المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى:

كتاب الخلع

إذا كرهت المرأة زوجها لقبح منظر، أو سوء عشرة وخافت أن لا تؤدى حقه، جاز أن تخالعه على عوض، لقوله عز وجل " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جناح عليهما فيما افتدت به " وروى أن جميلة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن الشماس وكان يضربها فأتت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ لا أنا ولا ثابت وما أعطاني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خذ منها، فأخذ منها فقعدت في بيتها " وإن لم تكره منه شيئا وتراضيا على الخلع من غير سبب جاز، لقوله عز وجل " فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " ولانه رفع عقد بالتراضى جعل لدفع الضرر فجاز من غير ضرر كالاقالة في البيع، وإن ضربها أو منعها حقها طمعا في أن تخالعه على شئ من مالها لم يجز، لقوله عز وجل " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فإن طلقها في هذه الحال على عوض لم يستحق العوض لانه عقد معاوضة أكرهت عليه بغير حق فلم يستحق فيه العوض كالبيع، فإن
كان ذلك بعد الدخول فله ان يراجعها، لان الرجعة إنما تسقط بالعوض وقد سقط العوض فتثبت الرجعة فيه، فإن زنت فمنعها حقها لتخالعه على شئ من مالها ففيه قولان
(أحدهما)
يجوز ويستحق فيه العوض: لقوله عز وجل " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فدل على أنها إذا أتت بفاحشة جاز عضلها ليأخذ شيئا من مالها
(والثانى)
أنه لا يجوز ولا يستحق فيه العوض، لانه خلع أكرهت عليه بمنع الحق فأشبه إذا منعها حقه لتخالعه من غير زنا، فأما الآية فقد، قبل انها منسوخة بآية الامساك في البيوت وهى قوله تعالى " فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت " ثم نسخ ذلك بالجلد والرجم، ولانه روى عن قتادة انه فسر الفاحشة بالنشوز، فعلى هذا إذا كان ذلك بعد الدخول فله ان يراجعها لما ذكرناه

(17/3)


(الشرح) خبر جميلة بنت سهل يؤخذ على المصنف سوقه بقوله.
وروى أن جميلة.
هكذا بصيغة التمريض مع أن الخبر مروى في صحيح البخاري وسنن النسائي بلفظ عن ابن عباس قال " جاءت امرأة ثابت بن شماس إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت يا رسول الله إنى ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتردين عليه حديقته، قالت نعم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقبل الحديقه وطلقها تطليقه " ورواه ابن ماجه من طريق ازهر بن مروان وهو صدوق مستقيم الحديث وبقية أسناده من رجال الصحيح، وكذلك النسائي والبيهقي أخرجاه بأسانيد رجالها الصحيح ولفظه " عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكن أكره الكفر في الاسلام لا أطيقه بغضا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتردين عليه حديقته، قالت نعم.
فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأخذ حديقته ولا يزداد " وأخرجه النسائي عن
الربيع بنت معوذ " أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها، وهى جميلة بنت عبد الله بن أبى فأتى أخوها يشتكيه إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال له خذ الذى لها عليك وخل سبيلها، قال نعم فأمرها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها " وفى الترمذي عن ابن عباس وقال حسن غريب ولفظه " ان امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تعتد بحيضة " واخرجه الترمذي عن الربيع بنت معوذ، وكذلك النسائي وابن ماجه، واخرجه الدارقطني والبيهقي عن ابى الزبير وروى مالك في موطئه عن حبيبة بن سهل " انها كانت تحت ثابت بن قيس ابن شماس وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلى صلاة الصبح فوجدها عند بابه، فقال من هذه، قالت انا حبيبة بنت سهل، قال ما شأنك، قالت لا انا ولا ثابت بن قيس إلى آخر ما ساقه المصنف من الرواية، اخرجه اصحاب السنن وصححه ابن خزيمه وابن حبان من هذا الوجه، واخرجه ابو داود من حديث عائشة ان حبيبه بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس.
واخرج البزار من حديث

(17/4)


ابن عمر نحوه، قال ابن عبد البر: اختلف في امرأة ثابت بن قيس، فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبى، وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل، قال الحافظ ابن حجر: الذى يظهر لى أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين، بخلاف ما وقع من الاختلاف في تسمية جميلة ونسبتها، فإن سياق قصتها متقارب فأمكن رد الاختلاف فيه إلى الوفاق.
اه ووهم ابن الجوزى فقال: إنها سهلة بنت حبيب، وإنما هي حبيبة بنت سهل ولكنه انقلب عليه ذلك.
وروى الشافعي عن مالك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن عن حبيبة بنت سهل أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلى صلاة الصبح فوجدها على بابه إلى آخر الرواية التى ساقها مالك في موطئه أما اللغات فإن الخلع هو النزع، وخالعت المرأة زوجها إذا افتدت منه وطلقها على الفدية فخلعها هو خلعا والاسم الخلع بالضم وهو استعارة من خلع اللباس وقال ابن بطال: أصل الخلع من خلع القميص عن البدن وهو نزعه عنه وإزالته لانه يزيل النكاح بعد لزومه، وكذا المرأة لباس للرجل وهو لباس لها.
قال تعالى " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " فإذا تخالعا فقد نزع كل واحد منهما لباسه.
وقوله " فكلوه هنيئا مريئا " هنو.
الشئ بالضم مع الهمز هناءة بالفتح و؟ ؟ ؟ ؟ ؟ تيسر من غير مشقة ولا عناء فهو هنئ، ويجوز الابدال والادغام.
وهنانى الولد يهنؤني مهموز من بابى نفع وضرب، وتقول العرب في الدعاء ليهنئك الولد بهمزة ساكنة وبإبدالها باء وحذفها عامى ومعناه سرنى الطعام يهنؤني ساغ ولذ.
وأكلته هنيئا مريئا، أي بلا مشقة، ويهنوه بضم المضارع في الكل لغة.
قال بعضهم: وليس في الكلام يفعل بالضم مهموزا مما ماضيه بالفتح غير هذا الفعل.
ومرؤ الطعام مراءة مثال ضخم ضخامة فهو مرئ، ومرئ بالكسر لغة ومرئته بالكسر أيضا يتعدى ولا يتعدى، واستمرأته وجدته مريئا، وامرأبى الطعام بالالف، ويقال هنأني الطعام.
ومرأنى بغير ألف للازدواج، فإذا أفرد قيل: أمرأنى بالالف.
ومنهم من يقول مر أنى وأمر أنى لغتان، فقوله هنيئا مريئا، أي بطيب نفس ونشاط قلب، وقيل هنيئا لا إثم فيه ومريئا لا داء فيه.

(17/5)


أما الاحكام فإن الخلع ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
مباحان ومحظور، فأحد المباحين إذا كرهت المرأة خلق الزوج أو خلقه أو دينه وخافت أن لا تؤدى حقه
فبذلت له عوضا ليطلقها جاز ذلك وحل له أخذه بلا خلاف، لقوله تعالى " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جناح عليهما فيما افتدت به " ولما رواه الشافعي وغيره من خبر حبيبة بنت سهل وكانت تحت قيس بن ثابت بن شماس إلى آخر الحديث وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي هنا في المهذب جميلة بنت سهل.
وروى أن الربيع بنت معوذ بن عفراء أن جميله بنت عبد الله بن أبى اختلعت على عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني، من المباح أن تكون الحال مستقيمة بين الزوجين ولا يكره أحدهما الآخر فتراضيا على الخلع فيصح الخلع، ويحل للزوج ما بذلت له، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم الضرب الثالث، هو أن يضربها أو يخوفها بالقتل أو يمنعها النفقة والكسوة لتخالعه، فهذا محظور لقوله تعالى " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " والعضل المنع، فإن خالعته في هذه الحال وقع الطلاق ولا يملك الزوج ما بذلته على ذلك - فإن كان بعد الدخول - كان رجعيا، لان الرجعة إنما سقطت لاجل ملكه المال، فإذا لم يملك المال كان له الرجعة، فإن ضربها للتأديب للنشوز فخالعته عقب الضرب صح الخلع، لان ثابت بن قيس كان قد ضرب زوجته فخالعته مع علم النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ عليها ولان كل عقد صح قبل الضرب صح بعده، كما لو حد الامام رجلا ثم اشترى منه شيئا عقيبه.
قال الطبري، وهكذا لو ضربها لتفتدى منه فافتدت نفسها منه عقبيه طائعة صح ذلك لما ذكرناه.
وإن زنت فمنعها حقها لتخالعه فخالعته فقيه قولان
(أحدهما)
أنه من الخلع المباح، لقوله تعالى " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة
مبينة " فدل على أنها إذا أتت بفاحشة جاز عضلها

(17/6)


(والثانى)
انه من الخلع المحظور لانه خلع أكرهت عليه بمنع حقها، فهو كما لو أكرهها بذلك من غير زنا.
وأما الايه فقيل انها منسوخة بالامساك بالبيوت.
وهو قوله تعالى " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم " ثم نسخ ذلك بالجلد والرجم.*
*
* وقال العلامة صديق حسن خان في كتابه حسن الاسوة فيما ورد عن الله ورسوله في النسوة، باب ما نزل في إيراث المرأة والعضل وعدم أخذ المهر منهن وان زاد، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) أي مكرهين على ذلك ومعنى الاية يتضح بمعرفة سبب نزولها، وهو ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال: كان إذا مات الرجل كان أولياؤة أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها - وأن شاءوا لم يزوجوها - فهم أحق بها من أهلها، فنزلت الآيه.
وفى لفظ لابي داود عنه " كان الرجل يرث امرأة ذات قرابة فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها " وفى لفظ لابن جرير وابن أبى حاتم عنه " فإن كانت جميلة تزوجها، وان كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها " وقد روى هذا السبب بألفاظ فمعناها " لا يحل لكم أن تأخذوهن بطريق الارث فتزعمون أنكم أحق بهن من غيركم وتحبسوهن لانفسكم، ولا يحل لكم أن تعضلوهن عن أن يتزوجكن غيركم ضرارا، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن.
أي لتأخذوا ميراثهن إذا متن أو ليدفعن اليكم صداقهن إذا أذنتم لهن في النكاح.
وقيل الخطاب لازواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طمعا في إرثهن أو يفتدين ببعض مهورهن.
واختاره ابن عطية.
اه

(17/7)


(مسألة) قال في البيان: ويصح الخلع بالمهر المسمى وبأقل منه وبأكثر منه وبه قال الثوري ومالك وأبو حنيفة واصحابه وأكثر أهل العلم، وقال طاوس والزهرى والشعبى وأحمد وإسحاق: لا يصح الخلع بأكثر من المهر المسمى اه.
قلت: وقد استدل القائلون بمنع الزيادة بحديث أبى الزبير بإسناد صحيح عند الدارقطني وقال: سمعه أبو الزبير من غير واحد " أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده بنت عبد الله بن أبى بن سلول، وكان أصدقها حديقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته، قالت نعم وزيادة، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الزيادة فلا، ولكن حديقته، قالت نعم، فأخذها له وخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال قد قبلت قضاء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالُوا: ويؤيد ذلك ما عند ابن ماجه والبيهقي من حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم أمره أن يأخذ منها ولا يزداد " وفى رواية عبد الوهاب عن سعيد قال أيوب لا احفظ فيه ولا يزداد.
وفى رواية الثوري وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى، ذكر ذلك كله البيهقى قال ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن عباس.
وقال أبو الشيخ هو غير محفوظ يعنى الصواب إرساله.
وأخرج عبد الرزاق عن على أنه قال.
لا يأخذ منها فوق ما أعطاها، وعن طاوس وعطاء والزهرى مثله، وهو قول أبى حنيفة وأحمد وإسحاق والهادوية، وعن ميمون بن مهران من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرح بإحسان.
وأخرج
عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال ما أحب أن يأخذ منها بأكثر مما اعطاها.
قال مالك لم ار احدا ممن يقتدى به يمنع ذلك لكنه ليس من مكارم الاخلاق، دليلنا على القائلين بالمنع قوله تعالى " فلا جناج عليهما فيما افتدت به " ولم يفرق، وهو عوض مستفاد بعقد فلم يتقدر كالمهر والثمن، ولان ابن سعد اخرج عن الربيع قال كان بينى وبين ابن عمى كلام، وكان زوجها، قالت، فقلت له لك كل شئ وفارقني، قال قد فعلت، فأخذ والله كل فراشي، فجئت عثمان وهو محصور فقال الشرط املك خذ كل شئ حتى عقاص رأسها.
وفى البخاري عن عثمان انه اجاز الخلع دون عقاص رأسها.
وروى البيهقى

(17/8)


عن أبى سعيد الخدرى قال: كانت أختى تحت رجل من الانصار فارتفعا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لها أتردين حديقته؟ قالت: وأزيده، فردت عليه حديقته وزادته، ومحصل هذا كله ان الزيادة جائزة مع عدم لياقتها بمكارم الاخلاق فتحمل أدلة المنع على التنزبه.
ويصح بالدين والعين والمنفعة كما قلنا في المهر، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى
(فصل)
ولا يجوز للاب أن يطلق إمرأة الابن الصغير بعوض وغير عوض لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " إنما الطلاق بيد الذى يحل له الفرج " ولان طريقه الشهوة فلم يدخل في الولاية، ولا يجوز أن يخلع البنت الصغيرة من الزوج بشئ من مالها، لانه يسقط بذلك حقها من المهر والنفقة والاستمتاع فإن خالعها بشئ من مالها لم يستحق ذلك، وإن كان بعد الدخول فله أن يراجعها لما ذكرناه، ومن أصحابنا من قال: إذا قلنا: إن الذى بيده عقدة النكاح هو الولى فله أن يخالعها بالابراء من نصف مهرها، وهذا خطأ، لانه إنما يملك الابراء
على هذا القول بعد الطلاق، وهذا الابراء قبل الطلاق.

(فصل)
ولا يجوز للسفيهة أن تخالع بشئ من مالها لانها ليست من أهل التصرف في مالها، فان طلقها على شئ من مالها لم يستحق ذلك.
كما لا يستحق ثمن ما باع منها، فإن كان بعد الدخول فله أن يراجعها لما ذكرناه، ويجوز للامة أن تخالع زوجها على عوض في ذمتها: ويجب دفع العوض من حيث يجب دفع المهر في نكاح العبد، لان العوض في الخلع كالمهر في النكاح، فوجب من حيث يجب المهر.

(فصل)
ويصح الخلع مع غير الزوجة، وهو أن يقول رجل: طلق إمرأتك بألف على.
وقال أبو ثور: لا يصح لان بذل العوض في مقابلة ما يحصل لغيره سفه، ولذلك لا يجوز أن يقول لغيره: بع عبدك من فلان بألف على، وهذا خطأ لانه قد يكون له غرض، وهو أن يعلم أنهما على نكاح فاسد أو تخاصم دائم، فيبذل العوض ليخلصهما طلبا للثواب، كما يبذل العوض لاستنقاذ أسير

(17/9)


أو حر في يد من يسترقه بغير حق، ويخالف البيع فإنه تمليك يفتقر إلى رضا المشترى، فلم يصح بالأجنبي، والطلاق وإسقاط حق لا يفتقر إلى رضا المرأة فصح بالمالك والاجنبى.
كالعتق بمال.
فان قال: طلق إمرأتك على مهرها وأنا ضامن فطلقها بانت ورجع الزوج على الضامن بمهر المثل في قوله الجديد، وببدل مهرها في قوله القديم، لانه أزال الملك عن البضع بمال ولم يسلم له وتعذر الرجوع إلى البضع، فكان فيما يرجع إليه قولان كما قلنا فيمن أصدق إمرأته مالا فتلف قبل القبض، (الشرح) الاحكام: لا يجوز للاب أن يطلق إمرأة ابنه الصغير أو المجنون بعوض ولا بغير عوض.
قال الحسن وعطاء وأحمد: له أن يطلقها بعوض وبغير
عوض.
وقال مالك: له أن يطلقها بعوض، ولا يصح أن يطلقها بغير عوض دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الطلاق لمن أخذ بالساق " رواه ابن ماجه والدارقطني عن ابن عباس وفى إسناد ابن ماجه ابن لهيعة، وأخرجه ابن عدى وفى إسناده كما في إسناد الدارقطني عصمة بن مالك، وأخرجه الطبراني وفى إسناده يحيى الحمانى.
قال الشوكاني: وطرقه يؤيد بعضها بعضا.
وقال ابن القيم: ان حديث ابن عباس وإن كان في اسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس.
قلت ولان في ذلك اسقاط حقه من النكاح فلم يصح من الاب كالابراء عن دينه.
(فرع)
وان قال رجل لآخر: طلق ابنتى وأنت برئ من مهرها أو على أنك براء من مهرها، فطلقها الزوج وقع الطلاق ولا يبرأ من مهرها سواء كانت كبيرة أو صغيرة لانها إن كانت كبيرة فلانه لا يملك التصرف في مالها وان كانت صغيرة فلا يجوز له التصرف في مالها بمالا حظ لها فيه ولا يلزم الآن للزوج شئ لانه لم يضمن له وقال أبو على بن أبى هريرة: إذا قلنا ان الولى الذى بيده عقدة النكاح صح إذا كانت صغيرة أو مجنونة، وهذا ليس بشئ، لان هذا الابراء قبل الطلاق، وان قال طلقها وأنت برئ من مهرها وعلى ضمان الدرك، أو إذا طالبتك فأنا ضامن

(17/10)


فطلقها وقع الطلاق ثانيا، ولا يبرأ الزوج من المهر ويكون له الرجوع على الاب وبماذا يرجع عليه؟ فيه قولان
(أحدهما)
بمهر مثلها
(والثانى)
بمثل مهرها المسمى.
هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي: إذا قال: طلقها على أنك برئ من مهرها فطلقها لم يقع الطلاق.
وأما إذا قال: وأنت برئ من صداقها وأنا ضامن: أو إذا طالبتك
فأنا ضامن ففيه وجهان بناء على القولين في من بيده عقدة النكاح.
ولو خالعه الاب بعين من الاعيان من مالها وضمن الاب دركها وقع الطلاق بائنا ولا يملك الزوج العين، وبماذا يرجع على الاب؟ على قولين
(أحدهما)
بمهر مثلها
(والثانى)
بقدر العين، هذا نقل البغداديين.
وقال المسعودي: إذا كان الزوج جاهلا بأنها من مالها فسد العوض، وفيما ترجع به على الاب القولان، وان علم أنها من مالها، فإن نسب الاب ذلك إلى مالها وقع الطلاق رجعيا، وان أطلق فوجهان.

