المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله:

باب عشرة النساء والقسم

إذا تزوج إمرأة فان كانت ممن يجامع مثلها وجب تسليمها بالعقد إذا طلب، ويجب عليه تسلمها إذا عرضت عليه، فان طالب بها الزوج فسألت الانظار أنظرت ثلاثة أيام، لانه قريب ولا تنظر أكثر منه لانه كثير، وان كانت لا يجامع مثلها لصغر أو مرض يرجى زواله لم يجب التسليم إذا طلب الزوج ولا التسلم إذا عرضت عليه، لانها لا تصلح للاستمتاع، وان كانت لا يجامع مثلها لمعنى لا يرجى زواله بأن كانت نضوة الخلق أو بها مرض لا يرجى زواله،
وجب التسليم إذا طلب، والتسلم إذا عرضت عليه، لان المقصود من مثلها الاستمتاع بها في غير الجماع.

(فصل)
وان كانت الزوجة حرة وجب تسليمها ليلا ونهارا لانه لا حق لغيرها عليها، وللزوج أن يسافر بها لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يسافر بنسائه

(16/406)


ولا يجوز لها أن تسافر بغير اذن الزوج لان الاستمتاع مستحق له، فلا يجوز تفويته عليه، وإن كانت أمة وجب تسليمها بالليل دون النهار، لانها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها فلم يجب التسليم في غير وقتها، كما لو أجرها لخدمة النهار، وقال أبو إسحاق إن كان بيدها صنعة كالغزل والنسج وجب تسليمها بالليل والنهار لانه يمكنها العمل في بيت الزوج، والمذهب الاول لانه قد يحتاج إليها في خدمة غير الصنعة، ويجوز للمولى بيعها لان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة رضى الله عنها في شراء بريرة، وكان لها زوج، ويجوز له أن يسافر بها لانه يملك بيعها فملك السفر بها كغير المزوجة.

(فصل)
ويجوز للزوج أن يجبر إمرأته على الغسل من الحيض والنفاس لان الوطئ يقف عليه، وفى غسل الجنابة قولان.

(أحدهما)
له أن يجبرها عليه، لان كمال الاستمتاع يقف عليه لان النفس تعاف من وطئ الجنب.

(والثانى)
ليس له أن يجبرها لان الوطئ لا يقف عليه، وفى التنظيف والاستحداد، وجهان
(أحدهما)
يملك إجبارها عليه لان كمال الاستمتاع يقف عليه
(والثانى)
لا يملك إجبارها عليه لان الوطئ لا يقف عليه، وهل له أن يمنعها من أكل ما يتأذى برائحة؟ فيه وجهان.
أحدهما: له منعها لانه يمنع كمال الاستمتاع.
والثانى: ليس له منعها لانه لا يمنع الوطئ، فإن كانت ذمية فله منعها من السكر، لانه يمنع الاستمتاع لانها تصير كالزق المنفوخ، ولانه لا يأمن أن تجنى عليه، وهل له أن يمنعها من أكل لحم الخنزير؟ وشرب القليل من الخمر؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يجوز له منعها، لانه يمنع كمال الاستمتاع
(والثانى)
ليس له منعها لانه لا يمنع الوطئ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه ليس له منعها من لحم الخنزير، لانه لا يمنع الوطئ وله منعها من قليل الخمر، لان السكر يمنع الاستمتاع، ولا يمكن التمييز بين ما يسكر وبين ما لا يسكر مع اختلاف الطباع، فمنع من الجميع.
(الشرح) اللغات: القسم بفتح القاف مصدر قسمته وبابه ضرب فذرته

(16/407)


أجزاء فانقسم والموضع مقسم كمسجد والفاعل قاسم والمبالغة قسام والاسم القسم بكسر القاف والجمع أقسام مثل حمل وأحمال.
قوله (الانظار) أي التأخير.
قال: أنظرني إلى يوم يبعثون) قوله (نضوة الخلق) بكسر النون وسكون الضاد وسكون اللام.
أي هزيلة البدن، والنضو الثوب الخلق.
قوله (الاستحداد) هو حلق العانة استفعال من الحديد.
أما الاحكام، فإذا تزوج الرجل امرأة كبيرة أو صغيرة يمكن جماع مثلها بأن تكون ابنة ثمان سنين أو تسع، وسلم مهرها وطلب تسليمها، وجب تسليمها إليه لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تزوجني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بنت سبع سنين وبنى بى وأنا ابنة تسع سنين.
وإن طلبت المرأة أو ولى الصغيرة من الزوج الامهال لاصلاح حال المرأة فقد قال الشافعي رحمه الله: يؤخر يوما ونحوه ولا يجاوز بها الثلاث.
وحكى الشيخ أبو حامد أن الشافعي رحمه الله في الاملاء قال: إذا دفع مهرها
أو مثلها يجامع فله أن يدخل بها ساعة دفع إليها المهر أحبوا أو كرهوا، واختلف أصحابنا فيها، فقال الشيخ أبو حامد: يجب على الزوج الامهال يوما واحدا، وما قال في الاملاء أراد به بعد الثلاث.
وقال القاضى أبو حامد: هل يجب عليه الامهال؟ فيه قولان
(أحدهما)
لا يجب عليه الامهال لانه قد تسلم العوض فوجب تسليم المعوض كالبيع
(والثانى)
يجب عليه الامهال لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تطرقوا النساء ليلا) رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث جابر.
وعنه أيضا عندهم (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزوة فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال: امهلوا حتى ندخل ليلا أي عشاء لكى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة) وعن جابر أيضا (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم) رواه مسلم.
وعن أنس قَالَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا، وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أو عشية)) وقال في المغنى للحنابلة إذا تزوج امرأة مثلها يوطأ فطلب تسليمها إليه وجب ذلك، وإن عرضت نفسها عليه لزمه تسلمها ووجبت نفقتها.
وإن طلبها فسألت الانظار أنظرت مدة جرت

(16/408)


العادة أن تصلح أمرها فيها كاليومين والثلاثة، لان ذلك يسير جرت العادة بمثله ثم ساق حديث النهى عن الطروق ليلا ثم قال: فمنع من الطروق وأمر بإمهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبته لها فههنا أولى.
اه قلت: ولا يجب عليه الامهال أكثر من ثلاثة أيام، وإن كانت المنكوحة صغيرة لا يجامع مثلها أو مريضة مرضا يرجى زواله وطالب الزوج بها لم يجب تسليمها إليه، لان المعقود عليه هو المنفعة، وذلك لا يوجد في حقها، ولانه لا يؤمن أن يحمله فرط الشهوة على جماعها، فيوقع ذلك جناية بها، وان عرضت
على الزوج لم يجب عليه تسليمها إذا طالب بها لما ذكرناه، ولانها تحتاج إلى حضانة والزوج لا يجب عليه حضانة زوجته.
وان كانت المرأة نضوة من أصل الخلق بأن خلقت دقيقة العظام قليلة اللحم وطلب الزوج تسليمها وجب تسليمها إليه، فان كان يمكن جماعها من غير ضرر بها كان له ذلك، وان كان لا يمكن جماعها الا بالاضرار بها لم يجز له جماعها، بل يستمتع بما دون فرجها، ولا يثبت له الخيار في فسخ النكاح، والفرق بينها وبين القرناء والرتقاء أن تعذر الجماع في القرناء والرتقاء من جهتها، ولهذا لا يتمكن أحد من جماعها، وههنا العذر من جهته وهو كبر خلقته.
ولهذا لو كان مثلها أمكنه جماعها، وهكذا ان كانت مريضة مرضا لا يرجى زواله فحكمه حكم نضوة الخلقة فان أقضها منع من وطئها حتى يلتئم الجرح، فان اختلفا فادعى الزوج انه قد التأم الجرح التئاما لا يخاف عليها منه، وادعت الزوجة انه لم يلتئم فالقول قولها مع يمينها لانها أعلم بذلك.
(مسألة) للزوج أن يجبر زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية، لانه يمنع الاستمتاع الذى هو حق له فملك اجبارها على ازالة ما يمنع حقه، وان احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه لانه لحقه، وله اجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لان الصلاة واجبة عليها، ولا تتمكن منها الا بالغسل.
فأما الذمية ففيها قولان في الجنابة (أحداهما) له اجبارها عليه لان قال الاستمتاع يتوقف عليه، فان النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة، وهو

(16/409)


إحدى الروايتين عن أحمد
(والثانى)
ليس له إجبارها، وهو قول مالك والثوري وأبى حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، لان الوطئ لا يتوقف عليه فإنه يباح بدونه، وفى الغسل من الحيض والنفاس قال أبو حنيفة: ليس له إجبار الذمية.
(فرع)
وهل له أن يجبرها على قص الاظفار وحلق العانة؟ ينظر فيه.
فان كان ذلك قد طال وصار قبيحا في النظر فله أن يجبرها قولا واحدا، لان ذلك يمنع من الاستمتاع بها.
وأما إذا صار بحيث يوجد في العادة فهل له إجبارها على إزالته وعلى إزالة الدرن والوسخ من البدن.
قال الشيخ ابو إسحاق الشيرازي هنا: وفى التنظيف الاستحداد وجهان.
قال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى وغيره فيه قولان.

(أحدهما)
ليس له إجبارها عليه، لانه لا يمنع الاستمتاع
(والثانى)
له اجبارها لانه يمنع كمال الاستمتاع، وهل له أن يمنعها من أكل ما يتأذى برائحته كالبصل والثوم.
قال الشيخ ابو حامد: فيه قولان، وحكاهما المصنف وجهين أيضا وتعليلهما ما مضى.
وذهب أصحاب أحمد كمذهب الشيخ ابى اسحاق في اعتبارهما وجهين في التنظيف والاستحداد وأكل البصل والثوم.
وقال القاضى أبو الطيب: له أن يمنعها قولا واحدا، لانه يتأذى برائحته، الا أن يميته طبخا لان رائحته تذهب.
(فرع)
فإن كانت ذمية وأرادت أن تشرب الخمر فله ان يمنعها من السكر لانه يمنعه من الاستمتاع، ولا يؤمن أن تجنى عليه، وهل له ان يمنعها من القدر الذى لا تسكر منه؟ حكى المصنف فيه وجهين وسائر اصحابنا حكاهما قولين (احدهما) ليس له ان يمنعها منه لانها مقرة عليه، ولا يمنعه من الاستمتاع.

