تحفة
الحبيب على شرح الخطيب = حاشية البجيرمي على الخطيب [فَصْلٌ فِي السِّوَاكِ]
ِ أَيْ فِي حَقِيقَتِهِ وَحُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي
يَتَأَكَّدُ فِيهَا. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ: نَدْبَهُ
بِكُلِّ حَالٍ، وَكَرَاهَتَهُ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ،
وَتَأَكُّدَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ. وَزَادَ الشَّارِحُ مَسَائِلَ:
مِنْهَا نَدْبُ كَوْنِهِ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ، وَتَرْتِيبِ آلَتِهِ،
وَفِعْلِهِ بِالْيَمِينِ فِي يَمِينِ الْفَمِ وَفَوَائِدُهُ. وَالْحَاصِلُ:
أَنَّ أَحْكَامَهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا كَأَنْ
تَوَقَّفَ عَلَيْهِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ أَوْ رِيحٍ كَرِيهَةٍ فِي نَحْوِ
جُمُعَةٍ، وَتَارَةً يَكُونُ حَرَامًا كَاسْتِعْمَالِ سِوَاكِ غَيْرِهِ
بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيْ وَلَمْ يَعْلَمْ رِضَاهُ، وَتَارَةً يَكُونُ
مَكْرُوهًا، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ كَاسْتِعْمَالِهِ طُولًا
فِي غَيْرِ اللِّسَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ مَنْدُوبًا وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ وَلَا تَعْتَرِيهِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ
مَا كَانَ أَصْلُهُ النَّدْبَ لَا تَعْتَرِيهِ الْإِبَاحَةُ.
وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ فِي مَذْهَبِ
الْحَنَفِيَّةِ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ هَلْ يُكْرَهُ الِاشْتِرَاكُ فِي
الْمُشْطِ وَالْمِيلِ وَالسِّوَاكِ كَمَا هُوَ شَائِعٌ بَيْنَ الْعَوَامّ
يَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ لَيْسَ فِيهَا اشْتِرَاكٌ الْمُشْطُ وَالْمِرْوَدُ
وَالسِّوَاكُ أَمْ لَا؟ . أَجَابَ: أَمَّا السِّوَاكُ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ
فَقَدْ صَرَّحَ فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ
الْقُونَوِيِّ؛ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَمِثْلُهُ
الْمُشْطُ وَالْمِيلُ، وَأَمَّا قَوْلُ النَّاسِ بِالْكَرَاهَةِ فَإِنَّمَا
ذَلِكَ لِكَرَاهَةِ نُفُوسِهِمْ الِاشْتِرَاكَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ
لِئَلَّا تَحْصُلَ النَّفْرَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ يَعَافُونَ مِنْهُ،
فَرُبَّمَا وَقَعَتْ الْكَرَاهَةُ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِهِ لَا أَنَّهُ
وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ خَاصٌّ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ يُوجِبُ
مَحْظُورِيَّتَهُ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَاكَ
بِسِوَاكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ؟ بَلْ زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ جَاءَ
ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَالْكَرَاهَةُ لَا أَصْلَ لَهَا. اهـ.
وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ عَقِبَ الْمِيَاهِ وَالدَّابِغِ أَنَّهُ آلَةٌ فِي
إزَالَةِ الْقَذَرِ، وَإِنْ كَانَ أَيْ الْقَذَرُ طَاهِرًا، وَقُدِّمَ
عَلَى الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْفِعْلِيَّةِ
الْخَارِجَةِ عَنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر. فَمَحَلُّهُ قَبْلَ
غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ
م ر. وَعِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ مَحَلُّهُ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَلَا
يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْوُضُوءِ تَشْمَلُهُ
فَيَكُونُ مِنْ سُنَنِهِ الدَّاخِلَةِ، وَذَكَرَهُ فِي التَّحْرِيرِ
تَبَعًا لِلتَّنْقِيحِ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ فِيهَا
آكَدُ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ لَهَا، فَقَدْ حُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ
أَوْجَبَهُ وَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَتَرْكُهُ عَمْدًا مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ،
لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ إِسْحَاقَ
غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ. اهـ.
وَالسِّوَاكُ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى آلَتِهِ وَعَلَيْهِمَا
مَعًا، وَيَجُوزُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ
مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ حَدِيثِ:
«هَذَا سِوَاكِي وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» . وَفِي
الْأَوَائِلِ أَنَّ أَوَّلَ
(1/119)
وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ مُشْتَقٌّ مِنْ
سَاكَ إذَا دَلَكَ وَالسِّوَاكُ لُغَةً الدَّلْكُ وَآلَتُهُ وَشَرْعًا
اسْتِعْمَالُ عُودٍ مِنْ أَرَاكٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأُشْنَانٍ فِي
الْأَسْنَانِ وَمَا حَوْلَهَا لِإِذْهَابِ التَّغَيُّرِ وَنَحْوِهِ،
وَاسْتِعْمَالُهُ (مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ حَالٍ) مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ
الرَّافِعِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
مَنْ اسْتَاك إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِعُودِ
الزَّيْتُونِ وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: «سِوَاكِي وَسِوَاكُ
الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» الْمُقْتَضِي شُمُولَهُ لِكُلِّ نَبِيٍّ
قَبْلَ إبْرَاهِيمَ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
بِالْأَنْبِيَاءِ مَجْمُوعُهُمْ لَا كُلُّ وَاحِدٍ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ
أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَلْ مِنْ
الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ سَاكَ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ وَهُوَ السِّوَاكُ لِأَنَّ
الْمَصْدَرَ الْمَزِيدَ يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَهَذَا عَلَى
مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ أَوْ مِنْ الْفِعْلِ نَفْسِهِ عِنْدَ
الْكُوفِيِّينَ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْفِعْلِ وَجَمْعُ
السِّوَاكِ سُوُكٌ بِضَمِّ السِّينِ وَالْوَاوِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَقَدْ
تُسَكَّنُ الْوَاوُ تَخْفِيفًا قَوْلُهُ لُغَةً الدَّلْكُ أَيْ وَلَوْ فِي
غَيْرِ الْفَمِ كَدَلْكِ الْبَابُوجِ وَمِنْهُ تَسْوِيكُ الْبِكْرِ وَهُوَ
دَلْكُ فَرْجِ الْبِكْرِ بَعْدَ إزَالَةِ بَكَارَتِهَا بِخِرْقَةٍ حَتَّى
يَحْسُنَ جِمَاعُ الزَّوْجِ لَهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ
مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ قَوْلُهُ وَآلَتُهُ أَيْ يُطْلَقُ
عَلَيْهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ وَمُنْفَرِدَيْنِ قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ
كُلِّ خَشِنٍ طَاهِرٍ كَمَا سَيَأْتِي فَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ عَطْفٌ
عَلَى عُودٍ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِقَوْلِهِ كَأُشْنَانٍ لِأَنَّ
الْأُشْنَانَ بِزْرُ الْغَاسُولِ وَلَيْسَ بِعُودٍ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ
أَعْوَادٌ رَفِيعَةٌ بِبِلَادِ الشَّامِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْأَعْظَمُ مِنْ
أَجْزَاءِ الصَّابُونِ الثَّلَاثَةِ وَبَقِيَّتُهَا الزَّيْتُ وَالْجِيرُ.