(أحدهما)
يقع رجعيا لانه قد علم أنه من مالها
(والثانى)
يقع بائنا ولا يملك العين، وبماذا يرجع على الاب على القولين، لانه إذا لم يضف ذلك إلى مالها احتمل انتقال ملكها إلى الاب.
وقال ابن قدامة من الحنابلة إذا قال الاب طلق ابنتى وأنت برئ من صداقها فطلقها وقع الطلاق رجعيا ولم يبرأ من شئ لم يرجع على الاب ولم يضمن له لانه أبرأه مما ليس له الابراء منه فأشبه الأجنبي.
قال القاضى: وقال أحمد: انه يرجع على الاب، وقال وهذا محمول على أن الزوج كان جاهلا بأن ابراء الاب لا يصح، فكان له الرجوع عليه لانه غره فرجع عليه كما لو غره فزوجه معيبة، وان علم أن ابراء الاب لا يصح لم يرجع بشئ ويقع الطلاق رجعيا لانه خلا عن العوض وفى الموضع الذى يرجع عليه الطلاق بائنا لانه بعوض، فإن قال الزوج هي طالق ان أبرأتني من صداقها، فقال الاب قد أبرأتك لم يقع الطلاق لانه لا يبرأ.
وروى عن أحمد أن الطلاق واقع، فيحتمل أنه أوقعه إذا قصد الزوج تعليق

(17/11)


الطلاق على مجرد التلفظ بالابراء دون حقيقة البراءة، وإن قال الزوج: هي
طالق إن برئت من صداقها لم يقع لانه علقه على شرط ولم يوجد، وان قال الاب طلقها على ألف من مالها وعلى الدرك فطلقها طلقت بائنا لانه بعوض وهو ما لزم الاب من ضمان الدرك ولا يملك الالف لانه ليس له بذلها اه.
قوله
(فصل)
ولا يجوز للسفيهة إلخ.
فإنه كما قال، إذ لا يجوز للسفيهة أن تخالع بشئ من مالها ولا في ذمتها سواء أذن لها الولى أو لم يأذن، لانه لا حظ لها في ذلك، فإن فعلت ذلك وقع الطلاق رجعيا، لان الرجعية انما تسقط لان الزوج يملك العوض، ويصح خلف المحجور عليها لفلس، وبذلها للعوض صحيح، لان لها ذمة يصح تصرفها فيها، ويرجع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها، وليس له مطالبتها في حال حجرها كما لو استدانت منه أو باعها شيئا في ذمتها.
هذا مذهبنا ومذهب أحمد وأصحابه قوله
(فصل)
ويصح الخلع مع غير الزوجة الخ.
وهو كما قال إذ لو قال الرجل لآخر: طلق امرأتك بألف على فطلقها وقع الطلاق بائنا، واستحق الزوج الالف على السائل، وبه قال عامة أهل العلم الا أبا ثور فإنه قال: يقع الطلاق رجعيا، ولا يستحق على السائل عوض، فيكون سفها من السائل لو بذل عوضا فيما لا منفعة له فيه، فان الملك لا يحصل له، فأشبه ما لو قال بع عبدك لزيد على دليلنا أنه بذل مال في مقابلة اسقاط حق عن غير فصح كما لو قال اعتق عبدك وعلى ثمنه، ولانه لو قال أسقط متاعك في البحر وعلى ثمنه صح ولزمه ذلك مع أنه لا يسقط حقا عن أحد، فههنا أولى، ولانه حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين، وفارق البيع فانه تمليك فلا يجوز بغير رضاء من يثبت له الملك، وان قالت له طلقني وضرتى بألف فطلقهما وقع الطلاق بهما بائنا واستحق الالف على بادلته لان الخلع مع الأجنبي جائز، وان طلق احداهما فانها تطلق طلاقا بائنا ولزم الباذلة بحصتها من الالف، وهذا مذهبنا ومذهب
أحمد، الا أن بعض أصحابنا قال يلزمه مهر مثل المطلقة.
وقياس قول بعض الاصحاب فيما إذا قالت: طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يلزمها شئ

(17/12)


ووقعت بها التطليقة أن لا يلزم الباذلة ههنا شئ لانه لم يجبها إلى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت، ولانه قد يكون غرضها في بينونتهما جميعا منه، فإذا طلق إحداهما لم يحصل غرضها فلا يلزمها عوضها.
وان قالت طلقني بألف على أن تطلق ضرتي أو على أن لا تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والعوض باطلان ويرجع إلى مهر المثل في قوله الجديد، وببذل مهرها في قوله القديم لان الشرط سلف في الطلاق، والعوض بعضه في مقابلة الشرط الباطل، فيكون الباقي مجهولا.
وقال أحمد وأصحابه: الخلع صحيح والشرط والبذل لازم، لانها بذلت عوضا في طلاقها وطلاق ضرتها فصح، كما لو قالت طلقني وضرتى بألف، فإن لم يف لها بشرطها فعليها الاقل من المسمى أو الالف الذى شرطته، قالوا ويحتمل أن لا يستحق شيئا من العوض لانها إنما بذلته بشرط لم يوجد فلا يستحقه كما لو طلقها بغير عوض.
وقال أبو حنيفة: الشرط باطل والعوض صحيح، لان العقد يستقل بذلك العوض قلت: قد يكون في دخول الأجنبي للتفرقة بين المرء وزوجه تطفل وفضول أو سفه كما يقول أبو ثور، إلا أن الذى بيده عقدة النكاح - إذا قلنا هو الزوج - فانه هو الموقع للطلاق.
وقد يكون في فضول الأجنبي نوع من الغوث وإنقاذ مكروبة تقع في يد من يظلمها فهو يبتغى بتخلصها من الظلم ثواب الاخرة.
فإذا صح احتمال هذا صحت القضية وتوجه تدخل الأجنبي بما التزم من البذل والشرط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى

(فصل)
ويجوز الخلع في الحيض: لان المنع من الطلاق في الحيض للضرر الذى يلحقها بتطويل العدة، والخلع جعل للضرر الذى يلحقها بسوء العشرة والتقصير في حق الزوج، والضرر بذلك أعظم من الضرر بتطويل العدة، فجاز دفع أعظم الضررين بأخفهما.
ويجوز الخلع من غير حاكم لانه قطع عقد بالتراضى جعل لدفع الضرر، فلم يفتقر إلى الحاكم كالاقالة في البيع.

(17/13)


(فصل)
ويصح الخلع بلفظ الخلع والطلاق، فإن خالعها بصريح الطلاق أو بالكناية مع النية فهو طلاق، لانه لا يحتمل غير الطلاق، فإن خالعها بصريح الخلع نظرت، فان لم ينو به الطلاق ففيه ثلاثة أقوال
(أحدهما)
أنه لا يقع به فرقة، وهو قوله في الام، لانه كناية في الطلاق من غير نية فلم يقع بها فرقة، كما لو عريت عن العوض
(والثانى)
أنه فسخ، وهو قوله في القديم، لانه جعل للفرقة فلا يجوز أن يكون طلاقا، لان الطلاق لا يقع إلا بصريح أو كناية مع النية، والخلع ليس بصريح في الطلاق ولا معه نية الطلاق، فوجب أن يكون فسخا.
(والثالث) أنه طلاق، وهو قوله في الاملاء، وهو اختيار المزني، لانها إنما بذلت العوض للفرقة، والفرقة التى يملك إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ، فوجب أن يكون طلاقا، فإن قلنا إنه فسخ صح بصريحه، وصريحه الخلع والمفاداة، لان المفاداة ورد بها القرآن، والخلع ثبت له العرف، فإذا خالعها بأحد هذين اللفظين انفسخ النكاح من غير نية، وهل يصح الفسخ بالكناية كالمباراة والتحريم وسائر كنايات الطلاق، فيه وجهان
(أحدهما)
لا يصح لان الفسخ لا يصح تعليقه على الصفات فلم يصح بالكناية
كالنكاح
(والثانى)
يصح لانه أحد نوعي الفرقة فانقسم لفظها إلى الصريح والكناية كالطلاق، فعلى هذا إذا خالعها بشئ من الكنايات لم ينفسخ النكاح حتى ينويا.
واختلف أصحابنا في لفظ الفسخ، فمنهم من قال هو كناية لانه لم يثبت له عرف في فرقة النكاح، ومنهم من قال هو صريح لانه أبلغ في معنى الفسخ من لفظ الخلع، وان خالع بصريح الخلع ونوى به الطلاق - فان قلنا بقوله في الاملاء - فهو طلاق، لانه إذا كان طلاقا من غير نية الطلاق فمع النية أولى، وان قلنا بقوله في الام فهو طلاق، لانه كناية في الطلاق اقترنت به نية الطلاق، وان قلنا بقوله في القديم ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه طلاق لانه يحتمل الطلاق، وقد اقترنت به نية الطلاق
(والثانى)
أنه فسخ لانه على هذا القول صريح في فسخ النكاح فلا يجوز أن يكون كناية في حكم آخر من النكاح كالطلاق لما كان صريحا في فرقة النكاح لم يجز أن يكون كناية في الظهار

(17/14)


(الشرح) الاحكام: يصح الخلع في الحيض لقوله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولم يفرق، وخالعت حبيبة بنت قيس زوجها بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسألها هل هي حائض أو طاهر، فدل على أن الحكم لا يختلف، ويصح الخلع من غير حاكم، وبه قال عامة أهل العلم.
وقال الحسن البصري وابن سيرين لا يصح إلا بالحاكم، ودليلنا قوله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولم يفرق.
قوله: فصل ويصح الخلع بلفظ الطلاق الخ.
فهو كما قال، ذلك أنه إذا خالعها بصريح الطلاق أو بشئ من كنايات الطلاق ونوى به الطلاق فهو طلاق ينقص به العدد في الطلاق.
وإن خالعها بلفظة الخلع ولم ينو به الطلاق ففيه قولان.

(أحدهما)
وهو قوله في القديم أنه فسخ، وبه قال ابن عباس وعكرمة وطاوس
وأحمد وإسحاق وأبو ثور، واختاره ابن المنذر والمسعودي، لانه نوع فرقة لا تثبت فيه الرجعة بحال فكان فسخا، كما لو أعتقت الامة تحت عبد ففسخت النكاح، فعلى هذا لا ينقص به عدد الطلاق، بل لو خالعها ثلاث مرات وأكثر حلت له قبل زوج.

(والثانى)
أنه طلاق، وَبِهِ قَالَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وابن مسعود ومالك والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، لانه فرقة لا يفتقر إلى تكرار اللفظ ولا تنفرد به المرأة فكان طلاقا كصريح الطلاق.
فقولنا لا يفتقر إلى تكرار احتراز من اللعان.
وقولنا لا تنفرد به المرأة احتراز من الردة، فإذا قلنا بهذا فهل هو صريح أو كناية؟ فيه قولان قال في الاملاء هو صريح في الطلاق، لان دخول العوض فيه كدخول النية في كنايات الطلاق، وقال في الام هو كناية في الطلاق، فلا يقع به الطلاق الا بالنية كسائر كنايات الطلاق، فإذا قلنا انه طلاق نقص به عدد الطلاق، وان قلنا ان الخلع فسخ كان صريحه الخلع والمفاداة، لان الخلع وردت به السنة وثبت له عرف الاستعمال، والمفاداة ورد بها القرآن وثبت لها عرف الاستعمال، فإن قالت افسخني على ألف، أو اسحبنى بألف، فقال أسحبك أو فسختك، فهل هو صريح في الفسخ أو كغاية فيه؟ على وجهين

(17/15)


(أحدهما)
أنه كناية في الفسخ فلا يقع به الفسخ حتى ينويا الفسخ، لانه لم يثبت به عرف الاستعمال ولم يرد به الشرع.

(والثانى)
أنه صريح فيه، فينفسخ النكاح من غير نية - قال في البيان - وهو الاصح لانه حقيقة فيه، ومعروف في عرف أهل اللسان، فإن قالت خلنى على ألف أو بتنى أو غير ذلك من كنايات الطلاق، فقال خليتك أو بتتك ولم ينويا
الطلاق - فان قلنا ان الخلع صريح بالطلاق وبدخوله العوض - صارت هذه الكنايات صريحة في الطلاق بدخول العوض فيها، وان قلنا ان الخلع كناية في الطلاق - فان نويا الطلاق في هذه الكنايات - كان طلاق بائنا واستحق العوض وان لم ينويا الطلاق لم يقع الطلاق ولم يستحق العوض، لان الكناية لا يقع بها الطلاق من غير نية.
وان نوت الطلاق ولم ينو الزوج لم يقع الطلاق لانه هو الموقع، وإن نوى الزوج ولم تنو هي ففيه وجهان حكاهما ابن الصباغ
(أحدهما)
يقع طلقة رجعية ولا يستحق العوض لانه نوى الطلاق ولم يوجد منها استدعاء الطلاق
(والثانى)
وهو المذهب أنه لا يقع طلاق لانه أوقعه بعوض، فإذا لم يثبت العوض لم يقع الطلاق، وان قلنا ان الخلع فسخ ونويا بهذه الكنايات الفسخ فهل ينفسخ النكاح.
فيه وجهان
(أحدهما)
لا ينفسخ، لان الفسخ لا يصح تعليقه بالصفة فلم يصح بالكناية
(والثانى)
ينفسخ - وهو المذهب - لانه أحد نوعي الفرقة، فانقسم إلى الصريح والكناية كالطلاق، وان خالعها بصريح الخلع ونويا به الطلاق، فان قلنا ان الخلع صريح في الطلاق أو كناية فيه وقع الطلاق.
وان قلنا انه فسخ ففيه وجهان حكاهما المصنف
(أحدهما)
لا يقع به الطلاق ويكون فسخا لانه صريح في الفسخ فلم يجز أن يكون كناية في حكم آخر من النكاح، كما لا يجوز أن يكون الطلاق كناية في الظهار
(والثانى)
ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره أنه يقع به الطلاق لانه يحتمل الطلاق، وقد اقترنت به نية الطلاق (فرع)
إذا قالت خالعني على ألف ونوت الطلاق فقال طلقتك وقع الطلاق بائنا واستحق الالف، سواء قلنا الخلع صريح في الطلاق أو كناية - لانا ان قلنا

(17/16)


