُ وَلَا
يَكُونُ وَمِنْ أَعْجَبِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَعَمَ إنْ قُطِعَ
أَوَّلًا ثُمَّ قُطِعَتْ الْأُنْثَيَانِ بَعْدُ فَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ
وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَإِنْ قُطِعَتْ الْأُنْثَيَانِ قَبْلُ
، ثُمَّ قُطِعَ الذَّكَرُ فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ
حُكُومَةُ عَدْلٍ، فَإِنْ قَالُوا فَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا الدِّيَةَ فِي
الذَّكَرِ إذَا ذَهَبَ الْأُنْثَيَانِ لِأَنَّ أَدَاتَهُ الَّتِي يُحْبِلُ
بِهَا الْأُنْثَيَانِ فَهَلْ فِي الْأُنْثَيَيْنِ مَنْفَعَةٌ أَوْ جَمَالٌ
غَيْرَ أَنَّهُمَا أَدَاةٌ لِلذَّكَرِ، فَإِنْ قَالُوا لَا.
قِيلَ لَهُمْ أَرَأَيْتُمْ الذَّكَرَ إذَا اُسْتُؤْصِلَ فَعَلِمْنَا
أَنَّهُ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ يَصِلُ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ
فَتَحْبَلُ بِهِ لِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ فِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ إذْ
الْأُنْثَيَانِ إذَا كَانَتَا أَدَاةَ الذَّكَرِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ
فِيهِمَا دِيَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا وَلَا جَمَالَ إلَّا
أَنْ تَكُونَا أَدَاةً لِلذَّكَرِ وَقَدْ ذَهَبَ الذَّكَرُ وَالذَّكَرُ
فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِالْجِمَاعِ فَأَبْطَلْتُمْ فِيهِ الدِّيَةَ وَفِيهِ
مَنْفَعَةٌ وَهُوَ الَّذِي لَهُ الْأَدَاةُ وَأَثْبَتُّمُوهَا فِي
الْأُنْثَيَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا هُمَا
أَدَاةٌ لِغَيْرِهِمَا وَقَدْ بَطَلَتَا بِأَنْ ذَهَبَ الشَّيْءُ الَّذِي
هُمَا أَدَاةٌ لَهُ وَالذَّكَرُ لَا يَبْطُلُ بِذَهَابِ أَدَاتِهِ
لِأَنَّهُ يُجَامِعُ بِهِ وَتَنَالُ مِنْهُ، فَإِنْ قَالُوا فَإِنَّمَا
جَعَلْنَاهَا عَلَى الْأَسْمَاءِ
(7/333)
وَالْأُنْثَيَانِ قَائِمَتَانِ قِيلَ
فَهَكَذَا الذَّكَرُ قَائِمٌ وَهَكَذَا احْتَجَجْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي
التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ
وَكُلِّ مَا لَزِمَهُ الِاسْمُ وَلَمْ نَلْتَفِتْ إلَى مَنَافِعِهِمَا
كَذَا كَانَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَقِفُوا فِي الذَّكَرِ وَهَكَذَا
قُلْنَا وَأَنْتُمْ الْيَدُ الْيُمْنَى الْبَاطِشَةُ الْكَاتِبَةُ
الرَّفِيقَةُ كَالْيَدِ الْيُسْرَى الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَا تَبْطِشُ
وَلَا تَكْتُبُ فَأَمَّا الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ فَإِنَّ مَالِكًا
أَخْبَرَنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَضَى فِي الْعَيْنِ
الْقَائِمَةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَصْلُ مَا تَذْهَبُونَ إلَيْهِ
زَعَمْتُمْ أَنْ لَا تُخَالِفُوا الْوَاحِدَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ قُلْتُمْ فِي
الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا فُقِئَتْ مِائَةُ دِينَارٍ كُنْتُمْ
وَافَقْتُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ إذْ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا خَالَفَهُ
فَإِذَا قُلْتُمْ قَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنْ يَكُونَ
اجْتَهَدَ فِيهَا فَرَأَى الِاجْتِهَادَ فِيهَا قَدْرَ خُمُسِهَا قِيلَ
فَقَدْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِهِ فَأَمَّا
كُلُّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا أَكْثَرَ
مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجِرَاحُ الْبَدَنِ مُخَالِفَةٌ جِرَاحَ
الرَّأْسِ فِيهَا حُكُومَةٌ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا الْحُجَّةُ فِي
أَنْ جِرَاحَ الْبَدَنِ مُخَالِفَةٌ جِرَاحَ الرَّأْسِ؟ قِيلَ قَضَى
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُوضِحَةِ
بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَكَانَ الَّذِي أَحْفَظُ عَنْ بَعْضِ مَنْ
أَحْفَظُ عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيت أَنَّ الْمُوضِحَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي
الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْوَجْهُ رَأْسٌ كُلُّهُ لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَ
قُطِعَا مَعًا وَإِنْ كَانَ يَتَفَرَّقُ فِي الْوُضُوءِ وَكَأَنَّ
الرَّأْسَ إذَا ذَهَبَ ذَهَبَ الْوَجْهُ فَلَوْ قِسْت الْمُوضِحَةَ فِي
الضِّلْعِ عَلَى الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ قَضَيْت بِنِصْفِ عُشْرِ
بَعِيرٍ لِأَنِّي أَقْضِي فِي الضِّلْعِ إذَا كُسِرَ بِبَعِيرٍ وَذَلِكَ
أَنِّي أَقْضِي فِي الرَّأْسِ إذَا كُسِرَ وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُومًا
بِعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ فَيَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ إنْ قَالَ هَذَا
الْقَوْلَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَضَى فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ
الْمُوضِحَةَ فِي الْبَدَنِ دَاخِلَةٌ فِي الْمُوضِحَةِ الَّتِي قَضَى
فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ
الِاسْمَ يَجْمَعُهُمَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَالِفَ مَا جَاءَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَاسَ
الْمُوضِحَةَ فِي الْجَسَدِ أَوْ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَيَقُولُ قَوْلًا
مُحَالًا فَيَجْعَلُ فِي الْمُوضِحَةِ فِي الضِّلْعِ خَمْسًا مِنْ
الْإِبِلِ وَالضِّلْعُ نَفْسُهُ لَوْ كُسِرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا
بَعِيرٌ وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ (قَالَ
الرَّبِيعُ) حِفْظِي عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ فِي كُلِّ مَا دُونَ
الْمُوضِحَةِ مِنْ الْجِرَاحِ وَفِي الضِّلْعِ وَالتَّرْقُوَةِ حُكُومَةٌ.
[بَابُ دِيَةِ الْأَضْرَاسِ]
ِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كُلِّ ضِرْسٍ
خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ مُقَدِّمُ الْفَمِ وَمُؤَخِّرُهُ سَوَاءٌ وَقَالَ
بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْهُمْ
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي كُلِّ ضِرْسٍ بَعِيرٌ وَرَوَى
بَعْضُهُمْ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ لَوْ كُنْت أَنَا لَجَعَلْت فِي
الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ
حَمَّادٍ عَنْ النَّخَعِيِّ فِي الْأَسْنَانِ فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ
الْعُشْرِ مُقَدِّمُ الْفَمِ وَمُؤَخِّرُهُ سَوَاءٌ.
أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا
غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ
الْحَكَمِ أَرْسَلَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَا فِي الضِّرْسِ
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ فِيهِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ قَالَ
فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَفَتَجْعَلُ مُقَدِّمَ
الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْلَا أَنَّك لَا
تَعْتَبِرُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ
قَالَ الْأَسْنَانُ عَقْلُهَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ
الدِّيَةِ.
وَأَخْبَرَنَا بُكَيْر بْنُ عَامِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ
الْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي الْأَضْرَاسِ خَمْسٌ خَمْسٌ وَالْأَضْرَاسُ
أَسْنَانٌ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت؟ قِيلَ لَهُ
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي السِّنِّ
خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَكَانَتْ الضِّرْسُ سِنًّا فِي فَمٍ لَا تَخْرُجُ
مِنْ اسْمِ السِّنِّ، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تُسَمَّى بِاسْمٍ دُونَ السِّنِّ
قِيلَ، وَكَذَلِكَ الثَّنِيَّتَانِ يُمَيَّزَانِ مِنْ
(7/334)
الرَّبَاعِيَتَيْنِ وَالرَّبَاعِيَتَانِ
تُمَيَّزَانِ مِنْ الثَّنِيَّتَيْنِ، فَإِنْ كُنْت إنَّمَا تُفَرِّقُ
بَيْنَهَا بِالتَّمْيِيزِ فَاجْعَلْ أَيَّ هَذَا شِئْت سِنًّا وَاحْكُمْ
فِي غَيْرِهِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنْ قَالَ لَا، هِيَ
عِظَامٌ بَادِيَةُ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ مُجْتَمِعَةٌ مَخْلُوقَةٌ
فِي الْفَمِ قِيلَ وَهَكَذَا الْأَضْرَاسُ وَهَكَذَا الْأَصَابِعُ
مُجْتَمِعَةٌ فِي كَفٍّ مُتَبَايِنَةِ الْأَسْمَاءِ مِنْ إبْهَامٍ
وَمِسْبَحَةٍ وَوُسْطَى وَبِنْصِرٍ وَخِنْصَرٍ
، ثُمَّ اسْتَوَى بَيْنَهَا مِنْ قِبَلِ جِمَاعِ الْأَصَابِعِ مَعَ
تَبَايُنِ مَنْفَعَتِهَا وَالضِّرْسُ أَنْفَعُ فِي الْمَأْكُولِ مِنْ
الثَّنِيَّتَيْنِ، وَالثَّنِيَّتَانِ أَنْفَعُ فِي إمْسَاكِ اللِّسَانِ
مِنْ الضِّرْسِ فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ غَيْرُ قَوْلِ شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ
وَالشَّعْبِيِّ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَهُ حُجَّةً فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَوْ ذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّ عُمَرَ يُخَالِفُهُ هَلْ
كَانَتْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ بِتَقْلِيدِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا وَعَلَيْهِ
لَهُ بِتَقْلِيدِ عُمَرَ حُجَّةٌ.
[بَابُ جِرَاحِ الْعَبْدِ]
ِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُلُّ شَيْءٍ يُصَابُ
بِهِ الْعَبْدُ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ مُوضِحَةٍ أَوْ
مُنَقِّلَةٍ أَوْ مَأْمُومَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ قِيمَتِهِ
عَلَى مِقْدَارِ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ فِي كُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ لَهُ
أَرْشٌ مَعْلُومٌ مِنْ الْحُرِّ السِّنُّ وَالْمُوضِحَةُ وَمَا سِوَى
ذَلِكَ فَفِي مُوضِحَتِهِ أَرُشُّهَا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَفِي يَدِهِ
نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَكَذَلِكَ عَيْنُهُ وَفِي الْمَأْمُومَةِ
وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ وَفِي مُنَقِّلَتِهِ عُشْرٌ وَنِصْفُ
عُشْرِ قِيمَتِهِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ
نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ وَفِي مُنْقِلَتِهِ عُشْرٌ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ
ثَمَنِهِ وَمَأْمُومَتُهُ وَجَائِفَتُهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
ثُلُثُ ثَمَنِهِ فَوَافَقُوا أَبَا حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ
الْأَرْبَعِ وَقَالُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَيْفَ جَازَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ
يَتَحَكَّمُوا فِي هَذَا فَيَخْتَارُوا هَذِهِ الْخِصَالَ الْأَرْبَعَ مِنْ
بَيْنِ الْخِصَالِ؟ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَالُوا
فَنَحْنُ نَزِيدُ خُصْلَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ
فَإِنَّا نَزِيدُ ثَلَاثَ خِصَالٍ أُخَرَ مَا الَّذِي يُرَدُّ بِهِ
عَلَيْهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْصِفَ النَّاسَ وَلَا يَتَحَكَّمَ
فَيَقُولَ قُولُوا بِقَوْلِي مَا قُلْت مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيمَا قَالُوا مِنْ هَذَا بِأَثَرٍ فَتَنْقَادُ لَهُ
وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا أَثَرٌ يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ جَاءُونَا بِهِ فَمَا سَمِعْنَا مِنْ
آثَارِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا فَيَنْبَغِي الْإِنْصَافُ فَإِمَّا
أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَشْيَاءِ
كُلِّهَا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا
فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ أَوْ غَيْرِهَا مَا
نَقَصَ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ أَخْبَرَنَا
الثِّقَةُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ (قَالَ
الشَّافِعِيُّ) : وَبِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ نَقُولُ فَقَالَ لِي
بَعْضُ مَنْ يُخَالِفُنِي فِيهِ نَقُولُ يُقَوَّمُ الْعَبْدُ سِلْعَةً
فَمَا نَقَصَتْ جِرَاحَتُهُ مِنْ ثَمَنِهِ كَانَ فِي جِرَاحَتِهِ كَمَا
نَقُول ذَلِكَ فِي الْمَتَاعِ أَرَأَيْت إذْ كُنْت تَزْعُمُ أَنَّ عَقْلَ
الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَلِمَ لَمْ تَقُلْ هَكَذَا
فِي الْبَعِيرِ يُقْتَلُ وَالْمَتَاعُ يَهْلِكُ؟ قُلْت قُلْته مِنْ قِبَلِ
مَا يَلْزَمُك مِثْلُهُ زَعَمْت أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ
الرَّجُلِ وَأَنَّ جِرَاحَهَا بِقَدْرِ دِيَتِهَا كَجِرَاحِ الرَّجُلِ فِي
قَدْرِ دِيَتِهِ وَقُلْت لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يُخَالِفُنَا مِنْ
أَصْحَابِنَا أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ
ثَمَانُمِائَةٍ ثُمَّ تَزْعُمُ أَنَّ جِرَاحَهُمْ فِي دِيَاتِهِمْ
كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ فَلَمَّا كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ
نَقُولُ دِيَةَ الْعَبْدِ ثَمَنُهُ خَبَرًا لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ أَنْ
يُقَالَ فِي جِرَاحِهِ إلَّا هَكَذَا لِأَنَّا لَمْ نُبْطِلْ الْجِرَاحَ
بِاخْتِلَافِ الدِّيَاتِ.
