|
الحاوي
الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي (باب الدعاء
في الاستسقاء)
قال الشافعي رضي الله عنه: " أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَدٍ قَالَ
حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ رَبَاحٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان إذا استسقى قال "
اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا مَحْقَ وَلَا
بَلَاءَ وَلَا هَدْمَ وَلَا غَرَقَ اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ
وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا " (قَالَ
الشَّافِعِيُّ) وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ "
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا هَنِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا
مُجَلَّلًا عَامَّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ
وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ
وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْجَهْدِ
وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُو إِلَّا إِلَيْكَ اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا
الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السماء
وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا
الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ وَاكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا
لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ اللَّهُمَّ إِنَا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ
غَفَّارًا فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا " وَأُحِبُّ أَنْ
يَفْعَلَ هَذَا كُلَّهُ وَلَا وَقْتَ فِي الدُّعَاءِ لَا يُجَاوِزَ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:
وَذَلِكَ هُوَ الْمُخْتَارُ، لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَنْقُولٌ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يَجُوزُ
مُجَاوَزَتُهُ وَلَا التَّقْصِيرُ عَنْهُ، وَبِمَا دَعَا جَازَ.
(فَصْلٌ)
: حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ
الْمُسْتَسْقِي فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَمْطِرْنَا، وَزَعَمَ أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرِ الْمَطَرَ فِي كِتَابِهِ إِلَّا
لِلْعَذَابِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ
مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) {الشعراء: 137) وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ
لِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَمَدَّ يَدَيْهِ بَسْطًا
اللَّهُمَّ أمطرنا ".
(2/523)
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ
بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ: "
أَتَدْرُونَ مَا قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وجل؟ " قال اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ، قَالَ: يَقُولُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ
بِالْكَوَاكِبِ، وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ
قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ
مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَمَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ
كَذَا في دركم مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ وَكَافِرٌ بِي ".
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ عَلَى مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ
تَعْتَقِدُ أَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْمَطَرُ فَكَانُوا كُفَّارًا بِذَلِكَ،
وَالنَّوْءُ: هُوَ النَّجْمُ الَّذِي يَسْقُطُ فِي الْمَغْرِبِ وَيَطْلُعُ
مَكَانَهُ فِي الْمَشْرِقِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَالَ: الْعَبْدُ
مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ
تَعَالَى، لِأَنَّهُ لَا يُمْطَرُ وَلَا يُفْعَلُ إِلَّا بالله سبحانه،
وأما من قال مطرنا ينوء كَذَا عَلَى مَا كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ
يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ إِضَافَةِ الْمَطَرِ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ هُوَ
الْمَاطِرُ فَهَذَا كَافِرٌ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ أَوْ نَجْمٌ، وَهُوَ
مَخْلُوقٌ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ شَيْئًا مِنْ ضَرَرٍ
أَوْ نَفْعٍ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا يَعْنِي: أَنَّا
مُطِرْنَا فِي وَقْتِ نَوْءِ كَذَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ كُفْرًا،
كَقَوْلِهِ مُطِرْنَا فِي شَهْرِ كَذَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ
جَعَلَ الْعَادَةَ أَنَّ يُمْطَرَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، كَمَا رُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ:
إِذَا أَنْشَأَتْ نَجْدِيَّةٌ ثُمَّ اسْتَحَالَتْ شَامِيَّةً فَذَلِكَ
عَيْنٌ عَذِيقَةٌ " يَعْنِي فِيمَا أَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ
الْعَادَةِ.
(فَصْلٌ)
: يُخْتَارُ لِلنَّاسِ أَنْ يَسْتَمْطِرُوا الْغَيْثَ أَوَّلَ نُزُولِهِ
فَيَبْرُزُونَ لَهُ حَتَّى يُصِيبَ ثِيَابَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ
لِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَنْزِعُ ثِيَابَهُ فِي أَوَّلِ مَطْرَةِ،
إِلَّا الإزار يئتزر بِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ
جَارِيَتَهُ بِإِخْرَاجِ رَحْلِهِ إِلَى الْمَطَرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ
حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ
قَالَ " تَوَقَّعُوا الْإِجَابَةَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ،
وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ، وَكَانَ السَّلَفُ
يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إِلَى الرَّعْدِ، وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَاكَ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، فَيُخْتَارُ
الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2/524)
|