(والثانى)
له ان يمنعها منه لانه لا يتميز القدر الذى تسكر منه من القدر الذى لا تسكر منه مع اختلاف الطباع فمنعت الجميع، ولانه يتأذى برائحته ويمنعه كمال الاستمتاع.
وان كانت الزوجة مسلمة فله منعها من شرب الخمر لانه محرم عليها، وان
أرادت ان تشرب ما يسكن من النبيذ فله منعها منه لانه محرم بالاجماع.

(16/410)


وإن أرادت أن تشرب منه ما لا يسكر، فإن كانا شافعيين فله منعها منه لانهما يعتقدان تحريمه، وإن كانا حنفيين أو هي حنفية فهل له منعها منه.
فيه قولان.
وهل له أن يمنع الذمية من أكل لحم الخنزير؟ قال الشيخ ابو حامد فيه قولان كشرب القليل من الخمر، وحكاهما المصنف وجهين وتعليلهما ما مضى.
قال ابن الصباغ وظاهر كلام الشافعي رحمه الله إن كان يتقذره وتعافه نفسه فله منعها منه، وإن لم تعافه نفسه لم يكن له منعها منه إذا ثبت هذا فإن شربت الخمر أو أكلت لحم الخنزير أو شربت الحنفية النبيذ فله أن يجبرها على غسل فيها لانه نجس، وإذا قبلها نجس فوه.
ومذهب أحمد على نحو ما ذهبنا في هذه المسألة وما تفرع منها وما فيها من أوجه كقول الشيخ أبو إسحاق الشيرازي.
(فرع)
وليس له أن يمنع زوجته من لبس الحرير والديباج والحلى، لان ذلك مباح لها، وله أن يمنعها من لبس جلد الميتة الذى لم يدبغ، فإنه نجس وربما نجس إذا التصق به، وله أن يمنعها من لبس المنجس لانه يمنع القرب إليها والاستمتاع بها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
(فصل)
وللزوج منع الزوجة من الخروج إلى المساجد وغيرها.
لما روى ابن عمر رضى الله عنه قال (رأيت امرأة أتت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته.
قال حقه عليها أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنها الله، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب، حتى تتوب أو ترجع، قالت يا رسول وان كان لها ظالما، قال وان كان لها ظالما) ولان حق
الزوج واجب، فلا يجوز تركه بما ليس بواجب، ويكره منعها من عيادة أبيها إذا أثقل، وحضور مواراته إذا مات، لان منعها من ذلك يؤدى إلى النفور ويغريها بالعقوق.

(فصل)
ويجب على الزوج معاشرتها بالمعروف من كف الاذى لقوله

(16/411)


تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ويجب عليه بذل ما يجب من حقها من غير مطل لقوله عز وجل (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف بذل الحق من غير مطل، ولقوله صلى الله عليه وسلم (مطل الغنى ظلم) ولا يجب عليه الاستمتاع لانه حق له فجاز له تركه كسكنى الدار المستأجرة، ولان الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة فلا يمكن ايجابه.
والمستحب أن لا يعطلها لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أتصوم النهار، قلت نعم، قال وتقوم الليل، قلت نعم، قال لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى) ولانه إذا عطلها لم يأمن الفساد ووقوع الشقاق، ولا يجمع بين امرأتين في مسكن الا برضاهما، لان ذلك ليس من العشرة بالمعروف، ولانه يؤدى إلى الخصومة ولا يطأ احداهما بحضرة الاخرى، لانه دناءة وسوء عشرة، ولا يستمتع بها الا بالمعروف، فإن كانت نضو الخلق ولم تحتمل الوطئ لم يجز وطؤها لما فيه من الاضرار.
(الشرح) حديث عبد الله بن عمر رواه أبو داود الطيالسي باللفظ الذى ساقه المصنف، ورواه البزار عن ابن عباس، وفيه حسين بن قيس المعروف بحنش وهو ضعيف.
وقد وثقه حصين بن نمير وبقية رجاله ثقات (ان امرأة من خثعم أتت
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أخبرني ما حق الزوج على الزوجة، فانى امرأة أيم، فان استطعت والا جلست أيما.
قال فان حق الزوج على زوجته ان سألها نفسها وهى على ظهر قتب ان لا تمنعه، وان لا تصوم تطوعا الا بإذنه، فان فعلت جاعت وعطشت ولا تقبل منها، ولا تخرج من بيتها الا باذنه، فان فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب قالت لا جرم، لا أتزوج أبدا)

(16/412)


وقد أورده العلامة صديق خان في كتابه حسن الاسوة معزوا للطبراني وصوابه ما ذكرنا.
والذى في الطبراني فأحاديث أخرى ليست عن ابن عباس وليس فيها قصة المرأة الخثعمية.
أما حديث (مطل الغنى ظلم) فقد أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي ورواه البيهقى كلهم عن عمرو بن الشريد عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ (لى الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) وقد مضى الكلام عليه في القرض والحجر والتفليس وغيرها من المجموع وتكملتيه.
أما حديث عبد الله بن عمرو فقد أخرجه أحمد في مسنده بلفظ (زوجنى أبى إمرأة من قريش فلما دخلت على جعلت لا أنحاش لها مما بى من القوة على العبادة من الصوم والصلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كمته حتى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك، قالت: كخير الرجال، أو كخير البعولة من رجل لم يفتش لنا كنفا ولم يعرف لنا فراشا، فأقبل على فعز منى وعضنى بلسانه فقال: أن تخطب إمرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت ثم انطلق إلى النبي فشكاني فأرسل إلى النبي فأتيته قال لى: أتصوم النهار، قلت نعم.
قال وتقوم الليل قلت: نعم، قال لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأنام، وأمس النساء، فمن رغب
عن سنتى فليس منى) .
أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: وله منعها من شهادة جنازة أبيها وأمها وولدها.
وجملة ذلك أن للزوج أن يمنع زوجته من ذلك وقد أخذ أصحابنا من نصه هذا أن له ان يمنعها من عيادة ابيها وامها إذا مرضا ومن حضور مواراتهما إذا ماتا، وقد استدلوا على ذلك بحديث انس (ان إمرأة سافر زوجها ونهى امرأته عن الخروج وكان ابوها مقيم في اسفل البيت وهى في اعلاه فمرض ابوها فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في عيادته فقال لها اتقى الله ولا تخالفي زوجك فمات ابوها فأوحى الله إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ قد غفر لابيها بطاعتها لزوجها) ولما كان هذا الحديث لم يصح عندنا حيث رواه الطبراني في الاوسط وآفته محمد عقيل الخزاعى هذا من جهة الاسناد ومتنه يعارض امورا مجمعا عليها فإن اباها له حقوق عليها لا تحصى، اقربها واظهرها.

(16/413)


1 - حق الابوة لقوله تعالى (وبالوالدين إحسانا) قارنا ذلك بعبادته.
2 - حق الاسلام لقوله صلى الله عليه وسلم (حق المسلم على المسلم خمس) ومنها (وإذا مرض فعده) .
3 - حق الرحم، يقول الله تعالى (اشتققت لك اسما من اسمى فمن وصلك وصلته ومن قطعك قطعته) .
4 - حق الآدمية أو حق الانسانية (من لا يرحم الناس لا يرحم) .
5 - حق المشاركة في اسباب الحياة (دخلت إمرأة النار في هرة، ودخلت إمرأة الجنة في هرة) .
6 - حق الجوار (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه) إذا ثبت هذا فإنه يكره للزوج أن ينهى زوجته عن عيادة ابيها أو بره أو إبداء
حنوها ومودتها لابويها.
(مسألة) يجب على كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف لقوله تعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم) ولقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء) يعنى بالانفاق عليهن وكسوتهن، ولقوله تعالى (ولهن مثل الذى عليهن) والمقابلة ههنا بالتأدية لا في نفس الحق لان حق الزوجه النفقة والكسوة وما اشبه ذلك، وحق الزوج التمكين من الاستمتاع، وقال تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وقال الشافعي وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه لا بإظهار الكراهية في تأديته، فأيهما مطل بتأخيره فمطل الواجد القادر على الاداء ظلم بتأخيره.
قال اصحابنا: فكف المكروه هو ان لا يؤذى احدهما الاخر بقول أو فعل، ولا يأكل احدهما ولا يشرب ولا يلبس ما يؤذى الاخر.
وقوله اعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، إذا وجب لها على الزوج نفقة أو كسوة بذله لها ولا يحوجها إلى ان ترفعه إلى الحاكم فيلزمها في ذلك مؤنة لقوله صلى الله عليه وسلم (لى الواجد ظلم) وكذلك إذا دعاها إلى الاستمتاع لم تمتنع ولم تحوجه إلى ان يرفع ذلك إلى الحاكم فيلزمه في ذلك مؤنة، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا دعا احدكم امرأته إلى فراشه فأبت عليه فبات وهو عليها ساخط

(16/414)


لعنتها الملائكه حتى تصبح، ورواه أحمد والبخاري ومسلم.
وقوله: لا باظهاره الكراهية في تأديته، إذا طلبت الزوجه حقها منه أو طلب الزوج حقه منها بذل كل واحد منهما ما وجب لصاحبه وهو باش الوجه ضاحك السن لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم، رواه أحمد والترمذي وصححه.
وقال صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها.
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وهو بعض حديث عند أحمد عن أنس، وبعض حديث طويل من قدوم معاوية من الشام وسجوده النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن أبى أوفى.
(فرع)
ولا يجب على الزوج الاستمتاع بها.
وحكى الصيمري أن مالكا رضى الله عنه قال: إذا ترك جماع زوجته المدة الطويلة أمر بالوطئ، فإن أبى فلها فسخ النكاح، وقال آخرون: يجبر على أن يطأ في كل أربع ليال ليلة قال العمرانى في البيان: وهذا غير صحيح لانه حق له فجاز له تركه، ولان الداعي إليه الشهوة وذلك ليس إليه، والمستحب له أن لا يخليها من الجماع لقوله صلى الله عليه وسلم: لكنى أصوم وأفطر، أصلى وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى، ولانه إذا لم يجامعها لم يأمن منها الفساد، وربما كان سببا للعداوة والشقاق بينهما، وإن كان له زوجات لم يجمع بينهن في مسكن إلا برضاها أو برضى كل واحدة منهن على حدة، لان ذلك يؤدى إلى خصومتهن، ولا يطأ واحدة بحضرة الاخرى لان ذلك قلة أدب وسوء عشرة.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ: وإذا تزوج رجل إمرأة فأحب له أول ما يراها أن يأخذ بناصيتها ويدعو باليمين والبركة فيقول: بارك الله لكل واحد منا في صاحبه، لان هذا بدء الوصله بينهما، فأستحب له أن يدعو بالبركة، والامر كما قال الشافعي رضى الله عنه إذ روى أبو داود وابن ماجه وابن السنى وغيرهم عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا تزوج أحدكم إمرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهم إنى أسألك

(16/415)


خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، وإذا
اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك) وفى رواية (ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركه في المرأة والخادم) ويستحب إذا أراد أن يجامعها ان يقول بسم اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رزقتنا لما روى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طرق كثيرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ.
بسم اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رزقننا، فقضى بينهما ولد لم يضره) وفى روايه للبخاري (لم يضرة الشيطان ابدا) .