قَالَ فَهَلْ يُجَامِعُ الْبَعِيرَ وَالْمَتَاعُ فِي رَقَبَتِهِ
بِثَمَنِهِ؟ قُلْنَا نَعَمْ دِيَتُهُ ثَمَنُهُ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَهَكَذَا
الْحُرُّ يُجَامِعُ الْبِرْذَوْنَ فَيَكُونُ ثَمَنُهُ مِثْلَ دِيَةِ
الْحُرِّ وَلَكِنَّهُ فِي الْبِرْذَوْنِ قِيمَتُهُ.
، فَإِنْ قَالَ مَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؟ وَلِمَ قِسْته عَلَى الْحُرِّ
دُونَ الدَّابَّةِ قُلْنَا بِمَا لَا تُخَالِفُنَا فِيهِ مِمَّا يَدُلُّ
عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ قَضَى اللَّهُ فِي النَّفْسِ تُقْتَلُ خَطَأً
بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى
(7/335)
أَهْلِ الْمَقْتُولِ وَتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ
وَقَضَى بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُعَاهِدِ فَجَعَلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ فِي
الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ رَقَبَتَيْنِ وَالدِّيَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ
وَكُلُّ دِيَةٍ.
، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ
رَقَبَتَيْنِ وَدِيَتَاهُمَا مُخْتَلِفَتَانِ.
، فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قُتِلَ كَانَ عَلَى قَاتِلِهِ
رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ يُعْتِقُهَا فَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى
الرَّقَبَةَ فِي الْقَتْلِ حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ الدِّيَةَ وَإِنَّمَا
الرَّقَبَةُ فِي النَّفْسِ مَعَ الْقِيمَةِ وَالْمَتَاعُ قِيمَةٌ لَا
رَقَبَةَ مَعَهَا أَوَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلَالَةِ
مَا وَصَفْت وَجَهِلْنَا هَذَا أَوْ عَمِينَا عَنْهُ فَكَانَ يُجَامِعُ
الْبَعِيرَ فِي أَنَّ فِيهِ قِيمَةً وَفِي الْمَتَاعِ قِيمَةً وَيُجَامِعُ
الْأَحْرَارَ فِي أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةً وَفِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا
قَتَلَ الْعَبْدَ كَانَ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ وَإِذَا جَرَحَهُ كَانَ
بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ عِنْدَنَا وَفِي أَنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْحُرِّ
فِي بَعْضِ الْحُدُودِ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ مِنْ الصَّوْمِ
وَالصَّلَاةِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ أَلَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ عَلَى
الْعَالَمِينَ إذَا كَانَ آدَمِيًّا أَنْ يَقِيسُوهُ عَلَى الْآدَمِيِّينَ
وَلَا يَقِيسُوهُ عَلَى الْبَهَائِمِ وَلَا عَلَى الْمَتَاعِ وَأَصْلُ مَا
يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا لَوْ كَانَ
شَيْءٌ لَهُ أَصْلَانِ وَآخَرُ لَا أَصْلَ فِيهِ فَأَشْبَهَ الَّذِي لَا
أَصْلَ فِيهِ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ فِي مَعْنَيَيْنِ وَالْآخَرَ فِي
مَعْنًى كَانَ الَّذِي أَشْبَهَهُ فِي مَعْنَيَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ
عَلَيْهِ مِنْ الَّذِي أَشْبَهَهُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ فَهُوَ آدَمِيٌّ
مُجَامِعٌ لِلْآدَمِيِّينَ فِيمَا وَصَفْت وَلَيْسَ مِنْ الْبَهَائِمِ
وَلَا الْمَتَاعِ الَّذِي لَا فَرْضَ عَلَيْهِ بِسَبِيلٍ (قَالَ
الشَّافِعِيُّ) : وَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَى أَصْحَابِنَا وَعَلَى مَنْ
يُخَالِفُنَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
بَعْضِ هَذَا وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي أَصْلِ
قَوْلِهِمْ إلَّا الْجِرَاحَ وَيَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ
يَقُصُّونَ الْعَبْدَ مِنْ الْحُرِّ فِي النَّفْسِ أَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ
أَصْحَابِنَا مُوضِحَتُهُ وَمَأْمُومَتُهُ وَمُنَقِّلَتُهُ وَجَائِفَتُهُ
فِي ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ فَهَذَا لَا مَعْنَى
لِقَوْلِهِ وَلَقَدْ خَرَجَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَقَاوِيلِ بَنِي آدَمَ
مِنْ الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُهُ مَا قَالَ
مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ مِنْهُ وَإِنَّهُ خَالَفَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ عَقْلَ الْعَبْدِ فِي
ثَمَنِهِ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا نَرَاهُ أَرَادَ إلَّا
الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالُوا يُقَوَّمُ سِلْعَةً فَلَا هُوَ
قَوَّمَهُ سِلْعَةً وَلَا هُوَ جَعَلَ عَقْلَهُ فِي ثَمَنِهِ فَخَرَجَ مِنْ
قَوْلِ الْمُتَّفِقِينَ وَالْمُخْتَلِفِينَ.
[بَابُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ]
ِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا قِصَاصَ بَيْنَ
الْمَمَالِيكِ فِيمَا بَيْنَهُمْ إلَّا فِي النَّفْسِ وَقَالَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ كَهَيْئَتِهِ بَيْنَ
الْأَحْرَارِ نَفْسُ الْأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَجُرْحُهَا كَجُرْحِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا مُتَعَمِّدًا
فَلِمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ الْقِصَاصُ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ
ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ، فَإِنْ عَفَا رَجَعَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ
إلَى مَوْلَاهُ وَلَا سَبِيلَ لِمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بِالْخِيَارِ،
فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ، فَإِنْ أَخَذَ
الْعَقْلَ أَخَذَ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ
الْقَاتِلِ أَعْطَى ثَمَنَ الْمَقْتُولِ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ عَبْدَهُ
فَإِذَا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِرَبِّ
الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إذَا أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ أَنْ يَقْتُلَهُ
وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي قَطْعِ الْيَدِ
وَالرِّجْلِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقَتْلِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْعَبْدَ عَمْدًا
وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ هَذَا الْوَجْهَ أَنْ
يَقُولَ فِي الْحُرِّ يُقْتَلُ الْحُرُّ عَمْدًا أَنَّ وَلِيَّ
الْمَقْتُولِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ.
أَرَأَيْتُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَقَالَ الْقَاتِلُ
اُقْتُلْ أَوْ دَعْ لَيْسَ لَك غَيْرُ ذَلِكَ فَأَبَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ
أَنْ يَقْتُلَ أَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ؟ أَوَرَأَيْت لَوْ أَنَّ
رَجُلًا حُرًّا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ حُرٍّ عَمْدًا فَقَالَ الْمَقْطُوعَةُ
يَدُهُ آخُذُ دِيَةَ الْعَبْدِ فَقَالَ الْقَاطِعُ اقْطَعْ أَوْ دَعْ
(7/336)
أَكَانَ يُجْبَرُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنْ
يُعْطِيَهُ دِيَةَ الْيَدِ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا
الْقِصَاصُ إمَّا أَنْ يَأْخُذَ وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ
بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] .
(قَرَأَ الرَّبِيعُ) إلَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] فَمَا
أَسْتَطِيعُ فِيهِ الْقِصَاصَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقِصَاصُ كَمَا قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ وَلَا مَالٌ وَمَا كَانَ مِنْ
خَطَأٍ فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى اللَّهُ فِي الْخَطَأِ مِنْ الدِّيَةِ
الْمُسَلَّمَةِ إلَى أَهْلِهِ فَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ هَذَا فَهُوَ مُدَّعٍ
فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَنْ
وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فِي عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ
يَصْرِفَهُ إلَى عَقْلٍ وَمَنْ وَجَبَ لَهُ عَقْلٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَصْرِفَهُ إلَى قَوَدٍ فِي حُرٍّ وَلَا مَمْلُوكٍ فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ
الْمَمْلُوكِ فِي هَذَا وَبَيْنَ الْحُرِّ فَلْيَأْتِ عَلَيْهِ
بِالْبُرْهَانِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ النَّاطِقِ وَمِنْ
السُّنَّةِ الْمَعْرُوفَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] إِلَى
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَسَمِعْت
مِنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ كَانَ فِي أَهْلِ
الْإِنْجِيلِ إذَا قَتَلُوا الْعَقْلُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قِصَاصٌ
وَكَانَ فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ
فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنَّ فِي
الْعَمْدِ الدِّيَةَ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ أَوْ الْقِصَاصَ إنْ شَاءَ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ
بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] إلَى قَوْلِهِ
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَذَلِكَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَيِّنٌ فِي التَّنْزِيلِ مُسْتَغْنًى بِهِ عَنْ
التَّأْوِيلِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْضُهُ وَلَمْ أَحْفَظْ
عَنْهُ بَعْضَهُ فَقَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ إنَّهُ أَنْزَلَ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ
ذَلِكَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ لِأَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَهُ
الْقَوَدُ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ
عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:
178] أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الدَّمِ الْقِصَاصَ وَيَأْخُذَ الْمَالَ
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ إذَا عَفَا الْقِصَاصَ لَمْ يَبْقَ
لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا ذَهَبَ حَقُّهُ وَلَمْ تَكُنْ دِيَةٌ
يَأْخُذُهَا شَيْءٌ يَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يُؤَدَّى إلَيْهِ
بِإِحْسَانٍ.
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّهُ تَخْفِيفُ الْقَتْلِ
بِأَخْذِ الْمَالِ.
وَقَالَ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] أَنْ يَمْتَنِعَ
بِهَا مِنْ الْقَتْلِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ فِي
حَالٍ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ إذَا أَرَادَ.
قَالَ وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ شَبِيهًا بِمَا وَصَفْت فِي
أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِثْلِ مَعْنَاهُ أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قُتِلَ
لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا الْعَقْلَ
وَإِنْ أَحَبُّوا فَلَهُمْ الْقَوَدُ» أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى -) : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعًا يَدُلَّانِ دَلَالَةً لَا
إشْكَالَ فِيهَا أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ
الْقَتْلَ وَيَأْخُذَ الْمَالَ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ فَعَلَ
لَيْسَ إلَى الْقَاتِلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي
النَّفْسِ كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْجِرَاحِ هَكَذَا وَكَانَ
ذَلِكَ لِلرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ فَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ رَجُلٍ فَسَيِّدُهُ
بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ
الْمَقْتُولِ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ، فَإِنْ أَدَّاهَا سَيِّدُ
الْعَبْدِ الْقَاتِلِ مُتَطَوِّعًا فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ إلَّا
ذَلِكَ إذَا عَفَا الْقِصَاصَ وَإِنْ أَبَى سَيِّدُ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ
أَنْ يُؤَدِّيَهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا وَبِيعَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ،
فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ أَوْ
ثَمَنِهِ فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إلَّا ذَلِكَ وَإِنْ
كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رُدَّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ.
قَالَ وَإِذَا بَانَ الْفَضْلُ فِي الْعَبْدِ الْقَاتِلِ خُيِّرَ سَيِّدُ
الْعَبْدِ بَيْنَ أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ حَتَّى يُوَفَّى هَذَا ثَمَنَهُ
وَيَبْقَى هَذَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ يُبَاعَ كُلُّهُ
فَيُرَدَّ عَلَيْهِ فَضْلُهُ وَأَحْسَبُهُ سَيَخْتَارُ بَيْعَهُ كُلَّهُ
لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ لِثَمَنِهِ.
وَكُلُّ نَفْسَيْنِ أَبَدًا قُتِلَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى جَعَلْت
الْقِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنِّي إذَا جَعَلْت
الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ كَانَ جَمِيعُ
(7/337)
الْبَدَنِ فَأَنَا مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ
أُقَيِّدَ فِي الْأَقَلِّ مِنْ الْبَدَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَبَرٌ
يَلْزَمُ يُخَالِفُ هَذَا وَلَا خَبَرَ فِيهِ يَلْزَمُ يُخَالِفُ هَذَا
وَالْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
حِينَ ذَكَرَ الْقِصَاصَ جُمْلَةً قَالَ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] إِلَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}
[المائدة: 45] وَقَدْ احْتَجَّ بِهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى
أَصْحَابِنَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ إنْ
كَانَ الْعَبْدُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَلَمْ يُفَرِّقْ
اللَّهُ بَيْنَ الْقِصَاصِ فِي الْجُرُوحِ وَالنَّفْسِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ
دَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَاجْعَلْ الْعَبْدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ
الْبَعِيرَيْنِ لَا يَقْتَصُّ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَأَمَّا مَا
أَدْخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى مَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ مِنْ
أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْخِيَارَ فِي
أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَأْخُذَ ثَمَنَ عَبْدِهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ فِي
الْأَحْرَارِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فَكَمَا قَالَ
يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا أُدْخِلَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا
فِي الْعَبْدِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ غَفَلُوا
عَنْهُمَا فِي الْأَحْرَارِ وَهُوَ غَفَلَ عَنْهُ فِيهِمَا جَمِيعًا
وَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
ذَكَرَ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصَ وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ
، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ فِي الْعَمْدِ الدِّيَةَ فَقَدْ خَالَفَ
حُكْمَ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا كَمَا ذُكِرَ كَانَ مِمَّنْ قَدْ
دَخَلَ فِي خِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ زَعَمَ
مِنْ حُكْمِ اللَّهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي عَمْدٍ مَالٌ فَإِنَّمَا
أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُدُودِ الَّتِي يَقْذِفُ بِهَا الْمَرْءُ
فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ بِقَذْفِهِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ
عُقُوبَةٌ فِي بَدَنِهِ فَيَلْزَمُهُ فِيمَا لَا يُقَيَّدُ مِنْهُ مِنْ
الْعَمْدِ أَنْ يُبْطِلَهُ وَلَا يَجْعَلَ فِيهِ مَالًا، فَإِنْ قَالَ
إنَّمَا أَجْعَلُ فِيهِ الْمَالَ إذَا لَمْ أَسْتَطِعْ فِيهِ الْقَوَدَ
قُلْنَا فَمَنْ اسْتَثْنَى لَك هَذَا؟ إنْ كَانَ أَصْلُ حُكْمِ اللَّهِ
كَمَا وَصَفْت فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَقَدْ يَكُونُ الدَّمُ بَيْنَ
مِائَةٍ فَيَعْفُو أَحَدُهُمْ أَوْ يُصَالِحُ فَيَجْعَلُ مُحَمَّدٌ
الدِّيَةَ لِلْبَاقِينَ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ مِنْهَا فَقَدْ جَعَلَ
أَيْضًا فِي الْعَمْدِ الَّذِي يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ مَالًا
رَضِيَهُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ أَوْ لَمْ يَرْضَوْهُ، فَإِنْ قَالَ
فَإِنَّمَا جَعَلْنَا فِيهِ مَالًا حِينَ دَخَلَهُ الْعَفْوُ فَكَانَ
يَلْزَمُهُ عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ يَجْعَلَهُ
كَالرَّجُلَيْنِ قُذِفَ أَبُوهُمَا فَأَيُّهُمَا قَامَ بِالْحَدِّ فَلَهُ
الْحَدُّ وَلَوْ عَفَا الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَفْوٌ وَيَزْعُمُ
أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَحْرَارُ يَعْفُونَ بِشِرْكِهِمْ فِي الدَّمِ
فَحَقْنُ الدَّمِ بِعَفْوِ أَحَدِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِينَ مَالٌ
لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ إنَّمَا وَجَبَ لَهُمْ ضَرْبَةُ سَيْفٍ
فَلَا تَتَحَوَّلُ مَالًا، فَإِنْ قَالَ فَأَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا
مَعِي قُلْت أَجَلْ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَحُكْمِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خِلَافِ
مَا قُلْت أَنْتَ كُلُّهُ وَذَلِكَ لِلْآثَارِ.