إنه صريح - فقد أجابها إلى ما سألت - وإن قلنا إنه كناية - فقد سألت كنايه وأجابها بالصريح فكان أكثر مما سألت.
وإن قالت طلقني على ألف فقال خالعتك ونوى به الطلاق.
أو قلنا إنه صريح في الطلاق استحق الالف.
وقال ابن خيران إذا قلنا إنه كناية لم يقع عليها ولم يستحق الالف لانها بذلت الالف للصريح ولم يجبها إليه والاول أصح، لان الكناية مع النية كالصريح، وان لم ينو به الطلاق لم يقع به طلاق ولا فسخ، لانه لم يجبها إلى ما سألت.
وان قالت اخلعني على ألف فقال خلعتك على ألف - وقلنا الخلع فسخ - فيه وجهان
(أحدهما)
لا يقع عليها طلاق، ولا يستحق عوضا لانه لم يجبها إلى ما سألت
(والثانى)
يقع عليها الطلاق ويستحق الالف، لانه أجابها إلى أكثر مما سألت منه
قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
ويصح الخلع منجزا بلفظ المعاوضة لما فيه من المعاوضة ويصح معلقا على شرط لما فيه من الطلاق.
فأما المنجز بلفظ المعاوضة فهو أن يوقع الفرقة بعوض، وذلك مثل أن يقول: طلقتك أو أنت طالق بألف، وتقول المرأة قبلت، كما تقول في البيع: بعتك هذا بألف، يقول المشترى قبلت، أو تقول المرأة طلقني بألف، فيقول الزوج طلقتك، كما يقول المشترى بعنى هذا بألف، ويقول البائع بعتك ولا يحتاج أن يعيد في الجواب ذكر الالف، لان الاطلاق يرجع إليه كما يرجع في البيع، ولا يصح الجواب في هذا إلا على الفور كما نقول في البيع، ويجوز للزوج أن يرجع في الايجاب قبل القبول، وللمرأة أن ترجع في الاستدعاء قبل الطلاق كما يجوز في البيع وأما غير المنجز فهو أن يعلق الطلاق على ضمان مال أو دفع مال، فإن كان بحرف (ان) بأن قال: إن ضمنت لى ألفا فأنت طالق، لم يصح الضمان إلا على الفور، لانه لفظ شرط يحتمل الفور والتراخى، إلا أنه لما ذكر العوض صار
تمليكا بعوض فاقتضى الجواب على الفور كالتمليك في المعاوضات

(17/17)


وان قال ان أعطيتني ألفا فأنت طالق لم تصح العطية الا على الفور، بحيث يصلح أن تكون جوابا لكلامه لان العطية ههنا هي القبول، ويكفى أن تحضر المال وتأذن في قبضه أخذ أو لم يأخذ، لان اسم العطية يقع عليه وان لم يأخذ، ولهذا يقال أعطيت فلانا مالا فلم يأخذه.
وان قالت طلقني بألف، فقال أنت طالق بألف ان شئت لم يقع الطلاق حتى توجد المشيئة: لانه أضاف إلى ما التزمت المشيئة فلم يقع الا بها، ولا تصح المشيئة الا بالقول وهو أن تقول على الفور شئت لان المشيئة وان كانت بالقلب الا أنها لا تعرف الا بالقول، فصار تقديره أنت طالق ان قلت شئت، ويصح الرجوع قبل الضمان وقبل العطية وقبل المشيئة كما يجوز فيما عقد بلفظ المعاوضة.
وان كان بحرف متى وأى وقت.
بأن يقول متى ضمنت لى أو أي وقت ضمنت لى ألفا فأنت طالق جاز أن يوجد الضمان على الفور وعلى التراخي.
والفرق بينه وبين قوله ان ضمنت لى ألفا أن اللفظ هناك عام في الزمانين.
ولهذا لو قال ان ضمنت لى الساعة أو ان ضمنت لى غدا جاز، فلما اقترن به ذكر العوض جعلناه على الفور قياسا على المعاوضات.
والعموم يجوز تخصيصه بالقياس.
وليس كذلك قوله متى وأى وقت.
لانه نص في كل واحد من الزمانين صريح في المنع من التعيين في أحد الزمانين.
ولهذا لو قال أي وقت أعطيتني الساعة كان محالا.
وما يقتضيه الصريح لا يترك بالقياس.
وان رجع الزوج في هذا قبل القبول لم يصح.
لان حكمه حكم الطلاق المعلق بالصفات دون المعاوضات وان كان بحرف (إذا) بأن قال إذا ضمنت لى ألفا فأنت طالق، فقد ذكر
جماعة من أصحابنا أن حكمه حكم قوله ان ضمنت لى في اقتضاء الجواب على الفور وفى جواز الرجوع فيه قبل القبول.
وعندي أن حكمه حكم متى.
وأى وقت.
لانه يفيد ما يفيده متى: وأى وقت.
ولهذا إذا قال: متى ألقاك جاز أن يقول إذا شئت كما يجوز أن يقول متى شئت وأى وقت شئت بخلاف ان.
فإنه لو قال: متى ألقاك لم يجز أن يقول ان شئت

(17/18)


(الشرح) الاحكام: يصح الخلع منجزا لما فيه من المعاوضة، ويصح معلقا على شرط لما فيه من الطلاق، فالمنجز أن يوقع الفرقة بعضو مثل أن يقول الزوج طلقتك أو خالعتك أو فاديتك بألف، فتقول الزوجة عقيب ذلك قبلت كما يقول البائع بعتك هذا بألف ويقول المشترى: قبلت، وللزوج أن يرجع في الايجاب قبل القبول كما قلنا في البائع، فإن قالت الزوجة طلقني بألف، فقال الزوج عقيب استدعائها طلقتك.
ولو قالت الزوجة اخلعني أو خالعني بألف، فقال عقيب استدعائها خلعتك أو خالعتك صح كما يقول المشترى بعنى هذا بألف فيقول البائع بعتك، فان تأخرت إجابته لها على الفور بطل الاستدعاء ولها أن ترجع قبل أن يجيبها.
كما قلنا في المشترى، فان قالت الزوجة خالعتك بألف، فقال الزوج قبلت لم يصح ولم تقع بذلك فرقة لان الايقاع إليه دونها، وقوله قبلت ليست بايقاع، فهو كما لو قالت له طلقتك بألف فقال قبلت، وإن قالت له إن طلقتني، أو إذا طلقتني أو متى طلقتني أو متى ما طلقتني فلك على ألف، فقال طلقتك وقع الطلاق ثانيا واستحق الالف عليها، لان الطلاق لا يحتاج إلى استدعائها ورضاها به، ولهذا لو طلقها بنفسه صح، وانما الذى يحتاج إليه منها هو التزامها للمال وقد وجد الالتزام منها، ويعتبر أن يكون جوابه على الفور، لانه معاوضة محضة من جهتها فاقتضى الجواب على الفور.
وان قال ان بعتني هذا
فلك الف، ففيه وجهان حكاهما المسعودي.

(أحدهما)
يصح كما قلنا في الخلع.

(والثانى)
لا يصح - وهو المشهور - لان البيع تمليك يحتاج فيه إلى رضى الملك.
وقوله ان بعتني، ليس بقبول ولا جار مجراه، ولهذا نذكر ما قال علماء اللغة في حرف (ان) ووظيفتها في الاستعمال، فقال العلامة الفيومى في المصباح، وأما ان بالسكون فتكون حرف شرط.
وهو تعليق أمر على أمر نحو ان قمت قمت.
ولا يعلق بها الا ما يحتمل وقوعه، ولا تقتضي الفور.
بل تستعمل في الفور والتراخى مثبتا كان الشرط أو منفيا فقوله: ان دخلت الدار أو ان لم تدخلي الدار فأنت طالق يعم الزمانين.

(17/19)


قال الازهرى: وسئل ثعلب: لو قال لامرأته: إن دخلت الدار أو إن لم تدخلي الدار إن كلمت زيدا فأنت طالق متى تطلق؟ فقال: إن فعلتهما جميعا لانه أتى بشرطين، فقيل له: لو قال أنت طالق إن احمر البسر فقال: هذه المسألة محال، لان البسر لابد أن يحمر، فالشرط فاسد فقيل له: لو قال إذا احمر البسر فقال: تطلق إذا احمر، لانه شرط صحيح ففرق بين إن وبين إذا فجعل " ان " للممكن، و " إذا " للمحقق، فيقال: إذا جاء رأس الشهر، وان جاء رأس الشهر وان جاء زيد، وقد تتجرد عن معنى الشرط فتكون بمعنى " لو " نحو صل وان عجزت عن القيام، ومعنى الكلام حينئذ الحاق الملفوظ بالمسكوت عنه في الحكم أي صل، سواء قدرت على القيام أو عجزت عنه، ومنه يقال: أكرم زيدا.
وان قعد، قالوا وللحال والتقدير، ولو في حال قعوده، وفيه نص على ادخال الملفوظ بعد الواو تحت ما يقتضيه اللفظ من الاطلاق والعموم إذ لو اقتصر على
قوله: أكرم زيدا لكان مطلقا والمطلق جائز التقييد فيحتمل ما بعد الواو تحت العموم، ويحتمل خروجه على ارادة التخصيص، فيتعين الدخول بالنص عليه ويزول الاحتمال، ومعناه أكرمه سواء قعد أو لا، ويبقى الفعل على عمومه وتمتنع ارادة التخصيص حينئذ.
قال المرزوقى في شرح الحماسه: وقد يكون في الشرط معنى الحال كما يكون في الحال معنى الشرط.
قال الشاعر: عاود هراة وان معمورها خربا ففى الواو معنى الحال أي ولو في حال خرابها، ومثال الحال يتضمن معنى الشرط لافعلنه كائنا ما كان.
والمعنى ان كان هذا وان كان غيره وتكون للتجاهل كقولك لمن سألك، هل ولدك في الدار؟ وأنت عالم به ان كان في الدار أعليك به وتكون لتنزيل العالم منزلة الجاهل تحريضا على الفعل أو دوامه كقولك ان كنت ابني فأطعني، وكأنك قلت: أنت تعلم أنك ابني ويجب على الابن طاعة الاب وأنت غير مطيع فافعل ما تؤمر به.

(17/20)


وقال بعض أصحابنا المتأخرين: وان قالت له أجزت لك ألفا لتطلقني أو على أن تطلقني فقال أنت طالق، طلقت واستحق عليها الالف.
وقال ابن الصباغ: إذا استأجرته على أن يطلق ضرتها لم يصح.
وأما المعلق فمثل أن يعلق الطلاق على ضمان مال أو عطاء مال فينظر فيه، فإن كان بحرف ان مثل أن قال ان ضمنت لى ألفا فأنت طالق، فإن قالت ضمنت بحيث يصح أن يكون جوابا لكلامه وقع الطلاق، لانه وجد الشرط، وان تأخر الضمان عن قوله بزمان طويل أو بعد أن أخذت في كلام لم يقع الطلاق ولم يلزمها الالف لانه معاوضة، ومن شرط القبول فيه على الفور.
وان ضمنت له في المجلس بعد
زمان ليس بطويل ففيه وجهان حكاهما الصيمري قال ظاهر النص أنه يلزم ذلك وان قال: ان اعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته بحيث يصلح أن يكون جوابا لكلامها وقع الطلاق ويكفى أن تحضر الالف وتأذن له في قبضها سواء أخذها أو لم يأخذها لانه يقع عليها اسم العطية.
وان تأخرت العطية عن الفور بسبب منها بأن لم تعطه اياها وبسبب منه بأن غاب أو هرب لم يقع الطلاق لانه لم يوجد الشرط، وإذا أخذ الالف فهل يملكها.
وقال عامة أصحابنا: يملكها لانه معافى منه فملكها، كما لو قال: طلقتك على هذه الالف فقالت قبلت.
وحكى أبو على الشيخى فيها وجهين
(أحدهما)
يملكها لما ذكرناه
(والثانى)
لا يملكها وهو قول المزني وابن القاص، لانه معاوضة فلم يصح تعليقها على الصفة كالبيع، فعلى هذا يرد الالف إليها ويرجع عليها بمهر مثلها، والاول هو المشهور.
فإن قال: ان قبضت منك ألفا فأنت طالق فجاءته بألف ووضعته بين يديه وأذنت له في قبضه فلم يقبضه لم يقع الطلاق، لان الصفة لم توجد، وان أكرهها على الاقباض فقبض.
قال المسعودي: وقع الطلاق رجعيا ورد المال إليها.
قال المصنف: ويصح رجوع الزوج عن الضمان والعطية كما قلنا فيما عقد بلفظ المعاوضة، فإن قالت طلقني بألف، فقال أنت طالق ان شئت، فان وجدت المشيئة منها فالقول جوابا

(17/21)


لكلامه على الفور وقع الطلاق بائنا ولزمها الالف لانه علق الطلاق بالمشيئة منها وقد وجدت وان تأخرت مشيئتها عن الفور لم يقع الطلاق، لان الشرط لم يوجد لانه لم يرض بطلاقها إلا بعوض، ولا يلزم العوض الا بالقبول على الفور: وان قالت: طلقني بألف فقال لها: طلقي نفسك ان شئت، فان قالت
طلقت نفسي لزمها الالف ولا يشترط أن تقول: شئت لان طلاقها لنفسها يدل على مشيئتها كقوله: متى ضمنت لى ألفا فأنت طالق، أو متى ما ضمنت لى أو أي وقت ضمنت لى أو أي حين ضمنت لى أو أي زمان، فمتى ضمنت له على الفور وعلى التراقي وقع عليها الطلاق، لان هذه الالفاظ تستغرق الزمان كله وتعمه في الحقيقة بخلاف " ان " فإنه لا يعم الزمان ولا يستغرقه، وانما هو كلمة شرط تحتمل الفور والتراخى الا إذا قرن به العوض حمل على الفور، لان المعاوضة تقتضي الفور، فان رجع الزوج قبل الضمان لم تصح رجعته لانه تعليق طلاقه بصفة فلم يصح رجوعه كما لو قال لها: ان دخلت الدار فأنت طالق وان كان ذلك بحرف " إذا " بأن قال: إذا أعطيتني ألفا، وإذا ضمنت لى ألفا فأنت طالق، فقد ذكر أكثر أصحابنا أن حكمه حكم قوله: أن ضمنت لى ألفا أو ان أعطيتني ألفا، لانها كلمة شرط لا تستغرق الزمان، فهى كقوله: ان ضمنت لى.
وقال المصنف: حكمه حكم قوله متى ضمنت لى أو أي وقت ضمنت لى، لانها تفيد ما تفيده متى وأى وقت، ولهذا لو قال: متى ألقاك جاز أن يقول: إذا شئت، كما يجوز أن يقول متى شئت بخلاف " ان " فانها لا تفيد ما تفيده متى، ولهذا لو قال له متى ألقاك لم يجز أن يقول ان شئت، وهكذا ان قال: أنت طالق أن أعطيتني ألفا بفتح الهمزة وقع الطلاق عليها، وكان مقرا بأنها أعطته ألفا فترد إليها.
(فرع)
إذا قال لها ان ضمنت لى ألفا فطلقي نفسك، فانه يقتضى ضمانا وتطليقا على الفور بحيث يصلح أن يكون جوابا لكلامه، وسواء قالت ضمنت

(17/22)


الالف وطلقت نفسي أو قالت طلقت نفسي وضمنت الالف فانه يصح لانه تمليك
بعوض فكان القبول فيه على الفور كالبيع.
(فرع)
قال الشافعي: ولو أخذ منها ألفا على أن يطلقها إلى شهر فطلقها فالطلاق ثابت ولها الالف وعليها مهر المثل.
قال أصحابنا: وهذا يحتمل ثلاثة تأويلات.
(أحدها) أنه أراد إذا مضى الشهر طلقها فلا يصح، لانه سلف في الطلاق.

(والثانى)
أنه أراد أن يطلقها الآن ثم يرفع الطلاق بعد شهر فلا يصح، لان الطلاق إذا وقع لم يرفع.
(الثالث) أنه أراد أن يطلقها ان شاء الساعة، وان شاء إلى شهر، فلا يصح لانه سلف في الطلاق، ولان وقت ايقاع الطلاق مجهول، وان قالت له إذا جاء رأس الشهر وطلقتني فلك على ألف فطلقها عند رأس الشهر أو قال لها.
إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق على الالف، فقالت قبلت ففيه وجهان.

(أحدهما)
يصح لان الطلاق يصح تعليقه على الصفات.
(الثاني) لا يصح وهو الاصح لان المعاوضة لا يصح تعليقها على الصفات فإذا قلنا يصح - قال ابن الصباغ - وجب تسليم العوض في الحال لانها رضيت بتأجيل المعوض، وان قلنا: لا يصح، فأعطته ألفا وقع عليها الطلاق وردت الالف إليها، ورجع عليها بمهر مثلها، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
(فصل)
ويجوز الخلع بالقليل والكثير والدين والعين والمال والمنفعة، لانه عقد على منفعة البضع فجاز بما ذكرناه كالنكاح، فان خالعها على أن تكفل ولده عشر سنين وبين مدة الرضاع وقدر النفقة وصفتها فالمنصوص أنه يصح، فمن أصحابنا من قال فيه قولان لانها صفقة جمعت بيعا واجارة، ومنهم من قال يصح قولا واحدا لان الحاجة تدعو إلى الجمع بينهما لانه إذا أفرد أحدهما لم يمكنه
أن يخالع على الآخر وفى غير الخلع يمكنه أن يفرد أحدهما ثم يعقد على الآخر، وان مات الولد بعد الرضاع ففى النفقة وجهان.