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يجوز وطؤها في الدبر.
لما روى خزيمه بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ملعون من اتى أمرأة في دبرها) ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الاليتين لقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم، فإنهم غير ملومين) ويجوز وطؤها في الفرج مدبرة، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قالت اليهود: إذا جامع الرجل امرأته من ورائها جاء ولدها احول) فأنزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكلم فأتوا حرثكم انى شئتم) قال: يقول يأتيها من حيث شاء مقبلة أو مدبرة إذا كان ذلك في الفرج) .
(الشرح) حديث خزيمة بن ثابت اخرجه احمد وابن ماجه واخرجه الشافعي بنحوه وفى اسناده عمر بن احيحة وهو مجهول واختلف في اسناده اختلافا كثيرا ورواه النسائي من طريق اخرى وفيها هرمى بن عبد الله ولا يعرف حاله، واخرجه من طريق هرمى أيضا احمد وابن حبان، وقد روى النهى عن اتيان المرأة في دبرها عن ابى هريرة عند احمد وابى داود وبقية اصحاب السنن والبزار وفى اسناده الحارث بن مخلد، قال البزار ليس بمشهور.
وقال ابن القطان: لا يعرف حاله، وقد اختلف فيه على سهيل بن ابى صالح
فرواه عنه اسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما اخرجه الدارقطني

(16/416)


ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن ابيه عن جابر كما اخرجه ابن عدى بإسناد ضعيف.
قال الحافظ في بلوغ المرام: ان رجال حديث أبى هريرة هذا ثقات لكن أعل بالارسال.
وفى لفظ رواه أحمد وابن ماجه (لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها) .
وروى أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) ورواه أبو داود وقال (فقد برئ مما أنزل) وهو من رواية أبى تميمة عن أبى هريرة، قال الترمذي: لا نعرفه الا من حديث أبى تميمة عن أبى هريرة.
وقال البخاري: لا يعرف لابي تميمة سماع عن أبى هريرة.
وقال البزار: هذا حديث منكر، وفى الاسناد أيضا حكيم الاثرم، قال البزار لا يحتج به، وما تفرد به فليس بشئ، ولابي هريرة حديث ثالث عند النسائي من رواية الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وفى اسناده عبد الملك بن محمد الصنعانى وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما، ولابي هريرة أيضا حديث رابع اخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن ابى هريرة بلفظ (من أتى شيئا من الرجال والنساء في الادبار فقد كفر) وفى اسناده بكر وليث بن أبى سليم، ولابي هريرة حديث خامس وفى اسناده مسلم بن خالد الزنجي.
واخرج احمد عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تأتوا النساء في اعجازهن أو قال في ادبارهن) .
قال الحافظ الهيثمى في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات، واخرج احمد عن عمرو
ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في الذى يأتي امرأته في دبرها، هي اللوطية الصغرى) .
وعن على بن طلق قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول لا تأتوا النساء في استاهن فان الله لا يستحى من الحق) رواه احمد والترمذي وحسنه، ثم قال: سمعت محمدا يقول: لا اعرف لعلى بن طلق عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/417)


غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن على السحيمى، وكأنه رأى أن هذا الآخر مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اه وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر) رواه الترمذي وقال: حديث غريب، والنسائي وابن حبان والبزار، وقال لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدى ورواه النسائي عن هناد عن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح من المرفوع، ولابن عباس رواية موقوفة عند عبد الرزاق أن رجلا سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها فقال سألتنى عن الكفر.
وعن ابن مسعود عند ابن عدى.
وعن عقبة بن عامر عند احمد وفيه ابن لهيعة.
وعن ابن عمر عند النسائي والبزار وفيه زمعة بن صالح.
أما حديث جابر رضى الله عنه فقد رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن إلا النسائي.
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) يعنى صماما واحدا، رواه احمد والترمذي وحسنه.
وعنها أيضا قالت (لما قدم المهاجرون على الانصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الانصار لا تجبى، فأراد رجل امرأته من المهاجرين على ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال فأته، فاستحيت أن
تسأله، فسألته أم سلمة فنزلت (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) وقال لا (إلا في صمام واحد) رواه أحمد.
ومن رواية ابن عباس عند ابى داود وفيه (إنما كان هذا الحى من الانصار وهم أهل وثن مع هذا الحى من يهود، وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، فكان هذا الحى من الانصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحى من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الانصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، فسرى أمرهما حتى بلغ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/418)


فأنزل الله عز وجل (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) يعنى مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعنى بذلك موضع الولد.
وروى أحمد والترمذي وقال حسن غريب عن ابن عباس قال (جاء عمر إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رسول الله هلكت، قال وما الذى أهلكك؟ قال حولت رحلى البارحة، فلم يرد عليه بشئ، قال فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) أقبل وأدبر، واتقوا الدبر والحيضة أما الاحكام فقد استدل الجمهور بهذه الاحاديث التى تقرب من درجه التواتر على تحريم إتيان المرأة في دبرها.
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قال لم يصح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تحريمه ولا تحليله شئ والقياس أنه حلال.
وقد أخرجه عنه ابن أبى حاتم في مناقب الشافعي، وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الاصم
عنه، وكذلك الطحاوي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي، وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: سألني محمد بن الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم، وان تكلمت بالمناصفة كلمتك على المناصفة، قال على المناصفة، قلت فبأى شئ حرمته قال بقول الله تعالى (فاءتوهن من حيث أمركم الله) وقال (فاءتوا حرثكم أنى شئتم) والحرث لا يكون إلا في الفرج.
قلت أفيكون ذلك محرما لما سواه، قال نعم.
قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث، قال لا.
قلت فيحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بما لا حجة فيه، قال فإن الله قال (والذين هم لفروجهم حافظون) الايه.
قال فقلت له هذا مما يحتجون به للجواز ان الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته أو ما ملكت يمينه، فقلت له انت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك.
اه وقال الحاكم بعد ان حكى الشافعي ما سلف، لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم، فأما الجديد فالمشهور انه حرمه.
وقد حمل الماوردى في الحاوى وأبو نصر بن الصباغ في الشامل على ابن عبد الحكم الذى روى هذا عن الشافعي، ورويا هما وغيرهما من اصحابنا عن الربيع.

(16/419)


ابن سليمان أنه قال: كذب والله يعنى ابن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب.
وتعقب الحافظ بن حجر في التلخيص هذا فقال: لا معنى لهذا التكذيب، فإن ابن عبد الحكم لم يتفرد بذلك، بل قد تابعه عليه عبد الرحمن ابن عبد الله أخوه عن الشافعي، ثم قال إنه لا خلاف في ثفة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روى الجواز أيضا عن مالك.
قال القاضى أبو الطيب في تعليقه أنه روى عنه ذلك أهل مصر وأهل المغرب
ورواه عنه ابن رشد في كتاب البيان والتحصيل، وأصحاب مالك العرافيون لم يثبتوا هذه الرواية، وقد رجع متأخر وأصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه.
وقد نقل ابن قدامة رواية عن مالك.
قوله ما أدركت أحدا أقتدى به في دينى يشك في أنه حلال، ثم أنكر ذلك أصحابه العراقيون.
قلت: إذا كان الله تبارك وتعالى قد حرم الوطئ في الفرج عند المحيض لاجل الاذى فكيف بالحش الذى هو موضع أذى دائم ونجس لازم، مع زيادة المفسدة بانقطاع النسل الذى هو المقصد الاسمى من مشروعية الزواج فضلا عن خساسة هذا العمل ودناءته مما يفضى إلى التلذذ بما كان يتلذذ به قوم لوط، وما يعد شذوذا في الشهوة يتنزه عنها المؤمنون الاطهار وأبناء الملة الاخيار وكفى بهذا العمل انحطاط أن أحدا لا يرضى أن ينسب هذا القول إلى إمامه، كما يقول ابن القيم، وقد ذكر لذلك مفاسد دينية ودنيوية كثيرة في هديه.
وقد روى التحريم عن على وابن مسعود وابن عباس وأبى الدرداء وعبد الله بن عمرو وأبى هريرة وابن المسيب وأبى بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وقتادة وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأى وابن المنذر وأحمد بن حنبل وأصحابه كافة، وأبى ثور والحسن البصري.
وقال العمرانى عن الربيع (كذب ابن عبد الحكم والذى لا إله إلا هو) قال المزني، قال الشافعي ذهب بعض أصحابنا إلى احلاله وآخرون إلى تحريمه ولا أرخص فيه بل أنهى عنه.
وحكى أن مالكا سئل عن ذلك فقال (الآن اغتسلت منه) (فرع)
يجوز التلذذ بما بين الالتين من غير إيلاج في الدبر لما فيه من الاذى

(16/420)


ويجوز الوطئ في الفرج مقبلة ومدبرة لما روى جابر أن اليهود قالت: إذا جامع
الرجل امرأته من روائها جاء ولدها أحول، فأنزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) أفاده العمرانى في البيان وسائر الاصحاب.
(فرع)
يحرم الاستمناء، وهو إخراج الماء الدافق بيده، وبه قال أكثر أهل العلم، وقال ابن عباس: نكاح الامة خير منه وهو خير من الزنا، وروى أن عمرو ابن دينار رخص فيه عند الاضطرار وخوف الهلكة، وبه قال أحمد رضى الله عنه.
دليلنا قوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وقد قرر علماء وظائف الاعضاء والطب البشرى أن الاستمناء مفض إلى قتل الرغبة الجنسية، ويجعل المرء لا ينتشر عند الوقاع إلا إذا أستمنى بيده مما يعطل وظيفته كزوج، ويقتل صلاحية عضوه أو يقلل كفاءته الزوجية، وكل هذا من المفاسد المنهى عنها
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ويكره العزل.
لما روت جذامة بنت وهب قالت (حضرت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عن العزل.
فقال: ذلك الوأد الخفى (وإذا الموءودة سئلت) فإن كان ذلك في وطئ أمته لم يحرم، لان الاستمتاع بها حق له لا حق لها فيه، وإن كان في وطئ زوجته فإن كانت مملوكة لم يحرم لانه يلحقه العار باسترقاق ولده منها.
وإن كانت حرة فإن كان بإذنها جاز لان الحق لهما، وإن لم تأذن ففيه وجهان.