[بَابُ دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]
ِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ: قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ
وَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْقَوَدُ وَقَالَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا قُتِلَ
أَحَدُهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ
ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يُقْتَلُ
مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: قَدْ رَوَى أَهْلُ
الْمَدِينَةِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَتَلَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى
بِذِمَّتِهِ» قَالَ مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ
أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ، ثُمَّ
أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ» فَكَانَ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ فَقِيهُهُمْ
رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ قَالَهُ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ إذَا قَتَلَهُ قَتْلَ غِيلَةٍ وَفَرْقٌ بَيْنَ قَتْلِ
الْغِيلَةِ وَقَتْلِ غَيْرِ الْغِيلَةِ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
بِقَتْلِ رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ غِيلَةً مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَتَلَهُ
بِهِ وَقَدْ بَلَغَنَا
(7/338)
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ قُتِلَ بِهِ
فَأَمَّا مَا قَالُوا فِي الدِّيَةِ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَصْدَقُ الْقَوْلِ ذَكَرَ اللَّهُ الدِّيَةَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ {وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ
مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]
، ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلَ الْمِيثَاقِ فَقَالَ {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ
وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَجَعَلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا دِيَةً مُسَلَّمَةً وَلَمْ يَقُلْ فِي أَهْلِ الْمِيثَاقِ نِصْفُ
الدِّيَةِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْمِيثَاقِ لَيْسُوا
مُسْلِمِينَ فَجَعَلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى
أَهْلِهِ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ أَنَّهُ
جَعَلَ دِيَةَ الْكَافِرِ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَرَوَى ذَلِكَ
أَفْقَهُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ فِي زَمَانِهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِحَدِيثِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنُ شِهَابٍ
الزُّهْرِيُّ فَذَكَرَ أَنَّ دِيَةَ الْمُعَاهِدِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِثْلُ دِيَةِ الْحُرِّ
الْمُسْلِمِ فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ جَعَلَهَا مِثْلَ نِصْفِ دِيَةِ
الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ أَعْلَمَهُمْ فِي
زَمَانِهِ بِالْأَحَادِيثِ فَكَيْفَ رَغِبُوا عَمَّا رَوَاهُ أَفْقَهُهُمْ
إلَى قَوْلِ مُعَاوِيَةَ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ
حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ قَتْلَ رَجُلٍ بِذِمِّيٍّ بِكِتَابِ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبَانَ بْنِ
تَغْلِبَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ الْأَسَدِيِّ قَالَ
أَتَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَجُلٍ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ فَقَامَتْ
عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَجَاءَ أَخُوهُ فَقَالَ قَدْ
عَفَوْت عَنْهُ قَالَ فَلَعَلَّهُمْ هَدَّدُوك أَوْ فَرَّقُوك؟ قَالَ لَا
وَلَكِنَّ قَتْلَهُ لَا يَرُدُّ عَلَيَّ أَخِي وَعَوَّضُونِي فَرَضِيت
قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا فَدَمُهُ كَدَمِنَا
وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ دِيَةُ
الْمُعَاهِدِ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ.
حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا
مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ
فَكَتَبَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ
يُدْفَعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ
شَاءُوا عَفَوْا فَدُفِعَ الرَّجُلُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ إلَى رَجُلٍ
يُقَال لَهُ حُنَيْنٌ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَتَلَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ
بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَمْ يُقْتَلْ فَلَا تَقْتُلُوهُ
فَرَأَوْا أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يُرْضِيَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيد قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ
حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ابْنَ شاس الْجُذَامِيَّ قَتَلَ رَجُلًا
مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ فَرُفِعَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَمَرَ
بِقَتْلِهِ فَكَلَّمَهُ الزُّبَيْرُ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَوْهُ عَنْ قَتْلِهِ
قَالَ فَجَعَلَ دِيَتَهُ أَلْفَ دِينَارٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيد قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ
حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ دِيَةُ كُلِّ
مُعَاهِدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ
أَنَّهُ قَالَ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ
سَوَاءٌ.
أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ إلَّا
أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَجُوسِيَّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى -) : لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَدِيَةُ
الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَدِيَةُ
الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَدْ خَالَفَنَا فِي هَذَا غَيْرُ
وَاحِدٍ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ وَسَأَلَنِي بَعْضُهُمْ
وَسَأَلْته وَسَأَحْكِي مَا حَضَرَنِي مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فَقَالَ مَا حُجَّتُك فِي أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ؟ فَقُلْت
مَا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ دَفْعُهُ مِمَّا فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ.
ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَيْضًا، ثُمَّ الْأَخْبَارُ عَمَّنْ بَعْدَهُ فَقَالُوا وَأَيْنَ مَا
فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنْ
الْأَحْكَامِ؟ فَأَمَّا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فَمَا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ
وَلَكِنْ أَسْأَلُ عَنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَقِيلَ لَهُ يَحْضُرُ
الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ قِتَالَ الْكُفَّارِ فَنُعْطِي نَحْنُ وَأَنْتَ
الْمُؤْمِنَ السَّهْمَ وَنَمْنَعُهُ الْكَافِرَ وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ
غِنَاءً مِنْهُ وَنَأْخُذُ مَا أَخَذْنَا مِنْ مُسْلِمٍ بِأَمْرِ اللَّهِ
صَدَقَةً يُطَهِّرُهُ اللَّهُ بِهَا وَيُزْكِيه وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ
الْكُفَّارِ صَغَارًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ
عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَوَجَدْت الْكُفَّارَ فِي
حُكْمِ اللَّهِ
، ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ فِي مَوْضِعِ الْعُبُودِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ
صِنْفًا مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ تَعَبَّدُوا وَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ
أَمْوَالُهُمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَصِنْفًا يُصْنَعُ
(7/339)
ذَلِكَ بِهِمْ إلَّا أَنْ يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَإِعْطَاءُ الْجِزْيَةِ إذَا
لَزِمَهُمْ فَهُوَ صِنْفٌ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
مَنْ كَانَ خَوَلًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي حَالٍ أَوْ كَانَ خَوَلًا لَهُمْ
بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ جِزْيَةً فَيَكُونَ كَالْعَبْدِ
الْمُخَارِجِ فِي بَعْضِ حَالَاتِهِ كُفُؤًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمَا بِهَذَا وَبِأَنْ
أَنْعَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَحَلَّ لَهُمْ حَرَائِرَ نِسَاءِ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَحَرَّمَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى جَمِيعِ الْكَافِرِينَ مَعَ مَا
يَفْتَرِقُونَ فِيهِ سِوَى هَذَا قَالَ إنَّ فِيمَا دُونَ هَذَا لَفَرْقًا
وَلَكِنْ مَا السُّنَّةُ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ
ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي
خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» قَالَ هَذَا
مُرْسَلٌ قُلْت نَعَمْ وَقَدْ يَصِلُهُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي
مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ وَلَكِنْ
فِيهِ حَدِيثٌ مِنْ أَحْسَنِ إسْنَادِكُمْ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ
أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
- فَقُلْت هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ لَا وَاَلَّذِي فَلَقَ
الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا
فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قُلْت وَمَا فِي
الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ
مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عِنْدَنَا مَعْرُوفٌ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُقْتَلُ
مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» غَيْرَ أَنَّا تَأَوَّلْنَاهُ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»
فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ عَنَى الْكُفَّارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ
الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ حَلَالٌ فَأَمَّا مَنْ
مَنَعَ دَمَهُ الْعَهْدُ فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَهُ بِهِ فَقُلْنَا حَدِيثُ
سَعِيدٍ مُرْسَلٌ وَنَحْنُ نَجْعَلُهُ لَك ثَابِتًا هُوَ عَلَيْك مَعَ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ فَمَا مَعْنَاهُ؟ قُلْنَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ
بِكَافِرٍ»
، ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» فَإِنَّمَا قَالَ
وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ إذْ سَقَطَ
الْقَوَدُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ
قَتْلُ مَنْ لَهُ عَهْدٌ مِنْ الْكَافِرِينَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ مَعْنًى
غَيْرَ هَذَا؟ قُلْنَا لَوْ احْتَمَلَهُ كَانَ هَذَا أَوْلَى بِهِ
لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ قَالَ وَمَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ الظَّاهِرُ؟
قُلْنَا لِأَنَّ ذَوِي الْعَهْدِ مِنْ الْكَافِرِينَ كُفَّارٌ قَالَ فَهَلْ
مِنْ سُنَّةٍ تُبَيِّنُ هَذَا؟ قُلْنَا نَعَمْ وَفِيهِ كِفَايَةٌ قَالَ
وَأَيْنَ هِيَ؟ قُلْت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ
الْمُسْلِمَ» فَهَلْ زَعَمْت أَنَّ هَذَا عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرِ
أَهْلِ الْعَهْدِ فَتَكُونُ قَدْ تَأَوَّلْت فِيهِ مِثْلَ مَا تَأَوَّلْت
فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ؟ قَالَ لَا وَلَكِنَّهَا عَلَى الْكَافِرِينَ مَنْ
كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ
يَلْزَمُهُمْ قُلْنَا وَلَا تَجِدُ بُدًّا إذَا كَانَ هَذَا صَوَابًا
عِنْدَك مِنْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ»
أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ صَوَابًا فَتَرُدُّ هَذَا فَتَقُولُ يَرِثُ الْكَافِرُ
الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَلَا يَرِثُهُ إذَا كَانَ
مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَتُبَعِّضُهُ كَمَا بَعَّضْت حَدِيثَ «لَا يُقْتَلُ
مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» قَالَ مَا أَقُولُهُ قُلْنَا لِمَ؟ أَلِأَنَّ
الْحَدِيثَ لَا يَحْتَمِلُهُ؟ قَالَ بَلَى هُوَ يَحْتَمِلُهُ وَلَكِنَّ
ظَاهِرَهُ غَيْرُهُ قُلْنَا فَكَذَلِكَ ظَاهِرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ عَلَى
غَيْرِ مَا تَأَوَّلْت وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ مُعَاذًا وَمُعَاوِيَةَ
وَرَّثَا مُسْلِمًا مِنْ كَافِرٍ
، ثُمَّ تَرَكْت الَّذِي رَوَيْت نَصًّا عَنْهُمَا وَقُلْت لَا حُجَّةَ فِي
أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
، ثُمَّ أَرَدْت أَنْ تَجْعَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ مُتَأَوِّلًا حُجَّةً
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَأْتِيك
بِنَفْسِهِ فَلَا تَقْبَلُهُ مِنْهُ وَتَقُولُ رَجُلٌ مِنْ التَّابِعِينَ
لَا يَلْزَمُنِي قَوْلُهُ قَالَ فَلَيْسَ بِهَذَا وَحْدَهُ قُلْته قُلْنَا
وَقَدْ يَلْزَمُك فِي هَذَا تَرْكُ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ لِأَنَّك إذَا لَمْ
تَقِدْ الْمُسْلِمَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْت فَقَدْ
لَا تَقِيدُهُ وَلَهُ عَهْدٌ قَالَ وَأَيْنَ قُلْت؟ الْمُسْتَأْمَنُ
يَقْتُلُهُ الْمُسْلِمُ لَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَلَهُ عَهْدٌ هُوَ بِهِ
حَرَامُ الدَّمِ وَالْمَالِ فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْك حُجَّةٌ إلَّا هَذَا
لَزِمَتْك قَالَ وَيُقَالُ لِهَذَا مُعَاهِدٌ؟ قُلْنَا نَعَمْ
(7/340)
لِعَهْدِ الْأَمَانِ وَهَذَا مُؤْمِنٌ
قَالَ فَيَدُلُّ عَلَى هَذَا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ؟ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1]
إلَى قَوْلِهِ {أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة: 3] فَجَعَلَ
لَهُمْ عَهْدًا إلَى مُدَّةٍ وَلَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ بِجِزْيَةٍ
كَانُوا أُمَنَاءَ بِعَهْدٍ وَوَصَفَهُمْ بِاسْمِ الْعَهْدِ «وَبَعَثَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إلَى مُدَّتِهِ» قَالَ مَا
كُنَّا نَذْهَبُ إلَّا أَنَّ الْعَهْدَ عَهْدُ الْأَبَدِ قُلْنَا فَقَدْ
أَوْجَدْنَاك الْعَهْدَ إلَى مُدَّةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ
اللَّهُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ
حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6]
فَجَعَلَ لَهُ الْعَهْدَ إلَى سَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ وَبُلُوغِ
مَأْمَنِهِ وَالْعَهْدُ الَّذِي وَصَفْت عَلَى الْأَبَدِ إنَّمَا هُوَ إلَى
مُدَّةٍ إلَى الْمُعَاهِدِ نَفْسِهِ مَا اسْتَقَامَ بِهَا كَانَتْ لَهُ
فَإِذَا نَزَعَ عَنْهَا كَانَ مُحَارِبًا حَلَالَ الدَّمِ وَالْمَالِ
فَأَقَدْت الْمُعَاهِدَ الَّذِي الْعَهْدُ فِيهِ إلَى الْمُشْرِكِ وَلَمْ
تَقِدْ الْمُعَاهِدَ الَّذِي عُقِدَ لَهُ الْعَهْدُ إلَى مُدَّةٍ
بِمُسْلِمٍ
، ثُمَّ هُمَا جَمِيعًا فِي الْحَالَيْنِ مَمْنُوعَا الدَّمِ وَالْمَالِ
عِنْدَك مُعَاهَدَيْنِ أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ أَقِيدُ
الْمُعَاهِدَ إلَى مُدَّةٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَمْنُوعُ الدَّمِ
وَالْمَالِ وَجَاهِلٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ لَا يُقْتَلُ
الْمُؤْمِنُ بِهِ وَلَا أُقِيدُ الْمُعَاهِدَ الْمُقِيمَ بِبِلَادِ
الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ عَالِمٌ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِهِ فَقَدْ
رَضِيَ الْعَهْدَ عَلَى مَا لَمْ يَرْضَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَلَا يَكُونَ
أَحْسَنَ حُجَّةً مِنْك؟ قَالَ فَإِنَّا قَدْ رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَتَلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتَ
نُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِمَنْ رَوَاهُ فَرُوِيَ
حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا مُنْقَطِعٌ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِخِلَافِهِ
أَيُّهُمَا كَانَ أَوْلَى بِنَا أَنْ نُثْبِتَهُ الَّذِي ثَبَتْنَاهُ
وَقَدْ عَرَفْنَا مَنْ رَوَاهُ بِالصِّدْقِ أَوْ الَّذِي ثَبَتْنَاهُ
بِالظَّنِّ؟ قَالَ بَلْ الَّذِي ثَبَتْنَاهُ مُتَّصِلًا فَقُلْت
فَحَدِيثُنَا مُتَّصِلٌ وَحَدِيثُ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ مُنْقَطِعٌ
وَحَدِيثُ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ خَطَأٌ وَإِنَّ مَا رَوَاهُ ابْنُ
الْبَيْلَمَانِيِّ فِيمَا بَلَغَنَا «أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ قَتَلَ
كَافِرًا كَانَ لَهُ عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ وَكَانَ الْمَقْتُولُ رَسُولًا
فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ» وَلَوْ
كَانَ ثَابِتًا كُنْت أَنْتَ قَدْ خَالَفْت الْحَدِيثَيْنِ مَعًا حَدِيثَ
ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَاَلَّذِي قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ
قَبْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَبْلَ الْفَتْحِ بِزَمَانٍ وَخُطْبَةِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ
بِكَافِرٍ» عَامَ الْفَتْحِ قُلْت فَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ كَانَ
مَنْسُوخًا قَالَ فَلَمْ لَمْ تَقْبَلْ بِهِ وَتَقُولُ هُوَ مَنْسُوخٌ
وَقُلْت هُوَ خَطَأٌ؟ .