(17/23)


(أحدهما)
أنها تحل لانها تأجلت لاجله وقد مات
(والثانى)
لا تحل لان الدين إنما يحل بموت من عليه دون من له
(فصل)
وإن خالعها خلعا منجزا على عوض ملك العوض بالعقد وضمن بالقبض كالصداق، فإن كان عينا فهلكت قبل القبض، أو خرج مستحقا أو على عبد فخرج حرا، أو على خل فخرج خمرا رجع إلى مهر المثل في قوله الجديد، وإلى بدل المسمى في قوله القديم، كما قلنا في الصداق.
وإن خالعها على أن ترضع ولده فماتت فهو كالعين إذا هلكت قبل القبض، وإن مات الولد ففيه قولان
(أحدهما)
يسقط الرضاع ولا يقوم غير الولد مقامه لانه عقد على إيقاع منفعة في عين، فإذا تلفت العين لم يقم غيرها مقامها، كما لو أكراه ظهرا للركوب فهلك الظهر.
فعلى هذا يرجع إلى مهر المثل في قوله الجديد.
والى أجرة الرضاع في قوله القديم.
(والقول الثاني) أنه لا يسقط الرضاع.
بل يأتيها بولد آخر لترضعه لان المنفعة باقية، وإن مات المستوفى قام غيره مقامه، كما لو اكترى ظهرا ومات فان الوارث يقوم مقامه.
فعلى هذا إن لم يأت بولد آخر حتى مضت المدة ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يرجع عليها لانها مكنته من الاستيفاء فأشبه إذا أجرته دارا وسلمتها إليه فلم يسكنها
(والثانى)
يرجع عليها لان المعقود عليه تحت يدها فتلف من ضمانها كما لو باعت منه شيئا وتلف قبل أن يسلم.
فعلى هذا يرجع بمهر المثل في قوله الجديد وبأجرة الرضاع في قوله القديم.
وان خالعها على خياطة ثوب فتلف الثوب فهل تسقط الخياطة أو يأتيها بثوب آخر لتخيطه؟ فيه وجهان
بناء على القولين في الرضاع
(فصل)
ويجوز رد العوض فيه بالعيب لان اطلاق العقد يقتضى السلامة من العيب فثبت فيه الرد بالعيب كالمبيع والصداق فإن كان العقد على عين بأن طلقها على ثوب أو قال إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته ووجد به عيبا فردته رجع إلى مهر المثل في قوله الجديد وإلى بدل العين سليما في قوله القديم كما ذكرناه في الصداق.
وان كان الخلع منجزا على عوض موصوف في الذمة فأعطته ووجده معيبا فرده طالب بمثله سليما كما قلنا فيمن أسلم في ثوب وقبضه

(17/24)


ووجده معييا فرده.
وإن قال إن دفعت إلى عبدا من صفته كذا وكذا فأنت طالق فدفعت إليه عبدا على تلك الصفة طلقت، فان وجده معيبا فرده رجع في قوله الجديد إلى مهر المثل وإلى بدل العبد في قوله القديم لانه تعين بالطلاق فصار كما لو خالعها على عين فردها بالعيب، ويخالف إذا كان موصوفا في الذمه في خلع منجز فقبضه ووجد به عيبا فرده لانه لم يتعين بالعقد ولا بالطلاق فرجع إلى ما في الذمة.
وإن خالعها على عين على أنها على صفة فخرجت على دون تلك الصفة ثبت له الرد كما قلنا في البيع، فإذا رده رجع إلى مهر المثل في أحد القولين وإلى بدل المشروط في القول الآخر كما قلنا فيما رده بالعيب
(فصل)
ولا يجوز الخلع على محرم ولا على ما فيه غرر كالمجهول ولا ما لم يتم ملكه عليه ولا ما لا يقدر على تسليمه لانه عقد معاوضة فلم يجز على ما ذكرناه كالبيع والنكاح، فان طلقها على شئ من ذلك وقع الطلاق لان الطلاق يصح مع عدم العوض فصح مع فساده كالنكاح ويرجع عليها بمهر المثل لانه تعذر رد البضع فوجب رد بدله كما قلنا فمن تزوج على خمر أو خنزير، فان خالعها شرط فاسد بأن قالت طلقني بألف بشرط أن تطلق ضرتي فطلقها وقع الطلاق ويرجع
عليها بمهر المثل.
لان الشرط فاسد فإذا سقط وجب إسقاط ما زيد في البدل لاجله وهو مجهول فصار العوض فيه مجهولا فوجب مهر المثل فان قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق على ألف ففيه وجهان
(أحدهما)
يصح لانه تعليق طلاق بشرط
(والثانى)
لا يصح لانه عقد معاوضة فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع فعلى هذا إذا وجد الشرط وقع الطلاق ورجع عليها بمهر المثل (الشرح) الاحكام: إذا خالع امرأته على أن ترضع ولده وتحضنه وتكفله بعد الرضاع وبين مدة الرضاع وقدر الطعام وصفته والادم وكم تجد منه في كل يوم وكان الطعام والادام مما يجوز السلم فيه وبين مدة الكفالة بعد الرضاع فالمنصوص أنه يصح.
ومن أصحابنا من قال: هل يصح العوض؟ فيه قولان لان هذا جميعه في أصول الشافعي في كل واحد منها قولان.
أحدهما البيع والاجارة لان في هذا اجارة الرضاع وابتياعا للنفقة.
والثانى: السلم على شيئين مختلفين.
والثالث: فيه السلم على شئ إلى آجال، والصحيح يصح قولا واحدا لان السلم والبيع انما لم يصح

(17/25)


على أحد القولين لان كل واحد منهما مقصود.
والمقصود ههنا هو الرضاع والباقى بيع له.
ويجوز في التابع مالا يجوز في غيره.
ألا ترى أنه يجوز أن يشترى الثمرة على الشجرة مع الشجرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع.
ولو اشترى الثمرة وحدها كذلك لم يصح.
وأما السلم على شئ إلى آجال وعلى شيئين إلى أجل فانما لم يصح لانه لا حاجة به إليه.
وههنا به إلى هذا حاجة لانه كان يمكنه أن يسلم على كل واحد وحده.
وها هنا لا يمكنه الخلع على ذلك مرتين.
إذا ثبت هذا فان عاش الولد حتى استكمل مدة الرضاع وحل وقت النفقة فللاب أن يأخذ كل يوم قدر ما يحل عليها من النفقة والادم فيه.
فان شاء أخذه لنفسه وأنفق على ولده من ماله.
وان شاء أنفقه على ولده.
فان كان ذلك أكثر من كفاية الولد كانت للاب
وان كان أقل من كفاية الولد كان على الاب تمام نفقته.
وان أذن لها في انفاق ذلك على الولد.
فقد قال أكثر أصحابنا يصح ذلك كما لو كان في ذمته لغيره دين فأمره بدفعه إلى انسان فانه برأ بدفعه إليه.
وسواء كان المدفوع إليه ممن يصح قبضه أو ممن لا يصح قبضه كما لو كان له في يده طير فأمره بارساله وقال ابن الصباغ: يكون في ذلك وجهان كالملتقط إذا أذن له الحاكم في اسقاط ماله على اللقيط وان مات الصبى بعد استكماله الرضاع دون مدة النفقة لم يبطل العوض لانه قد استوفى الرضاع.
ويمكن الاب أخذ النفقة.
فيأخذ ما قدره من النفقة.
وهل يحل عليها ذلك بموت الولد؟ ولا يستحق الاب أخذه الا على نجومه؟ فيه وجهان
(أحدهما)
يحمل عليها فيطالبها به الاب لان تأجيله انما كان لحق الولد
(والثانى)
لا يستحق أخذه الا على نجومه - وهو الاصح لانه وجب عليها هكذا.
وانما مات المستوفى وان مات الصبى بعد أن رضع حولا وكانت مدة الرضاع حولين فهل تنفسخ الاجارة في الحول الثاني أو لا تنفسخ بل يأتيها بصبى آخر لترضعه؟ قال المسعودي ان لم يكن الصبى الميت منها لم تنفسخ الاجارة قولا واحدا.
وان كان الولد الميت منها فهل تنفسخ الاجارة أو لا تنفسخ بل يأتيها بصبى آخر لترضعه فيه قولان.
والفرق بينهما أنها تدر على ولدها مالا تدر على غيره وسائر أصحابنا حكو القولين من غير تفصيل

(17/26)


(أحدهما)
لا ينفسخ فيأتيها بصبى آخر، لان الصبى الميت مستوفى به، فلم تبطل الاجارة بموته كما لو اكترى دابة ليركبها إلى بلد فمات قبل استيفاء الركوب
(والثانى)
ليس له أن يأتيها بغيره بل تنفسخ الاجارة، لان الرضاع يتقدر لحاجة الصبى إليه وحاجتهم تختلف فلم يقم غيره مقامه بخلاف الركوب، ولانه
عقد على إيقاع منفعة في عين، فإذا تلفت تلك العين لم يقم غيرها مقامها كما لو اكترى دابة ليركبها إلى بلد فماتت، فإذا قلنا بهذا أو قلنا بالاول ولم يأت بمن يقيمه مقامه انفسخ العقد في الحول الثاني.
وهل ينفسخ في الحول الاول وفيما بقى من العوض؟ فيه طريقان كما قلنا فيمن استأجر عينا حولين فتلفت في أثنائها، فإن قلنا: لا يبطل العقد في الحول الاول ولا في النفقة فقد استوفى الرضاع في الحول الاول وله أن يستوفى النفقة وهل يحل جميعها عليها؟ أو ليستوفيها على نجومها؟ على الوجهين.
وأما الحول الثاني فقد انفسخ العقد فيه، وبماذا يرجع عليها، فيه قولان.

(أحدهما)
بأجرة الحول الثاني
(والثانى)
بقسطه من مهر المثل، فعلى هذا يقسم مهر المثل على أجرة الرضاع في الحولين وعلى قيمة النفقة والادم، فما قابل أجرة الحول الثاني أخذه، وما قابل غيره لم يستحقه عليها.
وإن قلنا: إنه يأتيها بولد آخر، فإن أتاها به فحكمه حكم الاول، وان مكنه أن يأتي به فلم يفعل حتى مضى الحول ففيه وجهان
(أحدهما)
يسقط حقه من إرضاعها في الحول الثاني، لانه أمكنه استيفاء حقه وفوته باختياره: وهو كما لو اكترى دابة ليركبها شهرا فحبسها حتى مضى الشهر ولم يركبها
(والثانى)
لا يسقط حقه، لان المستحق بالعقد إذا تعذر تسليمه حتى تلف لم يسقط حق مستحقه سواء كان بتفريط أو بغير تفريط، كما لو اشترى بهيمة وقدر على قبضها فلم يقبضها حتى ماتت في يد البائع بخلاف الدابة، فان منفعتها تلفت تحت يده، وان ماتت المرأة نظرت - فان ماتت بعد الرضاع لم يبطل العقد، بل يستوفى النفقة من مالها، وان ماتت قبل الرضاع أو في أثنائه أو انقطع لبنها انفسخ العقد فيما بقى من مدة الرضاع، لان المعقود عليه إرضاعها، وقد تعذر ذلك فبطل العقد

(17/27)


كما لو استأجر دابة ليركبها فماتت قبل استيفاء الركوب، وهل يبطل العقد، أو لا يبطل العقد ويأتيها بثوب آخر لتخيطه، فيه وجهان بناء على القولين في الصبى إذا مات.
(مسألة) وإن خالعها خلعا منجزا على عوض معلوم بينهما صح الخلع وملك العوض بالعقد، فان هلك العوض قبل القبض رجع عليها ببدله، وفى بدله قولان قال في الجديد: مهر المثل، وقال في القديم: مثل العوض إن كان له مثل أو قيمة ان لم يكن له مثل كما قلنا في الصداق إذا تلف في يد الزوج قبل القبض، وإن خالعها على خمر أو خنزير أو شاة ميتة أو ما أشبه ذلك مما لا يصح بيعه وقع الطلاق ثابتا ورجع عليها بمهر مثلها قولا واحدا.
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يقع الطلاق ولا يرجع عليها بشئ، دليلنا أن هذا عقد على البضع، وإذا كان المسمى فيه فاسدا وجب مهر مثلها كما لو نكحها على ذلك، وإن خالعها على ما في هذا البيت من المتاع، ولا شئ فيه وقع الطلاق بائنا ورجع عليها بمهر مثلها قولا واحدا.
وقال أبو حنيفة وأحمد: يرجع عليها بمثل المتاع المسمى.
دليلنا أنه عقد على البضع بعوض فاسد فوجب مهر المثل كما لو سمى ذلك في النكاح، وإن قال خالعتك على ما في هذه الجرة من الخل فبان خمرا وقع الطلاق بائنا.
قال الشافعي في الام: وله مهر مثلها، قال أصحابنا: ويحكى فيه القول القديم أنه يرجع عليها بمثل الخل.
قال ابن الصباغ وهذا فيه نظر، لان الخل مجهول فلا يمكن الرجوع إليه، هذا مذهبنا، وقال أحمد يرجع عليها بقيمة الخل، دليلنا ما مضى في التى قبلها.
(فرع)
إن كان له إمرأتان فقالتا له طلقنا على ألف درهم، فقال أنتما طالقتان جوابا لكلامهما، وقع عليهما الطلاق، وهل يصح تسميتهما للالف، فيه
قولان، فإذا قلنا: تصح التسمية قسمت الالف عليهما على قدر مهر مثلها، وان قلنا إن التسمية لا تصح، رجع عليهما بمثل الالف في القول القديم، لان لها مثلا، فيقسم عليهما على مهر مثلهما.

(17/28)


وعلى القول الجديد: يرجع على كل واحدة منهما بمهر مثلها، وإن أقر الطلاق على الفور ثم طلقها كان رجعيا إلا أن يقول: أنتما طالقان على ألف، فيقولان عقيب قوله: قبلنا، فتكون كالاولة، وإن قالتا: طلقنا على ألف بيننا نصفين فطلقهما عقيب قوليهما وقع الطلاق ثانيا واستحق على كل واحدة منهما خمسمائة قولا واحدا، لان كل واحدة منهما استدعت الطلاق بعوض معلوم، وان قالتا له طلقنا بألف فطلق احداهما على الفور ولم يطلق الاخرى، وقع طلاق التى طلقها، وهل تصح التسمية بقسطها من الالف، على القولين فإذا قلنا: تصح قسمت الالف على مهر مثلها ومهر مثل الاخرى، فما قابل مهر مثل المطلقة استحقه عليها عقيب استدعائهما الطلاق ثم طلقها في مجلس الخيار، فإن كانتا غير مدخول بهما بانتا بالردة فلا يقع الطلاق ولا يلزمهما العوض وإن كانتا مدخولا بهما فان طلاقهما موقوف على حكم نكاحهما، فان انقضت عدتهما قبل أن يرجعا إلى الاسلام تبينا أن الفرقة حصلت بردتهما فلا يقع عليهما الطلاق، ولا يلزمهما العوض وان رجعا إلى الاسلام قبل انقضاء عدتهما تبينا أن الطلاق وقع عليهما ولزمهما العوض في قدر ما لزم كل واحدة منهما ما ذكرناه في الاوله، وان رجعت إحداهما إلى الاسلام قبل انقضاء عدتها وانقضت عدة الاخرى وهى باقية على الردة وقع الطلاق على التى رجعت إلى الاسلام، وفى قدر ما يلزمها من العوض ما ذكرناه إذا طلق احداهما ولم يقع الطلاق على الاخرى ولا يلزمها عوض.
(فرع)
وإن قالتا له: طلقنا بألف فقال لهما على الفور أنتما طالقان ان شئتما فان قالتا له على الفور شئنا، طلقتا وفى قدر ما يلزم كل واحدة منهما من العوض ما ذكرناه - وان أخرتا المشيئة على الفور لم يطلقها لانه لم يوجد الشرط، وإن شاءت احداهما على الفور ولم تشأ الاخرى لم تطلق واحدة منهما، لانه علق طلاقهما بمشيئتهما ولم توجد مشيئتهما، وان كانت المسألة بحالها وإحداهما بالغة رشيدة والاخرى كبيرة محجور عليها فقالتا شئنا على الفور، وقع عليهما الطلاق

(17/29)


إلا أن البالغة الرشيدة يقع عليها بائنا، وفيما يستحقه من العوض عليها ما ذكرناه من القولين.
وأما المحجور عليها فيقع عليها الطلاق ولا عوض عليها لانها ليست من أهل المعاوضة، وإن كانت من أهل المشيئة، ولهذا يرجع إليها في النكاح وما تأكله، وإن كانت صغيرة غير مميزة فهل تصح مشيئتها فيه وجهان، أو كبيرة مجنونة فلا مشيئة لها وجها واحدا.
(فرع)
وإن قالت له: بعنى سيارتك هذه وطلقني بألف، فقال: بعتك وطلقتك، فقد جمعت بين خلع وبيع بعوض ففيه قولان، كما لو جمع بين البيع والنكاح بعوض، فإذا قلنا: يصحان، قسم الالف على قيمة السيارة وعلى مهر مثلها، فما قابل قيمة السيارة كان ثمنا، وما قابل مهر مثلها ان عوض خلعها، وان وجدت بالسيارة عيبا فان قلنا: تفرق الصفقة ردت السيارة ورجعت عليه بحصتها من الالف.
وان قلنا: لا تفرق الصفقة ردت السيارة ورجعت بجميع الالف ورجع عليها بمهر مثلها.
وان قلنا: لا يصحان لم يصح البيع ولم يصح العوض في الخلع، ولكن الخلع صحيح، وفى ماذا يرجع عليها، قولان.