(أحدهما)
لا يحرم لان حقها في الاستمتاع دون الانزال
(والثانى)
يحرم لانه يقطع النسل من غير ضرر يلحقه.

(فصل)
وتجب على المرأة معاشرة الزوج بالمعروف من كف الاذى كما يجب عليه في معاشرتها، ويجب عليها بذل ما يجب له من غير مطل لما روى

(16/421)


أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (إذا دعا أحدكم امرأته إلى فراشه فأبت فبات وهو عليها ساخط لعنتها الملائكه حتى تصبح) (الشرح) حديث جذامة بنت وهب الاسدية أخرجه أحمد ومسلم بلفظ.
(حضرت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أناس وهو يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئا، ثم سألوه عن العزل فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الوأد الخفى وهى وإذا الموءودة سئلت) أما الاحكام فقد اختلف السلف في حكم العزل، فقال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، لان الجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف الا ما لا يلحقه عزل.
قال الحافظ بن حجر ووافقه في نقل هذا الاجماع ابن هبيرة وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لا حق للمرأة في الجماع فيجوز على مقتضى أصلهم العزل بغير إذنها.
قلت ولكنه وقع في كتب أكثر أصحابنا أنه لا يجوز العزل عن الحرة إلا بإذنها، ويدل على اعتبار الاذن والرضى من الحرة حديث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يعزل عن الحرة الا بإذنها) رواه أحمد وابن ماجه، وقال الغزالي يجوز العزل، وهو المصحح عند المتأخرين.
وقد أخرج أحمد عن جابر رضى الله عنه (كنا نعزل عل عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن ينزل) .
قال سفيان حين روى هذا الحديث (ولو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن) كأنه يشرح عبارة جابر.
وأوهم كلام الحافظ المقدسي في عمدته ومن تبعه أن الزيادة التى قالها سفيان
من نفس الحديث فأدرجها.

(16/422)


وإذا قال الصحابي: كنا نفعل الشئ الفلاني كان له حكم الرفع عند أكثر المحدثين لان الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره، وأما إذا لم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه خلاف في رفعه، ويشبه ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عمر: كنا نتقى الكلام والانبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل فينا شئ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا.
وأخرج مسلم من طريق أبى الزبير عن جابر قال (كنا نعزل فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبلغ ذلك نبى الله فلم ينهنا) ومن وجه آخر عن أبى الزبير عن جابر أن رجلا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (إن لى جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها، فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت، قال: قد أخبرتك) ووقعت هذه القصة عنده من طريق سفيان بن عيينة بإسناد آخر إلى جابر وفى آخره فقال (أبا عبد الله ورسوله) وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن أبى شيبة بسند آخر على شرط الشيخين بمعناه.
وفي الصحيحين وغيرهما مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة بنى المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا: نفعل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله، فَسَأَلْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا عليكم أن لا تفعلوا، ما كتب الله عز وجل خلق بسمة هي كائنة إلى يوم القيامة، إلا ستكون) ومن ثم تكون جملة ما تقدم أن العزل برضى الحرة جائز عند أبى حنيفة
ومالك وأحمد وعند ابن حزم يحرم العزل، وعند الشافعية وجهان، أحدهما المنع واليه ذهب الرويانى في بحر المذهب، وكرهه العمرانى في البيان.
قال في الفتح: نعم جزم ابن حزم بوجوب الوطئ وبتحريم العزل، واستند إلى حديث جذامة بنت وهب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ العزل فقال: ذلك الوأد الخفى.
أخرجه مسلم والترمذي وصححه من طريق معمر عَنْ يَحْيَى بْنِ

(16/423)


أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن ثوبان عن جابر قال: كانت لنا جواري وكنا نعزل فقالت اليهود: إن تلك الموءودة الصغرى فسئل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلك فقال: كذبت اليهود، لو أراد الله خلقه لم يستطع رده) وأخرجه النسائي من طريق هشام وعلى بن المبارك وغيرهما عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن أبى مطيع بن رفاعة عن أبى سعيد نحوه، ويجمع بين هذه الاحاديث وحديث جذامه بأن حديث جذامة يحمل على التنزيه وهذه طريقة البيهقى، ومنهم من ضعف حديث جذامة بأنه معارض بما هو أكثر طرقا منه، وكيف يصرح بتكذيب اليهود في ذلك ثم يثبته؟ قال الحافظ وهذا دفع للاحاديث الصحيحة بالتوهم، والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن، ومنهم من ادعى أنه منسوخ، ورد بعدم معرفة التاريخ.
وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الامر أولا من موافقة أهل الكتاب، لانه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه، وتعقبه ابن رشد ثم ابن العربي بأنه لا يجزم بشئ تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم، ومنهم من رجح حديث جذامة لثبوته في صحيح مسلم وضعف مقابله بأنه حديث واحد اختلف في إسناده فاضطرب، ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها
موافق أصل الاباحه وحديثها يدل على المنع، فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان، وتعقب بأن حديثها ليس صريحا في المنع، إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما، وخصه بعضهم بالعزل عن الحامل لزوال المعنى الذى كان يحذره الذى يعزل من حصول الحمل، وجمعوا بين تكذيب اليهود في قولهم الموءودة الصغرى، وبين إثبات كونه وأدا خفيا في حديث جذامة بأن قولهم الموءودة الصغرى يقتضى أنه وأد ظاهر، لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيا، فلا يعارض قوله، ان العزل وأد خفى، فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلا، فلا يترتب عليه حكمه، وانما جعله وأدا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة، وقال بعضهم: الوأد الخفى ورد على طريق التشبيه لانه قطع طريق الولادة قبل مجيئه فأشبه قتل الولد بعد مجيئة.

(16/424)


وقال ابن القيم من الحنابلة الذى كذبت فيه اليهود زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، إذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة، وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامه، لان الرجل إنما يعزل هربا من الحمل، فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد صرفا فلذلك وصفه بكونه خفيا، فهذه أجوبه عدة أشار إليها ابن حجر في الفتح ورجعنا إليها في مظانها وعنها نقلنا.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يجب عليها خدمته في الخبز والطحن والطبخ والغسل وغيرها من الخدم لان المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع فلا يلزمها ما سواه.

(فصل)
وإن كان له امرأتان أو أكثر فله أن يقسم لهن (لان النبي صلى الله
عليه وسلم قسم لنسائه) ولا يجب عليه ذلك لان القسم لحقه فجاز له تركه، وإذا أراد أن يقسم لم يجز أن يبدأ بواحدة منهن من غير رضا البواقى الا بقرعة، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من: كانت له امرأتان يميل إلى احداهما على الاخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) ولان البداءة بإحداهما من غير قرعة تدعو إلى النفور، وإذا قسم لواحدة بالقرعة أو غير القرعة لزمه القضاء للبواقي، لانه إذا لم يقض مال، فدخل في الوعيد.

(فصل)
ويقسم المريض والمجبوب (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقسم في مرضه) ولان القسم يراد للانس وذلك يحصل مع المرض والجب، وان كان مجنونا لا يخاف منه طاف به الولى على نسائه، لانه يحصل لها به الانس، ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمحرمة والمظاهر منها والمولى منها، لان القصد من القسم الايواء والانس، وذلك يحصل مع هؤلاء، وان كان مجنونة لا يخاف منها قسم لها، لانه يحصل لها الانس، وان كان يخاف منها لم يقسم لها، لانها لا تصلح للانس.

(16/425)


(الشرح) قسم النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه رواه مسلم عن أنس ورواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه عن عائشة، ولفظ أبى داود في رواية (كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل إمرأة من غير مسيس حتى يبلغ التى هو يومها فيبيت عندها) .
أما حديث أبى هريرة فقد أخرجه أحمد وأصحاب السنن الاربعة والدارمى وابن حبان والحاكم وقال: إسناده على شرط الشيخين، واستغربه الترمذي مع
تصحيحه، وقال عبد الحق: هو حديث ثابت لكن علته أن هماما تفرد به، وأن هشاما رواه عن قتادة فقال: كان يقال.
وأخرج أبو نعيم عن أنس نحوه، وقد ورد عن عَائِشَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) رواه أصحاب السنن الاربعة والدارمى وصححه ابن حبان والحاكم ورجح الترمذي إرساله فقال: رواية حماد بن زيد عن أيوب عن أبى قلابه مرسلا أصح، وكذا أعله النسائي والدارقطني.
وقال أبو زرعة: لا أعلم أحدا تابع حماد بن سلمة على وصله، وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يسأل في مرضه الذى مات فيه: أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
أما أحكام هذه الفصول فإنه لا يجب على المرأة خدمة الرجل أو البيت لان المعقود عليه هو الاستمتاع إلا أن خدمتها أمر مشروع يدل عليه حديث رواه أحمد والبخاري ومسلم عن جابر (قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ نكحت؟ قلت نعم، قال: أبكرا أم ثيبا؟ قلت ثيب، قال فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ قلت يا رسول الله قتل ابى يوم أحد، وترك تسع بنات، فكرهت أن أجمع اليهن خرقاء مثلهن، ولكن إمرأة تمشطهن وتقيم عليهن، قال أصبت) فمن كان بسبيل من ولد وأخ وعائلة فإنه لا حرج على الرجل في قصده خدمة إمرأته

(16/426)