قُلْت عَاشَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَهْرًا طَوِيلًا وَأَنْتَ إنَّمَا تَأْخُذُ
الْعِلْمَ مِنْ بَعْدُ لَيْسَ لَك بِهِ مِثْلُ مَعْرِفَةِ أَصْحَابِنَا،
«وَعَمْرٌو قَتَلَ اثْنَيْنِ وَدَاهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَزِدْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَمْرًا عَلَى أَنْ قَالَ قَتَلْت رَجُلَيْنِ لَهُمَا مِنِّي
عَهْدٌ لَأُدِيَنَّهُمَا» قَالَ فَإِنَّمَا قُلْت هَذَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا
بِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ قَتَلَ رَجُلًا
مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَكَتَبَ أَنْ اُقْتُلُوهُ، ثُمَّ كَتَبَ بَعْدَ
ذَلِكَ لَا تَقْتُلُوهُ قُلْنَا أَفَرَأَيْت لَوْ كَتَبَ أَنْ اُقْتُلُوهُ
وَقُتِلَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ أَكَانَ يَكُونُ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ؟ قَالَ لَا قُلْنَا
فَأَحْسَنُ حَالِك أَنْ تَكُونَ احْتَجَجْت بِغَيْرِ حُجَّةٍ أَرَأَيْت
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - شَيْءٌ نُقِيمُ الْحُجَّةَ عَلَيْك بِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ
إلَّا مَا قَالَ عُمَرُ أَكَانَ عُمَرُ يَحْكُمُ بِحُكْمٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ
عَنْهُ إلَّا عَنْ عِلْمٍ بَلَغَهُ هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فَهَذَا
عَلَيْك أَوْ أَنْ يَرَى أَنَّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ
الَّذِي قَالَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ رَاجِعًا أَوْلَى أَنْ تَصِيرَ إلَيْهِ؟
قَالَ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرْضِيَهُ بِالدِّيَةِ قُلْنَا
فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخِيفَهُ بِالْقَتْلِ وَلَا يَقْتُلَهُ قَالَ
لَيْسَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ قُلْنَا وَلَيْسَ مَا قُلْت فِي الْحَدِيثِ
قَالَ فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ
فِي مُسْلِمٍ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا إنْ كَانَ الْقَاتِلُ قَتَّالًا
فَاقْتُلُوهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَتَّالٍ فَذَرُوهُ وَلَا تَقْتُلُوهُ
قُلْنَا فَقَدْ رَوَيْنَاهُ، فَإِنْ شِئْت فَقُلْ هُوَ ثَابِتٌ وَلَا
نُنَازِعُك فِيهِ قَالَ، فَإِنْ قُلْته؟ قُلْت فَاتَّبَعَ عُمَرُ كَمَا
قَالَ فَأَنْتَ لَا تَتَّبِعُهُ فِيمَا قَالَ وَلَا فِيمَا قُلْنَا
فَنَسْمَعُك تَحْتَجُّ بِمَا عَلَيْك قَالَ فَيَثْبُتُ عِنْدَكُمْ عَنْ
عُمَرَ فِي هَذَا شَيْءٌ؟ .
قُلْت لَا وَلَا حَرْفٌ وَهَذِهِ أَحَادِيثُ مُنْقَطِعَاتٌ أَوْ ضِعَافٌ
أَوْ تَجْمَعُ الِانْقِطَاعَ وَالضَّعْفَ جَمِيعًا قَالَ فَقَدْ رَوَيْنَا
فِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ
(7/341)
بِمُسْلِمٍ قَتَلَ كَافِرًا أَنْ يُقْتَلَ
فَقَامَ إلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنَعُوهُ فَوَدَّاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَلَمْ
يَقْتُلْهُ فَقُلْت هَذَا مِنْ حَدِيثِ مَنْ يَجْهَلُ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ
ثَابِتٍ فَدَعْ الِاحْتِجَاجَ بِهِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَعَلَيْك فِيهِ
حُكْمٌ وَلَك فِيهِ آخَرُ فَقُلْ بِهِ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّك قَدْ
اتَّبَعْته عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ وَمَا عَلَيَّ فِيهِ؟ قُلْنَا زَعَمْت
أَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ فَمَنَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَهَذَا
عُثْمَانُ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجْتَمَعِينَ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ
فَكَيْفَ خَالَفْتُمْ؟ قَالَ فَقَدْ أَرَادَ قَتْلَهُ قُلْنَا فَقَدْ
رَجَعَ فَالرُّجُوعُ أَوْلَى بِهِ قَالَ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ
الزُّهْرِيِّ أَنَّ دِيَةَ الْمُعَاهِدِ كَانَتْ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دِيَةَ مُسْلِمٍ
تَامَّةً حَتَّى جَعَلَ مُعَاوِيَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ
قُلْنَا أَفَتَقْبَلُ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلَهُ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عَنْ
عُمَرَ أَوْ عَنْ عُثْمَانَ فَنَحْتَجُّ عَلَيْك بِمُرْسَلِهِ؟ قَالَ مَا
يُقْبَلُ الْمُرْسَلُ مِنْ أَحَدٍ وَإِنَّ الزُّهْرِيَّ لَقَبِيحُ
الْمُرْسَلِ قُلْنَا وَإِذَا أَبَيْت أَنْ تَقْبَلَ الْمُرْسَلَ فَكَانَ
هَذَا مُرْسَلًا وَكَانَ الزُّهْرِيُّ قَبِيحَ الْمُرْسَلِ عِنْدَك
أَلَيْسَ قَدْ رَدَدْته مِنْ وَجْهَيْنِ قَالَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ يَدُلُّ
عَلَى خِلَافِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ؟ قُلْنَا نَعَمْ إنْ كُنْت
صَحَّحْته عَنْ الزُّهْرِيِّ وَلَكِنَّا لَا نَعْرِفُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ
كَمَا نَقُولُ قَالَ وَمَا هُوَ قُلْت أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ
عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ ثَابِتٍ الْحَدَّادِ عَنْ ابْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَضَى فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ
وَفِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ
يَسَارٍ قَالَ أَرْسَلْنَا إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَسْأَلُهُ عَنْ
دِيَةِ الْمُعَاهِدِ فَقَالَ: قَضَى فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ قَالَ فَقُلْنَا فَمَنْ
قَبْلَهُ؟ قَالَ فَحَسْبُنَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : هُمْ الَّذِينَ سَأَلُوهُ آخِرًا قَالَ سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ قُلْنَا إنَّهُ لَيَزْعُمُ
أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ عَنْهُ
، ثُمَّ تَزْعُمُونَهُ أَنْتُمْ أَنَّهُ خَاصَّةٌ وَهُوَ عَنْ عُثْمَانَ
غَيْرُ مُنْقَطِعٍ قَالَ فَبِهَذَا قُلْت؟ قُلْت نَعَمْ وَبِغَيْرِهِ قَالَ
فَلِمَ قَالَ أَصْحَابُك نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ قُلْت رَوَيْنَا عَنْ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَدِيَتُهُ نِصْفُ
دِيَةِ الْمُسْلِمِ» قَالَ فَلِمَ لَا تَأْخُذُ بِهِ أَنْتَ؟ قُلْت لَوْ
كَانَ مِمَّنْ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ لَأَخَذَنَا بِهِ وَمَا كَانَ فِي أَحَدٍ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ
قُلْنَا فَيَكُونُ لَنَا مِثْلُ مَا لَهُمْ قَالَ نَعَمْ قَالَ
فَعِنْدَهُمْ فِيهِ رِوَايَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ قُلْت لَهُ نَعَمْ شَيْءٌ
يَرْوُونَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ هَذَا أَمْرٌ
ضَعِيفٌ قُلْنَا فَقَدْ تَرَكْنَاهُ قَالَ فَإِنَّ مِنْ حُجَّتِنَا فِيهِ
أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ
مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]
وَقَالَ {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ
فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}
[النساء: 92] فَلَمَّا سَوَّيْت وَسَوَّيْنَا بَيْنَ قَتْلِ الْمُعَاهِدِ
وَالْمُسْلِمِ فِي الرَّقَبَةِ بِحُكْمِ اللَّهِ كَانَ يَنْبَغِي لَنَا
أَنْ نُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي الدِّيَةِ قُلْنَا الرَّقَبَةُ مَعْرُوفَةٌ
فِيهِمَا وَالدِّيَةُ جُمْلَةٌ لَا دَلَالَةً عَلَى عَدَدِهَا فِي
تَنْزِيلِ الْوَحْيِ فَإِنَّمَا قُبِلَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى عَدَدِهَا
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ بِطَاعَتِهِ أَوْ عَمَّنْ بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ
مَوْجُودًا عَنْهُ قَالَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَدَدُ الدِّيَةِ قُلْنَا
فَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَدَدُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَعَنْ عُمَرَ مِنْ
الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَبِلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِبِلَ وَعَنْ عُمَرَ الذَّهَبَ
وَالْوَرِقَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَهَكَذَا قَبِلْنَا
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَدَ دِيَةِ
الْمُسْلِمِ وَعَنْ عُمَرَ عَدَدَ دِيَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ خَالَفَ
الْإِسْلَامَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ نَعْرِفُهُ أَرَأَيْت إذَا عَشَوْت إلَى أَنَّ
كِلْتَيْهِمَا اسْمُ دِيَةٍ أَفِي فَرْضِ اللَّهِ مَنْ قَتَلَ الْمُؤْمِنَ
الدِّيَةُ وَالرَّقَبَةُ وَمَنْ قَتَلَ الْمُؤْمِنَةَ مِثْلُ ذَلِكَ
لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةً
مُسَلَّمَةً قُلْنَا فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَكُونُ فِيهِ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَدِيَةٌ هَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الدِّيَةِ
الْمُسَلَّمَةِ؟ قَالَ لَا قُلْنَا وَهِيَ أَوْلَى بِمُسَاوَاتِهِ مَعَ
الْإِسْلَامِ
(7/342)
وَالْحُرِّيَّةِ فَإِنَّ مُؤْمِنًا
يَحْتَمِلُ مُؤْمِنًا وَمُؤْمِنَةً كَمَا يَحْتَمِلُ الْمُؤْمِنِينَ
الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ ذُكِرَ مُنْفَرِدًا
فِيهِ أَوَرَأَيْت الرَّجُلَ يَقْتُلُ الْجَنِينَ أَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ
كَفَّارَةٌ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ؟ قَالَ بَلَى قُلْت
لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى مُؤْمِنٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَلِمَ
زَعَمْت أَنَّ دِيَتَهُ خَمْسُونَ دِينَارًا وَهُوَ مُسَاوٍ فِي
الرَّقَبَةِ أَوْ رَأَيْت الرَّجُلَ يَقْتُلُ الْعَبْدَ أَلَيْسَ عَلَيْهِ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُؤْمِنًا؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَفِيهِ
دِيَةٌ أَوْ هِيَ قِيمَتُهُ؟ قَالَ بَلْ هِيَ قِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ
عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ قُلْت فَتَرَى الدِّيَاتِ إذَا لَزِمَتْ
وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ دِيَاتِهِمْ إلَى أَهْلِيهِمْ وَأَنْ
يَعْتِقَ رَقَبَةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَوَاءٌ فِيهِ أَعْلَاهُمْ
وَأَدْنَاهُمْ سَاوَيْت بَيْنَ دِيَاتِهِمْ قَالَ لَا.