(أحدهما)
تقوم السيارة المبيعة وينظر إلى مهر مثلها، ويقسم الالف عليهما

(والثانى)
يرجع عليها بمهر مثلها، هكذا ذكر ابن الصباغ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمَحَامِلِيُّ: أنه يرجع عليها بمهر المثل، ولعلهما أرادا على الصحيح من القولين.
قال الشيخ أبو حامد: وهكذا الحكم فيه إذا قالت: خذ منى ألف درهم وأعطني هذه العين المبيعة وطلقني، قال المحاملى: وهكذا إذا قالت: طلقني على ألف على أن تعطيني الشئ الفلاني فطلقها اه.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
(فصل)
فإذا خالع إمرأته لم يلحقها ما بقى من عدد الطلاق، لانه لا يملك بضعها فلم يلحقها طلاقه كالاجنبية، ولا يملك رجعتها في العدة.
وقال أبو ثور إن كان بلفظ الطلاق فله أن يراجعها، لان الرجعة من مقتضى الطلاق فلم يسقط

(17/30)


بالعوض كالولاء في العتق، وهذا خطأ لانه يبطل به إذا وهب بعوض، فإن الرجوع من مقتضى الهبة وقد سقط بالعوض، ويخالف الولاء، فان باثباته لا يملك ما اعتاض عليه من الرق، وباثبات الرجعة يملك ما اعتاض عليه من البضع.

(فصل)
وإن طلقها بدينار على أن له الرجعة سقط الدينار وثبتت له الرجعة، وقال المزني: يسقط الدينار والرجعة ويجب مهر المثل كما قال الشافعي فيمن خالع إمرأة على عوض، وشرطت المرأة أنها متى شاءت استرجعت العوض وثبتت الرجعة أن العوض يسقط، ولا تثبت الرجعة، وهذا خطأ، لان الدينار والرجعة شرطان متعارضان فسقطا وبقى طلاق مجرد فثبتت معه الرجعة، فأما المسألة لتى ذكرها الشافعي رحمه الله فقد اختلف أصحابنا فيها، فمنهم من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى، وجعلهما على قولين ومنهم من قال:
لا تثبت الرجعة هناك، لانه قطع الرجعة في الحال، وإنما شرطت أن تعود فلم تعد وههنا لم يقطع الرجعة فثبتت.
(الشرح) الاحكام: إذا خالع إمرأته لم يلحقها ما بقى من عدد الطلاق، سواء قلنا الخلع طلاق أو فسخ.
وسواء طلقها في العدة أو في غيرها، وسواء طلقها بالصريح أو بالكناية مع البينة، وبه قال ابن عباس وعروة بن الزبير وأحمد واسحاق، وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يلحقها الطلاق ما دامت في العدة ولا يلحقها بعد العدة ولا يلحقها الطلاق بالكناية بحال.
وقال مالك والحسن البصري: يلحقها الطلاق عن قرب ولا يلحقها عن بعد فالقرب عند مالك أن يكون الطلاق متصلا بالخلع والحسن البصري يقول: إذا طلقها في مجلس الخلع لحقها.
وإن طلقها بعده لم يلحقها.
دليلنا أنه لا يملك رجعتها فلم يلحقها طلاقه كالاجنبية.
أو نقول: لان من لا يصح طلاقها بالكناية مع البينه لم يصح طلاقها بالصريح.
كما لو انقضت عدتها.
أو من لا يلحقها الطلاق بعضو لم يلحقها بغير عوض كالاجنبيه، (فرع)
ولا يثبت للزوج الرجعة على المختلعة سواء خالعها بلفظ الخلع

(17/31)


أو بلفظ الطلاق، وبه قال الحسن البصري والنخعي ومالك والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة، وذهب ابن المسيب والزهرى إلى أنه بالخيار إن شاء أخذ العوض ولا رجعة له، وإن شاء ترك العوض وله الرجعة.
قال الشيخ أبو حامد: وأظنهما أرادا ما لم تنقض العدة.
وقال أبو ثور إن كان بلفظ الطلاق فله الرجعة، لان الرجعة من موجب الطلاق، كما أن الولاء من موجب العتق، ثم لو أعتق عبده بعوض لم يسقط حقه من الولاء، فكذلك ان صرفها بعوض.
ودليلنا قوله تعالى " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " وإنما
يكون فداء إذا خرجت عن قبضته وسلطانه: فلو أثبتنا له الرجعة لم يكن للفداء فائدة، ولانه ملك العوض بالخلع فلم تثبت له الرجعة، كما لو خالعها بلفظ الخلع، ويخالف الولاء فانه باثبات الولاء عليه لا يملك ما أخذ عليه العوض من الرق وباثبات الرجعة له يملك ما أخذ عليه العوض من البضع (فرع)
قال الشافعي في المختصر: لو خالعها تطليقة بدينار على أن له الرجعة فالطلاق لازم وله الرجعة والدينار مردود.
وقال المزني: يسقط الدينار والرجعة ويجب مهر مثلها، كما قال الشافعي فيمن خالع امرأته على عوض وشرطت المرأة أنها متى شاءت استرجعت الدينار.
وتثبت الرجعة أو أن العوض يسقط ولا تثبت الرجعة، ونقل الربيع الاولة في الام كما نقلها المزني، قال الربيع وفيها قول آخر أن له مهر مثلها ولا رجعة.
وقد نقل المزني جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى وخرجهما على قولين وقال أكثر أصحابنا: لا يختلف المذهب في الاولة أن له الرجعة ويسقط الدينار، وما حكاه الربيع فهو من تخريجه.
وما ذكره المزني فهو مذهبه بنفسه لان الخلع اشتمل على العوض وشرط الرجعة، وهذان الشرطان متضادان، فكان إثبات الرجعة أولا لانها ثبتت بالطلاق والعوض لا يثبت الا بالشرط.
وأما الفرق بين الاولة والثانية فانه قد قطع الرجعة في الثانية، وانما شرط عودها فيما بعد فلم تعد، وفى الاولة لم يقطع الرجعة في الحال، فكانت باقية على الاصل.

(17/32)


قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
وإن وكلت المرأة في الخلع ولم تقدر العوض فخالع الوكيل بأكثر من مهر المثل لم يلزمها إلا مهر المثل، لان المسمى عوض فاسد بمقتضى الوكالة
فسقط ولزم مهر المثل كما لو خالعها الزوج على عوض فاسد، فإن قدرت العوض بمائة فخالع عنها على أكثر منها فيه قولان
(أحدهما)
يلزمها مهر المثل لما ذكرناه
(والثانى)
يلزمها أكثر الامرين من مهر المثل أو المائة، فان كان مهر المثل أكثر وجب، لان المسمى سقط لفساده ووجب مهر المثل، وإن كانت المائة أكثر وجبت لانها رضيت بها، وأما الوكيل فإنه إن ضمن العوض في ذمته رجع الزوج عليه بالزيادة لانه ضمنها بالعقد، وإن لم يضمن بأن أضاف إلى مال الزوجة لم يرجع عليه بشئ، فان خالع على خمر أو خنزير وجب مهر المثل، لان المسمى سقط فوجب مهر المثل، فان وكل الزوج في الخلع ولم يقدر العوض فخالع الوكيل بأقل من مهر المثل - فقد نص فيه على قولين - قال في الاملاء: يقع ويرجع عليه بمهر المثل.
وقال في الام الزوج بالخيار بين ان يرضى بهذا العوض ويكون الطلاق بائنا وبين أن يرده ويكون الطلاق رجعيا.
وقال فيمن وكل وقدر العوض فخالع على أقل منه إن الطلاق لا يقع، فمن أصحابنا من نقل القولين في الوكالة المطلقة إلى الوكالة التى قدر فيها العوض، والقول في الوكالة التى قدر فيها العوض إلى الوكالة المطلقة وهو الصحيح عندي، لان الوكالة المطلقة تقتضي المنع من النقصان عن مهر المثل كما تقتضي الوكالة التى قدر فيها العوض المنع من النقصان عن المقدر، فيكون في المسئلتين ثلاثة أقوال (أحدها) أنه لا يقع الطلاق لانه طلاق أوقعه على غير الوجه المأذون فيه فلم يقع، كما لو وكله في الطلاق في يوم فأوقعه في يوم آخر
(والثانى)
أنه يقع الطلاق بائنا ويجب مهر المثل، لان الطلاق مأذون فيه فإذا وقع لم يرد المسمى فاسد فوجب مهر المثل كما لو خالعها الزوج على عوض فاسد (والثالث) أن الطلاق يقع لانه مأذون فيه وانما قصر في البدل فثبت له الخيار بين أن يرضى بهذا العوض ويكون الطلاق بائنا وبين أن يرد ويكون الطلاق رجعيا لانه لا يمكن اجبار الزوج على المسمى لانه دون المأذون فيه، ولا يمكن

(17/33)


إجبارها على مهر المثل فيما أطلق، ولا على الذى نص عليه من المقدر لانها لم ترض به فخير بين الامرين ليزول الضرر عنهما.
ومن أصحابنا من قال فيما قدر العوض فيه لا يقع الطلاق لانه خالف نصه، وفيما أطلق يقع الطلاق لانه لم يخالف نصه، وإنما خالفه من جهة الاجتهاد، وهذا يبطل بالوكيل في البيع فانه لا فرق بين أن يقدر له الثمن فباع بأقل منه وبين أن يطلق فباع بما دون ثمن المثل وإن خالعها على خمر أو خنزير لم يقع الطلاق، لانه طلاق غير مأذون فيه، ويخالف وكيل المرأة فانه لا يوقع الطلاق وإنما يقبله، فإذا كان العوض فاسدا سقط ورجع إلى مهر المثل (الشرح) الاحكام: يجوز التوكيل في الخلع من جهة الزوجة والزوج لانه عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه كالبيع، ويجوز أن يكون الوكيل منهما مسلما وكافرا حرا وعبدا، رشيدا ومحجورا عليه، ويجوز أن يكون الوكيل من جهة الزوجة امرأة، وهل يجوز أن يكون وكيل الزوج امرأة؟ فيه وجهان المنصوص أنه يصح، لان من صح منه عقد المعاوضة صح أن يكون وكيلا فيه كالبيع.
والثانى لا يصح لانها لا تملك إيقاع الطلاق بنفسها فلم تملك في حقه غيرها.
قال الشافعي: ويجوز أن يكون وكيل واحد عنه وعنها.
فمن أصحابنا من حمله على ظاهره وقال يجوز أن يلى الواحد طرفي العقد في الخلع كما يجوز أن يوكل الرجل امرأة في طلاقها، ومنهم من قال لا يصح كما لا يصح في النكاح أن يكون الواحد موجبا قابلا، وحمل النص على أنه يجوز لكل واحد منهما أن يوكل وحده.
إذا ثبت هذا فان الوكالة تصح منهما مطلقا ومقيدا كما قلنا في البيع، فإذا طلقت الوكيلة اقتضت مهر المثل كالوكيل في البيع والشراء.
والمستحب أن يقدر الموكل منهما العوض لوكيله لانه أبعد من الغرر، فان وكلت المرأة في الخلع نظرت فان
أطلقت الوكالة فان الاطلاق يقتضى مهر المثل حالا من نقد البلد، فان خالع عنها بذلك صح ولزمها أداء ذلك، وان خالعها بدون مهر مثلها أو مهر مثلها مؤجلا صح لانه زادها بذلك حيرا.
قال ابن الصباغ: وهكذا ان خالع عنها بدون نقد البلد صح لانه زادها خيرا، وإن خالع بأكثر من مهر مثلها وقع الطلاق.
قال الشافعي في الاملاء: ويكون المسمى فاسدا فيلزمها مهر مثلها، لانه خالع على

(17/34)


عوض لم يأذن فيه فكان فاسدا فسقط ووجب مهر مثلها، كما لو اختلعت بنفسها على مال مغصوب.
وقال في الام: عليها مهر مثلها إلى أن تبذل الزيادة على ذلك فيجوز.
قال الشيخ أبو حامد: فكأن الشافعي لم يبطل هذه الزيادة على مهر المثل بكل حال ولكن لا يلزمها.
وقال المسعودي هي على قولين
(أحدهما)
يجب عليها مهر مثلها
(والثانى)
لها الخيار ان شاءت فسخت المسمى وكان عليها مهر مثلها.
وان شاءت أجازت ما سمى.
وان قدرت له العوض بأن قالت اخلعني بمائة فان خلعها بمائة صح لانه فعل ما أمرته.
وان خلعها بمائة مؤجلة أو بما دونها صح لانه زادها خيرا.
وان خالعها بأكثر.
فيه قولان
(أحدهما)
يقع الطلاق ويلزمها منه مهر مثلها لا غير لانه خالع بأكبر مما أمرته فكان فاسدا ووجب مهر المثل، وكما لو اختلعت هي بخمر أو خنزير
(والثانى)
يلزمها أكثر الامرين من المائة أو مهر مثلها، لان المائة إن كانت أكثر لزمتها لانها قد أذنت فيها.
وان كان مهر المثل أكثر لزمها لان المسمى فاسد فسقط ولزمها مهر مثلها.
إذا ثبت هذا فهل يلزم الوكيل ما زاد على مهر المثل في هذه والتى قبلها ينظر فيه فان قال طلقها على كذا وكذا وعلى ضمانه لزمه للزوج الجميع ولانه ضمنه، وان قال طلقها ولم يقل من مالها بل أطلق لزمه ذلك لان الظاهر أنه يخالع من مال نفسه.
وللوكيل أن يرجع عليها بمهر مثلها لانه وجب عليه باذنها وما زاد
عليه يدفعه من ماله ولا يرجع عليها به لانه وجب عليه بغير اذنها.
وان قال طلقها على كذا وكذا من مالها لزمها مهر مثلها ولم يلزم الوكيل ما زاد على مهر مثلها لانه أضاف ذلك إلى مالها ولم يأذن له فيه فسقط عنها.
وان قيدت له أو طلقها فخالع عنها بخمر أو خنزير وقع الطلاق بائنا ورجع عليها بمهر مثلها لان المسمى فاسد فأسقط ووجب مهر مثها كما لو خالعت هي بنفسها على ذلك وقال المزني: لا يقع الطلاق لان الوكيل لم يعقد على ما هو مال فارتفع العقد من أصله.
كما لو وكله أن يبيع له عينا فباعها بخمر أو خنزير، وهذا خطأ لان وكيل المرأة لا يوقع الطلاق وانما يقبله فإذا قبله بعوض فاسد لم يمنع ذلك وقوع الطلاق كما لو قبلت هي الطلاق بخمر أو خنزير.
وانما يصح هذا الذى قاله لوكيل الزوج ان وكله الزوج في الخلع ولم يقدر العوض فان خالع عنه الوكيل بمهر المثل من نقد البلد

(17/35)


خالا صح.
وإن قيد له العوض بأن قال: خالع عنى بمائة فإن خالعها جاز لانه فعل ما أذن له فيه، وإن خالع بأكبر منها صح، لانه زاد خيرا، وإن خالع بما دون المائة فنص الشافعي أن الطلاق لا يقع لانه أذن له في ايقاع الطلاق على شئ مقدر، فإذا أوقعه على صفة دونها لم يصح كما لو خالع بخمر أو خنزير.
واختلف أصحابنا فيها، فمنهم من قال: القولين إذا لم يقدر له العوض فخالع على أقل من مهر المثل إلى هذه، وجوابه في هذه إلى تلك، وقال فيها ثلاثة أقوال، وهو اختيار الشيخ أبى اسحاق.
(أحدها) يقع الطلاق فيهما بائنا ويلزمه مهر المثل.

