|
الحاوي
الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي (باب إمامة
المرأة)
(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّهَا صَلَّتْ بِنِسْوَةٍ الْعَصْرَ فَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ وَرُوِيَ
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَمَّتْهُنَّ فَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ وَعَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ
جَارِيَةً لَهُ تَقُومُ بِأَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ
سُلَيْمٍ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ بِنِسَاءٍ
تَقُومُ وَسَطَهُنَّ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي
صَلَاةِ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ جَمَاعَةً عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ
فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَؤُمَّ
النِّسَاءَ فَرْضًا وَنَفْلًا
وَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة يُكْرَهُ لَهَا أَنْ تَؤُمَّ فِي الْفَرْضِ
وَالنَّفْلِ
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ يُكْرَهُ لَهَا الْإِمَامَةُ فِي
الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ، تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ
"
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُمَّ وَرَقَةَ بِنْتَ
نَوْفَلٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
لَمَّا أَرَادَ غَزَاةَ بَدْرٍ قَالَتْ أَخْرُجُ مَعَكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَأُمَرِّضُ الْمَرْضَى فَلَعَلَّ اللَّهَ أن يرزقني الشهادة، فقال
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَرِّي فِي بَيْتِكِ وَأَنْتِ
شَهِيدَةٌ " قَالَ فَسُمِّيَتِ الشهيدة، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَزُورُهَا فِي وَقْتٍ فَأَمَرَهَا أَنْ
تَؤُمَّ بِمَنْ فِي مَنْزِلِهَا، وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا، قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ وَرَأَيْتُ مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا، وَرُوِيَ أَنَّ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَمَّتِ النِّسَاءَ وَقَامَتْ
وَسَطَهُنَّ، وَكَذَلِكَ أَمُّ سَلَمَةَ، وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ الْحُسَيْنِ وَصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّأْخِيرَ عَنْ إِمَامَةِ الرِّجَالِ
الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَمَاعَتَهُمْ
مُسْتَحَبَّةٌ فَالْأَوْلَى لِمَنْ أَمَّ مِنْهُنَّ أَنْ تَقِفَ
وَسَطَهُنَّ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا وَهَلْ جَمَاعَتُهُنَّ فِي
الْفَضْلِ وَالِاسْتِحْبَابِ كَجَمَاعَةِ الرِّجَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
(2/356)
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُنَّ كَالرِّجَالِ،
بِفَضْلِ جَمَاعَتِهِنَّ عَلَى صَلَاةِ الفرد بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ
دَرَجَةً، لِعُمُومِ الْخَبَرِ
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّ جَمَاعَةَ الرِّجَالِ أَفْضَلُ مِنْ
جَمَاعَتِهِنَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}
[البقرة: 228]
(2/357)
|