الغرر
البهية في شرح البهجة الوردية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(بَابُ الْجُمُعَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا وَحُكِيَ
كَسْرُهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى فِي
الْجَاهِلِيَّةِ عَرُوبَةَ قَالَ الشَّاعِرُ:
نَفْسِي الْفِدَاءُ لِأَقْوَامٍ هُمُو خَلَطُوا ... يَوْمَ الْعَرُوبَةِ
أَوْرَادًا بِأَوْرَادِ
وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأَحَدَ أَوَّلَ، وَالِاثْنَيْنَ أَهْوَنَ،
وَالثُّلَاثَاءَ جُبَارًا، وَالْأَرْبِعَاءَ دُبَارًا، وَالْخَمِيسَ
مُؤْنِسًا، وَالسَّبْتَ شِيَارًا قَالَ الشَّاعِرُ
أُؤَمِّلُ أَنْ أَعِيشَ وَإِنَّ يَوْمِي ... بِأَوَّلَ أَوْ بِأَهْوَنَ
أَوْ جُبَارِ
أَوْ التَّالِي دُبَارٍ فَإِنْ أَفُتْهُ ... فَمُؤْنِسٍ أَوْ عَرُوبَةَ
أَوْ شِيَارِ
وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}
[الجمعة: 9] أَيْ: فِيهِ {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
بَابُ الْجُمُعَةِ) بَيَانٌ لِلتَّالِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
[بَابُ الْجُمُعَةِ]
ِ) (قَوْلُهُ: كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ إلَخْ) أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ قُرَيْشًا
فِيهِ، وَخَطَبَهُمْ. اهـ. سُيُوطِيٌّ، وَالْهَاءُ فِي الْجُمُعَةِ
لِلْمُبَالَغَةِ كَالْعَلَامَةِ، وَلِذَا صُرِفَتْ دُونَ عَرَفَةَ فَإِنَّ
هَاءَهَا لِلتَّأْنِيثِ، وَجُمُعَةٌ لَيْسَ عَلَمًا، بَلْ صِفَةً، وَلَوْ
قُدِّرَ أَنَّ تَاءَهَا لِلتَّأْنِيثِ فِي إطْلَاقِهَا عَلَى الصَّلَاةِ
فَلَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ الْعَلَمِيَّةَ. اهـ.
فَتْحُ الْغَفُورِ، وَفَتْحُ الْبَارِي (قَوْلُهُ: أَوْرَادًا بِأَوْرَادِ)
أَيْ: خَلَطُوا الْأَوْرَادَ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ بِأَوْرَادِ
يَوْمِ الْعَرُوبَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالِاثْنَيْنَ
الْأَهْوَنَ) فِي الْقَامُوسِ الْأَهْوَنُ الرَّجُلُ، وَاسْمُ يَوْمِ
الِاثْنَيْنِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَهْوَدُ كَأَحْمَدَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ،
وَفِيهِ أَوْهَدُ كَذَلِكَ، وَجُبَارٌ كَغُرَابٍ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ،
وَيُكْسَرُ، وَفِيهِ دُبَارٌ كَغُرَابٍ، وَكِتَابٍ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ،
وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ لَيْلَتُهُ، وَفِيهِ أَيْضًا شِيَارٌ كَكِتَابٍ
يَوْمُ السَّبْتِ جَمْعُهُ أَشْيُرٌ، وَشِيَرٌ بِالْكَسْرِ، وَفِيهِ،
وَعَرُوبَةٌ، وَبِاللَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ: وَإِنَّ يَوْمِي إلَخْ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ يَوْمَ مَوْتِي
أَحَدُ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُمْكِنُ أَنْ أَفُوتَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ
يَوْمِ الْجُمُعَةِ) أَيْ: فِيهِ لَمْ يَجْعَلْهَا بِمَعْنَى مِنْ
الْبَيَانِيَّةِ كَمَا قِيلَ: بِهِ لِلُّزُومِ كَوْنِ الْبَيَانِ أَعَمَّ
مِنْ الْمُبَيَّنِ إذْ مُرَادُ ذَلِكَ الْقَائِلِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِإِذَا
أَيْ: اسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَقْتَ النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ،
وَذَلِكَ الْوَقْتُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
[الجمعة: 9]
(2/2)
وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ مِنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ،
أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ
الْغَافِلِينَ» وَقَالَ: «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ
مُحْتَلِمٍ» وَقَالَ «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ،
إلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ
مَرِيضٌ» رَوَى الْأَوَّلَ مُسْلِمٌ وَالثَّانِيَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ
عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالثَّالِثَ أَبُو دَاوُد عَنْ طَارِقِ بْنِ
شِهَابٍ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ:
طَارِقٌ رَأَى النَّبِيَّ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ؛
لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ حُجَّةٌ
عِنْدَ كُلِّ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَبَا إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ
وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي
الْأَرْكَانِ، وَالشُّرُوطِ، وَالْآدَابِ وَتَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ
لِصِحَّتِهَا وَشُرُوطٍ لِلُزُومِهَا وَبِآدَابٍ
وَبَدَأَ بِشُرُوطِ صِحَّتِهَا، فَقَالَ (شَرْطُ) صِحَّةِ (صَلَاةِ
جُمُعَةٍ) سِتَّةٌ أَحَدُهَا (أَنْ تَجْرِيَ كُلًّا) بِنَصْبِهِ تَمْيِيزًا
مُحَوَّلًا عَنْ الْفَاعِلِ أَيْ: أَنْ تَقَعَ كُلُّهَا (مَعَ الْخُطْبَةِ)
الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ (وَقْتَ الظُّهْرِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ وَمَا رَوَايَاهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مِنْ
قَوْلِهِ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ، وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ
يُسْتَظَلُّ بِهِ» مَحْمُولٌ عَلَى شِدَّةِ التَّعْجِيلِ بَعْدَ الزَّوَالِ
جَمْعًا بَيْنَ الْإِجْبَارِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا يَنْفِي
ظِلًّا يُسْتَظَلُّ بِهِ لَا أَصْلَ الظِّلِّ، فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ
ذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَا بَعْدَهُ، وَلَوْ جَازَ تَقْدِيمُ
الْخُطْبَةِ لَقَدَّمَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَقَعَ
الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْوَاجِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: الْأَرْبَعَةَ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ، وَلَا إشْكَالَ،
وَحِينَئِذٍ، فَقَوْلُهُ: عَبْدٌ إلَخْ. خَبَرٌ مَحْذُوفٌ أَيْ: هِيَ، أَوْ
هُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ، بِأَنَّ
إلَّا، بِمَعْنَى لَكِنْ، وَأَرْبَعَةٌ مُبْتَدَأٌ، وَمَا بَعْدَهُ بَدَلٌ
مِنْهُ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: لَكِنْ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ ظَهَرَ مَا سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ،
بِالنَّكِرَةِ، وَهُوَ نَعْتُهُ، بِالْمَحْذُوفِ الْمَعْلُومِ مِنْ
السِّيَاقِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. سم (قَوْلُهُ: إلَّا أَرْبَعَةٌ) إنْ كَانَ
مَرْفُوعًا، فَوَجْهُهُ أَنَّ رَفْعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ
مُوجَبٍ لُغَةً خَرَجَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ
إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ} [البقرة: 249]
(قَوْلُهُ: كُلًّا مَعَ الْخُطْبَةِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ تَقْدِيرَ
قَوْلِهِ الْآتِي فِي خُطْبَةٍ أَنْ يَجْرِيَ كُلًّا مِنْ الْخِطَّةِ فِي
خِطَّةٍ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ، وَهُوَ، أَوْ السَّامِعُونَ
خَارِجَ الْخِطَّةِ لَمْ يَجُزْ م ر (قَوْلُهُ: لَقَدَّمَهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَدْ يُمْنَعُ لِجَوَازِ
أَنَّ السُّنَّةَ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ جَوَازِ تَقْدِيمِهَا إلَّا
أَنْ يُقَالَ: لَوْ جَازَ كَانَ الظَّاهِرُ تَقْدِيمَهَا، وَلَوْ مَرَّةً
لِبَيَانِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: صَلَّوْا ظُهْرًا) قَالَ فِي شَرْحِ
الرَّوْضِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ، وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ مَدَّ
الرَّكْعَةَ الْأُولَى حِينَ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَا يَسَعُ
الثَّانِيَةَ هَلْ تَنْقَلِبُ ظُهْرًا الْآنَ، أَوْ عِنْدَ خُرُوجِ
الْوَقْتِ، وَرُجِّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ، وَنَظَائِرُهُ مَا لَوْ
أَحْرَمَ، بِصَلَاةٍ، وَكَانَتْ مُدَّةُ الْخُفِّ تَنْقَضِي فِيهَا، أَوْ
حَلَفَ لَيَأْكُلَن هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا، فَأَكَلَهُ فِي الْيَوْمِ هَلْ
يَحْنَثُ، وَنَحْوُهُمَا تَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي لَكِنْ يُفَرَّقُ،
بِأَنَّ الْجُمُعَةَ أَحْوَطُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ.
، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ الثَّانِيَ، وَلَا
يَتَّجِهُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا، وَمَسْأَلَةِ الْحَلِفِ الْمَذْكُورَةِ،
بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا تَوَهَّمَ إذْ
الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ عَلَى الْعُرْفِ إذْ
تَأَخُّرُ الْحِنْثِ لِلْغَدِ لَيْسَ لِلْعُرْفِ إذْ الْعُرْفُ لَا
يَقْتَضِي ذَلِكَ بَلْ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَضِيَّةُ
اللُّغَةِ لَا الْعُرْفِ، فَتَأَمَّلْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
أَيْ: صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، أَوْ الْخُطْبَةِ. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: «، أَوْ
لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ» ) أَيْ يَجْعَلُ عَلَيْهَا
شَيْئًا يَمْنَعُ قَبُولَهَا الْحَقَّ كَمَا يَمْنَعُ الْخَتْمُ مِنْ
الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ
[شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]
(قَوْلُهُ: لِتَقَعَ الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ) أَيْ: وَقَدْ، وَرَدَ
فِي ذَلِكَ الطَّلَبِ الْعَامِّ لِلْجُمُعَةِ، وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ:
وَوَقَعَ بَعْضُ الصَّلَاةِ إلَخْ) ، وَلَوْ رَكْعَةً خِلَافًا لِلْإِمَامِ
مَالِكٍ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَسْلِيمَةَ
مَسْبُوقٍ) يُحْتَمَلُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَلَّمَ جَاهِلًا،
وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِهِ، وَعِلْمِهِ فَيُتِمُّ ظُهْرًا،
ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى، وَوَقَعَ
بَعْضُ الصَّلَاةِ أَيْ: تَقْدِيرًا بِحَيْثُ لَوْ سَلَّمَ سَلَّمَ خَارِجَ
الْوَقْتِ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: أُتِمَّتْ
ظُهْرًا) أَيْ: عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ أَنَّهُ
يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى
تَجْدِيدِ نِيَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ
(قَوْلُهُ: أُتِمَّتْ ظُهْرًا) ، وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ الظُّهْرِ
قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَلَوْ لَمْ يُجَدِّدُوا
نِيَّةَ الظُّهْرِ قَالَ سم عَلَى التُّحْفَةِ: ظَاهِرُهُ جَوَازُ
تَجْدِيدِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
أَقُولُ: لَا نَظَرَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّجْدِيدِ حِينَئِذٍ أَنْ
يَنْوِيَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْآنَ مِنْ الظُّهْرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ
يَقْتَضِي الْحَالَ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنْوِيَ
ابْتِدَاءً ظُهْرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي
الشَّرْقَاوِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ:
وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ إتْمَامِهَا ظُهْرًا نَعَمْ يُسَنُّ ذَلِكَ.
اهـ. (قَوْلُهُ: أُتِمَّتْ ظُهْرًا) يَحْتَاجُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ
الظُّهْرَ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْجُمُعَةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: نَوَيْت
الْجُمُعَةَ مَا لَمْ يَعْرِضْ مُوجِبُ الظُّهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ
الْإِمَامِ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ، وَذَلِكَ لِالْتِزَامِهِ،
وَاعْتِقَادِهِ ذَلِكَ الْحُكْمَ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ
بِهَذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فَلْيُحَرَّرْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى
الْمَنْهَجِ التَّصْرِيحَ بِالصِّحَّةِ حِينَئِذٍ عَنْ م ر قَالَ:
لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَضُرَّ.
اهـ.
(2/3)
صَلَّوْا ظُهْرًا، وَلَوْ شَرَعُوا فِيهِ
وَوَقَعَ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَلَوْ تَسْلِيمَةَ الْمَسْبُوقِ خَارِجَهُ
أُتِمَّتْ ظُهْرًا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا
بَعْدَهُ، فَتَنْقَطِعُ بِخُرُوجِهِ كَالْحَجِّ وَإِلْحَاقًا لِلدَّوَامِ
بِالِابْتِدَاءِ كَدَارِ الْإِقَامَةِ نَعَمْ لَوْ شَكَّ فِي أَثْنَائِهَا
فِي خُرُوجِهِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَلَوْ
أَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ بِخُرُوجِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ: قَالَ ابْنُ
الْمَرْزُبَانْ يُحْتَمَلَ فَوْتُهَا قَالَ: وَعِنْدِي خِلَافُهُ إلَّا
أَنْ يَعْلَمُوا نَقْلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَوْجَهُ فَوْتُهَا
عَمَلًا بِخَبَرِ الْعَدْلِ كَمَا فِي غَالِبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ قَالَ
الْقُونَوِيُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْبُوقِ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ
الْوَقْتِ وَبَيْنَ الْقُدْوَةِ، وَالْعَدَدُ فِي حَقِّهِ نَظَرٌ إذْ كُلٌّ
مِنْهَا شَرْطٌ لِلْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُحَطَّ عِنْد الْوَقْتُ
فِيمَا يَتَدَارَكُهُ كَمَا حُطَّ عَنْهُ الْقُدْوَةُ، وَالْعَدَدُ إلَّا
إنْ ثَبَتَ أَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِرِعَايَتِهِ أَكْثَرُ، وَلَا
يَكْفِي فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ مُجَرَّدُ الِاسْتِنَادِ إلَى اخْتِلَافِ
قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي انْفِضَاضِ الْمَحَلِّ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ
اخْتِلَافِهِ فِي فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ
الْإِمَامِ خَارِجَ الْوَقْتِ انْتَهَى، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ
فِيمَا ذُكِرَ كَمَا يَكْفِي فِيهِ تَوَقُّفُ صِحَّةِ الصَّلَوَاتِ عَلَى
دُخُولِ وَقْتِهَا وَحُرْمَةِ تَأْخِيرِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ الْقُدْوَةِ،
وَالْعَدَدِ وَأَتَى النَّاظِمُ بِكُلٍّ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ الْخُطْبَةِ
لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ وُقُوعَ بَعْضِهَا فِي الْوَقْتِ كَافٍ فِي
وُقُوعِهَا جُمُعَةً كَغَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ
ثَانِيهَا أَنْ تَجْرِيَ (فِي خِطَّةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ الْأَرْضُ
يَخْتَطُّهَا الرَّجُلُ بِأَنْ يُعَلِّمَ عَلَيْهَا عَلَامَةً بِالْخَطِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أُتِمَّتْ ظُهْرًا) أَيْ: بِنَاءً وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْإِسْنَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ، بِمَا لَوْ دَخَلَتْ
فِرْقَةٌ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ أُخْبِرُوا، بِأَنَّ غَيْرَهُمْ سَبَقَهُمْ
حَيْثُ يَمْتَنِعُ التَّعَدُّدُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ
الِاسْتِئْنَافُ، وَلَهُمْ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا، وَقَدْ
يُفَرَّقُ، بِأَنَّا لَوْ قُلْنَا، بِجَوَازِ الِاسْتِئْنَافِ فِي
مَسْأَلَتِنَا لَزِمَ عَلَيْهِ إيقَاعُ فِعْلٍ مِنْ الصَّلَاةِ قَضَاءً
بَعْدَ إمْكَانِ فِعْلِهِ أَدَاءً، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّبْقِ بَعْدَ
أَنْ صَلَّوْا رَكْعَةً، وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً
أُخْرَى فَقَطْ أَنْ يَلْزَمَ الْبِنَاءُ، وَيَمْتَنِعَ الِاسْتِئْنَافُ،
وَقَدْ يُلْتَزَمُ بِرّ إلَّا أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ قَدْ يَتَخَلَّفُ
فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرِكُوا رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ: مَا
يَسَعُ رَكْعَةً أَيْ: أَوْ لَمْ يَبْقَ مَا يَسَعُ رَكْعَةً، بِالْأُولَى
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ شَكَّ إلَخْ.) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ فَوَاتِهَا،
بِخَبَرِ الْعَدْلِ كَمَا يَأْتِي آنِفًا مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ
الظَّنَّ حُمِلَ الشَّكُّ عَلَى التَّرَدُّدِ، بِاسْتِوَاءِ رُجْحَانِ
الْبَقَاءِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ، بِأَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ مُنَزَّلٌ شَرْعًا
مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ (قَوْلُهُ: كَمَا حُطَّ عَنْهُ الْقُدْوَةُ،
وَالْعَدَدُ) يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ، بِمَنْعِ أَنَّهُ حُطَّ عَنْهُ
الْقُدْوَةُ، وَالْعَدَدُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ، بِالْقُدْوَةِ
الْمَشْرُوطَةِ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ جَمَاعَةً، وَمَنْ أَدْرَكَ بَعْضَ
الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ كَانَتْ صَلَاتُهُ جَمِيعًا جَمَاعَةً،
وَالْمُرَادُ، بِالْعَدَدِ أَنْ تَحْصُلَ الْجُمُعَةُ لِأَرْبَعِينَ،
وَقَدْ حَصَلَتْ لِأَرْبَعِينَ، وَإِنْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،
بِالْفَرَاغِ، فَتَدَبَّرْ سم (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي إلَخْ.) ، وَجْهُ
عَدَمِ الْكِفَايَةِ أَنَّهُ يَعُودُ السُّؤَالُ، فَيُقَالُ: لِمَ
اخْتَلَفَ قَوْلُهُ: فِي شَأْنِ الْجَمَاعَةِ دُونَ الْوَقْتِ مَعَ
أَنَّهُمَا شَرْطَانِ قَالَهُ الْجَوْجَرِيُّ كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا
الشِّهَابِ، وَيُجَابُ، بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْتِ، وَالْجَمَاعَةِ،
بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ كَمَا يَكْفِي فِيهِ إلَخْ.
فَتَأَمَّلْهُ. سم (قَوْلُهُ:، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ) أَيْ:؛
لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ، بِالْوَقْتِ
أَكْثَرُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْشَأَ أَكْثَرِيَّةِ الِاعْتِنَاءِ،
بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ) هَذَا لَا يَصْلُحُ
لِتَوْجِيهٍ دُونَ الْخُطْبَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: إسْقَاطُ كُلٍّ مِنْ
الْخُطْبَةِ يُوهِمُ جَوَازَ تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى الْوَقْتِ
فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فِي خِطَّةِ) لَوْ أَحْرَمَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ
خَارِجَ الْخِطَّةِ، بِالظُّهْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: أُتِمَّتْ ظُهْرًا) نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ
نَقَصَ الْعَدَدُ فِي أَثْنَائِهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ حُصُولُهُ فِي
الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كَوْنُهَا جُمُعَةً، وَتَنْقَلِبُ ظُهْرًا
لَكِنَّ الْأَفْضَلَ هُنَا اسْتِئْنَافُهَا ظُهْرًا، وَقَلْبُ مَا هُمْ
فِيهِ نَفْلًا كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ ع ش فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا
عِبَادَةٌ إلَخْ) بِخِلَافِ صَلَاة الظُّهْرِ مَثَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ:
كَالْحَجِّ) فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ حِينَئِذٍ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ م ر
(قَوْلُهُ: اخْتِلَافٌ) حَيْثُ قَالَ: تَارَةً تَبْطُلُ بِإِنْقَاضِ بَعْضِ
الْأَرْبَعِينَ، وَتَارَةً لَا تَبْطُلُ إنْ بَقِيَ اثْنَا عَشَرَ،
وَتَارَةً لَا تَبْطُلُ إنْ بَقِيَ اثْنَانِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر
(قَوْلُهُ: مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ) لَعَلَّهُ خَصَّهُ لِوُقُوعِ كَلَامِ
الشَّافِعِيِّ فِيهِ (قَوْلُهُ: كَغَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ) هَذَا
مُسْتَنَدُ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ، وَلَا يَأْتِي فِي الْخُطْبَةِ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: خِطَّةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَحَلٌّ
(2/4)
لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ احْتَازَهَا
لِيَبْنِيَهَا دَارًا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْمُرَادُ هُنَا مَا
بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ (مِنْ بَلْدَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ مِنْ (سَرَبْ)
بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ أَيْ: بَيْتٍ فِي الْأَرْضِ (أَوْ) مِنْ
(قَرْيَةٍ حَتَّى الَّتِي مِنْ الْخَشَبْ) ، أَوْ الْقَصَبِ، أَوْ
السَّعَفِ، أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدُ، وَالْفَضَاءُ
بِخِلَافِ خَارِجِ الْخِطَّةِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْهُ سَفَرُ الْقَصْرِ
لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَالْخَفَاءُ بَعْدَهُ إلَّا فِي دَارِ الْإِقَامَةِ وَبِخِلَافِ
الْخِيَامِ، وَإِنْ اسْتَوْطَنَهَا أَهْلُهَا دَائِمًا لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ الْمُقِيمِينَ حَوْلَ
الْمَدِينَةِ بِهَا، فَإِنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِينَ وَلَوْ
انْهَدَمَتْ أَبْنِيَةُ الْخِطَّةِ وَأَقَامُوا عَلَى الْعِمَارَةِ
لَزِمَتْهُمْ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَظَالَّ؛ لِأَنَّهَا
وَطَنُهُمْ، وَلَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ بِنَاءٍ إلَّا فِي هَذِهِ
ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْقَرْيَةُ الْأَبْنِيَةُ الْمُجْتَمَعَةُ
قَلِيلَةٌ أَوْ كَثِيرَةٌ، فَتَعُمُّ الْبَلَدَ لَكِنْ غَلَبَ عُرْفًا
تَخْصِيصُهَا بِالْقَلِيلَةِ، أَوْ الْبَلَدُ بِالْكَثِيرَةِ وَمِنْهُ
كَلَامُ الْفُقَهَاءِ
ثَالِثُهَا أَنْ تَجْرِيَ (غَيْرُ مُقَارِنٍ، وَ) لَا (مَسْبُوقٍ رَا
تَحْرِيمَهَا بِمِثْلِهِ) أَيْ: بِرَاءِ تَحْرِيمِهَا (مِنْ) جُمُعَةٍ
(أُخْرَى) بِبَلْدَتِهَا، فَلَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا بِالرَّاءِ،
وَالْأُخْرَى بِالْهَمْزَةِ، فَالسَّابِقَةُ الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ
دُونَ الْمَسْبُوقَةِ، وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ
لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى
الْوَاحِدَةِ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ
الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ، وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
وَأَحْرَمَ، بِالْجُمُعَةِ دَاخِلَ الْخِطَّةِ أَرْبَعُونَ مُقْتَدُونَ،
بِهِ، فَهَلْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ، أَوْ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ،
بِالْجُمُعَةِ فِي قَرْيَتِهِمْ مُقْتَدِينَ، بِإِمَامٍ جُمُعَةً أُخْرَى
تُقَامُ، بِقَرْيَةٍ أُخْرَى، بِقُرْبِ قَرْيَتِهِمْ عَلَى، وَجْهٍ لَا
يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ، وَعَدَمِ
الْحَائِلِ، فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ،
وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي صِحَّتُهَا فِيهِمَا (قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ
الْأَبْنِيَةِ) يَتَّجِهُ أَنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ تَرَخُّصُ الْخَارِجِ
مِنْ الْقَرْيَةِ عَلَى مُجَاوَزَةِ مَطْرَحِ الرَّمَادِ، وَمَلْعَبِ
الصِّبْيَانِ أَنْ تَصِحَّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ،
وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْأَبْنِيَةِ سم (قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ)
بَلْ، وَنَفْسُ الْأَبْنِيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَرَبْ) يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ مَعْنَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْخِطَّةُ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا
سَرَبًا لَكِنَّهُ، وَقَفَ عَلَيْهِ، بِلُغَةِ رَبِيعَةَ، وَهَذَا
يُوَافِقُ قَوْلَ شَيْخِنَا الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ
إقَامَتُهَا فِي سَرَبٍ تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ،
فَعُرِفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إقَامَتُهَا عَلَى، وَجْهِ الْأَرْضِ
قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَلَكِنَّ هَذَا
أَحْسَنُ. اهـ.
، فَلْيُتَأَمَّلْ. سم (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ: مُجْتَمِعَةً مِنْ
بُيُوتٍ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ اسْمَ كَانَ ضَمِيرُ
الْبَلْدَةِ، وَعَلَى هَذَا كَانَ يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ لَفْظَةِ
مِنْ، وَجَعْلُ الْخَبَرِ لَفْظَ سَرَبٍ، وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ، بِلُغَةِ
رَبِيعَةَ أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ سَرَبًا أَيْ: بُيُوتًا تَحْتَ
الْأَرْضِ، فَتَأَمَّلْ. وَعَلَى ذِكْرِ مِنْ، فَالْمَعْنَى مُجْتَمِعَةٌ
مِنْ سَرَبٍ سم (قَوْلُهُ: أَوْ قَرْيَةٍ) عَطْفٌ عَلَى بَلْدَةٍ، وَحَذَفَ
هُنَا قَوْلَهُ، وَلَوْ سَرَبْ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ، وَفِي عِبَارَةِ
الْعِرَاقِيِّ إشْعَارٌ، بِذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ. سم (قَوْلُهُ: وَإِنْ
لَمْ يَكُونُوا فِي مَظَالَّ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَهَذَا
يُخَالِفُ مَا لَوْ نَزَلُوا مَكَانًا، وَأَقَامُوا فِيهِ لِيَعْمُرُوهُ
قَرْيَةً لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ اسْتِصْحَابًا
لِلْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ. اهـ.، وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْبِنَاءِ هَلْ
الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْبِنَاءِ، أَوْ مَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى فِيهِ
نَظَرٌ
(قَوْلُهُ: أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ إلَخْ.) قَدْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الشِّعَارَ مَعَ الِاتِّحَادِ أَتَمُّ، فَيُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ فِي
بَابِ الْجَمَاعَةِ مِنْ عَكْسِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجَابَ، بِأَنَّ
الْمُرَادَ هُنَا شِعَارُ الِاجْتِمَاعِ، وَهُنَاكَ شِعَارُ الصَّلَاةِ،
فَتَأَمَّلْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
مَعْدُودٌ مِنْ الْبَلَدِ بِأَنْ لَمْ يَجُزْ لِمُرِيدِ السَّفَرِ مِنْهَا
الْقَصْرُ فِيهِ. اهـ. حَجَرٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُنَا مَا بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ) أَيْ: لَا
حَقِيقَةُ الْخِطَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَرْضُ الْمَذْكُورَةُ، إذْ لَا
يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودُ أَبْنِيَةٍ فِيهَا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: مَا
بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ) الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ مَوْضِعِهَا لَا تُقْصَرُ
فِيهِ الصَّلَاةُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَبْنِيَةٍ، بِأَنْ كَانَ
بِطَرَفِ بِنَاءِ بَلْدَةٍ طَرَفُهَا الْآخَرُ أَطْوَلُ تَأَمَّلْ،
وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَبْنِيَةِ لِلْغَالِبِ فَلَوْ كَانَ بِنَاءٌ وَاحِدٌ
كَثُرَ أَهْلُهُ صَحَّتْ مِنْهُمْ. اهـ. م ر، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ
عَمِيرَةَ عَلَى الْمَنْهَجِ بِخِطَّةِ أَبْنِيَةٍ أَيْ: فِي بُقْعَةٍ
تُنْسَبُ إلَى تِلْكَ الْأَبْنِيَةِ فَتُفِيدُ الْإِضَافَةُ اشْتِرَاطَ
عَدَمِ تَغَرُّقِ الْأَبْنِيَةِ بِحَيْثُ لَا تُنْسَبُ الْبُقْعَةُ
إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ إذَا عُدَّ خَطٌّ مِنْ الْقَرْيَةِ
عُرْفًا، فَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ، وَإِنَّ الْفَصْلَ عَنْ
بَقِيَّةِ عُمْرَانِهَا، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ نَصُّ الشَّافِعِيِّ. اهـ.
وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي فَضَاءٍ مَعْدُودٍ مِنْ خِطَّةِ
الْبَلَدِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ بَلْدَةٍ) الْبَلْدَةُ بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ
مُجْتَمِعَةٌ بِحَيْثُ تُسَمَّى بَلْدَةً وَاحِدَةً، وَالْقَرْيَةُ بُيُوتٌ
قَلِيلَةٌ كَذَلِكَ. اهـ. م ر وَحَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ:
الْخِطَّةُ أَوْ الْبَلْدَةُ مِنْ سَرَبٍ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ
سَمَّاهُ بِنَاءً مَجَازًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَقَامُوا عَلَى
الْعِمَارَةِ) إخْرَاجُ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدُوا شَيْئًا سم، وَفِي ع ش
خِلَافُهُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَأَقَامُوا) أَيْ أَهْلُهَا بِخِلَافِ
مَا إذَا أَقَامَ غَيْرُهُمْ عَلَى عِمَارَتِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ
مَا يَعُمُّ أَوْلِيَاءَهُمْ، وَلَوْ أَقَامُوهُمْ عَلَى عَدَمِ
الْعِمَارَةِ، إذْ الْعِبْرَةُ بِنْيَةُ الْكَامِلِ (قَوْلُهُ: عَلَى
الْعِمَارَةِ) فِي ق ل، أَوْ عَلَى عَدَمِ التَّحَوُّلِ، وَإِنْ لَمْ
يَقْصِدُوا الْعِمَارَةَ فَتَأَمَّلْهُ، وَحَرِّرْهُ. نَعَمْ التَّعْلِيلُ
بِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ يَقْتَضِيهِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: الْمُجْتَمِعَةُ)
أَيْ: عُرْفًا حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: وَلَا مَسْبُوقٍ را إلَخْ) أَيْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا
جُمُعَةٌ أَنْ لَا تُسْبَقَ فَلَا يُنَافِي صِحَّتَهَا ظُهْرًا فِيمَا لَوْ
أُخْبِرُوا بِالسَّبْقِ كَمَا يَأْتِي، أَوْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا
مُطْلَقًا أَنْ لَا يُعْلَمَ سَبْقُ جُمُعَةٍ لَهَا، وَإِلَّا فَلَا
تَصِحُّ مَعَ نِيَّةِ الْجُمُعَةِ جُمُعَةً، وَلَا ظُهْرًا تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَلَا مَسْبُوقٍ را إلَخْ) أَيْ: مِنْ تَحَرُّمِ الْإِمَامِ
فَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ تَحَرُّمِهِ
(2/5)
الْجُمُعَةِ فَأُخْبِرُوا أَنَّ طَائِفَةً
سَبَقَتْهُمْ بِهَا اُسْتُحِبَّ لَهُمْ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ وَلَهُمْ
إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا
وَاعْتُبِرَ رَاءُ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ حَالَةٌ تُبَيِّنُ
الِانْعِقَادَ، فَلَا اعْتِبَارَ بِسَبْقِ الْخُطْبَةِ، وَالسَّلَامِ
وَزَادُوا إيضَاحًا لِقَوْلِ الْحَاوِي: غَيْرُ مَسْبُوقٍ، وَلَا مُقَارَنٍ
تَحَرُّمِهَا بِتَحَرُّمِ أُخْرَى هَذَا (إنْ سَهُلَ الْجَمْعُ) أَيْ:
اجْتِمَاعُ أَهْلِ الْخِطَّةِ (بِمَوْضِعٍ) وَاحِدٍ (فَمَعْ عُسْرٍ) فِي
اجْتِمَاعِهِمْ (يَجُوزُ جُمُعَتَانِ، أَوْ جُمَعْ) بِحَسَبِ الْحَاجَةِ؛
لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ دَخَلَ بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا يُقِيمُونَ
جُمُعَتَيْنِ بِهَا وَقِيلَ: ثَلَاثًا، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ،
فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ وَعَلَيْهِ جَرَى
الشَّيْخَانِ كَالْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ قَالَ: وَلَا
نَصَّ فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ، وَلَا يَحْتَمِلُ مَذْهَبُهُ غَيْرَ هَذَا.
وَأَقُولُ، بَلْ فِيهِ نَصٌّ لَهُ ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ نَقَلَهُ
الشَّيْخَانِ، وَهُوَ، وَلَا يُجْمَعُ بِمِصْرٍ، وَإِنْ عَظُمَ وَكَثُرَتْ
مَسَاجِدُهُ إلَّا بِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَأَفْتَى بِظَاهِرِهِ شَيْخُنَا
حَافِظُ عَصْرِهِ ابْنُ حَجَرٍ وَنَقَلَهُ السُّبْكِيُّ، ثُمَّ قَالَ:
إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ، ثُمَّ انْتَصَرَ لَهُ بَعْدَهُ وَصَنَّفَ فِيهِ
وَقَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ) لَعَلَّ مَحَلَّ اسْتِحْبَابِ
اسْتِئْنَافِهِ مَا يَلْزَمُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ إخْرَاجُ بَعْضِهِ مِنْ
الْوَقْتِ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِتْمَامُ (قَوْلُهُ: إتْمَامُ
الْجُمُعَةِ ظُهْرًا) لَعَلَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَمْ
يُمْكِنْهُمْ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ مِنْ السَّابِقِينَ، وَإِلَّا، فَيَجِبُ
قَطْعُ مَا هُمْ فِيهِ، وَالْإِحْرَامُ، بِالْجُمُعَةِ مَعَ السَّابِقِينَ
لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ تَحْصِيلِ الْجُمُعَةِ، فَلَيْسَ لَهُمْ
تَفْوِيتُهَا، بِإِتْمَامِ مَا هُمْ فِيهِ سم (قَوْلُهُ: هَذَا إنْ سَهُلَ)
أَيْ: الِاشْتِرَاطُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ: فِي اجْتِمَاعِهِمْ) ،
بِمَوْضِعٍ، وَاحِدٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إلَخْ.) عَلَى
الْقَوْلِ، بِمَنْعِ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا لَعَلَّ الشَّافِعِيَّ صَلَّى
الظُّهْرَ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ
تَقْلِيدًا لِلْمُجَوِّزِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ
مُجْتَهِدًا، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ هُنَاكَ سَبْقٌ، وَصَلَّى مَعَ
السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ:، وَأَفْتَى، بِظَاهِرِهِ إلَخْ.) مَا الْحُكْمُ
عَلَى هَذَا إذَا اسْتَحَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
وَإِنْ تَأَخَّرَ تَحَرُّمُ الْمَأْمُومِينَ عَنْ تَحْرِيمِ إمَامِ
الْأُخْرَى، وَالْمُقْتَدِينَ بِهِ. اهـ.
مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ: فَأُخْبِرُوا إلَخْ) أَيْ: بَعْدَ سَلَامِ تِلْكَ
الطَّائِفَةِ، وَإِلَّا، وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ بِإِمَامِهَا
مَتَى أَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُ الْإِحْرَامِ مَعَهُ، وَلَوْ أَخَّرَ
صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّ الْيَأْسَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالسَّلَامِ قَالَهُ
شَيْخُنَا. اهـ. ق ل (قَوْلُهُ: اُسْتُحِبَّ لَهُمْ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ
لِفَسَادِ إحْرَامِهِمْ بِسَبْقِ غَيْرِهِمْ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ
الْعَلَّامَةُ السَّنْبَاطِيُّ وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ
ظَنَّ الصِّحَّةِ عِنْدَ إحْرَامِهِمْ كَافٍ فِي الصِّحَّةِ، وَيَكْفِي فِي
الْفَسَادِ عَدَمُ صِحَّتِهَا جُمُعَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ
إحْرَامَهُمْ كَانَ بَاطِلًا فَالْوَجْهُ لُزُومُ الِاسْتِئْنَافِ. اهـ. ق
ل وَقَدْ يُؤَيَّدُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِبَادَةِ بِمَا فِي نَفْسِ
الْأَمْرِ، وَظَنِّ الْمُكَلَّفِ لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الرَّوْضَةِ
كَمَا فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ:، وَلَهُمْ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا)
هَلْ، وَلَوْ كَانَ الْإِخْبَارُ بَعْدَ سَلَامِهِمْ، وَقَصْرِ الْفَصْلِ
الظَّاهِرِ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مَا يُفِيدُهُ
فَحَرِّرْهُ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ سَابِقًا، وَلَوْ
تَسْلِيمَةَ مَسْبُوقٍ كَالصَّرِيحِ فِيهِ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهُمْ فِيهَا) أَيْ: وَكَانَ
الْإِحْرَامُ بِهَا فِي، وَقْتٍ يَسَعُهَا يَقِينًا، أَوْ ظَنًّا، وَلَمْ
يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِحْرَامِ بِهَا،
وَلَا تَنْقَلِبُ ظُهْرًا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: سَبْقِ
الْخُطْبَةِ) قِيلَ: بِهِ. اهـ. رَوْضَةٌ (قَوْلُهُ: وَالسَّلَامِ) قِيلَ:
بِهِ رَوْضَةٌ (قَوْلُهُ: فَمَعَ عُسْرِ اجْتِمَاعِهِمْ) أَيْ بِمَحَلٍّ
مِنْ الْبَلَدِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَسْجِدٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ
بِالْبَلَدِ مَوْضِعٌ مُتَّسِعٌ، وَلَوْ زَرِيبَةً مَثَلًا ع ش، وَكَتَبَ
شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ نُقِلَ عَنْ
شَيْخِنَا الشَّنَوَانِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ
صَالِحًا لِلِاجْتِمَاعِ فِيهِ فَلْتُحَرَّرْ الصَّلَاحِيَّةُ. اهـ.،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَمُ الِاحْتِشَامِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَمَعَ مُعْسِرٍ) أَيْ: عُسْرِ اجْتِمَاعِ الْحَاضِرِينَ
بِالْفِعْلِ م ر سم، وَمِثْلُهُ ز ي فَإِنَّهُ قَالَ الْعِبْرَةُ بِمَنْ
حَضَرَ بِالْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ
كَحَجَرٍ الْعِبْرَةُ بِمَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ،
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ الْعِبْرَةُ بِمَنْ تَلْزَمُهُ، وَإِنْ
لَمْ يَحْضُرْ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ الْعِبْرَةُ
بِمَنْ تَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَمِنْ صُوَرِ جَوَازِ
التَّعَدُّدِ بَعْدَ طَرَفَيْ الْبَلَدِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ مَشَقَّةٌ لَا
تُحْتَمَلُ عَادَةً. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَضَبَطَ الشَّرْقَاوِيُّ
الْبُعْدَ بِأَنْ يَكُونَ مَنْ بِطَرَفِهَا لَا يَبْلُغُهُمْ الصَّوْتُ
بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ. اهـ. وَنَقَلَ
سم عَلَى التُّحْفَةِ عَنْ م ر أَنَّ الْمَدَارَ لِجَوَازِ التَّعَدُّدِ
الْمَشَقَّةُ الَّتِي لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، وَلَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ
يَسْمَعُ مِنْهُ النِّدَاءَ بِخِلَافِ أَصْلِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ تَجِبُ
عَلَى مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَلَوْ مَعَ تِلْكَ
الْمَشَقَّةِ، وَأَمَّا مَنْ بِالْبَلَدِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ
يَسْمَعْ النِّدَاءَ، وَأَظُنُّ م ر قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ
يُدْرِكُهَا لَوْ سَارَ إلَيْهَا بَعْدَ الْفَجْرِ فَرَاجِعْهُ هَذَا،
وَقَدْ ضَبَطُوا أَعْذَارَ الْجَمَاعَةِ بِمَا يُذْهِبُ الْخُشُوعَ، أَوْ
كَمَالَهُ، وَقَالُوا: مَا يُمْكِنُ مِنْهَا فِي الْجُمُعَةِ يَكُونُ
عُذْرًا لِإِسْقَاطِهَا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عُذْرًا لِجَوَازِ
التَّعَدُّدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ) هَذَا لَا يُفِيدُ إلَّا لَوْ
ذَهَبُوا إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْمُجْتَهِدُ لَا يُنْكِرُ
عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ تَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الرَّوْضَةِ بِنَاءً
عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعَدُّدُ بِحَالٍ مَا نَصُّهُ، وَإِنَّمَا
لَمْ يُنْكِرْ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ،
وَلَيْسَ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ جَرَى الشَّيْخَانِ) قَالَ م ر يُسَنُّ فِعْلُ
الظُّهْرِ لِمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ السَّابِقِينَ، أَوْ أَنَّ
التَّعَدُّدَ لِحَاجَةٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ التَّعَدُّدَ
مُطْلَقًا. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ، وزي
لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا ظَنَّهُ حَاصِلًا نَعَمْ إنْ تَيَقَّنَ
مَا ذُكِرَ سُنَّ فِعْلُ الظُّهْرِ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ خُرُوجًا مِنْ
الْخِلَافِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ) إنَّمَا عَبَّرَ
بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِمَا إذَا وَسِعَ النَّاسَ
مَوْضِعٌ وَاحِدٌ، وَسَاعَدَ عَلَيْهِ
(2/6)
إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا
وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَأَنْكَرَ نِسْبَةَ الْأَوَّلِ
لِلْأَكْثَرِ قَالَ: وَقَدْ انْقَرَضَ عَصْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَلَا تَعَدُّدَ
مَعَ كَثْرَةِ الْخَلْقِ وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَا
تَابِعِيٍّ تَجْوِيزَ ذَلِكَ قَالَ: وَتَحْرِيمُ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ
مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَعَلَى مَنْعِ التَّعَدُّدِ
رَتَّبَ النَّاظِمُ قَوْلَهُ: (وَلِالْتِبَاسٍ سَابِقٍ) بَعْدَ الْعِلْمِ
بِعَيْنِهِ يَجِبُ (عَلَيْهِمْ ظُهْرٌ) ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّتْ جُمُعَةٌ
عَلَى التَّعْيِينِ، فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى
الْجَمِيعِ لِعَدَمِ خُرُوجِ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ عَنْ
الْعُهْدَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِمَا مَنْ تَتَيَقَّنُ صِحَّةُ جُمُعَتِهِ،
وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْفَرْضِ (وَتُسْتَأْنَفُ) الْجُمُعَةُ فِي الْوَقْتِ
(إنْ لَمْ يُعْلَمْ) السَّابِقُ مُعَيَّنًا بِأَنْ عُلِمَتْ
الْمُقَارَنَةُ، أَوْ السَّبْقُ بِلَا تَعْيِينٍ، أَوْ لَمْ تُعْلَمْ
مُقَارَنَةٌ، وَلَا سَبْقٌ لِتَدَافُعِهَا فِي الْأُولَى وَعَدَمِ إجْزَاءِ
الْمَأْتِيِّ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ فِي
الثَّالِثَةِ (قُلْت: إذَا لَمْ يُدْرَ بِالسَّبْقِ، وَلَا
بِالِاقْتِرَانِ) وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ (فَالْإِمَامُ
اسْتَشْكَلَا بَرَاءَةً) لِذِمَّةٍ (بِجُمُعَةٍ) مُسْتَأْنَفَةٍ (إذْ)
وَفِي نُسْخَةٍ إذَا (احْتَمَلْ سَبْقٌ) لِإِحْدَاهُمَا عَلَى (الْأُخْرَى،
فَلَا تَصِحُّ) جُمُعَةٌ (أُخْرَى) لِسَبْقِ جُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ
(فَلْيُقَلْ فِي هَذِهِ) الصُّورَةِ: (إنَّ السَّبِيلَ) أَيْ: الطَّرِيقَ
(الْمُبْرِي) لِلذِّمَّةِ (إقَامَةُ الْجُمُعَةِ) لِاحْتِمَالِ
الْمَعِيَّةِ (ثُمَّ الظُّهْرِ) لِاحْتِمَالِ السَّبْقِ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مُسْتَحَبٌّ وَالْوَاجِبُ مَا
قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ
مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ غَيْرُهُ:؛ وَلِأَنَّ
السَّبْقَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ، أَوْ يُظَنَّ لَمْ يُؤَثِّرْ احْتِمَالُهُ؛
لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ، أَوْ ظَنِّهِ لَا إلَى نَفْسِ
الْأَمْرِ (أَمَّا مَعَ) تَيَقُّنِ (السَّبْقِ، وَلَا تَعَيُّنَا) وَهِيَ
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ (فَفِي الْوَسِيطِ) لِلْغَزَالِيِّ (اخْتَارَ مَا
اخْتَارَ) الْحَاوِي (هُنَا) ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِنَظَائِرِهَا
كَنِكَاحَيْ الْوَلِيَّيْنِ حَيْثُ أَبْطَلُوهُمَا فِي هَذِهِ
كَالْأُخْرَيَيْنِ.
(وَ) لَكِنْ (الْأَظْهَرُ) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ
وَكُتُبِ النَّوَوِيِّ، وَ (الْأَقْيَسُ) كَمَا فِي الْكَبِيرِ عَنْ
الْأَصْحَابِ (أَنْ يُصَلُّوا ظُهْرًا وَقَدْ صَحَّحَ هَذَا الْجُلُّ) أَيْ
أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِصِحَّةٍ وَاحِدَةٍ بَاطِنًا وَإِنَّمَا لَمْ
تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ لِلْإِشْكَالِ وَأَدْرَجَ فِي الْمِصْبَاحِ هَذِهِ فِي
قَوْلِ الْحَاوِي: وَإِنْ الْتَبَسَ السَّابِقُ صَلَّوْا ظُهْرًا،
فَيُوَافِقُ الْأَصَحَّ إذَنْ وَرَدَّهُ الْقُونَوِيُّ بِأَنَّ
الِالْتِبَاسَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّعْيِينِ
وَالرَّازِيِّ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي
الْعُجَابِ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْكَلَامِ وَبِمَا لَا يُرِيدُهُ
الْمُتَكَلِّمُ وَبَقِيَ صُورَةٌ خَامِسَةٌ وَهِيَ أَنْ يُعْلَمَ سَبْقُ
إحْدَاهُمَا، وَلَا يُلْتَبَسَ، فَهِيَ الصَّحِيحَةُ كَمَا عُلِمَ مِنْ
صَدْرِ الْكَلَامِ
رَابِعُهَا أَنْ تَجْرِيَ (جَمَاعَةً) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهَا
فُرَادَى وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ:
وَجُمُعَةٌ بِرَكْعَةِ الِاكْتِفَاءِ بِالْجَمَاعَةِ فِي رَكْعَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
اتِّسَاعُ مَحَلٍّ، وَاحِدٍ لِلْجَمِيعِ هَلْ تَسْقُطُ عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ
لَهُ مَحَلًّا فِي مَوْضِعِ إقَامَتِهَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ رَبْطُ
صَلَاتِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، بِصَلَاتِهِمْ (قَوْلُهُ: بِعَيْنِهِ) أَيْ:
السَّابِقِ (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِمْ ظُهْرًا) (فَرْعٌ)
حَيْثُ، وَجَبَ الظُّهْرُ بَعْدَ فِعْلِ الْجُمُعَةِ صَلَّى سُنَّتَهُ
الْقَبْلِيَّةَ، وَالْبَعْدِيَّةَ، وَلَا يُصَلِّي سُنَّةَ الْجُمُعَةِ
الْبَعْدِيَّةَ، بِخِلَافِ الْقَبْلِيَّةَ يُصَلِّيهَا، وَإِنْ احْتَمَلَ
عَدَمُ إجْزَائِهِ لِاحْتِمَالِ إجْزَائِهَا، بِتَبَيُّنِ السَّبْقِ م ر،
وَحَيْثُ لَمْ يَجِبْ الظُّهْرُ لِإِجْزَاءِ الْجُمُعَةِ سُنَّ الظُّهْرِ
خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ التَّعَدُّدَ مُطْلَقًا م ر (قَوْلُهُ:
وَإِنَّمَا، وَجَبَ) أَيْ: الظُّهْرُ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ إجْزَاءِ
الْمَأْتِيِّ، بِهِ فِي الثَّانِيَةِ) قَدْ تُشْكِلُ الثَّانِيَةُ،
بِقَوْلِهِ السَّابِقِ، وَلِالْتِبَاسِ إلَخْ. إلَّا أَنْ يُجَابَ،
بِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِفْ الْمَأْتِيُّ بِهِ هُنَا، بِالْإِجْزَاءِ فِي
الظَّاهِرِ مُطْلَقًا، وَعَلَى التَّصْحِيحِ الْآتِي لَا إشْكَالَ
لِيَحْتَاجَ لِلْجَوَابِ (قَوْلُهُ: لِسَبْقِ جُمُعَةٍ إلَخْ.) هَذَا
مَوْجُودٌ فِي الثَّانِيَةِ، بِالْأَوْلَى، فَهُوَ أَحَقُّ، بِإِشْكَالِ
الْإِمَامِ لَكِنْ لَا يَأْتِي هُنَا قَوْلُهُ: إقَامَةُ الْجُمُعَةِ
لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ، فَلَعَلَّ
قِيَاسَ مَا قَالَهُ الِاقْتِصَارُ هُنَا عَلَى الظُّهْرِ (قَوْلُهُ:
لِسَبْقِ جُمُعَةٍ) أَيْ: عَلَى الِاحْتِمَالِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ
أَبْطَلُوهُمَا فِي هَذِهِ) أَيْ الصُّورَةِ
(قَوْلُهُ: فِي رَكْعَةٍ) أَيْ: فِي رَكْعَتِهِ الْأُولَى، وَلَوْ أَدْرَكَ
الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ، فَاقْتَدَى، بِهِ نَاوِيًا الْجُمُعَةَ،
فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى ثَالِثَةٍ، وَعَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ قِيَامَهُ
لِتَذَكُّرِ رُكْنٍ، أَوْ الشَّكِّ فِيهِ، فَصَلَّى مَعَهُ هَذِهِ
الثَّالِثَةَ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إنْ انْتَظَرَ
الْمَأْمُومُونَ فِي التَّشَهُّدِ حَتَّى أَتَى، بِرَكْعَةٍ، فَإِنْ
سَلَّمُوا عَقِبَ قِيَامِهِ لِلثَّالِثَةِ، فَهَلْ تَحْصُلُ الْجُمُعَةُ
لِذَلِكَ الْمُقْتَدَى بِهِ الْمَذْكُورِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
قَاعِدَةُ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ،
وَاَلَّذِي نَفَاهُ الرُّويَانِيُّ هُوَ النَّصُّ أَيْ: مَا لَا يَحْتَمِلُ
التَّأْوِيلَ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَ إلَخْ) لَكِنْ قَالَ فِي
الرَّوْضَةِ: إنَّ الْأَوَّلَ هُوَ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
تَصْرِيحًا، وَتَعْرِيضًا (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مُقَارَنَةٌ،
وَلَا سَبْقٌ) هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ فِي مِصْرَ فَمُقْتَضَى مَا
هُنَا وُجُوبُ اسْتِئْنَافِ الْجُمُعَةِ لَكِنَّ الْيَأْسَ مِنْ
اسْتِئْنَافِهَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ حَاصِلٌ، فَيَجُوزُ كَمَا قَالَهُ م ر
إعَادَةُ الظُّهْرِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ
أَرْبَعُونَ اطَّرَدَتْ عَادَتُهُمْ بِعَدَمِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ
قُلْت مُقْتَضَى وُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ عِنْدَ الشَّكِّ أَنَّهُ لَوْ
حَصَلَ حَالَ الْإِحْرَامِ امْتَنَعَ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا
فَائِدَةَ فِيهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُحَرِّمُ بِالشَّكِّ مِنْ
تَيَقُّنِ الْوُجُوبِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مُقَارَنَةِ الْمُبْطِلِ، وَبِهِ
يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ فَانْظُرْهُ، وَقَوْلُ
م ر، فَيَجُوزُ إلَخْ أَيْ يَجِبُ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ بَعْدَ امْتِنَاعٍ،
وَجَبَ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَعَ تَيَقُّنِ السَّبْقِ) يَنْبَغِي وِفَاقًا ل
م ر أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِالْقَرَائِنِ كَالْمُبَادَرَةِ
(2/7)
فَكَأَنَّهُ قَالَ هُنَا: شَرْطُ
الْجُمُعَةِ أَنْ تَجْرِيَ كُلُّهَا، أَوْ رَكْعَةٌ مِنْهَا فِي جَمَاعَةٍ
وَشَرْطُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا كَشَرْطِهَا فِي غَيْرِهَا مِنْ نِيَّةِ
الِاقْتِدَاءِ وَالْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ وَعَدَمِ
التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ
الْجَمَاعَةِ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِيهَا نِيَّةُ الْجَمَاعَةِ
بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهَا كَمَا مَرَّ ثَمَّةَ
خَامِسُهَا أَنْ تَجْرِيَ (بِأَرْبَعِينَ) رَجُلًا، وَلَوْ بِالْإِمَامِ
فِي كُلٍّ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَالْجُمُعَةِ لِخَبَرِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي الْمَدِينَةِ أَسْعَدُ بْنُ
زُرَارَةَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- الْمَدِينَةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا» قَالَ
فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ
الْأُمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ، وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ،
فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِعَدَدٍ ثَبَتَ فِيهِ تَوْقِيفٌ وَقَدْ
ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ وَثَبَتَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي
أُصَلِّي» وَلَمْ تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا
تَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ قَالَ: وَأَمَّا خَبَرُ انْفِضَاضِهِمْ، فَلَمْ
يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا بِاثْنَيْ
عَشَرَ، بَلْ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُمْ أَوْ عَوْدُ غَيْرِهِمْ مَعَ
سَمَاعِهِمْ أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ، وَفِي مُسْلِمٍ «انْفَضُّوا فِي
الْخُطْبَةِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «انْفَضُّوا فِي
الصَّلَاةِ» وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخُطْبَةِ جَمْعًا بَيْنَ
الْأَخْبَارِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ
اشْتِرَاطُ الْجَمَاعَةِ، وَلَا الْعَكْسُ لِانْفِكَاكِ كُلٍّ مِنْهُمَا
عَنْ الْآخَرِ أَمَّا الْعَدَدُ، فَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْضُرُ أَرْبَعُونَ
مِنْ غَيْرِ جَمَاعَةٍ، وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ؛ فَلِأَنَّهَا الِارْتِبَاطُ
الْحَاصِلُ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَهُوَ لَا
يَسْتَدْعِي عَدَدَ الْأَرْبَعِينَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (مُؤْمِنَا)
هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ
شَرْطٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَالْقَصْدُ ذِكْرُ الْمُخْتَصِّ بِالْجُمُعَةِ
(كُلِّفَ حُرًّا ذَكَرًا مُسْتَوْطِنَا) بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ أَيْ: (لَا
يَظْعَنُ الْإِنْسَانُ مِنْهُمْ) شِتَاءً، وَلَا صَيْفًا (إلَّا لِحَاجَةٍ)
كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ، فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْكُفَّارِ، وَالصِّبْيَانِ
وَالْمَجَانِينِ، وَالْعَبِيدِ وَالْمُبَعَّضِينَ، وَالنِّسَاءِ
وَالْخَنَاثَى لِنَقْصِهِمْ، وَلَا بِغَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِينَ كَمَنْ
أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَوْ
طَوِيلَةً كَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالتُّجَّارِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ، وَلَا
بِالْمُسْتَوْطَنَيْنِ خَارِجَ بَلَدِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَمِعُوا
النِّدَاءَ لِعَدَمِ الْإِقَامَةِ بِبَلَدِهَا وَمِنْ ثَمَّ اُشْتُرِطَ
تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ
لِأَنَّهُ تَبَعٌ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ
الْقَاضِي، وَلَا يُنَافِيهِ صِحَّتُهَا لَهُ إذَا كَانَ إمَامًا فِيهَا
مَعَ تَقَدُّمِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ إحْرَامِ الْإِمَامِ
ضَرُورِيٌّ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ وَعُلِمَ
مِنْ كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الصِّحَّةُ، فَتَنْعَقِدُ
بِالْمَرْضَى لِكَمَالِهِمْ وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْهُمْ تَخْفِيفًا
ضَابِطُ النَّاسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
مَا قِيلَ فِيمَا لَوْ سَلَّمَ الْقَوْمُ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَقَامَ
الْمَسْبُوقُ لِيَأْتِيَ، بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَاقْتَدَى آخَرُ
فِيهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَخْ.) حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا
كَلَا مَخْصُوصٍ، بِغَيْرِ الْجَمَاعَةِ، بِقَرِينَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي
بَابِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إلَخْ) أَيْ: إلَّا
أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ، وَنَوَى غَيْرَهَا
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ شَرْطٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ) أُجِيبَ،
بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَلَامُ
الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَهُ فِي الْخُطْبَةِ أَيْضًا، فَهُوَ
مُحْتَاجٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْمَجَانِينَ) لَا حَاجَةَ
لِإِخْرَاجِهِمْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَخْتَصُّ، بِالْجُمُعَةِ
كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ هُوَ قَرِيبًا بِرّ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ
اُشْتُرِطَ تَقَدُّمُ إلَخْ.) اعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ
عَدَمَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ، بِجَوَازِ تَقَدُّمِ إحْرَامِ
الْإِمَامِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَمَنَعَ مَا أَجَابَ بِهِ
الشَّارِحُ عَنْ ذَلِكَ، بِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى إمَامَةِ هَذَا
الْإِمَامِ، فَضْلًا عَنْ تَقَدُّمِ إحْرَامِهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: يَكْفِي فِي الْجَوَابِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ
الْإِمَامِ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهِ تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ، فَلَا نَظَرَ
لِلْأَفْرَادِ الْخَاصَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ صِحَّتُهَا لَهُ)
أَيْ: لِغَيْرِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
أَوَّلَ الْوَقْتِ أَنَّ جُمُعَتَهُ سَابِقَةٌ لَمْ يُقَارِنْهَا شَيْءٌ
مِمَّا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَنْ تُجْزِئَهُ، وَلَا يَجِبُ
عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْجُمُعَةِ، وَلَا الظُّهْرِ. اهـ.
لَكِنْ سُنَّ صَلَاةُ الظُّهْرِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ
التَّعَدُّدَ مُطْلَقًا م ر (قَوْلُهُ: أَنْ يُعْلَمَ) أَوْ يُظَنَّ م ر
كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ
(قَوْلُهُ: عَلَى الْإِمَامِ فِيهَا إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ يُصَلِّي
الْجُمُعَةَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ، وَاجِبَةً عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَرْبَعِينَ) ، وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى
الْأَرْبَعِينَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا، وَعَبْدًا، وَمُحْرِمًا
بِصُبْحٍ، وَمَقْصُورَةٍ، وَصَبِيًّا، وَمُتَنَفِّلًا، وَمَجْهُولَ
الْحَدَثِ، وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا تَمَّتْ
لَهُمْ إنْ زَادَ لِوُجُودِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ
كَانَ مُتَطَهِّرًا، وَبَعْضُهُمْ مُحْدِثٌ فَتَصِحُّ لَهُ،
وَلِلْمُتَطَهِّرَيْنِ مِنْ الْمُقْتَدِينَ، وَإِنْ كَانَ الْمُحْدِثُ مِنْ
الْأَرْبَعِينَ، وَاسْتِشْكَالُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِأَنَّ
الْعَدَدَ شَرْطٌ، وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي عَكْسِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ
مَعَ فَوَاتِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ، بَلْ وُجِدَ، وَاحْتُمِلَ
فِيهِ حَدَثُهُمْ لِأَنَّهُ مُبْتَدِعٌ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ مُنْفَرِدًا
فَاغْتُفِرَ لَهُ مَعَ عُذْرِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ،
وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِلْمُتَطَهِّرِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ
تَبَعًا. اهـ. شَرْحٌ فِي الرَّوْضِ بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ:
بِأَرْبَعِينَ) قَالَ الْأَصْبَحِيُّ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ
الْجُمُعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِمُبَاهَاةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا
يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِعَدَدٍ، وَأَوْلَى الْأَعْدَادِ مَا أَظْهَرَ
اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ. اهـ. نَاشِرِيٌ
(قَوْلُهُ: بِأَرْبَعِينَ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: نَقَلَ صَاحِبُ
التَّلْخِيصِ قَوْلًا عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ
إمَامٍ، وَمَأْمُومَيْنِ، وَلَمْ يُثْبِتْهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالْإِمَامِ) رُدَّ لِقَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ
بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَرْبَعُونَ غَيْرَ الْإِمَامِ
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ) فَالْجُمُعَةُ خِلَافُ الْأَصْلِ
يُتْبَعُ فِيهَا مَا وَرَدَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ ثَبَتَ إلَخْ) هَذَا هُوَ التَّوْقِيفُ الْمُثْبِتُ
لِلْجَوَازِ، وَبَقِيَ الْوُجُوبُ أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَثَبَتَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: عَلَى الْخُطْبَةِ) يَحْتَاجُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُمْ
شَيْءٌ مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ فَاتَهُمْ، وَأُعِيدَ بَعْدَ
رُجُوعِهِمْ، وَهُوَ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ يُحْتَمَلُ إلَخْ
(قَوْلُهُ: مُسْتَوْطِنًا إلَخْ) ، وَفِي الْمُقِيمِ فَقَطْ خِلَافُ
الْأَصَحِّ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ. اهـ. رَوْضَةٌ (قَوْلُهُ:
وَالْمَجَانِينَ) ذَكَرَهُ لِتَتْمِيمِ الْمَفْهُومِ فَقَطْ، وَإِنْ
كَانَتْ فِيهِ كَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ اُشْتُرِطَ إلَخْ)
سَيَأْتِي
(2/8)
فِي الْجُمُعَةِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ مَنْ
تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ، وَهُوَ مَنْ ذَكَرَهُ النَّاظِمُ، وَلَا
عُذْرَ لَهُ، وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ، وَلَا تَصِحُّ
مِنْهُ، وَهُوَ مَنْ بِهِ جُنُونٌ، أَوْ إغْمَاءٌ، أَوْ كُفْرٌ أَصْلِيٌّ،
أَوْ سُكْرٌ، وَإِنْ لَزِمَ الْأَخِيرَ الْقَضَاءُ، وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ،
وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَتَصِحُّ مِنْهُ، وَهُوَ الْعَبْدُ وَالْمُبَعَّضُ،
وَالْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ خَارِجَ الْبَلَدِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ
النِّدَاءَ، وَالصَّبِيُّ وَالْأُنْثَى، وَالْخُنْثَى، وَمَنْ لَا
تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ أَعْذَارِهَا
غَيْرِ السَّفَرِ، وَمَنْ تَلْزَمُهُ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ وَهُوَ
الْمُرْتَدُّ، وَمَنْ تَلْزَمُهُ وَتَصِحُّ مِنْهُ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ،
وَهُوَ الْمُقِيمُ غَيْرُ الْمُتَوَطِّنِ وَالْمُتَوَطِّنُ خَارِجَ
بَلَدِهَا إذَا سَمِعَ نِدَاءَهَا وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِينَ
فِيهَا (أَنْ يَنْقُصُوا) فِي أَثْنَائِهَا (تَبْطُلْ) لِأَنَّهُمْ شَرْطٌ
فِيهَا ابْتِدَاءً، فَكَذَا دَوَامًا كَالْوَقْتِ وَدَارِ الْإِقَامَةِ
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا:، فَلَوْ تَحَرَّمَ الْإِمَامُ
وَتَبَطَّأَ الْمُقْتَدُونَ ثُمَّ تَحَرَّمُوا، فَإِنْ تَأَخَّرَ
تَحَرُّمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ، فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ، وَلَا لَهُ، وَإِنْ
لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُ قَالَ الْقَفَّالُ تَصِحُّ وَالْجُوَيْنِيُّ
يُشْتَرَطُ قَصْرُ الْفِعْلِ بَيْنَ تَحَرُّمِهِ وَتَحَرُّمِهِمْ،
وَالْإِمَامُ يُمَكِّنُهُمْ مِنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ وَصَحَّحَهُ
الْغَزَالِيُّ وَبِهَذَا جَزَمَ شُرَّاحُ الْحَاوِي.
وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ قَوْلًا آخَرَ لِلْقَفَّالِ وَقَالَ: إنَّهُ
الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا الرُّكُوعَ مَعَهُ، فَسَبَقَهُ
بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ إدْرَاكَهُمْ الرَّكْعَةَ
لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْجُمُعَةِ (لَا فِي خُطْبَةٍ عَادُوا وَلَمْ
يَسْتَأْنُوا) أَيْ: وَلَمْ يَنْتَظِرُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أَوْ كُفْرٌ أَصْلِيٌّ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ
مُكَلَّفُونَ، بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَلِذَا يُعَاقَبُونَ فِي
الْآخِرَةِ عَلَى تَرْكِهَا، وَالْعِقَابُ عَلَيْهِ فَرْعُ لُزُومِهَا
كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ عَدَمُ مُطَالَبَتِهِمْ، بِهَا
فِي الدُّنْيَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ
مَحَلُّ خِلَافٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. سم
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَزِمَ الْأَخِيرَ الْقَضَاءُ) ، بِأَنْ تَعَدَّى،
بِسُكْرِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْقُصُوا تَبْطُلُ) قَالَ فِي شَرْحِ
الْمَنْهَجِ: كَغَيْرِهِ، فَيُتِمُّهَا الْبَاقُونَ ظُهْرًا، وَكَتَبَ
شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ، بِهَامِشِهِ مَا نَصُّهُ هَذَا
ظَاهِرٌ إذَا تَعَذَّرَ اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ، وَإِلَّا، فَالْوَجْهُ
اسْتِئْنَافُهَا؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْوَقْتُ بَاقٍ،
وَالْعَدَدُ مُتَيَسِّرٌ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الظُّهْرُ مَعَ إمْكَانِ
الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَأَيْت السَّيِّدَ السَّمْهُودِيَّ فِي حَاشِيَةِ
الرَّوْضَةِ سَبَقَنِي إلَى هَذَا الْبَحْثِ، وَقَالَ: إنَّهُ التَّحْقِيقُ
ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْآنَ إمْكَانُ دَفْعِ ذَلِكَ، بِأَنْ نَقُولَ
قَوْلَهُمْ الَّذِي تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَ
الظُّهْرَ حَتَّى يَيْأَسَ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَشْرَعْ، أَمَّا إذَا
شَرَعَ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقَصَ الْعَدَدُ، فَيَنْبَغِي أَنْ
يَلْتَحِقَ الْبَاقُونَ، بِأَرْبَابِ الْأَعْذَارِ كَيْ تَصِحَّ لَهُمْ
ظُهْرًا، وَلَوْ قَبْلَ، فَوَاتِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا
يَتَقَاعَدُ عَنْ الْعُذْرِ خُصُوصًا، وَالدَّوَامُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا
لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
لَكِنْ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ، بِمَا بَحَثَهُ
السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ تَقْيِيدُ الشَّارِحِ قَوْلُ
الْمُصَنِّف الْآتِي: إنْ فَاتَ شَرْطٌ خَصَّهَا مِمَّا ذُكِرَ،
بِقَوْلِهِ: وَتَعَذَّرَ تَدَارُكُهُ (تَنْبِيهٌ)
قَوْلُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَيُتِمَّهَا الْبَاقُونَ ظُهْرًا لَا يُنَافِي
قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بُطْلَانُ خُصُوصِ
الْجُمُعَةِ لَا أَصْلُ الصَّلَاةِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:
وَالْإِمَامُ إلَخْ.) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: يُمَكِّنُهُمْ مِنْ
إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ) ، بِأَنْ يُتِمُّوا قِرَاءَتَهَا قَبْلَ رَفْعِ
الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ ع ش م ر (قَوْلُهُ: تُمْكِنُهُمْ
إلَخْ.) ظَاهِرُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْإِتْمَامِ، بِالْفِعْلِ قَبْلَ
رُكُوعِهِ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ قَوْلًا آخَرَ لِلْقَفَّالِ،
وَقَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ إلَخْ.) فِي نُسْخَةٍ، وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ
قَوْلَ الْقَفَّالِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ إلَخْ، وَهَذِهِ
النُّسْخَةُ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ، بِقَوْلِهِ:
لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا إلَخْ. إنَّمَا يَصِحُّ عَلَيْهَا دُونَ الَّتِي
فِي الشَّرْحِ بِرّ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّمَا يَصِحُّ إلَخْ. فِي
الْحَصْرِ نَظَرٌ نَعَمْ هُوَ أَنْسَبُ، بِهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
أَنَّ التَّبَاطُؤَ لَا يَضُرُّ بِشَرْطِهِ، وَتَأَخُّرَ إحْرَامِ مَنْ
تَنْعَقِدُ بِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّبَاطُؤِ نَعَمْ يَظْهَرُ هُنَا
أَنْ لَا يَقَعَ مِمَّنْ تَنْعَقِدُ بِهِ تَبَاطُؤٌ مُضِرٌّ فَتَأَمَّلْ
[ضَابِطُ النَّاسِ فِي الْجُمُعَةِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ]
(قَوْلُهُ: أَنْ يَنْقُصُوا فِي أَثْنَائِهَا تَبْطُلُ) مَا لَمْ يَكُنْ
النَّقْصُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَعَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ
عُرْفًا، وَأَدْرَكُوا الرُّكُوعَ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِلَّا فَلَا
بُطْلَانَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّقْصُ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ لِتَبَيُّنِ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لَمْ يَفْعَلْهَا
أَرْبَعُونَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ عُرْفًا، أَوْ لَمْ
يُدْرِكُوا إلَّا الرُّكُوعَ هَكَذَا نَقَلَ سم عَنْ م ر مَرَّةً، وَنُقِلَ
عَنْهُ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِهِمْ الْفَاتِحَةَ
قَالَ م ر: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَسْأَلَةِ التَّبَاطُؤِ
أَمْرَانِ إدْرَاكُ الْفَاتِحَةِ، وَالرُّكُوعُ، وَفِي مَسْأَلَةِ
الِانْفِضَاضِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ هَذَانِ، وَعَدَمُ طُولِ الْفَصْلِ،
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ هُنَا قَطَعُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ انْعِقَادِهَا
فَاشْتَدَّ إعْرَاضُهُمْ، وَلَا كَذَلِكَ التَّبَاطُؤُ فَإِنَّهُ لَا
إعْرَاضَ، أَوْ مَا وُجِدَ مِنْهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّقْصُ إلَخْ أَيْ: فَتَبْطُلُ جُمُعَةُ مَنْ
بَقِيَ فِي الصَّلَاةِ مَتَى أَمْكَنَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ ثَانِيًا عَلَى
مَا أَفْتَى بِهِ م ر، وَاعْتَمَدَ ز ي عَدَمَ الْبُطْلَانِ رَأْسًا، بَلْ
تَبْطُلُ كَوْنُهَا جُمُعَةً، وَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا، وَلَوْ أَمْكَنَتْ
الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ دَوَامٌ نَعَمْ يَلْزَمُ مَنْ نَقَصَ إقَامَةَ
الْجُمُعَةِ إنْ أَمْكَنَتْ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَاَلَّذِي فِي
شَرْحِ م ر هُوَ الْأَخْيَرُ تَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: أَيْضًا بَطَلَتْ)
أَيْ: بَطَلَ كَوْنُهَا جُمُعَةً فَيُتِمُّهَا الْبَاقُونَ ظُهْرًا سَوَاءٌ
كَانَ النَّقْصُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، أَوْ الثَّانِيَةِ إلَّا إنْ
عَادَ الَّذِي نَقَصَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَأَدْرَكَ الْفَاتِحَةَ
مَعَ الْإِمَامِ فَتَسْتَمِرُّ جُمُعَةً. اهـ. ق ل (قَوْلُهُ: أَنْ
يَنْقُصُوا إلَخْ) أَيْ: بِغَيْرِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ بَعْدَ إدْرَاكِ
الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا بُطْلَانَ بِذَلِكَ كَمَا فِي
النَّاشِرِيِّ وَالْمُحَشِّي (قَوْلُهُ: وَتَبَطَّأَ الْمُقْتَدُونَ إلَخْ)
أَيْ: الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ أَوْ بَعْضُهُ،
أَمَّا الزَّائِدُ فَلَا تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ مَتَى أَدْرَكَ الرُّكُوعَ
(قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ يُمَكِّنُهُمْ) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَقْرَءُوا
الْفَاتِحَةَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ
لَا أَنَّهُمْ تَمَكَّنُوا مِنْ قِرَاءَتِهَا، وَلَمْ يَقْرَؤُهَا، وَلَا
بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى كِلَا
الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. اهـ.
شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ (قَوْلُهُ: يُمَكِّنُهُمْ) أَيْ: مَعَ قِرَاءَتِهَا
كَمَا فِي شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ: فَسَبَقَهُ إلَخْ) يَحْتَاجُ هَذَا
لِضَمِيمَةٍ تُنْتِجُ وُجُوبَ إدْرَاكِ الْفَاتِحَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ
رَأَيْت الْمُحَشِّيَ تَكَلَّمَ عَلَى
(2/9)
بِغَيْبَتِهِمْ زَمَنًا طَوِيلًا يُقَالُ:
اسْتَأْنَى بِالْأَمْرِ أَيْ: انْتَظَرَ بِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ
وَالْمَعْنَى لَا إنْ نَقَصُوا فِي الْخُطْبَةِ، ثُمَّ عَادُوا إلَيْهَا
قَرِيبًا وَلَمْ يَفُتْهُمْ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا كَمَا سَيَأْتِي
لِسُكُوتِ الْخَطِيبِ، أَوْ إعَادَتِهِ لَهُمْ مَا، فَاتَهُمْ فَلَا
تَبْطُلُ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ قَرِيبًا تَرْكَ رُكْنِ،
فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ، أَوْ قَصَرَ لَكِنْ فَاتَهُمْ رُكْنٌ وَجَبَ
اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَةِ فِي الْأَوَّلِ لِفَقْدِ الْوَلَاءِ الَّذِي
فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَئِمَّةُ
بَعْدَهُ وَإِعَادَةُ الرُّكْنِ فِي الثَّانِي لِفَوْتِ مَقْصُودِ
الْخُطْبَةِ، وَهُوَ السَّمَاعُ (لَا) إنْ عَادَ (بَدَلٌ) أَيْ:
بَدَلُهُمْ، وَلَوْ عَنْ قُرْبٍ، فَلَا تَصِحُّ، بَلْ يَجِبُ
الِاسْتِئْنَافُ لِفَقْدِ السَّمَاعِ، فَقَوْلُهُ: لَا بَدَلَ عَطْفٌ عَلَى
ضَمِيرِ عَادُوا وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يَفُتْهُمْ رُكْنُ) عَطْفٌ عَلَى
وَلَمْ يَسْتَأْنُوا وَمَرْجِعُ طُولِ الْفَصْلِ وَقُرْبِهِ الْعُرْفُ،
وَفِي إطْلَاقِ الْعَوْدِ عَلَى حُضُورِ الْبَدَلِ تَجَوُّزٌ حَسَّنَهُ
تَبَعِيَّتُهُ قَبْلَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ حَضَرَ بَدَلَ عَادَ
عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً أَطْلَقُوا الْعَوْدَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ
مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ عَادَ عَلَيَّ مِنْ فُلَانٍ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ لَمْ
يَسْبِقْهُ بِمِثْلِهِ وَعَطْفُ عَلَى لَا فِي خُطْبَةِ عَادُوا قَوْلُهُ:
(وَلَا إذَا هُمْ فِي الصَّلَاةِ ذَهَبُوا) أَيْ: وَلَا إنْ ذَهَبُوا فِي
الصَّلَاةِ (فَعَنْ قَرِيبٍ) مِنْ ذَهَابِهِمْ (أَرْبَعُونَ خُطِبُوا)
بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ يَفُتْهُمْ رُكْنٌ
(قَوْلُهُ: وَإِعَادَةُ الرُّكْنِ إلَخْ.) عَطْفٌ عَلَى اسْتِئْنَافِ
الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ: عَطْفٌ إلَخْ.) لِوُجُودِ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ:
وَفِي إطْلَاقِ إلَخْ.) الْعِبَارَةُ مِنْ بَابِ
عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا إذَا هُمْ فِي الصَّلَاةِ ذَهَبُوا إلَخْ.)
مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَيْ: قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْ
رُكُوعِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا بَطَلَتْ لِتَبَيُّنِ انْفِرَادِ
الْإِمَامِ فِي الْأُولَى هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الرَّوْضِ، وَشَرْحِهِ فِي
نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الَّذِينَ جَاءُوهُمْ
الَّذِينَ ذَهَبُوا، وَلَا يُرَدُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ، بِإِدْرَاكِ
الْإِمَامِ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ
الْإِمَامِ لِتَقَدُّمِ إحْرَامِ الذَّاهِبِينَ، فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ
رَأَيْت مَا ذَكَرْته فِي الْحَاشِيَةِ الْأُخْرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
هَذَا التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادُوا إلَيْهَا) احْتَرَزَ
بِعَادُوا عَمَّا إذَا خَلَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ، فَيَجِبُ
الِاسْتِئْنَافُ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَصْلٌ كَمَا سَيَأْتِي بَلْ، وَإِنْ
كَانَ الْخَلْفُ قَبْلَ الِانْفِضَاضِ لِلْأَوَّلِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ
الْخُطْبَةِ، وَالصَّلَاةِ فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الِارْتِبَاطَ فِيهَا
غَيْرُ تَامٍّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. اهـ. س ل. اهـ. مَرْصَفِيٌّ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادُوا إلَيْهَا قَرِيبًا) ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ
الْيَسِيرَ لَا يُعَدُّ قَاطِعًا لِلْمُوَالَاةِ. اهـ. م ر.
(قَوْلُهُ: قَرِيبًا) أَيْ: قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ مَا سَمِعُوهُ،
وَقَبْلَ النَّقْصِ، وَمَا أَعَادَهُ لَهُمْ بَعْدَ مَجِيئِهِمْ، أَوْ
أَتَى بِهِ بَعْدَ سُكُوتِهِ لِوُجُوبِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ أَرْكَانِهَا
(قَوْلُهُ: قَرِيبًا) بِأَنْ لَا يَبْلُغَ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ بِأَخَفِّ
مُمْكِنٍ كَمَا بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ م ر وع ش، وَتَقَدَّمَ عَنْ ق ل
خِلَافُهُ رَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ السَّمَاعِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ
الْمَحَلِّ، وَلَوْ سَمِعُوهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ هَذَا هُوَ قِيَاسُ مَا
قَالَهُ ق ل فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: فَعَنْ قَرِيبٍ إلَخْ. مِنْ شَرْحِ
الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: وَلَا إذَا هُمْ إلَخْ.) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ،
أَمَّا إذَا انْفَضُّوا، وَلَحِقَ أَرْبَعُونَ عَلَى الِاتِّصَالِ فَقَدْ
قَالَ فِي الْوَسِيطِ: تَسْتَمِرُّ الْجُمُعَةُ لَكِنْ شُرِطَ هُنَا أَنْ
يَكُونَ اللَّاحِقُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ (قَوْلُهُ: وَلَا إذَا هُمْ
فِي الصَّلَاةِ ذَهَبُوا إلَخْ.) تَرَكَ مَا ذَهَبُوا بَيْنَ الْخُطْبَةِ،
وَالصَّلَاةِ، وَذَكَرَهَا فِي الْمِنْهَاجِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهُمْ إنْ
عَادُوا فَوْرًا أَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ، وَلَوْ بَعْدَ إحْرَامِ
الْإِمَامِ مُطْلَقًا فَإِنْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَوْرًا، وَطَالَ
الْفَصْلُ قَبْلَ عَوْدِهِمْ أَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ أَيْضًا إنْ قَرَءُوا
الْفَاتِحَةَ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ مِنْ التَّبَاطُؤِ. اهـ. ق ل.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَوْرًا إلَخْ. أَيْ فَإِنَّهُ
حِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ لِلْفَوْرِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ لِحُصُولِ
الْمُوَالَاةِ بِفِعْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: فَعَنْ قَرِيبٍ مِنْ
ذَهَابِهِمْ) أَيْ: بِشَرْطِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَإِدْرَاكِ
الْفَاتِحَةِ مَعَ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يُدْرِكْهَا الْأَوَّلُونَ سَوَاءٌ
كَانَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى، أَوْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَ بِلَا قُرْبٍ
فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى، وَأَدْرَكُوا الْفَاتِحَةَ، وَالرُّكُوعَ،
وَسَمِعُوا الْخُطْبَةَ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ اسْتَمَرَّتْ أَيْضًا،
وَإِلَّا فَلَا. اهـ. قُوَيْسَنِيٌّ عَنْ ح ل، وَنَازَعَ سم فِيمَا إذَا
كَانَ الِانْفِضَاضُ بَعْدَ رُكُوعِ الْأُولَى، وَقَالَ: لَا بُدَّ أَنْ
يَكُونَ قَبْلَ رُكُوعِ الْأُولَى، وَإِلَّا بَطَلَتْ لِتَبَيُّنِ
انْفِرَادِ الْإِمَامِ فِي الْأُولَى قَالَ ح ل: وَإِحْرَامُهُمْ عَقِبَ
انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَيَّرَهُمْ
كَأَنَّهُمْ أَحْرَمُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ انْفِضَاضٌ، وَهَذَا
عَامٌّ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ. اهـ. لَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ
الرَّوْضِ يُوَافِقُ حَيْثُ قَيَّدَ فِي مَتْنِ الرَّوْضِ بِالْأُولَى
فَأَخَذَ الشَّارِحُ مَفْهُومَهُ، وَقَالَ: تَبْطُلُ، وَإِنْ قَصُرَ
الْفَصْلُ لِتَبَيُّنِ انْفِرَادِ الْإِمَامِ فِي الْأُولَى
بِانْفِرَادِهِمْ فِي الثَّانِيَةِ. اهـ. فَإِنَّ مِثْلَ الثَّانِيَةِ مَا
بَعْدَ رُكُوعِ الْأُولَى تَدَبَّرْ. وَنَازَعَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ فِي
وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إنْ لَمْ يُدْرِكْهَا الْأَوَّلُونَ
لِعَدَمِ تَقْصِيرِ هَؤُلَاءِ بِخِلَافِ الْمُتَبَاطِئِينَ، وَفِيهِ أَنَّ
الْمَلْحَظَ أَنْ تَكُونَ رَكْعَةُ الْإِمَامِ الْأُولَى كُلُّهَا
جَمَاعَةً، وَلَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا بِمَا ذُكِرَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ
الْمُقْصِرِ، وَغَيْرِهِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ هُنَا
بِالْمُنْفَضِّينَ فَارَقَ فَلْتُحَرَّرْ الْمَسْأَلَةُ (قَوْلُهُ: فَعَنْ
قَرِيبٍ) ، وَفِي النَّاشِرِيِّ بِأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ
مَحْسُوسٌ، وَقِيلَ إنْ فَاتَهُمْ الرُّكُوعُ لَمْ تَجُزْ، وَإِنْ
أَدْرَكُوا الْفَاتِحَةَ جَازَ، وَإِنْ الْتَحَقُوا بِالْمَسْبُوقِينَ
فَوَجْهَانِ (قَوْلُهُ: أَرْبَعُونَ) الْمَدَارُ عَلَى مَجِيءِ تِسْعَةٍ،
وَثَلَاثِينَ غَيْرِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَنْ لَا
تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ (قَوْلُهُ: خُطِبُوا) أَيْ: سَمِعُوا خُطْبَةَ
ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَلَا يَكْفِي سَمَاعُهُمْ خُطْبَةَ غَيْرِهِ عَلَى
الْمُعْتَمَدِ ق ل عَنْ ز ي، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ
سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَيْ: وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ الِانْفِضَاضِ.
اهـ.
مِنْ هَامِشِ
(2/10)
أَيْ: سَمِعُوا الْخُطْبَةَ (جَاءُوهُ)
أَيْ الْإِمَامَ، فَلَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُمْ كَالذَّاهِبِينَ
لِسَمَاعِهِمْ الْخُطْبَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجِيئُوهُ قَرِيبًا،
أَوْ جَاءَهُ أَرْبَعُونَ لَمْ يَسْمَعُوا الْخُطْبَةَ (أَوْ يَلْحَقُ
أَرْبَعُونَا، ثُمَّ الْأُلَى مِنْ قَبْلُ يَنْفَضُّونَا) أَيْ: وَلَا إنْ
لَحِقَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ
الَّذِينَ أَحْرَمُوا مَعَهُ مِنْ أَوَّلِهَا ثُمَّ انْفَضُّوا، فَلَا
تَبْطُلُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ اللَّاحِقُونَ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهُمْ إذَا
لَحِقُوا وَالْعَدَدُ تَامٌّ صَارَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا، فَسَقَطَ عَنْهُمْ
سَمَاعُ الْخُطْبَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ
زِيَادَتُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أَيْ: سَمِعُوا الْخُطْبَةَ) أَيْ: وَلَوْ، بِالْقُوَّةِ م ر
(قَوْلُهُ: جَاءُوهُ) أَيْ: بِحَيْثُ أَدْرَكُوا مَعَهُ قَدْرَ
الْفَاتِحَةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا فِي الرَّوْضِ، وَشَرْحِهِ
فِيمَا إذَا كَانَ الَّذِينَ جَاءُوهُمْ الَّذِينَ ذَهَبُوا حَيْثُ قَالَ:
مَا نَصُّهُ، أَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَيْ: أَوْ انْفَضُّوا فِي
الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ عَادُوا، وَلَمْ يَطُلْ فَصْلٌ بَنَى،
وَإِلَّا اسْتَأْنَفَ اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
شَرْحِ الْبَهْجَةِ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ ز ي خِلَافُهُ كَمَا
تَقَدَّمَ عَنْ ق ل (قَوْلُهُ: سَمِعُوا الْخُطْبَةَ) ، وَلَوْ
بِالْقُوَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَلْحَقَ
أَرْبَعُونَ إلَخْ.) سَوَاءٌ أَحْرَمُوا مَعًا، أَوْ مُرَتَّبًا بِأَنْ لَا
يَنْفَضَّ وَاحِدٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ وَاحِدٍ مِنْ
اللَّاحِقِينَ بِشَرْطِ أَنْ يُدْرِكُوا الْفَاتِحَةَ قَبْلَ رَفْعِ
الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ إنْ لَمْ يُدْرِكْهَا الْأَوَّلُونَ. اهـ.
قُوَيْسَنِيٌّ، وَقَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ سَوَاءٌ أَدْرَكُوا
الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ، أَوْ لَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِمْ بِخِلَافِ
الْمُتَبَاطِئِينَ. اهـ. فَحَرِّرْ (قَوْلُهُ: وَلَا إنْ لَحِقَ الْإِمَامَ
فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعُونَ إلَخْ.) فَلَوْ لَحِقَ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ
الثَّانِيَةَ أَرْبَعُونَ ثَالِثَةٌ، ثُمَّ انْفَضَّتْ أَيْضًا
الثَّانِيَةُ فَهَذِهِ الصُّورَةُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا الرَّافِعِيُّ
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ مُقْتَضَى كَلَامِ
غَيْرِهِ الصِّحَّةُ تَبَعًا لِلثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ تَبَعٌ لِلْأُولَى
كَمَا لَوْ صَحَّتْ صَلَاةُ مَأْمُومٍ فِي صَفٍّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ صَلَاةُ
مَنْ خَلْفَهُ، وَإِنْ حَالَ حَائِلٌ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ. اهـ.
نَاشِرِيٌ.
(قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ) خَرَجَ مَا إذَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ
فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الِارْتِبَاطَ فِيهَا غَيْرُ تَامٍّ
بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. اهـ. تُحْفَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا تَبْطُلُ، وَإِنْ
لَمْ يَسْمَعْ إلَخْ.) أَيْ: بِشَرْطِ أَنْ يُدْرِكُوا الْفَاتِحَةَ قَبْلَ
رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ إنْ لَمْ يُدْرِكْهَا الْأَوَّلُونَ
كَمَا فِي التُّحْفَةِ، وَنَازَعَ فِيهِ ق ل بِمِثْلِ مَا مَرَّ، وَفِيهِ
مَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ إحْرَامُهُمْ كَذَلِكَ صَارَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ
الْأَوَّلِينَ، وَحَصَلَتْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُمْ بَعْدَ
رَفْعِ الْإِمَامِ عَنْ رُكُوعِ الْأُولَى كَمَا اعْتَمَدَهُ حَجَرٌ وَم ر،
وَحَاصِلُ هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ بَعْضِ
الْأَرْبَعِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكْمُلَ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِمْ بَطَلَتْ
الصَّلَاةُ، وَقَعَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، أَوْ الثَّانِيَةِ،
وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ عَنْ الْقُدْوَةِ فَإِنْ كَانَ فِي
الْأُولَى بَطَلَتْ، أَوْ فِيمَا بَعْدَهَا لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ انْفَضَّ
الْأَرْبَعُونَ، أَوْ بَعْضُهُمْ، وَلَحِقَ تَمَامُ الْعَدَدِ فَإِنْ كَانَ
اللُّحُوقُ قَبْلَ الِانْفِضَاضِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ
فِي الْأُولَى، وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ رُكُوعِهَا، أَوْ فِي
الثَّانِيَةِ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْ رُكُوعِهَا سَوَاءٌ سَمِعَ
اللَّاحِقُونَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ
قَبْلَ رُكُوعِ الْأُولَى، وَسَمِعُوا الْخُطْبَةَ، وَأَدْرَكُوا
الْفَاتِحَةَ إنْ لَمْ يُدْرِكْهَا الْأَوَّلُونَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ،
وَإِلَّا فَلَا. اهـ.
سم عَلَى التُّحْفَةِ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ تَقْرِيرِ شَيْخِ
مَشَايِخِنَا الْقُوَيْسَنِيِّ، وَكَتَبَ الْعَلَّامَةُ الْحِفْنِيُّ مَا
نَصُّهُ حَاصِلُ الْمَقَامِ أَنَّ النَّقْصَ إمَّا فِي الْخُطْبَةِ، أَوْ
بَعْدَهَا، وَقَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ
الثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْخُطْبَةِ، وَقَدْ عَادُوا قَبْلَ مُضِيِّ
رَكْعَتَيْنِ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ مِنْ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ كَمَا
سَبَقَ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ بُنِيَ عَلَى مَنْ أُتِيَ بِهِ مِنْ
الْخُطْبَةِ مَعَ لُزُومِ إعَادَةِ رُكْنٍ فُعِلَ حَالَ نَقْصِهِمْ، وَإِنْ
عَادُوا بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ، أَوْ جَاءَ غَيْرُ الْمُنْفَضِّينَ، أَوْ
بَعْضُهُمْ، وَهُوَ دُونَ الْأَرْبَعِينَ مَعَ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِهِمْ
مُكَمِّلٍ لِلْعَدَدِ، وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا لِفَوَاتِ شَرْطِ الْوَلَاءِ
فِيهَا، أَوْ عَدَمِ سَمَاعِ الْأَرْبَعِينَ لِكُلِّهَا فَإِنْ كَانَ
النَّقْصُ بَعْدَهَا، وَقَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُحْرِمْ فَإِنْ قَرُبَ
الْفَصْلُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ، وَإِحْرَامِهِمْ بَنَوْا عَلَى الْخُطْبَةِ،
وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ، وَإِنْ طَالَ، وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ فَإِنْ
أَحْرَمَ الْإِمَامُ عَقِبَ الْخُطْبَةِ كَفَى فِي حُصُولِ الْوَلَاءِ
بَيْنَ الْخُطْبَةِ، وَالصَّلَاةِ، ثُمَّ إنْ عَادُوا، وَلَوْ بَعْدَ طُولِ
الْفَصْلِ، وَأَحْرَمُوا بِالْإِمَامِ قَبْلَ رُكُوعِهِ، وَانْتَظَرَهُمْ
فِي الْقِيَامِ، أَوْ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى قَرَءُوا الْفَاتِحَةَ،
وَرَكَعُوا قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، وَإِنْ لَمْ
يَطْمَئِنُّوا صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ، وَإِلَّا بِأَنْ اخْتَلَّ قَيْدٌ مِنْ
ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ حَصَلَ النَّقْصُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى
سَوَاءٌ كَانَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ بِحَدَثٍ، أَوْ نِيَّةٍ
مُفَارِقَةٍ، وَقَدْ عَادُوا، وَأَحْرَمُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ عَلَى
مَا فِي حَاشِيَةِ س ل، أَوْ، وَلَوْ مَعَ طُولِهِ عَلَى مَا فِي ح ل،
وَقَبْلَ الرُّكُوعِ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ بَنَوْا عَلَى مَا مَضَى
مِنْ الْخُطْبَةِ، وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ، وَإِنْ عَادُوا بَعْدَ رُكُوعِ
الْإِمَامِ، أَوْ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ الْفَاتِحَةُ أَوْ
أَمْكَنَهُمْ، وَلَمْ يَرْكَعُوا قَبْلَ رَفْعِهِ عَنْ أَقَلِّهِ، وَجَبَ
اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَةِ، وَالصَّلَاةُ هَذَا فِي الْمُنْفَضِّينَ،
وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا إنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْنَافُ
الْجُمُعَةِ، وَإِنْ حَصَلَ النَّقْصُ فِي الثَّانِيَةِ بِأَنْ بَطَلَتْ
صَلَاةُ بَعْضِهِمْ بَطَلَتْ جُمُعَتُهُمْ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ إلَى
فَرَاغِهَا، فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ، وَأَمَّا إذَا نَوَى بَعْضُهُمْ
(2/11)
عَلَى الْأَرْبَعِينَ، فَتَكْفِي تِسْعَةٌ
وَثَلَاثُونَ غَيْرُهُ
(وَلَوْ بَطَلَتْ لِمَنْ يَؤُمُّ) أَيْ: وَلَوْ بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ
لِلْإِمَامِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَبَدَا) أَيْ ظَهَرَ (تَقَدُّمٌ)
لِلْمَأْمُومِ بِأَنْ تَقَدَّمَ لِلْإِمَامَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِتَقْدِيمِ
الْإِمَامِ، أَوْ الْقَوْمِ (جَازَ) التَّقَدُّمُ (لِأَهْلٍ) لَهَا، وَلَوْ
صَبِيًّا، أَوْ مُتَنَفِّلًا (اقْتِدَا) بِالْإِمَامِ قَبْلَ بُطْلَانِ
صَلَاتِهِ، أَمَّا الْجَوَاز، فَلِمَا مَرَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي
غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ
فَلِأَنَّ تَقَدُّمَ غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَالَ فِي شَرْحِهِ، وَالتَّقْيِيدُ، بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَبِقَصْرِ
الْفَصْلِ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِضَاضِهِمْ
مَعَ عَوْدِهِمْ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِيهَا مَعَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ
الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُضِرٌّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ
الْعَدَدَ مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَكِنْ مَا أَفْهَمُهُ مِنْ
كَلَامِهِ مِنْ أَنَّ طُولَ الْفَصْلِ حِينَئِذٍ مُضِرٌّ لَيْسَ كَذَلِكَ
أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ تَبَاطَأَ الْمَأْمُومُونَ إلَخْ. اهـ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، بِالْإِعْرَاضِ بَعْدَ
التَّلَبُّسِ فِي تِلْكَ، فَالتَّقْصِيرُ فِيهَا أَشَدُّ، بِخِلَافِ
مَسْأَلَةِ التَّبَاطُؤِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ،
بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي
تِلْكَ أَعْنِي مَا إذَا كَانَ الْجَاءُونَ هُمْ الذَّاهِبِينَ،
فَلْيُتَأَمَّلْ. سم إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: مَعَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ
الْفَاتِحَةِ أَيْ: بِأَنْ يَقْرَؤُهَا قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ عَنْ
أَقَلِّ الرُّكُوعِ ش م ر، وَقَوْلُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ أَيْ:
فِي طُولِ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ: أَوْ جَاءَهُ أَرْبَعُونَ) ، وَلَوْ
قَرِيبًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ انْفَضُّوا) أَيْ الْأَرْبَعُونَ (قَوْلُهُ:
صَارَ حُكْمُهُمْ، وَاحِدًا) يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ، بِذَلِكَ أَنَّهُ
لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ مِنْ
لُحُوقِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ انْفِضَاضُ الْأَوَّلِينَ قَبْلَ رَفْعِ
الْإِمَامِ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى، وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ، وَلَوْ
بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ
الْمُقْرِي مِنْ الْبُطْلَانِ فِي الثَّانِي مُعَلِّلًا، بِأَنَّهُ
تَبَيَّنَ، بِفَسَادِ صَلَاةِ الْأَرْبَعِينَ، أَوْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ
قَدْ مَضَى لِلْإِمَامِ رَكْعَةٌ، فَقَدَ فِيهَا الْجَمَاعَةَ، أَوْ
الْعَدَدَ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ رُكُوعِ
الثَّانِيَةِ الْوَجْهُ خِلَافُ هَذَا
(قَوْلُهُ: لِأَهْلٍ لَهَا) أَيْ: لِلْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ:؛ فَلِأَنَّ
تَقَدُّمَ غَيْرِهِ إلَخْ.) ذَكَرَ هَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَعَ
زِيَادَةِ فَوَائِدَ مُهِمَّةٍ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ قَوْلِ الرَّوْضِ،
فَإِنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْجُمُعَةِ غَيْرَ الْمُقْتَدِي بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ مَا نَصُّهُ إذْ لَا يَجُوزُ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى،
وَلَا فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يُرَدُّ
الْمَسْبُوقُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، وَلَا مُنْشِئٌ، وَإِذَا بَطَلَتْ
جُمُعَةً، وَظُهْرًا بَقِيَتْ نَفْلًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ
الرَّوْضَةِ، وَالْمَجْمُوعِ، وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ
إذَا كَانَ جَاهِلًا، بِالْحُكْمِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الرَّوْضِ عَقِبَ
مَا تَقَدَّمَ: وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ اقْتَدُوا بِهِ قَالَ فِي
شَرْحِهِ: مَعَ عِلْمِهِمْ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ
لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَنَوَى غَيْرَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ،
وَحَيْثُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ نَفْلًا، وَاقْتَدَوْا بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
الْمُفَارَقَةَ، بَلْ، أَوْ كُلُّهُمْ فَالْجُمُعَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ
الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى انْتَهَى - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى -.
وَقَوْلُهُ: وَأَحْرَمُوا بِالْإِمَامِ قَبْلَ رُكُوعِهِ هُوَ قِيَاسُ مَا
فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ
الْمُتَبَاطِئِينَ بِقَطْعِهِمْ الْخُطْبَةَ، أَوْ الصَّلَاةَ،
وَإِعْرَاضِهِمْ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنُّوا أَيْ: لِحُصُولِ
الْجَمَاعَةِ فِي رَكْعَةِ الْإِمَامِ الْأُولَى، وَتَحْصُلُ لَهُمْ
الْجُمُعَةُ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ هَذَا مَا أَمْكَنَ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: فَيَكْفِي تِسْعَةٌ، وَثَلَاثُونَ) إلَّا إنْ كَانَ الْإِمَامُ
مِمَّنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ ق ل
(قَوْلُهُ: لَوْ بَطَلَتْ إلَخْ.) أَيْ: بَطَلَتْ مُطْلَقًا كَمَا فِي
الشَّرْحِ، أَوْ بَطَلَتْ إمَامَتُهُ فَقَطْ بِأَنْ تَأَخَّرُوا،
وَأَخْرَجَ نَفْسَهُ، وَاقْتَدَى بِآخَرَ، وَفَهِمَ الْمَأْمُومُونَ مِنْهُ
ذَلِكَ فَأَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ، وَنَوَوْا الِاقْتِدَاءَ
بِالْمُتَقَدِّمِ كَمَا، وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي الْحَلَبِيِّ عَلَى
الْمَنْهَجِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِنِيَّتِهِمْ
الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ بُطْلَانِ إمَامَتِهِ، وَهُوَ مَتَى وُجِدَتْ
الشُّرُوطُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقِيَامُ إخْرَاجِ نَفْسِهِ مِنْ
الْإِمَامَةِ مَقَامَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ صَرَّحَ بِهِ حَجَرٌ فِي
التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: اقْتَدَى بِالْإِمَامِ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ لَمْ
يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ
فِي حُكْمِ حَاضِرِهَا. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ:
(2/12)
يُؤَدِّي إلَى إنْشَاءِ جُمُعَةٍ بَعْدَ
انْعِقَادِ أُخْرَى، أَوْ إلَى جَعْلِهَا ظُهْرًا قَبْلَ فَوْتِ
الْجُمُعَةِ، وَلَا يُرَدُّ الْمَسْبُوقُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا مُنْشِئٌ
نَعَمْ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْمُقْتَدِي لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ
وَتَقَدَّمَ نَاوِيًا غَيْرَهَا، فَلَا يَخْفَى جَوَازُهُ وَأَفْهَمَ
كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْأُولَى؛
لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقُدْوَةِ بِمَثَابَةِ الْإِمَامِ، وَلَا حُضُورُ
الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ فِي حُكْمِ حَاضِرِهَا
وَخَرَجَ بِأَهْلٍ الْمَزِيدِ عَلَى أَكْثَرِ نُسَخِ الْحَاوِي
الْمَرْأَةُ، وَالْمُشْكِلُ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ
بَابِ الْجَمَاعَةِ (حَتْمًا) أَيْ: وُجُوبًا (فِي) الرَّكْعَةِ
(الْأُولَى) أَيْ جَازَ التَّقَدُّمُ، وَيَجِبُ فِي الْأُولَى كَمَا
عَبَّرَ بِهِ الْحَاوِي وَإِنَّمَا وَجَبَ فِيهَا لِتُدْرَكَ بِهَا
الْجُمُعَةُ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ لِإِدْرَاكِهِمْ مَعَ الْإِمَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ ظُهْرًا لِعَدَمِ فَوْتِ
الْجُمُعَةِ، وَلَا جُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا مِنْهَا
رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ مَعَ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ،
بِتَقْدِيمِ، وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَتَمُّوهَا
جُمُعَةً. اهـ. وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَقْيِيدُ قَوْلِهِ: فَلَا يَخْفَى
جَوَازُهُ، بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا
الْبُرُلُّسِيِّ عَلَى قَوْلِهِ: نَعَمْ إلَى، فَلَا يَخْفَى جَوَازُهُ مَا
نَصُّهُ هَذَا خَاصٌّ، بِالثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى كَمَا فِي شَرْحِ
الرَّوْضِ، وَفِي الرَّافِعِيِّ وَالسُّبْكِيِّ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ،
وَكَأَنَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ تَقَدَّمَ فِي
الْأُولَى، وَلَمْ يَكُنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ نَظِيرَ قَوْلِهِمْ إذَا
تَقَدَّمَ غَيْرُ الْخَطِيبِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَضَرَ الْخُطْبَةَ،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ اشْتِرَاطُ حُضُورِ الْخُطْبَةِ إنَّمَا هُوَ
فِي حَقِّ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ عَدَمُ
الصِّحَّةِ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةٌ، وَنِيَّتُهُ خَلْفَهُ غَيْرُ
مُشْتَرَطَةٍ. اهـ.
لَكِنَّ قَوْلَهُ: إذَا كَانَ جَاهِلًا ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ تَمَكَّنَ
مِنْ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ:
مَعَ عِلْمِهِمْ، بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ أَيْ: إنْ بَطَلَتْ، بِأَنْ لَمْ
يَجْهَلْ الْحُكْمَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ
عَدَمُ الصِّحَّةِ أَيْ: فِي الْأُولَى، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَلِيفَةٌ
قَدْ يُمْنَعُ أَنَّ هَذَا خَلِيفَةٌ (قَوْلُهُ: يُؤَدِّي إلَى إنْشَاءِ
جُمُعَةٍ) أَيْ: إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْجُمُعَةَ (قَوْلُهُ: يُؤَدِّي
إلَى إنْشَاءِ جُمُعَةٍ) أَيْ: وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ
مِنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ حَيْثُ جَازَ التَّعَدُّدُ كَأَنْ لَمْ يَصْلُحْ
إلَّا مَكَانٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ الْجَمِيعُ دَفْعَةً (قَوْلُهُ:
أَوْ إلَى جَعْلِهَا ظُهْرًا) أَيْ: إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الظُّهْرَ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَخْفَى جَوَازُهُ) يَنْبَغِي وُجُوبُ نِيَّةِ
الِاقْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ اسْتِخْلَافًا، وَلَا
إشْكَالَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ
أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْجُمُعَةَ، وَفِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ،
فَوَاتِ الْجُمُعَةِ جَائِزٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ
ثُمَّ رَأَيْت مَا فِي الْحَاشِيَةِ السُّفْلَى عَنْ شَيْخِنَا أَنَّ هَذَا
خَلِيفَةٌ، فَلْتُحَرَّرْ الْمَسْأَلَةُ، فَلَا يَخْفَى جَوَازُهُ أَيْ:
إنْ كَانُوا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي
الْحَاشِيَةِ (قَوْلُهُ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى) قَالَ فِي الرَّوْضِ:،
فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ، وَهُمْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ
الْجُمُعَةِ لَزِمَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ،
وَأَتَمُّوهَا جُمُعَةً فُرَادَى جَازَ قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ
اُسْتُخْلِفَ فِيهَا أَيْ: فِي الثَّانِيَةِ قَالَ الْإِمَامُ، فَلَهُمْ
أَنْ يُتَابِعُوهُ، وَلَهُمْ أَنْ يَنْفَرِدُوا. اهـ.
وَقَدْ يَدُلُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ فِي انْفِرَادِهِمْ
إلَى نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ، وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ، فَقَدْ يُقَالُ:
يَحْتَاجُونَ لِانْعِقَادِ الْقُدْوَةِ، بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ،
وَلِذَا جَازَتْ مُتَابَعَتُهُمْ، بِلَا نِيَّةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ هَذَا
الْكَلَامُ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ
إلَخْ.) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ، فَلَوْ اُسْتُحْلِفَ فِيهَا أَيْ: فِي
الثَّانِيَةِ قَالَ الْإِمَامُ، فَلَهُمْ أَنْ يُتَابِعُوهُ، وَلَهُمْ أَنْ
يَنْفَرِدُوا. اهـ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَنْفَرِدُوا
أَيْضًا، بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ، وَإِلَّا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُنَا
أَيْضًا، بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ يَصِيرُ الْخَلِيفَةُ إمَامًا
لَهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ الِانْفِرَادُ عَنْهُ، بِدُونِ النِّيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
أَيْضًا اقْتَدَى) أَيْ، وَلَوْ صُورَةً كَمُحْدِثٍ قَبْلَ ظُهُورِ
حَدَثِهِ سم وَق ل (قَوْلُهُ: إلَى إنْشَاءِ جُمُعَةٍ إلَخْ.) أَيْ: إنْ
نَوَى الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ الْأُولَى بَاقٍ حُكْمُهَا، وَلَا
تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: أَوْ إلَى إلَخْ.)
أَيْ: إنْ نَوَى الظُّهْرَ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ، أَوْ إلَى
فِعْلِ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ: حَتْمًا) أَيْ: قَبْلَ إتْيَانِهِمْ بِرُكْنٍ شَرْحُ م ر، وَفِي
ع ش فَوْرًا. اهـ.