وان كان ذلك لا يجب عليها، لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك، فلذلك لَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال أحمد: قال أصحابنا وغيرهم ليس على المرأة خدمة زوجها في عجن وخبز وطحن وطبخ ونحوه.
وقال السفارينى في شرح ثلاثيات المسند: لكن الاولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به، وأوجب ابن تيمية المعروف من مثلها لمثله، وأما خدمة نفسها في ذلك فعليها إلا أن يكون مثلها لا تخدم نفسها، وقال أبو ثور: على الزوجة أن تخدم الزوج في كل شئ، وقال ابن حيب في (الواضحة) إن النبي حكم على فاطمة عليها السلام بخدمة البيت كلها، قال السفارينى وفى الفروع ليس عليها عجن وخبز وطبخ ونحوه نص عليه خلافا للجوزجاني من أئمة علمائنا اه.
(مسألة) إذا كان له زوجتان أو أكثر لم يجب عليه القسم ابتداء، بل يجوز له أن ينفرد عنهن في بيت لان المقصود هو الاستمتاع وهو حق له فجاز له تركه وان أراد أن يقسم بيتهن جاز لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقسم بين نسائه.
ولا يجوز أن يبدأ بواحدة منهن من غير رضا الباقيات الا بالقرعة لقوله تعالى (فلا تميلوا كل الميل) وحديث أبى هريرة الذى ساقه المصنف ومضى تخريجه فيه وعيد شديد لمن يؤثر واحدة دون الاخرى، وفى البداءة بإحداهن من غير قرعة ميل، فإن كان له زوجتان أقرع بينهما مرة واحدة، وان كن ثلاثا أقرع مرتين وان كن أربعا أقرع ثلاث مرات لانهن إذا كن ثلاثا فخرجت القرعة لواحدة قسم لها ثم أقرع بين الباقيتين، وهكذا في الاربع، وان أقام عند واحدة منهن من غير قرعة لزمه القضاء للباقيتين، لانه إذا لم يقض كان مائلا.
(مسألة) ويقسم المريضة والرتقاء والقرناء والحائض والنفساء والمحرمة والتى آلى منها أو ظاهر، لان المقصود الايواء والسكن، وذلك موجود في حقهن فأما المجنونة فإن كان خاف منها سقط حقها من القسم لان المقصود الايواء والسكن، وذلك موجود في حقهن، وان لم يخف منها وجب لها القسم لان الايواء يحصل معها، وان دعاها إلى منزل له فامتنعت سقط حقها من القسم كالعاقله.

(16/427)


(فرع)
ويقسم المريض والمجنون والعنين والمحرم، لان الانس يحصل به، وإن كان يخاف منه لم يقسم له الولى لانه لا يحصل به الانس، وإن كان لا يخاف منه نظرت فإن كان قد قسم لواحدة في حال عقله ثم جن قبل أن يقضى لزم الولى أن يقضى للباقيات قسمهن منه، كما لو كان عليه دين، وإن جن قبل أن يقسم لواحدة منهن فان لم ير الولى أن له مصلحة في القسم لم يقسم لهن، وإن رأى المصلحة له في القسم قسم لهن لانه قائم مقامه، وهل يجب على الولى ذلك أم لا؟ على قولين، وحكاهما بعض الاصحاب وجهين
(أحدهما)
لا يجب عليه كما لا يجب على العاقل
(والثانى)
يجب عليه ذلك لان العاقل له اختيار في ترك حقه والمجنون لا اختيار له، فلزم الولى أن يستوفى له حقه بذلك، فإن حمله إلى واحدة حمله ليلة أخرى أو كان بالخيار بين أن يطوف على نسائه وبين أن يتركه في منزله ويستدعيهن واحدة واحدة إليه، وإن طاف به على البعض واستدعى البعض جاز، فان قسم الولى لبعضهن ولم يقسم للباقيات لم يلزم الولى.
هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي: هل يقسم الولى للمجنون.
فيه وجهان.
قال فإن كان يجن يوما ويفيق يوما فأقام ليلة جنونه عند واحدة وليلة عقله عند أخرى لم تحتسب ليلة جنونه عندها حتى يقضى لها، فلو أقر الولى أنه ظلم إحداهن لم يسمع إقراره حتى تقر المظلومة لها للمظلومة، هكذا أفاده العمرانى في البيان.
وحكى في البحر عن قوم مجاهيل أنه يجوز لمن له زوجتان أن يقف مع إحداهما ليلة ومع الاخرى ثلاثا لان له أن ينكح أربعا، وله إيثار أيهما شاء بالليلتين، ولا شك أن هذا ومثله يعد من الميل الكلى، والله يقول (فلا تميلوا كل الميل) قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن سافرت المرأة بغير إذن الزوج سقط حقها من القسم والنفقة لان القسم للانس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد منعت ذلك بالسفر.
وان سافرت باذنه ففيه قولان
(أحدهما)
لا يسقط لانها سافرت باذنه، فأشبه

(16/428)


إذا سافرت معه (الثاني) لا يسقط، لان القسم للانس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد عدم الجميع فسقط ما تعلق به كالثمن لما وجب في مقابلة المبيع سقط بعدمه.

(فصل)
وإن اجتمع عنده حرة وأمة قسم للحرة ليلتين وللامة ليلة، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: من نكح حرة على أمة فللحرة ليلتان وللامة ليلة، والحق في قسم الامة لها دون المولى، لانه يراد لحظها فلم يكن للمولى فيه حق، فإن قسم للحرة ليلتين ثم أعتقت الامة، فإن كان بعدما اوفاها حقها استأنف القسم لها لانهما تساويا بعد انقضاء القسم.
وإن كان قبل أن يوفيها حقها أقام عندها ليلتين، لانه لم يوفها حقها حتى صارت مساوية للحرة فوجب التسوية بينهما، وإن قسم للامة ليلة ثم أعتقت، فإن كان بعدما أوفى الحرة حقها سوى بينهما، وإن كان قبل أن يوفى الحرة حقها لم يزد على ليلة لانهما تساويا فوجب التسوية بينهما
(فصل)
وعماد القسم الليل، لقوله عز وجل (وجعلنا الليل لباسا) قيل في التفسير الايواء إلى المساكن، ولان النهار للمعيشه والليل للسكون، ولهذا قال الله تعالى (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه) فإن كانت معيشته بالليل فعماد قسمه النهار، لان نهاره كليل غيره، والاولى أن يقسم ليلة ليلة اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولان ذلك أقرب إلى التسويه في إيفاء الحقوق فإن قسم ليلتين أو ثلاثا جاز، لانه في حد القليل، وإن زاد على الثلاث لم يجز
من غير رضاهن، لان فيه تغريرا بحقوقهن، فإن فعل ذلك لزمه الفضاء للبواقي لانه إذا قضى ما قسم بحق فلان يقضى ما قسم بغير حق أولى، وإذا قسم لها ليلة كان لها الليلة وما يليها من النهار، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لكل امرأة يومها وليلتها، غير أن سودة وهبت ليلتها لعائشة تبتغى بذلك رضى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى عن عائشة رضى الله عنها قالت (تُوُفِّيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بيتى وفى يومى وبين سحري ونحرى، وجمع الله بين ريقي وريقه)
(فصل)
والاولى أن يطوف إلى نسائه في منازلهن اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/429)


ولان ذلك أحسن في العشرة وأصون لهن، وله أن يقيم في موضع ويستدعى واحدة واحدة، لان المرأة تابعة للزوج في المكان، ولهذا يجوز له أن ينقلها إلى حيث شاء، وإن كان محبوسا في موضع فان أمكن حضورها فيه لم يسقط حقها من القسم، لانه يصلح للقسم فصار كالمنزل، وإن لم يمكن حضورها فيه سقط القسم لانه تعذر الاجتماع لعذر، وان كانت له امرأتان في بلدين فأقام في بلد إحداهما فان لم يقم معها في منزل لم يلزمه القضاء بالمقام في بلد الاخرى لان المقام في البلد معها ليس بقسم، وان أقام معها في منزلها لزمه القضاء للاخرى، لان القسم لا يسقط باختلاف البلاد كما لا يسقط باختلاف المحال.

(فصل)
ويستحب لمن قسم أن يسوى بينهن في الاستمتاع لانه أكمل في العدل، فان لم يفعل جاز، لان الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة، ولا يمكن التسوية بينهن في ذلك.
ولهذا قال الله عز وجل (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) .
قال ابن عباس رضى الله عنهما: يعنى في الحب والجماع.
وقالت عائشة (رض)
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم بين نسائه ويعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملكه ولا أملكه) .
(الشرح) حديث عائشة الاول أخرجه أحمد والبخاري ومسلم، وبقية الاخبار مضى تخريجها.
أما اللغات فقوله (وجعلنا الليل لباسا) الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وقياس جمعها ليلات مثل بيضة وبيضات، وعاملته ملايلة أي ليلة وليلة مثل مشاهرة ومياومة، أي شهرا وشهرا ويوما ويوما، واللباس هو الذى يغطى ويستر كما يغطى اللباس ويستر.
وقوله (بين سحري ونحرى) السحر الرثة.
قال ابن بطال: أرادت أنه مات وهو متكئ عليها صلى الله عليه وسلم، والنحر موضع القلادة من الصدر وتطلق النحور على الصدور أما الاحكام فإنه إذا كان طلب معاش الرجل بالنهار فعماد قسمته الليل لقوله تعالى (وجعل الليل سكنا) وقوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا)

(16/430)


وإن كان طلب معاشه بالليل فعماد قسمته النهار، والمستحب أن يقسم مناوبة وهو أن يقيم عند واحدة ليلة ثم عند الاخرى ليلة، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ هكذا، ولانه اقرب إلى إيفاء الحق، وإن أراد أن يقسم لكل واحدة ليلتين أو ثلاثا جاز لان ذلك قريب إلى إيفاء الحق، وإن أراد أن يقيم عند كل واحدة أكثر من الثلاث فقد قال الشافعي في الاملاء: إن أراد أن يقسم لهن مياومة أو مشاهرة أومساناة كرهت له وأجزأه.
قال أصحابنا: يجوز له ما زاد على الثلاث برضاهن وأما بغير رضاهن فلا يجوز لانه كثير، ويدخل النهار في القسم لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لنسائه كل واحدة يوما وليلتها، غير أن سودة رضى الله عنها وهبت ليلتها لعائشة.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ إلى بيت حفصة فلم يصادفها، فقعد عند مارية فقالت: يا رسول الله في بيتى وفى يومى، فأضافت اليوم إليها، والاولى أن يجعل اليوم تابعا لليلة التى مضت قبله، لان الشهر هلالي، وإن جعل النهار تابعا لليلة التى بعده جاز.
(مسألة) إذا سافرت المرأة مع زوجها فلها النفقة والقسم لانها في مقابلة الاستمتاع وذلك موجود.
وهكذا إذا اشخصها من بلد إلى بلد لتعلة أو لحاجة فلها النفقة والقسم وان لم يكن معها.
وإن سافرت لحاجة لها وحدها بإذنه ففيه قولان
(أحدهما)
لا نفقة لها ولا قسم لانها في مقابلة الاستمتاع وذلك متعذر منها.