(والثانى)
يثبت للزوج فيها الخيار بين أن يرضى بالعوض المسمى في العقد فيهما ويكون الطلاق بائنا، وبين أن لا يرضى به ويكون الطلاق رجعيا.
(والثالث) لا يقع فيهما طلاق ووجهها ما ذكرناه، لان الوكالة المطلقة
تقتضي المنع من النقصان عن مهر المثل كما أن الوكالة المقيدة تقتضي المنع من النقصان عن العوض المقيد، ومنهم من حملهما على ظاهرهما فجعل الاوله على قولين، والثانية على قول واحد ولم يذكر الشيخ أبو حامد في التعليق غيره، لانه إذا قيد له العوض في الف فخالع بأقل منه فقد خالف نص قوله، فنقض فعله كالمجتهد إذا خالف النص، وإذا أطلق الوكالة فإنما علمنا أن الاطلاق يقتضى مهر المثل من طريق الاجتهاد فإذا أدى الوكيل اجتهاده إلى المخالعة بأقل منه لم ينقض كما لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد.
قال ابن الصباغ وهذه الطريقة ظاهر كلام الشافعي والاولة أقيس والاقيس من الاقوال: أن لا يقع الطلاق.
(فرع)
إذا وكله أن يطلق أو يخالع يوم الجمعة، فطلق أو خالع يوم الخميس لم يصح لانه إذا طلقها يوم الجمعة كانت مطلقة يوم السبت، وإذا طلقها يوم الجمعة لم تكن مطلقة يوم الخميس فكان الموكل قد رضى بطلاقها يوم السبت، وإذا طلقها يوم الجمعة لم تكن مطلقه يوم الخميس فكأن الموكل قد رضى بطلاقها يوم السبت ولم يرض بطلاقها يوم الخميس.

(17/36)


قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
وإذا خالع امرأة في مرضه ومات لم يعتبر البدل من الثلث سواء حابى أو لم يحاب لانه لا حق للورثه في بضع المرأة ولهذا لو طلق من غير عوض لم تعتبر قيمة البضع من الثلث، فان خالعت المرأة زوجها في مرضها وماتت فان لم يزد العوض على مهر المثل اعتبر من رأس المال لان الذى بذلت بقيمة ما ملكته فأشبه إذا اشترت متاعا بثمن المثل وان زاد على مهر المثل اعتبرت الزيادة من الثلث، لانه لا يقابلها بدل فاعتبرت من الثلث كالهبة، فان خالعت على عبد قيمته مائة، ومهر مثلها خمسون، فقد حابت بنصفه، فان لم يخرج النصف من الثلث،
بأن كان عليها ديون تستغرق قيمة العبد، فالزوج بالخيار بين أن يقر العقد في العبد فيستحق نصفه وبين أن يفسخ العقد فيه، ويستحق مهر المثل ويضرب به مع الغرماء، لان الصفقه تبعضت عليه، وان خرج النصف من الثلث أخذ جميع العبد نصفه بمهر المثل ونصفه بالمحاباة.
ومن أصحابنا من قال: هو بالخيار بين أن يقر العقد في العبد، وبين أن يفسخ العقد فيه ويستحق مهر المثل، لانه تبعضت عليه الصفقه من طريق الحكم، لانه دخل على أن يكون جميع العبد له عوضا، وقد صار نصفه عوضا ونصفه وصيه والمذهب الاول، لان الخيار انما يثبت بتبعيض الصفقه لما يلحقه من الضرر لسوء المشاركة، ولا ضرر عليه ههنا لانه صار جميع العبد له فلم يثبت له الخيار.
(الشرح) الاحكام: يصح الخلع في مرض الموت من الزوجين كما يصح منهما النكاح والبيع، فان خالع الزوج في مرض موته بمهر المثل أو أكثر صح كما لو اتهبت في مرض موته، وان خالع بأقل من مهر المثل صح ولا اعتراض للورثة عليه لانه لا حق لهم في بضع امرأته، ولهذا طلقها بغير عوض لم يكن لهم الاعتراض عليه، وان خالعت الزوجه في مرض موتها بمهر المثل أو دونه كان ذلك من رأس المال.
وقال أبو حنيفة: يكون ذلك من الثلث.
دليلنا أن الذى بذلته بقيمة ما تملكه

(17/37)


فهو كما لو اشترت به متاعا بقيمته، وإن خالعت بأكثر من مهر مثلها اعتبرت الزيادة من الثلث لانها محاباة فاعتبرت من الثلث كما لو اشترت متاعا بأكثر من قيمته، وان خالعت في مرض موتها على سيارة قيمتها ألف ومهر مثلها خمسمائة فقد حابته بنصف السيارة، فإن لم يخرج النصف من الثلث - فإن كان عليها دين يستغرق مالها - فالزوج بالخيار بين أن يأخذ نصف السيارة لا غير وبين أن
يفسخ ويضرب مع الغرماء بمهر مثلها ونصفه وصية.
ومن أصحابنا من قال: هو بالخيار بين أن يرضى بهذا وبين أن يفسخ ويرجع بمهر مثلها، لان الصفقة تبعضت عليه لانه دخل على أن يأخذ جميع السيارة عوضا ولم يصح له بالعوض إلا نصفها ونصفها وصية.
والصحيح أنه لا خيار له لان السيارة قد سلمت له على كل حال، وإن لم يكن لها مال غير السيارة ولم يجز الورثة كان للزوج نصف السيارة بمهر المثل وسدسها بالمحاباة فذلك ثلثا السيارة، فيكون الزوج بالخيار بين أن يأخذ ثلثى السيارة وبين أن يفسخ ويرجع بمهر المثل فإن قال الزوج: أنا آخذ مهر المثل نقدا وسدس السيارة بالوصية لم يكن له ذلك لان سدس السيارة إنما يكون له وصية تبعا للنصف.
إذا ثبت هذا: فإن المزني نقل عن الشافعي أن له نصف السيارة ونصف مهر المثل، ثم اعترض عليه وقال: هذا ليس بشئ، بل له نصف السيارة وثلث ما بقى، قال أصحابنا: أخطأ المزني في النقل، وقد ذكرها الشافعي في الام فقال له النصف بمهر مثلها.
(فرع)
وإن خالعته في المرض الذى ماتت فيه على مائة ومهر مثلها أربعون - ثم عاد الزوج فتزوجها على ملك المائة في مرض موته وماتا، وخلفت الزوجة عشرة غير المائة ولم يخلف الزوج شيئا - فإن مات الزوج أولا بطلت محاباته لها، لانها ورثته وصحت محاباتها له، لانه لم يرثها فيكون للزوج منها أربعون مهر مثلها، وله شئ بالمحاباة، وإن ماتت الزوجة أولا ولم يترك غير المائة بطلت محاباتها له، لانه ورثها.
وأما محاباة الزوج لها - فان أصدقها المائة التى خالعته عليها بعينها لم يصح،

(17/38)


لانه لما أصدقها المائة وهو لا يملك منها غير أربعين فكأنه أصدقها ما يملك وما لا
يملك، فبطل المسمى ورجعت إلى مهر المثل فيجب لكل واحد منهما على الآخر مهر مثلها فيقاصان، ثم يرث الزوج نصف المائة عنها إن لم يكن لها ولد ولا ولد ولد، فيكون ذلك لورثته، وإن أصدقها مائة في ذمتها صحت لها المحاباة وحسابه: له أربعون مهر المثل ولا محاباة له ويرجع إليها صداقها، ولها شئ محاباة في ذمته، فتكون تركتها مائة وشيئا، ويرث الزوج نصف ذلك وهو خمسون، ونصف شئ، يخرج من ذلك لها شئ بالمحاباة، فيبقى في يد ورثته خمسون إلا نصف شئ تعول شيئين فإذا خيرت عدلت الخمسون ستين، ونصفا الشئ الكامل عشرون وهو ما كان بالمحاباة، ويجب للزوج عليها مهر مثلها، وله عليها مهر مثلها فينقصان ويفضل لها عليه عشرون فيكون ذلك تركة لها مع المائة فذلك مائة وعشرون، يرث الزوج نصف ذلك وهو ستون، فتأخذ المرأة منها بالمحاباة عشرين، ويبقى لورثته أربعون، وهو مثلا محاباته لها، فيكون لورثته ستون.
(فرع)
ولو تزوجها مرض موته على مائة درهم، ومهر مثلها خمسون، ودخل بها، ثم خالفته في مرض موتها على مائة في ذمتها ثم ماتا ولا يملكان غير هذه المائة ولم يجز ورثتها فحسابه للزوجة خمسون مهر مثلها من رأس المال ولها شئ محاباة، فجميع تركتها خمسون وشئ للزوج منها خمسون مهر المثل، وله ثلث شئ محاباة فيكون تركته مائة إلا ثلثى شئ تعدل شيئين، فإذا أخذت عدلت المائة بشيئين وثلثي الشئ الكامل ثلاثة أثمان المائة وهو سبعة وثلاثون ونصف، وهذا الذى صح لها بالمحاباة، فيأخذه من الزوج مع مهر المثل فذلك سبعة وثلاثون ونصف، وهذا الذى صح لها بالمحاباة يأخذه من الزوج مع مهر المثل فذلك سبعة وثلاثون ونصف، وهذا الذى صح لها بالمحاباة تأخذه من
الزوج مع مهر مثلها، وذلك سبعة وثمانون ونصف، فيرجع إليها مهر مثلها بالخلع، ويبقى معها سبعة وثلاثون ونصف يستحق الزوج ثلث ذلك بالمحاباة

(17/39)


فيبقى لورثتها ثلثا ذلك، فيجتمع لورثة الزوج خمسة وسبعون وذلك مثلا محاباته لها، فالدور وقع في فريضة الزوج لا في فريضة الزوجة، فإن تركت الزوجه شيئا غير الصداق فانك تضمن ثلث تركتها إلى المائه التى تركها الزوج ثم تأخذ ثلاثة أثمان ذلك وهو الجائز بالمحاباة، وسواء مات الزوج أولا أو الزوجه فالحكم واحد لانهما لا يتوارثان.
قال ابن اللبان: ولو خالعته على المائه بعينها بطلت محاباتها لانها خالعته على ما تملك وعلى مالا تملك فبطل المسمى ووجب مهر المثل ولها بالمحاباة شئ فجميع تركتها خمسون وشئ للزوج منها خمسون ولا محاباة لها فتركته مائه إلا شيئا يعول شيئين للزوج منها خمسون ولا محاباة لها فتركته مائه إلا شيئا، فإذا خيرت عولت المائه ثلاثة أشياء، الشئ ثلاثة وثلاثون وثلث يكون لها ذلك مع مهر مثلها، فيأخذ الزوج من ذلك مهر مثلها مع ما بقى معه من المائه فذلك سنة وستون وثلثان وذلك مثلا محاباته لها، والله الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قال المصنف رحمه الله:

باب جامع في الخلع

إذا قالت المرأة للزوج: طلقني على ألف، فقال: خالعتك، أو حرمتك، أو أبنتك على ألف، ونوى الطلاق صح الخلع، وقال أبو على بن خيران: لا يصح لانها سألت الطلاق بالصريح، فأجاب بالكنايه، والمذهب الاول، لانها استدعت الطلاق، والكناية مع النية طلاق.
فان قالت: طلقني بألف فقال: خالعتك بألف ولم ينو الطلاق - وقلنا: إن الخلع فسخ لم يستحق العوض - لانها استدعت فرقة ينقص بها العدد ولم يجبها إلى ذلك، فان قالت: اخلعني فقال: طلقتك - وقلنا: ان الخلع فسخ - ففيه وجهان.

(17/40)


(أحدهما)
لا يصح لانه لم يجب إلى ما سألت، فهو كالقسم قبله
(والثانى)
يصح وهو المذهب لانها استدعت فرقة لا ينقص بها العدد، فأجاب إلى فرقة ينقص بها العدد فحصل لها ما طلبت وزيادة.
(الشرح) الاحكام: إذا قالت المرأة طلقني ثلاثا ولك ألف، فطلقها ثلاثا استحق الاف عليها.
وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يستحق شيئا.
دليلنا أنها استدعت منه الطلاق بالعوض فكان كما لو قالت: طلقني وعندي ألف وإن قالت طلقني ثلاثا ولك ألف أو بألف أو على ألف فطلقها واحدة استحق عليها ثلث الالف، وبه قال مالك.
وقال أحمد لا يستحق عليها شيئا.
وقال أبو حنيفة: إن قالت بألف استحق عليها ثلث الالف.
وان قالت على ألف لم تستحق شيئا.
دليلنا أنها استدعت منه فعلا بعوض، فإذا فعل بعضه استحق بقسطه، كما لو قالت: من رد على عبيدى الثلاثة من الاباق فله ألف فرد واحدا منهم.
وان قالت طلقني ثلاثا فطلقها واحدة ونصفا وقع عليها طلقتان.
هكذا أفاده العمرانى في البيان وابن الصباغ في الشامل، وكم يستحق عليها؟ فيه وجهان
(أحدهما)
يستحق ثلثى الالف، لانه وقع عليها طلقتان
(والثانى)
لا يستحق عليها إلا نصف الالف لانه لم يوقع عليها الا نصف الثلاث، وانما سرت الطلقة بالشرع.
وان قال: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق
ثلاثا فأعطته ثلث الالف أو نصفها لم يقع الطلاق عليها، لان الصفة لم توجد بخلاف ما لو استدعت منه الطلاق، فإن طريقه المعاوضة وهذا طريقه الصفه
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن قالت طلقني ثلاثا ولك على ألف فطلقها طلقة استحق ثلث الالف لانها جعلت الالف في مقابلة الثلاث، فكان في مقابلة كل طلقة ثلث الالف.
وان طلقها طلقة ونصفا ففيه وجهان
(أحدهما)
يستحق ثلثى الالف لانها طلقت طلقتين
(والثانى)
يستحق نصف الالف لانه أوقع نصف الثلاث.
وإنما كملت بالشرع لا بفعله

(17/41)


فإن قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق ثلاثا، فأعطته بعض الالف لم يقع شئ، لان ما كان من جهته طريقه الصفات، ولم توجد الصفة فلم يقع، وما كان من جهتها طريقه الاعواض، فقسم على عدد الطلاق، وإن بقيت له على امرأته طلقة فقالت له طلقني ثلاثا ولك على ألف، فطلقها واحدة، فالمنصوص أنه يستحق الالف.
واختلف أصحابنا فيه فقال أبو العباس وأبو إسحاق: المسألة مفروضة في امرأة علمت أنه لم يبقى لها إلا طلقة، فيكون معنى قولها طلقني ثلاثا أي كمل لى الثلاث، كرجل أعطى رجلا نصف درهم، فقال له اعطني درهما أي كمل لى درهما، وأما إذا ظنت أن لها الثلاث لم يجب أكثر من ثلث الالف لانها بذلت الالف في مقابلة الثلاث فوجب أن يكون لكل طلقة ثلث الالف.
ومن أصحابنا من قال يستحق الالف بكل حال لان القصد من الثلاث تحريمها إلى أن تنكح زوجا عيره، وذلك يحصل بهذه الطلقة فاستحق بها الجميع، وقال المزني رحمه الله: لا يستحق إلا ثلث الالف علمت أو لم تعلم، لان التحريم يتعلق بها وبطلقتين قبلها، كما إذا شرب ثلاثة أقداح فسكر كان السكر بالثلاث، وإذا فقا
عين الاعور كان العمى بفقء الباقية وبالمفقوءة قبلها، وهذا خطأ لان لكل قدح تأثيرا في السكر، ولذهاب العين الاولى تأثيرا في العمى، ولا تأثير للاولى والثانية في التحريم، لانه لو كان لهما تأثير في التحريم لكمل، لانه لا يتبعض وان ملك عليه ثلاث تطليقات فقالت له طلقني طلقة بألف فطلقها ثلاثا استحق الالف لانه فعل ما طلبته وزيادة، فصار كما لو قال من رد عبدى فلانا فله دينار فرده مع عبدين آخرين فإن قالت طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة ففيه وجهان
(أحدهما)
يجب له عشر الالف لانها جعلت لكل طلقة عشر الالف
(والثانى)
يجب له ثلث الالف لان ما زاد على الثلاث لا يتعلق به حكم، وان طلقها ثلاثا فله على الوجه الاول ثلاثة أعشار الالف، وعلى الوجه الثاني له جميع الالف، وان بقت له طلقة فقالت له: طلقني ثلاثا على ألف، طلقة أحرم بها عليك وطلقتين في نكاح آخر إذا نكحتنى، فطلقها ثلاثا، وقعت طلقة ولا يصح ما زاد لانه سلف في