أَمَّا إذَا فَعَلُوا رُكْنًا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ فِي
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا نَوَوْا الِاقْتِدَاءَ كَمَا فِي سم،
وَأَمَّا فِي الْأُولَى، فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ ع ش بِزِيَادَةٍ مِنْ سم
عَلَى الْمَنْهَجِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَنَّ مِثْلَ
فِعْلِ الرُّكْنِ مُضِيُّ زَمَنٍ يَسَعُهُ قَالَ: وَخَرَجَ بِالرُّكْنِ
بَعْضُهُ فَلَا يَضُرُّ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَتُهُ. اهـ. وَقَوْلُهُ،
وَتَجِبُ حِينَئِذٍ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ
مُرَاعَاةُ نَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلِيفَةً سم عَنْ
م ر
(2/13)
رَكْعَةً، فَلَهُمْ أَنْ يَنْفَرِدُوا
بِهَا كَالْمَسْبُوقِ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِالِانْفِضَاضِ فِي
الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ بِهِ لِنَقْصِ الْعَدَدِ لَا لِفَقْدِ
الْجَمَاعَةِ (وَأَتَمُّوا) أَيْ الْمَأْمُومُونَ (الْجُمُعَهْ) بِكُلِّ
حَالٍ لِإِدْرَاكِهِمْ رَكْعَةً مَعَ الْأَوَّلِ، أَوْ الْخَلِيفَةِ (وَ)
أَتَمَّ (الْخَالِفُ) أَيْ: الْخَلِيفَةُ (الظُّهْرَ) لَا الْجُمُعَةُ (إنْ
اقْتَدَى مَعَهْ) يَعْنِي بِهِ: (ثَانِيَةً) أَيْ: فِي الثَّانِيَةِ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَيُخَالِفُ
الْمَأْمُومُ، فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ إمَامٌ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا
وَجَازَ لَهُ التَّقَدُّمُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ
فَوْتِ الْجُمُعَةِ لِعُذْرِهِ بِالتَّقَدُّمِ بِإِشَارَةِ الْإِمَامِ
قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ عِلَّتِهِ أَنَّهُ إذَا
تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ، أَوْ قَدَّمَهُ الْقَوْمُ لَا يَجُوزُ ظُهْرُهُ
لَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ يُخَالِفُهُ وَيُوَجَّهُ أَنَّ التَّقَدُّمَ
مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَيُعْذَرُ بِهِ مَا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي
الْأُولَى، فَيُتِمُّ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْرَكَهَا
كُلَّهَا مَعَهُ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ فِي وَقْتٍ كَانَتْ جُمُعَةُ
الْقَوْمِ مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِمَامِ، فَكَانَ أَقْوَى مِنْ
الْإِدْرَاكِ فِي الثَّانِيَةِ (لَا مَنْ بِهِ) أَيْ: بِالْخَلِيفَةِ
(يَأْتَمُّ فِيهَا) أَيْ: فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّ
ظُهْرًا، بَلْ جُمُعَةً لِإِدْرَاكِهِ رَكْعَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَلَهُمْ أَنْ يَنْفَرِدُوا، بِهَا) أَيْ: الثَّانِيَةِ
(قَوْلُهُ: بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ: سَوَاءٌ الْمُقْتَدِي مِنْهُمْ فِي
الْأُولَى، وَالْمُقْتَدِي مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ: فِي
الثَّانِيَةِ) ، وَكَذَا فِي الْأُولَى بَعْدَ رُكُوعِهَا كَمَا تُفِيدُهُ
عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ كَشَرْحِ الْمَحَلِّيِّ، وَغَيْرِهِ،
فَانْظُرْهَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ
رَكْعَةً) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهَا مَعَهُ، بِأَنْ اقْتَدَى
بِهِ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، وَاسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ
سَجْدَتَيْهَا الثَّانِيَةِ أَتَمَّ أَيْضًا الْجُمُعَةَ، وَهُوَ غَيْرُ
بَعِيدٍ سم (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ فِعْلُ الظُّهْرِ) هَذَا يَصِيرُ
وَارِدًا عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ فِي
قَوْلِهِ: وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ اقْتَدَى إلَخْ. بِرّ (قَوْلُهُ:
اقْتَدَى بِهِ فِي الْأُولَى) أَيْ: فِي قِيَامِهَا، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ
مَعَهُ رُكُوعَهَا، أَوْ فِي رُكُوعِهَا، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَا
قَبْلَهُ، وَلَا سُجُودَهَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ فِي وَقْتٍ
إلَخْ.) قَدْ يَقْتَضِي هَذَا التَّعْلِيلُ أَنَّهُ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ،
وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ بَعْدَ رُكُوعِ الْأُولَى كَسُجُودِهَا،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ
الْمَنْهَجِ: وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْأُولَى، وَإِنْ اسْتَخْلَفَ فِيهَا،
فَتَتِمُّ الْجُمُعَةُ لَهُمْ لَا لَهُ. اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
(قَوْلُهُ: مَعَ الْأَوَّلِ) ، أَوْ الْخَلِيفَةِ، أَوْ مَانِعَةِ خُلُوٍّ
تُجَوِّزُ الْجَمْعَ بِأَنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْأُولَى تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَأَتَمَّ الْخَالِفُ الظُّهْرَ) ، وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ
زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً) هَكَذَا
قَالَ الْمَحَلِّيُّ قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ زَادَ السُّبْكِيُّ فِي
قِطْعَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَمَرَّ مَأْمُومًا إلَى آخِرِ
الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً جُعِلَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ
فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ، وَالْخَلِيفَةُ إمَامٌ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ
تَبَعًا لِلْمَأْمُومِينَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَهُ فِي
الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فِيهَا؛ لِأَنَّ
الِاقْتِدَاءَ فِي الْأُولَى آكَدُ، وَأَقْوَى فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى
تَمَامِ جُمُعَةِ الْإِمَامِ قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْفَرْقِ تَسْتَفِيدُ
أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَوَّلِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَى بَعْدِ
السُّجُودِ، وَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ لَا يُدْرِكُ
الْجُمُعَةَ، وَإِنَّ شَرْطَ إدْرَاكِهَا بِرُكُوعِ الثَّانِيَةِ أَنْ
يَسْتَمِرَّ مَعَ الْإِمَامِ إلَى السَّلَامِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ
مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فِي الْأُولَى فَأَحْرَمَ خَلْفَهُ،
وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ، ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ عَقِبَ الْفَرَاغِ
مِنْ سُجُودِ الْأُولَى حَصَلَتْ لَهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ
تَبَعًا لِإِمَامِهِ، وَقَدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَلَمْ يَضُرَّهُ إلَّا
أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي الْأُولَى آكَدُ مَشَى شَيْخُنَا
فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَنْهَجِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ
الثَّانِيَةَ إلَى تَمَامِ السُّجُودَيْنِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ يُتِمُّ
جُمُعَةً، وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَغَوِيّ. اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنَّ الشَّرْحَ جَرَى عَلَى كَلَامِ السُّبْكِيّ لِأَنَّهُ
الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي
التُّحْفَةِ، وَقَوْلِ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ إلَخْ. أَيْ: لِبَقَاءِ
التَّبَعِيَّةِ، وَعَدَمِ بُطْلَانِهَا لِصِحَّةِ الْإِمَامَةِ إلَى آخِرِ
الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْخَلِيفَةِ لِزَوَالِ تَبَعِيَّتِهِ بِبُطْلَانِ
صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلَا دَخْلَ لِكَوْنِ الرَّكْعَةِ إنَّمَا تَتِمُّ
بِالسَّلَامِ، أَوْ لَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ
يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً) لِأَنَّهُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ
مِنْهَا بَطَلَتْ تَبَعِيَّتُهُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ
السُّجُودِ الثَّانِي بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ الْمُقْتَدِي فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ الْبَاقِي مَعَ الْإِمَامِ إلَى السَّلَامِ لِوُجُودِ
التَّبَعِيَّةِ لِلْإِمَامِ فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ هَذَا مَبْنَى
الشَّارِحِ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ، وَلَيْسَ مَبْنَاهُ أَنَّ الرَّكْعَةَ
لَا تَتِمُّ إلَّا بِالسَّلَامِ لِاخْتِلَافِ الْمَلْحَظِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَيُخَالِفُ الْمَأْمُومُ) أَيْ: حَيْثُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ
بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْإِمَامِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ
(قَوْلُهُ: وَيُخَالِفُ إلَخْ.) يَعْنِي: إنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِأَنَّ
الْخَلِيفَةَ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ تَبَعًا لِلْقَوْمِ لِإِدْرَاكِهِ
تَمَامَ الرَّكْعَةِ مَعَهُمْ، وَهُوَ إمَامٌ كَمَا قُلْنَا إنَّ
الْمَأْمُومَ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ
تَبَعًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ إمَامٌ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا
هَذَا مَا أَمْكَنَ فِي فَهْمِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَتَأَمَّلْ، وَرَاجِعْ
لَعَلَّك تَجِدُ أَحْسَنَ مِنْهُ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت هَذَا فِي كَلَامِ
الْإِمَامِ السُّبْكِيّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُخَالِفُ الْمَأْمُومُ) فَإِنَّهُ إذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ
الثَّانِيَةَ جُعِلَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ،
وَالْخَلِيفَةُ إمَامٌ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلْمَأْمُومِينَ،
وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُدْرِكُ
الْجُمُعَةَ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا بَقِيَ
الْإِمَامُ فِيهَا، وَأَدْرَكَهَا حَتَّى يَتَأَتَّى أَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ،
وَالْحَقُّ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ بَطَلَتْ
صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يُخَالِفُ
الْمَأْمُومَ الْمَسْبُوقَ الْمُقْتَدِي بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِأَنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ،
ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَإِنَّ هَذَا الْمَسْبُوقَ يُتِمُّ
جُمُعَةً تَبَعًا لَهُمْ أَيْ: الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا
الْأُولَى جَمَاعَةً بِخِلَافِ الْخَلِيفَةِ فَإِنَّهُ إمَامٌ لَا يَكُونُ
تَابِعًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إدْرَاكُهَا مَعَهُ) ، وَلَوْ
أَحْرَمَ مَعَهُ فِي الْقِيَامِ لَمْ يُشْتَرَطْ رُكُوعُهُ مَعَهُ لَكِنْ
لَا يَرْكَعُ إلَّا بَعْدَ إتْمَامِ فَاتِحَتِهِ، وَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ
الْإِمَامُ بَعْدَ إتْمَامِ فَاتِحَةِ نَفْسِهِ. اهـ. ق ل عَلَى
الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ فِي وَقْتٍ إلَخْ.) هَذَا يَأْتِي فِيمَا
إذَا أَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي تَوَقُّفِ
جُمُعَةِ الْقَوْمِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إلَّا أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِإِدْرَاكِهِ رَكْعَةً) أَيْ: تَامَّةً بِخِلَافِ
الْخَلِيفَةِ عَلَى مَا مَرَّ
(2/14)
خَلْفَ مَنْ يُرَاعِي نَظْمَ الْإِمَامِ
بِخِلَافِ الْخَلِيفَةِ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَتَمُّوا
الْجُمُعَةَ
(وَإِنْ أَحْدَثَ مَنْ يَؤُمُّ) أَيْ الْإِمَامُ (خَاطِبًا) أَيْ فِي
الْخُطْبَةِ (أَوْ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ
(فَاسْتَخْلَفَا) أَيْ: الْإِمَامُ (مَنْ حَضَرَ) ، وَهُوَ الْمُرَادُ
كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ هُنَا وَفِيمَا
يَأْتِي مَنْ سَمِعَ (الْخُطْبَةَ فَالْمَنْعُ) مِنْ الِاسْتِخْلَافِ
(انْتَفَى) أَيْ: جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَحَدَثِهِ
فِي الصَّلَاةِ بَلْ أَوْلَى وَمَسْأَلَةُ التَّبَادُرِ الْآتِيَةِ تُغْنِي
عَنْ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَعَمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (كَخُطْبَةِ
الشَّخْصِ) أَيْ كَأَنْ خَطَبَ شَخْصٌ (وَأَمَّ آخَرُ) ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ
سَوَاءٌ أَحْدَثَ مَنْ خَطَبَ أَمْ لَا، أَمَّا مَنْ لَمْ يَحْضُرْ
الْخُطْبَةَ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِ الْجُمُعَةِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ التَّبَادُرِ الْآتِيَةِ
(كَالْعِيدِ) يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ فِيهِ وَاحِدٌ، وَيَؤُمَّ آخَرُ
(أَوْ سُمَّاعُهَا تَبَادَرُوا أَيْ: ضِعْفُ عِشْرِينَ لِعَقْدِ
الْجُمُعَهْ) أَيْ: أَوْ بَادَرَ أَرْبَعُونَ سَمِعُوا أَرْكَانَ
الْخُطْبَةِ إلَى عَقْدِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخَطِيبِ، فَإِنَّهُ
يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ السَّامِعِينَ،
فَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ مِنْ أَهْلِهَا إذَا دَخَلُوا فِي الصَّلَاةِ كَمَا
مَرَّ، فَالسَّمَاعُ هُنَا كَالِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاةِ (قُلْت:
وَحَاضِرٌ) لَمْ يَسْمَعْ الْخَطِيبَ فِي مَسْأَلَةِ التَّبَادُرِ (كَمَنْ
قَدْ سَمِعَهْ) ، فَيَصِحُّ عَقْدُ الْجُمُعَةِ مِنْ أَرْبَعِينَ حَضَرُوا
وَلَمْ يَسْمَعُوا وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ شَيْخَهُ الْبَارِزِيَّ،
وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا اشْتِرَاطُ سَمَاعِهَا أَيْ:
الْخُطْبَةِ وِفَاقًا لِمَا فِي الْحَاوِي وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
عَنْ الْأَصْحَابِ
(وَهْوَ) أَيْ: الْإِمَامُ (إذَا فَارَقَهُمْ فِي رَكْعَهْ ثَانِيَةٍ
يُتَمِّمُونَ الْجُمُعَهْ) ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفُوا لِإِدْرَاكِهِمْ
رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا كَقَوْلِ الْحَاوِي، وَإِنْ، فَارَقَ فِي
الثَّانِيَةِ أَتَمُّوا الْجُمُعَةَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ
أَنَّ الْجُمُعَةَ تُدْرَكُ بِرَكْعَةٍ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ
الِاسْتِخْلَافُ فِي الثَّانِيَةِ، فَحِينَئِذٍ يُتِمُّونَ الْجُمُعَةَ
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ قَالَ وَالِدِي: صَوَابُ عِبَارَةِ
الْحَاوِي، وَإِنْ فَارَقَ فِي الثَّانِيَةِ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ بِجَعْلِ
ضَمِيرَيْ فَارَقَ وَأَتَمَّ لِلْمَأْمُومِ، وَأَمَّا مُفَارَقَةُ
الْإِمَامِ، فَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهَا مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ بَطَلَتْ
لِلْإِمَامِ، فَتَقَدَّمَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ جَازَ، فَإِنَّ مُفَارَقَتَهُ
بِلَا بُطْلَانٍ لَا تُتَصَوَّرُ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ صَلَّى مَعَ
الْإِمَامِ رَكْعَةً، ثُمَّ فَارَقَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: مَنْ حَضَرَ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَإِنَّمَا لَمْ
يَجُزْ فِي غَيْرِ السَّامِعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ
الْجُمُعَةِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، فَالسَّمَاعُ هُنَا
كَالِاقْتِدَاءِ ثُمَّ. اهـ. ثُمَّ بَيَّنَ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ
الْمُرَادَ، بِالسَّمَاعِ الْحُضُورُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ:
وَالسَّمَاعُ هُنَا إلَخْ أَنَّهُ فِيمَا لَوْ أَحْدَثَ بَيْنَهُمَا
يَصِحُّ اسْتِخْلَافُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ
الْجُمُعَةُ، وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَهَا، وَأَمَّا فِيمَا لَوْ
أَحْدَثَ فِيهَا، فَقَدْ يُقَالُ: لَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُ مَنْ لَمْ
يَحْضُرْ مَا سَبَقَ مِنْهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ فِعْلٌ غَيْرُ
خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ إذْ لَا بُدَّ هَاهُنَا مِنْ الْخُطْبَةِ لَهَا،
فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ: جَازَ الِاسْتِخْلَافُ) صَرِيحٌ فِي
بِنَاءِ الْخَلِيفَةِ عَلَى مَا أَتَى بِهِ الْخَطِيبُ مِنْ الْخُطْبَةِ
قَبْلَ حَدَثِهِ، بِخِلَافِ الْخَطِيبِ نَفْسِهِ لَوْ تَطَهَّرَ، وَعَادَ،
وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي فِي شَرْحِ
قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَبِالطُّهْرَيْنِ (قَوْلُهُ: جَازَ الِاسْتِخْلَافُ)
قَالَ فِي الرَّوْضِ: مِنْ زِيَادَتِهِ، وَكُرِهَ أَيْ: الِاسْتِخْلَافُ
بَعْدَ الْخُطْبَةِ، أَوْ فِيهَا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ قَالَ فِي
شَرْحِهِ: فَيَتَطَهَّرُ، وَيَسْتَأْنِفُ، أَوْ يَبْنِي، بِشَرْطِهِ
خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ الِاسْتِخْلَافَ. اهـ.
، وَقَوْلُهُ: أَوْ يَبْنِي هَذَا فِي غَيْرِ الْحَدَثِ فِي الْخُطْبَةِ
أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَبِالطُّهْرَيْنِ (قَوْلُهُ:
وَأَمَّ آخَرُ) أَيْ: حَضَرَ الْخُطْبَةَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَعَمَّا
ذَكَرَهُ، بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا لَمْ تُغْنِ عَنْهَا مَسْأَلَةُ
الْمُبَادَرَةِ، وَبِدَلِيلِ عِبَارَةِ الْإِرْشَادِ الْمَسْطُورَةِ بَلْ،
وَبِدَلِيلِ ظَاهِرِ التَّشْبِيهِ (قَوْلُهُ: وَعَمَّا ذَكَرَهُ،
بِقَوْلِهِ إلَخْ.) ، وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ الْإِرْشَادُ عَلَى قَوْلِهِ:
أَوْ خَطَبَ، وَأَمَّ سَامِعٌ، بِهَادِرَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْ
لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ إلَخْ.) قُوَّةُ عِبَارَتِهِ تُعْطِي أَنَّ
ذَلِكَ الْحَاضِرَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَنْعَقِدُ بِهِ،
فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ أَشْكَلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ صِحَّةِ
اسْتِخْلَافِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إذَا تَقَدَّمَ،
وَإِحْرَامٌ، بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَحَلُّ اشْتِرَاطِ
الْحُضُورِ إذَا كَانَ الْمُسْتَخْلِفُ يُحْرِمُ، بِالْجُمُعَةِ، فَمَنْ
يُحْرِمُ بِغَيْرِهَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ
الْخُطْبَةَ، أَوْ يُقَالُ الشَّرْطُ حُضُورُ الْخُطْبَةِ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مِمَّنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، فَيَصِيرُ حَاصِلُ الْكَلَامِ
أَوَّلًا، وَآخِرًا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ، وَلَوْ
صَبِيًّا، وَمُتَنَفِّلًا حَضَرَ الْخُطْبَةَ، أَوْ لَا، وَإِنْ غَيْرُهُ
يَصِحُّ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَضَرَ الْخُطْبَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مِمَّنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا
الْبُرُلُّسِيِّ وَأَقُولُ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ تَسْوِيَةِ الشَّارِحِ
بَيْنَ مَسْأَلَةِ السَّمَاعِ، وَالِاقْتِدَاءِ، بِقَوْلِهِ: فَالسَّمَاعُ
هُنَا كَالِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى فِيمَا
تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ غَيْرَ مَنْ تَلْزَمُهُ
الْجُمُعَةُ إذَا تَقَدَّمَ نَاوِيًا غَيْرَهَا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ
السَّمَاعِ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ مَحَلُّ اشْتِرَاطِهِ فِي غَيْرِ مَنْ لَا
تَلْزَمُهُ إذَا تَقَدَّمَ نَاوِيًا غَيْرَهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مُفَارَقَتَهُ، بِلَا بُطْلَانٍ) كَانَ الْمُرَادُ
مُفَارَقَةً يَنْفَرِدُ بِهَا الْمَأْمُومُ، وَإِلَّا، فَمُفَارَقَتُهُ
مُتَصَوَّرَةٌ، بِأَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ ثُمَّ رَأَيْت
قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِيَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ مُفَارَقَتَهُ
إلَخْ، وَمَا ذَكَرْته، بِهَامِشِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُرَادُ إلَخْ.) خَالَفَ السُّبْكِيُّ فَاشْتَرَطَ
السَّمَاعَ بِالْفِعْلِ هُنَا، وَفِيمَا يَأْتِي خَاصَّةً، وَخَالَفَهُ
الْمُصَنِّفُ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ: وَحَاضِرٌ إلَخْ.) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَوْ أَصْغَى
لَسَمِعَ ع ش لَكِنْ فِي الْبُجَيْرِمِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ لَا فَرْقَ
فِي الْحَاضِرِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ، أَوْ لَا حَضَرَ فِي
أَوَّلِهَا، أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْهَا. اهـ.
فَيُفِيدُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْحُضُورِ فَقَطْ فِي صِحَّةِ
الِاسْتِخْلَافِ لِيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاةِ،
وَأَمَّا السَّمَاعُ فَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ فَمَتَى سَمِعَهَا
أَرْبَعُونَ كَفَى، وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْجُمُعَةُ بِأَرْبَعِينَ
حَضَرُوا، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا بِحَيْثُ لَوْ صَغَوْا لَسَمِعُوا
فَلْيُحَرَّرْ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ مَا هُنَا، وَشَرْحِ الرَّوْضِ أَيْضًا.
اهـ.، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَضِيَّةُ الْمَتْنِ اشْتِرَاطُ
السَّمَاعِ قَالَ السُّبْكِيُّ إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَهُمْ بَدَا لَك
أَنَّ الشَّرْطَ السَّمَاعُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ
فِي الصَّلَاةِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ لَكِنْ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ: إنَّ
(2/15)
وَجَوَّزْنَاهُ جَازَ أَنْ يُتِمَّهَا
جُمُعَةً كَمَا لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ انْتَهَى وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ
الصَّوَابِ بِالْأَوْلَى كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْمَأْمُومِ
قَدْ عُلِمَ حُكْمُهَا أَيْضًا مِنْ كَوْنِ الْجُمُعَةِ تُدْرَكُ
بِرَكْعَةٍ لَكِنَّهُ دُونَ ذَاكَ فِي الصَّرَاحَةِ ثَمَّ فِي قَوْلِهِ:
فَإِنَّ مُفَارَقَتَهُ بِلَا بُطْلَانٍ لَا تُتَصَوَّرُ وَقْفَةٌ
(وَهْوَ) أَيْ: الْإِمَامُ (إذَا أَتَمَّهَا) أَيْ: الصَّلَاةَ وَلَمْ
يُتِمَّهَا الْقَوْمُ لِكَوْنِهِمْ مَسْبُوقِينَ، أَوْ صَلَاتِهِمْ
أَطْوَلَ (فَقَدَّمُوا شَخْصًا بِهِمْ صَلَاتَهُمْ يُتَمِّمُ) أَيْ
يُتَمِّمُ بِهِمْ صَلَاتَهُمْ (فَذَاكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْجُمُعَهْ)
لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا تَنْشَأُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى كَأَنَّهُمْ
أَرَادُوا بِالْإِنْشَاءِ مَا يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ إذْ
لَيْسَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَلِيفَةُ مِنْهُمْ أَنْشَأَ جُمُعَةً
وَإِنَّمَا فِيهِ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ صُورَةً عَلَى أَنَّ بَعْضَ
الْمُعَلَّقِينَ عَلَى الْحَاوِي كَالنَّاشِرِيِّ قَالَ: بِالْجَوَازِ فِي
هَذِهِ لِذَلِكَ (وَ) لَا فِي (غَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ حَصَلَتْ
وَهُمْ إذَا أَتَمُّوا فُرَادَى نَالُوا فَضْلَهَا كَذَا صَحَّحَهُ فِي
الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا هُنَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا فِي الْجَمَاعَةِ
تَصْحِيحُ الْجَوَازِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَصَحَّحَهُ فِي
التَّحْقِيقِ، وَالْمَجْمُوعِ وَقَالَ فِيهِ اعْتَمَدَهُ، وَلَا تَغْتَرَّ
بِمَا فِي الِانْتِصَارِ لِابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ
قَالَ: وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْخَطِيبِ قَالَ: فِي التَّهْذِيبِ فِي
بِنَاءِ غَيْرِهِ عَلَى خُطْبَتِهِ الْقَوَلَانِ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي
الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ اُسْتُؤْنِفَتْ الْخُطْبَةُ وَإِلَّا
اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَبْنِي سَمِعَ أَوَّلَهَا، وَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ هُنَا وَسَوَّى فِي الْمَجْمُوعِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْحَدَثِ فِي تَصْحِيحِ الْمَنْعِ خِلَافَ مَا صَحَّحَهُ فِي
مَحَلٍّ آخَرَ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ الْجَوَازِ فِي الْحَدَثِ
وَعَلَى الْمَنْعِ فِيهِمَا قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْبِنَاءَ هُنَا
يَسْتَلْزِمُ اقْتِصَارَ الْبَانِي عَلَى بَعْضِ الْخُطْبَةِ وَهُنَاكَ
يَأْتِي الْخَلِيفَةُ بِجَمِيعِ الصَّلَاةِ وَبِأَنَّ الْخَطِيبَ قَرِيبُ
الشَّبَهِ بِالْمُؤَذِّنِ، فَأُلْحِقَ بِهِ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي ثَمَّ
رَأَيْت الْعُمْرَانِيَّ فَرَّقَ بِهَذَا لَكِنَّ الْأَقْيَسَ فِيهِمَا
الْجَوَازُ إلْحَاقًا لِلْخُطْبَةِ بِالصَّلَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَقْفَةٌ) كَانَ، وَجْهُ الْوَقْفَةِ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ
تَصَوُّرِهَا، بِلَا بُطْلَانٍ، بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ إخْرَاجَ
نَفْسِهِ مِنْ الْجَمَاعَةِ، فَيَصِيرَ مُنْفَرِدًا، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ
الْقَوْمُ مُنْفَرِدِينَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. نَعَمْ إنْ نَوَى
الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِهِ صَارُوا مُنْفَرِدِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْقَفَّالُ أَخْذًا مِنْ قَضِيَّةِ الصِّدِّيقِ.
(قَوْلُهُ: فَقَدَّمُوا) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَلَوْ أَرَادَ
الْمَسْبُوقُونَ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا إلَخْ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ
اسْتِخْلَافٌ حَقِيقِيٌّ، فَلَهُ أَحْكَامُهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
قَبِيلِ الِاقْتِدَاءِ فِي الْأَثْنَاءِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي شَرْحِهِ،
بِأَنَّ مِنْ فَوَائِدِهِ نَيْلَ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ الْكَامِلِ،
وَسَتَأْتِي عِبَارَتُهُ فِي الْهَامِشِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ
كَوْنَ مَا ذُكِرَ اسْتِخْلَافًا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ بَلْ هُوَ مِنْ
قَبِيلِ الِاقْتِدَاءِ فِي الْأَثْنَاءِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ مُفَوِّتٌ
لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا، فَهَلْ تَفُوتُ
الْفَضِيلَةُ فِي الِاقْتِدَاءِ السَّابِقِ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: لِمَا
مَرَّ إلَخْ.) قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ الْجَوَازُ إنْ كَانَ
الْخَلِيفَةُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَنَوَى الظُّهْرَ،
وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: جَازَ لِأَهْلٍ
اقْتَدَى، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: غَيْرُ جَائِزٍ
إلَخْ.) ، وَيُفَارِقُ الِاسْتِخْلَافَ، بِأَنَّهُ، بِمَنْزِلَةِ بَقَاءِ
الْإِمَامِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ نَظْمِ صَلَاتِهِ
(قَوْلُهُ: لَا تَنْشَأُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى) هَلَّا زَادَ، أَوْ
فَعَلَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ:، وَلَا فِي
غَيْرِهَا) ، وَمِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَا لَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ
خَلْفَ إمَامِهَا، وَلَمْ تَحْصُلْ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِمْ مَعَهُ رَكْعَةً
(قَوْلُهُ: مِنْ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: عَلَى
أَنَّ تَعْلِيلَ الْمَنْعِ، بِمَا ذُكِرَ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ إذْ
لِلِاقْتِدَاءِ فَوَائِدُ أُخَرُ كَتَحَمُّلِ السَّهْوِ، وَتَحَمُّلِ
الصُّورَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ، وَنَيْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ
الْكَامِلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: سَمِعَ أَوَّلَهَا) أَيْ: حَضَرَ لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ مِنْ
اشْتِرَاطِ الْحُضُورِ دُونَ السَّمَاعِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَدَثِ بِرّ
(قَوْلُهُ: مَا صَحَّحَهُ) فِي مَحَلٍّ اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: فِي
الْحَدَثِ) أَيْ: دُونَ الْإِغْمَاءِ، فَإِنْ قِيلَ تُفَارِقُ الْخُطْبَةُ
الصَّلَاةَ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْإِمَامِ
جَازَ الِاسْتِخْلَافُ قِيلَ لَمَّا لَزِمَ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ فِي
الْخُطْبَةِ تَلْفِيقُهَا مِنْ اثْنَيْنِ ضُويِقَ فِيهَا، بِخِلَافِ
صَلَاةِ الْقَوْمِ لَا يَلْزَمُ فِيهَا تَلْفِيقٌ بَلْ فِي إمَامَتِهَا
لَكِنْ يُطْلَبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِغْمَاءِ، وَالْحَدَثِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
مُرَادَ الْأَصْحَابِ هُنَا بِالسَّمَاعِ الْحُضُورُ، وَإِنْ لَمْ
يَسْمَعْ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَارِزِيُّ وَابْنُ الْوَرْدِيِّ. اهـ.
وَهِيَ تَكَادُ تُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْت. اهـ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَوْ يُعِينُهُ أَنَّ صَاحِبَ الرَّوْضَةِ
قَالَ: فِيهَا شَرْطُ الْخَلِيفَةِ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ الْخُطْبَةَ عَلَى
الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ،
وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ، وَجْهَيْنِ فِي اسْتِخْلَافِ مَنْ لَمْ
يَسْمَعْ أَيْ: إذَا اسْتَخْلَفَ فِي الْخُطْبَةِ أَوْ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ
الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ فِي شُرُوطِ الْخُطْبَةِ السَّادِسُ رَفْعُ
الصَّوْتِ فَلَوْ خَطَبَ سِرًّا بِحَيْثُ لَمْ يُسْمِعْ غَيْرَهُ لَمْ
يُحْسَبْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ، وَفِي، وَجْهٍ يُحْسَبُ، وَهُوَ
غَلَطٌ. اهـ. فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ ذَلِكَ الْوَجْهَ هُنَا مُقَابِلَ
الصَّحِيحِ لَا الْمَذْهَبَ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالْغَلَطِ بِخِلَافِ مَا
سَبَقَ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: عُلِمَ حُكْمُهَا إلَخْ.) قَدْ يُقَالُ: هَذِهِ مُقَيَّدَةٌ
بِتَقْدِيمِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَيْدًا مُطْلَقًا
تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَخْ.) اسْتِدْلَالٌ عَلَى
صِحَّةِ جَعْلِ ضَمِيرَيْ فَارَقَ، وَأَتَمَّ لِلْمَأْمُومِ
(قَوْلُهُ: أَيْ: الصَّلَاةَ) جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا كَمَا فِي الْحَاوِي
(قَوْلُهُ: قَالَ بِالْجَوَازِ) اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ سم
عَلَى الْمَنْهَجِ، وَلَا يَحْتَاجُونَ لِنِيَّةِ اقْتِدَاءٍ إلَّا إنْ
انْفَرَدُوا بِرُكْنٍ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: قَالَ بِالْجَوَازِ فِي
هَذِهِ) اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ
أَيْضًا إذَا كَانَ الْخَلِيفَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ لَا تَلْزَمُهُ
الْجُمُعَةُ، وَتَقَدَّمَ نَاوِيًا غَيْرَهَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ
الرَّوْضِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: تَصْحِيحُ الْجَوَازِ) ،
وَيَحْصُلُ بِهِ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ الْأَكْمَلُ، وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ
اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ نَعَمْ إنْ احْتَاجُوا لِنِيَّةِ اقْتِدَاءٍ
كَانَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ: بِأَنْ جَوَّزْنَا (قَوْلُهُ:
خِلَافَ مَا صَحَّحَهُ إلَخْ.) اعْتَمَدَ م ر أَنَّ الْخَطِيبَ لَوْ
أَحْدَثَ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ، وَالْبِنَاءُ عَلَى خُطْبَتِهِ بِخِلَافِ
مَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا أَهْلِيَّةَ
لَهُ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ إذَا
بَانَ مُحْدِثًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ لَا مِنْ الْإِمَامِ، وَلَا
مِنْ الْقَوْمِ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ:
الْأَقْيَسُ)
(2/16)
وَالْفَرْقُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَيُلْحَقُ
بِالْإِغْمَاءِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْجُنُونِ
(وَمَا شَرَطْنَا) مِنْ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ (فَمَعَهْ)
شَرْطٌ سَادِسٌ وَهُوَ (تَقْدِيمُ خُطْبَتَيْنِ أَيْ مِنْ قَبْلِ مَا
صَلَّى) الْجُمُعَةَ لِلِاتِّبَاعِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَهَذَا بِخِلَافِ
الْعِيدِ، فَإِنَّ الْخُطْبَتَيْنِ فِيهِ مُؤَخَّرَتَانِ لِلِاتِّبَاعِ؛
وَلِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى
مَشْرُوطِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تُؤَدَّى جَمَاعَةً،
فَأُخِّرَتْ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ
(وَلَا يَجُوزُ) لِلْخَطِيبِ بِمَعْنًى لَا يَحِلُّ لَهُ، وَلَا يَصِحُّ
مِنْهُ (أَنْ يُتَرْجِمَا) شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ، بَلْ
يَأْتِي بِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا السَّامِعُونَ
لِمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ خَطَبَ
بِلُغَتِهِ وَعَلَى الْجَمِيعِ تَعَلُّمُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ
قَصَّرُوا عَصَوْا، وَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ، بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ
وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ سُؤَالِ مَا فَائِدَةُ الْخُطْبَةِ
بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا
الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي
الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِيمَا لَوْ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ وَلَمْ
يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أَنَّهَا تَصِحُّ (بِلَفْظَةِ) أَيْ: مَعَ لَفْظَةِ
(الْحَمْدِ) ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِيغَتُهُ كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ:
(وَلَوْ مُصَرَّفَا) أَيْ مُشْتَقًّا كَأَحْمَدُ، أَوْ نَحْمَدُ اللَّهَ،
أَوْ حَمْدًا لِلَّهِ أَوْ لِلَّهِ الْحَمْدُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: «خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا
الْجُمُعَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ» (وَ) مَعَ (لَفْظَةِ
اللَّهِ تَعَالَى) كَمَا مَثَّلْت لِلِاتِّبَاعِ وَكَكَلِمَةِ التَّكْبِيرِ
(مُرْدِفَا) الْخَطِيبُ بِالْحَمْدِ (لَفْظَ صَلَاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ) -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ اخْتَلَفَ صِيغَتُهُ كَمَا
زَادَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَا بِمَعْنَاهُ مِنْ الْمَرْوِيِّ) فِي
الْأَخْبَارِ كَأُصَلِّي، أَوْ نُصَلِّي عَلَى الرَّسُولِ، أَوْ مُحَمَّدٍ،
أَوْ الْمَاحِي، أَوْ الْعَاقِبِ أَوْ الْمُبَشِّرِ، أَوْ النَّذِيرِ، أَوْ
الْحَاشِرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ
تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا يَكْفِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ لَوْ تَقَدَّمَ اسْمُهُ عَلَى الضَّمِيرِ،
فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ
يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ
وَخَرَجَ بِلَفْظِ الْحَمْدِ نَحْوُ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَبِلَفْظِ
اللَّهِ نَحْوُ الرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ وَبِلَفْظِ الصَّلَاةِ نَحْوُ
لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَبِصَلَاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَاتُهُ عَلَى
غَيْرِهِ.
(ثُمَّ يُوَصِّي) الْحَاضِرِينَ (بِالتُّقَى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِ الْخُطْبَةِ الْوَصِيَّةُ، وَلَا
يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا، وَلَا طُولُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
(وَلَوْ بِمَا) أَيْ: لَفْظٍ (نَحْوَ أَطِيعُوا اللَّهَ) لِحُصُولِ
الْغَرَضِ مِنْ الْوَعْظِ، وَلَا يَكْفِي التَّحْذِيرُ عَنْ الِاغْتِرَارِ
بِالدُّنْيَا وَزَخْرَفَتِهَا، فَقَدْ يَتَوَاصَى بِهِ مُنْكِرٌ،
وَالْمَعَادُ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الطَّاعَةِ،
وَالْمَنْعِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ نَحْوِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِ مَا صَلَّى) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ لِبَيَانِ
الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ شَيْئًا آخَرَ، وَإِنْ بَعُدَ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَتْ) أَيْ: بِالْعَرَبِيَّةِ خَطَبَ، بِلُغَتِهِ
لَوْ تَعَذَّرَتْ، وَعُرِفَتْ لُغَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ غَيْرُهَا يَعْرِفُ
الْقَوْمُ بَعْضَهَا دُونَ الْبَاقِي، فَهَلْ تَتَعَيَّنُ الْخُطْبَةُ،
بِمَا يَعْرِفُونَهُ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ
فِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ مُتَّجَهٌ،
فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: الْعِلْمُ، بِالْوَعْظِ) ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعِلْمَ
كَذَلِكَ مِمَّا يَتَأَثَّرُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا يُدْرَكُ،
بِالْوِجْدَانِ (قَوْلُهُ: فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ)
مُجَرَّدُ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ مَادَّةِ الْحَمْدِ إذْ لَوْ
قَالَ: اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُ حَمِدَ
اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ
التَّبَادُرَ، أَوْ الِاحْتِيَاطَ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ، وَلَا
يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَتَى، بِمَادَّةِ الْحَمْدِ، وَهُوَ
الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَالسَّلَفِ، وَمِنْ الْمَنْقُولِ
عَنْ خُطَبِهِمْ (قَوْلُهُ: وَمَا، بِمَعْنَاهُ) هَذِهِ الْهَاءُ
لِلنَّبِيِّ لَا لِلَفْظِ صَلَاتِهِ، وَإِلَّا كَفَى مَا بِمَعْنَاهُ مِنْ
لَفْظِ الرَّحْمَةِ، وَنَحْوِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَفْظُ صَلَاتِهِ
شَامِلٌ لِصِيَغِ الْفِعْلِ، وَالِاسْمِ، فَلَا خُصُوصَ فِيهِ حَتَّى
يُبَيِّنَ عُمُومَهُ، بِقَوْلِهِ: وَمَا بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ:،
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إلَخْ.) صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَجَعَلَهُ
أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: نَحْوَ أَطِيعُوا اللَّهَ) التَّمْثِيلُ لِمَا قَبْلَهُ
يَقْتَضِي تَضَمُّنَهُ الْحَمْلَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْمَنْعَ مِنْ
الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ هِيَ امْتِثَالُ
الْأَمْرِ، بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ، وَامْتِثَالُ النَّهْيِ، بِاجْتِنَابِ
الْمَنْهِيِّ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
أَيْ: مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْأَذَانِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَرْجِمَا) ، وَلَا أَنْ يَأْتِيَ آيَاتٍ
تَتَضَمَّنُ جَمِيعَ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى خُطْبَةً
بِخِلَافِ مَا إذَا أَتَى بِآيَةٍ تَتَضَمَّنُ بَعْضَهَا بِقَصْدِهِ فَقَطْ
فَإِنْ قَصَدَ مَعَ الْقِرَاءَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ، أَوْ أَطْلَقَ كَفَى
عَنْهَا فَقَطْ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وسم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ:
مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ) خَرَجَ غَيْرُهَا، فَيَجُوزُ سم (قَوْلُهُ:
خَطَبَ بِلُغَتِهِ) أَيْ: مَا عَدَا الْآيَةَ فَلَا يُتَرْجِمُ عَنْهَا
بَلْ يَسْكُتُ بِقَدْرِهَا ق ل وَفِي سم أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا مَا فِي
الْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي
بِذِكْرٍ، أَوْ دُعَاءٍ، ثُمَّ يَقِفُ بَدَلَهُ (قَوْلُهُ: وَكَكَلِمَتَيْ
التَّكْبِيرِ) هُمَا اللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي: أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ
جُعِلَ رُكْنًا فِي الْخُطْبَةِ كَمَا جُعِلَ التَّكْبِيرُ رُكْنًا فِي
الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: صَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ) ، وَلَوْ أَرَادَ بِهَا
غَيْرَهُ أَجْزَأَتْ، وَلَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ بِصَرْفِهَا كَذَلِكَ
بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَفَهَا لِغَيْرِ الْخُطْبَةِ. اهـ.