(والثانى)
لها النفقة والقسم لانها غير ناشزة، فهو كما لو أشخصها لحاجة له والاول أصح (مسألة) وان كان عنده مسلمة وذمية سوى بينهما في القسم لقوله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ولم يفرق، ولعموم الوعيد في حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من كانت له امرأتان يميل لاحداهما على الاخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا) رواه أحمد وأصحاب السنن قال الشافعي في الام: وإذا كان له أربع زوجات فترك إحداهن من القسمة أربعين ليلة قضى لها عشر ليال.
واختلف أصحابنا في تأويله فقال أكثرهم: أراد أنه أقام عند كل واحدة من الثلاث عشرا.
ثم أقام عشرا وحده في بيت فيقضى للرابعة عشرا.
فأما لو أقام عند الثلاث أربعين قضى للرابعة ثلاث عشرة ليلة وثلثا

(16/431)


وقال ابن الصباغ: ظاهر كلامه أنه أقام عندهن أربعين ليلة.
وما قال له وجه جيد عندي لان الذى تستحقه بالقضاء عشر، وثلاث ليال وثلث تستحقها إذن لان زمان القضاء لها فيه قسم.
(فرع)
قال في الام: وان كان له أربع نسوة فسافرت واحده منهن بغير اذنه
وأقام عند اثنتين ثلاثين يوما عند كل واحدة خمسة عشر يوما فلما أراد أن يقيم عند الثالثة رجعت الناشزة وصارت في طاعته، فلا حق لها فيما مضى من القسم لانها كانت عاصية، ولا يمكن أن يقسم للثالثة خمس عشرة ليلة، لان القادمة تستحق الربع فيجعل الليالى أربعا ويقيم عند القادمة ليلة وهو حقها، ويجعل للثالثة ثلاث ليال، ليلة هي حقها وليلتين من حق الاولتين، فإذا دار بين القادمة والثالثة خمسة أدوار كذلك، استوفت الثالثة خمس عشرة ليلة والقادمة خمسا واستأنف القسم بين الاربع، ولو كان بدل المسافرة زوجة جديدة تزوجها قبل أن يوفى الثالثة خص الجديدة ان كانت بكرا بسبع، وان كانت ثيبا ثلاثا ثم يقسم ثلاثا للثالثة الاولة وليلة للجديدة حتى يدور خمسة أدوار واستأنف القسم للاربع دليلنا ما أخرجه الشيخان عن أبى قلابة عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مِنْ السُّنَّةِ إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم: قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: ان أنس ارفعه إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ ابن دقيق العيد: قول أبى قلابة يحتمل وجهين.

(أحدهما)
ان يكون ظن انه سمعه عن انس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا
(والثانى)
أن يكون رأى أن قول أنس (من السنة) في حكم المرفوع، فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح، لانه في حكم المرفوع، قال والاول اقرب، لان قوله (من السنة) يقتضى ان يكون مرفوعا بطريق اجتهادى محتمل قلت: وقد روى هذا الحديث مرفوعا الدارقطني والبيهقي وابو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والدارمى بلفظ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاث ثم يعود إلى نسائه) وسيأتى في فصل بعده.

(16/432)


(مسألة) والمستحب أن يطوف على نسائه في منازلهن، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذلك، ولان ذلك أصون لهن، وان قعد في منزل واستدعى كل واحدة إليه في منزلها، واستدعى البعض إلى منزله كان له ذلك، فإن لم تأته واحدة إلى حيث مكان يصلن إليه ويصلح للمسكن وأراد أن يقسم بينهن، ويستدعيهن إليه كان له ذلك لانه كالمنزل، وإن كان له إمرأتان في بلدين فأقام في بلد إحداهما فان أقام معها قضى للاخرى، وإن لم يقم معها لم يقض للاخرى، لان اقامته في البلد التى هي بها من غير أن يقيم معها ليس بقسم.
(مسألة أخرى) ليس في شرط القسم الوطئ، غير أن المستحب أن يساوى بينهن في الوطئ لانه هو المقصود، فان وطئ بعضهن دون بعض لم يأثم بذلك لان الوطئ طريقه الشهوة، وقد تميل الشهوة إلى بعضهن دون بعض، ولهذا قال تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قيل في التفسير: في الحب والجماع، وقد روينا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقسم بين نسائه، ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.
رواه أصحاب السنن عن عائشة رضى الله عنها وصححه الحاكم وابن حبان، ورجح الترمذي ارساله.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
ولا يجوز أن يخرج في ليلتها من عندها، فان مرض غيرها من النساء وخاف أن تموت أن أكرهه السلطان جاز أن يخرج لانه موضع ضرورة وعليه القضاء، كما يترك الصلاة إذا أكره على تركها وعليه القضاء، والاولى أن يقضيها في الوقت الذى خرج، لانه أعدل، وان خرج في آخر الليل وقضاه في أوله جاز، لان الجميع مقصود في القسم، فان دخل على غيرها بالليل فوطئها ثم عاد ففيه ثلاثة أوجه، أحدها: يلزمه القضاء بليلة لان الجماع معظم المقصود، والثانى: يدخل عليها في ليلة الموطوءة فيطؤها لانه أقرب إلى التسوية، والثالث
أنه لا يقضيها بشئ، لان الوطئ غير مستحق في القسم، وقدره من الزمان لا ينضبط فسقط.
ويجوز أن يخرج في نهارها للمعيشة ويدخل إلى غيرها ليأخذ شيئا أو يترك شيئا ولا يطيل، فان أطال لزمه القضاء لانه ترك الايواء المقصود

(16/433)


وإن دخل إلى غيرها لحاجة فقبلها جَازَ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (ما كان يوم أو أقل يوم إلا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف علينا جميعا، ويقبل ويلمس، فإذا جاء إلى التى هو يومها أقام عندها) ولا يجوز أن يطأها لانه معظم المقصود فلا يجوز في قسم غيرها، فإن وطئها وانصرف ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يلزمه أن يخرج في نهار الموطوءة ويطأها، لانه هو العدل
(والثانى)
لا يلزمه شئ لان الوطئ غير مستحق، وقدره من الزمان لا ينضبط فسقط، وان كان عنده إمرأتان فقسم لاحداهما مدة ثم طلاق الاخرى قبل أن يقضيها ثم تزوجها لزمه قضاء حقها، لانه تأخر القضاء لعذر وقد زال فوجب كما لو كان عليه دين فأعسر ثم أيسر.
(الشرح) حديث عائشة رضى الله عنها أخرجه أحمد في مسنده والبيهقي والحاكم وصححه بلفظ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا إمرأة إمرأة، فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضى إلى التى هو يومها فيبيت عندها) وروى أبو داود بنحوه ولفظه في رواية له (كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل إمرأة من غير مسيس حتى يبلغ التى هو يومها فيبيت عندها) وفى لفظ عند أحمد والبخاري ومسلم (كان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه، فيدنو من احداهن) .
أما الاحكام: فقد قال الشافعي رضى الله عنه (ولا يدخل في الليل على التى
لم يقسم لها) وجملة ذلك أنه إذا قسم بين نسائه فلا يجوز أن يخرج من المقسوم لها في ليلتها لغير ضرروة من غير اذنها لان عماد القسم الليل، فان دعت ضرورة إلى ذلك بأن مرض غيرها وأشرفت على الموت فاحتاج أن يخرج إليها لتوصى إليه أو تحتاج إلى قيم ولا قيم لها أو ماتت واحتاج إلى الخروج لتجهيزها جاز له الخروج لان هذا موضع عذر، فان برئت المريضة التى خرج إليها قضى للتى خرج من ليلتها من ليلة المريضة مثل الذى أقام عندها، وان ماتت لم يقض، بل يستأنف القسم للباقيات.

(16/434)


إذا ثبت هذا فقد نقل المزني: أنه يعودها في ليلة غيرها.
قال أصحابنا هذا سهو في النقل أيضا، هو في يوم غيرها، فان خالف وخرج عنها في ليلتها لغير عذر إلى غيرها وأقام عندها قليلا فقد أساء، ولا يقضى ذلك، لان ذلك يسير لا يضبط، وان أقام عندها مدة طويله من الليل قضى للاخرى من ليلته التى أقام عندها مثل ذلك في وقته من الليل، وان قضى مثله في غير وقته من الليل جاز، لان المقصود الايواء، وجميع الليل وقت الايواء، وان دخل إلى غيرها في ليلتها وجامعها وخرج سريعا فما الذى يجب عليه؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يجب القضاء عليه لان القصد الايواء، ولم يفوت عليها يجماع غيرها الايواء، لان قدر مدته يسيرة.

(والثانى)
يجب عليه القضاء، بليلة من حق الموطوءة، لان المقصود بالايواء هو الجماع، فإذا وقع ذلك لغيرها في ليلتها وجب عليه أن يقضيها في ليلة الموطوءة (والثالث) أنه يدخل عليها في ليلة الموطوءة فيطؤها لانه أعدل.
(فرع)
فان أخرجه عنها في ليلتها وحبسه نصف ليلتها أو خرج عنها إلى بيت وقعد فيه نصف الليل، وجب عليه أن يقضى مثل الذى فوت عليها، فان
فوت عليها النصف الاول من الليل فانه يأوى إليها النصف الاول من الليل: ثم يخرج منها إلى منزله أو لغيره، وينفرد عنها وعن سائر نسائه النصف الاخير وقال ابن الصباغ: قال بعض أصحابنا: الا أن يخاف العسس أو يخاف اللصوص فيقيم عندها في باقى الليل، ولا يخرج للعذر، ولا يقضى الباقيات، وان فوت عليها النصف الاخير من الليل فالمستحب أن يقضيها في النصف الاخير، وان أوى إليها النصف الاول وانفرد في النصف الاخير جاز.
(فرع)
ويجوز أن يخرج في نهار المقسم لها لطلب المعيشة إلى السوق ولقضاء الحاجات، وان دخل إلى غيرها في يومها، فان كان لحاجة مثل أن يحمل إليها نفقتها، أو كانت مريضة فدخل عليها يعودها، أو دخل لزيارتها لبعد عهده بها، أو يكلمها بشئ أو تكلمه، أو يدخل إلى بيتها شيئا، أو يأخذ منه شيئا ولم يطل الاقامة عندها، جاز ولا يلزمه القضاء لذلك، لان المقصود بالقسم

(16/435)


الايواء، وذلك يحصل بالليل دون النهار ولا يجامعها لما روى عن عائشة (ما من يوم الا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضى إلى التى هو يومها فيبيت عندها) وهل له أن يستمتع بالتى يدخل إليها في غير يومها بالجماع؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ.

