الغرر البهية في شرح البهجة الوردية

[بَابُ الْأَيْمَانِ]
(بَابُ الْأَيْمَانِ) (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهَا) أَيْ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ: تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ الْيَمِينُ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْقِيقِ مَا لَمْ يَجِبْ الْتِزَامُ تَحْقِيقِهِ وَحُصُولِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ إيجَادُهُ وَتَحْصِيلُهُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْيَمِينِ لَا تَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا إيَّاهُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَعَلَى مَا قُلْنَا فَفِي وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا الْتِزَامُ تَحْقِيقِ الْفِعْلِ وَفِي وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا الْتِزَامُ تَحْقِيقِ نَفْيِ الْفِعْلِ فَيُتَأَمَّلُ سم. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَجِبْ وُقُوعُهُ) وَإِنْ امْتَنَعَ وُقُوعُهُ كَقَتْلِ الْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ: بِلَا قَصْدٍ) قَالَ فِي الْخَادِمِ: أَرَادَ بِلَا قَصْدٍ إلَى اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ وَالْبَغَوِيِّ فِي تَعَالِيقِهِمْ أَمَّا إذَا قَصَدَ اللَّفْظَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمَعْنَى قَالَ الْبَغَوِيّ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ. اهـ. أَقُولُ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ وَالصَّرِيحُ لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى قَصْدِ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ) مَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ؟ . (قَوْلُهُ: أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الزِّيَادَةُ أَيْ الزِّيَادَةُ فِي الْكَلَامِ وَتَكْثِيرُهُ وَتَقْوِيَتُهُ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ مَقْصُودٌ مِنْهُ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْفَرْضُ عَدَمُ الْقَصْدِ فَإِنْ قُصِدَ فَرْضٌ قُصِدَ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلثَّانِيَةِ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَوْ حَلَفَ) أَيْ أَرَادَ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ: لَمْ أَقْصِدْ الْيَمِينَ) أَيْ لَفْظَهَا بَلْ سَبَقَ إلَيْهِ لِسَانِي وَقَوْلُهُ صَدَقَ يَنْبَغِي إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ آدَمِيٌّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فَلَا تُقْبَلُ ظَاهِرًا. (قَوْلُهُ لَا يُصَدَّقُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَمَعْنَى مُرْتَهَنٍ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ لَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ قِرَاءَةُ مُرْتَهَنٍ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لَكِنْ جُوِّزَ فِيهِ صِيغَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ

(قَوْلُهُ: حَارِثٌ) لَعَلَّهُ مِنْ الْحَرْثِ وَهُوَ إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي مَكَانِهِ وَهَمَّامٌ كَثِيرُ الْهَمِّ بِالْأَشْيَاءِ وَكُلُّ ذَكَرٍ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبِسِتِّ النَّاسِ) مُرَادُهُمْ سَيِّدَتُهُمْ وَالسِّتُّ لَا يُعْرَفُ إلَّا فِي الْعَدَدِ وَعُلِّلَتْ الْكَرَاهَةُ بِأَنَّهُ

(5/172)


كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ (وَلِلْغُلَامِ شَاتَانِ) أَحَبُّ مِنْ شَاةٍ وَمِنْ شِرْكٍ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَإِنْ تَأَدَّى بِذَلِكَ أَصْلُ السُّنَّةِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ عَائِشَةَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ» وَيُسَنُّ تَسَاوِي الشَّاتَيْنِ (دُونَ الْكَسْرِ فِي الْعِظَامِ) فَلَيْسَ مَحْبُوبًا تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْوَلَدِ فَلَوْ كَسَرَهَا لَمْ يُكْرَهْ (وَبَعْثُهُ تَصَدُّقًا بِمَا طَبَخَ مِنْ دَعْوَةٍ) أَيْ: وَبَعْثُهُ لِلْفُقَرَاءِ مَا طَبَخَ لَحْمًا وَمَرَقًا عَلَى وَجْهِ التَّصَدُّقِ (أَحَبُّ) مِنْ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَيْهِ وَيُسَنُّ طَبْخُهُ بِحُلْوٍ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِ الْوَلَدِ وَأَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهِ نِيئًا فَقَوْلُهُ أَحَبُّ خَبَرُ قَوْلِهِ وَتِلْكَ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ

(وَأَكْرَهُ لَوْ لُطِخْ رَأْسٌ دَمًا) أَيْ: وَأَكْرَهُ لَطْخَ رَأْسِ الْوَلَدِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِلَطْخِهِ بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ خَلُوقٍ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ عَنْ بُرَيْدَةَ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ

. (قُلْتُ وَيَتْلُو) بَعْدَ وِلَادَتِهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي أُعِيذُهَا} [آل عمران: 36] الْآيَةَ عِنْدَ الْأُذُنِ) أَيْ: فِي أُذُنِهِ وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ رَزِينٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ» وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ {أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا} [آل عمران: 36] وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ أَوْ التَّبَرُّكِ بِلَفْظِ الْآيَةِ بِتَأْوِيلِ إرَادَةِ النَّسَمَةِ وَيُسَنُّ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَيُقِيمَ فِي الْيُسْرَى وَيُحَنِّكَهُ بِتَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِحُلْوٍ رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ» ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِغُلَامٍ حِينَ وُلِدَ وَتَمَرَاتٍ فَلَاكَهُنَّ، ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ، ثُمَّ مَجَّهُ فِيهِ»

. (بَابُ) بَيَانِ حِلِّ (الْأَطْعِمَةِ) وَتَحْرِيمِهَا.
قَالَ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ، وَقَالَ {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، وَقَالَ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أَيْ: مَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ وَتَشْتَهِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْحَلَالُ؛ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمْ فَكَيْفَ يَقُولُ أُحِلَّ لَكُمْ الْحَلَالُ (حَلَّ) لِلْإِنْسَانِ (طَعَامٌ طَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِخِلَافِ غَيْرِ الطَّعَامِ كَزُجَاجٍ، وَحَجَرٍ، وَثَوْبٍ، وَمُخَاطٍ، وَبُصَاقٍ وَبِخِلَافِ النَّجِسِ كَدَقِيقٍ عُجِنَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَخُبْزٍ نَعَمْ دُودُ الْفَاكِهَةِ وَالْجُبْنِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِهَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَهَا وَإِنْ مَاتَ فِيهَا لَا مُنْفَرِدًا وَالطَّعَامُ الطَّاهِرُ (كَجِلْدِ مَا يُؤْكَلُ بِالدَّبْغِ) أَيْ: مَعَ دَبْغِهِ (الَّذِي تَقَدَّمَا) بَيَانُهُ فِي النَّجَاسَاتِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ بَعْدَ غَسْلِهِ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ «دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ» وَهَذَا هُوَ الْجَدِيدُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْقَدِيمُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» ، أَمَّا جِلْدُ مَا لَا يُؤْكَلُ فَلَا يُؤَثِّرُ الدِّبَاغُ فِي حِلِّهِ وَإِنْ أَثَّرَ فِي طَهَارَتِهِ كَمَا لَا تُؤَثِّرُ الذَّكَاةُ فِي حِلِّ لَحْمِهِ (وَكَالْجَرَادِ وَخِصِّيصِ الْبَحْرِ) أَيْ: الْمُخْتَصِّ بِهِ وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ فَيَحِلُّ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَيًّا وَمَيْتًا) وَإِنْ كَانَ نَظِيرُ الثَّانِي فِي الْبَرِّ مُحَرَّمًا كَكَلْبٍ وَذَلِكَ لِخَبَرِ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ» وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: 96] وَلِخَبَرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مِيتَتُهُ» .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَيُكْرَهُ ذَبْحُ السَّمَكِ إلَّا كَبِيرًا يَطُولُ بَقَاؤُهُ فَيُسَنُّ ذَبْحُهُ إرَاحَةً لَهُ وَخَرَجَ بِالْمُخْتَصِّ بِالْبَحْرِ غَيْرُهُ فَمِنْهُ مَا يَحِلُّ مُذَكَّى وَمِنْهُ مَا لَا يَحِلُّ مُطْلَقًا وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهِمَا فَقَالَ (وَمُذَكَّى) أَيْ: وَكَمُذَكَّى (الْبَرِّ) مِمَّا يُسْتَطَابُ فَيَحِلُّ وَلَوْ ذُبِحَ لِغَيْرِ مَأْكَلِهِ (بِحَمْلِهِ) الَّذِي وُجِدَ مَيِّتًا فِي بَطْنِهِ أَوْ خَرَجَ مُتَحَرِّكًا حَرَكَةَ مَذْبُوحٍ سَوَاءٌ أَشْعَرَ أَمْ لَا لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أَيْ: ذَكَاتُهَا الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا، وَمَحَلُّ حِلِّهِ إذَا ظَهَرَتْ صُورَةُ الْحَيَوَانِ فِيهِ فَفِي حِلِّ الْمُضْغَةِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَبْنِيَّانِ عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَالْأَصَحُّ لَا فَلَا تَحِلُّ الْمُضْغَةُ وَفِيهِمَا عَنْ الْجُوَيْنِيِّ لَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية العبادي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشربيني]
كَذِبٌ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ الْإِخْبَارَ كَذِبًا بَلْ التَّسْمِيَةَ بِمَا لَوْ أَخْبَرَ بِهِ لَكَانَ كَذِبًا

(قَوْلُهُ: أَنْ يُؤَذِّنَ إلَخْ) أَيْ: مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