قُلْت فَلِمَ أَرَدْت أَنْ تُسَوِّيَ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ إذَا
اسْتَوَيَا فِي الرَّقَبَةِ وَأَنْ تُلْزِمَ قَاتِلَهُمَا أَنْ يُؤَدِّيَ
دِيَةً وَلَمْ تُسَوِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى أَنْ
تُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقَالَ
بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَ بَعْضِ النَّاسِ إنَّ مِمَّا قَتَلْنَا بِهِ
الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ وَالْحُرَّ بِالْعَبْدِ آيَتَيْنِ قُلْنَا
فَاذْكُرْ إحْدَاهُمَا فَقَالَ إحْدَاهُمَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
فِي كِتَابِهِ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] قُلْت وَمَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ حَكَمَ بَيْنَنَا؟ قَالَ
نَعَمْ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ قَدْ نَسَخَهُ عَنَّا فَلَمَّا قَالَ
{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ كُلُّ
نَفْسٍ بِكُلِّ نَفْسٍ إذَا كَانَتْ النَّفْسُ الْمَقْتُولَةُ مُحَرَّمَةً
أَنْ تُقْتَلَ قُلْنَا فَلَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَحْتَجَّ عَلَيْك
بِأَكْثَرَ مِنْ قَوْلِك إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فَزَعَمْت أَنَّ
فِيهَا خَمْسَةَ أَحْكَامٍ مُفْرَدَةً وَحُكْمًا سَادِسًا جَامِعًا
فَخَالَفْت جَمِيعَ الْأَرْبَعَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَعْدَ الْحُكْمِ
الْأَوَّلِ وَالْحُكْمُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ جَمَعْتهمَا فِي
مَوْضِعَيْنِ فِي الْحُرِّ يَقْتُلُ الْعَبْدَ وَالرَّجُلِ يَقْتُلُ
الْمَرْأَةَ فَزَعَمْت أَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِعَيْنِهَا وَلَا عَيْنَ
الْعَبْدِ وَلَا أَنْفَهُ بِأَنْفِهَا وَلَا أَنْفَ الْعَبْدِ وَلَا
أُذُنَهُ بِأُذُنِهَا وَلَا أُذُنَ الْعَبْدِ وَلَا سِنَّهُ بِسِنِّهَا
وَلَا سِنَّ الْعَبْدِ وَلَا جُرُوحَهُ كُلَّهَا بِجُرُوحِهَا وَلَا
جُرُوحَ الْعَبْدِ وَقَدْ بَدَأْت أَوَّلًا بِاَلَّذِي زَعَمْت أَنَّك
أَخَذْت بِهِ فَخَالَفْته فِي بَعْضٍ وَوَافَقْته فِي بَعْضٍ فَزَعَمْت
أَنَّ الرَّجُلَ يَقْتُلُ عَبْدَهُ فَلَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَيَقْتُلُ
ابْنَهُ فَلَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَيَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ فَلَا
تَقْتُلُهُ بِهِ وَكُلُّ هَذِهِ نُفُوسٌ مُحَرَّمَةٌ قَالَ اتَّبَعْت فِي
هَذَا أَثَرًا قُلْنَا فَتُخَالِفُ الْأَثَرَ الْكِتَابَ؟ قَالَ لَا
قُلْنَا فَالْكِتَابُ إذًا عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلْت فَلِمَ فَرَّقْت
بَيْنَ أَحْكَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا تَأَوَّلْت؟ قَالَ
بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ دَعْ هَذَا فَهُوَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ قَالَ
وَالْآيَةُ الْأُخْرَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي
الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] فَقَوْلُهُ {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}
[الإسراء: 33] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَلِوَلِيِّهِ
أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ قِيلَ لَهُ فَيُعَادُ عَلَيْك ذَلِكَ الْكَلَامُ
بِعَيْنِهِ فِي الِابْنِ يَقْتُلُهُ أَبُوهُ وَالْعَبْدِ يَقْتُلُهُ
سَيِّدُهُ وَالْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُهُ الْمُسْلِمُ قَالَ فَلِي مِنْ
كُلِّ هَذَا مَخْرَجٌ قُلْت فَاذْكُرْ مَخْرَجَك قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا جَعَلَ الدَّمَ إلَى الْوَلِيِّ كَانَ الْأَبُ
وَلِيًّا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ قُلْنَا أَفَرَأَيْت
إنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ بَالِغٌ أَتُخْرِجُ الْأَبَ مِنْ الْوِلَايَةِ
وَتَجْعَلُ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتُلَهُ؟ قَالَ لَا أَفْعَلُ قُلْت فَلَا
تُخْرِجْهُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْوِلَايَةِ؟ قَالَ لَا.
قُلْت فَمَا تَقُولُ فِي ابْنِ عَمٍّ لِرَجُلٍ قَتَلَهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ
وَوَارِثُهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ وَكَانَ لَهُ ابْنُ عَمٍّ هُوَ أَبْعَدُ
مِنْهُ أَفَتَجْعَلُ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَقْتُلَ الْأَقْرَبَ؟ قَالَ نَعَمْ
قُلْنَا وَمِنْ أَيْنَ وَهَذَا وَلِيُّهُ وَهُوَ قَاتِلٌ قَالَ الْقَاتِلُ
يَخْرُجُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْوِلَايَةِ قُلْنَا وَالْقَاتِلُ يَخْرُجُ
بِالْقَتْلِ مِنْ الْوِلَايَةِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَلِمَ لَمْ تُخْرِجْ
الْأَبَ مِنْ الْوِلَايَةِ وَأَنْتَ تُخْرِجُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ؟ قَالَ
اتَّبَعْت فِي الْأَبِ الْأَثَرَ قُلْنَا فَالْأَثَرُ يَدُلُّك عَلَى
خِلَافِ مَا قُلْت قَالَ فَاتَّبَعْت فِيهِ الْإِجْمَاعَ قُلْنَا
فَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّك عَلَى خِلَافِ مَا تَأَوَّلْت فِيهِ الْقُرْآنَ
قُلْنَا فَالْعَبْدُ يَكُونُ لَهُ ابْنٌ حُرٌّ فَيَقْتُلُهُ مَوْلَاهُ
أَيَخْرُجُ الْقَاتِلُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَيَكُونُ لِابْنِهِ أَنْ
يَقْتُلَ مَوْلَاهُ؟ قَالَ لَا بِالْإِجْمَاعِ قُلْت فَالْمُسْتَأْمَنُ
يَكُونُ مَعَهُ ابْنُهُ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُسْلِمَ الَّذِي
قَتَلَهُ قَالَ لَا بِالْإِجْمَاعِ قُلْت أَفَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ عَلَى
خِلَافِ الْكِتَابِ؟ قَالَ لَا قُلْنَا فَالْإِجْمَاعُ إذًا يَدُلُّك عَلَى
أَنَّك قَدْ أَخْطَأْت فِي تَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَقُلْنَا لَهُ لَمْ يَجْمَعْ مَعَك أَحَدٌ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ
الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ إلَّا مَنْ مَذْهَبُهُ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ
بِالْعَبْدِ وَلَا يُقْتَلُ الْمُؤْمِنُ
(7/343)
بِالْكَافِرِ فَكَيْفَ جَعَلْت
إجْمَاعَهُمْ حُجَّةً وَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِي أَصْلِ مَا
ذَهَبُوا إلَيْهِ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْعَقْلِ عَلَى الرَّجُلِ خَاصَّةً]
ً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ
مِنْ الْجِنَايَاتِ الْمُوضِحَةَ وَالسِّنَّ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَمَا
كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي لَا تَعْقِلُهُ
الْعَاقِلَةُ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ فَإِذَا بَلَغَ الثُّلُثَ
عَقَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَهُوَ
عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَدْ جَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُصْبُعِ عَشْرًا
مِنْ الْإِبِلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمُوضِحَةِ
خَمْسًا فَجَعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الرَّجُلِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ
وَذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مُجْتَمَعٌ فِي
الْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْيَدِ
وَالرِّجْلِ فَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَعْضَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ فَكَيْفَ افْتَرَقَ ذَلِكَ عِنْدَ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوْ كَانَ فِي هَذَا افْتِرَاقٌ لَأَوْجَبَ عَلَى
الْعَاقِلَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا وَأَوْجَبَ فِي مَالِ الرَّجُلِ مَا
وَجَبَ عَلَيْهِ لَيْسَ الْأَمْرُ هَكَذَا وَلَكِنَّ أَدْنَى شَيْءٍ فَرَضَ
فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُوضِحَةَ
وَالسِّنَّ فَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ
فَهُوَ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ وَقَدْ بَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَرْأَتَيْنِ
اللَّتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا بَطْنَ الْأُخْرَى فَأَلْقَتْ جَنِينًا
مَيِّتًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَضَى فِي ذَلِكَ بِغُرَّةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَقَالَ أَوْلِيَاءُ
الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ كَيْفَ نَدِي مَنْ لَا شَرِبَ
وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا
هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» فَالْجَنِينُ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ
وَلَمْ يَقْضِ بِهِ فِي مَالِهَا وَإِنَّمَا حَكَمَ فِي الْجَنِينِ
بِغُرَّةٍ فَعَدَلَ ذَلِكَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ
بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَهَذَا أَقَلُّ مِنْ
ثُلُثِ الدِّيَةِ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعَاقِلَةِ فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك مَا
قَبْلَهُ مِمَّا اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فِيهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
قَالَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الْخَطَأَ كُلَّهُ إلَّا مَا كَانَ دُونَ
الْمُوضِحَةِ وَالسِّنِّ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ
حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا دُونَ
الْمُوضِحَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ دُونَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ
عَدْلٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ
إبْرَاهِيمَ «أَنَّ امْرَأَةً ضَرَبَتْ بَطْنَ ضَرَّتِهَا بِعَمُودِ
فُسْطَاطٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِيَتِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَقَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ
فَقَالَتْ الْعَاقِلَةُ أَتَكُونُ الدِّيَةُ فِيمَنْ لَا شَرِبَ وَلَا
أَكَلَ وَلَا اسْتَهَلَّ فَدَمُ مِثْلِهِ يُطَلُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجْعٌ كَسَجْعِ الْجَاهِلِيَّةِ
أَوْ شِعْرٌ كَشِعْرِهِمْ كَمَا قُلْت لَكُمْ فِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ
أَمَةٍ» فَهَذَا قَدْ قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعَاقِلَةِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ
وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَهَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْعَقْلُ عَقْلَانِ فَعَقْلُ الْعَمْدِ فِي مَالِ
الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَعَقْلُ الْخَطَأِ عَلَى
عَاقِلَةِ الْجَانِي قَلَّ ذَلِكَ الْعَقْلُ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّ مَنْ
غَرِمَ الْأَكْثَرَ غَرِمَ الْأَقَلَّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ
شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ لَهُ نَعَمْ مَا وَصَفْت أَوَّلًا
كَافٍ مِنْهُ إذَا كَانَ أَصْلُ حُكْمِ الْعَمْدِ فِي مَالِ الْجَانِي
فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ فِيهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ثُمَّ كَانَ
أَصْلُ حُكْمِ الْخَطَأِ فِي الْأَكْثَرِ فِي مَالِ الْعَاقِلَةِ فَهَكَذَا
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْأَقَلِّ فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ خَبَرٍ
نُصَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قِيلَ
نَعَمْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ وَلَا يَجُوزُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْهُ خَبَرٌ
غَيْرُ هَذَا إذْ سُنَّ
(7/344)
أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ
إلَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ خَطَأٍ عَلَيْهَا أَوْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ
فَيَقُولَ كَانَ أَصْلُ الْجِنَايَاتِ عَلَى جَانِيهَا فَلَمَّا قَضَى
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ عَلَى
الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ قُلْنَا مَا بَلَغَ أَنْ يَكُونَ دِيَةً
فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا نَقَصَ مِنْ الدِّيَةِ فَعَلَى جَانِيهِ
وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ وَلَا
تَعْقِلُ دُونَهُ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ تَعْقِلُ
التِّسْعَةَ الْأَعْشَارِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ النِّصْفَ وَلَا
تَعْقِلُ دُونَهُ فَمَا حُجَّتُهُ عَلَيْهِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ
مِنْ خَبَرٍ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ نَعَمْ قَضَى رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ
وَقَضَى بِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ
وَحَدِيثُهُ فِي أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَثْبَتُ
إسْنَادًا مِنْ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِذَا
قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ حِينَ كَانَتْ دِيَةً وَنِصْفَ
عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا مَعًا مِنْ الْخَطَأِ فَكَذَلِكَ يَقْضِي
بِكُلِّ خَطَأٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا
وَاحِدًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْضِي عَلَيْهِمْ
بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِمَا دُونَهُ
وَيَلْزَمُهُ فِي هَذَا مِثْلَ مَا لَزِمَ مَنْ قَالَ يَقْضِي عَلَيْهِمْ
بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِمَا دُونَهُ. فَإِنْ قَالَ
قَائِلٌ فَإِنَّهُ قَدْ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَأَنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى فِيمَا دُونَ نِصْفِ الْعُشْرِ بِشَيْءٍ قِيلَ
لَهُ فَإِنْ كُنْت إنَّمَا اتَّبَعْت الْخَبَرَ فَقُلْت اجْعَلْ
الْجِنَايَاتِ عَلَى جَانِيهَا إلَّا مَا كَانَ فِيهِ خَبَرٌ لَزِمَك
لِأَحَدٍ إنْ عَارَضَك أَنْ تَقُولَ وَإِذَا جَنَى جَانٍ مَا فِيهِ دِيَةٌ
أَوْ مَا فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِذَا
جَنَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ دِيَةٍ وَأَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ
فَفِي مَالِهِ حَتَّى تَكُونَ امْتَنَعَتْ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ
وَرَدَدْت مَا لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ نُصَّ إلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنْ تَكُونَ
الْجِنَايَةُ عَلَى جَانِيهَا وَإِنْ رَدَدْت الْقِيَاسَ عَلَيْهِ فَلَا
بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَمْ يَقْضِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ
بِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هَدْرًا لَا عَقْلَ فِيهِ وَلَا قَوَدَ كَمَا
تَكُونُ اللَّطْمَةُ وَاللَّكْزَةُ أَوْ يَكُونُ إذَا جَنَى جِنَايَةً
اجْتَهَدْت فِيهَا الرَّأْيَ فَقَضَيْت فِيهَا بِالْعَقْلِ قِيَاسًا عَلَى
الَّذِي قَضَى فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنْ الْجِنَايَاتِ فَإِذَا كَانَ حَقٌّ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْجِنَايَاتِ
فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ قِيَاسًا فَالْحَقُّ أَنْ يَقْضِيَ
عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأِ مَا كَانَتْ قَلَّتْ أَوْ
كَثُرَتْ لَا يَجُوزُ إلَّا ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَقَلَّمَا رَأَيْت بَعْضَ النَّاسِ عَابَ شَيْئًا إلَّا شَرَكَ فِي
طَرَفٍ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُحْسِنُ أَنْ يَتَخَلَّصَ بِأَكْثَرَ
مِمَّا يَتَخَلَّصُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَعَلَّ فِيهِ مُؤْنَةً عَلَى
مَنْ جَهِلَ مَوْضِعَ الْحُجَّةِ فَأَمَّا مَنْ عَلِمَهَا فَلَيْسَتْ
عَلَيْهَا مُؤْنَةٌ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ بَعْضُ
مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ تَعْقِلَ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ كَأَنَّهُ إنَّمَا
جَعَلَ عَلَيْهِمْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا لِأَنَّ الثُّلُثَ يَفْدَحُ وَمَا
دُونَهُ لَا يَفْدَحُ قُلْنَا فَلِمَ لَمْ تَجْعَلْ هَذَا فِي دَمِ
الْعَمْدِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ مِائَةُ دِيَةٍ عَمْدًا
لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينُوهُ فِيهَا بِفَلْسٍ أَوْ رَأَيْت لَوْ
كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ مَا وَصَفْت فَجَنَى جَانِيَانِ أَحَدُهُمَا
مُعْسِرٌ بِدِرْهَمٍ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ بِأَلْفِ أَلْفٍ أَمَا يَكُونُ
الدِّرْهَمُ لِلْمُعْسِرِ بِهِ أَفْدَحَ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ
لِلْمُوسِرِ بِهَا الَّذِي لَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ أَلْفٍ مِنْ مَالِهِ
فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْت كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَر فِي
حَالِ الْجَانِي فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ دِرْهَمًا فَفَدْحُهُ جَعَلْته
عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَلْفَيْنِ وَلَا
تَفْدَحُهُ لَمْ تَجْعَلْ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهَا شَيْئًا.