اهـ. شَيْخُنَا قَوْلُهُ فِي الْأَسْنَانِ الْأَوْلَى فِي الْفَمِ
لِيَشْمَلَ مَنْ لَا سِنَّ لَهُ قَوْلُهُ وَمَا حَوْلَهَا الْمُرَادُ بِهِ
مَا يَقْرُبُ مِنْهَا فَيَشْمَلُ اللِّسَانَ وَسَقْفَ الْحَلْقِ قَوْلُهُ
لِإِذْهَابِ التَّغَيُّرِ قَدْ يَقْتَضِي هَذَا أَنَّ السُّنَّةَ
تَتَوَقَّفُ عَلَى إذْهَابِ التَّغَيُّرِ وَيُنَافِيهِ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ
وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ إلَّا إنْ كَانَ لِتَغَيُّرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ
إزَالَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا فِيهِ
أَيْضًا لِأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِإِذْهَابِ
بَيَانٌ لِحِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَ
السُّنَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ
وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَصْلِ السُّنَّةِ إلَّا
أَنْ يَكُونَ لِتَغَيُّرٍ بِالْفَمِ أَوْ قَلَحٍ بِالْأَسْنَانِ فَلَا
بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ إنْ أَرَادَ تَمَامَ السُّنَّةِ اهـ قَوْلُهُ
وَنَحْوِهِ يُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى لِإِذْهَابِ وَيُفَسَّرُ
بِتَسْوِيَةِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ. وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ كَالْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ
عَطْفُهُ عَلَى التَّغَيُّرِ وَيُفَسَّرُ بِإِذْهَابِ الْكَسَلِ
وَنَحْوِهِ.
وَأَرْكَانُ السِّوَاكِ خَمْسَةٌ مُسْتَاكٌ وَمُسْتَاكٌ بِهِ وَمُسْتَاكٌ
مِنْهُ وَمُسْتَاكٌ فِيهِ وَنِيَّةٌ اسْتِقْلَالًا أَوْ تَبَعًا. قَوْلُهُ:
(وَاسْتِعْمَالُهُ) ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى السِّوَاكِ بِمَعْنَى الْآلَةِ
وَكَأَنَّ السِّوَاكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ
فَفِيهِ تَغَيُّرُ إعْرَابِهِ وَمَعْنَاهُ تَأَمَّلْ ق ل. قُلْت: بَلْ
كَلَامُ الشَّارِحِ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، إذْ
قَوْلُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ إشَارَةٌ لِتَفْسِيرِ السِّوَاكِ بِالْفِعْلِ
فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْإِعْرَابُ فَلَا تَغْيِيرَ فِيهِ
إذْ هُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَتَفْسِيرُ السِّوَاكِ بِالِاسْتِعْمَالِ
لَا بُدَّ مِنْهُ إذْ الِاسْتِحْبَابُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لَا
بِالذَّاتِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ الْعَبَّادِيُّ
وَالسِّوَاكُ بِمَعْنَى اسْتِيَاكٍ أَوْ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ
اسْتِعْمَالِهِ. اهـ. اج. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ
وَاسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ صَحِيحٌ بِدُونِ هَذَا التَّقْدِيرِ؛
لِأَنَّ السِّوَاكَ شَرْعًا مَعْنَاهُ الِاسْتِعْمَالُ الْمُتَقَدِّمُ
فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاسْتِعْمَالُ الْعُودِ إلَخْ مُسْتَحَبٌّ إلَخْ.
وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالسِّوَاكِ الْآلَةُ
يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ وَاسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ؛ لِأَنَّ
الْأَحْكَامَ إنَّمَا تُضَافُ لِلْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْفِقْهِ
أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ فَالْأَحْكَامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ إذْ
لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِهِ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ.
قَوْلُهُ: (مُسْتَحَبٌّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لَنَا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ
لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ
لِأَجْلِ التَّهَيُّؤِ لِتَلَقِّي الْوَحْيِ. وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَيِّ وَقْتٍ هَلْ فِي
الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسَنُّ لَنَا فِيهَا أَوْ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ
أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِتَهَيُّئِهِ لِتَلَقِّي الْوَحْيِ فَتَدَبَّرْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ مَا نَصُّهُ: قَالَ
فِي الْخَادِمِ: وَهَلْ الْمُرَادُ بِوُجُوبِهِ فِي حَقِّهِ بِالنِّسْبَةِ
إلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ أَمْ النَّافِلَةِ مَعَهَا أَمْ فِي
جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي حَقِّنَا أَمْ مَا هُوَ أَعَمُّ
مِنْ ذَلِكَ؟ . لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. نَعَمْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالسِّوَاكِ
لِكُلِّ صَلَاةٍ» . وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ تَخْصِيصُهُ بِالْمَفْرُوضَةِ.
اهـ.
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ حَالٍ) أَيْ وَزَمَانٍ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا)
لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ،
وَالْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي
(1/120)
عِنْدَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِصِحَّةِ
الْأَحَادِيثِ فِي اسْتِحْبَابِهِ كُلَّ وَقْتٍ.
(إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ زَوَالِ الشَّمْسِ وَهُوَ مَيْلُهَا عَنْ
كَبِدِ السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا
اسْتِعْمَالُهُ (لِلصَّائِمِ) وَلَوْ نَفْلًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:
«لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
عُمُومُ الْأَحْوَالِ وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَحْوَالُ جَمْعُ حَالٍ،
وَهِيَ مَا عَلَيْهِ الشَّخْصُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَبَعْدَ الزَّوَالِ
زَمَنٌ مَخْصُوصٌ لَيْسَ مِنْ أَحْوَالِ الشَّخْصِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ
عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ مُتَّصِلٌ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ
بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَالْأَصْلُ فِي
كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ إلَّا إلَخْ. وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَيْهِ
بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا أَيْ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَيَشْمَلُ وَقْتَ الزَّوَالِ.
.
قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ) أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا
لِيَشْمَلَ أَيَّامَ الدَّجَّالِ؛ لِأَنَّ فِي أَيَّامِهِ يَوْمًا كَسَنَةٍ
وَيَوْمًا كَشَهْرٍ وَيَوْمًا كَجُمُعَةٍ فَاعْتِبَارُ الزَّوَالِ فِيهِ
تَقْدِيرِيٌّ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ: قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ
بِجَوَازِ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ صَائِمٌ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ
وَخُصَّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ بَعْدَهُ
يَتَمَحَّضُ عَنْ الصَّوْمِ لِخُلُوِّ الْمَعِدَةِ. نَعَمْ إنَّ تَغَيُّرَ
فَمِهِ بِغَيْرِ الْخُلُوفِ كَأَنْ تَمَحَّضَ تَغَيُّرُهُ بِغَيْرِهِ
كَنَوْمٍ لَمْ يُكْرَهْ لِزَوَالِ الْمَعْنَى، نَعَمْ إنْ كَانَ يُدْمِي
فِيهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ فِي لِثَتِهِ وَخَافَ الْفِطْرَ كُرِهَ كَمَا بَحَثَ
الْأَذْرَعِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ كَبِدِ) أَيْ وَسَطِ.
قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ) أَيْ إنْ اسْتَاك بِنَفْسِهِ، فَإِنْ سَوَّكَهُ
مُكَلَّفٌ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ عَلَى نَظِيرِ
إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ فِيهِمَا فَإِنَّهُ إنْ أَزَالَهُ غَيْرُهُ
حَرُمَ، وَإِنْ أَزَالَهُ بِنَفْسِهِ كَأَنْ جُرِحَ جُرْحًا يُقْطَعُ
بِمَوْتِهِ مِنْهُ فَأَزَالَ دَمَهُ ثُمَّ مَاتَ كُرِهَ. قَالَ بَعْضُهُمْ:
أَوْ أَزَالَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَفْسِهِ كَرَامَةً وَفِيهِ نَظَرٌ،
فَإِنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالْكَرَاهَةِ.
وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الْإِزَالَةِ إذَا أَزَالَهُ بِالسِّوَاكِ
الشَّرْعِيِّ لَا بِأُصْبُعِهِ. فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ
السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَالُوا
بِطَلَبِهِ فَمَا إذَا حَصَلَ تَغَيُّرُ الْخُلُوفِ فَمَا الْفَرْقُ؟ .
قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ السِّوَاكَ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ
جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَلِلتَّغَيُّرِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ؛
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ التَّغَيُّرِ وَدَفْعُ الْمَفَاسِدِ أَهَمُّ
مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِأَيِّ شَيْءٍ كُرِهَ الِاسْتِيَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ
لِلصَّائِمِ، وَلَمْ تُكْرَهْ الْمَضْمَضَةُ مَعَ أَنَّهَا مُزِيلَةٌ
لِلْخُلُوفِ بَلْ أَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِ
الِاسْتِنْجَاءِ حَيْثُ قَالُوا: وَالْمَاءُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ
الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ وَلَا كَذَلِكَ الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ؟ . أَجَابَ ق ل
فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ: بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تُكْرَهْ الْمَضْمَضَةُ
بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الرِّيحَ بِخِلَافِ السِّوَاكِ
اهـ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْجَوَابِ شَيْءٌ إذْ الْإِزَالَةُ حَاصِلَةٌ
فِي كُلٍّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا بِالسِّوَاكِ أَقْوَى.
قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ) أَيْ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ
الْمَطْلُوبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ أَيْ أَكْثَرُ
ثَوَابًا مِنْ ثَوَابِ رِيحِ الْمِسْكِ الْمَطْلُوبِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ
الشَّمَّ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ تَعَالَى، أَوْ مَعْنَى كَوْنِهِ أَطْيَبَ
عِنْدَ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَرِضَاهُ بِهِ، وَبِذَلِكَ
فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَلَا يَخْتَصُّ
بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وِفَاقًا لِابْنِ الصَّلَاحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ
السَّلَامِ: يَخْتَصُّ بِهِ لِتَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذِكْرَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِكَوْنِهِ
مَحَلَّ الْجَزَاءِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ، وَخُصَّ الْمِسْكُ؛
لِأَنَّهُ أَطْيَبُ طِيبٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الْخَاءِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ
أَرْبَعَةٌ: خُلُوفٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَخَلُوفٌ بِفَتْحِهَا وَخَلَفٌ
بِفَتْحِ الْخَاءِ وَاللَّامِ وَخَلْفٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ
اللَّامِ فَالْخُلُوفُ بِالضَّمِّ هُوَ تَغَيُّرُ الْفَمِ وَالْخَلُوفُ
بِفَتْحِ الْخَاءِ هُوَ كَثِيرُ خُلْفِ الْوَعْدِ وَالْخَلَفُ بِفَتْحِ
الْخَاءِ وَاللَّامِ هُوَ الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ وَالْخَلْفُ بِفَتْحِ
الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ ذُرِّيَّةُ السُّوءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: 59] إلَخْ
وَيُطْلَقُ الْخَلْفُ أَيْضًا عَلَى مَا قَابَلَ الْأَمَامَ. قَوْلُهُ:
(وَأَمَّا الثَّانِيَةُ إلَخْ) وَصَدَّرَ الْحَدِيثَ: أَمَّا الْأُولَى:
«فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ نَظَرَ اللَّهُ
تَعَالَى إلَيْهِمْ وَمَنْ
(1/121)
عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» .
وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ، وَالْمُرَادُ
الْخُلُوفُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِخَبَرِ: «أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ
رَمَضَانَ خَمْسًا» ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ
يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ
الْمِسْكِ» . وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَطْيَبِيَّةُ الْخُلُوفِ
تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ فَكُرِهَتْ إزَالَتُهُ، وَتَزُولُ
الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ الْآنَ، وَيُؤْخَذُ
مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِعَارِضٍ كَمَنْ
نَسِيَ نِيَّةَ الصَّوْمِ لَيْلًا لَا يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ بَعْدَ
الزَّوَالِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ حَقِيقَةً،
وَالْمَعْنَى فِي اخْتِصَاصِهَا بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ أَنَّ تَغَيُّرَ
الْفَمِ بِالصَّوْمِ إنَّمَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.
وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنْ يُفَرِّقُوا
بَيْنَ مَنْ تَسَحَّرَ أَوْ تَنَاوَلَ فِي اللَّيْلِ شَيْئًا أَمْ لَا
فَيُكْرَهُ لِلْمُوَاصِلِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ
فَمُهُ بِأَكْلٍ أَوْ نَحْوِهِ نَاسِيًا بَعْدَ الزَّوَالِ أَنَّهُ لَا
يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ طُولُ السِّوَاكِ
عَلَى شِبْرٍ.
وَيَسْتَحِبُّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِهِ: اللَّهُمَّ بَيِّضْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
نَظَرَ إلَيْهِ لَا يُعَذِّبُهُ أَبَدًا» . وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَمَا
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ
تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ جَنَّتَهُ فَيَقُولُ لَهَا اسْتَعِدِّي
وَتَزَيَّنِي لِعِبَادِي أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ
الدُّنْيَا إلَى دَارِ كَرَامَتِي. وَأَمَّا الْخَامِسَةُ: فَإِنَّهُ إذَا
كَانَ آخَرُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ غَفَرَ لَهُمْ جَمِيعًا فَقَالَ
رَجُلٌ: أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَا.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْعُمَّالَ يَعْمَلُونَ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ
أَعْمَالِهِمْ وُفُّوا أُجُورَهُمْ ". اهـ.
ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ إلَخْ) . فَإِنْ
قُلْت: يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى كَرَاهَةِ
الِاسْتِيَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى طَلَبِ
السِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ الشَّامِلَةِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ الَّتِي
بَعْدَ الزَّوَالِ فَلِمَ قُدِّمَ عَلَيْهَا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ قُدِّمَ
عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ دَرْءَ مَفْسَدَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ
التَّغَيُّرِ، وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ فِيهَا جَلْبُ مَصْلَحَةٍ، وَدَرْءُ
الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ ح ف. قَالَ سم:
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَا يُصْبِحُونَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ) وَيَمْتَدُّ لُغَةً إلَى
نِصْفِ اللَّيْلِ وَمِنْهُ إلَى الزَّوَالِ صَبَاحٌ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَكُرِهَتْ إزَالَتُهُ) الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ إزَالَتَهُ
مَكْرُوهَةٌ حَتَّى بِغَيْرِ السِّوَاكِ مَعَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ خَاصَّةً
بِالسِّوَاكِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ
نَهْيٍ خَاصٍّ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ تَأْكِيدَ
الطَّلَبِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ أَيْ
طَلَبًا مُؤَكَّدًا أَخْذًا مِنْ الْأَطْيَبِيَّةِ قَامَ مَقَامَ النَّهْيِ
الْخَاصِّ. وَعِبَارَةُ ع ش: وَالْمُرَادُ إزَالَتُهُ بِالسِّوَاكِ
الشَّرْعِيِّ، وَأَمَّا إزَالَتُهُ بِغَيْرِهِ فَلَا تُكْرَهُ أَيْ وَإِنْ
كَانَ الْمُدْرِكُ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ:
(وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ التَّعْلِيلِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) ضَعِيفٌ. فَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ لِمَنْ
نَسِيَ النِّيَّةَ لَيْلًا وَمِثْلُهُ الْمُمْسِكُ لِغَيْرِ نِسْيَانِ
النِّيَّةِ كَمَنْ بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا فِي حُكْمِ الصَّائِمِ لِامْتِنَاعِ تَعَاطِيهِ الْمُفْطِرَاتِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ حَقِيقَةً) لَكِنَّهُ يُعْطَى
حُكْمَ الصَّائِمِ.
قَوْلُهُ: (فِي اخْتِصَاصِهَا) أَيْ الْكَرَاهَةِ، قَوْلُهُ: (إنَّمَا
يَظْهَرُ حِينَئِذٍ) أَيْ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَيُحَالُ التَّغَيُّرُ عَلَى
مَا كَانَ مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَيْلًا.
قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي
ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُفَرِّقُوا) مِنْ بَابِ نَصَرَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَنَاوَلَ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، وَالْمُرَادُ
تَنَاوَلَ شَيْئًا مِمَّا يَقْتَضِي التَّغَيُّرَ لَا نَحْوَ جِمَاعٍ.
قَوْلُهُ: (أَمْ لَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمَنْ لَا؛ لِأَنَّ بَيْنَ
تَقْتَضِي الْعَطْفَ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا
لِمُتَعَدِّدٍ.
قَوْلُهُ: (فَيُكْرَهُ لِلْمُوَاصِلِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الشِّقِّ
الثَّانِي أَيْ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الْفَمِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِالصَّوْمِ
لَا بِالطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ
الزَّوَالِ) أَيْ وَبَعْدَ الْفَجْرِ فَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ
وَتَعُودُ بِالْفَجْرِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيُكْرَهُ جَمِيعُ
النَّهَارِ وَكَمَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ تَزُولُ بِالْمَوْتِ
لِبُطْلَانِ الصَّوْمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ لَيْسَ بِصَائِمٍ
وَمُمْسِكٍ. اهـ. طُوخِيٌّ وَفِي ع ش: فَرْعٌ: لَوْ مَاتَ الصَّائِمُ هَلْ
يَحْرُمُ عَلَى الْغَاسِلِ إزَالَةُ خُلُوفِهِ بِسِوَاكٍ؟ . قِيَاسُ دَمِ
الشَّهِيدِ الْحُرْمَةُ، وَبِهِ قَالَ م ر.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الزَّوَالِ) ظَرْفٌ لِتَغَيُّرٍ، سَوَاءٌ كَانَ
الْأَكْلُ أَوْ النَّوْمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ وَهُوَ كَذَلِكَ)
مُعْتَمَدٌ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ فَمُهُ بِنَحْوِ
نَوْمٍ اسْتَاك لِإِزَالَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. اهـ. فَفِي
قَوْلِ الَأُجْهُورِيُّ لَكِنَّ عِبَارَةَ م ر فِي الشَّرْحِ قَاضِيَةٌ
بِالْكَرَاهَةِ نَظَرٌ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ. وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا
يُكْرَهُ بِحَذْفِ إنَّهُ؛ لِأَنَّ لَا يُكْرَهُ خَبَرُ إنَّ الْأُولَى.
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَعَادَهَا تَأْكِيدًا.
قَوْلُهُ: (عَلَى شِبْرٍ) أَيْ بِالشِّبْرِ الْمُعْتَدِلِ لَا بِشِبْرِ
نَفْسِهِ لِمَا قِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَرْكَبُ عَلَى الزَّائِدِ.
وَيُسْتَحَبُّ إمْسَاكُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى بِأَنْ تَجْعَلَ الْخِنْصَرَ
مِنْ يَمِينِك تَحْتَهُ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ
فَوْقَهُ وَاجْعَلْ الْإِبْهَامَ أَسْفَلَ رَأْسِهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ
مَسْعُودٍ. وَلَا يَقْبِضُ عَلَى السِّوَاكِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ
الْبَاسُورَ، وَإِنَّمَا كَانَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَإِنْ كَانَ
لِإِزَالَةِ التَّغَيُّرِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تُبَاشِرُهُ، وَبِهِ
يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِنْتَارِ بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ نَتْرِ
الذَّكَرِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْلَعَ رِيقَهُ أَوَّلَ مَا يَسْتَاكُ
(1/122)
بِهِ أَسْنَانِي وَشُدَّ بِهِ لِثَاتِي
وَثَبِّتْ بِهِ لَهَاتِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ ظَاهِرًا
وَبَاطِنًا فِي طُولِ الْفَمِ لِخَبَرِ: «إذَا اسْتَكْتُمْ فَاسْتَاكُوا
عَرْضًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَيُجْزِئُ طُولًا لَكِنْ
مَعَ الْكَرَاهَةِ. نَعَمْ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ فِي اللِّسَانِ طُولًا
كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَيَحْصُلُ بِكُلِّ حَسَنٍ يُزِيلُ
الْقَلَحَ كَعُودٍ مِنْ أَرَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ
أُشْنَانٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، لَكِنَّ الْعُودَ أَوْلَى مِنْ
غَيْرِهِ وَالْأَرَاكُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِيدَانِ،
وَالْيَابِسُ الْمُنَدَّى بِالْمَاءِ أَوْلَى مِنْ الرَّطْبِ وَمِنْ
الْيَابِسِ الَّذِي لَمْ يُنَدَّ وَمِنْ الْيَابِسِ الْمُنَدَّى بِغَيْرِ
الْمَاءِ كَمَاءِ الْوَرْدِ، وَعُودُ النَّخْلِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ
الْأَرَاكِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُسَنُّ غَسْلُهُ
لِلِاسْتِيَاكِ ثَانِيًا إذَا حَصَلَ عَلَيْهِ وَسَخٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ
نَحْوُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا يَكْفِي الِاسْتِيَاكُ
بِأُصْبُعِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَشِنَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى
اسْتِيَاكًا، هَذَا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً
وَهِيَ خَشِنَةٌ أَجْزَأَتْ إنْ قُلْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ وَقْتَ وَضْعِهِ فِي الْفَمِ وَقَبْلَ أَنْ
يُحَرِّكَهُ كَثِيرًا لِمَا قِيلَ إنَّهُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ
وَالْبَرَصِ وَكُلِّ دَاءٍ سِوَى الْمَوْتِ وَلَا يَبْلَعُ بَعْدَ ذَلِكَ
شَيْئًا لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْوَسْوَاسَ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ
قَوْلُهُ: (لِثَاتِي) بِتَثْلِيثِ اللَّامِ جَمْعُ لِثَةٍ بِتَثْلِيثِهَا
أَيْضًا وَهِيَ مَا حَوْلَ الْأَسْنَانِ وَعِبَارَةُ ق ل هِيَ اللَّحْمُ
الْمَغْرُوزُ فِيهِ الْأَسْنَانُ وَأَصْلُ لِثَةٍ لِثَى حُذِفَتْ لَامُ
الْكَلِمَةِ وَعُوِّضَ عَنْهَا التَّاءُ، وَأَمَّا لَهَاتِي فَمُفْرَدٌ لَا
جَمْعٌ وَهِيَ قِطْعَةُ لَحْمٍ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْحَلْقِ مُشْرِفَةٌ
عَلَى الْقَلْبِ تَرُوحُ عَلَيْهِ وَلَوْلَاهَا احْتَرَقَ الْقَلْبُ. اهـ.
شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (قَالَ النَّوَوِيُّ إلَخْ) أَشَارَ النَّوَوِيُّ
بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ بِخُصُوصِهِ، وَإِنْ
كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ طَلَبِ الدُّعَاءِ اج.
قَوْلُهُ: (فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ) وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَبْدَأَ
بِجَانِبِ فَمِهِ الْأَيْمَنِ فَيَسْتَوْعِبَهُ بِاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ
فِي الْأَسْنَانِ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى ظَهْرًا وَبَطْنًا إلَى
الْوَسَطِ ثُمَّ الْأَيْسَرُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (فِي طُولِ الْفَمِ)
تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ
السِّوَاكِ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ أَنْ يَكُونَ فِي طُولِ الْفَمِ.