(17/42)


الطلاق، ولانه طلاق قبل النكاح، فإن قلنا إن الصفقة لا تفرق سقط المسمى ووجب مهر المثل، وإن قلنا تفرق الصفقة ففيما يستحق قولان
(أحدهما)
ثلث الالف
(والثانى)
جميع الالف كما قلنا في البيع (الشرح) الاحكام: إن قال أنت طالق ثلاثا بألف فقالت قبلت واحدة بثلث الالف.
قال ابن الحداد: لم يقع الطلاق ولم يلزمها شئ لانه لم يرض بانقطاع رجعته عنها إلا بألف فلا ينقطع بما دونه.
وإن قالت: قبلت واحدة بألف قال ابن الحداد وقعت عليها طلقة واحدة واستحق عليها الالف لانها زادته خيرا.
وقال بعض أصحابنا بل يقع عليه ثلاث طلقات بالالف لان انقطاع الطلاقى إليه دونها وإنما إليها قبول العوض وقد وجد منه إيقاع الثلاث فوقعن
وإن قال أنت طالق ثلاثا بألف فقالت قبلتها بخمسمائة لم يصح الطلاق، ولم يلزمها عوض لانه لم يرض وقوع الطلاق عليها بأقل من ألف ولم تلتزم له بالالف وان قالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق ثلاثا بألف ودينار أو بألفين لم يقع عليها الا أن تقول عقب قوله قبلت لانها لم ترض بالتزام أكثر من الالف، ولم يرض بإيقاع الطلاق الا بأكثر من الف وان قالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق ثلاثا بخمسمائة أو قالت طلقني بألف ولم تقل ثلاثا، فقال أنت طالق بخمسمائة وقع عليها الثلاث في الاولة، وفى الثانية ما نوى ولم يلزمها الا خمسمائة فيهما، لانه زادها بذلك خيرا، لان رضاها بألف رضى بما دونه، هكذا ذكر القاضى ابو الطيب وقال إذا قال طلقتك على ألف فقالت قبلت بألفين وقع عليها الطلاق ولم يلزمها إلا ألف.
وقال المسعودي إذا قال خالعتك بألف فقالت اختلعت بألفين لم تقع الفرقة، لان من شرط القبول أن يكون على وفق الايجاب (فرع)
إذا بقى له على امرأته طلقة فقالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة قال الشافعي استحق عليها الالف، واختلف أصحابنا فيه، فقال أبو العباس وأبو إسحاق هذه مفروضة في امرأة تعلم انه ما بقى عليها إلا واحدة، فيكون معنى قولها طلقني ثلاثا أي أكمل لى الثلاث فيلزمها، فأما إذا كانت لا تعلم ذلك فلا

(17/43)


يستحق عليها إلا ثلث الالف لانها بذلت الالف على الثلاث، فإذا طلقها واحدة لم يستحق إلا ثلث الالف، كما لو كان يملك عليها ثلاثا فطلقها واحدة.
ومن أصحابنا من قال يستحق عليها الالف بكل حال، وهو ظاهر النص واختيار القاضى أبى الطيب، لان المقصود بالثلاث قد حصل لها بهذه الطلقة.
وقال المزني لا يستحق عليها إلا ثلث الالف بكل حال، لان التحريم إنما يحصل بهذه الطلقة
وبالاولتين قبلها، كما إذا شرب ثلاثة أقداح فسكر، فإن السكر حصل بالثلاثة أقداح، وان بقى عليها طلقتان، فقالت طلقني ثلاثا بألف، فإن قلنا بالطريقة الاولى وكانت عالمة بأنه لم يبق عليها الا طلقتان، فإن طلقها طلقتين استحق عليها الالف وان طلقها واحدة استحق عليها نصف الالف، وان لم تعلم أنه بقى لها طلقتان فان طلقها طلقتين استحق عليها ثلثى الالف.
وان طلقها واحدة استحق عليها ثلث الالف، وعلى الطريقة الثانية ان طلقها طلقتين استحق عليها الالف.
وان طلقها واحدة قال ابن الصباغ فعندي أنه لا يستحق عليها الا ثلث الالف لان هذه الطلقة لم يتعلق بها تحريم العقد فصار كما لو كان له ثلاث طلقات فطلقها واحدة (مسألة) قوله وان ملك عليها ثلاث تطليقات الخ.
وهو كما قال.
فإن كان يملك ثلاث طلقات فقالت له طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا وقع عليها الثلاث واستحق عليها الالف لانه حصل لها ما سألت وزيادة.
قال أبو إسحاق الالف في مقابلة الثلاث.
وقال غيره من أصحابنا بل الالف في مقابلة الواحدة والاثنتان بغير عوض وليس تحت هذا الاختلاف فائدة وقال القفال يقع الثلاث ويستحق عليها ثلث الالف لانها رضيت بواحدة عن العوض وهو جعل كل واحدة بإزاء ثلث الالف.
وحكى المسعودي أن من أصحابنا من قال يقع عليها واحدة بثلث الالف لا غير لانه أوقع الاخر بين على العوض ولم تقبلها فلم يقعا.
والاول هو المشهور (فرع)
وان قال لها انت طالق طلقتين احداهما بالالف قال ابن الحداد ان قبلت وقع عليها طلقتان ولزمها الالف.
وان لم تقبل لم يقع عليها طلاق لانه لم يرض بإيقاع طلقتين الا بأن يحصل له الالف.
فإذا لم يعتق لم يقع عليها

(17/44)


الطلاق كما لو أصى أن يحج عنه رجل بمائة وأجرة مثله خمسون فلا يحصل له المائة إلا أن يحج عنه.
قال القاضى أبو الطيب: ويحتمل إذا لم يقبل أنه يقع عليها طلقة ولا شئ عليها لانه يملك إيقاعها بغير قبول وقد أوقفها.
وإن قالت قبلت الطلقتين ولم أقبل العوض كان بمنزلة ما لو لم يقبل لان الطلاق لا يفتقر إلى القبول، وإنما الذى يحتاج إلى القبول هو العوض، فلا يقع عليها الطلاق على قول ابن الحداد وعلى قول أبى الطيب يقع عليها الطلقه التى لا عوض فيها (فرع)
وإن قال لامرأتيه أنتما طالقتان إحداكما بألف - فإن قبلتا جميعا - وقع عليهما الطلاق.
ويقال له عين المطلقة بالالف، فإذا عين إحداهما كان له عليها مهر مثلها، لان المسمى لا يثبت مع الجهالة بالتسمية.
وإن قبلت إحداهما ولم تقبل الاخرى قيل له عين المطلقة بالالف، فإن قال هي القابلة، وقع عليها الطلاق ثانيا ولزمها مهر مثلها ووقع الطلاق على الاخرى بغير عوض، وإن قال المطلقة بالالف هي التى لم تقبل وقع الطلاق على القابلة بغير عوض ولم يقع الطلاق على التى لم تقبل، وإن لم تقبل واحدة منهما سقط الطلاق بالالف، ويقال له عين المطلقة بغير ألف، فإذا عين إحداهما وقع الطلاق عليها بغير عوض، وان ردتا جميعا ولم يقبلا - قال القاضى أبو الطيب: - فعلى قول ابن الحداد في التى قبلها يجب أن لا يقع على واحدة منهما طلاقا، لانه لم يسلم له الشرط من الالف، قال وعلى ما ذكرته في التى قبلها يسقط الطلاق الذى شرط فيه الالف ويقع الطلاق الذى أوقعه بغير شئ ويطالب بالتعيين (مسألة) قوله: فان قالت طلقني عشرا بألف الخ.
وهذا كما قال، فانه إن قالت له طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة ففيه وجهان حكاهما الشيخ هنا
(أحدهما)
يستحق عليها عشر الالف لانها جعلت لكل طلقة عشر الالف.

(والثانى)
يستحق عليها ثلث الالف لان ما زاد على الثلاث لا يتعلق به حكم.
قال فان طلقها ثلاثا استحق عليها على الوجه الاول ثلاثة أعشار الالف، وعلى الثاني جميع الالف.
وأما القاضى أبو الطيب فحكى عن ابن الحداد إذا قالت طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة استحق عليها عشر الالف.
قال القاضى قلت أنا، وان طلقها اثنتين استحق عليها خمس الالف وان طلقها ثلاثا استحق عليها جميع الالف.

(17/45)


وهكذا ذكر ابن الصباغ.
ولم يذكر الوجه الثاني (فرع)
إذا بقيت له على إمرأته طلقه فقالت: طلقني ثلاثا بألف، فقال لها أنت طالق طلقتين، الاولى بألف، والثانية بغير شئ، فقال أبو العباس بن القاص: وقعت الطلقة التى بقيت له بألف عليها، ولا تقع عليها الثانية، وإن وإن قالت: الاولة بغير شئ، والثانية بألف، وقعت عليها الطلقة التى بقيت له بغير شئ ولم تقع الثانية، فاعترض عليه بعض أصحابنا وقال: إذا قال أنت طالق طلقتين فليس فيهما أولة ولا ثانية.
قال القاضى أبو الطيب: أخطأ هذا المعترض لان كلامه إذا لم يقطعه قبل منه ما شرط فيه وقيده، ولهذا يقبل استثناؤه، وإن بقيت له واحدة قالت: طلقني ثلاثا بألف، فقال أنت طالق طلقتين إحداهما بألف.
قال أبو العباس بن القاص: وقعت عليها واحدة ولزمها الالف.
وقال في شرح التلخيص يجب أن يرجع إلى بيانه، فان قال أردت بقولى إحداهما بألف للاولى دون الاخرى فله الالف، وإن قال أردت بقولى إحداهما بألف الثانية لم يكن له شئ.
قال القاضى أبو الطيب: الصحيح ما قاله ابن القاص، لانه إذا لم يقل المطلق الاولى والثانية بلفظ، لم يكن فيهما أولة ولا ثانية، فترجع الالف إلى المطلقة التى بقيت له.

قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
وان قالت أنت طالق على ألف وطالق وطالق لم تقع الثانية والثالثة لانها بانت بالاولى، وان قال أنت طالق وطالق وطالق على ألف، وقال أردت الاولى بالالف لم يقع ما بعدها لانها بانت بالاولى.
وان قال أردت الثانية بالالف فان قلنا يصح خلع الرجعية وقعت الاولى رجعية وبانت الثانية ولم تقع الثالثة.
وإن قلنا لا يصح خلع الرجعية وقعت الاولى رجعيه والثانيه رجعيه وبانت بالثالثه وان قال أردت الثالثه بالالف فقد ذكر بعض أصحابنا أنه يصح ويستحق الالف قولا واحدا لانه يحصل بالثالثه من التحريم ما لا يحصل بغيرها وعندي أنه لا يستحق الالف على القول الذى يقول أنه لا يصح خلع الرجعيه، لان الخلع

(17/46)


يصادف رجعيه.
وإن قال أردت الثلاث بالالف لم تقع الثانيه والثالثه لان الاولى وقعت بثلث الالف وبانت بها فلم يقع ما بعدها.

(فصل)
وان قال أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا يستحق عليها شيئا لانه أوقع الطلاق من غير عوض ثم استأنف إيجاب العوض من غير طلاق، فان كان ذلك بعد الدخول فله أن يراجع لانه طلق من غير عوض، وإن قال أنت طالق على أن عليك ألفا فقبلت صح الخلع ووجب المال لان تقديره أنت طالق على ألف فإذا قبلت وقع الطلاق ووجب المال.
(الشرح) الاحكام: إذا قالت طلقني واحدة بألف فقال أنت طالق على ألف وطالق وطالق، وقعت عليها الاولة بألف، ولم يقع ما بعدها، وان قال أنت طالق وطالق وطالق على ألف قيل له أي الثلاث أردت بالالف، فإن قال أردت الاولة بانت بالاولة ولم يقع عليها ما بعدها، وان قال أردت الثانيه بالالف وقعت الاولة رجعيه.
فإن قلنا يصح خلع الرجعية وقعت الثانية أيضا بالالف ولم تقع الثالثة.
وإن قلنا لا يصح خلع الرجعية وقعت الاولة رجعية، والثانيه رجعيه وبانت بالثالثه، ولا يستحق عليها عوضا، وإن قال أردت الثالثه بالالف.
قال المحاملى: صح ذلك واستحق عليها الالف قولا واحدا، لان الثالثه تقع بها بينونة لا تحل إلا بعد زوج، فيؤخذ فيها معنى يختص بها لا يوجد في الاولة ولا في الثانيه فصح.
وقال الشيخ أبو إسحاق لا يستحق عليها الالف على القول الذى قاله لا يصح خلع الرجعيه كما قلنا في التى قبلها - إن قال أردت الثلاث بالالف - وقعت الاوله بثلث الالف وبانت، ولم يقع ما بعدها.
(مسأله) قوله
(فصل)
وان قال أنت طالق وعليك ألف طلقت، وهو كما قال، فان الشافعي رضى الله عنه قال، وان قال لها أنت طالق وعليك ألف درهم، فهى طالق ولا شئ عليها، وانما كان كذلك لان قوله أنت طالق ابتداء ايقاع، وقوله وعليك ألف استئناف كلام فلم يتعلق بما قد تقدم فيكون الطلاق

(17/47)


رجعيا، فإن ضمنت له الالف لم يلزمها بهذا الضمان حق، لانه ضمان ما لم يجب، وإن أعطته الالف كان ابتداء هبة ولم يقطع به رجعة، وإن قال: أنت طالق على أن عليك ألفا.
قال الشافعي في الام: فإن ضمنت في الحال وقع الطلاق، وان لم تضمن لم يقع، لان (على) كلمة شرط، فقد علق وقوع الطلاق بشرط، فمتى وجد الشرط وقع الطلاق، وان لم تضمن لم يقع، لان (على) كلمة شرط فقد علق وقوع الطلاق بشرط، فمتى وجد الشرط وقع الطلاق بخلاف الاولة، فإن قوله وعليك ألف، استئناف كلام وليس شرطا.

قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
إذا قال إن دفعت إلى ألف درهم فأنت طالق فان نويا صنفا من من الدراهم صح الخلع وحمل الالف على ما نويا لانه عوض معلوم وإن لم ينوبا صنفا نظرت، فان كان في موضع فيه نقد غالب حمل العقد عليه لان اطلاق العوض يقتضى نقد البلد كما نقول في البيع، وإن لم يكن فيه نقد غالب فدفعت إليه ألف درهم بالعدد دون الوزن لم تطلق، لان الدراهم في عرف الشرط بالوزن، وان دفعت إليه ألف درهم نقرة لم تطلق لانه لا يطلق اسم الدراهم على النقرة، وإن دفعت إليه ألف درهم فضة طلقت لوجود الصفة ويجب ردها لان العقد وقع على عوض مجهول ويرجع بمهر المثل لانه تعذر الرجوع إلى المعوض فوجب بدله، وان دفعت إليه دراهم مغشوشة، فان كانت الفضة فيها تبلغ ألف درهم طلقت لوجود الصفة، وإن كانت الفضه فيها ألف درهم لم تطلق، لان الدراهم لا تطلق إلا على الفضه.

(فصل)
وإن قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا تملكه طلقت سليما كان أو معيبا قنا كان أو مدبرا لان اسم العبد يقع عليه ويجب رده والرجوع بمهر المثل لانه عقد وقع على مجهول، وإن دفعت إليه مكاتبا أو مغصوبا لم تطلق لانها لا تملك العقد عليه.