(أحدهما)
لا يجوز لان ذلك ما يحصل به السكن فأشبه الجماع.

(والثانى)
وهو المشهور: يجوز لحديث عائشة أم المؤمنين، فان دخل إليها في يوم غيرها وأطال المقام عندها لزمه القضاء، كما قلنا في الليل، وان أراد الدخول إليها في يوم غيرها لغير حاجة لم يجز لان الحق لغيرها، وان دخل إليها في يوم غيرها ووطئها، وانصرف سريعا ففيه وجهان حكاهما المصنف.
أحدهما لا يلزمه القضاء لانه غير مستحق ووقته لا ينضبط.
والثانى: يلزمه أن يدخل
إليها في يوم الموطوءة فيطؤها لانه أعدل.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وان تزوج امرأة وعنده امرأتان أو ثلاث قطع الدور للجديدة فان كانت بكرا أقام عندها سبعا، لما روى أبو قلابة عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (مِنْ السُّنَّةِ أن يقيم عند البكر مع الشيب سبعا، قال أنس: ولو شئت أن أرفعه إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرفعت) وان كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا أو سبعا لِمَا رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج أم سلمة رضى الله عنها وقال: ان شئت سبعت عندك وسبعت عندهن، وان شئت ثلثت عندك ودرت) فان أقام عند البكر سبعا لم يقض للباقيات شيئا، وان أقام عند الثيب ثلاثا لم يقض، فان أقام سبعا ففيه وجهان.

(أحدهما)
يقضى السبع لقوله صلى الله عليه وسلم (ان شئت سبعت عندك وسبعت عندهن)
(والثانى)
يقضى ما زاد على الثلاث، لان الثلاث مستحقه لها فلا يلزمه قضاؤها، وان تزوج العبد أمة وعنده امرأة قضى للجديدة حق العقد وفى قدره وَجْهَانِ، قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هي على النصف كما قلنا في القسم الدائم، وقال أبو إسحاق: هي كالحرة، لان قسم العقد حق الزوج فلم يختلف

(16/436)


برقها وحريتها بخلاف القسم الدائم فإنه حق لها، فاختلف برقها وحريتها، وإن تزوج رجل امرأتين وزفتا إليه في وقت واحد أقرع بينهما لتقديم حق العقد كما يقرع للتقديم في القسم الدائم.
(الشرح) حديث أبى قلابة عن أنس في الصحيحين، إلا أنه ليس فيه، قال أنس وإنما الذى فيه: قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت.
إن أنسا رَفْعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابن دقيق العيد: قول أبى قلابة يحتمل
وجهين
(أحدهما)
أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا
(والثانى)
أن يكون رأى أن قول أنس: من السنة، في حكم المرفوع، فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح، لانه في حكم المرفوع.
قال والاول أقرب، لان قوله من السنة يقتضى أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادى محتمل، وقوله: انه رفعه نص في رفعه، وليس للراوى أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص في رفعه، وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله من السنة كذا، وبين رَفْعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد روى هذا الحديث جماعه عن أنس وقالوا فيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في البيهقى ومستخرج الاسماعيلي، وصحيح أبى عوانة، وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان وسنن الدارمي والدارقطني.
أما حديث أم سلمة فقد أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه بلفظ: عَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال: إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) ورواه الدارقطني وَلَفْظُهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لها حين دخل بها: ليس بك عن أهلك هو ان إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك، وان شئت سبعت لك وسبعت لنسائي، قالت تقيم معى ثلاثا خالصة) وفى إسناد الدارقطني الواقدي: وعن أنس رضى الله عنه قال (لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم صفيه أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا) رواه أحمد وابو داود والنسائي.

(16/437)


أما الاحكام فإن الاحاديث تدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب بثلاث.
قيل وهذا في حق من كان له زوجة قبل الجديدة.
وقال ابن عبد البر قول جمهور العلماء أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف، سواء كان عنده زوجة أم لا.
وحكى
النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب.
قال الحافظ بن حجر في الفتح: وهذا يوافق كلام أكثر الاصحاب، واختار النووي أن لا فرق، واطلاق الشافعي يعضده.
ويمكن التمسك لقول من اشترط أن يكون عنده زوجة قبل الجديدة بقوله في حديث أنس أيضا: البكر سبع وللثيب ثلاث.
قال الحافظ لكن القاعدة ان المطلق محمول على المقيد.
قال وفيه يعنى حديث أنس حجة على الكوفيين في قولهم ان البكر والثيب سواء في الثلاث، وعلى الاوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان، وفيه حديث مرفوع عن عائشة عند الدارقطني بسند ضعيف جدا.
اه وقال العمرانى في البيان (إذا كان تحته زوجة أو زوجات فتزوج بأخرى قطع الدور للجديدة، فإن كانت بكرا أقام عندها سبعا ولا يقضى، وان كانت ثيبا كان بالخيار بين أن يقيم عندها ثلاثا ولا يقضى، وبين أن يقيم عندها سبعا ويقضى ما زاد على الثلاث.
ومن اصحابنا من قال تقضى السبعة كلها، والاول هو المشهور قلت هذا هو مذهبنا وبه قال أنس بن مالك (رض) والشعبى والنخعي ومالك واحمد واسحاق رحمهم الله.
وقال ابن المسيب والحسن البصري (يقيم عندها إذا كانت بكرا ليلتين وعند الثيب ليلة) وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة وأصحابه (يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا ويقضى مثل ذلك للباقيات.
دليلنا ما روى عن انس مرفوعا (للبكر سبع وللثيب ثلاث) وما روى عن أم سلمه (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ما بك على اهلك هوان، فإن شئت سبعت عندك وقضيت لهن، وان شئت ثلثت عندك ودرت، فقلت ثلث) فإذا قلنا يجب عليه قضاء السبع إذا اقامها عند الثيب فوجهه قوله صلى الله عليه وسلم (ثلثت عندك ودرت) فلو كان يجب قضاء الثلاث كما كان يجب قضاء ما زاد لما كان للتخيير معنى، ولان الثلاثه مستحقه لها بدليل

(16/438)


انها لو اختارت ان يقيم عندها الثلاث لا غير لم يجب عليه قضاؤها، فكذلك لا يجب قضاؤها إذا اقامها مع الاربع.
(فرع)
قال في الام ولا احب ان يتخلف عن صلاة الجماعة، ولا يمنعه من عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا اجابة وليمه.
وجملة ذلك انه إذا اقام عند الجديدة بحق العقد فهو كالقسم الدائم فعماده الليل.
واما بالنهار فله ان ينصرف إلى طلب معاشه ويصلى مع الجماعه ويشهد الجنازة ويعود المريض ويجيب الولائم لان الايواء بالنهار عندها مباح.
وهذه الاشياء طاعات فلا يترك الطاعات للمباح قال ابن الصباغ فأما بالليل فقال أصحابنا لا يخرج فيه لشئ من ذلك لان حق الزوجه فيه واجب وما يخرج له فليس بواجب، بخلاف السكون عندها بالنهار فإنه ليس بواجب.
اه
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان اراد السفر بامرأة أو امرأتين أو ثلاث اقرع بينهن، فمن خرجت عليها القرعة سافر بها، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج اقرع بين نسائه، فصارت القرعه على عائشة رضى الله عنها، وحفصه رضى الله عنها فخرجتا معه جميعا) ولا يجوز ان يسافر بواحدة من غير قرعه، لان ذلك ميل وترك للعدل.
وان سافر بامرأتين بالقرعه سوى بينهما في القسم كما يسوى بينهما في الحضر فإن كان في سفر طويل لم يلزمه القضاء للمقيمات، لان عائشة رضى الله عنها لم تذكر القضاء، ولان المسافرة اختصت بمشقه السفر فاختصت بالقسم، وان كان في سفر قصير ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يلزمه القضاء كما لا يلزمه في السفر الطويل
(والثانى)
يلزمه لانه في حكم الحضر، وان سافر ببعضهن بغير قرعة
لزمه القضاء للمقيمات لانه قسم بغير قرعه فلزمه القضاء كما لو قسم لها في الحضر وان سافر بامرأة بقرعة إلى بلد ثم عن له سفر ابعد منه لم يلزمه القضاء، لانه سفر واحد وقد اقرع له.
وان سافر بامرأة بالقرعه وانقضى سفره ثم اقام معها مدة لزمه ان يقضى

(16/439)


المدة التى أقام معها بعد انقضاء السفر، لان القرعة إنما تسقط القضاء في قسم السفر، وإن كان عنده امرأتان ثم تزوج بامرأتين وزفتا إليه في وقت واحد لزمه أن يقسم لهما حق العقد، ولا يقدم إحداهما من غير قرعة، فإن أراد السفر قبل أن يقسم لهما أقرع بين الجميع فإن خرجت القرعة لاحدى القديمتين سافر بها فإذا قدم قضى حق العقد للجديدتين وان خرجت القرعة لاحدى الجديدتين؟ ويدخل حق العقد في قسم السفر لان القصد من قسم العقد الالفة والاستمتاع.
وقد حصل ذلك وهل يلزمه أن يقضى للجديدة الاخرى حق العقد؟ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَا يلزمه في القسم الدائم
(والثانى)
يلزمه، وهو قول أبى إسحاق، لانه سافر بها بعدما استحقت الاخرى حق العقد فلزمه القضاء، كما لو كان عنده أربع نسوة فقسم للثلاث ثم سافر بغير الرابعة بالقرعة قبل قضاء حق الرابعة.
(الشرح) حديث عائشة أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه بلفظ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه) وقد استدل بهذا الحديث على مشرعية القرعه في القسمه بين الشركاء وغير ذلك، والمشهور عن الحنفيه والمالكية عدم اعتبار القرعه.
قال القاضى عياض: هو مشهور عن مذهب مالك وأصحابه، لانها من باب الحظر والقمار.
وحكى عن الحنفيه إجازتها أما جملة الفصل فإنه إذا كان لرجل زوجتان أو أكثر وأراد السفر، كان
بالخيار بين أن يسافر وحده ويتركهن في البلد، لان عليه الفقه والكسوة والسكنى دون المقام معهن، كما لو كان بالحضر وانفرد عنهن، وإن أراد أن يسافر بهن جميعا لزمهن ذلك، كما يجوز أن ينتقل من بلد إلى بلد، وإن أراد أن يسافر ببعض نسائه أقرع بينهن لما روت عائشة عليها السلام من إقراع النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى، وهو بالخيار بين أن يكتب الاسماء ويخرج على السفر، والاقامه وبين أن يكتب السفر والاقامه ويخرج على الاسماء.
وإذا خرج السفر على واحدة لم يلزمه المسافرة بها، بل لو أراد أن يدعها ويسافر وحده كان له، وان أراد أن يسافر بغيرها لم يجز، لان ذلك يبطل فائدة