وَقَوْلُهُ: فِي طُولِ الْفَمِ مُتَعَلِّقٌ بِالسِّوَاكِ بَعْدَ
تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ، فَالْأَوَّلُ تَعَلَّقَ
بِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ، وَالثَّانِي تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ، فَلَا
يُقَالُ فِيهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ
وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (بِكُلِّ خَشِنٍ) أَيْ طَاهِرٍ وِفَاقًا لِلرَّمْلِيِّ
وَخِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: يَكْفِي النَّجِسُ وَلَوْ مِنْ
مُغَلَّظٍ. وَرَدَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» وَهَذَا مُنَجِّسَةٌ لَكِنَّهُ أَجَابَ
بِأَنَّ الْمُرَادَ الطَّهَارَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَخَشِنٍ بِكِسْرَتَيْنِ
كَمَا قَالَهُ الْأُشْمُونِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ. وَفِعْلُ
أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفِعْلٍ لَكِنْ جَوَّزَ الْقَامُوسُ فِيهِ فَتْحَ
الْخَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ. قَوْلُهُ: (يُزِيلُ الْقَلَحَ) هُوَ مَا
يَتَرَاكَمُ عَلَى الْأَسْنَانِ مِنْ الْوَسَخِ ق ل.
قَوْلُهُ: (أَوْ خِرْقَةٍ) عَطْفٌ عَلَى عُودٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَرَاكُ أَوْلَى) . حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَفْضَلَ
الْأَرَاكُ ثُمَّ جَرِيدُ النَّخْلِ ثُمَّ الزَّيْتُونُ ثُمَّ ذُو الرِّيحِ
الطَّيِّبِ ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَعْوَادِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِيهِ
خَمْسَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ أَيْضًا وَهِيَ الْيَابِسُ
الْمُنَدَّى بِالْمَاءِ، ثُمَّ الْمُنَدَّى بِمَاءِ الْوَرْدِ، ثُمَّ
الْمُنَدَّى بِالرِّيقِ ثُمَّ الرَّطْبُ ثُمَّ الْيَابِسُ الْغَيْرُ
الْمُنَدَّى، فَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ
فِي خَمْسَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بِمَرَاتِبِهِ
الْخَمْسَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا بَعْدَهُ، وَضَمَّ بَعْضُهُمْ لِهَذِهِ
الْخَمْسَةِ الْخِرْقَةَ وَأُصْبُعَ الْغَيْرِ بِشُرُوطِهَا، لَكِنْ لَا
تَجْرِي فِيهِمَا الْخَمْسَةُ السَّابِقَةُ بَلْ يَجْرِي فِيهِمَا مَا
عَدَا الرَّطْبَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الدَّيْوِيُّ، وَاعْتَمَدَ
شَيْخُنَا ح ف أَنَّ الْيَابِسَ الْغَيْرَ الْمُنَدَّى مُقَدَّمٌ عَلَى
الرَّطْبِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي إزَالَةِ التَّغَيُّرِ وَنَظَمَهَا
بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
أَرَاكٌ جَرِيدُ النَّخْلِ زَيْتُونٌ رُتِّبَتْ ... فَطِيبُ رِيحٍ بَاقِي
الْأَعْوَادِ كَمُلَا
وَكُلُّ مُنَدًّى أَلَمَّا فَمَا الْوَرْدُ رِيقُهُ ... فَذُو الْيُبْسِ
رَطْبٌ فِي السِّوَاكِ أَدَرُ وَاعْمَلَا
قَوْلُهُ: (بِأُصْبُعِهِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْأُصْبُعُ يُذَكَّرُ
وَيُؤَنَّثُ، وَيُقَالُ فِيهِ أُصْبُوعٌ وَهُوَ بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ
مَعَ تَثْلِيثِ الْبَاءِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
يَا أُصْبُعَ ثُلِّثْنَ مَعَ مِيمِ أُنْمُلَةٍ ... وَثَلِّثْ الْهَمْزَ
أَيْضًا وَارْوِ أُصْبُوعَا
(1/123)
بِطَهَارَتِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِالْيُمْنَى مِنْ يُمْنَى فَمِهِ «؛ لِأَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ مَا
اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ
وَتَنَعُّلِهِ وَسِوَاكِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَهُوَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ) أَيْ أَحْوَالٍ (أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا)
أَحَدُهَا: (عِنْدَ تَغَيُّرِ) رَائِحَةِ (الْفَمِ) وَقَوْلُهُ: (مِنْ
أَزْمٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ هُوَ السُّكُوتُ أَوْ
الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ. (وَ) مِنْ (غَيْرِهِ) أَيْ الْأَزْمِ
كَثُومٍ، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ.
(وَ) ثَانِيهَا (عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ) لِخَبَرِ
الصَّحِيحَيْنِ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ
مِنْ النَّوْمِ يَشُوصُ فَاهُ» أَيْ يُدَلِّكُهُ بِالسِّوَاكِ.
(وَ) ثَالِثُهَا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً وَهِيَ خَشِنَةٌ إلَخْ) ضَعِيفٌ
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجْزِي الِاسْتِيَاكُ بِأُصْبُعِهِ
الْمُنْفَصِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ خَشِنَةً عَلَى الرَّاجِحِ وَلَا
بِأُصْبُعِ غَيْرِهِ الْمُنْفَصِلَةِ، بَلْ يَحْرُمُ بِهِمَا، وَلَوْ
قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ قِيَاسًا عَلَى حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا
بِجَامِعِ إزَالَةِ الْقَذَرِ بِعُضْوٍ يَجِبُ احْتِرَامُهُ؛ لِأَنَّ
الْأَجْزَاءَ الْمُنْفَصِلَةَ مِنْ الْآدَمِيِّ يَجِبُ احْتِرَامُهَا
وَيَمْتَنِعُ امْتِهَانُهَا وَإِنْ أَذِنَ صَاحِبُهَا، إذْ لَا حَقَّ لَهُ
فِيهَا بِامْتِهَانِهَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ
دَفْنُهَا فَوْرًا مَا دَامَ صَاحِبُهَا حَيًّا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا شَكَّ
فِي التَّحْرِيمِ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهَا، وَأَمَّا أُصْبُعُ غَيْرِهِ
الْمُتَّصِلَةِ فَيَجْزِي السِّوَاكُ بِهَا إذَا كَانَتْ خَشِنَةً وَكَانَ
صَاحِبُهَا حَيًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَاعَدَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ،
وَالْأَجْزَاءُ الْمُتَّصِلَةُ شَأْنُهَا وَوَضْعُهَا الْعَمَلُ بِهَا.
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: يُشْتَرَطُ إذْنُ صَاحِبِ الْأُصْبُعِ هُوَ شَرْطٌ
فِي الْحِلِّ لَا فِي الْإِجْزَاءِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ ذَلِكَ،
وَلِهَذَا يَجْزِي تَسْوِيكُ الْمَيِّتِ بِأُصْبُعِ الْغَاسِلِ،
وَفَارَقَتْ أُصْبُعُهُ الْمُتَّصِلَةُ أُصْبُعَ غَيْرِهِ كَذَلِكَ بِأَنَّ
أَجْزَاءَ الْإِنْسَانِ لَا تُسَمَّى سِوَاكًا لَهُ. قُلْت: وَيُفَارِقُ
إجْزَاءُ مُتَّصِلَةِ غَيْرِهِ هُنَا عَدَمُ إجْزَائِهَا فِي
الِاسْتِنْجَاءِ بِفُحْشِ الِاسْتِنْجَاءِ وَحُرْمَةِ التَّنَجُّسِ عَلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْتَزِمَ إجْزَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ بِيَدِ
غَيْرِهِ، وَإِنْ حَرُمَ. ثُمَّ رَأَيْت م ر جَزَمَ بِالْتِزَامِ
الْإِجْزَاءِ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (مِنْ يُمْنَى فَمِهِ) أَيْ وَيَذْهَبُ إلَى الْوَسَطِ ثُمَّ
الْأَيْسَرِ وَيَذْهَبُ إلَيْهِ م ر.