(17/48)


وإن قال: إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته وهو مغصوب، ففيه وجهان
(أحدهما)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: انها تطلق كما لو خالعها على عبد غير معين فأعطته عبدا مغصوبا
(والثانى)
وهو المذهب أنها تطلق لانها أعطته ما عينه ويخالف إذا خالعها على عبد غير معين لان هناك أطلق العقد فحمل على ما يقتضيه العقد والعقد يقتضى رفع عبد تملكه.
(الشرح) الاحكام: إذا قال ان أعطيتني ألف درهم فأنت طالق، فأعطته ألف درهم في الحال بحيث يكون جوابا لكلامه نظرت - فان أعطته الف درهم مضروبه لا زائدة ولا ناقصه، وقع عليها الطلاق لوجود الشرط، وإن أعطته ألف درهم مضروبه وزيادة وقع الطلاق لوجود الصفه، والزيادة لا تمنعها، كما قال إن أعطيتني ثوبا فأنت طالق، فأعطته ثوبين.
فان قيل: أليس الاعطاء عندكم بمنزله القبول، والقبول إذا خالف الايجاب - وان كان بالزيادة لم يصح، ألا ترى أنه لو قال: بعتك هذا بألف فقال: قبلت بألفين، لم يصح؟ قلنا: الفرق بينهما أن القبول يقع بحكم الايجاب في العقد، فمتى خالفه لم يصح وههنا المغلب فيه حكم الصفه، فوقع الطلاق، والذى يقتضى المذهب أن لها أن تسترد الزيادة على الالف ويملك الزوج الالف، إذا كانت الدراهم معلومه، وان كانت مجهوله ردها ورجع عليها مهر المثل، وإن أعطته دارهم ناقصه، فان كانت ناقصة العدد والوزن بأن أعطته دراهم عددها دون الالف، ووزنها دون وزن ألف درهم من دراهم الاسلام، لم يقع الطلاق، لان اطلاق الدراهم يقتضى وزن الاسلام، وان كانت ناقصة العدد وافية الوزن بأن أعطته تسعمائة درهم مضروبه - الا أن وزنها وزن ألف درهم من دراهم الاسلام - وقع عليها الطلاق لوجود الصفه، لان الاعتبار بالوزن دون العدد، إذا لم يكن مشروطا وان اعطته قطعة فضة نقرة وزنها ألف درهم لم يقع الطلاق، لان اطلاق الدراهم انما ينصرف إلى المضروبة - والنقرة قطع كالسبائك - وان أعطته

(17/49)


ألف درهم مضروبة رديئة - فان كانت رداءتها من جهة الجنس أو السكة، بأن كانت فضتها خشنة أو سكنها مضطربة، وقع الطلاق لوجود الصفه.
قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ: وله ردها والمطالبة ببدلها سليمة من غير نقد البلد، لان إطلاق المعاوضه يقتضى السلامه من العيوب، وإن أعطته ألف درهم مغشوشه بغير جنسها بأن كانت مغشوشة برصاص أو نحاس - فان كانت الفضة لا تبلغ ألف درهم من دراهم الاسلام - لم يقع الطلاق، لان الشرط لم يوجد وإن كانت الفضه فيها تبلغ ألف درهم من دراهم الاسلام وقع عليها الطلاق، لوجود الصفه.*
*
* (فرع)
إذا قالت: طلقني بألف فقال: أنت طالق ثلاثا، استحق الالف، وإن طلقها واحدة أو اثنتين - قال الصيمري: - سألناها، فان قالت: أردت ما أجابنى به أو أقل لزمها الالف، وإن قالت: أردت أكثر فالقول قولها مع يمينها وله العوض بحساب ما طلق، وإن سألت الطلاق مطلقا بعوض فقال: أنت طالق، فان قال: أردت ثلاثا وقع عليها الثلاث، واستحق الالف، وإن قال أردت ما دون الثلاث رجع إليها فيما سألت، وكان الحكم كالاولة.
(فرع)
إذا قالت: خالعني على ألف درهم، فقال: خالعتك نظرت - فان قيداه بدراهم من نقد البلد معلوم صح ولزم الزوجه منها، وان لم يقيدا ذلك بنقد بلد معروف - وكانا في بلد فيه دراهم غالبه - انصرف إليها ذلك.
كما قلنا في البيع، وان كانا في بلد لا دراهم فيها غالبه ونويا صنفا من الدراهم، أو قال: خالعتك على ألف - ولم يقل من الدراهم ولا من الدنانير، فقالت: قبلت ونويا صنفا من الدراهم والدنانير، واتفقا عليه، انصرف إطلاقهما إلى ما نوياه، لانهما إذا ذكرا ذلك واعترفا أنهما أرادا صنفا صار كما لو ذكراه، وان لم ينويا صنفا صح الخلع، وكان العوض فاسدا فيلزمها مهر المثل.
إذا ثبت هذا: فان المصنف قال في مطلع الفصل: إذا قال: ان دفعت إلى
ألف درهم فأنت طالق - ونويا صنفا من الدراهم - صح الخلع، وحمل على ما نويا

(17/50)


والذى يقتضى المذهب أن نيتهما إنما تؤثر في الخلع المنجز على ما مضى.
وأما هذا فهو طلاق معلق على صفة.
هكذا أفاده الماوردى والعمراني وابن الصباغ وغيرهم من أصحابنا، وأى صنف من الدراهم أعطته وقع به الطلاق ولا تأثير للنية (فرع)
إذا كان له زوجتان صغيرة وكبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة رضاعا يحرم، وخالع الزوج الكبيرة - فإن علم أن الخلع سبق الرضاع - صح الخلع، وإن علم أن الرضاع سبق الخلع لم يصح الخلع لان النكاح انفسخ قبل الخلع، وإن أشكل السابق منهما صح الخلع، لان الاصل بقاء الزوجية (مسألة) إذا تخالع الزوجان الوثنيان والذميان صح الخلع لانه معاوضة فصح منهما كالبيع، ولان من صح طلاقه بغير عوض صح بعوض كالمسلمين، فان عقد للخلع بعوض صحيح ثم ترافعا الينا أمضاه الحاكم قبل التقابض وبعده لانه يصح، وإن تخالعا بعوض فاسد كالخمر والخنزير - فإن ترافعا الينا قبل القبض لم نؤمن على إقباضه بل نوجب له مهر المثل، وان ترافعا الينا بعد التقابض للجميع حكمنا ببراءة ذمتها، فإن ترافعا بعد أن قبض البعض فإن الحكم يمضى من ذلك ما تقابضاه ويحكم له بمهر المثل بقسط ما بقى كما قلنا في الصداق، وإن تخالعا المشركان على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما قبل التقابض فان الحاكم يحكم بفساد العوض ويوجب مهر المثل اعتبارا بحال المسلم منهما (فرع)
وان ارتد الزوجان المسلمان أو أحدهما ثم تخالعا في حال الردة كان الخلع موقوفا، فان اجتمعا على الاسلام قبل العدة تبينا أن الخلع صحيح، لانه بان ان النكاح باق، وان انقضت عدتها قبل أن يجتمعا على الاسلام لم يصح الخلع لانه بان أن النكاح انفسخ بالردة والله أعلم بالصواب

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن اختلف الزوجان فقال الزوج طلقتك على مال وأنكرت المرأة بانت باقراره ولم يلزمها المال، لان الاصل عدمه.
وان قال طلقتك بعوض فقالت طلقتني بعوض بعد مضى الخيار بانت باقراره، والقول في العوض قولها لان الاصل براءة ذمتها، وان اختلفا في قدر العوض، أو في عينه، أو في

(17/51)


صفته، أو في تعجيله أو في تأجيله، تحالفا لانه عوض في عقد معاوضة فتحالفا فيه على ما ذكرناه كالبيع، فإذا تحالفا لم يرتفع الطلاق وسقط المسمى ووجب مهر المثل، كما لو اختلفا في ثمن السلعة بعدما تلفت في يد المشترى وان خالعها على ألف درهم وأختلفا فيما نويا، فادعى أحدهما صنفا وادعى الآخر صنفا آخر تحالفا.
ومن أصحابنا من قال لا يصح للاختلاف في النية لان ضمائر القلوب لا تعلم، والاول هو المذهب، لانه لما جاز أن تكون النية كاللفظ في صحة العقد عند الاتفاق وجب أن تكون كاللفظ عند الاختلاف، ولانه قد يكون بينهما أمارات يعرف بها ما في القلوب، ولهذا يصح الاختلاف في كنايات القذف والطلاق.
وان قال أحدهما خالعت على ألف درهم، وقال الآخر خالعت على ألف مطلق تخالعا، لان أحدهما يدعى الدراهم والآخر يدعى مهر المثل، وان بقيت له طلقة فقالت له طلقني ثلاثا على ألف فطلقها، قلنا انها ان علمت ما بقى استحق الالف وان لم تعلم لم يستحق الا ثلث الالف.
وان اختلفا فقالت المرأة لم أعلم، وقال الزوج بل علمت تحالفا ورجع الزوج إلى مهر المثل لانه اختلاف في عوض الطلقة، وهى تقول بذلت ثلث الالف في مقابلتها، وهو يقول بذلت الالف

(فصل)
وان قال خالعتك على ألف وقالت بل خالعت غيرى بانت المرأة لاتفاقهما على الخلع، والقول في العوض قولها، لانه يدعى عليها حقا والاصل عدمه.
وان قال خالعتك على ألف، وقالت خالعتني على ألف ضمنها عنى زيد، لزمها الالف لانها أقرت به ولا شئ على زيد الا أن يقربه، وان قال خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت بل خالعتني على ألف لى في ذمة زيد، تحالفا، لان الزوج يدعى عوضا في ذمتها وهى تدعى عوضا في ذمة غيرها، وصار كما لو ادعى أحدهما أن العوض عنده وادعى آخر أنه عند آخر (الشرح) الاحكام: إذا ادعت الزوجة على زوجها أنه طلقها بألف وأنكر فان لم يكن معها بينة فالقول قوله مع يمينه.
لان الاصل عدم الطلاق.
وان كان

(17/52)


معها بينة شاهدان ذكران، واتفقت شهادتهما حكم عليه بالطلاق وانقطاع الرجعة، قال الشيخ أبو حامد: ويستحق عليها الالف، فان شاء أخذها وان شاء تركها، وان شهد أحدهما أنه خالعها بألف وشهد الآخر أنه خالعها بألفين لم يحكم بالخلع لانهما شهدا على عقدين.
وان أقامت شاهدا واحدا وأرادت أن تحلف معه أو شاهدا وامرأتين لم يحكم بصحة الخلع، لان الطلاق لا يثبت الا بشاهدين (مسألة) وان ادعى الزوج على زوجته أنه طلقها بألف وأنكرت، فإن كان ليس له بينة حلفت لانه يدعى عليها دينا في ذمتها، والاصل براءة ذمتها ويحكم عليه بالبينونة لانه أقر على نفسه بذلك، وان كان معه بينة، فان أقام شاهدين ذكرين حكم له عليها بالمال، وان أقام شاهدا وحلف معه أو شاهدا وامرأتين ثبت له المال لا دعواه بالمال.
وذلك يثبت بالشاهد واليمين، والشاهد والمرأتين.
قال المسعودي: وان قالت طلقني بألف الا أنى كنت مكرهة على التزامه فالقول قولها مع يمينها لان الاصل براءة ذمتها
(فرع)
وان ادعى الزوج عليها أنها استدعت منه الطلاق بألف فطلقها عليه فقالت قد كنت استدعيت منك الطلاق بألف ولكنك لم تطلقني على الفور بل بعد مضى مدة الخيار، وقال بل طلقتك على الفور بانت منه باقراره، والقول قولها مع يمينها، لان الاصل براءة ذمتها، وان قال الزوج طلقتك بعد مضى وقت الخيار فلى الرجعة.
وقالت بل طلقتني على الفور فلا رجعة لك، فالقول قول الزوج مع يمينه، لان الاصل عدم الطلاق (فرع)
وان اختلفا في قدر العوض بأن قال خالعتك على ألفى درهم فقالت بل على ألف، أو اختلفا في صفة العوض بأن قال خالعتك على ألف ريال سعودى فقالت بل على ألف ريال يمنى، أو اختلفا في عين العوض فقال خالعتك على السيارة التاكسى فقالت بل على هذه السيارة النقل، أو في تعجيله وتأجيله بأن قال خالعتك على ألف درهم معجلة، فقالت بل على ألف درهم مؤجلة أو في عدد الطلاق بأن قالت بذلت لك ألفا لتطلقني ثلاثا فقال بل بذلت لى ألفا لاطلقك واحدة ولم أطلق غيرها فانهما يتحالفان في جميع ذلك على النفى والاثبات، كما قلنا في المتبايعين.

(17/53)


وقال أبو حنيفة القول قول المرأة.
دليلنا أن الخلع معاوضة، فإذا اختلفا في قدر عوضه أو صفته أو تعجيله أو معوضه تحالفا كالمتبايعين إذا ثبت هذا فانهما إذا تحالفا فان التحالف يقتضى فسخ العقد، إلا أنه لا يمكن ههنا أن يفسخ الخلع، لانه لا يلحقه الفسخ فيسقط العوض المسمى في العقد ويرجع عليها بمهر مثلها كالمتبايعين إذا اختلفا بعد هلاك السلعة.
وعلى قول من قال من أصحابنا أن البائع يرجع بأقل الامرين من الثمن الذى يدعيه البائع أو قيمة السلعة يرجع الزوج ههنا بأقل الامرين من العوض الذى يدعيه الزوج أو مهر
المثل.
وإذا اختلفا في قدر الطلاق فلا يقع إلا ما أقر به الزوج (فرع)
وإن خالعها على دراهم في موضع لا نقد فيه، فقال أحدهما نوينا من دراهم كذا، وقال الآخر: بل نوينا من نقد بلد كذا، أو خالعها على ألف مطلق، وقال أحدهما: نوينا من الدراهم، وقال الآخر: بل نوينا من الدنانير ففيه وجهان.

(أحدهما)
لا يتحالفان، بل يجب مهر المثل، لان ضمائر القلوب لا تعلم،
(والثانى)
وهو المذهب أنهما يتحالفان، لان النية لما كانت كاللفظ في صحة العقد كانت كاللفظ في الاختلاف، ولانه يجوز أن يعرف كل واحد منهما ما نواه الآخر في ذلك بإعلامه إياه أو بأمارات بينهما، فإذا اختلفا في ذلك تحالفا.*
*
* وإن قال أحدهما: خالعت على ألف درهم من نقد بلد كذا.
أو كانا في بلد فيه دراهم غالبة، وقال الآخر: بل خالعت على ألف مطلقة غير مقيدة بدراهم ولا دنانير تحالفا، لان أحدهما يدعى أن العوض الدراهم المسماة، والآخر يدعى أن العوض مهر المثل فتحالفا كما قلنا لو اختلفا في قدر العوض.

(17/54)


وإن بقيت له على إمرأته طلقة فقالت طلقني ثلاثا فطلقها واحدة - وقلنا بقول أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - أنها إذا علمت أنه لم يبق إلا طلقة، وقالت: ما كنت عالمة بذلك تحالفا، لانهما اختلفا في عدد الطلاق المبذول به الالف فهى تقول: ما بذلت الالف إلا في مقابلة الثلاث، والزوج يقول:
بذلت الالف في مقابلة الواحدة لعلك بها، فتحالفا كما لو كان يملك عليها ثلاث طلقات، واختلفا في عدد الطلاق، وجب عليه مهر مثلها لما ذكرناه.
(مسألة) قوله: وإن قال: خالعتك إلخ، وهذا كما قال، فإنه إذا قال: خالعتك على ألف درهم فقالت: ما بذلت لك العوض على طلاقي، وإنما بذل لك زيد العوض من ماله على طلاقي، فالقول قولها مع يمينها، لان الاصل براءة ذمتها، تبين منه لاتفاقهما على طلاقها بعوض.
وان قال: خالعتك بألف في ذمتك، فقالت: خالعتني في ذمتي الا أن زيدا ضمنها عنى، لزمها الالف، لانها أقرت بوجوبها عليها الا أنها ادعت أن زيدا ضمنها، وذلك لا يسقط من ذمتها.
وان قالت: خالعتني بألف يعدها عنى زيد لزمها الالف لانها أقرت بوجوبها عليها، لان زيدا لا يعد عنها الا ما وجب عليها، وان قال: خالعتك على ألف درهم في ذمتك، أو في يديك، وقالت: بل خالعتني على ألف درهم في ذمة زيد لى، ففيه وجهان.

(أحدهما)
أنهما يتحالفان لانهما اختلفا في عين العوض فتحالفا كما لو قال خالعتك على هذه الدراهم في هذا الكيس، فقالت: بل على هذه التى في الكيس الآخر، والثانى: أنهما لا يتحالفان، لان الخلع على ما في ذمة الغير لا يصح، لانه غير مقدور عليه، فهو كما لو خالعها على بهيمتها الضاله، أو عبدها الابق فعلى هذا يلزمها مهر مثلها، والمذهب الاول، لان بيع الدين في الذمة من غير السلم والكتابة يصح في أحد الوجهين، وان قلنا: لا يصح؟ فلم يتفقا على أنه خالعها عليه وانما هي تدعى ذلك، والزوج ينكره فهو كما لو قالت: خالعننى على خمر أو خنزير فقال: بل على الدراهم أو الدنانير فإنهما يتحالفان فهذا مثله، والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(17/55)