فَإِنْ قَالَ لَوْ قُلْت هَذَا خَرَجْت مِنْ السُّنَّةِ قِيلَ قَدْ خَرَجْت
مِنْ السُّنَّةِ وَلَمْ تَقُلْ ذَا وَلَا شَيْئًا لَهُ وَجْهٌ قَالَ
بَعْضُهُمْ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ
أَنْ تَعْقِلَ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا قُلْنَا الْقَدِيمُ قَدْ
يَكُونُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَلْزَمُ قَوْلُهُ وَيَكُونُ مِنْ
الْوُلَاةِ الَّذِينَ لَا يُقْتَدَى بِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ قَوْلُهُمْ
فَمِنْ أَيِّ هَذَا هُوَ؟ قَالَ أَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلَاهَا وَأَرْفَعُهَا
قُلْت أَفَنَتْرُكُ الْيَقِينَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِظَنٍّ
لَيْسَ مِمَّا أُمِرْنَا بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إلَّا الْقِيَاسُ
مَا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِلظَّنِّ وَلَئِنْ أَدْخَلْت التُّهْمَةَ عَلَى
الرِّوَايَةِ عَلَى الرِّجَالِ الْمَأْمُونِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ ذَلِكَ لَكُمْ لِأَنَّهَا تَقُومُ
مَقَامَ الشَّهَادَةِ لِلتُّهْمَةِ عَلَى
(7/345)
الَّذِي أَلْقَى كَلِمَةَ ظَنٍّ أَوْلَى
أَنْ تَكُونَ مُدْخَلَةً وَلَقَلَّمَا رَأَيْت بَعْضَ مَنْ ذَهَبَ هَذَا
الْمَذْهَبَ يَذْهَبُ إلَّا إلَى ظَنٍّ يُمْكِنُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا
أَمْكَنَ فَيَسْتَوِي هُوَ وَغَيْرُهُ فِي حُجَّتِهِ وَيَكُونُ الْيَقِينُ
أَبَدًا مِنْ رِوَايَتِهِ وَرِوَايَةِ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ
يَكُونُ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ فَمَا حُجَّةُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْخَبَرُ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي
قَطَعَ اللَّهُ بِهِ الْعُذْرَ وَالْقِيَاسَ وَالْمَعْقُولَ وَقَوْلَ
عَوَامِّ أَهْلِ الْبُلْدَانِ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ
ظَنٍّ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ يَسْتَوِيَانِ.
وَلَوْ كَانَ الظَّنُّ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ مَا كَانَ الظَّنُّ وَحْدَهُ
يَقُومُ مَقَامَهَا فَكَيْفَ إذَا كَانَ يُمْكِنُ غَيْرُهُ فِيهِ مِثْلَ
مَا يُمْكِنُهُ وَكَانَ يُخَالِفُ الْيَقِينَ مِنْ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ،
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْخَبَرُ «بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» ؟ قِيلَ
أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ
سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
[بَابُ الْحُرِّ إذَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ]
ِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَبْدِ يُقْتَلُ خَطَأً
إنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إلَّا
أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ بِذَلِكَ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَيُنْقَصُ
مِنْ ذَلِكَ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْكَفُّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَدٌ
مِنْ الْعَبِيدِ إلَّا وَفِي الْأَحْرَارِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا
يُجَاوِزُ بِدِيَةِ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَاضِلًا مَا فُرِضَ
مِنْ الدِّيَاتِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا تَحْمِلُ عَاقِلَةُ
قَاتِلِ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ شَيْئًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى
الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ
الدِّيَةَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنْ
السِّلَعِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ سِلْعَةً
مِنْ السِّلَعِ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ وَالثِّيَابِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ عَلَى عَبْدٍ قَتَلَ عَبْدًا قَوَدٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ
سِلْعَةٍ اسْتَهْلَكَهَا فَلَا قَوَدَ فِيهَا. وَذَكَرَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ أَنَّ فِي الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ
كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي إنْ قَتَلَ رَجُلٌ
مَوْلَى الْعَبْدِ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ
كَانَتْ فِيهِ دِيَتَانِ إذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا فَيَكُونُ فِي
الْعَبْدِ مِنْ الدِّيَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ فِي سَيِّدِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي الْعَبْدِ
يُقْتَلُ: فِيهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهَذَا يُرْوَى عَنْ
عُمَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَلَوْ لَمْ يُرْوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَتْ
لَنَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ بِأَنْ يَزْعُمَ أَنَّ
فِيهِ قِيمَتَهُ بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ دِيَةَ الْحُرِّ
فَيُنْقِصُهُ مِنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمِ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُقْتَلُ
وَقِيمَتُهُ تِسْعَةُ آلَافٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ فَلَا يُنْقَصُ
عَنْ قَاتِلِهِ مِنْهَا شَيْءٌ أَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ
إنَّمَا يُؤَدُّونَ قِيمَةً فِي بَعِيرٍ قُتِلَ أَوْ مَتَاعٍ اُسْتُهْلِكَ
وَمَتَى رَأَوْا رَجُلًا يَغْرَمُ الْأَكْثَرَ وَيَجْنِي جِنَايَةً
فَيُبْطَلُ عَنْهُ بَعْضُهَا فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ مِنْ أَنَّ فِي الْأَحْرَارِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْعَبِيدِ
أَفَرَأَيْت خَيْرَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ وَشَرَّ
الْمَجُوسِ عِنْدَهُ كَيْفَ سَوَّى بَيْنَ دِيَاتِهِمْ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ
الدِّيَاتِ لَيْسَتْ عَلَى الْخَيْرِ وَلَا عَلَى الشَّرِّ وَأَنَّهَا
مُؤَقَّتَاتٌ فَيُؤَدِّي فِي مَجُوسِيٍّ سَارِقٍ فَاسِقٍ مُنْقَطِعِ
الْأَطْرَافِ فِي السَّرِقَةِ مَا يُؤَدِّي فِي خَيْرِ مُسْلِمٍ عَلَى
ظَهْرِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ حُجَّتُهُ وَفِي الْأَحْرَارِ مَنْ هُوَ
خَيْرٌ مِنْ الْعَبِيدِ حُجَّةً فَهِيَ عَلَيْهِ فِي الْمَجُوسِيِّ قَدْ
يَكُونُ فِي الْعَبِيدِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمْ
مُسْلِمُونَ مَعًا، وَالتَّقْوَى وَالْخَيْرُ حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَكُونُ كَافِرٌ أَبَدًا خَيْرًا مِنْ مُسْلِمٍ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ مَوْلَى الْعَبْدِ فَيَدْخُلُ
عَلَيْهِ لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا وَبَعِيرَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ
يُؤَدِّيَ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِلْبَعِيرِ أَقَلَّ مِمَّا
يُؤَدِّي فِي الْبَعِيرِ.
فَإِنْ كَانَ بِهَذَا يَصِيرُ الْبَعِيرُ خَيْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ فَلَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ بَهِيمَةً خَيْرٌ مِنْ مُسْلِمٍ
وَإِنْ كَانَ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْخَيْرِ وَلَا مِنْ الشَّرِّ فِي شَيْءٍ،
وَكَانَتْ دِيَةُ الْمُسْلِمِ مُؤَقَّتَةً لَا يُنْقِصُ مِنْهَا شَرُّ
النَّاسِ وَلَا يَزِيدُ فِيهَا خَيْرُهُمْ وَكَانَ مَنْ اسْتَهْلَكَ مِنْ
شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَيْفَ
لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي الْعَبِيدِ؟ وَكَيْفَ إذَا
(7/346)
نَقَصَ الْعَبِيدُ لَمْ يُنْقِصْ الْإِبِلَ
وَكَيْفَ إذَا نَقَصَ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ لَمْ يُنْقِصْ أَقَلَّ مَا
يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ النُّقْصَانِ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ
آخَرُ أَنْقِصْهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فَاجْعَلْهُ نِصْفَ امْرَأَةٍ
لِأَنَّ حَدَّهُ نِصْفُ حَدِّهَا أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ لَا بَلْ
اجْعَلْ دِيَتَهُ مُؤَقَّتَةً كَمَا قَدْ تَكُونُ دِيَةُ الْأَحْرَارِ
مُؤَقَّتَةً أَلَا يَكُونُ هَؤُلَاءِ أَقْرَبَ أَنْ يَكُونَ لِقَوْلِهِمْ
عِلَّةٌ تَشْتَبِهُ إذَا كَانَ لَا شُبْهَةَ لِقَوْلِهِ أَنْقِصْهُ مَا
تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ أَوْ رَأَيْت لَوْ قَالَ آخَرُ بَلْ أَنْقِصْهُ مَا
تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، أَوْ قَالَ آخَرُ بَلْ أَنْقِصْهُ نِصْفَ عُشْرِ
الدِّيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا انْتَهَى إلَيْهِ النَّبِيُّ فِي
الْجِرَاحِ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ
طَرِيقِ الْقِيمَةِ وَلَا طَرِيقِ الدِّيَةِ، أَوْ رَأَيْت لَوْ أَنَّ
رَجُلًا قَتَلَ مُكَاتَبًا وَعَبْدًا لِلْمُكَاتَبِ وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ
مِائَةٌ وَقِيمَةُ عَبْدِهِ تِسْعَةُ آلَافٍ أَلَيْسَ يُجْعَلُ فِي عَبْدِ
الْمُكَاتَبِ أَكْثَرُ مِمَّا يُجْعَلُ فِي سَيِّدِهِ؟ وَلَا أَعْلَمُ
أَنَّهُ احْتَجَّ بِشَيْءٍ لَهُ وَجْهٌ وَلَا شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ يُخْطِئُ
فِي أَكْثَرَ مِنْهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إنْ كَانَتْ
حَجَّتُهُ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَهُ فَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ
إبْرَاهِيمَ وَغَيْرَهُ مِنْ التَّابِعِينَ لَيْسُوا بِحُجَّةٍ عَلَى
أَحَدٍ.
[بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ]
ِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ قَتَلَ رَجُلًا
خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا مِنْ
الْقَوَدِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا وَوَرِثَ ذَلِكَ أَقْرَبُ النَّاسِ
مِنْ الْمَقْتُولِ بَعْدَ الْقَاتِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ
مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِقَتْلِهِ
إذْ الْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِقَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقَتْلِ عَمْدًا وَقَالُوا فِي الْقَتْلِ خَطَأً لَا
يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَيَرِثُ مِنْ مَالِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ كَيْفَ فَرَّقُوا بَيْنَ دِيَتِهِ وَمَالِهِ يَنْبَغِي إنْ
وَرِثَ مِنْ مَالِهِ أَنْ يَرِثَ مِنْ دِيَتِهِ هَلْ رَأَيْتُمْ وَارِثًا
وَرِثَ مِنْ مِيرَاثِ رَجُلٍ مِيرَاثًا مِنْ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ إمَّا
أَنْ يَرِثَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَرِثَ مِنْ
ذَلِكَ شَيْئًا. أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ
النَّخَعِيِّ قَالَ لَا يَرِثُ قَاتِلٌ مِمَّنْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا
وَلَكِنْ يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ بَعْدَهُ. أَخْبَرَنَا عَبَّادُ
بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ
حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً فَلَمْ
يُوَرِّثْهُ وَقَالَ لَا يَرِثُ قَاتِلٌ شَيْئًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يُدْخَلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ
قَوْلِهِ إنَّهُ يُوَرِّثُ الصَّبِيَّ وَالْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ إذَا
قَتَلَا شَبِيهٌ بِمَا أُدْخِلَ عَلَى أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ هُوَ لَا
يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِيهِ
هُوَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةَ وَعَلَى عَاقِلَةِ
الْبَالِغِ الدِّيَةَ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا مَأْثَمَ عَلَى قَاتِلِ
خَطَأٍ إذَا تَعَمَّدَ غَيْرَ الَّذِي قَتَلَ مِثْلَ أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا
وَلَا يَرْمِيَ إنْسَانًا فَيَعْرِضَ الْإِنْسَانُ فَيُصِيبَهُ السَّهْمُ
وَهَذَا عِنْدَهُ مِمَّا رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَضَعَ اللَّهُ عَنْ
أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهُوَ يُدْخِلُ عَلَى أَصْحَابِنَا مَا أُدْخِلَ
عَلَيْهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ يُوَرِّثُونَ قَاتِلَ الْخَطَأِ مِنْ الْمَالِ
دُونَ الدِّيَةِ وَهِيَ لَوْ كَانَتْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لَمْ تَعْدُ
أَنْ تَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ لِأَبِيهِ عَلَيْهِ
دَيْنٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَرِثَهُ مِنْ مَالِهِ وَوَرِثَهُ مِنْ الدَّيْنِ
الَّذِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ، وَلَيْسَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ
أَنْ يَرِثَ قَاتِلُ الْخَطَأِ وَلَا يَرِثَ قَاتِلُ الْعَمْدِ خَبَرٌ
يُتَّبَعُ إلَّا خَبَرُ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَرْفَعُهُ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا
كَانَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ شَيْءٌ
وَيَرِدَ آخَرُ لَا مُعَارِضَ لَهُ.