م ر وَع ش (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ إلَخْ.) ، وَلَا يُرَدُّ
الذَّبْحُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْغَالِبُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فِيهِ
بِإِيهَامِ التَّشْرِيكِ ق ل، وَفِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ فِيهِ الصَّلَاةُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالْمَمْنُوعُ إنَّمَا هُوَ التَّشْرِيكُ بِالِاسْمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. بج (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ
إلَخْ.) هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ الِافْتِقَارَ لِمُطْلَقِ الذِّكْرِ لَا
خُصُوصِ الصَّلَاةِ بج (قَوْلُهُ:، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي) مَا
لَمْ يَسْرُدْ الْأَرْكَانَ أَوَّلًا كَأَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ،
وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أُوصِيكُمْ بِالتَّقْوَى، ثُمَّ
يَأْتِي بِكُلِّ رُكْنٍ مُطَوَّلًا فَإِذَا أَتَى فِي التَّأْكِيدِ
بِالضَّمِيرِ، وَلَا يَضُرُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ع ش (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ) لِلتَّعَبُّدِ
بِلَفْظِهِمَا دُونَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
(قَوْلُهُ: لَا بُدَّ إلَخْ)
(2/17)
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَتَى بِمُرَادِفِ
ثُمَّ لِيُفِيدَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ،
وَالْوَصِيَّةِ كَمَا ذُكِرَ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ
وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ عَدَمَهُ قَالَ: وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ
النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْوَعْظُ، وَهُوَ حَاصِلٌ وَلَمْ يَرِدْ
نَصٌّ بِوُجُوبِهِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٍ (فِي كِلْتَيْهِمَا)
أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ
(وَبِالدُّعَا) أَيْ: وَمَعَ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ (ثَانِيَةً) أَيْ:
فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ لِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلِيقُ
بِالْخَوَاتِمِ، وَيَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّعَاءِ حَتَّى
(يَكْفِيهِ) الدُّعَاءُ (بِرَحْمَةِ اللَّهِ لِسَامِعِيهِ) كَ يَرْحَمُكُمْ
اللَّهُ، أَوْ رَحِمَكُمْ اللَّهُ قَالَ الْإِمَامُ وَأَرَى وُجُوبَ
تَعَلُّقِهِ بِالْآخِرَةِ (وَ) مَعَ قِرَاءَةِ (آيَةٍ) لِلِاتِّبَاعِ
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَيَّدَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ: تُفْهَمُ
لَا ` كَثُمَّ نَظَرَ، أَوْ ثُمَّ عَبَسَ قَالَ الْإِمَامُ، وَلَا يَبْعُدُ
الِاكْتِفَاءُ بِشَطْرِ آيَةٍ طَوِيلَةٍ وَسَوَاءٌ فِي الْآيَةِ الْوَعْدُ
وَالْوَعِيدُ، وَالْحُكْمُ، وَالْقِصَّةُ، وَيَجِبُ كَوْنُ الْقِرَاءَةِ
(فِي إحْدَاهُمَا) لَا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ الْقِرَاءَةُ
بِالْخُطْبَةِ دُونَ تَعْيِينٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا:، وَلَا
تُجْزِئُ آيَةُ مَوْعِظَةٍ بِقَصْدِ إيقَاعِهَا عَنْ الْوَعْظِ
وَالْقِرَاءَةِ، وَلَا آيَاتٌ شَامِلَةٌ لِلْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهَا لَا
تُسَمَّى خُطْبَةً، وَلَوْ أَتَى بِبَعْضِهَا فِي ضِمْنِ آيَةٍ جَازَ،
وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ، وَلَا بَيْنَهُمَا
وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا وَلِهَذَا ذُكِرَا بِالْوَاوِ
(وَبِالْقِيَامِ) أَيْ: وَمَعَ الْقِيَامِ (لِلْقَوِيِّ) عَلَيْهِ
(فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْخُطْبَتَيْنِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَلِأَنَّهُمَا ذِكْرٌ يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ
الْقُعُودُ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْقِيَامُ كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ،
أَمَّا الْعَاجِزُ، فَيَخْطُبُ قَاعِدًا، ثُمَّ مُضْطَجِعًا،
وَالْإِنَابَةُ أَوْلَى كَالصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ
سَوَاءٌ قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ أَمْ سَكَتَ؛ لِأَنَّ
الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا قَعَدَ لِعَجْزِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ:، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ عَدَمَهُ) أَيْ: عَدَمَ وُجُوبِ
التَّرْتِيبِ
(قَوْلُهُ: وَبِالدُّعَاءِ) لَوْ خَصَّ بَعْضَ الْحَاضِرِينَ الْمُشْتَمِلَ
عَلَى أَرْبَعِينَ يَنْبَغِي الْإِجْزَاءُ، فَلَوْ انْصَرَفَ ذَلِكَ
الْبَعْضُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ، وَهُنَاكَ أَرْبَعُونَ أُخْرَى سَامِعُونَ،
فَهَلْ تَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ، بِهِمْ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ:
كَرَحِمَكُمْ اللَّهُ) يُفِيدُ جَوَازَ تَخْصِيصِ الدُّعَاءِ،
بِالْحَاضِرِينَ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَكْفِي تَخْصِيصُهُ
بِالْغَائِبِينَ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: كَرَحِمَكُمْ اللَّهُ) يُفِيدُ أَنَّهُ
لَا يُشْتَرَطُ إدْخَالُ الْمُؤْمِنَاتِ، بِلَفْظٍ يَخُصُّهُنَّ بَلْ
يَكْفِي دُخُولُهُنَّ، بِالتَّغْلِيبِ لَكِنْ لَوْ قَصَدَ، بِاللَّفْظِ مَا
عَدَاهُنَّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَلَوْ قَصَدَ بِهِ
أَرْبَعِينَ فَقَطْ مِنْ الْحَاضِرِينَ مُعَيَّنِينَ، أَوْ لَا فِيهِ
نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت عَنْ
الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدُّعَاءِ
لِلْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنْ عَيَّنَ فَرَاجِعْ هَامِشَ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ
(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِشَرْطِ آيَةٍ
طَوِيلَةٍ) زَادَ عَقِبَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ: وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ، بِاشْتِرَاطِ آيَةٍ (قَوْلُهُ:
قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ.) مُتَّجَهٌ م ر (قَوْلُهُ: وَلَا تُجْزِئُ آيَةُ
مَوْعِظَةٍ) ، بِقَصْدِ إيقَاعِهَا عَنْ الْوَعْظِ، وَالْقِرَاءَةِ
عِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَإِنْ أَتَى، بِبَعْضِهَا أَيْ: الْأَرْكَانِ ضِمْنَ
آيَةٍ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَأَجْزَأَهُ عَنْهُ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا لَمْ
يُجْزِ عَنْهُمَا. اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ: بَلْ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الْمَجْمُوعِ. اهـ. وَفِيهِ تَصْرِيحٌ، بِأَنَّهُ مَعَ قَصْدِهِمَا يَقَعُ
عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَصَدَ غَيْرَ
الْقِرَاءَةِ أَجْزَأَ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَهُمَا يَقَعُ عَنْ
الْقِرَاءَةِ، فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا آيَاتٍ شَامِلَةٍ) ،
وَاسْتَشْكَلَ هَذَا، بِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى
الصَّلَاةِ مِنَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
شَرْحُ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ مُضْطَجِعًا) يَنْبَغِي ثُمَّ مُسْتَلْقِيًا.
(قَوْلُهُ: وَالْإِنَابَةُ، أَوْلَى كَالصَّلَاةِ) يُفِيدُ أَنَّ إنَابَةَ
الْعَاجِزِ فِيهِمَا، أَوْلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ
الْمَعْصِيَةِ، وَفِي حَجَرٍ أَنَّهُ يَكْفِي ع ش
(قَوْلُهُ: لِلْمُؤْمِنِينَ) زَادَ حَجَرٌ، وَالْمُؤْمِنَاتِ قَالَ: بِأَنْ
لَا يَقْصِدَ إخْرَاجَهُنَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ
يَدُلُّ عَلَيْهِمْ. اهـ. وَلَعَلَّهُ حِكْمَةُ التَّعْبِيرِ
بِالْمُؤْمِنِينَ. اهـ. وَقَوْلُنَا بِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إلَخْ. هَكَذَا
عِبَارَةُ سم عَلَى التُّحْفَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي، وَإِنْ لَمْ
يَقْصِدْ بِالْمُؤْمِنِينَ الْجِنْسَ، وَفِي شَرْحِ م ر خِلَافُهُ. اهـ.
وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ الْجِنْسُ
الشَّامِلُ لِلْمُؤْمِنَاتِ ق ل أَيْ: مِنْ حَيْثُ كَوْنُ التَّعْمِيمِ
مَنْدُوبًا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَغْلِيبٍ، أَوْ مِنْ حَيْثُ ذِكْرُهُنَّ
بِخُصُوصِهِنَّ، وَنُقِلَ عَنْ ع ش عَلَى قَوْلِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ،
وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ الْجِنْسُ يَعْنِي: أَنَّ كَلَامَ
الْخَطِيبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ إذَا أَتَى بِالْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ،
وَلَا يُشْتَرَطُ مُلَاحَظَةُ الْجِنْسِ. اهـ.، وَفِي تَقْرِيرِ الشَّيْخِ
الْمَرْصَفِيِّ عَنْ تَقْرِيرِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ
بِالْمُؤْمِنِينَ إلَخْ أَيْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ بِالْمُؤْمِنِينَ
الْجِنْسَ الشَّامِلَ فَلَوْ قَصَدَ الذُّكُورَ، وَلَوْ أَرْبَعِينَ مِنْ
الْحَاضِرِينَ كَفَى (قَوْلُهُ: تُفْهِمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ،
وَبَدَلِ الْفَاتِحَةِ) حَيْثُ كَفَى فِيهِ غَيْرُ الْمُفْهِمِ أَنَّ
الْقَصْدَ ثَمَّ إنَابَةُ لَفْظٍ مَنَابَ آخَرَ، وَهُنَا الْمَعْنَى
غَالِبًا. اهـ. تُحْفَةٌ (قَوْلُهُ: فِي إحْدَاهُمَا) ، وَتُجْزِئُ
قَبْلَهُمَا، وَبَعْدَهُمَا، وَبَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْإِيعَابِ. اهـ.
مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا بِعَيْنِهَا) أَيْ: لَيْسَ الْوَاجِبُ
الْقِرَاءَةَ فِي وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَلَيْسَ قَيْدًا لِلْوُجُوبِ
لِفَسَادِهِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ
غَيْرِهِمَا) أَيْ لَا بَيْنَ الْقِرَاءَةِ، وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا، وَلَا
بَيْنَ الدُّعَاءِ، وَلَا بَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا فِي الْخُطْبَةِ
الثَّانِيَةِ
(قَوْلُهُ: وَبِالْقِيَامِ) أَيْ: فِي الْأَرْكَانِ، وَكَذَا جَمِيعُ مَا
ذُكِرَ مِنْ الشُّرُوطِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَرْكَانِ فَلَوْ
انْكَشَفَ عَوْرَتُهُ فِي غَيْرِهَا لَا تَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ أَحْدَثَ
بَيْنَ الْأَرْكَانِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عَنْ قُرْبٍ. اهـ. بج (قَوْلُهُ:
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ إلَخْ.) احْتِرَازٌ عَنْ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ:
وَالْإِنَابَةُ أَوْلَى) يُفِيدُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْقَادِرِ
الْقَائِمِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْعَاجِزِ الْقَاعِدِ
(2/18)
فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا
فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا وَقَدْ تَقَدَّمَ
(وَبِالْجُلُوسِ) مُطْمَئِنًّا (فَصَلَا) أَيْ: وَفَصْلٌ بِالْجُلُوسِ
بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مُطْمَئِنًّا كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا فَصَلَ بِسَكْتَةٍ
لَا بِاضْطِجَاعٍ
(وَسَمْعِ) بِمَعْنَى إسْمَاعٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْحَاوِي أَيْ: وَمَعَ
إسْمَاعِ (أَرْبَعِينَ أَهْلًا) لِانْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِمْ أَرْكَانِ
الْخُطْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا الْوَعْظُ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ
إلَّا بِالْإِبْلَاغِ، فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ.
فَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ صُمًّا لَمْ يَصِحَّ
كَبُعْدِهِمْ عَنْهُ وَكَشُهُودِ النِّكَاحِ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ
يَجِبُ عَلَيْهِمْ السَّمَاعُ، فَيُشْتَرَطُ الْإِسْمَاعُ، وَالسَّمَاعُ
وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَلَعَلَّ النَّاظِمَ عَدَلَ
إلَى سَمْعٍ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ يَقْتَضِي الْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ
الْعَكْسِ وَإِذَا سَمِعُوا لَا يَضُرُّ عَدَمُ فَهْمِهِمْ لَهَا كَمَا
مَرَّ وَتَعْبِيرُهُ هُنَا بِأَرْبَعِينَ مُوَافِقٌ لِتَعْبِيرِ
الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقِيَاسُ مَا
صَحَّحَاهُ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ الِاقْتِصَارُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ إلَخْ.) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ قَبْلَ
الصَّلَاةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ إمَامُ الصَّلَاةِ، وَقَدْ
صَلَّى قَاعِدًا قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ
كَمَا فِي الرَّوْضِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا
الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: فَهُوَ
كَمَا لَوْ بَانَ إلَخْ.) اعْتَمَدَهُ م ر
(قَوْلُهُ: وَبِالْجُلُوسِ مُطْمَئِنًّا إلَخْ.) لَوْ عَجَزَ عَنْ
الْجُلُوسِ، وَجَبَ أَنْ يَسْكُتَ مِنْ قِيَامٍ، بِقَدْرِهِ بَحَثَهُ
الْجَوْجَرِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا، وَظَاهِرُ
الْكَلَامِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْإِيمَاءِ هُنَا إلَى الْجُلُوسِ
(قَوْلُهُ: لَا بِاضْطِجَاعٍ) ، وَلَا بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ كَمَا
أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ
(قَوْلُهُ: أَرْكَانُ الْخُطْبَةِ) مَفْعُولُ سَمَاعٍ (قَوْلُهُ: فَلَا
يَكْفِي الْإِسْرَارُ إلَخْ.) ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ السَّمَاعِ،
بِالْفِعْلِ لَكِنْ أَفَادَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ
الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ السَّمَاعُ بِالْقُوَّةِ، بِأَنْ
يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ أَصْغَى سَمِعَ، وَإِنْ اشْتَغَلَ عَنْ السَّمَاعِ
بِنَحْوِ تَحَدُّثٍ مَعَ جَلِيسِهِ، وَيَدُلُّ لَهُ اسْتِحْبَابُهُمْ
الْإِنْصَاتَ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ، أَوْ بَعْضُهُمْ صُمًّا
إلَخْ.) ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ، أَوْ بَعْضُهُمْ خُرْسًا،
وَلَا صَمَمَ بِهِمْ، فَتَصِحُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِهِ صَمَمٌ
عَارِضٌ، أَوْ أَصْلِيٌّ، فَلَا تَصِحُّ م ر، وَهَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ
عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ إذَا الْقَوْمُ، أَوْ بَعْضُهُمْ خُرْسًا،
وَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ:، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمَا) ،
وَيُعْتَبَرُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا
سَمَاعُهُمْ لَهَا، بِالْفِعْلِ لَا، بِالْقُوَّةِ، فَلَا تَجِبُ
الْجُمُعَةُ عَلَى أَرْبَعِينَ بَعْضُهُمْ صُمٌّ، وَلَا تَصِحُّ مَعَ
وُجُودِ لَغَطٍ يَمْنَعُ لِسَمَاعِ رُكْنٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهِمَا،
وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ كَثِيرُونَ، أَوْ الْأَكْثَرُونَ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا
إلَّا الْحُضُورَ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي
بَعْضِ الْمَوَاضِعِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَكْسِ) فِيهِ
تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ عَدَمُ فَهْمِهِمْ لَهَا كَمَا مَرَّ)
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ إلَخْ.) ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا
الْخَطِيبَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا لَهُمْ نَاوِيًا الْجُمُعَةَ
لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ خُطْبَةً صَحِيحَةً عِنْدَهُ أَيْ: بِاعْتِبَارِهِ
هُوَ لِعِلْمِهِ نَعَمْ إنْ تَقَدَّمَ نَاوِيًا غَيْرَهَا فَالظَّاهِرُ
الصِّحَّةُ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ إلَخْ.) ،
وَلِكَوْنِهِ يُغْتَفَرُ فِي الْوَسِيلَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي
الْمَقْصُودِ، وَفِي الشَّرْطِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الرُّكْنِ لَا
يُشْكِلُ بِمَا لَوْ صَلَّوْا خَلَفَ جَالِسٍ فَتَبَيَّنَ قُدْرَتُهُ
حَيْثُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِمْ. اهـ. تَقْرِيرٌ مَرْصَفِيٌّ،
وَإِنَّمَا عُدَّ الْقِيَامُ هُنَا شَرْطًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ
الْخُطْبَةَ، وَعْظٌ، وَذِكْرٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ
مِنْهَا الْخِدْمَةُ فَعُدَّ الْقِيَامُ رُكْنًا فِيهَا، وَمِثْلُهُ
يُقَالُ: فِي الْجُلُوسِ. اهـ.
بج
(قَوْلُهُ: وَبِالْجُلُوسِ) ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطُّهْرُ بج قَالَ ح
ل، وَلَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بَنَى إنْ كَانَ عَنْ قُرْبٍ،
وَفِيهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُؤَدَّى
بِطَهَارَتَيْنِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَلِذَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا
الْقُوَيْسِنِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحَدَثَ بَيْنَهُمَا
كَالْحَدَثِ فِيهِمَا فَلَا بِنَاءَ لِلْخَطِيبِ الْأَوَّلِ هُنَا أَيْضًا.
اهـ. وَقَوْلُنَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ احْتِرَازٌ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ
فِيهَا بِالْحَدَثِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ أُدِّيَتْ بِطَهَارَتَيْنِ مِنْ
شَخْصَيْنِ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ عَدَمِ
اشْتِرَاطِ الطُّهْرِ فِي الْجُلُوسِ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ الْأَوَّلُ
ثُمَّ جَلَسَ اُكْتُفِيَ بِهِ، وَيَكُونُ بِنَاءُ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: لَا بِاضْطِجَاعٍ)
ظَاهِرُهُ، وَلَوْ مَعَ السُّكُوتِ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْقِيَامِ،
وَالْجُلُوسِ فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ، وَخَالَفَ
الْمُحَشِّي عَلَى التُّحْفَةِ فَانْظُرْهُ
(قَوْلُهُ: وَسَمْعِ أَرْبَعِينَ) قَدْ عَرَفْت سَابِقًا أَنَّ هَذَا
غَيْرُ الْحُضُورِ الْمُشْتَرَطِ فِيمَا تَقَدَّمَ لِصِحَّةِ
الِاسْتِخْلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَرْبَعِينَ) ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ
الطُّهْرُ، وَلَا كَوْنُهُمْ بِمَحَلِّ الصَّلَاةِ، وَهُوَ دَاخِلُ
السُّورِ بِخِلَافِ الْخَطِيبِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ حَالَ الْخُطْبَةِ
دَاخِلَ السُّورِ فَلَوْ خَطَبَ دَاخِلَهُ، وَالْقَوْمُ خَارِجُهُ
يَسْمَعُونَ كَفَى. اهـ. بج وَنَقَلَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ عَنْ
شَيْخِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ
صِحَّةِ صَلَاتِهَا فِي ذَلِكَ، وَلَوْ تَبَعًا (تَنْبِيهٌ)
يُعْتَبَرُ فِي الْجُمُعَةِ فِي الْخَوْفِ إسْمَاعُ ثَمَانِينَ لِكُلِّ
فِرْقَةٍ أَرْبَعُونَ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ السَّمْعَ إلَخْ.)
إذَا تَأَمَّلْت تَجِدُ السَّمَاعَ بِالْفِعْلِ يَقْتَضِي الْإِسْمَاعَ
بِالْفِعْلِ، وَالسَّمَاعُ بِالْقُوَّةِ يَقْتَضِي الْإِسْمَاعَ
بِالْقُوَّةِ، وَمِثْلُهُ الْعَكْسُ فَالْوَجْهُ الْوَجِيهُ أَنَّهُ
يُشْتَرَطُ الْإِسْمَاعُ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ يَكُونُوا بِحَيْثُ لَوْ
أَصْغَوْا لَسَمِعُوا، وَالسَّمَاعُ بِالْقُوَّةِ أَيْضًا بِأَنْ لَا
يَكُونَ هُنَاكَ بُعْدٌ، وَلَا صَمَمٌ، وَلَا نَوْمٌ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ
لَغَطٌ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ لَوْ أَصْغَوْا لَسَمِعُوا. اهـ. شَيْخُنَا
قُوَيْسَنِيٌّ. اهـ.
(2/19)
عَلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ
أَرَادُوا إسْمَاعَ نَفْسِهِ وَمَنْعَ كَوْنِهِ أَصَمَّ إذَا كَانَ مِنْ
الْأَرْبَعِينَ كَانَ بَعِيدًا، بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ
(وَالْوِلَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ
السَّلَفُ، وَالْخَلَفُ؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَثَرًا ظَاهِرًا فِي اسْتِمَالَةِ
الْقُلُوبِ (وَ) الْوِلَاءُ (بَيْنَ خُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَ مَا صَلَّى) ؛
لِأَنَّ الْخُطْبَةَ، وَالصَّلَاةَ شُبِّهَتَا بِصَلَاتَيْ الْجَمْعِ
(وَبِالطُّهْرَيْنِ) أَيْ وَمَعَ طُهْرَيْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فِي
الْخُطْبَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، فَلَوْ تَطَهَّرَ
وَعَادَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ
كَالصَّلَاةِ.
(قُلْت: وَبِالسَّتْرِ) فِي الْخُطْبَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ
وَالْخَلَفُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْحَاوِي
فِيمَا مَرَّ، وَيَجِبُ خَارِجَ الصَّلَاةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ
وُجُوبِهِ اشْتِرَاطُهُ، ثُمَّ هَذِهِ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ
قَوْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ إلَى هُنَا بَعْضُهَا أَرْكَانٌ لِلْخُطْبَتَيْنِ
وَهُوَ حَمْدًا لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقِرَاءَةُ
وَالدُّعَاءُ، وَالْبَقِيَّةُ شُرُوطٌ لَهُمَا وَجُمْلَةُ شُرُوطِهِمَا
ثَلَاثَةَ عَشَرَ وُقُوعُهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَفِي خِطَّةِ
بَلْدَةٍ، أَوْ قَرْيَةٍ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَهُمَا وَلَا يُقَارِنَهُمَا
جُمُعَةٌ حَيْثُ يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُهَا وَتَقْدِيمُهُمَا عَلَى
الصَّلَاةِ، وَالْقِيَامُ فِيهِمَا لِلْقَادِرِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا
وَكَوْنُ الْخَطِيبِ ذَكَرًا وَإِسْمَاعُ وَسَمَاعُ أَرْبَعِينَ
كَامِلِينَ، وَالْوِلَاءُ، وَالطُّهْرَانِ، وَالسَّتْرُ، وَالْحِكْمَةُ فِي
جَعْلِ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ شَرْطَيْنِ لَهُمَا وَرُكْنَيْنِ
لِلصَّلَاةِ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ إلَّا الذِّكْرَ وَالْوَعْظَ،
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ لَيْسَا بِجُزْأَيْنِ لَهَا
بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا جُمْلَةُ أَعْمَالٍ وَهِيَ كَمَا تَكُونُ
أَذْكَارًا تَكُونُ غَيْرَ أَذْكَارٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاشْتِرَاطُ
الْقَاضِي نِيَّةَ الْخُطْبَةِ وَفَرْضِيَّتَهَا كَالصَّلَاةِ وَكَلَامُ
الرَّوْضَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي
الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ.
(وَظُهْرًا فَلْتَصِرْ) أَيْ الْجُمُعَةُ (إنْ فَاتَ شَرْطٌ خَصَّهَا
مِمَّا ذِكْرَ) وَتَعَذَّرَ تَدَارُكُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ قَلْبَهَا
كَأَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ انْفَضَّ بَعْضُ
الْأَرْبَعِينَ فِيهَا وَلَمْ يَعُودُوا لِأَنَّا إنْ قُلْنَا إنَّهَا
ظُهْرٌ مَقْصُورٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا
وَقْتُهُ وَتُتَدَارَكُ بِهِ، فَهِيَ كَصَلَاةِ الْمُسَافِرِ إذَا فَاتَ
شَرْطُ قَصْرِهَا، وَإِنْ قُلْنَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا صَحَّحَهُ
النَّوَوِيُّ لِخَبَرِ أَحْمَدَ، وَهُوَ حَسَنٌ عَنْ عُمَرَ «الْجُمُعَةُ
رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهَا
فَلِأَنَّهُمَا فَرْضُ وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَيَصِحُّ الظُّهْرُ بِنِيَّةِ
الْجُمُعَةِ، وَيَلْزَمُهُ إتْمَامُ الظُّهْرِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ:
خَصَّهَا الْمَزِيدُ عَلَى الْحَاوِي. الشُّرُوطُ الْمُشْتَرَكَةُ
بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا كَالطَّهَارَةِ، وَالسَّتْرِ، فَتَبْطُلُ
بِفَوَاتِهَا
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا أَخَذَ فِي شُرُوطِ لُزُومِهَا،
فَقَالَ: (وَتَلْزَمُ) الْجُمُعَةُ (الْمُكَلَّفَ) هَذَا، وَلَا يَخْتَصُّ
بِهَا، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ (الْحُرَّ الذَّكَرْ) ، فَلَا تَلْزَمُ
غَيْرَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرَ الْحُرِّ، وَلَوْ مُكَاتَبًا مُبَعَّضًا
وَإِنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ حَيْثُ تَكُونُ مُهَايَأَةً، وَلَا
الْأُنْثَى وَالْمُشْكِلَ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي
غَيْرِ الْمُشْكِلِ وَلِلْقِيَاسِ فِيهِ سَوَاءٌ حَضَرُوا أَمْ لَا إذْ
الْمَانِعُ مِنْ اللُّزُومِ الصِّفَاتُ الْقَائِمَةُ بِهِمْ وَهِيَ لَا
تَرْتَفِعُ بِحُضُورِهِمْ نَعَمْ إنْ أَحْرَمُوا بِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كَانَ الْخَطِيبُ لَا يُفَرِّقُ مَعْنَى أَرْكَانِ
الْخُطْبَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوز، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ
بَلْ الْوَجْهُ الْجَوَازُ كَمَنْ يَؤُمُّ بِالْقَوْمِ، وَلَا يَعْرِفُ
مَعْنَى الْفَاتِحَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ) أَيْ:؛ لِأَنَّهُ يَفْهَمُ مَا يَقُولُ،
فَلَا حَاجَة إلَى سَمَاعِهِ
(قَوْلُهُ: شُبِّهَتَا إلَخْ.) قَضِيَّتُهُ أَنَّ ضَابِطَ الْوَلَاءِ هُنَا
ضَابِطُهُ ثَمَّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَطُلْ) قَالَ فِي شَرْحِ
الرَّوْضِ: فَلَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، أَوْ
تَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ، فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ
لَا يَضُرُّ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَأَمَّا
السَّامِعُونَ لِلْخُطْبَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُمْ، وَلَا
سَتْرُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ:
وَأَغْرَبُ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَظُهْرًا، فَلْتَصِرْ إنْ فَاتَ شَرْطٌ خَصَّهَا مِمَّا
ذِكْرَ) اعْتَرَضَهُ الْجَوْجَرِيُّ، بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَأْتِي فِي
سَبْقِ الْوَقْتِ، وَلَا فِي عَدَمِ الِاسْتِيطَانِ، وَعَدَمِ سَبْقِ
التَّحَرُّمِ، وَعَدَمِ الْخُطْبَةِ، وَعَدَمِ الْخُطْبَتَيْنِ، وَعَدَمِ
الْجُمُعَةِ، وَالْعَدَدِ قَالَ: وَإِنَّمَا يَأْتِي فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ
خَاصَّةً. اهـ. وَأَقُولُ مُرَادُ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ، فَوَاتُ الشَّرْطِ
بَعْدَ الِانْعِقَادِ، فَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:
فِي صُورَةٍ فَقَطْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ
وَأَقُولُ يَدْخُلُ فِي فَوْتِ الشَّرْطِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ مُفَارَقَةُ
بَعْضِ الْأَرْبَعِينَ، بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُ نِيَّةُ
الْمُفَارَقَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهَذَا مِنْ عَدَمِ الْعَوْدِ
الَّذِي قَالَهُ، فَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ: فَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ
صَحِيحٌ، وَمِنْهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ عَنْ الْخُطْبَةِ بَعْدَ
الِانْعِقَادِ نَعَمْ إنْ خَرَجُوا، أَوْ بَعْضُهُمْ، بِغَيْرِ
اخْتِيَارِهِمْ كَأَنْ صَلَّوْا فِي سَفِينَةٍ فِي الْخِطَّةِ،
فَأَخْرَجَهَا نَحْوُ الرِّيحِ قَهْرًا، وَرَجَعُوا فَوْرًا، فَفِيهِ
نَظَرٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ تَصِيرُ ظُهْرًا،
بِفَقْدِ شَرْطٍ يَخُصُّهَا قَالَ الشِّهَابُ حَجَرٌ بَعْدَ انْعِقَادِهَا
كَأَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، أَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ السَّابِقُ أَثْنَاءَهَا،
أَوْ بِأَنْ سَبَقَ أُخْرَى لَهَا عِنْدَ امْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ، أَوْ
أَنَّهَا فِي غَيْرِ دَارِ الْإِقَامَةِ، أَوْ قَبْلَ سَبْقِ
الْخُطْبَتَيْنِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ إتْمَامُهَا
ظُهْرًا، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: تَصِيرُ مَعَ مَا ذَكَرْته فِي شَرْحِهِ
أَنَّ ابْتِدَاءَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، أَوْ فِي غَيْرِ دَارِ
الْإِقَامَةِ، أَوْ مَعَ الْعِلْمِ، بِسَبْقٍ أَوْ مُفَارَقَةٍ أُخْرَى
لَهَا، أَوْ بِفَقْدِ الْعَدَدِ، أَوْ الْخُطْبَةِ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ،
فَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا، وَهَمَ فِيهِ الشَّارِحُ
الْجَوْجَرِيُّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ مَا أَفَادَهُ الْمَتْنُ غَيْرُ
صَحِيحٍ لِوُرُودِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ
الْتَبَسَ عَلَيْهِ الِابْتِدَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ، بِالْأَثْنَاءِ
الَّذِي فِي الْمَتْنِ، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا غَفْلَةً عَنْ الْفَرْقِ
الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا. اهـ.
وَأَقُولُ قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي انْعِقَادِهَا مِنْ أَصْلِهَا فِي نَحْوِ
مَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا فِي غَيْرِ دَارِ الْإِقَامَةِ، أَوْ قَبْلَ
الْخُطْبَتَيْنِ، فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: أَوْ انْفَضَّ بَعْضُ
الْأَرْبَعِينَ فِيهَا، وَلَمْ يَعُودُوا) هَذَا إذَا تَعَذَّرَ
اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ، وَإِلَّا، فَالْوَجْهُ اسْتِئْنَافُهَا؛ لِأَنَّهُ
مِنْ أَهْلِهَا، وَالْوَقْتُ بَاقٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
مَرْصَفِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَبِالطُّهْرَيْنِ) أَيْ: فِي الْأَرْكَانِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ:
فَلَوْ تَطَهَّرَ، وَعَادَ إلَخْ.) ، وَلَوْ كَانَ حَدَثُهُ بَيْنَ
الْخُطْبَتَيْنِ، وَلَوْ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ
لَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ خِلَافًا لِلْحَلَبِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ
(قَوْلُهُ: فِي الْخُطْبَةِ) أَيْ أَرْكَانِهَا كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفِ) ، وَكَذَا غَيْرُهُ كَالسَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي
فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عَلَى
(2/20)
لَزِمَتْهُمْ لِتَلَبُّسِهِمْ بِالْفَرْضِ.
(وَاسْتُثْنِيَ) مِنْ الْمُكَلَّفِ الْحُرُّ الذَّكَرُ (الْمَعْذُورُ)
بِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ،
فَلَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ
وَلِمَشَقَّةِ حُضُورِهِ (إلَّا إنْ حَضَرْ) فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يَزِدْ
ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، فَتَلْزَمُهُ
فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي حَقِّهِ
مَشَقَّةُ الْحُضُورِ، فَإِذَا تَحَمَّلَهَا وَحَضَرَ، فَقَدْ ارْتَفَعَ
الْمَانِعُ وَتَعَبُ الْعَوْدِ لَا بُدَّ مِنْهُ سَوَاءٌ صَلَّى
الْجُمُعَةَ أَمْ الظُّهْرَ، فَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا
تَلْزَمُهُ إذَا حَضَرَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ فِيهِ
وَزَادَ ضَرَرُهُ، فَلَهُ الِانْصِرَافُ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِهَا كَمَا فِي
الْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْمُشْكِلِ، بَلْ مَا لَمْ تَقُمْ
الصَّلَاةُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَاسْتَحْسَنَّاهُ
وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ لُزُومَهَا أَيْضًا، وَإِنْ حَضَرَ
قَبْلَهُ إذَا لَمْ يَزِدْ ضَرَرُهُ كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ قَبْلَهُ عَلَى
غَيْرِ الْمَعْذُورِ (مَهْمَا) أَصْلُهَا مَا الشَّرْطِيَّةُ ضُمَّتْ
إلَيْهَا مَا الْمَزِيدَةُ لِلتَّأْكِيدِ قُلِبَتْ أَلِفُهَا هَاءً
اسْتِثْقَالًا لِلتَّكْرِيرِ أَيْ إنَّمَا تَلْزَمُ الْجُمُعَةُ مَنْ
ذُكِرَ أَنْ (يَقُمْ) إقَامَةً تَمْنَعُ حُكْمَ السَّفَرِ (حَيْثُ تُقَامُ)
الْجُمُعَةُ مِنْ بَلَدٍ، أَوْ قَرْيَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْ بِهَا،
فَلَا تَلْزَمُ الْمُسَافِرَ، وَلَا الْمُقِيمَ حَيْثُ لَا تُقَامُ إلَّا
أَنْ يَبْلُغَهُ النِّدَاءُ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَمَا قَالَ: (أَوْ) حَيْثُ
لَا تُقَامُ لَكِنَّ (نَدًّا) الْجُمُعَةِ (يَبْلُغُهُ مِنْ صَيِّتٍ) أَيْ:
عَالِي الصَّوْتِ يُؤَذِّنُ عَلَى عَادَتِهِ.
(إذَا هَدَا) أَيْ: سَكَنَ (رِيحٌ وَصَوْتٌ لَوْ فَرَضْنَاهُ وَقَفْ مِنْ
بَلَدِ الْجُمُعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
وَالْعَدَدُ مُتَيَسِّرٌ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الظُّهْرُ مَعَ إمْكَانِ
الْجُمُعَةِ بَحَثَ ذَلِكَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي حَاشِيَةِ
الرَّوْضَةِ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ:
وَتُتَدَارَكُ بِهِ) أَيْ: إذَا، فَاتَتْ
[شُرُوطِ لُزُومِ الْجُمُعَةَ]
(قَوْلُهُ: وَاسْتُثْنِيَ الْمَعْذُورُ إلَخْ.) لَوْ اجْتَمَعَ أَرْبَعُونَ
مَرْضَى فِي مَحَلٍّ، وَشَقَّ عَلَيْهِمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، أَوْ
أَرْبَعُونَ فِي الْحَبْسِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ حُضُورِهَا،
وَأَمْكَنَهُمْ إقَامَتُهَا، بِمَحَلِّهِمْ، فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ
الْإِسْنَوِيُّ لُزُومهَا لَهُمْ لِجَوَازِ التَّعَدُّدِ مَعَ الْعُسْرِ،
وَعَلَى هَذَا، فَهَلْ لِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِعْلُهَا
مَعَهُمْ الْوَجْهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ
مُعْتَبَرَةٌ، فَلِكُلِّ أَحَدٍ حُضُورُهَا وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا
إنَّمَا جَازَتْ لِلْمَذْكُورِينَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي
حَقِّ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: إنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ إلَخْ.) (فَرْعٌ)
لَوْ حَضَرَ إلَى الْجُمُعَةِ مَنْ لَمْ تَلْزَمْهُ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ
النِّدَاءَ فِي بَلْدَةٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ:، فَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ
مَعَ الْكَرَاهَةِ بِرّ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَقُمْ الصَّلَاةُ) أَيْ:
إلَّا أَنْ يَفْحُشَ ضَرَرُهُ كَإِسْهَالٍ بِهِ ظَنَّ انْقِطَاعَهُ،
فَحَضَرَ ثُمَّ أَحَسَّ بِهِ بَلْ لَوْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ سَبْقَهُ
لَهُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي الصَّلَاةِ لَوْ مَكَثَ، فَلَهُ الِانْصِرَافُ
كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ م ر (قَوْلُهُ: كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ
إلَخْ.) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ
لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنَّمَا حَضَرَ مُتَبَرِّعًا، فَجَازَ
لَهُ الِانْصِرَافُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ،
فَلَزِمَهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. اهـ.