قَوْلُهُ: (كَانَ يُحِبُّ) أَيْ يَخْتَارُ الْبَدْءَ بِالْأَيَامِنِ
يَعْنِي فِي الْأُمُورِ الشَّرِيفَةِ مَا اسْتَطَاعَ، أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ
قُدْرَتِهِ عَلَى تَقْدِيمِ الْيُمْنَى احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ تَرَكَهُ
لِنَحْوِ ضَرُورَةٍ وَعَدَمِ قُدْرَةٍ، فَلَا كَرَاهَةَ فِي تَقْدِيمِ
الْيُسْرَى حِينَئِذٍ وَلَوْ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْكَمَالَاتِ، أَوْ
أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِاخْتِيَارِ التَّيَمُّنِ مُبَالَغَةً فِي عَدَمِ
تَرْكِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي نَحْوِهِ. وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ
كَوْنَ " مَا " مَوْصُولَةٌ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الشَّمَائِلِ
وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ. وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي اسْتَطَاعَهُ.
قَوْلُهُ: (التَّيَامُنَ) فِي نُسْخَةٍ التَّيَمُّنَ. قَوْلُهُ: (فِي
شَأْنِهِ كُلِّهِ) مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّيَمُّنَ شُرِعَ فِي
أُمُورٍ غَيْرِ هَذِهِ وَلَا يُشْرَعُ لِأُمُورٍ أُخَرَ، فَقَوْلُهُ فِي
شَأْنِهِ كُلِّهِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَيُخَصُّ بِمَا هُوَ مِنْ بَابِ
التَّكْرِيمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ لُبْسِ الثَّوْبِ وَالسَّرَاوِيلِ
وَالْخُفِّ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ،
وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاكْتِحَالِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ
الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالْخُرُوجِ مِنْ
الْخَلَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ
مِنْ بَابِ الْإِهَانَةِ فَبِالْيَسَارِ كَدُخُولِ الْخَلَاءِ،
وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالِامْتِخَاطِ، وَالِاسْتِنْجَاءِ،
وَخَلْعِ الثَّوْبِ، وَالسَّرَاوِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ
مِنْهُمَا فَبِالْيَسَارِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَوَضْعِ الْمَتَاعِ.
قَوْلُهُ: (فِي طُهُورِهِ) بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ تَطْهِيرِهِ الشَّامِلِ
لِلْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ، وَهُوَ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ بَدَلُ بَعْضٍ
مِنْ كُلٍّ فَيَبْدَأُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي الْغُسْلِ،
وَبِالْيَمِينِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنْ
قَدَّمَ الْيُسْرَى كُرِهَ وَوُضُوءُهُ صَحِيحٌ، وَأَمَّا الْكَفَّانِ
وَالْخَدَّانِ فَيَطْهُرَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً.
قَوْلُهُ: (وَتَرَجُّلِهِ) أَيْ تَسْرِيحِهِ الشَّعْرَ مِنْ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ فَيُنْدَبُ تَقْدِيمُ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا
وَيُكْرَهُ تَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ
الْعِمَادِ. قَوْلُهُ: (وَتَنَعُّلِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ نَعْلِهِ أَيْ
لُبْسِهِ النَّعْلَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْحَصْرِ،
بَلْ ذَكَرَ أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ، وَآخَرَ يَتَعَلَّقُ
بِالْقَدَمِ إشَارَةً إلَى رِعَايَةِ التَّيَمُّنِ مِنْ فَوْقِهِ
لِقَدَمِهِ مُنَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُنَا
وَإِلَّا فَهِيَ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اج.
قَوْلُهُ: (أَيْ أَحْوَالٍ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْأَوْقَاتِ كَمَا
مَرَّ.
قَوْلُهُ: (رَائِحَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا اللَّوْنُ
كَصُفْرَةِ الْأَسْنَانِ وَالطَّعْمِ، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالْفَمِ
دُونَ السِّنِّ نَدْبَهُ لِتَغَيُّرِ مَنْ لَا سِنَّ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ
كَمَا مَرَّ، إذْ يُسَنُّ لَهُ الِاسْتِيَاكُ مُطْلَقًا وَيَتَأَكَّدُ لَهُ
عِنْدَمَا يَتَأَكَّدُ لِغَيْرِهِ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (السُّكُوتُ)
أَيْ الطَّوِيلُ. وَفِي الصِّحَاحِ: أَزَمَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْسَكَ
عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (كَثُومٍ) بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَفِي بَعْضِ
النُّسَخِ كَنَوْمٍ.
قَوْلُهُ: (وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ إلَخْ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ إنْ
قُرِئَ مَا قَبْلَهُ بِالْمُثَلَّثَةِ.
قَوْلُهُ: (وَثَانِيهَا عِنْدَ
(1/124)
(عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ)
وَلَوْ نَفْلًا وَلِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ نَحْوِ التَّرَاوِيحِ أَوْ
لِمُتَيَمِّمٍ أَوْ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ،
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَمُ مُتَغَيِّرًا أَوْ اسْتَاك فِي وُضُوئِهَا
لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي
لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ
وَلِخَبَرِ: «رَكْعَتَانِ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْقِيَامِ) أَيْ الْيَقِظَةِ مِنْ النَّوْمِ أَيْ: وَإِنْ لَمْ
يَتَغَيَّرْ فَمُهُ حَتَّى يُغَايِرَ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ ق ل؛ وَهَذَا
وَمَا قَبْلَهُ شَامِلٌ لِلصَّائِمِ وَغَيْرِهِ. قَوْله: (أَيْ
يُدَلِّكُهُ) وَقِيلَ الشَّوْصُ الْغَسْلُ.
قَوْلُهُ: (إلَى الصَّلَاةِ) وَلَوْ فِي أَثْنَائِهَا بِفِعْلٍ خَفِيفٍ؛
لِأَنَّ الْكَفَّ وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا فِيهَا، لَكِنْ عَارَضَهُ طَلَبُ
السِّوَاكِ لَهَا وَتَدَارُكُهُ مُمْكِنٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّارِعَ
طَلَبَ دَفْعَ الْمَارِّ فِيهَا وَالتَّصْفِيقَ بِشَرْطِهِ. وَيُسَنُّ
الِاسْتِيَاكُ لِسَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَيَسْتَاكُ
لِلسَّجْدَةِ وَإِنْ اسْتَاك لِلْقِرَاءَةِ، وَيَسْتَاكُ لِكُلِّ إحْرَامٍ
وَإِنْ وَالَى بَيْنَ الصَّلَوَاتِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. فَائِدَةٌ:
وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ نَذَرَ السِّوَاكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ
وَقُلْتُمْ بِالْوُجُوبِ هَلْ يَجِبُ تَعْمِيمُ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ
أَوْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا؟ . تَرَدَّدَ فِيهِ الْبَابِلِيُّ. وَقَالَ: لَمْ
أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ مَالَ إلَى تَعْمِيمِ الْأَسْنَانِ وَلَمْ
يَظْهَرْ مِنْهُ مَيْلٌ إلَى اللِّسَانِ. اهـ. قَوْلُهُ: «لَوْلَا أَنْ
أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا
أُشْكِلَ عَلَى مَا اشْتَهَرَ مِنْ مَعْنَى لَوْلَا، وَهُوَ امْتِنَاعُ
الثَّانِي لِوُجُودِ الْأَوَّلِ نَحْوُ: لَوْلَا زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُك.