(7/347)
[بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ]
ِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلٍ إلَّا قَاتِلٍ قَتَلَ
بِسِلَاحٍ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْقَوَدُ بِالسِّلَاحِ فَإِذَا
قَتَلَ الْقَاتِلُ بِشَيْءٍ لَا يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ يَقَعُ مَوْقِعَ
السِّلَاحِ أَوْ أَشَدَّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ، وَإِذَا ضَرَبَهُ
فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ وَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى يَجِيءَ مِنْ
ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَعِيشُ هُوَ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ يَقَعُ مَوْقِعَ
السِّلَاحِ أَوْ أَشَدَّ فَهَذَا أَيْضًا فِيهِ الْقِصَاصُ قَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ الْحَسَنِ مَنْ قَالَ الْقِصَاصُ فِي السَّوْطِ وَالْعَصَا فَقَدْ
تَرَكَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الْمَشْهُورَ الْمَعْرُوفَ وَخُطْبَتَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ حِينَ
خَطَبَ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ الْعَمْدِ مِثْلَ السَّوْطِ
وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي
بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» فَإِذَا كَانَ مَا تَعَمَّدَ بِهِ مِنْ عَصًا
أَوْ حَجَرٍ فَقَتَلَهُ بِهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ بَطَلَ هَذَا الْحَدِيثُ
فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى إلَّا أَنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ الْعَمْدِ هُوَ
مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِالسَّوْطِ أَوْ بِالْعَصَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ
فَأَتَى عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ فَقَدْ بَطَلَتْ الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ إذَا كَانَ
كُلُّ شَيْءٍ تَعَمَّدَتْ بِهِ النَّفْسُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ
فَقَتَلَتْ بِهِ كَانَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ
فِي أَيِّ شَيْءٍ فُرِضَتْ إنَّمَا هُوَ خَطَأٌ فِي قَوْلِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ أَوْ عَمْدٌ فَشِبْهُ الْعَمْدِ الَّذِي غُلِّظَتْ فِيهِ
الدِّيَةُ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ فِي النَّفْسِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
لِشِبْهِ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ مَعْنًى فِي قَوْلِهِمْ. أَخْبَرَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ
أَوْ رِمْيَةِ تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحِجَارَةٍ أَوْ جُلِدَ بِالسَّوْطِ
أَوْ ضُرِبَ بِعَصًا فَهُوَ خَطَأٌ عَقْلُهُ عَقْلُ الْخَطَأِ وَمَنْ
قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ فَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ وَغَضَبُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْقَتْلُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ قَتْلُ عَمْدٍ وَهُوَ
مَا عَمَدَ الْمَرْءُ بِالْحَدِيدِ الَّذِي هُوَ أَوْحَى فِي الْإِتْلَافِ
وَبِمَا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ بِكَثْرَةِ
الضَّرْبِ وَتَتَابُعِهِ أَوْ عِظَمِ مَا يُضْرَبُ بِهِ مِثْلُ فَضْخِ
الرَّأْسِ وَمَا أَشْبَهُهُ فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ وَالْخَطَأُ كُلَّمَا
ضَرَبَ الرَّجُلُ أَوْ رَمَى يُرِيدُ شَيْئًا وَأَصَابَ غَيْرَهُ فَسَوَاءٌ
كَانَ ذَلِكَ بِحَدِيدِ أَوْ غَيْرِهِ وَشِبْهُ الْعَمْدِ وَهُوَ مَا
عَمَدَ بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ مِثْلُ الضَّرْبِ
بِالسَّوْطِ أَوْ الْعَصَا أَوْ الْيَدِ فَأَتَى عَلَى يَدِ الضَّارِبِ
فَهَذَا الْعَمْدُ فِي الْفِعْلِ الْخَطَأِ فِي الْقَتْلِ وَهُوَ الَّذِي
تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي هَذَا الدِّيَةُ
مُغَلَّظَةٌ فِيهِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ
خَلِفَةً مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا عُيَيْنَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ
بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا
مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي
بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى مَنْ
احْتَجَّ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا وَتَرَكَهُ فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ
عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ
شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَاعٌ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ
وَعِشْرُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ
وَعِشْرُونَ جَذَعَةً فَأَوَّلُ مَا يَلْزَمُ مُحَمَّدًا فِي هَذَا أَنْ
زَعَمَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي
دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا
أَوْلَادُهَا» وَهُوَ لَا يَجْعَلُ خَلِفَةً وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ هَذَا
ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَدْ حُدِّدَ خِلَافُهُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ يُنْصَفُ مَنْ
احْتَجَّ بِشَيْءٍ إذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ قَالَ هُوَ غَيْرُ
ثَابِتٍ عِنْدَهُ وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلَ مَا قُلْنَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثُونَ
حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً مِنْ حَدِيثِ
سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ وَمِنْ حَدِيثٍ آخَرِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً
وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً وَرَوَى
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مِثْلَ مَا قُلْنَا
وَخَالَفَ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَمَا رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ عُمَرَ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ
بِخِلَافِهِمْ مَا قَدْ خَالَفَ هُوَ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ
عَلَيْهِمْ بِهِ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ.
(7/348)
[بَابُ قَتْلِ الْغِيلَةِ وَغَيْرِهَا
وَعَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ]
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ قَتَلَ رَجُلًا
عَمْدًا قَتْلَ غِيلَةٍ أَوْ غَيْرَ غِيلَةٍ فَذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ
الْقَتِيلِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَقَالَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ إذَا قَتَلَهُ قَتْلَ غِيلَةٍ مِنْ غَيْرِ ثَائِرَةٍ وَلَا
عَدَاوَةٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَيْسَ لِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ أَنْ
يَعْفُوا عَنْهُ وَذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ يَقْتُلُ فِيهِ الْقَاتِلُ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ
مِنْ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا
فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ
إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] إلَى قَوْلِهِ
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}
[البقرة: 178] فَلَمْ يُسَمِّ فِي ذَلِكَ قَتْلَ الْغِيلَةِ وَلَا
غَيْرَهَا فَمَنْ قُتِلَ وَلِيُّهُ فَهُوَ وَلِيُّهُ فِي دَمِهِ دُونَ
السُّلْطَانِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَلَيْسَ إلَى
السُّلْطَانِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَى بِرَجُلٍ قَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَأَمَرَ
بِقَتْلِهِ فَعَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ لَهُمْ النَّفْسُ
فَلَمَّا عَفَا هَذَا أَحْيَا النَّفْسَ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْخُذَ
حَقَّهُ حَتَّى يَأْخُذَ غَيْرُهُ قَالَ فَمَا تَرَى قَالَ أَرَى أَنْ
تَجْعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَتَرْفَعَ حِصَّةَ الَّذِي عَفَا
فَقَالَ عُمَرُ وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ
حَمَّادٍ عَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ عَفَا مِنْ ذِي سَهْمٍ فَعَفْوُهُ
عَفْوٌ فَقَدْ أَجَازَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ الْعَفْوَ مِنْ أَحَدِ
الْأَوْلِيَاءِ وَلَمْ يَسْأَلُوا أَقَتْلُ غِيلَةٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ
غَيْرُهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : كُلُّ مَنْ قُتِلَ فِي حِرَابَةٍ أَوْ صَحْرَاءَ
أَوْ مِصْرٍ أَوْ مُكَابَرَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً عَلَى مَالٍ أَوْ
غَيْرِهِ أَوْ قُتِلَ نَائِرَةً فَالْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ إلَى
الْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ إلَى السُّلْطَانِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا
الْأَدَبَ إذَا عَفَا الْوَلِيُّ.
[بَابُ الرَّجُلِ يُمْسِكُ الرَّجُلَ لِلرَّجُلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ]
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرَّجُلِ يُمْسِكُ
الرَّجُلَ لِلرَّجُلِ فَيَضْرِبُهُ بِسِلَاحٍ فَيَمُوتُ مَكَانَهُ إنَّهُ
لَا قَوَدَ عَلَى الْمُمْسِكِ وَالْقَوَدُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَكِنَّ
الْمُمْسِكَ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُسْتَوْدَعُ فِي السِّجْنِ وَقَالَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ إنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ
قُتِلَا بِهِ جَمِيعًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَيْفَ يُقْتَلُ
الْمُمْسِكُ وَلَمْ يَقْتُلْ وَإِذَا أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنْ لَا
يُرِيدَ قَتْلَهُ فَتَقْتُلُونَ الْمُمْسِكَ قَالُوا لَا إنَّمَا
نَقْتُلُهُ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قِيلَ لَهُمْ فَلَا نَرَى
الْقَوَدَ فِي قَوْلِكُمْ يَجِبُ عَلَى الْمُمْسِكِ إلَّا بِظَنِّهِ
وَالظَّنُّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا دَلَّ عَلَى رَجُلٍ
فَقَتَلَهُ وَاَلَّذِي دَلَّ يَرَى أَنَّهُ سَيَقْتُلُهُ إنْ قَدَرَ
عَلَيْهِ أَيُقْتَلُ الدَّالُّ وَالْقَاتِلُ جَمِيعًا وَقَدْ دَلَّ
عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ
يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا الدَّالَّ كَمَا تَقْتُلُونَ
الْمُمْسِكَ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ رَجُلٍ
فَقَتَلَهُ أَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَالْآمِرُ يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ
أَنْ يُقْتَلَا جَمِيعًا أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا حَبَسَ امْرَأَةً لِرَجُلٍ
حَتَّى زَنَى بِهَا أَيُحَدَّانِ جَمِيعًا أَوْ يُحَدُّ الَّذِي فَعَلَ
الْفِعْلَ؟ فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَيُرْجَمَانِ جَمِيعًا؟ يَنْبَغِي
لِمَنْ قَالَ يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ أَنْ يَقُولَ يُقَامُ الْحَدُّ
عَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا سَقَى خَمْرًا أَيُحَدَّانِ
جَمِيعًا حَدَّ الْخَمْرِ أَمْ يُحَدُّ الشَّارِبُ خَاصَّةً؟ أَرَأَيْتُمْ
رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى رَجُلٍ فَافْتَرَى عَلَيْهِ
أَيُحَدَّانِ جَمِيعًا أَمْ يُحَدُّ الْقَاذِفُ خَاصَّةً؟ يَنْبَغِي فِي
قَوْلِكُمْ أَنْ يُحَدَّا جَمِيعًا هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لَا يُحَدُّ
إلَّا الْفَاعِلُ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا الْقَاتِلُ وَلَكِنَّ
(7/349)
عَلَى الْآخَرِ التَّعْزِيرَ وَالْحَبْسَ.
أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي
رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّدًا وَأَمْسَكَهُ آخَرُ فَقَالَ يُقْتَلُ
الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ الْآخَرُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : حَدَّ اللَّهُ
النَّاسَ عَلَى الْفِعْلِ نَفْسَهُ وَجَعَلَ فِيهِ الْقَوَدَ فَقَالَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}
[البقرة: 178] وَقَالَ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] فَكَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ مَنْ
خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ السُّلْطَانَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ
عَلَى الْقَاتِلِ نَفْسِهِ وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ اعْتَبَطَ مُسْلِمًا يُقْتَلُ
فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ» وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}
[النور: 2] وَقَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ
يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}
[النور: 4] وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى يُقْتَدَى
بِهِ حَدَّ أَحَدًا قَطُّ عَلَى غَيْرِ فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ قَوْلِهِ
فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَبَسَ رَجُلًا لِرَجُلِ فَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ
الْقَاتِلُ وَعُوقِبَ الْحَابِسُ وَلَا يَجُوزُ فِي حُكْمِ اللَّهِ
تَعَالَى إذَا قَتَلْت الْقَاتِلَ بِالْقَتْلِ أَنْ أَقْتُلَ الْحَابِسَ
بِالْحَبْسِ وَالْحَبْسُ غَيْرُ الْقَتْلِ وَمَنْ قَتَلَ هَذَا فَقَدْ
أَحَالَ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ إذَا قَالَ {كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] فَالْقِصَاصُ أَنْ
يُفْعَلَ بِالْمَرْءِ مِثْلُ مَا فَعَلَ. وَقُلْنَا أَرَأَيْت الْحَابِسَ
إذَا اقْتَصَصْنَا مِنْهُ وَالْقِصَاصُ هُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُ مَا
فَعَلَ هَلْ ثَمَّ قَتْلٌ فَيُقْتَلُ بِهِ وَإِنَّمَا ثَمَّ حَبْسٌ
وَالْحَبْسُ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا قِصَاصٌ فَيُعَزَّرُ عَلَيْهَا
وَسَوَاءٌ حَبَسَهُ لِيَقْتُلَهُ أَوْ لَا يَقْتُلَهُ وَلَوْ كَانَ
الْحَبْسُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَتْلِ إذَا نَوَى الْحَابِسُ أَنْ يَقْتُلَ
الْمَحْبُوسَ انْبَغَى لَوْ لَمْ يُقْتَلْ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ
فَعَلَ الْفِعْلَ الَّذِي يُقِيمُهُ مَقَامَ الْقَتْلِ مَعَ النِّيَّةِ
وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ صَاحِبُنَا وَعَلَى مَا قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَامَّةُ مَا أَدْخَلَ
مُحَمَّدٌ عَلَى صَاحِبِنَا يَدْخُلُ وَأَكْثَرُ مِنْهُ وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ
لَا يَسْلَمُ مِنْ أَنْ يَغْفُلَ فِي مَوْضِعٍ آخَرِ فَيَدْخُلَ فِي
أَكْثَرَ مِمَّا عَابَ عَلَى صَاحِبِنَا فَيَكُونَ جَمِيعُ مَا احْتَجَّ
بِهِ عَلَى صَاحِبِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حُجَّةً عَلَيْهِ فَإِنْ
قَالَ قَائِلٌ: وَمَا ذَلِكَ؟ قِيلَ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْمًا لَوْ قَطَعُوا
الطَّرِيقَ فَقَتَلُوا وَلَهُمْ قَوْمٌ رِدْءٌ حَيْثُ يَسْمَعُونَ
الصَّوْتَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ مِنْ
الْقَتْلِ قُتِلَ الْقَاتِلُونَ بِقَتْلِهِمْ وَالرَّادُّونَ بِأَنَّ
هَؤُلَاءِ قَتَلُوا بِقُوَّتِهِمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَقُلْت
لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ رَوَيْت فِي هَذَا
شَيْئًا؟ فَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةً فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت رَجُلًا
شَدِيدًا أَرَادَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَالَ لِرَجُلٍ شَدِيدٍ
لَوْلَا ضَعْفِي قَتَلْت فُلَانًا فَقَالَ أَنَا أُكَتِّفُهُ لَك
فَكَتَّفَهُ وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ وَرَفَعَ لِحْيَتَهُ حَتَّى أَبْرَزَ
مَذْبَحَهُ وَأَعْطَى الضَّعِيفَ سِكِّينًا فَذَبَحَهُ فَزَعَمْت أَنَّك
تَقْتُلُ الذَّابِحَ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ وَلَا تَلْتَفِتُ إلَى
مَعُونَةِ هَذَا الَّذِي كَانَ سَبَبَهُ لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ
الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى الْفِعْلِ أَكَانَ
هَذَا أَعْوَنَ عَلَى قَتْلِ هَذَا أَوْ الرِّدْءَ عَلَى قَتْلِ مَنْ مَرَّ
فِي الطَّرِيقِ؟ ثُمَّ تَقُولُ فِي الرِّدْءِ لَوْ كَانُوا حَيْثُ لَا
يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَإِنْ كَانُوا يَرَوْنَ الْقَوْمَ
وَيُعَزِّزُونَهُمْ وَيُقَوُّونَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ إلَّا
التَّعْزِيرُ فَمَنْ حَدَّ لَك حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ قَالَ
فَصَاحِبُكُمْ يَقُولُ مَعِي مِثْلُ هَذَا فِي الرِّدْءِ يُقْتَلُونَ قُلْت
فَتَقُومُ لَك بِهَذَا حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِك إنْ كَانَ قَوْلُك لَا
يَكُونُ حُجَّةً أَفَيَكُونُ قَوْلُ صَاحِبِنَا الَّذِي تَسْتَدْرِكُ
عَلَيْهِ مِثْلَ هَذَا حُجَّةً؟ قَالَ فَلَا تَقُلْهُ قُلْت لَا وَلَمْ
أَجِدْ أَحَدًا يَعْقِلُ يَقُولُهُ وَمَنْ قَالَهُ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ
الْكِتَابِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَلَزِمَهُ كَثِيرٌ مِمَّا
احْتَجَجْت بِهِ فَلَوْ كُنْت إذَا احْتَجَجْت فِي شَيْءٍ أَوْ عِبْته
سَلِمْت مِنْهُ كَانَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ
الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَمُوتَ
فَخَالَفَ مَا احْتَجَّ بِهِ.
(7/350)
[بَابُ الْقَوَدِ بَيْنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ]
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَوَدَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا
فِي النَّفْسِ. وَكَذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ
إبْرَاهِيمَ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِنَفْسِ
الرَّجُلِ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
أَرَأَيْتُمْ الْمَرْأَةَ فِي الْعَقْلِ أَلَيْسَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ
دِيَةِ الرَّجُلِ؟ قَالُوا بَلَى: قِيلَ لَهُمْ فَكَيْفَ قُطِعَتْ يَدُهُ
بِيَدِهَا وَيَدُهُ ضِعْفُ يَدِهَا فِي الْعَقْلِ؟ قَالُوا أَنْتَ تَقُولُ
مِثْلَ هَذَا أَنْتَ تَقْتُلُهُ بِالْمَرْأَةِ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى
النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ قِيلَ لَهُمْ لَيْسَتْ النَّفْسُ
كَغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قَتَلُوا رَجُلًا ضَرَبُوهُ
بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا. وَلَوْ أَنَّ عَشَرَةً
قَطَعُوا يَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَمْ تُقْطَعْ أَيْدِيهِمْ فَلِذَلِكَ
اخْتَلَفَتْ النَّفْسُ وَالْجِرَاحُ. فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّا نَقْطَعُ
يَدَيْ رَجُلَيْنِ بِيَدِ رَجُلٍ فَأَخْبِرُونَا عَنْ رَجُلَيْنِ قَطَعَا
يَدَ رَجُلٍ جَمِيعًا جَزَّهَا أَحَدُهُمَا مِنْ أَعْلَاهَا وَالْآخَرُ
مِنْ أَسْفَلِهَا حَتَّى الْتَقَتْ الْحَدِيدَتَانِ فِي النِّصْفِ مِنْهَا
أَتُقْطَعُ يَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا قُطِعَ نِصْفُ يَدِهِ؟
لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى عَلَى أَحَد.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا قَتَلَ
الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قُتِلَ بِهَا وَإِذَا قَطَعَ يَدَهَا قُطِعَتْ
يَدُهُ بِيَدِهَا فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ الَّتِي هِيَ الْأَكْثَرُ
بِالنَّفْسِ فَاَلَّذِي هُوَ أَقَلُّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِمَا هُوَ
أَقَلُّ وَلَيْسَ الْقِصَاصُ مِنْ الْعَقْلِ بِسَبِيلٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ
مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ فَقَدْ يَقْتُلُهُ بِهَا وَعَقْلُهَا
نِصْفُ عَقْلِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُقْتَلُ الْحُرُّ
بِالْعَبْدِ وَدِيَةُ الْحُرِّ عِنْدَهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَعَلَّ دِيَةَ
الْعَبْدِ خَمْسَةُ دَنَانِيرِ فَلَوْ كَانَ تَفَاوُتُ الدِّيَةِ يَمْنَعُ
الْقَتْلَ لَمْ يُقْتَلْ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ
لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْعَبْدِ عِنْدَهُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ دِيَةِ
حُرٍّ وَلَا عَبْدٌ بِعَبْدٍ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ أَكْثَرَ قِيمَةٍ مِنْ
الْمَقْتُولِ. فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ لَيْسَ مِنْ
مَعْنَى الْعَقْلِ بِسَبِيلٍ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي
الْجِرَاحِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَهَا ذِكْرًا
وَاحِدًا فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي
حَكَمَ بِهَا فِيهِ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}
[المائدة: 45] إِلَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] فَلَمْ يُوجِبْ
فِي النَّفْسِ شَيْئًا مِنْ الْقَوَدِ إلَّا أَوْجَبَ فِيمَا سَمَّى
مِثْلَهُ. فَإِذَا زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنَّ عَشَرَةً
يَقْتُلُونَ رَجُلًا وَاحِدًا فَيُقْتَلُونَ بِهِ وَلَوْ قَطَعُوا يَدَهُ
لَمْ تُقْطَعْ أَيْدِيهِمْ فَلَوْ قَالُوا مَعَهُ قَوْلَهُ لَمْ تَكُنْ
عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بَلْ كَانَتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوهُ فَإِذَا جَعَلْت الْعَشَرَةَ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقْتُلُ كَأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسٍ عَلَى الْكَمَالِ
فَكَذَلِكَ فَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ عَشْرَ دِيَاتٍ إذَا قَتَلُوا إنْسَانًا
فَإِنْ قُلْت مَعْنَى الْقِصَاصِ غَيْرُ مَعْنَى الدِّيَةِ قُلْنَا
وَكَذَلِكَ فِي النَّفْسِ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت نَعَمْ قَالُوا لَك لَا
نَسْمَعُ مَا احْتَجَجْت بِهِ إلَّا عَلَيْك مَعَ أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ
أَوْ مَنْ قَطَعَ مِنْهُمْ يَدَيْنِ بِيَدٍ وَإِذَا يَدَيْنِ بِيَدٍ
فَإِنَّمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا قَاسُوهَا عَلَى النَّفْسِ فَقَالُوا
إذَا أَفَاتَا شَيْئًا لَا يَرْجِعُ كَإِفَاتَةِ النَّفْسِ الَّتِي لَا
تَرْجِعُ قَضَيْنَا عَلَيْهِمَا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِفَاتَةِ
قَضَاءَ كُلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا عَلَى الِانْفِرَادِ.
[بَابُ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ]
ِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا قِصَاصَ
عَلَى أَحَدٍ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَا قَوَدَ فِي
عَظْمٍ إلَّا السِّنَّ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَنْ كَسَرَ يَدًا أَوْ
رِجْلًا أُقِيدَ مِنْهُ وَلَا يَعْقِلُ وَلَكِنَّهُ لَا يُقَادُ حَتَّى
يَبْرَأَ جُرْحُ صَاحِبِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْآثَارُ فِي
أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِي عَظْمٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ
لَيْسَ فِي عَظْمٍ قِصَاصٌ إلَّا السِّنَّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا
قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي
مَالِهِ وَفِي الْكَسْرِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي مَالِهِ وَلَمْ أَكُنْ
لِأَضَعَ الْحَدِيدَ فِي غَيْرِ
(7/351)
الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهَا فِيهِ الْقَاطِعُ وَلَا أَقْتَصُّ مِنْ
عَظْمٍ فَلِذَلِكَ جَعَلْت فِي ذَلِكَ الدِّيَةَ قَالَ وَقَدْ اجْتَمَعْنَا
نَحْنُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِي مَأْمُومَةٍ
فَيَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى الْقَوَدَ فِي الْعِظَامِ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي
الْمَأْمُومَةِ لِأَنَّهَا عَظْمٌ كُسِرَ فَوَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ وَلَمْ
يُصِبْ الدِّمَاغَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَجْعَلَ فِي
الْمُنَقِّلَةِ الْقَوَدَ وَإِنْ اقْتَصَّ مِنْ عَظْمِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ
وَلَمْ يُقْتَصَّ مِنْ كَسْرِ عَظْمِ الرَّأْسِ فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَهُ
وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا افْتِرَاقٌ وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقْتَصَّ
مِنْ الْهَاشِمَةِ وَهِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي هَشَّمَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ
فَإِنْ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْ هَذَا فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَهُ فِي كَسْرِ
الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَقَدْ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - ذَاتَ يَوْمٍ كُنَّا لَا نَقُصُّ مِنْ الْأَصَابِعِ حَتَّى قَصَّ
مِنْهَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَاضٍ عَلَيْهِمْ فَقَصَصْنَا
مِنْهَا فَلَيْسَ يَعْدِلُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فِي الْأَشْيَاءِ بِمَا
عَمِلَ بِهِ عَامِلٌ فِي بِلَادِهِمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : مَعْقُولٌ فِي
كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقِصَاصِ إذْ قَالَ جَلَّ وَعَلَا
{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الْآيَةَ إنَّمَا هُوَ إفَاتَةُ
شَيْءٍ بِشَيْءٍ فَهَذَا سَوَاءٌ وَفِي قَوْلِهِ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}
[المائدة: 45] إنَّمَا هُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِالْجَارِحِ مِثْلَ مَا فَعَلَ
بِالْمَجْرُوحِ فَلَا نَقْصَ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا فِي شَيْءٍ يُفَاتُ مِنْ
الَّذِي أَفَاتَ مِثْلَ عَيْنٍ وَسِنٍّ وَأُذُنٍ وَلِسَانٍ وَغَيْرِ هَذَا
مِمَّا يُفَاتُ فَهَذَا يُفَاتُ إفَاتَةَ النَّفْسِ أَوْ جُرِحَ فَيُؤْخَذُ
مِنْ الْجَارِحِ كَمَا أَخَذَ مِنْ الْمَجْرُوحِ فَإِذَا كَانَ عَلَى
الِابْتِدَاءِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنَّهُ يَقُصُّ مِنْهُ
فَلَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ اقْتَصَّ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ لَا
يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ قَالَ وَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ
أَنْ لَا يُقِصَّ مِنْهُ كَسْرُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لِمَعْنَيَيْنِ
أَحَدِهِمَا أَنَّ دُونَ عَظْمِهِمَا حَائِلًا مِنْ جِلْدٍ وَعُرُوقٍ
وَلَحْمٍ وَعَصَبٍ مَمْنُوعٌ إلَّا بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَوْ
اسْتَبْقَيْنَا أَنْ نَكْسِرَ عَظْمَهُ كَمَا كَسَرَ عَظْمَهُ لَا نَزِيدُ
فِيهِ وَلَا نَنْقُصُ فَعَلْنَا وَلَكِنَّا لَا نَصِلُ إلَى الْعَظْمِ
حَتَّى نَنَالَ مِمَّا دُونَهُ مِمَّا وَصَفْت مِمَّا لَا يَعْرِفُ
قَدْرَهُ مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مِمَّا نَالَ مِنْ غَيْرِهِ
وَالثَّانِي أَنْ لَا نَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ كَسْرٌ كَكَسْرٍ أَبَدًا
فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالْمَأْمُومَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ
وَالْهَاشِمَةُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا قِصَاصٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَنْ
جَنَاهَا فَقَدْ شَقَّ بِهَا اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ فَنَشُقُّ اللَّحْمَ
وَالْجِلْدَ كَمَا شَقَّهُ وَنُهَشِّمُ الْعَظْمَ أَوْ نَنْقُلهُ أَوْ
نَؤُمُّهُ فَنَخْرِقُهُ، فَإِنْ قَالَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَظْمِ وَهُوَ
بَارِزٌ فَهُوَ لَمْ يَتَعَذَّرْ دُونَهُ فَكَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَى
الْعَظْمِ دُونَهُ غَيْرُهُ. |