، فَلْيُتَأَمَّلْ. (تَنْبِيهٌ)
غَيْرُ الْمَعْذُورِ إذَا تَوَقَّفَ إدْرَاكُهُ الْجُمُعَةَ عَلَى سَعْيِهِ
قَبْلَ الْفَجْرِ، فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ قَبْلَ الْفَجْرِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، بِهَا، وَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ
عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا، فَهُوَ
كَالْمَحْبُوسِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا م ر (قَوْلُهُ: فَلَا
تَلْزَمُ الْمُسَافِرَ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: سَفَرًا مُبَاحًا،
وَلَوْ قَصِيرًا، نَعَمْ إنْ خَرَجَ إلَى قَرْيَةٍ يَبْلُغُ أَهْلَهَا
نِدَاءُ بَلْدَةٍ لَزِمَتْهُ، بِالْبَلْدَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مَسَافَةٌ
يَجِبُ قَطْعُهَا لِلْجُمُعَةِ، فَلَا تُعَدُّ سَفَرًا مُسْقِطًا لَهَا
كَمَا لَوْ كَانَ، بِالْبَلْدَةِ، وَدَارُهُ بَعِيدَةٌ عَنْ الْجَامِعِ
ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. اهـ.، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ
النِّدَاءَ مِنْهُ م ر، فَإِنْ حَصَلَ ضَرَرٌ، بِالْمَجِيءِ، فَهَذِهِ
مَسْأَلَةٌ أُخْرَى تَخْتَصُّ، بِالْبَعِيدِ م ر (قَوْلُهُ: فَلَا تَلْزَمُ
الْمُسَافِرَ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: لَكِنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ،
وَلِلْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلِلْعَجُوزِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، أَوْ
سَيِّدِهَا، وَلِلْخُنْثَى، وَالصَّبِيِّ إنْ أَمْكَنَ. اهـ. (قَوْلُهُ:
لَوْ فَرَضْنَاهُ) هَذَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ السَّمَاعُ،
بِالْفِعْلِ كَمَا لَا يَخْفَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
الْمُعْتَمَدِ لَكِنْ تَلْزَمُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لَكِنَّهَا لَا
تَصِحُّ مِنْهُ، فَيَقْضِيهَا وُجُوبًا ظُهْرًا بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ
فَالْمُرَادُ بِاللُّزُومِ فِي حَقِّهِ لُزُومُ انْعِقَادِ السَّبَبِ
حَتَّى يَجِبَ الْقَضَاءُ، وَقِيلَ: إنَّهُ مُكَلَّفٌ، وَمَعْنَى عَدَمِ
اللُّزُومِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ
عَدَمُ مُطَالَبَتِنَا لَهُ بِهَا الْآنَ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ،
وَإِنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَإِذَا قِيلَ:
بَعْدَ اللُّزُومِ الْآنَ حَقِيقَةً فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ إنَّمَا هُوَ
بِأَمْرٍ جَدِيدٍ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَزِدْ إلَخْ.) ،
وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ حُضُورِهِ، وَإِلَّا فَلَهُ
الِانْصِرَافُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ) فَلَوْ انْصَرَفَ أَثِمَ،
وَلَا عَوْدَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَخْ.)
أَيْ: فَيُجْعَلُ مُكْثُهُ بِالْمَسْجِدِ بِمَنْزِلَةِ السَّعْيِ عِنْدَ
عَدَمِ الْعُذْرِ، وَالسَّعْيُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ، وَاجِبٌ
فَالْمُكْثُ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ كَذَلِكَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ
لَمَّا لَمْ تَلْزَمْهُ، وَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِحُضُورِهِ كَانَ لَهُ
الِانْصِرَافُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَلَمَّا لَزِمَتْهُ
لَزِمَهُ مَا تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ طَنْدَتَائِيٌّ، وَهُوَ فِي شَرْحِ
الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: يَقُمْ) ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النِّدَاءُ كَمَا
تُفِيدُهُ الْمُقَابِلَةُ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ: إلَّا إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْمُقِيمِ الْمَذْكُورِ دُونَ
الْمُسَافِرِ إذْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَمِعَ النِّدَاءَ نَعَمْ
إنْ سَمِعَهُ مِنْ بَلَدِهِ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُسَافِرِ فَتَجِبُ
عَلَيْهِ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ حَيْثُ إلَخْ.) أَيْ: أَوْ
أَقَامَ أَيْ: انْقَطَعَ سَفَرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ مَوْضِعًا عَلَى
الْمُعْتَمَدِ سم، وَهُوَ مُخَالِفٌ فِي عَدَمِ الْتِزَامِ الْمَوْضِعِ
لِلرَّوْضَةِ.
(قَوْلُهُ: يَبْلُغُهُ) ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْبُلُوغِ الْعُرْفُ أَيْ
بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ مَا بَلَغَهُ نِدَاءُ جُمُعَةِ، وَإِنْ لَمْ
تَتَمَيَّزْ كَلِمَاتُهُ. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: مِنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ)
أَيْ تَجِبُ فِيهِ، وَتَنْعَقِدُ بِأَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
(2/21)
فِي أَدْنَى طَرَفْ) أَيْ لَوْ فَرَضْنَا
الصَّيِّتَ وَقَفَ فِي أَقْرَبِ طَرَفٍ مِنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ إلَى مَنْ
يَبْلُغُهُ الصَّوْتُ لِخَبَرِ «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ لَكِنْ ذَكَرَ لَهُ
الْبَيْهَقِيُّ شَاهِدًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَاعْتُبِرَ سُكُونُ
الرِّيحِ، وَالصَّوْتِ لِئَلَّا يَمْنَعَا بُلُوغَ النِّدَاءِ، أَوْ
يُعِينُ عَلَيْهِ الرِّيحُ وَاعْتُبِرَ أَقْرَبُ طَرَفٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ
الْبَلَدَ قَدْ تَكْبُرُ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ أَطْرَافَهُ النِّدَاءُ
بِوَسَطِهِ، فَاحْتِيطَ لِلْعِبَادَةِ.
قَالَ الْأَكْثَرُونَ: وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُنَادِي عَلَى عَالٍ
لِأَنَّهُ لَا ضَبْطَ لِحَدِّهِ، وَالْمُعْتَبَرُ بُلُوغُ النِّدَاءِ
بِحَالَةِ اسْتِوَاءِ الْمَوْضِعِ كَمَا اُعْتُبِرَ سُكُونُ الرِّيحِ،
وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا قَدْ يُسْمَعُ لِشِدَّتِهَا، فَلَوْ سُمِعَ
لِكَوْنِهِ بِعُلُوٍّ، وَلَوْ كَانَ بِاسْتِوَاءٍ لَمْ يُسْمَعْ لَمْ
تَجِبْ، أَوْ لَمْ يُسْمَعْ لِكَوْنِهِ بِمُنْخَفِضٍ، وَلَوْ كَانَ
بِاسْتِوَاءٍ سُمِعَ وَجَبَتْ وَإِلَّا لَوَجَبَتْ عَلَى الْبَعِيدِ
الْعَالِي دُونَ الْقَرِيبِ الْمُنْخَفِضِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَخَبَرُ
الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ
وَخَالَفَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، فَاعْتُبِرَ السَّمَاعُ مُطْلَقًا
لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّظْمِ وَأَصْلُهُ وَقَالَ
فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ وُقُوفُ
الْمُنَادِي بِمَوْضِعٍ عَالٍ كَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ
إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ كَطَبَرِسْتَانَ، فَإِنَّهَا بَيْنَ
أَشْجَارٍ وَغِيَاضٍ تَمْنَعُ بُلُوغَ الصَّوْتِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهَا
الِارْتِفَاعُ عَلَى مَا يَعْلُو الْغِيَاضَ، وَالْأَشْجَارَ انْتَهَى
وَقَدْ يُقَالُ: الْمُعْتَبَرُ السَّمَاعُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ
وَفِيمَا ذُكِرَ مَانِعٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ،
وَالْمُعْتَبَرُ سَمَاعُ مَنْ أَصْغَى إلَى النِّدَاءِ وَلَمْ يَكُنْ
أَصَمَّ، وَلَا جَاوَزَ سَمْعُهُ حَدَّ الْعَادَةِ.
وَيَكْفِي سَمَاعُ بَعْضِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَلَوْ سَمِعَ النِّدَاءَ
مِنْ بَلَدَيْنِ تَخَيَّرَ، وَالْأَوْلَى أَكْثَرُهُمَا جَمَاعَةً ذَكَرَهُ
فِي الرَّوْضَةِ
(وَلَا يَصِحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: إلَى مَنْ يَبْلُغُهُ) مُتَعَلِّقٌ، بِأَقْرَبَ (قَوْلُهُ:
لِئَلَّا يَمْنَعَا) إنْ هَبَّ الرِّيحُ إلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّامِعِ
(قَوْلُهُ: أَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرِّيحُ) إنْ هَبَّ إلَى جِهَةِ
السَّامِعِ (قَوْلُهُ: إلَى مَا قَدْ يَسْمَعُ) أَيْ: النِّدَاءَ الَّذِي
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ بِاسْتِوَاءٍ سَمِعَ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
اعْتِبَارُ سَمَاعِهِ لَوْ كَانَ مُسْتَوِيًا بَعْدَ فَرْضِ مَسَافَةِ
الِانْخِفَاضِ مُمْتَدَّةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَلْ ذَلِكَ مُرَادُهُمْ
قَطْعًا، وَإِلَّا يَلْزَمُ وُجُوبُ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ فِي
الْوَهْدَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَسَافَةُ النُّزُولِ فَرَاسِخَ ثُمَّ هَذَا
الَّذِي قُلْنَاهُ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا
كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا، وَهُوَ قَوِيٌّ لَكِنْ اقْتَصَرَ شَيْخُنَا
الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فِي الْفَتَاوَى عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ
الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا
لَوَجَبَتْ) أَيْ: وَإِلَّا يُعْتَبَرُ بِحَالَةِ الِاسْتِوَاءِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ: إلَخْ.) لَعَلَّ هَذَا، أَوْلَى، فَإِنَّ
الِارْتِفَاعَ الْمَذْكُورَ قَدْ يَبْلُغُ الصَّوْتُ مَعَهُ مَا لَا
يَبْلُغُهُ الصَّوْتُ، بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَلِوُقُوفٍ عَلَى
الْأَرْضِ، فَلَا يَنْبَغِي الِاسْتِثْنَاءُ، فَضْلًا عَنْ عَدَمِ
الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. سم (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي سَمَاعُ
بَعْضِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا مَوْقِعَ لِهَذَا
إلَّا إنْ اُعْتُبِرَ السَّمَاعُ بِالْفِعْلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ
كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْعِبَارَةِ كَقَوْلِهِ: لَوْ فَرَضْنَاهُ وَقَفَ
إلَخْ.، فَتَأَمَّلْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
فِيهِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ بِأَنْ نَقَصَ عَنْ أَرْبَعِينَ لَمْ تَجِبْ
عَلَى مَنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ (قَوْلُهُ: إلَى مَنْ يَبْلُغُهُ) أَيْ إلَى
مَوْضِعٍ، أَوْ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ هُوَ فِيهِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ
سَمَاعُهُ، بَلْ سَمَاعُ بَعْضِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ مَثَلًا كَافٍ فِي
الْوُجُوبِ عَلَى الْكُلِّ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. لَكِنَّ فِي حَاشِيَةِ سم
عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ، وَتَبِعَهُ م ر أَنَّ مَنْ
سَمِعَ مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَا فَلَا،
وَهُوَ مُنَافٍ لِمَا سَبَقَ. اهـ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ نِدَاءُ مُؤَذِّنٍ عَالِي
الصَّوْتِ يَقِفُ عَلَى طَرَفِ الْبَلَدِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي
تِلْكَ الْقَرْيَةَ، وَيُؤَذِّنُ عَلَى عَادَتِهِ، وَالْأَصْوَاتُ
هَادِيَةٌ، وَالرِّيَاحُ رَاكِدَةٌ فَإِذَا سَمِعَ صَوْتَهُ مِنْ
الْقَرْيَةِ مَنْ أَصْغَى إلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَصَمَّ، وَلَا جَاوَزَ
سَمْعُهُ حَدَّ الْعَادَةِ، وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِهَا. اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَى الْكُلِّ بِسَمَاعٍ وَاحِدٍ فِي أَيِّ
مَوْضِعٍ كَانَ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ بِعُلُوٍّ) أَيْ: لِكَوْنِ
الْقَرْيَةِ، أَوْ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ كُلِّهِ عَلَى مَوْضِعٍ
مُرْتَفِعٍ كَجَبَلٍ، وَعَكْسُهُ فِي عَكْسِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا
فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَنْ أَصْغَى) أَيْ: لَوْ أَصْغَى، وَهُوَ
بِطَرَفِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَيْضًا عَلَى مُسْتَوٍ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ
بِالطَّرَفِ آخِرُ مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ لِمَنْ سَافَرَ
مِنْهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاعْتِبَارِ
مَوْضِعِ إقَامَةِ السَّامِعِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ م ر. اهـ. لَكِنَّهُ
الْمُوَافِقُ لِمَوْقِفِ الْمُؤَذِّنِ (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي إلَخْ.) أَيْ:
يَكْفِي سَمَاعُ الْبَعْضِ، وَلَوْ بِالْقُوَّةِ فِي الْوُجُوبِ عَلَى
الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَلَا بِالْقُوَّةِ هَذَا ظَاهِرُ
الشَّارِحِ، وَالرَّوْضَةِ، وَخَالَفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَتَبِعَهُ م ر
كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ.
وَعِبَارَةُ النَّاشِرِيِّ عَلَى الْحَاوِي، وَيُفْهَمُ
(2/22)
ظُهْرُهُ) أَيْ: مَنْ تَلْزَمُهُ
الْجُمُعَةُ (إذَا فَعَلَ) أَيْ: الظُّهْرَ لِتَوَجُّهِ فَرْضِهَا عَلَيْهِ
بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا الْفَرْضُ الْأَصْلِيُّ وَإِلَّا
لَجَازَ تَرْكُ الْبَدَلِ إلَى الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ (إلَّا إذَا
الْإِمَامُ فِي) بِمَعْنَى عَنْ الرُّكُوعِ (الثَّانِي اعْتَدِلْ) يَعْنِي
شَرَعَ فِي الِاعْتِدَالِ، فَيَصِحُّ ظُهْرُهُ حِينَئِذٍ لِفَوْتِ
الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْرَكُ بِدُونِ رَكْعَةٍ، وَاَلَّذِي فِي
الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ
الْبُطْلَانُ أَيْضًا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجَدِيدِ وَصَحَّحَهُ لِأَنَّهُ لَا
يَتَحَقَّقُ فَوْتُهَا قَبْلَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ عَارِضٍ
يُفْسِدُهَا، فَتُسْتَأْنَفُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَلَامَهُ تَحَرَّاهُ
بِأَنْ يَحْتَاطَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي
الْأُمِّ، وَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ الْبَلَدِ، فَفَوَّتَهَا فِي حَقِّهِمْ
بِأَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ (وَغَيْرُهُ)
أَيْ: غَيْرُ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْجُمُعَةِ
وَالظُّهْرِ (قَدْ خُيِّرَا) قَبْلَ تَحَرُّمِهِ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ
أَتَى بِالظُّهْرِ، فَهُوَ فَرْضُهُ أَوْ بِالْجُمُعَةِ، فَقَدْ أَتَى
بِالْأَكْمَلِ
(وَالنَّدْبُ لِلْمَعْذُورِ) أَيْ: يُنْدَبُ لَهُ إنْ أَرَادَ الظُّهْرَ
(أَنْ يَصْطَبِرَا بِظُهْرِهِ إلَى فَوَاتِ الْجُمُعَهْ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
يَزُولُ عُذْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَأْتِي بِهَا كَامِلًا وَفَوَاتُهَا
بِالسَّلَامِ عَلَى مَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ وَاقْتَضَاهُ ظَاهِرُ
النَّصِّ نَظِيرَ مَا مَرَّ عَنْهُ، وَيَرْفَعُ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ
رُكُوعِ الثَّانِيَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ لِلنَّاظِمِ وَأَصْلِهِ
وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ
الْجُمُعَةَ هُنَاكَ لَازِمَةٌ، فَلَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ
بِخِلَافِهَا هُنَا هَذَا (حَيْثُ زَوَالَ عُذْرِهِ تَوَقَّعَهْ)
كَالْمَرِيضِ يَتَوَقَّعُ الْبُرْءَ، وَالْعَبْدِ يَتَوَقَّعُ الْعِتْقَ
لِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ عُذْرُهُ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ فَرْضِ
الْكَامِلِينَ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّعْهُ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ
نُدِبَ تَعْجِيلُهُ الظُّهْرَ لِيَأْسِهِ مِنْ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ،
فَيُحَافِظُ عَلَى فَضْلِ الْأَوَّلِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا
مُخْتَارُ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ
الْعِرَاقِيُّونَ: يُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ
الْجُمُعَةَ فَرْضُ الْكَامِلِينَ، فَتُقَدَّمُ قَالَ: وَالِاخْتِيَارُ
التَّوَسُّطُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ جَزَمَ بَعْدَ حُضُورِهَا وَإِنْ
تَمَكَّنَ نُدِبَ التَّقْدِيمُ وَإِلَّا، فَالتَّأْخِيرُ وَمَا نَقَلَهُ
عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ.
ثُمَّ مَحَلُّ الصَّبْرِ إلَى فَوْتِ الْجُمُعَةِ إذَا لَمْ يُؤَخِّرْهَا
الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَإِلَّا،
فَلَا يُؤَخِّرُ بَعْدَ ذَلِكَ الظُّهْرَ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ
التَّنْبِيهِ
(وَكَتْمُهُمْ جَمَاعَةً إذَا اسْتَسَرْ عُذْرٌ) ، وَفِي نُسْخَةٍ
اسْتَتَرَ أَيْ: وَيُنْدَبُ لِلْمَعْذُورِينَ إنْ صَلَّوْا الظُّهْرَ أَنْ
يُخْفُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لِتَوَجُّهِ فَرْضِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) ،
بِأَنْ قُلْنَا إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ لَجَازَ إلَخْ. (قَوْلُهُ:
يَعْنِي شَرَعَ فِي الِاعْتِدَالِ) بَلْ يَكْفِي الْأَخْذُ فِي
الِارْتِفَاعِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، وَقَوْلُهُ: فَيَصِحُّ ظُهْرُهُ
حِينَئِذٍ، وَيَجِبُ فِعْلُهَا فَوْرًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْوَقْتِ،
وَأَدَاءً؛ لِأَنَّهُ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ إلَى فَوْتِ الْجُمُعَةِ
نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِرّ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَضِيقَ
الْوَقْتُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ: فَلَا يَصِحُّ الظُّهْرُ مِنْهُمْ
قَبْلَ ذَلِكَ خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ حَيْثُ قَالَ تَصِحُّ، وَإِنْ
أَتَمُّوا. اهـ. ثُمَّ قَضِيَّةُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا
الْمِقْدَارَ مُعْتَبَرٌ، وَلَوْ لَزِمَ عَلَيْهِ خُرُوجُ بَعْضِ الظُّهْرِ
عَنْ وَقْتِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرَادَ بِالْخُطْبَتَيْنِ
الْأَرْكَانُ نَظَرًا إلَى إمْكَانِ الْجُمُعَةِ كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا،
وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ يَأْثَمُونَ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ الظُّهْرِ عَنْ
وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِتَقْصِيرِهِمْ بِالتَّأْخِيرِ، فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا) أَيْ نُدِبَ تَعْجِيلُهُ مُخْتَارُ
الْخُرَاسَانِيِّينَ (قَوْلُهُ: التَّأْخِيرُ أَيْضًا) أَيْ:
كَالْمُتَوَقَّعِ
(قَوْلُهُ: وَكَتْمُهُمْ) عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَصْطَبِر بِرّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَلَغَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
الْجُمُعَةُ إلَّا إنْ سَمِعَ هُوَ النِّدَاءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنْ
سَمِعَ بَعْضُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَجَبَ
عَلَى أَهْلِهَا. اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرْطَ السَّمَاعُ
بِالْقُوَّةِ. اهـ.، وَفِي الشَّرْقَاوِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ:
بِمَحَلٍّ يُسْمَعُ مِنْهُ أَيْ: مِنْ طَرَفِهِ النِّدَاءُ أَيْ:
الْأَذَانُ مِنْ الْوَاقِفِ بِطَرَفِ بَلَدِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ
سَمَاعُ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِالْقُوَّةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ ظُهْرُهُ إلَخْ.) ، وَهَلْ تَكُونُ صَلَاتُهُ
بَاطِلَةً أَوْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي نَظَائِرِهِ.
اهـ. رَوْضَةٌ، وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ انْقِلَابُهَا نَفْلًا كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا إلَخْ.) أَيْ: إلَّا نَبْنِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ
الْجَدِيدُ، بَلْ بَنَيْنَا عَلَى الْقَدِيمِ أَنَّهَا بَدَلٌ لَجَازَ
تَرْكُ الْبَدَلِ إلَى الْأَصْلِ لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ
بِنَاءً عَلَى الْقَدِيمِ الْمَذْكُورِ، بَلْ الْمَذْهَبُ، وَاَلَّذِي
قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْأَمْرَ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ
قَائِمٌ، وَمَعْنَى صِحَّةِ الظُّهْرِ الِاعْتِدَادُ بِهَا فِي الْجُمُعَةِ
بِحَيْثُ لَوْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ أَجْزَأَتْهُ، وَقِيلَ: فِي سُقُوطِ
الْأَمْرِ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ
وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ كَذَا فِي
الرَّوْضَةِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هُنَا،
وَإِلَّا بِأَنْ صَحَّ ظُهْرُهُ لَجَازَ إلَخْ. إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ
الصِّحَّةِ الْجَوَازُ كَمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يُسَلِّمَ)
هَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا يَصِلُ مِنْهُ لِمَحَلِّ
الْجُمُعَةِ إلَّا، وَقَدْ سَلَّمَ كَمَا ذَكَرَهُ حَجَرٌ فِي الْمَعْذُورِ
الْآتِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ كَذَلِكَ رَاجِعْهُ لَكِنْ فِي سم عَلَى
الْمَنْهَجِ فِي الْمَعْذُورِ الْآتِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ
بَعِيدًا، وَانْتَهَى الْوَقْتُ إلَى حَدٍّ لَوْ أَخَذَ فِي السَّعْيِ لَمْ
يُدْرِكْ اُسْتُحِبَّ التَّأْخِيرُ إلَى رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت عَنْ شَيْخِنَا الذَّهَبِيِّ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَيْ: مَنْ بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ لَا تَصِحُّ
صَلَاتُهُ الْجُمُعَةَ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ:
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجَدِيدِ) ، أَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ
فَلَا يَأْتِي هَذَا لِصِحَّةِ فِعْلِ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ
كَمَا تَقَدَّمَ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ صَلَّاهَا أَيْ:
الظُّهْرَ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَبْلَ سَلَامِهِ
فَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ بُطْلَانُهَا
يَعْنِي: عَلَى الْجَدِيدِ. اهـ. وَقُيِّدَ بِالْجَدِيدِ لِمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: وَبِرَفْعِ إلَخْ)
اعْتَمَدَهُ م ر كَالْفَرْقِ الْآتِي (قَوْلُهُ: إنْ جَزَمَ إلَخْ) رَدَّهُ
م ر بِأَنَّهُ قَدْ يَعِنُّ لَهُ بَعْدَ الْجَزْمِ عَدَمُ الْحُضُورِ
فَكَمْ مِنْ جَازِمٍ بِشَيْءٍ يُعْرِضُ عَنْهُ فَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ
(قَوْلُهُ: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) أَيْ: قَدْرَ أَرْبَعِ إلَخْ ع ش
(قَوْلُهُ: لِلْمَعْذُورِينَ) أَيْ: مُطْلَقًا ظَهَرَ عُذْرُهُمْ، أَوْ لَا
كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ، وَشَرْحِ الْمِنْهَاجِ ل م ر. اهـ.
(قَوْلُهُ:
(2/23)
الْجَمَاعَةَ إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ
لِئَلَّا يُتَّهَمُوا بِالرَّغْبَةِ عَنْ الْجُمُعَةِ أَوْ صَلَاةِ
الْإِمَامِ، فَإِنْ ظَهَرَ عُذْرُهُمْ لَمْ يُنْدَبْ الْإِخْفَاءُ
لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَالْجَمَاعَةِ لِلْمَعْذُورِينَ إذَا صَلَّوْا
الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا سُنَّةً لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْجَمَاعَةِ
وَقِيلَ: لَا تُسَنُّ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ شِعَارُ
الْجُمُعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ، فَإِنْ كَانُوا بِغَيْرِ
بَلَدِ الْجُمُعَةِ سُنَّتْ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ قَالَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ (وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَرِّمَنْ سَفَرْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ
رَبِيعَةَ أَيْ: وَحَرَمَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي يَوْمَ
الْجُمُعَةِ سَفَرًا (أُبِيحَ مَا لَمْ تَتَأَتَّ الْجُمُعَهْ وَلَمْ
يَنَلْهُ ضَرَرٌ لَوْ وَدَّعَهْ) أَيْ: لَوْ تَرَكَ السَّفَرَ سَوَاءٌ
كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَمْ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدَهُ؛ فَلِأَنَّهَا
وَجَبَتْ عَلَيْهِ، فَيَحْرُمُ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُفَوِّتُهَا،
كَالتِّجَارَةِ، وَاللَّهْوِ، وَلَا يَقْدَحُ كَوْنُ الْوُجُوبِ مُوَسَّعًا
إذْ النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فِيهَا، فَتَعَيَّنَ انْتِظَارُهُ،
وَأَمَّا قَبْلَهُ؛ فَلِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَإِنْ كَانَ
وَقْتُهَا بِالزَّوَالِ وَلِهَذَا يُعْتَدُّ بِغُسْلِهَا، وَيَلْزَمُ
السَّعْيُ بَعِيدَ الدَّارِ قَبْلَهُ وَخَرَجَ بِالْمُبَاحِ الطَّاعَةُ
وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ، فَلَا يَحْرُمُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي
الْمُحَرَّرِ وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الطَّاعَةِ، وَالْمُبَاحِ وَصَحَّحَهَا النَّوَوِيُّ، وَفِي الرَّافِعِيِّ
أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَبِقَوْلِهِ: مَا لَمْ
تَتَأَتَّ الْجُمُعَةُ إلَى آخِرِهِ مَا إذَا تَأَتَّتْ فِي طَرِيقِهِ،
أَوْ مَقْصِدِهِ، أَوْ لَمْ تَتَأَتَّ لَكِنْ نَالَهُ ضَرَرٌ بِتَخَلُّفِهِ
عَنْ الرُّفْقَةِ، فَلَا يَحْرُمُ سَفَرُهُ لِحُصُولِ الْغَرَضِ فِي
الْأَوَّلِ وَلِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» فِي الثَّانِي
وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ
يَنَلْهُ ضَرَرٌ لَكِنْ خَافَ الْوَحْشَةَ يَحْرُمُ سَفَرُهُ، وَاَلَّذِي
فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ
لِلْوَحْشَةِ وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ وَقَدْ يُفَرَّقُ
بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي
الْمَقَاصِدِ.
، وَأَمَّا الْآدَابُ، فَهِيَ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْحُضُورِ إلَى
الْجُمُعَةِ، أَوْ بِالْخُطْبَةِ، أَوْ بِالصَّلَاةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا
عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، فَقَالَ (وَلِمُرِيدِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ،
وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ (اسْتَحَبُّوا الْغُسْلَا) لَهَا، بَلْ يُكْرَهُ
تَرْكُهُ لِأَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ
فَلْيَغْتَسِلْ» «وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»
«وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ
أَيَّامٍ يَوْمًا» زَادَ النَّسَائِيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: وَيُكْرَهُ
لَهُمْ إظْهَارُهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا
أَقَامُوهَا، بِالْمَسَاجِدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي وَقْتِهَا) كَانَ هَذَا الْقَيْدُ لِتَحْرِيرِ مَحَلِّ
الْخِلَافِ، وَإِلَّا، فَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ فِي قَضَاءٍ اتَّفَقَ فِيهِ
الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ. (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَرَمَنْ
سَفَرْ) ، وَيَصِيرُ مَمْنُوعًا مِنْ الرُّخَصِ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ
حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ، وَمِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَحْصُلُ
الْفَوَاتُ بِهِ تُعْتَبَرُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ لَا مِنْ بَلَدِهِ الَّتِي
سَافَرَ مِنْهَا عَاصِيًا بِرّ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَرَمَنْ
إلَخْ.) لَوْ قَارَنَ السَّفَرُ طُلُوعَ الْفَجْرِ، فَهَلْ يُحْرِمُ
أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ
إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِتَحَقُّقِ الطُّلُوعِ وَتَمَامِهِ، وَلَا
يَتَعَلَّقُ مَعَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَارَنَ إحْرَامُهُ بِالصُّبْحِ
طُلُوعَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: الطَّاعَةُ، وَاجِبَةٌ إلَخْ.) لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ
فَوْرِيًّا اتَّجَهَ إبَاحَةُ تَرْكِ الْجُمُعَةِ بَلْ وُجُوبُ التَّرْكِ،
بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ بِرّ (قَوْلُهُ: مَا إذَا تَأَتَّتْ إلَخْ.)
لَوْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ، بِهَا جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَمْكَنَهُ
إدْرَاكُهَا بَلَدٍ تَعَدَّدَتْ فِيهِ، فَوْقَ الْحَاجَةِ، فَيَنْبَغِي
أَنْ يُقَالَ إنْ ظَنَّ إدْرَاكَهَا عَلَى وَجْهٍ مُجْزِئٍ كَأَنْ يُدْرِكَ
السَّابِقَةَ جَازَ السَّفَرُ، وَإِلَّا، فَلَا (وَقَوْلُهُ: فَلَا
يَحْرُمُ سَفَرُهُ) حَيْثُ جَازَ السَّفَرُ لِتَأَتِّيهَا فِي طَرِيقِهِ،
أَوْ مَقْصِدِهِ، فَسَافَرَ، فَهَلْ لَهُ تَرْكُهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ
مُسَافِرًا، وَالْمُسَافِرُ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنَّمَا
اُشْتُرِطَ التَّأَتِّي لِجَوَازِ الشُّرُوعِ فِيهِ نَظَرٌ نَعَمْ إنْ
شَرَعَ فِي السَّفَرِ بِقَصْدِ تَرْكِهَا، فَلَا إشْكَالَ فِي الْحُرْمَةِ
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْأَنْوَارِ مَا يُفِيدُ امْتِنَاعَ تَرْكِهَا حَيْثُ
قَالَ: وَإِذَا جَازَ أَيْ: السَّفَرُ لِإِمْكَانِهَا فِي طَرِيقِهِ،
فَعَلَيْهِ حُضُورُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَحْرُمُ سَفَرُهُ) اعْتَمَدَهُ م ر
(قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
مَا لَمْ تَتَأَتَّ) أَيْ: مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّ إدْرَاكِهَا، أَمَّا
مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ مَعَ ظَنِّ الْعَدَمِ، أَوْ التَّسَاوِي،
فَيَحْرُمُ مَعَهُ السَّفَرُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ كَمَا فِي
النَّاشِرِيِّ (قَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ انْتِظَارُهُ) أَيْ: لِأَنَّهُ إنْ
عَجَّلَ تَعَيَّنَ التَّعْجِيلُ، وَسَقَطَتْ خِيرَةُ النَّاسِ، وَأَمْرُ
الْإِمَامِ مُغَيَّبٌ فِي ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ انْتِظَارُ مَا يَكُونُ
قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَوْ خَالَفَ، وَسَافَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ
التَّرْخِيصُ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ بِالْيَأْسِ عَادَةً مِنْ
إدْرَاكِهَا. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ بِرّ وَم ر (قَوْلُهُ:
وَيَلْزَمُ السَّعْيُ إلَخْ) أَيْ: بَعْدَ الْعَجْزِ لَا قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا فَرْقَ) نَعَمْ لَوْ، وَجَبَ فَوْرًا كَإِنْقَاذِ
نَاحِيَةٍ، وَطِئَتْهَا الْكُفَّارُ، وَأَسْرَى اخْتَطَفُوهُمْ، وَجَبَ
السَّفَرُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ.
اهـ. مِنْ هَامِشٍ صَحِيحٍ عَلَى الشَّارِحِ، وَفِي الْحَاشِيَةِ مَا
يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: مَا إذَا تَأَتَّتْ فِي طَرِيقِهِ) بِأَنْ غَلَبَ
عَلَى ظَنِّهِ إدْرَاكُهَا بِقَرِينَةٍ قَوِيَّةٍ فَإِنْ تَبَيَّنَ خِلَافُ
ظَنِّهِ فَلَا إثْمَ، وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ
عَوْدُهُ، وَإِدْرَاكُهَا، وَجَبَ كَمَا فِي سم عَلَى حَجَرٍ، وَأَقَرَّهُ
ع ش، وَلَوْ عَنَّ لَهُ التَّرْكُ بَعْدَ السَّفَرِ مَعَ إمْكَانِ
فِعْلِهَا فِيهِ جَازَ لِأَنَّهُ حَيْثُ سَاغَ لَهُ السَّفَرُ، وَعُدَّ
مُسَافِرًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِينَ خِلَافًا لِمَا فِي
الْأَنْوَارِ كَمَا إنَّ الْمُقَاتِلَ فِي الصَّفِّ لَا يَجُوزُ لَهُ
الِانْصِرَافُ إلَّا مُتَحَيِّزًا فَإِذَا انْصَرَفَ لِلتَّحَيُّزِ لَمْ
يَجِبْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ، وَعَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ،
وَبَيْنَ سَابِقِهِ أَيْ: حَيْثُ، وَجَبَ فِيهِ الْعَوْدُ دُونَ الثَّانِي
مَعَ أَنَّ كِلَا السَّفَرَيْنِ جَائِزٌ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ
لَمَّا تَبَيَّنَ خَطَأُ الظَّنِّ كَانَ لَا عِبْرَةَ بِهِ فَكَانَ
سَفَرُهُ غَيْرَ جَائِزٍ فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ الْعَوْدُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ
مَا إذَا تَبَيَّنَ إصَابَةُ ظَنِّهِ فَإِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ سَفَرَهُ
مُعْتَدٌّ بِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْفِعْلُ لَهَا، وَلَا
الْعَوْدُ إلَيْهَا، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ
الْأَوَّلِ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِمَامِ
لِإِلْغَاءِ فِعْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ عَامِدًا لِلِاعْتِدَادِ
بِفِعْلِهِ كَذَا فِي الْمَنْهَجِ، وَهَامِشِهِ لِلشَّيْخِ الْجَوْهَرِيِّ.
اهـ. مَرْصَفِيٌّ قَالَ: وَيَبْعُدُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَنْوَارِ عَلَى مَا
إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُ ظَنِّهِ اهـ لَكِنْ رَأَيْت بِهَامِشٍ عَنْ
شَيْخِنَا ذ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّرْكُ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ
جَازَ لَكَانَ تَحَيُّلًا عَلَى إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَحْرُمُ سَفَرُهُ) ، وَإِنْ تَعَطَّلَتْ الْجُمُعَةُ
بِسَبَبِهِ م ر وَحَجَرٌ سم (قَوْلُهُ:، وَصَوَّبَهُ إلَخْ.) قَالَ
الدَّمِيرِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلنُّزْهَةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ أَسْفَارِ
الْبَطَّالِينَ، وَإِلَّا فَلَا نَظَرَ لِلْوَحْشَةِ
[آدَابُ الْجُمُعَةَ]
(قَوْلُهُ:، وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ، وَاجِبٌ) أَيْ مُتَأَكِّدٌ
(2/24)
«هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» وَصَرَفَهَا
عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَبِهَا
وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ، فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ
الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ
غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ» وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ
عُثْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ عَنْ
النِّدَاءِ فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْت حِينَ
سَمِعْت النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْت، ثُمَّ أَقْبَلْت، فَقَالَ عُمَرُ،
وَالْوُضُوءُ أَيْضًا أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ
فَلْيَغْتَسِلْ» وَذَكَرَ نَحْوَهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى عُثْمَانَ مَعَ
أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَنْفِي أَنَّهُ اغْتَسَلَ قَبْلَ سَمَاعِهِ
النِّدَاءَ وَيُجَابُ بِأَنَّ عُمَرَ بَنَى ذَلِكَ عَلَى قَرَائِنَ مِنْهَا
أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ لَاغْتَسَلَ بَعْدَ الْوُضُوءِ
لِأَنَّهُ الْأَكْمَلُ وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ كَمَا عُلِمَ مِنْ عَطْفِ
اسْتِحْبَابِهِ عَلَى تَحْرِيمِ السَّفَرِ الْمُقَيَّدِ بِبَعْدِ
الْفَجْرِ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ وَيُفَارِقُ
غُسْلَ الْعِيدِ حَيْثُ يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ إلَى
صَلَاةِ الْعِيدِ لِقُرْبِ الزَّمَنِ وَبِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ
الْفَجْرِ لَضَاقَ الْوَقْتُ وَتَأَخَّرَ عَنْ التَّكْبِيرِ إلَى
الصَّلَاةِ (لَكِنَّهُ) أَيْ: غُسْلَ الْجُمُعَةِ (عِنْدَ الرَّوَاحِ)
إلَيْهَا (أَوْلَى) مِنْ تَقْدِيمِهِ وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْهُ كَانَ
أَوْلَى لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ مِنْ التَّنْظِيفِ وَخَرَجَ
بِمُرِيدِهَا غَيْرُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ لِمَفْهُومِ خَبَرِ «إذَا
أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ،
وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ
غُسْلٌ» وَيُفَارِقُ الْعِيدَ حَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِمُرِيدِهِ بِأَنَّ
غُسْلَهُ لِلزِّينَةِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ وَهَذَا لِلتَّنْظِيفِ
وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُضَايِقُ فِي
هَذَا الْفَرْقِ.