(16/440)


القرعه، وان اختار أن يسافر بإثنتين وعنده أكثر أقرع بينهن، فإن خرجت قرعة السفر على اثنتين سافر بهما ويسوى بينهما في القسم في السفر، كما لو كان في الحضر.
وإذا سافر بها بالقرعه فإن كان السفر طويلا لم يلزمه القضاء للمقيمات.
وان كان السفر قصيرا ففيه وجهان.

(أحدهما)
لا يلزمه القضاء للمقيمات كالسفر الطويل
(والثانى)
يلزمه لانه في حكم الحضر.
هذا مذهبنا وقال داود: يلزمه القضاء المقيمات في الطويل والقصير.
دليلنا حديث عائشة أنها ذكرت السفر ولم تذكر القضاء، ولان المسافرة اختصت بمشقة السفر فاختصت بالقسم.
(فرع)
وان سافر بواحدة منهن من غير قرعة لزمه القضاء للمقيمات، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لا يقضى.
دليلنا أنه خص بعض نسائه بمدة على وجه تلحقه فيه التهمة فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا.
وقال المسعودي: فلو قصد الرجوع اليهن فهل تحتسب عليه المدة من وقت القصد.
فيه وجهان (فرع)
وإن سافر بواحدة منهن بالقرعة ثم نوى الاقامة في بعض البلاد
وأقام بها معه أو لم ينو الاقامة إلا أنه أقام بها أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِ الدُّخُولِ وَيَوْمِ الْخُرُوجِ قضى ذلك للباقيات، لانه إنما لم يجب عليه أن يقضى مدة السفر.
وهذا ليس بسفر، وإن سافر بها إلى بلد فلما بلغه عن له أن يسافر بها إلى بلد آخر فسافر بها لم يقض المقيمات لانه سفر واحد وقد أقرع له.
(فرع)
قال الشافعي رضى الله عنه (ولو أراد النقلة لم يكن له أن ينتقل بواحدة إلا أوفى البواقى مثل مقامه معها) واختلف أصحابنا في تأويلها فمنهم من قال: تأويلها إذا كان له نساء فأراد النقلة إلى بلد فينتقل بواحدة منهن ونقل الباقيات مع وكيله إلى ذلك البلد، فلما وصل إلى ذلك البلد أقام مع التى نقلها بعد السفر دون مدة السفر، لان مدة السفر لا تقضى.
وقال أبو إسحاق: تقضى مدة السفر ومدة الاقامه بعده، لانه أراد نقل جميعهن، فقد تساوت حقوقهن، فمتى خص واحدة بالكون معه لزمه أن يقضى للباقيات مدة الاقامه معها، كما لو أقام في الحضر معها بخلاف السفر بإحداهن، فعلى قول الاول يحتاج إلى القرعة وعلى قول أبى إسحاق لا تحتاج إلى قرعة

(16/441)


قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ويجوز للمرأة أن تهب ليلتها لبعض ضرائرها، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ سودة وهبت يومها وليلتها لعائشة رضى الله عنها تبتغى بذلك مرضاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلَا يجوز ذلك إلا برضا الزوج، لان حقه ثابت في استمتاعها، فلا تملك نقله إلى غيرها من غير رضاه، ويجوز من غير رضا الموهوب لها لانه زيادة في حقها، ومتى تقسم لها الليلة الموهوبة؟ فيه وجهان
(أحدهما)
تضم إلى ليلتها، لانه اجتمع لها ليلتان فلم يفرق بينهما
(والثانى)
تقسم لها في الليله التى كانت للواهبة، لانها قائمة مقامها فقسم لها في ليلتها،
ويجوز أن تهب ليلتها للزوج لان الحق بينهما، فإذا تركت حقها صار للزوج ثم يجعلها الزوج لمن شاء من نسائه، ويجوز أن تهب ليلتها لجميع ضرائرها، فإن كن ثلاثا صار القسم أثلاثا بين الثلاث، وإن وهبت ليلتها ثم رجعت لم يصح الرجوع فيما مضى، لانه هبة اتصل بها القبض، ويصح في المستقبل لانها هبة لم يتصل بها القبض.

(فصل)
وإن كان له إماء لم يكن لهن حق في القسم، فإن بات عند بعضهن لم يلزمه أن يقضى للباقيات، لانه لا حق لهن في استمتاع السيد، ولهذا لا يجوز لهن مطالبته بالفيئة إذا حلف أن لا يطأهن، ولا خيار لهن بجبه وتعنينه، والمستحب أن لا يعطلهن لانه إذا عطلهن لم يأمن أن يفجرن، وإن كان عنده زوجات وإماء فأقام عند الاماء لم يلزمه القضاء للزوجات، لان القضاء يجب بقسم مستحق، وقسم الاماء غير مستحق فلم يجب قضاؤه كما لو بات عند صديق له (الشرح) حديث سودة هذا أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن سعد وسعيد بن منصور والترمذي وعبد الرزاق وسودة بنت زمعة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة بعد موت خديجة عليها السلام ودخل بها وهاجرت معه، ووقع في رواية لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث عائشة، قالت عائشة: وكانت إمرأة تزوجها بعدى ومعناه عقد عليها بعد أن

(16/442)


عقد على عائشة، وأما الدخول بعائشة فكان بعد سودة بالاتفاق، وقد نبه على ذلك ابن الجوزى قوله: وهبت يومها، في رواية البخاري في الهبة: يومها وليلتها وزاد في آخرها تبتغى بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظ أبى داود (ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رسول الله يومى لعائشة، فقبل ذلك منها،
ففيها، وأشباهها نزلت: وإن إمرأة خافت من بعلها نشوزا) الآية.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق، فوهبت.
قال: وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم ابن أبى برة مُرْسَلًا، (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلقها فقعدت له على طريقه فقالت: والذى بعثك بالحق ما لى في الرجال حاجة، ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة، فأنشدك الذى أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها على، قال لا، قالت: فأنشدك لما راجعتني، فراجعها، قالت فإنى قد جعلت يومى وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) والرواية المتفق عليها (أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لعائشة يومها ويوم سودة) وقوله (يومها ويوم سودة) لا نزاع أنه يجوز إذا كان يوم الواهبة واليا ليوم الموهوب لها بلا فصل أن يوالى الزوج بين اليومين للموهوب لها، وأما إذا كان بينهما نوبة زوجة أخرى أو زوجات، فقال العلماء انه لا يقدمه عن رتبته في القسم إلا برضا من بقى، وهل يجوز للموهوب لها أن تمتنع عن قبول النوبة الموهوبه فإن كان قد قبل الزوج لم يجز لها الامتتاع وإن لم يكن قد قبل لم تكره على ذلك.
حكى ذلك في الفتح عن العماء.
وقال في البيان ويجوز للمرأة أن تهب ليلتها لبعض ضرائرها لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج سودة بعد موت خديجة فلما كبرت وأسنت هم النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها فقالت: يا رسول الله لا تطلقني ودعني حتى احشر في جملة أزواجك وقد وهبت ليلتى لاختى عائشة فتركها، فكان يقسم لكل واحدة ليله ليله ولعائشة ليلتين.

(16/443)


إذا ثبت هذا فان القبول فيه إلى الزوج لان الحق له ولا يصح ذلك إلا برضاه لان الاستمتاع حق له عليها، ولا يعتبر فيه رضا الموهوبة لان ذلك زيادة في حقها فان كانت ليلة الواهبة توالى ليلة الموهوبة والاهما لها، وان كانتا غير متواليتين فهل للزوج أن يواليهما من غير رضا الباقيات، فيه وجهان.

(أحدهما)
له ذلك لان لها ليلتين، فلا فائدة في تفرقتهما.

(والثانى)
ليس له ذلك، وهو المذهب ولم يذكر البغوي غيره لانها قائمة مقام الواهبة، وإن وهبتها لزوجها جاز له أن يجعلها لمن شاء من نسائه، لان الحق له، وإن جعلها لواحدة تلى ليلتها ليلة الواهبة، إما قبلها أو بعدها والاهما لها، وان جعلها لمن لا تلى ليلتها فهل له أن يواليهما لها؟ على الوجهين، هكذا نقل البغداديون.
وقال المسعودي: هل للزوج أن يخص بها بعض نسائه، فيه وجهان.
وان وهبتها لجميع ضرائرها صح ذلك وسقط قسمها وصارت كأن لم تكن، فان رجعت الواهبة في ليلتها لم تصح رجعتها فيما مضى، لانها هبة اتصل بها القبض ويصح رجعتها في المستقبل لانها هبة لم يتصل بها القبض، فان لم يعلم الزوج برجعتها حتى قصم ليلتها لغيرها.
قال الشافعي رحمه الله: لم يكن لها بدلها، فان أخذت عن ليلتها عوضا من الزوج لم يصح لانه ليس بعين ولا منفعة، فترد العوض ويقبضها الزوج حقها لانها تركت حقها بعوض ولم يسلم لها العوض.
(مسألة) المتسحب أن يساوى بين الاماء والحرائر، فان لم يفعل فلا شئ عليه، وله أن يطوف على نسائه أو إمائه بغسل واحد إذا حللته عن ذلك في القسم لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطوف على نسائه بغسل واحد، والله تعالى أعلم بالصواب.

(16/444)