امْتَنَعَ الْإِكْرَامُ لِوُجُودِ زَيْدٍ، إذْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
يَصِيرُ مُفَادُ الْحَدِيثِ امْتِنَاعَ الْأَمْرِ وَعَدَمَ وُجُودِهِ
لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ مَعَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ لَمْ تُوجَدْ وَالْأَمْرُ
وُجِدَ أَيْ: وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ تَرْغِيبَ
الشَّارِعِ فِي شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِهِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ
إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ
الْأُخْرَى لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ، فَالْمُمْتَنِعُ الْأَمْرُ
إيجَابًا لَا مُطْلَقُ الْأَمْرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مُضَافٍ
مَحْذُوفٍ وَهُوَ مَخَافَةُ أَنْ أَشُقَّ، فَالْمَوْجُودُ مَخَافَةُ
الْمَشَقَّةِ لَا نَفْسُ الْمَشَقَّةِ وَالْمَعْدُومُ الْأَمْرُ
الْإِيجَابِيُّ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوْلَا مَخَافَةَ أَنْ أَشُقَّ
لَأَمَرْتُهُمْ أَمْرَ إيجَابٍ فَامْتَنَعَ الْأَمْرُ إيجَابًا لِوُجُودِ
مَخَافَةِ الْمَشَقَّةِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُفَادُ الْحَدِيثِ
نَفْيُ أَمْرِ الْإِيجَابِ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ، وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ
ذَلِكَ ثُبُوتُ الطَّلَبِ النَّدْبِيُّ فَمَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ
بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَيْهِ؟ . نَعَمْ السِّيَاقُ وَقُوَّةُ الْكَلَامِ
تُعْطِي ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَفَادَهُ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَمْرِ عِنْدَ كُلِّ
وُضُوءٍ الْمُرَادُ مِنْهُ عُمُومُ السَّلْبِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ
مِنْهُ كَمَا تَرَى سَلْبَ الْعُمُومِ. اهـ. عَمِيرَةُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ)
بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَهِيَ ظَرْفُ
مَكَان وَزَمَانٍ تَقُولُ عِنْدَ اللَّيْلِ وَعِنْدَ الْحَائِطِ. اهـ.
نَوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ
أَنْ لَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَالٌّ عَلَى
الْوُجُوبِ بِجَوْهَرِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، فَيَصِيرُ
التَّقْدِيرُ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَوْجَبْت
عَلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي لَمْ أَشُقَّ فَلَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِمْ فَيَبْقَى
النَّدْبُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ
تَأْوِيلٍ إنَّمَا هُوَ صِيغَةُ أَفْعَلَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ
ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَأَمَّا مَادَّةُ أَمَرَ فَلَا
تَدُلُّ عَلَى وُجُوبٍ وَلَا نَدْبٍ إلَّا بِالْقَرِينَةِ، فَاحْتَاجَ
الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى التَّأْوِيلِ ع ش
إطْفِيحِيٌّ. وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا م ر فِي شَرْحِهِ لَفَرَضْتُ
عَلَيْهِمْ إلَخْ قَالَ ع ش. فَإِنْ قُلْت: هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْفَرْضِ، وَإِنَّمَا
يُبَلِّغُ مَا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَنْ اللَّهِ
تَعَالَى. قُلْنَا: أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ
ذَلِكَ بِأَنْ خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَمْرَ
إيجَابٍ وَأَمْرَ نَدْبٍ، فَاخْتَارَ الْأَسْهَلَ لَهُمْ وَكَانَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَءُوفًا رَحِيمًا.
قَوْلُهُ: (رَكْعَتَانِ بِسِوَاكٍ إلَخْ) صَرِيحُ هَذَا أَنَّ رَكْعَةَ
السِّوَاكِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَفِي رِوَايَةٍ:
«رَكْعَةٌ بِسِوَاكٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ رَكْعَةً» وَيَلْزَمُ عَلَى كُلٍّ
مِنْهُمَا زِيَادَةُ فَضْلِهِ عَلَى فَضْلِ الْجَمَاعَةِ مَعَ أَنَّهَا
فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ
صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً مَعَ
أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالسِّوَاكُ سُنَّةٌ. وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ
مِنْهَا: أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَفْضُلُ الْفَرْضَ كَمَا فِي ابْتِدَاءِ
السَّلَامِ وَرَدِّهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يُقَاوِمُ
خَبَرَ الْجَمَاعَةِ فِي الصِّحَّةِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ
(1/125)
مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِلَا سِوَاكٍ»
رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وَكَمَا يَتَأَكَّدُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا لِوُضُوءٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي
لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ،
وَمَحَلُّهُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ
النَّقِيبِ فِي عُمْدَتِهِ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ، وَكَلَامُ
الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ يَمِيلُ إلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ
قَالَ الْغَزَالِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ مَحَلُّهُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ.
وَلِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَلِذِكْرِ
اللَّهِ تَعَالَى وَلِنَوْمٍ وَلِدُخُولِ مَنْزِلٍ وَعِنْدَ الِاحْتِضَارِ،
وَيُقَالُ: إنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ وَفِي السَّحَرِ
وَلِلْأَكْلِ وَبَعْدَ الْوِتْرِ وَلِلصَّائِمِ قَبْلَ وَقْتِ الْخُلُوفِ.
فَائِدَةٌ: مِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ أَنَّهُ يُطَهِّرُ الْفَمَ،
وَيُرْضِي الرَّبَّ، وَيُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ، وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ
وَيُسَوِّي الظَّهْرَ، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُبْطِئُ الشَّيْبَ،
وَيُصَفِّي الْخُلُقَ وَيُذَكِّي الْفِطْنَةَ، وَيُضَاعِفُ الْأَجْرَ
وَيُسَهِّلُ النَّزْعَ كَمَا مَرَّ، وَيُذَكِّرُ الشَّهَادَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَى مَا إذَا صَلَّى جَمَاعَةً بِسِوَاكٍ وَصَلَّى صَلَاةً مُنْفَرِدَةً
بِلَا سِوَاكٍ، فَهَذِهِ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ تِلْكَ بِخَمْسٍ
وَثَلَاثِينَ فَيَكُونُ لِلسِّوَاكِ عَشَرَةٌ وَلِلْجَمَاعَةِ خَمْسٌ
وَعِشْرُونَ. وَأُجِيبَ أَيْضًا: بِأَنَّ الدَّرَجَاتِ الْمُتَرَتِّبَةَ
عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَدْ تَعْدِلُ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا كَثِيرًا
مِنْ الرَّكَعَاتِ بِسِوَاكٍ.
قَوْلُهُ: (وَكَمَا يَتَأَكَّدُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَقْيِيدَ
الْمُصَنِّفِ بِالْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ غَيْرُ مُرَادٍ، وَكَانَ الْوَجْهُ
إسْقَاطَ لَفْظِ ثَلَاثٍ. قَوْلُهُ: (لِوُضُوءٍ) أَيْ وَلِغُسْلٍ فَلَوْ
اسْتَاكَ لِلْوُضُوءِ الْمَطْلُوبِ لِلْغُسْلِ هَلْ يَسْتَاكُ لِلْغُسْلِ
نَظَرًا إلَى طَلَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوَّلًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَوَّلِ
كَمَا قَالُوا: لَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِمُزْدَلِفَةَ لِمَنْ اغْتَسَلَ،
قَالَ سم: الْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ وِفَاقًا لِلرَّمْلِيِّ، وَخِلَافًا
لِغَيْرِهِ كَابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ حَيْثُ قَالَ بِالثَّانِي. اهـ اج.
قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ طَلَبِهِ الَّذِي هُوَ الْأَكْمَلُ
الَّذِي لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى نِيَّةٍ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي غَسْلِ
الْكَفَّيْنِ كَالنِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ
هَذَا وَكَلَامِ الْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورِ ق ل. فَكَلَامُ ابْنِ
الصَّلَاحِ بِالنَّظَرِ لِلْأَكْمَلِ وَالْغَزَالِيِّ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ
السُّنَّةِ اهـ. م د. وَقَالَ شَيْخُنَا كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ
يُوَافِقُ مَا فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ مُوَافِقٌ
لِمَا فِي م ر، فَعَلَى كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ يَكُونُ مِنْ السُّنَنِ
الدَّاخِلَةِ فِيهِ لِشُمُولِ النِّيَّةِ لَهُ، وَعَلَى كَلَامِ م ر
يَكُونُ مِنْ السُّنَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ
لِعَدَمِ شُمُولِ النِّيَّةِ لَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْخِلَافُ
حَقِيقِيًّا غَيْرَ مُمْكِنِ الْجَمْعِ اهـ. .
قَوْلُهُ: (وَلِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ) أَيْ يَسْتَاكُ قَبْلَ الِاسْتِعَاذَةِ
وَالْقِرَاءَةُ شَامِلَةٌ لِلْبَسْمَلَةِ، وَمِثْلُ الْقِرَاءَةِ كُلُّ
ذِكْرٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَنَدْبُهُ لِلذِّكْرِ الشَّامِلِ
لِلتَّسْمِيَةِ مَعَ نَدْبِهَا لِكُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ الشَّامِلِ
لِلسِّوَاكِ يَلْزَمُهُ دَوْرٌ ظَاهِرٌ لَا مُخَلِّصَ عَنْهُ إلَّا
بِمَنْعِ نَدْبِ التَّسْمِيَةِ لَهُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ حَصَلَ مَانِعٌ
مِنْهَا هُوَ عَدَمُ التَّأَهُّلِ لِكَمَالِ النُّطْقِ بِهَا أَيْ:
لِأَنَّهُ لَا يَتَأَهَّلُ لِذَلِكَ إلَّا بِالسِّوَاكِ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلِنَوْمٍ) لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا مَرَّ، فَإِنَّ
الْمُرَادَ هُنَا لِإِرَادَةِ نَوْمٍ وَهُنَاكَ بَعْدَ النَّوْمِ.
قَوْلُهُ: (وَلِدُخُولِ مَنْزِلٍ) وَلَوْ لِغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ
خَالِيًا، وَقَيَّدَ ابْنُ حَجَرٍ بِغَيْرِ الْخَالِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ يُسَنُّ السِّوَاكُ لِدُخُولِهِ وَلَوْ
خَالِيًا بِأَنَّ مَلَائِكَةَ الْمَسْجِدِ أَشْرَفُ. وَفِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ
بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ» . قَالَ الْمُنَاوِيُّ: لِأَجْلِ السَّلَامِ
عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ شَرِيفٌ فَاسْتُعْمِلَ
السِّوَاكُ لِلْإِتْيَانِ بِهِ أَوْ لِطِيبِ فَمِهِ لِتَقْبِيلِ
زَوْجَاتِهِ. اهـ. وَيُسَنُّ أَيْضًا عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ. قَوْلُهُ:
(وَعِنْدَ الِاحْتِضَارِ) أَيْ فِي الْمَرِيضِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ إنَّهُ) أَيْ السِّوَاكَ مُطْلَقًا، لَكِنْ ظَاهِرُ
الْعِبَارَةِ تَبَعًا لِشَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ التَّسْهِيلَ مَبْنِيٌّ
عَلَى السِّوَاكِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، لَكِنْ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ
عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي السَّحَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ مَا بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ
وَجَمْعُهُ أَسْحَارٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ وَقْتِ الْخُلُوفِ) كَمَا يُسَنُّ
التَّطَيُّبُ لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ) الَّتِي أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ
إلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ خَصْلَةً، وَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ
الْحَشِيشَةِ الَّتِي ذَكَرُوا فِيهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ مَضَرَّةً.
مِنْهَا: نِسْيَانُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ
تَعَالَى. وَمِنْهَا: فَسَادُ الْعَقْلِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الشَّخْصِ
خَصْلَتَانِ. إحْدَاهُمَا تَذَكُّرُ الشَّهَادَةِ، وَالْأُخْرَى تُنْسِيهَا
كَالسِّوَاكِ وَأَكْلِ الْحَشِيشَةِ مَثَلًا هَلْ تَغْلِبُ الْأُولَى أَوْ
الثَّانِيَةُ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. وَنَقَلَ الْمُنَاوِيُّ تَغْلِيبَ الْأُولَى
تَحْسِينًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَيُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ) أَيْ يَزِيدُ فِي بَيَاضِهَا إذَا
كَانَتْ بَيْضَاءَ.
قَوْلُهُ: (وَيُبْطِئُ الشَّيْبَ) فِيهِ أَنَّ أَبْطَأَ لَازِمٌ فَلَا
يَتَعَدَّى لِلْمَفْعُولِ، وَعَلَى هَذَا فَالشَّيْبُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ
الْخَافِضِ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ:
(1/126)
عِنْدَ الْمَوْتِ. وَيُسَنُّ التَّخْلِيلُ قَبْلَ السِّوَاكِ وَبَعْدَهُ
وَمِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ وَكَوْنُ الْخِلَالِ مِنْ عُودِ السِّوَاكِ،
وَيُكْرَهُ بِالْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ.
فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَهُوَ
اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا
وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ
مِنْ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ وَلِلضِّيَاءِ مِنْ
ظُلْمَةِ الذُّنُوبِ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ أَفْعَالٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَعُدَّ لَازِمًا بِحَرْفِ جَرٍّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُبْطِئُ
بِالشَّيْبِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَيُصَفِّي الْخُلُقَ) فِي نُسْخَةٍ الْخِلْقَةَ وَهِيَ
الصَّوَابُ وَلِذَا عَبَّرَ بِهَا م ر وَعِبَارَتُهُ: وَيُصَفِّي
الْخِلْقَةَ. قَالَ ع ش: أَيْ لَوْنَ الْبَدَنِ. اهـ. فَائِدَةٌ: مِنْ
فَوَائِدِ السِّوَاكِ رِضَا الرَّحْمَنِ، وَدُخُولُ الْجِنَانِ،
وَإِدَامَتُهُ تُورِثُ السَّعَةَ وَالْغِنَى وَتَيَسُّرَ الرِّزْقِ
وَتَطَيُّبَ الْفَمِ وَتُسْكِنُ الصُّدَاعَ وَتُذْهِبُ جَمِيعَ مَا فِي
الرَّأْسِ مِنْ الْأَذَى وَالْبَلْغَمِ وَتُقَوِّي الْأَسْنَانَ وَتُجْلِي
الْبَصَرَ وَتَزِيدُ الرَّجُلَ فَصَاحَةً وَحِفْظًا وَعَقْلًا وَتُطَهِّرُ
الْقَلْبَ وَتَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ وَتَفْرَحُ الْمَلَائِكَةُ
وَتُصَافِحُهُ لِنُورِ وَجْهِهِ، وَتُشَيِّعُهُ إذَا خَرَجَ لِلصَّلَاةِ،
وَيُعْطَى الْكِتَابَ بِالْيَمِينِ، وَتُذْهِبُ الْجُذَامَ، وَتُنَمِّي
الْمَالَ وَالْأَوْلَادَ، وَتُؤَانِسُ الْإِنْسَانَ فِي قَبْرِهِ
وَيَأْتِيهِ مَلَكُ الْمَوْتِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ قَبْضِ
رُوحِهِ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ. اهـ. ذَكَرَهُ الزَّاهِدُ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ التَّخْلِيلُ) أَيْ تَخْلِيلُ الْأَسْنَانِ أَيْ
إزَالَةُ مَا بَيْنَهَا بِالْخِلَالِ مِنْ أَثَرِ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ
وَهُوَ أَمَانٌ مِنْ تَسْوِيسِهَا. |