وَلَوْ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَبْطُلْ قَالَهُ فِي
الرَّوْضَةِ: (وَالتُّرْبُ إنْ يَعْجِزْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ
فَتْحِهَا (عَنْ الْمَا نُدِبَا) التَّيَمُّمُ بِهِ إحْرَازًا
لِلْفَضِيلَةِ كَسَائِرِ الْأَغْسَالِ
(مُبَكِّرًا) إلَى الْجُمُعَةِ لِخَبَرَيْ الصَّحِيحَيْنِ «عَلَى كُلِّ
بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ،
فَالْأَوَّلَ» «، وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ
أَيْ: مِثْلَهُ، ثُمَّ رَاحَ أَيْ: فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، فَكَأَنَّمَا
قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا
قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا
قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ،
فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ،
فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ
الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ
أَنَّ السَّاعَاتِ سِتٌّ قَالَ: فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ
وَالثَّالِثَةِ مَا مَرَّ «وَفِي الرَّابِعَةِ بَطَّةً، وَالْخَامِسَةِ
دَجَاجَةً وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا «فِي
الرَّابِعَةِ دَجَاجَةً وَالْخَامِسَةِ عُصْفُورًا، وَالسَّادِسَةِ
بَيْضَةً» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِسْنَادُ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ هُمَا شَاذَّتَانِ لِمُخَالَفَتِهِمَا سَائِرَ
الرِّوَايَاتِ،
وَالسَّاعَاتُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا الشَّمْسِ، وَلَا الزَّوَالِ
عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ شَرْعًا وَبِهِ،
وَيَتَعَلَّقُ جَوَازُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ
الرَّوَاحِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا
قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ
الزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّهُ
مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْعَرَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ تَأَكُّدَ الطَّلَبِ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ،
وَإِنْ لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ (قَوْلُهُ: وَخَبَرِ مُسْلِمٍ مِنْ
إلَخْ.) فِي حَيِّزِ الصَّرْفِ عَنْ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَحْرِيمِ
السَّفَرِ) ، فَالتَّقْدِيرُ، وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَرَمَنْ سَفَرْ،
وَاسْتَحَبُّوا الْغُسْلَا لِمُرِيدِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ التَّنْظِيفِ)
مِنْ بَيَانِيَّةٌ
(قَوْلُهُ: فِي السَّاعَةِ الْأُولَى إلَخْ.) ، وَلَوْ جَاءَ فِي
السَّاعَةِ الْأُولَى مَثَلًا ثُمَّ خَرَجَ، وَعَادَ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ
إنْ خَرَجَ لِعُذْرٍ لَمْ يَضُرَّ، وَإِلَّا ضَرَّ، وَلَوْ كَانَ مُقِيمًا،
بِالْمَسْجِدِ، فَهَلْ لَهُ ثَوَابُ الْجَائِي فِي السَّاعَةِ الْأُولَى
يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ تَهَيَّأَ لَهَا كَأَنْ اغْتَسَلَ بِقَصْدِهَا،
أَوْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِقَصْدِهَا، فَلَهُ
ثَوَابُ الْجَائِي فِي الْأُولَى إنْ تَهَيَّأَ فِي الْأُولَى، أَوْ
ثَوَابُ الثَّانِيَةِ إنْ تَهَيَّأَ فِيهَا، وَهَكَذَا، وَإِلَّا فَلَا،
لَكِنْ هَلْ يُسَاوِي مَا لَهُ مَا لِمَنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ
فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: مَنَعَ ذَلِكَ) أَيْ: أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ
بَعْدَ الزَّوَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَأَنْصَتَ) عَطْفُ مُغَايِرٍ (قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ إلَخْ)
فِيهِ عَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ (قَوْلُهُ: يُجْزِئُ قَبْلَ
الْفَجْرِ) أَيْ: بَعْدَ النِّصْفِ الثَّانِي لَا قَبْلَهُ عَلَى
الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُضَايِقُ فِي
هَذَا الْفَرْقِ) لَعَلَّهُ بِمَا قَالُوهُ إنَّمَا جَازَ غُسْلُ الْعِيدِ
قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ بِخِلَافِ
الْجُمُعَةِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنْظِيفَ مَقْصُودٌ فِيهِ أَيْضًا
لِلِاجْتِمَاعِ، وَأَيْضًا الِاجْتِمَاعُ بِالنَّاسِ مَطْلُوبٌ فِيهِ
لِلتَّهْنِئَةِ حَرِّرْهُ (قَوْلُهُ: إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ) لِأَنَّهُ
عِبَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ فَنَابَ فِيهِ التَّيَمُّمُ، وَلَا يُنَافِيهِ
التَّعْلِيلُ بِالتَّنْظِيفِ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْغُسْلُ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ:، وَمَنْ اغْتَسَلَ إلَخْ.) هَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنَّ
هَذَا الثَّوَابَ الْمَخْصُوصَ إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ اغْتَسَلَ. اهـ.
عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَاحَ) أَيْ: قَاصِدًا
حُضُورَهُ لِلصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى التَّكْبِيرِ ق ل
(قَوْلُهُ: اسْمٌ لِلْخُرُوجِ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ اسْمٌ لِلرُّجُوعِ
بَعْدَ الزَّوَالِ فَالْفُقَهَاءُ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الذَّهَابِ، وَفِيمَا
قَبْلَ الزَّوَالِ بِمَجَازَيْنِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ.)
فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ
اسْمِ الْمُجَاوِرِ لِلْمُسَبِّبِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ الذَّهَابُ
بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الذَّهَابُ قَبْلَ
الزَّوَالِ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ اسْتِعَارَةً؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ عَلَى
أَنْ تَكُونَ الْعَلَاقَةُ فِيهِ بَيْنَ الْمَجَازِيِّ، وَمُجَاوِرِ
الْحَقِيقِيِّ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ الْمَجَازِيِّ،
وَالْحَقِيقِيِّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُجَاوِرَةَ
لِعَدَمِهَا إلَّا بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ، وَمُسَبِّبِ الْمَجَازِيِّ، وَلَا
كَلَامَ لَنَا فِيهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِعَارَةِ أَنَّهُ شَبَّهَ الذَّهَابَ
قَبْلَ الزَّوَالِ بِهِ بَعْدَهُ لِسَبَبِيَّةِ كُلٍّ فِي حُصُولِهَا. اهـ.
(2/25)
فِي السَّيْرِ أَيَّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ،
أَوْ نَهَارٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَلَيْسَ الْمُرَادُ
السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةَ، بَلْ تَرْتِيبَ الدَّرَجَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بَلْ تَرْتِيبُ الدَّرَجَاتِ) ، وَعَلَى هَذَا، فَالِاقْتِصَارُ
عَلَى الْخَمْسِ، أَوْ السِّتِّ لِلتَّمْثِيلِ، وَالتَّنْبِيهُ بِهَا عَلَى
غَيْرِهَا كَأَنَّهُ قَالَ: عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ إلَخْ.) إذْ
لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَاخْتَلَفَ الْحَالُ فِي يَوْمِ الشِّتَاءِ،
وَالصَّيْفِ سَوَاءٌ كَانَ مَبْدَؤُهَا الْفَجْرَ، أَوْ طُلُوعَ الشَّمْسِ،
وَكَذَا إذَا جَعَلْنَاهَا سِتًّا مِنْ ثِنْتَيْ عَشَرَ مَبْدَؤُهَا
الْفَجْرُ بِأَنْ كُنَّا نَقْسِمُ النَّهَارَ كُلَّهُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ
سَاعَةً مُسْتَوِيَةً أَيًّا كَانَ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ، وَكَتَبَ أَيْضًا
أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةَ لَزِمَ انْتِهَاءُ
التَّبْكِيرِ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِنَحْوِ
سَاعَتَيْنِ، وَفِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ بِيَسِيرٍ، وَهُوَ غَيْرُ
مَقْبُولٍ إذْ لَا يَنْتَهِي إلَّا بِالزَّوَالِ أَوْ الصُّعُودِ. اهـ.
وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا أَنَّ
الِاقْتِصَارَ عَلَى السَّاعَاتِ الْخَمْسِ، أَوْ السِّتِّ لَا حِكْمَةَ
لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبْقَ مَرَاتِبُهُ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ
م ر قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ: يَصِحُّ اعْتِبَارُ
الْأَمْرَيْنِ مَعًا فَيُنْظَرُ إلَى السَّاعَاتِ مِنْ حَيْثُ
الِانْقِسَامُ إلَيْهَا، وَتَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِشَيْءٍ، وَلَا
يُنْظَرُ لِأَفْرَادِ الْجَائِينَ فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ
تَفَاوُتُهُمْ فِي الْبَيْضَةِ مَثَلًا بِسَبَبِ التَّرَتُّبِ فِي
الْمَجِيءِ فِي سَاعَاتِهَا فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَ
الرَّوْضَةِ، وَالْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. اهـ.
وَوَجَّهَ ع ش النَّظَرَ بِأَنَّ السَّاعَةَ الْوَاحِدَةَ أَجْزَاؤُهَا
كَثِيرَةٌ فَلَوْ تَرَتَّبَ الْجَاءُونَ مِنْ أَوَّلِ السَّاعَةِ إلَى
آخِرِهَا لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا لِكُلٍّ، وَهُوَ خِلَافُ
الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَدْ يُدْفَعُ النَّظَرُ بِأَنَّ
قَوْلَهُ: وَتَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدٍ بِشَيْءٍ يُفِيدُ أَنَّ لِكُلِّ مَنْ
جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى بَدَنَةً، وَلَكِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ
فِيهَا بِحَسَبِ مَجِيئِهِمْ. اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَعْدَمَا
عَرَفْت مَا يَرِدُ عَلَى كَلَامِ الْمَجْمُوعِ دُونَ الرَّوْضَةِ،
وَعَكْسِهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ حَدِيثَ
الِاخْتِلَافِ عِنْدِي أَهْوَنُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْضًا،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ) أَيْ: الشَّامِلَةِ
لِلزَّمَانِيَّةِ، وَهِيَ انْقِسَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّيْلِ،
وَالنَّهَارِ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مُتَسَاوِيَةً طَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا
أَمْ قَصُرَ، وَلِلْمُسْتَوِيَةِ، وَهِيَ انْقِسَامُهَا أَرْبَعًا،
وَعِشْرِينَ سَاعَةً كُلُّ سَاعَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً فَعَلَيْهِ
قَدْ يَكُونُ النَّهَارُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَقَدْ
يَكُونُ أَقَلَّ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ هَذَا هُوَ اصْطِلَاحُ
الْفَلَكِيِّينَ. اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةَ، بَلْ
تَرْتِيبَ إلَخْ.) مَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، ثُمَّ قَالَ:
فَكُلٌّ دَاخِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهُ كَالْمُقَرِّبِ بَدَنَةً،
وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَبْلَهُ بِدَرَجَةٍ كَالْمُقَرِّبِ بَقَرَةً،
وَبِدَرَجَتَيْنِ كَالْمُقَرِّبِ كَبْشًا، وَبِثَلَاثٍ دَجَاجَةً،
وَبِأَرْبَعٍ بَيْضَةً. اهـ. قَالَ سم فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ فَانْظُرْ
عَلَى هَذَا الدَّاخِلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَبْلَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ
أَرْبَعِ دَرَجٍ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا لَمْ يَظْهَرْ انْحِصَارُ الدَّرَجِ
فِي هَذَا الْعَدَدِ، وَمَا الْمُرَادُ بِالدَّرَجِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْمُرَادَ بِهَا مَرَاتِبُ السَّبْقِ فَإِذَا جَاءَ بَعْدَهُ جَازَ
وَاحِدٌ، أَوْ أَكْثَرُ، ثُمَّ جَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَدْ سَبَقَ
الْأَوَّلُ بِدَرَجَةٍ، وَالثَّانِي بِدَرَجَتَيْنِ، وَهَكَذَا
فَلْيُتَأَمَّلْ، وَتَوْضِيحُ مَا اسْتَظْهَرَهُ أَنَّ الْبَدَنَةَ الَّتِي
لِلثَّانِي أَقَلُّ مِنْ بَدَنَةِ الْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ
الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةَ الَّتِي لِلثَّالِثِ أَقَلُّ مِنْ الَّتِي
لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ بَدَنَةِ الْأَوَّلِ، وَالْكَبْشِ،
وَاَلَّتِي لِلرَّابِعِ أَقَلُّ مِنْ الَّتِي لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا
بَيْنَ بَدَنَةِ الْأَوَّلِ، وَالدَّجَاجَةِ، وَاَلَّتِي لِلْخَامِسِ
أَقَلُّ مِنْ الَّتِي لِلْأَوَّلِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ بَدَنَةِ
الْأَوَّلِ، وَالْبَيْضَةِ، وَاَلَّتِي لِلسَّادِسِ أَقَلُّ مِنْ الَّتِي
لِلْأَوَّلِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ بَدَنَةِ الْأَوَّلِ، وَالْخَامِسِ
الَّتِي هِيَ بِمِقْدَارِ بَيْضَةٍ لَكِنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الْبَيْضَةِ
الَّتِي قَبْلَهَا بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ،
وَاَلَّتِي لِلسَّابِعِ بِمِقْدَارِ بَيْضَةٍ لَكِنَّهَا أَقَلُّ مِنْ
الْبَيْضَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ بَدَنَةِ السَّادِسِ
الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مِنْ الْبَيْضَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِمَا مَرَّ،
وَالْبَقَر الَّتِي هِيَ بَيْضَةٌ أَيْضًا، وَهَكَذَا، وَقِسْ عَلَيْهِ
نِسْبَةَ الْجَمِيعِ لِلثَّانِي، وَهَكَذَا، وَلِنُوَضِّحَ ذَلِكَ
بِمِثَالٍ لَوْ فَرَضْنَا التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ
النِّصْفَ، وَبَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْكَبْشِ كَذَلِكَ، وَبَيْنَ
الدَّجَاجَةِ، وَالْكَبْشِ كَذَلِكَ، وَالْبَيْضَةِ كَذَلِكَ، وَفَرَضْنَا
أَنَّ اللَّهَ يُعْطِي مَنْ رَاحَ أَوَّلَ سَاعَةٍ مِائَةَ أَلْفِ حَسَنَةٍ
يَكُونُ مِقْدَارُ الثَّانِي خَمْسِينَ أَلْفًا، وَالثَّالِثِ خَمْسَةً
وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَالرَّابِعِ اثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفًا، وَالْخَامِسِ
سِتَّةً وَرُبُعًا، وَالسَّادِسِ ثَلَاثَةً وَثُمُنًا، وَهَكَذَا فَتَجِدُ
الْأَوَّلَ زَادَ عَلَى الثَّانِي بِنِصْفِ مِقْدَارِ مَا بَيْنَ
الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ، وَزَادَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّالِثِ
بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مِقْدَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَدَنَةِ،
وَالْكَبْشِ، وَزَادَ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ بِنِصْفِ مِقْدَارِ مَا
بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ، وَعَلَى الرَّابِعِ بِثَلَاثَةِ
أَرْبَاعِ مِقْدَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْكَبْشِ،
وَهَكَذَا فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ أَفَادَ فِيهِ بَعْضُ إخْوَانِنَا
الْمُتَّقِينَ فَاعْتَنِ بِهِ فَلَمْ أَجِدْ مِثْلَهُ. اهـ.
مَرْصَفِيٌّ، وَأَظُنُّ بَعْضَ إخْوَانِهِ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ
الذَّهَبِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ عَادَتَهُ النَّقْلُ عَنْهُ.
اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْخَمْسِ أَوْ السِّتِّ
فَائِدَتُهُ أَنَّهَا الْمَرَاتِبُ الْكُبْرَى، وَمَا زَادَ يُقَاسُ
(قَوْلُهُ: بِمِقْدَارِ بَيْضَةٍ) أَيْ: هِيَ بِمِقْدَارِ بَيْضَةٍ،
وَقَوْلُهُ: مِنْ الْبَيْضَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الَّتِي
قَبْلَهَا أَوَّلُ دَرَجَاتِ الْبَيْضَاتِ (قَوْلُهُ: بَلْ تَرْتِيبُ
إلَخْ.) أَيْ: وَذِكْرُ الْبَدَنَةِ
(2/26)
وَفُضِّلَ السَّابِقُ عَلَى مَنْ يَلِيهِ
لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِي الْفَضِيلَةِ رَجُلَانِ جَاءَا فِي طَرَفَيْ
سَاعَةٍ وَقَالَ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ:، بَلْ الْمُرَادُ
الْفَلَكِيَّةُ لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ
الْأَخِيرِ وَبَدَنَةَ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ كَمَا فِي دَرَجَاتِ
صَلَاةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَالْقَلِيلِ، ثُمَّ نُدِبَ التَّبْكِيرُ
مَحَلَّهُ فِي الْمَأْمُومِ، أَمَّا الْإِمَامُ، فَيُنْدَبُ لَهُ
التَّأَخُّرُ إلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ قَالَهُ
الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي
وَأَقَرَّهُ
(لَابِسَ) ثِيَابٍ (بِيضٍ) لِلْخَبَرِ الْآتِي مَعَ خَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ
ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا
مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ قَالَ فِي
الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا:، فَإِنْ لَبِسَ مَصْبُوغًا، فَمَا صُبِغَ
غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ كَالْبُرُدِ لَا عَكْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ
يَزِيدَ الْإِمَامُ فِي حُسْنِ التَّهْيِئَةِ، وَيَتَعَمَّمَ، وَيَرْتَدِيَ
لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُورٌ إلَيْهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ:
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَنْبَغِي لِلْأَمَامِ لُبْسُ السَّوَادِ
وَكَرِهَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ، وَالصَّحِيحُ
تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يَظُنَّ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ
السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ
(طُيِّبَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِخَبَرِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ
كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ
النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا
خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا
بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا» رَوَاهُ ابْنُ
حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي
قَرِيبًا حُكْمُ طِيبِ النِّسَاءِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِنَّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ
قَدْ يُقَالُ إنَّ نَدْبَ التَّبْكِيرِ وَلُبْسِ الْبِيضِ وَالتَّطَيُّبِ
تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْحَاوِي لِعَطْفِهِ لَهَا عَلَى فَاعِلِ نُدِبَ
بِخِلَافِ عِبَارَةِ النَّظْمِ لِنَصْبِهِ لَهَا بِالْحَالِيَّةِ، بَلْ
تُفِيدُ كَوْنَهَا قُيُودًا لِنَدْبِ مَا قَبْلَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا
بَلْ مُفْسِدًا لَكِنَّهُ كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا
يُرِيدُ بِهِ تَقْيِيدَ مَا قَبْلَهُ وَقَدْ يُقَالُ مُبَكِّرٌ، وَلَابِسٌ
بِمَعْنَى التَّبْكِيرِ، وَاللُّبْسِ وَيُقْرَأُ طِيبًا بِكَسْرِ الطَّاءِ
عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ وَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ مَنْصُوبَةً عَطْفًا عَلَى
الْغُسْلِ بِحَذْفِ الْعَاطِفِ وَيُمْكِنُ نَصْبُهَا بِلَا تَأْوِيلٍ
أَخْبَارًا لِكَانَ مُقَدَّرَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَاسْتَحَبُّوا الْغُسْلَ
وَأَنْ يَكُونَ مُبَكِّرًا إلَى آخِرِهِ
(وَ) نُدِبَ (الْمَشْيُ) إلَى الْجُمُعَةِ، بَلْ وَإِلَى غَيْرِهَا مِنْ
الْعِبَادَاتِ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، فَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِعُذْرٍ
لِخَبَرِ «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ
وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ
وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ
صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ «مَا رَكِبَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِيدٍ، وَلَا
جِنَازَةٍ وَلَمْ» يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ بَابَ حُجْرَتِهِ كَانَ
بِالْمَسْجِدِ وَرُوِيَ غَسَلَ بِالتَّخْفِيفِ، وَالتَّشْدِيدِ
وَالتَّخْفِيفُ أَرْجَحُ وَعَلَيْهِمَا فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
أَحَدُهُمَا غَسَّلَ زَوْجَتَهُ بِأَنْ جَامَعَهَا، فَأَلْجَأَهَا إلَى
الْغُسْلِ وَاغْتَسَلَ هُوَ قَالُوا وَيُسَنُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِي هَذَا
الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ
ثَانِيهَا غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ بِأَنْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ اغْتَسَلَ
لِلْجُمُعَةِ ثَالِثُهَا غَسَلَ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ، ثُمَّ اغْتَسَلَ
لِلْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الرَّأْسَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ
كَانُوا يَجْعَلُونَ فِيهِ الدُّهْنَ، وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا
وَكَانُوا يَغْسِلُونَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ وَرُوِيَ بَكَرَ
بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ أَشْهَرُ.
فَعَلَى التَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بَلْ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةُ) ، أَوْرَدَ شَيْخُنَا
الشِّهَابُ أَنَّ ذِكْرَ الْفَلَكِيَّةِ لَيْسَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ،
وَأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إرَادَتِهَا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَلَيْسَ
الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةَ، وَإِلَّا لَاخْتَلَفَ الْأَمْرُ بِالْيَوْمِ
الشَّاتِي وَالصَّائِفِ، وَلَفَاتَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي
لِمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ. اهـ.
وَأَمَّا إذَا اعْتَبَرْنَاهَا مِنْ الْفَجْرِ، فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ
الْحِصَّةَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ أَزْيَدُ مِنْ بَاقِي
النَّهَارِ بِكَثِيرٍ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ تُقْسَمَ الْحِصَّةُ مِنْ
الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ لَكِنْ
يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَزْيَدُ مِنْ سَاعَاتِ بَقِيَّةِ
النَّهَارِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ حَدِيثِ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ
ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» ، وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي
اعْتِبَارِهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهَا مُتَسَاوِيَةٌ
لَا تُمْكِنُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ
الرَّافِعِيِّ وَلَفَاتَتْ الْجُمُعَةُ إلَخْ. فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي
مَعْنَاهُ. اهـ.
وَأَطَالَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا
الْإِمَامُ فَيُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَخْ.) هَلْ لَهُ ثَوَابُ
الْمُبَكِّرِ قَالَ م ر: نَعَمْ إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى أَنَّهُ لَوْلَا
أَمْرُهُ بِالتَّأْخِيرِ لَبَكَّرَ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنَّ
لَهُ فَوْقَ ثَوَابِ الْمُبَكِّرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي
حَقِّهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّبْكِيرِ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَابِسُ بِيضٍ) لَوْ اتَّفَقَ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ
الْعِيدِ، فَهَلْ الْأَفْضَلُ الْأَبْيَضُ مُرَاعَاةً لِلْجُمُعَةِ، أَوْ
الْأَغْلَى مُرَاعَاةً لِلْعِيدِ، أَوْ الْأَفْضَلُ الْأَغْلَى إلَّا
عِنْدَ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، فَالْأَبْيَضُ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: لَا
عَكْسِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَغَيْرُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَكَرِهَهُ
الْغَزَالِيُّ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَتَرْكُ السَّوَادِ، أَوْلَى. إلَّا
إنْ خَشِيَ مَفْسَدَةً. اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ:
عَطْفًا عَلَى الْغُسْلِ) وَحِينَئِذٍ، فَيَتَقَيَّدُ طَلَبُ الثَّلَاثَةِ
بِإِرَادَةِ الْحُضُورِ؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
وَغَيْرِهَا ضَرْبُ مَثَلٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ ح ل (قَوْلُهُ:
لِئَلَّا يَسْتَوِيَ إلَخْ.) دَفَعَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَمُسْلِمٍ
بِقَوْلِهِ:
(2/27)
بَاكِرًا وَعَلَى التَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ
أَتَى بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَابْتَكَرَ أَيْ: أَدْرَكَ أَوَّلَ
الْخُطْبَةِ وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا
وَقَوْلُهُ: مَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ قِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى جَمَعَ
بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَرْكَبْ
أَفَادَ نَفْيَ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ عَلَى الْمُضِيِّ، وَإِنْ كَانَ
رَاكِبًا وَنَفَى احْتِمَالَ أَنْ يُرَادَ الْمَشْيُ، وَلَوْ فِي بَعْضِ
الطَّرِيقِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا الرُّجُوع، فَلَا
يُنْدَبُ فِيهِ الْمَشْيُ بَلْ يُتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّكُوبِ
إذَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ قَالَهُ
الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَدَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ
«أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَجُلٍ هَلَّا تَشْتَرِي لَك حِمَارًا تَرْكَبُهُ
إذَا أَتَيْت إلَى الصَّلَاةِ فِي الظَّلْمَاءِ، وَالرَّمْضَاءِ، فَقَالَ:
إنِّي أُحِبُّ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ فِي ذَهَابِي وَعَوْدِي،
فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَعَلَ اللَّهُ لَك
ذَلِكَ» أَيْ كَتَبَ لَك مَمْشَاك أَيْ أَفْضَلِيَّتَهُ وَقَدْ يُجَابُ
بِأَنَّ الْمَعْنَى كَتَبَ لَك ذَلِكَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لَا فِي
كُلٍّ مِنْهُمَا (بِالْهِينَةِ) أَيْ بِلَا سُرْعَةٍ لِخَبَرِ
الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ، فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ
تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» ، فَإِنْ سَعَى إلَيْهَا
قَالَ فِي الْأُمِّ: لَمْ أُحِبَّهُ لَهُ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ، فَمَعْنَاهُ
امْضُوا؛ لِأَنَّ السَّعْيَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُضِيِّ، وَالْعَدْوِ،
فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْمُرَادَ بِهِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ
كَأَصْلِهَا بِمَا إذَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، فَإِنْ ضَاقَ، فَالْأَوْلَى
الْإِسْرَاعُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَجِبُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ
الْجُمُعَةَ إلَّا بِهِ
(وَالْفَضْلَاتُ زَالَتْ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ وَنُدِبَ إزَالَةُ
الْفَضَلَاتِ كَالْوَسَخِ، وَالظُّفُرِ، وَالشَّعْرِ لِخَبَرِ
الصَّحِيحَيْنِ «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ
الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ» وَاكْتَفَى
الْحَاوِي عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ: وَالتَّطَيُّبُ أَيْ:
بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ وَإِزَالَةِ الْوَسَخِ، وَالْفَضْلَةِ كَمَا
شَرَحَهُ عَلَيْهِ شُرَّاحُهُ
(وَ) نُدِبَ (عِنْدَ الْخُطْبَةِ الْإِنْصَاتُ) لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:
204] ، فَسَّرَهُ كَثِيرُونَ بِالْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا
لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ.
وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ، وَالِاسْتِمَاعُ شَغْلُ السَّمْعِ بِالسَّمَاعِ
وَصَرَفَ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَتَى السَّاعَةُ، فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ أَنْ اُسْكُتْ،
فَقَالَ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُمَا، بِمَعْنًى) ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى مَا فَسَّرَ
بِهِ بَكَّرَ (قَوْلُهُ: أَفْضَلِيَّتُهُ) أَيْ عَلَى الرُّكُوبِ
(قَوْلُهُ: فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ) جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ،
وَخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فِي
رُجُوعِهِ مِنْ جِنَازَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ
وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحُوهُ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ
لِبَيَانِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى الْإِسْرَاعُ) أَيْ: إذَا
لَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِدْرَاكُ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ
الْمُحِبُّ فَإِنْ قُلْت: إذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِدْرَاكُ، فَلِمَ
طُلِبَ قُلْت لِلِاحْتِيَاطِ
(قَوْلُهُ: وَالْفَضَلَاتُ زَالَتْ) خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ
مَعْنًى
(قَوْلُهُ: خَبَرُ الْبَيْهَقِيُّ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَخْ.) ، أَوْرَدَ
فِي شَرْحِ الرَّوْض أَيْضًا خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «بَيْنَمَا
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ
الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ،
وَدَعَا» ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ
مَا أُورِدَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ، بِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ
احْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ تَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي
مَوْضِعٍ، وَلَا حُرْمَةَ حِينَئِذٍ قَطْعًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ:
فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيْنَمَا إلَخْ. مُصَرِّحٌ، بِأَنَّهُ تَكَلَّمَ
حَالَ الْخُطْبَةِ، وَقَوْلُهُ: قَامَ الْأَعْرَابِيُّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ
قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِيهِ، وَأَمَّا احْتِمَالُ
أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ، فَيَدْفَعُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ
لَعَلِمَهُ لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ الْبَيَانِ، وَلَا سِيَّمَا، وَالسُّكُوتُ
عَنْ الْبَيَانِ يُوهِمُ الْحَاضِرِينَ الْجَوَازَ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَقَدْ أَشَارَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ،
بِالِاسْتِقْرَارِ فِي مَوْضِعِ اتِّخَاذِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ،
فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ الرَّوْضُ: وَلِلدَّاخِلِ أَيْ: وَيُبَاحُ
الْكَلَامُ، بِلَا كَرَاهَةٍ لِلدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ مَا
لَمْ يَجْلِسْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: يَعْنِي: مَا لَمْ يَتَّخِذْ لَهُ
مَكَانًا، وَيَسْتَقِرَّ فِيهَا، وَالتَّقْيِيدُ، بِالْجُلُوسِ جَرَى عَلَى
الْغَالِبِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ، فَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ
الرَّجُلَ فِي خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ إنَّمَا سَأَلَ النَّبِيَّ بَعْدَ أَنْ
اتَّخَذَ لَهُ مَكَانًا، وَخِلَافُ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا أَثَرَ
لَهُ فِي الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ سم (قَوْلُهُ: إنَّ رَجُلًا قَالَ
لِلنَّبِيِّ: إلَخْ) .
عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ «إنَّ رَجُلًا دَخَلَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: مَتَى
السَّاعَةُ» إلَخْ. فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْقَوْلَ حَالَ الْخُطْبَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
لَكِنْ إلَخْ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: أَيْ: فَضِيلَتُهُ) فِي شَرْحِ م ر أَيْ: أَفْضَلِيَّتُهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: «، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» ) فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ،
وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ قَالَ
مُحَشِّيهِ وَرُوِيَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ.
اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ) أَيْ: يَضِقْ
بِخُرُوجِهِ أَوْ بِفَوَاتِهَا لِلْمَسْبُوقِ، وَلَوْ فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ، وَلَا يَسْعَى لِغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ
الْجَمَاعَةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا يَسْعَى لِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ
الْإِحْرَامِ، وَلَا لِلرَّكَعَاتِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: وَالظُّفُرِ) ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي كَيْفِيَّةِ تَقْلِيمِ
الْأَظْفَارِ لِلْيَدَيْنِ أَنْ يَبْدَأَ بِمُسَبِّحَةِ يَمِينِهِ إلَى
خِنْصَرِهَا، ثُمَّ إبْهَامِهَا، ثُمَّ بِخِنْصَرِ يُسْرَاهُ إلَى
إبْهَامِهَا عَلَى التَّوَالِي، وَالرِّجْلَيْنِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ
الْيَمِينِ إلَى خِنْصَرِ الْيَسَارِ عَلَى التَّوَالِي كَذَا فِي حَوَاشِي
الْمَدَنِيِّ لَكِنْ قَالَ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ
تَقْدِيمُ إبْهَامِ الْيُسْرَى عَلَى مُسَبِّحَتِهَا قَالَ ق ل عَلَى
الْجَلَالِ إنَّهُ نَقَلَ فِي التَّجَارِبِ عَنْ السُّبْكِيّ
وَالْبِرْمَاوِيِّ فِي الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ أَنَّ إزَالَتَهُمَا
عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ حُرُوفِ خَوَابِسَ، أَوْ خسب أَمَانٌ مِنْ
الرَّعْدِ. اهـ
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْخُطْبَةِ الْإِنْصَاتُ) الْفَرْقُ بَيْنَ
الصَّمْتِ، وَالسُّكُوتِ، وَالْإِنْصَاتِ، وَالْإِصَاخَةِ أَنَّ الصَّمْتَ
أَبْلَغُ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا قُوَّةَ فِيهِ
لِلنُّطْقِ، وَفِيمَا لَهُ قُوَّةُ النُّطْقِ، وَلِذَا قِيلَ: لَمَّا لَمْ
يَكُنْ لَهُ نُطْقُ الصَّامِتِ، وَالسُّكُوتُ لِمَا لَهُ نُطْقٌ فَتَرَكَ
اسْتِعْمَالَهُ، وَالْإِنْصَاتُ سُكُوتٌ مَعَ اسْتِمَاعٍ، وَمَتَى انْفَكَّ
أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لَمْ يَقُلْ إنْصَاتٌ، وَعَلَيْهِ قَوْله
تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}
[الأعراف: 204] فَقَوْلُهُ:
(2/28)
النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عِنْدَ الثَّالِثَةِ مَا أَعْدَدْت لَهَا قَالَ حُبَّ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْت» ، فَإِنَّهُ لَمْ
يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَهُ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا قُلْت:
لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ
لَغَوْت» ، فَمَعْنَاهُ تَرَكْت الْأَدَبَ وَنَدْبُ الْإِنْصَاتِ لَا
يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ السَّمَاعِ، وَيَسْتَوِي فِي نَدْبِ
الْإِنْصَاتِ سَامِعُ الْخُطْبَةِ وَغَيْرُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي
الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَنَقَلَاهُ عَنْ النَّصِّ وَعَنْ قَطْعِ كَثِيرٍ،
ثُمَّ نَقَلَا عَنْهُمْ أَنَّ غَيْرَ السَّامِعِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ
الْإِنْصَاتِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالتِّلَاوَةِ، وَالذِّكْرِ وَكَلَامِ
الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتِّلَاوَةِ، وَالذِّكْرِ
أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ
(وَ) نُدِبَ (تَرْكُ بَدْءٍ) أَيْ: ابْتِدَائِهِ (بِسِوَى تَحِيَّتِهْ)
بِالْمَسْجِدِ، أَوْ بِسِوَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذَا
جَلَسَ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ،
وَالْمَعْرُوفُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ
وَغَيْرِهِ تَحْرِيمُ الِابْتِدَاءِ بِذَلِكَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ
وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْإِمَامِ
بِالْكُلِّيَّةِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ
الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَخَرَجَ بِابْتِدَائِهِ
دَوَامُهُ نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلَامِ
حَيْثُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ مَا لَمْ
يَبْتَدِئْ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَحْرُمُ حِينَئِذٍ إنْ قَطَعَ
الْكَلَامَ هَيِّنٌ مَتَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ إلَخْ.) بَيَانُ، وَجْهِ الصَّرْفِ
(قَوْلُهُ: لَهُ وُجُوبُهُ) أَيْ: الْإِنْصَاتِ (قَوْلُهُ: لَا يُنَافِي)
بَلْ اعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْوَاجِبَ
السَّمَاعُ، بِالْقُوَّةِ، بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ أَصْغَى لَسَمِعَ
لَا الْفِعْلُ وَعَلَيْهِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ
(قَوْلُهُ: مِنْ وُجُوبِ السَّمَاعِ) لِإِمْكَانِ السَّمَاعِ مَعَ
التَّكَلُّمِ
(قَوْلُهُ: بِسِوَى تَحِيَّتِهْ) أَيْ: مِنْ الصَّلَوَاتِ يَخْرُجُ
بِالطَّوَافِ، فَلَا يُحْرِمُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ تَحِيَّةَ
الْمَسْجِدِ تَنْدَرِجُ فِي رَكْعَتَيْهِ، فَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ حَالَ الْخُطْبَةِ إنْ دَخَلَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلطَّوَافِ
صَلَّى التَّحِيَّةَ، أَوْ مُرِيدًا لَهُ، وَطَافَ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ
بَيْنَ دُخُولِهِ، وَفَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ
رَكْعَتَا الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِهِمَا
إلَّا أَنَّهَا تَفُوتُ إذَا طَالَ الْفَصْلُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَإِذَا
فَاتَتْ التَّحِيَّةُ امْتَنَعَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ
حَالَ الْخُطْبَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ تَحِيَّةً، أَوْ مُتَضَمِّنَةً
لَهَا، وَإِذَا طَالَ الْفَصْلُ هُنَا لَمْ تَكُنْ مُتَضَمِّنَةً لَهَا
لِفَوَاتِهَا بِطُولِ الْفَصْلِ، وَلَوْ صَرَفَهَا عَنْ التَّحِيَّةِ
تَمَحَّضَتْ لِغَيْرِ التَّحِيَّةِ، فَتَمْتَنِعُ بَلْ الْمُتَمَحِّضَةُ
لِغَيْرِ التَّحِيَّةِ مُمْتَنِعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ
(قَوْلُهُ: بِالْمَسْجِدِ) ، فَالضَّمِيرُ فِي تَحِيَّتِهِ لِلشَّخْصِ
(قَوْلُهُ: أَوْ بِسِوَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَخْ.) ، فَالضَّمِيرُ
لِلْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: إذَا جَلَسَ) أَخْرَجَ مَا قَبْلَ الْجُلُوسِ،
وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ
فِي الْخُطْبَةِ، وَقَدْ يُوَجَّهُ الْجَوَازُ حِينَئِذٍ، بِأَنَّهُ إلَى
الْآنَ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْمَنْعِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قَامَ
لِلْخُطْبَةِ، وَجَبَ عَلَى هَذَا الْمُصَلِّي التَّخْفِيفُ نَعَمْ إنْ
تَحَرَّى التَّأْخِيرَ لِيُوقِعَ بَعْضَهَا حَالَ الْخُطْبَةِ، فَفِيهِ
نَظَرٌ م ر إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ أَخْرَجَ إلَخْ. قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ
قَوْلَ الزُّهْرِيِّ الْآتِي خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ
(قَوْلُهُ: إذَا جَلَسَ الْخَطِيبُ إلَخْ.) أَخْرَجَ مَا قَبْلَ
الْجُلُوسِ، وَلَوْ حَالَ الصُّعُودِ (قَوْلُهُ: تَحْرِيمُ الِابْتِدَاءِ)
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَإِذَا حُرِّمَتْ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ انْعِقَادِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ
لَهَا إلَى أَنْ قَالَ: بَلْ إطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ الرَّاتِبَةِ
مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا
لَا يَأْتِي بِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَهُوَ
الْمُتَّجَهُ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ لِنَحْوِ
صَمَمٍ بَلْ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ مَحَلِّ الْخُطْبَةِ فِيمَا يَظْهَرُ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ،
وَيَنْبَغِي أَيْ: يَجِبُ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهَا
عِنْدَ قِيَامِ الْخَطِيبِ أَيْ: صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ، وَجُلُوسِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ) هَلْ تَبْطُلُ بِهِ يُتَّجَهُ
الْإِبْطَالُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الصَّلَاةِ إلَخْ.) وَكَالصَّلَاةِ
سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، وَالشُّكْرِ كَمَا فِي، فَتَاوَى شَيْخِنَا
الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ: تَحْرُمُ حِينَئِذٍ) أَيْ: حِينَ إذْ
صَعِدَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ تَمَّ صُعُودُهُ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ،
وَلَا تُبَاحُ نَافِلَةٌ بَعْدَ صُعُودِهِ، وَجُلُوسِهِ اهـ. وَقَضِيَّةُ
عِبَارَتِهِمْ جَوَازُ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، وَلَوْ،
بِرُبَاعِيَّةِ فَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَى الْجُلُوسِ
مَا يَسَعُ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ إلَى
الْآنَ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ التَّكْلِيفِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ. نَعَمْ
إذَا جَلَسَ الْخَطِيبُ، وَجَبَ التَّخْفِيفُ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ،
بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ، وَيُحْتَمَلُ امْتِنَاعُ
الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْجُلُوسِ فِي وَقْتٍ يُعْلَمُ أَنَّ الْبَاقِيَ إلَى
الْجُلُوسِ لَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ (قَوْلُهُ: انْقَطَعَ الْكَلَامُ
إلَخْ.) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الطَّوَافَ كَالْكَلَامِ؛ لِأَنَّ
قَطْعَهُ هَيِّنٌ لِجَوَازِ الْبِنَاءِ فِيهِ م ر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
وَأَنْصِتُوا بَعْدَ الِاسْتِمَاعِ ذِكْرُ خَاصٍّ بَعْدَ عَامٍّ،
وَالْإِصَاخَةُ الِاسْتِمَاعُ لِمَا يَصْعُبُ اسْتِمَاعُهُ، وَإِدْرَاكُهُ
كَالسَّبِّ، وَالصَّوْتِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ نَقَلَهُ ع ش عَنْ
الْمُنَاوِيِّ عَنْ الرَّاغِبِ (قَوْلُهُ: لَا يُنَافِي مَا مَرَّ إلَخْ.)
تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ السَّمَاعُ بِالْقُوَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ،
وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: يُسَنُّ الْإِنْصَاتُ هُوَ
السُّكُوتُ مَعَ الْإِصْغَاءِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ فَلَا يُنَافِي مَا
مَرَّ مِنْ وُجُوبِ السَّمَاعِ أَيْ: عَلَى طَرِيقَةِ الْإِسْنَوِيِّ
الْقَائِلِ بِوُجُوبِ السَّمَاعِ بِالْفِعْلِ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِسِوَى تَحِيَّةٍ) أَيْ: مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحِيَّةُ؛
لِأَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَضَاءً
سُنَّةَ الصُّبْحِ، أَوْ نَفْسَ الصُّبْحِ سَوَاءٌ نَوَى مَعَهَا
التَّحِيَّةَ، أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَفَهَا عَنْهَا. اهـ. سم
عَلَى التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: بِسِوَى تَحِيَّتِهِ بِالْمَسْجِدِ) أَيْ:
بِغَيْرِ تَحِيَّةِ الشَّخْصِ حَالَ كَوْنِهِ بِالْمَسْجِدِ، أَوْ بِغَيْرِ
تَحِيَّةِ الشَّخْصِ الْوَاقِعَةِ بِالْمَسْجِدِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ
جَلَسَ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ الْمُصَلِّي بِغَيْرِ
مَحَلِّ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ حِينَئِذٍ لِغَيْرِ
التَّحِيَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ فِعْلَ الْجُمُعَةِ
مَعَهُمْ بِمَحَلِّهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَقْتَ فِعْلِهَا مَانِعُ
الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ،
وَعَلَى الثَّانِي يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ فِي حِلِّهِ هُوَ
الْأَوَّلُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى إرْجَاعِ ضَمِيرِ تَحِيَّتِهِ لِلشَّخْصِ
تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَحْرُمُ
(2/29)
ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ
بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ
الْخُطْبَةِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ أَمِنَ فَوَاتَ ذَلِكَ لَمْ
تَحْرُمْ الصَّلَاةُ، أَمَّا التَّحِيَّةُ، فَيُسَنُّ فِعْلُهَا
لِلدَّاخِلِ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ لِمَا مَرَّ ثَمَّةَ
وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ، وَهُوَ
يَخْطُبُ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ بِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ
يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» قَالَ فِي
الْأُمِّ: وَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَا، فَإِنْ لَمْ
يَفْعَلْ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى الرَّاتِبَةَ
صَلَّاهَا وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ (قُلْت: وَلَمْ تُنْدَبْ) أَيْ:
التَّحِيَّةُ لِلدَّاخِلِ، بَلْ تُكْرَهُ (أَخِيرَ خُطْبَتِهْ) أَيْ:
خُطْبَةِ الْإِمَامِ، أَوْ الدَّاخِلِ لِصِدْقِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ
بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَخْطُوبٌ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَفُوتَهُ أَوَّلُ
الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا
ظَنَّ فَوْتَ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ، فَيَقِفُ حَتَّى تُقَامَ،
وَلَا يَقْعُدُ وَإِلَّا صَلَّاهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ
فِيهِ: وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْخُطْبَةِ قَدْرًا
يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِالرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ وَإِذَا قُلْنَا
بِتَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، فَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ
الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ انْعِقَادِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهَا
وَكَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمَكْرُوهَةِ، بَلْ أَوْلَى
لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا هُنَا بِخِلَافِهَا ثَمَّةَ
وَلِتَفْصِيلِهِمْ ثَمَّةَ بَيْنَ ذَاتِ السَّبَبِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ
مَا هُنَا، بَلْ إطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ الرَّاتِبَةِ مَعَ قِيَامِ
سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا لَا يَأْتِي
بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ
وَتَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ فِي الْمَنْعِ بِالتَّنَفُّلِ جَرَى عَلَى
الْغَالِبِ
(وَالرَّدُّ لِلسَّلَامِ) عَلَى الْمُسْلِمِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ
(بِالنَّدْبِ أَمَسْ) أَيْ: أَهَمُّ بِنَدْبِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ
يُنْدَبُ، وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ حِينَئِذٍ مُضَيِّعٌ
سَلَامَهُ كَالْمُسَلِّمِ عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ بِجَامِعِ كَرَاهَةِ
السَّلَامِ فِيهِمَا وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ،
وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيّ وُجُوبُهُ
بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ سُنَّةٌ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
عَنْهُ وَعَنْ آخَرِينَ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ
الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ،
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّدِّ مِنْ قَاضِي الْحَاجَةِ حَيْثُ لَا
يُنْدَبُ، وَلَا يَجِبُ لَائِجٌ
(وَيُنْدَبُ التَّشْمِيتُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ
(لِامْرِئٍ عَطَسْ) وَحَمِدَ اللَّهَ بِأَنْ يَقُولَ رَحِمَك اللَّهُ، أَوْ
يَرْحَمُك اللَّهُ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي
السِّيَرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْدَبْ تَرْكُهُ كَسَائِرِ الْكَلَامِ؛
لِأَنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ.
وَتَصْرِيحُ صَاحِبِ الْحَاوِي فِي الْعُجَابِ بِالنَّدْبِ فِي هَذِهِ
وَمَا قَبْلَهَا يُعَيِّنُ أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُهُ فِي الْحَاوِي وَرَدُّ
السَّلَامِ، وَالتَّشْمِيتِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى فَاعِلِ نُدِبَ،
وَإِنْ صَحَّ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى التَّحِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: تَرَكَ
غَيْرَ التَّحِيَّةِ
(وَسُنَّ أَنْ يُسَلِّمَ الْخَطِيبُ) إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ عَلَى
الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَبْلَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ
(عَلَى الَّذِي مِنْ مِنْبَرٍ قَرِيبُ) لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ
وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ فِي أَحْكَامِهِ وَلَمْ
يُضَعِّفْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَخْصِيصَ مَنْ
عِنْدِ الْمِنْبَرِ بِالسَّلَامِ مَحَلُّهُ فِيمَنْ يَخْرُجُ لِلْخُطْبَةِ
مِنْ قَرِيبِ الْمِنْبَرِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَلَوْ خَرَجَ مِنْ
أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ، أَوْ مِنْ جَوَانِبِهِ، فَكُلُّ مَنْ دَنَا مِنْ
مَمَرِّهِ كَمَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي سَنِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ
(وَبَعْدَمَا تَمَّ لَهُ الصُّعُودُ يُقْبِلُ) أَيْ: وَسُنَّ لَهُ بَعْدَ
تَمَامِ صُعُودِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لَمْ تَحْرُمْ الصَّلَاةُ) وَيُحْتَمَلُ الْحُرْمَةُ أَيْضًا
نَظَرًا لِلْمَظِنَّةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: أَمَّا
التَّحِيَّةُ إلَخْ.) يُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِ التَّحِيَّةِ امْتِنَاعُ
الصَّلَاةِ مُطْلَقًا عَلَى مَنْ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ قِيَامِ
الْخَطِيبِ، وَعَلَى مَنْ دَخَلَ حَالَ الْخُطْبَةِ فِي غَيْر مَسْجِدٍ م ر
(قَوْلُهُ: فَيُسَنُّ فِعْلُهَا) أَيْ: بِشَرْطِ الْإِحْرَامِ
بِرَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّحِيَّةُ تَحْصُلُ بِالْأَكْثَرِ،
فَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ هُنَا، بِأَكْثَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ:
فِي الْحَدِيثِ «، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ،
وَالدَّاخِلُ لَا فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ مُخَفَّفَةً
إنْ صَلَّى السُّنَّةَ، وَإِلَّا صَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْ: مُخَفَّفَةً،
وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى
رَكْعَتَيْنِ، بِكُلِّ حَالٍ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ
الْمُرَادَ بِالتَّخْفِيفِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ. اهـ.
، وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ، وَعَلَيْهِ، فَهَلْ يَتْرُكُ
سُجُودَيْ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ إذْ لَيْسَا مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ
بَلْ يَعْرِضَانِ فِيهَا فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ: وَإِلَّا
يَظُنَّ، فَوَاتَ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بَلْ إطْلَاقُهُمْ إلَخْ.) لِلِانْتِقَالِ (قَوْلُهُ: لَوْ
تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا) ، وَلَوْ فَوْرِيًّا
(قَوْلُهُ: أَمَسْ) مِنْ الْوُجُوب (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ
إلَخْ.) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ
الْإِنْصَاتَ إلَخْ.) كَانَ يُمْكِنُ الْبِنَاءُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ
الْإِنْصَاتِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي جَوَازَ الْكَلَامِ
لِعَارِضٍ مُهِمٍّ كَإِنْذَارِ غَافِلٍ عَمَّا يَضُرُّهُ إلَّا أَنْ
يُقَالَ الِابْتِدَاءُ مَعَ كَرَاهَتِهِ لَا يَكُونُ عَارِضًا مَهْمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
التَّطْوِيلُ) أَيْ: عُرْفًا لِأَنَّهُ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى
الْوَاجِبِ شَرْحُ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَفِي ق ل التَّحْقِيقُ
الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَ الْأَكْمَلَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْعُدُ) لِئَلَّا يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ
التَّحِيَّةِ. اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: بِجَامِعِ كَرَاهَةِ السَّلَامِ
إلَخْ.) فَرَّقَ حَجَرٌ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لِأَمْرٍ عَارِضٍ لَا
لِذَاتِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى نَحْوِ قَاضِي الْحَاجَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ إلَخْ.) ، وَمَعْنَاهُ بِهَا
الدُّعَاءُ بِحِفْظِ الشَّوَامِتِ، وَهِيَ مَا بِهِ قِوَامُ الشَّيْءِ؛
لِأَنَّ الْعَاطِسَ يَنْحَلُّ مِنْهُ كُلُّ عُضْوٍ بِرَأْسِهِ، وَمَا
يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْعُنُقِ فَنَاسَبَ أَنْ يُدْعَى بِرَحْمَةٍ يَرْجِعُ
بِهَا بَدَنُهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَمِرَّ دُونَ تَغَيُّرٍ،
وَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ الدُّعَاءُ بِأَنْ يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى
سَمْتِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ كَذَا بِهَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْ
الشَّارِحِ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَحَمِدَ اللَّهَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَلْقِينُهُ
الْحَمْدَ إذَا لَمْ يَحْمَدْ، وَفِي التُّحْفَةِ يُسَنُّ تَشْمِيتُ
الْعَاطِسِ، وَالرَّدُّ عَلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْحَاضِرِينَ) أَيْ: عَلَى كُلِّ صَفٍّ مَرَّ عَلَيْهِ
قَبْلَ الْقَرِيبِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَلَا تُطْلَبُ لَهُ التَّحِيَّةُ إنْ
حَضَرَ، وَقْتَ الْخُطْبَةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ:
بِالسَّلَامِ) أَيْ: الثَّانِي
(2/30)
الْإِقْبَالُ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ
(وَالتَّسْلِيمُ) عَلَيْهِمْ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ
الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرُهُ وَلِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ
(وَ) سُنَّ لَهُ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ (الْقُعُودُ عَلَى الْمَوْضِعِ
الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَرَاحِ) لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ
(لِيَفْرُغَ) أَيْ إلَى أَنْ يَفْرُغَ (الْأَذَانَ شَخْصٌ) بَيْنَ يَدَيْهِ
لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ الْأَذَانُ
عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي
بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا
كَثُرَ النَّاسُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ أَمَرَهُمْ بِأَذَانٍ آخَرَ عَلَى
الزَّوْرَاءِ» وَقَالَ عَطَاءٌ: إنَّمَا أَحْدَثَهُ مُعَاوِيَةُ قَالَ فِي
الْإِمَامِ: وَأَيُّهُمَا كَانَ، فَالْأَمْرُ الَّذِي عَلَى عَهْدِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إلَيَّ وَيُنْدَبُ أَنْ
يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ وَاحِدًا كَمَا أَفَادَهُ
تَعْبِيرُ النَّظْمِ بِشَخْصٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْبِيرِ الْحَاوِي
بِالْمُؤَذِّنِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَيْهِ وَعَلَى كَرَاهَةِ
التَّأْذِينِ جَمَاعَةً وَيُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ الْخَطِيبُ بِالدَّرَجَةِ
الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ طَالَ
الْمِنْبَرُ، فَبِالسَّابِعَةِ
(وَقَعَدْ) نَدْبًا (بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ (كَ {قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] أَيْ: بِقَدْرِ مَا يَسَعُهَا
لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ
أَوْجَبَهُ، وَفِي ابْنِ حِبَّانَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي قُعُودِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ»
(وَكَوْنُ خُطْبَةٍ) أَيْ: وَسُنَّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ (قَرِيبَةً إلَى
فَهْمٍ) أَيْ: فَهْمِ الْحَاضِرِينَ أَيْ: خَالِيَةً عَنْ الْأَلْفَاظِ
الْغَرِيبَةِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ، وَفِي
الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيٍّ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ وَدَعُوا
مَا يُنْكِرُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَرَوَاهُ فِي الْبَحْرِ مَرْفُوعًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَتُكْرَهُ
الْكَلِمَاتُ الْمُشْتَرَكَةُ، وَالْبَعِيدَةُ عَنْ الْفَهْمِ (بَلِيغَةً)
أَيْ: خَالِيَةً عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمُبْتَذَلَةِ إذْ لَا تَصْدَعُ فِي
الْقَلْبِ (بِقَصْدٍ) أَيْ: مَعَ تَوَسُّطٍ بَيْنَ الطُّولِ، وَالْقِصَرِ
لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» ، وَلَا يُعَارِضُهُ
مَا رَوَاهُ أَيْضًا «طُولُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرُ خُطْبَتِهِ
مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ» أَيْ: عَلَامَةٌ عَلَيْهِ، فَأَطِيلُوا
الصَّلَاةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّ الْقِصَرَ، وَالطُّولَ مِنْ
الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، فَالْمُرَادُ بِإِقْصَارِ الْخُطْبَةِ
إقْصَارُهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَبِإِطَالَةِ الصَّلَاةِ إطَالَتُهَا عَلَى
الْخُطْبَةِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إنَّ إقْصَارَ الْخُطْبَةِ
يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى ق لِثُبُوتِهَا
فِي مُسْلِمٍ وَاشْتِمَالِهَا عَلَى أَنْوَاعِ الْمَوَاعِظِ، ثُمَّ رَأَيْت
الْأَذْرَعِيَّ أَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَهَا أَحْيَانَا لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ ذَلِكَ،
أَوْ لِعِلْمِهِ بِرِضَا الْحَاضِرِينَ وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ فِي
الْخُطْبَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي
الْإِعْلَامِ
(شَغَلَا) أَيْ الْخَطِيبَ نَدْبًا (يَدًا) وَهِيَ الْيُسْرَى (بِنَحْوِ
سَيْفٍ) كَعَصًا وَقَوْسٍ وَعَنَزَةٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ مُتَوَكِّئًا
عَلَى قَوْسٍ وَعَصًا» وَحِكْمَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا
الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ وَلِهَذَا قَبَضَهُ بِالْيُسْرَى كَعَادَةِ
مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ (وَ) الْيَدَ (الْأُخْرَى) أَيْ الْيُمْنَى
(شَغَلْ) نَدْبًا (بِمِنْبَرٍ) أَيْ: قَبَضَ بِهَا حَرْفَهُ، فَإِنْ لَمْ
يَجِدْ سَيْفًا، أَوْ نَحْوَهُ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، أَوْ
أَرْسَلَهُمَا، وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ، وَلَا يَعْبَثَ بِهِمَا
(مُسْتَدْبِرًا) فِي الْخُطْبَتَيْنِ لِلْقِبْلَةِ نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ
رَوَاهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي خَبَرِهِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ
اسْتَقْبَلَهَا، فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ
اسْتِقْبَالِهِمْ لَهَا قَبُحَ ذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ عُرْفِ
الْمُخَاطَبَاتِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ اسْتِدْبَارِهِمْ لَهَا
لَزِمَ اسْتِدْبَارُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَهَا وَاسْتِدْبَارُ وَاحِدٍ
أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُكْرَهُ الْتِفَاتُهُ
وَإِشَارَتُهُ بِيَدِهِ، وَالدَّقُّ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ فِي
صُعُودِهِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الْخُطْبَةِ
الثَّانِيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ وَالدُّعَاءُ
لِلسُّلْطَانِ، وَالِاخْتِيَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ
يُجَازِفْ فِي وَصْفِهِ اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّأْذِينِ جَمَاعَةً) زَادَ الْعِرَاقِيُّ
فِي هَذَا الْوَقْتِ بِرّ
(قَوْلُهُ: كَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] قَالَ فِي
الْعُبَابِ:، وَأَنْ يَقْرَأَهَا فِيهِ أَيْ: الْجُلُوسِ قَالَ فِي
شَرْحِهِ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِنَدْبِهَا بِخُصُوصِهَا فِيهِ
وَيُوَجَّهُ، بِأَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهِ
كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأَ فِي جُلُوسِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ» ،
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّنَّةَ ذَلِكَ، فَهِيَ، أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا
لِمَزِيدِ ثَوَابِهَا، وَفَضَائِلهَا، وَخُصُوصِيَّاتِهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَجَابَ إلَخْ.) ذَكَرَ
الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرَّوْضِ، وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ قِ فِي
الْخُطْبَةِ الْأُولَى مَا يَرُدُّ مَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ
حَيْثُ قَالَ: قَالَ: يَعْنِي: الْأَذْرَعِيَّ، وَفِي اسْتِحْبَابِ
الْمُوَاظَبَةِ عَلَى قِرَاءَةِ ق شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَرَأَهَا أَحْيَانًا لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ
ذَلِكَ، أَوْ لِعِلْمِهِ، بِرِضَا الْحَاضِرِينَ، أَوْ لِعَدَمِ
اشْتِغَالِهِمْ، وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ، بِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي خُطْبَةِ كُلِّ
جُمُعَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ
قِ، أَوْ بَعْضِهَا فِي خُطْبَةِ كُلِّ جُمُعَةٍ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ
رِضَا الْحَاضِرِينَ، فَلَا، وَجْهَ لَهُ كَمَا لَمْ يَشْتَرِطُوهُ فِي
قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ
السُّنَّةُ التَّخْفِيفَ. اهـ
(قَوْلُهُ: جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى إلَخْ.) قَضِيَّتُهُ
أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَغْلُ الْيَمِينِ،
بِالْمِنْبَرِ لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَقَّبَ مِثْلَ مَا هُنَا مَا
نَصُّهُ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْغَلَ الْيَمِينَ بِحَرْفِ
الْمِنْبَرِ، وَيُرْسِلَ الْأُخْرَى لَمْ يَبْعُدْ. اهـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَبِالسَّابِعَةِ) كَأَنَّهُ لِفِعْلِ سَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ؛ لِأَنَّ «مِنْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ غَيْرَ الْمُسْتَرَاحِ»
فَلَمَّا خَطَبَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ نَزَلَ دَرَجَةً، ثُمَّ عُمَرُ
دَرَجَةً، ثُمَّ عَلِيٌّ دَرَجَةً فَلَمَّا تَوَلَّى مُعَاوِيَةُ لَمْ
يَجِدْ دَرَجَةً يَنْزِلُ إلَيْهَا فَزَادَ سِتَّ دَرَجَاتٍ مِنْ
أَسْفَلِهِ كَذَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ
نَزَلَ دَرَجَةً فَلْيُحَرَّرْ
(قَوْلُهُ: كَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] هَذَا هُوَ
الْمَنْدُوبُ، أَمَّا الْجُلُوسُ مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ فَوَاجِبٌ كَمَا
مَرَّ
(قَوْلُهُ: وَاقْصُرُوا) رَوَاهُ الْمَحَلِّيُّ، وَاقْصُرُوا بِضَمِّ
الصَّادِ مِنْ قَصَرَ، وَهُوَ الْكَثِيرُ، وَأَمَّا أَقْصَرَ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَمَصْدَرُهَا الْإِقْصَارُ كَمَا قَالَ
بَعْدُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مُسْتَدْبِرًا لِلْقِبْلَةِ) أَيْ: وَمُسْتَقْبِلًا
لِلْحَاضِرِينَ، وَيُنْدَبُ لَهُ اسْتِقْبَالُهُمْ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ
قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَاعْتَمَدَهُ. اهـ. ق ل عَلَى
الْجَلَالِ، وَلَعَلَّ هَذَا حِكْمَةُ وَضْعِ الْمَنَابِرِ فِي بَعْضِ
الْمَسَاجِدِ مُنْحَرِفَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ
إلَخْ.)
(2/31)
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ
فِيهِ عَدَمُ اسْتِحْبَابِهِ إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ
أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا مَكْرُوهٌ، أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى قَالَ: وَهَذَا
إذَا دَعَا لَهُ بِعَيْنِهِ، أَمَّا الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ، وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ
وَنَحْوِهِمَا، فَمُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ
(ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ (نَزَلْ عَنْ مِنْبَرٍ
مُبْتَدِرًا مَقَامَهْ) أَيْ: الْمِحْرَابَ بِحَيْثُ يَكُونُ (بَالِغَهُ
مَعَ آخِرِ الْإِقَامَهْ) لِلصَّلَاةِ مُبَالَغَةً فِي رِعَايَةِ
الْوَلَاءِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْقَوْمِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَخْتِمَ
الْخُطْبَةَ بِالِاسْتِغْفَارِ
(وَ) يُنْدَبُ لَهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (سُورَةُ الْجُمُعَةِ) أَيْ:
قِرَاءَتُهَا (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) وَسُورَةُ الْمُنَافِقِينَ فِي
الثَّانِيَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَرَوَى هُوَ أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى: 1] وَ
{هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] » قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَانَ يَقْرَأُ
هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا
سُنَّتَانِ قَالَ: وَقَدْ قَالَ الرَّبِيعُ: سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ
ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّهُ يَخْتَارُ الْجُمُعَةَ، وَالْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ
قَرَأَ بِ {سَبِّحِ} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] كَانَ
حَسَنًا (وَإِنْ يَتْرُكْ) سُورَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى
(فَبِالْمُنَافِقِينَ تَقْتَرِنْ ثَانِيَةً) أَيْ: فَيَأْتِي بِهَا
مَقْرُونَةً مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَيْ لَا
تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ:.
وَلَا يُعَارَضُ بِتَطْوِيلِهَا، فَإِنَّ تَرْكَهُ أَدَبًا لَا يُقَاوِمُ
فَضْلَهُمَا انْتَهَى عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّطْوِيلِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ
يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ وَهُنَا وَرَدَ بِخِلَافِهِ إذْ السُّنَّةُ
قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى، وَالْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ،
أَوْ {سَبِّحِ} [الأعلى: 1] فِي الْأُولَى وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1]
فِي الثَّانِيَةِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَهَا عَلَى الْأُولَى قَالَ فِي
الرَّوْضَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ
الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يُعِيدُ الْمُنَافِقِينَ وَتَعْبِيرُ
النَّظْمِ بِالتَّرْكِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي كَالرَّافِعِيِّ
بِالنِّسْيَانِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسْيَانِ وَغَيْرِهِ كَمَا
بَيَّنَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَيُنْدَبُ قِرَاءَةُ الْكَهْفِ يَوْمَهَا
وَلَيْلَتَهَا وَإِكْثَارُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ وَإِكْثَارُ الدُّعَاءِ يَوْمَهَا رَجَاءَ
أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ، فَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ
ذِكْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ
مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ
بِيَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَلِّلُهَا» ، وَفِي
رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ «وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ» وَوَرَدَ تَعْيِينُهَا،
فَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «يَوْمُ
الْجُمُعَةِ ثَنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ
يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ
سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» ، وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ
يَجْلِسَ الْإِمَامُ» أَيْ: عَلَى الْمِنْبَرِ «إلَى أَنْ يَقْضِيَ
الصَّلَاةَ» أَيْ: يَفْرُغَ مِنْهَا وَصَوَّبَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ
وَغَيْرِهِ.
ثُمَّ قَالَ فِيهِ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ فِي بَعْضِ
الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ، وَفِي بَعْضِهَا فِي آخَرَ كَمَا هُوَ
الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ
أَقْوَالِ التَّعْيِينِ فِيمَا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ،
وَلَيْسَ مَعْنَى الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لِهَذِهِ
السَّاعَةِ، بَلْ الْمَعْنَى أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ
الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا قَالَ: وَهَذَا
الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي صَلَاةِ
الْعِيدَيْنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ بَلَغَهُ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ
فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ اسْتَحَبَّ الدُّعَاءَ فِيهَا
(وَتَحْضُرُ الْعَجُوزُ) إنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا إنْ كَانَ وَلَمْ
تَتَزَيَّنْ وَلَمْ تَتَطَيَّبْ كَمَا زَادَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (قُلْت
بِإِذْنِ زَوْجِهَا يَجُوزُ) أَيْ حُضُورُهَا (وَإِنْ يَكُنْ لِبَاسُهَا
مَشْهُورَا، أَوْ صَحِبَتْ طِيبًا، فَلَا حُضُورَا) أَيْ يُكْرَهُ لَهَا
الْحُضُورُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا
شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ، فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» وَخَبَرِ أَبِي
دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ
اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ
وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تَارِكَاتٌ لِلطِّيبِ وَلِخَوْفِ الْمَفْسَدَةِ،
أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا، فَيَحْرُمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَبِالْمُنَافِقِينَ تَقْتَرِنْ) لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ
الْوَقْتِ إلَّا مَا يَسَعُ إحْدَاهُمَا، فَيُتَّجَهُ قِرَاءَةُ
الْمُنَافِقِينَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَهَا بِالْأَصَالَةِ، فَهِيَ
أَحَقُّ بِهَا. اهـ.، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْجُمُعَةَ فِي
الْأُولَى إلَخْ.) (فَرْعٌ)
لَوْ قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] فِي
الثَّانِيَةِ، أَوْ الْجُمُعَةَ، وَالْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى وَ
{سَبِّحِ} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] فِي الثَّانِيَةِ
حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يَرِدْ
ذَلِكَ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ
الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى، وَالْجُمُعَةِ فِي الثَّانِيَةِ،
وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ
مَعَ عَدَمِ وُرُودِهِ (قَوْلُهُ: قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ)
أَيْ: وَلَا نَظَرَ إلَى لُزُومِ مُخَالَفَةِ تَرْتِيبِ السُّوَرِ هُنَا
لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ
الْمَطْلُوبِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: يَوْمَهَا، وَلَيْلَتَهَا)
، وَقِرَاءَتُهَا يَوْمَهَا أَفْضَلُ (قَوْلُهُ: أَوْ إكْثَارُ الصَّلَاةِ)
الْوَجْهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْكَهْفِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَسَاوَيَا فِي
الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْكَهْفَ مَطْلُوبَةٌ، بِخُصُوصِهَا فِي هَذَا
الزَّمَنِ مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي نَفْسِهِ أَكْثَرُ، وَلَا يَخْفَى
أَنَّ قِرَاءَةَ الْكَهْفِ مَعَ التَّدَبُّرِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهَا
بِدُونِهِ خِلَافًا لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ تَسَاوِيهِمَا تَمَسُّكًا، بِمَا
هُوَ وَهْمٌ مَحْضٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَتَحْضُرُ الْعَجُوزُ) قَالَ الْجَوْجَرِيُّ اقْتَضَتْ
عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ كَأَصْلِهِ الْإِبَاحَةَ، وَهِيَ لَا تُنَافِي أَنْ
يَكُونَ الْأَوْلَى لَهُنَّ التَّرْكُ لِعُمُومِ حَدِيثِ «، وَبُيُوتُهُنَّ
خَيْرٌ لَهُنَّ» قَالَ: وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ صَرِيحَةٌ فِي
اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ لَهُنًّ، وَفِي الرَّوْضَةِ لَا بَأْسَ
عَلَى الْعَجُوزِ فِي الْحُضُورِ، وَفِي بَابِ الْعِيدِ يُسْتَحَبُّ
لَهُنَّ الْخُرُوجُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَالْمُدْرَكُ فِي الْجَمِيعِ
وَاحِدٌ قَالَ الْجَوْجَرِيُّ، وَإِذَا نَظَرْت إلَى عُمُومِ الطَّلَبِ،
وَأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مَنَعْت قَوْلَهُ:
وَالْمُدْرَكُ وَاحِدٌ كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ مَا
قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ إلَخْ مِنْ
كَلَامِ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ.) بِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالْمَحْصُورِينَ الرَّاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا) أَيْ: فِي، وَقْتِ الْإِجَابَةِ مِنْ
تِلْكَ السَّاعَةِ
(قَوْلُهُ: فَيُكْرَهُ لَهُمَا الْحُضُورُ) أَيْ: مَعَ الرِّجَالِ، أَمَّا
حُضُورُهُمَا مُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ
(2/32)
حُضُورُهَا، وَإِنْ خَلَتْ عَنْ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ.
وَفِي مَعْنَى الزَّوْجِ السَّيِّدُ وَخَرَجَ بِالْعَجُوزِ أَيْ: غَيْرُ
الْمُشْتَهَاةِ الشَّابَّةُ، وَالْمُشْتَهَاةُ، فَيُكْرَهُ لَهُمَا
الْحُضُورُ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ
الْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْأُنْثَى
(وَوَاجِدُ الْفُرْجَةِ) إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا إلَّا بِتَخَطٍّ، وَإِنْ
وَجَدَ غَيْرَهَا (وَالْإِمَامُ) إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمِنْبَرَ أَوْ
الْمِحْرَابَ إلَّا بِهِ (إذَا تَخَطَّى) كُلٌّ مِنْهُمَا (النَّاسَ) فِي
ذَهَابِهِ إلَى ذَلِكَ (لَا يُلَامُ) عَلَيْهِ لِتَقْصِيرِ الْقَوْمِ
بِإِخْلَاءِ الْفُرْجَةِ وَاضْطِرَارِ الْإِمَامِ إلَى ذَلِكَ وَشُرِطَ
ذَلِكَ فِي الْمَأْمُورِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَرَى
عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنْ لَا يَتَخَطَّى إلَّا رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ
لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، فَلَا يَكْثُرُ بِهِ الْأَذَى بِخِلَافِ مَا فَوْقَ
ذَلِكَ يُكْرَهُ فِيهِ التَّخَطِّي وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ،
فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت وَآنَيْت» أَيْ تَأَخَّرْت رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ وَقَيَّدَ الْأَصْحَابُ الْكَرَاهَةَ بِمَا إذَا رَجَا أَنْ
يَتَقَدَّمُوا إذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ وَإِذَا قُلْنَا
بِالْكَرَاهَةِ، فَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَرَاهَةُ
تَنْزِيهٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.
وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا
كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ
لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَالْخَبَرِ السَّابِقِ وَتُفَارِقُ إبَاحَةَ
التَّخَطِّي حَيْثُ قُيِّدَتْ بِرَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ إبَاحَةَ خَرْقِ
الصُّفُوفِ حَيْثُ لَمْ تُقَيَّدْ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ فِي تَرْكِ
خَرْقِهَا إدْخَالًا لِلنَّقْصِ عَلَى صَلَاتِهِ وَصَلَاتِهِمْ بِخِلَافِ
تَرْكِ تَخَطِّي الرِّقَابِ، فَإِنَّهُ إذَا صَبَرَ تَقَدَّمُوا عِنْدَ
إقَامَةِ الصُّفُوفِ وَتَسْوِيَتِهَا لِلصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ
لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِتَسْوِيَتِهَا كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي التَّوْشِيحِ:، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلًا، أَوْ رَجُلَيْنِ صَفًّا، أَوْ
صَفَّيْنِ، بَلْ اثْنَيْنِ مُطْلَقًا، فَقَدْ يَحْصُلُ تَخَطِّي اثْنَيْنِ
مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ لِازْدِحَامٍ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْبَيْعِ وَقْتَ
النِّدَاءِ فِي بَابِهِ
. (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ) أَيْ: كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ مِنْ
حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ فِيهَا عِنْدَهُ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا
عِنْدَ غَيْرِهِ وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْأَخْبَارِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ
نَوْعًا اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ مِنْهَا الْأَنْوَاعَ الْآتِيَةَ فِي
النَّظْمِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ
فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ أَيْ: لِلْعَجَائِزِ
ذَلِكَ. اهـ
(قَوْلُهُ: وَوَاجِدِ الْفُرْجَةِ) هَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي سَائِرِ
الْمَجَالِسِ، وَلَوْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ عَلَى الصَّحِيحِ نَبَّهَ عَلَيْهِ
الْجَوْجَرِيُّ بِرّ (قَوْلُهُ: الْإِمَامُ) صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ،
بِأَنَّ مَحَلَّ تَخَطِّيهِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا قَالَ الْجَوْجَرِيُّ،
وَهُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ بِرّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا فَوْقَ ذَلِكَ)
عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ، فَإِنْ زَادَ فِي التَّخَطِّي عَلَيْهِمَا،
وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا إلَى الْفُرْجَةِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
كُرِهَ لِكَثْرَةِ الْأَذَى. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ
بَيَانُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: إدْخَالًا لِلنَّقْصِ إلَخْ.) وَأَيْضًا،
فَلِتَحَقُّقِ التَّقْصِيرِ مِنْهُمْ بِرّ |